وقد رأى بعض المذاهب الفلسفيّة المادِّيّة علاجَ الحقد في المجتمع البشريّ بين أفراده بإبراز رُوح الصِّراع وتعميق معالمه وآثاره في النفوس وشحنها بالبغضاء والكراهية ضد بعضها بعضًا. وهو علاج أشبه بعلاج إطفاء النار بزيادة فاعليتها في الحريق وتوسيع رُقعتها في الهدم والإبادة.
والحقد في النفس البشريّة وإن كان يُتْرجم أزمة فيها بسبب أو بآخر كالتطلُّع إلى ما في يد الغير مع العجز البدني أو الإراديّ أو الذهني عن اللَّحاق بهذا الآخر. فالإيمان بأنَّ في طَيّات العُسر وفي وقت المِحْنَة يوجد اليُسْر والفرَج وأنَّ اليُسْر والفرَج يتفجَّر من العسر كما يتفجَّر النهار من الليل. هذا الإيمان كَفيل ألاَّ يجعل ضيق النفس بالأمر يتحوَّل إلى حِقد على الغير وتَمَنِّي زوال نعمته. وبذلك يصون طاقاتِه من التبديد ثم يوجِّهها إلى ما فيه بناء نفسه وخير غيره.
وذلك ما يعنيه قوله تعالى في هذه السورة: { فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا}.
وعلى أيّة حال يجب على الإنسان - لكي لا يجعل للحقد مكانًا فيها يسود منه على تصرُّفاته- أن يشغل الفراغ لديه بالعمل المُجدي، ما يكاد ينتهي من حلقة فيه إلا ويستأنف الجِدَّ لحلقة أخرى. ويكون في جميع ما يعمل متَّجِهًا إلى الله وحده يستلْهِم منه استمرار الإيمان، والقوة على العمل أو العون على صفاء النفس وهذا معنى قوله جل شأنه:{ فإذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ. وإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} (الشرح: 7ـ 8). فبالإيمان الذي يحمل على العمل والاتجاه إلى الله وحده تصفو النفس وتبعُد عنها ظلمة الحقد وسلبيته.
وختاما؛
أقول لك يا حبيبتي في الله؛ حاولي أن تكوني امرأة مختلفة؛ فليس الجمال هو الذي يقدر النساء، وليست من تفوز بتاج ملكة جمال (الكون) هي أجملهم وأحسنهم وأفضلهم عند الله عز وجل؛ لأن الجمال هبة من الله. فكيف نقيم الناس علي منح الله لهم؛ لا علي ما جنته أنفسهم من إصلاح للنفس وحسن الأخلاق والتعامل مع الناس.
قولي لي بربك: هل المرأة الطبيبة التي تعالج الناس وهي قليلة الجمال أحب للناس وإلي الله؛ أم تلك الفاتنة التي لا تعرف المعروف مع الناس ولا تهتم سوي بزينتها وجذب الآخرين لها والمباهاة بما ليس من صنيعها؟ أمن تداوي الناس الأغلى والأطهر والأقوى نفسا، أم من لا تبالي سوي بزينتها . ومن تجمع بين الاثنين فهي في مزيد من فضل الله ونعمته لأنها لم تكتف بهبة الرب وإنما سعت إلي فضله بحسن الخلق.
سيدتي التواقة إلي الجمال؛ لقد قرأت ذات مرة وصف د.مصطفي محمود – الكاتب والطبيب المصري الشهير عن الجمال والقبح؛ فقال :إن كلاهما ما إن يتعود عليه الإنسان يزول، بمعنى أنك عندما ترين إنسانا جميل الشكل يثير في نفسك الإعجاب إلي فترة من الزمن؛ لا يكون بعدها الجمال هو سيد الموقف في تقييمك له، لأن سحر الجمال مع التعود يزول. والقبح الذي ينفر منه الناس يزول بعد التعود؛ فتصبح الأخلاق والسلوكيات هي المحك الحقيقي للإنسان.(33/1014)
فإن أردت أن تكوني جميلة؛ فأحسني في خلقك وارض بقضاء ربك؛ لأن هذا الجمال الحقيقي؛ لذلك كان الرسول الله صلي الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: "الحمد لله الذي حسن خلقي وخلقي، وزان مني ما شان من غيري".
نور الله بصيرتك وحسن خُلقك كما حسن خَلقك.
ـــــــــــــــــــ
خطوات عملية للتوبة من المواقع الإباحية ... العنوان
أمراض القلوب, السلوكيات ... الموضوع
بصراحة أنا آسف جدا لأني سأسأل في هذا الموضوع؛ لأني أعرف بأني مذنب في حق الله وفي حق نفسي. المشكلة هي أني لا أحافظ على توبتي من مشاهدتي الأفلام الخليعة. فكلما تبت من مشاهدتها وعاهدت الله علي التوبة؛ أعود إليها كلما ثارت رغبتي وأنقض العهد. وحينما انتهي من مشاهدتها أندم ندما شديدا لدرجة البكاء أحيانا، والعزم على ألا أعود لهذه المعصية؛ لكنني أعود.
وأنا الآن أكتب إليكم بعد أن شاهدت ما شاهدت، وأحسست بالذنب وتأنيب الضمير. علما بأني مستعد لفعل أي شيء قد يمنعني من مشاهدة هذه الأفلام الخليعة.
أرجوا أن تدلوني على الطريقة المثلى لمنعي من مشاهدة هذه الأفلام الخليعة. ومادا أفعل لأكفر عن نقضي للعهد مع الله؟ أغيثوني بالإجابة على أسئلتي فأنا في دوامة، وأخشى عقاب الله.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الشيخ حامد العطار، الباحث الشرعي بالموقع :
أخي السائل؛ نسأل الله تعالى أن يهديك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يجعلك من عباده المخلَصين .
بادئ ذي بدء نعلم أنك في غنى عن سماع الحكم الشرعي؛ فأنت على يقين بأن ما تصنعه حرام، لذلك تنوي التوبة لكنك لا تلبث أن تعود.
ونصف لك أسبابا عملية للخروج من هذه الفتنة التي لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى :-
* إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الإنترنت فقم ببيع كارت المودم فورا، أو تخلص منه حتى يشفيك الله عز وجل، ولا تتعلل بأهميته وفوائده.
* إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الدش فقم بالتخلص منه، أو بتشفير القنوات الجنسية.
* حاول أن تبحث عن رفقة صالحة تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك إذا ذكرت.
* املأ وقت فراغك بالعمل الصالح، والدعوة إلى الله، ولا تكثر الجلوس منفردا.
* ادع الله، بضراعة في أوقات السحر، أن يعافيك، وألح على الله في ذلك.
* انذر عن كل يوم تشاهد فيه هذه الأمور نذرا يتعبك كالصدقة بمبلغ كبير، أو بصيام يوم، أو بذكر الله بـ "سبحان الله وبحمده" ثلاثة آلاف مرة. وهذا لا أنصحك به إلا إذا(33/1015)
كان قد بلغ خوفك من الله أنك توفي بالنذر. فإذا كنت تعلم من نفسك الجرأة على الله بعصيانه في الوفاء بالنذر فلا ننصحك به؛ حتى لا يجتمع عليك وزران.
* أكثر من الصيام، واعلم أن من صام بالنهار عن الحلال، ثم أفطر في الليل على الحرام فقد أضاع أجر صيامه، وأتعب نفسه فيما لا فائدة فيه.
* عاقب نفسك إذا عدت إلى ذلك بعقاب يؤلمك، ويردعك.
أما بالنسبة للإيمان والعهود التي قطعتها على نفسك ثم نكصت في عهدك مع الله تعالى وحنثت في الأيمان فيجب عليك أن تكفر عن أيمانك.
ثم لا بد أن تحدد: هل عليك كفارة واحدة أم عليك كفارات إذا كانت الأيمان والعهود متكررة؟
ففي المسألة خلاف بين الفقهاء، فقيل إنه يجب عليك لكل يمين كفارة وقيل يكفيك كفارة واحدة، إذا تكرر منك الحنث في كل مرة دون أن تكفر.
ويضيف الشيخ محمد صالح المنجد، من علماء السعودية:
خير ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى، والحذر من نقمته وغضبه، وأليم عقابه، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول: وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
وانظر إلى هذه الجوارح التي تسعى بها إلى المعصية، ألا ترى الله قادرا على أن يسلبك نعمتها، وأن يذيقك ألم فقدها؟ ثم انظر إلى ستر الله تعالى لك، وحلمه عليك، وأنت تعلم غيرته على عباده، فما يؤمّنك أن يغضب عليك، فيكشف أمرك، ويطلع الناس على سرك، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة.
وهل ستجني من النظر المحرم إلا الحسرة، والشقاء، وظلمة القلب؟
وهب أنك شعرت بمتعة أو لذة، يوما أو يومين، أو شهرا أو سنة.. فماذا بعد؟!
موت.. ثم قبر.. ثم حساب، فعقاب... ذهبت اللذات وبقيت الحسرات.
وإذا كنت تستحيي من أن يراك أخوك على هذه المعصية، فكيف تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!
أما علمت أن الله يراك، وأن ملائكته تحصي عليك، وأن جوارحك غدا ستنطق بما كان؟
واعتبر بما أصبح عليه حالك بعد المعصية: هم في القلب، وضيق في الصدر، ووحشة بينك وبين الله.
ذهب الخشوع.. ومات قيام الليل.. وهجرك الصوم.. فقل لي بربك ما قيمة هذه الحياة؟
كل نظرة تنظرها إلى هذه النوافذ الشيطانية، تنكت في قلبك نكتة سوداء، حتى يجتمع السواد فوق السواد، ثم الران الذي يعلو القلب، فيحرمك من لذة الطاعة، ويفقدك حلاوة الإيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}" (رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه).(33/1016)
فكن ممن نزع واستغفر وتاب، وأكثر من التضرع لله تعالى أن يُطهر قلبك وأن يُحصن فرجك، وأن يُعيذك من نزغات الشيطان. واجتنب كل وسيلة تدعوك أو تذكرك بالحرام، إن كنت صادقا راغبا في التوبة.
فبادر بإخراج هذا الدش من بيتك، واقطع صلتك بمواقع السوء على الانترنت، واعلم أن خير وسيلة تعينك على ترك ما اعتدته من الحرام، أن تقف عند الخاطرة والهم والتفكير، فادفع كل خاطرة تدعوك للمشاهدة، قبل أن تصبح رغبة وهمّا وقصدا ثم فعلا.
وقد قال الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: "الخطوة الأولى في الباطل إن لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث الهم، والهم يورث القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت، فينبغي حسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر ، فإن جميع ما وراءه يتبعه". وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} (النور:21).
وإن أمكنك الاستغناء التام عن الانترنت فافعل، إلى أن تشعر بثبات قلبك، وقوة إيمانك. واحرص على الرفقة الصالحة، واحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من نوافل العبادة، وتجنب الخلوة والتفكير في الحرام ما أمكن.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك للتوبة الخالصة النصوح.
ـــــــــــــــــــ
هل أستحق كل هذا العذاب؟ ... العنوان
أمراض القلوب, العقيدة ... الموضوع
والله لا أعرف كيف أبدا الحديث عن مشكلتي؛ فأنا أكتب والدموع تتساقط على لوحة المفاتيح من الألم والعذاب النفسي الذي أعانيه.
كنت طفل أحب كل من حولي؛ لا أكن لأحد في قلبي كرها. وكنت الوحيد من الزوجة الثانية لوالدي، عانيت من إخوتي الكبار، عذبوني وأذاقوني الموت وأنا على قيد الحياة. لم أشعر بالحب الحقيقي إلا من أمي فقط. لقد كان أبي يترك كافه الأمور لأخي الكبير. ويقول أخي لوالدي أنه سيأخذني معه لأتعود على الناس والحياة أفضل من الجلوس في المنزل مثل النساء.
لقد كان قاسيا جدا معي. ولا أدري لماذا أرسل لي ربي كل هذا العذاب؟؛ مع أني تمنيت منذ الصغر أن أكون داعية إسلامي ناجح إلى أبعد الحدود؛ لذا دخلت مدارس تحفيظ القران، وكنت أذهب للمسجد لأداء الصلاة، وأهتم بسماع المحاضرات.
لكن أخي الأكبر دمر حياتي وحطم كل أحلامي وأمنياتي. لا أستطيع أن أقول ماذا فعل بي؛ آه لقد قتلني وأنا في الصف الثاني الابتدائي افتعل بي أكثر من مره وخدعني بألا أخبر أحدا.
أنا قصتي عذاب لم ولن يعانيه أحد لا قبلي ولا بعدي؛ لقد علم والدي وأمي وإخواني؛ وأصبحت صغيرا أمام الكل؛ رغم أنه ليس لي أي ذنب في هذا الموضوع. أنا لا أنام إلا بعد أن أدعوا الله أن يميتني ويريحني من هم الدنيا ومن نظرات والدي ووالدتي(33/1017)
وإخواني الكبار لي. أصبحت أعيش جسدا بلا روح. أشعر بأني ميت. أتمنى أن أموت وأتخلص من مشاكلي؛
رغم أني محبوب جدا خارج المنزل ويمدحني الناس دائما؛ ولكنهم لا يعرفون الألم الذي أعيشه وأعانيه. يا ليت الانتحار كان ممكنا؛ كنت خلصت نفسي من آلامها.
أنا إلى الآن أعاني ما أنا فيه؛ ولا أميل إلى النساء. أنا بلا شهوة أتمنى أن أكون حيوانا لكي أكون في القيامة ترابا. لكم نظرت إلى مشلولين وتمنيت أن أكون مثلهم ولا أصاب بما أنا فيه. وكم من أقارب قد ماتوا وتمنيت أن أكون مكانهم. آه يا رب يا رب ساعدني. أنا لا استطيع أن أعيش في منزلي لحظه واحدة أتمنى أن استقل واختفي عنهم ولا أعيش معهم لحظه واحدة. مالي في الدنيا هذه كلها غير أمي فقط. اخبروني ما ذنبي ولماذا كل هذا العذاب رغم أني والله أحب الله كثيرا وأتمنى أن ألقاه وأحكي له وأشرح له وجها لوجه معاناتي. أريد أن أيقن أنه يسمعني وأساله هل أنا استحق كل هذا العذاب؟ ولماذا؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الشيخ سمير حشيش – الواعظ بالأزهر الشريف :
الأخ الكريم/ الذي يتمني الموت أكثر مما يتمني صلاح أمره وحاله...
أستطيع أن أقسم رسالتك إلى ثلاثة أقسام :
* مشكلتك مع أهلك.
* مشكلتك مع زوجك.
* علاقتك مع الله (وهي الأهم في نظري).
ولنناقش معا- بهدوء تام- مشكلة مشكلة، والله المستعان.
أولا: مشكلتك مع أهلك:
وتتلخص -كما ذكرت أنت- في اعتداء أخيك عليك، وفي نظرة والدك ووالدتك وإخوتك إليك.
أما الجزء الأول فواضح ومفهوم، وأراك فيه يا أخي تحمل نفسك ما لا تطيق، وتتهم نفسك بما ليس فيها، فما ذنب طفل صغير لا يعي من أمور الدنيا شيئا أن أوقعه القدر في يدي وحش كاسر لا يعرف من حقوق الآدمية شيئا.
فأنت يا أخي ليس لك في هذا الحادث أي ذنب تلام عليه أو جرم تؤخذ به، ففيم عذابك إذن؟! أهو عذاب من أصابته بلوى لا يستطيع لها دفعا، ليكن كذلك، فأين الصبر على ما قضى الله وقدر.
يا أخي، إن الإنسان إن استطاع دفع الضر عن نفسه ثم لم يفعل فهو آثم شرعا، وتستهجن منه الشكوى، بل يكون هو الملام في هذه الحالة.
أما إن كان لا يملك لضره دفعا فما عليه إلا الصبر والتصبر بالله عز وجل وإدامة الدعاء لتخيف الكرب وكشف الضر.(33/1018)
وأنت يا أخي لم تحدد لنا طبيعة نظرة أهلك لك.. هل هم يتهامسون ويتغامزون عليك؟ هل يلومونك أو يتهمونك بشيء كالشذوذ أو أنك مجرم مثلا ولست ضحية؟... لم توضح، وإن كنت أظن أن هذه النظرة غير واردة منهم، وأن ما في نفسك من نظراتهم إنما هي هواجس بسبب ما تحس به أنت من نقص وفضيحة؛ فلن تجد يا أخي أحدا يحبك مثل أهل بيتك خاصة أباك وأمك، وليس معنى أن أحدهم سيئ أن يرضى الكل عنه وعن إساءته، كلا، ففي الناس خير وشر وإحسان وإساءة، بل قد يجتمع هذا في الإنسان الواحد.
واضح أن رد فعل الأهل حين اطلعوا على الأمر كان سلبيا، ولكن لتعلمْ يا أخي أن سلبيتهم- وإن كانت خطأ فادحا في مثل هذا الموقف- ليست نابعة عن رضا بالفعل، حاشا لله أن يظن بأب وأم مثل هذا، ولكن هذه السلبية إنما هي نتاج خوف الفضيحة، وكان من المفترض أن يكونوا أكثر حزما وصرامة في معاقبة المعتدي.
فدعك يا أخي من هاجس نظراتهم هذا ولا تثقل على نفسك.. وإن كنت لا تستطيع البقاء في البيت مع الأهل كما تقول فعليك أن تسعى من الآن في تدبير مسكن آخر لك ولزوجك ولتنتقلْ إليه فورا، وحبذا لو كان بعيدا عن مسكن العائلة؛ فهو أدعى لأن تهدأ النفس إن شاء الله.
ثانيا: مشكلتك مع زوجك:
لمست هذا من قولك: "وإلى الآن لا أميل إلى النساء، بلا شهوة أتمنى أن أكون حيوانا".
والحق أنني لا أستطيع أن أجزم هل هي مشكلة بالفعل أم لا، وهل هذا الكلام منك مقصود بالحرف أم أنه اندفاع بثقل الهم داخلك، وهل ما تشكو منه- إن وجد- عضوي أم حالة في النفس تقعدك عن إتمام العملية الجنسية مع وجود الرغبة والاستعداد العضوي من قبل .. لم توضح لنا يا أخي .
وفيما أعلم، فإن ما تعرضت له في صغرك لا يؤثر عضويا على النمو الفسيولوجي ولا على الطبيعة والغريزة، اللهم إلا أن تنقلب الحال إلى مرض نفسي، أو نفسي يؤدي إلى عضوي.
وحالتك- إن كنت تقصد ما كتبته بالحرف- تحتاج إلى طبيب متخصص في علاج الأمراض التناسلية ومتخصص في الطب النفسي أيضا.
وعلى كل حال فأنا لا أظن أنك تقصد هذا المكتوب بالحرف؛ فأنت لم تذكر أن علاقتك بزوجك متوترة أو غير ذلك، فلعل ما قلته تفريغ همّ، ولكني قلت لك ما قلت من باب الاحتياط.
ثالثا: علاقتك مع الله:
أخي، لاحظت توترا في علاقتك بالله من خلال قولك: "ولا أدري ما السبب لكي يرسل لي ربي كل هذا العذاب... أريد أن أوقن أنه يسمعني وأسأله هل أنا أستحق كل هذا العذاب ولماذا؟".
إياك أن تتهم الله في قضائه.. حدث ما حدث وأنت صغير لا ذنب لك بل أنت المعتدى عليه، وهذا قدرك وابتلاء الله لك.(33/1019)
و والله يا أخي ما في هذه الحياة خير وأفضل مما قضى الله وقدر لنا، نعم قد نرى الشر ظاهرا ولكن الحقيقة أننا لا ندري خلف هذا القضاء شيئا. والله يا أخي له حِكَم في قدره يخفيها عنا لتكمل بذلك حقيقة الامتحان والاختبار في هذه الدنيا.
ومع ذلك لم يترك المؤمن ليتخبطه الشيطان وإنما أنزل له من القرآن ما يشفي صدره ويذهب عنه الهمّ حتى وإن لم يعلم مراد الله من قدره، يقول سبحانه: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (سورة البقرة : 216).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن".
فثق في الله يا أخي، وإياك أن تحدثك نفسك بأن الله- وحاشا لله- يظلمك أو يعذبك أو يبتليك هكذا عبثا.
وأقل ما تخرج به من بلائك هذا لو آمنت وأحسنت الظن بربك أن تغفر ذنوبك أو ترفع عند ربك درجات.. وفي الوقت نفسه اسع ما وسعك الجهد لأن تُنهي هذه الحالة التي أنت فيها.
وأما عن تمنيك الموت فأنقل لك كلمات عطرة للشيخ حسنين مخلوف رحمه الله– من علماء الأزهر الشريف :
لا يجوز للمسلم أن يَتمنَّى الموت إذا مَسَّهُ مكروه وامْتُحِنَ في حياته بما يَضُرُّه ويؤذيه في نفسه أو ماله أو جاهه، بل يصبر على ما أصابه فإن ذلك من عزم الأمور، ويحتسب أجر ذلك عند الله تعالى وهو ولي الصابرين، وروَى أنس بن مالك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا يَتمنَيَنَّ أحدكم الموت لِضُرٍّ نَزَلَ به في الدنيا، لكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي" .
ونهَى المؤمنَ عن تمني الموت إذا نَزَلَ به ضُرٌّ وأُمِرَ أن يَلْجَأ إلى الله سبحانه مستعينًا به سائلا خير ما عنده له.
وأما قول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"، فقد قال ابن حزم : إنه ليس استعجال الموت المنهي عنه، بل هو دعاء بالله يتوفاه الله تعالى إذا توفاه إلا مسلمًا (من كتاب المحلَّى). فهو دعاء بطلب الخير المحبوب .
وهكذا الإسلام يربي النفوس حتى في خلجات الصدور وأحاديث النفس، فينهاها عن تمني الموت فرارًا من تكاثر المِحَن، ويَحُثُّها على اللِّيَاذ عند ذلك بالله تعالى واستمداد العون منه على كشف الضر وتفريج الكرب، وعلى الخير والرضا عند نزول المكاره بالقضاء، فإذا أخذ المؤمن نفسه بذلك كان من أولي العزم الأقوياء واستحق أجر الصابرين ونال درجة المقربين .
أما الاستسلام للوساوس والجَزَع عند المكاره وتمني الخلاص منها بالموت فذلك ضعف وخَوَر، ونقص في الإيمان والثقة بالله تعالى، ونسأله تعالى التثبيت واليقين. والله أعلم.
وختاما؛(33/1020)
فعليك يا أخي أن تصبر على ما أصابك، فإن ذلك من عزم الأمور، ومن رضي بقضاء الله فله الرضا، ومن سخط على قدر الله فله السخط. أسأل الله لي و لك وللمسلمين الهداية والتوفيق والسداد والرشاد والفقه في الدين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
كن عادلا وحكيما تكن مديرا ناجحا ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
الإخوة الكرام
جزاكم الله خيرا على ما تقومون به من جهد لا بأس به، في خضم الحياة المادية الطاغية.
وبعد:
فسؤالي هو كيف أستميل قلوب الموظفين الذين تحت مسئوليتي وكيف أجعلهم يحبونني ويتعاونون فيما بينهم؛ وما الوسائل المعينة على رفع روح الحسد والحقد بينهم وتحويلها إلى روح منافسة شريفة يتقبل فيها كل واحد منهم الآخر بما عنده من إيجابيات وسلبيات ؟
ولكم الشكر أولا و آخرا.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يجيب الأستاذ همام عبد المعبود :
أخي الفاضل/ مدير مسئول
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًّا.. آمين، ثم أما بعد:
فسؤالك – أخي الكريم – ذو شقين، أولهما : عن الطريقة التي تستميل بها قلوب الموظفين الذين يعملون تحت مسئوليتك، فيحبونك ويتعاونون فيما بينهم، أما الشق الثاني : فهو عن الوسائل التي تعين في القضاء على آفتي "الحسد والحقد" بين الموظفين، وتحولها إلى "منافسة شريفة" يتقبل فيها كل منهم الآخر.
أما عن الشق الأول فأستعين بالله وأقول لك :
إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويقول تعالى لرسوله الكريم في الدستور الخالد: (...هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه..فيحبه جبريل.. ثم ينادي في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله أحب فلانا فأحبوه.. فيحبه أهل السماء..ثم يوضع له القبول في الأرض...).(33/1021)
وانطلاقا من هذه المعاني العظيمة، الواردة في كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسوله صلى الله علية وسلم، فإنني ألخص لك الإجابة في النقاط العملية الآتية:-
* توجه إلى الله وأسأله أن يحبب إليك مرؤسيك، وأكثر من الدعاء بأن يلين الله قلوبهم ويزرع محبتك في قلوبهم.
* عامل مرؤسيك باحترام شديد، ولا تتعمد الإساءة إليهم باللفظ أو بالإشارة.
* راع مشاعرهم، وتعرف عن ظروفهم الاجتماعية، واسأل عن أحوالهم.
* أسر إلى المخطئ منهم بخطئه، وانصح من أردت منهم على انفراد، ولا تنصحه على الملأ.
* امنح المخطئ منهم فرصة أخرى، بعد أن تعرفه بذلك، وتأخذ منه عهدا على ألا يكرر ذلك.
* اعتمد سياسة الثواب والعقاب، منهجا لوقف الأخطاء والتحفيز على الإنتاج.
* كافئ المحسن منهم، وأعلن عن أسباب المكافأة لتشجيع غيره على السير حذوه.
* حافظ على التوازن في التعامل مع مرؤسيك، فامسك بالعصاة من المنتصف، فلا تجفو عليهم وتغلظ في المعاملة ولا تكسر الحدود بينك وبينهم بل اجعل من الوسطية منهجا.
* احرص على نيل ثقتهم حتى لا يخفون عنك شيئا، ولا يفعلون شيئا – يخص العمل- من ورائك ودون علمك.
* احرص على نيل احترامهم وحبهم، فإن الحب بدون احترم يورث المهانة وعدم التوقير.
أما عن الشق الثاني وهو سؤالك عن الوسائل التي تعين في القضاء على آفتي "الحسد والحقد" بين الموظفين، وتحولها إلى "منافسة شريفة" يتقبل فيها كل منهم الآخر، فإن مما يزرع الحقد والحسد بين العاملين في مؤسسة ما هو شعور العاملين بها بعدم المساواة في المعاملة بين العاملين، و تفضيل بعضهم على بعض بغير مبرر مقبول، وانتشار الحظوة والمحسوبية والمعارف بين مدير المؤسسة وأحد أو بعض العاملين دون الآخرين، ويظهر ذلك جليا في تباين الرواتب والأجور بين العاملين بطريقة ممجوجة، وانفراد قلة من العاملين بالمكافآت والحوافز والبدلات والمنح و....إلخ، مما يترك انطباعات سيئة لدى بعض العاملين، ويسلب حب العمل والحرص عليه والرغبة في التطوير لدى العاملين الذين يشعرون بالضيم.
أيضا مما يزرع الحقد بين العاملين تسليط مدير المؤسسة لبعض العاملين للعمل كجواسيس له، ينقلون إليه أخبار ومشاعر وكلمات وتحركات زملائهم، لكي يشبع هو رغبة في نفسه ويرسل رسالة للعاملين بأنه يعرف "دبة النملة" في المؤسسة، وهذا النوع من السلوكيات يجعل الزملاء ينفرون من هذا الزميل ويحذرون بعضهم منه، وينشر ثقافة الخوف والجبن بين العاملين.
ولذا فإنني أقترح الآتي :-
* اعتمد "الشفافية" أصلا في التعامل مع مرؤوسيك.
* كن واضحا وصريحا وحازما مع مرؤوسيك، حتى لا تدع مجالا للقيل والقال.(33/1022)
* اقتل الإشاعة بمجرد ظهورها، يمكنك مثلا عقد اجتماع للعاملين تبين فيه الأمر وتوضح فيه المسائل لتضع النقاط على الحروف، كما يمكنك مثلا أن تصدر بيانا توضيحيا يعلق بالمؤسسة تقطع بقه الشك باليقين.
* اعتمد مبدأ "المنافسة الشريفة" طريقة لتجويد العمل بين العاملين، ولا تنس أن تكافئ المجيد منهم .
* أعلن أسماء الفائزين منهم بجائزة "العامل المثالي" واكتب أسماءهم في لوحة الشرف، وكرمهم في حفل بسيط، ليكون ذلك حافزا للآخرين.
* سارع بإصلاح ذات البين بين من يترامى إلى سمعك أنهما متخاصمين أو متشاحنين، وكن أنت سبب الصلح بينهما.
* لا تنس أن تعمل روح القانون وأنت تطبق نصه على العاملين في المؤسسة.
* يمكنك أن تعتمد "زيادة الإيمان" وسيلة لتقريب النفوس وإزالة التنافر بين العاملين، فيمكنك مثلا: عمل إفطار جماعي شهري للعاملين بالمؤسسة، وقد يكون ذلك على نفقة المؤسس تحفيزا لهم على الحضور والالتزام به.
* قو الجانب الاجتماعي للعاملين في المؤسسة، ويمكنك مثلا تنظيم "رحلة أسرية" للعاملين بالمؤسسة ولو كل ثلاثة أشهر، وحبذا لو كانت رحلة نيلية، يقضي خلالها العاملون وقتا ممتعا مع أسرهم وتكون سببا في التعارف بين العاملين وأسرهم.
* اجعل آخر العلاج الكي، فلا تلجأ إلى العقاب المادي أو التحويل إلى الشئون القانونية وتوقيع الجزاءات إلا في أضيق الحدود.
وختامًا؛
أسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يرشدك إلى ما يصلح أحوالك مع مرؤوسيك، وان يزرع الحب في الله بينكما، وأن يهديك إلى اتخاذ القرارات الصائبة، وأن يحبب فيك مرؤوسيك، وأن يزرع الحب بين العاملين في مؤسستك، وان يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
ذنوبي كثيرة..فهل ليّ من توبة؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا بصراحة كنت مترددة كثيرا أن أتكلم مع أحد في هذا الموضوع؛ ولكن الإحساس بالذنب كاد يقتلني. المشكلة بدأت عندما تعرفت علي شاب وتطورت العلاقة بيننا لدرجة الزنا؛ ولكن بعدها شعرت أنني لا أستطيع الاستمرار في ارتكاب هذا الذنب، وقطعت علاقتي بهذا الشاب. وظللت أياما وليالي أبكي خوفا من الله، وكيف ألقاه بعد الممات؟
وظللت محافظة علي صلاتي وسلوكي لفترة، حتى تعرفت علي أصدقاء سيئين جدا، وبدأت الخروج في أماكن حرام، وشرب المحرمات. وتعرفت علي شاب آخر، وبدء يجعلني أفعل أشياء قذرة جدا، وهذا كله لأني طبعا لم أكن في وعيي.
وفي مرة حدث بيننا ما عاهدت الله علي عدم فعله؛ حيث جعلني أبات خارج المنزل معه وحدث ما حدث بيننا. ولكن بعدما عدت إلي المنزل شعرت بضيق وخوف(33/1023)
شديدين, وراودني شعور بأنني أحقر من أكون إنسانة. وبعدها قررت أن اقطع علاقاتي بكل من ساعدوني علي الحرام، وبدأت أحافظ علي صلاتي، وأقوم الليل واستيقظ للفجر.
لكنني لا اعلم إذا كان الله سيسامحني ويغفر لي؛ وخاصة أنها ليست المرة الأولي..وماذا عليّ أن أفعل لكي يسامحني الله؟ مع العلم أنني ندمت كثيرا علي ما فعلته ولا أنوي أن أعود إليه مطلقا....نفسي ارتاح.. أنا فعلا تعبانه...
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ مكرم ربيع – من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بك أيتها السائلة، وشكرا على ثقتك بنا.
بداية هنيئا لك التوبة والبعد عما كنت تفعلين، وأبشرك بأن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وأن الله يغفر الذنوب جميعا، إلا الشرك به، وهذا مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}( النساء:48)، والمهم هنا أن تتحقق في الإنسان شروط التوبة، من إقلاع عن الذنب في الحال، وندم شديد ما فات، وعزم أكيد على عدم الرجوع إلى الذنب ثانية، ثم رد المظالم إلى أهلها إن كان الحق متعلق بآدمي.
واعلمي أيتها السائلة أن الله تاب عن رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فيمن كان قبلنا، وأن من التابعين من كان قاطع طريق، فأصبح مثلا يحتذى به في طاعة الله، غير أن هؤلاء تابوا توبة نصوحا، وجاهدوا أنفسهم، وألزموها طاعة الله عز وجل.
وانظري إلى صفات المتقين في كتاب الله عز وجل؛ أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بارتكاب الذنوب والمعاصي ذكروا الله، واستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا على ما فعلوا، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}( آل عمران: 133- 136).
أيتها السائلة:
إن الإنسان لا يفعل الذنب دون وعي منه، بل يكون واعيا يستدرجه الشيطان إلى معصية الله خطوة خطوة؛ لذلك نهانا الله عن اتباع خطوات الشيطان فقال تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}( البقرة: 168)، والنفس تدفع الإنسان لمعصية الله عز وجل مصداقا لقوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}( يوسف: 53)، وكذلك الهوى يدفع الإنسان لمعصية الله عز وجل؛ مصداقا لقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ(33/1024)
عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }( ص: 26).
إن الإنسان يكون في غفلة فينسى أن الله يراه، ولا يتذكر إلا شهوته وإشباع غرائزه؛ لا يكون واعيا مدركا لما يفعل؛ فهل يحاسبنا الله عما نفعله ونحن في غير وعينا؟ حاشا لله أن يفعل ذلك وهو العدل؛ فكيف تذكرت ما فعلت؟ ولماذا ندمت عليه؟.
إن الصحبة في حياتك كان لها تأثير كبير في انجرافك إلى المعصية؛ فالصاحب ساحب -كما قيل- إما إلى الخير وإما إلى الشر، والرسول صلى الله عليه وسلم يرشدنا أن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وفي تشبيه بليغ يشبه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير. واعلمي أن الصديق السيئ يريد أن يرى الناس مثله؛ حتى لا يكون وحده في معصية الله.
وقد أحسنت صنعا أيتها الأخت في قطع علاقتك بكل من ساعدوك على الوقوع في الحرام، وأرجو ألا تعودي إليهم مرة أخرى مهما كانت الأسباب، وتذكري أنهم كانوا سببا من أسباب معصيتك لله. والمهم أن يستمر الإنسان في الطريق الصحيح، وأن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل حتى لا يعود إلى تلك المعاصي.
وإذا أرت أن يستقيم حالك، وألا تعودي إلى ما كنت عليه، فعليك بالتالي:
* حددي هدفك من هذه الحياة القصيرة، ماذا تريدين منها، وتذكري- كما قلت- وقوفك أمام الله عز وجل، وهيبة الموقف، وعظم من ستقفين أمامه وهو يعلم كل شيء عنك، وتذكري ذنبك دائما لتخضعي لله دائما.
* وثقي علاقتك بأهلك أو بأقربهم إليك، بشرط أن يكون أو تكون من أهل الصلاح والتقوى، ومن أهل المشورة والرأي.
* عليك بالصحبة الطيبة التي تعينك على طاعة الله، وستجدينها بإذن الله.
* اشغلي وقتك بحضور دروس العلم، أو في جمعية خيرية، ككفالة اليتيم، ولجان الزكاة، وجمعيات البر الكثيرة.
* اقرئي في قصص الصحابة والصحابيات، والتابعين والتابعيات؛ لتعرفي كيف كانوا، وكيف تحولت حياتهم.
* إذا كنت تدرسين فاهتمي بدراستك، واحرصي على التفوق، واجعلي سنوات الدراسة حركة دءوبة بين العلم والترفيه المباح وبناء الذات علميا؛ فهي من أجمل سنوات العمر، فلا تضيعيها.
هوني على نفسك -أيتها الأخت- وأقبلي على الله، واعلمي أنه رب غفور رحيم حليم لطيف بعباده، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ فأكثري من الاستغفار والدعاء والصدقة والبر.
ونسأل الله لك الهداية والفلاح وراحة البال، والاستمرار في طاعة الله عز وجل.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أحب الله ولا أخشاه..! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/1025)
سلام من الله عليكم، وسدد على طريق الحق خطاكم، وصلى الله وسلم على الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، أما بعد :
فمشكلتي تكمن في حبي الشديد لله تعالى؛ وأن هذا الحب قد طغى على خشوعي وخوفي منه، فأنا لا أخاف منه لأني أحبه، لدرجة أني أتمنى لقياه؛ ولكني أخاف القبر وظلمته.
وأعود وأقول أني أحب الله؛ فمهما سمعت من الترهيب من عذابه، جل وعلا، لا أخاف لأني أحب الله.
ولكن هذا الشعور ولد لدي عدم الشعور بمخافة الله الواجبة علي، مع العلم أني لا أتعدى حدود الله، فأنا والحمد لله ملتزمة جدا، ولكنني أتمنى لو أذرف دمعة واحدة خوفا منه سبحانه كل يوم، إنما أذرف الدموع لشدة حبي له سبحانه. وأخاف أن يذهب هذا الشعور ولا يبقى عندي حب ولا خوف.
ومن هذا أقول لكم؛ أنه ما من إنسان إلا ويخطأ وأنا بشر، ولكني إذا أخطأت استغفر الله لذنبي، وأفرح لأن الله تعالى جعلني أتذكر، وأعرف أني أخطأت؛ وجعلني أستغفره وهذا شعور أحبه، لما يولد لدي من رحابة صدر وفرح وحب لله والناس.
لكني لا أخاف من أن يعذبني الله. وهذا ما يخيفني. فهل هذا صحيح.. فأنا دائمة التوجه إلى الله بهذا الدعاء : (اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك)
أفيدوني أفادكم الله .. هل يكفي حبي لله عن مخافته؟
و جزاكم الله عني وعن الأمة كل خير... وصلى الله على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أيتها المحبة التي ترابط عنا في أرض فلسطين.. أحبك الله الذي أحببتِه، وحفظكِ بحفظه، وكلأكِ برعايته.
إن كلماتِك الرقيقة هذه تفوح بالمحبة والخوف والرجاء. وهذه الثلاثة أيتها الأخت الكريمة هي التي تبني أركان العلاقة بين الله تعالى وبين عبده. ولكن يتضح جليا أن المقادير عندك غير متكافئة، وغير متوازنة، يطغى بعضها على بعض.
فللحب نصيبه الأكبر. وهذا رائع وجميل، ولكنك تخافين من غلبة هذا الحب الإلهي على الخشية من الله تعالى. وهذا أيضا مؤشر صحي.
ومع أنني لست من الذين يغلبون الدعوة إلى الله بالتخويف والترهيب على التحبيب والترغيب، ولا أستريح لمن يصور للناس أن علاقتهم مع الله هي في مجملها علاقة قهر وخوف ورعب وهلع، وأنه يجب عليهم أن يطيعوا الله في كل ما أمر وينتهوا عن كل ما نهى، وإلا فإن مصيرهم جهنم وبئس المصير، وينتظرهم الثعبان الأقرع،(33/1026)
ومنكر ونكير، وألسنة النيران، وصديد أهلها، وزقومها وضنكها، وحيّاتها وحشراتها وأهوالها.
بالطبع لا ينكر مسلم أن كل هذا صحيح. ولكن علاقة المسلم بالله تعالى لا تقتصر على هذا..! ومن فقه الدعوة إلى الله أن يقدم الداعية التعريف قبل التكليف، والترغيب قبل الترهيب، وأن يقدم التيسير والتبشير على غيرهما في الحياة، ومع الناس.
نعم، لا بد من ذلك، وإلا فإن النتائج تأتي عكسية على المستوى العام؛ لأن الدعوة المتشنجة هي ضد طبائع النفوس التي تميل إلى الملاطفة واللين، بالتي هي أحسن، بالقول اللين، وفي أضيق الأحوال: "سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين".
وقبل أن أسبح مع رسالتك في ملكوت الله؛ دعينا نتفق على عدة أمور قد تخفى على الكثيرين، في مقامنا هذا. فلقد تعلمْنا من ديننا الحنيف أن خوف العبد من الله تعالى إنما يكون لأسباب، منها :
* ذنوب العبد وجَرأته على تخطي الحدود، فيكون الخوف حينئذ أن يؤاخذه الله تعالى بهذه الذنوب، ففي القرآن العظيم: "أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}(الأعراف: 100)، { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (الأنعام: 6). وعن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يخافنَّ أحدُكم إلا ذنبه ولا يرجونَّ إلا ربه.
* ومن ذلك: أن يقع العبد تحت طائلة المستحقين للعقاب الإلهي، كأن يقع في ظلم الآخرين، أو الاعتداء عليهم بأي نوع من العدوان، أو أن يقصر في حق الله تعالى، وحق الناس، وحق نفسه.
* ومنها كذلك أن يأمن العبد مكر الله تعالى، والله تعالى يقول:{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف:99). وفي تفسير ابن كثير رحمه الله: "أَفَأَمِنُوا مَكْر اللَّه" أَيْ بَأْسه وَنِقْمَته وَقُدْرَته عَلَيْهِمْ وَأَخْذه إِيَّاهُمْ فِي حَال سَهْوهمْ وَغَفْلَتهمْ، فَلا يَأْمَن مَكْر اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْخَاسِرُونَ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه: الْمُؤْمِن يَعْمَل بِالطَّاعَاتِ وَهُوَ مُشْفِق وَجِل خَائِف وَالْفَاجِر يَعْمَل بِالْمَعَاصِي وَهُوَ آمِن. انتهى كلام ابن كثير.
ولكن، ما حقيقة هذا المكر.. وكيف يكون؟
إن كثيرا من الناس ترتبط في أذهانهم كلمة المكر بالمخاتلة والمراوغة والدهاء والكيد والخداع. ولكن الأمر يختلف تماما بين مكر العبد، ومكر الله تعالى، حيث يقول سبحانه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30).
وفي معاجم اللغة: مكَر اللهُ العاصيَ، ومكر به: جازاه على المَكْر، أَو أَمهله ومكَّنه من الدنيا.
وهناك أيضا حديث نبوي قد يثير مخاوف كبيرة لدى كثيرين، وهو الذي يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق :"إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فو الله الذي لا إله(33/1027)
غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" (متفق عليه).
ويثور هنا تساؤل: كيف يعمل الرجل بعمل أهل الجنة... ثم يدخل النار لأن الكتاب سبق عليه؟!. وما معنى هذا؟!.
وتجلت الحقيقة؛ حيث إن هذا الرجل الذي يعمل بعمل أهل الجنة، ثم يدخل النار، لم يكن يعمل في الحقيقة بإخلاص لله تعالى، وإنما كان يعمل من أجل رياء وسمعة ومال ومنصب وألقاب، وغيرها.. حتى يسبق عليه الكتاب بما هو أهله فيعمل بعمل أهل النار، أي يظهر على حقيقته، فيدخلها.
وكذلك الذي يعمل بعمل أهل النار، ويدخل الجنة؛ إنه ربما عمل بذلك عن جهل، وعدم دراية، والله تعالى يقول: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً". وبمجرد أن يتبين له الحق يعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. سبحان الله العظيم.
لعلي لا أكون قد (شطحت) بعيدا عن موضوعنا الجميل: الحب الإلهي. فلنعد إليه.
تقولين: لا أخاف منه لأني أحبه. أحبه لدرجة أني أتمنى لقياه..
تذكرني كلماتك هذه بحوار الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين، حين قال في الحديث المتفق عليه: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"، فقالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت. قال: "ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه".
غير أنك تقولين: ولكني أخاف القبر وظلمته..
وحق لك أن تفعلي. لأنك إن لم تخافي ذلك، وأمثاله، كنتِ ممن يُخشى عليهم نقص الإيمان. والله تعالى يقول: { ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}(الزمر: 16) .
فإذا خاف العبد من وعيد الله وعذابه فسيكون جديرا برحمة الله؛ لأن الله تعالى لا يجمع على عبده خوفين ولا أمنين، كما في الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى: "وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين؛ إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة".
ولعلي أكون محقا حين أفهم أن من البشر من لا يكفي معهم حديث الحب والبشارة، والترغيب والتيسير، ربما، ولا تجد من هؤلاء استجابة إلا مع الترهيب والتخويف. ولذلك جاءت دعوة الإسلام بهذا وذاك، ولكن الحب والبشارة والترغيب والتيسير مقدمة على الأخرى. وذلك لأن الأصل في الإنسان أن يستجيب لنداء المحبة والبشرى، فإذا لم ينفع مع هذا كان دواؤه فيما ليس منه بد..!
وعلى أية حال فإن من المفيد هنا أن أنقل لك بعضا من فضائل الخوف من الله تعالى:(33/1028)
* فقد أمرنا سبحانه بالخوف منه، وجعل ذلك شرطاً لصحة الإيمان، قال تعالى: { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}(آل عمران:175).
* ووعد الله الخائفين منه بالمغفرة والأجر الكبير: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} (الملك:12).
* ووعدهم بجنتين في الآخرة: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن:46).
من فقه الخوف والرجاء
استحب علماؤنا أن يُغلَّب في حال الصحة جانب الخوف على جانب الرجاء؛ لأن العبد لا يزال في ميدان العمل، وهو بحاجة إلى ما يسوقه إليه، وأما في حال الضعف والخروج من الدنيا، فإن عليه أن يقوي جانب الرجاء؛ لأن العمل قد أوشك على الانتهاء، ولكي يموت وهو يحسن الظن بالله، كما أوصى بذلك النبي العظيم حين قال:"لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" (صحيح مسلم).
وهذه فقرة أعجبتني في هذا المقام، أنقلها هنا من موقع الشبكة الإسلامية:
(والخوف ليس مقصودا لذاته، بل هو وسيلة لغيره، ولهذا يزول بزوال المخوف، فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم: فالخوف المحمود هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل، قال بعض الحكماء: "ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه"، ومنه قدر واجب ومستحب، فالواجب منه ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في النوافل، والبعد عن المكروهات، وعدم التوسع في فضول المباحات، كان ذلك مستحباً، فإن زاد على ذلك، بحيث أدى إلى اليأس والقنوط والمرض، وأقعد عن السعي في اكتساب الفضائل كان ذلك هو الخوف المحُرَّم) انتهى.
ومن حقائق القرآن العظيم والسنة المطهرة عن الخوف والخشية ما يلي:
* قول الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر:28)
* قول النبي العظيم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله" (سنن الترمذي).
* وسألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} هل هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم) سنن الترمذي. وفي ذلك يقول الحسن: "عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا".
ويفيدك أيتها المحبة المرابطة، في مقامك هذا، أن تطالعي بعض أحوال الخائفين، ومن ذلك:
* قول أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه: "وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن"، وقوله وهو يوصي المؤمنين: "ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا". وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.(33/1029)
* وسمع عمر رضي الله عنه قارئا يتلو من أول سورة الطور حتى قول الله تعالى: "إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع".. فيسقط مغشياً عليه ويعوده الناس أياماً لا يدرون ما به.
* ويقف عثمان بن عفان رضي الله عنه على القبر يبكى حتى تبتل لحيته، ويقول: "لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير".
* ويقرأ تميم الداري ليلةً سورة الجاثية، وفيها قول الله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} فجعل يرددها ويبكى حتى أصبح.
وأختم بمقتطفات من رسالة العبودية لابن تيمية رحمه الله، يقول :
* لفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب، فإنهم يقولون: قلب متيم إذا كان متعبدا للمحبوب. والمتيم: المتعبد.
* أخبر تعالى أنه يحب المتقين ويحب المحسنين ويحب المقسطين ويحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، وقال: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه"، فقد أخبر بمحبته لعباده المؤمنين ومحبة المؤمنين له حتى قال: {والذين آمنوا أشد حبا لله}( البقرة: 165).
* يغلط من يغلط؛ من حيث يتوهمون أن العبودية مجرد ذل وخضوع فقط لا محبة معه، أو أن المحبة فيها انبساط في الأهواء.
* وهو سبحانه يحب من يحبه، لا يمكن أن يكون العبد محبا لله والله تعالى غير محب له، بل بقدر محبة العبد لربه يكون حب الله له وإن كان جزاء الله لعبده أعظم.
وختاما؛
نسأل اللهم أن يرزقنا حبه وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، وأن يجعلنا له من المتقين، ولعفوه آملين ولرحمته راجين ولمغفرته طالبين وبقربه آنسين، وأن يجعلنا كما يحب ويرضى. اللهم آمين... وتابعينا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
أعيش بلا هوية.. ثق بنفسك ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أشكر لكم ردكم على استفساراتي، وأشكر الأستاذ رمضان بديني لإشارته لمشاركة الأستاذ مسعود صبري؛ فأنا لم أقرأها إلا الآن، وكذلك رد الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق تحت عنوان "أخشى أن أكون منافقا".
لقد وضعتم أيديكم على مشكلتي الحقيقية، التي حاولت كثيرا مواجهتها ولكني فشلت، فتجاهلتها حتى أصبحت سبب تعاستي، وهي ما عبرتم عنه في ردودكم؛ مثل ما قاله أ.مسعود صبري:
"إن إتيان الإنسان لكثير من المعاصي كشرب الخمر والزنا وغيرهما دليل عبث في حياة الإنسان، وأنه إنسان لا هوية له"؛ "مشكلتك يبدو أنها تتعلق بشخصيتك ككل، وليس كإنسان تأتي معصية بعينها"؛ "ابك لله، واطلب منه أن يهبك نفسك الضائعة".
ومثل ما قاله أ.رمضان بديني:(33/1030)
"أدعوك أن تجلس مع نفسك جلسة مصارحة تسأل فيها نفسك ماذا تريد؟، وما هدفك الآن في الحياة؟، وبناء على ذلك حدد أولوياتك واحتياجاتك".
وما قالته د. دعاء أبو بكر الصديق:
"أما عندما تتزعزع هذه الإرادة تظهر لنا الشهوة مخالبها، وتنتشر في القلب والعقل، وتنزل صاحبها إلي منزلة التدهور والابتذال والهلاك، وهذا بطبعه يؤثر علي القلب وأحواله".
صدقوني، حاولت كثيرا، ولكني أنجح لفترات قليلة وأفشل في أغلب الأحيان، أعلم أن خلاصي في تحديد هدفي في الحياة، وجربت ذلك، فلقد تذوقت نجاحاتي كلها، دينية ودنيوية، عندما كان لي هدف حتى ولو كان مؤقتا.
مشكلتي في ضعف إرادتي، وعدم وضوح أهدافي، وميوعة مواقفي فيما يخص حياتي، صدقوني لا أستطيع اتخاذ قرارات مهمة في حياتي، دائما متردد. الأصعب أن الأمر ليس بهذا الوضوح الذي أتحدث به؛ فأنا مثلا كثيرا ما أستطيع نصح من حولي، والأكثر من ذلك أنهم يعجبون بآرائي، ويجدون أنها الأنسب ويأخذون بها. وليّ اهتمامات كثيرة مثل الثقافة العامة والدينية والسياسية والرياضية. ولكنى مشتت كما أخبرني ذات يوم زميل لي بلغ الستين من عمره .
أقدر نصائحكم مقدما، ولكن أرجوكم الأهم من النصائح كيف أنفذها. هذه هي مشكلتي: في البداية أكون نشيطا وأغير من نفسي، ثم يكون التراخي تدريجيا، وأعود لما كنت فيه.
أول مرة أتحدث مع أحد بهذا القدر من الصراحة، واعذروا لي كثرة المواضيع التي ذكرتها؛ فأنا فعلا كما قلتم إنسان لا هوية له، ذو نفس ضائعة، ولكني أشعر بأني سأجد الحل عندكم لأنكم وضعتم أيديكم على سبب تعاستي؛ فلا تحرموني من ردودكم، أرجو أن تتسع صدوركم لتساؤلاتي الكثيرة. أرجوكم خذوا بيدي، أنقذوني...
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني، الباحث بكلية دار العلوم، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أهلا بك أخي أيمن دائما على موقع إسلام أون لاين.نت، ونسأل الله أن يجعلنا أهلا لثقتك فينا.
أخي الحبيب،
إن متابعاتك معنا لها أهمية كبيرة في رصد تطور حالتك والتعرف على أماكن الداء حتى يسهل تحديد الدواء؛ فالاستشارات الإيمانية تختلف عن الاستشارات الطبية؛ ذلك أن الطبيب يسهل عليه تشخيص المرض بتوقيع الكشف الطبي المباشر على المريض، أما نحن فعلاقتنا عبر القارات والدول والمحيطات؛ فبين صاحب(33/1031)
الاستشارة والمستشار حواجز متعددة وحجب كثيرة وغيوم كثيفة تحجب الرؤية إن لم يكن هناك دقة وشفافية ومتابعة من صاحب الاستشارة.
إن تغيير النفس والانتقال من حياة العصيان والذنوب إلى حياة الطاعة تمر بعدة مراحل؛ أولاها أن يشعر الإنسان بأنه على خطر وأنه يحتاج إلى تغيير حياته تلك، ثم تأتي المرحلة التالية وهي تشخيص المرض ومعرفة مكمن الداء، ثم تأتي مرحلة ثالثة وفيها يتعرف المريض على وسائل العلاج وطرق العودة والتوبة، والمرحلة التالية مرحلة تنفيذية يقوم فيها المريض بتطبيق ما تعرف عليه من وسائل علاجية، وهذه المرحلة من أصعب المراحل وأطولها؛ ذلك أنها تحتاج إلى مجاهدة شديدة للنفس والشيطان والهوى، وأحيانا يكون فيها فترات تتذبذب فيها النفس بين الطاعة والمعصية، ولكن مع عزيمة صاحبها ومثابرته يستطيع التغلب على نفسه؛ حتى يسلس لها قيادها، وتستلذ بالطاعة وتأنس بها كما كانت تستلذ بالمعصية.
وأظن أن مشكلتك أخي في هذه المرحلة؛ فأنت - بحمد الله- تعرفت على دائك، ومن خلال استشاراتك ومتابعاتك السابقة أخذت عددا لا بأس به من النصائح العلاجية، بالإضافة لما تتمتع به أنت من ملاحظات يفيد منها الآخرون، ويتبقى الآن الدور التنفيذي المطلوب منك أنت؛ فالطبيب يقتصر دوره على وصف العلاج، والمريض الحريص على الشفاء يسارع من نفسه بأخذ العلاج، هذا إذا كان الأمر يتعلق بمرض عضوي؛ فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بمصير الإنسان الدنيوي والأخروي؟!
لا بد أن تتيقن أن الأمر جد خطير؛ فهو إما جنة وإما نار، إما سعادة أبدية وإما شقاء أبدي، الأمر أخطر من أن تتهاون فيه أو تؤجل؛ فأنت لا تدري متى سينقضي أجلك، إن الموت أقرب من أحدنا من شراك نعله، وإذا بلغت الروح الحلقوم فحينها لا ينفع نفسا إيمانها؛ فباب التوبة مفتوح حتى تبلغ الروح الحلقوم، فسارع وادخل في هذا الباب، وليكن شعارك في هذه المرحلة {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.
أخي الحبيب،
أعلم أن للنفس صفات خبيثة، وأخلاقا مذمومة، وأن تغييرها واجب لا بد منه، حتى ينجو الإنسان، ولكن هذه الصفات الناقصة لا تزول بالأماني ولا بمجرد الاطلاع على حكم تزكيتها، أو قراءة كتب في الأخلاق والتزكية؛ بل لا بد لها- إضافة إلى ذلك- من مجاهدة وتزكية عملية، وكبح نزواتها العارمة وشهواتها الجامحة، وصدق الشاعر حين قال :
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وثق أن النفس الإنسانية قابلة للتغيير، وتبديل الصفات المذمومة؛ فالكثير من البهائم والطيور أمكن ترويضها واستئناسها؛ فالإنسان الذي كرمه الله بالعقل أولى بهذا، وإلا لما كانت هناك فائدة من إرسال الرسل، ولما كانت هناك ضرورة للدعاة والمصلحين في كل العصور.
والله عز وجل قد تكفل بهداية من جاهد نفسه، فقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، والمقصود بالجهاد هنا هو جهاد النفس كما قال بعض العلماء؛ فهذه الآية من سورة العنكبوت، وهي سورة مكية نزلت قبل الأمر بقتال الأعداء ومجاهدتهم.(33/1032)
فأنصحك أن تجلس مع نفسك جلسة مكاشفة ومصارحة تفتح فيها صفحة جديدة بيضاء، تقوم فيها بسرد السيئات والمنكرات التي تأتيها، وتبدأ تدريجيا بالتخلي عنها حسب خطورتها؛ فابدأ بالكبائر واعزم عزما صادقا أن تتوب عنها ولن تعود لمثلها أبدا مهما كانت الظروف، ثم انظر في الأقل منها خطورة وهكذا حتى تتخلص من كل الذنوب والمنكرات التي تعوق حركتك وتسد عليك طريق العودة لله رب العالمين.
ومع كل سيئة تتركها حدد طاعة أو عملا صالحا كنت لا تفعله فابدأ بفعله؛ فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية. ويمكنك أن تستعين بجدول أو ورد محاسبة لتقييم حالتك ومحاسبة نفسك.
لقد كنت صريحا وواضحا معنا، ومع نفسك، وأنت تحدد مشاكلك، وأراك قد حددتها في قولك: "ضعف إرادتي، وعدم وضوح أهدافي، وميوعة مواقفي فيما يخص حياتي، صدقوني لا أستطيع اتخاذ قرارات مهمة في حياتي، دائما متردد".
ودعنا نبلورها لك في نقاط محددة مع إعادة ترتيبها قليلا لتكون كالتالي:
- عدم وضوح الأهداف.
- ضعف الإرادة.
- ميوعة المواقف.
- التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات المهمة.
فعدم وضوح الهدف والغاية ينتج عنه ضعف الإرادة وقلة التحمس للأمر، وهذا بدوره يؤدي إلى الميوعة والاضطراب في المواقف، وهو ما ينتج عنه التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة في الحياة، إذن فمرد الأمر كله إلى عدم وضوح الهدف والغاية.
وأظن أخي أن ما تعاني منه هو داء وبيل منتشر في كثير من شباب الإسلام اليوم؛ فكثير منهم يعيشون بلا هدف ولا غاية ولا هوية، ويتركون مصيرهم لتقلبات الدهر وصروف الحياة، تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وهم مكتوفو الأيدي والأذرع؛ حتى تغنى أحدهم قائلا: "جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت.. ولقد أبصرتُ قُدّامي طريقا فمشيت.. وسأبقى سائرا فيه شئت هذا أم أبيت.. كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟.. لست أدري".
أخي الكريم،
إني أتعجب لشاب مثلك في الثلاثين من العمر، ويحمل رسالة الماجستير، ومنّ الله عليه بالسفر والإقامة في بلد الحبيب- صلى الله عليه وسلم- ومهبط الوحي.. كيف يسير في هذه الحياة غير واضح الهدف والغاية؟! هل ترك نفسه للأقدار حتى وضعته في مصب حياته التي يحياها الآن؛ حتى أصيب بالسلبية في كثير من أموره؛ فهو يبحث عن الصحبة الصالحة في الرفيق الذي فرض عليه بحكم السكن فقط، ويبحث عن الزوجة في الفتاة التي عرّفه عليها بعض الأهل؛ فيوافق عليها رغم أن بها بعض العيوب التي تجعله غير مقتنع بها؟!
إن أخشى ما أخشاه أن يكون إحساسك بالسلبية هذا هو الذي جعلك تهرب لتثبت شخصيتك وذاتك في أمر آخر؛ وهو شرب الخمر والزنا والعياذ بالله؛ فهذه الأمور سهلة لمن طلبها، ييسرها شياطين الإنس والجن الذين كثر عددهم وضل سعيهم. إن(33/1033)
رباعية المشاكل التي حددتها أظن أنها وراء التخبط والعبث الذي تعيشه في حياتك؛ فابدأ من الآن، وسارع في التغيير.
وقد وضح الله- عز وجل- الهدف من وجودنا على هذه الأرض، فحدده في هدفين اثنين هما: عبادة الله عز وجل، وخلافته في الأرض؛ فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، إذن فلتكن غايتك العظمى التي تعيش لها وتعمل من أجلها هي رضوان الله عز وجل والدخول في رحمته والفوز بجنته، وتحت هذه الغاية تأتي أهداف عديدة تستوعب كل مناحي الحياة؛ فلتكن دراستك وزواجك وعملك وسفرك وكل حركة وسكنة في حياتك موجهة حسب منهج الله تعالى وما أراده منا، فجعل لكل عمل نية خالصة تتقرب بها لله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
أما ضعف الإرادة فهو غالبا راجع إلى تسلط الهوى على صاحبه؛ بحيث يصبح الفرد مسلوب الإرادة تحركه شهواته وهواه، وقد ذم القرآن ذلك فقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ}، وقال عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}.
وينتج عن ضعف الإرادة هذا ميوعة المواقف والتردد في اتخاذ القرارات؛ فهذا الشخص يكون في صراع دائم ومستمر بين فطرته التي تدعوه لإتباع هدي الله، ونزوات نفسه التي تدعوه لإتباع طريق الشيطان، أما المسلم الرباني فيكون منطلقه ووجهته دائما وجهة واحدة؛ لله رب العالمين ورسوله الكريم .
وأنصحك بأن تقرأ تحليل خبراء علم الاجتماع لضعف الثقة بالنفس:
* عدم الثقة بالنفس : نسيان وخوف واكتئاب.
* ضعف الثقة.. الأسباب والحل.
* كيف أكتسب الثقة بنفسي ؟
* الثقة بالنفس مفتاح التميز.
ويريد الإسلام من المسلم أن يكون إيجابيا لا سلبيا، مؤثرا لا متأثرا، فاعلا لا مفعولا به. وقد ربى أتباعه على أن يحلل أحدهم العمل الذي ينوي القيام به، ويوازن بين إيجابياته وسلبياته ، وبناء على ذلك يتخذ القرار الذي ترجح فيه الإيجابيات،
والرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- علم أصحابه صلاة الاستخارة ليقوم بها المسلم قبل أن يأخذ أي قرار في حياته، صغر أم كبر؛ ذلك أن إدراك الإنسان واختياره لا يخلو من قصور ونقص؛ فعليه أن يفوض الأمر ويرجعه لله رب العالمين الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، ويدعوه أن ييسر له الخير حيث كان ثم يرضيه به .
أخي الحبيب،
لا يفوتني أن أحذرك من كثرة جلد الذات؛ فالكيِّس من دان نفسه، ولكن إدانة النفس هذه لابد أن تكون متبوعة بعمل صالح كما أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت"، والوجه الآخر المذموم: "والعاجز من(33/1034)
أتبع نفسه هواها وتمنى على الله".
أنصحك مرة أخرى بأن تنطلق من الجانب المشرق في نفسك وأن تكون واثقا من تأييد الله لك، ونصره لك على نفسك، خاصة أنك جربت هذا وتذوقت حلاوته، ومن ذاق عرف، وأنت الذي تقول: "فلقد تذوقت نجاحاتي كلها، دينية ودنيوية، عندما كان لي هدف حتى ولو كان مؤقتا". فحافظ على نجاحاتك، وحول المؤقت منها إلى دائم، والصغير إلى كبير، واستعن بالله ولا تعجز.
ولا تنس أخي أن المنبتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى؛ فاحذر أن تبدأ من القمة فيكون النزول للسفح سهلا، ولكن ابدأ من السفح واصعد للقمة؛ فبعض الملتزمين الجدد تأخذهم الحمية للالتزام، ثم يلقون بأنفسهم ليغبوا منه غبًّا لا يتناسب مع استعدادهم النفسي؛ فسرعان ما تمل أنفسهم ويهربون من حيث أتوا؛ فأوغل فيه برفق.
وفي النهاية أخي الكريم أسأل الله أن يرزقنا وإياك التوبة الصادقة التي يجبُّ الله بها ما كان منا، وأن يردنا إلى دينه ردا جميلا..آمين وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
قوانين النصر وواجب المسلمين ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
إن ما يصيب أمتنا في هذه الأيام خاصة إخواننا في فلسطين الحبيبة يجعل القلب يموت كمدًا، أما لهذا الليل من آخر، ومتى يأتي ذلك النصر الذي وعد الله به عباده؟ وما هو السبيل إليه؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول فضيلة الشيخ العلامة أ.د. يوسف القرضاوي :
أخي الكريم؛
إن النصر لا يأتي عفوًا، ولا ينزل اعتباطًا، ولا يخبط خبطَ عشواء.... بل للنصر قوانين وسُننًا سجَّلها الله في كتابه الكريم، ليَعرفها عباده المؤمنون ويتعاملوا معها على بصيرة.
أول هذه القوانين: أن النصر مِن عند الله تعالى:
فمَن نصره الله فلن يُغلب أبدًا، ولو اجتمع عليه مَن بأقطارها، ومَن خذله فلن يُنصر أبدًا، ولو كان معه العَدد والعُدَّة.
وهذا ما نطقت به آيات القرآن واضحة بلا غموض، قاطعة بلا احتمال: { إِنْ يَنْصُرُكُمْ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرْكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ المُؤْمِنُونَ}.(آل عمران:16). ويقول تعالي:{ إِذْ تستغيثون ربَّكم فاستجابَ لكم أنِّي مُمِدُّكُم بألفٍ مِن الملائكة مُرْدِفِينَ ومَا جعلَه اللهُ إِلًّا بُشْرى ولِتَطمئن بِهِ قُلُوبُكُمْ ومَا النصرُ إِلَّا مِن عندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزيزٌ حكيمٌ} (الأنفال:9 ـ 10).(33/1035)
وقد ينصر الله القِلَّة على الكثرة كما نصر أصحاب طالوت -على قلتهم- على جند جالوت مع كثرتهم، رغم أن في أصحاب طالوت من قال حين رأى كثافة العدد، وقوة العدد في جيش جالوت: { لا طاقةَ لنا اليومَ بجالوتَ وجنودِه قالَ الذين يَظنون أنهم ملاقوا اللهِ كَمْ من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللهِ واللهُ مع الصابرين } (البقرة: 249).
وقد ينصر من ليس معه جيش ولا سلاح قط، كما نصر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يوم الغار:{ إلاَّ تنصروه فقد نصَره اللهُ إذْ أخرجَه الذين كفروا ثانيَ اثنينِ إذْ هُمَا في الغارِ إذ يَقولُ لصاحِبِه لا تحزنْ إنَّ اللهَ معَنا، فأنزلَ اللهُ سكينَته عليه وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ ترَوْهَا وجعلَ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هيَ العُليا، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ }.(التوبة: 40)
القانون الثاني : أن النصر للمؤمنين :
إن الله لا ينصر إلا من نصره، فمن نصر الله نصره الله، وقد جاء هذا القانون بصيغة الشرط والجزاء: { يا أيُّها الذينَ آمنوا إنْ تنصروا الله يَنصركم ويُثبِّت أقدامَكم} .(محمد: 7)
وجاء في صورة الخبر الثابت المؤكَّد بلام القسم ونون التوكيد: { ولينصرَنَّ اللهُ مَن ينصرُه، إن اللهَ لقويٌّ عزيز}.(الحج:40)
إنَّما تتحقَّق النُّصرة لله تعالى بنُصرة دينه، وإعلاء كلمته، وتحكيم شرعه في خلقه، وبهذا جاء في وصف مَن ينصرون الله تعالى عقب الآية السابقة قوله تعالى: { الذين إنْ مكَنَّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتَوا الزكاةَ وأمروا بالمعروف ونهَوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور}.(الحج:41)
وقد يُعبِّر القرآن عن نصر الله تعالى بالإيمان، أو الجُندية لله تعالى فمن آمن بالله حق الإيمان فقد نصر الله تعالى وغدا جنديًّا في جيشه. وفي هذا يقول سبحانه:{ وكانَ حقًّا علينَا نصرُ المؤمنين}.(الروم:47)
ويقول:{ وإنَّ جندنَا لهمُ الغالبون}.(الصافات:173)
القانون الثالث: إن النصر بالمؤمنين
إن النصر كما لا يكون إلا للمؤمنين لا يكون إلا بِالمؤمنين فالنصر لهم، والنصر بهم، فهم غاية النصر، وعُدَّته، وفي هذا يخاطب الله رسوله الكريم بقوله:{ هوَ الذي أيَّدَك بنصره وبالمؤمنين وألفَّ بينَ قلوبِهم}.(الأنفال:62 ـ 63).
قد ينصر الله من يريد نصره بالملائكة ينزلهم من السماء إلى الأرض، كما في غزوة بدر والخندق وحنين:{ إذ يُوحِي ربُّك إلى الملائكة أني معكم فثبِّتُوا الذين آمنوا}.(الأنفال:12)
{ فأَرسلْنا عليهم ريحًا وجنودًا لم ترَوها}.(الأحزاب:9)؛ ويقول عز وجل:{ ثمَّ أنزلَ اللهُ سكينَته على رسولِه وعلى المؤمنينَ وأنزلَ جنودًا لمْ ترَوها وعذَّب الذينَ كفرُوا} (التوبة:26).
وقد ينصر الله من يريد نصره بالظواهر الطبيعية يُسَخِّرُها في خدمته، أو يسلِّطها على عدوه، كما سلَّط الريح على المشركين في الخندق:{ فأرسلْنا عليهم ريحًا}، (الأحزاب:9) وكما أنزل المطر رحمةً على المسلمين في بدر:{ ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ(33/1036)
السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (الأنفال:11).
وقد ينصر الله من يريد نصره بأيدي أعدائه وأعداء الله أنفسهم، بما يَقذف في قلوبهم من رعب يُدمِّر معنوِيَّاتهم، ويَقتل شخصياتهم، كما حدَث ليهود بني النضير:{ هوَ الذيِ أخرجَ الذينَ كفروا مِنْ أهلِ الكتابِ منْ ديارِهم لأولِ الحشْرِ مَا ظننتُم أنْ يَخْرُجُوا وظنُّوا أنَّهم مانِعَتُهم حصونُهم مِنَ اللهِ فأَتَاهُم اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ في قُلُوبِهُمُ الرُّعبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيدِيهم وأيدِي المؤمنينَ فاعتبِرُوا يا أُولِي الأبصارِ}. (الحشر:2)
ولكن أدوات النصر هذه كلها تتوقف على وجود "المؤمنين". فالملائكة التي نزلت في بدر، لم تنزل على فراغ، بل قال الله لهم:{أنِّي معكُم فثبِّتُوا الذين آمنوا}.(الأنفال:12). وفي غزوة الأحزاب أرسل الله ريحَه وجنوده حين { ابتُلِيَ المؤمنون وزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شديدًا}. (الأحزاب:11). وفي غزوة حنين:{ أَنْزَلَ الله ُسَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ}. (التوبة:26). وفي غزوة بني النضير كانوا:{ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ}. (الحشر:2).
وختاما؛
فلا شك أن ما يدور بأمتنا الآن ليصيب القلب بالحزن والهم، ولكننا نريد الهم الذي يتبعه همة وحركة وعمل دءوب لتحقيق عزة أمتنا وكرامتها، والمسلم الصادق لا يعرف أبدًا اليأس بل هو دومًا في حركة دائمة في انتظار النصر المبين الذي بشره به المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار ولا يبقى بيت مَدر أو وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عز يعز الله به الإسلام، أو ذل يذل الله به الكفر".
ويقول أيضًا: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً"، ويقول: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تُفتح أولاً رومية أو قسطنطينية فقال: مدينة هرقل تُفتح أولاً" وهي القسطنطينية وقد فُتِحت وهي اسطنبول الآن، وقد بقي أن تفتح رومية أي أن الإسلام سوف يدخل أوروبا من جديد.
ولكن هذا النصر سبيل لا بد من خوضه، ولا يقدر على المضي فيه إلا رجاله الذين تحلو بالإيمان والصبر والثقة في نصر الله تعالى؛ فظهر تجردهم وكثرة تضحياتهم وكل مطمعهم إما النصر وإما الشهادة، كما أن لهذه النصر قوانين لابد أن يعيها من طمع في النصر؛ فالنصر لا يمنح إلا لمن بذل من أجله كل غالٍ ونفيس.
ندعو الله عز وجل أن يهدى المسلمين وينصرهم علي أعدائهم ويجمع شملهم إلي يوم الدين.
ـــــــــــــــــــ
قصد البيت الحرام لعلاج مس الجان ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
لدي أخت تعاني من مشكلة مس من الجان مند سنوات طويلة، وجربنا طرقًا عديدة للعلاج: الرقية والتداوي بالقرآن... إلخ. ونريد الشهر القادم الذهاب بها إلى العمرة، فبالله عليكم نريد مساعدتكم في كيفية العثور على علماء ذوي خبرة كبيرة في معالجة(33/1037)
هذه الأشياء؟ وهل لكم أن تدلونا على بعض الأسماء في مكة مثلا أو المدينة المنورة؟ وأين يتواجدون عادة؟ أرجوكم مساعدتي حتى أوفر على نفسي عناء البحث والوقوع بين أيدي غير معروفة بهذه الأمور.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخانا الفاضل/ كمال أبو زيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
حياكم الله تعالى وبارك فيكم وأعانكم على الحرص على إتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد..
فإن موضوع المس من الجن تحدث فيه الكثير من العلماء ما بين مؤيد ومعارض ومعتدل، فما نختاره يا أخي الكريم هو النظرة الاعتدالية فإننا لا نرفض موضوع الجن مطلقا ولا نقبله مطلقا، بل نسير فيه سيرا وسطا، فالمبالغة في هذا الأمر مرفوضة تماما وإنكاره مرفوض تماما؛ لأن مصدري التشريع (الكتاب والسنة) قد نصا عليه والمختار هو إعطاء كل شيء حقه دونما إفراط ولا تفريط، فلا نتكل على موضوع المس في كل شيء ولا نهمل الأخذ بالرقى الشرعية عند وجود مثل هذا المس.
فالجن هم خلق من مخلوقات الله تعالى مكلَّفون مثلنا، ووجودهم ثابت بالأدلة القطعية، منهم المؤمن ومنهم دون ذلك، والكافرون منهم يسلطون على الإنسان بالوسوسة والإغواء والإضلال، وأحيانًا بالتمثل والظهور له، وأحيانًا يلبسون جسم الإنسان ويعيشون فيه بكيفيّة لا يعلمها إلا الله تعالى، وتسلّطهم على الإنسان يأخذ أشكالاً وصورًا متعدّدةً، منها: أن يكون في صورة أحلام مزعجة، أو في صورة مرض كالصّرع ونحوه، أو في صورة غم ونكد وضيق، ونفور من المساجد ومجالس الذكر... إلخ.
فهيا بنا إلى القرآن الكريم؛ لنقرأ ماذا قال لنا ربنا عن الجن :
يقول الله تعالى:{والجانّ خلقناه من قبل من نار السّموم}، ويقول تعالى على لسان الجن : {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا* وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 11-15]، { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت:25]، وقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم(33/1038)
مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:36-38].
وفي السنة النبوية - أيضا- نماذج كثيرة عن توجيه الرسول لنا لكيفية التعامل مع الجن :
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرين من الجنّ وقرين من الملائكة" قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "وأنا، إلا أنّ الله قد أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".
وعن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ و بها طيف فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يشفيني. فقال: "إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك" فقالت: بل أصبر، ولا حساب عليّ. وفي رواية قالت: يا رسول الله إني أصرع و أتكشّف، فادع الله أن يشفيني. فقال: "إن شئت دعوت الله أن يشفيك، وإن شئت صبرت و لك الجنة" فقالت: بل أصبر ولي الجنة، ولكن ادع الله أن لا أتكشّف. فدعا لها فكانت لا تتكشّف (أخرجه الحاكم في المستدرك).
وعن كيفية مواجهة السحر والمس؛ نقول لهذه الأخت :
* عليكِ بذكر الله تعالى:
قال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، وقال سبحانه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 124-127]. فالإعراض عن ذكر الله يورث الإنسان ذلا ومشقة وعناء، ويجعله يعيش في ضيق وكمد وضنك.
* قراءة الرقية الشرعية:
تكون الرقية الشرعية بقراءة القرآن الكريم، وخاصة آيات الرقية وسورة البقرة؛ لأنها تنفع بإذن الله تعالى في اتقاء السحر قبل أن يقع وتنفع في دفع ضرره بعد أن يقع، وكذلك قراءة آيات مباركات مثل آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وآخر آيتين من سورة البقرة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولم يقربه شيطان حتى يصبح". وقال أيضا: "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"، وهناك الكثير من الآيات والأذكار الواردة في هذا الموضوع.
* الالتزام بالطاعات والمحافظة على الصلوات:
إن المحافظة الصلوات الخمس وحضور الجمع والجماعات، وقراءة القرآن وصلة الأرحام وعدم كثرة الخلوة والجلوس منفردا، وكذلك حضور دروس العلم ومجالس الذكر والاستماع للخطب وغيرها والقراءة في كتب السنة - كل هذا مما يذهب غيظ الشيطان.
* عليكِ بالصحبة الطيبة وعدم الجلوس منفردة:(33/1039)
فلتختر الأخت لنفسها صحبة طيبة من صديقاتها يعنها على طاعة الله، وشهود دروس العلم، وحضور الجماعات في المساجد، فالشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية منها".
أخي / كمال
بما أنك تقول إنكم ذاهبون لأداء العمرة فأبشر بالذي يسرك إن شاء الله، ففي العمرة ذكر وتعبد وصلاة بالليل، ودخول ومكوث في أول بيت وضع للناس بيت الله الحرام، وهو البيت الذي {من دخله كان آمنا}، ففي الحرم ستسمع هذه الأخت لقراءة القرآن، وفي الحرم ستلتقي بالعلماء الأفاضل الذين لهم باع طويل في هذا الأمر (العلاج بالقرآن)، وفي الحرم ستحضر مجالس الذكر، وحلق العلم، وقراءة القرآن.
ولي قريب قد مَنَّ الله عليه بالشفاء مما تشكو منه أختك، حيث ذهب إلى الحرم لأداء الحج والعمرة، ومكث هنالك مدة عاد بعدها وقد برئ مما عانى منه سنين طويلة، ومما عجز المعالجون عن علاجه، وذلك بالمكوث في بيت الله الحرام، وحضور وشهود مجالس الذكر، فأبشر أخانا كمال بالذي يسرك إن شاء الله انطلاقا من قول نبينا العدنان "بشروا ولا تنفروا".
ولمزيد من التفصيل، حول علاقة الجن بالإنس، وكيفية التخلص من مس الجن، أنقل لك – أخي الكريم– بعضا من أقوال العلماء في هذا الأمر :-
فيقولالعلامة الدكتور يوسف القرضاوي :
"الأصل أن الجن هو الجنس المستور عن الأعين، كلمة جن تفيد الستر، والله تعالى قال عن الشيطان: "إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم"، ولكن يمكن أن يتشكل الجن في صورة إنسي، كما تشكل لأبي هريرة -رضي الله عنه- وأمسك به، وكاد يأخذه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم-، لولا أنه نصحه بنصيحة وتركه من أجلها، وقال له الرسول- صلى الله عليه وسلم- : "هذا شيطان، وقد صدقك وهو كذوب"، والحديث معروف في البخاري".
"ولكن هناك ادعاءات كثيرة برؤية الجن والعلاقة بالجن والزواج بالجن، وتلبس الجني بالإنسي ومعظم هذه الدعاوى باطلة، وكثير من الناس ممن يدّعي أنه ركبه الجني أو العفريت أو نحو ذلك هم يعانون أمراضا عصبية ونفسية؛ مثل ازدواج الشخصية، ونحو ذلك ولا علاقة للجن بهذه الموضوعات".
ويضيف سماحة المستشار فيصل مولوي- نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :
"اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في مس الشيطان للإنسان، هل يتعدى ذلك إلى البدن فيصيبه بالسقم والمرض والأوجاع والآلام الشديدة، حتى يصل إلى حالة الصرع والجنون المتداول بين الناس اليوم بقولهم "فلان قد لبسه شيطان"، فذهب بعض العلماء إلى الجواز، وذهب البعض الآخر إلى عدم الجواز معللين بأن الشيطان لا يستطيع ذلك ولا قدرة له عليه لأن كيد الشيطان ضعيف، كما أخبر الله تعالى، ولأنه إذا جوزنا ذلك له فإنه يختلط مع أفعال الله تعالى فيقع الالتباس وقد استدلوا بأدلة لا داعي لذكرها هنا".(33/1040)
ويوضح الدكتور نصر فريد واصل (مفتي مصر الأسبق):
إن اتّصال الجن بالإنسان ثابت بالكتاب والسّنّة وإجماع الأمة. وأجمعت الأمة على أن الجنّ موجودون في كل مكان يكون فيه الإنسان، ويحضرون أكله وشربه ومآدبه ومجالسه، لا يفارقونه أبدًا إلا أن يحجزهم عنه ذكر اسم الله تعالى. واتّصال الجنّ بالإنسان اتصال من نوع خاصّ ليس كاتصال الإنسان بالإنسان؛ لأن الجنّ عالم غيبيّ يرانا ولا نراه، وهو اتصال يناسب طبيعة كلّ منهما وفي الحدود التي رسمتها سنن الله وقوانينه الكونيّة والشرعيّة".
"وللجن تأثير في الإنس؛ فالجن الكافرون مسلّطون على الإنسان بالوسوسة والإغواء والإضلال، وأحيانًا بالتمثيل والتشبيه، وأحيانًا يلبسون جسم الإنسان ويعيشون فيه بكيفية لا يعلمها إلا الله تعالى فيصاب الإنسان عن طريقهم بمرض من الأمراض كالصّرع والجنون والتشنّج. وكل هذا بقضاء الله وقدره، فكما أن الإنسان يصاب عن طريق إنسان مثله ببعض ما أراد الله، من إصابات جسدية أو أمراض عضوية أو مصائب شخصية أو غيرها، فكذلك يصاب عن طريق الجنّ بما ذكرنا من أمراض أو إصابات إذا قدّر الله وشاء".
وختاما؛
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ أختنا وأن يقيها من شر الشياطين، شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه خير مأمول وأعظم مسئول.. وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعنا بأخبارك لنطمئن على أختك الكريمة.
أدعو ولا يستجاب ليّ .. فماذا أفعل؟ ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أدعو ولا يستجاب لي، فهل هذا ابتلاء من الله أم عقاب منه؟، وقد أوصلني عدم قدرتي على الصبر على هذه الحال إلى الشك – أحيانا- في وجود الله تعالى، والعياذ بالله.
ذكرونا بما يخرجنا من هذا الإحساس و جزاكم الله خيرا.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الدعاء صلة بين العبد وربه، فيسأل العبد ربه ما يريد، طمعا أن يغرقه الله من فضله. وقد يحقق الله مراد العبد أو يؤجل دعوته أو يعوضه عنها خيرا منها في الدنيا والآخرة.
هذا ما يؤكده الداعية المغربي الشيخ حسن قبيبش للسائل، محذرا إياه من وسوسة الشيطان.(33/1041)
أما الشيخ عطية صقر، فيتكلم حول أهمية الدعاء في حياة المسلم، وأسباب عدم الاستجابة، كما تحدث الدكتور محمود العكازي عن مفاهيم الدعاء في القرآن وأسباب الاستجابة.
فيقول الداعية المغربي حسن قبيبش:
أخي الكريم زهير لا تسقط في شراك الشيطان ، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرك هذا، حيث أخبرنا أنه يقول بعض الناس: دعوت ولم يستجب لي؟؟
ونحن نسألك أخي الكريم: هل أديت ما عليك من واجبات حتى يكون دعاؤك خالصا لوجهه الكريم؟ ما هي علاقتك بمحيطك العائلي والاجتماعي؟ وكيف هي معاملاتك وسلوكك ؟ بل وكيف هي مصادر رزقك؟ ألم تسمع لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"أطب مطعما تكن مجاب الدعوة".
ولا نريد أن نسترسل معك أخي الكريم في أسئلة مثل هذه وما أكثرها، فلا شك أننا سنجد أنفسنا معرضين عن الله عز وجل، لا نتحرى الحلال في كسبنا.. لا نتورع .. لا نغض عن محارم الله.. فإن الله عز وجل إذن لا يؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا يعجل لنا العذاب، واقرأ ذلك في كتاب الله عز وجل..
وقد يكون يا أخي الكريم عدم استجابة الدعاء كما قلت خير لك في دنياك وآخرتك، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقواما في الآخرة يودون أن لو لم يكن قد استجيب لهم في الدنيا لعظم ما يرونه من منازل في اليوم الآخر.
فلما لا تقول بأنك من هذا الصنف الأخير؟ ولما لا ترضى بقضاء الله؟ وهل أنت واثق من أن كل ما تدعو به هو صالح لك في دنياك وآخرتك؟
استغفر الله وتب إليه { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله }.
ولا تساير الشيطان في وساوسه، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننتهي عندما يصل الأمر بنا إلى ما وصلت إليه وأن نتوضأ ونصلي ركعتين ونستغفر الله عز وجل ونتوب إليه فـ"إنه هو التواب الرحيم".
ويضيف الشيخ عطية صقر من علماء الأزهر الشريف عن أهمية الدعاء في حياة المسلم:
لقد أمرنا الله بالدعاء ووعد بالإجابة فقال سبحانه:{ وقالَ ربُّكُمْ ادْعونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (سورة غافر: 60). وذكر القرآن الكريم أن بعض النّاس دعَوا ربّهم فاستجاب لهم كقوله:{ وأيُّوبَ إذْ نادَى ربَّه أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمةً مِنْ عِنْدِنَا وذِكْرَى للعَابِدِينَ} (سورة الأنبياء : 83 ، 84) وقوله:{وزَكَرِيّا إذْ نادَى رَبَّه رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وأَنْتَ خَيْرُ الوارِثِينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ ووَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه}(سورة الأنبياء: 89 ، 90) وكقوله في غزوة بدر: { إذْ تَستغِيثونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكةِ مُرْدِفِينَ} (سورة الأنفال : 9) .
إذا كان هذا كلام الله وهو صادِق في الاستجابة لمَن يدعوه، فمَا هو السِّرّ في أن بعض الناس يدعون ولا يستجاب لهم؟، والجواب: أن الطّبيب إذا وصف دواءً قد يكون مركَّبًا من عدة موادّ، ولا يكتفي بذلك يبين للمريض كيفيّة الاستعمال بتحديد المواعيد(33/1042)
وتحديد ما يتناول من طعام وما يمتنع عنه، ولو نفذ المريض كل ذلك كان هناك أمل كبير في الشفاء، وبخاصة إذا كان الطبيب مختصًّا وثقة المريض به قويّة.
لقد ذكر الله حوادث في استجابة الدعاء من مثل أيّوب و زكريا وذي النون، ولكن ذكر عقب ذلك مباشرة لماذا كان دعاؤهم وسيلة لكشف ما بهم من ضر وتحقيق ما يَرجون من خير فقال:{ إنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ ويَدْعونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (سورة الأنبياء:90).
لابد من الامتثال لأوامر الله من عبادات وغيرها، مع إقبال النفس عليها والحبّ لها، ولابد أن يكون الدعاء خالصًا صادرًا من أعماق النفس، مع استشعار عظمة الله ولطفه ورحمته، ومع خوفه العظيم أن يرده خائبًا، وأن يكون ذهنه حاضِرًا غير شارد، مركزًا غير مشتت، ومن تمام المسارعة في الخيرات البعد عن الحرام، فالحرام من أخطر العوائق التي تحول دون استجابة الدعاء، وقد صح في الحديث:" أن الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمُدُّ يديه إلى السماء ويقول: يا ربّ يا ربّ، ومَطعمه حرام ومَلبسه حرام فأنَّى يُستجاب له" رواه مسلم، وكان من وصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لسعد بن أبي وقاص أن يُطيبَ مطعمه ليستجيب الله دعاءه كما رواه الطبراني .
وإذا كان الداعي على هذه الصفة المطلوبة ولم يستجب له حالاً بما دعا إليه، فلا يقل: دعوت فلم يستجب لي، فالحديث يقول:" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي" رواه البخاري ومسلم، وإذا تأخّرت الاستجابة بالمطلوب فقد تكون الاستجابة ببديل خير منه، وقد تدخر ليوم القيامة وذلك أفضل من متعة الدنيا الزائلة، فقد روى أحمد والبزار. وأبو يعلي بأسانيد جيدة عن أبي سعيد الخدري أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ قال:" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا : إذًا نكثر، قال:" الله أكثر" وروى أحمد والترمذي وقال حسن صحيح قريبًا من ذلك.
هذا، وقد وجه سؤال إلى الصوفي إبراهيم بن أدهم: ما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ فأخبرهم أنّهم قصّروا في طاعة الله وارتكبوا معاصيه. وذكر أمثلة لذلك، وكلها وغيرها يدلُّ على أن الداعيَ لابد أن يُرضِيَ الله أولا حتى يكافِئَه الله بقبول دعائه، وأن يكون قويَّ الإيمان والرجاء والثقة في استجابة الدعاء، وألا يشكَّ في وعد الله، بل الأولى أن يشكّ في نفسه هو، هل أدى الواجب لله أم لا؟ والموضوع مبسوط في كتب الحديث والأخلاق يرجع إليها من يريد الاستزادة.
ويشير فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي، أستاذ الفقه المقارب بجامعة الأزهر، إلي معني الدعاء وأفضل أوقات الاستجابة فيقول:
أخي الكريم، لقد جاء لفظ الدعاء في القرآن الكريم على وجوه متعددة ومعان متنوعة، فجاء بمعنى العبادة مثل قوله تعالى: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك}.
وجاء بمعنى الاستعانة، مثل: { وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين }.(33/1043)
وبمعنى القول، مثل: { دعواهم فيها سبحانك اللهم}، وبمعنى النداء، مثل: { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده }، وبمعنى الثناء أو التسمية، مثل: { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }.
وبمعنى السؤال، مثل قوله تعالى: { وقال ربكم ادعوني استجب لكم }، وقوله: { ادعوا ربكم تضرعا وخفية}، ولعل هذا النوع الأخير هو المقصود للأخ السائل.
وبلا شك كلنا محتاجين إليه، وفي صحيح البخاري "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"، وفي حديث آخر "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وفي السنة "اسألوا الله من فضله فإنه يحب أن يُسأل).
ولكي يكون الدعاء مقبولا عند الله على الداعي أن يبدأه بحمد الله والثناء عليه ويصلي على النبي ـ صلى الله عليه سلم ـ في أوله وآخره، وأن يخلص في دعائه لقوله تعالى: { فادعوا الله مخلصين له الدين }، وألا يستعجل الإجابة لحديث: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله: وما الاستعجال؟ قال: يقول العبد قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي فيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء".
كما يجب على الداعي أن يكون طيب المطعم لحديث "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"، وأن يدعو بالدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة، مثل: { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنا وقنا عذاب النار}.
ويعد أفضل وقت للدعاء في السجود وفي الصلاة وأثناء إفطار الصائم وأيام رمضان وليلة القدر وعند قراءة القرآن، ووقت أداء المناسك للحج والعمرة وهكذا، وأهم من ذلك كله الإخلاص والثقة في الإجابة.
تقبل الله منا ومنكم صالح الدعوات .
ـــــــــــــــــــ
إيماني يتذبذب .. فما الحل؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
كيف يعرف الإنسان أن إيمانه قوي ولن يضعف. عن نفسي لدي إيمان قوي بالله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر والقدر. لكنني أشعر بأن إيماني يتذبذب، وكثيرا ما يراودني شك في إيماني، وأشعر بتقصير كبير جدا خصوصا إذا عملت شيئا يتنافى وديننا السمح.
أفيدوني و جزاكم الله خيرا ...
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يعرف الشيخ عطية صقر، الإيمان بأنه تصديق القلب بما جاء به النبي، صلّى الله عليه وسلم، ويوضح أن صدق الإيمان يدفع الإنسان إلى استقامة سلوكه، فعمل بلا إيمان لا قيمة له عند الله، مشيرا إلى أن الإيمان المجرّد من العمل هو إيمان ناقص، كجذر الشجرة التي لا فروع لها ولا ثمار.(33/1044)
ويحلل الأستاذ رمضان بديني، سؤال السائل، فيؤكد أن الإيمان يزيد وينقص، محذرا إياه من العجب باعتبار أنه من مداخل الشيطان؛ معتبرا أن ازدياد العمل الصالح والتقرب إلى الله وفعل أوامره والانتهاء عن نواهيه من العلامات الدالة على قوة الإيمان.
يقول الشيخ عطية صقر من علماء الأزهر الشريف :
الإيمان هو التصديق بالقلب بما جاء به النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ وهذا التصديق أو الاعتقاد إن صدق دفع الإنسان إلى العمل واستقام سلوكه، وكل عمل بدون إيمان لا قيمة له عند الله، كعمل المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالَى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً.
والإيمان المجرّد من العمل إيمان ناقص، كجذر الشجرة التي ليس لها فروع ولا ثمار، أما الإيمان الذي يتبعه عمل فهو إيمان كامل مع التفاوت في الكمال، كالشجرة المورِقة المثمرة {إنّما المؤمنون الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وجَلِتْ قُلوبُهُمْ وإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَياتُهُ زَادَتْهُمْ إيْمانًا وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الذِينَ يُقيمونَ الصّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقونَ أَولئِكَ هُمُ المُؤمنونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ومَغفرةٌ ورِزْقٌ كَريمٌ} (سورة الأنفال : 2 ـ 4).
والإسلام يحبُّ من المؤمن أن يكون إيمانه كاملاً بالطاعات ليسعَد في دنياه وأخراه ولا يحبُّ منه أن يكون ناقص الإيمان لتعرُّضه لعِقاب الله على المعاصي إن لم يتُب عليه ويغفر له. و الهداية إلى الإيمان العملي القائم عليه هي توفيق من الله سبحانه، لكن لكل شيء سبب، فعلى الإنسان أن يسعى إليه ويجتهد في تحصيله، والله يَهديه إلى ما يريد، أما بدون سعي ورغبة فلا يستحق من الله هداية، فإذا قال الله تعالى { إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (سورة القصص : 56).
فالمعنى أن التوفيق للإيمان والطاعة لا يملكه إلا الله، يعطيه لمن سلك السبيل إليه، والرسول لا يُعطي هذا التوفيق، فما عليه إلا الدلالة عليه، وهو المراد بالهدى إذا نُسب إليه في مثل قوله تعالى:{ ولِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }(سورة الرعد : 7). والله يهدي النّاس السبيل ببيان طريق الخير وطريق الشر، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الخير هداه الله أي وفّقه، ومن أخذ الأسباب لسلوك طريق الشر أضلَّه الله، كما قال سبحانه: {ومَا يُضِلُّ بِهِ إِلاّ الفَاسِقينَ} (سورة البقرة : 26) .
فالإيمان كسبي وهبي، كسبي بسلوك السبيل إليه، و وهبي بتوفيق الله له، إن صدقت نيته، وقانون الحياة قائم على الأسباب والمسببات، تحت مشيئة الله سبحانه:{ومَا تَشاؤُونَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} (سورة التكوير : 29)؛ ويقول تعالي { قُلْ يا أيُّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ومَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} (سورة يونس : 108).
ويضيف الأستاذ رمضان بديني الباحث بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة :
أهلا بك أختي السائلة من هولندا في موقعك وموقع المسلمين، (إسلام أونلاين. نت).. ونسأل الله لك التوفيق و الهداية والثبات. أما بعد ...
فنؤكد أولا أن الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، والدليل على ذلك قوله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ(33/1045)
زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، وقوله تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ }، وقوله تعالى: { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.
وقد روي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله لأصحابه : "هلموا نزدد إيمانا"، وكان سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يدعو فيقول: "اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها"، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه".
وإذا نظرنا في تعريف الإيمان كما صح عن الحسن- رضي الله عنه- أنه قال : "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل". إذن فللإيمان جناحان هما : إيمان القلب، وتصديق الجوارح.
وأنت أختي السائلة تقولين إن لديك إيمانا قويا بالله وملائكته ورسله، وهذا شيء جميل أن يثق الإنسان في إيمانه ودينه، ولكن مع الحذر من مداخل الشيطان؛ فربما يُدخل الشيطان في قلب الإنسان العجب بإيمانه وأعماله؛ مما يؤدي به إلى التكاسل بعد ذلك. فأهلا بالثقة الدافعة للعمل وللزيادة، وإياك والعجب بالنفس والعمل.
وردا على سؤالك نقول:
إن علامة قوة الإيمان ازدياد العمل الصالح والتقرب إلى الله وفعل أوامره والانتهاء عن نواهيه؛ فكما ذكرنا فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. فانظري إلى أعمالك وضعيها على ميزان الشرع الحنيف؛ فإن وافقته فهذا دليل قوة إيمانك، وإن كان غير ذلك فقفي مع نفسك وحاسبيها.
أما عن شعورك بتذبذب الإيمان في بعض الأوقات، فهو أمر شكا منه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن حنظلة الأسيدي قال: "لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة. حتى كأنا رأي عين. فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة يا رسول الله!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة" ثلاث مرات.
ولكن يا أختي "ساعة وساعة" هذه يجب أن تقاس بميزان الشرع وأن تعرفي أن هناك خطا يجب عدم النزول عنه وهو ما عبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن لكل عمل شرة (نشاطا)، ولكل شرة فترة (ضعف وسكون)؛ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك".(33/1046)
ويمكنك التعرف علي كيفية استعادة ما نقص من إيمانك من خلال مطالعة الاستشارات التالية:
* برنامج عملي لتطوير الإيمان.. المهمات التسع.
* كيف نزيد من رصيد الإيمان ؟
* 12 مهمة نحو تجديد الإيمان.
وختاما؛
نسأل الله لنا و لك - يا أختي- الإيمان الخالص، واليقين الصادق. وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
كيف أحفظ إيماني بجامعة مختلطة؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
مشكلتي أنني لا أملك الثقة في نفسي، وأحس بضعف شديد في الإرادة تجاه أي فعل يصب في مصلحتي. وليس لدي طموح؛ فمنذ أن أنهيت الثانوية وأنا متخبط في حياتي. ويؤلمني في ذلك أنني ذو سمعة طيبة بين الناس؛ ويصفونني بأنني شاب مستقيم وملتزم.
فأنا أمارس العادة السرية منذ أن بلغت، ولا أعلم إذا كان جسدي البالي قادر على الزواج أم لا!، بالإضافة إلى هذا؛ فإنني ابتليت بسماع مغنيات آخر موديل؛ اللواتي طلعن علينا بأفجر الكليبات العارية. وللأسف، فبعد أن كنت أتوارى أثناء سماعي للأغاني، أصبحت الآن لا أبالي إن رآني أحد. وبعد أن كنت أغض بصري عند رؤية لقطة خليعة أو امرأة متبرجة؛ أصبحت أتمعن في تفاصيل الأجساد العارية.
أظن أنني من أغرب الناس قدرا على هذه الأرض، فبعد انتهائي من الثانوية أنعم الله علي بمنحة من الجامعة الأمريكية عندنا في الدولة؛ إلا أن هذه النعمة انقلبت نقمة علي، فالجامعة مختلطة، والحجاب كلمة غائبة، والآن بدأ الصيف، وأنا أحاول تقنين علاقتي التي هي أصلا شبه معدومة مع الفتيات، إلا أن عيني زائغة وتبحث عن أدق تفاصيل الجمال في كل فتاة. ولكن كم أحتقر نفسي، وأشعر بأن صلواتي التي أداوم عليها غالبا في المسجد (إلا الفجر) ليست مقبولة عند الله.
فكيف أستطيع العيش في جامعة مختلطة مع الحفاظ على إيماني وعدم الظهور بمظهر الإنسان المعقد - كما أبدو الآن أمام بعض أصحابي- في نفس الوقت الذي أعاني فيه واقعا نفسيا في الاتجاه المعاكس!!، والله في بعض الأحيان أعزم على عيش حياتي كما تريد نفسي (بنات ولهو) خاصة أنني أصبحت أرى بعض الشباب غير الملتزم يعيش حياته براحة وتفوق دراسي أفضل مني؛ و لكنني أحس بفداحة الأمر وبقوة خارقة تمنعني.. ويبدو أن كلمة "عيب" هي التي تمنعني من الحرام الآن؛ بدلا من كلمة "حرام" فيما مضي.
فهلا ساعدني أحد علي التخلص مما أنا فيه؛ فالموت عندي أهون علي من الفشل دنيا ودين.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار(33/1047)
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة إيمان إبراهيم من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الكريم حفظك الله وجعلك من شباب أمتنا الواعي المصلح العامل على نهضتها وإعادة أمجادها. أحب أن أبدا حديثي معك من نقطة هامة وهى ما اعتبرته أنت لب مشكلتك؛ وهى أنك تربيت على كلمة عيب ويبدوا أنها كانت الأساس في تنشئتك.
فالعيب وإن كان هاما لكنة لا يوزن في ميزان القيم الحقيقية حيث أنه يختلف من بيئة إلى بيئة ومن مكان لمكان لآخر؛ ولذلك فقد شعرت باختلال الميزان حينما انتقلت إلى الجامعة الأمريكية فوجدت أن ما تعودت على أنه عيب لا يعد – في عرفهم- عيبا، وبدأت تشعر بالخلل وعدم التوازن حينما رأيت بعض زملائك يتفوقون رغم تقصيرهم في حق الله.
وهنا لابد أن نتساءل عن الميزان الحقيقي الذي ينبغي أن أزن به قيمي وأخلاقي؟
لقد خلقنا الله ولم يتركنا لأنفسنا بل حدد لنا الطريق وأوضحه وجعله جليا بين أعيننا وأوضح المعايير التي يجب أن نقيس عليها نجاحنا وفلاحنا، فقال عز وجل:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون:115)، { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (الكهف : 110).. لذلك فان المقياس الحق هو هل هذا يرضى الله أم لا؟
نعم هذا هو الميزان الحقيقي الذي يجب أن نزن به قيمنا؛ ومن هنا انتقل إلى النقطة التالية وهى: هل فهمنا الشريعة بحق حتى نستطيع أن نزن عليها أعمالنا فقد يتوهم البعض أن الشريعة تقيد حركته وتضيق عليه فيحاول التخلص من قيدها ولكن لا يدرى أنها نعمة تستحق الشكر تماما كنعمة الجلد الذي يحيط بالإنسان فيحميه من هجوم الميكروبات الضارة.
أخي الكريم لو فهمنا الشرع لعلمنا أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست محرمة على إطلاقها؛ فالاحتياج إلى الجنس الآخر احتياج فطرى لن نستطيع مقاومته أو بتره لكن يمكننا أن نسيطر عليه والشرع لا يأمر الناس بترك الهوى كلية لأن هذا غير واقعي بل أمر بصرفة إلى طرق مشروعة، وفى هذا قال رسول الله صلى الله علية وسلم" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". أي حماية ووقاية من الوقوع في الحرام.
وأعلم يا أخي أن الانغلاق الشديد يدفع الإنسان إلى تعدى حدود الله؛ وأن الحياة بحرية مع مراقبة الله عز وجل تجعل الإنسان منضبطا في سلوكه وتصرفاته؛ لأن مراقبة الله هي الضابط الوحيد الذي يجعل الإنسان متزنا.
ننتقل إلى النقطة الثالثة والأخيرة وهي: "عدم ثقتك بنفسك"، والتي اعتبرها المشكلة الحقيقية؛ فحين ينهزم الإنسان أمام نفسه؛ يعيش مهزوما طوال حياته، والتسليم للرذائل يولد عدم المجاهدة والتعالي على شهوات النفس، وخروج الإنسان عن الدائرة التي يتقوقع فيها وهى هنا "الدائرة الجنسية" يجعل المرء ينجح في حياته في هذه النقطة وفى غيرها.(33/1048)
فمشكلتك – أخي الكريم- أنك حصرت حياتك في الجنس، وأنت تثير الغريزة الجنسية في نفسك كثيرا، عن طريق النظر الحرام والسماع الحرام.
يقول الإمام بن القيم يرحمه الله : يختار الشيطان نقطة الضعف في الكيان البشرى بأن يأتي من قبل الغرائز فيهيجها، ويعده بلذة عذبة ويعرضها علية مرة بعد مرة ويخفى عنه عواقبها حتى تنشغل به الخواطر، وتنصرف تدريجيا عن التعلق بأمر الله، فيعظم عنده هذا الهدف الخادع فيصرفه عن الغاية التي كان يرسمها له إيمانه بالله .
وإذا تسلمت الغرائز قيادة الإنسان أهدرت المصالح، وفقد الإنسان البصيرة، وتخبط أمره. وهنا يأتي السؤال كيف يكون الخلاص من هذا التيه وذاك التخبط وكيف أخرج من هذه الدائرة المظلمة ؟!
يجب أن تسال نفسك أولا ماذا يريد الله منى؟ وما الواجب علىَ القيام به الآن ؟
وإليك بعض النصائح عسى الله أن ينفعك بها :
1. بادر بالتوبة إلى الله، فأنت تحمل بين ثنياك تلك النفس اللوامة التي تمنعك من الاستمرار في المزيد من الضياع والاستجابة للهوى.
2. لابد وأن تبحث لنفسك عن هدف تهتم به، وتنشغل وترتفع من خلال سعيك إليه من التفكير في صغائر الأمور إلى كبارها. لقد منحك الله عقلا وذكاء يجب أن تؤدى شكره، بمزيد من التفوق والعمل واستغلال إمكاناتك أفضل استغلال، فأمتنا الجريحة تحتاج لرجال ينهضون بها.
3. أبحث عن صحبة صالحة والزم نفسك معهم، قال تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } ( الكهف:28) .
4. اشغل وقت فراغك بهواية نافعة أو رياضة مفيدة أو عمل اجتماعي يعود بالخير أو مشاركة في مجموعات تتعاون على البر.
5. ابتعد عن المثيرات من سماع والنظر إلى تلك الكليبات، واعلم أنك ستنجح مرة وتخفق أخرى، ولكن الاستغفار والاستمرار على المجاهدة هما مفتاح الفرج، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين َ} ( العنكبوت:69)0
6. ثق في نفسك بأنك على الحق ما التزمت بوسطية الإسلام، وقم بدعوة زملائك بالحكمة والموعظة الحسنة، عن طريق القدوة وزرع الحب وتقديم الخدمات والمشاركة في الأفراح والأحزان.
7. تضرع إلى الله بالدعاء الخالص في جوف الليل ألا يكلك إلى نفسك وأن يلهمك رشدك.
وتضيف وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بداية أسأل الله أن يتقبل منك نيتك، وأن يأخذ بيدك إلى طاعته ورضاه، وأن يضفي علي أيامك استقرارا وطمأنينة.(33/1049)
لخصت في سطرك الأخير تقريرا عن الواقع الذي تعيشه. فأنت إن استمررت في الحياة بهذا الشكل لن تعرف السعادة ولن تذوق طعمها، لا في الدنيا ولا الآخرة.
لدي ملاحظات قصيرة جدا، أرجو أن يجعل الله فيها خيرا، وأن ينفعك بها، وبما كتبته الأستاذة إيمان في إجابتها على سؤالك، وهي:
* كيف يعيش الإنسان بدون ثقة في نفسه؛ وبدون يقين بأنه قادر علي تحقيق ذاته بعون ربه؟، فالإيمان يدفع الإنسان إلي أن يفعل ما بوسعه، واثقا في عدل الله عز وجل. ولكن هل يثق الإنسان في نفسه فقط؟، ويركن بحاله إلي اجتهاده دون التوكل علي ربه؟
سيدي الفاضل ..
المسلم لا يعرف الوهن؛ إنه دوما قوي بالله ومتوكل عليه، وآمل في فضله. والله يحب من عباده أن يكونوا أقوياء به، يروي أبو هريرة حديثا عن الرسول صلي الله عليه وسلم يقول فيه:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا، لكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان".
* لقد ورطت نفسك يا أخي في سلسلة من الأخطاء التي جعلتك في وضع التأهب لارتكاب فاحشة أكبر. بداية عندما استسلمت للعادة السرية وصارت هي ملاذ احتياجك الجسدي؛ ثم تعودت علي مشاهدة الأغاني الفاضحة الملبدة بالأجساد العارية؛ ومن نساء الشاشة إلي نساء الواقع حيث أصبحت تنظر إليهن وتتمناهن وتبحث في تفاصيل أجسادهن عن الجمال؛ فلم تتعجب إذن من تحفزك لإقامة علاقة محرمة مع امرأة، وقد اتبعت خطوات الشيطان التي تؤدي إلي طريق معروف نهايته. لابد إذن أن تتراجع عن هذه الخطوات واحدة بعد الأخرى؛ لتنسحب من هذه الحياة الموبوءة. ولتبدأ حياة أخري مليئة بالطاعات، وثقة بالنفس لا تنتهي نابعة من اليقين بالله.
* اشكر الله يا أخي أنه حسّن صورتك أمام الناس؛ فهذا ما كان يدعو به الرسول صلي الله عليه وسلم "اللهم اجعلني شكورا، واجعلني صبورا، واجعلني في عيني صغيرا، وفي أعين الناس كبيرا". فهذه نعمة كبيرة أن يسترك الله ويعلي مقامك لدي الناس؛ فيقول ابن القيم في هذا أن الناس لو علموا حقائقنا لبصقوا من وراءنا في الطرقات. وربما يكون هذا الفضل توجيه من الله عز وجل حتى يراجع العبد نفسه، ويسعي لأن يرتقي إلي المكانة التي يراه الناس عليها. لذا جاء في المأثور أنه إذا امتدح العبد فليقل:" اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".
* أنت تتصور- يا أخي- أن الشباب اللاهي مستمع بحياته وموفق في عمله، وهذا تصور سطحي. أولا: هل تشعر بالراحة كلما تماديت في المعصية؟ فما بالك بالذين يغصون في وحل الذنوب، هل هم أسعد منك حالا؟. ثانيا: الله قد يعطي المذنب رفاهية الدنيا إما ليقدم له ما أحسن في الدنيا أو لتكون- الرفاهية- حجة عليه في الآخرة. فلا تثق فيمن يرون أن الحياة لا يعرف حلو مذاقها إلا المذنبون. فماذا عن حلاوة الإيمان وحياة الطائعين؛ وهل في الدنيا نعيم أكبر من القرب من الله؟.(33/1050)
* ثق بأن الله يريد بك خيرا، لأن في داخلك قوة تمنعك من التمادي في المعاصي وارتكاب الزنا. وأن بنفسك خيرا يتطلع لأن يكون غالبا علي حياتك؛ وإلا ما كنت لتشعر بالاضطراب بسبب المعاصي وترجو حلا يكفل لك السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
فغذ - يا أخي- هذا الجانب الخير الذي يسكن نفسك؛ وحاول أن تبتعد قدر ما يمكن عن مواطن الشهوات. وسد هذا الباب علي نفسك حتى يقدرك الله علي الزواج.
وطالع كيفية الإقلاع عن العادة السرية في الاستشارة "وصفة عملية لعلاج العادة السرية"؛ وتأكد بأن الله لن يرد يداك صفرا، وأنت تدعوه ليغفر لك ما مضي؛ وترجوه أن يقربك منه ويعينك بتقواه علي نفسك، وسد باب الشهوات.
وفقك ربي يا أخي وسدد صالح خطواتك.. وأسعد قلبك بالتوبة وفرّح أيامك بطاعته.. آمين .. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الحب في الله أقوى أم الرحم؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
هل يمكن أن يكون أخي في الله، أحب إلي من بعض أهلي؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول صبحي مجاهد من فريق الاستشارات الإيمانية:
الأخ الكريم محمد..
بداية أحييك على تعبيرك الإيماني الجميل بقولك "أخي في الله" ، فالأخوة في الله دائما يحيطها محبة خالصة لوجه الله، ليس من ورائها مصلحة أو حاجة دنيوية، والإنسان في هذه الأخوة يسعى دائما إلى التقارب مع أخيه المسلم من اجل الوصول إلى ما يرضي الله ورسوله.
وأريد في البداية أخي العزيز أن أشير إلى أمر هام، وهو أن الحب غريزة في بني البشر قد يحملها إنسان لشخص دون آخر، كما أن درجات الحب تتفاوت، في قلوبنا، من إنسان لآخر،
وعليك أن تعلم - أخي الحبيب- أن حبك لأخيك المسلم، في الله، هو نوع من الإيمان، لأنه وسيلة هامة من وسائل اكتساب محبة الله.
وقد حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدحه، حين قال: "إن من عباد الله أناسا، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله.. قالوا: يا رسول فخبرنا : من هم؟ قال : قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فو الله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس".(33/1051)
أما عن سؤالك حول إمكانية أن يكون أخوك في الله أحب إليك من بعض أهلك، فهذا من الممكن أن يتحقق مع أي إنسان إذا أحس بأن أخوه في الله يلازمه بشكل كبير، ويبذل له النصيحة لوجه الله، ويستشعر منه حرصه الدائم على ما ينفعه ويقربه إلى الله تعالى.
ولكن أخي العزيز..
يجب أن تعلم أن محبتك لأخيك المسلم، لا ينبغي أن تكون على حساب أهلك، لأنهم أصحاب حق عليك بحكم صلة الرحم، فإذا كان الإسلام حثنا على الترابط بين أفراد المجتمع ككل، وهو ما يطلق عليه بالأخوة العامة، فإنه أيضا أمرنا بالترابط والمحبة على الجانب الأسري لأن صلة الرحم هي صلة لله تعالى، ومن منا لا يحب أن يكون موصولا بالله عز وجل.
فما أعظمها من نعمة أن تكون لدينا الوسائل والأساليب الإسلامية التي توصلنا إلى القرب من الله تعالى فنتبعها، وما أفظعها من خيبة إذا تركناها ولم نعمل بها .
أخي في الله محمد..
إن المسلم الحق هو الذي يستطيع أن يحقق التوازن بين محبته لإخوانه ومحبته لأهله وأقاربه، لأن الصلة والمحبة هي أساس الحياة، فالحفاظ على محبة الأهل هو حفاظ على صلة الرحم الذي تعهد الله تعالى بذاته العلية أن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها، كما أن محبة الأخوان في الله تكسب الإنسان محبة الله، وعليه فلا غنى لأي مسلم عن أن يحب أخوانه في الله، ويحب أهله وأقاربه، وليترك الأمر بعد ذلك لله، وليس في كون ميل القلب لشخص بعينه لوجه الله شيء لأن ذلك كما قلنا في البداية هو من طبيعة بني البشر.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود قائلا :
شكر الله لأخي الأستاذ صبحي مجاهد جوابه، وليسمح ليّ أن أشاركه الأجر. وبعد :
فإن الحب في الله تعالى أوثق عرى الإيمان، وهو منحة من الله لا يشترى بالمال، قال تعالى في بيان فضله على عباده المتحابين :(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). وقد جعل الله الحب في الله سببا للنجاة من النار ودخول الجنة، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله، منهم: (رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه).
ولا يجد المرأة حلاوة الإيمان إلا بإحدى ثلاث : إعلاء محبة الله على كل حب، وكراهية العودة للمعصية بعد التوبة الصادقة، وإخلاص الحب لله بين الناس، بحيث لا يرجى من ورائه منفعة دنيوية، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
وحتى يؤتي هذا الحب في الله آثاره وتُجنى ثماره، فإنه حري بمن أخا له في الله أن يبادر إلى إبلاغه بهذا الحب، فقد روى أبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه)، كما أخرج أبو داود عن(33/1052)
أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمر رجل به فقال: يا رسول الله، إني أحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم،: ((أأعلمته))؟ قال: لا، قال: ((أعلمه)). فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له.
وختاما؛
أعتقد انه ليس هناك تعارض بين حبك لأخيك وحبك لأهلك، فكلاهما حب لله، طالما حسن القصد وخلصت النية، أسأل الله تعالى أن يتقبل منك حبك لأخيك، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وألا يجعل فيه لمخلوق ولا لدنيا نصيب، إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وتابعينا بأخبارك ...
-ـــــــــــــــــــ
أغار من أصدقائي وتخليت عن خطيبتي ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أشكر لكم اهتمامكم بالرد على استفساري تحت عنوان " خليط الطاعات والسيئات" بتاريخ 17/5/2005، وكما طلب الأستاذ رمضان بديني من معلومات عني؛ فأنا شاب عمري 30 عاما، أقيم بمكة المكرمة منذ 3 سنوات، مستوى تعليمي ماجستير، أعزب.
الحمد لله الفترة الماضية تغير حالي كثيرا لقد أقلعت عن التدخين، وامتنعت عن مشاهدة الأفلام الجنسية، وامتنعت عن ممارسة العادة السرية غير مرة واحدة ولمت نفسي كثيرا بعدها، والتزمت بأداء معظم الصلوات جماعة في المسجد وخصوصا صلاة الفجر في الحرم المكي، وأقرأ تقريبا ثلاثة أجزاء من القرآن يوميا، واستمع للشرائط الدينية، وأراعي الله في عملي على قدر المستطاع، وأحسن من أخلاقياتي ومعاملاتي مع الناس.
معذرة على التطويل، ولكن أرجو الاستفسار عن بعض المشكلات التي واجهتني حتى تعم الفائدة:
1- لقد نصحتني أستاذي الفاضل بالصحبة الصالحة، وهي نصيحة مكررة لكل من يهفو إلى طاعة الله، ولا ينتابني أدنى شك في جدوى هذه النصيحة، ولكن المشكلة بي أنا؛ فأنا أقيم في نفس المسكن مع زميل لي في العمل وهو ملتزم دينيا؛ وإن كنت أعيب عليه بعض الأشياء. المهم أنى أحببت أن يكون هو الصحبة الصالحة التي تعينني على طاعة الله، ولكني أجد في داخلي غيرة شديدة منه، وأشعر أنه بداخله نفس الشعور.. فكيف لي أن أتغلب على هذا الشعور؟ مع العلم أن هذا الشعور كثيرا ما يتكرر معي خصوصا مع الملتزمين دينيا؛ مما يدفعني إلى اتهامهم – في نفسي - بالرياء وإظهار خلاف ما يبطنون.
أعلم أن هذه مشكلة كبيرة بقلبي وأنه يجب أن أعامل الناس على حسب ما يظهر لي وأن أدع الباطن لعلام الغيوب، ولكن هذه هي مشكلتي الثانية.
2- فأنا دائما ما أحلل تصرفات من حولي، ولا أكتفي بظاهر التصرفات؛ بل أحاول أن أصل إلى ما وراء الظاهر، وكثيرا ما أصيب في تحليلي، وأعتقد أنها موهبة من الله، ولكن تصرفي هذا يشحن نفسي بمشاعر كراهية تجاه الآخرين، وأحاول إظهار(33/1053)
هؤلاء الأشخاص الذين يحاولون خداع من حولهم للآخرين؛ مما يسبب الكثير من الحساسيات بين الأشخاص، وأيضا هذا يدفعني للحديث عن الآخرين في عدم وجودهم.
وفي الفترة الأخيرة كرهت هذه الصفة في نفسي، وحاولت كثيرا التخلص منها بأن أشغل نفسي بما يفيدني، ولكن الأمر لا يسلم من بعض التجاوزات، خصوصا أن الاحتكاك في العمل كثير، والمؤامرات التي تحاك في العمل كثيرة، مما يستفزني للرد عليها.
3- أشعر في قرارة نفسي أنى ظلمت إنسانة كنت خطبتها لفترة ثم انفصلت عنها، ولا أعلم إن كنت محقا في شعوري هذا أم لا، وما هي الطريقة للتكفير عن هذا الذنب؟، باختصار أخبرتكم في استفساري الأول أنى للأسف الشديد زنيت ثم أكرمني الله بالحج، وتبت من هذا الذنب الرهيب، وبعدها أخذت إجازة، وعزمت على الزواج، وعن طريق بعض المعارف تقدمت لهذه الفتاة، وكانت مدة الإجازة قصيرة، وأخبرني أهل الفتاه قبل إتمام الخطبة أنها تعاني من آثار حرق في جسدها في منطقة الصدر، وشعرت بانقباض شديد في صدري، وأحسست أن الله يعاقبني لاقترافي جريمة الزنا في بلده الحرام، ووجدت نفسي أوافق على الارتباط بها عسى الله أن يكفر عني ذنبي، وأقنعت نفسي أن هذه الفتاة هي نصيبي، وغمرتها بكثير من العطف والحب حتى تعلقت بي في وقت قصير للغاية، وحدثت بعض التجاوزات بيننا وكأني لم اتعظ.
المهم أني خلال هذه الفترة كنت صادقا في إقبالي على هذه الفتاة، ولكن بعد سفري مرة أخرى وبعد فترة وجيزة وجدت حسرة وألما بصدري، وبت الليالي الكثيرة أبكي، وأصبحت لا أطيق الحديث معها، وأصابني الاكتئاب، ورجعت للتدخين، وأصبت بالكثير من العصبية، ولم أعد أحتمل أن أكمل ما بدأته، ووجدتني أتصل بأهل الفتاة بعد صراع داخلي دام 4 شهور، وأخبرهم أنى لن أستطيع أن أكمل مشروع الزواج، ووقع الخبر عليهم كالصاعقة، خصوصا أني لم أظهر لهم أي شيء مما كان يدور بداخلي، وسألوني عن السبب، وبكل تبجح، وقسوة قلب (اعتقدت أنها صراحة وقتها) أخبرتهم أني غير متقبل لعيبها الجسدي، وحزنت الفتاة كثيرا، وترك هذا فيها ألما رهيبا كما علمت بعد ذلك.
أحب أن أذكر أني قبل اتخاذي لهذا القرار كنت تقريبا أقوم معظم الليل، وأرجو من الله أن يلهمني الصواب، وبعد أن تركتها أحسست بمرارة شديدة، ووجدتني أذهب إلى الحرم، وأظل أبكي، وأدعو أن يصبرها الله، وأن يعوضها خيرا مني، وأحسست بمدى الجرم الذي ارتكبته. مضى الآن 10 أشهر تقريبا على انفصالي عنها، وكلما مرت بخاطري أبكي وأدعو لها.
بقي أن تعرف أني منذ 3 شهور تقدمت لفتاة أخرى (لم تتم الخطبة)، ويوم ذهابي لمقابلة أهلها حدث لي حرق في ذراعي، وترك أثرا إلى الآن، ولكنه بسيط، ولكنى كلما أراه أتذكر هذه الفتاه، وأحس بمدى ظلمي لها، ومعاقبتها على شيء ليس لها يد فيه، وتمنيت أنى لم أرتبط بها أصلا.(33/1054)
آسف للإطالة، ولكن هذا بعض ما يعتري نفسي، وإني إذ أثق في موقعكم فأرجو الرد علي بما يصلح لي قلبي المريض، وما يقربني من ربي.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أهلا بك أخي أيمن مرة أخرى على موقع إسلام أونلاين.نت. لقد سعدت كثيرا أخي بمتابعتك وتواصلك الإيجابي معنا مرة أخرى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عزيمتك القوية واستعدادك الصادق للتوبة والرجوع إلى الله.
ومما زاد سعادتي وثقتي فيك تغير حالك للأفضل من إقلاع عن التدخين والأفلام الجنسية، وامتناع عن العادة السرية، ثم محافظتك على الصلاة في جماعة والورد القرآني.. كل هذه أمور إيجابية تستوجب منك شكر الله عليها، وسؤاله أن يديمها عليك، وأن يبعد عنك شياطين الإنس والجن الذين يغيظهم أن يروا عاصيا قد تاب أو بعيدا عن الله قد عاد إلى رحابه؛ فيبدؤوا في نصب الشراك في طريقه ليصدوه، ولكنني واثق أنك ستجتاز هذه العقبات وستستمر في طريق عودتك لله رب العالمين، خاصة وأنك في مكان من أقدس وأطهر الأماكن على وجه الأرض، وأنت الرجل المثقف الذي سار في طريق العلم حتى حصل على الماجستير؛ فإننا نثق في مقدرتك على الاستعلاء بنفسك والترفع عن هذه الرذائل التي لا تتناسب ومستواك العلمي والاجتماعي.
واعلم - أخي الفاضل- أنه إذا كان تحقيق النجاح صعبا فإن المحافظة عليه والاستمرار فيه أصعب منه بكثير؛ فعليك أن تدرك أنك الآن في فترة "نقاهة" تحتاج منك إلى مضاعفة جرعة العلاج وتكثيفها حتى لا تحدث لك "انتكاسة" والعياذ بالله. فأدعوك إلى المحافظة على ما قلته لك من نصائح في الاستشارة الأولى، وما تفضل به الزميل الأستاذ مسعود صبري في مشاركته "توبة على الورق".
أما بالنسبة لتساؤلاتك التي طلبت الرد عليها فإنني أستعين بالله وأقول لك:
اسمح لي أن أتكلم عن أول تساؤلين معا لما بينهما من علاقة وترابط يصعب الفصل بينهما، وأن ألخص تعليقي على كلامك فيهما في النقاط التالية:-
أولا- من الخطأ حصر الصحبة الصالحة في الشخص الذي وجد معك في العمل أو السكن فقط؛ لأن مفهوم الصحبة الصالحة أوسع من ذلك بكثير؛ فالصاحب الصالح هو كل شخص أو مجموعة تعينك على طاعة الله -عز وجل- وعلى هوى نفسك وعلى كيد الشيطان، سواء كانت هذه المجموعة في السكن أم العمل أم المسجد، وربما تكون هذه الصحبة مؤقتة؛ فتكون في وسائل المواصلات اليومية أو في السفر الطويل. فأنت تسعى إلى من تتوسم فيهم الخير والصلاح فتتقرب منهم ويحدث بينكم ترابط قلبي واجتماعي وتتواصون فيما بينكم بالحق والصبر، وتتعاونون على البر والتقوى. فاحرص على أن تكون لك صحبة صالحة في كل مكان تتواجد فيه.(33/1055)
ثانيا- بالنسبة لموقفك من صاحبك في السكن الذي وصفته بأنه ملتزم ولكن تعيب عليه بعض الأمور.. أقول لك أخي الحبيب:
مشكلة البعض أنه يتعامل مع الملتزمين على أنهم ملائكة "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"، فينتظر منهم أن يخرجوا عن طبيعتهم البشرية؛ فلا يقع منهم أي خطأ أو عيب. وهذا فهم غير صحيح فالملتزمين بشر كباقي البشر يخطئون ويصيبون، ويذنبون ويستغفرون، مع مراعاة أنه يجب عليهم أن يتميزوا عن عوام الناس في هذا الأمر فلا يأتون الكبائر ولا يجاهرون بالصغائر، وإذا غلبتهم أنفسهم ووقعوا في المعصية فعليهم سرعة التوبة والرجوع إلى الله، وليعلموا أنهم قدوة لغيرهم؛ فليراعوا المكانة التي وضعهم الله فيها.
إذن يا أخي عامل الناس كلهم - ملتزمين وغير ملتزمين- على أنهم بشر، واعلم أنه من طلب صديقا بلا عيب بقي بلا أصدقاء.
ثالثا-بالنسبة لغيرتك من صاحبك الملتزم.. فأنت لم توضح لنا سبب هذه الغيرة.. هل هو متفوق عليك في أمر مادي معين؟ وإن كنت لا أظن ذلك، خاصة أنك تشعر أن لديه نفس الشعور، ولكنني وجدتك بعد ذلك تصرح بأن هذه الغيرة تمتد لتشمل كل الملتزمين تقريبا، وأيضا لا أدري ما السبب فيها؟
هل هو شعورك بأنك مذنب وعاص وأن هؤلاء وصلوا لدرجة يصعب عليك الوصول إليها ؟ إن كان هذا هو السبب فأظن أنه سيزول الآن بعض أن بدأت تضع قدمك على طريق الالتزام الآن؛ فالالتزام ليس جماعة أو هيئة معينة، ولكن كل من تقرب لله بفعل أوامره والانتهاء عن نواهيه فهو ملتزم.
أم أن السبب هو أفعال بعض أدعياء الالتزام الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا بأفعالهم المنفرة من الالتزام؟، إن كان ذلك هو السبب فأنصحك هنا ألا تعمم الحكم على الكل بناء على ما وجدته من البعض، وأذكرك بما قلته لك منذ قليل من أن كل بني آدم خطاء -ملتزمين وغير ملتزمين-، وربما ما لاحظته عليهم من أفعال تراها أنت خطأ لها ما يبررها عندهم؛ فالتمس لهم الأعذار وقدم حسن الظن، وإن لم تجد عذرا فاتهم نفسك بسوء تقدير الموقف وأنك فهمته خطأ؛ فما تراه أنت خطأ وعيبا ربما لا يكون في حقيقته كذلك.
أم أن السبب هو الصورة السيئة التي رسمتها بعض وسائل الإعلام عن الملتزمين؟، إن كان ذلك هو السبب فأدعوك هنا أن تحكم على الفرد - أيا كان- بعمله ومواقفه لا بما يقال وينقل عنه، خاصة في هذا الوقت الذي لا تخفى عليك فيه الحرب الشرسة المعلنة على الإسلام وأهله، والتي من وسائلها تشويه صورة الملتزمين عند عامة الناس بما يُبث من برامج وأعمال درامية تبتعد عن الحقيقة كثيرا.
أما بالنسبة لتحليلك أفعال الآخرين وعدم الاكتفاء بالظاهر؛ فهذه مشكلة، وأظن أنها ربما تكون هي السبب فيما تعاني منه من غيرة من الآخرين، وأنت قد اعترفت بخطئك في هذا الأمر وعددت بعض الآثار السلبية الناشئة من ورائه مثل حدوث كراهية في نفسك لبعض الأشخاص، ووقوعك في غيبتهم وهذا ذنب عظيم.. إذن فأنت مقتنع معي بأن هذا الفعل خطأ لما له من آثار سلبية؛ ولذلك أذكرك بما يأتي:(33/1056)
1. مجتمع الصحابة الذي يعتبر أطهر مجتمع وجد على وجه المعمورة لم يخلُ من المنافقين، ومنهم من كان معروفا بذلك وكان الرسول يعرف أسماءهم، ومع ذلك كان هَمُّ الصحابة الأول هو أن يحذر كل منهم أن يكون من هؤلاء المنافقين، ولم يشغل أحد منهم نفسه بتحليل نفسيات الناس وأفعالهم للتمييز بين المنافقين والمؤمنين؛ بل كانوا يتعاملون معهم بما كفله لهم الشرع من واجبات وحقوق؛ فعامل الناس بأفعالهم الظاهرة ودع البواطن والنيات لعلام الغيوب.
2. إذا وجدت بعض العيوب والأخطاء من أحد الأشخاص فتذكر الجانب الآخر منه؛ فلن تعدم حسنة له أو عملا صالحا يحسن صورته في ذهنك.
3. احذر من مداخل الشيطان في هذا الأمر، خاصة إذا أصبت في بعض تحليلاتك -ربما يكون هذا من باب الصدفة المحضة- فيصيبك العجب بالنفس، وهو ما لاحظته من قولك: "وكثيرا ما أصيب في تحليلي، وأعتقد أنها موهبة من الله".
4. إذا حدثتك نفسك بعيوب الآخرين فتذكر عيوبك أنت وانشغل بإصلاحها وتذكر قول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ***فكلك عورات وللناس أعين
وعينك إن أبدت إليك مساوئ امرئ*** فصنها وقل يا عين للناس أعين
فكما تحلل عيوب الناس فإن هناك من يحلل عيوبك وأفعالك.
أما بالنسبة للنقطة الثالثة الخاصة بموضوع خطبتك من هذه الفتاة ثم تركك لها بعد فترة من الخطبة؛ وهو ما تراه أنت ظلما لها.. فإنني أقول لك:
لقد ارتكبت بداية في هذه الأمر عدة أخطاء، منها :-
1. تسرعك في الموافقة عليها من البداية وعدم إعطاء نفسك الفرصة الكافية للاقتناع القلبي والعقلي بها قبل أن تبدي الموافقة عليها.
2. أهلها كانوا صادقين وأمناء معك حينما أخبروك قبل الارتباط بالحرق الذي بها، ومع ذلك لم تتروَّ في الموضوع ووافقت عليها.
3. موافقتك على هذه الفتاة كان باعتبارها عقابا لك من الله تعالى على ما اقترفته من جرائم في الماضي، وهذا فهم مغلوط؛ فالأصل أن الإنسان إذا أرد الارتباط فإنه يبحث عن الفتاة الملائمة لظروفه ولما يضعه من شروط، فإذا وجد من يتحقق فيها هذه الشروط من خلال التحري الدقيق - دون علمها- فإنه يستخير الله تعالى ويدعوه أن ييسر له الخير حيث كان، فإذا وجد راحة وتيسيرا للأمور فليسر في الطريق نحو إتمام الزواج. هذا هو الطريق الطبيعي للارتباط، ولكنك أخذت الموضوع على أنه قدر الله الواقع عليك، ولا راد له، مع أنك أنت الرجل وأنت الذي بادرت وتقدمت لهذه الفتاة، ولم تأت لك هي.
4. حينما قررت فك الارتباط بهذه الفتاة كنت صريحا جدا في موضع غير مطلوب فيه الصراحة المطلقة مراعاة لنفسية الفتاة وأهلها؛ فكان يمكنك أن تتعلل ببعض العلل الشرعية بعيدا عن موضوع الحرق هذا؛ فمثلا كان يكفيك أن تقول إن هناك بعض الظروف الخاصة التي تمنعك من الارتباط الآن، أو غير ذلك من الحيل التي كان يجب عليك أن تراعي بها نفسية هذه الفتاة بدلا من أن تضيف جرحا نفسيا لجرحها الجسدي.(33/1057)
أما بالنسبة لموقفك الآن فإنني أرى أن تنسى هذا الأمر وتتجاوزه، وتنظر للمستقبل؛ فهذا الجرح الذي أحدثته لا يمكن علاجه الآن، فالزمن جزء من العلاج، وعليك أن تكثر من الاستغفار لنفسك ولهذه الفتاة، وأن تدعو الله أن ييسر لها الخير حيث كان، وأن يرزقها خيرا منك ويرزقك خيرا منها؛ فربما كنتما قد تزوجتما، ثم بعد الزواج حدث ما يوجب الانفصال، وربما حدث ذلك بعد الإنجاب مثلا؛ فالأمر حينها كان سيصبح أصعب بكثير مما حدث، فاحمد الله على ذلك، واترك الماضي وراء ظهرك متفاديا سلبياته، ومستفيدا من إيجابياته.
وبالنسبة لما حدث في ذراعك من حرق فهذا قدر من الله، وليس شرطا أن يكون عقابا لك؛ فأنت لم تكن سببا في الحرق الخارجي لصدر الفتاة، وإن كنت سببا في حرقه داخليا.
وفي النهاية أخي الكريم؛
أدعوك أن تجلس مع نفسك جلسة مصارحة تسأل فيها نفسك ماذا تريد؟، وما هدفك الآن في الحياة؟، وبناء على ذلك حدد أولوياتك واحتياجاتك، وأرى أنه من الضروري لك الآن أن تعجل بالزواج، خاصة وأنت في الثلاثين من عمرك؛ فللزواج أثر كبير في استقرار أمورك إن شاء الله ، مراعيا فيمن تختارها أن تكون من مكونات الصحبة الصالحة التي تبحث عنها، "فاظفر بذات الدين تربت يداك".
نسأل الله أن يهدينا وإياك إلى سواء الصراط. وتابعنا بأخبارك ...
ـــــــــــــــــــ
قبل الشكوى.. كيف أنت مع جيرانك؟ ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
سيدي المستشار.. كل يوم يقول فينا رجل دين بواجب الجوار وضرورة أن يتحمل بعضنا بعضا لكي نعيش في مجتمع آمن؛ أقتنع عقليا بهذا الكلام. ولكن الواقع يفزعني ويجعلني اهزأ به.
دعنا ندخل في الموضوع مباشرة. لا يريد الجار الساكن فوقي أن يصلح الحمام وبالتالي ؛ فإن حمامه معرض في أي وقت أن يقع فوق رأس أي فرد من أسرتي.
كلمت طوب الأرض حتى يتراجع عن بخله ويقوم هو بهذا ولكنه لم يرض. فقلت أتحامل علي نفسي وأقوم بالإصلاحات علي نفقتي. وبعد أن دفعت من جيبي حتى أصلح الحمام لديه؛ خربه أهله مرة أخري من سوء استخدامهم للحمام وكثرة تركهم الأرضية مبللة دون تجفيف.
عندئذ طلبت منه أن يعيد التصليح ولكن علي نفقته.. لكنه لم يرض. حاولت أنا وزوجتي أن نسوق جيراننا عليه حتى يقبل وإلا سوف نحرر ضده محضر. فتراجع علي الفور أول ما سمع هذا الكلام . فلماذا يدفع الإنسان بالحسني ولا يجد مقابلا إلا بالتهديد وسوء الوعيد.
هذا الجار الذي يقيم فوقي مباشرة. أما عن بقية الجيران فحدث ولا حرج؛ فكثيرون أجدهم يتحدثون خلسة عن ابنتي التي لم تتزوج وبعد ويقولون فيها بهتانا القيل والقال.. وابن الجيران الذي لا يكف عن مغازلة ابنتي الصغيرة رغم إحراجي له ولوالده أكثر من مرة.. وجار آخر يشغل الكاسيت بصوت عال ليلا ونهارا ..... الخ ..(33/1058)
بالطبع هناك نماذج قليلة في حينا تعكس خيرا .. لكني مللت من هذه التعاملات؛ لذلك قطعت العلاقة تماما مع جيراني .. ولكن أبنائي كل يوم يقولون لي إني لست علي صواب؟ وإني أنتقص من بنائهم الإنساني بهذا الفعل ؟ فهل أنا علي صواب أم أبنائي؟ وكيف أتقي شر جيراني؟ وأعد نفسي إيمانيا علي تحملهم والصبر علي أذاهم؟
أفيدوني بالله عليكم
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران – عضو فريق استشارات إيمانية بمصر:
لا يستطيع إنسان أن يجمع البحر في قارورة، أو الريح في زجاجة؛ فهل تراني – يا سائلي الكريم – مجيبَك إلى كل ما سألت؟.
إذا لم أفعل شعرتُ بالتأثم وتأنيب الضمير، ومن أجل ذلك فإنني أستعين بالله الكريم رب العرش العظيم، وألقي بين يديك كل ما في جعبتي، متمنيا على الله تعالى أن يبارك في جهد عبده المقلِّ. لقد طرقتَ بابا من أبواب عنائنا. أجل، إنه كذلك، ولكن مصدر العناء يا أخي إنما هو نحن.. وليس أحدا غيرنا. لقد قرأتُ شكواك، وأكاد أقول: إنها متكررة ومنتشرة في كل شارع وكل عمارة سكنية، وخاصة في المدينة.
لقد جرفَنا هذا السيلُ العارم حين نمَّط حياتنا وحشرنا في طاحونة يومية لا تنتهي؛ فأصبح الناس يُهرعون إلى العزلة والانفرادية والتقوقع؛ ظنا منهم أن هذا أفضل بكثير من المشاركات الاجتماعية الأصيلة، وأصبحنا نسمع كل يوم ونرى أطيافا من الأعاجيب، وأصنافا من البشر، وفلسفات بُنيت في دهاليز الأفكار الشخصية المنغلقة، تبرر بكل وسيلة هذه العزلة القاتلة.
إن ديننا لا يرحب بهذا أبدا. فيقول عز وجل :{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}.. أليست هذه الآية في سورة الحجرات التي يحفظها أو على الأقل يعرفها كل إنسان له صلة بشريعة الحق سبحانه؟!.
فماذا حدث؟! لقد تجذرت في مجتمعنا صفة الانفصامية، تلك التي يطلقون عليها "شيزوفرينيا".. وأصبح انفصام الشخصية أصلا لا فرعا. نعرف شيئا، ولكنا نعمل شيئا آخر. كل الناس يتكلمون، ولكن عند العمل "يتحنطون"..!
أيها الجار الكريم.. دعني أبدأ معك الآن. تقول بأن جارك الذي يقيم فوقك مباشرة لا يتعاون معك، ويرفض أن يصلح من شأن حمامه الذي يصيبكم بالأذى. وأنت محق في شكواك هذه، ولكنك أرسلتها إلينا نحن قسم الاستشارات الإيمانية، ولم ترسلها إلى القاضي؛ ولذلك فإن إجابتي عليك ستكون ذات طابع إيماني، وليست حكما قضائيا.
أقول هذا لأنني أعترف أنك محق في شكواك، ولكن لا سبيل لدي لسماع الطرف الآخر، ولا للحكم على جارك هذا؛ وبالتالي سأبحث معك عن طرق أخرى أكثر نفعا – فيما أرى – في إطار معاملاتك مع هؤلاء الجيران.
ولكن السؤال الذي أود أن أطرحه عليك: كيف حالك مع جيرانك الأعزاء؟(33/1059)
لاحظ أنني لا أسألك: كيف حال جيرانك معك. ولكني أسألك عن حالك أنت معهم، بعيدا عن أية مشاكل: ما رأيك إذا نحيتها جانبا، والتمست لنفسك طريقا للمعاملة الإسلامية الحقيقية، على الأقل بادر أنت نحوهم، وقبل ذلك أخلص نيتك، وتوجه إلى الله العلي القدير أن يعينك على حسن الجوار وإصلاح الأحوال. ادع بهذا الدعاء: "اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور".
ولتبدِ لهم من معاملاتك ما يليق بك أنت، لا ما يستحقونه هم.
ولتكن معهم كريما:
* "إذا اشترى أحدكم لحما فليكثر مرقته، فإن لم يصب من اللحم أصاب من المرق وهو أحد اللحمين، وليغرف لجيرانه ".
* "إذا طبخت قِدرا فأكثر مرقها، فإنه أوسع للأهل والجيران ".
* • "إذا طبختم القدر فأكثروا الماء واغرفوا للجيران ".
هذه كلمات مروية عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أتفهم أنه في كثير من الأحيان لا يستطيع الجار أن يهدي جاره لحما، وخاصة في أيام الرخاء هذه..! ليكن.. ولكن هذا لا يمنع طبقا من الحلوى، من الفاكهة، كتبا مدرسية انتهى أولادك منها في عامهم الماضي تهديها لأولاده بابتسامة وبطريقة لطيفة، بعض الملابس التي بحالة جيدة ويتكدس بها دولابكم تهدونها إليهم. قد يكون شيء مما ذكرته مناسبا لحالات، وقد لا يكون مناسبا لأخرى، فتدبر وقدر مزاج جارك وردَّ فعله قبل أن تُقدم على أمر ربما يكون مردوده عكسيا.
"تهادوا تحابوا".. أليس هذا حديثا نبويا كريما؟ اجتهد أن تطبقه وانظر في العواقب؛ حتى ولو بالشيء اليسير. المسبحة التي تسبحُ بها. بسكوته لأحد أولاده. أي شيء.. أي شيء. افعل هذا ولا تنتظر منه استجابة سريعة، أو تغيرا فوريا. وإياك يا أخي الحبيب أن يكون لسان حالك أو مقالك: سأصنع معك أيها الجار كل وسيلة لعلك تعود عن ظلمك وغيك..! فإنك إن فعلت ذلك، أو ظهر له منك مثل هذا فسيغلق كافة الأبواب دونك. فالنفس البشرية معقدة، ومعظم النفوس اليوم مريضة، عافانا الله وإياك وجميع المسلمين. والباب الكبير المتين يفتحه بسهولة بالغة مفتاحٌ صغير.
إن أكثر ما يؤثر في إنسان أن يجد بجواره مَن أساء إليه حين يكون محتاجا إليه. إن موقفا كهذا جدير بأن يُذيب كل ما بينكما من مشاحنات وبغض. وسبحان الله العظيم خالق هذا الإنسان العجيب.
* ألقِ عليه السلام مبتسما، وصافحه إذا تيسر.
* سل عن حاله وصحته وصحة أولاده، وقل له: لعلكم بخير..
* احذر أن تقتصر العلاقة بينكما على الشكاوى والمنازعات.
* ليكن حوارك معه بصيغة المتكلم المقترِح، وليس الآمر.
* اعرض عليه التعاون فيما بينكما، وبادر ما استطعت إلى تحمل أكبر الأعباء؛ فهذا أفضل بكثير من العناد والعنت.
* بين له بطريقة جدية أنك لا تفكر في تحرير محضر ضده، وأنك لن تفعل ذلك أبدا؛ لأنكم جيران، وعِشرة، وأهل.. الخ(33/1060)
* بارك له على نجاح أولاده، وسلم على أولاده بنفسك، وتقرب منهم، واسألهم عن مجموع درجاتهم، وفي أي سنة دراسية هم، وشجعهم على التفوق.
* اعرض عليه أن يشرب معك الشاي، بدون سبب، فقط مجرد جلسة مودة ومحبة.. وكرر هذا عليه بين الحين والآخر إذا امتنع.
* قدم له مجهودا واضحا ومشاركة عملية في أفراحه وأحزانه.
* وغير ذلك كثير.. أيها الجار العزيز
يا أخي الحبيب:
إذا ذهبت إلى كل ساكن على حدة، وسألته: مم تشكو من جيرانك؟ فسيقول كل واحد منهم شكاوى كثيرة جدا. وهنا تصدق علينا الحكمة القائلة:
كلنا يشكو.. فمن المشكو منه إذن؟!
جيرانك يتحدثون عن ابنتك، ويعاكس هذا بنتك الصغيرة، ويرفع هذا من صوت المذياع.. أمور موجودة بالفعل، ولكن ما الحل في مثل هذا؟!
أما حديثهم عن ابنتك همسا أو غيبة فلا شأن لك به؛ أعني أنك لن تستطيع أن تتدخل في هذا مباشرة، وأجرك على الله أنت وابنتك المظلومة. ولكن تستطيع أن تقترح على خطيب الجمعة عندكم، أو بعض الدعاة الصالحين أن يعد درسا أو خطبة جيدة عن حقوق الجار، وعن الغيبة والنميمة، وكذلك تستطيع أن تشتري بعض الشرائط والكتيبات المتنوعة، ويكون من ضمنها ما يتناول هذا الموضوع، وتذكر قول الله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
وتذكر أيضا أن تصحح نيتك لتكون: السعي إلى الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأنك لا تفعل هذا من أجل أن يكفوا عن التحدث عن ابنتك فحسب، وإنما لأنها كبيرة في الإسلام، الغيبة والنميمة، سواء كان التحدث عن ابنتك أو عن غيرها.
أما عن ابنتك الصغيرة فإن عليك أن تحبب إليها الإسلام والعفة والأدب منذ صغرها، لتنشأ هي على غض البصر، وتقوى الله، والسير على طريق الله المستقيم، الذي يؤدي بنا إلى سعادة الدارين. فإذا اجتهدت في ذلك مستعينا بالله العظيم، وهي مسئولية كبرى، فاعلم أن هذا المعاكس لن يجرؤ على نظرة إلى شابة متدينة. ولا أزيد على هذا. أما هؤلاء الذين يرفعون أصوات المذياع بشرائط الكاسيت ليلا ونهارا، فحري بك أن تدعو الله لهم دعاء خالصا لا دعاء انتقاميا.
ادع الله لجارك هذا، وأيضا لهؤلاء الذين يخوضون في الحديث عن ابنتك، وكذلك لهذا الشاب الذي يعاكس ابنتك، وهؤلاء الذين يرفعون أصوات مذياعهم. ادع الله لهؤلاء بإخلاص أن يبصرهم ويهديهم ويصلح حالهم وبالهم.
ولم لا؟ أليسوا يفعلون ما يفعلونه بسبب الجهل، أو الشهوات، أو الشيطان، أو الدنيا، أو الهوى، أو الصحبة السيئة، أو وسائل الإعلام.
أليسوا مساكين في حقيقتهم؟!.
إنهم ليسوا أشرارا في الأصل، ولكن ربما إذا هيئت لهم بيئة صالحة طيبة فقد يكونوا غير ذلك.(33/1061)
وفي كل الأحوال: أنت لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وما عليك إلا البلاغ. والدعاء منك لهؤلاء يرفعك عند الله، ولا تدري لعل الله تعالى يصلح بدعوة منك ما تتوقعه.
إنه سلاح ماضٍ ونافذ.. ولكننا نغفل عنه، أو نمارسه بنمطية ورتابة. وفي الحديث الشريف يقول: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
وإذا أتيح لك أن تتقرب من هؤلاء الذين يرفعون أصوات مذياعهم وأن تتعرف عليهم مرة بعد مرة، من غير أن توجه إليه "الأوامر" بخفض الصوت، وتعلمهم أنك جار لهم، وأن أولادك في البيت يذاكرون، وقد يكون أيضا هناك المريض والنائم الذي يحتاج إلى أن يستريح لينهض إلى عمله في الصباح.. الخ. أعلم أن هذا أمر صعب، ولكني لا أجد سبيلا سواه للتفاهم مع أمثال هؤلاء.
اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري.
ـــــــــــــــــــ
الطريق إلى محبة الرسول ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف يستطيع المسلم أن ينمّي داخله محبة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أي شيء آخر في الدنيا ؟
... السؤال
الشيخ صالح المنجد ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
أهلا بك ومرحبا ..
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون قوتها تبعاً لإيمان المسلم، فإن زاد إيمانه زادت محبته له ، فحبه صلى الله عليه وسلم طاعة وقربة ، وقد جعل الشرع محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الواجبات .
عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " . رواه البخاري ومسلم .
ويمكن أن تتأتى محبة الرسول صلى الله عليه و سلم بمعرفة ما يلي :
أولاً : أنه مرسل من ربه اختاره واصطفاه على العالمين ليبلغ دين الله للناس، وأن الله اختاره لحبه له ورضاه عنه ، ولولا أن الله رضي عنه لما اختاره ولا اصطفاه ، وعلينا أن نحب من أحب الله، وأن نرضى بمن رضي الله عنه ، وأن نعلم أنه خليل الله والخلة مرتبةٌ عُليا وهي أعلى درجات المحبة .
عن جندب قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " . رواه مسلم.(33/1062)
ثانياًُ : أن نعلم منزلته التي اجتباه الله بها ، وأنه أفضل البشر صلى الله عليه وسلم .عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع " . رواه مسلم ( 2278 ) .
ثالثاً : أن نعلم أنه لقي المحن والمشقة من أجل أن يصلنا الدين وقد كان ذلك ـ والحمد لله ـ ويجب أن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوذي وضرب وشتم وسُبّ وتبرأ منه أقرب الناس إليه ورموه بالجنون والكذب والسحر وأنه قاتل الناس ليحمي الدين من أجل أن يصل إلينا فقاتلوه وأخرجوه من أهله وماله ودياره وحشدوا له الجيوش .
رابعاً : الاقتداء والتأسي بأصحابه في شدة محبتهم له ، فقد كانوا يحبونه أكثر من المال و الولد بل وأكثر من أنفسهم وإليك بعض النماذج :
عن أنس قال : " لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل " . رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال : " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مُجَوّب به عليه بحَجَفَة له( درع) وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القِد (شديد الرمي) يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول انشرها لأبي طلحة فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك. . . رواه البخاري ومسلم
خامساً : أن تُتبع سنته من قول أو عمل وأن تكون سنته منهجاً لك تتبعه في حياتك كلها وأن تقدم قوله على كل قول وتقدم أمره على كل أمر ثم تتبع عقيدة أصحابه الكرام ثم عقيدة من تبعهم من التابعين ثم عقيدة من تبع نهجهم إلى يومنا هذا من أهل السنة والجماعة غير متبع بدعة .
نسأل الله أن يرزقنا محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعله أحب إلينا من أولادنا وآبائنا وأهلينا ونفوسنا
ـــــــــــــــــــ
الحب في عالم البنات..خطر وتوبة ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا فتاة أبلغ من العمر17 ، مشكلتي هي أني ما زلت فتاة أعتبر نفسي صغيرة.. ولقد وقعت في حب إنسان والعجيب أنه فتاة، ولكن أحاول أن أنسى، ولا أستطيع. وقد بدأت أتراجع في دراستي، وكنت أدرس فقط من أجلها؛ لأنها تحب العلم كثيرا، وتغيرت معاملتي مع الجميع.
وأصبحت أكذب بشدة..
فهل يا ترى ما أنا فيه لأني في سن المراهقة؟ هل كل الفتيات في سني تشعر مثلي؟ وهل هذا الحب حرام ؟ وماذا أفعل؟ أرجوكم ساعدوني إني أتحطم وأعاني من أكبر المشاكل القلبية، وأريد أن أنساها لأني بحاجة إلى ربي كي يساعدني وأكون قريبة منه ومؤمنة؛ لأني بدأت أشعر بأن الحب حرام ويبعد الإنسان عن إيمانه؟
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار(33/1063)
... ... الرد ...
...
...
يقولأحمد عبد الله المستشار الاجتماعي لموقع إسلام أونلاين.نت :
ابنتي الصغيرة .. أنت لم تذكري في استشارتك تفاصيل عن طبيعة العلاقة التي تجمعك بهذه الفتاة. ولكن في كل الأحوال؛ فالحب الذي تكنيه لها مضر؛ لأن فيه تعلقا أدى إلى الإضرار بك عندما تركتها باضطرابك في الدراسة وكذبك وكل الأخطاء التي تبعت هذه العلاقة.
فهناك شكل من الاعتمادية غير المناسبة عليها من قبلك. فلابد لك أن تحاولي الاستقلال بنفسك عنها؛ وألا تتورطي في علاقة تصبحين فيها طرفا ضعيفا لا يقوي علي الاستغناء عن الطرف الآخر؛ ويرتبك تماما في التعامل مع الحياة بدونه. وأنصحك بأن تدخلي في عالمك عدة صديقات حتى لا تستأثر فتاة بقلبك وحدها.
ويضيف الأستاذ جمال عبد الناصر من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الفاضلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته..
الحب مفهومه واسع جدًّا، فـ"الحُبُّ نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والمَحَبَّةُ .
والحبُّ شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". ويقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة:54].
وفي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي. اليوم أظلهم في ظلي. يوم لا ظل إلا ظلي"، فهناك حب الله ورسوله، وحب الوالدين، والحب بين الزوجين، والحب بين الإخوة، والأخوات، والأصدقاء، والصديقات، وليس من الغريب أن تتعلق الفتيات في مثل سنك ببعض الصديقات، ولكن لا بد من التوازن في هذه العلاقات ووضعها في مكانها فلا تخرج عن الحد الطبيعي كما يحدث مع البعض.
وأما عن حبك لصديقتك فهذا الحب قد تخطى الحدود الطبيعية بحيث هيمن عليك وشغل فراغك، وهذا يا أختاه غير مقبول تمامًا، فالحب شيء جميل دعت إليه مصادر الشريعة السمحاء ما دام في سياقه ولم يخرج عن الوضع الطبيعي.
أما الحب غير الطبيعي الذي يصل لدرجة العشق فيقول عنه العلامة ابن القيم:"إن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد، بل هو خمْر الرُّوح الذي يُسكرها ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه والتلذُّذ بمُناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبِّد لمعشوقه، بل العشق لُبّ العبودية، فإنها كمال الذُّلِّ والحب والخضوع، والتعظيم، فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تُنال به درجة أفاضل الموحِّدين وساداتِهم وخواصِّ الأولياء؟".ا.هـ(33/1064)
والعلاقة التي تبدأ تشغل بالك وتشعرين ببعض القلق تجاهها يجب عليك أن تعيدي النظر فيها فقد تحتاج لبعض التوازن والانضباط. وليس سهلا أن تقومي بالتوازن خاصة عندما تشعرين بمحبة صديقتك الشديدة لك.
فعليك فورا التخلص من شراك هذا الحب الذي هيمن على مجريات حياتكِ وأوقعك في الكذب وغيره من المحظورات، وكي تخرجي من هذه المشكلة عليك يا أختاه باتباع الآتي:
1- إقامة علاقات وصداقات عديدة؛ فليس من الصحيح أن تحبي صديقة تكتفي بحبها عن العالم من حولك، واسمعي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه الدارمي إذ يقول: "أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما".
2- حسني ووثقي علاقتك بوالدتك، وإخوتك وقريباتك، واشتركي في العمل التطوعي والدعوي والخيري، وعليك بإقامة العديد من الصداقات في إطار الآداب الإسلامية المشروعة.
3- لا تقطعي علاقتك بصديقتك هذه، ولكن أعطها حجمها فقط، ذاكرة ما جاء في الحديث: "يا ابن آدم أحبب من شئت فإنك مفارقه".
و يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
الأخت الفاضلة..
أما عن ميلك تجاه هذه الفتاة ، وهل له علاقة بالمراهقة، فإنه من المعلوم أن هناك من الفتيات من تميل لبعض زميلاتها دون البعض وكذلك الحال في الفتيان، وهذا أمر طبيعي ، غير أن هذا الميل قد يبدأ طبيعيا، ، لكنه بحدوث بعض الاحتكاك وخاصة في الخلوة والجلوس وحدهما ، قد يحدث نوع من لمس الأيدي ، أو أن يكون هناك نوم سويا أو مشاهدة بعض الأفلام وغيرها، فيتولد ميل غير طبيعي، لأن الله تعالى خلق الرجل يميل إلى المرأة ، والمرأة تميل إلى الرجل ، ولكن حين يصل الأمر إلى ميل خاص، فهذا مرض نفسي ، يجب فيه الرجوع إلى الطبيب ومشاورته فيه ، للبحث عن أسبابه وتداعياته ، ومعرفة تفاصيل كثيرة في حياتك تجاهها للوقوف على علاج ، وقد يكون البعد وقطع العلاقة من أصعب الأمور ، لكنه من أنجعها و أنجحها .
ومن الجيد الشعور بالمعصية، فتنمية هذا الشعور في النفس يدفع دائما للتغيير، والرغبة الحقيقة في العلاج تساعد أيضا على الوصول للعلاج بشكل فعال، مع الأخذ في الاعتبار الرجوع للطبيب النفسي ، ومعرفة الملابسات المحيطة بالموضوع ، فبهذا التشابك الإيماني مع العلاج النفسي يمكن لك أن تتجاوزي هذه المرحلة ، وكوني على حذر منها ، لأن الأمر قد يتكرر ، لأن هذا الميل قد يولد في نفس الإنسان حاجة إليه ، وهذا يعني ألا يكون العلاج مجرد تخدير يبعدك قليلا عن العلاج الذي يستأصل المرض ، ولكن اجعلي نفَسك طويلا في العلاج ،وخاصة أن ما أنت فيه شيء مخالف للفطرة.
ولعل في كلام الدكتور أحمد والأخ الفاضل جمال ما يكمل إجابة استشارتك .
وواصلي معنا ، ونحن معك دائما .(33/1065)
ـــــــــــــــــــ
الخيانة باسم التضحية والحرمان! ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
لا أعرف كيف أبدأ مشكلتي، ترددت كثيرا قبل إرسالها ولكن حالتي الصحية والنفسية تتدهور كل يوم؛ مما جعلني أكتب لكم راجية من العلي القدير أن تنجحوا في مساعدتي؛ لأن السبل ضاقت بي.
أنا امرأة مؤمنة ومتحجبة، تزوجت في سن صغيرة بشاب أحببته و أحبني وكانت حالتنا المادية مستقرة نوعا ما؛ وكنا سعداء والحمد لله. ولكن بعد أن رزقنا بابننا تركت العمل لرعاية ابني مما زاد المسؤولية على زوجي؛ ودفعه إلى التزوير لربح المال وانتهى به الأمر إلى السجن لمدة 8 سنوات.
اضطررت للعودة إلي العمل وتحمل مسؤولية زوجي وولدي ونفسي، المشكلة بدأت عندما علم مديري في العمل بقصتي وتعاطف معي، فكان يسمح لي بالذهاب لزيارة زوجي في السجن. ومرت سنتان وأنا أجاهد لتعويض ابني وأعمل كي لا أمد يدي لأحد، خاصة أن أهلي طلبوا مني الطلاق من زوجي بدعوى أنني مازلت صغيرة وجميلة وهناك من يرغب في الزواج مني، ولكني رفضت لأني لا أستطيع التخلي عن حبيبي في محنته رغم كل الآلام المادية والمعنوية التي ألمت بي جراء فعلته خاصة أن الكل تخلى عنه.
مشكلتي بدأت عندما تحول عطف رئيسي في العمل إلى إعجاب بي ثم إلى حب مع العلم أنه متزوج ولديه أطفال، فأصبح يعاملني بكل الحنان الذي افتقدته بغياب زوجي وتعنت أهلي، ثم تطورت الأمور بسرعة فبدأ يحاول لمسي وضمي. وكانت ظروف عملنا تسمح لنا أن نكون وحدنا في المكتب؛ وهو مازال شابا وبنيته قوية, كنت أقاوم بكل قوة وأجاهد نفسي التي عانت الحرمان وأقسم إنني كنت حامدة الله على مصيبتي ونسيت أو تناسيت تماما مشكلة العواطف والجنس وشغلت وقتي بابني وعملي, قبل أن يبدأ هو في تأجيج عواطفي بكلماته الحنونة وإحياء الغريزة في بلمساته الخاطفة والتي بقدر ما كانت تزعجني في البداية بدأت تحلو لي وتهفو نفسي لها ، مع المدة و إصراره أحسست أنني بدأت أتجاوب معه خاصة أنه حنون جدا معي ويتساهل معي في العمل, إلى أن وصلت الأمور بيننا إلى تبادل القبل والعناق واللمسات "أشعر بالخجل لقول ذلك".
وفي كل مرة نندم ثم نتفق على التوبة وقد بدأت الصوم لذلك وهو كان يقوم الليل ويبكي ويتوب حتى أقسم على ألا يلمسني. وكانت معاناة لنا معا لأني أنا أيضا تعلقت به وأصبحت علاقتي به تملا الفراغ العاطفي، ولكن بعد أسبوع من الصبر انهار وضمني ولم أستطع مقاومته لأني أحسست بالحنان معه, لكننا والحمد لله لم نتجاوز الحدود؛ رغم أنه مرات يلح علي كي أسلمه نفسي ولا أخفيكم أن نفسي الفاسدة تدفعني ولكن خوفي من الله كان يمنعني؛ فكان يغضب مني ولكن عندما يهدأ يأتي ويشكرني على أني لم أستجب له وهو في ثورته.
وطلب مني أن أذهب لزوجي في السجن لأمارس معه الجنس حتى يكفيني احتياجي، وفعلا وافقت على الفكرة رغم رفضي لمبدأ النوم في السجن لما في ذلك من إحراج,(33/1066)
ولكن المفاجأة أن زوجي رفض ذلك بدعوى أن ذلك سيحرجه وأنه يعمل للخروج قريبا وعلي بالصبر.....
وبخل عليّ زوجي حتى بالكلمات الحنونة عندما أتصل به؛ مع أنني أطلب منه ذلك وأقول له ساعدني على الصبر عليك ولو بالكلام الجميل ولكنه نفسيته تتغير ويرفض. فكرت في ترك العمل ولكن زوجي وابني طلباتهم لن تسدها مساعدة الأهل؛ ويصعب البحث عن عمل في مكان آخر لامرأة في وضعي وفي بلد صعب.
الآن أنا أخذت أجازة لمدة أسبوع، وسأعمل على التقرب إلى الله والتوبة, لأننا فعلا تعاهدنا على التوبة معا واعترفنا أن ما نقوم به سيغضب ربنا عنا؛ ولكني أخاف أن يضعف هو وأستسلم أنا, مع العلم أني متحجبة ولا أقوم بأي شيء لإثارته المهم أرجو أن تساعدني وأن ترشدوني إلى حل أو وصفة مع أخذ جميع ظروفي بعين الاعتبار. وأسألكم الدعاء لي بالثبات والعفة.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله والصلاة والسلام علي النبي الذي نشتاق إليه ولم نره بعد.. أما بعد ..
أختي الحائرة سلمي..
أفزعتني كم المتناقضات التي تحملها لي رسالتك طويلة الكلمات قصيرة الآهات.
كم جريحا بات ذبيحا من شقاء قلبه. وكم عاقلا زلفت قدماه في حفرة نصبها لنفسه. فأنت تدركين جيدا أن ما أنت فيه الآن ليس مناسبا لما أنت أهل له. وتدركين أيضا أنك في منتهي الشقاء لأنك خنت نفسك قبل أن تخوني زوجك.
سيدتي.. دعيني أحاول معك تناول مشكلتك بتحليل بعض النقاط التالية حتى نخلص إلي إدراك ما أنت فيه من قيد الالتزام بالواجب؛ وعبث فوضي الواقع:
* لا أخفي عليك كامل ضيقي من زوجك؛ فهو رجل الأزمات والتصورات الخاطئة. أخطأ في حقك وحق بيتك مرتين: مرة عندما اعتقد أن المال الحرام هو الذي سيوفر لكما الأمان والراحة، والمرة الأخرى في الموقف الذي اتخذه ضد احتياجك العاطفي والجسدي. فأبي أن يرضي جسدك تعويضا عن غيابه؛ أو حتى يصبر قلبك بحلو غرامه.
* تفتح رسالتك بابا لراغبي التضييق علي المرأة في عملها؛ فهؤلاء المتشدقون لا يفوتهم فرصة للجزم بعدم قدرة المرأة علي الالتزام الشرعي في العمل وعلاقتها بالزملاء حتى لو كانت "محجبة" وتخرج لضرورة. فهذا النموذج سيكون حجة علي المرأة؛ لأنها في هذا التصور لا تعرف كيف تحافظ علي نفسها؛ وتكون مثارا لشهوات ورغبات الآخرين؛ ولا تلتفت لعملها وتركز فيه باعتبارها إنسانة مسئولة.
* أما بالنسبة لمديرك المستغل؛ فتقولين عنه إنه عطوف؛ و"يتساهل معك في العمل". وهذه ليست من شيم النبلاء ولا الكرماء. فكل من هم في مكانه يتساهلون في العمل(33/1067)
مع من تتساهل معه فيما يرضي غروره، ويشبع مزاجه. لذلك فأرجو منك أن تعيدي تقييمك له؛ لا بناء علي المعاملة الخاصة التي بينكما؛ ولكن بناء علي شرع الله والأصول والأعراف.
* أدخل عليك مديرك بـ " لمساته الخاطفة وكلماته الحنونة " فكرة أنه الرجل المنقذ لما أنت فيه فنسيت معه العهد الذي في رقبتك تجاه زوجك. كل ما فكرت فيه الحرمان الذي تعانين منه، رغم أنه كان من الممكن أن تحلي نفسك من هذا العهد طالما أنك لن تستطيعي الوفاء به، فتتطلبين الطلاق منه والبحث عن زوج آخر يشبع احتياجاتك؛ أو الصبر علي زوجك السجين الذي وصفتً تمسكك به بعبارتك " لا أستطيع التخلي عن الحبيب في محنته ". فأي حب هذا الذي تتحدثين عنه؟ فلا يعرف الحب التقسيم؛ إنما الحب روح وجسد وأفعال. فهل تعتقدين أن الاحتفاظ بالورقة التي توثق زواجكما أمام الناس تكفي؟ وأنت تخونين زوجك ولا تعرفين مدي غلظة الميثاق الذي يجمعكما عند الله؟!
* ألم تسألي نفسك يا أختي هل يستحق هذا الرجل الذي خفت نفسك وزوجك معه أن تبيعي أمامه كل القيم لأجل لحظات مسروقة؟ ماذا قدم هو لك ؟ مجرد لحظات في غرفة مغلقة؛ ما إن يفتح بابها حتى يفتضح أمرك أمام الجميع. ولكن الله سترك لأجل ابنك الذي تربينه، ولأنك ندمت علي ما فعلت وتحتاجين من يساندك في اتخاذ خطوة جدية حتى تتخلصي من هذه العلاقة المحرمة.
هل ترين أنه يحتاج إليك فعلا ؟ أيمكن أن يعلن للعالم كله أنه يريدك زوجة ثانية في بيت معززة مكرمة بمجرد أن تطلقي من زوجك؟ أم أنه يسلي نفسه بامرأة ظروفها لن تسمح لها بإقامة علاقة لا تكلفه شيئا سوي "التساهل في العمل". سئل رجل ذات مرة: لماذا تخون زوجتك وهي جميلة الجميلات وتحبك وتخلص لك وابنة حسب ونسب؟.. أتعرفين ماذا قال؟ رد قائلا: الرجل منا ليس له إلا زوجته؛ ولكن مع الملل وحفظ الرجل لمعالم وجسد زوجته؛ ترغب نفسه في التجديد والتغيير. لكني بمجرد أن أغتسل؛ أقبل يد زوجتي وهي نائمة؛ وأطلب منها الغفران دون أن تدرك؛ وكل امرأة بعد زوجتي تقع في مرتبة دنيا. ولا تمثل لدي سوي جسد عار!!
* ومن الخطأ أن ترهني رزقك ببقائك في المكان؛ وتعلقي استمرارك في هذا الوضع المهين علي شماعة مسئوليتك المادية عن بيتك في غياب زوجك وقلة فرص العمل. فأين إيمانك بأن رزقك لا يكفله لك سوي مولاك؟ وأين اليقين بقوله تعالي: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ }؟ ( الطلاق : 2-3) وأين فهمك لاختبار الله لمدي إيمانك وتوكلك عليه؟ لقد كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم مع رفيق دربه الصديق أبي بكر في الغار يختبئان من المشركين الذين يقفون علي وشك أن يروهما؛ ولكن إرادة الله وحسن الظن به كفلا لهما النجاة؛ فعندما خشي أبو بكر من إدراك الكفار لهما؛ رد علي الفور بما ذكرته الآية الكريمة:{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (التوبة:40).
أختي السائلة :(33/1068)
أنت اعترفت أن هذه التجربة ليست سوي سد خانة لفراغك العاطفي؛ والاعتراف بالواقع خير معين علي الإصلاح والتغيير؛ فأنت ليس أمامك سوي حل واحد لا منازع له أن تأخذي نفسك من هذا العمل؛ وتبعدي نفسك تماما عن هذا الرجل؛ وتبحثي عن عمل آخر يسد قوتك وإلا فأنت آثمة؛ لأنك أكدت في نهاية سطورك أنك ستأخذين إجازة حتى تستعيدي قوتك علي مجاهدة نفسك أمام شهوتك تجاهه؛ أي أنك ربما تقعين مرة أخري؛ فلما لا تصوني نفسك وتثقي بأن ربك سيعطيك رزقك؛ خاصة وأنه من الصعب أن تصلبي أمامه بعد طول فترة تعودتما فيها علي التمتع الجسدي المحرم. وإلا ستكونين بهذه الإجازة تزيدين من لهفتك له؛ وتحاولين أن تبرئ ذمتك أمام نفسك بأنك ابتعدت ولم تستطعي!!
أختي الحبيبة.. أثق في أنك ترغبين في العودة إلي الله؛ وأنك لا تستسيغين هذه العلاقة؛ فلابد إذن أن تحددي ماذا تريدين؟ هل تتركين زوجك وتبحثين عن آخر يسد فراغك بالحلال؟ أم تخلصين له قولا وعملا وتحاولين أن تتقبلي قسوته في السجن وتعينيه علي التودد إليك وعودة الوصال الدافئ بينكما؟
أظن أنك ما علقت به ورضيت بانتظاره؛ إلا لأن هناك ذكريات سعيدة تجمعكما لا تريدين التفريط فيها. بل تنتظرين ذكريات أخري أكثر حميمية وشوقا مشروعا.
أتمني منك أن تراجعي نفسك وتفكري في حياتك القادمة؛ وتخططي لها لا أن تتركيها للأيام تعبث باختباراتها فيك دون أن تختاري. عودي لله فأنت لم تجدي في غير طريقه راحة نفسية أو جسدية. توسلي إليه أن يقبل توبتك؛ ويردك إلي دربه. وفكري في زوجك الذي يعاني ضيق السجن وابنك الذي يفتقد لوالده أكثر مما تفتقدين أنت لزوج يملأ عليك حياتك.
وفقك الله؛ وأسعد قلبك وفرّح كل أيامك ..
ـــــــــــــــــــ
صلاة القلوب والأرواح ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
الشيخ الفاضل:
أبحث دائما في صلاتي عن جوهرها وخشوعها، أشعر أن كل صلاتي حركات ، فجسدي يتحرك ، ولكن قلبي لا يصلي، أريد أن أصل إلى صلاة القلوب قبل صلاة الجوارح ، ولكني لا أدري كيف السبيل... وإن كنت في شوق إلى ذلك ،عسى الله أن يتقبل من صلاتي...
أرجو أن ترشدني إلى ما طلبته.
جزاكم الله خيرا
... السؤال
الدكتور علي بادحدح ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل ..(33/1069)
أهلا ومرحبا بك
اعلم أخي الفاضل أن القلوب المشفقة هي التي تخشع في العبادة، وترق عند الطاعة، وتخبت عند المناجاة، وتنكسر عند التضرع، إنها قلوب حاضرة، تكون مع كل عبادة روحها وحقيقتها، " فالخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذلّ " ، وهو "انكسار القلب وإخباته وتواضعه لله عز وجل وذلته، وسكون الجوارح من أجل ذلك".
"اعلم - رحمك الله - أن الخشوع روح الصلاة وحياتها، ونورها وضياؤها، وبه تصعد إلى الملأ الأعلى، وتنهض في السماوات العلى " ، فالقلوب الخاشعة تتبعها الأذهان الحاضرة، وتسكن معها الجوارح العابثة، قال سعد بن معاذ: " ما كنت قط في صلاة فشغلتُ نفسي بغيرها حتى أقضيها"، وعلى سنن الصحابة مضى التابعون فأُثِر عن الربيع بن خثيم أنه قال: " ما دخلت قط في صلاة فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي " ، وقيل لعامر بن عبدالله بن قيس: أتحدث نفسك بشيء في الصلاة ؟، قال: نعم، بوقوفي بين يدي الله عز وجل، ومنصَرفي إلى أحد الدارين، فقيل له: لا، إلا بما نحدث به أنفسنا من أمر الدنيا، وما يوسوس به الشيطان إلينا، فقال: لأن تختلف الأسنة (الرماح) في صدري أحب إلي من ذلك " ، لله درّ القوم وقد تعلقت بالصلاة قلوبهم وعقولهم وأجسادهم.
إن الله ربط مدح المصلين بخشوعهم حين قال: { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون:2]، "والخشوع في الصلاة: هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضراً لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدباً بين يدي ربه، مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها" ، "فعليك - رحمك الله – أن تحضر قلبك في صلاتك جهد استطاعتك ومبلغ طاقتك، وألا تصرفه ها هنا ولا ها هنا، وألا تمر به هكذا ولا هكذا، وأن تدفع عنه الخواطر المائلة به، والأحاديث الشاغلة له، وأن تسمع ما تقرأ، وتعقل ما تفعل، فإنه ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت ولا يكتب لك منها إلا ما فيه حضرت" ، فأين قلوبنا في الصلاة ؟
سابحة في بحار الدنيا، غارقة في هموم الحياة حتى لا تكاد تعقل من صلاتها شيئاً، يَقُولُ النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ) [ رواه أحمد ] ، اللهم رحمتك وعفوك.
أخي الحبيب :
هل هذه الصلاة يصلح أن نقف بها بين يدي الله ؟ وهل هي التي يرضى عنها الله ؟ وهل هي التي يصح أن نرفعها إليه ؟
" قال بعض السلف : الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك، فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرجل أو ذميمة أو قبيحة حتى(33/1070)
يُهدي إليه جارية ميتة بلا روح .. فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، وليس العمل الطيب صلاة لا روح فيها " .
أخي الحبيب :
" إذا قمت إلى الصلاة فتذكر من أنت إليه قائم ، وبين يدي من أنت واقف، واعتقد نفي ما يجري عليك من الخواطر المذمومة، فإذا فرغت فاستغفر الله عز وجل، فإنه سبحانه يقبل العقد الأول والآخر، ويغفر ما بينهما برحمته تبارك وتعالى " ، " وكما يجب ألا تصرف وجهك عن قبلتك في صلاتك، فكذلك لا تصرف قلبك عن ربك " .
أخي الحبيب :
استحضر عظمة ربك، وتدبر في صلاتك في كلماتها ومقاماتها وحركاتها من أولها إلى آخرها واعلم أنه " ينبغي للعبد إذا قال في صلاته ( الله أكبر ) عند افتتاحها، أن يكون ذكر الله في قلبه أكبر وأعظم من أن يذكر معه سواه، أو يخلط بذكره بذكر شيء من دنياه إجلالاً له وتعظيماً " ، فإن معنى تكبيرة الإحرام " أن الذي يقوم إلى الصلاة إذا كبر تكبيرة الإحرام فقد حرّم على نفسه كل ما كان مباحاً له قبلها من الاشتغال بالدنيا ومعاشها، وما كان فيه من مخالطة أهلها "، " وأما من كان في صلاته مقبلاً على سهوه وغفلاته، فليس لصلاته تحريم، ولا لمناجاته حين يناجي ربه فيها تعظيم ".
"كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود " ، " وكان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له، فقال: تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي، وكان إذا توضأ أصفر " ، ومثله " كان وكيع إذا قام إلى الصلاة ليس يتحرك منه شيء، ولا يزول ولا يميل على رجل دون الأخرى " ، "وقيل عن محمد بن نصر المروزي: ما رأيت أحسن صلاة منه، وبلغني أن زنبوراً قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك .. ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره فينتصب كأنه خشبة منصوبة " ، ولعلك لا تعجب حينئذ من قول "سفيان الثوري: لو رأيت منصور بن المعتمر يصلي لقلت: يموت الساعة " ، ولا من قول " أبو بكر بن عياش : رأيت حبيب بن أبي ثابت يصلي وكأنه ميت - يعني من خوفه وخشوعه " لأن القوم قد ملأ الخشوع قلوبهم فسكنت جوارحهم.
ولا عجب من ذلك فقد سبقهم إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصاياهم وأعمالهم، فهذا جندب بن عبدالله يقول :"وإذا وقفتم بين يدي ربكم للصلاة فاجعلوا الجنة والنار بين أيديكم والميزان والصراط حولكم كأنكم تقولون : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } (18) ، وهذا "الفاروق عمر رضي الله عنه غلبه البكاء في صلاة الصبح حتى سمع نحيبه من وراء ثلاثة صفوف " .
والجميع مقتدٍ برسول الهدى صلى الله عليه وسلم مستضيء بهديه فقد " ذكر مالك في الموطأ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : ( رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ(33/1071)
فَكَادَ يَفْتِنُنِي ) ،وذلك" لتقتدي به في ذلك أمته، يتفرغون لصلاتهم بترك ما يشغلهم عنها، ويفتنهم فيها وهذا أصح والله أعلم ".
أخي الحبيب :
" إذا خشع قلبُك وحضر انطرد وسواسك، وقصُر عليك من الصلاة ما طال على غيرك " ، وقد رأيت صلاة القوم وخشوعهم وسكونهم ودموعهم، فإنه وإن كانت أجسادهم قائمة وراكعة وساجدة فإن قلوبهم مصلية، هكذا كانوا ..
ـــــــــــــــــــ
رفض الزواج بسبب الكوابيس ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
استخرت الله تعالى فى شأن زواجى ، فرأيت كابوسا معظمه تخاريف وكائنات غريبة وبقيته تحذير من شخص ما .نصحتنى صديقتى أن هذه الرؤيا لا يعتد بها.وعلى فقط أن أنتظر أثر الدعاء فان تيسرت باقى الأمور وافقت على الزواج.فهل هذا صحيح؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الإسلام دين واقعي ، ولكنه ليس واقعيا بحتا ، فهو واقعي رباني ، يأمر الناس في أمور معاشهم أن يعتمدوا على العقل والخبرة ، وأن يسألوا أهل الذكر فيما لا يتعلق بأمور التشريع ، مع الاستعانة بالله تعالى ،والتوكل عليه ، وطلب التيسير منه ، ودعاء الله تعالى مطلوب في كل أمر، ومع كون أنبياء الله تعالى كانوا في معية الله تعالى ، إلا أنهم كانوا دائمي الذكر والدعاء لله تعالى ، نجد ذلك في القرآن الكريم ، كما حكى الله تعالى على لسان موسى عليه السلام "قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري .واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي".
ونبي الله موسى يقول هذا، وهو ينفذ أمر الله ، من دعوته فرعون إلى الله تعالى ، وترك الألوهية المزيفة ، وأن يوقن حقيقة أمره من كونه عبدا لله.
وقد شرع الإسلام في كثير من أمور الإنسان أن يلجأ إلى الاستخارة ، وهي طلب الخير من الله تعالى ، ولكن الإسلام لم يجعل الاستخارة وحدها هي السبيل الوحيد لمعرفة كون الزواج من فلان مثلا خيرا أم شرا ، بل طلب مع الاستخارة استشارة أولي الألباب والذكر، وأصحاب الخبرة في الحياة ، والعارفين بمن تقدم للزواج.
وفي حديث الطبراني وحسنه السيوطي " ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد".
كما وضع الإسلام شروطا لمعرفة الزوج والزوجة الصالحة ، فإن أخذت الفتاة بالأسباب ، وسأل وليها عن المتقدم ، وعن أخلاقه وسلوكه ونمط حياته ، ورأى فيه صلاحا ، وقدرة على احترام الحياة الزوجية ، مع الاستخارة ، وشعرت الفتاة والأهل(33/1072)
أن هناك تيسيرا ، فليتوكلوا على الله ، وليعلموا أن هذه بشائر خير في موضوع الزواج.
أما كون الفتاة ترى كوابيس مخيفة، تزعجها ، وتقلق راحتها ، أو أنها رأت من يخيفها من موضوع الزواج ، فلا عبرة بهذا ، لأنه لو كان ما رأت الفتاة شيئا من عند الله ، لما أتى على هذه الصورة القبيحة المؤذية.
وكما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان" ، فكما يرى المسلم رؤيا خير، فهو قد يرى حلما من الشيطان ، فلا يلتفت إليه ، و لا يكن ما يراه عائقا له في تسيير حياته ، واتخاذ قرار يخص شيئا هاما فيما يخصه.
والتصرف المطلوب في رؤية مثل هذه الأشياء ، هو ما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها، وليخبر بها، وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها، ولا يخبر بها". يعني أن يكتم الشر ، ويسأل عن الخير.
وأخرج الإمام مسلم وأبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
كما أنه لم يرد في الشرع ربط لازم بين الاستخارة والرؤيا ، ولم يطلب الإسلام منا أن نجعل الرؤى هي المحرك الرئيس في حياتنا ، لأن هذا يناقض طبيعة الإسلام ، الذي هو دين الحياة ، والحياة لا تقوم على منامات يراها الإنسان ، إلا أن تكون بشرى ، لأن لهذا أثرا في رفع الروح المعنوية للإنسان ، فيقبل على الحياة مستبشرا ، ويمضي قدما مستعينا بالله فيما ينفعه .
ومع كون الرؤيا من بقايا النبوة إلى يوم القيامة كما أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: يا رسول الله! وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة"، إلا أن هذا في الرؤيا الصالحة ، وليست في " الكوابيس " والأحلام المزعجة ، بل الحلم بشكل عام ليست بالأمر الملزم في حياة الإنسان ، بل الأصل أن ينظر الإنسان إلى الواقع المعاش ، وأن يأخذ بالأسباب ، لأن هذه سنة الله تعالى في الكون ، وليتوكل على الله تعالى .
يضاف إلى هذا أنه لابد من التفرقة بين الرؤيا الصالحة التي يرى الإنسان فيها خيرا له ، أو تحذيرا من شر بشيء من الاطمئنان والسكينة ، وبين الحلم الذي هو من الشيطان، وما يحمله من شر وسوء لبني الإنسان ، فليس كل ما يراه الإنسان في منامه شيئا صالحا نافعا له .
والذي أنصحك به أختي الفاضلة :
أن تسألي عن هذا الشخص جيدا ، حتى يتكون لديك صورة صادقة عنه ، بعدها يمكن لك أن تأخذي قرارا ، واستعيني ببعض أصدقائك أو معارفك حتى تعرفوا من الذي تقدم إليك ، فكثير من الناس يسرع في أمر الزواج ، مما ينتج عنه فيما بعد مشكلات نحن في غنى عنها .(33/1073)
وما قالته لك زميلتك صحيحا، فأكثري من الدعاء ، و اسألي عنه ، ثم لك بعد ذلك فترة الخطوبة ، فحاولي أن تتعرفي عليه بشكل أكبر ، فإما أن تكملا الزواج ، أو ليذهب كل إنسان لحاله ، والله يرزقك خيرا منه ، يرزقه خيرا منك.
ـــــــــــــــــــ
حب الدنيا والآخرة..اجتماع أم افتراق ؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
هل يمكن للإنسان أن يصل لمحبة حقيقية لله ورسوله طالما أن في نفسه شيئا ولو بسيطا من حب الدنيا ومباهجها؟ كيف يمكن الوصول للمحبة التي أعلنها عمر بن الخطاب في قوله للرسول: "الله ورسوله أحب إلي من نفسي"؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأخت الفاضلة :
جاءت نظرة الإسلام للإنسان مختلفة عن العقائد الأخرى، فلا هي إغراق في المادية ، ولا هي تعذيب للنفس في التوغل في الروحانيات دون الاهتمام بالجسد، فجاء الإسلام متكاملا شاملا ،يجمع بين الربانية بما فيها من الروحانية ، والإنسانية ، بما في ذلك الاهتمام بأمور الإنسان الدنيوية.
وجماع ذلك كما قال أحد الصالحين :" ألا تكون الدنيا في قلبك ، ولو كانت في يدك".
كما أن ضابطها ألا يقدم الإنسان شيئا من أمر الدنيا على أمر الله تعالى ، مصداقا لقوله تعالى :" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين".
فإن كان هناك أمر الله وشهوة للنفس ، قدم أمرالله ، وكذلك الحال إن كان هناك أمر لغير لله ، فيقدم أمر الله تعالى ، مصداقا لقوله تعالى :"إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا". سواء أكان هذا الحكم في القضاء ، أم في الأمور الفردية أو الجماعية ، فالمطلوب تقديم أمر الله على كل أمر.
ومن عظيم أمر الإسلام أنه جعل الأمور الدنيوية إذا فعلها الإنسان بنية صالحة ، يثاب عليها ، فتدخل في أمر الدين والأجر والثواب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :" واللقمة تضعها في في(أي فم) امرأتك، لك بها صدقة"، وقوله صلى الله عليه وسلم "وفي بضع أحدكم صدقة".
فليس عندنا في الإسلام انفصالية بين الدين والدنيا ، فالإسلام دين ودنيا، كما أشار القرآن الكريم :" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ".(33/1074)
فيمكن أن يكون الإنسان محبا لله ورسوله ، وله نصيب من الدنيا ، فما دام حلالا ، لقوله تعالى :" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون".
ولعل مما يشير إلى هذا التكامل في الإسلام ، حديث الثلاثة الذين أتوا إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فكأنما تقالوها ، فقال أحدهم :أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر : فأقوم ولا أرقد ، وقال الثالث: وأما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج. فأخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم بهذا ، فقال لهم :" أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما إني أخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر ، وأقوم وأرقد ، وأتزوج النساء ، فهذه سنتي، ومن رغب عن سنتي فليس مني".
فالضابط في هذا أن يكون الإنسان في المباح الذي أتاحه الله له ، ولا تنافي بين حب الله ، وبين رغبات النفس فيما أحل الله .
نسأل الله تعالى أن يجعل الآخرة همنا، وأن نكون من أبنائها ، وأن يرزقنا الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا .
اللهم آمين
ـــــــــــــــــــ
وصل الرحم لله وليس للرحم ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أنا متزوجة من ابن عمي والحمد لله هو رجل طيب، ولكن له إخوة يحبون أنفسهم كثيرا ويحبون أن يختلقوا المشاكل مع زوجي، ولكن زوجي يقابلهم بالمودة والمحبة، ولا يقاطعهم، ولكن حدثت مشكلة صغيرة بينه وبين أخته فقاطعته إلى الآن، ولم تكلمه، وحدثت بيني وبين زوجة أخيه مشاكل، وهي تقول علي أشياء لم أفعلها، وأخته تصدقها وتكذبنا أنا وأخاها ومن حضر هذا الموقف.
وأنا الآن في السعودية وقررت عندما أنزل لا أكلمها ولا أسلم عليها، فما رأيكم في ذلك؟ وإذا قلتم أسامحها فدلوني على دعاء يجعل قلبي خاليا من أي شيء.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني –باحث بكلية دار العلوم وعضو فريق الاستشارات الإيمانيةبمصر:
أختي السائلة، وأهلا وسهلا بك على موقع إسلام أونلاين.نت، ونسألك ألا تنسينا من صالح دعائك وأنت في الأماكن المقدسة.
بادئ ذي بدء أختي الكريمة نشير إلى أن الإسلام يقوم على دعامتين أساسيتين لا تغني إحداهما عن الأخرى؛ وهما: علاقة المسلم بربه، وعلاقته بالمجتمع من حوله، ويطلق على الأولى: الإيمان بالله، والثانية: الأخلاق والسلوك.(33/1075)
والدعامتان لا تنفصلان والعلاقة بينهما علاقة اطراد؛ فالإيمان بالله تعالى دافع للمسلم لتوطيد علاقته بالمجتمع؛ فالصلاة مثلا تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام تدريب للنفس على التحلي بأخلاق الإسلام الفاضلة، والزكاة تنمي روح الأخوة والترابط بين أفراد المجتمع، والحج من آدابه أن يخلو من الرفث والفسوق والجدال. والرسول الكريم وضع حقوقا عامة للمسلم على أخيه المسلم، وهكذا يحرص الإسلام على تقوية روح الأخوة وأواصر المحبة بين أفراد المجتمع جميعا ليكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
إذا كان الإسلام يوصينا بهذا مع الأخوة العامة التي تشمل كافة المسلمين؛ فإنه يؤكد على هذه العلاقة أكثر وأكثر إذا تعلق الأمر بأولي القربى؛ فهاهو القرآن يحذر من قطيعة الرحم فيقول: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}، ولقد شدد الإسلام في الترغيب في صلة الأرحام ترغيبا دينيا ودنيويا؛ فالرسول –صلى الله عليه وسلم- جعل من دلائل الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر صلة الرحم، وأخبرنا أن صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه للعبد؛ فقال –صلى الله عليه وسلم-: " الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (رواه مسلم). وجعل صلة الرحم سببا في البركة في الرزق والعمر؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه" رواه البخاري.
أحببت أختي أن أبدأ معك بهذه الجولة السريعة على موقف الإسلام من تحقيق روح الأخوة والترابط بين المسلمين؛ حتى تطمئني وتثقي في أن طريق التسامح والمودة الذي تسيرين عليه أنت وزوجك تجاه أهله هو الطريق الصحيح الذي يتماشى وروح الإسلام في بناء مجتمع قوي البنيان متماسك الأركان.
ولكن أعرف أنه سيتبادر إلى ذهنك استفسار الآن؛ وهو: وماذا لو أن هؤلاء الأقارب قابلوا هذا الإحسان بالإساءة، وهذا الوصل بالقطع والهجران، وهذه المودة بالنفور والمعاملة السيئة؟
وأرد على تساؤلك هذا قائلا: هدئي من روعك؛ فالذي أمرك بصلة الأرحام هو العليم بذات الصدور المطلع على طبائع النفوس وخفايا الضمائر، والذي يعلم ما تعانيه النفس من مجاهدة وضيق من إساءة مَن تحسن إليه؛ ولذلك جعل من صفات المتقين الذين أعد لهم جنات عرضها السماوات والأرض كظم الغيظ والعفو عن الناس فقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. وقال –صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الفضائل: أن تصل من قطعك، وتعطي من منعك، وتصفح عمن شتمك" (رواه أحمد في مسنده).
وإذا تذكرنا ما أعده الله للذين يصلون الرحم من ثواب دنيوي وأخروي عظيم؛ فنجد أن مقابل هذا الأجر عملا عظيما ومجاهدة كبيرة للنفس قام بها المسلم الواصل لرحمه فاستحق به هذا الأجر.
وبشيء من الوضوح نقول: معنى الوصل أن هناك شيئا ما قد انقطع، وقام الشخص بإصلاح هذا القطع بوصله. إذن فالعلاقات العادية بين ذوي القربى لا تعد "صلة(33/1076)
رحم"، ولكن صلة الرحم تعني أن هناك شيئا ما قد قطع هذه العلاقة وقام الإنسان بوصلها، وهذا ما عبر عنه الحديث النبوي الشريف الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
وما تعانين منه أنت وزوجك مع أهله (الذين هم أهلك في الوقت نفسه) شكا منه أحد الصحابة للرسول –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
فهذا الرجل الذي يعاني من إساءة أهله له رغم إحسانه هو لهم بشره الرسول بأن معه من الله معينا وظهيرا عليهم ودافعا لأذاهم، وكفى به شرفا وفخرا له أن يكون له ذلك. وفي المقابل أخبره بحالهم هم بأنه كأنما يسفهم المل (أي الرماد الحار)، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يشعر به الذي يسف الرماد الحار.
أرأيت أختاه الفرق بين المعاملتين، أظن أنك الآن قد هدأت نفسك واطمأن قلبك إلى أن الله تعالى لن يضيع أجركما ولن يخذلكما، وأنه سيكون معينا لكما إن كان الأمر كما تقولين.
وحتى تؤتي جهودكما ثمارها، وتحاولا التقريب بين أفراد الأسرة الكبيرة التي تعيشان فيها؛ حتى تسود أفرادها روح المحبة والترابط، أنصحك ببعض الأمور التي أسأل الله أن تكون سببا في إصلاح ما بينكما:
ضعي دائما نصب عينيك ثواب صلة الرحم الدنيوي والأخروي؛ حتى إذا حاول الشيطان التسلل لنفسك ليكرهك في أهل زوجك وجدت حائط صد له متمثلا في طلبك هذا الثواب من الله؛ فبذلك تستمرين على ما أنت عليه وزوجك. فالأصل أنكما تراعيان الله عز وجل في كل تعاملاتكما.
قدمي حسن الظن دائما، والتمسي الأعذار فيما يبلغك عن الآخرين، ولا تعطي للشيطان فرصة لتغيير قلبك تجاه أحد، واعلمي أن حسن الظن من الإيمان، فإذا بلغك عن أحد قول سوء فيك فحاولي إيجاد مخرج حسن له؛ فذلك أدعى لصفاء القلوب وسلامة الصدور . فلا داعي مثلا لوصفك أهل زوجك بأنهم "يحبون أنفسهم كثيرا، ويحبون أن يختلقوا المشاكل مع زوجي".
حاولي التثبت من الأخبار التي تسمعينها، ولا تصدقي كل ما تسمعين، ولا تنقلي كل ما يصلك من كلام، وليكن ما يخرج عنك من كلام أقل مما يصلك منه؛ فالله عز وجل خلق لك أذنين اثنين، ولكنه خلق لك لسانا واحدا.
ضعي في اعتبارك وأنت تتعاملين مع الآخرين أنه لا يوجد مخلوق مبرأ من العيوب؛ فقديما قيل: "من طلب صديقا بلا عيب بقي بلا أصدقاء"، واعلمي أنك كما ترين عيوبا في الآخرين؛ فإن فيك عيوبا يراها الآخرون، ولا ترينها أنت.
كوني رسول خير بين زوجك وأهله؛ وذلك بألا تنقلي عنهم إليه إلا الأمور التي يحبها، ولا تنقلي إليهم عنه إلا ما يحبونه منهم، وابتغي في ذلك الأجر والثواب من الله.(33/1077)
حينما تعودين من السعودية عليك بأن تبادري بالسلام على كل الأهل، وخاصة من توترت علاقتك معهم، ولتوجدي رسولا إلى قلوبهم من كلمة طيبة أو هدية تحضرينها معك من السفر، أو اتصال للاطمئنان عليهم وأنت في الخارج... وثقي أنك بذلك تبرين زوجك وتفتحين قلبه لك.
لا تبدئي أنت بالخصام والمقاطعة، ولكن أرسلي رسل السلام والمحبة مرارا وتكرارا؛ حتى يلينوا ويفتحوا لك قلوبهم، ومع المحاولات المتكررة ستفتح إن شاء الله، وضعي أمامك قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" (رواه البخاري)، ويقول أيضا: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" (رواه البخاري).
اعلمي أن سلامة الصدر هي أقصر الطرق إلى الجنة وأقلها تكلفة، وكرري مع نفسك قول الله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. وإليك قول العلامة ابن قيم الجوزية أثناء حديثه عن سلامة الصدر وبرد القلب: "وهذا مشهد شريف جدا لمن عرفه وذاق حلاوته؛ وهو ألا يشتغل قلبه وسِرُّه بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درْك ثأره وشفاء نفسه؛ بل يفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوَّه منه أنفع له وألذ وأطيب وأعوَن على مصالحه".
احذري من التراكمات، وعليك بالعلاج أولا فأولا؛ فعلاج الأمور في بدايتها أيسر بكثير من تركها حتى تتجذر وتترك رواسب يصعب تجاوزها.
اجلسي مع زوجك وحددا معا الأمور التي تسبب هذه المشاكل واقترحا حلولا عملية لها حسب ظروف العائلة، وإن اقتضى الأمر أن تأخذا سكنا –مثلا- بعيدا عن بيت العائلة فلا حرج في ذلك، ولكن ذلك بعد أن تستنفدا كل أسباب الصلح والتقارب.
وفي النهاية أسأل الله أن يطهر قلوبنا من الحقد والغل، وأن يجعلنا إخوانا متحابين فيه، وأن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله
ـــــــــــــــــــ
ادفع أباك بالتي هي أحسن! ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أعاني من معاملة والدي السيئة لي، بالرغم من أنني أعامله معاملة طيبة، ومهما أعامله بالحسنى يقابل ذلك بالإساءة ، وأنا أحبه حبا شديدا، وأمي تعاملني معاملة طيبة ، وكثير من الناس يشهدون لي بالأخلاق الطيبة ، ولا أدري لما يعاملني والدي بهذا الشكل ويقسو علي، حياتي أصبحت مرارا بسبب ذلك ولا أدري ما أفعل ؟ وأخاف ألا أحتمل هذه المعاملة وأقسو عليه بالمثل. فهل يجازيني ربي علي صبري؟ وكيف أتملك نفسي وأتحمل عقاب علي خطأ لم أرتكبه؟ لا أدري ماذا أفعل؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...(33/1078)
...
...
تقول مني عبد الهادي من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله الغفور التواب الذي خضعت لعظمته الرقاب، وجلت لجبروته الشدائد الصلاب، اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام وعلمتنا الحكمة والقرآن وأنزلت علينا خير كتبك وأرسلت إلينا خير رسلك وجعلتنا خير أمة أخرجت للناس، أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه إلى يوم الدين.. وبعد ...
السائل الكريم .. شكر الله حرصك على بر والديك، ووصل رحمك، وسؤالك عن تعاليم الدين الحنيف ، كما نسأل الله عز وجل اللطيف المنان، الواسع الفضل، ذو الجلال والإكرام أن ييسر لك الخير وأن يرزقك حب ورضي الوالدين، اللهم أمين.
لقد وصانا ربنا عز وجل ببر الوالدين في أكثر من موضع في كتابه العزيز، حيث قال: ]وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [(العنكبوت: 8)، وقال أيضاً: ] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[ (الإسراء: 23-24)
كما وصى النبي (صلى الله عليه وسلم) ببر الوالدين والجهاد بخدمتهما والقيام على حاجاتهم في أحاديث كثيرة ، فعن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أي العمل أحب إلى اللَّه؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه"، (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : أقبل رجل إلى نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من اللَّه تعالى، فقال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: "نعم بل كلاهما"، قال:" فتبتغي الأجر من اللَّه تعالى؟ “ قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما"، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهذا لفظ مسلم(.
والآن – أخي الكريم – دعنا نعرض لحل مشكلتك من خلال النقاط التالية:
أولاً: حاول أن تجلس مع والدك وتفتح له قلبك، سل والدك عن سبب غضبه، قد يكون هناك أمر ما قد أغضبه منك وأنت لا تدري، قل له بحنو وأدب: "يا والدي ماذا أغضبك مني؟! يا أبي لم أعد أعرف للدنيا طعم ، ولا للعيش لذة، ولا للحياة معنى بسبب غضبك علي ، يا أبي كيف أقر عيناً وأهنأ عيشاً بدون رضاك؟ يا أبي إني جئتك طمعاً في رضاك و وعفوك عني إن كنت أسأت، يا أبي إنني أخاف أن ألقى ربي وأنت عني غير راض ، فرضاك من رضي الرب وسخطك من سخطه عز وجل، أنا ومالي ملك لك، فلا تحرمني رضاك، ولا تردني بغير أن تسعدني بنيل حبك وعطفك..."
حاول أن يكون هذا اللقاء بينك وبينه فقط ، حتى تصفيا ما بينكما بشفافية وبدون تأثير خارجي ، ويمكن أن تحمل له هدية، أخبره بأنك تحبه حباً شديداً، وكن لين القول،(33/1079)
متواضعاً بين يديه، عسي أن يتحرك قلبه الأبوي لحالك ويتأثر بموقفك ويتلاشى غضبه ويمتلئ قلبه بحبك والعطف عليك.
ثانياً: إن لم تستطع أن تنفرد بوالدك أو لم توفق في الإصلاح بينه وبينك فالجأ إلى أحب الناس إليه سواء كانت والدتك أو صديق حميم صالح أو أحد الأقارب، أطلع من ترسل إلى والدك بالأمر عساه أن يوفق في حل المشكلة ويتعرف على سبب غضب أبيك منك، وأحرص على أن ترسل لوالدك بأرق الكلمات وألين العبارات، فإذا وقف من أرسلت على جذور المشكلة فلا تتردد في السعي لحلها مهما كلفك ذلك من جهد ومال..
ثالثاً: إن استمر والدك في موقفه منك فقابل إساءته بالإحسان وقسوته بالعطف وشدته باللين، واضعاً نصب عينك قوله تعالى: ]وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[ (فصلت: 34)، فأدفع السيئة بالحسنة، فلو كان أبوك في حاجة للمال فأعطه، وإن كان في حاجة للعون فكن دائماً بجانبه، عسى الله عز وجل أن يغير حاله، ويشرح صدره لك، ويبدل إساءته وقسوته إحساناً وعطفاً، فتسيرا بفضل الله وكرمه في أحسن حال ويصبح لك "وَلِيٌّ حَمِيمٌ"...
يقول صاحب الظلال في تفسير الآية السابقة: وليس له أن يرد بالسيئة فإن الحسنة لا يستوي أثرها كما لا تستوي قيمتها مع السيئة والصبر والتسامح والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة ؛ فتنقلب من الخصومة إلى الولاء ومن الجماح إلى اللين ، "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، وتصدق هذه القاعدة في الغالبية من الحالات وينقلب الهياج إلى وداعة والغضب إلى سكينة والتبجح إلى حياء، على كلمة طيبة ونبرة هادئة وبسمة حانية في وجه هائج غاضب..
وهنا نتذكر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص)، ونتذكر أيضاً ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك". (رواه مسلم)
رابعاً: اجعل شعارك دائما ]وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[ (لقمان: 15)، فبعد كل تلك المحاولات للإصلاح بينك وبين والدك لا تنسى أن عليك أن تستمر في البر به والإحسان إليه والدعاء له، ] وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[ (الإسراء: 24)، ولا تجعل حال أبيك معك يؤثر على برك به، فمهما فعل أبوك فلن يصل لذنب الإشراك بالله ، ذاك الذنب العظيم والجرم الجسيم لم يمنع بر الوالدين ووصلهما، فها هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تقول : قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فاستفتيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: "نعم صلي أمك"، (متفق عليه)، ووالدك والحمد لله مسلم وموحد بالله عز وجل، لا تنساه في صالح دعائك ، سل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكما، فهو وحده سبحانه القادر على ذلك، ]لَوْ أَنفَقْتَ مَا(33/1080)
فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (الأنفال: 63)، فلذ إلى الله بالدعاء، لأنه سلاح المؤمن وسهام القدر، تهجد لله وقم وقت السحر والناس نيام ، حين ينادي الله عز وجل على عباده ليسألوا حاجتهم، تضرع إلى الله بالدعاء أن يصلح حالكما وأن يؤلف بين قلوبكما وأن يشرح صدوركما..
وهنا نذكر حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه"، (رَوَاهُ مُسْلِم)، فأنت مدين لوالدك بالبر والإحسان، فلا تستكثر ما تفعله معه من خير وبر، فما هذا إلا قطرة في بحر فضله وتربيته لك..
خامساً: بعد أن تستفرغ ما في وسعك من جهد فارض بقضاء الله لك - سواء تغير حال والدك أم لم يتغير- فالله تعالي هو الذي يلقي محبة عبادة في قلوب من يشاء منهم، ألم تقرأ قول ربك عز وجل مخاطبا نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ]وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي [ (طه: 39)، ويقول الشوكاني في "فتح القدير": "ألقى الله على موسى محبة كائنة منه تعالى في قلوب عباده لا يراه أحد إلا أحبه، وقيل جعل عليه مسحة من جمال لا يراه أحد من الناس إلا أحبه"، ويقول السعدي في تفسيره لهذه الآية: "فكل من رآه أحبه"، فقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف تشاء، فلا تحمل نفسك مالا تطيق ولا تذهب نفسك حسرات على حال والدك معك طالما أنك تؤدي ما عليك تجاهه وتتق الله فيه ، فلا تلازم بين تقواك لله ومحبة والدك لك ، وخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فقد عاده وخاصمه أقرب الناس إليه ، غير أن ذلك لم يغير قلبه الرحيم الرءوف فكان يدعو الله لهم بالهداية ويوم الفتح أعلن صفحاً عن كل من أذاه فقال: "أذهبوا فأنتم الطلقاء"..
السائل الكريم: نسأل الله عز وجل أن يوفقك لما يحب ويرضى ونتمنى أن نسمع منك قريبا أخباراً سارة عن حال والدك معك..
ـــــــــــــــــــ
الثقة بالنفس مفتاح الطاعة والنجاح ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
مشكلتي أنى لا أجد نفسي، فأنا مذبذبة بين الخير والتكاسل عنه. أحضر والحمد لله مجلس علم، ولكن أشعر أني إنسانة تافهة لا قيمة لي . بل أرى أني أحضر لأجل الناس، أنا أعرف أن كلامي مشتتا كنفسي، كما أنني أتابع التلفزيون، وهذه المشاكل تؤثر في حفظي للقرآن الكريم، فأحفظ وأنسى ، وأخشى أن يكون ذلك مدخلا للشيطان، فأرجو منكم أن تدلوني كيف أثق بنفسي ، وهل هناك أدعية لتثبيت النفس ؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخت الفاضلة :(33/1081)
لو أحببت أن ألخص مشكلتك لقلت : إنه ضعف الثقة بالنفس، فأنت لا تثقين بنفسك، وعدم الثقة يورث الخلل وعدم الاتزان ، كما عندك نوع من الوسوسة والشك في الغير .
ويجدر بك هنا أن تبحثي عن نفسك وإصلاحها، ولا تبحثين عن الناس ، فإن الكسب الحقيقي هو أن يكسب الإنسان نفسه، ولذا روي أن عيسى عليه السلام قال: 'ماذا يكسب الإنسان إذا فاز بكل شيء وخسر نفسه'.
وهذا يتطلب منك جهدا في صورة جهاد ، وعملا وبذل طاقة ، ومصارعة مع النفس، حتى تتغلبي على مساوئها، وقد قيل: "أضخم المعارك في حياة الإنسان تلك التي يقضيها الإنسان مع نفسه، وعندما تبدأ معركة المرء بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر"، والمسلم يوقن أنه في معركة الحياة دائما منتصر ، مادام يبذل الجهد لله ، قال تعالى :{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }.
وقد يعيش الإنسان فترة من الركون ، يكون فيها مغيبا عن الحياة ، لا يدري ما يفعل في حياته ، لا يؤمن بأي تغيير ، يرى الفشل أمام عينيه لا يبرحهما ، ويتخذ الكسل منهجا في حياته ، كأنه خارج الزمان والمكان ، وهذا يحتاج أن يفيق لنفسه، وأن يحدث هزة تزلزل أركان كسله ، وتذهب ببناء فشله، فيسكن العمل والإنجاز ، ليفوز بالنجاح في الدنيا والسعادة بالآخرة .
وعلى المرء أن يبحث عن هزة التغيير، وكلما سعى إليها ، كلما كان أقرب منها ، وقد تكون هذه الهزة من مشهد يراه، أو موقف يعيشه ، أو يكون من مساعدة أحد إخوانه، فقد كانت هزة عمر بن الخطاب في كلام أخته فاطمة حين واجهته بحقيقة بعده عن الله، بشكل صريح صارخ، فكأنها لكمات على رأس الإنسان، فأفاق عمر، وذهب ينظر بعقله وقلبه ما دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروي عالم النفس الأمريكي الدكتور "إبراهام ماسلو" عن رجل كان يصر أنه جثة هامدة لا يمكن أن ينجز شيئا في الحياة ، رغم ما يبذله معه طبيبه النفسي من جهود، وفجأة جالت بخاطر الطبيب فكرة ، فتوجه بالسؤال للمريض، وقال له : هل من المعقول أن تنزف الدماء من جثة هامدة ؟ فرد عليه المريض قائلا: بالطبع لا. فقام الطبيب مسرعا بوخز أصبع المريض فخرجت منه نقطة دم، وظهرت الدهشة على وجه المريض، وقال : الآن أعتقد أنه يمكن أن يخرج الدم من الجثة. وتغيرت حالته بعدها .
إن المسلم الصادق لا يعرف العجز إلى نفسه طريقا ، لا في أمر الدين ، ولا في أمر الدنيا ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نطلب دائما أعالي الأمور، كما جاء في الحديث :" إن الله يحب لكم معالي الأمور ويكره لكم سفاسفها "، بل يحث المرء إذا سأل الله تعالى الجنة أن يسأله الفردوس الأعلى منها .
إن الإيمان بفكرة القوة الدافعة التي خلقها الله تعالى في الإنسان، تدفعه دائما إلى الإنجاز والتغلب على وساوس النفس وكسلها، وأن تتصاغر أمامه كل الأفعال ، في الدين والدنيا، فيقبل عليها، طالبا إياها بقوة وإيمان وعزة نفس، وما أحسن ما قاله الأستاذ محمد أحمد الراشد حين يخاطب من تكسل نفسه عن طلب المعالي، فيقول :" وفي هذا المنعطف يجفل الراهب فيدعي عجزاً ، ويقول تريد مني أن أكون فقيهاً(33/1082)
وليس جدي مالكاً ولا الشافعي ، وتطلبون أن أتغنى بالشعر وما ولدني المتنبي ولا البحتري، وتتمنون أن ألوك الفلسفة وليس جاري سقراط، فمن أين يأتي لي الإبداع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة ؟ فنقول : نعم نريد ونطلب ونتمنى، ونظن ، ونجزم ، ولا وجه لا استضعافك نفسك، وقد أعطاك الله ذكاءً ونسباً، فلم لا تتعلّم السهر وتطلب الفصاحة. اهـ
وما أحسن ما قاله الشاعر المفكر الفيلسوف محمد إقبال رحمه الله : "لقد هبّت علىّ نفحة من نسيم السحر في الصباح الباكر وناجتني وقالت لي : إن الذي عرف نفسه وعرف قيمته ومركزه لا يليق به إلا عروش المجد" . فإدراك الإنسان لقيمته، تدفعه إلى النجاح والعمل دائما بلا كلل. وقد نادي محمد إقبال المسلم العربي قائلا: فيا رجل البادية ! ويا سيد الصحراء! عُد إلى قوتك وعزتك ، وامتلك ناصية الأيام ، وخذ بعنان التاريخ ، وقد قافلة البشرية إلى الغاية العظمى .
وتصميم المرء يجعله أهلا لعطاء الله، فمن صمم على حفظ كتابه حفظه، ومن صمم على تعلم العلوم الشرعية؛ تعلم ، ومن صمم على أن يكون ذا مركز مرموق نال ما يصبو إليه ، المهم أن يصمم.
يقول الأستاذ الراشد : كن حمّالاً في السوق ، لكن قرّر مع أول خطوة لك فيه أن تصير تاجراً أو عقارياً أو مدير شركة فستصل بإذن الله ، المهم تصميمك .
والاستفادة من التجارب الإنسانية تدفع الإنسان دائما أن يدرك أنه ليس عاجزا، وإن كان أهل الدنيا ينجحون في مجالاتهم ، فلماذا يتراجع أهل الإيمان عن سبقهم، بل الواجب أن ننظر في تاريخ البشرية وأن نستفيد منه ، كما قال تعالى :" أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" وإن كانت الآية تتحدث عن مصير الأمم السابقة ، إلا أن فيها إشارة إلى السنن التاريخية في الحياة، وأن التجارب الإنسان محط اهتمام المسلم الصادق حتى يستفيد منها .
ومن الأمثلة التي يضرب بها المثل الأمريكي إبراهام لنولكن، فقد فكّر في أن يشارك في صنع قرار في بلاده منذ أن كان ابن إحدى وعشرين سنة ، ومازال به يقدم نفسه في انتخابات متنوعة ، وكل مرة يبوء بالفشل ، ولكنه لم ييأس ، بل ظل يرشح نفسه في انتخابات محلية وانتخابات مجلس الشيوخ ، وكل مرة يبوء بالفشل، حتى نجح وأصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية بعد ثلاثين عاما من التجربة؛ وقد بلغ اثنتين وخمسين عاما.
وهذا العالم الشهير "أديسون " خرج من مدرسته معيرا بالفشل ، إلا أنه أخذ يقوم على تجربته بنفسه ، فجرب 999 مرة ، حتى نجح في اكتشاف المصباح الكهربائي، وكتب يقول عن العبقرية إنها (1%) من إلهام ، و ( 99% ) هي عرق جبين .
إن إدراك الإنسان لذاته، وقوته التي استمدها من الله القوي ، يجعله دائما لا يقف عند شيء، بل يجعل شعاره دائما : صوب سهامك للنجوم ،فإن لم تصبها أصبت مئذنة.
بعد هذه الشحنة النفسية والإيمان يأتي الدعاء أن يهبه الله تعالى القدرة على العمل، وأن يعينه على طاعته " رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". { رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } ، فيكون الابتهال بالقلب ، والعمل باليد(33/1083)
والعقل، فيرتقي المسلم ليشق الحياة منجزا، فتراه صوما للنهار، قواما لليل، حافظا لكتاب الله، عالما بأحكام الشرع ، منجزا أعماله على أكمل وجه، يتوجه بعمله لله تعالى بسرعة وإنجاز، قائلا لربه { وعجلت إليك رب لترضى }.
الأخت الفاضلة: كانت هذه كلمات أردنا بها أن تحيي نفسك في نفسك أولا، فإنه كما قال جرودون بايرون: 'إن الثقة بالنفس هي الاعتقاد في النفس والركون إليها والإيمان بها'.
وبعبارة أدق ما قاله الدكتور أكرم رضا عن الثقة: 'هي إيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وبقدراته وإمكاناته أي الإيمان بذاته'
الخوف من مدح الناس..كوني مع الله ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
مشكلتي عنوانها الكبير "الرياء" ، فبرغم أني أتجنب كثيرا أن يعلم أحد أي شيء عن عبادتي أو تقربي إلى الله إلا أن هناك أشياء لا تخفى مثل الصيام أو التزام الملبس أو العمل الخيري في جماعة.
و حين يرى أحد ذلك فإن المشكلة تبدأ لأنه يبدأ في المديح ؛ برغم أنه لا يعرف إن كنت مخلصة أو مقبولة عند الله أم لا ؛ والمشكلة الأكبر أني أستحي أن أنهر أحدا و هو يمدحني؛ حتى لا يفتني بكلام قد يلقى هوى في نفسي لا أستطيع كبحه ؛ بل إنه قد يبعد قلبي عن الله فأقع أيضا في دائرة النفاق.
ويزيد من مشكلتي أنني قد أخذت مكانا قياديا في العمل الخيري الذي أتحدث عنه ؛ بالرغم أني والله لم أسع أبدا له بل كنت أسعد في العمل في الخفاء بدون أن يعرفني أحد. أخشى أن أطلب الدنيا بعمل الآخرة فينتهي بي الحال إلى خسارة الدنيا و الآخرة.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد- باحث مصري في العلوم الشرعية:
أختنا الكريمة (أ) أهلا ومرحبا بك على صفحتك الإيمانية، ونسأل الله أن يرزقنا جميعا تجريد الإخلاص في القول والعمل، والسر والعلن، وبعد،،،
فقد سألتِ عن عظيم حقا، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فهو عظيم لخطر عواقبه على المسلم في الدنيا والآخرة من ناحية، ولشدة إخفائه وصعوبة تمييزه من ناحية أخرى، ولقد صرح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه فينا: "أخفى من دبيب النمل"، وذكر أيضا أنه: "الشرك الخفي"، وآيات القرآن الكريم تُولِي الإخلاص والتحذير من الشرك والرياء عناية فائقة لدرجة تخيف الإنسان لمراجعة نفسه قبل العمل وأثناءه وبعده، وحسبنا أمر الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام ـ وهو من هو ـ: "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ(33/1084)
الْخَالِصُ" (الزمر: 2-3). وقوله تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء"(البينة:5).
وأريد أولا أن أبين شيئا مهما، وهو أنه لابد أن يكون هناك جزء ظاهر من الدين، وهو جزء الشعائر الكبرى من صلاة وحج وغير ذلك؛ لأن هذه الشعائر هي التي تقرر الإسلام في المجتمع وتكون بمثابة علامات هادية على قيام الإسلام ووجود المسلمين، وهذا لا يتعارض مع الإخلاص بحال من الأحوال؛ إذ كيف يخفي الإنسان صلاة الجماعة، وكيف يخفي الحج؟ فهذا مما لا يسع المسلم إخفاؤه، فإذا تقررت هذه الحقيقة في النفس استطاع المسلم أن يدفع وساوس الرياء ويغلق مداخله.
ومع ذلك فإن العبد لابد أن تكون بينه وبين الله أسرار ـ فيما سوى الجزء واجب الظهور ـ لا يطلع عليها أحد من الخلق يتقرب بها إلى الله، ويسأله بها إن وقع فيما لا يرضى كما تعلمين حادثة الثلاثة الذين أَغلَقت عليهم صخرةٌ بابَ الغار، ولا بأس للإنسان أن يُظهر عملا يمكن أداؤه في السر تشجيعا للناس وحثا عليه، وتقديما للقدوة؛ شريطة أن يأمن على نفسه خطر الرياء وشره.
وما دمت تشعرين بخطر الرياء وتخشين عواقبه عليك دينا ودنيا، فإن ذلك ـ إن شاء الله ـ عين الإخلاص، الذي أسأل الله أن يعينك ـ وإياي ـ عليه بالعوامل التالية:
أولا: أن تتأملي في آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الصحيحة التي تأمر بالإخلاص وتحذر من الرياء؛ لتقفي على مكانة الإخلاص وخطر الرياء، ولا بأس أن تبدئي بباب الإخلاص من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي؛ وذلك أن الإنسان إذا وقف على حقيقة الشيء وخطره كان أدعى وأقوى في مقاومته والبعد عنه، وقد قال أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ: "كل الناس هلكى إلا العالمين، وكل العالمين هلكى إلا العاملين، وكل العاملين هلكى إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم".
ثانيا: يليق بك أن تنبهي من يمدحك تنبيها لطيفا إلى خطر ذلك على النفس والعمل، وتذكرين له حديث النبي ـ عليه السلام ـ الذي يأمر فيه بحثو التراب في وجوه المداحين، وحاولي معه أن يستبدل هذا المدح بالدعاء لك أن يتقبل الله منك، والكلمة الطيبة صدقة.
ثالثا: سوف تواجهين بعض الناس لا يفتئون يثنون على الناس ويحمدونهم حتى بما لم يفعلوا، وهنا يجب استخدام أسلوبا يقدره الممدوح بما يتناسب مع الشخص والموقف.
رابعا: لا شك أن المسلم الممدوح على عمل ما ربما يصيبه رذاذ من الإعجاب بالنفس وقد يحمله على استحضار داعية الرياء، وهذا يوجب على الإنسان أن يتذكر ـ على الفور ـ أن هذا محض التوفيق الأعلى، لا نتيجة ذكاء خارق أو علم فياض أو ما إلى ذلك، وهنا يحسن أن نفهم سياق سورة الضحى التي أمر الله فيه نبيه أن يحدث بنعمة ربه، فإذا تأملنا بدايات السورة وجدنا الله تعالى يعدد نعمه على نبيه: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى . وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى" (الضحى: 6-8) ؛ ثم يقول له: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" (الضحى:11).
فكأن الله يريد ـ والله أعلم بمراده ـ أن يقول لنبيه: "يا محمد، حدِّث بنعمة ربك مستشعرا ما أنعمت به عليك". فاستشعار هذا المعنى لن يبعدك عن ربك، بل سيجعلك(33/1085)
دائما في رحابه وشكره على نعمه، بل سيضعك في دائرة استشعار التقصير الدائم إذا ما لاحظت بعينك النعم التي أنعم بها عليك.
خامسا: يحسن بالمسلم أن يعقد نواياه قبل الخوض في العمل، ويسأل نفسه هذا السؤال: لماذا؟ فإن كان للناس والسمعة واستجلاب أنظار الخلق للمدح والثناء وجب التوقف الفوري وعقد النية جيدا، وإن كان لله خالصا مجردا فبها ونعمت، وعلى المسلم أن يراقب نفسه أثناء العمل ويجدد نيته دائما حتى لا تشرد منه هنا أو هناك، ثم يدعو الله بعد العمل أن يتقبل منه، ويخشى أن يرد الله عمله عليه.
سادسا: انظري قبل أن ترائي بعملك: مَنْ ترائين؟ هل هذا العبد يملك شيئا، هل سيعطيك ثمنا على عملك؟ أم أنك تبتغين الأجر ممن يملك أمرك وأمر هذا الضعيف: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه". رواه مسلم.
تصوري ـ أختاه ـ أن كل من حولك هباء، وأن المستحق الوحيد للإخلاص هو الله، فإذا كان الله خلق ولم يشاركه أحد في الخلق، فلِمَ نشرك معه غيره في العبادة؟ وبدلا من أن ترائي الخلق بالعمل، اجعلي عملك لله وتحسسي موضع نظره منك، فهو عين الإخلاص.
سابعا: عليك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يثبت قلبك على الإخلاص، وأن ينقي عملك من كل شائبة، وأن يقوي ظهرك على الأعباء، ويحسن أن ترتمي في رحابه تعالى، وترددي هذه الكلمات: "اللهم خذني إليك مني، وارزقني الفناء عني، ولا تجعلني مفتونة بنفسي محجوبة بحسي".
أخيرا أريد أن أحذرك من أمر جلل، وهو: إياك أن يتسرب إليك الشيطان بوساوسه، ويدور حولك بِحِيَلِه، وقد أصبحت في منصب قيادي ـ ويوحي إليك أنك ترائين بعملك، وأنه يجب أن تتركيه على الفور؛ لأن هذا يتعارض مع الإخلاص، ويبعدك عن الله ويقربك من النفاق؛ فهذا مدخل من مداخله المعروفة التي لا تخفى عليك، ولو تركنا أعمالنا ومناصبنا لهذا الوسواس لما تحقق للمسلمين النصر في الدنيا، ولما روى لنا التاريخ أئمة في الدنيا كانوا في أعمالهم ومناصبهم مؤيدين بتأييد الله وموفقين أيضا بتوفيقه.
هذا ولو تركنا مناصبنا وأعمالنا من أجل الرياء "المزعوم" هنا فمن الذي سيقود العمل؟ طلاب الدنيا الذين يسعون لمصالحهم الشخصية، ضاربين عرض الحائط بمصالح الناس ومقاصد الشرع؟! هذه هي النتيجة الحتمية، وساعتها لا نلوم إلا أنفسنا، يوم لا ينفع الندم. والله يؤيدك ويحميك من الرياء وخطره، ويرزقنا معك الإخلاص وتجريد الإخلاص.
ـــــــــــــــــــ
الترفيه من الإيمان ! ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أستاذنا الفاضل(33/1086)
هل يمكن لبرامج الصيف الترفيهية أن تؤثر على درجة الإيمان ، وما هي هذه البرامج التي يمكننا القيام بها ؟
مع خالص الاحترام
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الفاضل:
أشكرك على هذا السؤال الهام
الإيمان هو السياج الذي يحيط بحياة الإنسان حفظا وحماية، وهو منهج حياة المسلم في سيره مع الله ، ومع الناس ، فالإيمان هو ضابط السلوك ، وهذا يعني أن كل أعمال الإنسان الصالحة التي لا تخالف ما أمر الله تعالى به تعد جزءا من الإيمان ، ولا أكون مبالغا – على هذا المنهج – أن أقول لك : إن الترفيه الصافي من الإيمان .
فالإيمان يدخل فيه علاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى ، عبادة وعقيدة ، ومع نفسه أخلاقا ، ومع غيره سلوكا وتصرفات ومعاملات ، والترفيه يدخل في علاقة الإنسان بنفسه ، فخروج الإنسان على شاطئ بحر يستمتع بالهواء النقي ، والمنظر البديع من الماء العذب أو المالح، وتموجات البحر وأمواجه عالية ومنخفضة ، والصخور على الشاطئ والجزر في المنتصف ، واتساع البحر بطوله وعرضه ، وما يعيشه فيه من الكائنات المائية الحية، وما يحويه من غير الأحياء ، والنظر إلى السماء بطولها وعرضها ، ومنظرها الجذاب الخلاب ، كل هذه جزء من الإيمان المعروف بعبادة التفكر ، التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم " تفكر ساعة خير من أربعين " ، قال الراوي : لا أدري ،أقال أربعين يوما ، أو أربعين شهرا أو أربعين سنة ".
أو التنزه في الحدائق ، حيث خرير الماء ، وخضرة النباتات ، وأشكال الأشجار وألوانها ، والزهور الجميلة ، والنباتات اللطيفة ، وهواء الخضرة ، وما يتبع ذلك من راحة نفسية ، مما للنباتات والخضرة من أثر كبير على النفوس ، هذا تنزه وعبادة وهو من الإيمان .
بل زيارة الآثار التاريخية ، ومعرفة سنن الله في الكون والآفاق ، وأسباب قيام الدول وسقوطها ، وحياة الناس ووفاتها ، ومجيء شعوب وغيابها ، وتداول الزمان بعد الزمان ، ومجيء الحضارة بعد الحضارة ، والأمة بعد الأمة في كل ذلك عبرة لأولي الأبصار ، وهي من الترفيه والإيمان ، وقد قال تعالى :" وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، وقال أيضا " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ".
والخروج إلى الجبال العالية ، والسهولة المنخفضة ، والتأمل في الكون الفسيح، الذي ينطق بوحدانية الله تعالى ، وينادي ويقول : إن الله خالقي ، وكل ما فيَّ من صنعه وخليقته ، فحين تنظر إلى الجبال مع اختلافها" ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود "، فهذا جزء من الترفيه عن النفس ، وهو من الإيمان .(33/1087)
وحين يسافر المرء من بلد إلى بلد ، ويعيش بين شعوب متعددة ، فيرى اختلاف الألسن والألوان ، وتباين العادات والتقاليد ، فما يحب هنا يكون مذموما هناك ، ويكون مذموما هنا محبوب هناك ، وترى الحياة البدائية في أماكن ومواطن، والحياة المدنية في أماكن أخرى ، والشعوب تعيش، وعجلة الحياة تسير ، والناس مختلفون في كل شيء، في اللغة واللون والدين والطباع والخصال، وخالقهم سبحانه وتعالى واحد، يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ،و يعلم سرهم ونجواهم ، ويعلم السر وأخفى ، ويعلم ما في الصدور ، كل ذلك نوع من السياحة والترفيه عن النفس وهو من الإيمان.
وإن شئت فعدد من هذا كثيرا جدا ، والناس يعتبرونه ترفيها، وهو ترفيه كما أنه أيضا جزء من الإيمان ، وشرط ذلك :
1- أن تكون النية خالصة لله، وأن يقرن العبد مع الترفيه عبادة التفكر.
2- وألا يأتي شيئا من حرام، فما أفسح الحلال، وما أضيق الحرام ،ومثل الحلال والحرام ، كمثل الشجرة المحرمة على آدم ، والجنة التي أبيحت له ، فلا يذهب ابن آدم إلى شجرة محرمة ، وعنده جنة مباحة ، فيها أضعاف أضعاف الشجرة المحرمة .
3- ومن المفيد أن يأخذ الإنسان العبرة والعظة ، وأن يأخذ التجربة الناجحة التي تنفعه في حياته ، وأن يتزود بها لإيمانه .
إن كثيرا من الناس يظن الدين عبوسا في الوجه ، وضيقا في النفس ، وتزمتا في اتخاذ المواقف ، مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا، وألينهم وأسهلهم ، وهو الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، مالم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الترفيه عن النفس ، فربما كان يمزح معهم ، حتى يُرى الصحابي منهم يستلقي على قفاه من الضحك ، فما يمنعهم صلى الله عليه وسلم ، بل كان يبادر إليهم بالضحك تبسما ، وبالبشاشة في الوجه ، ويجعل " تبسمك في وجه أخيك صدقة " ، وربما أخذ الصحابة في واد يتنزهون ويخففون عن أنفسهم شيئا ما.
ومن المواقف التي تشير إلى ترفيهه صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ما ورد في كتب السير من أن رجلا من أهل البادية اسمه زاهر ، وكان هذا الرجل يأتي بالهدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من البادية ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه حبا كثيرا ، وقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ذات مرة في السوق ، فأمسكه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلفه ، وهو يمزح معه ، ويقول : " من يشتري العبد؟".
فخاف زاهر من أن يكون أحدا يريد أن يبيعه عبدا، فقال وهو يريد أن يبعد الرسول دون أن يعرفه : أرسلني ، من هذا ؟ فلما التفت وجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فترك نفسه ، وهو يقول : يا رسول الله ، لو بعتني ، لن آتي بثمن كبير. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "ولكن عند الله أنت غال". وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ليمزح مع زاهر ويدخل السرور على قلبه .(33/1088)
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح مزاحا جميلا يليق بمكانته صلى الله عليه وسلم حتى مع النساء، مثل المرأة التي قال لها : لا يدخل الجنة عجوز، وهو يقصد أن كل الناس يدخلون الجنة شبابا ، أو تلك التي قال لها : زوجك الذي في عينه بياض ، والعين فيها بياض وسواد ، بل كان يجلس بعد الفجر مع أصحابه ليقصوا له ما رأوا من الرؤى والأحلام ،وغير ذلك من المواقف الكثيرة التي تدل على أن الترفيه من الإسلام والإيمان ، وأن الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يأخذ منهج الشدة على النفس دائما ، فهو يمزح ويجتهد ، وهو يعمل ويفرغ، وهو يجاهد في سبيل الله ويتعلم ، ويأتي المسلم كثيرا من أنماط الحياة ، لأن الإسلام هو دين الحياة .
كانت هذه ضوابط عامة ، تفك الاشتباك بين الترفيه والإيمان ، وأن الترفيه إن كان خالصا فهو من الإيمان.
أما عن البرامج ، فهذا حراك اجتماعي، فيمكن لكم القيام بما يلي :
1- إجراء المسابقات الثقافية ، كأن تعلنوا عن مسابقة يتم فيها اختيار بعض المواد الثقافية ، ويعقد فيها امتحان ، ويكون بها جوائز .
2- القيام ببعض الأعمال الفنية ، كبعض المواقف الدرامية التي تحمل معاني هادفة أو مسلية ، أو ما يعرف بـ" حفلات السمر " .
3- القيام برحلات إلى المناطق الجبلية .
4- القيام برحلات إلى المناطق النيلية والبحرية ، مع التحفظ والبعد عن العري والمعاصي .
5- زيارة الأماكن السياحية والتاريخية، ومحاولة معرفة كثير من المعلومات من المرشدين السياحيين أو القائمين على الأمر .
6- عمل جلسات ثقافية لمناقشة كتاب أو قصة ونحوها .
7- تشجيع المواهب الفنية من الغناء الطيب والإنشاد والرسم وتأليف القصص والروايات التي تحمل معاني سامية ومبادئ نافعة .
8- كما يمكن لكم أن تجلسوا لتفكروا فيما تروحون به عن أنفسكم ، وترفهون به ما يدخل الفرحة على قلوبكم ، شريطة أن يخلو من الحرام ، وأن تبتغوا به وجه الله.
وفقكم الله ورعاكم
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
الزوج الصالح .. اختيار وقدر! ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أعرف أن الله يكتب لكل منا زوجه ؛ وأنا متأكدة من ذلك ؛ ولكني سمعت أحد الدعاة يقول إن الإنسان إذا أخطأ سيغير الله له قدره ؛ وأن الفتاة إذا ألتزمت يزوجها الله من زوج صالح ؛ وإن لم تفعل يحرمها منه . فهل هذا صحيح ؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...(33/1089)
...
يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
الأخت الفاضلة :
لابد أن نفهم معنى القدر أولا قبل أن نعرف هل الخطأ يغير القدر أم لا؟
فالقدر هو ما قدره الله تعالى لعباده بعلمه ، دون أن يجبرهم على فعل شيء أو إتيان فعل ، أو ترك أمر ، والقدر هو المكتوب عند الله ، والقضاء ما نزل من القدر، ولهذا فإن الأقدار قد تتغير ، شريطة أن نكون قد أتينا الأسباب ، ثم حال الله تعالى بيننا وبين ما كنا نرجوه .
والقدر يأتي بمعنى القضاء والحكم ، ومنه قدر الله ، ويأتي القدر بمعنى التدبير، فيكون نصيب القدر من الإنسان التدبير والسعي ، ويكون القدر من الله الحكم والقضاء، وعلى الإنسان أن يشغل نفسه بما عليه ، لا بما له ، لأن الله تعالى تكفل لما للإنسان عنده من رزق وأجل، ولهذا ، فإن فهم الحديث" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " قد لا يكون معناه الحرمان بالكلية ، بل نقول قياسا على أقوال الفقهاء: هناك حجب حرمان ، وحجب نقصان ، والنقصان أيضا قد لا يكون في الكم المرزوق به الإنسان ، ولكنه قد يكون نزعا للبركة.
وهذا الفهم مستنده على أن الله تعالى جعل لكل إنسان رزقه ، وهو جنين في بطنه أمه، وما أفهمه عن الله أن الله تعالى لا ينزع عن العبد شيئا كتبه له ، ربما أخره وأجله ، وربما نزع منه بركته بسبب الذنب ، أما أن يحرم الله تعالى الإنسان من شيء مكتوب له ، فلا وألف لا .
وليس العطاء مرتبطا بالدين والعقيدة ، فإن الله تعالى يرزق العالمين ، مسلمهم وكافرهم ، كما قال تعالى : {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين }، كما أن العطاء والرزق ليس محصورا على المال ، فهناك عشرات من المجالات الحياتية التي يرزق الله تعالى فيها الناس ، من الوقت والصحة والولد والعلم ...إلخ
فتغير الإنسان ليس شرطا لتغيير القدر ، فقد يبقى الإنسان عاصيا ، ويعطيه الله تعالى ما كتب له ، وربما نزع منه البركة ، وربما أكثر له ليس حبا ، ولكن ليزداد حسابه عنده.
أما عن الفتاة التي قد تكون غير ملتزمة ، ثم تلتزم ، فإن الله تعالى يغير لها القدر فيرزقها زوجا صالحا، وأن التي تبقى على معصيتها ترزق زوجا غير صالح ، فقد يكون هذا ، وقد يكون غيره ، وقوله تعالى : {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }( النور:26) فهذا ما يحبه الله تعالى لعباده، وما يجب أن يكون في دنيا الناس ، ولكن قد يتزوج الرجل الصالح المرأة الفاسدة ، كما تزوج سيدنا نوح وسيدنا لوط امرأتين غير مؤمنتين ، وقد تتزوج المرأة الصالحة رجلا غير صالح ، كما تزوجت آسية فرعون ، وهذا كثير مشهور في دنيا الناس .
ولكن الناس هم الذين يتخيرون لأنفسهم ، فاختيار المرأة غير الصالحة رجلا صالحا، قد يكون جزءا من السعي للتوبة ، وأنها حين تتزوج رجلا صالحا يعينها على طاعة الله تعالى ، وكثير من الشباب الذي ينشئ علاقة غير شرعية مع فتيات ، ويلهو(33/1090)
ويعبث، لكن عند الزواج يفكر في غير التي كان له معها علاقة ، لأنه يريد زوجة عفيفة غير التي كان يصاحبها .
والزواج – حسب فهمي والله أعلم – فيه شقان ، شق من كسب الإنسان وسعيه واختياره ، وشق من قدر الله تعالى، بمعنى أن الإنسان هو الذي يختار لنفسه ، فالله تعالى لم يقل لإنسان اذهب إلى فلانة وتزوجها ، فهذا اختيارنا ، نسأل ونتمحص، ثم نسعى والناس هي التي تقبل وترفض ، وقد يسعى الإنسان في شيء ، ويصرفه الله تعالى عنه، لعلم الله أن فيه شرا له.
وعلى الجملة ، فإن كل سعي فيه خير للإنسان ، فإن الله تعالى ييسره للعبد ، ويذلل له الطرق ، وكل سعي للإنسان فيه شر له ، فإن الله تعالى يصرفه عنه ، رحمة به ، وعلما من الله بضعف الإنسان ، إذ سطر ذلك في القرآن : {وخلق الإنسان ضعيفا}(النساء:28).
كما أننا يجب ألا ننسى أن الزواج هو شكل اجتماعي ، له ارتباطاته الاجتماعية، وله ضوابطه الشرعية ، فيكون من الأخذ بالأسباب النظر إلى الارتباطات الاجتماعية ، من طبيعة الاختيار، والمواصفات التي يريدها الإنسان ، ويرتاح لها ، وهل هناك قبول وتفاهم أم لا ؟ وغير ذلك مما فيه اختيار للإنسان ، مع الالتزام باختيار ذات الدين والخلق ، وغير ذلك من ضوابط الشرع.
فإذا فعل الإنسان كل ما عليه ، فإن يسره الله تعالى له، فهذا فضل من الله ، وإن صرفه عنه ، فليعلم أن الله صرف عنه شرا ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
ويقول الأستاذ رمضان بديني الباحث اللغوي بكلية دار العلوم :
أهلا بك أختي السائلة، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله تعالى أن نكون أهلا لهذه الثقة. ونشكر لك أختي حرصك على الفوز بالزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله عز وجل وتكونان معا أسرة صالحة طائعة لربها تأتمر بأوامره وتنتهي بنواهيه، وهكذا يجب أن يكون حال المؤمن في كل حياته {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
من الثابت أختي السائلة أن كل شيء في هذا الكون إنما يجري بقدر الله عز وجل وعلمه؛ فقد قال عز من قائل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" (رواه مسلم). والآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول هذا المعنى كثيرة.
ولكن هناك أحاديث أخرى تدل على أن الحوادث معلقة بأسبابها؛ مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن البر يزيد العمر، ولا يرد القدر إلا الدعاء". أي أن هناك بعض الأسباب والأفعال التي يقوم بها العبد؛ فتكون نتيجتها تغيير بعض ما قُدر له، وهذا التغيير والتبديل لا يخرج عن علم الله سبحانه وتعالى؛ فبقديم علمه عز وجل علم أن هذا العبد سيفعل العمل الفلاني الذي يترتب عليه تغيير القدر الفلاني؛ مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن يُنسأ (أي يمد) له في أجله؛ فليصل رحمه"؛ ففي هذا الحديث يقرر -صلى الله عليه وسلم- أن صلة الرحم سبب في بسط الرزق وإطالة الأجل بعد أن كان مقدرا أزلا.(33/1091)
وقياسا على ما سبق يمكن أن نقول: ربما تكون الذنوب والمعاصي سببا في حجب الخير عن مقترفها، كما ورد في الحديث السالف الذكر "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"، ومن هذا الرزق الذي يحرمه العبد بسبب الذنوب الزواج الصالح.
ولكن لي معسؤالك وقفتان هامتان:
أولا- نريد أن نوسع من نظرتنا لأثر الذنوب والمعاصي؛ فبدلا من نظرتنا لأثرها على الحرمان من رزق دنيوي من مال أو زوج أو غير ذلك ؛ ننظر لأثرها على كل حياتنا وعلى المجتمع الذي نعيش فيه، وعلى مصيرنا يوم القيامة وعلى أثرها في رضا الله تعالى عنا وغضبه علينا وهذا هو الأهم.
فأثر الذنوب على القلب كأثر السم على الجسد، وما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، كما أن شؤم المعصية يتعدى صاحبها إلى ما حوله من مخلوقات، وكلنا يعاني الآن من أنواع البلاء والأمراض والفقر.. وعلاج هذه الأشياء هو التوبة والعودة لله عز وجل.
ثانيا- الأصل أن الإنسان قبل أن يأخذ قرارا في أي أمر عليه أن يأخذ بالأسباب المادية المعينة مع لجوئه لله ودعائه إياه أن يقدر له الخير حيث كان ثم يرضيه به، وهو ما سنه لنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الاستخارة؛ إذن عليك أن تضعي أوصافا واضحة في الشخص الذي تريدين الارتباط به، ثم تكثرين من دعاء الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، فإذا تقدم لك من تتوافر فيه المواصفات التي تطلبينها فاستخيري الله تعالى في أمره، فإذا وجدت قبولا وراحة فتوكلي على الله ووافقي عليه.
وهكذا تسير عجلة الحياة؛ فبعض الناس يفهمون قدر الله عز وجل خطأ؛ فمنهم من يقول: ما دام الأمر قد حسم في الأزل، وما دام الله تعالى قد قدر لي ما يريد فلا داعي إذن لأن أتعب نفسي وأعمل وأنتظر قدري حتى يأتي. هذا انحراف وخطأ فادح؛ فالأصل أن الإسلام يدفع أهله للعمل والأخذ بالأسباب مع حسن الاستعانة والتوكل على الله تعالى.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، ويعينك على طاعة الله عز وجل.
ـــــــــــــــــــ
12 مهمة نحو تجديد الإيمان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أنا بنت ملتزمة منذ عامين ولله الحمد ؛ ولكني في هذه الأيام أعاني من تغير في نفسي وأشعر بانخفاض إيمانياتي ، أحس بالتغير في شخصيتي ، وعندما أجلس مع صديقاتي اللاتي كان لهن فضل في التزامي ؛أحس وكأني لا مكان لي بينهن من كثرة العلم الذي يتميزون به ، إني لا أزكيهن ؛ فالله أعلم بمن اتقى ..
قبل شهور ذهبت إلى العمرة ودعوت الله أن أغير من نفسي وإيمانياتي. أتمني أن ترشدوني إلي خطة إيمانية عمليه لمواجهة هذه المشاعر ؛ وجزآكم الله خيرا .
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار(33/1092)
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي - داعية ليبي مقيم في سويسرا:
الأخت الكريمة / ميار ..
تكاد تكون ظاهرة "الجفاف الروحي" ظاهرة يشكو منها الجميع، وأمسى التآكل الروحي والنفسي أنين كل مخلص ومخلصة ، وبهذا قد تكون استشارتك هذه باب خير نتناول فيه هذه المسألة للجميع، ثم أتناول استشارتك بشيء من الخصوصية .
بداية علينا أن نحدد عدة منطلقات ؛ لابد وأن تكون واضحة جلية حتى ننطلق من مكان سليم :
* الأولي : أن الله تعالى يفرح بمن يقبل عليه ، ولا يقفل بابه إلا على من أقفله على نفسه ، بل ويكافئ بأضعاف ما يقبل به العبد إليه ؛ ففي الحديث القدسي : " يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " ( رواه البخاري ) .
* الثانية : أن ما يصيبنا هو ناتج من تقصيرنا ، ومما نقترفه من ذنوب وأخطاء ؛ قال تعالى : " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (آل عمران : 165)، وقال تعالى :
" وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ "(الشورى:30) ، وقال تعالى: " مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً " (النساء:79) .
* الثالثة : يجب أن لا يوقفنا الخطأ أو الذنب عن الانطلاق من جديد ، و نقف في حالة التحسر الدائم ؛ فإن هذا زيادة في تعقيد الحالة الإيمانية ، وتعميق لترهلها في النفس ؛ قال تعالى : " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (الحديد : 23 ) ، والأسى المذكور في الآية الكريمة حالة نفسية فيها تألم عما سبق من الأعمال ، وكما الفرح حالة نفسية فيها سعادة عما يعمل المرء منّا الآن ، والمطلوب التوازن ؛ فإن غلب علينا الأسى فلن ننطلق من جديد ، وإن غلب علينا الفرح بأعمالنا والسعادة بحالنا فلن نكتشف الخطأ ونحاسب أنفسنا عليه .
* الرابع : إن للذنوب تبعات ، ولها أجواء تحيط بالنفس ، جاء التعبير القرآني في وصفها بليغا دقيقا غاية في الجمال الوصفي ؛ قال تعالى :" بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ" (البقرة:81). فللمعصية ـ أو التقصير ـ أجواء تحيط بها بعدها ، تحيط بالمرء منا إحاطة الدائرة تماما ، ويجب أن نخرج منها ، كي يصلح الانطلاق الروحي ، ولو بقينا في أجواءها فلن نتقدم وسنكون أسرى لتلك الإحاطة من المعصية.
* الخامس : إننا كبشر معرضون للذنوب والخطأ والتقصير ، وهذا من كمال الله سبحانه وعزته وجبروته ، ومن ضعفنا وحاجتنا له عز وجل ، لكي نعرف قدر أنفسنا(33/1093)
؛ قال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " رواه مسلم . فالأمر سنة من الله علينا نحن البشر ، علينا أن نعي هذا ، ولا نكلف أنفسنا الكمال فنهلَك ونهلِك .
* السادس : إننا في سيرنا إلى الله تعالى ليس لنا إلا حالتين في هذا الصعود الروحي ، إما تقدم ، وإما تأخر ؛ قال تعالى : " لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"(المدثر: 37). برغم أن هناك حالة ثالثة في علم الحركة ، وهي حالة التوقف والسكون ، إلا أنه في السير إلى الله يعد التوقف في حد ذاته تأخر وتراجع ؛ لأن ثمة من هو مسرع في سيره لا يتوقف ، ولا يتأخر ، فيعد توقفنا مقارنة معه تراجعا .
هذه أسس ومنطلقات أولية لابد علينا أن نعيها وندركها ، كي نقدر على فهم الحالة أو الظاهرة ، ونعي قدر أنفسنا ، ونتمكن ـ بحول الله وتوفيقه ـ من العلاج والنهوض الواعي . ومن خلال هذه المنطلقات ، يكون العلاج ، ويكون الصعود الذي نريد بإذن الله تعالى .
إن أي عابد لله تعالى ، طامع في رضاه والجنان ، منكسر بين يديه سبحانه ، أمل في توفيقه وعونه وسنده ؛ لابد أن يقبل على الله تعالى بالطريقة التي يشعر بها أن روحه اطمأنت ، وأن قلبه استقر ، وأن نفسه في حالة طرب إيماني مع الله تعالى . ففي الحديث القدسي : "إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" رواه البخاري .
فالحرص على الفريضة أول الأمر ، ثم تأتي أنواع النوافل التي تميز بين سباق العباد لرضوان الله تعالى وفقا لقوله تعالى : " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "(الحديد:21) ، بهذا السباق ومع هذه المسارعة : "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133 ) .
يكون الحب من الله للعبد ولينعم العبد وقتها بما وعده الله تعالى في الحديث القدسي : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء . قال: ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض" . (رواه مسلم )، ترابط عجيب لطيف جميل على النفس يبدأ بحرص على فريضة ، وإصرار على نافلة ودوام عليها ، ويجني العبد حبا لله تعالى ، يتبعه حب أهل السماء ، ومع القبول في الأرض ، ليكون وليا لله تعالى .
ويأتي السؤال بسيطا هادئا يلتمس حلا لما نعانيه من تذبذب : كيف أتقرب ؟(33/1094)
وعلينا التأكد من أن آفاق التقرب إلى الله لا حدود لها ، غير أننا نقف عند الحد الأدنى من هذا التقرب ، والذي لا يستهان به ، بحيث لو التزم به المسلم أو المسلمة جني الكثير من الخير .
وقد أجاد الدكتور فتحي يكن في كتابه "العيادة الدعوية" ، ووضع لنا برنامجا جميلا للتقرب إلى الله تعالى ، أنقله هنا للفائدة منه . يقول حفظه الله : هذا المشروع مقترحٌ كحدٍّ أدنى لكلِّ مسلمٍ ومسلمة ، يتضمَّن ثماني مهمَّات ، محدَّدة الوقت ، معلومة الثواب ، محقِّقةً الفائدة بإذن الله تعالى :
1- المهمَّة الأولى:
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"، وهي: اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب + اثنتان بعد العشاء.
الفائدة المرجوَّة: يبني الله للمداوم بيتاً في الجنَّة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ اثنتي عشرة سجدة، تطوُّعا، بني له بيتٌ في الجنَّة" (رواه مسلم).
2- المهمَّة الثانية:
صلاة ركعتين في الليل.
الفائدة المرجوَّة: يستجاب الدعاء + يُغفَر الذنب + تُقضَى الحاجة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري).
3- المهمَّة الثالثة:
أداء صلاة الضحى ركعتين، أو أربعا، أو ثماني ركعات.
الفائدة المرجوَّة: تؤدِّي صدقةً عن كلِّ مفصلٍ من مفاصل العظام.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: " يصبح على كلِّ سلامي من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحه صدقة، وكلُّ تحميده صدقة، وكلُّ تهليله صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى" (رواه مسلم، وروى البخاريُّ جزءاً منه) .
4- المهمَّة الرابعة:
قراءة سورة الملك.
الفائدة المرجوَّة: تنجي من عذاب القبر.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيُّ وأحمد، وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسن.
5- المهمَّة الخامسة:
قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير".
الفائدة المرجوَّة: تعدل فكَّ عشر رقاب، وتُكتَب مائة حسنة، وتمحو مائة سيِّئة، وتكون حرزاً من الشيطان.(33/1095)
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك" (رواه مسلم).
6- المهمَّة السادسة:
الصلاة على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: براءةٌ من البخل، وصلاةٌ من الله.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا" (رواه مسلم). وقوله : "البخيلُ الذي منْ ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليّ" (رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح ).
7- المهمَّة السابعة:
قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: تُغرَس له في الجنَّة مائة نخلة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"رواه الترمذيّ، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب.
8- المهمَّة الثامنة:
قول: "أستغفر الله" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوة: يفرِّج الله كربه، ويوسِّع رزقه.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورَزَقه من حيث لا يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
وأضيف علي ذلك بعد المهام ..
9 ـ المهمة التاسعة:
قراءة ورد محدد من القرآن ، جزء أو حزب يوميا .
الفائدة المرجوة: جني الحسنات ومضاعفتها ، وطمأنينة النفس .
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" (رواه الترمذي ). وقال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28 ) .
10 ـ المهمة العاشرة:
جلسة دعاء وتبتل إلى الله يوميا مهما كانت قصيرة .
الفائدة المرجوة: زيادة القوة المعينة في النفس ، وتوطيد الصلة بمن يملك القوة والحول والطول ، ويكشف الكربات ، ويثبت على طريق الرشاد
الدليل : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " (النمل: 62 ). وقوله سبحانه : "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ(33/1096)
لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (البقرة : 186) .
11 ـ المهمة الحادية عشر:
المحافظة يوميا على أذكار الصباح والمساء " المأثورات ".
الفائدة المرجوة: زيادة تعميق المعاني المتضمنة في هذه الأذكار ، وترسيخها في النفس ، مرتين بشكل يومي ، حتى يتنعم بها القلب وبمعانيها الإيمانية .
الدليل : " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ" (غافر:55) .
12 ـ المهمة الثانية عشر :
الممارسة اليومية للأخلاق مع الناس جميعا ، والتحبب للخلق ، وترك القعود .
الفائدة المرجوة: تطبيق المعاني الإيمانية المكتسبة من الزاد الإيماني ، والشعور بالإيجابية في الإيمان والعيش به مع المؤمنين ، وليس مجرد ترديد أوراد وأذكار .
الدليل : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(التوبة :71). و قال صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" . رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم قال: " اتق الله حيثما كنت ، وأَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها ، وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ " (رواه الترمذي).
تلك اثنتي عشر مهمة إيمانية ، لو حرص عليها المسلم ، وداوم ، وأصر ، وثبت ، سيكون فيها الخير الكثير لصعوده الإيماني .
الأخت الفاضلة ميار :
وبعد هذا الطواف أيتها الأخت أنصح بما يلي :
* وازني بين انطلاقتك الذاتية التي سوف تسألين عنها يوم القيامة : " وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً "(مريم :95 )، وبين حرصك على تواجدك مع أخواتك في الله ، فالصحبة الصالحة وسيلة على الخير ، وهي خير ، ولكن دورك أنت في ذاتك هو الأولى ، فإن للصحبة بين الأخوات أو آفات ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد فقال : الاجتماع بالإخوان قسمان :
- الاجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت .
- والاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها ، و لكن فيه ثلاث آفات :
- إحداها : تزيّن بعضهم لبعض .
- الثانية : الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة .
- أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
و بالجملة فالاجتماع و الخلطة لقاح إما للنفس الأمارة ، و إما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك ، و الخبيثة لقاحها من الشيطان ، و قد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين ، و الطيبين للطيبات ، و عكس ذلك.(33/1097)
* ما تشعرين به من نقص علمي ، أكمليه أختي بكثرة الإطلاع ، ولن يتوفر لك ذلك إلا بالصبر والخلوة ومصاحبة الكتب النافعة .
* أنصحك بالالتزام بحلقة حفظ للقرآن الكريم ، وأن تعقدي العزم على المضي فيها، فإنها ستكون لك دافعا قويا ، وأنت في عمر يؤهلك لحفظ القرآن الكريم والإقبال عليه، وستجدي فائدة نصيحتي هذه بعد سنوات .
* حددي لك برنامجا مكتوبا تعرفينه أنت فقط ، وراقبي نفسك فيه ، دونيه في أوراقك ، وتابعي نفسك بدقة وأريحية .
* نصيحة أتركها بين يديك يا أختي ؛ أن تلجئي للعبادة الأقرب إلي قلبه ؛ ليستنهض بها إيمانياته . فيسلك كل مسلم في طريقه الإيماني دروب الصعود والهبوط ؛ ولكنه يعرف في نفسه ميلا لإحدى الطاعات ، وعلينا أن نستثمر هذه اللذة في هذه الطاعة ؛ بحيث لو شعرنا بنقص أو تعب إيماني نلجأ سريعا لهذه العبادة التي نحب ، حتى يرجع للروح تألقها الإيماني من جديد ، فتنطلق راشدة بحول الله ، وقد عرف الصحابة في أنفسهم هذا الميل ، فهذا سيدنا عبد الله بن مسعود وجد لذته في القرآن ووجد أن الصوم يتعبه ويشغله عن القرآن فلا يصوم كثيرا .
* لا تضيقي على نفسك بكثرة الأعمال ، بل اجعلي ضمن برنامجك أشياء مسلية تحبينها ، فإن الصالحين دأبوا على الترويح على النفس، والخروج للحدائق والبحر وتنسم الهواء العليل ، وممارسة الرياضة ونحوها .
سدد الله دربك وحقق مرادك ، وجعلنا وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ونسأل الله أن ينفع الجميع بهذا المعراج الذي هدفت له ، ولا ينسوني من دعوة صالحة تخرج من كنانة القلوب الصافية .
مع عاطر التحيات ....
وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
لذة العبادة في الواقع والكتب ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أقوم في هذه الفترة ببحث عن لذة العبادة ، ولكن لا أعرف كثيراً من الكتب والمراجع .
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي – داعية ليبي مقيم بسويسرا:
الأخ الكريم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وحياكم الله معنا في هذا الموقع المبارك بكم ،
أخي الحبيب : إن موضوع لذة العبادة من المواضيع التي يمكن أن نسميها ( مخرجات العبادة ) أي نتائج العبادة ، وقبل أن تتناول في بحثك الطيب - نسأل الله أن يوفقك فيه - لذة العبادة عليك أن تتناول مفهوم العبادة الصحيح ، وأن تستعرض أهم(33/1098)
العبادات التي تورث وتخرج هذه اللذة التي يبحث عنها كل الناس ، فضلا عن المسلم .
ومن أجل ذلك فإن بحثكم الطيب يحتاج إلى القراءة المركزة في كتب السلوك وفي كتب الاعتقاد التي تربط بين العقيدة والسلوك العلمي ، لا تلك الكتب التي تتناول مسألة الاعتقاد بشكل جامد يابس ، وبعد ذلك تبدأ في تدوين المتناثر في هذه الكتب حول ( اللذة الإيمانية ) .
ثم تدرس الكتب التي تتكلم عن أثر العبادة في نفسية المسلم ، من خلال القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية العطرة ، وهدي السلف الصالح والخلف المبارك ، وهذا الأمر يتطلب منك تعبا وبحثا وقراءة وعكوفا على كتب كثيرة لطيفة ، فيها ما تبحث عنه بشكل متناثر .
كما أن اللذة إن هي إلا حلاوة في القلب والعقل ، ومن ثم عليك بدراسة مرادفات هذه الكلمة في القرآن الكريم ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمثلا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان :
1- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه ..
2- وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ..
3- وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يقذف في النار ) البخاري .
فحلاوة الإيمان هنا هي اللذة التي نريد ، ولو دققنا في الحديث وفي كل عنصر من العناصر الثلاث للحلاوة الإيمانية لوجدنا التالي :
1) حب الله ورسوله يجب أن يكون أحب شيء إلى العبد .. فما هي وسائل هذا الحب؟ وكيف يتحقق ؟ في خطوات عملية مدروسة ..
2) الحب في الله ثاني هذه العناصر ، فكيف يكون الحب لله ، وما هي ضوابطه ، وأي يجده العابد؟ .
3) كره العودة للكفر بمثل كره القذف في النار ، إشارة إلى مسألة التراجع للوراء ، فكل تراجع للخلف يعقبه ألم ، وكل ثبات وتقدم فيه اللذة ، برغم التعبد .
قال ابن القيم رحمه الله : " فإن للإيمان فرحة ولذة في القلب فمن لم يجدها فهو فاقد الإيمان أو ناقصه ، وهو من القسم الذين قال الله عز وجل فيهم : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } " . وتأمل أخي كيف ربط ابن القيم رحمه الله بين الحديث وآية أخرى للجامع بينهما .
وتتعامل مع كافة الأحاديث والآيات بهذه الطريقة التحليلية لتصل إلى محاور واضحة من خلال هدي الوحيين ؛ الكتاب والسنة .
وعند الانتهاء من هذه العملية التي تقوم على جرد النصوص وتحليلها ، ستجد أمامك كماً كبيراً من النصوص التي خرجت بها ، وتحتاج إلى تحليل منك وفق كلام أهل العلم ، ولتتضح لك معالم اللذة التي هي مدار البحث .
ويمكن أخي الكريم أن تكون محاور البحث على النحو التالي :
1) مقدمة في أهمية الموضوع وسط خضم لذائذ اليوم .
2) المقصود باللذة لغة وشرعا .
3) مرادفات اللذة في القرآن والسنة .(33/1099)
4) الفروق بين لذة الدنيا ولذة الآخرة .
5) وسائل الحصول على هذه اللذة . ( مثلا : الحب في الله ، التقدم والثبات ، حب الله ورسوله... ) .
6) كيف تحصل على اللذة . ( فيه برامج عملية مستقاة من الوسائل التي توصلت إليها حضرتك في بحثك وتعبك اللذيذ ) .
وهذه بعض النقاط نساعدك بها :
يقول أحد الكتّاب في الفروق بين ملذات الدنيا والآخرة :
(1) لذات الدنيا منقطعة أما لذات الآخرة فهي مستمرة إلى أن يشاء الله.
(2) لذة الدنيا يمل الإنسان منها ويكل ويجب أن تكون بينها وبين اللذة التي قبلها مدة من الزمان، أما لذات الآخرة فلا يمل الشخص ولا يكل حتى ولو جاءت متتابعة.
(3) لذات الآخرة تزداد كلما زادت ، بعكس لذات الدنيا فإنه صاحبها يحس باللذة من أولها ثم تتدرج إلى أن تصبح شيء عاديا .
(4) لذات الدنيا كثيراً ما تفوت لذات الآخرة ، أما لذات الأعمال فلا تفوت لذات الآخرة.
(5) لذات الدنيا فيها منغصات ومكدرات ، بعكس لذات الآخرة فليس فيها أي من هذا بل إنها سعادة للمؤمن.
(6) لذات الدنيا يصيبها الضرر أو خوف الضرر ، أما لذة الآخرة فلا يصيبها من ذلك أي شيء بل إن المؤمن آمن باللذات .
مجالات ومضات اللذة :
1) لذة التوحيد .
2) لذة الحب .
3) لذة العمل لدين الله .
4) لذة الصلاة .
5) لذة معاشرة الإخوان الصالحين .
6) لذة قراءة القرآن .
7) لذة ذكر الله تعالى .
8) لذة قيام الليل .
9) لذة الإنفاق في سبيل الله .
10) لذة تقديم الخير للناس .
11) لذة الإيجابية في الحياة .
12) لذة العلم والتعب فيه .
من عبارات أهل اللذة الإيمانية :
قال عليه الصلاة والسلام : ( حبب إلي من دنياكم : النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني الصلاة ) .
و قال عبد الله بن وهب رحمه الله : " كل ملذوذ إنما له لذة واحدة إلا العبادة فإن لها ثلاث لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكرتها ، وإذا أعطيت أجرها " .(33/1100)
قال ابن المنكدر رحمه الله : " ما بقي في الدنيا من اللذات إلا ثلاث : قيام الليل، ولقاء الأخوان ، والصلاة في جماعة " .
وقال رحمه الله : " إني لأدخل في الليل فيهونني فأصبح حين أصبح فما قضيت منه أربي " .
بعض مراجع :
1) العبادة لابن تيمية .
2) مدارج السالكين ، لابن القيم .
3) مفتاح دار السعادة ، لابن القيم .
4) صلاح الأمة في علو الهمة ، للعفاني .
5) رهبان الليل ، للعفاني .
6) صفحات مضيئة من عبادة السلف ، لإبراهيم العلي .
وغيرها ..
ونتمنى أخي الكريم أن يوفقك الله في هذا البحث ، وأرجو أن لا تحرمنا من نسخة منه نطلع عليها .. بارك الله فيك وزادك حرصاً وعلماً وأنالك لذة القرب منه
ـــــــــــــــــــ
الخوف والقلق من نسيان القرآن ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 25 سنة ... أقوم بحفظ القرآن الكريم ولكن تواجهني مشكلة في الحفظ ، وهي أني لا أستطيع في الاستمرار . . بالرغم أني ملتزمة جداً بما أحدده كنت أحفظ الصفحتين المتقابلتين في أسبوع حفظ جيد جداً . . ولكن بعد فترة جزء مثلاً أحس أني نسيت ما حفظته فأقوم بمراجعته . . أحس أني لا أركز فيه بعض الشيء. . فجعلت الحفظ مع المراجعة القديم من الأول . . ولكني أحس أني ناسية كل شيء وكأني أحفظ من جديد . . قرأت وسائل كثيرة وطرقا تعين على الحفظ ومنها قراءة ما حفظت في الصلاة ولكن من غير فائدة . . حين أصلي بالآيات التي أحفظها،فإذا به أنسى بعضها في الصلاة . . ولكني كنت مستمرة في الحفظ وكنت أحفظ سورة البقرة إلا صفحتين، إلى أن سمعت في درس ب المسجد أن أكثر الناس عذابا هو من يحفظ القرآن وينساه . . والله بكيت في المسجد وشعرت بخوف. . ووقفت عن الحفظ ورجعت للمراجعة فقط لما حفظته . .ولكن كأنه حفظ جديد فتوقفت عن الحفظ .. وأنا في غاية الأسف إلى أن أجد حلا أو طريقة للمراجعة. وفي نفس الوقت خائفة جدا مما نسيته من سورة البقرة ... مع العلم أني و الحمد لله أقرأ القرآن كل يوم غير ما حفظته، ولكن لن أستطيع أن أقرأ كل ما حفظته كل يوم خصوصاً عندما أنتهي من حفظ أجزاء كبيرة ... لقد حاولت بداية الحفظ حفظ الجزء الثلاثين لأنه صغير وبسيط ولكني كنت أتلخبط فيه فبدأت من سورة البقرة وكانت سهلة جدا في الحفظ وكنت أقرأ التفسير وأفهم الآيات قبل الحفظ .
أنا حزينة جدا من هذه المشكلة ... وأريد حفظ القرآن ولكن لا أعرف كيف و قد شار علي من أحفظ معهم عرض مشكلتي على الموقع .(33/1101)
فهل هذا عدم ثقة بالنفس. . وأتمنى أن يكون هذا ،
أم أن الله حجز عني هذه النعمة سبب ما كذنب أو غلط . . أخاف جداً ألا يكون الله راضيا عني .
أنا لا أعرف الحل . . فهل يمكن أن تساعدوني .
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور محمد المهدي مستشار صفحة مشاكل وحلول بالموقع
الأخت الفاضلة ......
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لديك حرص طيب على حفظ القرآن وحماس كبير لذلك وبدأت القرآن من آخره ( الجزء الثلاثين ) ثم عدت لأوله ( سورة البقرة ) ، وكنت تحفظين صفحتين كل أسبوع أى أن المعدل معقول ، وتحفظين مع بعض الناس ، وهذه ميزة تساعد على الحفظ . وعندما واجهتك مشكلة النسيان - وهى أمر طبيعى - شعرت بالقلق لأنك لا تريدين أن يحول بينك وبين حفظ القرآن شيء ، ومع هذا كنت مستمرة فى محاولاتك ، إلى أن جاء اليوم الذي سمعت فيه أن " أكثر الناس عذابا يوم القيامة هو من يحفظ القرآن وينساه " ، ولست أدرى مدى صحة هذا الحديث ، ولكن على أى حال فقد ترك أثرا كبيرا فى نفسك حيث تحول القلق إلى خوف شديد فتوقفت عن حفظ الجديد وعدت تحاولين تثبيت القديم واسترجاعه فصعب عليك القديم والحديث . وهناك ظاهرة تسمى " الانغلاق " وهى الشعور بأن ما حفظناه قد محي تماما من رأسنا حين نحاول استرجاعه دفعة واحدة ، وهذا يحدث كثيرا قبل وأثناء الامتحانات ، وسببه القلق الشديد على المادة المحفوظة ومحاولة استرجاعها دفعة واحدة .
والذاكرة تتكون من ثلاث مراحل :
التسجيل ثم التخزين ثم الاسترجاع . ولكي تتم هذه العمليات بكفاءة يجب أن يكون الإنسان في حالة هدوء وصفاء ذهني وأن يحب ما يحفظ ، وأن يكون في مكان هادئ ، وأن يبتعد عن كل ما يشوش وعيه قبل وبعد الحفظ . وقلقك الشديد على عملية الحفظ قلل كثيرا من كفاءة حفظك فازداد قلقك أكثر فضعف حفظك أكثر وأكثر ، إلى أن سمعت الحديث فأصبت بحالة خوف شديد فتوقفت قدرتك على الحفظ أو كادت أن تتوقف .
والقلق والخوف من المشاعر التي تجعل الحفظ غاية في الصعوبة؛ لأنهما يؤثران في كل خطوات الذاكرة وعملياتها سابقة الذكر .
والحديث الذي أثار فزعك - إن صح سندا ومتنا - فإنه يشير إلى النسيان الصادر عن الإهمال والهجر واللامبالاة بكلام الله، ولا يشير إلى ما يعترى الإنسان من نسيان طبيعى بحكم الظروف النفسية والبيئية ، والذي يؤكد هذا المعنى قول الله تعالى : ( لا(33/1102)
يكلف الله نفسا إلا وسعها ) فالإنسان لا يحاسب على النسيان الطبيعي،وفي الحديث : ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) .
والنسيان كما قلنا ظاهرة طبيعية ، وقد وجد أن الإنسان إذا قرأ شيئا مرة واحدة دون أن يسترجعه فإن فرصة تذكره بعد أسبوعين تكون حوالي 20% ، أما إذا قرأه واستعاده من ذاكرته ( أي حفظه ) فإن فرصة تذكره تصل إلى 65-75% ، فإذا راجعه مرة ثانية بعد أسبوعين تصبح فرصة تذكره حوالي 85% ، فإذا راجعه مرة ثالثة تصبح فرصة تذكره بعد أسبوعين حوالي 95% ، ولكن مع مرور الوقت وعدم استعادة المادة المحفوظة يضعف تذكرها شيئا فشيئا ولكنها تكون قابلة للتنشيط مرة أخرى .
نقول لك هذا كي تعطى اعتبارا للقوانين الطبيعية في التذكر والنسيان ، وإذا كانت هذه قوانين طبيعية فلا يجب أن ننزعج منها . والناس يتفاوتون في قدرتهم على الحفظ، وهذا لا يرتبط بالضرورة بدرجة الذكاء ، والحفظ يكون أسهل في الصغر حيث المخ ما زال خاليا من المشاغل والتشويش ، ويكون أفضل وسط مجموعة ، ويكون أفضل لو نام الشخص بعده مباشرة حيث يتم تثبيته والاحتفاظ به في الذاكرة طويلة الأمد أثناء النوم ، ويكون أفضل لو فهم الإنسان معنى ما يحفظه ، ويكون أفضل لو مارس الإنسان ما يحفظه في حياته اليومية . وقد وجد أن النوم له أهمية كبيرة في تثبيت الحفظ فالناس الأفضل نوما ( من حيث الكم والكيف ) يحفظون أفضل ، لأن عملية نقل المعلومة من الذاكرة المتوسطة إلى الذاكرة طويلة الأمد تتم أثناء النوم .
والصحابة رضوان الله عليهم جميعا لم يكونوا يحفظون القرآن أو أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بنفس الدرجة ، ولم ينزعج أحد منهم لذلك ، ولم يصروا أن يصبحوا جميعا فى درجة حفظ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في حفظ القرآن ولا أبى هريرة رضي الله عنه في حفظ الحديث ، ولكنهم كانوا جميعا حريصين على أن تكون حياتهم قائمة على القرآن سواء حفظوه أو لم يحفظوه ، وعاشوا تميزهم فى مجالات أخرى عديدة ، فالله سبحانه وتعالى قد قسم الأرزاق والملكات بين الناس .
فإذا قل قلقك وزال خوفك وأصبحت أكثر طمأنينة وتذكرت قوانين الذاكرة والنسيان التي ذكرناها، فإن ذلك يساعدك كثيرا على الحفظ . واعلمي أن الحماس تجاه الأشياء الطيبة دافع لإتمامها ولكنه إذا تجاوز الحدود المعقولة أصبح مشوشا وأحيانا عائقا ضد الإجادة حيث يؤدى للعجلة والصخب والاضطراب . وتذكري قول رسولنا الكريم : " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق " .
وأنت محقة في ربطك بين رضي الله وسهولة الحفظ ، وهذا ما ذكره الإمام الشافعى فى شعره :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصى
وهذا يدفعك لمراجعة أخطائك والتوبة منها وزيادة رصيد حسناتك ، ولكن لا تبالغى فى الشعور بالذنب؛ لأن هذا يزيد من حالتي القلق والخوف اللذين تكلمنا عن أثرهما السلبي على عمليات الذاكرة .(33/1103)
ولا تنسى بأنك تؤجرين - إن شاء الله - على محاولاتك وعلى صعوباتك سواء نجحت في الحفظ أم لم تنجحي ، وتذكري أن تنزيل القرآن على السلوك اليومي ربما يفوق حفظه في الذاكرة .
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
الأخت الفاضلة:
جزاكم الله تعالى خيرا على حرصك على حفظ كتاب الله تعالى، فعملك من الأعمال الطيبة التي يثاب المرء عليها ..
غير أن الله تعالى حين أنزل علينا الكتاب لم يجعل الهم الأول له ،ولا المقصود منه حفظه ، وإن كان لحافظه مكانة كبيرة عنده ، غير أن الحفظ ليس مقصودا لذاته ، بل مقصود منه أن نتحلى بالقرآن الكريم والعمل به ، وكلما كان الإنسان حافظا للشيء ، ساعده على العمل بما حفظ.
المهم في العلاقة مع القرآن أمور ، هي:
1. أن ندرك أن الغاية من القرآن هي الهداية ، وأنت تقرئين في سورة البقرة :( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) .
2. أن تكون هناك صحبة للقرآن من خلال القراءة اليومية له بورد ولو كان قليلا .
3. أن يسعى المرء للحفظ قدر طاقته ، وأن يعرف ما يمكن أن يفيد منه حسب استطاعته .
4. أن حفظ القرآن الكريم ليس وقفا على حفظ الآيات والحدود والرسوم ، بل حفظ المعاني والقيم والمبادئ والأخلاق هي المقصود الأول، ولهذا ما سئلت السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت :" كان خلقه القرآن " ، وفي رواية :" كان قرآنا يمشي بين الناس" . وما أحسن ما قاله سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه : " إنّا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن وسهل علينا العمل به ، وإنّ من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به " . وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : ( لقد عشنا دهرا طويلا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه ، ينثره نثر الدقل. أي التمر الرديء !! فحفظ لب القرآن مقدم على حفظ كلماته ، وإن رزق الله الجمع بين الأمرين فخير وبركة .
5. أن توظيف الطاقات في خدمة الإسلام من الأمور التي يجب أن ننتبه لها ، فخالد بن الوليد – رضي الله عنه – لم يكن يحفظ إلا قصار السور ، لانشغاله بالجهاد ، وصلى بالناس وأخطأ في سورة قصيرة ، ولم يكن كل الصحابة يحفظون كل القرآن ، فمنهم من كان يحفظه كله ، أو نصفه أو ثلثه أو ربعه ، أو أجزاء منه .
أما حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا هو أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها" ن فهو حديث ضعيف لا يثبت عند أهل العلم .(33/1104)
نسأل الله تعالى أن يرزقنا صحبة كتابه ، وأن نتذوق حلاوته في قلوبنا ، وأن يهبنا العمل به في حياتنا ، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون .إلا من أتى الله بقلب سليم .
ـــــــــــــــــــ
الجري وراء عريس الرؤيا ... العنوان
السلام عليكم أفيدوني بنصيحتكم أرجوكم..
أنا فتاة متدينة والحمد لله ومن الله علي بالرؤيا الصادقة فكثير منها تحقق والحمد لله. ومشكلتي بدأت برؤيا غريبة. مرت شهور قليلة قبل بداية تحققها فقد تعرفت على شاب عن طريق معارفي ، راغب في الزواج مني. وبدأت تفاصيل الرؤيا في التحقق طوال فترة تعارفنا المحترم حتى أني كنت أبكي أحيانا لشدة التوافق بين الرؤيا وما يحدث .
سبحان الله أوصاف في الشخص ؛ البيت الذي ينوي الزواج فيه ، وهذا جعلني أتعلق به أكثر خصوصا، وأنه صاحب دين وخلق. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان وقرر الشخص عدم الاستمرار.. واحترمت قراره ولكن قلبي قد تعلق به. ربما ابتليت بحبه ، ولكن لا أستطيع تغيير أي شيء والرؤيا تمت بشكل آخر.
وأنا الآن أبكي في كل وقت أتذكر فيه الشخص.
أفيدوني فأنا أدعو الله أن يعفو عني فقلبي ما زال متعلقا بذلك الشخص والرؤيا... تعدني بغير هذه النهاية ماذا أفعل هل أستطيع أن أبادر وأتصل به أم أصبر... والصبر أصبح صعبا ؛ أناجي الله و... ماذا أفعل أعرف أن حبي له لا يجوز، ولكن أجد نفسي ضحية رؤيا غريبة وأدعو الله أن تتحقق والزواج قسمة ونصيب... أرشدوني أرجوكم ماذا يمكنني أن أفعل؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر - خطيب بوزارة الأوقاف وباحث في الفلسفة والعقيدة بكلية دار العلوم بالقاهرة :
الأخت الفاضلة عفاف.. سلام الله عليك ورحمته وبركاته.. أسأل الله عز وجل أن يزيدك التزاما على التزامك وتدينا على تدينك، وأن يرزقك قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وجسدا على البلاء صابرا..
وبعد فإن الرد على استشارتك يقوم على عدة محاور:
1. الرؤيا ومدى خضوعنا لها ولما نراها فيها.
2. الزواج رزق.
3. الخطبة مرحلة وعد بالزواج وتعارف.
4. المغالاة في الحب بين الخطيبين.
أولا: الرؤيا ومدى خضوعنا لها ولما نراها فيها:(33/1105)
لقد تحدث الله عز وجل عن سيدنا يوسف عليه السلام في قوله: {ذلكما مما علمني ربي}، وقال أيضاً: {ربي قد آتيتني من المُلك وعلمتني من تأويل الأحاديث}، فهذا علم يقوم على التأويل يهبه الله لمن يشاء من عباده.
وجاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله ، فليحمد الله عليها وليحدِّث بها (وفي رواية: فلا يحدث بها إلا من يحب)، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره). وفي حديث آخر: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره).
فالمسلم حيال الرؤى أمامه ثلاثة احتمالات: إما أنها رؤيا من الله، أو حلم من الشيطان، أو وساوس وأحاديث للنفس وما يشغل بال الإنسان.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "مدار علم تعبير الرؤيا على القياس والاعتبار والمشابهة التي بين الرؤيا وتأويلها، ويؤخذ من ذلك ما في الأسماء واللغات من الاستعارة والتشبيه".
إن الرؤيا الصالحة من الله، وإنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وقال الإمام مالك -رحمه الله- عن تأويل الرؤى: لا يعبّر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيراً أخبر به، وإن رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت.
وقد جاء في باب الزواج في تفسير الأحلام لابن سيرين:
"يدل الزواج في المنام على العناية من اللّه تعالى. وربما دلّ الزواج على الأسر والدين والهم والغم... وإن تزوجت المرأة العازبة (غير المتزوجة) أو المتزوجة في المنام فإنها تنال خيرا".
فليس من المعقول أن نسعى لتنفيذ ما رأيناه في الرؤيا فهذا محض ظن أو توقع، والمسلم يعتمد على الأصول الشرعية الثابتة المنبثقة من الكتاب والسنة، ولا يتكل على تفسير رؤيا بل له أن يتفاءل بها إن كانت ترمز إلى الخير ويستعيذ بالله من الشيطان إن كانت ترمز إلى الشر.
وليس ريناه رأيناهفليس شرطا أن يكون هذا الأخ الذي تقدم لك هو المعني بالرؤيا التي رأيتها حتى ولو انطبقت عليه بعض ما رأيت من علامات، بل ينبغي ألا تأخذي برؤيتك على أنها واقع عليك تنفيذه لكي تكوني من ذوات الرؤى التي لا تخيب؛ فاصبري يا أختي راضية بقضاء الله وقدره ولا تستعجلي أمرك.
ولتعلمي أن الرؤيا تكون بالرمز ولا تكون كما هي بحذافيرها في الواقع، فنحن نعلم تأويل رؤيا نبي الله يوسف -عليه السلام- حيث رأى كواكب ولم ير بشرا {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [يوسف:4-6].(33/1106)
فأولت الكواكب الأحد عشر بإخوة يوسف، وكذلك رؤيا أم المؤمنين صفية بنت حيي – رضي الله عنها- حيث رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- في وجهها خضرة فسألها عن ذلك فقالت: كنت في حجر ابن أبي الحقيق فرأيت كأن القمر وقع في حجري، فأخبرتُ ابن أبي الحقيق (كنانة بن أبي الحقيق زوجها ساعتها) فلطمني وقال: تهوين ملك يثرب (يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهنا أُوِّلَ القمر بأنه رسول الله.
ثانيا: الزواج رزق:
اعلمي أختنا في الله أن الزواج رزق، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولن يكون إلا ما أراده الله، ولا بد للمسلم أن يصبر ويتحلى بالصبر ويرضى بما قسم الله ولا يستعجل رزقه، {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11]، {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].
ولك في أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها الأسوة الحسنة فعندما مات زوجها أبو سلمة، ذكرها الحاضرون بالدعاء المشهور "إنا لله وإنا إليه لراجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيرا منها"، فقالت المرأة: "إنا لله وإنا إليه لراجعون، اللهم أجرني في مصيبتي"، وجاءت عند "وأبدلني خيرا منها" ووقفت ولسان حالها يقول: ومن ذا الذي هو خير من أبي سلمة؟! فذكرها الحاضرون ثانية فقالت "وأبدلني خيرا منها"، وما علمت حقيقتها إلا عندما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخطبها لنفسه فقالت لولدها: قم يا سلمة فزوج رسول الله، فهي بصبرها ورضاها بقضاء الله أبدلها الله من هو خير من زوجها رضي الله عنه.
ما أريد قوله إن الإنسان منا مهما فقد فإن ما عند الله خير، فمن احتسب شيئا عند الله أبدله خيرا منه، {ما عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 76].
فهيا سارعي بقول هذا الدعاء: "إنا لله وإنا إليه لراجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيرا منها"، وثقي تماما أن ما ادخره الله لك خير إن شاء الله من هذا الأخ الذي ظننت أن الدنيا وقفت عنده، لا يا أختاه، ربما في تركه إياك خير لك، ربما ادخر الله لك من خير منه، احتسبي واصبري واستعيني بالله.
فلا تدرين أيتها الأخت الفاضلة ربما يكون الخير في فسخ هذه الخطوبة فمطلوب منك أن تدعي الله عز وجل أن يقدر لك الخير ويصرف عنك الشر.
والله عز وجل علمنا مستجلبات الرزق على لسان نبيه نوح عليه السلام حيث قال: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا } [نوح: 10-12].
ولا يحق لك أبدا أن تتصلي بهذا الأخ طالبة منه العودة لك مرة ثانية، لا يا أختاه ساعتها ستكونين صغيرة في نظره، نعم يجوز للمرأة أن تخطب لنفسها، ولكن من خطبها وتركها فلا يحق أن تجري وراءه، فلا بد أن تظلي جوهرة ثمينة يأتيك من يقدرك ويعرف مكانتك أما أن تسعي وراءه وتضيعي كرامتك فلا. بل هو الذي يطلب ويلح في الطلب.(33/1107)
ثالثا: الخطبة مرحلة وعد بالزواج وتعارف:
والخطبة ما هي إلا وعد بالزواج من أجل التعارف والائتلاف فإذا لم يحدث الائتلاف فسخت الخطبة، ولا يترتب على فسخها شيء شرعا، فربما أنه وجد أنه ليس كفئا لك، وربما أنه ليس صاحب قرار، أو متردد، فكونه فسخ الخطبة هذا أمر لا بد من الرضا به والصبر حتى يأتي الخير إن شاء الله.
رابعا: المغالاة في الحب بين الخطيبين:
أما عن الحب بين الرجل والمرأة بهدف الزواج فلا بأس به ما دام يلتزم بالضوابط الشرعية، ولا يؤدي إلى حرام أو خلوة شرعية، شريطة ألا يعلو هذا الحب على حب الله ورسوله.
ويتساءل ابن القيم: كيف يكون العشقُ تمليكا للقلب والرُّوح والحب لدون الله، فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد، بل هو خمْر الرُّوح الذي يُسكرها ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه والتلذُّذ بمُناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبِّد لمعشوقه، بل العشق لُبّ العبودية، فإنها كمال الذُّلِّ والحب والخضوع، والتعظيم، فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تُنال به درجة أفاضل الموحِّدين وساداتِهم وخواصِّ الأولياء؟
فاشغلي نفسك بطاعة الله عز وجل وقراءة القرآن والمحافظة على الصلاة وقول الأذكار، واملئي وقت فراغك بالأشياء المهمة من قراءة وتعلم ومعاونة الأهل في المنزل وغيره، ولا تعرضي عن ذكر الله فتشقي {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.
فانهضي واصبري وصلي لله بالليل، واقرئي القرآن وأكثري من الدعاء فسيفرج الله كربك إن شاء الله.
وأخيرا..
ندعو الله عز وجل أن ييسر لك الخير ويرزقك زوجًا صالحًا تقر به عينك ويعينك على طاعة الله عز وجل إن شاء الله، فاستعيني بالله واصبري إن الأرض لله يورثه
ـــــــــــــــــــ
علاج القلق .. الصلاة أم الطبيب النفسي؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
سلام الله عليكم إخواني في الله..أنا فتاة أحاول الالتزام بديني والحمد لله ، فقد التزمت منذ 3 سنوات.. و قبل الالتزام كنت أعاني من بعض المشاكل التي سرعان ما انقلبت إلى أشياء داخلية و تجاهلها جعلها عقداً.. فأنا أشعر بالخوف و القلق من أي شيء و كل شيء..أعاني من أشياء كثيرة..اختفت بعد التزامي.. و لكنها بعد فترة بدأت في التأثير على كل شيء..حتى توافه الأمور..أفكّر جدياً في زيارة طبيب نفسي..و لكني أعلم أن الله هو الشافي..و لكن أخواتي في الله نصحوني بركعتين في جوف الليل..أقسم بالله أعلم أنهما ممكن أن يصلا إلى الرحمن.. لكني أشعر أنني يجب أن أزور طبيباً نفسياً .. فأنا أشعر أن ما بي فعلا معقّد.. و يحتاج إلى علاج.. مثله كمثل(33/1108)
أي شيء آخر..أفيدونى أفادكم الله هل أذهب مع العلم أنني أعتبر ذهابي للطبيب ليس إلا أخذا بالأسباب.. و أعلم أن الله هو الشافي.. ماذا أفعل؟!
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي داعية ليبي مقيم بسويسرا :
الأخت الكريمة .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله في مراسلتك لنا ، وفي طرحك ما تعانين منه ، ونشكر لك أن جعلتنا محل استشارتك، ونسأل الله عز وجل أن نكون عند حسن ظنكم ..
أحييك بداية على التزامك الطيب الذي حدث منذ 3 سنوات ، وهي نقلة مباركة في أول سني عمرك الطيب ، تجعلك بحول الله متميزة وأختاً فاضلة ، وأماً عالية ..
ربما تكون المشاكل التي كانت قبل الالتزام - ولا أعرف ماهيتها - هي السبب الأولي فيما تشعرين به ، وبحسب تعبيرك تحولت إلى عقد ..
أختي الكريمة : ليس دائما نحل مشاكلنا بصلاة ركعتين ، وليس دائما عندما نصاب بمرض نقرأ عليه آيات من الذكر الحكيم ، وليس صحيحاً أن نعالج الأمور بهذه الطريقة ، وهذه جملة من الأحاديث النبوية تبين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة العلاج :
1) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال ، قال : النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله خلق الداء والدواء فتداووا ولا تداووا بحرام ) رواه أبو داود والطبراني
2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء ) رواه البخاري، وفي رواية : ( من داء ) .
3) و عن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء إلا داءً واحداً الهرم ) أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي
4) و عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل داءٍ دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى ) رواه مسلم.
5) و عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السّام، والسّام الموت ) رواه ابن ماجة.
فالأمر بالعلاج والتداوي واضح أختي الكريمة ، ولم ينصحنا ويحثنا النبي صلى الله عليه وسلم أننا عندما نمرض أن نصلي ركعتين ويذهب المرض !!
هذا أمر واضح جلي ، يبقى هناك أمر أخر ..
وهو : هل هناك أمراض تصيب النفس ؟ هل هناك أمراض حقيقية تصيب النفس ، أم أن النفس لا تصاب بأي مرض فيها ؟
الصحيح أختي الكريمة وما يثبته العلم أن النفس تمرض وتتعب ، وتصيبها العديد من الأمراض ، مثلها كمثل أي عضو في الجسد ، وكل عضو يمرض يجب أن يعالج .(33/1109)
ومن الأمور التي شاعت لدى الناس ولدى حتى بعض الملتزمين ، أن الطبيب النفسي والذهاب له يعني العلاج من الجنون !! ومن الهبل ؟؟ وهذا من الجهل الكثير في مجتمعاتنا ؛ والصحيح والذي ينطق به العلم أن الطب النفسي كأي فرع من فروع الطب ، كمثل الباطنة أو الأعصاب أو الأسنان ونحو ذلك .
وفي المجتمعات المتحضرة ينظرون إلى الطبيب النفسي كعامل مهم لهم في حياتهم ، وأمست هناك مبالغات في صلتهم بالطب النفسي ، لأنهم - المجتمعات غير المسلمة - لا قيم لهم ولا صلة روحية مشبعة لنفوسهم ، فأمسى الطب النفسي هو البديل الوحيد .
وبعضنا يرى حسن الصلة بالله تعالى هي العلاج النفسي ، وهذا خطأ محض ، ما أنزل الله به من سلطان ، وكما تفضلت الذهاب للطبيب - أيا كان المرض - هو من الأوامر الشرعية التي أمرنا الله ورسوله بها ، وأي تقصير من المرء في العلاج يأثم أمام الله ، وإنما يذهب للعلاج ويأخذ الدواء وهو على يقين بأن الله هو الشافي ، بل يتقرب إلى الله أكثر كي يساعده في العلاج والتخلص من المرض .
أختي الكريمة :
* لا تخافي من الطبيب واذهبي له ، فإن ذلك واجب شرعي .
* اختاري طبيبة نفسية مسلمة كتومة واستمري معها .
* دوامي على العلاج ، مع حسن الصلة بالله .
* صححي نظرتك للطب النفسي .
* أكثري من قراءة سورة " قريش " فإنها مجربة في دفع الخوف .
وفقكم الله وسدد خطاكم .. و طمأنينا عنك وعن صحتك .
ـــــــــــــــــــ
عبادة الله بالسعي في الرزق ... العنوان
تحدثت مع صديقي عن الرزق والسعي وتجادلت معه بشأن ذلك؛ فيقول هو أن الرزق غير مرتبط بالسعي بدون أن يقوم بأي مجهود يذكر ؛ ولكني رددت عليه بأن الرزق لا يكون إلا لمن يسعي في سبيل الله ويتوكل عليه . فهل عدم السعي تواكل ؟ وهل يمكن أن يأتي للإنسان الرزق وهو جالس في بيته ؟ ومتى يكون السعي فريضة ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تجيب وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله والصلاة علي الرسول الذي نشتاق إليه ولم نره بعد.. أما بعد ..
أخي الفاضل .. كل يوم تخطر علي الإنسان ألف خاطرة تحاول أن تنزع عنه حركته وبركاته. لا أبخس من شأن الأفكار ؛ ولكن أنصح بألا يستسلم الإنسان إلا لما يري فيه نفعا. جزاك الله توفيقا وثباتا علي سؤالك الذي نستفيد منه جميعا لو جذبنا نحو طريق منير.(33/1110)
أسئلة السعي لا يمكن أن تفارقنا .. كل يوم نشقي ونكد ونتعب ونعرف أن في غد المزيد من التعب . كل يوم نفتح أعيننا لنستقبل عملا جديدا ومشاق مستمرة . قد تدفعنا هذه المتاعب إلي التساؤل عن جدوى هذا التعب ولولا أن حاجتنا إلي لقمة العيش أو الإحساس بالتميز من خلال أعمالنا لما كنا تحملنا كل هذا .. وقد يلح سؤال يائس من نفس ملت وكلت بالحياة : ما قمة السعي طالما أن الله يرزق الناس أقواتهم ؟
ربما يكون الجدال في ديننا غير مفضل في أحايين كثيرة ؛ لكنه قد يفيد في أوقات أخري ؛ دعني أقول لك نصيحة قبل أن أناقش معك هذا الأمر ؛ إن الاحتكاك بأفكار وتصورات لا تتفق معنا تفيد في أمرين يا أخي وهذا ما يقوله لنا علم الإعلام والإقناع :
1. اختلاف الفكرة مع توجهك قد يدفعك إلي محاولة البرهنة علي تصوراتك ؛ لذا يكون النقاش والمجادلة دافعا قويا لكي تبرهن علي فكرتك . فيكون إيمانك بها أشد وأقوي.
2. وقد يؤدي البحث في هذه المسألة والتقليب في جدواها إلي التأكد من أنك كنت علي خطأ ونظيرك علي صواب ؛ فتترك ما كنت فيه وتتبني فكرة أخري بكل قناعة في أنك الآن علي صواب وأنها الأصلح لك ولدينك .
فلنعد إذن إلي أسئلة السعي والرزق والتوكل .. ودعنا نبدأ بقول الله عز وجل :
1. إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } ( الإسراء :30).
2. { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (هود :6).
3. - { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (العنكبوت :17)
قد يخرج البعض من هذه الآيات البعض قائلا: إن الرزق لا يحتاج منا لمجهود ولا لعمل لأنه مكتوب وسنناله إن اجتهدنا أو لم نفعل ؛ وكل ما نفعله هو مجرد عدم يقين فى رزق الله وعطائه .
ولكن هذا المفهوم خاطئ لا يعزو أن يكون تكاسلا ؛ يجمل في شكله توكلا علي الله وظن الخير فيه ، لكنه ينطوي مضمونا علي تواكل وتخاذل عن السعي في أرض الله ؛ فلو كان الإنسان عليه أن يعيش ويلهو ويتزوج وينجب دون أي مسؤوليات أخري إلي جانب العبادة؛ لما أمرنا الله بالسعي وإعمار الأرض وفلاحها وخدمة البشرية .
سيدي الفاضل .. أتعلم أن السعي جزء لا ينفصل عن العبادة ؛ سلني : وهل نؤجر علي السعي في سبيل لقمة العيش ؟ ودعني أرد عليك بحديث المصطفي صلي الله عليه وسلم: "ما أكل العبد طعاما أحب إلى الله من كد يده، ومن بات كالا من عمله بات مغفورا له" (ابن عساكر، عن المقداد بن معد يكرب) . وبهذا يكون الرزق وعدم الإعالة علي الغير سببا في رضا الله .
وذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمره للمسلمين بطلب الرزق أينما كان في قوله : " التمسوا الرزق في خبايا الأرض " .(33/1111)
كما أكد الرسول علي أن طاعة الله سبب في رزقه وبركته ؛ وورد أيضا في حديث أبي هريرة : " بر الوالدين يزيد في العمر، والكذب ينقص الرزق، والدعاء يرد القضاء " . وقوله : " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر " (أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك عن ثوبان) .
إن من المعاني الجيدة أن يكون السعي على الرزق لطلب الحلال من وسائل مغفرة الذنوب، فإن تساوى الناس في الفرائض التي كتبها الله تعالى عليهم ، ولكن التقرب إليه بعد ذلك يختلف من شخص لآخر، فمن الناس من يتقرب بنوافل العبادات ، ومن الناس من يتقرب بالجد وإتقان العمل ، وإعفاف نفسه وأهله من الحرام ، بل قد يكون السعي للرزق وطلب الحلال فيه نفع كبير للمجتمع ، لأن قيمة العمل مع الغني يجعلان الإنسان يحفظ نفسه من كثير من الوقوع في المعاصي والآثام .
سيدي الفاضل ؛ بوسع الله وبقدرته أن يرزق الناس كل ما يريدون دون عناء منهم ؛ لكنه أعطي كل منا من القدرة علي العمل وجلب الرزق . وتركنا نجاهد في الدنيا ليعطي كلا حسب جهده . ولكنه في ذات الوقت كفل لنا أرزاقنا وقدر لنا أعمالنا ؛ وتركنا نفعل ما نريد لنكون شهداء علي أنفسنا يوم القيامة. ولديه المزيد لمن يشاء أن يستزيد من فضله وعطائه بعمله ويقينه وحسن عبادته.
ـــــــــــــــــــ
التوكل.. بذل الممكن مع التسليم والرضا ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
الإخوة الأفاضل في شبكة "إسلام أون لاين.نت": أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا: جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من جهد لخدمة الإسلام والمسلمين، ونسأل الله أن يتقبل منكم جهدكم وجهادكم،آمين.
ثانيا: عندي سؤال مهم عن التوكل على الله، فهنالك جدل كثير حول مفهومه الحقيقي، فهناك أناس يقولون إن التوكل على الله هو أن الإنسان لا يعمل شيئا ويتركها على الله، والمقدر والمكتوب سيراه سيقع مهما فعل الإنسان، والدليل على هذا أنه عندما تمر بالإنسان حادثة أو مصيبة وينجيه الله، ويخرجه منها سالما، رغم أنه كان في حكم المؤكد أن يحصل له سوء، وأحيانا يأتي الرزق فجأة من غير ما يسأل الناس أو يطلب من أحد.
وهنالك فريق آخر من الناس يقولون إنه على الإنسان أن يعمل، ثم يتوكل على الله، بمعنى أنهم يؤمنون بأن التوكل الحقيقي هو العمل مع التوكل.
فأيهما أصح في فهم التوكل الحقيقي، يهمني أن أعرف الحقيقة. و جزاكم الله خيرا
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...(33/1112)
أخي الفاضل / محمود
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد:
فقد سألت عن أمر عظيم، فالتوكل على الله خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهو من أعلى مقامات اليقين، وأشرف أحوال المقربين، وهو مفتاح كل خير لأنه أعلى مقامات التوحيد، وعبادة من أفضل العبادات، وهو فريضة يجب إخلاصه لله تعالى، وعقيدة إسلامية لقوله تعالى: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ).
والتوكل – أخي الكريم- شرط من شروط الإيمان، ولازم من لوازمه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أكبر، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل.
والتوكل على الله مقام جليل القدر، عظيم الأثر، جعله الله سبباً لنيل محبته وضاه، فقال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، وهو من سمات المؤمنين الصادقين، قال تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). وفي الحديث ( أربع لا يعطيهن الله إلا من أحب : الصمت وهو أول العبادة والتوكل على الله والتواضع والزهد في الدنيا) رواه الطبراني.
وقد عرف السلف التوكل على الله بعدة تعريفات أذكر لك منها قولهم : إنه "تفويض الأمر إلى الله والثقة به"، وقولهم إنه:" صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها"، وقولهم إنه "إسناد العبد أمره إلى الله وحده لا شريك له في جميع أموره الدينية والدنيوية"، وقولهم إنه" التسليم لأمر الرب وقضائه"، ومنها أن "التوكل يجمع بين العمل والأمل مع هدوء قلب وطمأنينة نفس، واعتقاد جازم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن".
أخي الكريم:
مما لا شك فيه عند السلف والخلف من أهل السنة والجماعة، أن للأسباب تأثيرها في مسألة التوكل، فهم يوجبون الأخذ بالأسباب ويعتقدون عدم منافاتها للتوكل؛ فالأخذ بالأسباب ثم الاعتماد على الله عز وجل هو مذهب أهل الحق من سلف الأمة، و من الأدلة على ارتباط التوكل بالأخذ بالأسباب : من القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) ،( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ، (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ،( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) وقوله تعالى(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا). ومن السنة حديث (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) رواه أحمد، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة له، فقال: يا رسول الله أدعها وأتوكل؟ فقال: أعقلها وتوكل. رواه الترمذي.(33/1113)
وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتعود بطاناً. رواه أحمد (خماصاً : جياعاً، بطاناً: ممتلئات البطون).
أخي محمود :
لقد أثنى كثير من السلف على التوكل والمتوكلين، فقال ابن عباس رضي الله عنه: "التوكل جماع الإيمان"، وقال سعيد بن جبير: التوكل على الله نصف الإيمان"، وقال أبو الدرداء: ذروة الإيمان الإخلاص والتوكل والاستسلام للرب عز وجل، أما ابن القيم رحمه الله فيقول: إن التوكل يجمع أصلين : علم القلب وعمله، أما علمه: فيقينه بكفاية وكيله وكمال قيامه بما وكله إليه ، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك.وأما عمله: فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إليه وتفويضه وتسليمه أمره إليه ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه. والتوكل من أقوال القلب وأفعاله .
وقد قرن الله تعالى التوكل بالربوبية والألوهية في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ هُوَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) وقوله: (رَبِّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)، وقوله تعالى:( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، كما قرن سبحانه التوكل بالتقوى في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، وقوله (وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، وقد اقترن الصبر بالتوكل على الله في مواضع منها (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، فالصبر مبدأ السلوك إلى الله تعالى والتوكل هو آخر الطريق ومنتهاه.
وختاما؛
أود أن وضح لك – يا أخ محمود- أن المفهوم الشرعي للتوكل هو أن يبذل المسلم أقصى جهد بشري ممكن لتحقيق الشيء، ولا يهتم بالنتائج، ويترك الأمر بعدها لله، ولا خلاف بين التوكل بهذا المعنى وبين الإيمان بالقدر، فالقدر غيب، لا يعلمه إلا الله، والمسلم يدعو الله ويسأله أن يرزقه كذا أو أن يقضي له الأمر الفلاني، على الرغم من إيمانه بأن هذا الأمر قدر مكتوب في الأزل، فدعاؤه لله لا ينفي إيمانه بالقدر المكتوب.
وعلى المسلم إذا قصد أمرا أن يأخذ بكافة الأسباب المادية التي تساعد على تحقيق هذا الأمر، فإذا ما بذل أقصى ما عنده من جهد، واستنفذ جهده، فلم يعد لديه ما يفعله، توضأ وصلى الركعتين، ثم لجأ إلى الله يدعوه ويتضرع إليه أن يوفقه وأن يقضي له هذا الأمر إن كان فيه الخير، ثم يتوكل على الله، راضيا بما يكون من النتائج. غير نادم ولا يائس ولا قانط ولا غاضب لما تحقق ذلك أنه بذل ما عليه، لكن الله لم يقضي له الأمر، فالله أعلى وأعلم، وقد يكون في تحقيق هذا الأمر ضرر عليه فعافاه الله منه، أو صرفه عنه.
وألخص لك مفهوم التوكل في هذه المعادلة :
(بذل الجهد الممكن + ترك النتائج على الله والرضا بها+ إحسان الظن به + التوكل الحقيقي على الله)(33/1114)
هذا هو فهم السلف الصالح للتوكل، وهو ما أدين الله به، وأسأل الله أن يجعلنا وإياك من المتوكلين عليه، ممن يأخذون بالأسباب ويستفرغون جهدهم، راضين بما يختاره الله لهم .. آمين وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
ضعف الإيمان .. النفس أم بنات السياحة؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم
أنا أعمل في شركة سياحة، ويوجد حولي الكثير من البنات..
ما هو السبيل لتقوية إيماني حيث إني في مستوى منخفض جدا من الإيمان
والسبب طبعا البنات والنظر إليهن؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
الأخ الفاضل :
جزاك الله تعالى خيرا على حرصك على إيمانك ، وأن يبقى نقيا لا يشوبه ما يجرحه.
واسمح لي أخي أننا دائما نعتبر المرأة متاعا ولذة ، ومع كون المرأة تمتع الرجل ويستمتع بها ، وهي أيضا تتمتع بالرجل ، غير أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة يجب ألا تأخذ هذا المنحى بشكل دائم يغلب على تفكيرك ، لأنك لو نظرت إلى المرأة على أنها شهوة وحسب ، فسيظل هذا في رأسك وفي تعاملك معها ، ولن تتغير مهما حدث، غير أننا نريد أن نقول:
إن طبيعة التمتع في الإسلام قائم في ظل الزوجية ، وفي خارج إطار الزوجية، فهناك المجتمع المسلم الذي يكون فيه الرجال والنساء إخوة في الله ، كما قال تعالى :" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرون ".
فهناك الصداقة في العمل التي تحتم التعامل بين الرجال والنساء ، وفق احتياجات العمل وضوابط الشرع الحكيم، أو العلاقة في التدريس بين الزملاء فيما بينهم من الجنسين ، مما قد يتطلب التعاون في بعض البحوث والأعمال الأخرى، أو بين الطلاب والأساتذة مع اختلاف الجنس ، أو في البيع والشراء أو في غير ذلك من المجالات .
والإسلام وسط بين النهي عن الاختلاط ، وبين إباحة التعامل المطلق بين الجنسين ، والبعد عن هذه الوسطية يولد إما نوعا من الفهم السيئ ، وما يترتب عليه من آثار سيئة ، أو نوعا من الانحلال الأخلاقي الذي تذوب معه الفوارق الطبيعية بين الجنسين ، فكل جنس له خصائصه وله عالمه، ومع هذا التمايز يبقى التعاون منضبطا بمراقبة الله تعالى وتقواه ، وأنه سبحانه يعلم السر وأخفى.(33/1115)
والخروج من دائرة كون المرأة شهوة فحسب يحل كثيرا من الأزمات النفسية بين الشباب والفتيات ، والتربية الصالحة لها دور كبير في طبيعة التعامل ، والثقافة التي يبثها المجتمع لها أثر أكبر ، فمجتمع تربى على علاقة المسلسلات والأفلام ، والتي يغلب عليها طابع الحب والغرام والخيانة والفحش يؤثر على طبيعة الناس ، والمجتمع الذي يربي أبناءه على أن الفتيات أخواته، يجب عليه الحفاظ عليهن ، وأنه يتعامل معهم بضوابط فوق حاجات التعايش الاجتماعي يساعده أن يخرج عن هذا الإطار الضيق في نظرته للجنس الآخر .
وتبقى مساحة الإنسان الشخصية، وهو الذي يستطيع أن يدرك هل الأخذ بالعزائم أفضل له ، أم يعيش طبيعة المجتمع الذي لا ينهى عن الاختلاط ، ولا يبيح الانحلال؟؟
هذه تساؤلات ربما تساعدك على أن تحدد طبيعة علاقتك مع الجنس الآخر، جزء منها يعود لدينك وعقلك وشخصيتك ، وجزء منها يعود للمجتمع الذي قد يكثر فيه الانحلال ، ويبقى الحل في مثل هذا إما جهاد النفس ، أو الفرار من المعصية إلى مجتمع أنظف ، وأقصد بالمجتمع المجتمع الصغير الذي تعيش فيه.
وفقك الله لما يحب ويرضى .
و يقول الأستاذ عبد العظيم بدران من فريق استشارات إيمانية بمصر:
حالتك هذه كثيرة جدا في مجتمعاتنا للأسف، ولكني أسأل الله تعالى أن يعينك على ما أنت فيه، وأن يجزيك على حرصك هذا حفظا وإيمانا ويقينا وثباتا.
أخي ساهر.. الموقف صعب لا شك، وليس من رأى كمن كتب!، ولكني سأجتهد معك في عدة مقترحات.
لقد علمتَ أنك تعمل في بيئة صعبة، وهذا يقتضي منك أن تحصن نفسك تحصينا منيعا، ولكن كيف؟ وماذا يعني هذا التحصين؟
بالطبع أنا لا أطلب منك أن تتنحى عن عملك هذا في مثل الظروف التي تعيشها بلادنا، والتي نعرفها جميعا، ولكني أشير عليك بما يلي:
- لتكن نظراتك إلى زميلاتك عند الحاجة والضرورة، وهذه في ذاتها ستكون أيضا كثيرة، وبالتالي فإن عليك أن تسأل الله العون وتنظر بعينك فقط لا بقلبك كذلك
- أعني ألا تدقق النظر ولا تعمقه، وليكن سطحيا على قدر الحاجة، دون أن يخل ذلك بالقيام بوظيفتك التي ارتضيتها.
- احرص ما استطعت على أن تكون على وضوء دائما؛ فالوضوء سلاح المؤمن، وهو يعينك أكثر على حالك.
- اذكر الله دائما في نفسك، واطلب منه العون في كل حال.
- كن نموذجا مشرفا للإنسان الملتزم الذي لا ينفر الآخرين لأنه متدين، وفي نفس الوقت يحافظ على إيمانه وصلته بالله تعالى.
- اصطحب معك المصحف، واحرص على صلاة الضحى والنوافل بشرط ألا يعطل ذلك العمل، فكل ذلك يعينك على ما أنت فيه.
- لتكن حواراتك وكلماتك مع زميلاتك على قدر الحاجة، ولا تسرف في هذا حتى ولو رغبن هن في هذا. وهذا ليس سهلا وسيحتاج منك إلى مجاهدة للنفس عنيفة.(33/1116)
- قد تنجح مرة وتخفق أخرى، فاصبر وصابر ورابط والله معك.
- واعلم يا أخي أن هذا من البلاء، والله تعالى ينظر كيف تعمل؟
أعانك الله وثبتك بارك الله فيك وجزاك خيرا.
ـــــــــــــــــــ
هل يلازم الشيطان الإنسان؟ ... العنوان
أريد أن أسأل : هل الشيطان يلازم الإنسان ؟ وهل ذلك اختبار لنا ؟ وكيف نفعل الطاعات والشيطان إلي جوارنا دائما ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تقول وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
بسم الله والصلاة والسلام علي الرسول الذي نشتاق إليه ولم نره بعد .. أما بعد ..
فإن لكل إنسان قرين يلازمه ؛ يحثه علي أن يعصي الله ويبتعد عن مرضاته ، فقد ابتلينا نحن بني آدم بعداوة الشيطان منذ أن عرف سيدنا آدم الحياة ؛ لأنه وجد الله يكرمه في كل موقف وحين ؛ وينظر فيه عبدا مطيعا بالفطرة ؛ ولكن الشيطان أبي علي الإنسان هذه المكانة ؛ وتعهد علي نفسه أن يقف أمامه بالمرصاد ؛ وإن تكلف ذلك عصيان الله والخروج من الجنة.
فيقول الله تعالى عن سوء قرانة الشيطان للإنسان : { قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ . قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } (ق:27-29)؛ لأن هذه القرانة للشيطان إن استسلم لها الإنسان سيجد نفسه فريسة لنهاية مأساوية حقا .
ويخبرنا الله عز وجل بمرارة هذه النهاية المأساوية في قوله :{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (إبراهيم:22) .
وهذا يعني أن عمل الشيطان مجرد وسوسة ليس إلا ، فهو لا يجبر الإنسان على فعل المعصية، بل إن الله تعالى أخبر عن ضعف وسوسته ، حين قال تعالى : { إن كيد الشيطان كان ضعيفا} ، وهذا يدفعنا أن ندرك حقيقة هذه الوسوسة ، وأنها غير مؤثرة في الإنسان، إنما هي دعوة { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}، والاستجابة من الإنسان هي بمحض الإرادة .
وقد جاء في حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، قالوا وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" . وفي الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان.(33/1117)
وفي رواية أخري للحديث: " ... وقد وكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة " . وتدلنا الرواية الأخيرة إلي معني آخر : أن الإنسان لديه الاختيار أن يكون فاضلا أو فاجرا ؛ فليس معني القرين أن الإنسان مجبول علي الفاحشة وطاعة وساوس الشيطان ؛ وإنما هو بين طريقين ، له أن يسير فيما يرغب ، لأنه جبل علي الطاعة ولديه من الشهوة والأسباب ما يجعله يستسلم لملذاته ، ولكن المحك الرئيسي يعول علي صاحب القرار.
وكما أن الشياطين توسوس له بالشر، فإن الملائكة تحثه على الخير، ويبقى الإنسان هو الذي يختار طريقه بمحض إرادته ، بما يتماشى مع عدل الله سبحانه وتعالى في الإنعام على الطائعين ، وحساب العاصين .
ويدلنا الرسول صلي الله عليه وسلم علي كيفية تجنب سوء قرانة الشيطان لنا ؛ وهي الاستعاذة والمداومة علي الذكر ؛ فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان أحدكم يصلِّي فلا يدع أحداً يمرُّ بين يديه ، فإن أبى فليقاتلْه فإن معه القرين " . رواه مسلم.
بل إن الإنسان حين يصل إلى درجة عالية من الطاعة لا يقوى عليه الشيطان ، بل يفر منه ، كما ورد عن عمر رضي الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبره أنه ما سلك طريقا إلا سلك الشيطان طريقا آخر، فلا يستسلم الإنسان لقرينه ، ويرى أنه من قدر الله ، فإن هذا فهم مغلوط ، لأن الله نهى عن عصيانه، ولم يجعل الإنسان مجبولا عليها .
فلا يمكن أن ننكر علي الله قضاءه .. ولا يمكن أيضا أن ننكر على أنفسنا الحق في الاختيار الذي منحنا الله إياه .
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أخشي أن أكون منافقا ! ... العنوان
أتمني أن تكون عودتي إلي الله علي أيديكم ؛ شعرت في بعض الأوقات بلذة الإيمان وحلاوة القرب من الله ؛ تغمدني هو برحمته ، واطمأننت بمعيته ؛ ولكني لم أعد فقط إلي المعاصي ، ولم أحافظ علي نعمة القرب إلي الله . إنما شربت الخمر ؛ والمصيبة الكبرى أني زنيت ؛ وعدت إلي مشاهدة الأفلام الجنسية وممارسة العادة السرية ؛ وتفوتني بالطبع بعض الصلوات.. أخشي أن أكون منافقا .. يعبد الله في المساء .. ويعصاه في الصباح .. فهل أنا كذلك ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تقول د. دعاء أبو بكر الصديق من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
الأخ الكريم ..
أهلا بك علي صفحتنا وندعو المولي عز وجل أن نوفق في الرد عليك .(33/1118)
أبدأ إجابتي عليك بسؤالك الذي لخصت فيه مشكلتك ؛ ألا وهو أنك لا تواظب علي الطاعات بل وترجع إلي المعاصي والكبائر التي تركتها أيضا ، لقد لخصت مشكلتك بالفعل يا أخي الكريم ووصلت إلي الحقيقة الواضحة التي لا خلاف عليها والتي سببت لك هذا الانحدار عندما قلت "والحقيقة أنني ارتكبت بعض الكبائر والذنوب " نعم إن ما أنت فيه سببه الكبائر والآثام .
إن الله تعالي منذ خلق بني آدم فضلهم علي سائر الخلائق وجعل لهم عقلا وقلبا وأضاف إلي العقل إرادة ، وهذه الإرادة هي أكثر الصفات الرائعة التي تميز الآدميين عن سائر المخلوقات، فهذه الإرادة هي الدافع الرئيسي للعقل لتجعله يدرك عواقب الأمور ، ويعرف طريق الصلاح ويتوجه بكل كيانه وعقله إلي جهة مصلحته ونفعه . إذن فقلب الإنسان وعقله خلق بإرادة تميز عن سائر الخلائق .
أما عندما تتزعزع هذه الإرادة تظهر لنا الشهوة مخالبها وتنتشر في القلب والعقل وتنزل صاحبها إلي منزلة التدهور والابتذال والهلاك ، وهذا بطبعه يؤثر علي القلب وأحواله.
فالقلب يا أخي الفاضل كالمرآة ينعكس عليها حال صاحبها وصفاته ؛ فإذا كان القلب محمودا في صفاته وطبعه زادت مرآة قلبه جلاء ونورا وإشراقا ويتفتح بذلك قلبه إلي فعل الطيبات وترك المنكرات ؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " إذا أراد الله بعبد خيرا جُعل له واعظا من قلبه ".
أما إذا كان مذموما في صفاته وطبعه تصاعد دخان مظلم ويعتم قلبه ، وصدق رب العزة حين قال في وصفه لقلب كهذا القلب " كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون " لذلك يا أخي الكريم فإن تراكم الذنوب والكبائر تنطبع علي القلب حتى يعمي هذا القلب عن إدراك الحق والصلاح .
لأجل ذلك كله يا أخي الفاضل أصبحت تعاني مما تعاني منه . وبذلك فإن علاجك مما أنت فيه هو صقل قلبك وعقلك . أما عن كيفية الصقل ، فإن جلاء القلوب يبدأ بترك الإثم أو الآفة التي تضر القلب ، ثم بطاعة الله وفعل الحسنات لأن من أتبع السيئة الحسنة محا أثرها وأضاء قلبه بنور هذه الحسنة .
ثم يأتي بعد ذلك أكثر العوامل المساعدة علي جلاء القلوب ألا وهي ذكر الله ، ولكن هذا الأمر لا يحصل إلا إذا اتقي الإنسان ربه بصدق ، فهو القائل " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ".
إن هذا التوجيه الرباني الرائع يكشف لنا حقيقة عميقة ، ألا وهي أن مس الشيطان عمي ، وأن ذكر الله والاتجاه له نور يضيء البصر والبصيرة ، وأن أكبر دافع لمس الشيطان هو التقوى ، فليس للشيطان سلطان علي المتقين فإذا مسهم الشيطان سارعوا إلي ذكر الله حتى تنجلي قلوبهم وأبصارهم .
وقبل أن أحدثك عن التوبة وكيفية نزع الشهوة من القلب . من المهم جدا أن أوضح لك أسباب محاربة الإسلام للزنا وشرب الخمر وجعلهم من الكبائر ، حتى يستقر في قلبك حكمة الإسلام في ذلك النهي ، وحتى يزداد نفورك من هذه الكبائر .
فلو تأملت معي الآية الكريمة " الزاني لا ينكح زانية أو مشرك ، وحرم ذلك علي المؤمنين "(33/1119)
هل تعلم لماذا حرم المولي عز وجل زواج الزاني بمسلم وقصره علي زان مثله أو مشرك ، لأن هذه الفعلة لا يرتكبها إنسان مؤمن إنما يكون مرتكبها في حالة نفسية بعيدة كل البعد عن الإيمان ومشاعر الإيمان ، ولذلك فإنه بعد ارتكابها لا ترضي النفس المؤمنة أن ترتبط في نكاح مع نفس خرجت عن الإيمان بتلك الفعلة الشنعاء ولذلك كان تحريم هذا الارتباط بين زاني وعفيفة والعكس حتى تتوب النفس وتتطهر من ذلك الإثم .
ويأتي بعد ذلك المولي عز وجل في الآيات التالية ليوضح عقوبة الزنا ويشدد عليها بوصفها نكسة حيوانية تذهب بكل المعاني الإنسانية الراقية وتحول الإنسان إلي مسخ كل همه إشباع غرائزه في لحظة عابرة دون النظر إلي عواقب الأمور .
أما الخمر فهو من المسكرات التي تفقد الوعي وتهيج النزوات والشهوات ، والسكر ينافي اليقظة والإسلام يفرض علينا اليقظة الدائمة في القلب والعقل حتى يكون المرء موصولا بالله في كل لحظة مراقبا له عز وجل في كل فعل وتصرف ، كذلك فإن يقظة العقل والقلب من العوامل المساعدة علي نماء الحياة وتعمير الأرض فكيف لفاقد رعيه أن يعمَر وينمَي ، وكيف له أن يحمي حتى نفسه أو ماله أو عرضه ، ولذلك كانت اليقظة من الأمور الواجبة علي المسلم حتى يكون دائما منتبها للتكاليف التي فرضها الله عليه بل إن اليقظة واجبة أيضا حتى يستمتع بحياته ورزقه وبطاعته لربه وبكل الطيبات التي أحلها الله له في هذه الدنيا .
هنا يأتي دور التوبة ، لأن التوبة والرجوع إلي الخير بعد الوقوع في الشر والالتجاء إلي التواب الرحيم ستار العيوب وغفار الذنوب هو مفتاح الاستقامة ، إن التوبة في هذا الأمر بل في كل الأمور واجبة بل إن الإسراع فيها واجب أيضا لأن التسويف فيها قد يضع صاحبها في خطرين عظيمين :
أولهما : أن تراكم الذنوب والظلمة علي قلب العاصي حتى يصير شديد الظلمة ؛ فلا يقبل بعدها المحو .
ثانيا : أن يعاجل الإنسان المرض أو الموت فلا يجد مهلة للتوبة وصدق القائل عز وجل حين قال " وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن " . وقوله تعالي "إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" لذلك فإياك وتسويف التوبة يا أخانا الفاضل لأنه كما ورد في الأثر " إن أكثر صياح أهل النار من التسويف ".
ولتعلم أن التوبة لها ثلاثة مراتب أو شروط لتحقيقها وقبولها :
أولاها : هي العلم أو المعرفة بعظم الذنب وضرره وكونه حجاب بين العبد وربه .
ثانيا : أن يتألم القلب ويتأسف ويندم علي الإثم الذي ارتكبه في حق ربه ونفسه .
ثالثا : العزم علي ترك الذنب إلي آخر العمر ، وترك كل الأسباب التي قد ترجعك إلي الذنب مرة أخري .
وثق يا أخي الكريم أن توبتك فرحة لا يضاهيها فرحة في هذا الكون فقط اصدق مع الله في توبتك . وأعلم أنه العالم بمكونات القلوب والضمائر ، فإذا لمس منك صدقا في توبتك ورجوعك إليه فثق أنه سوف ينزع هذا الإثم من قلبك نزعا ، وصدق رسول الله حين قال " لو علمتم أن الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله عليكم " . وهو(33/1120)
القائل أيضا " إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة " فيقل كيف ذلك يا رسول الله ، قال " يكون نصب عينيه تائبا منه فارا حتى يدخل الجنة ".
وقد يكون من الأمور المكملة للتوبة هو أن تفعل لكل معصية كبيرة فعلتها حسنة كبيرة تناسبها، فتفعل من الحسنات ما يوازي مقدار السيئات لقوله صلي الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها " ؛ وقوله تعالي " إن الحسنات يذهبن السيئات " .
والحسنات هذه تكون إما بطاعات أو صدقات أو أي نوع من العبادات الأخرى ، ويأتي علي رأس العبادات الصوم لمن هم في مثل حالتك الذي سماه رسولنا الكريم صوم الاستعفاف، وكذلك الذكر والاستغفار فهو القائل عز وجل " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ".
اجتهد كثيرا يا أخي وانتظر ثمار التوبة؛ وأول ثمار التوبة : هي تكفير السيئات حتى تصير كمن لا ذنب له . وثانيها : نيل الدرجات العليا عند الله عز وجل حتى تصير حبيبا لله عز وجل لقوله صلي الله عليه وسلم " التائب حبيب الله " . أما ثالثها : رقة القلب ، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اجلسوا إلي التوابين فإنهم أرق أفئدة " .
قد يكون من الأمور النافعة لك محاولة تغيير بعض جوانب في حياتك كما يلي :
- الاستعانة بصحبة صالحة تذكرك دائما بالله وتصلك به .
- الإسراع بالزواج ، فالزواج هو البديل الرباني العظيم لمن تغلب عليه شهوته فالإسلام لا يحارب الفطرة والرغبة الجنسية ولكنه ينظمها ويهذبها بالزواج وإن شاء بيت علي أساس من المشاعر الإنسانية الراقية بعيدا عن الفوضى الجنسية التي تهدم البشرية والمجتمع بأكمله.
- كذلك الابتعاد عن المثيرات الجنسية التي قد توقظ نار الشهوة بداخلك وتؤدي بك إلي الانتكاس والعودة للذنب مرة أخري ؛ والانغماس في نشاطات اجتماعية ودينية وممارسة الرياضة حتى تفرغ في هذا كله الشحنة والطاقة التي بداخلك ولكن بشكل صحي .
- الاستعانة بصحبة صالحة تذكرك دائما بالله وتصلك به .
في النهاية دعواتنا لك ولكل الشباب بأن يهدي الله قلبك ويرشدك إلي طريق الهداية والصلاح .
ـــــــــــــــــــ
أشك في ديني..الجهل هو الداء ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
جزاكم الله ألف خير على هذا الموقع الطيب وبارك الله في جهودكم.. مشكلتي جدا كبيرة... أواجهها منذ فترة ليست بالقصيرة.. وهي أنني أصبحت أشك في ديني.. وأشك إن كنت أعيش على حق؟ هل ديننا هو الحق أم أن المسيحية هي الحق؟ لا أدري لم أشعر الرغبة في ترك ملة الإسلام والتنصر؟ بالرغم من أن عقلي يأبى ما يؤمنون به...(33/1121)
بالأمس كنت اقرأ كتاب الله القران الكريم... لكني وجدت نفسي أشك في الكلام المكتوب فيه..!! ما الدليل أنه كلام الله؟؟؟؟
أرجوكم أريد حلا مشكلتي....!!
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي داعية ليبي مقيم بسويسرا :
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، قيما . والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن لزم هداه إلى يوم الدين ..
الأخت دانة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ومرحبا بك معنا في هذا الموقع الطيب بكم ، وحياك الله في الاستشارات الإيمانية ، سائلا ربي في علاه أن يفتح علي وعليك بفتوح العارفين به ، وأن يزيل الشك من نفوسنا ، ويهدينا صراطا مستقيما .
حقيقة ما ورد في استشارتك أمر كبير ، وحدث جلل ، ولكني أعتب عليك بعدم ذكر الكثير من التفاصيل عن البيئة التي تعيشين فيها ، وعن مسار حياتك بشكل عام ؛ ذلك بأن تخوفك من ترد الدين الإسلامي الصحيح الحنيف ، تخوف كبير ، ينبغي له نوع من التفصيل ، وبرغم هذا العتاب الأخوي ، استعين بالله تعالى ، فأقول والله الموفق :
إن من أعظم المؤثرات أختي الكريمة ـ على هذا النحو من الشك الكبير ـ قلة العلم والثقافة الإسلامية الرصينة ، فالمرء منا عندما يكون صاحب رصيد خفيف من العلم ، وبضاعة قليلة من الثقافة الإسلامية الواعية ، يسهل عليه التأثر ، وقد يصل هذا التأثر إلى ما تتخوفين منه .
كما أن البيئة المحيطة بك لها عامل أخر مهم ، وتشمل البيئة البلد الذي تعيشين فيه ، والأصدقاء ، والأهل ، وبيئة العمل ، ونحو ذلك ، فإن المرء منا تظهر شخصيته ويتأثر بمن يخالط ويخالل من الناس ، وحين تكون البيئة سلبية على حياة المسلم وعلى العيش وفق شرع الله ، يتأثر بها بشكل كبير جدا ، فإن أضيف لهذه البيئة السلبية قلة العلم ، فقد كمل في المرء منا الاستعداد التام لكل شبهة ولكل فكرة ولكل عاصفة تعصف بعقله ودينه وشخصيته .
والذي بهرني في كلامك هو هذا التناقض البيّن بين ما أنت عليه اليوم ـ الإسلام ـ وبين ما تشعرين به من الميل للنصرانية ؛ فالإسلام دين واضح ، مبني على الحجة والعقل والدليل ، في حين أن النصرانية ديانة محرفة ، تقوم على الخزعبلات ، وكلام لأناس لهم مصالحهم في تحريف هذه الديانة أول الأمر ، وهذا ما ورد في كلامك حين قلت : ( بالرغم من أن عقلي يأبى ما يؤمنون به ) فعقلك يأبى هذه الديانة المنحرفة ، ولكن يبقى لديك الميل أو الرغبة كما جاء في كلامك ، وهذا دليل أنك متأثرة ببيئة غير سوية ، أو أنك تكثرين من الدخول للمواقع النصرانية التي تهدف إلى تنصير المسلمين ، أو القراءة في كتبهم ، دون التحلي بالعلم القوي الواضح ، بحيث أن هذه المواقع أو القراءات أو البيئة بشكل عام ، سببت لك هزة قوية في كل(33/1122)
اعتقادك وفي كل دينك ، وأظن الأمر واضح لديك في سبب شعورك الذي يريد النصرانية وعقلك يرفضها ! .
هذا الشك في القرآن الكريم والذي نعتبره أنا وأنت وكل المسلمين ركيزة الإسلام الأولى ، هذا الشك في قلبك الطاهر ، ليس بالأمر الجديد في ووقع لك أنت فقط ، بل قد تعرض القرآن لحملات شرسة من النصارى ، وشبهات كثيرة ، ومن قديم الزمان ، لكنها ذهبت مع الرياح ، وظل القرآن شامخا ، متحديا ، لم يتغير منه حرف .
يقول الدكتور محمد دواد : ( إن القرآن الكريم على مر التاريخ منذ لحظة نزوله قد تعرض لهجمات كثيرة في الشرق والغرب، باعتباره الركيزة الأساسية للإسلام، وكانت بداية هذه الحملات من النصف الثاني للقرن الأول الهجري، حين بدأ «يوحنا الدمشقي » (650 -750 م) هذا الهجوم بتوجيه عدة انتقادات على النسق العام، ثم جاء هجوم مفصَّل شنيع على القرآن في أعمال «نيكيتاس البيزنطى».. ثم جاء أكبر هجوم جدلي على القرآن على يد إمبراطور بيزنطة «جان كنتاكوزين ». وتوقف الهجوم البيزنطى على القرآن بفتح المسلمين للقسطنطينية، وتولت أوروبا المسيحية الأمر من بعد ذلك، ومن أشد هذه الهجمات ما كتبه لورد "مراش" في كتاب من مجلدين أولهما بعنوان "مقدمة في دحض القرآن" والمجلد الثاني يحتوى على النص العربي للقرآن مع ترجمة لاتينية له. ومنذ بداية القرن التاسع عشر اجتهد المستشرقون ولا يزالون في تكثيف الهجوم على القرآن الكريم، بطرح قضايا وهمية حوله، وإبراز نتائج زائفة استخلصوها من مقدمات خاطئة.
المهم.. المهم.. المهم: أن كل هذه الافتراءات والجهالات ماتت، وظل القرآن الكريم يتحدى.. لأنه كلام الله، ولأنه الحق الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت/42. ) . ا.هـ
لقد بات صدق كلام الله ( القرآن الكريم ) أمرا مسلما به أختي الكريمة عند الكثيرين من الغربيين ، وتناقل " أهل العلم منهم " صورا رائعة من إعجاز القرآن العلمي ، وأثبتوا أن هذا الكلام المدون منذ أكثر من 1400 سنة لا يمكن أن يكون من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن تلك الفترة الزمنية التي نزل فيها القرآن الكريم لا يتوفر فيها أيا من سبل التطور العلمي بكل تفاصيله اليوم ، وآيات القرآن تثبت ما توصل له العلم الحديث بكل دقة متناهية ، فكيف يكون هذا إلا أن يكون القرآن هو كلام رب هذا الكون !! .
إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله تعالى من كل تبديل وتغيير ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقد راجعه سيدنا جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا ، وسورة سورة ، وموضعا موضعا من ترتيب الآيات والسور ، وتناقله الصحابة حفظا في صدروهم ، وكتابة في المصاحب ، وتناقلته الأمة عنهم إلى هذه الساعة ، ما هو مكتوب في مصحفك الكريم الذي بين يديك الآن هو ذاته تماما ما راجعه سيدنا جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته . وهذا الأمر تتبع تاريخيا وعلميا حتى من قبل المستشرقين ، ولم يثبت لهم أي خلل في وصول القرآن الكريم إلينا محفوظا من كل نقص وتبديل وتغيير ، برغم الحملات الكثيرة ضد القرآن الكريم .(33/1123)
وما طرحته نفسك عليك ( ما الدليل أنه كلام الله ) كان الأولى أن تقولي لها ( وما الدليل أنه ليس كلام الله ! ) . برغم الحقائق التاريخية وبرغم الإعجازات العلمية ، وبرغم صمود القرآن الكريم أما حملات التغيير والطعن والتشويه ، برغم هذا وغيره ، تسألك نفسك ولا تقدرين على الرد !!
* لو كان القرآن الكريم كلاما لغير الله ، فلمن يكون وفيه هذه الحقائق التي ذكرت ! .
* لو كان القرآن الكريم لغير الله فأي كلام حفظ طوال هذه المدة الزمنية الطويلة دون أن يتغير منه حرفا واحدا ؟؟ ويزعم النصارى أن الإنجيل ورد فيه كذلك أنه محفوظ من الله ، وفي هذا يقول الدكتور محمد دواد : ( إنجيل متى يقول: «إلى أن تزول الأرض والسماء لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة». وهنا ينبغي أن نوضح جملة من الحقائق حتى يزول اللبس ويدفع الوهم: إن واقع النص القرآني يشهد بأنه ليست عندنا مصاحف مختلفة فيها زيادة أو نقصان، كما هو الحال في الأناجيل المختلفة التي يصل حجم الحذف والزيادة في بعضها إلى أكثر من ثلاثين إصحاحًا.. بالإضافة إلى وجود نصوص مختلفة في لغات مختلفة فيها الزيادة والنقصان.. ولا يوجد هذا في القرآن؛ لأنه ليس للقرآن إلا نص واحد بالعربية، والترجمات إنما هي ترجمة للمعاني والمفاهيم. ) . ا.هـ
* لو كان القرآن كلاما من الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يثبت فيه معاتبة الله له في قول الله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَن جَاءهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ) .
* لو كان القرآن كلاما لمحمد صلى الله عليه وسلم فلم لم يذكر فيه معاناته في عام الحزن ، حين توفيت السيدة خديجة رضوان الله عليها ، وتوفي نصيره القوي عمه أبو طالب ! .
أختي الكريمة دانة :
* يجب عليك رحمة بنفسك وإنقاذا لها ، أن تتحلي بالعلم القوي الرصين في دين الإسلام.
* احرصي على الصحبة الطيبة المسلمة التي تعينك على دينك والتمسك به .
* إياك أن تكوني إمعة تتأثرين ببيئات غير إسلامية ، تقوم على خزعبلات ، يرفضها عقلك !؟!
* لا تجعلي في نفسك أي سؤال لا تفهمينه في ديننا الإسلامي الحنيف ، بل يجب أن تعرفي كل الإجابات التي تريدين .
* ليس من تصرف العقلاء أبدا أن يطالع المرء منا أفكارا تعادي الدين الإسلامي وهو يجهل دينه الإسلامي ، وليس من تصرف العقلاء أيضا أختي الكريمة أن يدخل المرء منا ويطالع المواقع النصرانية التي تهدف للتنصير دون أن يكون له معرفة الصراط المستقيم .
* استمري في التواصل مع الموقع ، واطرحي كل ما لديك ، فكل الموقع إخوانك وأخواتك وفي خدمتك .
ثم رددي معي بقلبك وعقلك النبيل ( اللهم يا حي يا قيوم يا رب الأرباب يا ملك الملوك أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ، يا رب(33/1124)
يا رب يا رب ثبتنا على دينك الحق وثبت عقولنا وقلوبنا وأرواحنا على صراطك المستقيم ) .
ولنتذكر أنا وأنت أختي الكريمة قول الله تعالى : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
نسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق والثبات ، وننتظر تواصلك معنا ، ثبتك الله على الإسلام
ـــــــــــــــــــ
هل يشاهد ملتزم القنوات الإباحية ؟ ... العنوان
مشكلتي مثل الكثير من الشباب.. لقد أنعم الله علي بنعم كثيرة أهمها الالتزام والصحبة الصالحة.. ولكني في البيت أجد نفسي أشاهد القنوات الفضائية المشينة ؛ رغم علمي بأن ذلك سيغضب ربي .. ولا أعرف لماذا أضعف رغم ندمي المتواصل . فعندما أعود للمعصية أجد نفسي غير مستمتعا بما يغضب الله .. فماذا أفعل؟
ولي سؤال آخر : أجد في قلبي حبا كبيرا للإسلام لكني أتكاسل عن خدمته .. فلماذا ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ أكرم كساب من فريق الاستشارات الإيمانية بقطر :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى الأمين.. وبعد ..
أخي الحبيب الذي أنعم الله عليه بنعم (كثيرة جدا) كما تقول .. لنا مع استشارتك هذه عدة وقفات:
أولا: جيد جدا بل ممتاز ـ بلغة طلاب الجامعة ـ أن تقر بداية أن الله سبحانه وتعالى أنعم عليك بنعم كثيرة، وأحسب أخي الحبيب أنك تدرك بعض هذه النعم ويخفى عليك أضعاف أضعافها؛ وقد قال ربنا: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (إبراهيم: 34) وقال سبحانه: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (النحل:18) .
وكان أولى بك أيها الأخ الحبيب أن تحوط هذه النعم بطاعة الله حتى يتم الله تعالى عليك، ذلك أن من آثار الذنوب والمعاصي كما ذكر ابن القيم رحمه الله "زوال النعم" فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلّت عليه نقمة إلا بذنب ، كما قال علي : ما ترك بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ، قال تعالي: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } (الشورى:30) .
ولله در الشاعر حين قال:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
ثانيا: أنك أخي الحبيب تقول إنك ملتزم، وهذه دعوى يدعيها الكثير منا، وأصبحت هذه الكلمة مظلومة ظلما بينا، ووقع عليها الغبن الفاحش، حتى أصبحنا نرى من يدعي الالتزام وهو لا يصلي، أو أن من تدعي الالتزام وهي غير متحجبة، وأعجب(33/1125)
من هذا كله أن تدعي الالتزام راقصة !!!
وليس معنى الالتزام أخي الحبيب أن لا يعصي الواحد منا ربه طرفة عين، لا. فالمعصية واردة، وفي الحديث:" كل بني آدم خطاء، و خير الخطاءين التوابون" رواه ابن ماجه والترمذي وذكره الألباني في صحيح الجامع ( 4515).
ثالثا: أنك أخي الحبيب وقد أدركت ما تقع فيه من خطأ فهذه أولى درجات الإصلاح، ومن هنا فإن من الواجب عليك أن تقوي هذا الأمر بداخلك، وأزف إليك أخي الحبيب هذه البشرى من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:" إن عبدا أصاب ذنبا ؛ فقال: رب أذنبت فاغفره ، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا ؛ فقال : ربي أذنبت آخر فاغفر لي ، قال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم أصاب ذنبا ؛ فقال : رب أذنبت آخر فاغفر لي ، قال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" . فإحساسك بالذب أخي الحبيب أمر محمود طبقا لما قيل نصا في الحديث .
رابعا: وأما ضعفك أخي الحبيب؛ فطبيعة البشر كلهم الضعف، أمام الشهوات إلا من عصم الله تعالى، ولكن أخي الحبيب ألم تسأل نفسك ما سبب هذا الضعف؟ ألم تبحث عن أسباب ومسببات هذا الضعف ؟ إن مشكلة الكثير منا: أنه يضع الفريسة بجوار الوحش، والنار بجوار البنزين؛ بل يصب بنفسه الزيت على النار ثم يصرخ مستغيثا أدركوني. أغيثوني!!
ومن هنا فإن العلاج في مشكلتك أخي الحبيب ألخصه لك في عدة أمور:
1. أن تبعد النار عن البنزين ، والفريسة عن الوحش الكاسر والعدو المفترس، ومعنى هذا أن لا تبقي من قنوات جهازك إلا الصحيح النافع، والمفيد الصالح، وبالتحديد فعليك أن (تشفر) ، لا بل تلغي كل هذه القنوات الفاسدة المفسدة نهائيا من جهازك.
2. حاول بقدر المستطاع أن تبتعد عن الوِحدة، فإن الشيطان كلما خلا بابن آدم كان القضاء عليه أسهل، وفي الحديث:" عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد" رواه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي( 1758).
3. حاول أن تشغل نفسك بعلم نافع أو عمل صالح تشغل به نفسك، وتبعدها عن هذا الفعل الذي أحزنك وأغضب الله عليك، وقد قال الشافعي: والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
خامسا: أما حبك الكبير للإسلام والذي ملأ قلبك كما تقول؛ فهذا ادعاء يحتاج إلى برهان، وقديما قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع
لو كنت تزعم حبه لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
نعم أيها الأخ الحبيب لا بد أن يترجم هذا الحب إلى عمل، بل إلى عمل دائم، لا يكل صاحبه ولا يمل، ولا تفتر عزيمته، ولا تلين له قناة، ولهذا وصح عن الحسن أنه قال:" ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل".(33/1126)
وكنت أود الإيضاح أكثر في رسالتك، لأعلم : هل تعرف كيف تخدم الإسلام ولكن الذي يعتريك مجرد كسل؟ أم أنك لا تعلم كيف تخدم الإسلام؟
فإذا كانت الأولى فأنت أولى الناس بالجد والعمل، وخصوصا وقد نالت منك سهام الأعداء، وجرحت مشاعرك خطط السفهاء، وأحرقت حسناتك نيران الخبثاء، ومن هنا فقد جاء دورك أيها الأخ الحبيب لتكسر سهامهم فوق رؤوسهم، وترد كيدهم في نحورهم، وتشعل النيران فوق خططهم.
وإذا كانت الثانية، وهي أنك لا تعلم كيف تخدم الإسلام، فأحسبك أخي الحبيب قد صعبت الأمر على نفسك، وغلقت الأبواب المشرعة أمام عينك، على الرغم من كثرة الأبواب التي تفتح أمامك ليل نهار.
وأنا أسألك أخي الحبيب عدة أسئلة وأود منك الإجابة:
• ألا تستطيع أن تشتري شريطا لأحد الدعاة ثم تهديه لصديق؟
• ألا تستطيع أن تشتري كتيبا ثم تقرأه وتهديه لأحد الأقارب؟
• ألا تستطيع أن تدعو من تعرف إلى مجلس من مجالس العلم؟
• ألا تستطيع أن ترسل رسالة أعجبت بها عن طريق البريد الالكتروني إلى من تعرف ومن لا تعرف؟
• ألا تستطيع أن تستغل غرف الدردشة وتناقش فيها قضية من قضايا الأمة بعد أن تلم بهذه القضية من جميع جوانبها؟
ونظرا لأنك لم توضح في رسالتك سنك، ولا مستواك التعليمي، ولا مستواك المعيشي، ولا قدراتك الشخصية، فلا أستطيع أن أحدد لك مجالك الدعوي، ولكن من الممكن أن تتواصل مع الإخوة الكرام القائمين على الموقع، لتتعرف منهم على وسائل أكثر، وطرق أفضل، حسب ما تحدد لهم من مرحلتك العمرية، ومستواك التعليمي، ومستواك المعيشي، وقدراتك الشخصية.
وأخيرا : أيها الأخ الحبيب: اعلم أن الدعوة إلى الله وخدمة دينه ما أشرف غايتها وأنبل منزلتها، وأعلى مكانتها، وأسهل سلوك دربها، فإن لم تنل هذا الشرف كله، فإياك أن يفوتك جله. وأسأل الله لي ولك الهداية والرشاد ، والنفع والسداد ، وهو ولي ذلك والقادر عليه، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ـــــــــــــــــــ
عاشق القرآن ..والغناء! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا شاب ، أحفظ القرآن وفي نفس الوقت أحب الغناء! ولا أدري، كيف يكون هذا ، لكن هذا حال.. فأرجو أن ترشدوني لعلاج . وادعوا الله لي بالهداية .
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الحبيب ..(33/1127)
واضح من كلامك يا أخي أنك تتحدث عن الغناء القبيح، الذي يؤثر على القلب، ولهذا كانت شكواك من أن تجمع بين كلام الرحمن ، وكلام الشيطان، فالغناء الذي يفسد القلب، ويدعو للرذيلة ما ينبغي أن يجتمع والقرآن في قلب واحد ، ومن هنا يأتي ضرر الغناء الفاحش أنه يهدم ما يبنيه القرآن ، ولا يقبل القرآن أن يكون له شريك مناقض، ولهذا نفهم أقوال العلماء حين يقولون : إن الغناء ينبت النفاق في القلب ، لم يكونوا يقصدون بالكلمات الطيبة ، إنما يقصدون به المجون ، ولعل ما نراه في التلفاز والفضائيات ، وإذاعات الـ FM، والفيديو كليب الذي يظهر فيه العري والتخريب الفكري والعاطفي والشعوري ، هذا كله واجب أن ينزه المسلم عنه عامة، وهو واجب على وجه الخصوص لمن كان يحمل كتاب الله.
وقد كان السلف الصالح يدركون أن صاحب القرآن يجب أن يكون مميزا عن غيره ، فحمله للكتاب يجعله في مكانة تقربه أكثر إلى الله ، قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس فرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخلطون، وبخشوعه إذ الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا" رواه الإمام أحمد
و قال الفضيل بن عياض : حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن .
إن المسلم يعلي كلام الله تعالى على كل كلام ، لأن هذه منزلة كتاب الله، وكما ورد : فضل كلام الله على سائر الكلام ، كفضل الله على خلقه.
وقد ورد في التوراة : يا عبدي أما تستحي مني يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه، وهذا كتابي أنزلته إليك.. انظر كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه، ثم أنت معرض عنه أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك ؟!
يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا ذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني، أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك.؟
غير أن هذا لا يمنع الإنسان من الترويح عن النفس بما هو مباح ، وهذا هو منهج القرآن، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ربما أنشد مع بعض أصحابه كما هو الحال في غزوة الخندق، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحث الصحابة على نشر السعادة في الأفراح من خلال المشاركة والتهنئة والإنشاد الجميل.
وحرمان النفس من المباح قد يدفع إلى الحرام ، أو يولد كبتا عند الإنسان ، ومن هنا ، فإن التوازن في حياة الإنسان مطلوب ، المهم أن يبتعد عن الحرام ، وليس هناك(33/1128)
حرام إلا وفي مقابلة أنواع من الحلال ، حتى لا يكون للناس عذر أو حجة في ارتكاب الحرام .
والنفس تختلف من شخص لآخر، فهناك من يفضل الأخذ بالعزائم ، وهناك من لو أخذ بالعزيمة لانجر إلى الحرام ، ولذا كان من المهم أن يعرف الإنسان شخصيته بشكل واضح، وأن يسوقها إلى طاعة الله تعالى بالمنهج الذي يتواءم معها ، مادام في دائرة المباح.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتخير بين شيئين إلا واختار أيسرهما ، مالم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
ـــــــــــــــــــ
هكذا يفعل المسلم في الشدة ... العنوان
أنا طالب بالمرحلة الثانوية ، عشت سنوات قليلة مع أهلي في غاية السعادة، ثم توفى أبي، وبعد أن انتهت أمي من العدة تزوجت رجلاً آخر، بقيت سنتين مع أمي وزوجها، ثم طردني عمي من البيت، وخرجت بلا أب ولا أم ترحمني ولا أعرف أهلاً لي . . ضاقت بي الدنيا ؛ ولا أعرف ماذا أفعل . أنا علي وشك أن أفقد إيماني وانتحر . فماذا أفعل في شدتي هذه ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يجيب أ.د. يوسف القرضاوي علي السائل قائلا :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فأنت يا بني ليس لك إلا الصبر الذي أمرنا الله أن نستعين به وبالصلاة على شدائد الحياة (يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين) ؛ فالصبر مفتاح الفرج ، إن شاء الله.
والمفروض في المسلم أن يواجه الحياة برباطة جأش، وبنفس قوية، وإرادة حديدية، وأن يكون أقوى من الأحداث، بتوكله على الله، واستمساكه بعراه، واعتصامه بحبله . أن يكون واثقًا من الله عز وجل، وأن الغد سيكون له، وأن بعد الليل فجرًا، وأن مع العسر يسرًا، فدوام الحال من المحال، كثير من الناس الذين نسمع عنهم في التاريخ، إنما تربوا في مدرسة الألم والحرمان، إن الله سبحانه أراد لأنبيائه أن يتألموا من صغرهم، لم نر نبيًا ولد منعمًا مرفهًا في فمه ملعقة من ذهب كما يقولون.
الأنبياء . . . أكثرهم وُلد في مهد الألم وفي أحضان العذاب . سيدنا موسى عليه السلام منذ لحظة ولادته يرمى في البحر، حيث أوحى الله إلى أمه أن ألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني . ثم يلتقطه عدو لله وله، فرعون، الذي كان يقتل الذكور من بني إسرائيل حتى يتخلص من موسى، وتحدث المعجزة الإلهية، فيتربى موسى في بيت فرعون، وينشأ وينمو في حجره.
سيدنا يوسف عليه السلام نقرأ في القرآن الكريم قصته، ونعرف كيف تجرع العذاب منذ نعومة أظافره . . حسده إخوته، ثم أرادوا أن يقتلوه ليتخلصوا منه واقترحوا أن(33/1129)
يلقوه في الجب، وألقي فعلاً، ثم استخرج منه، وأخذ إلى سوق الرقيق حيث بيع كما تباع الشاه، ثم استخدم في البيوت كما يخدم العبيد، ثم اتهم بالفاحشة كما يتهم الفسقة ، ثم ألقي في السجن بضع سنين، كما يلقى المجرمون.
وبعد هذا، ماذا كان ؟
بعد هذا الابتلاء مكنه الله في الأرض، وصار عزيز مصر، وصارت له الكلمة النافذة في يده المالية والتموين وأمور الاقتصاد كلها، في تلك الظروف القاسية والمجاعة الرهيبة التي عمت بلاد الشرق يومئذ.
كل هذا بفضل الصبر، كما قال الله في قصة يوسف :
(إنه من يتق ويصبر، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
التقوى والصبر هما مفتاح النصر، وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة.
أما الانتحار، فليس فكرة تراود مسلمًا.
للأسف أن كثيرًا من القصص والروايات والمسرحيات التي تكتب للمسلمين معظمها تنتهي بالانتحار . . كأنه ليس هناك ما يتخلص به الإنسان ويلوذ بكنفه من الحياة الكئيبة أو من مآزق هذه الدنيا إلا أن ينتحر.
لا . . إن روح الإنسان ليست ملكه . . إنما هي ملك الله عز وجل.
فليس له أبدًا أن يفرط في هذه الأمانة، وهذه الوديعة، وأن يفارق الحياة بالانتحار.
الانتحار كبيرة من أعظم الكبائر . . تكاد تقارب الكفر - والعياذ بالله - لما تحمل وراءها من معنى اليأس من رحمة الله والله تعالى يقول:
(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون). (يوسف: 87).
أوصى هذا الطالب أن يصبر وأن يثبت بعزيمة قوية، وإرادة فولاذية، بإيمان صلب، يستهين بالمعوقات، ولا يبالي بما في الحياة من عذاب ..
وعسى الله تعالى أن يطلع له الفجر، فإن الفجر لا يأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل ظلامًا، وهو آت إن شاء الله، ولا ريب فيه . . وليستقبل الحياة بصبر جميل والله يوفقه ويسدد خطاه، وعسى أن يكون في المجتمع من يسمع هذا فيرعى شأنه، فإن من أعظم الأعمال مواساة اليتيم والإحسان إليه، وخير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه.
ـــــــــــــــــــ
في قلبي غلظة.. فكيف ألينه؟ ... العنوان
في كثير من الأحيان أجد غلظة في قلبي، فلا أستشعر ما كنت أجده في نفسي من إيمان وحب وتقوى وصلاح، أريد معرفة الأسباب التي يمكن بها أن أسترد رقة قلبي ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي- مدير المركز الإسلامي في "لباك" تكساس - الولايات المتحدة :(33/1130)
أخي الكريم..
تعد أسباب رقة القلب كثيرة؛ فما رق القلب بسبب أعظم من الإيمان بالله تبارك وتعالى، ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله. فلا تأتيه الآية من كتاب الله، أو الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة :285).
وفي السطور التالية نحاول رصدأسباب "لين القلب" لعل الله ينفعك بها فيرقق قساوة قلبك:
1 - معرفة الله تعالى:
فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام.
فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته، المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه، ويجد في كل ما في هذا الكون ما يذكره به. فيذكره الصباح والمساء، وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم، وحتى الخير والشر يذكرانه بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى، فمن عرف الله رق قلبه من خشيته تبارك وتعالى.
وفي المقابل؛ ما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه جاهلا بالله عز وجل، بعيدا عن المعرفة ببطش الله وعذابه ونعيمه؛ حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله، وأيئس ما يكون من روحه. فلما جهل الله جرأ على حدوده وعلى محارمه، ولم يعرف إلا الفسوق والفجور؛ دون أن يحدد لحياته هدفا يسلكه.
2 - النظر في كتاب الله تعالى:
فهو الذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب المفضي إلى السداد والصواب؛ والذي وصفه الله بقوله:{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هود :1).
ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قراءته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجد العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته.
ما قرأ عبدٌ القرآنَ ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه وجلده من خشية الله تبارك وتعالى: {كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الزمر: 23).
فهذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليهم بعض آيات القرآن فنقلتهم من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة.(33/1131)
ولقد يسر الله القرآن ليكون موعظة للعالمين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ( القمر:17)
3 - تذكر الآخرة:
ومن الأسباب التي تعين على رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى تذكر الآخرة، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر. وأن لكل بداية نهاية، وما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة؛ فسيحقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه. ومن نظر إلى القبور ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله.
ولذلك لن تجد إنسانا يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها منازل الأهل والأحباب؛ ليتذكر أنه قريبا سيكون بينهم. وأنه قد يتدانى القبران بما بينهما نعيما وجحيما.
فإلي الله سر؛ أخي الكريم، واعتصم به فإنه : { وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ( آل عمران :101 ) . جعلنا الله وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
صديقتك شيطانة .. استعيذي بالله منها ... العنوان
أثق في رحابة صدوركم، وهذا ما دفعني لطرح مشكلتي عليكم، لعلي أجد لما وصلت إليه دواء لديكم، عانيت مشاكل فادحة في أسرتي منذ طفولتي، لاسيما على يد شقيقتي التي أدمنت إهانتي وإلحاق الأذى بي، وقد وصلت جرأتها أنها كانت تهددني بالموت والقتل، ولم يكن حالي مع والدتي- أبقاها الله- خيرا من ذلك فقد كان نفورها مني واضحا، ولا أدري السبب في ذلك، ولعل محبة والدي- رحمه الله- الخاصة خففت من عبء هذه المشكلة، ولست بمعرض البحث عن الأسباب، لكنني أقول: إن هذه المضايقات الأسرية جعلتني أنسلخ بشكل كبير عن أسرتي، لأبحث عن ذاتي خارجها.
وقد شاء الله أن ألتقي سيدة فاضلة في ذات عملي التدريسي، وكان منها أن أسبغت عطفها وحبها عليّ، ولعلي لا أعدو الصواب إذا قلت إنها أعملت جهدها في سبيل نزع كل الأشواك والشوائب العظيمة التي كدرت حياتي، وكانت بفضل الله سببا لعودة العلاقات بيني وبين أهلي إلى حد ما، وكانت تحضني دوما على العبادات وعمل الخير الذي تداوم عليه مع الأيتام والفقراء والمحتاجين، فإنها أسرت قلبي.
إلا أن الأمر – للأسف- قد تعدى ذلك إلى أنها بدأت معي علاقة جنسية!!، حيث بدأ الأمر بقبلة الفم، وحقيقة لم أكن أدري في ذلك حرمة أو خللا... كنت سعيدة بذلك لأنها كانت تهبني أمنا افتقدته عمري كله مع أسرتي... وتتابعت الأمور حتى بلغت أقصاها... لا أخفيك سيدي أنني أجد راحة كبيرة معها لأسباب عديدة جدا لعل من أهمها أنني كنت أشعر بأنني أريد أن أنصهر في ذاتها لأعود طفلة صغيرة في رحمها.. لأستشعر الأمان وأدرك فيها الأمومة الضائعة التي بحثت عنها الدهرَ كله...(33/1132)
أنا الآن متعلقة بها لأقصى حد ... وكلما التقينا مارسنا الجنس وقد استمر ذلك لسنوات عديدة... تبنا كثيرا وبكينا كثيرا... وتعاهدنا على ألا نعود ولكنا أضعف من ذلك... حججت بيت الله واعتمرت وسألت الله أن يعيننا على ألا نعود... ولكني بمجرد أن التقينا تثور كوامن نفوسنا ونقع في الخطيئة... أحبها جدا فهي السبب الكبير بإذن الله في توازني النفسي تجاه أشياء كثيرة جدا مرت بي... ولكنها في المقابل سبب خلل نفسي من نوع آخر... لا أريد الابتعاد عنها، كما أنني لا أريد الاستمرار في هذه المعصية التي أعلم يقينا أن الله لا يرضى عنها..
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تقول الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق من فريق استشارات إيمانية بمصر:
الأخت الكريمة / رنا
لقد أحزنتني مشكلتك هذه حزنا كبيرا، وتوقفت أمامها كثيرا، وبالذات أمام تلك المرأة التي تطلقين عليها لفظ فاضلة، فأين الفضيلة مما فعلته معك يا أختاه؟!، وكيف تقولين أنها هي التي نزعت الأشواك والشوائب العظيمة التي كانت بداخلك؟!، انظري ماذا غرست مكانها؟!
لقد تمزق قلبي وأنا أراك تصفينها بهذه الصفات الرائعة، وتنصهرين في حبها، وتبالغين في وصفك لها علي أنها الأمومة الضائعة، وأنها سبب توازنك النفسي، وهي في نظري سبب النكبة والفاجعة الأساسية في حياتك، وكل ما حدث لك في حياتك شيء، وما سببته لك هذه المرأة شيء آخر!!
أنا فعلا لن أقسو عليك وأغرقك بالإثم والخطيئة، ويعلم الله كم أنا مشفقة عليك، ومتألمة كثيرا علي مصائبك التي بدأت معك منذ الطفولة ولم تنته بعد، لذلك دعيني أبدأ معك بسؤالك عن الخطوات التي قد تكون مؤثرة حتى تتخلصي من هذا الإثم الكبير؟، وقبل أن أبدأ معك الخطوات دعيني أوضح لك الدوافع التي قد تدعو فتاة مثلك لممارسة هذا الفعل الشائن.
إن مشكلتك هذه لم تكن وليدة صدفة، وعلاقة مع امرأة غريبة الأطوار، بل إن معظم العلاقات الشاذة هذه قد يكون لها علاقة بالميلاد والنشأة، فطبيعة العلاقة بينك وبين والدتك، واتساع الهوة بينكما، يفسر لنا لجوؤك إلى أول شخص اهتم بك عاطفيا وإنسانيا، ولأن دور الأب لم يكن كافيا حتى يعوضك عن غياب جور الأم الأساسي في حياتك.
ولمَا كان احتواء هذه المرأة لك قد شمل كل الجوانب التي افتقدتها في حياتك الأسرية، وخاصة دور الأم الحنون العطوف، فما كان منك إزاء ذلك كله إلا أن أصبحت هذه المرأة هي الأم، وهي الشريك الذي تكملين معه جوانب في حياتك كان ينبغي أن تكون من نصيب الزوج وليس لها.(33/1133)
فكانت هذه الأمواج العاتية من الحب والعاطفة هي التي أغرقت في هذا البحر العميق؛ وهي أيضا التي تمنعك من الاستغناء عنها، حتى أنك اشترط علينا أنك تريدين حلا لمشكلتك ولكن بدون الابتعاد عنها!، لأن هذه المرأة مازالت بالنسبة لك مصدر التنفيس للشحنة العاطفية المكبوتة بداخلك، ولكن ليت الوضع استقر بينكما علي تبادل العواطف والشحنات المكبوتة، ولكنه تطور إلي علاقة شاذة أوقعتكما في الخطيئة والفاحشة، ولذلك من المهم أوضح لك - أختي العزيزة - ما هي حكمة الخالق العظيم في تحريم هذه العلاقة الشاذة :
أولا: أن إسراف الشخص الممارس لهذا الفعل الشائن تجاوز منهج الله عز وجل الممثل في الفطرة السوية، إسراف في الطاقة التي وهبهم الله إياها.
ثانيا : أن الله جعل لذة الفطرة الصادقة في تحقيق سنة الله الطبيعية، فإذا وجدت النفس لذتها في نقيض هذه السنة فهذا هو الشذوذ والانحراف والفساد الفطري بعينه.
ثالثا : أن الأخلاق الإسلامية هي الأخلاق الفطرية، وهذا الفعل يعتبر فساد للأخلاق القطرية التي فطر الله عليها البشر.
رابعا : أن الشذوذ الجنسي يصادم الحياة ويعدمها، لأنه يذهب ببذور الحياة وفي تربة خبيثة لم تعد لاستقبالها وإحيائها، بدلا من الذهاب بها إلي التربة المستعدة لتلقيها وإنهائها .
ولقد ذكرت بعض هذه الأسباب حتى استفز الفطرة السليمة بداخلك، وحتى ينشط بلبك لينفض عنه ركام المعصية والخطيئة ليعود بذلك عقلك وقلبك إلي فطرته النظيفة الطاهرة، فابدئي من اليوم بنبذ هذا الإثم الكبير، وضعي نصب عينيك أنه لا منجي ولا ملجأ لك من ذلك الإثم إلا باللجوء إلي الخالق عز وجل، لأنه القائل في الحديث القدسي الذي يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم :"... يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم... "، وهو القائل أيضا: " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم.. ".
فثقي أن طوق النجاة من هذه الأزمة هو مولاك وخالقك، وهو القادر علي هدايتك وتطهيرك من هذا الإثم، وهو القادر أيضا علي أن يغفر لك وينقيك من أي ذنب ودنس، فألحَي عليه في الدعاء، واعلمي أنه كريم لا يرد من سأله خائبا، ويعطي دون أن يسأل فكيف إذا سألته؟!!. وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال " ليس شيء أكرم علي الله من الدعاء" ( أخرجه أحمد في مسنده ).. إذا هو الله سبحانه وتعالي - فقط - ملاذك وملجأك في هذا الأمر وفي كل أمر.
ولعل من المناسب لك أيضا التعجيل بالزواج، لأن الحياة الجنسية الطبيعية تصرف الإنسان عن الحرام، فإذا تذوقت الحلال وتمتعت بمذاقه العذب فسوف تعاف نفسك بإذن الله الوقوع في هذا الإثم. كذلك محاولة التنفيس عن العواطف والغرائز المكبوتة بداخلك يبذل جهد عقلي وجسدي ونفسي، يفرغ تلك الشحنة المكبوتة بداخلك، ويبدأ هذا التنفيس بالالتجاء إلي الله سبحانه وتعالي وممارسة عبادات متعددة من قيام ليل وتهجد وصيام نافلة وتصدق. فالقلب إذا أنصلح واستقام انعكس ذلك علي الجوارح. كذلك شغل نفسك بالرياضة والقراءة وممارسة أنشطة دينية واجتماعية لتفرغي الطاقة الجسدية بداخلك .(33/1134)
ومع هذا كله لابد أن تكون لديك الرغبة الصادقة في التخلص من هذا الانحراف الجنسي، وهذه الرغبة لا تأتي إلا بإرادة قوية وعزيمة صادقة، لا تراجع فيها أبدا وإلي جانب ذلك قد يكون من المفيد لك حتى تتخلصي من تلك الميول الشاذة تماما استشارة طبيب متخصص، وهذا الطبيب سوف يضع لك برنامجا علاجيا محددا يساعدك علي الشفاء تماما بإذن الله. خاصة وأنا أفهم من كلامك أنك الطرف السلبي في العلاقة وعلاج الطرف السلبي أسهل بكثير من علاج الطرف الإيجابي، وكذلك فإن الميول الشاذة عند النساء يكون علاجها أسهل من الميول الشاذة لدي الرجال.
فتوبي إلي الله واستعيني به واعملي بجهد علي ملء قلبك بكل ما هو صالح ومفيد، واقطعي علاقتك بهذه المرأة تماما واطوي هذه الصفحة من حياتك بأكملها، ولكن لا تيأسي ولا تنتكسي كلما رأيت هذه المرأة.
وقبل أن أختم معك أحب أن أوجه كلمة إلي كل أب وكل أم فأقول لهم: إن بناء الجدر والحواجز بينهم وبين أبنائهم بالقسوة والإهمال والتعسف قد تدفع هؤلاء الأبناء إلي الارتماء في أحضان من يجدون لديهم ما افتقدوه عند آبائهم، والذي قد يكون في بعض الأحيان في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب مثل تلك المرأة .. الفاضلة!!! .. التي لجأت إليها الأخت رنا لتَعوض ما حرمت منه في وسط أسرتها.
وفي النهاية دعائي لك يا أختي العزيزة أن يوفقك الله، وأن يهديك ويطهر قلبك وعقلك من كل إثم، وأن يغفر لك خطاياك وينعم عليك بالهداية والصلاح. وتابعينا بأخبارك.
-ـــــــــــــــــــ
توبة.. على الورق ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
هذه مشاركة من أحد مستشاري الصفحة ، على سؤال تم نشره من قبل ، بعنوان : خليط الطاعات والسيئات
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ السائل:
بعد إجابة الزميل رمضان بديني لك ، ولأهمية استشارتك وخطورتها ، أحببت أن أدلي بشيء قليل ، عسى أن ينفعك الله تعالى به .
أخي السائل :
سيئ أن يعصي العبد ربه، وجيد أن يعود العبد إلي مولاه ، وبين السيئ والجيد يتأرجح الإنسان ، ويختار لنفسه ما يحب أن يكون عليه،وليس هذا الاختيار اختيارا عقليا ، كأنها مسألة نقوم بحلها ، بل اختيار فعلي يكون له أثر في حياتنا .
إن إتيان الإنسان لكثير من المعاصي كشرب الخمر والزنا وغيرهما دليل عبث في حياة الإنسان، وأنه إنسان لا هوية له ، و هذا بخلاف أن يأتي الإنسان ذنبا بعينه ، يتمادى فيه ، فهذا دليل على مشكلة حقيقية في الإنسان، ويجب أن يبحث عن حل لها(33/1135)
، فلو كنت مقتصرا على الزنا لكانت مشكلتك جنسية ، وقد يكون في الزواج إحصان لك ، ولكن مشكلتك يبدو أنها تتعلق بشخصيتك ككل ، وليس كإنسان تأتي معصية بعينها، ومن هنا ، فإني أطلب منك أن تجلس مع نفسك جلسة مصارحة، وأن تساءلها :
ما الذي تفعله؟
ولماذا تفعل هذا؟
وما جدواه؟
وهل ستستمر على هذا طول حياتك ؟
وما الذي يترتب على سلوكك في هذا الطريق المظلم؟
ومتى تعود إلى فطرتك النقية ، وتحن إلى الخير والصواب؟
فأنت يا أخي على خطر عظيم ، نعم ، إن حالتك النفسية التي تدعوك للمعصية لن يفرق معها أن تكون في مكة أو أمام البيت الحرام، فقلبك ميت، فكيف يطلب منه أن يشعر بالحياة؟!
أحي قلبك أولا، وأنت أدرى الناس كيف تحييه ، ربما نرشدك لبعض الطاعات ، لكن قد تفعل هذه الطاعات وتأتي في ذات الوقت السيئات، فابحث عن حل جذري لما أنت فيه ، غير من نمط حياتك ،انظر من أنت في الحياة وماذا تفعل؟
ابك لله، واطلب منه أن يهبك نفسك الضائعة ، ولا تكن كمن قال الله فيهم " نسوا الله فأنساهم أنفسهم ".
أخي.. أنت تحتاج إلى زلازل يهز كيانك، أو شيء ضخم يجعلك تفيق من غفلتك ، ولابد أن يكون العلاج فيه شيء من القسوة على النفس .
أرأيت طبيبا يريد أن يقوم بعملية جراحية ، فإذا به يتحسس على نزع ما يجب نزعه من جسد الإنسان؟ فكذلك أيضا في علاج النفس التي تشربت الكبائر، يجب لها عملية جراحية نفسية قاسية، وبدون هذه القسوة لن يكون علاج.
فاقس على نفسك ، وانزع من قلبك ذلك الدافع الشهواني والشيطاني ، حتى تعود سليم الجسد ، ولا تحسبن تركك للنفس يجلب لك شفاء، بل الضرر كل الضرر في ترك المرض يستشري في جسدك ، يكاد يفتك بك ، وربما طلب منه ساعتها بتر أعضاء منه، أو يتوقف الإنسان عن الحياة ، وساعتها يندم المرء يوم لا ينفع الندم.
وما أطلبه منك ، هو ما يلي :
1. أن تشغل نفسك بكثير الطاعة ، فإن نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .
2. اقرأ في آثار الذنوب وأضرارها ، وخاصة الزنا ، من الناحية الإيمانية ، ومن الناحية الطبية ، لتعلم خطر ما تفعله من الكبائر كلها .
3. عالج نفسك مرضا مرضا ، وابذل جهدك في العلاج ، فكلما عالجت نفسك من مرضها ، ضعف المرض الآخر ، فيسهل عليك علاجه .
4. أمسك ورقة وقلما ، واكتب المعاصي التي تأتيها ، وضع جدولا زمنيا للعلاج.
5. لا تنس أن ترفه عن نفسك بالمباح ، فإن التشدد ربما يجعل المرء يفجر، وخير الأمور أواسطها .(33/1136)
6. خذ نفسك بالعزيمة ، ودعك الآن من الرخص، فإن تتبع الرخص يورث الذنب، ويجعل المرء يجترأ على المعصية .
7. استشعر معاملتك مع الله ، ولا تضع الناس نصب عينك ، وعظم الله في قلبك، يرزقك تعظيمه في جوارحك .
8. اصدق الله ؛ يصدقك، فمن صدق الله ، أعانه الله ، والله في عون العبد في أمور الدنيا ، فكيف بعونه له في أمور الآخرة.
9. اقرأ قصص الصالحين و حالهم مع الذنوب، ليكونوا قدوة لك على طاعة الله والبعد عن معصيته .. وابدأ الآن بالتغيير .
وتابعنا بأخبارك ، فنحن إخوتك ، ومعك
لماذا ندعو ولا يستجيب الله لنا؟ ... العنوان
لماذا وعدنا الله بأن يتقبل دعاءنا .. ونحن ندعوه، ليلا ونهارا، خوفا وطمعا، بأن ينصرنا ويصلح أحوالنا،.. سؤال يلح عليّ كثيرا ويكاد يعصف بإيماني.. أرجو الإفادة.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تجيب الأستاذة وسام كمال من فريق استشارات إيمانية بالقاهرة :
الحمد لله، والصلاة على رسوله، الذي نشتاق إليه ولم نره بعد،.. أما بعد..
أخي جاسم..
لكم يحز سؤلك في النفس شجنا علي واقعنا الحالي في الأمة العربية والإسلامية.. حتى أننا صرنا نعتقد أن السبب فيما وصلنا إليه هو عدم استجابة الله لدعائنا، وليس أننا سرنا علي دروب الهوى .. الله يبسط لنا يده بالفضل والإجابة.. ونحن نردها بمعاصينا والشرك.. وبعد هذا كله نسأل لماذا لم يجب الله دعاءنا ؟
أخي الفاضل .. لطالما سألت نفسي: أي رب هذا الذي يمد يديه لمن أعرض عنه بالليل قبل النهار.. ويقبله في عباده الصالحين إذا ما قال لبيك ربي تركت معصيتي فداء رضوانك .. إنه لنعم الرب .. ونعم المولي إليه المصير ..
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة :186)... هكذا يعد الله عباده المصرين علي دعائه واللجوء إليه بقبول دعائهم والاستجابة لهم، لأنه قريب سميع، يجيب دعوة الداع إذا دعاه.. ولكنه أمر في الوقت ذاته بأن يكون عباده علي يقين من فضل الله وسماعه للدعاء..
ويقول الأستاذ فتحي عبد الستار في شروط وآداب الدعاء التي يجب الاستهلال بها حتى يتقبله الله:
1- التوبة وتطهير الباطن : فقد قيل للحسن : ما لنا ندعو الله فلا يستجيب لنا ؟ فقال : " دعاكم فلم تستجيبوا له ".(33/1137)
2- حضور القلب: فالله عز وجل لا يقبل دعاء من قلب لاهٍ. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء".
3- الافتقار وإظهار المذلة بين يدي الله.
4- العزم في الدعاء: حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" .
5- عدم الاستعجال: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت ربي فلم يستجب لي".
6- عدم الدعاء بشر: فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". وأذكر في هذا السياق قول ابن عطاء الله: "لا يكن تأخر أمر الإجابة مع الإلحاح في الدعاء من موجبات يأسك، فإنه يستجيب لك في الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وبالشكل الذي يريد، لا بالشكل الذي تريد".
7- طلب الحلال: للحديث الذي ذكرته في أول كلامين ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ويقول: يا رب، ومطعمه حرام ومشربه من حرام وملبسه من حرام وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب له".
ومن آداب الدعاء :
1- استقبال القبلة ورفع اليدين عند الدعاء .
2- ابتداء الدعاء وانتهاؤه بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دخل رجل يصلي فقال: "اللهم اغفري وارحمني فقال صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلي. إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه". وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.
3- تحري أوقات الإجابة: كيوم الجمعة، وليلة القدر، والثلث الأخير من الليل، وحين يصعد الخطيب على المنبر، وبين الآذان والإقامة، وقبل الإفطار للصائم.
4- خفض الصوت: فقد قال تعالى: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين"، وقيل يا رسول الله: آلله بعيد فنناديه أم قريب فنناجيه؟ فأنزل الله تعالى قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإن قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
5- تجنب التكلف في الدعاء : كحفظ العبارات المسجوعة والإطالة في الدعاء، والأولى أن يكون من القلب وبالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول؟ قال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: "حولهما ندندن".(33/1138)
إلى هذا الحد ينتهي كلام الأستاذ فتحي عبد الستار حول شروط قبول الدعاء بصفة عامة، وأقول لك:
أخي الفاضل، الحريص علي شئون أمتك : بدلا من أن تشتكي، في نبرة غير مباشرة، عدم قبول الله لدعائنا علي من ظلمونا وجعلونا في مؤخرة الأمم.. أليس من الأولي أن تحلل أسباب انهيارنا أمامهم وتقدمهم علينا؟.. أتعتقد في أن الله ظالم لعباده .. كيف يا أخي .. إن من ركبوا التقدم لم ينالوه عبثا بل بكدهم وعرقهم في نهضة بلادهم، حتى وإن استغلوها في الظلم وإهانة البشرية، فماذا فعلنا نحن بديننا؟، ولماذا لم نتخذ منه حافزا علي التقدم والرقي والفضيلة؟ .. ماذا فعلنا بالله عليك؟
لقد أصبحنا عبئا علي الإسلام .. لا برهان عليه .. فكيف يتقبل الله من عباد كسالي لا يجدون أمام إذلالهم سوي رفع أياديهم بالدعاء .. دون أن يري الواحد منهم ربه من نفسه خيرا..
أخي الكريم :
إن الله عز وجل يقبل دعوة المضطر إذا دعاه، والمضطر هو الذي يكون قد استنفذ كافة الأسباب الدنيوية، وبذل ما في وسعه، وعمل في سبيل تحقيق دعائه، ويطلب من الله بأن يبارك له ويتقبل دعاءه في أن يوفقه لما يحبه ويرضاه..
أجبني بالله عليك .. كيف نتوجه إلى الله بالدعاء بأن ينصرنا ويثبت أقدامنا ويزيح عنا كروبنا ويخرج الأعداء من ديارنا؟، ألسنا نحن الذين ألحقنا بأنفسنا الهوان؟، ألم نفسح ديارنا وديار إخواننا للأعداء؟، ألم نضطهد دين الله في أرضه؟ ألم نكن صورة عار للمسلمين في كل مكان ؟ ألم يخرج منا من يؤيد الفحش ويدعو لتعميمه في كل مكان ؟
ألسنا نحن من خربنا بيوتنا وقطعنا أرحامنا وأفسدنا أرزاقنا ؟ ألم نأكل ثمن دماء إخواننا وسكتنا علي انتهاك أعراضنا وتعذيب أبنائنا في سجوننا قبل سجون جوانتنامو ثم جئنا لنصرخ دفاعا علي تدنيس المصحف الشريف؟ الكتاب الذي اصفرت أوراقه لأننا تركناه علي الأرفف دون عمل لتكون شاهدة على تقصيرنا يوم القيامة؟
وختاما؛
فإننا نحتاج – أخي الكريم- إلي وقفة مع النفس، ومع الواقع، كما نحتاج إلى إعادة قراءة التاريخ .. لابد أن نجمع أوراقنا قبل أن نلوح للسماء بـ"كارت" الدعاء .. فالعزة في العمل الصالح وليست في الدعاء فقط، .. ثم بعد هذا نتحدث عن نصر الله.. ألا إن نصر الله قريب
ـــــــــــــــــــ
الزواج عن طريق الشعوذة ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
كل شيء قضاء وقدر ولكن ... أريد نصيحتكم ؛لأنني أخاف على نفسي من الانحراف بسبب السحر من إنسان كان يريدني زوجة - وهو من عائلة كبيرة ومحترمة - ونحن أقل منهم مالاً ورتبة ، بعد أن فشل أهله بإبعاد الشاب توجهت عائلته للسحر وأمور الشعوذة بأن يكرهني لأنه كان متعلقاً بي جداً.(33/1139)
وفي يوم من الأيام فاجأني بأنه قد عمل السحر وأجلبه .. لكنني عمري ما فكرت أن ألجأ لأمور السحر والشعوذة ، والحاجة الوحيدة التي عملتها له أني صليت صلاة بوقت الفجر ودعوت ربي أن يوفقنا ، والمشكلة أني أريده كزوج لي لأنه خسارة أنه يبتعد ؛ لأنه إنسان تقي ومحترم وخلوق جداً ومحافظ على إيمانه من كل سوء . وأحسد البنت التي اختاروها له.
أود بإفادتكم لي بأن أعمل أي شيء تجاهه بحيث يرد كالصلاة أو دعاء ولا أريد أن اتجه للسحر والكهنة ..
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي ، داعية ليبي مقيم بسويسرا :
أختنا الكريمة : بداية نحييك على تواصلك معنا ، وحرصك على الاستشارة في أمورك الخاصة ؛ ذلك بأن الزواج مفصل من مفاصل الحياة لدى كل عاقل حكيم ، فإما أن يكون الزواج نقلة إيجابية في حياة المرء منا ، وإما أن يكون غير ذلك ، وهو سنة وفطرة من سنن الحياة والناس ، وهو مطلب طبيعي لكل فتاة تريد لنفسها العفة ، وبناء مملكتها الخاصة بها ؛ بيتها الجديد .
وقد أعجبني أول حروف في رسالتك إلينا عندما قلت : ( كل شيء قضاء وقدر ولكن ) وقبل أن نغوص في " لكن " التي وضعتها ، لابد أن نلمس هذا الشطر المهم والأساسي في حياتك ، ألا وهو الإيمان بالقدر .
إن الإيمان يا أختي الكريمة بهذا الركن من أركان الإيمان يقتضي الرضا بأمر الله تعالى ، والحرص على التسليم التام لحكمته سبحانه ؛ ذلك بأن المرء منا عندما يستشعر علم الله وإحاطته بكل شيء ، يتقين أنه لا علم أمام علم الله سبحانه ، وعندما يتذوق قلبه أن الكون كله بما فيه ! ، والناس وما يحملون من قلوب وأفكار ! ، وما يجري في الحياة من أحداث إنما هي بعلم الله وقدرته .. عندما نتذوق هذا نشعر بالطمأنينة والتسليم والرضا ..
رتلي معي هذه الآيات بصوت يسمعه قلبك قبل أذنك :
* { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحديد:22 ] .
* { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ التوبة:51] .
* { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج:70] .
* { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ المائدة:120] .
* { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [(33/1140)
الأنعام:59].
* { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ التكوير:29].
* { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ القصص:68 ].
* { لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ } [ الروم: من الآية4 ] .
وعند تكرارك أختي الكريمة لهذه الآيات المباركة لعدة مرات والتدبر فيها ، وتحريك قلبك بها، سوف تتجلى في روحك هذه الحقائق الإيمانية :
1- كل شي بأمر الله سبحانه ، في الكون كله أو في أنفسنا ! .
2- قدرة الله لا حدود لها ، وكل شيء يسير عليه سبحانه ! .
3- مهما عمل الآخرون لنا ، لن نصاب بشيء إلا بأمر الله وحده ! .
4- علينا أن نحرك الإيمان قي قلوبنا كي تستسلم لهذه الحقائق { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
5- الله يعلم كل شيء ، يعلم الكبير والصغير ، الغني والفقير ، الظالم والعادل ، الحقير والشريف ، ما يصلح لهذا وما يضر هذا ، الله واسع عليم .
6- قدرة الله لا حدود لها ، والقلوب بين يديه يقلبها كيف يشاء ! .
7- ما نريده لأنفسنا ونراه خيراً ، هو بإرادة الله عز وجل ، وقد لا يكون لنا خيراً .
8- الخير كل الخير أن نسلم أمرنا لله ، لأنه القوي ونحن الضعفاء ، لأنه العليم ونحن الجهلاء ، لأنه الغني ونحن الفقراء ..
9- راحة البال وسرور النفس يكون بالانكسار بين يدي قدرة الله وصفاته سبحانه ، ليكون مع هذا الانكسار ، التوفيق ، والسداد ، والرشد ، والهدى ، والكثير مما يخفى علينا ..
10- تيقني واطمئني بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك .
لذا أختي الكريمة صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول سيدنا جابر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن .
يقول: ( إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاقدره ـ بضم الدال ـ لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، قال : ويسمي حاجته ) [رواه البخاري].
الاستخارة كانت عند قدواتنا في الأمور كلها ، كما يتعلمون القرآن ، يتعلمون الاستخارة ، لأننا نحتاج إلى قوة الله وعلمه وتوفيقه ..
تأملي ما يقوله المؤمن عندما يستخير الله :(33/1141)
• ( فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ) .
• ( أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ) .
• ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ) .
• ( وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه ) .
• ( واقدر لي الخير حيث كان ) .
• ( ثم رضني به ) .
لا تقدري والله يقدر ، لا تعلمي والله يعلم ، وهو " علام الغيوب " ، يعمل ماذا سيكون بعد الزواج ، ويعلم دقائق أخلاق هذا الزوج الكريم ، ويعلم ما فيك من طباع وسجايا ، وما فيه من أمزجة وأخلاقيات ، يعلم كل شيء ، ويعلم أنك لو تزوجت هذا الرجل الطيب كيف ستكون الأمور ، كلها يعلمها ، وأنت لا تعلمين ! ، لذا عند الاستخارة لاحظي التسليم التام في قدرة الله وعلمه ، وما يتبعها بأن تسألي الله من فضله العظيم .
كل أمورك وبخاصة أمر الزواج يجب أن يكون الهدف منها ( الخير لك وعليك ، والخير في دينك وزيادته وتعمقك فيه ، الخير في معاشك في هذه الحياة ، أن تكون عاقبة أمورك طيبة يحبها الله تعالى ) . تأملي في المعاني بدقة ، هذا هو هدف المسلم أن يحوز على هذه الأمور في الزواج ، فهل كل زواج تحققت فيه ؟! ، إذن ، علينا أن نعمقها ونلح على الله أن يحققها هي بذاتها ، على يد من يختاره هو سبحانه لك ، فقد نرى الخير هنا ـ لقصورنا ـ ويراه الله هناك لعلمه وقدرته .. لذا ورد في الدعاء الشطر الآخر عن " الشر " لأن المسلم قد يحرص على الخير ولا يوفق له ، فيسأل الله البعد عن الشر في كل شيء ، ويطلب منه الخير حيث كان !! وأن يبرد قلبه بالرضا والتسليم .
هذه أختي الكريمة الطيبة معان إيمانية فيما يتعلق بإيمانك بالقدر ، وطريقة الصلة مع الله تعالى باستخارته مرات ومرات في أي أمر يأتيك ، وبخاصة في موضوع الزواج ، فليس الزواج مجرد لذة وتنقضي ، ولا هو بخروج البنت لبيتها الجديد وكفى ، وإنما هو تأسيس لحياة جديدة طيبة ، تكون فيها اللذة والسعادة والسرور مع من يختاره القلب ، ويختاره الله تعالى لك . فأكثري من طرق باب الله ، وأكثري من الاستخارة والدعاء والإلحاح على الله تعالى ، ليس لمرة واحدة في الفجر ، وإنما لمرات ومرات ، حتى يتسلل طائر الرضا لقلبك الطيب وتشعري بسعادة لا توصف ، وتسلمي أمرك كله لله .
أما أختي الكريمة فيما يتعلق بما عمله أهل هذا الرجل من سحر ليبعدوه عنك ـ حسب كلامك ـ فهذا فعل بعيد عن سلوك أهل الإيمان ، بعيد عن سيماء العائلات النبيلة ، فهل تتوقعي أنك لو تزوجت هذا الرجل لن يُكرَّر نفس السحر ونفس هذه الأعمال ، إن كان لمجرد الخطبة والتفكير فيك ـ حسب ما تقولين ـ عملوا لك سحراً ، فأي عائلة هذه التي تنشدين معها الاستقرار وحسن التواصل ، وإنجاب ذرية مباركة لهم ؟! .(33/1142)
إن اللجوء إلى أعمال الكهان والسحرة هو ما برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ، ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) . [رواه الترمذي].
نعيذك بالله من هذه الأعمال ومن أصحابها ! .
وموقفك من البعد عن هذه الأعمال هو الموقف الإيماني الصحيح ، ولن تلجأ المؤمنة صحيحة الإيمان للعرافين والكهنة والسحرة كي تحوز على رجل تتزوجه ، لتغضب رب هذا الزوج وربها ، وتنشأ بيتا أسس من أول يوم على غضب من الله تعالى ، فهل يستقيم الظل والعود أعوج ؟ هل سينجح هذا البيت الجديد وأساسه بناه عرافين وكهنة { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } [ الكهف: من الآية50] ، و رب العزة يقول : { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ التوبة:109] .
أقدر فيك رغبتك في الزواج منه ، وهذا أمر واضح في رسالتك ، ونسأل الله إن كان في هذا الرجل خيراً وفي هذا الزواج خيراً ، أن ييسره الله لك ، وأن يتمه كما يحب هو ويرضى ، وإليك أختي الكريمة هذه النقاط العملية ، بعد أن تستوعبي كل ما ذكر أعلاه :
• اثبتي في موقفك من رفض السحر والكهانة وحافظي على عقيدتك .
• أكثري من صلاة الاستخارة في كل حين ، ولا تتوقفي أبداً ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .
• لا تتعلقي إلا بالله ، فهو سبحانه العليم بك وبما ينفع لك .
• لا خير في أمر أسس على غضب من الله وكفر به .
• عمقي صلتك بالله سبحانه وأكثري من النوافل ، واتق الله في دينك وتقواك .
• أكثري من الأذكار الحافظة من السحر ، وتيقني أن لا يصيبك إلا ما كتبه الله لك .
ثم بعد هذا كله رددي معي وأنت على وضوء تام :
( اللهم يا حي يا قيوم يا رحمن الدنيا والآخرة ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا لطيف يا خبير ، يا الله يا الله : إنا نستخيرك بعلمك ونستقدرك بقدرتك ونسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا نقدر ، وتعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعمل أن زواج هذا الرجل من أختنا الكريمة هذه فيه خير لها في دينها ومعاشها وعاجل أمرها وآجله ، فاقدره لها ، ويسره لها ، ثم بارك لها فيه ، وإن كنت تعلم أن الزواج من هذا الرجل فيه شر لها في دينها ومعاشها وعاجل أمرها وآجله ، فاصرفه عنها وصرفها عنه واقدر لها الخير حيث كان ، ثم رضها به ) ..
اللهم استر على أخواتنا يا رب العالمين واكتب لهن من الخير كله عاجله وآجله ..
ـــــــــــــــــــ
خليط الطاعات والسيئات ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
مشكلتي كبيرة جدا، وأرجو الله أن يساعدني في حلها، تتلخص مشكلتي في أنى لا أواظب على الطاعات رغم مرور بعض الأوقات التي أشعر فيها بحلاوة الإيمان،(33/1143)
ولكن أعود إلى المعاصي. والحقيقة أني ارتكبت بعض الكبائر مثل شرب الخمر، والمصيبة العظمى الزنا في مكة المكرمة، ولا أعرف هل التوبة تمحى هذه الكبائر أم أن عدم ثباتي على الطاعات دليل على عدم قبول توبتي؟
لقد حججت بعد جريمة الزنا، ودعوت الله كثيرا، وبكيت كثيرا، وواظبت على فعل الطاعات لمدة 8 أشهر تقريبا، ثم عدت للمعاصي مرة أخرى، لكن دون فعل كبائر، ثم تقربت إلى الله مرة أخرى، ولكن أقل من المرة السابقة، ثم عدت إلى المعاصي مرة أخرى، وأشاهد الأفلام الجنسية، وأمارس العادة السرية، وتفوتني بعض الصلوات، وسعيت للزنا مرات ولكنى تراجعت تارة وحالت الظروف تارة أخرى.
أنا في حيرة شديدة، في أوقات اشعر أني منافق على الرغم أنه تمر علي أوقات أصلي فيها قيام الليل، وأدعو الله أن يغفر لي، وهذا بالطبع ليس أمام أحد.
أنا في حيرة شديدة ساعدوني.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني عضو فريق استشارات إيمانية بمصر :
أهلا بك أخي أيمن، ونشكر لك ثقتك في إخوانك في إسلام أون لاين.نت، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة وأن يجعلنا أدلاء للناس على الخير.
لم تذكر لنا أخي الحبيب معلومات كافية عن نفسك؛ مثل سنك وعملك وحالتك الاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي ربما نحتاجها أثناء الرد عليك، ولكن نقول بصورة عامة، سائلين الله السداد:
أبدأ معك أخي بقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وأدعوك يا أخي أن تقرأ هذه الآية المباركة بلسانك وعقلك وقلبك وكل جوارحك، ثم ارجع البصر فيها مرة أخرى، ثم فكر مع نفسك في هذا الرب العظيم الذي يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم الذي أخبرنا عن عظيم فضله وواسع رحمته فقال: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، يا له من فضل عميم ورحمة واسعة، ويا له من رب كريم وإله عظيم، يغفر ما دون الشرك، يقول عز من قائل في الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" (رواه التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ).
أدعوك أخي الحبيب للتفكر في هذه الأشياء وأن تقف مع نفسك وقفة صدق كلما هممت بمعصية وقل لها: هل يستحق هذا الإله العظيم منك هذا العصيان؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ لو أن عبدا أسدى إليك بمعروف فإنك ستجتهدين في مكافأته(33/1144)
وتحرصين على رد جميله.. فهل يكون رد النعم التي لا تحصى من الله هو هذه الذنوب والمعاصي؟
فإذا وجدت في نفسك إصرارا على المضي في طريق المعصية فاستكمل معها الآيات {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}، وقل لها: إن الموت يأتي فجأة وإن العذاب يأتي بغتة وإن الله يمهل العبد ولكن لا يهمله. والموت ليس له سن معينة ولا تدري لعل الله يقبض روحك وأنت على هذه المعصية؛ فكم من شاب فتي صحيح البدن قبض فجأة بدون إنذار، والمرء يبعث على مات عليه.
فإذا لم تستجب لك، ولم يسلس لك قيادها؛ فاستكمل معها باقي الآيات: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
استأنف معها الحوار محذرا إياها بأن هناك يوما ستندم فيه أشد الندم على فرطت في جنب الله، تتمنى حين ترى العذاب أن تعود إلى الدنيا مرة أخرى لتكون من المحسنين، ولكن هيهات.. يأتي الجواب الصادم من رب العزة {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، يأتي الجواب القاسي الذي يتناسب مع الموقف وما فيه من استهتار العبد برحمة ربه وغروره بإمهاله إياه {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
قل لها: حينها سينقسم الناس فريقين: فريق الذين كذبوا على الله؛ كذبوا عليه باقتراف الذنوب والمعاصي مع معرفتهم أنه شديد العقاب، كذبوا عليه في عودتهم في توبتهم، وهؤلاء ترى وجوههم مسودة، ومثواهم النار وبئس المصير. والفريق الآخر هم الذين اتقوا وهؤلاء ينجيهم الله بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون.
أخي الحبيب روي أن أحد الصالحين كان يحفر في بيته قبرا، فإذا وجد في قلبه قسوة وفي نفسه ميلا للمعصية نام في هذا القبر وأغلق بابه وتخيل نفسه وهو في قبره وتذكر ذنوبه ومعاصيه فيصيح: "رب ارجعون.. رب ارجعون"، ثم يفتح باب قبره ويقوم ويقول لنفسه: هاأنت يا نفس قد رجعت فاعملي ليوم تقولين فيه "رب ارجعون" فيقال لك: كلا..
أخي الحبيب أشعر أن فيك خيرا كثيرا، وأنك تستطيع أن تقود نفسك.. رغم ما فعلت من المعاصي والذنوب، حتى وصل بك الحال أن تزني في أطهر مكان تربى فيه أطهر البشر -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام.. ستقول لي: إذن فأين هو هذا الخير؟! أقول لك: إنني أجد هذا الخير في إحساسك بذنوبك وفي محاولاتك العودة والرجوع إلى الله، وفي ابتعادك عن الذنوب والمعاصي ثمانية أشهر، وفي حجك بيت الله الحرام، وأخيرا في إرسالك إلينا هذا السؤال..
كل هذه نقاط إيجابية وغيرها الكثير أنصحك أن تجلس مع نفسك وتبرز هذه الإيجابيات وتكون منطلقا لك للتوبة والعودة إلى الله تعالى، قف مع نفسك وقل لها:(33/1145)
سأعود إلى ربي سأقف بابه فهو الكريم لا يرد من عاد إليه، ستجد صعوبة ومجاهدة من النفس ومن الشيطان ولكن لا تستسلم لهما، وقل: إنني كما صبرت على البعد عن المعصية ثمانية أشهر فباستطاعتي البعد عنها طوال الدهر. وهيا أخي جاهد نفسك وقاوم الشيطان وارفع شعار "وداعا دنيا العصيان.. وأهلِّي دنيا الإيمان".
ولكن اعلم يا أخي أنه ليس هناك معصوم بعد خير خلق الله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وأن طبيعة المسلم أنه يعصي الله ويفعل الذنوب ولكن سرعان ما يتوب ويرجع إلى ربه؛ فإذا ما تاب توبة صادقة نصوحا متحققا فيها شروط التوبة من ندم وإقلاع عن الذنب وعزم صادق على عدم العودة إليه؛ فإن الله يغفر له ذنبه بل ويتفضل عليه بأن يبدل سيئاته حسنات، حتى وإن عاد إلى ذنبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك" (رواه مسلم).
وإليك أخي بعض الوصايا التي أسأل الله أن يكون فيها عون لك على العودة والرجوع إلى الله:
استحضر عظمة الله في قلبك وقدرته على خلقه وعظيم عفوه عنهم، وذلك بالإكثار من ذكره تعالى، والتفكر في عظيم آلائه ونعمه. واستشعر مراقبته لك وضع أمام عينيك دائما "الله معي، الله ناظري، الله مطلع علي"؛ فهذا هو العاصم الوحيد لك من الوقوع في المعصية سواء كنت في مكة أو في أوربا. فمن يتجرأ على عظمة الله لن تمنعه عظمة المكان أو الزمان.
أكثر من الطاعات واصبر عليها؛ فهناك علاقة عكسية بين الطاعات والمعاصي؛ فكلما زادت الطاعة قلت المعصية، والعكس.
من الوسائل الهامة جدا للثبات على الطاعة والبعد عن المعصية الصحبة الصالحة والبيئة المعينة، وهو ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل"، وإذا وجدت في نفسك صعوبة وحنينا إلى أصدقاء السوء فتذكر قول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}.
ابتعد عن الأجواء والأسباب التي تؤدي بك إلى الوقوع في المعاصي؛ مثل الخلوة بالنفس، وخاصة مع وجود سبل للمعصية مثل الفيديو أو النت أو القنوات الفضائية.
اعلم يا أخي أن في النفس طاقة لا بد من تنفيسها وترشيدها فيما يفيد وينفع؛ فهذه الطاقة كالبخار في القدر؛ إذا أحكمت إغلاق القدر عليه فإنه سينفجر وإذا فتحت له باب القدر كله ضاع في الهواء من غير فائدة، ولكن إذا فتحت له فتحة مناسبة وأخرجته بقدر حاجتك فإنك يمكن أن تسيِّر به القاطرات. ولذا أوصيك أن تستفيد من جهدك وطاقتك في الأعمال الدعوية والاجتماعية المفيدة والنافعة.(33/1146)
ضع أمام عينيك دائما طبيعة الصراع القائم بين الشيطان والإنسان منذ الأزل؛ فقد توعد الشيطان بإضلال العبد ما استطاع على ذلك سبيلا وصده عن سبيل الله، وأرشد الله عباده المؤمنين على السلاح الذي يستخدمونه في هذا الصراع فقال عز من قائل: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
تذكر دائما يا أخي أن صاحب المعصية يستمتع بمعصيته، ولكنه استمتاع الأجرب بحكه جربه، سرعان ما ينقلب ألما وندما، وأن صاحب الطاعة يستمتع بطاعته استمتاعا أبديا.
8- إذا حدثتك نفسك بالمعصية فاصنع مثل هذا الشاب الذي أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أغلق عليهما الباب، فلما همّ بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها إلى طريق الله.
الجأ إلى الله بالدعاء، وقف ببابه ومرغ وجهك على أعتابه وألح عليه في الدعاء أن يفتح لك باب طاعته؛ فهو الكريم الذي لا يرد من لجأ إليه، ويفرح أشد الفرح بعودة عباده إليه، مع غناه عنهم وحاجتهم هم إليه.
احذر الصغائر؛ فهي طريق موصل للكبائر؛ فمن تجرأ على الصغيرة يوشك أن يقع في الكبيرة، ويقال: "لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار".
أخي الحبيب وفي النهاية أسأل الله أن يتقبل منا توبتنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولا تنسنا من صالح دعائك
ـــــــــــــــــــ
أيتها البنات..مهلا على الأمهات ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
هذه مشاركة من إحدى مستشاراتنا على مشكلة : تصرفات أمي غير إخلاقية
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق من فريق استشارات إيمانية بمصر :
الابنة الحبيبة / ريانة
في البداية أشكرك كثيرا على ثقتك الغالية بنا ، وأدعو الله عز وجل أن نكون عند حسن ظنك بنا ...
أقدر جدا مشاعرك المؤلمة التي تحسين بها ، وأقدر أكثر الصدمة التي يعاني منها الابن وهو يري أحد أبويه في موقف قد تتأثر معه الهالة القدسية العظيمة التي يحيط(33/1147)
بها الابن أبويه ، وخاصة أن الأب والأم هم القدوة التي يضعها الابن أمام عينيه عندما تتفتح عيناه على الدنيا .
وقد يصاب الابن في مقتل إذا رأى هذه القدوة تنهار أمام عينيه ، فهَوني على نفسك يا ابنتي وتعالى بنا نناقش الأمر بموضوعية وعقلانية أكثر حتى نصل إلى حل مناسب لمشكلتك .
ومن المؤكد أن المرحلة العمرية التي تمَرين بها يا ابنتي العزيزة قد تكون شخصيتك فيها قد أصبحت أكثر نضجا ، ولكن هذا النضوج قد يكون مصحوبا بعض الشيء برؤية عاطفية ومتسرعة لبعض الأمور ، وهذا التسرع هو الذي يجعلك تقومين بدور القاضي والجلاد ، إذ إنك حكمت على أمك حكما بأنها تتصرف تصرفات غير أخلاقية ، وقررت أن تعاقبيها بأن تقاطعيها على فعلتها الشفعاء ، سامحيني يا ابنتي إنه ليس من حقك أبدا أن تحكمي عليها ، وأن تراقبيها ولا أن تحاسبيها ولا أن تعاقبيها ولا حتى أن تخبري والدك بتصرفاتها ، لأن أمك إنسانة مسئولة أولا وأخيرا عن نفسها وعن تصرفاتها أمام الله وأمام زوجها وأبنائها وأمام الناس .
لذلك فأنا أرى أنه ما يتوجب عليك فعله تجاه والدتك هو أن تنظري إليها نظرة أخرى ، نظرة ملؤها الحب والرحمة والشفقة عليها من المعصية التي قد تكون ترتكبها ، بل أن تلتمسي لها العذر وتدعين الله وتضرعين له عز وجل أن يرزقها الهداية .
ولتضعي نصب عينيك أنها أمك وأنك مدينة لها بأشياء كثيرة تجعلك تحتفظين لها بالحب والتقدير، وإذا كان عليك بُغض شيء فهو بغض المعصية فيها ، لا بغضها هي شخصيا .
وقد يكون من المفيد لك أن تنظري إلى والدتك نظرة أخري ، ماذا لو كانت ابنتك هي التي تقوم بهذه التصرفات الغير أخلاقية ـ لا قدر الله ـ هل ستكرهينها وتقاطعينها ، أم ستحتضنين هذه الابنة وتشفقي عليها وتنظرين إليها نظرة الأم التي تخشى على وليدها من عذاب الله ومن عقابه عز وجل ، وتتضرعين إلى الله ليل نهار أن يتوب عليها ويغفر لها ويصلح قلبها ويقيل عثراتها ، وأن ينزع الله من قلبها هذا الإثم وأن يغرس حبها عز وجل في قلبها حتى لا تكون للمعصية مكان فيه.
فكوني إمًا لأمك يا حبيبتي ، في حبك لها وحرصك عليها ، والدعاء لها أن يهدي قلبها وأن يَردها أما صالحة لك ولأسرتها .
أما أن تقاطعيها فهذا ما أحذرك منه؛ لأنك بذلك تعالجين الخطأ بخطأ ، لأنك بمقاطعتها سوف تكونين معينة للشيطان عليها .
وكذلك أحذرك من إخبار والدك بهذا الأمر لأن هذا الشيء قد يهدم الأسرة كلها دون أن يحل شيئا ، أنا أعلم أنك لا تنوين إخباره ، ولكني أخشي أن تزداد شحنة الغضب بداخلك من تصرفات والدتك فتدفعك أن تتصرفي تصرفا متهورا يؤدي إلى دمار الأسرة بأكملها .
أما آخر شيء أخاف عليك منه أيتها الابنة الغالية هو أن تنزلقي في مهاوي التجسس عليها ومتابعتها ومراقبة تصرفاتها لأنك كما تعلمين وأنت الفتاة العاقلة الملتزمة أن التجسس من الأمور التي حرمها المولي عز وجل ؛ إذ قال في كتابه الحكيم "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ، ولا تجسسوا ولا يغتب(33/1148)
بغضكم بعضا " وبالتجسس عليها يا ابنتي ومراقبة تصرفاتها سوف يزداد غضبك وعذابك وحنقك على أمك أكثر ، وهنا تأتي الحكمة من نهي الله عز وجل عن التجسس ، لأن تتبع عورات الناس وهتك سترهم قد يكشف لنا أسرارا وأمورا خاصة بهم ، وقد نرى ما لا نحب أن نراه منهم فيقل احترامنا لهم وتهتز ثقتنا بهم.
وتضطرب مشاعرنا تجاههم وتعاني النفس مما تعانيه أنت يا ابنتي من عذاب وألم نفسي، لذلك عليك أن تعلمي أن لكل إنسان مساحة خاصة في حياته يحاسب عليها سواء أكانت خيرا أو شرا من المولى عز وجل لأمن البشر، ويجب أن لا يهتك سترها أحد أبدا فاحذري يا ابنتي العاقلة من أن تنزلقي إلى هاوية التجسس فيزداد همك وكربك وتقعين في أمر لا يرضاه المولى عز وجل . ولقد ذكرتني قصتك هذه بقصة إسلام الصحابي الجليل عمرو بن الجموح وكيف تعامل أبناؤه مع كفره وإصراره على عبادة آلهة لا تنفع ولا تضر ، لقد أعطى هؤلاء الأبناء لآباهم درسا عمليا رائعا بعد أن ظل أبوهم على وثنيته يعبد صنمه "مناة" موصدا عقله دون نداء الحق، فما كان من أبنائه إلا أن انتظروا يوما حتى جاء الليل وآوى أبوهم إلى فراشه وتسللوا داخل الدار وحملوا الصنم ورموه في إحدى حفر القمامة حتى إذا أتى الصبح ولم يجد صنمه قال : ويحكم من عدى على آلهتنا وأخذ صنمه وأخذ ينظفه ويغسله ويطيبه ثم كرروا هذه الواقعة في كل ليلة .
وفي ليلة من الليالي قرر أبوهم أن يعلق في رقبة الصنم سيفا وقال: والله لا أعلم من يصنع هذا فيك، فإن كان فيك خير فهذا السيف معك. فجاء أولاده وأخذوا السيف منه وربطوه في كلب ميت وألقوه في بئر فاستيقظ أبوهم في الصباح، وخرج يبحث عنه فوجده مربوطا في كلب فوقف ينظر إليه في غيظ ، وقال له: ويحك والله ما عدت أرى فيك خيرا .
فكان هذا الدرس الرائع هو الدفعة التي دفعت أباهم إلى أن يستمع إلى نداء الحق فاتجه فورا إلى أبنائه وأخذ يسألهم عن دينهم وعن نبيهم حتى تفتح قلبه وعقله للإسلام .
هل رأيت يا ابنتي كيف تعاملوا معه وكيف أعطوا أباهم درسا دون حتى أن يوجهوا إليه كلمة نصيحة واحدة، بل كيف استفاد أبوهم من هذا الدرس حتى أنه لم يشك لحظة واحدة في أن أبناءه هم الذين فعلوا ذلك بصنمه، وكيف أنه عندما استوعب الدرس كانوا هم أول من لجأ إليهم لأن أخلاق الإسلام التي علمهم إياها رسولهم الكريم في كيفية التعامل مع آبائهم كانت هي مصدر الجذب لهذا الصحابي الجليل، فلو تعاملوا معه بطريقة قاسية أو غير مهذبة لأنه كافر وكفره هذا من أعظم الذنوب، لنفر منهم وازداد كبرا وعصيانا فخذي من هذه القصة عبرة قد تفيدك وتفتح مداركك لتعطى أمك درسا صامتا لكنه مفيد .
وفي النهاية سامحيني يا ابنتي إن كنت قد قسوت عليك بعض الشيء ولكنك طلبت مني النصيحة، ومن واجبي أن أكون أمينة معك .
ولكني أعلم جيدا مقدار الألم النفسي الذي تعانينه، وأدعو الله أن يفك كربك ويهون عليك مصابك ويهدي لك أمك ويحفظ عليك أسرتك ووالدك الكريم، وقبل أن أختم أجد أنه من المناسب جدا أن ترشدي والدك أن يزيد مساحة اهتمامه وحرصه على والدتك(33/1149)
أكثر، وأن يزداد حرص كل أفراد الأسرة على الاهتمام بها ورعايتها والحرص عليها لأن شيئا كهذا قد يوقظ مشاعر الأمومة بداخلها فتستنكر نفسها الإثم الذي ترتكبه وتعود إلى دفء وحضن أسرتها...
ـــــــــــــــــــ
عاص يرجو ظل الله ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
لا أخفي عليك أنني كلما انتويت أن أتقي الله وأسير على دربه .. يسترجع الشيطان في ذاكرتي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشا في عبادة اللّه " .. وأستشعر أنه لا أمل لي في مكانة متميزة من الله كما صورها الحديث لأنني لم أنشأ على طاعة الله .. بل اختلط الخير بالشر .. وفعلت الخيرات وارتكبت المعاصي .. فهل أنا خارج رضوان الله .. ولا سبيل لأكون ممن يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله والصلاة على رسوله الذي نشتاق إليه ولم نره بعد.. أما بعد ..
أخي التواق إلى فضل الله ..
لكم أشكرك على سؤالك المتميز الذي يثير فى النفس حب الترقي فى المنزلة لدي الله عز وجل.. ولكن أسألك ألا تجعل في عقلك ووجدانك ذرة شك بأن الله غفور رحيم .. ولأنه خالقنا فهو يعلم أننا لا نستطيع أن نكون ملائكة لا تخطيء .. تسبح بحمده طيلة الوقت .. لكن المعيار في الحكم بأن عبدا نشأ في طاعة الله ، وآخر خانه التوفيق .. هو قدر تفوق الحسنات على السيئات ..
فالمقصود بالشاب الذي نشأ في عبادة الله تعالى هو الذي تربى على الطاعة منذ الصغر ، ونشأ على الإيمان الصادق ، والحب الخالص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعني هذا ألا يكون الشاب قد اقترف ذنبا ، بل قد يذنب، ولكنه إن أذنب تاب إلى الله تعالى .
وقد روي الترمذي و ابن ماجة و أحمد بإسناد صحيح عَنْ أَنَس بن مالك أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخطاءين التَّوَّابُونَ » .
و روى مسلم و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ » .
إذن فقمة الإيمان عند الله عز وجل العودة إليه ، وتفضيل رحابه على لذة المعصية ، فالله يعلم تماما وهو الذى سوانا أننا نستمتع بالمعصية وإن كانت لذة زائلة ؛ إلا أنها تشغل الإنسان عن كونه الذي فيه يعيش .. فما أفرح الله بعودة عبده إليه من بين(33/1150)
ملذاته .. يجمع شتاته وكل ذرة فيه تستحثه على البقاء فيها .. إلا أنه يتمرد على نفسه .. ويرجو رضا الله فى مقابل راحته المزيفة .. فهو يضع فى كفة سعادته التي يتصورها تمتعه وتلبي رغباته ، وفى الكفة الأخرى يضع بركة الله وطاعته ، فهل عندما يختار الله دون نفسه لا يكون أرقي من الذى يعبد دائما ولا يجرب الشهوة وحصارها لنفس المؤمن ؟
ونص الحديث الذي تذكره رواه الشيخان و الترمذي و النسائي و مالك و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُل طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
تأمل معي يا أخي معني الحديث الشريف .. فهل يقصد به الرسول صلي الله عليه وسلم أن يرهب الناس ويصادر عليهم الأمل فى الجنة وراضون الله ؛ أم أنه يحفز المؤمنين على أن يسلكوا طريق الله دون تذبذب ويحافظوا على ما لديهم من رصيد إيماني وعمل خيري لكي يلقوا الله بما هو أهل له على قدر استطاعتهم واجتهادهم فى الدنيا .. فالرسول فى حديثه إنما يطلب من المسلمين ما أمره به الله عز وجل قائلا: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِي أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه }(الزمر:53) .
ويعلم الله أن عباده مخطئون .. حتى أنبياؤهم الذين اصطفاهم على عباده ليكونوا لهم دعاة الحق ؛ لم يسلموا من الطبيعة البشرية وأخطأوا في أمور الدنيا لا في أمور الدين .. لكنهم لم يفرطوا .. وهذا ما يدعونا إليه الحبيب المصطفي .. ألا نفرط فى الذنوب فما إن نذنب ؛ نسارع بطلب المغفرة من الله ونوقن من رحمته ، لأنّ الله يغفر الذنوب جميعاً .
وروى أحمد عن عَمْرو بْن عَبَسَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخٌ كَبِيرٌ يَدَّعم عَلَى عَصًا لَهُ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي غَدَرَاتٍ وَفَجَرَاتٍ فَهَلْ يُغْفَرُ لِي؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَسْتَ تَشْهَد أَنْ لا إِلَه إِلا اللَّه " ؟ قَالَ : بَلَى وَأَشْهَد أَنَّك رَسُول اللَّه فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" قَدْ غُفِرَ لَك غَدَرَاتُك وَفَجَرَاتُك" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَد ، وروى نحوه المنذري في الترغيب و الترهيب بإسناد صحيح .
فما عليك يا أخي أن تخشي ألا يغفر الله ذنوبك أو ألا يضعك في المكانة التي تريدها ما دمت تسعي إليها بالعمل الصالح .. وكفي أن تحسن الظن به وتتوج إلى لقائه .. وتبذل كل ما في وسعك لمقاومة نفسك والتغلب على شهواتك .. وما دمت تتوب بعد أن ترتكب أي معصية وفى قلبك إصرار على الطاعة وعدم المضي في أي طريق يغضب الله عز وجل .. عندئذ تذكر جيدا حديث الرسول صلي الله عليه وسلم :"التائب من الذنب كمن لا ذنب له" – أخرجه ابن ماجة .. وافرح برحابة فضل الله والمكانة التي ستكون عليها يوم لا ظل إلا ظله . وتذكر يومها الاستشارة التي أرسلتها لفريق إسلام أونلاين . نت ؛ وتعجب من اليوم الذى كنت تعتقد فيه أن ذنوبك أكثر من رحمة خالقنا الكريم ..(33/1151)
اللهم عاملنا بالفضل لا بالعدل وبالإحسان لا بالميزان ..
آمين
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أبي على علاقة غير شرعية!!! ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 24 سنة وأنا أكبر إخوتي، ولله الحمد على قدر من التدين أسأل الله أن يتقبله... يؤسفني أن أقول أنني منذ فترة وجيزة اكتشفت أن والدي على علاقة بسيدة ما على الإنترنت وأنه يحبها وقرأت كلاما شنيعاًً لا أستطيع أن أصفه أبداً ومن يومها ونفسيتي متعبة وأفكر في الموضوع دوماً وانهار المثل الأبوي أمامي ولم أعد أطيق أن أنظر إليه ولا أكلمه ولا أطيق سماع صوته، ومن قبل ذلك كانت هناك اختلافات بين وجهات النظر في العديد من الأمور الدينية وكنت لا أجادل كثيراً مع والدي ولكن بعد ما عرفت ما عرفته جادلته بشدة وقررت ألا أجعله يثنيني عن فعل ما هو صحيح كعدم وضع الماكياج أو عدم النمص والسلام على الرجال وغيرها من وجهات النظر في أمور عميقة أخرى...وحدث بيننا جدال لم أستطع من بعدها أن أتحدث معه وهو يعتقد أن النقاش هو السبب في عدم محادثتي له ولكن ما اكتشفته عنه هو السبب الحقيقي لعدم مقدرتي على التحدث معه، ولكني أخاف في نفس الوقت أن أكون آثمة بعدم كلامي مع والدي ولكن هذا بالرغم مني فلا أستطيع أن أتخيل أنه يمكنني أن أتعامل معه بشكل طبيعي مرة أخرى طول حياتي، فماذا أفعل؟؟ كما أني لا أستطيع أن أواجهه بما عرفته وفي نفس الوقت أريد أن أنصحه لعل الله يهديه عما هو فيه...نعم كلنا خطاؤون ولكنه والدي ولا أتخيل أن يحدث منه ما حدث..وكيف يمكن أن أخبره أو أنصحه كيف؟؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة وسام كمال من فريق استشارات الإيمانية بمصر :
الحمد لله والصلاة على رسوله الذي نشتاق إليه ولم نره بعد.. أما بعد ..
أختي الخجولة (ش)...
لمست روحك من توقيعك بأول حرف من اسمك ..
فرغم أنك كتبت ما لا يعيبك بل يضيف إلى رصيدك لدى الناس ..
إلا أنك لم ترغبي في ذكر اسمك ربما لخوفك أن يعرف أحدا عن علاقة أبيك غير المشروعة .. وهذا يعكس حياءك من الناس .. والحياء شعبة من شعب الإيمان كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم .(33/1152)
وأنت تستحين أيضا أن تغضبي والدك وتنهيه عن أفعاله وتصرفه المشين وتجعليه في الموقف الضعيف .. رغم أن غيرك ممن تجدن ضغوطا في معاملة أهلها لها .. أعتقد أنها ما كانت لتسكت ؛ بل ستسعي بكل جهدها أن تستغل الموقف لصالحها في الضغط علي والدها حتى يطلق يديها تفعل ما تريد... إما بكسر عينه أمامها .. أو حتى إذا لم يخجل من أفعاله تهدده بكشف أمره أمام والدتها.
أنت لم تفكري في إهانة والدك لأجل نفسك .. لأنك تستحين أن تنكري عليه عطاءه فهو الذي منحك الحياة .. كل ما تودينه أن تعيشي في راحة بعيدا عن ضغوط والدك التي لا تنتهي .. وأن يصلح الله حاله ويعود إلى صوابه ..
فالأولى - حبيبتي في الله - أن تتمسكي بحيائك من الله عز وجل والصبر على والدك بأمر من الله عز وجل ؛ إذ قرن سبحانه عبادته بطاعة الوالدين :{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}( الإسراء:23).
وقد تعرض سيدنا إبراهيم لموقف أبشع مما تجدين نفسك فيه .. فقد وجد نفسه وهو نبي الله بين أسرة وقوم كافرون .. يتخذون أصناما آلهة من دون الله .. فالجرم أكبر بكثير .. لكنه وضع أولوياته .. فالله عز وجل هو الذي ترك للناس حرية الدين وأمر من أسلم له طاعة والديه وتحملهما أبدا ما عاشوا .
انظري خليلتي كم حرص إبراهيم الابن قبل النبي على دعوة آزر الوالد قبل الكافر في قوله تعالي: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا }(مريم:41-47).
لابد وأن تصبري على هذا البلاء .. فأنت طلبت السؤال لأن في قلبك رغبة حقيقة في طاعة الله وعدم عقوق والدك .. فلتكملي حتى النهاية .. هذا هو مصيرنا مع أهلنا .. نحن لا نختارهم ولكن نصبر على أذاهم .. لأن لهم علينا فضلا .. ومن قبلهم خالقنا له كل الأفضال .. ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله .. فهلا شكرتي والدك بصبرك عليه .. فيشكر الله لك ؟
هناك طرق كثيرة يمكنك أن تسلكيها لدعوة والدك إلى عود حميد إلى رشده وطاعة ربه .. فهو لا يرضي أن تكون وجهة نظرك عنه سلبية .. ولن يحتمل أن يقف أمامك هذا الموقف .. ماذا لو لم تظهري له تغيرا .. وتبدين أمامه حزينة شاردة فإذا ما سألك عن ضيقك .. استشيريه فى أمر صديقة لك حدث لها ما حدث لك .. عرفت عن والدها علاقته بامرأة دون زوجته .. صفي له مدي عذاب صديقتك من هذا الموقف المؤلم .. بثي له فى حديثك كل أشجانك ؛ ربما يدرك خطأه .. ويستشعر بشكل غير مباشر أنه لابد وأن يدرك نفسه قبل أن تعلمي مثل صديقتك بحقيقة والدك ... فمن المؤكد وقتها أنه سيتخذ طريقا للرجعة والفوز بنفسه وبثقة ابنته .. التي وإن قسا عليها(33/1153)
وتشدد في معاملتها لن تهون عليه أبدا .. لأنها بذرة من نطفته .. صارت بحول الله ابنة جميلة .. فهل يرضي بأن يفقدها أو تغرب عنه مشاعر احترامها له واتخاذها منه قدوة تفتخر بها ؟ لا أظن يا أختي أن أبا راشدا يفعل ذلك ...
ـــــــــــــــــــ
اجس الموت يطاردني في الأحلام ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أنا سيدة أبلغ من العمر 28 عاما ، أنتابنى العام الماضي إحساس رهيب بأن مكروها سيحدث لي أو لزوجي ، كما كنت أتخيل قبل النوم أحداث الوفاة بتفاصيل العزاء وغيره، وبالفعل توفى زوجي أثناء عمله . وأنا الآن في نفس التوقيت يسيطر على إحساس الموت بطريقة بشعة وأحلم أحلاما كثيرة لها نفس المدلول، حيث رأيت أن جارة لي في نفس الطابق توفيت، وكذلك أنني أرتدي فستان عرس . ويقولون إن تفسير هذه الأحلام دليل الموت .هذا الإحساس يكاد يطاردني مطاردة الأشباح حتى أنني أخشى النوم ؟أخاف من الموت خوفا شديدا خصوصا بعد وفاه زوجي ، وأخشي موت أي فرد من أفراد أسرتي؟ فهل تشير هذه الأحلام على موتي قريبا أو موت أحد أفراد أسرتي أم لا؟ وماذا أفعل كي لا أنشغل بهذه الهواجس ؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الأخت الفاضلة :
من الطبيعي أن يخاف الإنسان الموت ، وأن يفر بعيدا عنه ، فتلك طبيعة بشرية جبل عليها الإنسان ، فحب الحياة من الغرائز المفطورة في نفوس البشر.
ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل علم الموت خاصا به ، لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت } (لقمان:34).
وكم من الأطباء قالوا لمرضاهم : لن تعيش أكثر من كذا يوم أو كذا شهر ، لحسابات طبية محسوسة معلومة ، ولكن الله تعالى يقضى شيئا آخر.
وكما قال الشاعر :
وكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
فإن كانت التنبؤات الطبية تكذب ، فمن باب أولى أن تكذب الهواجس النفسية ، لأنه لا دليل عليها من عقل أو دين .
وما حدث لك ما هو إلا شيء قدره الله تعالى ، فصادف ما فكرت فيه ، وشعرت به ، ولعل هذا ابتلاء من الله تعالى .(33/1154)
ومن الواجب أن يسلم المسلم لأمر الله تعالى وقدره ، وأن يعلم أن الغيب لا يعلمه إلا هو، كما قال تعالى على لسان رسوله : { ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء}( الأعراف: 188).
وإن زاد هذا الشعور في السيطرة عليك ؛ سيؤدي بك إلى القنوط من رحمة الله ، والاستسلام لليأس ، وكلها أمور نهى عنها الشرع ، بل يلفت أنظارنا قول النبي صلى الله عليه وسلم :"إذا قامت القيامة وفي يد أحد فسيلة فإن استطاع أن يزرعها فليزرعها" ليبث الأمل في نفوس أمته، فماذا يجدي زرع الفسيلة - وهي النخلة الصغيرة - والناس سيحشرون إلى ربهم .
فالواجب عليك طرد هذه الوساوس ، وأن تعيشي حياتك كبقية البشر حياة طبيعية ، فالموت لا يشترط فيه أن يسبق بإذن ،{فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (الأعراف:34).
كما على المسلم أن يصبر لقضاء الله تعالى وقدره ، وأن يتقبله بصدر رحب ، وبرضا ، فمن صبر ورضي ، رضي الله عنه ، ومن سخط فله السخط .
وقد عالج الإسلام الخوف من الموت ، بالاستعداد له ، فكل الناس سيموتون ، ومن هنا ، فمن الفطنة الاستعداد للموت ، لأنه قد يجيء في أية لحظة من لحظات الحياة ، وكما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم : "من أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله ،كره الله لقاءه"، وكتب الله الموت على جميع عباده حتى أشرف الخلق على الله ، وهم الأنبياء ، وكتب لنفسه البقاء ، فقال تعالى: { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون }( القصص:88).
وكم يعيش الإنسان من العمر الطويل ، ولكنه بعدها يموت ، وينتقل إلى حياة البرزخ ، ثم إلى الحياة التي لا موت فيها بعد الحساب ، فسيجيء يوم لا يموت الإنسان فيه ، ولكن عليه أن يسعى أن يكون سعيدا يوم لا موت. وإن كان هناك خوف ، فليكن خوفا من الله تعالى، لا خوفا من شيء من الموت وهو أحد مخلوقاته.
كما أن ما يراه الإنسان في النوم ، قد يكون حديث نفس ، وقد يكون حلما ووسوسة منامية من الشيطان، عندئذ يستعيذ الإنسان بالله من شرها ، ولا تكون الأحلام هي التي تقود سفينتنا في الحياة ، لأن مصائرنا قدر بيد الله تعالى .
يقول الدكتور إيهاب خليفة من فريق مشاكل وحلول الشباب بالموقع : قد تكون هذه الأفكار علامة عن الإصابة بمرض القلق والتوتر بدرجات مختلفة. وقد يحتاج لتناول بعض المهدئات البسيطة ومضادات القلق تحت إشراف الطبيب النفسي ؛ أو قد يلزمك الاستعانة بأحد الأطباء النفسيين إذا صاحب هذا القلق أعراض أخرى، مثل : الأرق الشديد والأعراض الجسمانية المتكررة التي ليس لها سبب عضوي.
ويشير الدكتور محمد أبو رحيم من علماء السعودية إلى أن الخوف من الموت مرض يعتري الإنسان من الموت على سبيل العموم ، ومن الظواهر المتفرعة عنه : الخوف من الدفن حيا ، أو رؤية الدم وحالات الإغماء ، ومن منظر الأموات والجثث .
ويتحاشى المصاب بهذا المرض رؤية هذه المخاوف ، ويتجنب المشاركة في الدفن والذهاب مع الجنازات ، بل ويخشى من ذكر الموت لأنها تشترك مع حقيقة الموت ، وتوحي بشيء أليم في النفس الإنسانية .(33/1155)
وفرق علماء النفس بين هذا الخوف وبين قلق الموت من جهة العموم والخصوص ، حيث خصصوا قلق الموت بخشية الإنسان من موته هو .
ووصف الله سبحانه وتعالى أمثال هؤلاء فقال :{ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت} وقال تعالى : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت }
وإذا سألت أي إنسان عن سبب خوفه من الموت فلا يخرج جوابه عن الأمور التالية :
1- غموض حقيقة الموت .
2- الشعور بالخطيئة من الذنوب والمعاصي.
3- الافتراق عن الأحبة والملذات والآمال.
4- انحلال الجسد وفقدان القيمة الاجتماعية والمعنوية واستحالته إلى شيء مخيف وكريه.
ومن الصعب تخليص المريض من الخوف نهائيا لأن الخوف فطري ، لهذا كان القصد من العلاج التخفيف من الخوف بتجريد الموت من معظم ما فيه من الآلام النفسية. ولما كانت الأسباب المتقدمة هي أهم المنبهات كان من الضروري اللجوء إلى تحليل هذه الأسباب وتوضيحها وتعليلها لإسقاطها من ذهن المصاب والانتقال إلى مرحلة الإقناع بمجابهة حقيقة الموت بالرضي والقبول.
واسأل نفسك :هل الموت من لوازم الحياة الإنسانية ؟ وهل يمكن التخلص منه ؟
والجواب بديهي بالطبع ، إذ ليس من عاقل يعترض على كون الموت أمرا حتميا ، وضريبة على كل كائن حي .
قال تعالى : { كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون }.
وقال تعالى: { قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل }.
وقال تعالى: { قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم } .
ولكن الموت في نظر العقلاء والمؤمنين انتقال من مرحلة مؤقتة إلى حياة أخروية دائمة.
وإذا كان كذلك فأي معنى بقي لفكرة انحلال الجسد واستحالته إلى تراب وعظام؟ إن كثيرا من الناس تشكل أجسادهم عبئا نفسيا عليهم ، فيلجأ بعضهم إلى أطباء التجميل رغم ما يعتوِر أفعالهم من آلام مبرحة تلحق الأجساد ، فكيف يكون شأن من أجريت له عملية تجميل دون أي شعور بألم ؟ ! .
ويكون ذلك يوم بعث الناس جميعا ، ويخص الله المؤمنين بتحسين الوجه والهيئة ، تبارك الله أحسن الخالقين ....
وقال تعالى واصفا وجوه المؤمنين : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } .
وقال تعالى : { فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا } .
وقال تعالى : { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } .
وقد يقول قائل : إن الموت يحمل معه فكرة الفراق والحرمان من مشاهدة الأحبة والالتقاء بهم؛ بما يعني فقدان التوازن النفسي للإنسان ......
أقول : نعم ، لكن الفراق لا ينبغي أن يترك خوفا في النفس من الموت ، بل غاية ما يتركه دمعة حزن تحمل الرحمة وطلب المغفرة.(33/1156)
فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم . فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله ؟ فقال : " يا ابن عوف إنها رحمة إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" .
فالفراق يترك الحزن في النفس ولا ينبغي له أن يترك الخوف من الموت ؛ لأنه فراق مؤقت يتبعه لقاء يوم القيامة ، لقاء يعقبه محبة ، ولقاء يعقبه لعنة وفراق أبدي.
أما لقاء المؤمنين فهو لقاء محبة وأنس ،وأما لقاء الكافرين والفاجرين والفسقة فهو لقاء بغضاء ولعنة وتبرؤ . قال تعالى : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .
وهناك مندوبات ومستحبات تُسهم في تخفيف من عبء هذا المخوف على النفس الإنسانية:
1- ذكر الموت بزيارة القبور والمشاركة في الجنازات ، قال رسول الله صلىّ الله عليه وسلّم: "أكثر ذكر هادم اللذات".
2- تعريض المصاب لرؤية الجنائز والأموات والجثث والدماء ومناظر الإغماء يسهم في التغلب على هذه المخاوف الطبيعية ، وهي من الوسائل التربوية لكثير من أصحاب المذاهب الحديثة في التربية.
يقول أحد علماء النفس : ( افعل الشيء الذي تتهيبه فإذا موت الخوف محقق). وقيل : (اطلب الموت توهب لك الحياة ).
3- القيام برحلات طويلة منفردة للقضاء على الخوف من الفراق والذي يحمل معه دائما فكرة الموت وهذا جائز للضرورة .
وعلق ابن حجر رحمه الله-على قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحدة ". فقال : " وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة ". ولما كانت الضرورة تقضي بالسفر لا مانع من ذلك شريطة عدم وقوع ضرر أكثر من الخوف المطلوب علاجه.
4- المعالجة بطريقة العزل في بيوت الصحة منفردين عن عائلاتهم،وهي طريقة واير ميتشل.
ويماثل هذه الطريقة ما يقوم به الآباء من جعل غرف نوم خاصة لأطفالهم الصغار بعيدة عنهم حيث تعطي هذه الطريقة أُكلها باعتماد الطفل على نفسه وتخفف من وقع فراقه لأمه حتى يصبح الفراق أمرا طبيعيا
ـــــــــــــــــــ
الغضب نار الشيطان ..مقترحات للعلاج ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
إنني شديد الانفعال ، سريع الغضب ، وإذا حصل لي استفزاز ، فسرعان ما أثور فأكسر وأشتم وألعن وأرمي بالطلاق وقد سببت لي هذه المشكلة حرجاً كبيراً ، وكرهني أكثر الناس ، حتى زوجتي وأولادي وأعز أصدقائي ، فماذا أفعل للتخلص من هذا الداء الوبيل وإطفاء هذه النار الشيطانية ؟
... السؤال
الشيخ صالح المنجد ... المستشار(33/1157)
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
أهلا ومرحبا بك معنا في صفحة استشارات إيمانية .
و بخصوص سؤالك فيجيب عنه الشيخ محمد صالح المنجد من علماء السعودية ، فيقول :
الغضب نزعة من نزعات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكر واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحد من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان : عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان ، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) . رواه البخاري ، الفتح 6/377 . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه ) صحيح الجامع الصغير رقم 695 .
2- السكوت : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد المسند 1/239 ، وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 . وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين ، وبالجملة فالسكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .
3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه " أي كسره أو حطمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء في هدم الحوض " وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وذكر الحديث " الحديث بقصته في مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694 " . وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوض فأغضبه رجل فقعد .. فيض القدير المناوي 1/408 .
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل كما سيرد بعد قليل وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية ، قال العلامة الخطابي رحمه الله في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع(33/1158)
منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد ) . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال : لا تغضب ، فردد ذلك مراراً ، قال : لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/465 .
وفي رواية قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله . مسند أحمد 5/373
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح : صحيح الجامع 7374 ، وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاء ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176 . وأجر عظيم آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود 4777 وغيره ، وحسنه في صحيح الجامع 6518 .
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرُّعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد 5/367 ، وحسنه في صحيح الجامع 3859 . وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن ، الفتح 10/519 .
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم " أي ما بين العنق والكتف " وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن ، الفتح 10/519 .(33/1159)
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك ، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفات أنهم : ) ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ما تشرئب الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : ( إذا ما غضبوا هم يغفرون ) .
9- التذكر عند التذكير :
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدِّيقين إذا غضبوا فذُكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل " العطاء الكثير " ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، وكان من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 8/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري فتح 1/465 نعوذ بالله من الخذلان .
10- معرفة مساويء الغضب :
وهي كثيرة مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة .
عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة " حبل مضفور " فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته ؟ قال : نعم قتلته ، قال : وكيف قتلته ، قال : كنت أنا وهو نتخبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته .. إلى آخر القصة . رواه مسلم في صحيحه 1307 .(33/1160)
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .
ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق ، واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المر ، وكله بسبب الغضب ، ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسار .
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو مرض السكري وغيره ، نسأل الله العافية .
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب :
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرأة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه ، وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .
12- الدعاء :
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 كان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ) . رواه النسائي في السنن 3/55 والحاكم وهو في صحيح الجامع 1301 . والحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــــ
وسائل الثبات عن فتن الدنيا ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم وأشكركم على هذا الموقع
مشكلتي تتلخص فيما يلي: كيف يمكن تحقيق الثبات النفسي عن فتن الدنيا؟ وكيف يمكن تحقيق العزم على الشيء ـ أي عدم التردد .
أسالكم النصيحة وأشكركم مرة أخرى على جهودكم لإرساء دعائم الإسلام .(33/1161)
وفقكم الله فيما تفعلون والله لا يضيع اجر من أحسن إليه . .
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخانا في الله/ هشام
السلام عليك ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين...
ثم أما بعد:
وقد أكبرت فيك سؤالك عن كيفية (الثبات النفسي عند فتن الدنيا) و(العزم على الشيء أي عدم التردد)، وأقول بالله التوفيق:-
إن الناظر في الدستور السماوي الخالد ( القرآن الكريم) يرى أن الله سبحانه قد قسم الناس من حيث النظر إلى الدنيا إلى صنفين فقال تعالى: (مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ)، وترك سبحانه للمسلم في هذه الحياة حرية الاختيار فقال تعالى :( وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)، وبين عز وجل أن متاع الدنيا قليل وأن الأجر الكبير في الآخرة فقال :(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) وقال عز من قائل :( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)، وأوضح سبحانه أن من اختار الآخرة وآثرها على الدنيا فإن الله سيجزيه أجر الدنيا والآخرة فقال:( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ).
أما بخصوص سؤالك عن كيفية (الثبات النفسي عند فتن الدنيا) فإنني أوصيك بالآتي : -
1- أن تعلم أن هذه الدنيا دار فتن وابتلاء وامتحان، لتجتهد في بالطاعات والبعد عن المعاصي .
2- وأن تعرف أنها دار ممر لا دار مقر، فلا تعول عليها كثيرا بالأماني.
3- أن تكون على يقين وثقة من أن الله سبحانه يبتلي عباده ليميز الخبيث من الطيب فيرقي الثابتين منهم درجات، ويمحص المؤمنين.
4- اعلم أن هناك علاقة طردية بين زيادة الإيمان والثبات في مواجهة فتن الدنيا، بمعنى أنه كلما زاد إيمانك وتوثقت علاقتك بربك كلما كنت قادرا على مواجهة الدنيا بفتنها، والعكس صحيح.
5- اجلس مع نفسك وحدد أين أنت من تكاليف الله عز وجل؟، وهل أنت مع الطائعين المخبتين أم أنك مع العاصين المتمردين على نعم الله وتكاليفه الشرعية.
6- أعد النظر في أصدقائك وأصحابك، فلا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا مؤمن ولا يدخل بيتك إلا تقي.(33/1162)
7- استعن بالله والجأ إليه وتعوذ به سبحانه من فتنة الدنيا كما كان يتعوذ به منها سيدي وسيدك وسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار الشيخ محمد صالح المنجد من علماء السعودية – حفظه الله - إلى بعض وسائل الثبات في بحث له ،كان أهمها :
أولا : الإقبال على القرآن
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل
رابعاً : الدعاء
خامساً : ذكر الله
سادساً : الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً
سابعاً : التربية
ثامناً : الثقة بالطريق
تاسعاً : ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل
عاشراً : الالتفاف حول العناصر المثبتة من الصالحين الذين يشدون أزر الناس في الثبات .
الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام
الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به
الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات .
أما عن سؤالك عن كيفية (العزم على الشيء وعدم التردد)، فإن التردد ليس كله شر، فقد يتردد المسلم عن فعل ما يغضب الله عز وجل، فيكتب الله له الأجر، ففي الحديث (من هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب وإن عملها كتبت) أخرجه مسلم.
واعلم أن :-
1- الحرص على معرفة فضل الشيء الذي تعمله، فإن معرفة الفضل تجعل الإنسان أكثر تمسكا وإصرارا.
2- الحرص على وجود الرغبة والمبرر في فعل الشيء، فإن الراغب في الشيء يستعذب المشقات ليصل إلى ما يريد.
3- التدرب على اتخاذ القرار ، وعدم الخوف ، وامتثال قوله تعالى :( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) . وإنما الحلم بالتحلم ، والعلم بالتعلم ، والصبر بالتصبر ، ومن تصبر ؛ صبره الله .
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وتابعنا بأخبارك ...
ـــــــــــــــــــ
أخاف سوء الخاتمة .. ولكني عاص ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/1163)
السلام عليكم. أنا شاب ملتزم ـ ولله الحمد ـ، أحافظ على الصلاة، طالب في إحدى الجامعات الفرنسية، عمري 28 سنة، مشكلتي تكمن في أنني خائف من سوء الخاتمة؛ لأنني في بعض الأحيان عندما أختلي بنفسي توسوس لي ومعها شيطاني؛ فأضعف أمامها وأمارس العادة القبيحة، مع أنني أعلم أنها عمل مستقبح، وأن الله ناظر إلي في تلك اللحظات، وبعد أن أنتهي أندم ندما شديدا على هذا الفعل، وأبادر إلى التوبة! رغم أنني معروف عند الناس بالتزامي، وأنا الذي تغلبني شهوتي وأجعل الله أهون الناظرين إلي!
ومع كثرة الفتن هنا فالمعاصي سهلة والمثيرات كثيرة، فهذه البلاد تشجع على المعصية أكثر من تشجيعها على الطاعة، وأنا ـ والله ـ لم أزن قط، ونسأل الله أن يحفظنا من كل بلاء.
الآن أفكر بالزواج لأعف نفسي، فهل ممارسة هذه العادة لها تأثير في الحياة الزوجية؟ في بعض الأحيان أتذكر حديثا للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ في ما معناه أن الذين إذا اختلوا بمحارم الله انتهكوها يأتون يوم القيامة بمثل جبال تهامة حسنات، ولكن يجعلها الله هباء منثورا، فأنا خائف كثيرا على نفسي من سوء الخاتمة، فأنا في حيرة من أمري
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول علي موسى من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
ـ أخي الحبيب :
بداية أرحب بك ، وأعلمك أني أحبك في الله .. نعم أحبك .. وكيف لا أحبك وأنا أحسبك من المؤمنين ، أحسبك كذلك ولا أزكيك على الله ، و هذا ليس محض ادعاء مني و إنما هو مصداق حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم : " من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن "
فمن علامات الإيمان البادية في حديثك أخي الحبيب :
أنك تحافظ علي الصلاة التي هي عماد الدين و التي هي الصلة بين العبد و ربه ..
و أنك تخاف يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ، وتخاف أن يختم لك بسوء الخاتمة أعاذنا الله وإياكم منها .
و أنك من التوابين الذين يذنبون ثم يندمون و يتوبون إلى الله عز وجل الذي قال : " إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين "
و أن لديك رصيداً من الإيمان يمنعك من الوقوع في جريمة الزنى، فأنت تحافظ على ألا تقع في الكبائر .
و أنك تفكر في الزواج وفي هذا اتباع لسنة النبي صلى الله عليه و سلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... "(33/1164)
رأيت أخي الحبيب أن هذه المقدمة كان ولا بد منها كي تسترجع ثقتك الإيمانية ، تلك الثقة التي تنبع من قوله تعالى : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ، إنه هو الغفور الرحيم " ، و من قوله تعالى : " و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون " ، و من قوله تعالى : " ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ".
ففقدان تلك الثقة الإيمانية هو من أخطر الأبواب التي ينفذ منها الشيطان ليصيب العبد باليأس من إصلاح نفسه فيتمادى في المعاصي و الذنوب، و يشعر أنه ليس أهلاً للتوبة، أو أن الله لن يقبله أبداً، أو أنه سيختم له بسوء الخاتمة فيصير إلى النار و العياذ بالله .
و لذلكم أخي الحبيب .. فقد أكد علماء إصلاح القلوب على أن الخوف و الرجاء جناحان متزنان في رحلة العبد إلى ربه إذا فقد أحدهما لم يستطع الوصول إلى شاطئ النجاة .
فمن طغى خوفه من الله على رجائه في رحمة الله طغياناً كبيراً ؛ أصابه اليأس والإحباط فقعد عن العمل ، و من طغى رجاؤه في رحمة الله على خوفه من الله طغياناً كبيراً؛ أصابه الأمن من مكر الله فقعد عن العمل .
فالخوف من سوء الخاتمة أخي الحبيب ليس مشكلة في ذاته .. بل هو منزلة يبتغي العبد أن يصل إليها .. لكننا نفرق بين خوفين : خوف يدفع صاحبه لمزيد من الطاعة و مزيد من البعد عن المعاصي و الذنوب .. فهذا خوف محمود و نعم الخوف هو ، و خوف آخر يدفع صاحبه لليأس والقنوط و ترك إصلاح النفس والركون إلى مزيد من المعاصي و الذنوب .. فهذا خوف مذموم و بئس الخوف هو .
ـ أخي الحبيب :
أما عن العادة القبيحة فهي من الأمراض التي تصيب قلب العبد وتصيب جسده كذلك والتخلص من هذا المرض يكون بعلاج الأمرين القلب والجسد ..
و العلاج سهل ميسور لك أخي الحبيب ... فهناك من الأمور الكثيرة ما يعينك على هذا العلاج :
فمما سيعينك على هذا العلاج استقباحك لهذه العادة كما وصفتها في رسالتك و هذا هو مفتاح العلاج .
ومما سيعينك على هذا العلاج أنك تندم على فعل المعصية ثم تتوب ومع المحاولة تلو المحاولة ستتوب توبة لا تعود بعدها لهذه العادة .
و مما سيعينك على هذا العلاج إقدامك على الزواج و ابتغاؤك للعفاف من بابه الشرعي ، و إليك بشرى رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاثة حق على الله أن يعينهم : المجاهد في سبيل الله ، والناكح يريد أن يستعف، والمكاتب يريد الأداء "
ومما سيعينك أيضاً على هذا العلاج أن تطلع على آراء أهل العلم في المجالين الشرعي و النفسي.
ـ أخي الحبيب :(33/1165)
لعلك تدرك جيداً أن النفس دائماً تحاول التهرب من المسئولية وأنها دائماً تحاول أن تلقي بالخطأ على غيرها ..
أقول هذا لأني لمحت في معرض حديثك اتهاما لبلاد الغرب بأنها تشجع على المعصية و أن الفتن بها متيسرة .
و أنا اتفق معك بقدر و لكن ..... افتح معي أخي الحبيب خريطة العالم و قل لي بربك أين هي البلاد التي تطبق شرع الله عز وجل كما ينبغي فتستطيع أن تعيش فيها آمناً من الفتن وأن ترى فيها تشجيعاً على الطاعة و الالتزام إلا ما رحم ربي ؟!
احذر أخي الحبيب أن تخدعك نفسك فتلتمس لها عذراً في معصية أو ذنب بحجة أن البلاد بلاد فتنة !! و هل كانت هناك بلاد فتنة أكبر من تلك التي نشأ فيها خير القرون ، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
ألم تكن الأصنام و الأوثان تعبد من دون الله ؟ ألم يكن الناس يتعاطون الخمر كالماء و الهواء ؟ ألم تكن الرايات الحمر ترفع على خيام البغايا تدعو كل من يريد المتعة الحرام ؟
فلا تدع لنفسك المجال أخي أن تحتج بالحياة في بلاد الغرب .. فبلاد الشرق ليست أسعد حالاً .. نسأل الله عز وجل أن يعيد بلاد الشرق والغرب إلى دينه مرداً جميلاً .
ـ و ختاماً أخي الحبيب :
تيقن أن الله عز وجل حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة، وتيقن أننا نحصد ما نزرع ونجني ما نبذر ... فمن كانت حياته ملؤها الطاعة و التوبة لله والاستقامة على أمره فخاتمته حسنة إن شاء الله، ومن كانت حياته ملؤها المعصية والغفلة عن الرجوع لله فهذا من يخشى عليه سوء الخاتمة .
فأنت تخاف من سوء الخاتمة .. و هذا أمر حسن وليس بمشكلة أبداً .. فليدفعك إذاً هذا الخوف أن تنطلق في ميادين الطاعات و أن تستزيد في كل يوم قرباً من الله عز وجل و خشية له .
أسأل الله عز وجل أن ينعم علينا جميعاً بمعرفته و توحيده و الاستقامة على أمره و أن يرزقنا حسن الخاتمة وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
ـــــــــــــــــــ
البحث عن الإحسان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أدرك أن الإحسان شيء جميل ، وهو من الأمور التي حث عليها الشرع ، ولكن أريد أن أطبقه في حياتي، وأن أتصف بالإحسان في عملي ، فكيف لي بهذا ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ الدكتور عبد اللطيف محمد العبد أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بكلية دار العلوم- جامعةالقاهرة: :(33/1166)
أهلا ومرحبا بك الأخ الكريم
الإحسان لغة: فعل ما هو حسن ، مع الإجادة في الصنع ..
وشرعا: أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك. فهو فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير فضلا ومحبة، والأفضل أن يكون ذاتيا دائما دون نقص أو انقطاع ، لأنه عمل بالفضائل ، ولأنه قربة إلى الله تعالى.
وجاءت مادة "حسن" في القرآن الكريم بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة منها اثنتا عشرة مرة بلفظ "إحسان" وهذا دليل على أهمية هذا المقام في الإسلام ، حيث أمر به الله عز وجل في مثل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}(النحل:90).
ويقوم الإسلام على ثلاثة أمور: الإسلام والإيمان والإحسان. فالإحسان: جزء من عقيدة المسلم، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه ، فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم" فسمى الثلاثة دينًا ، وفى الإجابة عن الإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه البخاري.
وأوضحت السنة النبوية أن الإحسان كالروح يجب أن يسرى في كل أمور المسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء.." رواه مسلم. فتقوم حياة المسلم كلها على الإحسان في كافة أمور حياته .. في سلوكياته وعبادته وأموره المختلفة ..ونذكر من جوانب الإحسان على سبيل المثال:
والإحسان في العبادات: يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها ، مع استغراق المؤمن في شعور قوى بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكاًنه يراه تعالى ، ويشعر باًن الله تعالى مطلع عليه ، كما جاء في حديث جبريل.
والإحسان في باب المعاملات: يكون ببر الوالدين ، من حيث طاعتهما ، وإيصال الخير إليهما ، وكف الأذى عنهما ، والدعاء والاستغفار لهما ، وإكرام صديقهما ، وإنفاذ عهدهما. قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}(النساء :36) ثم ذكرت الآية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهى {وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}(النساء:36).
وقد ورد توجيه نبوى فى الإحسان إلى الخادم ، وذلك بإعطائه أجره قبل آن يجف عرقه ، وبعدم تكليفه ما لا يطيق. فإن كان مقيمًا بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء، كما فى حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين ، أو أكلة أو أكلتين ، فإنه وَلِى علاجه"رواه البخاري.
والإحسان فى العلاقات الاجتماعية: فقد أمر به الإسلام بالنسبة للزوجة فى حسن معاملتها وإيفائها كافة حقوقها وحسن عشرتها، والاحتكام إلى أهلهما إن اختلفا، وعدم الإضرار بها بوجه من الوجوه كما ورد فما غير آية من القرآن وفى قوله صلى الله(33/1167)
عليه وسلم:"استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان". وقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" أخرجه الترمذي.
وهكذا يتنوع الإحسان تبعا لأحوال الآخرين: فهو للأقرب ببرهم والرحمة بهم والعطف عليهم مع الأقوال والأفعال الطيبة.
ولليتامى بصيانة حقوقهم ، وتأديبهم ، وتربيتهم ، وعدم قهرهم. وللمساكين بسد جوعتهم ، وستر عورتهم ، والحث على إطعامهم ، وإبعاد الأذى والسوء عنهم.
ولأبناء السبيل بقضاء حاجتهم ، وصيانة كرامتهم وبإرشادهم وهدايتهم.
ولعامة الناس بالتلطف فى القول ، والمجاملة فى المعاملة ، مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ورد حقوقهم ، وكف الأذى عنهم. والإحسان للحيوان بإطعامه إذا جاع ،ومداواته إذا مرض ، والرفق به فى العمل ،وإراحته من التعب.
والإحسان فى العمل : إنما يكون بإجادته ، وإتقان صنعته ، مع البعد عن التزوير والغش ، روى فى الحديث النبوي: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" والإتقان إحسان الصنع.
هكذا تكون حياة المسلم سلسلة من الإتقان والتميز والبر في كافة أمور حياته بما يعود عليه وعلى مجتمعه وأمته بالنفع .. رزقنا الله الإحسان والإخلاص فى القول والعمل .. اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــ
حال المؤمن وقت الفتنة ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
سيدي الشيخ الفتن قد أحاطت بالعالم الإسلامي شرقا وغربا فما هي الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى المسلم بها في وقت الفتن؟ وما يجب علينا فعله في هذه الآونة العصيبة ، لنحتمي من هذه الفتن ؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
لو كنا نتحدث عن مساحة التنظير للمسألة ، فيمكن لكبار علمائنا أن يوضحوا وسائل الخروج من الفتنة للأمة ، غير أنه من المفيد أن ننظر نحن الصغار إلى أنفسنا ، وأن نتحدث في مساحة التغيير والحماية الفعلية لواقعنا الصغير، ومن هذا الواقع الصغير يتجمع لدينا إسهام لا بأس في التغيير الكبير .
ولهذا، فإننا سنجيبك في هذه الاستشارة عن محورين المحور العام ،و المحور الخاص.
أما عن المحور الخاص :
فإن الفتن التي يتعرض لها آحاد الناس تختلف من شخص لآخر ، فهناك من الناس من يتعرض لفتنة المال ، وقد ذكر القرآن الكريم قصة قارون حين قال عن ماله :((33/1168)
إنما أوتيته على علم عندي )، وفتنة المال من أكبر الفتن التي تتعرض لها الأمة ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :" فتنة أمتي المال " .
ومن الناس من يتعرض لفتنة النساء، وقد حكا القرآن الكريم عن هذه الفتنة ، و أثرها في تغيير سلوكيات البشر، أو ثباتهم ، وأوضح أنها من أشد الفتن على الإنسان، حين أشار القرآن إلى هذا بعد عرض قصة يوسف – عليه السلام – مع امرأة العزيز :( إن كيدكن عظيم ).
وهناك من الناس من يتعرض لفتنة الإعجاب بالنفس ، والفرح بكل ما يفعله الإنسان ، وأن يحب الإنسان ظهور نفسه في صورة هي أكبر من حجمه الطبيعي ، وقد أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال :" المتشبع بما لم يعط ، كلابس ثوبي زور"، وأشار إليها القرآن الكريم بوصفه لهذه الفئة : ( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب).
وهناك من يتعرض لفتنة الجاه والسلطان ، وحبه للمناصب الرفيعة ، وإن لم يكن قادرا عليها ، وليس له فيها شيء ، إذ هو ليس من أهلها ، ولهذا حين طلبها أبو ذر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال له :" استعملني يا رسول الله ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" يا أبا ذر إنك ضعيف ،وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها " ، وهذا خلاف من لا يرى في نفسه عجبا ، ويجد في نفسه القدرة على نفع المسلمين ، فهؤلاء لهم أن يتقدموا من باب الإنقاذ والسعي للإصلاح، وتحقيق مسيرة الإصلاح في الأرض، وهذا ما عبر عنه يوسف عليه السلام ، حين قال لملك مصر ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) .
وغيرها من الفتن التي يتعرض لها الأشخاص ، فهذه الفتن يجب أن نواجه كل فتنة بالوسائل المناسبة لها ، ففتنة المال تقابل بتحري الحلال ، وأن يوجد الإنسان لنفسه البديل عن الحرام ،فهو يبتعد عن الحرام والشبهة ، ويطرق أبواب الحلال التي تجعله في غنى مقبول عند الله سبحانه وتعالى ، يحصل عليه الإنسان من كده وتعبه ، وينفقه في أوجه الخير ، ويعلم أنه محاسب عليه مرتين :" من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟" .
وفتنة النساء تكون بالعفة والطهارة ومراقبة الله تعالى ، وبالبديل المباح وهو الزواج، وغيرها من الوسائل المباحة .
وهكذا في كل فتنة .
ودور آخر من الأدوار التي تنبع من واقع المجتمع في مواجهة الفتن أن نرشد الناس إلى ما نعرفه ، وأن نوضع لهم سبل النجاح ، والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها كل منهم في فتنته ، ومن مجموع هذا تكون الأمة قد تحركت لمواجهة الفتنة ، وتحلت بالأخلاق الفاضلة المناسبة لوقت الفتنة .
و أما عن المحور العام فنحيلك إلى ما قاله فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية، حيث يقول :
للفتن أخلاق يجب التحلي بها حتى لا تؤثر تلك الفتن سلبا على الإنسان، أو يكون هو بنفسه يؤثر سلبا على جماعة المسلمين .. ومن تلك الأخلاق :
أ- التأني والرفق والحلم وعدم العجلة :(33/1169)
فالتأني والرفق والحلم عند الفتن وتغير الأحوال محمود لأنه يُمكِّن المسلم من رؤية الأشياء على حقيقتها وأن يبصر الأمور على ما هي عليه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم . وقال عليه الصلاة والسلام لأشج عبد القيس : ( إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة ) رواه مسلم ( 24 ) .
فعلينا جميعاً بالرفق في الأفكار والمواقف وفي كل ما يجدّ من الحوادث وعدم العجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإِسلامية وخاصة في زمن الفتن .
ب- الصبر:
نحتاج إلى الصبر كثيراً ، وخصوصاً عند الفتن . يقول الله تعالى : " ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "(البقرة:152) .
وعن أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ . " أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة بشواهده .
فاصبر فإنك في النوازل رائد والدرب نعلم شائك وطويل ..
فالصبر روضات لأبناء الهدى ولجنة الرحمن تلك سبيل ..
وبالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف، ولذلك وَعَى السلف الصالح أهمية الصبر عند وقوع الفتن والحوادث، وإليك نماذج مْن سيرتهم :
- لما كان الصحابة رضي الله عنهم يعذبون ويفُتنون في صدر الإسلام بمكة كان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكرهم بالصبر، ومنهم آل ياسر فإذا مر بهم قال : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة . صححه الألباني في تخريج فقه السيرة .
- عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ، فَقَال:َ "اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ" سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه البخاري
وقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ . " فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : أَبْصِرْ مَا تَقُولُ . قَالَ : أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا : إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ . أخرجه مسلم
قال النعمان بن بشير : " إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتن فأعدوا للبلاء صبراً "
- عندما واجه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الفتنة العمياء بخلق القرآن في أيام المأمون ثم المعتصم ثم الواثق وما أصابه من الحبس الطويل والضرب الشديد(33/1170)
فصبر وتمسك بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم حتى نصره الله وفرَّج عنه الغمة.
ج- العدل والإنصاف في الأمر كله:
فإن من أقوى أسباب الاختلاف بين العباد وخصوصاً زمن الفتن فقدان العدل والإنصاف ، ولو جاهد المسلم نفسه لتحقيق صفة العدل مع نفسه ومع الناس فإن كثيراً من المشاكل التي تحصل بين المسلمين سواء منها الفردية أو الجماعية ستزول وتحل بإذن الله تعالى .
يقول الله تعالى : " وإذا قلتم فاعدلوا "(الأنعام:152) . ويقول تعالى : "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"( المائدة:8).
فلا بد من العدل في الأقوال والأعمال وخصوصاً زمن الفتن ، بمعنى أن يأتي الإِنسان بالأمور الحسنة والأمور السيئة ثم يوازن بينهما وبعد ذلك يحكم ، لأن في الموازنة عصمة للمسلم من أن ينسب للشرع ما ليس موافقاً لما أمر الله به وبالتالي يكون عدلك وإنصافك في الفتنة منجياً بإذن الله تعالى .
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
أوصيكم أيها الأخوة بالعدل في الأمور كلها ، والموازنة بينها ، والحكم للراجح فيها ، والتسوية بينها في الحكم عند التساوي ، وهذه قاعدة كبيرة يجب على العاقل أن يتمشى عليها في سيره إلى الله وفي سيره مع عباد الله ليكون قائماً بالقسط "إن الله يحب المقسطين"(الحجرات:9) .
وإليك نموذجاُ من نهج سلفنا الصالح في حرصهم على العدل والإنصاف :
روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ مِمَّنْ أَنْتَ فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقَالَتْ كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ فَقَالَ مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ فَقَالَتْ أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ .
قال النووي رحمة الله معلقاً على هذا الحديث :
فِيهِ : أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُر فَضْل أَهْل الْفَضْل ، وَلا يَمْتَنِع مِنْهُ لِسَبَبِ عَدَاوَة وَنَحْوهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة قَتْل مُحَمَّد هَذَا ، قِيلَ : فِي الْمَعْرَكَة ، وَقِيلَ : بَلْ قُتِلَ أَسِيرًا بَعْدهَا . . . أهـ
نرجو أن نكون أسهمنا بشيء يرشدك إلى ما يمكنك فعله وقت الفتن.
ـــــــــــــــــــ
تصرفات أمي لا أخلاقية فماذا أفعل؟ ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد السلام يبدأ الكلام.. أبدأ كلامي باسم الله لعله يعينني على مصبيتي..(33/1171)
مشكلتي أن أمي تتصرف تصرفات غير أخلاقية لا تناسب مجتمعنا وديننا الحنيف حيث إنها تعود إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل وتضع مساحيق التجميل .. وحاولت بدوري أن أنصحها بسبب أن ذلك قد بدأ يؤثر على سمعتنا، لكن محاولاتي باءت بالفشل ؛ لأنها كانت تكذب وتقول لي إنها قد تأخرت في مكان ما، وأبي يعلم بذلك ولكن أبي لا يعلم بحقيقة أفعالها.
وأنا أخشى على والدي لأن حالته الصحية لا تسمح بإخباره بالحقيقة لأنه مصاب بالقلب والانفعالات تضر به.
فهل يمكنني أن أضغط عليها بمقاطعتها وإني على يقين بأفعالها المنافية للدين وللأخلاق، ولكن اعذرني لا أستطيع أن أشرح لك أفعالها بالتفصيل لأني أريد الستر على والدتي فهي التي ولدتني..
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ جمال عبد الناصر من فريق استشارات إيمانية بمصر :
الأخت الفاضلة ريانة..
جزاك الله خيرا على هذه الغيرة المحمودة التي جاءت في مكانها والتي تدل على عميق إيمانك بالله عز وجل؛ فالقلب الذي يستنكر المنكر ويأمر بالمعروف هو قلب بالله متصل عميق الإيمان فنسأل الله عز وجل أن يثبتك على هذا..
وبعد فإن الله عز وجل قد حثنا على طاعة الوالدين وقرنها بتوحيده سبحانه {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}( الإسراء:23).
حتى لو وصل الأمر بهما إلى الكفر {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}( العنكبوت:8)، {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}( لقمان:15)، فلا بد من الأدب معهما في كل الأحوال حتى ولو وصل الحال إلى الكفر والشرك فلهما حق البر والمصاحبة، وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين بالشرك بالله حيث قال: " إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس؛ وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة" (أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن حبان في صحيحه).
ولنا في خليل الرحمن إبراهيم القدوة الحسنة إذ ابتلي في أبيه الذي كان يصنع الأصنام فماذا فعل معه؟ وكيف دعاه ؟ .. يقول الله عز وجل فى كتابه عن هذا الموقف العصيب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ(33/1172)
الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}(مريم:41-47).
هكذا ظل الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو والده بكل أدب واحترام وود، واختار أفضل وأرق الأساليب {يَا أَبَتِ} كي يستميل قلب أبيه ويدعوه بالحسنى، ولكن أباه أبى واستكبر فماذا قال له {سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}.
أعلم جيدا أن الأمر شاق عليك وصعب ولكنه الابتلاء يا أختاه {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}(العنكبوت:2) ويبتلى المرء على قدر إيمانه، وأشد الناس بلاءا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
فلتدعي والدتك بالحسنى، وتقربي إليها وتوددي لها واجعلي بينك وبينها حبل مودة ترسلين عليه ما تشائين من نصائح، فالوصول إلى القلب مهارة لا بد منها في الدعوة إلى الله، ولئن يهدي الله بك والدتك خير لك من الدنيا وما فيها مصداقا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأوصيك ببعض النصائح التي أرجو أن تكون نافعة في تعاملك معها :
عليك أن تأخذي بيدها ولا تفضحيها فمن ستر مسلما ستره الله .
أحضري لها الشرائط والكتيبات بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
تحدثي أمامها عن أمهات المؤمنين، وعن الأخوات الملتزمات وكأنك لا تعرفين شيئا مما يحدث.
اصبري كثيرا في نهيها عن المنكر فقد قال الله تعالى على لسان لقمان الحكيم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(لقمان:31). فجاء بالصبر بعد النهي عن المنكر لما له من عواقب تستدعي الصبر وقوة العزيمة.
صلي لله ركعتين بجوف الليل، وادعي الله كي يهديها، ارفعي يديك إلى الله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}(النمل:62).
أكثري من الطاعات ، و تقربي إلى الله كي يهدي لك والدتك فما ذلك على الله بعزيز.
فإن لم تستجب لك فانظري أقرب خالاتك لها أو أخوالك وعرضي لهم بالأمر فربما يؤثرون عليها
أظهري مقاطعتك لها إن أبت الإقلاع عما هي فيه، ولكن بكل أدب واحترام مع مراعاة حق الأمومة.
ولا داعي لإخبار والدك بهذا الأمر؛ لأن الإخبار لن يجدي إلا المضرة فهو أمام احتمالين: إما أن ينهار وهو مريض كما قلت، وإما أن يضطر إلى تطليقها وكلا الأمرين مر.
وأخيرا..(33/1173)
اصبري ياأختاه وصابري واستعيني بالله ولا تعجزي فالله نعم المعين وهو خيرا حافظا وهو أرحم الراحمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
وندعو الله أن يصلح لك والدتك ويعينك على طاعته.
ويضيف مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
الأخت الفاضلة :
شكر الله تعالى لك .
ولن أضيف كثيرا على ما قاله الأخ العزيز جمال ، ولكن أقول لك:
الحب يصنع المعجزات ، فيبدو أن علاقتك مع والدتك متوترة ، وليس بينكما حوار أو صداقة ، فإن استطعت أن تصلي إلى حب أمك ، من خلال وسائل متعددة ، من قيامك بخدمتها على الوجه الأكمل ، ومن خلال بعض الهدايا ، ومن خلال الجلوس معها والحوار فيما يهمهما من قضايا ، اجعلي نفسك صديقة لها قبل أن تكون بنتها ، فالإحسان يا أختي يقلب الأمور، وصدق القائل :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ولطالما استعبد الإحسان إنسانا
قد يكون من غير المقبول في المرحلة الأولى الحديث معها مباشرة ، ولكن أشعريها بدون كلام، فالناس لا تحب النقد ، ولكن إشعارهم بالخطأ أمر هام ، ولهذا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يشير إلى الفعل دون ذكر أصحابه ، فيقول : " مال بال أقوام يفعلون كذا " .
واعلمي كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم :" ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه "، فترفقي بأمك ، وانظر مفاتيح قلوبها ، فإن فتح الله تعالى لك قلب أمك ، فقد فتح لها طريقا للصلاح.
وهناك أمر أخير ، وهو أننا دائما نركز في نظرتنا على الأشخاص بما يعلمون من سيئات ، وما يتصفون به من أخلاق سيئة ، أمك يا أختي ليست شيطانا ، ولكنها إنسان يخطئ ويصيب ، قد يكون الخطأ في هذه الفترة – حسب ما ذكرت – كثيرا ، ولكنه ليس متأصلا فيها ، فانظري لأمك بنظرة صادقة ، شجعيها على الأخلاق الفاضلة ، انظري محاسن أفعلها ، واشكريها عليها، فإن إحدى وسائل محاربة الشر، تنمية الخير ، فكلمنا كبرنا الخير في الناس ، كلما ماتت فيهم نوازع الشر.
نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم .
ـــــــــــــــــــ
تعسف الآباء في معاملة الأبناء ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أبي لا يبذل ما يلزم من النقود لتعليمي ودروسي وهو ما دفعني إلى العمل سراً لتوفير هذه النفقات، ولكن أبي علم عن طريق صديق لأخي فقام بمنعي من هذا العمل مع استمراره في عدم دفعه للنقود اللازمة لتعليمي ودروسي.. فماذا أفعل أمام هذا الظلم والجحود الواقع علي من أبي؟ ... السؤال
... ... الرد ...
...
...(33/1174)
يقول فضيلة الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
هذه الشكوى تمثل الوجه الآخر في علاقة الأولاد بآبائهم، فإن الغالب حدوث الشكاوى من الآباء بسبب عقوق أبنائهم وتنكرهم لما بذلوه في سبيل تربيتهم وتعليمهم، ولكن هذه الرسالة تشكو من تعسف بعض الآباء مع أبنائهم في عدم بذلهم الأموال التي تتطلبها مراحل التعليم المختلفة، وقبل أن نطالب الآباء بما يجب عليهم نحو أبنائهم نشير إلى أمرين هامين بشأن الأبناء:
أولهما: ما جاء في هذه الرسالة من عبارات لا تليق؛ حيث وصف الابن أباه بالظلم والجحود، وهذا تطاول على الآباء مرفوض، خصوصاً إذا عرفنا أن الإنفاق على الأبناء البالغين القادرين على الكسب هو من باب التفضل والإحسان؛ لأن نفقة الآباء على الأبناء واجبة حتى يبلغوا قادرين على الكسب، وعلى البنات حتى يدخل بهن الأزواج. ومن خلال هذه الرسالة يظهر أن الابن قادر على الكسب؛ حيث استطاع أن يجد عملاً يتكسب منه لولا منع أبيه له من هذا العمل.
ثانيهما: وصف الابن لأبيه بذلك هو نفسه ظلم وجحود من الابن لأبيه وليس العكس؛ لأن الظلم اعتداء على صاحب حق، والجحود عدم رد الحق على صاحبه. والأب هنا هو صاحب الحق في الحالين بسبب قيامه بما يلزم نحو تربية أبنائه وبذله الغالي والنفيس في توفير احتياجاتهم في التنشئة والتربية، والله يعلم مدى ما يتكبده الآباء في سبيل توفير هذه المساعدات التي يقدمونها لأبنائهم.
أما هذا الأب وأمثاله من الآباء القادرين على توفير مستلزمات التعليم ومع ذلك يبخلون بها على أبنائهم فنذكرهم بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) الآية، فالمولى سبحانه يأمر الآباء أن يقوا أنفسهم وزوجاتهم وأولادهم من النار حتى لا يكون الجميع وقوداً لها، ويكون الآباء سبباً لذلك إما بسبب عدم حضهم لهم على طاعة الله تعالى بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، والأب هو الوحيد الذي يستطيع ذلك مع أفراد أسرته طوعاً وكرهاً، وإما أن يقصر في توفير نفقاتهم اللازمة -مع قدرته على ذلك- وهو ما يدفعهم إلى التطلع إلى ما في أيدي الغير أو يحول دون قضاء مصالحهم وعدم تحقيق آمالهم المشروعة في الحياة؛ لذلك رخص المصطفى صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وبنيها بالمعروف من غير علمه. لذلك أقول للابن السائل: طالب والدك برفق وأدب حتى ينشرح صدره لمطالبك، واستعن على ذلك بوالدتك وأعمامك وكبار أفراد أسرتك القادرين على إقناع والدك. وأقول لهذا الأب وأمثاله: رحم الله امرأ أعان ولده على بره، والراحمون يرحمهم الرحمن، وظروف التعليم الآن تحتاج إلى تضحيات، وأحق الناس بهذه التضحيات هم الآباء
ـــــــــــــــــــ
وسائل علاج الغضب ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
إنني شديد الانفعال ، سريع الغضب ، وإذا حصل لي استفزاز ، فسرعان ما أثور فأكسر وأشتم وألعن وأرمي بالطلاق وقد سببت لي هذه المشكلة حرجاً كبيراً ،(33/1175)
وكرهني أكثر الناس ، حتى زوجتي وأولادي وأعز أصدقائي ، فماذا أفعل للتخلص من هذا الداء الوبيل وإطفاء هذه النار الشيطانية ؟ .
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
الغضب نزغة من نزغات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب ما لا يعلمه إلا الله ، ولذلك جاء في الشريعة ذكر واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحد من آثاره ، فمن ذلك :
1- الاستعاذة بالله من الشيطان: عن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان ، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) . رواه البخاري ، الفتح 6/377 .
2- السكوت :
قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) رواه الإمام أحمد.
وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين ، وبالجملة فالسكوت هو الحل لتلافي كل ذلك .
3- السكون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) .
ومن فوائد هذا التوجيه النبوي منع الغاضب من التصرفات الهوجاء لأنه قد يضرب أو يؤذي بل قد يقتل كما سيرد بعد قليل وربما أتلف مالاً ونحوه ، ولأجل ذلك إذا قعد كان أبعد عن الهيجان والثوران ، وإذا اضطجع صار أبعد ما يمكن عن التصرفات الطائشة والأفعال المؤذية ، قال العلامة الخطابي رحمه الله في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد ) . والله أعلم سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 .
4- حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال : لا تغضب ، فردد ذلك مراراً ، قال : لا تغضب رواه البخاري فتح الباري 10/465 .
5- لا تغضب ولك الجنة حديث صحيح :
صحيح الجامع 7374 ، وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465
إن تذكر ما أعد الله للمتقين الذين يتجنبون أسباب الغضب ويجاهدون أنفسهم في كبته ورده لهو من أعظم ما يعين على إطفاء نار الغضب ، ومما ورد الأجر العظيم في(33/1176)
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاء ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة رواه الطبراني .
وأجر عظيم آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن يُنفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) رواه أبو داود .
6- معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة ، قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرُّعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) رواه الإمام أحمد.
وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضح هذا الأمر ، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ) رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن.
7- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :
وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم " أي ما بين العنق والكتف " وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن.
ومن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم أن نجعل غضبنا لله ، وإذا انتهكت محارم الله ، وهذا هو الغضب المحمود فقد غضب صلى الله عليه وسلم لما أخبروه عن الإمام الذي يُنفر الناس من الصلاة بطول قراءته ، وغضب لما رأى في بيت عائشة ستراً فيه صور ذوات أرواح ، وغضب لما كلمه أسامة في شأن المخزومية التي سرقت ، وقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ وغضب لما سُئل عن أشياء كرهها ، وغير ذلك ، فكان غضبه صلى الله عليه وسلم لله وفي الله .
8- معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين :
وهؤلاء الذين مدحهم الله في كتابه ، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعدت لهم جنات عرضها السماوات والأرض ، ومن صفات أنهم : ) ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ما تشرئب الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : ( إذا ما غضبوا هم يغفرون ) .
9- التذكر عند التذكير :(33/1177)
الغضب أمر من طبيعة النفس يتفاوت فيه الناس ، وقد يكون من العسير على المرء أن لا يغضب ، لكن الصدِّيقين إذا غضبوا فذُكروا بالله ذكروا الله ووقفوا عند حدوده ، وهذا مثالهم .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل " العطاء الكثير " ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، وكان من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل رواه البخاري الفتح 8/304 . فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب رواه البخاري.
10- معرفة مساويء الغضب :
وهي كثيرة مجملها الإضرار بالنفس والآخرين ، فينطلق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل ، وهذه قصة فيها عبرة .
عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة " حبل مضفور " فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته ؟ قال : نعم قتلته ، قال : وكيف قتلته ، قال : كنت أنا وهو نتخبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته .. إلى آخر القصة . رواه مسلم في صحيحه 1307 .
وقد يحصل أدنى من هذا فيكسر ويجرح ، فإذا هرب المغضوب عليه عاد الغاضب على نفسه ، فربما مزق ثوبه ، أو لطم خده ، وربما سقط صريعاً أو أغمي عليه ، وكذلك قد يكسر الأواني ويحطم المتاع .
ومن الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق ، واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .
فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المر ، وكله بسبب الغضب ، ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسار .
وما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب أمر عظيم كما يصف الأطباء كتجلط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكتة مميتة أو مرض السكري وغيره ، نسأل الله العافية .
11- تأمل الغاضب نفسه لحظة الغضب:(33/1178)
لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرأة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه ، وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله ! نعوذ بالله من الشيطان والخذلان .
12- الدعاء :
هذا سلاح المؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور والآفات والأخلاق الرديئة ، ويتعوذ بالله أن يتردى في هاوية الكفر أو الظلم بسبب الغضب ، ولأن من الثلاث المنجيات : العدل في الرضا والغضب صحيح الجامع 3039 كان من دعائه عليه الصلاة والسلام : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي ، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب ، وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين ) . رواه النسائي في السنن 3/55 والحاكم وهو في صحيح الجامع 1301 .
ـــــــــــــــــــ
صل رحمك.. وإن جاهداك ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك خصام بين والدي وبين بعض أقاربي من الرحم ، فهل إذا وصلتهم دون علم والدي أكون عاقا لهما ،علما بأني لو أعلمت والدي فسيغضبان علي؟ فأنا في حيرة، إذا قطعت الرحم كنت آثما، وإذا خالفت والدي كنت آثما، فماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا.
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
شكر الله تعالى لك حرصك على صلة رحمك، وعلى برك لوالديك ،وهذا من شيم الصالحين إن شاء الله تعالى.
ولكن اسمح لي أن أقول : إننا دائما في تفكيرنا لا نتذكر ثقافة الجمع ، يعني في كثير من أمور حياتنا نقول :إما كذا أو كذا ، ولكنه من الممكن أن نجمع بين الأمرين ، بين صلة الرحم وبين بر الوالدين ، حتى لو كان الآباء يريدون منعنا من صلة الرحم.
وهناك بعض الحقائق التي يجب أن تكون أساسا للتعامل في هذا الأمر:(33/1179)
1. أن الشريعة حاكمة لنا جميعا بلا استثناء ، آباء وأبناء ، أقارب وأجانب ، ونجد في كتاب ربنا قوله سبحانه وتعالى :" وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم فيه تختلفون ". وهذه آية تعتبر نصا قريبا في مسألتك ، فأي أمر من الوالدين في معصية الله ، فالواجب عصيانهما ، واتباع أمر الله سبحانه وتعالى، لأن الذي سيحاسب العباد آباء وأبناء هو الله سبحانه وتعالى ، فأنت عبد، ووالدك عبد ، ووالدتك أمة لله، وكلنا جميعا سواسية أمام الله تعالى في الحساب ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.
2. أن الاستسلام للخطأ أمر غير مقبول ، وإن تغاضينا عنه وقتا لعلاجه ، فهناك من الأمور الثابتة التي يجب أن نحافظ عليها ، منها صلة الرحم ، ولا يسمع لأي أحد في هذا أبدا ، الأمر الآخر أننا نسعى مع الوالدين أن يعودا للحق والصواب ، وكما حافظنا على أمر الله تعالى ، نأخذ بأيديهم إلى هذا الحق ، وهذا من واجبنا تجاه من نعرف ونحب ، وإن كان الله تعالى أمرنا بالبر للوالدين ، أليس من البر أن نأخذ بأيديهم إلى الله تعالى ؟ وأن نعيدهم إلى جادة الصواب ؟!! إن آباءنا وأمهاتنا ليسوا ملائكة تمشي على الأرض، إنما بشر ،يصيبون ويخطئون ،ونحن نقتدي بهم في الصواب ، ونأخذه بأيديهم عند الخطأ، وهذا من باب إسداء النصح لهم ، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه: "الدين النصيحة؟ قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
3. أن المناقشة والحوار المفتوح من أنجح الأساليب بين الناس ، فكن صديقا لأبويك، وتناقش معهما ، وصوب ما في كلامهما من صواب ، والتمس العذر لهما فيما لا يعجبك ، وترفق بهما ، حتى تصل إلى إسداء الجميل لهم، وتعديل سلوكهما .
وأنقل لك ما قاله الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي من علماء الأزهر عن طاعة الوالدين، حيث يقول :
أولا: بر الوالدين والإحسان إليهما يلي حق الله تعالى بالوجوب والاستحقاق، كما أن عقوق الوالدين- والعياذ بالله- يأتي بعد الإشراك بالله في عظم الجرم وكبر الذنب قال تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وجاء في سورة مريم مما أنطق الله تعالى به عيسى وهو ما يزل بعد في المهد صبيا (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي). كما في الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله ؟ قال:" الصلاة على وقتها" قلت ثم أي ؟ قال:" بر الوالدين" يلاحظ في هذه النصوص بالنص على حق الله تعالى أولا وأعقبت ذلك بحق الوالدين.
ثانيا: من النصوص القطعية "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ومنها أيضا "إنما الطاعة في معروف" ومنها ما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" .
ثالثا: وعلى هذه النصوص فلا إثم عليك في صلة رحمك التي أمرك الله تعالى بوصلها بينما يأمرك الوالدن بقطيعتها.(33/1180)
رابعا: على أنه ينبغي أن تدرك جيدا أن اختلاف الرأي بينك وبين والديك لا يفسد للود قضية، ولا يسقط عنك ما أوجب الله عليك من الإحسان إليهما والبر بهما.
خامسا: رفعا للحرج عنك ودفعا للمشقة بوسعك أن تقوم بصلة رحمك وليس بالضرورة أن يكون ذلك بعلم والديك، كما أن لك أن تخلص النية في القيام بهذه الشعبة من شعب الإيمان وهي صلة الرحم إليهم، فلتستخف بصلتك لهؤلاء الأقارب عن سمع وبصر والديك ويكفيك علم الله بك، قال تعالى{ ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} الإسراء.
سادسا:إذا فتح الله عليك وألهمك بابا من أبواب الرشد تسعى به إلى التقريب بين والديك وبين أقاربك فتقرب بين التباعدين وتصلح بين المتفاسدين فتكون بذلك حققت شعبة ثالثة من شعب الإيمان وهي إصلاح ذات البين لقوله تعالى { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} نسأل الله لك السداد والرشاد.
ونسأل الله تعالى أن يصلح لكم الأحوال
ـــــــــــــــــــ
جن داخل أختي يمنعها من الزواج ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
لى أخت سنها 28 سنة جميله ومؤدبة ومتعلمة، وتقوم بأداء كافة الفرائض، وتقرأ القرآن وتصوم وتصلى ومتدينة.
والمشكلة تكمن في أنه لم يتم لها خطوبة بالرغم من خطوبتها مرتين، وتنتهي الخطوبة لأسباب تافهة، وتقدم لها العديد من الشباب ولأسباب لا يتم استكمال الخطوبة، وتشك في أن هناك جانا بداخلها لإحساسها به أثناء النوم يعاشرها، ولا تحس بذلك أثناء فترة خطوبتها؟
فما رأيكم.. جزاكم الله خيرا .
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق من فريق استشارات الإيمانية بمصر:
الأخ الكريم أحمد ..
شكرا لك ثقتك بنا، وندعو الله عز وجل أن نكون عند حسن ظنك..
أما عن مشكلة أختك الفاضلة فلقد تأثرت بها كثيرا وأقدر جدا ما تعانيه أنت وأسرتك وأختك لأن مثل هذه المشاكل لا تسبب الألم لصاحبها فقط بل تمتد للأسرة بأكملها، ولكن عند عرض مشكلة أختك الكريمة لم تفصل لنا مثلا أسباب فسخ خطبتها مرتين واكتفيت بقولك أن الأسباب تافهة !! ولم توضح هل الأسباب متعلقة بالخاطب المتقدم أم متعلقة بأختك نفسها؟ لأن المشكلة التي ذكرتها الخاصة بإحساسها بوجود جني داخلها قد تنعكس بشكل أو بآخر على علاقتها بخطيبها وعلى حالتها النفسية ، ومع أنك ذكرت أنها لا تحس بذلك أثناء فترة الخطوبة إلا أنني أرى أن حالة مثل حالة(33/1181)
أختك قد تكون بسبب حالة نفسية يدخل تحتها نوع من أنواع الهلاوس والخيالات وهو إحساس الفرد بأن هناك قوة ما تجامعه .
وهذا المصاب الذي أصيبت به أختك ما هو إلا نوع من أنواع البلاء الذي لا نملك أمامه إلا الصبر والحكمة والأخذ بأسباب العلاج السليم فهو القائل عز وجل "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
فنحن نبتلى بالشر ليكشف الله عز وجل لنا مدى احتمالنا ومدى صبرنا ومدى ثقتنا في ربنا عز وجل ورجائنا في رحمته ، فتستيقظ النفس وتعلو الهمة لمواجهة البلاء، فلتكن أختك الفاضلة ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :"عجبا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" .
أما أن يكون الاعتقاد السائد عندكم وعندها أنه جني وأنه يعاشرها فهذا اعتقاد خاطئ يا أخي الكريم؛ لأن الجن خلق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى. أما أن يكون للجن دور في حياة الإنسان سواء بالخير أو بالشر فهو أمر لا علاقة له بالواقع إلا بأمر الله عز وجل.
لأنه القائل عز وجل "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" أي أنه لا سلطان لجن على بشر إلا إذا تملك الشيطان من النفس وأحكم سيطرته على العقل والنفس هنا يكون الإنسان قد وقع بالفعل في حبائله التي لا فكاك منها إلا بالاستعانة بالله عز وجل واللجوء إليه . أما الاعتقاد الخاطئ بتلبس الجني للبشر فهو نوع من أنواع الهروب إلى عالم خفي كعالم الجن لنحمله مسؤولية مرضنا النفسي أو حتى العضوي.
إن ما عليك فعله يا أخي الكريم هو مراجعة حالة أختك بموضوعية تبدأ أولا بالاستعانة بطبيب نفسي مسلم وواع وهو الذي سوف يحدد حالة أختك بطريقة صحيحة، ويحدد كذلك طريقة العلاج السليمة التي سوف تتبعها إما الدخول في متاهة الشيوخ والدجالين والمشعوذين والوصفات الأخرى إلى آخره من هذه الخرافات، فهذا ما أحذرك منه تماما؛ لأننا لم نسمع أن رسولنا الكريم لجأ إلى هذه الوصفات الغريبة، ولم نسمع عنه إلا المعوذتين وبعض الأدعية المأثورة والرقية الشرعية، ولتعلم جيدا يا أخي الفاضل أن إرادة الإنسان نفسه وثقته بخالقه وعلمه أن قدرة الخالق عز وجل على شفائه ودفع الأذى والضر عنه هو أول طرق العلاج الناجع بإذن الله، فليس هناك ما يمنع من الجمع بين الدواء والدعاء وقراءة القرآن والرقية الشرعية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإنسان جسد وروح، وللجسد ما يفيده من دواء وللروح ما يشفيها ويخفف من آلامها وجروحها النفسية من تقرب إلى الله والتجاء واعتصام به عز وجل
فكن عونا لأختك الكريمة يا أخي الفاضل على الخروج من محنتها النفسية وساعدها على سلك الدرب السليم في التخلص من هذا البلاء.
ودعائي لك ولها بالعفو والعافية وأن يمن الله عليك وعليها بالسعادة والخير والتوفيق والسداد بإذن الله .
ـــــــــــــــــــ(33/1182)
الثناء على الله .. وسائل مقترحة ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أحب أن أثنى على الله تعالى ، غير أني لا أريد كيف أثني عليه سبحانه وتعالى ؟
وما الذي يمكن أن أقوله أو أفعله حتى أقدم شيئا جميلا في الثناء على الله تعالى؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي داعية ليبي مقيم بسويسرا:
بسم الله المتفضل بكمال الجلال ، المتعالي عن الوصف والمثال ، سبحانه جل و علا من رب كريم منان .
والحمد لله على خير من أثنى على ربه ، وتقرب إلى لطفه ، معدن الخير والكمال الإنساني سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ثم هو الشكر للأخت على هذا السؤال الجميل ، الذي حرك معاني الأشواق لرؤية الرب الكريم ، والتنعم بنور وجهه سبحانه وتعالى ، في يوم تبلى فيه السرائر ، ويكشف عن مخبوء النفوس ، وما تستره من طقوس ، فنسأل الله لكِ ولي الستر والسداد ، والعتق يوم التغابن من نار تلظى .
الثناء من قبل العبد لله تعالى يحوي معان هي : المدح ، والشكر ، والحمد . وبين هذه الألفاظ عموم وخصوص ، فالحمد والشكر ، يقول فيهما العلامة الشنقيطي :
فالحمد بالثناء مطلقا بدا *** كان جزاء نعمة أو ابتدا
والشكر ما كان جزاء للنعم *** فالحمد من ذا الوجه وحده أعم
والشكر يأتي عند كل شارح *** بالقلب واللسان والجوارح
والحمد باللسان لا غير وسم *** فالشكر من ذا الوجه وحده أعم
فالحمد هو الثناء والمديح المطلق لله عز وجل ، سواء كان المدح أو الثناء جزاء نعم الله على العبد ، أو هو الشكر ابتداء من غير ارتباطه بنعمة محددة .
والشكر مرتبط دائما بنعم الله على العبد ، كما أن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح ، من حيث امتثال الأخيرة لأوامر الله تعالى .
والحمد يكون باللسان فقط ، والشكر كما مضى أعمل وأشمل .
يأتي الثناء ها هنا ليكون هو تاج العارفين الذي يحوي الشكر والحمد معا ، وهو يتميز كونه من اللسان ، لكنه ذو صلة بالقلب ، بل هو من القلب ينبع ، وعلى قدر الثناء وما يتلفظ به العبد لله تعالى من ألفاظ حِسان يكون هو حال القلب ومدى تعلقه بالرب الكريم المتعال .
والثناء يكون بقدر عظم مكانة الرب في قلب العبد ، ومدى معرفته بجلاله وكماله ، ومدى حياة القلب بجمال الله تعالى ، وأسمائه وصفاته . لذا يبرز هنا أمر مهم ، وهو: مدى معرفة العبد بربه وما يتصف به ، كي تخرج تلك المعاني القلبية ، إلى ألفاظ مبنية فيكون ثمة الإبداع في مبدع الكون سبحانه وتعالى .(33/1183)
فلا غرو أن نجد النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح : ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) .
وهذا الإحصاء لأسماء الله تعالى ليس المراد به الحفظ اللساني والقلبي عن ظهر غيب، دون التمعن والتدبر في معاني هذه الأسماء ، بل دون التحرك بها في واقع الحياة ، وصناعة الأمور ، فكل اسم لله تعالى له معنى ، يراد للعبد أن يتحقق به ، في قلبه حتى يتشربه ، فيكون منه التأثر بدرجات ، فيكون ثمة الحمد ، ويكون الشكر ، ويكون أبرزها الثناء على ذي الجلال والكمال .
فكما أن معاني أسماء الله وصفاته لها أثر في كيفية المدح وألفاظه ، فإن غزارة المعاني القلبية في قلب العبد لها أثرها الكبير أيضا ، من حب وخوف ورجاء وتوكل، ونحو ذلك ، فمن كانت هذه المعاني في نفسه باهتة وغير متفاعل معها ، أنا له بمدح الله تعالى ، إلا وهو مفرغ المضمون .
إضافة لغزارة المادة التعبيرية ، فمن كان دائم الاطلاع على كتب الرقائق ، تجدينه يأخذ منها ويصطاد المعاني الطيبة ، ويسجلها ويدونها ، ويرددها ، بل ويعيش معها ، فتكون بعد فترة - بحسب الحال - هي معانيه وهي ألفاظه .
وهو أمر من توفيق الله تعالى ، يوفق له بعض عباده الصالحين ، لأنه من أعظم القرب وأجلّها عند الله تعالى ، ومهما يوفق العبد لأبواب الثناء على الله تعالى ، لا يقدر على إيفاء الرب الكريم حقه من المدح وعبارات ومعاني الثناء ، للعجز عن إدراك الله تعالى .
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) وهو عليه الصلاة والسلام أعبد الخلق لله ، قال الغزالي في الإحياء : " ليس المراد أني عاجز عن التعبير عما أدركته بل معناه الاعتراف بالقصور عن إدراك كنه جلاله ، وعلى هذا فيرجع المعنى إلى الثناء على الله بأتم الصفات وأكملها التي ارتضاها لنفسه واستأثر بها فهي لا تليق إلا بجلاله ".
لا نحصي ثناء عليك أي لا نطيقه ولا نبلغه ولا تنتهي غايته ، ومنه قوله تعالى : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } [ المزمل: من الآية20 ] أي لن تطيقوه ، أنت كما أثنيت على نفسك ، اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء ، ورد ذلك إلى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفضيلا ، فكما أنه تعالى لا نهاية لسلطانه وعظمته فكذلك لا نهاية للثناء عليه لأنه تابع لسلطانه وعظمته فكذلك لا نهاية للثناء عليه.
وفي يوم القيامة عند الكرب ، وعند الشفاعة ، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فيلهمني الله من الثناء عليه ما لم يلهمه لأحد من قبلي ..) فكون المقام صعب وموقف كرب ، وموقف شفاعة يكون الإلهام للثناء الذي لم يعطه أحد من البشر ، فيكون ثمة قبول لشفاعة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فينا .
وخير من يدرك الألفاظ ويعطيها قيمتها هو حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ، فعن أنس رضي الله عنه قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بأعرابي وهو يدعو في صلاته وهو يقول : يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ، ولا يصفه الواصفون ، ولا تغيره الحوادث ، ولا يخشى الدوائر ، يعلم مثاقيل الجبال ، ومكاييل البحار ، وعدد الأمطار ، وعدد ورق الأشجار ، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق(33/1184)
عليه النهار ، ولا تواري منه سماءٌ سماء ً ، ولا أرض أرضاً ، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره... اجعل خير عمري آخره ، وخير عملي خواتمه ، وخير أيامي يوم ألقاك فيه .
فوكّل النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلاً فقال : إذا صلى فأتني به ، فلما صلى أتاه ، وقد كان أهدي له ذهب من بعض المعادن ، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال : ممن أنت يا أعرابي ؟ قال : من بني عامر بن صعصعة ، قال : هل تدري لم وهبت لك الذهب ؟ قال : للرحم بيننا وبينك ، قال : إن للرحم حقاً ، ولكن وهبت لك الذهب ( بحسن ثنائك على الله تعالى ) [ أخرجه الطبراني في الأوسط كذا مجمع الزوائد 10/15] .
فهو الذهب أخيتي ، ذهب من فم أعرابي ، يقابله ذهب من النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الخلق بالله ، وما ذلك إلا تقديرا للثناء على الله تعالى .
وتعليما للأمة كيف تتعامل مع ربها وتثني عليه ، وكيف يكون جزاء الإبداع الإيماني ذهبا خالصا ، يستحق أن يكافأ عليه أعرابي يصلي ركعتين ، فيستحق الذهب من خير البرية عليه الصلاة والسلام.
إن هذا الحديث يعلمنا أن الإبداع الإيماني - المقيد بالشرع - هو مطلب نبوي عالي الحث ، وهو سمت لأهل الصلاح والحال مع الله ، إذ حياة القلوب هي التي تفيض بمثل هذا الإبداع ، ولن تتذوق القلوب هذه المعاني ، ولا تنطق ثنايا الفم بكلام عذب ، إلا برصيد إيماني ومعرفي ولغوي ، تخرج منه الكلمات من بعد حياتها في القلب ، كمثل نثرات الذهب ، فيكون ثمة ذهاب الغم ، وإقبال الحال المرضي مع الرب الرزاق .
من أجل ذلك : يكون الثناء على الله تعالى باستحضار : جلال الرب الكريم سبحانه بأسمائه وصفاته، و تذكر نعم الله على العبد ، وشكره عليها .
كيف يكون ذلك :
* تمعن راقٍ في أسماء الله وصفاته ، وحفظها ، والعيش معها .
* حفظ أعذب الكلام اللائق بالممدوح سبحانه وتعالى .
* تعميق معاني الإيمان في القلب وتقليبها بين الفينة والفينة .
نماذج :
انظري مثلا :
* اللهم لك أذل ، وبك أعز ، وإليك أشتاق ، ومنك أفرق ، وتوحيدك أعتقد ، وعليك أعتمد ، ورضاك أبتغي ، وُسخطك أخاف ، ونقمتك أستشعر ، ومزيدك أمتري ، وعفوك أرجو ، وفيك أتحير ، ومعك أطمأن ، وإياك أعبد ، وإياك أستعين ، لا رغبة إلا ما نِيط بك ، ولا عمل إلا ما ُزكي لوجهك ، ولا طاعة إلا ما قابله ثوابك ، ولا سالم إلا ما أحاط به لطفك ، ولا هالك إلا من قعد عنه توفيقك ، ولا مغبوط إلا من سبقت له الحسنى منك .
* سبحان من لا يموت ، سبحان من تكفل بالقوت ، سبحان من صوّر الأجنة ، سبحان من له المنة ، سبحان من وهب النور في الأبصار ، وسكب الضياء في النهار ، وقصَّر بالموت الأعمار ، وأفنى بالهلاك الديار ، جل في علاه ، تقدس عن الأشباه ،(33/1185)
لا إله إلا إياه ، لا نعبد سواه ، غالب فلا يقهر ، وشاء فلا يجبر ، أغنى وأقنى ، وأضحك وأبكى ، ظهرت آياته ، بهرت بيناته ، حسنت صفاته ، تباركت ذاته .
* لا إله إلا الله عدد ما خطت الأقلام .
* لا إله إلا الله كلما سجع الحمام ، وهطل الغمام ، وقوضت مني الخيام .
* لا إله إلا الله كلما برق الصباح ، وهبت الرياح ، وكلما تعاقبت الأتراح والأفراح .
* لا إله إلا الله كلما ازدحمت الأنفاس ، و حل السرور والإيناس ، وانتقل الضر والبأس ، وزال القنوط واليأس .
* لا إله إلا الله ترضيه ، لا إله إلا الله بها نلاقيه ، لا إله إلا الله تملأ الكون وما فيه ، لا إله إلا الله كلما دجى الليل ، وكلما انكشف الهول والويل ، وكلما انعقد السحاب وجرى السيل .
* لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، لا إله إلا الله يُبدئ ويعيد ، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد ، والبطش الشديد ، لا إله إلا الله ندخرها ليوم الوعيد ، ونتقي بها عذاب جهنم الأكيد .
* لا إله إلا الله كلما ترعرع ورد وأزهر ، وكلما لمع بارق وأمطر ، وكلما تنفس صبح وأسفر .
* لا إله إلا الله كلما زمجرت الرعود ، وخفقت البنود ، وجرى الماء في العود .
والنتيجة القريبة البعيدة : ( قصة حب ) ...
فعندما يوفق العبد للثناء على الله تعالى ، ويعيش بمعاني أسمائه وصفاته ، تزرع في قلبه محبة الله ، وتقبل روحه هائمة تقول : هل من مزيد ، وتكبر وردة الحب البيضاء الجميلة في قلب العبد ، فيكون بهذا الحب كأنه ولد من جديد ، وأعيدت له روح كان يبحث عنها ، فالحب ماء الحياة ، وغذاء الروح ، وقوت النفس ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ، وتتألق العيون .
بالحب تكون النار بردا وسلاما على إبراهيم ، وبالحب انفلق البحر لموسى ، وبالحب حن الجذع لمحمد ، وانشق له القمر ، وبالحب كان بطن الحوت ليونس محرابا ، وبالحب كان الكهف للفتية فراشا .
وبالحب تشرق معاني الحب الصادق في قلب العبد ، فيرى الوجود كله بنظرة أخرى تماما ، هي نظرة المحب لله رب العالمين .
أتمنى أن أكون كتبت كلاما يفيد ، ومعاني تجيد ، وأوصلت مفهوما للثناء على الله ، فهو موضوع عميق ، ويكفي مني بذل الجهد في إيصال المراد ، والله الموفق لكل عبد أواب .
وليس عندي ذهب أعطيه نظير سؤال ذكي ، لكني أهدي رمزا يحوي كنوزا عدة ، أتمنى أن يدرك.
ـــــــــــــــــــ
سبع عشرة فائدة للصلاة على النبي ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته(33/1186)
جزاكم الله كل خير علي كلما تبدلونه من مجهودات جبارة لجعل الظلام ينقشع عن القلوب المظلمة.
وددت لو أنكم تخبروني عن فوائد الصلاة علي الرسول الكريم.
و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول فضيلة الشيخ عبد الخالق حسن الشريف (أحد الدعاة بمصر (
للصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضل عظيم.. وسأذكر من ذلك بعض ما ثبت بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة:
أولا : ـ أن العبد حين يصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوافق في ذلك رب العزة سبحانه وتعالى الذي يصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع اليقين أن الصلاتين مختلفتان فصلاة الله على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثناء وتشريف، أما صلاتنا فهي دعاء وسؤال إلى الله تعالى أن يعلي قدر نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويعظم من شأنه.
ثانيا: ـ التخلق بخلق الملائكة الكرام الذين يصلون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ثالثا: ـ اتباع الأمر الإلهي الوارد في القرآن بالصلاة والسلام على إمام المتقين ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
رابعا: ـ يحصل من صلى على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرة واحدة على فضل عظيم وهو أن الله تعالى ينعم على هذا العبد بأن يعطيه عشر أضعاف ما فعل، مع اختلاف عظيم ألا وهو أن ذكر الله لعبده أعظم وأجل من ذكر العبد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدليل على ذلك قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "من صلي علي واحدة صلى الله عليه عشرا" رواه مسلم وغيره.
بل ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله: "من صلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين مرة" رواه أحمد بإسناد حسن.
خامسا: ـ أن المصلي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرفع له بها عشر درجات،ويحط (يمحى) عنه عشر خطيئات للحديث: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ، وحط عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات" حديث صحيح.
فما أسعد المصلي المسلم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يمن الله عليه بكل هذا الخير بهذا الفعل اليسير المحبب لقلوب كل المحبين لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
سادسا: ـ أن الصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعدل بالإضافة إلى ما سبق عتق عشر رقاب، وهذا المعنى وإن كان قد ورد في حديث ضعيف ولكن يؤكد(33/1187)
معناه ما ورد ثابتًا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: ما ورد ثابًتا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال:
"الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل من عتق الرقاب".
سابعا: ـ ومن فصل الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها سبب في شفاعته سواء أكانت الصلاة مستقلة بذاتها، أم مقرونة بسؤال الوسيلة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
روى الطبراني بسند حسن عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من قال اللهم صلى على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي".
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشر، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي".
ويستمر المؤمن يقطف الثمار المرجوة من أفضال الصلاة والسلام على النبي المختار فيجد أنها: ـ سبب لغفران الذنوب، ومن منا لا يذنب .
ثامنا: ـ وكذلك جعلها الله سببًا لكفاية العبد ما أهمه في أمر الدنيا وآخرته.
والدليل على الأمرين السابقين حديث أبي بن كعب – رضي الله عنه – قال: "كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس، اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، قال أبي بن كعب: فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة فكم أجعل لك في صلاتي (دعائي)؟ قال: ما شئت، قال: قلت: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: فقلت: فثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، فقلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا يكفي الله همك ويغفر لك ذنبك"
وفي رواية عند الطبراني بإسناد حسن: "إذا يكفيك الله ما أهمك في أمر دنياك وآخرتك".
تاسعا: ـ والصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبب لقرب العبد منه يوم القيامة للحديث: "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني فسعدًا لمن يكون قريبًا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة.
عاشرا: ـ وهي سبب في رد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ السلام والصلاة على المصلى والمسلم عليه بعد وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحديث أبي هريرة: "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" رواه أبو داود بإسناد حسن، وحكم السلام كحكم الصلاة.
حادي عشر: ـ أن الملائكة تحمل صلاتنا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتبلغها له للحديث : إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام" صحيح.
ثاني عشر: ـ وهي سبب في أن يقوم العبد على الصراط بعد أن كان يزحف ويحبو عليه لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا فجاءته صلاته علي فأقامته علي قدميه وأنقذته".(33/1188)
كذلك فالصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تسكن من رعدة العبد وهو يسير على الصراط لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ورأيت رجلاً من أمتي يرعد على الصراط كما ترعد السعفة فجاءته صلاته علي فسكنت رعدته".
ثالث عشر: ـ ومن فضل الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يرجى قبول الدعاء إذا قدمها الداعي أمامه فقد روى النسائي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سَمِعَ رَجُلاً يَدْعُو فِى صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّى » . ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ رَجُلاً يُصَلِّى فَمَجَّدَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِىِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ »
رابع عشر: ـ أن الدعاء إذا كان بين صلاتين على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذلك أرجى لقبول الدعاء لوجوده بين مقبولين.
وهي سبب في صلاة الملائكة على المصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحديث: "من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلي علي.. فليقل عبد من ذلك أو يكثر" حديث صحيح.
خامس عشر: ـ أن الصلاة علي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أداء لأقل القليل من حقه علينا، ومهما فعلنا فلن نؤدي حقه علينا، ولكن الله سبحانه وتعالى رضي منا أن نصلي ونسلم عليه.
سادس عشر: ـ أنها سبب في زيادة الإيمان.
ـ سابع عشر: أنها تبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد طلب منا الاجتهاد في الدعاء فقال: "صلوا علي فاجتهدوا في الدعاء، وقالوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد".
أخي المسلم هذا رسولك:
هذا رسولك الذي أرسله إليك الله ليرشدنا إلى طاعته، ويبين لنا طريق الجنة ويهدينا إلى سواء السبيل.. هذا حبيبك الذي تتمنى رفقته في الجنة، وشفاعته يوم الحساب.. هذا هو الأمين محمد حبيب الرحمن وخليل الرحمن.
هذا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حقه أن تصلي عليه ولقد علمت كم لهذه الصلاة على حبيبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضال.
فهل سارعت لذلك ؟ وهل افسحت لها في قلبك حتى تؤديها حبا وشوقا طاعة للرحمن، وأداء لحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليك ؟
أخي المسلم: وإذا كان هذا الأجر العظيم تحظى به كلما صليت وسلمت عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
فكيف إذا كنت من جند الإسلام المخلصين ؟ ، فكيف إذا عمقت الإيمان في قلبك وأديت العبادات على الوجه الذي نقل عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون بدعة أو ضلال ؟
لابد وأن الأجر عظيم
ـــــــــــــــــــ(33/1189)
سر فقدان الخشوع وحرمان الدموع ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا شاب أبلغ من العمر 25 عاماً أعيش في وسط أسري مشحون دوماً بالمشاكل بسبب أبي الذي لا يهنأ معه أحد لمدة شهر حتى . ليست هذه مشكلتي لأني تعودت على هذا الوسط وفقدان حنان الأب ومع هذا أدعو له بالمغفرة والرزق والتوجه إلى الله لأنه لا يصلي ولا ركعة . مشكلتي هي أني مواظب على الصلاة وكل الأفعال الخيرية والحمد لله ولكن لا أجد الخشوع مع الله . نعم... أقر وأعترف وأفخر بأن الإيمان يمتلكني وأخاف الله بكل الأحوال ولكن مشكلتي هي مع نفسي لا أعرف كيف أجعلها تخشع... يقشعر بدني عند تلاوة القرآن ولكن لا أذرف الدموع وهذا ما يحزنني ويجعلني أشك بأني مسود القلب وبأن الله غاضبٌ علي . علماً بأني أتوكل على الله في كل الأمور وأولها بأني قد وعدت فتاة ليست من جنسيتي بالزواج وقلت لها بأني لست متوكلا على أبي ولا على أي شخص لأن إيماني بالله واتكالي عليه هو أدرى بحالي وبصفاء نيتي وكما أحب ربي وأنوي رضاه فلا أظن أن الله سيخذلني في طلبي لتكون هذه الفتاة من نصيبي . ولكن أحياناً الأصدقاء والأهل يحبطونني ويحطمون معنوياتي بقولهم إن الزواج من فتاة ليست من جنسيتي هي أكبر المشاكل وأني سأواجه عدة حروب حتى أحظى بهذه الفتاة . فلم أعد قادراً على التفكير جيداً وحاولت الابتعاد عنهم وأن أتحاشاهم أحياناً حتى أهلي عندما يسألون عنها لا أرد وأضيع الموضوع . لأني لا أريد أن ينطفئ الأمل في قلبي فأملي بأن الله سيسهل طريقي يجعلني أعمل بجد أكثر وأكثر من الصلاة والاستغفار وعبادة الله وهذا شيء نفسي تحبه برغم الظروف والحمد لله على كل شيء . لا أرجو منكم إلا مساعدتي في كبح نفسي عن تلك الأفكار التي أمر بها الآن والأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى .... أدعو الله أني لم أطل برسالتي عليكم وأرجوه أن يكتب لكم بكل حرف في هذا الموقع ألف حسنة وحسنة ويمسح عنكم ألف وألف سيئة . والسلام عليكم أخوكم المحتار
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ أكرم كساب عضو فريق الاستشارات الإيمانية بقطر:
بسم الله ، والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
أخي الحبيب " المهتدي" إن شاء الله لا "المحتار" أسأل الله أن يقدر لك الهداية، ويجنبك الغواية، ويهديك الصراط المستقيم.
أخي الحبيب لنا مع استشارتك هذه وقفات:
الأولى: تتعلق بالجو المشحون الذي تعيش فيه، وأنت تزعم أخي الحبيب أنه بسبب والدك، ولئن كان الأمر كما ذكرت، فأرجو ألا يكون هذا سببا لعصيانه من قريب أو(33/1190)
من بعيد، وهذه أخي الحبيب سنة الحياة، فإن الحياة لم تخلق للراحة ولا للدعة، وصدق الشاعر حين قال:
جبلت على قدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
ومن هنا فأوصيك أخي الحبيب بالصبر والاحتساب، والمواظبة على الدعاء لوالدك بالهداية، وهذا من أسباب الخشوع التي سأحدثك عنها إن شاء الله، ولا مانع من أن تدعوه للصلاة، أو تدعو أحد المقربين إليه ليدعوه للصلاة، فلا خير في تارك لفريضة الله تعالى.
الثانية: إن افتخارك بإيمانك أمر مطلوب ، وأسأل الله لك الثبات والقبول، وهذا ديدن كل مسلم، ولله در الشاعر:
ومما زادني فخرا وتيها وكدت بقدمي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن جعلت احمد لي نبيا
ولكن أخي الحبيب إياك والعجب ، ففرق بينه وبين الافتخار، فافرح بإيمانك، ولا تعجب به، وما أروع ما قاله ابن القيم في هذا المقام : ما أقرب المدل ـ المنان بعمله ـ من مقت الله , فذنب تدل به لديه , أحب إلى الله من طاعة تدل بها عليه.
وإنك أن تبيت نائماً وتصبح نادماً , خير من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً , فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترِف , خير من أن تبكي وأنت مدل . وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين. (تهذيب مدارج السالكين / ص 120 ).
وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك .
الثالثة: وهي توكلك على الله تعالى وهو أمر محمود لك، وهل هناك أفضل من التوكل عليه سبحانه؟
ولكنك أخي الحبيب لم تحسن التدليل على توكلك على الله جل وعلا، حيث دللت على ذلك بوعدك فتاة بالزواج، وهنا أسألك : كيف وعدتها؟ وهل هذه خطبة يعلم بها ولي أمرها؟ أم مجرد كلام بين شاب وفتاة؟ أم ماذا؟
أخي الحبيب : إن كانت هذه خطبة ، فاستعن بالله، والله معينك، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف" رواه أحمد والترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي(1352 ).
وأما إن لم يكن هذا الأمر خطبة بالطريقة المشروعة، كما هو متعارف بين شباب اليوم، فأوصيك بالبعد عن هذه الفتاة، وسل الله أن يرزقها خيرا منك، وأن يعوضك خيرا منها، وحيث إنك لم تستطع بعد الزواج ولم تقدر على مؤنته فعليك بالصيام فقد قال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء........" رواه البخاري في النكاح (5065) ومسلم في النكاح ( 1400).(33/1191)
الرابعة: وهي تتعلق بالخشوع وهو لب الموضوع، فاعلم أخي الحبيب أن الخشوع توفيق من الله وهو ضراعة القلب، وطمأنينة فيه، وسكونه لله جل وعلا، وانكساره بين يديه، ذلاّ وافتقاراً. ولا يوفق إليه إلا الصادقون من خلقه.
واعلم أخي الحبيب أن محل الخشوع: القلب، وأن ثمرته تظهر على الجوارح، وقد قيل: إذا ضرع القلب، خشعت الجوارح، وذلك أن القلب مَلِك البدن، وأمير الأعضاء، تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".رواه البخاري في الإيمان (52) ومسلم في المساقاة ( 1599).
وقد لام الله صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعاتب من لم يبلغ هذه الدرجة فقال سبحانه: (أََلَمْ يَاًنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16] .
والمتأمل لحياة النبي صلى الله عليه وسلم يرى أنه بلغ الذروة من الخشوع، وكان من خشوعه أن يرى في صلاته وفي صدره "أزيز كأزيز الرحى ـ أي الطاحون ـ من البكاء" رواه أبو داود، (904) وذكره الألباني في صحيح أبي داود(799).
وربما بكى صلى الله عليه وسلم " فبلّ حِجْرَه، ولحيته، والأرض تحته" رواه ابن حبان (620) وصحح محققه إسناده.
ومن السلف من كان يقوم في الصلاة كأنه عمود تقع الطيور على رأسه من شدة سكونه وإطالته، ولهم في ذلك أحوال يطول منها عجبنا؛ لأننا لا نرى ذلك في واقع حياتنا .
ويمكن تحصيل الخشوع بالأمور الآتية:
1. الإقبال على كتاب الله الكريم تلاوة وفهما، وتدبرا وعملا.
2. إدامة النظر في ملكوت الله، وطول التأمل وكثرة التدبر فيما خلق.
3. المسارعة في الطاعات، واستباق الخيرات.
وأحسب أنك على الطريق إن شاء الله، فقد قلت أخي الحبيب : ( إنني يقشعر بدني عند تلاوة القرآن) وهذه القشعريرة ـ أسأل الله أن يديمها عليك ـ هي أثر عظيم من آثار الخشوع، وقد قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) (الزمر: 23) .
أما البكاء خوفا من الله فحرصك عليه أمر محمود، فنعمة البكاء خوفا من الله يحسد عليها أصحابها، وكيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم:" عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله " رواه الترمذي( 1639) وذكره الألباني في صحيح الترمذي ( 1338).
وقال:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق،(33/1192)
أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه"متفق رواه البخاري في الأذان ( 660) ومسلم في الزكاة ( 1031) .
ولكن أيها الأخ الحبيب إن لم تصل إلى درجة البكاء، فعليك بالتباكي، وهو محاولة البكاء تصنع هذا البكاء إن كنت منفردا ، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:" إن هذا القرآن نزل بحزن و كآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا " رواه ابن ماجه وذكره الألباني في ضعيف ابن ماجه( 2025).
واعلم أخي الحبيب أن الخشوع مأمور به في الصلاة،قال تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) المؤمنون:1، 2. ولذلك إذا ذكر الخشوع انصرف الذهن إلى الخشوع في الصلاة، والسبب في ذلك يرجع لكون أعمال الصلاة تتضمن الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والركوع، والسجود، وهي مواطن الخضوع والبكاء والخشية والتخشع.
ويقصد بالخشوع في الصلاة: حضور القلب وسكون الأطراف، وتحقيق الخشوع أمر يسعى إليه المخلصون من عباد الله، وهو يتطلب جهداً كبيرا وعزيمة أكيدة، وهمة عالية، فابذل أخي الحبيب على قدر وسعك يخشع قلبك بأمر الله.
ولكي يخشع قلبك في الصلاة أخي الحبيب عليك بالآتي:
أولاً: استشعار عظمة الله: فاستشعار عظمة الله يثمر في القلب الذل لله، كما يورث الخوف والحياء من الله سبحانه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإحسان :" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه مسلم في الإيمان (8) عن عمر بن الخطاب..
واعلم أنك ستقف بين يدي الله عز وجل، وأنّ الله تبارك وتعالى ينظر إليك، فاحذر أن ينظر الله إليك وأنت لاه عنه، لذا قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يتلفت" رواه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي (2298).
ولما سُئِل حاتم الأصم عن صلاته قال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، ومَلَك الموت ورائي وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين يدي الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع... وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقُبلت مني أم لا؟ فانظر أخي الحبيب حال حاتم وتأمل!
وهذا علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟، فيقول: "أتدرون بين يدي من أقوم؟
ثانيا: سل الله دائما في دعائك أن تكون من الخاشعين، وقد كان إمام الخاشعين صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:"اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع."رواه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي (2769).(33/1193)
و كان يقول "... رب اجعلني لك شَكَّاراً، لك ذكّاراً، لك رَهّاباً، لك مِطواعاً، إليك مُخبِتاً أوّاهاً مُنيباً" رواه ابن ماجه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي (2816).
ثالثا: تجنب الذنوب والمعاصي، فصاحب المعصية لا بد أنه فاقد للخشوع، وهي سدٌ منيع يقف أمام خشوع العبد في صلاة، وقد كان عبد الله بن عباس يقول: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
و قال ابن القيم وهو يعدد آثار المعاصي : ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله، لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلا، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام. (الداء والدواء /35).
رابعا: الإكثار من الطاعات، فكما أن المعصية تدل على أختها فالطاعة تدل على أختها، ذكر ابن القيم في " الداء والدواء " : أن المعاصي تزرع أمثالها حتى يعز على العبد مفارقتها , والخروج منها .
وقال بعض السلف : إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها ولا يزال العبد يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه أزاً (الداء والدواء / ص 47).
وقد كان من كلام السلف : علامة قبول الطاعة الطاعة بعدها . فإن وفقت لطاعة فهذه علامة قبول حجك . وقد قال ربنا] : وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [ مريم : 76.
ويقول ابن عطاء الله : من وجد ثمرة عمله عاجلاً فهو دليل على وجود القبول آجلاً .
ومن أعظم هذه الطاعات قراءة القرآن الكريم. والطاعات بعامة تزيد الصلاة خشوعاً، وتزيد العبد إقبالا على الله تعالى، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك: ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلين قلبك، وتدرك حاجتك" رواه الطبراني في الكبير وذكره الألباني في الصحيحة (854).
خامسا: إعطاء الصلاة قدرها الحقيقي: وهذا يعني عدة أمور، أهمها:
* التبكير للصلاة، وانتظارك لها، فهذا أدعى للخشوع؛ بل هو رباط في سبيل الله، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم:" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا : بلى. يا رسول الله! قال "إسباغ الوضوء على المكاره. وكثرة الخطا إلى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط". رواه مسلم في الطهارة (251) .
* إحسان الوضوء.
* صلاة النافلة قبلها وكذلك بعدها.
* تعلّم أركان الصلاة وسننها واعمل بذلك. تدبر أذكار الصلاة، فإذا كبّرت فكن على يقين بأن الله أكبر من كل شيء، وحين تسمّع (سمع الله...) فاستشعر قدرة الله على سماعه لكل مخلوقاته وهكذا.
* تدبر آيات القرآن في الصلاة.(33/1194)
سادسا: تذكّر الموت في الصلاة، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "اذكر الموت في صلاتك، فإنّ الرجل إذا ذكر الموت في صلاته، لحريّ أن يحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها..." رواه الديلمي وذكره الألباني في الصحيحة، (1421).
وأخيرا فأسأل الله سبحانه أن يقدر لك الخير، وأن يهديك طريقا مستقيما.
ـــــــــــــــــــ
ربانية إنفاق المرء في ماله ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
إذا كان الإنسان يكتسب ماله من حلال ، أليس من الشرع أن ينفقه كيف يشاء ، لأنه هو المالك له الذي تعب في كسبه ، فلماذا يضع الإسلام القيود في النفقة، من النهي عن الإنفاق في حرام ، أو الإسراف في المباح؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
ينظر الإسلام إلى المال بنظرة معتدلة ، فهو في الحقيقة تعود ملكية المال إلى الله سبحانه وتعالى ، فهو الذي خلقه وأوجده ، وهو الذي يرزقه الخلق كيف يشاء، و ما كسب الناس إلى سعي إلى تحصيل ما كتب الله تعالى له ، ولهذا جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)
كما أن الإنسان كلية هو خلق من خلق الله تعالى ، وكل ما يملك في الحقيقة هو لله ، فهو الذي خلقه ، وهو الذي يرزقه ، ولهذا حين أمر الله تعالى بالإنفاق قال " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " ، فعبر الله تعالى عن ملكية الإنسان عن المال بأنه استخلاف ، كما أن الإنسان مستخلف في الأرض من الله ، فهو مستخلف بما فيها من خيرات .
و مع هذا ، فإن الإسلام يقر بالملكية للإنسان بما كسبت يداه – بفضل من الله -، وبسعي من نفسه، و جعل هذه الملكية من الأمور التي يجب احترامها وتقديرها ، ولا يجوز الاعتداء عليها ، بل لو قاتل المسلم للحفاظ على ماله ، لكان شهيدا، كما جاء في الحديث :" ومن قتل دون ماله فهو شهيد".
وليس بصحيح أن الإسلام وضع برنامجا للإنفاق على الإنسان ، ولكنه حرم عليه أن ينفقه فيما فيه ضرر بنفسه أو غيره ، للحفاظ على العيش الكريم ، وألا تختل موازين الأرض، ولو قلنا إن الإنسان يملك نفسه مثلا ، لكان من حقه أن يقتل نفسه متى هذا ، وهذا ما ترفضه العقول ، وكذلك أيضا المال ، لا يجوز له أن ينفقه في الحرام أو ما(33/1195)
فيه ضرر، و هذا النهي هو للحفاظ على الإنسان ، وكأن تحريم الله تعالى هو مصلحة للإنسان ، حتى ينفق ماله فيما ينفعه لا فيما يضره .
و لهذا ، فليس هناك ما يحرم على الإنسان أن ينفق ماله في المجالات المتعددة المتنوعة كيف شاء، إلا ما جاء النص بتحريمه ، و هو نذر قليل جدا.
كل ما هنالك أنه أوجب على المسلم الزكاة إن بلغ نصابا ، وحال عليه عام هجري كامل في المصارف الشرعية ، وتحريم بعض أوجه الإنفاق التي لا تتعدى نسبة لا تذكر ، وتبقى الحرية الغالبة للإنسان أن يفعل ما يشاء، فإن الإسلام لا يقف جامدا في تصرفات الناس، فحين يشتري إنسان سيارة أو فيلا أو عمارة أو أراض أو غيرها ما يحرم عليه الإسلام ذلك ، بل لو كان الإنسان يملك ملايين واشترى بها ملكا لنفسه للانتفاع ، ما أوجب عليه فيها الزكاة ، فالسيارة التي تشترى بنصف مليون أو مليون ليس فيها زكاة ، والعمارات التي تبنى للسكن وليس للانتفاع ، والتي قد تصل إلى آلاف وملايين ليس فيها زكاة ، وغيرها من الأمور التي يستخدمها الإنسان في حياته ، فلا يجيء أحد بعد كل هذا ويقول :إن الإسلام يقيد حرية الإنسان في الإنفاق!!
ونستأنس هنا بما قاله شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حين قال :
إذا كان لمال الغير حرمة تمنع من التعدي عليه خفية أو جهارا. فإن لمال الإنسان نفسه حرمة أيضا بالنسبة لصاحبه تمنعه أن يضيعه، أو يسرف فيه، أو يبعثره ذات اليمين وذات الشمال.
ذلك أن للأمة حقا في مال الأشخاص، وهي مالكة وراء كل مالك، ولذلك جعل الإسلام للأمة الحق في الحجر على السفيه المتلاف في ماله، لأنها صاحبة حق فيه. وفي ذلك يقول القرآن: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) سورة النساء:5.
فهنا يخاطب الله الأمة بقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) مع أنها في ظاهر الأمر أموالهم. ولكن مال كل فرد في الحقيقة هو مال لأمته جمعاء.
إن الإسلام دين القسط والاعتدال. وأمة الإسلام أمة وسط. والمسلم عدل في كل أموره، ومن هنا نهى الله المؤمنين عن الإسراف والتبذير، كما نهاهم عن الشح والتقتير. قال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) سورة الأعراف:31.
والإسراف إنما يكون بالإنفاق فيما حرم الله كالخمر والمخدرات وأواني الذهب والفضة ونحوها، قل القدر المنفق أو كثر.
أو يكون بإضاعة المال بإتلافه على نفسه وعلى الناس. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
أو بالتوسع في الإنفاق فيما لا يحتاج إليه، مما لا يبقى للمنفق بعده غنى يغنيه.
قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو) البقرة:219. "إن الله تعالى أدب الناس في الإنفاق فقال لنبيه عليه الصلاة والسلام: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) الإسراء:26. وقال: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) سورة الإسراء:29. وقال: (والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا)(33/1196)
الفرقان:67. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان عند أحدكم شيء فليبدأ بنفسه ثم بمن يعول وهكذا وهكذا".وقال عليه الصلاة والسلام: "خير الصدقة ما أبقت غنى" وعن جابر بن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب فقال: يا رسول الله خذها صدقة، فوالله لا أملك غيرها. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من بين يديه فقال: (هاتها) مغضبا فأخذها منه، ثم حذفه بها بحيث لو أصابته لأوجتعه، ثم قال: "يأتيني أحدكم بماله لا يملك غيره ثم يجلس يتكفف الناس. إنما الصدقة عن ظهر غنى، خذها لا حاجة لنا فيها".وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن كان يحبس لأهله قوت سنة.
وقال الحكماء: الفضيلة بين طرفي الإفراط والتفريط. فالإنفاق الكثير هو التبذير، والتقليل جدا هو التقتير، والعدل هو الفضيلة، وهو المراد من قوله تعالى: (قل العفو) ومدار شرع محمد صلى الله عليه وسلم على رعاية هذه الدقيقة. فشرع اليهود مبناه على الخشونة التامة، وشرع النصارى على المساهلة التامة، وشرع محمد صلى الله عليه وسلم متوسط في كل هذه الأمور. فلذلك كان أكمل من الكل. انتهى كلام الشيخ.
وخلاصة الأمر أن الإسلام لا يقيد الإنسان في أوجه الإنفاق من ماله ، وأن المال هو في الحقيقة لله، وأن المرء مستخلف فيه ، كما أن الله تعالى وضع ضوابط محدودة حتى لا يكون المال وبالا على صاحبه ، وعلى المجتمع، بل شريعة الله تعالى كله رحمة وعدل ومصلحة لبني الإنسان جميعا
ـــــــــــــــــــ
ملتزمة ومتمردة .. هل يجتمعان ؟ ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لأجل الله تعالى تركت كل ما يغضبه وعدت للإسلام والتزمت بالحجاب وقاطعت كل ما يخجلني من الله تعالى، وأشعر أن الله معي، ودائما أشعر بحب الله عز وجل لي حتى عندما أعمل ذنبا ، لكن مشكلتي أني متمردة جدا خصوصا مع أهلي. أشعر بأني لا أستطيع حبهم وذلك لأني عشت فترة بعيدة عنهم، ثم عادوا لكي يعشوا معي، ولكن دائما أحاول أن أساعدهم وأعطف عليهم حتى لا يغضب ربي علي، لكني في مرات لا أستطيع أن أتمالك نفسي وأتشاجر معهم، وبعد ذلك أمرض نفسيا وجسديا ، وأندم بشكل كبير وكي أخفف هذا الشعور أقوم بمساعدتهم ولكني لا أتحث معهم ،أريد أن أعرف هل سيحاسبني الله تعالى على ما في قلبي جمعنا الله وإياكم في الجنة .
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق عضو فريق الاستشارات الإيمانية :
الأخت الحبيبة رحيل .(33/1197)
والله لقد تأثرت كثيرا وأحزنتني مشكلتك، ولعل صدق كلماتك ورغبتك الصادقة في التغيير من نفسك هو ما أثر في..
البداية يجب أن تعرفي يا أختي الحبيبة أن من سمات المرحلة العمرية التي تمرين بها التمرد والغضب السريع وسرعة الانفعال التي قد تتسبب في إيذاء الأشخاص المحيطين بك، ولأن أمثالك ممن يملكون قلبا يقظا وروحا شفافة ونفسا لوامة يزداد إحساسهم بالذنب وتأنيب الضمير الذي قد يقتل صاحبه غيظا وألما، مما يؤدي بك إلى المرض النفسي والعضوي، ولكن هوني عليك يا أختاه وتعالى نناقش بهدوء أسباب هذه الأحاسيس التي تملأ عقلك وقلبك :
أولها:- لماذا لا تستطيعين أن تحبي أهلك؟ إن قرآننا العظيم ذكر في آيات كثيرة منه فضل الوالدين لا يستطيع أي إنسان أمامها مهما ضره أهله أو ظلموه أو أهانوه أن ينكر هذا الفضل العظيم، كما اقترنت تلك الآيات في معظمها كما اقترنت تلك الآيات في معظمها بالتوحيد والخضوع للمولى عز وجل.
أنا أعرف تماما أنك تحاولين جاهدة برهم والإحسان إليهم، ولكن ألا توافقينني أن الإحسان إلى الشخص ومحاولة البر به بدون حبه فيه ما يعمل القلب والنفس مشاعر قد تكون ثقيلة وصعبة عليه؟
إن الحب والبغض أمر قلبي بيد الله، وليس للإنسان دخل فيه، ولكن بالمحاولة والمجاهدة والمثابرة في حمل القلب على حب شخص و البحث في صفاته ومآثره حتى ينمو حب هذا الشخص في فؤاده، فما بالك لو كان هذا الشخص هو الأب والأم؟ ألم يسد إليك والداك معروفا أو إحسانا حتى تحبيهما؟ ألم يحسنا تربيتك حتى تحبيهما؟ ألم يوفرا لك سبل الحياة الكريمة حتى تحبيهما ؟ ألم يكونا سببا في وجودك في هذه الحياة؟ ألم يبذلا من أجسامهما وأعصابهما وأعمارهما ومن كل ما يملكان من عزيز وغال في غير تأفف ولا شكوى، بل في سعادة ومرح؟
إنك يا أختي الحبيبة لو أوقفت عمرك كله لهما لتوفيهما لما وسعك العمر ولو زدت عليه ألف عمر! فلماذا التمرد؟ ولماذا الغضب؟ لماذا لا تضعين نصب عينيك قوله تعالى "(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)، هل تعلمين ما أول صفات المتقين في هذه الآية إنها (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، إن الغضب كما قلنا انفعال بشري طبيعي وهو إحدى دفعات التكوين البشري، ولكن بالتقوى والالتجاء إلى الله تندفع تلك الطاقة الروحية بداخل النفس البشرية لتكظم ذلك الغيظ والغضب، بل إن كظم الغيظ وحده لا يكفي، فقد يكظم الإنسان غيظه ليحقد ويضغن و يتحول الغضب الظاهر إلى حقد دفين فيكون الغضب الظاهر أهون وأطهر على النفس من الحقد الدفين، فيأتي دور العفو والسماحة وسلامة الصدر من أي ضغينة (والعافين عن الناس ).
فلماذا يا عزيزتي وأنت الفتاة الواعية التي تعرف الله وتحبه وتلتزم بحدوده لا ترفعين شعار "ازرع حبا تجن حبا" فأهلك هم أولى الناس وأحوجهم إلى قلب رحيم وبشاشة وود يسعهم ويحتويهم، وإلى قلب كبير يعطيهم ويتحمل همومهم بلا مقابل . ولماذا لا تضعين أمامك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (خالق الناس بخلق حسن)، وأنه(33/1198)
صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: (التقوى وحسن الخلق) .
فما أعظم من أن يجمع الإنسان بين الجنسين وبين الدنيا والآخرة، وبين حب الأهل والناس ومودتهم في الدنيا والآخرة ورضا الله وغفرانه في الآخرة، فلا تستمعي يا عزيزتي إلى صوت التمرد بداخلك وادفعيه عن عقلك ، وحاولي أن تملئي قلبك ونفسك بمساحة كبيرة من التفاهم والتسامح مع أهلك، وأن تضعي لهم الأعذار حتى تصفو نفسك تجاههم ويمتلئ قلبك بحبهم ومودتهم، أما عن الغضب فاعلمي أن الحلم بالتحلم، وأنه قدوتنا - عليه الصلاة والسلام - كان حلمه يسبق غضبه، وحاولي جاهدة مقاومة مشاعر الغضب والانفعال السريع وابتغي الوسائل الإيمانية في دفع الغضب كالوضوء وذكر الله والاستغفار والدعاء، وأكثري الدعاء لله عز وجل أن يهدي لك نفسك وأن يزيل ضغينة قلبك، وأن يهديك لأحسن الأخلاق.
ودعائي لك بالتوفيق والسداد وأن يهدي قلبك ويرزقك طمأنينة النفس وراحة القلب .
ـــــــــــــــــــ
الحب في الله إكسير الحياة ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,وجزاكم الله عنا وعن سائر المسلمين كل الخير .أرجو إلقاء الضوء بشيء من التفصيل علي معني "الحب في الله ".كيف يحب المسلم أخاه المسلم في الله؟
هل لهذا الأمر شروط أو دلالات تثبت أو تنفي تحققه؟ بمعني كيف أعلم إن كنت أحب في الله أم لا؟
وهل هذا الأمر سهل التحقق أم أنه يقتصر علي ذوي الإيمان الحق فقط؟
وما هو ثواب المحبة في الله عند الله سبحانه وتعالي ولكم خالص الشكر.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة سلمى عبده من فريق الاستشارات الإيمانية :
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
ابنتي الحبيبة / منة
كم أسرتني رقتك فعندما قرأت رسالتك أحسست بنسمة رقيقة تلامس شغاف قلبي وتمنيت أن أكون أختا لك في الله نتبادل الحب فيه سبحانه وتعالى، فسؤالك ينم عن إيمان جميل .
فهذا والله حال المؤمن يسأل نفسه دائما ماذا أردت بأكلتي ؟ ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أرد بحديث نفسي؟
هل أحب في الله ؟ هل أبغض في الله ؟(33/1199)
واعلمي يا ابنتي أن الأخوة في الله نعمة الله المضاعفة في الدنيا والآخرة، فأعباء الدنيا كثيرة ، والمتاعب بها عظيمة، والفتن مهلكة، والإنسان وحده أضعف من أن يقف طويلا أمام هذه الشدائد.. فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ، والمسلم يا ابنتي بحكم إيمانه بالله لا يحب إذا أحب إلا في الله، ولا يبغض إذا أبغض إلا في الله؛ لأنه لا يحب إلا ما أحب الله ورسوله، ولا يكره إلا ما يكره الله ورسوله، وتعالي بنا نفصل الأمر كما أردتي، ولنبدأ بسؤالك الأخير:
ما هو ثواب الحب في الله؟
يا الله... لو تعلمي مقدار ما تفيضه الأخوة عليك من خير وبر.. في الدنيا والآخرة... لما ترددت لحظة في مد جسور الأخوة مع كل مسلم ومسلمة على هذه الأرض.
وصحيح أن المسلم يحب جميع عباد الله الصالحين، ويبغض جميع عباد الله الفاسقين، ولكن الفطرة تميل لاختصاص بعض الإخوان والأصدقاء بمزيد من المحبة والمودة، وقد علم الله - عز وجل - منها ذلك وأثابها عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن من عباد الله ناسا، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله. قالوا:
يا رسول فخبرنا : من هم؟
قال : قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس . وقرأ "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
- المتحابون في الله كتلة من نور في يوم شديد الظلمة، آمنون في يوم الرعب العظيم وهذه واحدة .
وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل "المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي"
والثانية أن المتحابين يحميهم الله من حر يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
قال صلى الله عليه وسلم: "حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وحقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي"
والثالثة –ما أعظمها- تحقق محبة الله للعبد
قال صلى الله عليه وسلم : " إن رجلا زار أخا له في الله، فأوجد الله له ملكا فقال أين تريد.؟
قال: أريد أن أزور أخي فلانا.
فقال: لحاجة لك عنده؟
قال :لا
قال: فبم .. قال : أحبه في الله .
قال: فإن الله أرسلني إليك أخبرك بأنه يحبك لحبك إياه وقد أوجب لك الجنة" .
وما أهنأ الرابعة فهي توجب الجنة بضمان الله عز وجل أرأيت ؟! .. ممكن أن تنال محبة الله وأمنه ورضاه بل ونضمن الجنة بحب صادق لأتقياء أمة محمد صلى الله عليه وسلم
- إذن ما هو الحب في الله(33/1200)
معنى الحب في الله : أن تكون المحبة خالصة لله لا يراد بها إلا وجهه الكريم، حب خالٍ من أي غرض، خال من شوائب الدنيا ، حب لا يقوم على الإعجاب بشخص لموهبة عظيمة أو هيئة جميلة أو حديث ممتع أو مصلحة قائمة، بل يقوم على التقوى والصلاح، ويولد ويكبر في طريق الإيمان والإحسان، فبحب الله ورسوله نحب، وببغض الله ورسوله نبغض .
وهذا يسلمنا لسؤال ثالث:
كيف يحب المسلم أخاه في الله ؟
أولا: صفات الاختيار
1- عليه أن يختار من يستحق حبه فيختار بعين الله، يتحرى أن يكون من يختاره عاقلا غير أحمق، إذ قد يضر الأحمق صاحبه حيث يريد نفعه .
2- حسن الخلق ، فيختار التقي ، لأن الفاسق لا يؤمن جانبه .
3- معين على الطاعة بقوله وعمله وسمته فهو الجليس الصالح الذي حثنا الرسول الكريم على ملازمته، ويقال في الأثر: الجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه نفسك، ويطمئن به فؤادك، وتنتعش به روحك .. تطرب لحديثه، وتنعم بمجالسته، وتسعد بصحبته .. إنه عدة في الرخاء، وزينة في الشدة، وبلسم للفؤاد، وراحة للنفس .
وكما يقولون "من جالس جانس" ؛ لأن النفس تقتبس الخير أو الشر من الجلساء، ولهذا أمر الباري تبارك وتعالى بصحبة الصالحين ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) .
وحذرنا من صحبة الفاسقين فوصف حال من يتخذهم أخلاء يوم القيامة ، فقال سبحانه : "ويوم يعض الظالم على يديه يقول: ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا . ياويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ).
ثانيا : مراعاة حقوق الأخوة
أن يقوم تجاه من يحب بحقوق الصداقة والأخوة، ليستبقي مودتهم في الدنيا والآخرة، وهذه الحقوق هي:
1- أن يكون عونا لصاحبه يقضي حاجته ويتفقد أحواله ويؤثره على نفسه .
2- أن يكف عنه لسانه إلا بخير، فلا يذكر له عيبا في غيبته أو حضوره، ولا يكشف أسراره.
3- أن يعطيه من لسانه ما يحبه منه، ويدعوه بأحب أسمائه إليه، وينصحه سرا ولا يفضحه ، كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله - : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه .
4- أن يعفو عن زلاته ويتغاضى عن هفواته، فيستر عيوبه ويحسن به ظنونه .
5- أن يفي له في الأخوة؛ فيثبت عليها ويديم عهدها؛ لأن قطعها يحبط أجرها .
6- أن لا يكلفه ما يشق عليه ولا يحمله ما لا يرتاح له .
7- ألا يتكلف ولا يتحفظ معه، فقد قال أحد الصالحين : من سقطت كلفته؛ دامت مودته".(33/1201)
8- أن يخبره أنه يحبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه" .
9- أن يفعل ما أجمله الأثر "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهم ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته".
"حق المؤمن على أخيه أن يبين له الحق إذا احتاجه، ويشد عزمه إذا أصاب، وأن يشكر له إذا أحسن، ويذكره إذا نسي، ويرشده إذا ذل، و يصحح له إذا أخطأ، ولا يجامله في الحق، ولا يسايره على الباطل، ويكون له هاديا ودليلا ومعينا وأمينا .
10- أن يدعو له ولأهله ... يدعو له حاضر أوغائبا، حيا أو ميتا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين، ولك بمثلٍ".
وقد قال أحد الصالحين : "إن أهل الرجل إذا مات يقسمون ميراثه ويتمتعون بما خلف، والأخ الصالح ينفرد بالحزن مهتما بما قدم أخوه وما صار إليه، يدعو له في ظلمة الليل ويستغفر له وهو تحت الثري" .
واعلمي يا ابنتي أنه إذا نشأت صداقة لله فلن تبقى إلا بطاعته، ولن تزكو إلا ببعد الصديقين معا عن النفاق والفساد، فإذا تسربت المعصية إلى أحدهما تغيرت القلوب وذهب الحب.
ففي الحديث "... والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما"
وعن أبي الدر داء أنه قال: حذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال أتدري ما هذا.؟ قلت لا قال: عبد يخلو بمعاصي الله عز وجل فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين "
من أجل ذلك كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر .. لقد كانا يتعاهدان على الإيمان والصلاح ... يتعاهدان على التواصي بالحق والتواصي بالصبر...
1. فهل للحب في الله دلائل وعلامات؟
2. نعم
أولها : أن يستشعر المؤمن روح الإيمان الحي من المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه حتى إنه ليحيا مهم ، وبهم.
ثانيها: أن يشعر أن عاطفته يحكمها سلطان العقيدة وعلامة ذلك أنه يجد في قلبه حبا عظيما لكل تقي نقي صالح، حتى وإن لم يره أو لم يكن في زمانه أصلا، فعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل عملهم؟ قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت .
وأنشأ الإمام الشافعي ضاربا مثلا جميلا للحب في الله:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أنال بهم شفاعة
وأبغض من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
ثالثها: الإحساس والشعور بالأخوة :(33/1202)
فيشعر الأخ بالتألم والحزن لما يصيب أخاه من ألم ونصب، وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
رابعها: سلامة الصدر :
فيحافظ على سلامة صدره تجاه إخوانه، فيحيا ناصع الصفحة، قلبه مشرق فياض، فالأخوة الحقة هي التي تقوم على عواطف الحب والود والتعاون المتبادل والمجاملات الرقيقة، بل هي كما وصفها القرآن: ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) .
وقد يتبادر لأذهاننا سؤال: وماذا عن من تهفوا إليهم قلوبنا، وتميل إليهم أرواحنا، ونرى في أعمالهم معاصي وذلات وبعدا عن طريق الله؟
إن من ارتكب معصية سرا أو علانية من المسلمين فليس علينا أن نقطع مودته تماما ونهمل أخوته، بل ننتظر توبته وأوبته، فإن أصر على ذنوبه فلنا أن نقاطعه وننبذه، أو نبقى على شيء من الود لإسداء النصيحة ومواصلة الموعظة رجاء أن يتوب، فيتوب الله عليه . قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه ، فلا تدعه لذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى.
وسؤالك الأخير :
هل الأمر سهل التحقيق أم أنه يقتصر على أهل الإيمان فقط ؟
وهل يتحراه يا ابنتي سوى أهل الإيمان؟
هل يحب في الله ويبغض في الله إلا من يحب الله ويمتلئ قلبه بالإيمان به؟
فتعلمي يا ابنتي أن العلاقة بين الإيمان والحب في الله علاقة طردية متلازمة، فإذا وجد الإيمان كان الحب في الله والبغض فيه .
وإن كان هناك حب في الله وجد المسلم حلاوة الإيمان في جوفه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه:
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ..
وأن يحب في الله ويبغض في الله ..
وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يشرك بالله شيئا" .
وقال صلى الله عليه وسلم : إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله،
أرأيت حين تعقد عقدة ويحكم شدها كيف تكون متينة ثابتة، فإن أحببت في الله المؤمنين وأبغضت في الله الفاسقين، فذلك أشد وأوثق رابطة محكمة ثابتة في إيمانك. ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا:"من أحب لله، وأبغض وأعطى لله ، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان" .
والمسلم يا ابنتي إذا رسخ في فؤاده اليقين، وخالطت بشاشة الإيمان قلبه، وأحس بحلاوته في مذاقه، تراه ينظر لمن حوله بعين الله، فهو يحب لمبدأ ويكره لمبدأ، يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله .
فاستعيني بالله وجاهدي فيه لترتقي بإيمانك وتعرفي الله حق معرفتهن حتى تصلى لمحبته سبحانه ، فتقطفين ثمرة الحب في الله التي من شأنها سعادة الدنيا والآخرة..(33/1203)
ورددي دعاء داوود عليه السلام : اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك.
اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد على الظمأ.
واحفظى دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك " .
واجعل لي نصيبا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ
باحث في الغربة عن عاصم من الفتنة ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم أحبتي في الله.. إخوتي أعرض عليكم مشكلتي متمنيا منكم أن تعينوني في حلها.. أنا شاب مسلم عمري 24 عاما، أدرس في إحدى الدول الأوروبية.. أصر على التمسك بالتزامي وبديني برغم قوة التيار من حولي.. خمس سنوات عشتها في هذه البلد بعيدا عن معصية الله.. جل ما أرجوه في هذه الحياة أن يملأ الله قلبي بحبه، أمنيتي أن يوفقني الله وأنهي دراستي وأعود إلى وطني..
ما زال لي في هذه البلاد بضع سنين.. وقد بدأ الصبر يخفت في قلبي.. أحس بفراغ عاطفي كبير.. أصبحت أشعر بضرورة كبيرة إلى الشق الآخر إلى الجنس الآخر.. أصبح هذا الموضوع يؤثر كثيرا على حياتي. تحصيلي الدراسي لم يعد كما كان: انقباض في الصدر وغيرها من تلك المشاعر السلبية.. وحتى لا أقع في الحرام - وما أسهله في هذه البلاد- أفكر في الزواج.. هل أتزوج من وطني؟؟ ولكن أنا ما زلت طالبا وليس لدي الإمكانية، عائلتي عائلة بسيطة وأسال الله أن يعينها على توفير الحاجات الأساسية لي ولإخوتي، ولا أرى أن لديها القدرة على التكفل بزواجي حاليا.. بالإضافة إلى ذلك صعوبة إحضار هذه الزوجة إلى هذه البلاد وكثرة التكاليف وغيرها!!! أم أتزوج من أجنبية مسلمة من هذه البلاد؟؟ ولكن أخاف من المشاكل فيما بعد.. أخشى أن لا أستطيع التكفل بتكاليف الزواج فيما بعد (لا أقصد المهر؛ فهنا لا يوجد هذا التعقيد الذي نجده في بلادنا العربية، ولكن أقصد تكاليف الحياة لهذه الأسرة) فأنا طالب على قد حالي ومصروفي الشهري بصعوبة يكفيني لوحدي؛ فكيف لي أن أنشئ أسرة؟؟ فماذا تنصحونني إخوتي؟..
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني عضو فريق الاستشارات الإيمانية :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أهلا بك أخي الشاب المسلم، ونسأل الله تعالى أن يعينك على غربتك وأن يثبتك في مواجهة الفتن، وأن يجعلك سفيرا للإسلام في أوطان أحوج ما تكون لمن يأخذ بها إلى طريق الله رب العالمين.(33/1204)
بداية.. أذكرك يا أخي بإخلاص النية في طلب العلم لله رب العالمين، وهنيئا لك خروجك في سبيل الله؛ فقد أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" (رواه الترمذي)، ويدلك على شرف المهمة التي أنت في سبيلها قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع" (أحمد في مسنده وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك).
إذن يا أخي فأنت في مهمة عظيمة ورحلة جليلة تحتاج إلى نفس مجاهدة وعزيمة صادقة وهمة وثابة منطلقة نحو المعالي، وهاأنت قد حققت ذلك وصبرت لمدة خمس سنوات رغم قوة التيار من حولك كما تقول، وهذا شيء محمود لك ، ويدل على أنك على خير كبير ، فاستمر فيه ، واعلم أن طلبك الزواج أمر طيب ، بل محمود لك ، ولكن لا نريد أن نتعجل، ولا تحصر حياتك كلها في الشهوة والجنس الآخر ، فمجالات الحياة كثيرة ، فاختر منها ما يناسبك ، وابدأ في التفكير في
و تعال يا أخي نقف معا بعض الوقفات:
أولا- يجب أن نقر أنك على خير كبير ، وأنك من أنظف الشباب المسلم ، فمع كل ما أنت فيه ما عصيت الله ، وحافظت على نفسك ، فكن مسلما نافعا لمجتمعه ، ولا تحصر نفسك في الشهوة ، و حافظ على هذا الإيمان الراسخ فيه ، وإياك أن تغيره بالشوائب، فحافظ عليه نظيفا كما هو .
فمشكلة شبابنا أنهم حين يذهبون إلى بلاد الغرب فإنهم ينبهرون بزخرفها وبريقها ولمعانها، فينكبون عليه ظانين أن فيها المتعة الحقيقية، ولكنهم سرعان ما تتكشف لهم الحقائق؛ فيصدمون بأن هذه المتعة ما هي إلا سراب يستحيل تحصيله، وقليل منهم من يشغل باله بالاستفادة من هذه الفرصة وتوصيل دعوة الله لهؤلاء القوم المتعطشين إلى هذه القيم الروحية والمثل العليا.
إذن يا أخي احرص على أن تكون فاعلا ومؤثرا وإيجابيا بدل أن تكون مفعولا بك ومتأثرا وسلبيا. وقاوم هذا التيار الشديد برد فعلي إيجابي أكثر شدة وتأثيرا.
ثانيا- من الملاحظ عند الشباب أنه إذا ذكرت المعصية والفتن فإن الذهن ينصرف مباشرة إلى الأمور الجنسية ومشاكلها، وكأن المعاصي كلها قد انحصرت في هذا الأمر. وهذا ليس تهوينا من هذه المعصية ولا تقليلا من آثارها المدمرة على النفس والمجتمع، ولكنه احتراز من انشغال الناس بهذه المعصية ونسيان باقي المعاصي التي لا يقل خطرها عنها وربما يزيد، خاصة في بلاد لا يؤثر فيها وازع من دين ولا يردعها راع من ضمير؛ فتتعدد ألوان المعاصي في معظم مجالاتها ومعاملاتها وإن لم يتنبه المسلم لذلك فإنه سينغرس في وحلها دون أن يشعر.
إذن يا أخي عليك أن تراقب نفسك في كل حركة وسكنة في هذه البلاد في تعاملاتك المادية والاجتماعية وسلوكك مع الأفراد؛ فتضبطها بمضبطة الشرع الحنيف فخذ منها ما توافق معه، واترك ما تعارض. وقدر الأمور قدرها جيدا، واحرص على التعرف على فقه الأقليات الإسلامية في الغرب.
ثالثا- احذر يا أخي أن يزين لك الشيطان أن وجودك في أوربا مبرر لارتكاب المعاصي بحكم الفتن المحيطة بكم، واعلم أنه لا يوجد مكان الآن يخلو من هذه الفتن،(33/1205)
خاصة في عصر الانفتاح الإعلامي؛ فالوقوع في المعصية سهلة جدا الآن لأي أحد وفي أي مكان، ولذلك كانت وصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت..."؛ فتقوى الله ومراقبته يجب أن تكون سلاح المؤمن لمواجهة الشيطان والمعاصي في أي مكان؛ لأنه بدون هذا السلاح سيسهل الوقوع في المعاصي.
واعلم يا أخي أنه لم يخلُ عصر من العصور من الفتن والرذائل؛ فمثلا حينما جاء الإسلام كانت هناك صاحبات الرايات الحمر، ومع ذلك تخرج فيه من الشباب والفتية من تجاوزا هذه الأمور وطمحوا للمعالي؛ فكان منهم مصعب بن عمير وأسامة بن زيد وعقبة بن عامر.
وأخيرا أخي الحبيب إليك بعض التوصيات والنصائح العملية التي نرجو الله أن يثبت بها فؤادك ويقوي بها إيمانك:
1-استحضر مراقبة الله دائما أمامك، وثق أن الله مطلع عليك، وضع أمامك دائما "الله معي الله ناظري الله شاهدي"، ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت..."، واعلم أن التقوى هي طريق تحصيل العلم النافع كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}.
2- ثق أنه بقدر صبرك على أسباب المعصية مع توفرها يكون أجرك عظيما؛ فمثلا لا يستوي أجر من منع نفسه عن المعصية وهو في بلد إسلامي ومن منعها في بلد تتوفر فيه أسباب المعصية، وتعتبرا أمرا عاديا.
3- إليك وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لمعشر الشباب لمن لا يستطيع منهم الزواج: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" (صحيح مسلم). فاستعن على شهوتك بالصوم، واعلم أنك إن لم تستطع حملها على الصوم فلن تستطيع مجاهدتها في المعصية.
4- الزم الصحبة الصالحة التي تعينك على الطاعة وتبعدك عن المعصية. فاحرص على التعرف على بعض الشباب المسلمين سواء من الأوربيين أو العرب ليعين بعضكم الآخر على طاعة الله.
5-اشغل نفسك بالأنشطة الاجتماعية والدعوية المفيدة، ويمكنك الذهاب إلى أقرب مركز إسلامي، واطلب منهم المشاركة في هذه الأنشطة.
6- احذر أن يكون الفراغ العاطفي سببا في أخذ خطوة غير محسوبة في موضوع الزواج، تندم عليها بعد ذلك؛ فمثلا لا تتسرع وتتزوج فتاة أوربية وتفاجأ بعد ذلك بعدم قبولها للعيش في بلدك الأصلي أو عدم تقبل أهلك لها.
7- الجأ إلى الله تعالى بالدعاء وتضرع إليه أن يثبتك على طريق الحق، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان.
وفي النهاية أخي الحبيب أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يجعلنا نخشاه كأننا نراه. وتابعنا بأخبارك لعلنا نكون عونا لك على الطاعة
ـــــــــــــــــــ
سلوكيات المسلم في ساحات الحوار ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع(33/1206)
كثرت مواقع ساحات الحوار، وكَثُر المشاركون فيها، فما هي النصيحة لرواد قنوات الحوار سواء القراء أو المشاركين ؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
ساحات الحوار أضحت من أكثر وسائل الترفيه و" الدردشة " بين الشباب ، و من هنا ، فإنا نشكر لك اهتمامك على معرفة الآداب التي ينبغي للمسلم أن يراعيها أثناء الحديث والكتابة في ساحات الحوار.
وننقل لك هنا ما كتبه فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية في هذا الموضوع ، حيث وضع ما يقرب من اثني عشر آدابا في التعامل مع ساحات الحوار، يقول فضيلته :
- الإخلاص لله : وكل امرئ سيفنى ، ويُبقي الدهر ما كتبت يداه ، فاحرص أن لا تكتب غير شيء يسرك في القيامة أن تراه ، ولا خير في عمل لا يراد به وجه الله تعالى .
-اختيار المواقع السليمة والمفيدة ،وعدم تجاوز الساحات المفيدة المعينة على الخير إلى غيرها.
- مقاطعة مواقع أهل البدع أو المواقع التي غلبت عليها البدعة .
– الحذر من إضاعة الأوقات ؛ فإن عدداً من الناس قد استنزفت ساحات الحوار منهم وقتاً طويلاً بلا داعٍ إلى ذلك .
ـ الالتزام بعدم الرد على كل ناعق ، وعلى الأطروحات التافهة ، ويمكن الاكتفاء بإيراد قول النبي صلى الله عليه وسلم : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " .
– لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة ، وأن هامش الثقة بمن يكتبون بغير أسمائهم الحقيقية هو هامش ضيق .
– ينصح الشباب المتحمسون أن لا يورطوا أنفسهم فيما لا يحسنونه علمياً ، ويكفينا في الفتوى بغير علم قول الله تعالى : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ )
- التزام الأدب الشَّرعي ، وعفّة اللسان ( والقلم أحد اللسانين ) ، قال الله تعالى: ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ).
الالتزام بعدم المحادثة مع الجنس الآخر لأن الغالب أن يكون ذلك مثيراً لكوامن النفس وإثارة الغرائز والشهوة ، وربما أدى ذلك إلى مفسدة؛ فلا يجوز.
-عدم الدخول في الغرف المريضة البعيدة عن الأخلاق والقيم الاسلامية . مثل الغرف الإباحية التي تثير الفاحشة والرذيلة في المجتمع ، فمن أهدافها إفساد الشباب عن(33/1207)
طريق إشاعة الشذوذ والانحراف الجنسي .يقول تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ }
- الابتعاد عن المواقع التي تحاول بث السموم في أفكار الشباب وزعزعة عقيدتهم ، والتلبيس عليهم في أمور دينهم مثل المواقع التنصيرية . ولا يجوز الدخول على هذه المواقع أو المحادثات بدافع حب الاستطلاع ، وكذلك المناقشة بدون علم بل يكل الأمر لأهله ، ولا بأس بأن يأخذ كلامهم إلى أهل العلم ، ثم ينقل ردهم عليه.
- عدم الترويج لما جاء في هذه المواقع المنحرفة والتنبيه على أهمية التحلي بالحكمة في إنكار المنكر، وأن لا يُستدرج المسلم إلى فخّ الدّعاية والإعلان لمواقع تعادي الإسلام فيروّجها - عن غير قصد - بين المسلمين بحيث يتّجه إليها الجميع للاطّلاع عليها وقراءة ما فيها فيكون قد أسهم بشكل غير مباشر في إشهار شأن هذا التّافه الحقير مع ما يكون لهذا العمل أثر عكسي على البعض
ـــــــــــــــــــ
مشتاقة لرؤية الله وتبحث عن السبيل ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لا املك سوى أن أدعو لكم على ما تبذلونه لأجل هذه الأمة.
أولا أريد أن أعرف ماذا علي أن افعل أو كيف يجب أن أكون حتى أكون ممن يرون وجه الله الكريم يوم القيامة؟ لأني أدعو بعد كل أذان أن يجعلني ممن يرون وجهه الكريم و ممن يرافقون رسول الله الكريم في أعلى جنات الخلد.
والسؤال الثاني هو أنني عندما أكون في ضيق من شيء أو تكون لدي حاجة أريد من الله أن يقضيها لي فإني أدعو و ألح في الدعاء في كل وقت و أوقات الإجابة وأكون على يقين أن الله سوف يستجيب أو يؤخر أو يدفع عني من المصائب بقدر الشيء..
في الوقت نفسه أقلق وتأتيني بعض الوساوس من أن الله لن يستجيب لي.. أعرف أن من أركان الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر .. و أعرف أن هذا لا يمنع أن أدعو، وأطمع فيما عند الله للدنيا و الآخرة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن الله سوف ينصره على الكفار مع هذا كان يدعو الله كثيرا قبل غزواته, لكن ما أريد أن أعرفه هل انتظار نتيجة الدعاء و القلق بشأنه من ضعف الثقة في الله أم أنه أمر طبيعي
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور باسم خليل المدرس بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة فرع الفيوم :
بسم الله الرحمن الرحيم
أما عن إجابة السؤال الأول :(33/1208)
فإن رؤية الله – عز وجل – يوم القيامة أحب شىء إلى المؤمن ، فنفسه فى اشتياق دائم إليها ، ومرافقة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنة درجة عليا ومنزلة عظمى تتعلق بها القلوب . فقد ورد فى تفسير قول الله – سبحانه - : " لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " ( يونس : 26 ) عن قتادة وعكرمة أن الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم .
وجاء فى السنة المطهرة : عن عبد الرحمن بن مهدى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه الآية لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نودوا يا أهل الجنة إن لكم ثم الله موعدا قالوا ما هو ألم تبيض وجوهنا وتثقل موازيننا وتدخلنا الجنة وتنجنا من النار فيكشف الحجاب فيتجلى لهم فوالله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه ...
وجاء فى سبب نزول قوله – تعالى - : " وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً " ( النساء : 69 ) أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف فى وجهه الحزن فقال له : يا ثوبان ما غير لونك ؟ فقال : يا رسول الله ما بى ضر ولا وجع غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين وأنى إن دخلت الجنة كنت فى منزلة هى أدنى من منزلتك وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا فأنزل الله هذه الآية .
وهذه الدرجة وتلك المنزلة لا يرقى إليها إلا من هو جدير بها ويستحقها ، وذلك لا يتأتى بالدعاء فحسب ، وإنما يكون بطريقين :
الطريق الأول :
ويتمثل فى سلوكيات المؤمن التى ينبغى أن يمتثلها ، ومن أهمها :
أ – حسن الخلق . عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا : يا رسول الله ، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما المتفيهقون ؟ قال : المتكبرون " . والثرثار هو الكثير الكلام ، والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام .(سنن الترمذى) .
ب – الأعمال الصالحة . عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، قالوا : بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط " . (صحيح مسلم ) .
جـ - التزام الصراط المستقيم . فقد ورد فى تفسير قوله – تعالى - : " وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً " ( النساء : 68 ) يعنى بذلك جل ثناؤه ومن يطع الله والرسول بالتسليم لأمرهما وإخلاص الرضا بحكمهما والانتهاء إلى أمرهما والانزجار عما نهيا عنه من معصية الله فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه وفى الآخرة إذا دخل الجنة(33/1209)
الطريق الثانى :
ويتمثل فى الابتلاءات التى تصيب الإنسان ، وهى تمحص المؤمن وتحط من خطاياه ، وترفع من درجته إن هو قابل هذا الابتلاء برضا نفسه والصبر عليه ويدلنا على ذلك أحاديث منها :
عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله : أى الناس أشد بلاء ؟ قال : " الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، فيبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وإن كان فى دينه رقة ابتلى على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة " .( سنن الترمذى ) .
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها : اتقى الله واصبرى فقالت : وما تبالى بمصيبتى فلما ذهب ، قيل لها : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين ، فقالت : يا رسول الله لم أعرفك فقال : إنما الصبر عند أول صدمة أو قال :عند أول الصدمة ( صحيح مسلم ) .
أما إجابة السؤال الثانى :
فقد ورد فى صحيح البخارى : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذى عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المسلم بكل الذى عند الله من العذاب لم يأمن من النار "
ونص الإمام ابن حجر فى شرحه فتح البارى على أنه يستحب أن يجتمع الرجاء والخوف فى قلب المؤمن فلا يقطع النظر فى الرجاء عن الخوف ولا فى الخوف عن الرجاء لئلا يفضى فى الأول إلى المكر ، وفى الثانى إلى القنوط ، وكل منهما مذموم ، والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه ، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها ، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا فى غرور ، وما أحسن قول أبى عثمان الجيزى: من علامة السعادة : أن تطيع ، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصى ، وترجو أن تنجو .
وجاء فى سنن الترمذى : عن أنس أن النبى صلى صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو فى الموت فقال : " كيف تجدك قال : والله يا رسول الله إنى أرجو الله وإنى أخاف ذنوبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف " .
ـــــــــــــــــــ
الغريزة الجامحة ..كبت أم ضبط ؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
نرى الغريزة تغلب على الشباب في كثير من الأحيان ، ولها صور متعددة ، وخاصة مع ثورة الاتصالات ، فكيف يتعامل شبابنا مع هذه الغريزة ، وكيف يهذبونها ؟ وما منهج الإسلام في التعامل مع الغريزة ؟(33/1210)
... السؤال
الدكتور يوسف القرضاوي ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
لا ريب أن للغرائز في دفع الإنسان سلطانًا لا ينكر، ولكن المثل العليا التي يعيش لها المؤمن تعلو به على الغرائز وسلطانها لقد أصبح علماء النفس اليوم لا يستحسنون كلمة " الغرائز " ويستعملون بدلها " الدوافع النفسية " ولكنا آثرنا كلمة الغرائز لشيوعها وظهور معناها لدى جمهور الناس ولا مشاحة في الاصطلاح.
والغريزة الجنسية بخاصة لعلها أعتى الغرائز وأقواها، حتى إن في علماء النفس من فسر بها السلوك البشري كله، مثل " فرويد " وهو تفسير حيواني يتجاهل غرائز الإنسان الأخرى، وسائر ملكاته الروحية ودوافعه النفسية - وليس هنا موضع مناقشته
وفي الشباب تتجلى هذه الغريزة على أشدها، فالشباب شعلة متوهجة لعظم طاقته الحيوية، وقوة دوافعه النفسية، وقلة علمه وتجاربه في الحياة، بجانب أحلامه وخيالاته الكثيرة، فماذا يمنع الشاب الناضر الفتوة، القوى الغريزة أن يقضى شهوة جنسية مع امرأة لا تحل له إذا تيسرت له أسبابها، وتهيأت وسائلها دون خشية من عقاب أو قانون أو أعين الناس؟.
لا شيء يمنعه إلا الإيمان.. هذا ما حدث ليوسف عليه السلام: شاب في ريعان الشباب، مكتمل الرجولة، رائع الفتوة، تدعوه إلى نفسها امرأة ذات منصب وجمال، ليست من عامة الناس ولكنها امرأة العزيز الذي هو في بيتها وهو عبدها وخادمها، والأبواب مُغلقة، والسبل ميسرة، كما حكى القرآن: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) (يوسف: 23).
فماذا كان موقفه أمام هذا الإغراء، وتلك الفتنة التي تخطف الأبصار !.
ألانت قناته فاستسلم وخان عرضًا أؤتمن عليه؟ كلا... إنما قال: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف: 23).
ولقد حاولت المرأة بكيدها ومكرها وبكل ما لديها من ألوان الإغراء والتهديد أن تُذيب من صلابته وتضعضع من شموخه، وأعلنت ذلك لنسوتها في ضيق وغيظ (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف: 32).
ولكن الشاب يوسف اتجه إلى الله يسأله المعونة والعصمة (قال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) (يوسف: 33).
كانت فتنة بين ضمير المؤمن، ومغريات الإثم، ففشلت المغريات وانتصر الإيمان.
والغريزة من شأنها أن تطلب متنفسًا، فإن طال حبسها خيف عليها الانفجار ما لم يحجزها سد الإيمان.(33/1211)
وهذه امرأة يغيب عنها زوجها فترة طويلة من الزمن، فتُخيم عليها كآبة الوحشة، وتهجم عليها هواجس الوحدة، ويثور في عرقها دم الأنوثة، وينطق فيها صوت الغريزة فلا يصده إلا حاجز الإيمان، وفي جنح الليل باتت تنشد:
لقد طال هذا الليل واسود جانبه
وأرقني أن لا حبيب ألاعبه
فو الله لولا الله تُخشى عواقبه
لُحرك من هذا السرير جوانبه
وغريزة المقاتلة التي عبر عنها الأقدمون، بالقوة الغضبية، أو القوة السبعية، والتي تثير الإنسان أن يرد الصاع صاعين، وتدفعه إلى التدمير والانتقام. وبها يبدو كالوحش الهائج، أو الإعصار المدمر. جمرة من النار يُلقيها شيطان الغضب في جوفه فتنتفخ أوداجه، وتحمر عيناه، ويبدو كأن له مخالب وأنيابًا؟
ما الذي يقلم أظافر هذه الغريزة، ويلقى على هذه الجمرة المتقدة ماء الهدوء والسلام؟
إنه الإيمان الذي يحمل المؤمن أن يكظم الغيظ، ويعفو عمن ظلمه، ويحلم على من جهل عليه، ويُحسن إلى من أساء إليه، ويجعله يحس في مرارة جرعة الغيظ، حلاوة يجدها في صدره.
وقد قص علينا القرآن قصة ابني آدم بالحق: (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ) (المائدة: 27)... فما كان من ابن آدم الشرير إلا أن قال لأخيه: (لأَقْتُلَنَّكَ) (المائدة: 27)... قال المؤمن الصالح: (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة: 27 - 28)....
خوف الله إذن هو الذي يكف الأيدي أن تمتد بالأذى، وإن التهبت الغريزة، ودفعت إلى العدوان، وقد قال عمر: " من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون ".
وكلم رجل يومًا عمر بن عبد العزيز، فأساء إليه حتى أغضبه - وهو أمير المؤمنين - فَهَم به عمر، ثم أمسك نفسه وقال للرجل: أردتَ أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان فأنال منك ما تناله مني غدًا؟ - أي في الآخرة - قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك.
الإيمان ينتصر على الأنانية:
وغريزة الأنانية أو حب الذات غريزة عاتية جبارة، لا يكاد يخلو بشر من سلطانها عليه، وقوة دفعها له، وتوجيهها لسلوكه. وإنك لترى الناس تدفعهم الأنانية إلى التنافس على الدنيا ومتاعها، ويدفعهم التنافس إلى التنازع والاختصام، ويدفعهم ذلك إلى ادعاء ما ليس لهم، وجحود ما عليهم من حق، وأكل أموال الناس بالباطل، وعندما يطل شيطان الخصومة برأسه لا يكون إلا حب الغلب بأي ثمن، وأية وسيلة.
ولكن عنصر الإيمان إذا دخل المعركة أطفأ لهب الخصومة، فصارت نارها بردًا وسلامًا، وحطم طغيان الأنانية فاستحالت تسامحًا وإيثارًا، وحلق بالمؤمن من المتاع الأدنى إلى المثل الأعلى.(33/1212)
وفي القصة التي روتها أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم مثل واضح على مبلغ أثر الإيمان: رجلان يختصمان في مواريث وليس لهما بينة إلا دعواهما، كلاهما يقول: هذا حقي، وينكر على صاحبه أن يكون له حق.. ويحتكم الرجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صدر كل منهما فرديته وأنانيته، فيصدع الرسول آذانهما وقلبيهما بهذه الكلمات الحية: " إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلى، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعه من النار".
سمع الرجلان المختصمان هذه الكلمات الهادرة، فلمست أوتار الإيمان من صدريهما، وأيقظت فيهما خشية الله والدار الآخرة، فبكى الرجلان، وقال كل منهما لصاحبه: حقي لك !.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إذا فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما. ثم تحالا) (القصة في كتاب " الأقضية " من سنن أبي داود) (أي ليحل كل منكما صاحبه وليسامحه فيما عسى أن يكون حقه).
هنا كانت كلمة الإيمان، وكلمة الضمير الذي أيقظه الإيمان، هي القول الفصل، والقضاء العدل في قضية يعجز القانون المجرد، والقضاء الظاهر، عن معرفة الحق فيها ما دام الطرفان متنازعين، ولا بينة لأحدهما.
وقد قص النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه قصة رجلين مؤمنين، ضربهما مثلاً لما يجب أن يكون عليه المؤمنون من العفاف والزهد والإيثار، قال:
(اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال للذي اشترى العقار منه: خذ ذهبك عني، إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب.
فقال الآخر: إنما بعتك الأرض وما فيها !.
قال صلى الله عليه وسلم: فتحاكما إلى رجل... فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟.
فقال أحدهما: لي غلام؟.
وقال الآخر: لي جارية.
فقال الحكم: " أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكم منه وتصدقًا " (القصة رواها مسلم في صحيحه).
وهكذا يرى الناس لونا ممتازًا من النفوس: رجلان وأمامهما جرة فيها ذهب لا يتقاتلان عليها. ولن يتدافعانها، يقول كل منهما لصاحبه: هي لك.. على حين نرى الإنسان دائمًا يقول: هذا لي !!
ـــــــــــــــــــ
وصفة إيمانية للعادة السرية ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا شخص ملتزم بإذن الله وملتحق بأحد مراكز تحفيظ القران ولكن هناك ابتلاء ومرض ابتليت به وهو وللأسف أني أمارس العادة السرية ، وأعلم أنكم سوف تنصحونني بعدم مشاهدة اللقطات التي تثير الشهوة ولكني لا أنظر إليها ولكن تأتي(33/1213)
لي بعض الصور القديمة[ أتخيلها ] من قبل الالتزام، فوالله أنها تأتيني كأني أراها مع أني التزمت من قبل تسعة أشهر ، فما النصيحة أفيدوني ولا تنسوني من الدعاء وجزاكم الله خير الجزاء ..
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور علي بادحدح من علماء السعودية :
إخواني الأحبة :
بارك الله فيكم على ثقتكم في موقعنا ، وحماكم الرحمن وحفظ عليكم دينكم الذي هو عصمة أمركم ، ونسأل الله أن نكون في مستوى ثقتكم .
بداية يبدو أننا متفقون أن هذه العادة سيئة ، وعلينا السعي للتخلص منها ؛ بدليل أنكم تستشيروننا في كيفية التخلص منها .
كونها " عادة " أي اعتادت النفس على فعلها ، حتى أمست شيئا من السلوك العام للفرد ، فهي ذات جذور في النفس ، وليست أمرا عابرا ، مرة أو مرتين في الحياة ، فهي متكررة وعادة لدى من ابتلي بها .
وكونها " سرية " أي تكون بين المرء وذاته ، لا يطلع عليه أحد إلا الله ، ثم الملائكة التي معه، ولا يمكن أن تنتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية ، وإلا أمست مجاهرة بالمعصية والفسوق أمام الجميع .
فما الذي يجعل شيئا ما ، أي شي ، ما الذي يجعله في سلوكنا " عادة " ؟ وكيف يتكون سلوك ما ويتكرر بشكل دوري فيمسي عادة ؟
هناك قاعدة متسلسلة تقول :
ازرع فكرة .. تحصد فعلاً
ازرع فعلاً .. تحصد عادة
ازرع عادة .. تحصد شخصيا
ازرع شخصية .. تحصد مصيراً
فالعادة كان قبلها فعل متكرر حتى أصبح عادة ، والفعل المتكرر كان قبله فكرة أو أفكار تتوالى ، حتى نتج الفعل واستقر .. ثم تتوالى السلسلة لنصل إلى عادات تصنع شخصية ، وشخصية تصنع مصير المرء .
وفي محاولة لعلاج هذه العادة السيئة يجب أن نعي هذا التسلسل ، على الأقل في الجزء الأول منه ، الذي يحوي الفكرة ، والفعل ، والعادة .
ما قبل البدء ..
علينا أن نتذكر جملة من المعاني المهمة ، تعيننا في الطريق ، حتى نكون غير حالمين في المعالجة الإيمانية .
* العادة السرية : لا يوجد دليل يجعلها في مرتبة الزنا ، ويخطئ بعض الفقهاء في ربطها بآيات نزلت في الزنا ، كمثل قول الله تعالى عز وجل : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ المؤمنون :(33/1214)
5-6 ] . قال الإمام ابن كثير : " أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم . " . إن جعل العادة السرية التي يمارسها المرء مع نفسه ، لا يمكن أن تكون كالزنا واللواط ، ولا يوجد دليل صحيح على ذلك .
* العادة السرية : ذنب بين المرء العبد وربه ، لها آثاراها الإيمانية على المرء ، وكأي ذنب يجب أن نتعامل معه بروح إيمانية ؛ قال عليه الصلاة والسلام : ( ما من عبد يذنب ذنباً، فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له ) رواه أبو داود . هكذا فلننظر لها ونتعامل معها ؛ لأن أي ذنب يقع فيه المرء لها آثاره النفسية التي تأسره عن العمل الصالح والانطلاق من جديد ، وهذا الحديث يعطينا الحل ويعطينا بدء الانطلاقة من جديد ، كي لا يأسرنا الشيطان ويزيد من المعصية ، ومن ثم يزيد من آثارها .
* العادة السرية : عادة ما تبدأ في التكون في شخصية المرء في مرحلة المراهقة والشباب ، وهذه المرحلة من أصعب المراحل في حياة المرء ، ومن أكثر المراحل التي تسهم في تشكيل شخصية المرء بعامة ، ولا يسلم من هذه المرحلة أحد إلا من رحم الله ووقاه شرور المعاصي ، ومن ثم علينا أن ندرك أن الوقوع في الخطأ والمعصية أمر متوقع من الناس بعامة في هذه المرحلة ، وليس المرء ملَكا من الملائكة ، كي لا تثار شهوته ، ولا تتحرك غرائزه ؛ قال عليه الصلاة والسلام : ( ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق لكي يذنبوا فيغفر لهم ) من حديث أبي هريرة عند الترمذي والدارمي . جلد الذات وتقريعها والشعور بأن المرء قد هلك ، لا يجدي شيئا في العلاج .
* العادة السرية : تمتع للحظات ، يتبعه ألم وحسرة في القلب ، يشعر به المرء في نفسه ، ولو أننا نقلنا هذا الألم إلى صورة محسوسة ، لأدركنا كيف يؤثر في الشخصية ؛ فلو أن كل مرة يرتكب فيها المرء العادة السرية ظهرت في وجهه - مثلاً - نقطة سوداء ، في كل مرة يفعل فيها العادة السرية تخرج النقطة السوداء بدلاً من الألم النفسي ، ومع مرور الأيام ، كيف سنتخيل شكل وجه المرء ؟!
لا شك أنه مشوه وقبيح . هذا المثال المحسوس الآن ، كيف سنتخيل نفسية المرء وهو في كل مرة روحه ونفسيته تتأثر سلبا ، في كل مرة ينكت في القلب نكتة سوداء ، صحيح أنه يعالجها بالتوبة والصلاة كما ذكرنا ، لكن لو تعودت النفس وتكرر الفعل ، فقد لا تجدي صلاة ركعتين مع الكثير الكثير من النقاط السوداء في النفس ، ومع مرور الوقت ، هل نتخيل أن نفسية هذا الأخ منا نفسية سليمة صحيحة ؟ هل يستوي هو ومن أقلع وسلم وتطهر ؟ هل يستويان ؟!! ، بالتأكيد لا .
بسم الله ..
نبدأ الآن في وضع نقاط للتخلص من العادة ، ولابد أن نعي النقاط السابقة ، وبعمق ، لأنها أساس .
* أنت المسئول : الأول عن إقلاعك من هذه العادة السيئة ، فهي شخصيتك وهي ذاتك ، إما أن تشوهها وإما أن تزينها ، ولا تظن أن أحداً سوف يكون معك في(33/1215)
الحالين ، حالة الشخصية المشوهة لا سمح الله ، أو حال الشخصية المباركة بإذن الله ، أنت المسئول .
* عمّر أفكارك : بالمفيد النافع ، بدلا من أن تتوارد عليك الأفكار القديمة ، أو المهيجة ، أبدلها بأفكار أخرى جميلة :
- لا تجالس الأصدقاء الذين لا يفيدونك في آخرتك ودنياك بشيء مفيد .
- اشرح صدرك بالقرآن الكريم في كل حين ، فهو الزاد الأول للقلب والعقل والروح.
- طالع كثيرا في الكتب التي تحب ، وابتعد عن قراءة ما يثير .
- مارس الرياضة بشكل دوري ، وقد ثبت علمياً أن مقدار الطاقة العصبية التي تنفق في العادة السرية لمرة واحد تعدل الجري لعدة كيلومترات ، ولك أن تجرب .
- استمع دائماً لشيء تحبه ، أناشيد ، محاضرات ، تلاوات ، كي لا يكون الفكر راجعا لتلك المناظر القديمة .
* خالط أهل الخير : ولا تكن حبيس أفكارك ، بل احرص على الخلطة المباركة ، تتعلم من هذا وتستفيد من هذا ، وتتأدب مع ذاك .
* ابتعد عن السرية : فلا تقفل باب غرفتك عليك ، وتذكر أن الله معك والملائكة تراك، فلم تقفل الأبواب؟! ، لا تقفلها مطلقاً .
* اجعل القرآن معك : فاجعل جهاز التسجيل عند رأسك ، ولا تنم إلا والقرآن يتلى عليك ، تطرد به الشيطان من الغرفة ، ومن نفسك ، وتنام على ذكر الله .
* أذكار النوم : لا تنساها مطلقا ، فقد كان عليه الصلاة والسلام : يجمع كفيه ثم ينفث فيهما فيقرأ فيهما: ( سورة الإخلاص ) ، (سورة الفلق ) ، ( سورة الناس ) .. ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ( يفعل ذلك ثلاث مرات) .
* تضرع إلى الله : لا شك أن العادة السرية بلوى ، ومن ابتلي بشيء لجأ إلى الله ، فعندما مرض سيدنا أيوب ـ عليه السلام ـ بات يردد : { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } فالهج بها ورددها ولا تفتر عنها ، فقد كان بعض السلف يردد آية واحدة في قيامه لليل ليلة كاملة . رددها أخي وسترى رحمة الله بك .
* يوسف قدوتك : عليه السلام ، فعندما خاف على نفسه تضرع وقال : { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } . فكن ملحاحاً على الله تعالى في أن يصرف عنك هذا الهم والتعب ، فقد استجاب الله ليوسف وصرف عنه كيد النساء ، ولن يخذلك أخي ، فقط كن صادقاً ملحاحاً ، غير متلذذ بعادة قبيحة .
هذه إخواني الأحبة بعض التوجيهات ؛ من خلال تجربة واطلاع على كثير مما كتب وقيل في هذا الأمر ، ويظل الأمر راجعاً لك ، ولقوة إرادتك ، فكن القوي الذي يتحكم في نفسه ، ولا تتحكم فيه لذة لدقائق .
وفقكم الله وسدد دربكم لعادات الخير والرقي والتميز في حياتكم ، وفق شرع الله المجيد ، وهدي نبيه الأمين
ـــــــــــــــــــ
البحث عن الالتزام الحقيقي ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/1216)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد معرفة ما هو الالتزام الحقيقي؟
أنا أحاول الالتزام وأسير في هذا الطريق، ولكن تأتى لحظات أشعر بالروتين والملل، فما هو السبيل إلى الطريق الصحيح؟ ولا أجد من يشجعني فماذا أفعل؟ وإن جميع أصدقائي في بداية الالتزام أو بعضهم غير ملتزم، وأجدهم غير جادين، وبذلك لا أجد من يشجعني ، أريد معرفة ما يجب أن أفعله في بداية الالتزام وكيف أستطيع التواصل ؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ علي محمد موسى عضو فريق الاستشارات الإيمانية :
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ..
أختي الفاضلة .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
إنها لنعمة عظيمة و منة من الله كبيرة أن ينشغل الإنسان بأمر دينه و أن يهتم لهذا الأمر و أن يبحث دائماً عن الأفضل في علاقته بربه سبحانه و تعالى .
و إن سؤالك عن معنى الالتزام الحقيقي ليثير في نفس كل منا شجون و تساؤلات .. و يجعله يسأل نفسه سؤالاً مباشراً : هل أنا ملتزم ؟ فما هو الالتزام و ما هي علاماته ؟
إن الالتزام الحقيقي ـ أختي الفاضلة ـ ما هو إلا تحقيق لمعنى الإسلام الذي نلتزم به ، و إن من أعظم معانيه الاستسلام لله عز وجل ..
الاستسلام الكامل في كل شئون الحياة فيجدنا حيث أمرنا ولا يرانا حيث نهانا ..
فالفرد الملتزم مستسلم لأمر ربه في عقيدته و عبادته و سلوكه و معاملاته بين الناس .
و الأمة الملتزمة مستسلمة لأمر ربها في شرعها و حكمها و علاقتها بسائر الأمم .
فالالتزام الحقيقي هو تحقيق قول الله عز وجل : " قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين "
هو تحقيق رسالة الإنسان في هذه الحياة : " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون "
هو الاستسلام الكامل لأمر الله و رسوله صلى الله عليه و سلم : " و ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم "
و من علامات هذا الالتزام الاستسلام لأمر الله عز وجل في الظاهر و الباطن ..
ففي الباطن : يلتزم المسلم بتوحيد الله عز وجل و بتقوى الله عز وجل و الخوف منه و الرجاء في رحمته .. إلخ
و في الظاهر : يلتزم المسلم بأداء ما افترض الله عز وجل عليه من صلاة وصيام و حجاب للمرأة المسلمة ..... إلخ
و على هذا فمن أظهر للناس صلاحاً و هو غير ذلك في خلوته فالتزامه ناقص ..(33/1217)
و من أظهرت للناس صلاة و صياماً للنوافل و هي غير مرتدية للحجاب الشرعي فالتزامها ناقص ..
و من أظهر للناس ذهاباً و إياباً للمساجد و لسانه غير منضبط فتارة يغتاب و أخرى ينم و ثالثة يكذب فالتزامه ناقص ....
لكن هذا الالتزام لا يأتي في يوم وليلة بل يحتاج مجاهدة و محاولة تلو المحاولة و فشل يعقبه نجاحات بفضل الله و على قدر إخلاص الإنسان و على قدر إرادته وبذله يترقى في مقامات الالتزام بدين الله عز وجل .
و أثناء هذه المحاولات المتتالية يعتري الإنسان شيء من الفتور و الإحساس بالملل، و هذا شعور طبيعي ليس بغريب، فقد أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح، ومن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر".
ففي بداية الالتزام تكون " الشرة " و العنفوان و القوة كإنسان ظامئ وجد الماء أمامه فشرع ينهل منه الكثير و الكثير ، ثم يعقب هذا " الفترة " و هي الفتور و الشعور بالكسل و الملل .
فالواجب علينا كما أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا نجعل فترات الفتور تصل بنا إلى المعصية أي أن نجعل لأنفسنا حداً أدنى من العلاقة مع ربنا لا ننزل عن هذا الحد أبداً ... قد نعلو عنه في أوقات " الشرة " لكن لا ننزل عن هذا الحد أبداً في أوقات " الفترة " .
و على طريق الالتزام و حين يتملك من الإنسان الفتور يحتاج الإنسان أعواناً على الخير و يكون في أشد الاحتياج إلى صاحب يقوي من عزمه، و يشد من أزره، و يذكره بربه، و لذا أرشدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصحبة الصالحة فقال لنا : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " .
فلابد من مصاحبة الأخيار الأطهار الذين يعينون على طاعة الله عز وجل و البعد عن مصاحبة الفجار الذين ينسى الإنسان معهم دينه و خلقه فالصاحب ساحب .
فالمصاحبة تكون للأخيار الأطهار الملتزمون بدينهم، أما غيرهم من غير الملتزمين فالواجب دعوتهم بالحكمة و الموعظة الحسنة و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر، و جذبهم إلى طريق الالتزام لا الانجذاب معهم إلى طريق المعصية .
فديننا يأمرنا ألا يكون أحدنا إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنا، و إن أساءوا أسأنا، و لكن علينا أن نوطن أنفسنا إن أحسن الناس أحسنا ، و إن أساءوا أن نجتنب إساءتهم .
فاستعيني بالله أختاه و اسلكي طريق التزامك بدينك مستعينة بالله مخلصة له ملتزمة بالحجاب في ظاهرك و باطنك و اعلمي أن من أدمن طرق باب ربه فيوشك أن يفتح له بابه سبحانه .. " و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين ".
ـــــــــــــــــــ
التثبت من نقل الأخبار عبر الانترنت ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع(33/1218)
يوجد بعض الكتَّاب وخاصة في الإنترنت ينشرون أخباراً بلا تثبت ، مما يتسبب في ربكة المسلمين ، وإدخال الوهن إلى قلوبهم .. كادعاء سقوط مدينة من مدن المسلمين أو قتل قائدٍ من قادتهم أو غير ذلك مما يُسبب الإحباط ويفت في العزيمة ... وكل ذلك بلا تثبت ولا تأكد من صحة الخبر .. بل إن بعضهم يكتب في نهاية مقاله : " هكذا بلغني ولكني لست متأكداً من صحة الخبر " !!
فما نصيحتكم لهؤلاء .
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الشيخ محمد بن صالح المنجد من علماء السعودية :
لا شك أنه في وقت الفتن تنشط الدعاية وتكثر الإِثارة وهنا يأتي دور الإِشاعة .
ومن المعلوم أن التثبت مطلب شرعي لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) . وفي قراءة أخرى ( فتثبتوا)
وقد حذر الشارع أشد التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه، فعن حفص بن عاصم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) السلسلة الصحيحة 2025.
"قَالَ النَّوَوِيّ : فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ , وَالْكَذِب الإِخْبَار عَنْ الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ وَلا يُشْتَرَط فِيهِ التَّعَمُّد " .
وعن المغيرة بن شعبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر :
(قَوْله : ( وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ ) . . .
قَالَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ : ". . . وفي معني الحديث ثلاثة أوجه :
أولها : الإِشَارَة إِلَى كَرَاهَة كَثْرَة الْكَلام لأَنَّهَا تُؤَوِّل إِلَى الْخَطَأ . . .
ثَانِيهَا : إِرَادَة حِكَايَة أَقَاوِيل النَّاس وَالْبَحْث عَنْهَا لِيُخْبِر عَنْهَا فَيَقُول : قَالَ فُلان كَذَا وَقِيلَ كَذَا , وَالنَّهْي عَنْهُ إِمَّا لِلزَّجْرِ عَنْ الاسْتِكْثَار مِنْهُ , وَإِمَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوص مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكْرَههُ الْمَحْكِيّ عَنْهُ .
ثَالِثهَا : أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَة الاخْتِلاف فِي أُمُور الدِّين كَقَوْلِهِ : قَالَ فُلان كَذَا وَقَالَ فُلان كَذَا , وَمَحَلّ كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ يُكْثِر مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يُؤْمَن مَعَ الإِكْثَار مِنْ الزَّلَل , وَهُوَ مَخْصُوص بِمَنْ يَنْقُل ذَلِكَ مِنْ غَيْر تَثَبُّت , وَلَكِنْ يُقَلِّد مَنْ سَمِعَهُ وَلا يَحْتَاط لَهُ . قُلْت :(33/1219)
وَيُؤَيِّد ذَلِكَ الْحَدِيث الصَّحِيح (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم ) اهـ بتصرف يسير .
وعن أبي قلابة قال : قال أبو مسعود لأبي عبد الله أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زعموا ؟
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بئس مطية الرجل زعموا " السلسلة الصحيحة 866 .
قال العظيم آبادي: " ( بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل ) : الْمَطِيَّة بِمَعْنَى الْمَرْكُوب (زَعَمُوا) : الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ أَيْ أَسْوَأ عَادَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده فَيُخْبِر عَنْ أَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ .
ولذلك حرص سلفنا الصالح على التثبت والحذر من الإشاعات :
قال عمر رضي الله عنه : ( إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف ).
ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة وإليك أمثلة من ذلك :
1- لما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة وكانوا في أمان ، أُشيع أن كفار قريش في مكة أسلموا فخرج بعض الصحابة من الحبشة وتكبدوا عناء الطريق حتى وصلوا إلى مكة ووجدوا الخبر غير صحيح ولاقوا من صناديد قريش التعذيب . وكل ذلك بسبب الإِشاعة .
2- في غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أُشيع أنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل : قُتل رسول الله فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة ، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال .
3- إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة البريئة الطاهرة بالفاحشة وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة .
إذاً ما هو المنهج الشرعي في التعامل مع الأخبار ؟
هناك ملامح في التعامل مع الأخبار نسوقها باختصار :
1) التأني والتروي :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (التأني من الله و العجلة من الشيطان) السلسلة الصحيحة 1795.
قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل
2) التثبت في الأخبار :
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين َ) وفي قراءة (فتثبتوا)
سبب نزول الآية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا ، وخرجوا ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله : إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة .
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد ، فقالوا : يا رسول الله : إنا حُدثنا أن رسولك رجع من نصف(33/1220)
الطريق ، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله !
وأن رسول الله استعتبهم ، وهمّ بهم ، فأنزل الله عز وجل عذرهم في الكتاب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين } الحجرات/6 .
معنى التثبت : تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا .
والتبين : التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملاباساته .
يقول الحسن البصري : "المؤمن وقاف حتى يتبين" .
وختاماً : نوصي الجميع بالتثبت وعدم التسرع في نقل الأخبار حتى يتأكد من صحتها ، حتى لو كان الخبر ساراً ، لأنه إذا تبين خطأ الناقل فستسقط عدالته عند الناس ...
ويكون عرضة للاستخفاف ممن له هوى في نفسه ... وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
ـــــــــــــــــــ
العقل هاد أم مضل ؟ ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أنا شاب مغربي عمري 19 سنة مسلم و من عائلة متدينة، ثقافتي لابأس بها ، أجدني مشدودا إلى كل ما هو منطقي و نوعا ما ملموسا لكن بعيدا عن المادية و فلسفتها، و أيضا إلى كل ما هو علمي و رياضي.. كنت دائما أطرح تساؤلات بشأن ديانتي لكن سرعان ما أتجاهلها أو أقمع نفسي لتجاهلها لكني الآن أريد أن أعرف الحقيقة و أن يطمئن قلبي....
أولا هل وجود الإله ضرورة كونية؟ إذا كان نعم فما هي تجلياتها و مظاهرها في هذا الكون؟
لماذا لم تشمل الرسالة كل الناس؟ فكل الرسل بعثوا خاصة أي إلى البعض دون باقي الناس وحتى الرسالة المحمدية التي هي عامة لا تشمل الآن جميع الناس وإنما الثلث على الأكثر ؟فأغلب غير المسلمين لا يعرفون عن الإسلام إلا الاسم؟ فأين عمومية هذه الرسالة ؟ وما حكمهم إذا كنا لا نستطيع إدخالهم في أهل الفترة لأنهم الآن في عهد الرسالة؟ولماذا لا يكون الإسلام نتاجا لبحث الإنسان الدائم عن قوة تحميه من الأخطار المحيطة به ؟ و عن تفسيرات لظواهر ما وراء ما وراء الطبيعة؟كما هو الشأن لباقي الديانات. وهل الآخرة ضرورة كونية ؟ إذا كان نعم فما هي مظاهر هذه الضرورة؟ وفي موضوع آخر في سورة الكهف {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة }كيف يبلغ مغرب الشمس و نحن نعرف الآن موقع الأرض من الشمس فإذا سرنا إلى المشرق فلن ننتهي إلا إلى نقطة تسمى نهاية المشرق لأن الأرض كروية ؟ وأيضا كيف وجدها تغرب في عين حمئة و الشمس لا تفارق مدارها ؟؟وفي السنة هناك حديث (لا عدوى و لا طيرة) و التجربة تؤكد أن العدوى حقيقة واضحة.؟وأخيرا كيف أستيقن ويطمئن قلبي بأنني بكوني مسلما فأنا على الطريق الصحيح؟...........أرجو أن تكون الإجابة علمية و منطقية والسلام(33/1221)
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور محمد متولي منصور الأستاذ بجامعة الأزهر:
بسم الله الرحمن الرحيم.؛
الأخ عبد الله إن اسمك بحمد الله فيه دليل على وجود الله؛ لأنك مضاف إلى الذات العلية الذي قال في حق نفسه "فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًّا"، ثم إن وجود الله حقيقة كونية يدل عليها تلك الآثار من الخلائق الموجودة الملموسة آناء الليل وأطراف النهار من شمس وقمر ونجوم وكواكب وأفلاك وأرض وجبال وماء وصحارى وقفار، ثم إن وجود الله حقيقة كونية تلمسها في ذاتك أنت، في ذلك يقول الله عز وجل "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، وآيات القرآن الكريم تسائل هؤلاء المجادلين في وجود الله في أكثر من موضع، منها مثلاً قوله تعالى "أمن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم"، وفي أكثر من موضع من سورة المؤمنون "أإله مع الله" فإذا نظر الإنسان إلى ذات نفسه بغض النظر عن دينه أو لغته أو قوميته، وجرّد نفسه من سيطرة العقل المضل أو النزوة الزائفة ونظر إلى جسده وإلى هذا التنسيق الذي يتناثر بين جوارح الإنسان، ظاهرة وبين أعضائه الداخلية لأيقن أن هناك قوة لا يمكن أن تكون من قوى البشر هي التي خلقت هذا الإنسان وابتدعته وجعلته كما قال خالقه تبارك وتعالى "فتبارك الله أحسن الخالقين".
وقديمًا قالها هذا الأعرابي وهو يمشى في الصحراء "إن البعرة تدل على البعير، وإن الأثر يدل على المسير، أفلا يدل ذلك على وجود الحكيم الخبير". نقِّ نفسك يا أخي من أدرانها، وحارب أعداء النفس البشرية ومنها الشيطان والنفس والدنيا والهوى، وأقبل بقلب نقي وعقل متفتح على قراءة القرآن والسنة لتهدي بإذن الله إلى الطريق المستقيم، ولتوقن بوجود الخالق العظيم.
وأوصيك أن تقرأ مثلاً من التفاسير تفسير "في ظلال القرآن" فقد عني بالآيات الكونية الدالة على وجود الله وربط بين القديم والحديث، وفيه إجابة شافية لتساؤلك عن وجود الله، ثم اقرأ كتاب "الله يتجلى في عصر العلم" ففيه أيضًا فائدة عظيمة للإجابة عن سؤالك.
ولا شك أن وجود الله ضرورة كونية ولا بد أن يكون إلهًا واحدًا؛ لأن القرآن الكريم قد قال "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"، وإلا فهل نتخيل هذا الكون الفسيح من أقصاه إلى أقصاه يمكن أن يكون مسيرًا هكذا دون وجود قوة عظمى تسيره؟ وهل يمكن أن نتخيل وجود هذه الخلائق بمختلف أنماطها دون وجود رازق يرزقها ومدبر يدبر لها أمرها؟!
أما آثارها فهي بادية لكل ذي عينين، ويكفي أن تتأمل أيها السائل الكريم في نومك ويقظتك، فإن النوم تسلب فيه الروح سلبًا يجعلها متصلاً بالجسد بطريقة ما لا يعلمها إلا الله، فإذا ما أراد الله لمن نام أن يستيقظ مرة أخرى فإنه يرد إليه روحه وتتصل(33/1222)
بجسده اتصالاً طبيعيًّا كما نلاحظ ذلك في نومنا ويقظتنا. ويكفي هذا دليلاً وأثرًا على وجود الله عز وجل.
ومن قال يا أخي إن الرسالة الإسلامية ليست رسالة عامة للناس أجمعين. إن هذه حقيقة مقررة في عقيدتنا الإسلامية؛ لأن الرسالات السماوية السابقة كانت خاصة كل رسالة تنزل على رسول لقوم معينين. فلما أراد الله أن يختم جميع الرسالات أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام مهيمنة على جميع الشرائع السابقة؛ لأنها جمعت بين الجامد المادي والجانب الروحي والإنسان جسد وروح، ويكفي أن تقرأ معنا قول الله تعالى مخاطبًا رسول صلى الله عليه وسلم "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
وإذا كان هناك من لا يدينون بدين الإسلام فإن هذا يدل على رحابة صدر الإسلام، وعلى أنه ليس دين جبر وقسر بدليل على أنه لم يجبر أحدا على الدخول فيه، إنه فقط يحسن عرضه على الآخر فإن قبله كان بها، وإلا فليظل على دينه الذي يقتنع به بالشروط الذي استنبطها الفقهاء من شرعنا الإسلامي. والآية واضحة وهي قوله تبارك وتعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم".
والعيب يا أخي ليس في الإسلام، ولكن في بعض ضعفة المسلمين الذين لا يعرفون من هذا الدين إلا اسمه كما تقول. كما أن العيب أيضًا يا أخي فيمن يقصرون في حمل رسالة الإسلام وإفهامها الآخر في عصر التقدم العلمي والانفجار المعرفي. فنحن بالتأكيد مقصرون في حق ديننا، ويجب أن نفهم هذا الدين أولاً وأن نحسن عرضه ثانيًا، ثم نطبقه في أرض الواقع، ثم نبلغه إلى العالمين وتلك رسالة كل مسلم موحِّد ينضوي تحت لواء هذا الدين.
ونقول يا أخي إن أهل الفترة انتهى وقتهم؛ لأن الفترة تكون بين بعثة رسول ورسول، وأهل الفترة عندنا هم الذين كانوا بين نبي الله عيسى ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبمجيء رسالة الإسلام ينتهي ما يسمى أهل الفترة وواجبنا الآن ليس أن ندخل هؤلاء في أهل الفترة، وقد مضى أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولكن أن نعرض عليهم الإسلام وأن ندعوهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نريهم الإسلام في أخلاقنا وعبادتنا وسلوكياتنا وآدابنا وتعاملنا مع من لا يدين بديننا.
الإنسان مركب من عقل وشهوة. العقل ليفكر به والشهوة لإيجاد النوع الإنساني، ولأن العقل قد يضل كان لا بد من وجود الرسالات السماوية، فالرسالات السماوية ليست نتاجًا للعقل أو لبحث الإنسان المادي، ولكنها منحة جاءت من الخالق سبحانه من أجل هداية هذا الإنسان.
وإذا كنت ترى أن الإسلام يمكن أن يكون نتاجًا لبحث الإنسان المادي فيما وراء الطبيعة فيما يسمى "بالميتافيزيقا" فإن عقل الإنسان القاصر في الوصول إلى هذه الغاية؛ ولذا كان من أول صفات المؤمنين في ثاني سورة في القرآن الكريم بعد سورة الحمد وهي سورة البقرة قول الله تعالى "الذين يؤمنون بالغيب" فألف باء الإيمان أن تكون مؤمنًا بالغيب، وهذا الغيب لا يمكن بعقل أن يصل إليه ولا لفكر أن يهتدي إليه، إذن لا بد من وجود آخر يستطيع أن يحدثني عن هذا الغيب. فكان هذا الآخر هم(33/1223)
الكتيبة المباركة من المرسلين وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء برسالة تجعل الإيمان بالغيب قمة الإيمان.
وفيما يتصل بآية سورة الكهف وما حدث من ذي القرنين فإن هذا يُعَدّ تحديًا علميًّا وإعجازًا من قبل الله عز وجل، حيث خص واحدًا من عباده بهذه الخاصية من أجل أن يقضي على هؤلاء الذين كانوا يكفرون بآيات الله عز وجل. ومغرب الشمس ومشرقه في هذه الآية الكريمة إنما سيق على مقدار إدراك البشر مخاطبة من خالق البشر لخلقه بما درجوا عليه. وهنا ليس هناك محل للسؤال أين مغرب الشمس الذي بلغه وأين مشرق الشمس الذي بلغه؛ لأن الذي أقدره على فعل ذلك لا يسأل عن أينيته؛ لأنه وصف نفسه بقوله "لا يسأل عما يفعل وهم سألون".
فالأمر يدخل في نطاق طلاقة قدرة الله عز وجل، وأوصيك أن تقرأ كتاب "إعجاز الله في خلق الكون".
أما الحديث الشريف "لا عدوى ولا طيرة" فإن هذا رد على هؤلاء الذين كانوا يعتقدون أن العدوى هي الفاعل الحقيقي. وأن الطيرة هي الفاعل الحقيقي أي أن الذي يضر وينفع هو العدوى والطيرة، فجاء نهي الرسول صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة أي إذا كانت العدوى سببًا ظاهريًّا فإن المسبب الحقيقي لأي أمر هو الله. وبأن الطيرة وهو التشاؤم لا قيمة له ولا وزن في الإسلام، فلا يبني المسلم مستقبله على عدوى أو طيرة، ولكن ليأخذ بجميع الأسباب ثم بعد ذلك يكل الأمور إلى مسبب الأسباب الحقيقي وهو الله عز وجل.
ولكي يطمئن قلبك بالإسلام يا أخي عليك أن توطد علاقتك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كلمة واحدة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الإسلام وأراد ألا يكثر فقال له: "قل آمنت بالله، ثم استقم"، ومعنى هذا أنك لا بد أن تعتقد أولاً اعتقادًا جازمًا صحيحًا فإذا ما فهمت عقيدتك من منابعها الأصيلة، ثم استقمت على الجادة وعلى الطريق المستقيم عندئذ تكون قد أسلمت الوجه لله رب العالمين. أسأل الله لي ولك الهداية والرشاد.
ـــــــــــــــــــ
الدعاء لحفظ القرآن ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله.. سؤالي كالتالي: هل توجد أدعية تساعد على حفظ القرآن؟ جزاكم الله خيرا.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
يقول الأستاذ رمضان بديني عضو فريق الاستشارات الإيمانية :(33/1224)
أهلا بك أخي السائل، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
أخي الكريم ما أجمل أن يعيش المؤمن بين الدعاء والقرآن؛ فيدعو الله أن ييسر له حفظ القرآن وتلاوته، ثم يتلو القرآن الذي هو ذكر ودعاء؛ فهو يعيش للقرآن ويعيش بالقرآن ويعيش مع القرآن. وقد كان وصف السيدة عائشة للرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان قرآنا يمشي على الأرض؛ فكان يحفظ القرآن في صدره، ويعيه عقله، وتطبقه جوارحه.
أخي الكريم، إن المؤمن موصول بالله تعالى؛ فهو يلجأ إلى الله بالدعاء في كبير أمره وصغيره. وقد تعبدنا الله بالدعاء ووعدنا الإجابة فقال عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. والدعاء هو أكرم شيء على الله تعالى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" (رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة)؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ الحاجة والافتقار لله تعالى والتضرع له والانكسار بين يديه ما يُظهر حقيقة العبودية لله تعالى.
وإذا كان الدعاء لتحقيق عبادة أخرى من أجلّ العبادات وأفضلها وهي حفظ القرآن فإن الغاية تبلغ درجة عالية من السمو والفضل.
والدعاء نوعان نوع مأثور وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل أدعية الصباح والمساء والأكل والنوم وغير ذلك من الأحوال، ونوع آخر وهو غير مأثور والمقصود به ما يدعو به المسلم ربه بأي ألفاظ دون تقيد بالمأثور، ومن رحمة الله عز وجل بنا أنه فتح أمامنا الدعاء بأي صيغة، ولم يشترط علينا ألفاظا مخصوصة للدعاء، إلا ما ورد من مأثورات عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف. وما عدا ذلك فليدعُ كل فرد بما شاء وكيفما شاء، وذلك فيه مراعاة للفروق بين الناس حسب ثقافاتهم. وهذه الفروق كانت موجودة بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان مشهورا عن سيدنا معاذ مثلا حسن الدندنة في الدعاء، وهذا لم يتوفر لأحد الصحابة الذي سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: "كيف تقول في الصلاة"؟.
قال: "أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ".
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حولها ندندن".
وبالنسبة لسؤالك أخي الكريم عن دعاء معين لحفظ القرآن الكريم فإنه لم يرد دعاء معين عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، إلا ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه من حديث طويل، يوصي فيه النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صعوبة حفظه القرآن؛ فأوصاه بصلاة أربع ركعات وأن يقرأ في كل ركعة منها بسورة معينة بعد الفاتحة، ثم يدعو بدعاء معين مذكور في هذا الحديث. ولكن أكد غير واحد من علماء الحديث أن هذا الحديث موضوع ومكذوب على رسول الله .
إذن يا أخي عليك أن تدعو الله عز وجل بما تيسر لك من الدعاء، وأن تلتزم بآداب الدعاء، ومن هذه الآداب التي أود أن ألفت الانتباه لها هنا هي عدم الاعتداء في(33/1225)
الدعاء، وهو المقصود من قول الله تعالى -كما في بعض التفاسير- {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}؛ وذلك بأن تدعو الله مثلا بأن تستيقظ في الصباح فتجد نفسك حافظا للقرآن، أو تحفظه في أسبوع مثلا، أو يلقى القرآن في صدرك دون أخذ منك بالأسباب المادية، أو غيره من الأمور التي لا تتفق مع سنة الله في الكون.
فالأصل أنك تبدأ في الحفظ مراعيا الأسباب المادية التي تعينك على الحفظ، ثم تدعو الله عز وجل بأن ييسر لك هذه الأسباب وأن يساعدك على الاستمرار والديمومة على الحفظ، وأن يهيئ لك من الظروف ما يقويك على ذلك، وأن يعطيك من قوة الذاكرة ما يعينك عليه، وأن يجعلك من الذين يُقيمون حروف القرآن وحدوده.
فالرسول صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن مفرقا ليسهل عليه حفظه، وكان جبريل عليه السلام ينزل عليه في شهر رمضان ليدارسه القرآن؛ فهو صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله من الخطأ وقال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} كان يأخذ بالأسباب العملية المعينة على الحفظ.
إذن يا أخي عليك أن تجمع بين الدعاء والأسباب العملية حتى ييسر لك الله عز وجل حفظ كتابه.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من الذين يقرءون القرآن فيرقون في جنات الخلد.
ـــــــــــــــــــ
الشهوة العارمة وكرسي البلاستيك ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب جامعي في السنة ما قبل الأخيرة ، كنت على قدر بسيط من الاستقامة ، (أسكن حاليا بشقة صغيرة في مدينة دراستي) حيث إنها ليست في نفس مدينة سكن الأسرة و أنا أعاني من مشكلة الرغبة الجنسية الملحة أو الشهوة ، ولكي أسير على النهج الصحيح في حل هذه المشكلة فاتحت والدتي وكان هذا في السنة الثانية من دراستي الجامعية ، وكان الجواب الطبيعي في مجتمعنا هي الصبر حتى إنهاء المرحلة الجامعية ، ولكن الشهوة عادت إلى أقوى من قبل، وبالكاد صبرت سنة ونصف ، ولم أستطع الصبر حتى فاتحت الوالدة للمرة الثانية ، والجواب لم يكن مختلفا كثيراً ولكن هذه المرة كان مصحوبا بالحجج غير المقنعة (إكمال الدراسة) ، (عدم القدرة المادية) ، فالزواج لا يعرقل الحياة الدراسة بل العكس ، وبإمكاني العمل لتوفير المادة علما بأني أعمل سنوياً بأعمال موسمية بالإضافة إلى الصيف وعندي ما يكفي من الخبرة بحال سوق العمل .
و لكن الجواب بعدم الموافقة ، والقصة بدأت هنا بالتحديد، حيث لم أعد أرغب في شيء أبدا وتدنى مستواي الدراسي جدا إلى أدنى حد ، ولم أعد حتى أشعر بلذة في العبادة وساءت حالتي النفسية جداً ، وأصبحت مبذرا جدا حتى أن المكافأة الجامعية تنفد في نصف الشهر فأتصل بالوالدة وأكذب عليها بأن المكافأة تأخرت .
و أصبح الجنس هو هاجسي الوحيد ، دخلت المواقع الإباحية كدت أن أقع في الزنا مرتين ولكن (ربك ستر) ، تهاونت لدرجة غير معقولة في الصلاة ، جربت الصوم(33/1226)
والعودة إلى التدين ولكن في كل يوم أصوم أعود عن قراري بعد مضي نصف اليوم وكلما حاولت العودة إلى التدين و حلقات التحفيظ تعاودني الشهوة فأخرج ذلك الأذى بيدي رغم علمي بتحريم بعض العلماء لذلك ، فكرت بالزواج السري و المسيار دون علم أحد، وسجلت في مواقع الزواج ولكن كل الطرق مسدودة لم أقدر على التحمل حتى أني أحيانا تنتابني حالة نفسية وأقوم بحمل كرسي صغير ورميه على الأرض، وجعلت ذلك الكرسي بلاستيكي لصعوبة كسره .
أنا الآن كالغريق المتمسك بقشة هل أجد عندكم شيئا من العلاج أو "تصبيرة" أم أنك لن ترد على الاستشارة ، مع العلم أني لم أبالغ في كل ما قلته ، كل ماقلته لا يتعدى حقيقة ما أعيشه الأن بشبر واحد ، لم يبق شيء لم أجربه سوى تعاطي السموم ، وأسأل الله أن لا يبتلي مسلم بما ابتلاني به إنه سميع مجيب ، وصلى الله على الحبيب وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالموقع :
ولم لا نرد على رسالتك أيها الحبيب؟! ألأنك تصارحنا بكل ما تشعر به ولا تزيد عليه بشبر واحد، كما تقول. هل خشيت أن تتهم عندنا بطيش أو شهوانية؟.. هون عليك يا أخي فالأمر يسير على من يسره الله عليه.
أتدري لماذا خاطبتك بالحبيب، مع أنك لم تذكر هنا اسمك، وهذا من حقك؟ لأنك ختمت كلماتك الشاكية بعبارتك الجميلة الرقيقة "وصلى الله على الحبيب وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين"، ونحن لا يسعنا إلا أن نحب من أحب الحبيب، وأنا أردد معك: اللهم صل على الحبيب وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا ما نبدأ به كلامنا، ونختمه به، مع حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، عسى الله أن يبارك فيما بينهما.
صديقي..
لا تحسب أن ما تشكو منه بِدْعٌ من طبيعة الشباب؛ كلا، فلو لم تكن هكذا لخشيت عليك، ولو لم ترسل إلينا شاكيا مستنصحا لخشيت عليك أيضا. من أوهمك أنك من طينة غير طينة البشر؟! ولكن.. هذه هي الحياة يا صديقي، وهذا هو الشباب: فورة وعنفوان وجموح ورغبة لا يكاد يردها شيء إلا الاستعصام بحبل الله المتين، والذي يمتد إليك عبر كتاب الله تعالى أولا، وسنة الرسول العظيم، والرسل أجمعين صلوات الله عليهم.
هل قرأت سورة في القرآن كاملة سميت باسم نبي من آل يعقوب، لُقب بالصديق، وكان أيضا في عنفوان شبابه وعافيته، وهيئت له كافة الظروف، وأُمنت له كل المسارب، وضُمن له أن تستر فعلته بستار من فولاذ، فلا يصل إليها ولا يكتشفها حتى الملك نفسه.. وقد وجد نفسه أمام فاتنة عاشقة متغنجة متذللة له، تفرش نفسها بين(33/1227)
يديه، وتدعوه لها، ليفعل ما يريد، فلا عازل ولا رقيب؛ فالأبواب مغلقة والستائر مسدلة... ولا داعي للاسترسال في الوصف، لأن كل إنسان يعرف تفاصيل مثل هذه الأمور، حتى ولو من خيالاته.. ومع ذلك.. (استعصم).
نعم، استعصم، وليس له إلا هذا الاستعصام. فما هو الاستعصام؟
(استعصى- امتنع- بذل جهدا في التمنع والتحكم في نفسه، ولم يترك لها مجالا لأن تجمح به إلى الهلاك...) هذا بعض ما ورد في التفاسير.
وإذا أمعنت معي النظر قليلا في هذه الكلمة وجدت مَن أوتي شطر الحسن وكمال الفحولة والرجولة، يوسف عليه السلام، قد طلب حينها العصمة من الله تعالى. ألا ترى إلى كلمة (استغفر) أنها بمعنى طلب المغفرة، وكلمة (استنصر) أي طلب النصرة. إذن فيوسف عليه السلام طلب من الله العصمة فعصمه الله.
ما رأيك في طلب العصمة من الله تعالى؟
أليس الأنبياء قدوات لنا؟.. نعم هم أنبياء ومصطفَون، ولكنهم قدوات لنا، وقد كان على مر الزمان من صحابتهم وحوارييهم وتابعيهم بإحسان من امتثل بهذه القدوة خير امتثال.. ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف. وكان شابٌٌّ في عصره قد احتالت عليه فتاة فتانة واستعصم بالله منها.
صديقي الحبيب..
نعلم جميعا أن الناس قد بلغوا في هذا الزمان حدا من عبادة الشهوة والإعلان بها جهارا نهارا، حتى زخوها زخا عبر الفضائيات، وضخوها ضخا عبر خيوط الشبكات العنكبوتية، وتاجروا بلحم الأنثى (المسكينة) وعرضها حتى دنست حيوانيتهم كل بيت ولطخت جبين شعوب بأكملها، إلا من رحم الله.
لقد اجتمع في هذا الزمان خلفاء قوم لوط، وأصحاب الرايات الحمر، وزادوا في فجورهم أنهم ضغطوا على الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان لسن القوانين التي تضمن لهم "حرية" شذوذهم!.
ومع ذلك لا تبقى للشاب المسلم إلا سنة يوسف عليه السلام (فاستعصم)، وسنة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء).
أعلم أن الكلام النظري سهل ميسور.. ومدار الأمر كله عندك وعليك أولا وآخرا.
لقد تحدثت مع والدتك من أجل زواجك.. ولكنك لم تصل إلى نتيجة.. فما رأيك في أن تجتهد في بعض الأعمال التي تقول إنك تحسنها، سواء كانت موسمية أو مستديمة على مدار العام، والمستديمة عندي أفضل.. فهذا يحقق لك غرضين:
أما أولهما: فهو أنك ستحصل على المزيد من المال الذي سيكون عونا لك على التقدم خطوة نحو زواجك، كأن تدبر مثلا مصاريف الخطبة والشبكة خلال شهور قليلة.
وأما الثاني: فهو أنك ستصرف جهدك وطاقتك إلى ما يأخذ بتفكيرك بعيدا عن هذه الأفكار التي أرهقتك وتكاثرت عليك تكاثر الظباء على (خراش).
ويجب أن تعلم يا صديقي أنك في مرحلة مراهقة عنيفة، وهذه المرحلة تتسم بالتقلبات النفسية والجموح العاطفي والنزوع إلى الاستئثار بالرأي دون الآخرين.. فإذا علمت(33/1228)
هذا من نفسك ففكر في تهذيبها، ولا أقول كبتها وتعذيبها، ولتكن وسيلتك في هذا عدة أمور:
* أكثر من مثل هذا الدعاء: (أعوذ بالله وألجأ إلى الله وأحتمي بالله وأستعصم بالله)، كلما سرت في طريقك، أو جلست إلى طعامك، أو خلدت إلى النوم.
* أكثر من الذكر والاستغفار وادخل إلى الله من باب المذلة.. (اللهم أنت العزيز ونحن الأذلاء بين يديك).
* اصرف همتك وهمك ونشاطك وفتوتك في كل أمر نافع مفيد: مارس الرياضة، ولو رياضة المشي، امكث بالمسجد بين المغرب والعشاء، زد من قراءتك واطلاعك على أخبار العالم والمسلمين من حولك، اختر طريقا يناسبك تشارك به في صناعة الحياة ولو بجهد قليل.
* اسأل الله أن يرفع همتك، ويمنحك الثبات، والعزيمة والصبر والحكمة، وأن ييسر لك الزواج بتيسير أسبابه، فـ"يمين الله ملأى لا يغيضها شيء الليل والنهار" كما في الحديث الشريف.
* اعلم أن "كل ما هو آت قريب"، وأن مقياس الزمان عند الله تعالى مختلف عما هو عندنا، فما بين عشية وضحاها يغير الله من حال إلى حال، ولكن لا يحدث في هذا الكون شيء صدفة، فلا بد لك من الإعداد والاستعداد، وبذل الوسع والاجتهاد، كما أشرت عليك من قبل.
* وانظر إلى عمرك الذي جاوز الآن العشرين، كم تساوي عندك عشرون سنة مرت؟ إنها تمر على مخيلتك في لحظات، فما كان فيها من طاعة فقد حفظها الله لك، وما كان فيها من معصية فقد كتبها الحفظة عليك.. ذهبت لذتها وبقي عقابها المنتظر.
* لا تؤدِّ عبادة معينة على سبيل التجربة، فأنت تقول: "جربت الصوم والعودة إلى التدين ولكن في كل يوم أصوم أعود عن قراري بعد مضي نصف اليوم".. ولكن أد عبادتك وأنت موقن بأن الله تعالى سيغير من حالك إلى ما هو أفضل (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).. لأن الله تعالى لا يُختبر. وإذا فشِلت ذات مرة فكرر المحاولة مرة أخرى، وثانية وثالثة، ولا تترك للشيطان عليك سبيلا.. وبعد عدد من المحاولات ستستقيم إليك نفسك لا أشك في هذا.
* اترك الكذب أيها الصديق الحبيب، فهو لن يزيدك إلا شقاء وعذابا.
* الصحبة الصحبة.. قل لي من صاحبك أقل لك من أنت. الصاحب ساحب.. هلا سعيت إلى صحبة صديق صدوق وفيٍّ أمين كريم يعينك على الطاعة إذا تذكرت ويذكرك بها إذا نسيت؟.
* داوم على ركعتي الحاجة، قدر استطاعتك، ويمكنك أن تنوي مثلا في سنة الظهر أنها أيضا صلاة الحاجة، وهذا مشهور عند الفقهاء في النافلة (أعني عقد أكثر من نية للصلاة الواحدة النافلة).
* اعذر والديك ولا تلق باللوم عليهما، فربما كانا حقا غير مستعدين، وبدلا من ذلك:
* ابدأ حوارات هادئة هادفة متقطعة على مدى بعيد مع والدتك، وبعدها أو خلالها مع والدك أيضا إذا تمكنت من ذلك، واستعن بالله في هذا، واجعل هدفك في هذه الحوارات هو التوصل - في هدوء وسكينة، بلا عنت أو تحيز للرأي - إلى قناعات(33/1229)
مفادها أن تزويج الشباب (عموما) هو ضرورة في هذه الأيام وتلك الظروف، وأن الله تعالى يجزل العطاء للأسرة التي تهيئ لأبنائها أسباب العفة والاستقرار، بقدر ما هو متاح لديها من إمكانات، ولتكن في تحاورك معهما ذا ثغر باسمٍ ووجه وضاء وحجة تنساب على لسانك كما تتوالى أمواج البحيرة الهادئة إلى شواطئها، ولا تتعمد تخطئتهما، وتغافل عن زلاتهما وإصرارهما على أمور أنت لا توافقهما عليها.. ولا تنس أن تخبرني بحصيلة هذا الحوار في متابعتك معنا، والله معك.
وصلى الله وسلم وبارك على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
ثمار موائد القرآن ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
ما هو فضل القرآن الكريم و فضل تعليمه. أرجو من سيادتكم التكرم بالاستشهاد بآيات و أحاديث .
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني أبو فرحة ـ الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف ـ متحدثا عن فضل القرآن الكريم :
القرآن الكريم كلام الله عز وجل. وفيه يقول الرب سبحانه: "من شغله القرآن عه مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه". رواه الترمذي.
وأنعم بهذين الميزتين فقراءته تغني الإنسان عن سؤال حاجاته، بل تصل به إلى أن يعطى أفضل ما يعطاه السائلون.
وفضله كفضل الله على خلقه، فالاشتغال بتلاوته اشتغال بأفضل ما يشغل به المسلم نفسه.
ومن هنا فتعلم القرآن خير ما يتعلمه المسلم، ثم بعد ذلك عليه أن يتعلم علمًا يتكسب به معاشه، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". متفق عليه. ومن تعلم القرآن ثم علمه لغيره، فهو خير الناس. فهو قد جمع بين تكميل نفسه بتعلم القرآن، وتكميل غيره بتعليمه القرآن. هذا ومن لازم تعلم القرآن وتعليمه للغير. حفظه وفهمه والعمل به. فمن حفظه وفهمه ولم يعمل به فهو حجة عليه.
وتلاوة القرآن عبادة يؤجر عليها المسلم. قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف". رواه الترمذي وقال:حديث حسن صحيح.
ومن هنا يعكف صالحوالمؤمنين على كثرة تلاوة القرآن، ويتنافسون في ذلك طلبًا لثواب تلاوة القرآن.(33/1230)
قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى هذا التنافس في تلاوة القرآن: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" متفق عليه.
والحسد هنا مراد به التنافس في فعل الخير، وتمنى فعل ذلك من كثرة التلاوة، وكثرة النفقة في سبيل الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي الليل بين الثلث والثلثين، فلا يزيد عن الثلثين، ولا ينقص عن الثلث. قال تعالى: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك".
وكان سيدنا عثمان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن.
قال ابن سيرين: قالت نائلة زوج سيدنا عثمان رضي الله عنه. حين دخلوا على عثمان ليقتلوه:إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن"
قال ابن كثير :هذا حديث حسن. وعن ابن سيرين أيضًا. أن تميمًا الداري قرأ القرآن في ركعة.
وعن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة. وكل هذا رواه ابن كثير في ذيل تفسيره. في فضل القرآن الكريم.
والماهر في القراءة مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن بمشقة له أجران.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" متفق عليه.
وإنما يؤجر الذي يقرأ ويتتعتع في القراءة، إذا كان يقرأ بين يدي من يعلمه ويصحح له قراءته.
ولمزيد فضل تلاوة القرآن تتنزل الملائكة لسماعه، وتنزل السكينة على المجتمعين لتلاوته، وتغشاهم رحمة الله عز وجل، ويذكرهم الله في الملأ الأعلى.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسون فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". رواه مسلم.
وتعلم آية من كتاب الله خير من تملك ناقة وهي أنثى الإبل، وثمنها الآن يقارب ألفين من الجنيهات أو يزيد. والنوق خير مال العرب آنذاك. ومن تعلم آيتين فهو خير له من امتلاك ناقتين. عن عقبة بن عامر قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقلنا: يا رسول الله كلنا نحب ذلك. قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم، أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث، وأربع، خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل. رواه مسلم.
هذا وبطحان، والعقيق أسماء لأماكن حول المدينة. ومعنى كوماوين: أي عظيمتين سمينتين، وهكذا فالقرآن خير كله،قراءته عبادة وتعلمه عبادة، والعمل به عبادة، والاستماع إليه عبادة.(33/1231)
فخذ حظك منه أخي المسلم،تسعد في دينك ودنياك، وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه إنه سميع قريب مجيب.
ـــــــــــــــــــ
النظرية المادية تهدد عقيدتي ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته منذ 4 سنوات و أنا أحظر رسالة دكتوراه في دولة أجنبية بأحد أعرق مراكز البحث و لله الحمد، لكنني ابتليت في إيماني. فأنا أعمل مع أشخاص لا يؤمنون إلا بالمادة و فلسفتها، يعتبرون أن تطور البشر من القرود من المسلمات و أن وعينا مجرد صدفة. كل شيء يفسر بالسببية و لا مجال لخلاف ذلك مما يعتبرونه خرافات أو مجرد وسائل تحكم بالشعوب. تأثرت كثيرا من هذا المنهاج في التفكير و مسني غباره حتى أثر على بصيرتي ويقيني. فقد كنت أعبد الله على طمأنينة و كأنني أراه، لكن الفلسفة المادية تسللت إلى عقلي وراودتني الشكوك، فأصبحت صلواتي بلا روح و لم تعد ذكرا للمولى عز و جل. و بعدها مرضت بالاكتئاب و أصبحت الدنيا لا معنى لها. شككت في ديني و في الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم حتى أنني كدت أن أكفر أو ربما كفرت لأنني أشركت بالله الأسباب، أصبحت السببية و العلم المادي ربا جديدا! حاولت أن أستعيذ بالله من هذه الأفكار و محاربتها و تمكنت من التخلص من بعضها كنظرية التطور التي بدا لي بطلانها بعد دراستها لكونها مبنية على الظن فقط. بالمناسبة بعد مناقشتي لزملائي لهذه النظرية تعجبت من تعصبهم الشديد لها رغم الحجج ضدها، حتى أنني طلبت تفاصيلها من أحد أشد المؤمنين بها من حولي فوجدت أنني أعرفها أحسن منه! عندها قلت في نفسي: يا عجبا، يؤمنون بأمر ظني وأنا أشك بأصل ديني! و عرفت أن المسألة فيها جهل و مصلحة. بقي سؤال يحيرني و يعيقني و أتألم منه بشدة : كيف أننا مسئولون عن أفعالنا ؟ الفلسفة المادية تقول إن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها : • المورثات التي تخطط للأعصاب قبل الولادة • البيئة • التربية فمن أين تأتي المسؤولية؟ أي أنه في وضع معين، ما الذي يجعلني أختار أمرا عوضا عن أمر آخر؟ فإذا كانت المورثات فأنا ورثتها عن والدي، البيئة لم أخترها و التربية كذلك. حتى إن كانت الشخصية فهي تعود للأمور السابقة. لا أظن أن الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية و إلا لأصبح الأمر جبرا، ثم إن الله لا يظلم مثقال ذرة. الحل الوحيد الذي أتصوره هو أن تكون لنا قدرة على الاختيار لا تعود لأسباب مادية و إنما تعود لعالم الغيب (هل تلك هي الروح ؟). أتصور اختيارا لا يفسر بالمادة، اختيارا لا يعود إلى الأسباب السابقة (المورثات، البيئة و التربية) و إنما يقترن بها. عندها يحاسبنا الله حسب اختيارنا النابع من تلك الخاصية الغيبية و تبقى الأسباب الأخرى مجرد ظروف و معطيات من أجل الامتحان. فلا أحاسب لأنني ولدت مسلما و لكن يعتبر ذلك أمرا في صالحي و أختبر حسب ذلك. سؤالي: هل من إجابة مقنعة من العقيدة؟ هل هذا هو سر الروح ؟ هل من وسيلة لتصحيح فهمي؟ فدون إجابة مقنعة و دقيقة أبقى في شكوكي. يقول الله تعالى: "و اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، و الله إني لأتألم و لا أجد من حولي عالما أثق به و يطمئن له قلبي(33/1232)
لأسأله. أسألكم أن تفكوا علي كربتي في الدنيا وليفك الله عنكم كرب يوم القيامة. أرجو من الله أن يجعل منكم أحد أسباب شفائي و يعيد إلي الإيمان الفطري.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق من فريق استشارات إيمانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين..
أشكرك بداية يا أخي الكريم على ثقتك الغالية وندعو الله عز وجل أن نكون عند حسن ظنك بنا ..
أبدأ إجابتي على سؤالك الذي طرحته في آخر الرسالة، وهو هل من إجابة مقنعة في العقيدة ؟ نعم هناك بإذن الله إجابة مقنعة في العقيدة ولكن دعني في البداية أحيي فيك اهتمامك ووعيك وحرصك للوصول وإدراك كل الأحداث المحيطة بك وتفسيرها تفسيرا يرضى عقلك وقلبك حتى تزول كل شائبة قد تعكر عليك صفو إيمانك وعقيدتك وحسن ظنك بالله تعالى.
دعني في البداية أوضح لك ماهي وظيفة العقيدة وتبوئها في قلب المؤمن؟
أن الإنسان محدود بطبيعته ومحدد بوظيفته لرب العالمين (وظيفة العبادة في الأرض لتحقيق جميع معاني العبادة لله) وهو بفطرته لا يرضى أن يبقى كذرة ضائعة تائهة فلذلك كان لابد له من عقيدة ربانية تفسر ما حوله وتحدد له مكانه وتضبط وظيفته وترسم له الطريق المستقيم الموصل للسعادة الدنيوية والأخروية ، وهذه العقيدة هي النور الصافي بما يتفرع عنها من أحكام تشريع لتضبط سلوك الإنسان وتوصله إلى الأمن والاستقرار والهدى والنور وإلى الفوز والنجاح ، ومن هنا كانت العقيدة هي الآصرة التي تجتمع عليها البشرية جميعا.
أما عن المشكلة التي تواجهها في مجتمعك ألا وهي مشكلة الفلسفة المادية فدعنا نتأمل معا أول صفة وصف الله بها المؤمنين في سورة البقرة إذ قال تعالى "الذين يؤمنون بالغيب" إن الإيمان بالغيب يا سيدي الفاضل هو العتبة التي يجتازها الإنسان فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدود الذي تدركه الحواس فليس يا سيدي الكريم من يعيش في الكون الصغير الذي تدركه الحواس كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهيته وبصيرته وأعماقه .
ولذلك كان الإيمان بالغيب حتى تصان الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له ، فالطاقة الفكرية التي وهبها الله للإنسان وهبها له ليقوم بالخلافة في الأرض وحتى يعمل في هذه الحياة ويتعمق ويتقصى جوانبها ويعمل وينتج وينمى هذه الحياة ويكون سنده الطاقة الروحية المستمدة من الإيمان بالغيب .(33/1233)
لذلك كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطرق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمية ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان يرجعون كل شيء إلى السببية
والعلم المادي فهم بذلك يرجعون بالإنسان إلى الوراء وإلى عالم البهيمية الذي لا وجود فيه لغير المحسوس، ويسمون ذلك تقدمية وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين إياها، فجعل صفتهم المميزة (الذين يؤمنون بالغيب).
أما عن سؤالك يا أخي الكريم (كيف أننا مسئولون عن أفعالنا حيث إن الفلسفة المادية تقول: إن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها، منها الموروثات والبيئة .... إلخ؟؟)
فلنتأمل معا صفة من صفاته وقدراته (أنه منفرد سبحانه بخلق حركات العباد وأفعالهم، ولكن ذلك لا ينفي عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب، بل إن المولى عز وجل خلق (القدرة والمقدور) وخلق الاختيار والمختار، كما أنه عز وجل كما كتب المسببات كتب الأسباب ، وكما قدر النتائج قدر المقدمات، فهو مثلا لا يكتب لطالب النجاح فحسب بحيث يصل إلى هذه النتيجة بأي وسيلة ، ولكن يكتب له النجاح بوسائله من جد وحرص وانتباه ووعي وصبر وجلد إلى آخر هذه الأسباب، فهذا مقدر مكتوب، وهذا مقدر مكتوب ، وهذا معناه أن العمل والأخذ بالأسباب لا ينافي القدر، بل إنه من القدر أيضا.
كذلك دعني أرد على سؤال لك : هل الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية فقط؟
فتأمل معي يا أخي الفاضل قوله تعالى".وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونََ" .
إن بداية هذه الآية هو مشهد للذرية جمعاء وهي في عالم الغيب السحيق منذ أن كانت في ظهور بني آدم قبل أن تظهر للعالم ، إنه مشهد رباني رائع وعجيب يوضح لنا أن في كل خلية استعداد كامن للوحدانية والعبودية، وبعد أربعة عشر قرنا من الزمان يأتي العلم الحديث ليفسر لنا في علوم الجينات والوراثة وليقرر أن خلايا البشر خلقت على التوحيد، وأن الله تعالى أودع هذا التوحيد في فطرتهم، فلا يميل عنها إلا أن يفسد فطرتَها عاملٌ خارجي عنها أو عامل يستغل الاستعداد البشري للهدى والضلال، ولكن الله رحمة بعبادة ولما يعلمه عنهم أن استعدادهم أن يضلوا إذا أضلوا، وأن فطرتهم هذه قد تتعرض لعوامل الانحراف كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا يحدث بفعل شياطين الإنس والجن الذين يعتمدون على ما في التكوين البشري من نقاط ضعف :
- فكان تعالى رحيما بهم حين قدر ألا يحاسبهم على عهد الفطرة هذا فقط ، كما أنه قرر ألا يحاسبهم على ما أعطاهم من عقل يميزون به – حتى يرسل إليهم الرسل ويفصل لهم الآيات لينقذ فطرتهم من الركام والتعطل والانحراف وينقذ عقولهم من الهوى والضعف والشهوات، ولو كان الله يعلم أن الفطرة السليمة والعقل وحدهما(33/1234)
كافيين لهداية الإنسان دون رسل أو كتب سماوية أو تذكير لأخذ الله عباده بها، ولكنه رحمهم بعلمه وجعل عليهم الحجة فقال"وكذلك نفضل الآيات ولعلهم يرجعون".
- وفي النهاية انظر معي يا أخي الكريم إلى هذه الآية الكريمة "ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا" إن هذا النص القرآني الرائع يقرر أن الله تعالى لو شاء سبحانه لخلق الناس جميعا باستعداد واحد للهدى، أو لقهرهم على الهدى ولكنه سبحانه وتعالى شاء أن يخلقهم كما خلقهم مستعدين للهدى والضلال ولم يشأ أن يقهرهم على الهدى ولا أن يقهرهم على الضلال، إنما جعل مشيئته بهم تجري من خلال استجابتهم أو عدم استجابتهم لدلائل الهدى وموجبات الإيمان .
- من هنا كانت مشيئة الله في هذا الكون تتحقق من حركة الإنسان نفسه؛ لأنه تعالى القائل في كتابه الكريم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
- فإذا استجابوا لربهم وغيروا ما بأنفسهم فإن الله يريد بهم الخير والحسنى في الدنيا والآخرة، وإن لم يستجيبوا لربهم أراد بهم السوء وكان لهم السوء في الدنيا والآخرة ، فالاستجابة أو عدم الاستجابة راجعة إلى تحرك الإنسان ورغبته الأكيدة في الهدى أو الضلال، وأن مشيئة الله تتحقق من خلال هذه الحركة والرغبة..
- وفي النهاية دعائي لك يا أخي الفاضل بالهداية والتوفيق وأن يشرح الله صدرك لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة
ـــــــــــــــــــ
زواج الملتزمين .. وسائل للتعارف ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
شكرا لكم كثيرا على ما تقدموه للشباب المسلم ,وجزاكم الله عنا كل خير
أنا طالبة جامعية ما زلت في المستوى الثاني من دراستي، أنتمي للتيار الإسلامي " الكتلة الإسلامية حماس "منذ دخولي إلى الجامعة أعجبت بشاب وهو أيضا منتمٍ لنفس التيار ، و لكن المشكلة التي أريدكم أن تساعدوني فيها هو كيف نعرف بعضنا بأن هناك شيئا اتجاه بعضنا البعض . وأنتم تعلمون أن النظرة حرام والكلمة وما بعدها مستحيلة , لأنه من الممنوع أن نتكلم مع شاب ، بالإضافة إلى الحياء الذي يجعل الكلمة مستحيلة بالنسبة لي .
وبحكم نشاطاتنا فنحن نرى بعضنا البعض كل يوم "دون احتكاك ودون نظرات" ولكني والله بعد نظرة عفوية سريعة أحسست بأنه هو الآخر لديه شعور ما اتجاهي ،و لم أجعل هذا الحب الشريف يتطور كثيرا ، وكي لا أوهم نفسي بأشياء من الممكن ألا تحصل ، ولكن إخواني ساعدوني، ماذا أفعل غير الدعاء فأنا ما زلت وسأظل أدعو؟
فادعوا لي.. أرجوكم ساعدوني ما هو الطريق الصحيح لي وله؟ ما هو الحل برأيكم ؟ أفيدوني أثابكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم . وبارك الله فيكم...... أختكم ليلى
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...(33/1235)
الأخت الفاضلة:
إن الوصف الذي جاء منك بإحساس فتاة تخشى الله تعالى،و تحجب نفسها عن الممارسات الخاطئة مع شاب يسير على نفس الطريق ، لا يمكن اتهامه والهجوم عليه، بل هو شيء فطري من حيث المبدأ، لكن يجب أن يوضع في إطاره الذي لا يجعله يحيد عن هذه العفة والطهارة التي جعلتموها دستورا في معاملتكما سويا ، بل الطريق الصحيح هو البحث عن الارتباط المشروع إن كان ممكنا ، بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية لكل منكما ، وللأسرتين معا ، فتنتقل العاطفة من عاطفة خاصة إلى إطار يمكن أن يندرج تحته هذا الإطار على أسس من الشرع الحكيم ، والتزام ما أمر الله تعالى به ،والابتعاد عما نهى عنه .
و ساعتها يمكن الرجوع إلى الإطار الخاص من العاطفة والحب بينكما ، أما أن يكون هذا الحب في الهواء ، لا مسكن له، فهو مهدد بالتشريد والخطر ، بل الواجب البحث عن مأوى لهذا الحب الشريف .
و في ظني، فإن الناس في هذه العلاقة فريقان، فريق يميل إلى الانفتاح الحر، أو ما يمكن أن أسميه " الانفتاح الانحلالي" ، وبين الإغلاق المتشدد، أو ما يمكن أن أسميه "الإغلاق الإرهاربي" ، والضابط في هذا أن نعود إلى قراءة العلاقة بين الجنسين في العصر الأول في صدر الإسلام، لأن هذا هو عصر الوحي ، وهو أقرب إلى الصواب، وهذا يجعلنا نفهم كثيرا من علاقاتنا مع وضعها في إطار المراقبة لله سبحانه وتعالى ، وإدراك المسلم – والمسلمة – أن كل إنسان محاسب أمام ربه سبحانه وتعالى :" وكلهم آتيه يوم القيامة فردا".
و الذي أفهمه من صورة الصدر الأول أنه كان مجتمعا منفتحا بانضباط ، فلم يكن للرجال مكان ، وللنساء مكان ، بل كان الاشتراك بين الجنسين بارزا تحوطه العفة والتقوى، ففي المسجد رجال ونساء ، وفي السوق رجال ونساء ، وفي الحرب وقتال العدو رجال ونساء، وفي دروس العلم رجال ونساء ، وتتكلم المرأة للرسول صلى الله عليه وسلم أمام الرجال ، كأسماء بيت يزيد الأنصارية، والتي أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بفصاحتها ، وأشاد بها أمام الرجال ، ولقبت فيما بعد بـ "خطيبة النساء" ، وحديث الصحابة للصحابيات مدون في كتب السنة، كما حدث مع أبي السنابك حين قال لامرأة مات زوجها وتزينت" أتزينت للخطاب؟" فاشتكته للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه أقرها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وغيرها من المشاركات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بل والدينية أيضا ، وهذا يعني أن التعارف بين الجنسين في الإسلام له مساراته الطبيعية دون تعمد أو قصد ، بل تكون بالملاحظة والمعرفة العامة ، وبعد المعرفة من خلال هذه الوسائل يمكن للشاب أن يكون قد تعرف على الفتاة، وتتعرف الفتاة على الشاب في جو نظيف، فإن عرف الشاب الفتاة في هذا الإطار العام ، ورأى إعجابا في نفسه تجاه فتاة ، فلتكن الخطوة القادمة، وهي التقدم للفتاة ، ثم يأخذ الأمر مساره الطبيعي من الخطبة والعقد وغيرها من خطوات الزواج الرسمي.
هذا بشكل عام ، أما في حالتك ، فأنتم – في حالتك – بينكما مشاركات من خلال العمل الدعوي وغيره ، فهذا لا يمنع الحديث مادام في الإطار العام الذي تغلفه تقوى(33/1236)
الله سبحانه وتعالى ، أما القول بأن هذا قد يكون مفسدة ، فهذا أمر يختلف من شخص لآخر، وقصد الإنسان من الفعل من أهم الأمور التي تجعلنا نحكم على سلوكه وتصرفه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما الأعمال بالنية "، ونحن لا نتحدث عن إطار تعارف وصداقة ، وإنما نتحدث عن إطار زواج، فإن تم التعارف من خلال اللقاءات العامة، فإما أن يتقدم هذا الشاب لك، وإما أن تصرفي نظرك عن هذا الأمر ،لأنه أصبح خارج إطاره المسموح له شرعا .
و هناك من المساحات الشرعية التي تجعل الفتاة تنبئ بموافقتها وموقفها تجاه هذا الشاب ، وهذا ما حدث من خديجة – رضي الله عنها -، فربما يكون هناك تخوف من الشاب من التقدم .
ولكن مع كل هذا يجب معرفة الظروف الاجتماعية التي قد تسمح بالارتباط الآن أم عدمه ، وهل هذا الشعور في وقته أم أنه من الأفضل أن يكون هناك اهتمام مقصور على الدراسة والتفوق مع أخذ معرفة عابرة عن الشاب كلما سنحت الفرصة، دون أن نكن في قلوبنا شيئا تجاهه ، حتى إن لم يتم نصيب بينكما لا تكون هناك مرارة الحب وألمه ، وغيرها من المشاعر التي قد تؤثر في سلوك الناس ، ولعل الرجوع إلى ما كتبه الإمام ابن القيم في كتابه" روضة المحبين " يساعد على تفاهم طبيعة العاطفة ، ولكن الأمر حتى الآن بينكما لا يعدو مجرد إعجاب بين اثنين ، حسب ظنك أنت، فلا تضخمي الأمر ، ولا تهونيه ،وتعاملي معه بروح الواقع ، والرغبة في شخص صالح ، مع الالتزام بالإطار الشرعي المناسب، وألا نحرم ما لم يحرمه الله تعالى علينا، وأن نفرق بين الأعراف والتقاليد التي تحكمنا ، وبين الأحكام الشرعية الملزمة لنا، وأن تكون هي الحاكمة، مع مراعاة العرف كلما أمكن هذا، إن لم يكن هناك تصادم بين العرف والشرع، فإن وجد ، فالشرع مقدم على العرف قطعا ، فإنما نتبعد لله بما شرع لنا هو سبحانه ، لا بما شرع لنا آباؤنا وأجدادنا .
ـــــــــــــــــــ
حاجز أمام الحب: حياء أم مشكلة نفسية ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم..
أنا نادمة أشد الندم، فلقد أخطأت في حق ربي وحق نفسي حيث وقعت في الزنى ونادمة أشد الندم وقد تبت إلى الله.. فهل يغفر لي ربي؟
مع العلم أني أطالب ذلك الشاب بالزواج إلا أنه يقول لي إنه حج بيت الله الحرام وكل مراده الآن إرضاء الله ولا يفكر في شيء آخر.
وجزاكم الله خيرا.
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختنا النادمة على ما فعلت ميرنا السلام عليك ورحمة الله وبركاته.. وبعد:(33/1237)
لقد حرم الله الزنا وشدد في تحريمه فقال تعالى في محكم التنزيل: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)، بل إنه سبحانه أمرنا بسد الطرق المؤدية إلى ارتكاب هذه الفاحشة، وهي النظرة، والخلوة، واللمسة، فاعتبر سبحانه النظرة سهما مسموما من سهام إبليس من يتركه مخافته سبحانه يبدله عنه إيمانا يجد حلاوته في قلبه، ونهى سبحانه أن يختلي الرجل بالمرأة معتبرا أنه ما اختلى رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما، ونهى الرجل أن يمس امرأة لا تحل له.
كل هذه الاحتياطات وضعها الشارع الحكيم سبحانه وتعالى بهدف حماية المرأة المسلمة والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ممن تسول لهم نفوسهم المريضة الاعتداء عليها، معتبرا أن الأصل أن تكون المسلمة عفيفة نظيفة تنأى بنفسها عن ارتكاب الفاحشة والوقوع في الرذيلة.
أما عن قولك إنك "وقعت في الزنا"، وإنك "نادمة أشد الندم"؛ لأنك كما تقولين "أخطأت في حق ربي وحق نفسي"، وأنك "تبت إلى الله"، فإنني أبشرك بأن الله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، فهو سبحانه القائل: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ)، وقال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
فابشري يا ميرنا... فباب التوبة مفتوح، والله سبحانه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، غير أنني أوصيك بأن تكوني جادة في توبتك، وأن تكون هذه التوبة بداية حياة جديدة، كما لو كنت قد ولدت من جديد. ولكن احذري ألا تكوني جادة في توبتك.
وأنصحك يا ميرنا بالآتي:
1- اصدقي الله التوبة يصدقك المغفرة.
2- أكثري من الاستغفار واللجوء إلى الله والدعاء في السحر.
3- اندمي على ما فعلت؛ فالندم توبة، ولكن لا يحملنك الندم على اليأس بل على الجد في التوبة والطاعة والاستغفار.
4- اعزمي على عدم الرجوع للمعصية، واجعليها توبة لله عن كل المعاصي.
5- حاولي أن تقنعي ذلك الشاب الذي وقعت معه في المعصية بالتقدم لك للزواج فأنت تقولين إنه "حج بيت الله الحرام"، هذا إن يصلح لك زوجا ، ووجدت معه التفاهم والقرب ، ولم يكن الأمر مجرد نزوة عابرة ، وليس شرطا في التوبة بين كل اثنين وقعا في الزنى أن يتزوجا ، ففرق بين التوبة ، التي تعني الانقطاع عن المعصية، وبين الزواج كسلوك اجتماعي مبني على أساس الدين ، صحيح الأولى الزواج لكما ، لكن إن كان يصلح ، وإلا ففرقي بين المساحتين ، واختاري من يصلح لك زوجا.
وختاما؛
أقول لك ردا على سؤالك "هل يغفر لي ربي؟"، إن الله يغفر لك ما كنت صادقة في التوبة، يغفر لك بقدر ما يرى منك إقبالا على طاعته وإدبارا عن معصيته، وبقدر صدقك سييسر الله لك الأمر وسيهدي ذلك الشاب للزواج منك للتخلص من هذا المأزق وتخرجي من هذه المحنة، نسأل الله أن يتقبل منك توبتك وان ييسر لك أمرك.. آمين وتابعينا بأخبارك.(33/1238)
وماذا بعد الحب الشريف؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
شكرا لكم كثيرا على ما تقدموه للشباب المسلم ,وجزاكم الله عنا كل خير
أنا طالبة جامعية ما زلت في المستوى الثاني من دراستي، أنتمي للتيار الإسلامي " الكتلة الإسلامية حماس "منذ دخولي إلى الجامعة أعجبت بشاب وهو أيضا منتمٍ لنفس التيار ، و لكن المشكلة التي أريدكم أن تساعدوني فيها هو كيف نعرف بعضنا بأن هناك شيئا اتجاه بعضنا البعض . وأنتم تعلمون أن النظرة حرام والكلمة وما بعدها مستحيلة , لأنه من الممنوع أن نتكلم مع شاب ، بالإضافة إلى الحياء الذي يجعل الكلمة مستحيلة بالنسبة لي .
وبحكم نشاطاتنا فنحن نرى بعضنا البعض كل يوم "دون احتكاك ودون نظرات" ولكني والله بعد نظرة عفوية سريعة أحسست بأنه هو الآخر لديه شعور ما اتجاهي ،و لم أجعل هذا الحب الشريف يتطور كثيرا ، وكي لا أوهم نفسي بأشياء من الممكن ألا تحصل ، ولكن إخواني ساعدوني، ماذا أفعل غير الدعاء فأنا ما زلت وسأظل أدعو؟
فادعوا لي.. أرجوكم ساعدوني ما هو الطريق الصحيح لي وله؟ ما هو الحل برأيكم ؟ أفيدوني أثابكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم . وبارك الله فيكم...... أختكم ليلى
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة سلمى عبده من فريق استشارات إيمانية :
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ابنتي الغالية/ليلى
لكم تكون سعادتي غامرة حين تصلني رسالة من إحدى بناتي في هذه الأرض الحبيبة السليبة وخاصة حين تحمل بين سطورها ما يطمئن النفس ويثلج الصدر. فبرغم قصر رسالتك إلا أنها تنم عن روحك الطيبة ومشاعرك الجميلة الحية ورغبتك في إرضاء الله عز وجل وحرصك على إيمانك أن تشوبه شائبة أسأل الله أن يثبتك ويرزقك الصلاح والهدى.
ابنتي الحبيبة/
بداية .. دعينا نتفق على أن الميل والإعجاب المتبادل بين الفتى والفتاة أمر فطري أودعه الله عز وجل في القلوب، وجعله سببا لاستمرار الحياة على وجه الأرض، إلا أنه سبحانه وتعالى وضع له ضوابط وحدودا حتى لا تفسد الأرض بدلا من إعمارها.
وجعل الله الإطار الوحيد لترجمة هذه المشاعر إطار الزواج، وإلى أن يأتي ميعاده علينا أن نضبط أنفسنا بضوابط شرع الله من غض للبصر والتزام لحدود الله حتى لا يوقعنا الشيطان بسهامه فنتبع خطواته اللعينة .(33/1239)
وأنا أحمد لك تعقلك وحكمتك وسيطرتك على مشاعرك، فاعلمي يا ابنتي أنه إن صدق حدسك وكان هناك ميل وشعور متبادل من هذا الشاب تجاهك فالأمر الطبيعي أنه سيبادر هو بالخطوة التالية، وعندها عليك ألا تعتمدي في حكمك على مشاعرك وحدها ولكن افسحي لعقلك مكانا ليكون اختيارك صحيحا وعلى هدى.
واسمحي لي الآن يا ابنتي أن ألفت انتباهك لبعض الأمور :
أولا: أن معظم من يعانون من محنة الحب من طرف واحد يعولون كثيرا على مسألة النظرات الصامتة ويحملونها ويحملون كل اللفتات العابرة التي قد تصدر عفوا من الطرف الآخر أكثر مما تحتمل ويتلمسون غالبا في أبسط اللفتات ما يطمئن قلوبهم أن هناك اتصالا ما يجمعهم بمن يميلون إليه فانتبهي لذلك .
ثانيا: أن الإنسان أحيانا إذا تمنى شيئا بدا له من شدة حرصه عليه وكأنه غاية الكون نفسه ... فيجعله محور حياته ويتعذب به.... ولو أنه قال لنفسه: وما أدراني أنني كنت سأسعد به فلربما كان باب شقاء سيفتح أمامي؟ عندها سيعطي لنفسه الفرصة أن ينظر إلى الأمور بموضوعية فيبصر السلبيات والايجابيات فيحدد أمره على بصيرة.
وأخيرا اعلمي أنه من توجه إلى الله صادقا يسأله العفاف لم يخذله الله أبدا ، فاسألي الله الهدى والتقى والعفاف والغنى وكوني موقنة بالإجابة .
وسائل اكتساب محبة الله ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
اتمنى أن أعرف كيف أكتسب حب الله لي، وما هي الأعمال التي يمكن أن تجعلني أحظى بهذا الأمر العظيم؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وبعد :
الأخت الفاضلة :
حب الله تعالى ليس له طريق واحد، بل طرقه متعددة، حتى يكون الطريق فسيحا أمام خلقه جميعا ، ويمكن استقصاء طرق حب الله تعالى بالرجوع إلى القرآن الكريم ، والبحث بمادة " حب" ، من ذلك :
1- اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ".
2- الإحسان طريق إلى محبة الله تعالى، قال تعالى :" و الله يحب المحسنين ".
3- الإنفاق وحسن الخلق ، قال تعالى :" الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ،و الله يحب المحسنين" . وقوله تعالى :" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا"
4- تقوى الله ، قال سبحانه " إن الله يحب المتقين ".(33/1240)
5- التواضع ، قال تعالى :" من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " .
6- التوبة والرجوع إليه ، فقال تعالى :" إن الله يحب التوابين " .
7- الطهارة والنظافة الخارجية والداخلية، قال تعالى :" ويحب المتطهرين ".
8- الصبر عن الشدائد، فقال تعالى :" والله يحب الصابرين ".
9- التوكل على الله ، قال تعالى :" إن الله يحب المتوكلين ".
10- طيب الكلام ، قال تعالى :" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ".
11- العدل والقسط ، قال تعالى :" ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "، وقال :" إن الله يحب المقسطين ".
12- عدم الإسراف ، قال تعالى :" ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ".
13- الوحدة والاجتماع والبعد عن الفرقة ، قال تعالى :" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص"
14- إتيان الطاعة والبعد عن المعصية ، قال تعالى :" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فلم يعذبكم بذنوبكم " .
15- وهناك درجات في الحب أكثر من غيرها ، كما جاء في الحديث القدسي :" أحب الغني الكريم وحبي للفقير الكريم أشد، وأحب الفقير المتواضع وحبي للغني المتواضع أشد، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشد. وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث أشد: أبغض الغني المتكبر وبغضي للفقير المتكبر أشد، وأبغض الفقير البخيل وبغضي للغني البخيل أشد، وأبغض الشاب العاصي وبغضي للشيخ العاصي أشد."
وتعدد هذه المداخل لحب الله تعالى يجعل المرء يمكن له الحصول عليها ، فيتخير من النوافل والزوائد على الطاعات ، والبعد عن المحرمات ، وترك المكروهات ما يجعله أقرب إلى الله تعالى ، بل إن ما فرضه الله تعالى علينا هو أيضا طريق إلى حب الله ، كما جاء في الحديث القدسي :" وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ".
وأبواب حب الله كثيرة ، لا يتسع المجال في استشارة واحدة لاستقصائه
ـــــــــــــــــــ
إنكار الغيب ..تكذيب للواقع ومروق عن الدين ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
هناك موجة عقلية في حياة بعض المسلمين ترفض الإيمان بالغيب لأنه شيء غير مرئي، ويعمل بعض الشيوعيين على تشكيك المسلمين في دينهم من خلال إنكار الغيب، فكيف نواجه هذا الطوفان؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وبعد :(33/1241)
فالحديث عن الغيب يختلف من متحدث لآخر ، فنحن كمسلمين نؤمن بالغيب ، لأنه جزء من العقيدة، والمسلم يطالع الإيمان به في أول القرآن ، حين يفتح سورة البقرة ، وحديث الله تعالى عن المؤمنين ،فيصفهم بأنه " يؤمنون بالغيب" ، و فصلت السنة النبوية هذا الغيب.
أما في الحديث عن غير المسلمين ، فيجب أن يكون خطابا عقليا في المقام الأول ، لأنهم لا يؤمنون بنصوص شرعية ، بل حتى هذه النظرة العقلية نحن في حاجة إليها مع المسلمين ، ولكن ليست في المقام الأول، وإنما هي من باب الإرشاد والدعم العقلي للإيمان القلبي .
وكثيرا ما يثار التشكيك فيما يخص الغيب أن يشكك المشككون في وجود الله تعالى ، وننساق وراءهم لنرد هذه الشبهة ، ولكن الذي أومن به أن الله تعالى ليس غيبا ، والانجرار وراء أن الله غيب يجب الإيمان به ، ضرب مرفوض ، فالله تعالى معنا ، نؤمن بوجوده كما نؤمن بحياتنا وكلامنا وأفعالنا ، كون الشيء غير مرئي الآن لا يعني أنه غير موجود، أو أنه أصبح من الغيب، فكم من الأشياء التي نؤمن بوجودها ، ولا نقول إنها غيب ، إن كثيرا من الناس لا يرون كثيرا من البلدان ، ومع هذا ما شكك أحد في وجودها ، والناس يؤمنون بالتاريخ القديم والأحداث التي وقعت و الحروب والحضارات والإنجازات والمفاسد البشرية ، وغيرها من حركة الكون والحياة في السياسة والاقتصاد والفنون والتعليم والثقافة وغير ذلك كثير .
وهذا يعني أننا يجب أن نفرق بين الغيب ، وبين غير المرئي لنا ، فما شكك أحد في وجود آنشتين ونظرياته العلمية ، ولا في وجود حتى محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم يؤمنون بوجوده ، وإن كان البعض يطعن في رسالته ، وهم لا ينكرون آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا آثار كثير من البشر ممن كان لهم إسهام تاريخي، فكيف ينكر وجود الله تعالى وآثاره كلها دليل واضح لا يغيب إلا عن أعمى البصيرة لا أعمى البصر .
نحن نؤمن بوجود تيار كهربائي مع أننا لم نر هذا التيار، ونؤمن بوجود الهواء ، ولم نر الهواء، وقديما قال الأعرابي: البعر يدل على البعير ، والسير يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج... ألا يدل ذلك على الله الواحد القهار.
ولهذا ، فإننا يجب علينا حين نتحدث عن الله ألا نتحدث عن غيب ، وقد قال تعالى لموسى " إنني معكما أسمع وأرى" ، وقال " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " ، وغير ذلك من الأدلة.
ونحن كمسلمين نؤمن بالغيب أيضا، وهو جزء من الإيمان البشري، فالناس يغيب عنها أشياء ، ولكنهم يؤمنون بوجودها، وليس كل شيء يراه الإنسان بعينه، ولكن العلم بالشيء له طرق كثيرة ، منها النقل عن الثقات الموثوقين ، فتاريخ البشرية نؤمن به عبر من نقل لنا ، مع كون هذه العلوم دخلها تزوير وتحريف ، ولكن المسلمين لهم منهج في التثبت في قبول المعلومات ليس موجودا في أي أمة من الأمم ، بل إن المناهج العلمية الحديثة أخذت عن علماء الفقه والأصول والحديث وغيرها من علوم الإسلام المنهج في التثبت والنقل .(33/1242)
كما أن الاهتداء بالفطرة النقية ، دون تعصب يجعل المرء يرى بقلبه ، ولهذا ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذه الفطرة ، حين قال :" كل مولود يولد على الفطرة " ، ولكن التلوث البشري هو الذي يقلب الحق باطلا والباطل حقا.
ونحن نتعامل مع مثل هذه الشبهات بأن نسمع ممن عندهم هذه الشبهات ، وأن نرد علينا بمنطق وحكمة ، وأن ندعو كل من عنده شبهة ألا يخفيها في نفسه ، بل يجب أن يقولها حتى لا يكون بابا للشيطان في إبعاد الناس عن حقيقة التوحيد ، الذي هو غاية الوجود.
ـــــــــــــــــــ
طاعة الوالدين .. عمياء أم مبصرة ؟ ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
لدي بعض الأسئلة عن الوالدين
ما حق الأم علي ؟
ما حقي على أمي ؟
ما الأشياء التي يمكن أن أعملها (المباحة طبعاً) دون أن يكون لأمي الحق من منعي ؟
متى يكون للأب القرار الأخير في الموضوع ؟
أنا أحب أمي جدا جدا وهي تريد حمايتي حتى أنني أشعر بعض الأحيان بأنني مقيد ، أعلم بأنها تفعل هذا من فرط حبها لي فكيف أخبرها بأنني أريد بعض الحرية في اختياراتي في الحياة ؟.
وجزاكم الله خيرا
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
للأم على ولدها حقوق كثيرة وكبيرة لا يحصيها المحصي ولكن نذكر منها :
أ - حبها وتوقيرها في النفس والقلب ما استطاع لأنها أحق الناس بحسن صحبته .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك " . رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
فهي التي جعلت بطنها لك وعاء وثديها لك سقاء ، فحبها لازم ولا بد ، والفطرة تدعو إليه ، بل إن حب الأولاد لأمهاتهم وحب الأمهات لأولادها فطر الله عليه البهائم والدواب ، فبنو البشر أولى بذلك والمسلمون أولى بذلك كله .
ب - الرعاية والقيام على شؤونها إن احتاجت إلى ذلك بل إن هذا ديْن في عنق ولدها . أليست قد رعته طفلاً صغيراً وسهرت عليه وكانت تصبر على أذاه .
قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً } ( الأحقاف / 15 ) . بل إن ذلك قد يقدّم على الجهاد إن تعارض معه .(33/1243)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيٌّ والداك ؟ قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد . رواه البخاري ( 2842 ) ومسلم ( 2549 ) .
ت -عدم الأذية وإسماعها ما تكره من القول أو الفعل .
قال تعالى : { فلا تقل لهما أفٍ } ( الإسراء / 23 ) .
فإذا كان الله تعالى حرَّم قول " أف " للوالدين : فكيف بمن يضربهما ؟!! .
ث - النفقة عليها إن أعوزت ولم يكن لها زوج ينفق عليها أو كان زوجها معسراً بل إن النفقة عليها وإطعامها عند الصالحين أحب إليهم من أن يطعموا أبناءهم .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون (( يبكون بصوت عالِ )) عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم ... . " . رواه البخاري ( 2102 ) ومسلم ( 2743 ).
ج - الطاعة والائتمار بأمرها إن أمرت بمعروف ، أما إن أمرت بشرٍّ كالشرك : فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
قال تعالى :{ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } ( لقمان / 15 ) .
ح - أما بعد موتها فيسن قضاء ما عليها من كفارات والتصدق عنها والحج أو الاعتمار عنها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها ، أرأيتِ لو كان على أمك ديْن أكنتِ قاضيته ، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء". رواه البخاري ( 1754 ) .
خ - وكذلك بعد موتها يسنّ برها بصلة من كانت تصله وتحترمه كأقاربها وأصدقائها .
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ". رواه مسلم ( 2552 ) .
أما الواجبات على الأم فهي كثيرة أيضا نذكر منها:
أ - القيام على شأنك وأنت طفل وإرضاعك وحضانتك وهذا معلوم من فطرة الناس وهو متواتر عنهم من بدء الخليقة .
قال تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ... .. } (البقرة / 233 ) .(33/1244)
ب - أن تربيك تربيةً صالحةً وهي مسؤولة عنك يوم القيامة أمام الله لأنك من رعيتها وهي راعيتك .
عن عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته". رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
ما يحل صنعه دون تدخل الأم:
: ليس لها الحق في اختيار ما تحب من المباحات التي لا سلطة لها عليك بها كالطعام والشراب والملبس والمركب ونحو ذلك .
وكذلك باختيارك الزوجة التي تريد ـ إن كانت صالحة ـ ما دام أنك لم تعصِ الله في ذلك كله ، ومع ذلك فيُشرع لك أن ترضيها حتى في اختيار الزوجة إذا أشارت عليك بأمر ليس فيه ضرر عليك .
وأما التدخل في شؤونك من جهة خروجك ودخولك المنزل أو السهر في الليل مع الرفقة الذين تصحبهم : فيجب على الوالدين كليهما أن يراقبا أولادهما في ذلك ليضبطوا الأمر ولا يضيع الأولاد مع رفقة السوء ، فإن أكثر ما سبّب للشباب الفساد رفقة السوء ، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . رواه الترمذي ( 2387 ) وأبو داود ( 4833 ) .
والحديث حسَّنه الترمذي وصححه النووي كما في " تحفة الأحوذي " ( 7 / 42 ) .
وكذلك يراقبان ولدهما في وقت رجوعه إلى البيت وإلى أين يخرج لأنه لا يجوز لهما أن يتركا الحبل على غاربه للولد خصوصا إذا لم يكن صاحب استقامة .
وينبغي عليك أن تراعي منزلتهما وتوقيرهما وأخذهما بالصحبة الحسنة حتى وإن ضيقا عليك فيما أباح الله لك ، فإنه أمرنا أن نصحب آباءنا بالصحبة الحسنة حتى ولو كانوا كفاراً يدعوننا إلى الشرك فكيف وهما لا يدعوننا إلا إلى شيء يظنان كل الظن أن الخير لنا فيه وإن كان في بعض ما يأمران به تضييق عليك في بعض ما يباح لك . فالأحسن أن تطيعهما وأن تصنع ما يريدان وتنزل عند رغبتها وإن كان لا يجب عليك ولكن من باب التضحية والإيثار فإنهما أحق من يحسن إليهما وقد جعل الله تعالى طاعة الوالدين بعد عبادته مباشرة كما ذكر في كتابه وذلك بيانا لمنزلة بر الوالدين .
تدخل الأب:
يكون للأب القرار الأخير في كل ما هو داخل في مسئوليته تجاهك فهو الذي يقرر مثلا في أيّ مدرسة يدرس ولده الذي تحت نفقته وكذلك يكون للأب القرار في كل تصرّف يتعلّق بملكه مثل استعمالك لسيارته وأخذك من ماله وهكذا .
وأما الولد الكبير المستقل بنفسه ونفقته فإنّه يقرر لنفسه ما يريد مما أباحه الله ويُشرع له إرضاء أبيه ما لم يتعارض ذلك مع طاعة الله وعلى الولد أن يستمر في توقير أبيه(33/1245)
مهما بلغ الولد من العمر وذلك من باب البر وحسن العشرة ، فقد روي عن ابن عمر أنه قال : " ما رقيت سطح منزل أبي تحته " .
وكذلك إذا أمر الأب ولده بمعروف أو بترك المباح فيُطاع ما لم يكن ضرر على الولد .
علاج الخلاف:
أما كيف تخبر أمك برغبتك في مزيد من الحرية فإنّ ذلك يكون بالقول والعمل .
أ - أما العمل : فيكون بعد أن تثبت عملا وواقعا لأمك بأنك لم تعد الصبي الذي تعهد وأنك أصبحت رجلاً قادراً على تحمل المسئولية وتتصرف أمامها تصرف الرجال في مواقفك فإن هي رأت منك ذلك مرارا فستثق بك وسيستقيم أمرك عندها ويكبر مقامك في نفس أمك .
ب - أما القول : فيكون بالحجة الواضحة والمناقشة الهادئة والقول اللين وضرب الأمثلة على مواقفك السليمة الصحيحة ، ولعل الله تعالى أن يشرح صدرها لتعاملك معاملة الرجل البالغ العاقل الراشد السوي ما دمت كذلك .
ـــــــــــــــــــ
دموع العيون وجفاف القلوب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا تدخل النار عين بكت من خشية الله ، ولكن أنا أبكي وربما أقترف بعض الذنوب ،فهل هذه الذنوب تحول بيني وبين النجاة من النار؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالعين الدامعة التي تحرم على النار المقصود منها الإنسان الذي يستقيم على طريق الله ، ويكون دائم الخشية من الله ، ولو ارتكب بعض الذنوب ، لكنه دائم التوبة .
وقد وردت أحاديث كثيرة ، تدل على فضيلة البكاء من خشية الله ، ومن ذلك :
قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البيهقي :" سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله، ورجل غض عينه عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله."
وروى أحمد والنسائي والحاكم والترمذي عن أبي ريحانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم :" حرمت النار على عين بكت من خشية الله "
وفي حديث أبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا يلج النار رجل بكى من خشية الله "(33/1246)
وروى الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" "عَيْنَانِ لا تَمسّهُمَا النّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحرُسُ في سبيلِ الله".
والعين الباكية التي تكون سببا لنجاة صاحبها من النار ، فالمقصود ليس البكاء وحده ، ولكن البكاء دليل على ثبوت القلب على الإيمان بالله ، وثبوت الجوارح على طاعة الله ، ومن كان هذا شأنه من الاستقامة على أمر الله ، فإن المرجو من رحمة الله ، ألا يعذبه الله .
قال الطيبي من أئمة الشافعية في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (عين حرست في سبيل الله ، وعين بكت من خشية الله ): كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى: {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} حيث وقع حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحصلت النسبة بين العينين: عين مجاهدة مع النفس والشيطان، وعين مجاهدة مع الكفار، والخوف والخشية متلازمان. قال في الإحياء: الخوف سوط اللّه يسوق به عباده إلى المواظبة إلى العلم والعمل.
وقال الإمام المناوي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم :(وعين بكت من خشية الله ):
وليس المراد بالبكاء من خشية اللّه بكاء النساء ورقتهن فتبكي ساعة ثم تترك العمل وإنما المراد خوف يسكن القلب حتى تدمع منه العين قهراً ويمنع صاحبه عن مقارفة الذنوب وتحثه على ملازمة الطاعات فهذا هو البكاء المقصود وهذه هي الخشية المطلوبة لا خشية الحمقاء الذين إذا سمعوا ما يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا ويقولوا يا رب سلم نعوذ باللّه وهم مع ذلك مصرون على القبائح والشيطان يسخر بهم كما تسخر أنت بمن رأيته وقد قصده سبع ضاري وهو إلى جانب حصن منيع بابه مفتوح إليه فلم يفزع وإنما اقتصر على رب سلم حتى جاء السبع فأكله).انتهى
ولا يشترط في العين الباكية ألا تكون مقترفة لصغائر الذنوب، ولكن يكفيها التوبة الدائمة ، مع الاستقامة ، وذلك أن اقتراف صغائر الذنوب غير معصوم منه أحد ، قال تعالى :"والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم"، فدل على وقوعها من بني البشر ،ومغفرة الله تعالى لهذه الصغائر، وأنها ليست قادحة في دين العبد، بل شرعت التوبة لوقوع الناس في الصغائر والكبائر.
قال الإمام المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي في العين الباكية من خشية الله وعصمتها من النار :
وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم. انتهى
وليس في الإسلام عمل يقوم به المرء مرة واحدة ، فيكون سببا لنجاته من النار، وذلك أن الإسلام أمر أتباعه أن يكونوا على وجل دائم ،وأن يأتوا الأعمال الصالحة خائفين ألا يتقبل منهم ، فكيف يأمنون على أنفسهم من عذاب الله ، قال تعالى :"والذين يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون".
وينقض أن يكون الإنسان مبشرا بالجنة وهو في الدنيا غير من بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم من صاحبته ، ولو كانت عينه دمعت أحايين تأثرا بما يقال ، ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث ابن مسعود :(33/1247)
"فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة".
على أنه من الإيمان الصادق أن يحسن العبد الظن بالله، ولكنه يكون دائما بين خوف ورجاء ، خوف من عقاب الله ،ورجاء في رحمة الله، فهما كجناحي الطائر بالنسبة للمسلم.
وعليه ، فالمقصود بالنجاة من النار من العين الدامعة البكاية من خشية الله ، استقامة الحال على الطاعة والإيمان.
حفظك الله تعالى من شر المعاصي والذنوب ، وأتم عليك نعمة الإيمان .
ـــــــــــــــــــ
الفزع يقتحم حياة صديقتي ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أعاني من مشكلة وأتمنى أن تتفضلوا مأجورين ومشكورين بإذن الله بمساعدتي لحلها..
المشكلة في صديقتي، فهي غالية علي جدا وأعتبرها أكثر من أخت، فهي فتاة ملتزمة ولله الحمد، تقرأ القرآن، وتحاول جاهدة تعلم أحكامه، وكل ما يتعلق به من تفسير وغيره.. وتأمر بالمعروف -ولله الحمد- وتنهى عن المنكر.. المهم هذه الفتاة ملتزمة بما فرضه الله علينا.. ولكن بعد فترة بدأت تشعر بالخوف بين الحين والآخر، حاولت في بداية الأمر أن تتماسك نفسها ولكن دون جدوى.. بدأت تصرخ في إحدى المرات حتى تجمعت عليها العائلة.. ولكن الغريب أكثر في الأمر أنها كانت في ذلك الوقت لا تريد أن ترى أمها (والدتها) وتخاف منها، وكأن شيئا في داخلها يفزعها من أمها فتصرخ عليها: "ابتعدي لا أريدك".. وكذلك تشعر بنفس الوقت بالرغبة بالاستفراغ وآلام بالمعدة وأسفل الظهر.
وبعد فترة توجهت لإحدى دور القرآن لتتعلم المزيد.. ولكنها وجدت نفسها لا تريد تعلم القرآن وكأن شيئا في داخلها يحاول أن يكرهها بالقرآن.. وهي تحاول أن تجاهد ذلك الشيء بالأدعية..
وأيضا مما قالته لي إنها تشعر أحيانا بان شخصا يقول لها: اخرجي من البيت.. لا تسكنوا بيتكم هذا.. هذا كل ما يحدث لصديقتي الغالية.. وهي تعاني كثيرا من ذلك.
أتمنى مساعدتي في تعيين حالتها وما العلاج لها؟.. جزاكم الله خيرا ..
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني من فريق الاستشارات الإيمانية:(33/1248)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أهلا بك أختي السائلة على صفحات موقع "إسلام أون لاين.نت". ونشكر لك اهتمامك بأختك وتفقدك لأحوالها وحرصك على حل مشاكلها، وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة بين المؤمن وأخيه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ولكن مع ذلك كنا نتمنى أن تتركي أختك تكتب هي عن نفسها لتشخص لنا حالتها كما تشعر بها؛ فليس من يعاني كمن سمع. يضاف إلى ذلك قلة المعلومات التي ذكرتها عنها والتي كانت ستعيننا كثيرا في تشخيص حالتها والرد عليها.
ولكن نتعامل مع ما أرسلتِه إلينا من معلومات حتى توافينا بالمزيد، فنقول بصورة عامة:
يمكن تقسيم الأمراض إلى أنواع ثلاثة:
1-أمراض عضوية ويكون علاجها عند الطبيب البشري.
2-أمراض نفسية ويكون علاجها عند الطبيب النفسي.
3-أمراض روحية ويكون علاجها بالقرآن والرقية الشرعية.
وأنا أرى أن صديقتك ربما تحتاج للأنواع الثلاثة من العلاج؛ فمسألة الخوف، ونفورها من أمها، وصراخها في وجهها بأن تبتعد عنها، والصوت الذي كانت تسمعه يأمرها بالخروج من البيت يشير إلى أن وراء هذه الأشياء أسبابا اجتماعية معينة كنا نتمنى أن تتواصل معنا هي حتى توضحها لنا، خاصة أنك لم تذكري أي خلفيات عن حياتها الاجتماعية وطريقة تربية أهلها لها، وكيف كانت علاقة أمها بها؟ ومتى بدأت هذه الحالة معها؟ هل هي قديمة معها منذ فترة من الزمن أم هي طارئة على حياتها؟ وهل جاءتها مرة واحدة أم كانت متكررة معها؟... كل هذه الخلفيات ضرورية للتعامل مع هذه الحالة، ولو أنها ذهبت بنفسها لطبيب نفسي وتحدثت معه في كل هذه الأمور فإنه إن شاء الله سيدلها على ما يفيدها في ذلك من علاجات نفسية وسلوكية.
أما بالنسبة لآلام المعدة والظهر؛ فلم توضحي لنا هل قامت بالكشف الطبي أم لا؟ فإذا لم تكن قد قامت فعليها أن تبادر بالذهاب للطبيب وإجراء الكشوفات والتحاليل اللازمة لتشخيص الحالة والعلاج المناسب لها.
ثم نأتي إلى النوع الثالث من العلاج، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "العلاج الروحي"، وأقصد به ذلك العلاج المعتمد على القرآن والأذكار المأثورة والرقية الشرعية، وهي أمور سهلة وميسورة، ويمكن أن يقوم أي شخص بعلاج نفسه بنفسه، فالله عز جل أنزل القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين، فيتعبد المؤمن لربه بتلاوته فيكون شفاء لأمراضه النفسية والروحية.
وأنصح صديقتك في هذا الجانب بما يأتي:
1. أن تحذر المشعوذين والدجالين؛ فأخشى ما أخشاه أن تقع فريسة سهلة لأحدهم فيوهمها بأن ما تعاني منه هو سحر أو حسد أو مس، وعلاجه الوحيد عنده هو فقط؛ فيستنزف مالها، ويزيد مرضها.
2. أن تعلم أن ما هي فيه ربما يكون ابتلاء وتمحيصا لها من الله عز وجل، والمرء يبتلى على قدر دينه؛ فعليها أن تصبر وتحمد الله، وأن تستمر في طريق التزامها(33/1249)
وقربها من الله عز وجل، ولا تعطي للشيطان فرصة للتسلل إليها لتيئيسها وإحباطها؛ بحجة أن التزامها هو السبب فيما تعاني منه.
3. أن تكثر من دعاء الله عز وجل واللجوء إليه والثقة فيه؛ فهو وحده القادر على دفع ما بها من ضر، ولتثق أن ما يحدث لها هو لحكمة يعلمها الله عز وجل، يغفر به ذنوبها ويكفر من سيئاتها فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" (متفق عليه).
4. بالنسبة لما تلاقيه من صعوبات داخلية تجاه حفظ القرآن فلتعلم أن الشيطان أخذ العهود والمواثيق على نفسه لصد الإنسان عن فعل الطاعات، وأي طاعة أعظم من حفظ كتاب الله عز وجل؟ إذن فلتدفع هذا الشيطان بالاستعاذة بالله منه، وعليها بمجاهدته ومجاهدة نفسها وحملها على الحفظ؛ ففي أول الأمر سيكون الأمر شاقا عليها، ولكن بعد ذلك سييأس منها الشيطان ويتركها، وستأتي إلى دار حفظ القرآن وهي متشوقة ومتلهفة لحفظ كلام الله عز وجل.
5. أن تعيش مع القرآن الكريم بروحها وعقلها وقلبها؛ فلتتبع قراءتها لتفسير الآيات بتتدبر وتفكر؛ فهذا أدعى للتحبيب في القرآن، ودفع الملل عن النفس.
6. أن تكثر من الاستماع للقرآن الكريم، فأثناء قيامها بأعمال المنزل مثلا يمكنها أن تقوم بتشغيل القرآن عن طريق الكاسيت أو الكمبيوتر؛ فهذا سيعينها على الحفظ ويدفع عنها وعن بيتها الشيطان.
7. أن تحرص على أن تكون دائما على وضوء وأن تنام على وضوء فقد قال عمر رضي الله عنه: "إن الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان"، وقال مجاهد: "من استطاع أن لا يبيت إلا طاهرا ذاكرا مستغفرا فليفعل؛ فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه".
8. أن تحرص على الأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء والأحوال، وأن تحرص أن يكون لسانها دائما رطبا بذكر الله تعالى؛ فهي إذا ذكرت الله كانت في معية الله وفي رحابه، ولن يمسها أذى وهي في رحاب الله.
9. أن تلزم الصحبة الصالحة التي تقربها من الله وتعينها على طريق الالتزام والقرآن.
10. أن لا تعطي الفرصة لنفسها للجلوس منفردة فترة طويلة ولكن تحرص على مخالطة الناس، والقيام بما يشغلها من أنشطة دعوية واجتماعية مفيدة.
وختاما؛
أوصيك بأن تحرصي على أن تكوني قريبة من صديقتك، وأعينيها على ما هي فيه بالنصح والإرشاد؛ لتستمر على طريق الالتزام والهداية.
واعلمي أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، فهي أشد ما تكون في حاجة إليك في مثل هذه الظروف.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الهداية والتوفيق.
ـــــــــــــــــــ
باحثة عن التوفيق بين الطاعة والعمل ... العنوان(33/1250)
غذاء الروح ... الموضوع
كيف يمكنني التوفيق بين كوني عاملة وأم وزوجة، وبين كوني مسلمة يلزمها الحرص على فعل الطاعات والتقرب إلى الله ؟
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر:
أيتها الأخت المسلمة أم عبد الرحمن..
لا تتصوري أنك أنت الوحيدة بين النساء التي تواجه في حياتها عبأ العمل ورعاية الأسرة، وفي الوقت نفسه تحمل في نفسها الشوق لطاعة الله، فالتوفيق بين رعاية الأسرة والعمل، وبين طاعة الله قد فعلته نساء كثيرات قبلك.
وعليك أن تعلمي أن عملك ورعايتك لأسرتك هو نوع من العبادة التي تتقربين بها إلى الله عز وجل، فبالعمل تؤدين خدمة لمجتمعك وأمتك، كما أنه بحصولك على مرتب من هذا العمل تؤدين خدمة لأسرتك حيث ترفعين من مستواها المادي، وفي النهاية فأنت الوحيدة التي تقدرين على التوفيق بين ما ترغبين في فعله من الطاعات للتقرب من الله، وبين ما تؤدينه من واجبات تجاه عملك وأسرتك.
وأقول لك أيتها السائلة..
إن خدمة المجتمع، وخدمة الأسرة هي من الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله، المهم في المر هو أن تجعلي نيتك في عملك ورعايتك لسرتك في سبيل الله، وبذلك يصبح يومك كاملا في طاعة الله.
كما عليك أن تقدري الأمر في حياتك، بحيث تجعلين طاعة الله ثم رعايتك لأسرتك في المرتبة الأولى، ثم عليك أن تقيسي مدى احتياجك للعمل وأثره على الجانبين السابقين، فإذا كان العمل يؤثر تأثيرا سلبيا على رعايتك لزوجك وأسرتك مثلا فعليك أن تشركي زوجك في المر، وتستشيريه واضعة في اعتبارك أن طاعتك لله ثُم لزوجك مقدمين على أي شيء آخر.
وختاما؛
أنصحك كي تشعري بالرضا في التوفيق بين عملك ورعايتك لأسرتك، وبين طاعتك لله بالآتي:
* الحرص على أداء الفرائض في أوقاتها.
* إخلاص النية لله في أداء العمل، ورعاية الأسرة.
* إعطاء العمل حقه، والأسرة حقها مع التنظيم بينهما.
* الإقدام على فعل الخيرات، ومساعدة المحتاجين قدر الاستطاعة.
ويقول الدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة والقانون بالقاهرة:
إن العمل ورعاية الأسرة لا يمكن أن يكونا سببا للخلل في طاعة الله، فالمسلمة في قدرتها أن تؤدي عملها وتطيع زوجها وترعى أسرتها، وفي نفس الوقت تؤدي حقوق(33/1251)
الله عليها من فرائض وطاعات إذا ما نظمت وقتها، وجعلت إرضاء الله هو هدفها في كل ما تقدم عليه من أعمال.
ويجب أن تعلمي أيتها السائلة..
أن ما تشعرين به من الإحساس من عدم المقدرة على التوفيق بين الطاعة ورعاية الأسرة وأداء العمل إنما هو راجع لإحساس بداخلك أنت نتيجة عدم التنظيم في حياتك مثلا، ومن ثم فعليك أن تبحثي عن السبب الذي يجعلك تشعرين بذلك وتعالجينه.
وأعلمي أن أداء حقوق الزوج والأسرة هو أمر واجب وفي حد ذاته تقرب وطاعة لله، أما العمل إن تعارض مع حق الله أو حق الزوج، ولم تستطيعي التنسيق بينهم فعليك ترك العمل فورا.
ـــــــــــــــــــ
الوسواس القهري يلاحق طاعتي لله ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
في الحقيقة أنا إنسانة أثق بالله كثيرا، ولذلك فأنا أرفض أي نوع من اللجوء إلى أحد حتى في مسألة التداوي، والرقية الشرعية، ومع ذلك فإني أعاني من الوسواس القهري في أعمالي كلها ، فماذا أفعل؟
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر:
أيتها الأخت السائلة..
إن الثقة في الله تعالى لا تعني أبدًا عدم التداوي إذا مرض المسلم، ولا عدم قبول الرقية الشرعية، حيث أمرنا صلى الله عليه وسلم بالتداوي في قوله: "تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داءً إلا أنزل معه الدواء".. بل إن الأخذ بالأسباب بطريقة صحيحة هو الثقة في الله، وإذا أردت أن أزيد سطرًا من النور قلت لك إن الإنسان يشعر بالجوع فكيف يعالج هذا الشعور، هل ينتظر ملكًا ينزل من السماء بطعام وشراب أو يفتح فمه فيجد طعامًا قد نزل أو ينام فيصحو على شبع؟! هذا ضرب من الخبل، ونوع من الجنون، والعبث بكتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، فالله عز وعلى مع أنه اصطفى مريم وطهرها وجعلها وابنها آية قال لها في سورة سماها باسمها " وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا"، وأمر عباده فقال في سورة الأعراف: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا"، وأنزل من السماء ماءً ليحيي به الأرض بعد موتها، وقال في سورة ق: " وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ . وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ . رِزْقًا لِّلْعِبَادِ"، فهل أنت من العباد أم لست منهم؟ إذا كنت من العباد فأنت تثقين في الله بأنه قال هذا الكلام لك، وأنه لفت نظرك وأخذ بقلبك إلى أمر لا بد أن تنظري إليه.(33/1252)
وما تشعرين به ويشعر به كثير من الناس غيرك من أن الثقة في الله تعني ألا نتعامل مع أحد وألا نأخذ شيئًا من أحد فهو مرض، عليك أن تعالجي نفسك منه فورًا إن أردت السلامة لدينك ودنياك وأخراك، ولقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث جاءه رجل وقال له: ادع الله لي أن يغنيني عن الناس! فقال له ابن عباس: "إن حاجة الناس موصولة بعضها ببعض، ولا غنى للإنسان عن بعض أجزاء جسده ولكن قل: اللهم أغنني عن شرار الناس".
وفي هذا من الهدي ما ينتفع به المسلمون؛ لأن رب الناس هو الذي جعلهم يحتاج بعضهم إلى بعض، وينصر بعضهم بعضًا، ويزور بعضهم بعضًا، وهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"، وذلك في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم ولن يتم ذلك بالقطيعة، وباغتناء بعضهم عن بعض، وبانعزال بعضهم عن بعض.
ثم إنك لا شك تحبين أن يرضى الله عنك، فلو نظرت إلى سبل الرضا لوجدت معظمها متعلقًا بالناس! فحسن العلاقة بين الجيران سبيل من سبل رضوان الله وقد قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب"، والآيات كثيرة وكذا الأحاديث التي تؤكد أن سبيل الحصول على رضا الله إنما يكون بمعاملة الناس أخذاً وعطاءً نفعا وتعاونًا على البر والتقوى.
أما علاج ما تسمينه بالوسواس فأكثري من قراءة المعوذتين والتي فيهما قول الله تعالى: "قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس"، ومعنى الخناس الذي يتراجع عند ذكر الله تعالى، لكن الذكر لا يتم باللسان وحده وإلا كان كلامًا في الهواء وإنما يصدر من القلب إلى اللسان؛ فاصدقي الله يصدقك واستعيني بالله يعنك، وهناك طريقة عملية لطرد هذا الوسواس والعلاج من الوسوسة هي أداء العمل على أكمل وجه بحسب حسن الظن وعدم العودة إلى الوراء للتفكير فيه.
وعن الوسواس القهري تقول الدكتورة فيروز عمر مستشارة فريق حلول ومشاكل:
أختي السائلة :
أولاً: وقبل كل شيء أريد أن أتفق معك على مبدأ هام ربما فيه نصف الحل، وهو أن الوساوس والظنون إنما هي من صلب عمل الشيطان، والانقياد وراءها ليس ورعًا، ولا تقوى كما يتوهم البعض، وإنما هو نجاح يسعد به الشيطان كثيرًا.
وعليك أن تعلمي أن الوسوسة هي السلاح الوحيد الذي يملكه الشيطان حيث لا سلطان له علينا، وهو يدرس مداخل قلوبنا؛ فيوسوس لكل واحد منا بالطريقة المناسبة لبنائه النفسي، فأنتِ مثلاً شخصية تميل للدقة، وتحري الصواب والتدين؛ فَتَدُق الوساوس على هذا الوتر، فيبدأ التشكيك في طهارتكِ حتى تصِلي إلى الشك في عبادتك مثلا، فتشعرين مع الوقت أن العبادات غير مقبولة، ثم تصبح العبادات ثقيلة، وربما ينتهي الأمر مع كثرة المشاغل ـ بعد الزواج مثلاً ـ إلى ترك العبادات نهائيًّا، أو تظلين مدى العمر منشغلة بالموضوع بهذا الشكل على حساب اهتمامات أخرى ترضي الله، وهي أكثر أهمية غالبًا.(33/1253)
أنا أقول لكِ أنكِ يمكنكِ ترويض نفسك شيئًا فشيئًا، لدرء تلك الوساوس نهائيًّا إذا التزمتِ بالضوابط التي وضعها الشرع، فالشرع يضبط كل شيء بميزان.
اسمحي لي أن أذكر لك مثالاً واحدًا يعبر عن تعامل الشرع ببساطة مع الظنون:
الشخص الذي يشك هل هو متوضأ أم أنه أحدث هل يعيد وضوءه؟!
الجواب العملي هو أن يتبع ببساطة ما هو متأكد منه، فإن كان متأكدًا من أنه توضأ ويشك هل أحدث بعدها فلا يتوضأ، وإن كان متأكدًا أنه أحدث ويشك هل توضأ بعدها فليتوضأ، هذا مجرد مثال أمرنا فيه الشرع بالبناء على اليقين لا الظن
ـــــــــــــــــــ
مشتاق لزوجتي بالغربة.. أنت أدرى بحالك ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم أنا شاب متزوج منذ أشهر وأعمل خارج بلدي حيث تقيم زوجتي التي لا أستطيع أن أصحبها معي؛ لأن عملي كمهندس في مجال أنابيب النفط التي غالبا ما تكون في الصحراء تمنعني منعا باتا من صحبتها معي. أنا ولله الحمد ملتزم وعندي من علم الدين ما أحمد الله عليه ومشكلتي أني منذ سافرت بعيدا عن زوجتي قد استملك الشوق إليها قلبي حتى باتت لا تغيب عن فكري، وما عدت أشعر بأي طعم لحياتي، وحتى أثناء أدائي لصلاتي وكافة أمور عبادتي ودعوتي في سبيل الله بت لا أشعر بلذة كتلك التي كنت أشعر بها، وأنا في بلدي مع زوجي الملتزمة بفضل الله.باختصار أشعر بضيق وتعب نفسي كثيرا ما يمنعني عن إتقان عبادتي.
أنا أقول لنفسي إني أتقي الله ما استطعت، ولن يتركني ربي إذا ما أنا رجعت إلى بلدي وسيرزقني رغم ضيق الرزق في بلدي؛ لأن الله يقول:" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وعلما بأن زوجتي تعاني مثلي وأكثر، فماذا تفعل لو كنت مكاني؟، بارك الله فيك وأعطاك العفو والعافية.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران الباحث اللغوي بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة:
:
أخي المهندس العريس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
لقد أثرت فيَّ كلماتك، وخاصة أنك حديث عهد بالزواج، وقد اضطرتك ظروف عملك إلى الاغتراب عن عروسك التي تعاني مثلك من ألم الفراق. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهيئ لكما من أمركما رشدا، وأن يهيئ للبناننا الحبيب و فلسطيننا الجريحة أرض الدم والزيتون والبطولات الإيمانية الرائعة، أمر رشد يعز فيه أهل الحق، ويذل فيه أهل الباطل.(33/1254)
يا أخي الحبيب:
شممت من بين ثنايا كلماتك أنك تفكر في ترك هذا العمل الشاق، الذي يضطرك إلى الاغتراب عن زوجتك، لتعود إلى حيث تسكن هي، ولأنك تتقي الله في أعمالك فإن الله سيجعل لك من أمرك مخرجا.
وإذا عرضتَ كلماتك هذه على المنطق والعقل فربما كانت صحيحة ومتناسقة ومنطقية، ولكن يجب أيضا أن تُعرض على الواقع الذي يفرض علينا أمورا لا يتحاشاها الشرع، ولا تعارضها تقوى الله، بل إن الشرع والتقوى ما كانا إلا ليتعاملا مع الواقع.
إنني في إجابتي عليك سأتطرق معك إلى بعض الجوانب التي قد تكون غائبة أو مغيبة عنك، في غمرة الألم الذي تشعر به، والحنين الذي يتملكك.
وبالطبع أنا أعذرك في هذا كثيرا، ولكن من فضل الله عليك، وعلينا، أن وفقك إلى إرسالك طالبا هذه الاستشارة الإيمانية، وأسأل الله أن أكون لك ناصحا أمينا.
أخي مهندس البترول:
هل تعلم أن كثيرا من الشبان يحسدونك – أو يغبطونك – على ما أنت فيه؛ لأنهم لا يجدون الوظيفة المناسبة التي تلبي احتياجاتهم المادية، أو التي لا تناسب مؤهلاتهم التعليمية الجامعية، أو التي لا تتفق مع ميولهم ورغباتهم النفسية والاجتماعية. بالطبع لا يخفى عليك هذا، خاصة في عالمنا العربي الذي تضج فيه المجتمعات بالبطالة، وتكتوي بنارها صباح مساء.
ومن دون شك، فإن الشركة التي تعمل بها تتيح لك في كل شهر إجازة كافية للإقامة مع أهلك، وحسب علمي فإن الأعمال التي تشبه ما أنت فيه تعطي إجازات معقولة، لا تقل عن أسبوع كامل في الشهر، وقد تصل إلى أسبوعين، فهل يمكنك أن تستكفي بهذا حتى يهيئ الله تعالى لك مما أنت رشدا ومخرجا.
إذا نظرت يا أخي الحبيب إلى أمورك من عدة نواح، فستجد أن كفة العطاء عندك راجحة على كفة الحرمان.. أليس كذلك؟.
نعم، الشوق صعب ومرير، ولا يمكن لغيرك أن يشعر بحرارة ما تجده بين جوانحك؛ كيف والشاعر يقول، وهو صادق فيما قال:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده *** ولا الصبابة إلا من يعانيها
لقد من الله عليك بأن تخرجت مهندسا، ثم زوجك الله فتاة تحبها وتحبك، وتشتاق إليها وتشتاق إليك، ورزقك وظيفة من أفضل الوظائف، على ما فيها من صعوبة، ومنَّ عليك بالتدين والالتزام، أسأل الله العظيم أن يزيدك والمسلمين أجمعين من فضله العظيم، ثم شاء الله أن يختبرك في العواطف، اختبارا يسيرا، هينا، مؤقتا، حيث تهيج عواطفك وينشغل فكرك، وتزاحم الأشواق أوقات عبادتك وأعمال دعوتك.. ولهذا تريد أن تُسكت هذه الأشواق، وتقطع أسبابها، والحل – كما تفكر أنت – أن تترك ما أنت فيه، وتعود لتقيم مع أهلك إقامة كاملة، ولأنك تتقي الله فسيجعل الله لك مخرجا، ولن يتخلى عنك.
ما رأيك في هذا التصور الذي أعيد طرحه عليك.. إنه تصورك أنت؟!.
إنني أتساءل معك الآن:(33/1255)
هل تعني تقوى الله أن يقصر الإنسان في طلب الرزق، ويتأخر عنه لمجرد أنه يجد مشقة من نوع ما؟. اعتمادا منه على أن الله سيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب؟.
لعلي لست في حاجة إلى توضيح أن طلب الرزق والاستغناء عن الناس، بل وطلب المال والغنى من أجل التوسعة على النفس والأهل والأرحام والفقراء والمساكين والمشاريع الخيرية، والتقوِّي بهذا المال لكافة أنواع العبادات، من أداء مناسك الحج والعمرة، وإنفاقه في كافة وجوه الخير التي لا حدود لها.. كل هذا يا أخي يعد من تقوى الله حقا، إذا صحت فيه نيتك، وصدق توجهك وإخلاصك.
نعم.. يجب أن نصحح هذا المفهوم الذي يلبسه علينا إبليس وهو ألا نسعى لتملك المال، طلبا للزهد والاستغناء بالقليل. إن من الأنبياء من ضاقت بأموالهم الوديان، ومنهم خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، ومن الأنبياء من كانوا ملوكا، ومنهم داود وسليمان، ومن الصحابة من امتلكوا من الثروات الطائلة والهائلة ما أدهش الجميع، والسيرة والتاريخ خير منبئ عن كل هذا.
أخي المهندس الحبيب:
اصبر، ولن يطول صبرك طويلا، استأنس بذكر الله، ولا تنزعج من مزاحمة الشوق لك في أوقات عبادتك ودعوتك، لا بأس في هذا إذا كنت تجتهد في دفعه في هذه الأوقات، والتمس لنفسك من الوسائل ما يخفف عنك هذا، من وسائل اتصال، أو مراسلات، أو ما شابه ذلك، واطلب من زوجتك أن تحتسب هذا معك في سبيل الله، وفي سبيل الاستغناء عن السؤال، ولتعلم أنه "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، كما قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وانظر لحالك إذا فعلت ما أقدمت عليه، ثم لم تتح لك ظروف عمل مناسبة، هل ستكون حالك أفضل؟!.
لقد ذكرتني رسالتك هذه سيدنا بلالا، حينما اشتاق إلى مكة، بعيد هجرته إلى المدينة، وقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بوادٍ وحولي إذخِر وجليلُ
وهل أردن يوما مياه مجنة *** وهل يبدون لي شامةٌ وطفيلُ
وحين بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وقال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد".
فما رأيك بمثل هذا الدعاء، وأن تداوم على صلاة الحاجة حتى يهيئ الله لك من أمرك رشدا، ويجمع شملك مع أهلك. أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد، وتابع معنا.
ويضيف
مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع وكلية دار العلوم :
شكر الله تعالى لأخي الحبيب عبد العظيم ما كتبه لك ،وليسمح لي أن أضيف بعض السطور القليلة، ابتغاء الأجر والثواب.
أخي الفاضل:
مشكلتك فيها شقان:(33/1256)
شق عاطفي اجتماعي، وهو الشوق والحنين الذي بينك وبين زوجك، وهذا شيء فطري جميل، و ياليت كل الأزواج مثلكما شوقا وحنينا، ونرجو أن تستمر هذه العاطفة الجميلة بينكما دائما إن شاء الله.
الشق الثاني: هو الشق المادي، والذي يختلف موقف كل إنسان منه، فمن الناس من لا يستغني عن مستوى من المعيشة لا يمكن أن يتنازل عنه، ومنهم من يقدم الشوق والحنين واللقاء عن هذه المادة، وأنها ليست كل شيء في الحياة، وقد يكون من التفكير الصبر سنة أو اثنتين حتى تستقر الأمور، أو غيرها من الأطروحات التي يجب أن تفكر فيها جيدا مع زوجتك، وأن تطرحوا هذه الأفكار كلها، وأن تنظروا الأصوب منها، نظرا إلى المصالح والمفاسد، وما غلبت مصلحته على مفسدته قدم، وقد يكون الأولى درء المفاسد فيقدم على جلب المصالح، وهذا يختلف من إنسان لآخر.
ولكن لا أفهم، ألا يمكن لك أن تعيش في مسكن قد يكون بعيدا شيئا ما عن موقعك الذي تعمل فيه، بحيث تكون زوجتك معك، حتى لو كان يبعد عن المدينة التي أنت فيها عددا من الكيلو مترات، لكن أن تكون معك في البلد الذي تعيش فيه، أو تكون الزيارات التي تنزلها إلى أهلك بنسبة أكبر، وأحسب أن المسافة بين البلدين ليست مثلها كالبلاد الأخرى، فقد تنزل كل شهرين أو ثلاثة، قد تنزل ثلاث مرات أو أربع في السنة، وقد تتنازل عن بعض الأشياء المادية مقابل هذا النزول.
وقد يكون مع هذا أيضا وسائل اتصال حديثة، وما أكثرها، إن كانت مجدية، وإن رأيت أنك مضرور ولا طاقة لك على الصبر، ولا يمكن لك أن تجعل زوجتك قريبة منك، ويمكن لك أن تعيش بمستوى أقل، حتى تجد مكانا آخر قريبا، أو مكانا يمكن أن تكون زوجتك معه، ففكر في تركه، والمستشار ليس شرطا أن يعطي من استشاره رأيا واحدا، بل إن فتح الخيارات أمام الإنسان أولى، ومشاركة صاحب الأمر واتخاذه القرار الأنسب له أهم، لأنه أدرى الناس بحاجة وحاجته، وإنما مشورتنا خطوة وسعي لتبصير الطريق لك، لتختار الأوفق لنفسك، والأهدأ لبالك، والأنفع لحياتك، ولا تنس أن ستستخير الله تعالى، عسى أن يهديك سواء السبيل.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وقدر لك ما يصلح شأن دينك ودنياك.
ـــــــــــــــــــ
اتهام الآباء في معاصي الأبناء ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
الأخوة المستشارون .. سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته ..
أود أن أعرض عليكم بعض من مشاكلي الإيمانية .. لعلي أصلح من نفسي الآن ..
أولا أعرفكم بنفسي.. أنا فتاة في الحادية والعشرين من عمري ووالداي متدينان، وأحفظ القرآن، ورفقتي صالحة ومتدينة، فكل ما حولي يدعو للالتزام والإيمان في هذا السن ، ولكن لم يكن الأمر كذلك وأنا صغيرة.
المهم أنا ولله الحمد أستغفر الله كثيرا وأتوب إليه دائما وخاصة قبل النوم، إلا أنني ومع الأسف لا أؤدي الصلوات في أوقاتها وبصفة مستمرة.. بل أصلي يوما وأتركها(33/1257)
أياما ثم أعود واستغفر وادعو الله أن يعينني ، كما إنني عندما أصلي لا أكون في خشوع ويكون ذهني مليء بالأفكار والهواجس، كما أنني أؤدي النوافل إلا أمام الناس خوفا من أن أسقط من أعينهم ، والأفظع من ذلك أنني أكثر جدا من الاغتياب، وخاصة في حق أساتذتي، لدرجة أن بعض الزميلات.
كما إنني في بعض الأحيان عندما أغضب والدي أتلفظ بكلمات لا تليق في حقهم، وإذا رأيت ما لا يعجبني بهم تكلمت معهم بأسلوب غير لائق تماما، خاصة أنهم أخطئوا في حقي وأنا صغيرة كثيرا، ودائما أذكرهم بما فعلوه ، وربما قلت لهم : أنتم لم تربوني ، وإنما ربتني الحياة ومن حولي.
كما أني أمارس العادة السرية في كثير من الأحيان، وأتمنى أن أرفع من إيماني بالله والخشية منه، وأحافظ على شرائع الإسلام كمسلمة متدينة، وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .
أرجوكم أعينوني ووجهوني بخطوات عملية وفعالة.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول وصفي عاشور أبو زيد باحث في العلوم الشرعية:
الأخت العزيزة..
أهلا وسهلا بك ، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق..أما بعد.
فمن خلال كلامك نلاحظ أنه توفر لك منذ النشأة ما لم يتوفر لكثيرين غيرك من البيئة الإيمانية، والوالدان المتدينان، والرفقة الصالحة، وكل هذه عوامل تحمل الإنسان على الالتزام وإن لم يكن ملتزما، فكيف الحال لك وأنت تحفظين كتاب الله .
وأعلمي يا أختي أن كثيرا من الناس ينشأ في بيئة سيئة، وفي محيط غير ملتزم، ولكنه مع ذلك يحاول مجاهدة نفسه وحملها على الجادة، والسير بها إلى الطريق المستقيم.
لقد قلت أنك تحفظين كتاب الله، فعليك إذا أن تعلمي أن الكلمات التي تحفظينها في صدرك هي أغلى وأعظم كلام نزل من السماء إلى الأرض، وإنه من الواجب عليك أن تكرمي هذا الكلام وتقدريه حق قدره بالعمل الصالح.
أما ما ذكرتينه من قيامك بالاستغفار والتوبة إلى الله ، إلا أنك لا تحافظين على الصلاة يعد أمرا مناقضا، فلا يتصور أبدا أن يقوم إنسان بالنوافل من ذكر وقيام واستغفار ودعاء وهو مقصر في أعظم أركان الإسلام وهي الصلاة.. تلك الفريضة التي بها قيام الإسلام، فهي عموده وركنه الأكبر، ولا حظ في الإسلام لمن ضيعها.
إن المشكلة عندك ـ يا أختنا الكريمة ـ تكمن في خفوت شعلة الإيمان في قلبك، وضعف وجود الله في حياتك، وإلا لما كان حالك أن تصلي النوافل مخافة أن تسقطي في أعين الناس.. ألم تفكري في أنك ستسقطين من عين الله؟! وكم تساوي الحياة؟ وبكم تقدر الدنيا إذا ترك الله عبدا من عينه، وخلاه بعيدا عن عنايته ورعايته وتوفيقه عز وجل؟!(33/1258)
وعليك أختي السائلة..
ألا تعلقي أخطائك على تقصير أبويك في تربيتك، خاصة وأنك ذكرت أنهما متدينان ـ المهم ماذا قدمت أنت؟، وماذا أخذت من خطوات لدينك وأمتك؟، فإذا كان أبواك سيحاسبان على تقصيرهما في تربيتك ـ إن قصرا حقا ـ فإنك ستسألين أنت وحدك عن ما قدمت، وما أخرت.
ولا أريد أن أضع يدك على قيمة الوالدين ومكانتهما في الدين، لأنك بالتأكيد تعرفينها، حتى ولو كانا الأبوين على غير دين الإسلام حيث يقول الله عز وجل:( وصاحبهما في الدنيا معروفا) (وقل لهما قولا كريما).
وختاما؛
فلابد وأن تعيدي النظر في حياتك، وأن توقني أنك ستسألين أمام الله وحدك (كل نفس بمل كسبت رهينة) ( وكلكم آتيه يوم القيامة فردا ) ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة )، فمتى استشعرت هذه المسئولية وملأت قلبك بحب الله وخشيته في السر والعلن، فلن تجحدي تقصيرا في الفرائض.. بل ستجدين دافعا قويا نحو النوافل من ذكر وتسبيح وتهليل وقيام وغير ذلك من الطاعات، ولسوف يتغير أسلوبك مع والديك الملتزمين لا سيما وكل ما حولك يدعو للإلتزام، ويشجع عليه .
ويقول عبد العظيم بدران من فريق الاستشارات الإيمانية:
أختنا الكريمة والعزيزة.. سلام الله عليك ورحمته وبركاته
أحمد الله الذي منَّ عليك بكل هذه النعم، الجليلة، والعظيمة حقا: فتاة في عنفوان شبابها، تحفظ كامل القرآن، أسرتها متدينة، تدرس في تخصص شرعي، رفقتها صالحة، نشيطة في الدعوة إلى الله... ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ولا يقل أهمية عما ذكرتُه قبل قليل أنك تبصرين جيدا جوانب نفسك من الداخل، تميزين مواضع العطب، وتحددين أماكن الضعف، وتصفين المشكلة كما لا يستطيع أحد أن يصفها.. نعم، هذا أيضا شيء جيد، ومهم في حالتك، وكما يقولون: تشخيص الداء هو نصف الدواء.
أختنا الكريمة والعزيزة..
لقد تواصل فضل الله عليكِ بعد كل هذا، ومع كل ما أنت عليه.. ذلك لأن الله تعالى ما زال يريد لك الخير، على ما كان منك، ولهذا وفقك إلى إرسال هذا السؤال الذي تتمنين فيه رفع إيمانك بالله، وترجين التوجيه بخطوات عملية وفعالة لتتغيري قبل أن تتزوجي.
وقبل أن أغوص في شيء من التفاصيل، فإنني ألوم عليك في شيء ذكرته أنت، وهو أنك تداومين التأنيب والتقريع والتعنيف، الذي توجهينه لأبويك؛ لأنهما – كما تذكرين – أخطئوا في حقك وأنت صغيرة!.
ليكن ما تقولينه حقا، فهل من المناسب لك أن تداومي تعنيفهما على شيء مضى وانتهى؟ ومن من الناس لا يخطئ؟! إنهما أبواك على كل حال، وبرهما حق عليك وفرض ذكره الله تعالى بعد توحيده، وأنت تحفظين قول الله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}.(33/1259)
لن أقف عند هذه طويلا، ويكفيني فيها الإشارة؛ لأنه يبدو لي أنك غير راضية عن تصرفك تجاههما، ولكني قبل أن أغادر هذه النقطة أنبهك بأن تتلفتي وتبحثي عن الأشياء الجميلة واللطيفة والنعم العظيمة التي تجدينها بالقرب من أبويك، والتي يفتقدها كثيرون على وجه البسيطة، وذكري نفسك بقول الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد أدرك أبويه أو أحدهما على الكبر ولم يدخلاه الجنة".
أختنا الكريمة والعزيزة..
إن بين جوانحك نفسا لوامة، وهي التي أقسم بها رب العزة في قرآنه، لمكانتها العظيمة، نعم، هي لوامة لأنك تشكين في سؤالك ما تشكين.
من أجل هذا أدعوك ألا تدعي هذه الفرصة التي هيأها الله لك، بل صممي على التغيير إلى الأفضل، ولن يقوم بهذا التغيير إلا أنت، ولعل الله تعالى يجعل منا لك خير ناصح أمين.
أختنا الكريمة والعزيزة..
إذا شئت التفصيل فيما أرسلته إلينا فسأحتاج لكل نكتة رسالة، تطول أو تقصر، ولكني أحاول أن أجمل وأشير، واللبيب تكفيه الإشارة.
• ابدئي بالتوجه الخالص إلى الله تعالى أن يعينك على تغيير حالك.
• حدثي نفسك بصوت مسموع، في خلوة من خلواتك، قولي لها وكرري: الله رقيب علي والله ناظر إليَّ، ولمن خاف مقام ربه جنتان، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
• صافحي أبويك عندما تعودين، واطبعي على كفيهما قبلة الندم والمحبة والصفح الجميل، وليكن حالك معهما {عفا الله عما سلف}.
• توجهي إلى الله تعالى بهذا الدعاء: "اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور" ولتكن نيتك في هذا أن يحببك الله إلى أبويك.
• اطلبي من أحد صديقاتك الجادات أن تتابعك في أداء الفرائض، وليكن ذلك عن طريق جدول محاسبة مبسط.
• تذكري عندما يحدثك شيطانك، أو تغالبك نفسك على ترك صلاة مفروضة، بأن الموت يأتي بغتة، وأسمعي نفسك هذه العبارة: الموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل.
• إذا سمعت الأذان فأسرعي، ودعي كل ما أنت عليه، ولا تؤجليها، فالصلاة خير وصلاح وفلاح، والله أكبر من كل شيء.
• توضئي وأسبغي الوضوء، ولتسبق الفريضة منك نافلة، عسى أن يعينك هذا على الخشوع في صلاة الفريضة.
• أخبري نفسك بأن الرياء شرك، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: "من عمل عملا أشرك فيه غيري ذهب وعمله"، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة: شهيد، وحامل للقرآن، ومنفق.. وما ذلك إلا بسبب الرياء، أعاذنا الله وإياك منه.(33/1260)
• لا تنفردي بنفسك دون حاجة، واشغلي نفسك بأعمال الخير دائما، ولا تعرضي نفسك للنظر إلى المحرمات والمناظر الخليعة المستفزة، عسى أن يبعدك هذا العادة السرية.
• داومي على المطالعة والدراسة والحوارات البناءة، والاتصال المدروس، واجعلي لنفسك هدفا في الحياة هو: خدمة الإسلام على درب رسول الإسلام. وفقك الله يا أم عمر، وجزاك الله خيرا. وتابعي معنا.
ـــــــــــــــــــ
مسلمة جديدة تبحث عن الإيمان الصادق ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة كنت مسيحية وأسلمت بالرغم من أن أصل أهلي مسلمين فقط في الهوية؛ وذلك بسبب المهجر، ولكني عشت بعيدة عن أهلي، والحمد لله أسلمت منذ سنة تقريبًا، إلا أنني دائمًا أشعر بأن إيماني ناقص وعملي غير مقبول، وعندما أريد أن أعمل عملاً صالحًا أشعر بأن ربي لن يقبله مني، وأن الله تعالى لا يحبني ولن يقبل مني أي عمل أقوم به، فجزاكم الله خيرًا أفيدوني.. هل الله عز وجل يكره؟ ومن هم الذين يكرهم الله تعالى؟ وهل الابتلاء بالمرض هو عقاب من الله؟ وهل عدم استجابة الدعوة هل هي غضب من الله وعدم رضا؟
جزاكم الله خيرًا.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية واللغوية بجامعة قناة السويس:
الأخت الكريمة السائلة..
ما عندك هو لون من الوسوسة التي يتسلط بها الشيطان على فكرك وقلبك كي يصدك عن طريق الله، وأنصحك أن تقرئي وتكثري من قول الله عز وجل: "إن يشأ يذهبكم ويأتِ بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز" عشرات المرات حين تحسين بهذه الوسوسة، وإذا ما أحسست بأن الله عز وجل لا يحبك ولن يقبل منك فقولي آمنت بالله رب العالمين، فالله يحب عباده الذين يقبلون عليه.
إن مجرد التفكير في الخير ينال به الإنسان دعمًا من الله عز وجل وتوفيقًا فما بالك بمن أقبل على الفعل والله عز وجل يحب المحسنين، والله عز وجل يحب الطائعين، أما العصاة فلا يحبهم الله عز وجل، والله يتفضل بالقبول على عباده بيسر شديد. الله يبحث عن أي عمل خير كي يغفر لصاحبه به صغيرًا كان أم كبيرًا، فالله كريم وسيدنا شعيب عليه السلام لما نصح لهم بالتوبة قال لهم: "واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود"، فالله يتودد لنا، الله يحبنا، وأن يتودد الإنسان لأخيه الإنسان فهذا ما جرت به العادة من أجل المصالح، ويتودد الصالحون إلى الله عز وجل، وهذا شرع(33/1261)
وفرض على الصالحين أن يتوددوا إلى الله، لكن أن يتودد الله الغني عن عباده إليهم، فهذا شرف وفضل، كل هذا يدفع هذه الوساوس التي تدور بخاطرك.
أما عن المرض، وهل هو عقاب من الله؟ فيكفيك أن تعلمي أن المريض ضيف الله، في حين أن الصحيح ضيف النعمة، فالمريض صاحب منزلة عند الله عز وجل؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصحيح ضيف على نعمة الصحة، والمريض ضيف على المنعم"؛ ولذلك جاء في الحديث أيضًا "عبدي مرضت فلم تعدني، قال كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: مرض عبدي فلان ولم تعده أما إنك لو عدته لوجدتني عنده"، وهكذا... فالمرض سواء أكان رفعا للدرجات أو تكفيرًا عن السيئات فهو خير للإنسان ينال به الإنسان المغفرة والدرجات العالية عند الله عز وجل.
كما أنصح السائلة أن تكثر من ذكر الله عز وجل لطرد الوساوس من قلبها وعقلها، والله المستعان. انتهى
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بموقع إسلام أونلاين .نت :
الأخت الفاضلة :
يجب دائما حين ننظر إلى الأشياء أن ننظر إليها بعين التفاؤل ، وخاصة في مجال الخير ، فاختيار الله تعالى ، وفوزك بالإيمان بوحدانيته ، و دخولك في عباد الله المسلمين ، فهذا أكبر دليل على حب الله تعالى لك ، فإن من أحبه الله تعالى ، هداه للحق والإيمان ، فنعمة الإسلام من أجل نعم الله تعالى ، وقد جاء تفسيرها في معنى قوله تعالى :" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" قيل : هي نعمة الإسلام والإيمان، فمن الجيد دائما أن نبحث عن نقاط الخير ، مع إدراكنا لنقاط الشر، وألا نفهم الأمور بالعين السوداودية التي لا ترى إلا الشر دائما .
كما أن إحساسك بأنك ضعيفة الإيمان ، هذا أيضا هو في ذاته خير، ولكن لا نريده أن يصل إلى حد اليأس ، فاتهام الإنسان بأنه يحتاج إلى زيادة إيمان ، شيء جيد ، على أن يدفعه إلى العمل لزيادة هذا الإيمان ، وأن يطور نفسه وأن يجدد حياته في العلاقة بينه وبين الله تعالى ، ليس هذا التطوير مطلوبا في أعمالنا الدنيوية فحسب ، بل هو آكد في علاقتنا مع ربنا سبحانه وتعالى ، وكما هو معلوم أن الإيمان يزيد بالطاعات ، وينقص بالسيئات، فلا نجعل التشاؤم يتسلل إلى نفوسنا ، بل نضع خطوات عملية للتغيير الحقيقي في حياتنا ، وطريق ذلك أن نرصد الأعمال الصالحة التي نفعلها ، فسنرى أنها ليست قليلة ، بل نحن نعمل أعمالا صالحة كثيرة ، ثم نسعى للتحسين ، ثم نبحث عن أعمال صالحة أخرى ندخلها في قاموس سلوك حياتنا ، وأن نسعى للابتعاد عن الأعمال السيئة والمعاصي والآثام التي نقترفها ، فهذا هو الطريق الصحيح لأن نستشعر بإيماننا ، وأن نطوره ونحسنه ، أما ثقافة البكاء على الأطلال فلا جدوى منها .
كما أنه يجب أن نعرف مداخل الشيطان ، فإن الحزن على الإيمان وضعفه قد يكون ظاهرا من الإيمان، غير أن الشيطان يدخل للإنسان من مداخل الخير ، كما يدخل له من مداخل الشر، وهذا أمر هام يجب الانتباه إليه .(33/1262)
أما عن قبول العمل ، فلا يعلمه إلا الله تعالى ، فالمسلم يأتي العمل ، وهو يخاف ألا يتقبل منه ، مع طمعه في قبوله من الله سبحانه وتعالى ، ولهذا يصف الله المؤمنين بقوله " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون " ، ولكن لا يعلم حقيقة القبول إلا الله تعالى ، فالذي علينا أن نعمل ونخلص العمل ، أما القبول ، فأمره إلى الله . كما أنه من الواجب علينا أن نحسن الظن بالله تعالى ، وقد جاء في الحديث القدسي :" أنا عند حسن ظن عبدي بي " .
والمرض من سنن الله تعالى في الإنسان، فليس هناك إنسان لا يمرض ، وقد جاء في الحديث :" لابد للمرء من ثمانية ، من عسر ويسر ، وفرح وحزن ، واجتماع وفرقة ، وسقم وعافية " ، فانظري حولك من غير المؤمنين ستجدين فيهم مرضى ،وكذلك المؤمنين ، غير أن المرض للمسلم بلاء يثاب عليه إن صبر، وهو عند الكافر شيء يصيبه من سنن الله في الكون .
وزعمك أن الله تعالى لا يتقبل دعاءك كلام في غير محله ، فالله تعالى لا يرد طلب طالب ، فهو يستجيب الدعاء ، غير أن العلماء أخبروا أن استجابة الدعاء له ثلاث صور:
الأولى : أن يعجل الله تعالى لصاحبه حاجته .
الثانية : أن يرفع عنه به بلاء في الدنيا ، كان سيقع عليه ، وفي ذلك مصلحة للإنسان ، لأن دفع الضر مقدم على جلب المصلحة والنفع .
الثالثة : وهي خيرهم ، أن يدخر الله تعالى ثواب هذا الدعاء لصاحبه ، لينفعه يوم القيامة .
فأنت على خير عظيم ، استبشري به كثيرا، واجعلي الأمل دليلك في طريقك إلى الله تعالى ، وغلبي الرجاء على اليأس ، مع السعي الدائم لتجديد الإيمان.
وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى ، وحفظ عليك دينك ودنياك .
ـــــــــــــــــــ
مذبذب بين هؤلاء وهؤلاء ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
عندما أكون وسط إخواني في العمل أكون على درجة عالية من الإيمان، ولكني وسط زملائي العاديين أجد نفسي خارج نطاق الالتزام، كما أجد نفسي أنساق معهم في ألفاظ تخالف الشرع وتعاليم الإسلام، فلا أنهي عن المنكر الذي أراه وأسمعه، كما أجد نفسي ضعيف الشخصية معهم، فأنقاد لما هم فيه.. بل وأجاريهم في معصيتهم لله.
فكيف أتخلص من ذلك وأكون إنسانا صالحا؟ وجزاكم الله خيرا
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
الأخ الفاضل :(33/1263)
يجب دائما أن نفتش في المرض قبل أن نعرف علاجه ، وبقدر نجاحنا في تشخيص المرض بقدر ما يكون النجاح في معرفة العلاج ، ويبقى بعد هذا أن يقوم المريض بأخذ الدواء ، وإلا فالتشخيص والوصول إلى العلاج غير مجد لمن تركه .
إن ظهورك بشخصيتين ، شخصية الخير مع الخيرين ، وشخصية الشر مع أصحاب السوء يعني أن هناك اهتزازا في شخصيتك، وعدم ثبات على حال، وهذا هو الذي يخيف ، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون الإنسان دائما تابعا في الشر ، سواء أكان هذا المتبوع هوى " ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " ، أو كان الشيطان" يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين . إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "، فالإسلام يريد لأبنائه أن يكونوا أحرارا ، إنهم لن يكونوا عبيدا إلا إلى الله ، فإن كان الاستعلاء له مفهوم مذموم ، فإن له مفهوما محمودا ، فالاستعلاء عن السفاسف ، والاستعلاء عن الشهوات ، والاستعلاء عن الأخطاء والتوافه ، كل هذا استعلاء محمود .
لكن الذي يجب أن نفكر فيه هو كيف نتخلص من هذه التبعية ، كيف يكون الإنسان إنسانا يحترم نفسه و ذاته ؟ كيف لا يكون متبعا دائما على طول الخط ؟ إن هذا يتطلب نوعا من الهمة العالية ، واحتراما للذات، قد يكون من الخير أن تتبع الخير إن كنت مع صالحين ، لكنه أيضا ليس أمرا مطلوبا أن نكون تابعين دون حرية منا ، بل يجب أن نطيع عن اقتناع وحب ، حفاظا على الاستمرار، وقد قال صلى الله عليه وسلم " أحب الأعمال إلى الله أدومها ، وإن قل " .
وفي ظني أن من أهم الوسائل التي تساعدك على هذا ما يلي :
1- أن تدرك خطر ما أنت عليه ، وأثره في حياتك ، وتعطيله لنفسك عن إنجازاتك في مجال الدين والدنيا .
2- أن تعرف نفسك جيدا ، ومدى تأثرك ببعض الأشياء ، فإن كنت عاجزا عن مقاومة التيار ، فمن البلاهة أن تبقى في بحر تدرك أنك ستغرق فيه، أما إن كنت سباحا ماهرا تستطيع أن تسبح ضد التيار ، لتصل إلى الهدف الأسمى ، فهذا من شيم الرجال، وكما يقول العلماء : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، فلا تقحم نفسك مع أصدقاء السوء إن كنت تدرك أنك مضرور قطعا بالجلوس معهم .
3- جالس الصالحين ، واجلس معهم كثيرا ، وتعلم من كل من تلقاه ، واجعل عينك دائما نظارة للحق، بحاثة عنه .
4- اجعل الله أنيسك في وحدتك ، اذهب إليه في بيته ، اجلس هناك ، خاطبه دائما ، في حجرتك ، في المسجد ، في المواصلات، ناجه كثيرا ، تحدث معه بلسان الذل والحاجة والافتقار.
5- اشغل نفسك بما هو نافع لك ، في مجالات حياتك وتخصصك ، فاسع إلى أن تكون متقنا لعملك ، واسع أن تكون إنسانا صالحا ، تساعد الغير، وتوثق الصلة بينك وبين الله تعالى ، ببعض الأعمال الصالحة ، والتي يمكن لك أن تجلس مع نفسك ، وتحدد ما يمكن أن تقوم به من أعمال .
6- ولا تنس الدعاء ، فإنه لا ند له ، فبه تفتح الأبواب المغلقة ، ويغير الله تعالى من حال إلى حال، فأحسن النية لله ، يرشدك الله تعالى لصلاح حالك.(33/1264)
و يقول الدكتور عبد الباسط محمد أمين الباحث بمجمع البحوث الإسلامية:
أخي الكريم..
ما تشكو منه ليس بالأمر الغريب الذي قد ينتاب بعض الذين يعتقدون أن في أنفسهم الخير لدينهم، ولكن عليك يا أخي أن تعلم أن علاجك الحقيقي في انتقائك لأصدقائك، ولا تصاحب إلا مؤمنا يساعدك على طاعة ربك ويبعدك عن معصيته تعالى، وإياك وأصدقاء السوء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، فعليك أن تعتزل وتهجر أصدقاء السوء ولا تصاحبهم حتى لا تقع في معصية الله عز وجل.
كما يجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر على قدر استطاعتك كما قال صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وأنصحك أخي بالآتي:
*تقوية الشخصية الإسلامية في نفسك بأن تعرف مالك وما عليك فيما تقوم به من أفعال.
*الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ومدارسته، والإقبال على القراءة في كتب السنة والصحاح وشروحهما حيث قال صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين).
*اعتزل أصدقاء السوء وأماكن وجودهم بقدر المستطاع، وإن كان لابد من وجودك معهم فلابد من إبراء ذمتك من معصيتهم لله عز وجل، وذلك لا يكون إلا بإنكار فعلهم السيئ قدر استطاعتك.
ويقول الأستاذ صبحي مجاهد من فريق الاستشارات الإيمانية:
أبدأ كلامي إليك أيها الأخ الباحث عن مخرج لشخصيتك الإيمانية وسط أصدقاء لا يعلمون ما معنى الإيمان بتذكيرك بقول الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، فعليك أن تعلم أن تقوى الله هي مخرجك الحقيقي مما تعانيه، و أن ما أنت فيه ليس ضعفا للشخصية، وإنما هو الشيطان يسلط على عباد الله أولياءه من الجن والإنس ليضلهم عن سبيل الله القويم،
وأعلم أن الأمور لا تسير في خط مستقيم، وليست بالصورة المبسطة، فمن المعلوم أن الإنسان بطبيعته البشرية تمر عليه فترات من الهمة وفترات من الفتور وضعف العزم لما ينتابه من نوازع ورغبات وانشغال بأمور هذه الدنيا ومشتتاتها،
ولكن عليك ألا تفقد الثقة في نفسك والسيطرة عليها، وتعطيها مبررا للانسياق وراء بعض الأصدقاء في فعل المعاصي .. بل عليك أن تغتنم فرصة وجودك معهم لنصحهم وإرشادهم، ومما هو مأثور في هذا الأمر قول أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري : إذا جلست للناس فكن واعظا لقلبك ونفسك ، ولايغرنّك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك..والله يراقب باطنك.
وعليك معرفة أنك بحاجة إلى عمارة قلبك بالإيمان حيث إن القلب الذي بين جنبيك له عليك حقوق، فهو وعاء تراه يمتلئ بأي شيء فاملأه بالخير، وخصوصا الإيمان، فإن(33/1265)
الإيمان يزيد الطاعة، وينقص المعصية، وما أجمل الطاعة، ففي أثرها يقول تعالى) :ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم).
ويمكن أن تضع خطة عملية للتخلص مما أنت فيه من أهم خطواتها :
*اترك زملاءك الذين يدفعونك للمعصية فور إحساسك بالانسياق ورائهم.
*العمل دائما بقوله صلى الله عليه وسلم:( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
*مراقبة الله في السر والعلا نية، فإذا ما أيقنت نفسك أن الله ير اقبها فلن تضيع أحدا في معصيته.
*البعد كل البعد عن مفسدات القلب من الاستماع للغناء والطرب والنظر في المجلات الخليعة، وما شاكل ذلك
*الإكثار من سماع الأشرطة الإسلامية المؤثرة كالخطب والمواعظ وزيارة التسجيلات الإسلامية بين وقت وآخر .
*الإكثار من ذكر الله والاستغفار فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد الإيمان ويُقوي القلب .
ـــــــــــــــــــ
ممنوع من صلاة الفجر بقرار والدي ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أنا شاب مغربي في 24 من عمري، أحاول المواظبة على الصلاة في المسجد ما أمكنني ولكن والدي يعارضان ذهابي للمسجد في صلاة الفجر خوفا علي من مخاطر الطريق. ماذا أفعل هل أذهب رغم معارضتهما؟ وهل مخالفة أمر الوالدين في هذا الأمر تعد من عقوقهما؟ جزاكم الله خيرا وشكرا.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران الباحث بكلية دار العلوم ، وعضو فريق استشارات إيمانية بالموقع :
أحمد إليك الله يا أخي أن زرع فيك هذه الغيرة والحرص على صلاة الفجر بالمسجد، نعم، فالصلاة خير من النوم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأحمد إليك الله أيضا أن زرع فيك هذا الحرص على بر الوالدين وطاعتهما، والذي دفع بك إلى إرسال هذا السؤال من أجل عدم تخطي حدود الله معهما، نعم، {وبالوالدين إحسانا}.
أخي هشام:
وجب عليك الآن أن تشكر لأبويك هذا الحرص منهما عليك، فهما يخشيان عليك من مخاطر الطريق، ويبدو لي من سياق حديثك أن المسجد الذي تقصده بعيد إلى حد ما(33/1266)
عن بيتكم، وربما أيضا يفصل بينكما مساحة أو فراغ لا عمران فيه، أو لا حركة فيه ولا أنيس.
وعلى أية حال، فنحن نحتاج هنا إلى أمرين، أولهما: بيان حكم الشرع فيما تسأل عنه، والآخر: كيفية تطبيق هذا الحكم في حالتك هذه.
أما حكم الشرع في حالتك أنت: المسلم البالغ العاقل القادر، فهو أداء الصلاة في المسجد إلا لعذر، والفقهاء يقولون عن العذر إما أن يكون خوفا أو مطرا. وقصة الصحابي الضرير الذي كان يسكن بأطراف المدينة وأتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بمنزله، ولم يأذن له النبي لأنه يسمع النداء، معروفة.
هذه واحدة..
أما الأخرى، فالحال التي تحكيها عن تخوف والديك من نزولك إلى صلاة الفجر تستدعي في تفكيري عدة أمور، منها:
• أنه ربما حدث فيما سبق بعض الأمور التي جعلت والديك يتخوفان أن تسير وحدك في وقت مبكر كهذا.
• أو ربما كنت وحيد أبويك، أو الذكر الوحيد بين أخواتك، وهذا أيضا يزيد عندهما الخوف عليك.
• أو ربما حدثت بعض الحوادث قريبا من الطريق المؤدية للمسجد، في أوقات معينة زادت لديهم المخاوف عليك.
• أو ربما أمر آخر، ولكن المخاوف في النهاية موجودة.
فما الذي يجب عليك إذن؟ هل تتنكر لمخاوفهما وتنطلق إلى المسجد لا تلوي على شيء، ملبيا نداء الصلاة؛ لأنه لا يحق لهما أن يثنياك عن هذا؟ أم تستجيب لرغبتهما والله تعالى مطلع على نيتك؟.
لقد حيرني يا هشام تخوف والديك عليك.. فأنت في الرابعة والعشرين، يعني هذا أنك شاب في ريعان شبابك وفتوتك، وكان من هم مثلك، أو حتى أصغر منك، يقودون الجيوش إلى الفتوح والغزو، فلم الخوف إذن؟
وأنت كذلك لست في بلد مضطرب يعج بالحروب والثورات، لكنك شاب مغربي كما أشرت في سؤالك.
إن هذا التخوف ربما كان في محله إذا كنت في بلد كالعراق مثلا أو فلسطين أو جنوب السودان، أو غيرها، نسأل الله تعالى أن يؤمن المسلمين أجمعين في كل مكان.
ولكن، مع ذلك، فأنا لا أشجعك على مخالفة أوامر أبويك، على الأقل في الوقت الحالي، وخاصة إذا كان من الواضح لك أنهما سيصران على هذا، وسيؤدي هذا بينكم إلى تنازع وشقاق.
لكني أرجو منك يا هشام أن تخطو معهما عدة خطوات، كالتالي:
• اكتسب ثقتهما فيك، ونمِّها، وذلك بالقيام بالمزيد من أداء الخدمات لهما، حتى وإن لم يطلبا منك هذا.
• أشعرهما أنك تبرُّهما وتطيعهما لأن الإسلام أمرك بهذا.
• ليكن التعامل بينكما تعامل الأصدقاء المحترمين الودودين، ولا تكتف بأن تكون العلاقة بينكما علاقة الابن بأبيه وأمه.(33/1267)
• أثبت لهما بين الحين والآخر أنك على قدر كبير لتحمل المسئولية، حتى ولو كنت منفردا، وذلك بالمسارعة إلى قضاء بعض حوائج العائلة من مشاوير قريبة وبعيدة وتسوق ومشاركة في أعباء يبدو لهما أنك ما زلت غير قادر على تحملها، ومشاركة في الحوارات بالرأي ثم بالتنفيذ، دون تعصب لرأيك، وهذا بالطبع دون تهور ولا استباق غير مدروس حتى لا تأتي النتائج عكسية.
• صحح نيتك في كل هذا، بل قبله، بأنك: تبر والديك، وترضي ربك، وتنفع نفسك وعائلتك ومجتمعك ودينك.. فـ"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير". والقوة في كافة الجوانب: في الرأي والتدبير والجسم والعلم.. إلخ، واسأل الله تعالى أن يعينك على كل هذا.
• إذا كان من الممكن يا هشام أن تقوم بالتنسيق مع بعض زملائك أو جيرانك الذين يصلون معك الفجر في هذا المسجد البعيد، على أن يمر عليك بعضهم، وتخبر بهذا والديك، لتنزع من قلبيهما الخوف عليك، فافعل.
• إذا كان خوفهما عليك ناشئا من شيء يمكن التغلب عليه، كالكلاب مثلا، فإن عليك أن تعمل على إزالة خوفهما بأن تحمل معك عصاك لتتوكأ عليها، وتدفع بها عن نفسك، وأن تتفق مع بعض جيرانك أو أصدقائك المصلين حتى تسيروا جميعا إلى الصلاة.
• صارحهما بثغر باسم ووجه مشرق، بعد أن تقبل يد كل منهما، سائلا إياهما: هل تريدان أن يكون ابنكما هشام شجاعا في غير تهور، ونشيطا في غير معصية، ومؤمنا يقيم الصلاة كما يحب له الله، أم تريدان له أن يكون ضعيفا ومستكينا وجبانا وسلبيا وكسلان؟! وأخبرني يا هشام في متابعتك بما يجيبانك به. وفقك الله وسددك.
ـــــــــــــــــــ
عشقي للنساء يهدد أسرتي بالانهيار ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أحب زوجتي كثيرا، لكن أحب أن أرى النساء لدرجة أنني أسأل زوجتي عن النساء التي تعرفهم و عن جمالهن لكنها تمتنع عن الإجابة، كما أنني أشاهد الأفلام الإباحية، فمشكلتي عموما هي أنني أحب النساء بشكل عام وأحب أن أسمع أصواتهن وأذوب عند سماع صوت أي امرأة حتى صارت امرأتي لاتملأ عيني رغم جمالها، وذلك بسبب النظر الزائد للنساء، حتى صرت لاأجامع امرأتي وألجأ إلى العادة السرية، وكما أسلفت رغم جمالها.
ولقد نتج عن ذلك أن الغيرة ماتت في قلبي، فإذا رأيت امرأة أقول لزوجتي: هذه أجمل منك، وكانت في البداية تقول (عيب عليك هذا الكلام، وحرام النظر للنساء الأجانب عنك)، ولكن مع مرور الأيام تبلد إحساسها وصارت هي أيضاً تقول: هذا الرجل أجمل منك، فصرنا لا ننكر على بعضنا البعض الكلام في مغازلة الرجال والنساء، وتطور هذا الأمر حتى صرت أكلم بعضا من النساء وأتبادل معهم عبارات الحب والعشق، لكن الحمد لله إلى هذه اللحظة لم أرتكب فاحشة الزنى .(33/1268)
وكلما ألوم نفسي وأقطع علاقتي مع النساء سرعان ما أرجع إليهن، وقس ذلك على أفلام الجنس، مع العلم أن امرأتي لا تدري شيئا عن علاقاتي والأفلام التي أشاهدها، لكنها تعلم أني أحب النظر إلى النساء بل وأعشقهن حتى لو لم أرهن.
و سؤالي هو ما المخرج من هذا المأزق ؟ فرغم دعائي وابتهالي إلى الله لم أستطع البعد عن حب النساء، والنظر إلى الأفلام الإباحية.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
في الحقيقة أنا حائر معك أيها السائل، فلا أدري بأي خطاب أكلمك ، أبلهجة الذم أم بلهجة الشفقة ، ولكني سأتجاوز عن الذم لفعلك، لأنك تعلم أنه مذموم ، ومسكين أنت أيها الرجل الذي أوقعت نفسك في شباك الشهوة ، حيث أضحيت لا ترى في حياتك إلا ما يشبع شهوتك المحرمة ، وبعد أن جعلك الله تعالى حرا ،جعلت نفسك عبدا، وحريتك أن تكون عبدا لله ، لا عبدا لهواك ، وقد جعل الله تعالى الضلال الكبير في اتباع الهوى ، قال تعالى :" ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله "، وقد أوضح الإمام علي طبيعة الهوى ، حتى وصف الناس لاتباعه بأنهم يعبدونه ، وما تحمل هذه الكلمة من معنى خطير ، فقال : الهوى شر إله عبد .
أيها الزوج ، استشعر نعمة الله تعالى عليك قبل أن تسلب منك ، فزوجتك ، وإن وصلت هي الأخرى إلى هذه الحالة ، لكنها قد لا تطيق هذا إن ذكرت بخير ، وقد تطلب الطلاق منك ،فاتق الله تعالى ، حتى لا تضيع منك زوجتك ، فساعتها تندم وقت لا ينفع الندم، فكم من الناس معهم نعم لا يشعرون إلا بعد فقدها .
فكر في نفسك ما الذي تأخذه من النظر إلى الحرام ، إن الإنسان قد يخطئ ويقع، ولكن أن يستمر ، فهذا يعني موت القلب ، وإذا مات القلب مات الإنسان، ولو كان له عين يرى بها، وأذانان يسمع بهما ، ورجلان يمشي عليها ، فالميت ميت الأحياء . ولهذا فقد جعل الله تعالى القرآن غذاء الأموات من الأحياء، قال تعالى :" أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها "، وإن كان الإنسان قد سمح لنفسه بالمرض، فمن العقل ألا يسمح لنفسه بالموت .
انظر كم حرمت من الطاعة ، فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية؟ وانظر كم فاتك من الخير من الله تعالى ، وحرم البركة في أمور دنياك قبل أن تحرم طاعة مولاك.
أعد الغيرة في قلبك ، فلا أدري كيف يقبل رجل ، بعيدا عن أي معتقد أو تدين أن تقول له زوجته : هذا الرجل أجمل منك أو ما شاب هذا من الكلمات ؟ إن العرب الجاهليين كان منهم من يترفع هذا وما يقبله أبدا ، لكنك أمت كل نخوة ورجولة فيك، وقبلت على أهلك المعصية ، فكان إثمك إثمين ، إثما لنفسك ،وإثما لأجل أهلك، فبأي(33/1269)
وجه تقابل الله تعالى ؟ ماذا تقول لربك حين يسألك عن هذا؟ إنه يخاطب " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "، فحاول أن تستعيد رجولتك أيها الرجل ، وأن تكون قيما على أهلك " فكلكم راع ،وكلكم مسئول عن رعيته".
أخي ، لا أحب أن أطيل عليك ، ولكن أفق من غفلتك ، واجلس بعيدا عن الناس أولا ، اذهب إلى بيت الله ، صل ، واترك الناس يرحلون ،واجلس أنت مع ربك ، اشكه نفسك الظالمة ، اطلب منه أن يرزقك الهداية والرشاد ، وتذلل إليه حتى يرزقك التوبة الصادقة ، وعاهد ربك في بيته ألا تعود لمثل هذا أبدا.
بعد أن تجد في نفسك أنك صدقت الله تعالى في النية إلى التوبة الصادقة ، اجلس مع زوجك ، واحك معها كيف حالها ؟ وقيما سويا الفترة السوداء الماضية ، وأزيلا عنها السواد بالتعاون على التوبة، وتصحيح حياتكما، وابتعدا سويا عن المعصية ، وكما كنت سببا في أن تكون عاصية ، كن سببا في توبتها إلى الله تعالى ، وصحح ما وقعت فيه من خطأ.
اجتهد أن تتعبدا لله كثيرا ، اجلسا للقرآن مرة أو مرتين في الأسبوع ، اذكرا أذكار الصباح والمساء سويا، اقرآ في كتاب كـ"رياض الصالحين" ، صلا الرحم معا ، تصدقا سويا ، احضرا درس علم معا، املآ حياتكما طاعة ، حتى تطرق السعادة بابكما.
واهتم بحياتك الاجتماعية مع زوجتك كثيرا ، واخرجا من هذا السجن الذي حبستما فيه نفسيكما ، إلى جنة طاعة الرحمن . ساعتها ستجد أن العادة السرية تلاشت من حياتك ، لأنك تفعلها من باب الإثارة لا أكثر،وعندك زوجتك التي نسأل الله أن يبارك لك فيها ، فاقض معها وطرك ، وأسعدها وأسعد نفسك بما تنال به الثواب من الله تعالى .
و يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر:
عجبا لك أيها السائل تناقد نفسك فتقول: أحب زوجتي، مع أن كلمة حب ليست بالكلمة الهينة، فالمحب لمن يحب مطيع، كما أن الزوجة هي السكن الذي امتن الله على الإنسان ليفرغ معها شحنات الحب والمودة الذي خلقها الله كفطرة في الرجل للمرأة، فقد قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).
وعليك أن تعلم أن النظرة سهم من سهام إبليس، وكما تنظر إلى نساء الآخرين فإن الآخرين ينظرون إلى نسائك، ولقد صدق الشاعر حين قال:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم * وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
يا هاتكا حرم الرجال وتابعا * طرق الفساد تعيش غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم * في أهله يُزنَى بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا أقرضته * كان الوَفَا من أهل بيتك فاعلم
ويجب أن تعرف أن العين تزني وزناها النظر، وإذا كنت تأتي زوجتك وتتخيل أمامك إحدى النساء التي شاهدها فأنت في هذه تتشبه بمن يزني، كما عليك أن تعلم أن(33/1270)
ما تشكو منه من تبلد الإحساس وعدم الغيرة على زوجتك عندما تجاريك وتتحدث عن الرجال سببه أنت لأنه من شدة شغفك بالنساء ماتت مشاعرك، وأصبحت لا تغير.
ولكي تنتهي عما أنت فيه عليك أن تتقي الله في نفسك وفي زوجتك، ولا تزيد من النظر في النساء، وأن تقلع عن مشاهدة الأفلام العارية لأنك إذا داومت على ذلك أصبت بالخسران، كما عليك أن توقن في نفسك أن أي امرأة تنظر إليها لا تزيد عن امرأتك في شيء، فإن مع امرأتك مثل ما معها.
وختاما؛
اعلم أن ما تصوره نفسك من الاستمتاع بالمعاصي سيصير بك إلى الندم لأنها أيام وستموت فيك هذه الرغبة وساعتها ستندم ولا ينفعك الندم، فعليك بالعودة إلى الله وإصلاح ما بينك وبين زوجتك حتى لا ينفلت الأمر من يديك، كما يجب أن تواجه نفسك في الإقلاع عن ممارسة العادة السرية وممارسة حياتك الطبيعية مع زوجتك، ولقد قال الشاعر:
احفظ منيك في الصغر ينفعك في الكبر .. فمنيك ماء وجهك فلا ترقه.
ويقول ماهر الحداد من علماء الأزهر الشريف:
أخي السائل..
إن ما أنت فيه راجع إلى النظر لما حرمه الله من النظر للنساء، ورؤية الأفلام الجنسية( فكل الحوادث مبداها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر)، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم _ فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه ـ : إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه)، وفي رواية أخرى ( إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه)، ولذلك أمرنا الله تعالى بغض البصر في قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
أيها السائل..
عليك أن تقف مع نفسك لحظة تأمل، وتفكر كيف يصل بك الحال وبزوجتك إلى أن تتبلد أحاسيسكما إلى هذا الحد؟، واعلم أنك السبب في ذلك بسؤالك لزوجتك عن النساء الأخريات اللاتي لا يتميزن عن زوجتك بشيء، خاصة وأنك تصفها بالجمال.. ثم إن ما تفعله يعد خيانة لا تليق بالرجولة.
وعليك أخي المسلم ـ هداك الله ـ أن تتبع الآتي:
*غض البصر والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما وقع بصرك على امرأة.
*أكثر من ذكر الله، وداوم على الاستغفار.
*أكثر من صيام التطوع فإنه يكسر حدة الشهوة.
*حافظ على أسرتك وكن رجلا ذا مروءة.
* لا تشاهد الأفلام الإباحية، واعلم أنها مدعاة لكل ما أنت فيه من ممارسة للعادة السرية.(33/1271)
*فكر في مستقبل أولادك وأسرتك, واسأل نفسك: هل تحب أن يكون ولدك أو زوجتك في هذه الصورة المهينة التي أوقعت نفسك فيها؟، لأن دوام التفكر في هذا يكسر من حدة شهوتك ونظرك للنساء.
* تصور نفسك لو حرمك الله من نعمة الزواج، فستتيقن النعمة التي منحها الله لك، ولن تقابله بالجحود والإنكار.
* قف دائما بين يدي الله في محراب الصلاة، مناجيا إياه أن يهديك ويعفو ويصفح عنك.
هداك الله وأصلح من حالك..
ـــــــــــــــــــ
لا تنظر لصغر المعصية وانظر لعظم من تعصي ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
ما الضابط الذي نستطيع أن نفرق به بين الصغائر والكبائر؟ وهل للكبائر حد معلوم، وعدد معين؟ وما المقصود باللمم الذي صرح القرآن أن الوقوع فيه لا يقدح في التقوى إذا لم ترتكب الكبائر؟ ... السؤال
الدكتور يوسف القرضاوي ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
ذهب بعض العلماء إلى أن المعاصي كلها كبائر، وكأنهم استعظموا أن يكون المعصي هو الله الكبير المتعال، الخالق الرازق، ثم تكون معصيته صغيرة، فرأوا أن كل ما عصى الله به فهو كبيرة.
فإذا كانت إساءة الولد إلى والده ولو بكلمة، تستعظم وتستهول، لعظم حق الوالد، فكيف بحق الرب الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى؟
وهذا شعور طيب، ولا شك، ولكنه لا ينفي الواقع.
وهو أن المعاصي والذنوب تتفاوت تفاوتًا بينا في مفاسدها وآثارها في الحياة، وتتفاوت كذلك في تأثيرها على القلب وتدنيسه.
كما أن النصوص نفسها بينت بوضوح أن في المعاصي كبائر وفواحش، ومنها دون ذلك كما قال تعالى في وصف مشهد من مشاهد الآخرة: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) (الكهف: 49).
يقول تعالى: (إن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا) (النساء: 31).
وفي وصف الذين أحسنوا يقول تعالى: (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ) (النجم: 31 - 32).
وفي مدح المؤمنين الذين ادخر الله لهم في الآخرة ما هو خير وأبقى من متاع الحياة الدنيا، فقال: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ(33/1272)
آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى: 36 - 37).
فلم تطلب هذه الآية ولا تلك اجتناب صغائر الذنوب، لأن الناس قلما يسلمون من مواقعتها في حياتهم اليومية، وإنما اكتفى منهم باجتناب كبائر الإثم والفواحش.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر)).
وانقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر: ثابت بنصوص القرآن والسنة الصحيحة وإجماع الصحابة والتابعين، وبالاعتبار والمعقول أيضًا.
وأما ما يحكي عن أبي إسحاق الإسفرائيني أنه قال: الذنوب كلها كبائر، وليس فيها صغائر، فليس مراده: أنها مستوية في الإثم، بحيث يكون إثم النظر المحرم، كإثم الوطء في الحرام، وإنما المراد: أنها بالنسبة إلى عظمة من عصى بها كلها كبائر، ومع هذا فبعضها أكبر من بعض، ومع هذا فالأمر في ذلك لفظي لا يرجع إلى معنى.
قال ابن القيم: -
والذي جاء في لفظ الشارع: تسمية ذلك " لمما " و " محقرات " كما في الحديث " إياكم ومحقرات الذنوب " وقد قيل: إن " اللمم " المذكور في الآية من الكبائر، حكاه البَغَويُّ وغيره.
قالوا: ومعنى الاستثناء: أن يلم بالكبيرة مرة، ثم يتوب منها، ويقع فيها ثم ينتهي عنها، لا يتخذها دأبه، وعلى هذا يكون استثناء " اللمم " من الاجتناب، إذ معناه: لا يصدر منهم، ولا تقع منهم الكبائر إلا لممًا.
والجمهور على أنه استثناء من الكبائر، وهو منقطع... أي لكن يقع منهم اللمم.
ثم اختلفوا في فصلين، أحدهما: في " اللمم " ما هو؟ والثاني: في " الكبائر " وهل لها عدد يحصرها، أو حد يحدها؟ فلنذكر شيئًا يتعلق بالفصلين.
أولا: معنى اللمم : -
فأما " اللمم " فقد روى عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيرًا، قال البَغَويُّ: هذا قول أبي هُريرةَ، ومجاهد، والحسن، وراوية عطاء عن ابن عَبَّاسٍ. قال: وقال عبد الله بن عمرو بن العاص " اللمم ما دون الشرك " قال السدي: قال أبو صالح: سُئلت عن قول الله عزل وجل " إلا اللمم؟ " فقلت: " هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده " فذكر ذلك لابن عَبَّاسٍ فقال: " لقد أعانك عليها ملك كريم ".
والجمهور: على أن " اللمم " ما دون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عَبَّاسٍ، كما في صحيح البُخاريُّ من حديث طاووس عنه قال: " ما رأيت أشبه باللمم ما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين: النظر، وزنا اللسان: النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (رَواهُ البُخاريُّ (6243) ومسلم (2657) ورواه مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُريرةَ، وفيه " والعينان زناهما: النظر، والأذنان: زناهما الاستماع، واللسان: زناه الكلام، واليد: زناها البطش، والرجل زناها الخطأ)) (هو في صحيح مسلم (2656).(33/1273)
والصحيح: قول الجمهور: أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك، هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هُريرةَ وعبد الله بن مسعود، وابن عَبَّاسٍ، ومسروق، والشعبي.
ثانيا : الكبائر:
وأما الكبائر: فاختلف السلف فيها اختلافًا لا يرجع إلى تباين وتضاد، وأقوالهم متقاربة.
وفي الصحيحين من حديث الشعبي عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)) (أخرجه البُخاريُّ (6675) ولم يخرجه مسلم كما في " تحفة الأشراف " 346/6 للمزي، ورواه أحمدُ 201/2 والتّرمذيُّ (3024) والنسائيُّ 89/7).
وفيهما عن عبد ا لرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا - قالوا: بلي، يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئًا - فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)) (أخرجه البُخاريُّ (5977) ومسلم (87) والتّرمذيُّ (2302).
وفي الصحيح من حديث أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قلت ((يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قال قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم (رَواهُ البُخاريُّ (4477) ومسلم (142) والتّرمذيُّ (3182) والنسائيُّ (89/7) وأحمدُ (434/1) (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) (الفرقان: 68).
وفي الصحيحين من حديث أبي هُريرةَ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) (رَواهُ البُخاريُّ (6857) ومسلم (89).
وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أكبر الكبائر: يسب الرجل والديه، قالوا: وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه)) (رَواهُ البُخاريُّ (5973) ومسلم (90).
وفي حديث أبي هُريرةَ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أكبر الكبائر: استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم بغير حق)) (رَواهُ أبو داود (4877)، والبزار (3569) و (3570) بأسانيد يشد بعضها بعضًا، وله شاهد من حديث معيذ بن زيد عند أبي داود (4876) وأحمدُ (190/1) وإسناده صحيح).
وهذه الأحاديث الصحاح: تدلنا على أن الكبائر ليست في درجة واحدة، بل هي متفاوتة، فمنها: ما سماه الرسول (أكبر الكبائر).
وختاما؛(33/1274)
نسأل الله أن يتقبل منا توبتنا وأن يصرف عنا شياطين الإنس والجن، وأن يجعلنا وإياك من أهل طاعته .. آمين
ـــــــــــــــــــ
الاستمناء.. برنامج عملي للخلاص ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أعاني من المداومة على ذنب، وهو العادة السرية، وحاولت التوبة منه عدة مرات ولكني أعود إليه ثانية. أريد أن تعينوني بطريقة عملية تطبيقية للخلاص من هذا الأمر، وحبذا لو تضمنت سير ومراجع للسلف الصالح تعصمني من العودة في الذنب علما بأني دعوت في الحج أن يعينني الله على تركه. و جزاكم الله خير.. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم رعاك الله، وهيَّأ لك من لدنه فرجاً ومخرجا.
أعلم أنه قد يرتكب أحدنا معصيةً ما وهو كاره لها، فإذا استُدرِج إليها وأتاها أخذته الحسرة والندامة وأقبل على التوبة، راجياً العفو والمغفرة، وقد يرتكب آخر المعصية نفسها وهو محبٌّ لها وسعيدٌ بها، ولا يكاد يفرغ منها حتى يندفع إلى غيرها، إلى أن يسترسل في غيِّه وقد انعدم لديه أيُّ شعورٍ بعقدة الذنب ونار الخطيئة، وأنت لست من هذا الصنف بحمد الله، من هنا جاء الخطاب القرآنيُّ مؤكِّداً رعاية الله لعباده المؤمنين من خلال دفعهم إلى حبِّ الطاعة وكراهية المعصية، حيث يقول جلَّ في علاه: "ولكنَّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم، وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون".
أخي الكريم :
هناك أمور كثيرةٌ يمكن تلمُّسها والأخذ بها بين يدي معالجة الحالة التي تعاني منها، و يعاني منها الكثيرون، من أهمها:
- الزواج باعتباره العلاج النبويّ:
ليس لنا أن نتقدَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وصف من علاجٍ لمشاكلنا وأمراضنا، كما إنَّه ليس لنا أن نختار بعد اختياره صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تعالى حيث يقول: "وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم".
والرسول صلى الله عليه وسلم اختار الزواج حلاًّ جذريًّا لمثل الحالة التي نحن بصددها، ولا أظنُّ أنَّني سآتي بجديدٍ حين أذكِّر بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنَّه له وجاء"رواه البخاريُّ ومسلم.
- الصوم كعلاجٌ وقائيٌّ مؤقَّت:(33/1275)
ومطلوبٌ منَّا أن لا نقلِّل من أهمِّيَّة الصوم في معالجة مشاكلنا الجنسيَّة، وبخاصَّةٍ أنَّها وصفةٌ نبويَّةٌ ناجعةٌ لا تحتمل الشكّ، والصوم النبويُّ المطلوب هو إمساك النفس عن كلِّ المباحات الجسديَّة، فكيف بالمحرَّمات منها؟
إنَّه الصوم عن مقاربة وملامسة الأسباب المهيِّجة للغريزة، وما أكثرها وأخطرها في هذا الزمان، وبخاصَّةٍ ما يُقدَّم على شاشات التلفزة، أو يُعَرض في مواقع الإنترنت، أو يُروَّج له ويباع عبر الكاسيت والمجلَّة والكتاب... إلخ.
وحول بعض خطوط العلاج العملية الأخرى في هذا الأمر يقول الدكتور عمرو أبو خليل:
إن الأمر يأخذ جهداً ووقتاً، وكما حدث الأمر في بداية المعصية تدريجياً سيكون العلاج إذن وسنحتاج إلى جهد ووقت وخطوات عملية أهمها وضع برنامج يومي يساعدك على ملء كل أوقات الفراغ، فعليك أن تبرمج ما يتبقى في الوقت من فراغ في أن تقوم بأنشطة فريدة ممتعة، فالوحدة خير من جليس السوء.
واقترح عليك نموذج برنامج يومي يتلخص في الآتي:
* أبدأ "اليوم" باسم الله.
* تخلص من أدوات "النشاط المرضي": الصور، المهيجات، اشتراك الإنترنت: إذا كانت الأدوات "متاحة" ستفشل حتماً.
* سيكون عليك المجاهدة كل يوم: ملء الفراغات، مقاومة المقدمات، استثمار الوحدة.
* خذ وقتاً كافياً في التوجه إلى الله سبحانه ، وسؤاله العون والتوفيق.
* اعلم أن الله سيوفقك إن علم صدق نيتك، ورأى بداية جهدك.
* تعلم أن تجعل الصلة بالله ركناً أساسيًّا، ومكوناً رئيسيًّا في شخصيتك، ونفسيتك، وحياتك.
* إذا كنت قد رجعت في توبتك قبل ذلك، لِيرَ منك الله هذه المرة إصراراً أكبر، وخطة أحكم تحبه أن يباركها.
* تحدث إلى الله بكلامك أنت، ولغتك أنت علاوة على الأدعية المأثورة، تحدث معه بكلماتك العامية المعبرة البسيطة، واعرض أمامه المشكلة التي يعرفها، وعزمك الذي يراه، وحاجتك التي تريدها منه.
* احسب كم من المال يمكن أن تعطي لنفسك عن كل يوم تنجح فيه، وسوف تدخر أموال "الجوائز" لمكافأة كبيرة.
* هدفك المرحلي أن تتوقف عن الفعل المرضي لمدة "مائة يوم" تكافأ نفسك بعدها ـ بالأموال المدخرة ـ برحلة طويلة أو غير ذلك مما تحب.
* بعدها ستجمع مالاً " عن كل يوم" لتكافأ نفسك عن النجاح لمدة 250 يوماً بمكافأة أكبر تقوم بها.
* ستكافأ نفسك بعد ذلك في ذكرى مرور عام على آخر مرة مارست فيها النشاط المرضي.
* بعد ذلك ستحصل على مكافأتك لنفسك كل عام.(33/1276)
* اجعل للأموال صندوقاً معيناً، ثم ضعها شهريًّا في أي وعاء ادخاري: حساب مصرفي مثلاً "خارج المنزل"، وفي موعد المكافأة اسحب المال، وتمتع بالمكافأة المادية، وبفضل الله عليك.
* قبل أن تودع المبلغ في المصرف ضعه أمامك لتشاهد علامات نجاحك أولاً بأول، وتحمد الله على نعمته.
* ماذا تفعل لو فشلت مرة: مع مراعاة ما ذكرناه في بند "التعامل مع الشعور بالذنب".
تبرع بالأموال التي ادخرتها لنشاط خيري نافع، وسيكون عليك أن تبدأ من جديد:
* توجه إلى الله سبحانه، وأسأله العون كما فعلت من قبل وأكثر.
* راجع خطتك لتدرس نقطة الخلل وتتلافاها هذه المرة.
* حدد مقدار مكافأتك المالية.
* كافئ نفسك عن كل يوم بالادخار لمدة مائة يوم.
* في نهاية المائة يوم نفِّذ المكافأة.
* إذا فشلت تبرع بالمال، وإذا نجحت واصل لمدة 250 يوماً.
* كافئ نفسك ثم واصل لنهاية العام.
* كافئ نفسك في نهاية كل عام من النجاح.
وستنجح حتماً، وتصبح حياتك أكثر انتظاماً في كل نواحيها، وستكون أسعد بإذن الله مع زوجتك، ومع أصحابك، وفي عملك، وفي علاقتك بالله سبحانه.
-ـــــــــــــــــــ
رسائل الغزل بالموبايل .. أترضاه لأختك ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أنا شاب في العشرين من عمري، ومن أسرة متوسطة الحال، ولي في محيط العائلة أقارب شباب وشابات، ونتيجة وجود الموبايل نقوم بإرسال رسائل فيما بيننا، إلا أن والدي حينما رأى الرسائل أخذ يلومني، وقال لي: كيف تسمح لنفسك بإرسال رسائل لبنات العائلة فيها كلمات غزل كأي شخص غريب؟، مع إنني أرسل هذه الرسائل بحسن نية بعد أن تأتيني من أصحابي ولكن والدي سألني : هل تستطيع أن تقول لبنت من بنات العائلة هذه الرسالة مباشرة وجها لوجه؟.. وبصراحة قلت له : لا أستطيع، فقال: إذا أنت تشعر أن فيها شيء زيادة من الجرأة أو وصف المشاعر وأنا يا ابني أريد أن أقفل ذرائع الشيطان. أرجو نصحي في ذلك.. و جزاكم الله خيرا ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ رمضان فوزي بديني الباحث بكلية دار العلوم:
أيها الأخ السائل :
إن العلاقة بين الجنسين لها ضوابط تحكمها، سواء كانت هذه العلاقة بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عن طريق الإنترنت أو الموبايل أم غيره من هذه الوسائل(33/1277)
الحديثة، وسواء كانت هناك صلة قرابة تربط بينهما أم لا، إلا أن يكون محرما لها ( أي من محارمها).
ومن أهم هذه الضوابط :
1- ألا يحدث بينهما اختلاء في مكان مغلق، يصعب على الناس رؤيتهما فيه.
2- أن تكون العلاقة في حدود الضرورة، خاصة إذا كانا في سن الشباب التي لا يؤمن معها الفتنة عليهما.
3- أن تخلو الكلمات من أي لفظ مثير أو جارح.
4- أن تكون ملتزمة بالحجاب الشرعي .
وأنت يا أخي سامر يُفهم من سؤالك أن هذه الرسائل كانت غزلية، وهو ما لا يجوز لك فعله، سواء كن من بنات العائلة أم غير العائلة؛ فما لا ترضاه لأختك في النسب لا ترضه لأختك في الإسلام. ولا أدري ما هو حسن النية الذي كنت تقصده في ذلك؟!
إذن يا أخي فأبوك كان محقا في نصيحته لك، فاتق الله واحذر ذرائع الشيطان وحبائله؛ فالله تعالى أمرنا فقال: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}؛ فالأمر يبدأ بكلمة أو نظرة ثم ينتهي إلى ما هو أكبر من ذلك.
وفقك الله لما فيه الهداية والتوفيق.
ويضيف الأستاذ صبحي مجاهد من فريق الاستشارات الإيمانية :
أيها الأخ السائل:
أعلم أن ما تفعله من إرسال رسائل لبعض فتيات العائلة أمر يخالف ما أقره الإسلام في العلاقة بين الجنسين، ولا يمكن هنا التعلل بأن من ترسل إليهم هذه الرسائل من أقاربك، حيث لا فرق بين إرسالك لفتاة ليست من العائلة، وأخرى من العائلة، مادامت تحل لك، خاصة وأن الرسالة التي تقوم بإرسالها لا يمكن أن تحدد أبعادها في نفسية الفتاة التي استقبلت الرسالة، فرسائل المحمول، والتي غالبا ما تكون غزلية، من الأمور التي لا يسلم فيها رد الفعل لأنها قد تتعلق بالمشاعر، حيث تأتي في البداية على أنها نوع من المداعبة العادية البرية، ثم تنتهي بالتعود في طريقة العلاقة بين الطرفين، وهو أمر يحذرنا منه الإسلام.
وعليك أخي الكريم أن تستمع لنصائح والدك، فإنه يمتلك من الخبرة ما يجعله أهلا لتقديم النصح لك، كما انك تعلم ان ديننا الحنيف يأمرنا باتقاء الشبهات، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك " رواه الترمذيُّ والحاكم، وقالا: هذا حديثٌ صحيح، ثم أذكرك يا أخي بقولة الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاءه يستأذنه في الزنا "... أترضاه لأمك .. أترضاه لأختك ..." فانظر واعتبر.
وختاما؛
فإن الابتعاد عن مواطن الشبهات أمر يجعل المسلم متحليا بالنقاء وحسن التصرف، فرغم البساطة التي ألمحها من كلامك، ورغم نقائك وحسن ظنك – كما تقول في رسالتك- فعليك أيضا ألا تضع نفسك موضع الريبة والشبهة، خاصة وأنك اعترفت بأنك لا تستطيع قول هذه الكلمات التي ترسلها عبر المحمول مواجهة أمام فتيات من(33/1278)
العائلة، فإذا كان المسلم مطالبٌ بحسن الظنِّ بأخيه، فإنَّ هذا الأخ مطالبٌ أيضاً ألا يضع نفسه موضع الشكٍّ و الريبة .
نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل، وأن يغفر لنا و لك ما مضى وان يحفظنا فيما بقى .. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
المواقع المخلة تحاصرني في عملي.. جاهد نفسك ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.. ثم أما بعد,,, سأحاول أن أشرح لفضيلتكم مشكلتي باختصار، فأنا شاب حاصل على مؤهل جامعي أعمل في مركز للإنترنت وكتابة الرسائل العلمية، حيث يتردد على المركز العديد من الشباب الجامعي ليستخدموا الإنترنت، وعملي أنني أقوم برعاية المكان والأجهزة، ولكن وللأسف فقد اكتشفت أن معظم هؤلاء الشباب يستخدمون الإنترنت فقط لكي يدخلوا إلى المواقع المخلة، وقد علمت بذلك عن طريق الصدفة، خاصة وأن جميع الأجهزة متصلة بالجهاز الرئيسي الذي أعمل عليه عن طريق شبكة داخلية (نت وورك) فأستطيع أن أرى ما يقوم الشاب بتحميله على الجهاز الخاص به. وأنا دائما أقوم بغلق الجهاز أمام العميل عندما يدخل على هذه المواقع دون أن يعرف، وذلك حتى لا أحرجه وأيضا حتى لا أتسبب في خسارة للمركز بسبب طرد العملاء، ولكني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أمنع نفسي من النظر إلى هذه المواقع التي يدخل عليها العملاء . والآن أنا أخاف من الله عز وجل بأن أكون علي وزر لأنني أعمل في هذا العمل، ولكني لا أريد أن أترك العمل لأنني قد تعلمت كثيرا من الأشياء في مجال الكمبيوتر والإنترنت، وذلك ما دفعني أساسا لأن أعمل في هذا المركز. أرجو من فضيلتكم أن تدلني ماذا افعل؟ وهل أستمر في هذا العمل، وأنا أعلم أن هؤلاء الشباب يدخلون على المواقع المخلة.. أم أترك العمل وقد تعلمت منه الكثير من الأشياء التي كنت أتمنى أن أتعلمها عن برامج الكمبيوتر ؟ ولكم جزيل الشكر.. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
أيها الأخ الكريم..
جزاك الله خيرا لحرصك على طاعة الله عز وجل، والخوف منه..
وأبدأ حديثي لك بتوضيح أن الإنترنت مثله مثل أي شيء آخر من الممكن استعماله فيما فيه نفع، ومن الممكن استعماله فيما فيه ضرر، فإذا ما استعمله الشخص فيما ينفع فله الأجر والثواب من الله، أما إذا استعمله فيما يضر عوقب عليه من الله عز وجل.
واعلم يا أخي أن إقدامك على غلق جهاز الكمبيوتر أمام العميل المستخدم له ـ إذا لاحظت دخوله على المواقع المخلة ـ هو عمل سيجازيك الله عنه خيرا؛ لأنك بذلك طبقت أمر الله تعالى في النهي عن المنكر، أما كونك أصبحت تلتفت إلى المواقع التي(33/1279)
قد يدخل عليها العميل، فهذا بالطبع من طبيعة البشر، ولكنك لم تتخذ الحذر في الأمر حيث إنك ومع منعك لأي إنسان الدخول على هذه المواقع فقد طاوعت نفسك ونظرت إلى تلك المواقع، لدرجة أنك قلت ( لكني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أمنع نفسي من النظر إلى هذه المواقع التي يدخل عليها العملاء )، وهذا بالطبع أمر خطير حيث استطاع الشيطان أن يوسوس لك في هذا الأمر ونجح في بعض الأوقات، وعليك في هذا أن تتذكر قول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...)، وأن تلزم فعل الطاعات دائما، والتقرب إلى الله.
كما عليك أن تعلم أنك مادامت محافظا على صلتك بالله فإن الله سيوفقك في عملك، وسيبارك لك فيما تكتسبه من أموال، حيث إن القاعدة في الإسلام أن كل عمل لا يترتب عليه فعل منكر أو المشاركة فيه هو عمل حلال والمال الناتج عنه حلال، وكونك تحرص على ألا ينظر المترددون على مركز الإنترنت إلى المواقع المخلة، ومنعت نفسك أيضا ـ وهو المهم ـ عن هذه المواقع، أو النظر إليها فاعلم أنه لا أثم عليك في استمرارك في هذا العمل ومالك حلال، أما إذا استمرئت فعل المعصية، حتى وإن منعت الآخرين عنها فهذا أمر لا يرضاه الله ورسوله.
وختاما ؛
أقول لك أنه عليك الاستمرار في عملك كما شئت، لكن عليك أن تلزم العمل النافع مع الحرص على تعلم الأمور المفيدة لك سواء في عملك، أو لرفع مستواك المعرفي، ومنع نفسك عن مجرد الالتفات إلى ما يعرض في المواقع الإباحية، كما عليك أن تستمر في منع المترددين على مركز الإنترنت من الدخول على المواقع الإباحية لأنك بذلك تقوم بتنفيذ ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فليغيره بلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان)، فأنت بمنعك العملاء عن مشاهدة هذه المواقع قد قمت بأقوى أنواع الإيمان في منع المنكر، ولكن يجب أن يكون منعك أيضا بالقلب حتى تستطيع السيطرة على نفسك في منعها عن مشاهدة ما منع العملاء عنه.
ويحسن بك – أخي الكريم- أن تعلق لافتة مثلا تنبه فيها الناس إلى عدم استخدام المواقع الإباحية أو المواقع التي تظهر الأغاني التي تظهر فيها العورات أو ما شابه ذلك من الأمور المحرمة
ولا تنس أن تربط نفسك بالقرآن، وتحرص على الصلاة فإنها خير شفاء لأمراض القلوب ، وتبعدك عنك الشيطان ، ولا تجد فيها إلا الراحة والسكينة ، وهو علاج لكثير من الأمراض النفسية والاضطرابات وغيرها ، وإن لم تكن متزوجا ،فسارع بالزواج ، فإنه حصن لك من الاطلاع على هذه الموبقات، فطبيعتك الجيدة ستجعل من الزواج لك وقاية من الوقوع في الرذائل .
ـــــــــــــــــــ
حائر بين التزام العابدين وآفة الكذب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/1280)
اعجب لمسلم يؤدي جميع فرائض الإسلام، ومع ذلك لا يتورع عن الكذب فهل يعتبر هذا من الصالحين؟ ... السؤال
الدكتور يوسف القرضاوي ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجتمع الكذب والإيمان في قلب مؤمن، ففي الحديث "أيكون المؤمن كذابا قال لا" ، وقد جاء الوعيد عليه شديدا وحذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من سوء عاقبته، ولا فرق في ذلك بين كذبة صغيرة وأخرى كبيرة، وعلى من ابتلي بهذه الخصلة الذميمة أن يجاهد نفسه حتى تتعود الصدق.
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:
الكذب خلق سيئ ليس من أخلاق الصالحين ولا المؤمنين، وإنما هو من أخلاق المنافقين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " (رواه الشيخان). وفي رواية أخرى: " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ". (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).
فالكذب ليس من خصال المؤمنين، وإنما هو من خصال المنافقين، الذين يكذبون دائمًا، ويؤكدون كذبهم بالحلف، حتى في يوم القيامة يكذبون أمام الله ويحلفون له كما كانوا يحلفون للمسلمين في الدنيا، ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون . وقد جاء في القرآن الكريم " (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (النحل: 105). وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال: نعم . قيل: أيكون بخيلاً ؟ قال: نعم . قيل: أيكون كذابًا؟ قال: لا ". (رواه مالك مرسلاً عن صفوان بن سليم).
من الناس من يكونون ضعفاء النفوس، يتصفون بالجبن وشدة الفزع.
ومن الناس من يكونون بخلاء، يتصفون بالشح وقبض اليد.
هاتان الصفتان قد تكونان في الجبلة والطبع.
ولكن الكذب لا يكون إلا مكتسبًا، وهذا الذي يحاسب عليه الإسلام ويشدد فيه أبلغ ما يكون التشديد . وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا". (متفق عليه من حديث ابن مسعود).
فالصدق عادة تكتسب بالتحري، وبالمجاهدة وبالرياضة وبالتعود، وعلى المسلم أن يعود أبناءه منذ نعومة أظافرهم على الصدق، وينهاهم عن الكذب . حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع أحد الآباء يقول لابنه مرة: سأعطيك كذا وكذا . فقال له:(33/1281)
هل تنوي أن تعطيه ؟ قال: لا . قال: إما أن تعطيه وإما أن تصدقه . فإن الله نهى عن الكذب . قال: يا رسول الله، أهذا من الكذب ؟ قال: " نعم . إن كل شيء يكتب . الكذبة تكتب كذبة، والكذيبة تكتب كذيبة " (رواه أحمد وابن أبي الدنيا عن حديث الزهري عن أبي هريرة ولم يسمع منه) . والكذب يتفاوت قطعًا، فكلما كان ضرره أشد كان النهي عنه أعظم والإثم فيه أكبر . هناك كذب يعتبر من الصغائر، وكذب يعتبر من الكبائر.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر ". (رواه مسلم).
هؤلاء المذكورون في الحديث يرتكبون المعصية دون حاجة إليها، فالملك أو الرئيس الكذاب الذي يدجل على الناس - والمفروض فيه أن يكون قدوة حسنة إثمه عظيم.
والذي يزني بعد أن تجاوز طيش الشباب إلى حكمة الشيخوخة.
والعائل المستكبر فقير لا حيلة له ومع ذلك يتكبر أن يسمع الموعظة، أو النصيحة، أو غير ذلك مما فيه إرشاد له وتوجيه إلى الخير . هؤلاء الثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
ـــــــــــــــــــ
حائر بين التزام العابدين وآفة الكذب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
اعجب لمسلم يؤدي جميع فرائض الإسلام، ومع ذلك لا يتورع عن الكذب فهل يعتبر هذا من الصالحين؟ ... السؤال
الدكتور يوسف القرضاوي ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا يجتمع الكذب والإيمان في قلب مؤمن، ففي الحديث "أيكون المؤمن كذابا قال لا" ، وقد جاء الوعيد عليه شديدا وحذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من سوء عاقبته، ولا فرق في ذلك بين كذبة صغيرة وأخرى كبيرة، وعلى من ابتلي بهذه الخصلة الذميمة أن يجاهد نفسه حتى تتعود الصدق.
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:
الكذب خلق سيئ ليس من أخلاق الصالحين ولا المؤمنين، وإنما هو من أخلاق المنافقين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان " (رواه الشيخان). وفي رواية أخرى: " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر ". (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).
فالكذب ليس من خصال المؤمنين، وإنما هو من خصال المنافقين، الذين يكذبون دائمًا، ويؤكدون كذبهم بالحلف، حتى في يوم القيامة يكذبون أمام الله ويحلفون له كما(33/1282)
كانوا يحلفون للمسلمين في الدنيا، ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون . وقد جاء في القرآن الكريم " (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (النحل: 105). وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال: نعم . قيل: أيكون بخيلاً ؟ قال: نعم . قيل: أيكون كذابًا؟ قال: لا ". (رواه مالك مرسلاً عن صفوان بن سليم).
من الناس من يكونون ضعفاء النفوس، يتصفون بالجبن وشدة الفزع.
ومن الناس من يكونون بخلاء، يتصفون بالشح وقبض اليد.
هاتان الصفتان قد تكونان في الجبلة والطبع.
ولكن الكذب لا يكون إلا مكتسبًا، وهذا الذي يحاسب عليه الإسلام ويشدد فيه أبلغ ما يكون التشديد . وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا". (متفق عليه من حديث ابن مسعود).
فالصدق عادة تكتسب بالتحري، وبالمجاهدة وبالرياضة وبالتعود، وعلى المسلم أن يعود أبناءه منذ نعومة أظافرهم على الصدق، وينهاهم عن الكذب . حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع أحد الآباء يقول لابنه مرة: سأعطيك كذا وكذا . فقال له: هل تنوي أن تعطيه ؟ قال: لا . قال: إما أن تعطيه وإما أن تصدقه . فإن الله نهى عن الكذب . قال: يا رسول الله، أهذا من الكذب ؟ قال: " نعم . إن كل شيء يكتب . الكذبة تكتب كذبة، والكذيبة تكتب كذيبة " (رواه أحمد وابن أبي الدنيا عن حديث الزهري عن أبي هريرة ولم يسمع منه) . والكذب يتفاوت قطعًا، فكلما كان ضرره أشد كان النهي عنه أعظم والإثم فيه أكبر . هناك كذب يعتبر من الصغائر، وكذب يعتبر من الكبائر.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر ". (رواه مسلم).
هؤلاء المذكورون في الحديث يرتكبون المعصية دون حاجة إليها، فالملك أو الرئيس الكذاب الذي يدجل على الناس - والمفروض فيه أن يكون قدوة حسنة إثمه عظيم.
والذي يزني بعد أن تجاوز طيش الشباب إلى حكمة الشيخوخة.
والعائل المستكبر فقير لا حيلة له ومع ذلك يتكبر أن يسمع الموعظة، أو النصيحة، أو غير ذلك مما فيه إرشاد له وتوجيه إلى الخير . هؤلاء الثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
ـــــــــــــــــــ
عواطف الأمومة تقتحم حياتي العذرية ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بعد الشكر والتحية التي يعجز الكلام عن إبلاغ معناها أما بعد.. فلدي مشكلة أقدر أنها كبيرة، ولكن قبل عرضها أريد أن أزودكم بمعلومات عن شخصيتي، فأنا فتاة متعلمة وملتزمة ولدي أخلاق عالية والحمد لله.. أما مشكلتي فهي أني أريد أن أرى ابني(33/1283)
ولكن لا يوجد لي ابن، كما أنني غير متزوجة.. إلا أنه يراودني شعور دائم بأن لي ابن لطالما أحلم برؤيته، هذا بالإضافة إلى أنني أرى ابني في أحلامي وفي يقظتي، وأشعر بأنني أريد أن أضمه إلى صدري، وأعطيه كل حناني . وما يزيد من عنائي أني كلما سمعت أنشودة عن الابن و"الضنى" أبكي وتزداد عواطفي تجاه ابني المفقود وتتدفق، وكلما جلست وحدي أتمنى أن أراه وأتمتع بحضنه، وأشعر أني بحاجة إلى إرضاعه، وأتساءل أين هو ابني الحبيب، ومتى سأراه؟ ساعدوني أثابكم الله. وأريد أن أعرف ما هي الطاعات التي أقوم بها لأخفف هذا الشعور؟، حيث يراودني شعور بأنها حالة نفسية تراود كل فتاة في مثل هذا العمر، ولكن أشعر بنسبة أكبر أنه ليس كذلك وأن هذا الشعور ملكي وحدي. فما هو الحل من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وأي الاحتمالين صحيح؟.. وجزاكم الله عنا كل خير. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخت الفاضلة :
تقديرا لشعورك ،واهتماماباستشارتك ، فقد أحلناها إلى ثلاثة من مستشارينا في تخصصات متنوعة ، تجمع بين الرؤية الدينية ، والتحليل النفسي ، وإليك ما قاله السادة المستشارون :
يقول الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس:
أيتها الأخت السائلة..
إن الأمومة عاطفة فطر الله النساء عليها، وهذه العاطفة امتياز للمرأة لم يحظَ به الرجل، وبه نالت المرأة المقدمة في وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأبناء للبر بها، وما أنت فيه أيتها الأخت المسلمة من مشاعر، وعواطف جياشة تجاه الأمومة، وحلمك بوجود طفل لك هي أمور لا يصادرها الإسلام، ولكنه يأمر بحفظها حتى تأتي في مكانها الصحيح، وتثاب عليها المرأة في المستقبل عند وجود أبناء.
واعلمي أن هذا الأمر ليس حالة نفسية، ولا مرضا، وإنما هي فطرة حميدة، وأنصحك بأن تكثري في هذا الوقت من العطف على اليتامى والمساكين، والأطفال التي في حالات مرضية، وذلك حتى تجدي متسعا لعواطف الأمومة في هذه الجوانب الخيرية، وبذلك تكونين قد وجهت عاطفتك إلى فعل الخير إلى أن يكرمك الله بزوج صالح، ويرزقك منه بالذرية الصالحة التي توجهين إليها عاطفتك.
ويضيف الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة:
اعلمي يا ابنتي.. أن غريزة الأمومة متغلبة عليك تماما، وتستحوذ على جانب كبير من تفكيرك، ويتحرك عقلك الباطن ليريك هذه الرؤى المتتالية التي تحلمين فيها بوجود الابن ورعايتك إياه، وهذا أمر لا ينبغي أن يسبب لك قلقا؛ لأنه أمر طبيعي لكن تتفاوت نسبته من فتاة لأخرى، وهى طبيعة فطر الله المرأة عليها، المهم ألا تجعلي هذه العاطفة سبيلا إلى الحزن أو الانطواء، فلابد وأن تدعمي أملك في الله بأنه سيرزقك بمن يحقق لك هذه الأمنية، فلا تتعجلي حيث إن الأمر ليس ببعيد عن الله.(33/1284)
وأنصحك بأن تمارسي بعض الهوايات التي تشغلك عن قوة غريزة الأمومة في هذه المرحلة التي لم تتزوجي فيها بعد، وعليك أيضا أن تتقربي من الله، وأن تلزمي الدعاء له بأن يحقق لك أمنيتك بزواجك من زوج صالح، ويرزقك بالذرية الصالحة، كما عليك عندما يراودك هذا الشعور أن تكثري من ذكر الله فإنه طمأنة للقلب، وبالاستغفار فبه تصفو النفس وتهدأ، وستجدين من أخلاقك والتزامك الذي ذكرتينه عونا لك على ذلك.
وتقول الدكتورة سحر طلعت الأستاذ المساعد بكلية طب القاهرة ، ومستشارة مشاكل وحلول بشبكة إسلام أون لاين.نت :
ابنتي الحبيبة إن الرغبة في الأمومة هي فطرة غرست في قلب وعقل كل فتاة، وهي حلم يداعب براءتها منذ نعومة أظفارها في منامها ويقظتها، نلمحها تهدهد دميتها .. تطعمها.. تحتضنها.. مشاهد تحدثنا عن عمق هذه الفطرة في عقل وقلب الفتاة، ولولا هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها ما تحملت أم وهن الحمل وآلام المخاض ومشاق تربية الصغار والسهر على رعايتهم وحمايتهم
فمن الواضح أن الحلم طبيعي، ولكن متى يكون الوضع مقلقا؟ الوضع يجب أن يقلقنا عندما تتحول حياتنا التي نعيشها إلى حلم ووهم كبير، لابد أن نقلق وأن نلتمس المعونة إذا استحوذ الحلم على كل حياتنا ومنعنا من أن نحياها كما يجب.
ورسالتك يغيب عنها الكثير من التفاصيل... فلقد ذكرت أنك فتاة متعلمة..ولكن هل أنهيت دراستك أم أنك ما زلت تدرسين؟ فإذا كنت قد انتهيت من دراستك..فهل تعملين أم أنك تكتفين بالجلوس في المنزل بدون أي نشاط؟ ومتى بدأت هذه الأحلام؟ هل هي مستمرة معك منذ فترة طويلة أم أنها بدأت بعد انتهاء دراستك وفراغك من كل شغل؟ ألا ترين أنك تحتاجين لوقفة مع النفس تقيمين فيها حياتك وتعيدين النظر فيها؛ لأنه من الضروري أن تبحثي لك عن مجال اهتمام، ومن المهم أن يكون لك دور يساهم في نهضة مجتمعك، وعموما نود أن نوضح أن الفيصل بين الأحلام الطبيعية وغير الطبيعية التي تحتاج مساعدة الأخصائي النفسي هو تأثر الحياة وحجم الإنجاز فيها بهذه الأحلام.
بنيتي الحبيبة: الأمومة رائعة وجميل أن نحلم بها ولكن الأجمل أن نعيشها على أرض الواقع ..نعيشها مع ضحكة طفل يتيم يحتاج حنو الأم..فجربي هذا الإحساس واستمتعي به حتى يرزقك الله من فضله.
-ـــــــــــــــــــ
ارتكاب الفاحشة تحت ستار الزواج الكاذب ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السلام عليك ورحمة الله و بركاته أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، ارتبطت بشخص يكبرني بـ 14 عاما، متزوج ولدية ثلاث أطفال، أحببته بجنون، وهو أيضا يحبني، تقدم لخطبتي ولكن طلبه لقي رفضا منقطع النظير من أهلي، طبعا لأنه متزوج، ومن يومها ونحن نمارس الحياة الزوجية ممارسة كاملة، كما يمارسها الأزواج، وقد كتبنا ورقة بيني وبينه، يقر فيها أنني زوجته أمام الله، وهو خير الشاهدين، ولم نشهد أحدا من البشر. فهل تشفع لنا هذه الورقة أمام الله أم أن هذا الزواج غير صحيح ؟، أرجو(33/1285)
إفادتي بأقصى سرعة لأني حائرة جدا في هذا الأمر، أشكركم علي تعاونكم، وأعانكم الله علي الجهد الذي تبذلونه ... ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة :
اسمحي لي أن أناقش الأحداث قبل وقوعها، مع أنه قد يكون لا فائدة منه في النظرة العجلى، لكنه في ظني مهم جدا، ثم أتحدث عن الوضع الحالي، حتى يكون الكلام متوائما، بين التنظير والواقع.
لقد أخبرت في رسالتك أنك ارتبط بهذا الرجل، ولم تخبري عن كيفية الارتباط، فكثيرا ما يكون البناء على خطأ، تأتي نتائجه متعسرة، أو لا تتحقق بشكل صحيح، ومن هنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط بين العمل والقصد حين قال: " إنما الأعمال بالنية"، وهذه الصيغة هي أكثر الروايات الواردة، فلابد من القصد الحسن بداية، كما يجب أن يتبعه موافقة الشرع، وأنت لم تخبرينا في أي ظروف تعرفت على هذا الرجل، وبأي شكل كان هذا التعارف، وهذا الارتباط الذي وصفته بأنه "حب الجنون"، وما تحمله الكلمة من معاني ودلالات تعبر عن الشحنة الشعورية، والثورة العاطفية التي أحدثت انقلابا عكسيا في حياتك، حولك من فتاة تنظر مستقبلا جميلا مع زوج – أيا كان الزوج- إلى أن وصلت للمعاشرة الحرام، باسم الحب تحت ستار الزواج الكاذب، نعم إنه "زواج كاذب"، وهذا أقل ما يمكن أن يوصف به.
لقد أذبلت زهرة متفتحة بشهوة ما استطعت كبح جماحها ، وخُدعت وخَدعت بما وصلت إليه من نتيجة، يا أختي أنت تعيشين في حرام ، ولو كنت تخافين الله تعالى حقا ، فعليك ترك هذا الرجل فورا ، أو الزواج منه زواجا شرعيا، وعودي إلى ربك، واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين، عسى الله تعالى أن يمن عليك بتوبة صادقة ، وأن تنشلي نفسك من هذا الوحل الذي ستغرقين فيه ، وتنجين من لجاج الشهوة إلى بر الأمان ، عسى الله أن يبدل سيئاتك حسنات ، وما ذلك على الله بعزيز .
إن المسلم منضبط بأوامر الشرع، لأنه عبد لله، فقد يكون للإنسان تطلعات، لكن التطلعات لو لم يحصل عليها بطريق مشروع لا يسعى إليها، ولن تقف دنياه عند هذا التطلع، لأن المسلم ليس عبدا لشيء، وإنما هو عبد لله فحسب، وإن كان هذا التطلع قد وصل إلى حد "الجنون" كما وصفت، فليكن مثابرا مصابرا على طرق الأبواب المشروعة, وليتحل بالصبر، فإن لم يفتح له الباب الآن، فعسى أن يكون له غدا أو بعد غد، لكن الالتزام بحدود الله أمر واجب" ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه".
لقد ظلمتما نفسيكما، وإني لأكاد أبكي لفعليكما، يا أختي ، أين ضميرك؟ أين حياؤك؟ أين دينك؟ أين أنت من الله؟؟، ما الذي حدث في الدنيا يا ناس؟ لماذا نتجرأ على الحرام بهذا الشكل؟، والمصيبة أننا نلبسه زي زور ونسميه حلالا؟؟ إن المكان الذي تعيشيان فيه يشكوكما إلى الله، فقد سئم الحرام، وكان يمكن لكما أن تجتمعا على الحلال، انظري أختي إلى نفسك بصدق، اخلعي عنك ثوب الزور الذي تلبسينه،(33/1286)
واكشفي عن حقيقة نفسك بين نفسك، الحظي هذا في نفسك، وفي قلبك، حدثي نفسك الصادقة، واسمعي منها، تذكري ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة نوراً في القلب، وزيناً في الوجه، وقوة في البدن، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة ظلمة في القلب، وشينا في الوجه، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الناس.
أختي أحسن الظن بك، وأقول لك : لقد خدعك صاحبك، ولو كان يحبك فعلا ما رضي أن تجتمعا في حرام، ولا تظني أنه لا يعرف أن الذي فعلتماه خطأ، فرجل له ثلاثة أبناء يعني أن له دراية بالحياة، وأنت صغيرة، غرر بك، وإن لم يكن هذا معافيك من الإثم عند الله، لكن يا أختي زواجكما ليس بزواج، فهو باطل باطل باطل، وعيشتكما حرام في حرام في حرام، فالزواج لابد فيه من الإيجاب والقبول والمهر وموافقة الولي والشهود والإشهار والتوثيق، لماذا حرمت أهلك أن يفرحوا بك عروسا في زينتها يوم زفافها؟، لماذا أغضبت ربك وأنت أمته التي خلقك وأنعم عليك بنعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى؟، كيف بك وأنت تقفين أمام ربك فيسألك عن شرفك ودينك ،فماذا أنت قائلة له؟
أختي ..
أتلمس فيك الحيرة، وسآخذ بحسن الظن، فأدركي نفسك يا أختي، فأنت على خطر عظيم، أنت على حافة الهاوية، إن ربك يناديك وينادينا جميعا:" وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"، فهل ستقبلين على ربك أختي، وتتركين هذا الجنون الذي قد يودي بك إلى ما يحمد عقباه، واحمدي الله على أن سترك حتى الآن، فلربما لأنك صغيرة السن لا تدركين، وتعلمي من هذا الدرس في حياتك، عيشي أختي كأية فتاة، يفرح بها أهلها بعرسها، يأتي من يطلبها من أبيك، وتتم الموافقة عليه، وتدخلي السرور على قلوب أهلك، وتفرحي بمن يحبك فعلا ولا يخدعك، فكم من الرجال يخدعون الفتيات باسم الحب، ولو كان بينهما حب صادق ، ما رضوا إلا أن تكون الفتاة مصونة عرضها ، كريمة تطلب في بيتها ، وما دنس الرجل شرفه، وأوحل دينه، بل حماه من كل شائبة.
لو كان ما حدث صغائر لكان الأمر هينا، ولكن الذي حدث كبيرة من الكبائر، بل هي من أعظم الكبائر، فاستري على نفسك أولا، ولا تحدثي أحدا عن هذا، وأرى أن تشهدي اثنين على هذا العقد، وأن ترفعي قضية إثبات في المحكمة، ثم يتم الطلاق بينكما، وانظري آخر يعيش معك، والأولى أن يتم حل الموضوع بالتراضي بينكما ، على نحو تظهر فيه النية للإصلاح بينكما ، ولو بالانفصال التام .
إنني لا أحرم ما أحل الله، ولا أحل ما حرم الله، وليس من العيب أن تتزوج فتاة رجلا متزوجا، فهذا شرع الله، وهو فوق الرأس، وليس عندنا عورة في الإسلام نخفيها، ولكن بالطريقة التي شرعها الله تعالى، لا بالخداع والغش، إن صاحبك في مأمن الآن، فليس لك الحق في أي شيء، فلو أنجبت لكان ولدك من أبناء الشوارع؟، إن الزواج يا أختي ليس مجرد إفراغ شهوة، ولكنه بناء مؤسسة اجتماعية من الزوجين والأولاد، ليقوم الجميع بدورهم، فإن استطعت أن تصلحي ما بينك وبين الرجل بطريق مشروع، أو افعلي ما أخبرتك به حتى تثبتي علاقتك به بطريق قانوني، لييسر(33/1287)
لك أمر زواجك بآخر، فلأن تتزوجي آخر وتخبرينه بأنك كنت متزوجة، خير لك من أن تتزوجيه وهو يعلم أنك كنت "زانية".
حفظك الله من شر الحرام، وأعادك إلى طريقه، وعندي ثقة كبيرة فيك أختي أنك ستنهين هذه العلاقة، وتعودين إلى الله، وأبشري، فإن من ترك شيئا لله أبدله الله تعالى خيرا منه، ولأن يضيع منك حب في حرام، خير من أن يضيع منك جنة الله ونعيمه، ومن سار في طريق الله، جمع الله تعالى له بين خيري الدنيا والآخرة.
أختي .. لا تحرمينا من الاطمئنان عليك، فإن كنت أنت حائرة، وتريدين الإجابة بشكل سريع، فإننا على شوق أن تدخلي السرور على قلوبنا بتوبتك إلى الله تعالى، وإصلاح هذا الفساد.
اختلاط الجنسين بالجامعات يخيفني ..ولكن ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
هل من الأفضل للشباب الالتحاق بجامعات غير مختلطة، علما بأنها ليست في المستوى الممتاز، أم الالتحاق بجامعة أفضل ولكنها مختلطة بين الشباب والفتيات تماما؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر:
أيها السائل الكريم..
أبدأ كلامي إليك بتذكير كل شبابنا الذين تتملكهم الحيرة في أمر التحاقهم بالجامعات المختلطة من أجل تحصيل العلم بأن هناك الكثير من شبابنا تعلم في الجامعات الأوروبية، ومنها كمبريدج وأكسفورد، كما أن هناك الكثير والكثير من شباب الدول الإسلامية تعلم في الجامعات الأمريكية مثل ( ييل، وهارفارد، وجورج تاون) ولم ينصرفوا إلا إلى العلم، وعادوا إلينا كما ذهبوا شبابا مستقيما يعرف الله، ولكنهم تزودوا بالعلم النافع دون أن يصرفهم عن ذلك ما في هذه الجامعات من اختلاط فاحش.
وبالنسبة للجامعات المختلطة في عالمنا العربي أقول: إنها إذا نظمت بطريقة لا يكون فيها اختلاط مشين لشبابنا، وفتياتنا بحيث تتم العملية التعليمية على أكمل وجه فلن يكون بها شيء مرفوض من الناحية الشرعية، والمهم في الأمر ألا نجعل الجنس في الجامعات هدفا في أذهاننا كما نراه في أفلامنا، وفي المسلسلات التلفزيونية؛ لأن الجامعات وجدت للعلم.
وأقول لك أخي السائل:
إن الاختلاط المشين الذي نسمع عنه في بعض جامعاتنا، ولا يليق بالجانب التربوي والتعليمي لهذه الجامعات هو أمر لا يعترف به الإسلام وينهى عنه، إلا أنه ينبغي(33/1288)
عليك وعلى أي طالب وطالبة أن يجعل هدفه في هذه الجامعات ـ إن قدر الالتحاق بأي منها ـ هو تحصيل العلم، وألا يصرف ذهنه إلى كون هذه الجامعة مختلطة أم لا.
ومن ثم فعليك أخي الفاضل أن تعلم أنك إذا مارست العملية التعليمية من منطلق إسلامي خلقي ديني بحيث تؤهل نفسك لتكون عنصرا فعالا لأمتك، فلن تلتفت إلى كون الجامعة التي التحقت بها مختلطة أم لا، وستنتبه فقط إلى تحصيل العلم، ولكن عليك أن تؤهل نفسك أخلاقيا حتى لا يكون الاختلاط سببا في الانحراف، فلا يكون الاختلاط ذو اعتبار في فكرك، فهناك الكثير من الطلبة في الجامعات المختلطة، ومع ذلك نجدهم في قمة الخلق الكريم.. بل ويؤدون واجبهم الديني من ممارسة الشعائر، ونشر التوعية الدينية بين أهاليهم.
وعليه فالاختلاط لا يجب أن يشغلنا عن ممارسة العلم في كل فروعه، فإذا أخذنا هذا الطريق فسينصلح أمر شبابنا، أما إذا أخذنا مسألة الاختلاط أمرا أساسيا في الامتناع عن تحصيل العلم من الجامعات، فإننا بذلك سننجرف بالإسلام على طريق يمنعنا عن التعلم، وتحصيل العلم حيث إن المهم في الأمر هو أن يكون هدف الطالب التعلم لمصلحة الفرد والجماعة.
وختاما؛
فإننا بلا شك نطالب بأن يلغى الاختلاط في جميع الجامعات لتحقيق فكرة الإسلام الواضحة المستنيرة في خلق مجتمع إسلامي واع، وملتزم بقيم وتعاليم دينه، وإلى أن تتوافر هذه الإمكانيات فعليك صاحب السؤال أن تراعي ربك ودينك، وخلقك المأخوذ من الكتاب والسنة، وأن تجعل العلم نصب عينيك وتبحث في سبيل ذلك عن أفضل الجامعات لتحصيله دون النظر إلى الاختلاط أو غيره، وذلك حتى نستطيع أن نحقق قول الله عز وجل: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر ).
ـــــــــــــــــــ
التخلص من الشذوذ الجنسي ..دواء الطب والدين ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
أنا شاب مسلم، عمري 16 سنة، أصلي وأصوم باستمرار، وأنا مستقيم في حياتي، ومشكلتي أنني شاذ جنسيا، كنت في البداية أفكر في والدي، أظن أنني أصبحت شاذا بسبب الجينات، أشاهد صوراً سيئة. أريد أن أقلع عن هذا الشذوذ فماذا أفعل؟، علما بأنني لم أمارس الجنس أبداً في حياتي، ولأنني أخاف من الله وأدعوه دائماً أن يساعدني، فساعدوني لكي أتخلص من محنتي هذه، أرجوكم أرشدوني: كيف أتخلص من هذه الكارثة السيئة؟ وجزاكم الله خيرا. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور عمرو أبو خليل أخصائي طب النفس في استشارة مماثلة :
الأخ السائل، تختلف النظريات في تحليل أسباب الميول الجنسية المثلية، وإذا راجعت تاريخك الجنسي منذ الميلاد والنشأة والمراهقة؛ فستضع يدك على موطن الخلل،(33/1289)
وردًا عليك نقول: إن هذا نوع من السلوك الشاذ؛ وهو درجة من درجات الشذوذ الجنسي، حتى ولو لم تتم الممارسة الكاملة، والفيصل في التخلص من هذا السلوك الشاذ هو الدافع والرغبة في التخلص منه، بمعنى أن أهل الغرب لما عجزوا عن التعامل مع هذا الشذوذ؛ لعدم وجود الدافع لديهم للتخلص منه، حيث لم تنجح الدوافع الاجتماعية أو الرفض الاجتماعي في الحد من ذلك الشذوذ.. أراحوا أنفسهم واعتبروه نوعًا من الاختلاف في الميول الجنسية، وأصبح تكاملهم مع هؤلاء الشواذ ينصب على طمأنتهم على أن ما يفعلونه شيء طبيعي، ويجب ألا يشعروا بالخجل منه!!.
وتجربتي في التعامل مع هؤلاء الشواذ من خلال الطب النفسي أثبتت لي هذه الحقيقة، بمعنى أن الذين حضروا إلى مركز الاستشارات النفسية راغبين في العلاج بدافع ديني قوي ورغبة في التخلص من هذا السلوك الشاذ حيث علموا بحرمته، وأنه يوردهم نار جهنم.. هؤلاء نجح العلاج معهم بالرغم من طول المدة والمجهود الضخم الذي بُذِل معهم.. أما الذين يأتون لأسباب اجتماعية بمعنى أنهم واقعون تحت ضغط اجتماعي يدعوهم للزواج، أو يخافون أن ينكشف أمرهم فعلاً وهم يطلبون العلاج تحت ضغط الفضيحة والرغبة في إظهار حسن النوايا في التخلص من هذا الشذوذ.. هؤلاء لم ينجح معهم العلاج ولم يصبروا عليه، ولم يستمروا فيه؛ لأن هذه الدوافع لا تكفي وحدها للتخلص من هذا الشذوذ.
وحقيقة.. تركيزي على الدافع الديني وربطة بالحرمة والمصير في نار جهنم باعتباره كبيرة من الكبائر له علاقة بأسلوبي في العلاج، والذي يعتمد على ربط هذه الرغبة الشاذة أو التفكير فيها، أو النظر إلى الرجال، أو ممارسة العادة السرية في اتجاههم.. ربط كل ذلك بشيء مؤلم، اخترت أن يكون النار؛ بمعنى أن أطلب من الشخص أن يحمل معه دائمًا "ولاعة غاز" مما تستخدم في إشعال السجائر، وبمجرد تحرك الشعور أو التفكير أو الرغبة أو النظرة أو ... تجاه هذا الشذوذ فإنه يشعل الولاعة ويضع أصبعه فيها حتى يكاد يحترق؛ فينصرف تفكيره ورغبته عن هذا الشذوذ أولاً، ثم يرتبط هذا الشعور الشاذ –مع تكرار ذلك- بالألم الناتج عن حرق أصبعه؛ فيبدأ في رفض هذا الشعور، وعدم الرغبة في تكراره؛ حيث يؤدي به إلى الألم، ثم أطلب منه أن يفكر في نار جهنم وهو يرى نار الولاعة، ويتذكر كيف أنه لم يستطع تحمّل نار الولاعة البسيط والألم الناتج عنها في أصبعه، فكيف له أن يتحمل نار جهنم الذي ستشوي جسده وكل موضع للرغبة الشاذة فيه؟ وكيف أن الله سيبدّل جلده جلدًا غيره حتى يتكرر الألم.. وتتكرر الفكرة والتذكر مع كل مرة يفكر فيها في هذا الرغبة الشاذة؛ فتتوقف الفكرة ولا يرغب في الوصول إليها، ويتواكب مع ذلك دعوته إلى التفكير في الطريق السليم للعلاقة الجنسية الطبيعية، ومحاولة إحياء الشعور ناحية المرأة فيه؛ حتى يعود إلى الطبيعية السوية.
وبعض هؤلاء يكون ثنائي الميل؛ بمعنى أنه يميل للمرأة أيضًا، ولكنه يفضّل الرجال وهذا النوع نركز معه على العلاج بالطريقة الأولى ... ونقوي رغبته وعلاقته في الاتجاه الثاني.. ويحتاج العلاج إلى جلسات نفسية مستمرة قد تزيد عن العام، وفي الحالات التي نجحت في علاجها احتاج الأمر إلى فترة وصلت إلى عام ونصف مع أحد هذه الحالات، ولكنه نجح في النهاية في التخلص من هذا الشذوذ، واستطاع أن(33/1290)
يمارس حياته الطبيعية، ولكن مع صبر طويل، ودأب على الاستمرار في العلاج.. فهل أنت جاد في طلب العلاج من هذا الشذوذ؟!
ويقول فضيلةالشيخ محمدصالح المنجد من علماء السعودية :
إن علاج مشكلتك يتلخص فيما يلي :-
أولاً: عليك بإحداث التوبة الصادقة من قلبك ، واللجوء إلى الله ، والندم على ما بدر منك ، وكثرة الدعاء والإلحاح على الله أن يغفرها لك ، وأن يعينك على التخلص منها ، فإن الله أكرم مسئول وأقرب مجيب ، وقد قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر / 53
فانطرح بين يدي الله باكياً متضرعاً مظهراً الفقر والحاجة إليه ، مستغفراً ، وأبشر من عند الله تعالى بالفرج والمغفرة .
ثانيا : احرص على تعاهد بذرة الإيمان في قلبك ، فهي حين تنمو تثمر سعادة الدنيا والآخرة.
إن الإيمان بالله عز وجل هو العاصم- بعد توفيق الله سبحانه- للعبد من مواقعة الحرام ، أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" رواه البخاري (2475) ومسلم (57) . إذاً فحين يعمر الإيمان قلبك، ويملأ فؤادك ومشاعرك فلن تتجرأ بإذن الله على محارمه ، والمؤمن لو وقع مرة فسرعان ما يفيق؛ فقد وصف الله تعالى عباده بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) (الأعراف/201) .
ثالثا: حاول أن تأخذ بالوصية النبوية لمعشر الشباب ، ألا وهي الوصية بالزواج إذا كنت تستطيع ذلك ، ولا تلتفت إلى كون سنك صغيراً فليس صغر السن مانعاً من الزواج ، كلا ، ومادمت محتاجاً إلى الزواج فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " رواه البخاري (5065) ومسلم (1400) ، فاحرص على هذه الوصية النبوية ، فإن فيها علاجاً لك بإذن الله .
ولا بأس أن تصارح أباك وأمك بحاجتك ورغبتك في النكاح ، واحذر أن يمنعك الحياء من ذلك. ففكِّر تفكيراً جادا بالزواج ، ولا تخش الفقر، وسيغنيك الله من فضله قال تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور /32 .
ويخبر صلى الله عليه وسلم أن من تزوج بنية صالحة أعانه الله تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف " رواه الترمذي (1655) والنسائي (3120) وابن ماجه (2518) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم(1917)
رابعا: فإذا لم يتيسر أمامك أمر الزواج ، فثمة حلّ آخر إنه الصيام ، فلم لا تفكر أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، أو يومي الاثنين والخميس؟، فكم في الصيام من الأجر العظيم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى:" كل عمل(33/1291)
ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به" رواه البخاري (1904) ومسلم (1151) . وأخبر تبارك وتعالى أنه فرض علينا الصيام لتحقيق التقوى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 183 .
إن الصوم - مع ما فيه من الوقاية من الانسياق وراء الشهوة، ومن الأجر العظيم عند الله- يربي في الإنسان قوة الإرادة والصبر والتحمل ، والاستعلاء على رغبات النفس وملذاتها ، فبادر أخي بالصوم لعل الله أن يخفف عنك .
خامسا: إياك والتساهل في النظر إلى المحرمات من المجلات الهابطة والصور الخليعة، التي تهيج على ارتكاب الفواحش والموبقات ، وتُبقي في القلب أثراً عميقاً سيئاً والعياذ بالله ، قال تعالى : ( ْقل للمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (النور/30). واعلم أنك حين تتساهل بهذا المنكر تعطي الشيطان فرصة سانحة ليزين لك ما وراء ذلك مما لا يخفى ، وإنما نشط في ذلك بسبب أنك تنازلت له ولو لمرة واحدة .
سادسا: تذكر حين يأتيك هاجس المعصية ، ووسوسة الشيطان باقتراف المعصية أن جوارحك هذه ستشهد عليك يوم القيامة بهذه المعصية ، ألا تعلم أن هذه الجوارح وهذه الفتوة والنشاط نعمة من الله عز وجل عليك ؟
فهل من شكر نعمة الله أن تصرفها في المعصية والتمرد على أوامر الله عز وجل ؟
ثمة أمر آخر جدير بك أن تتفطن له، اقرأ معي هذه الآية ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) فصلت / 20-21.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ ، فَقَالَ : ( هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالَ : قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنْ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى . قَالَ : فَيَقُولُ : فَإِنِّي لا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلا شَاهِدًا مِنِّي . قَالَ : فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا . قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ : انْطِقِي . قَالَ : فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ . قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ . قَالَ : فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ ) رواه مسلم (2969).
سابعا: ابتعد عن الخلوة بنفسك فإنها مدعاة للتفكير في الشهوة ، وحاول أن تملأ وقتك بما يفيدك من الأعمال الصالحة ، من قراءة القرآن ، والذكر والصلاة .
ثامنا : اجتنب مصاحبة الأشرار الفساق الذين يطرقون هذه المواضيع ، ويتحدثون فيما يثير الشهوة ويُهَوِّنُ المعصية ويجرئ عليها . وعليك بصحبة الأخيار الذين يذكرونك بالله تعالى ، ويعينونك على طاعته ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ ) رواه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1937) .
تاسعا: لو قُدِّر أنك وقعت في المعصية على حين ضعف منك ، فلا تتمادى في ذلك بل كن سريع التوبة أواباً إلى الله تعالى ، عسى أن تكون من هؤلاء الذين قال الله تعالى(33/1292)
فيهم ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران / 135 .
وأخيرا أقول لك يا أخي : لا تيأس من رحمة الله تعالى، وإياك ثم إياك أن يتمكن الشيطان من نفسك، ويوسوس لك أن الله تعالى لن يغفر لك، فإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب إليه. أرجو من الله تعالى أن يعينك على نفسك ويسهل لك الخروج من هذا الداء .
ـــــــــــــــــــ
أبحث عن طوق التوبة في بحر المعاصي ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم.. أعاني مسألة حياة أو موت، فلدي مشكلة عويصة، ولا أعرف من أين أبدأ؟! فأنا بنت على قدر من الجمال والحمد لله، وحكايتي أن أمي سافرت وأنا صغيرة, وتركتني لوالدي بحكم أنها تزوجت من ثانٍ بعد طلاقها من أبي، وكان عمري وقتها سنة واحدة,وكان أبي كل عام يأتي بزوجة جديدة خاصة وأن حاله المادي جيد.. المهم أنني كبرت وتزوجت، وأنجبت بنتا ثم طلقت وتزوجت بعد ذلك، وهكذا حتى تزوجت ثلاث مرات، وكان كل زواجي فاشلا، ولكن أقسم أن الطلاق لم أكن السبب فيه، ومشكلتي تبدأ بالآتي: أنا بنت مشي بطال لأبعد الحدود، وسيء للغاية، فكل شيء باطل فعلته وما زلت أفعله للأسف، حيث أعتمد في رزقي على الحرام، فكل أمر في حياتي يعني "حرام في حرام"(مسكني، وزادي، وملبسي)، والذي يذبحني هو أن ضميري حي ويؤنبني في كل كبيرة وصغيرة، ففي قلبي إيمان كبير وعميق، لدرجة أن الأذان يبكيني، كما أن كلمة الله تؤلمني، وذكر الله على لساني يهز لي بدني، كما أنني حلمت بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ علي، ووجهه أمام عيني كل ساعة وكل دقيقة، فأنا باختصار أملك إيمانا غير طبيعي بمعنى الكلمة, وأقسم أن سيري البطال بالحرام يؤنبني، لكن رزقي معتمد عليه، ولولاه أموت من الجوع، ومع ذلك أدعو ربي باستمرار بأن أتزوج ولكن دون جدوى، وعندما حاولت أن الذهاب إلى الحج لم أستطع لأنه ليس لدي محرم، فوالدي يشرب الخمر، ويزني، وصدقني حاولت أن أتوب مرات ومرات، ولكن تفاجئني دائما الفواتير والديون، وأرجع مرة ثانية للحرام، فلقد دعوت الله كثيرا من غير جدوى، وحاولت بالشهور والسنين من غير فائدة، وكلما أجمع مالا كي أنشأ مشروعا للعيش منه يذهب هباء في سداد الإيجار والفواتير والديون، فماذا أفعل إنني أريد أحدا يدلني؟ إنني أشعر بالتوبة وأتعذب كثيرا، وقلبي يموت ألف مرة ومرة من أجل هذه التوبة. أقسم أني أكتب هذه الرسالة وأنا أموت من البكاء، فقلبي يبكي بحرقة، وأشعر أن الله سبحانه يحبني، ويراني بخلاف رؤية الناس، ولذلك أريد التوبة لدرجة أني أريد الذهاب للصحراء كي أعيش فيها، وأعبد ربي من غير إيجار أو مصاريف تثقل كاهلي، ولكني أفكر كيف آمن طعامي وشرابي، وتطرح على بالي ألف فكرة وفكرة لدرجة أنني في أوقات كثيرة أفكر بالانتحار، ولكن هناك من يقولون لي حرام، أنا أعلم لكن أفكر في ذلك حتى لا تزيد ذنوبي، وعندما تحدثت مع أحد الأشخاص في الأوقاف وشرحت له قصتي، وكيف أنني بحاجة لمساعدة قال لي: (يا عاصية.. يا(33/1293)
فجرة اللعنة عليك)، وتساءلت: لماذا أغلق الطرق بوجهي؟! إنني أعاني كثيرا، فدلوني وأنقذوني.. لا تهملوا رسالتي، فساعدوني إن ذنبي برقبتكم لأنكم آخر أمل لطريق توبتي، ومن بعد ذلك أنساها لأن الله لن يستجيب لي، فليس لدي أب ولا أم ولا صديق به خير.. دلوني ولكم الثواب، فالله يجعلكم من أهل الجنة، ويبارك فيكم، ويرضى عنكم.. لا تهملوا رسالتي.. انتظر الرد. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر السابق:
أيتها الأخت السائلة..
أود أولا أن أنبهك إلى أمر هام وهو أن الحاجة لا تبرر الانحراف ولا يقبل الدين هذا الانحراف لأي ظرف من الظروف، فما تقومين به هو من الكبائر، وإذا كان مبررك أن لك حاجة ولا تجدين ما يعينك على معيشتك، فعليك أن تعلمي أن هناك أبوابا كثيرة مفتوحة من الجمعيات الخيرية، وهى متوافرة بكثرة في الكويت، وبالإمكان أن تقدم لك العون الذي يكفيك متطلبات العيش، فلا تخجلي أيتها العائدة إلى الله من اللجوء إلى هذه الجمعيات لتأخذي منها ما يعينك على معيشتك حاليا لأن ذلك أفضل بكثير من الانحراف وارتكاب الكبائر لمواجهة متطلبات الحياة، فإذا عرضت مشكلتك على أحد الجمعيات لمعاونتك فستجدي إن شاء الله العون المطلوب.
أما مسألة التوبة فعليك أن تعلمي أن باب التوبة دائما مفتوح مهما عظمت الذنوب، والآثام التي يعتقد الإنسان أنها أمور لا يمكن لعقل أن يتصور بأن الله سيغفرها للعبد، فرحمة الله واسعة وهى أعظم من الذنوب التي يرتكبها العباد، المهم في الأمر هو إخلاص النية وعقد العزم على التوبة، ويكفي قول الله تعالى:( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئو النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئو الليل)، فلا تأخري توبتك لله، وأعلمي أن الله يقبل العبد العاصي إذا رجع إليه تائبا نادما على ما فعل مهما عظمت ذنوبه.
وأعلمي أختي السائلة أن الإسلام لا يقبل أبدا أن ينهر أحد أي إنسان جاء إليه ليسترشد طريق التوبة إلى الله، وما تذكرتينه من قدومك لأحد الأشخاص فردك، ووصفك بالعصيان والفجور، فعليك أن تتأكدي أن هذا الإنسان لا يمثل روح الإسلام في شيء؛ لأن الإسلام يأمر أتباعه بمساعدة من هم في مثل حالتك حيث إنك تريدين العودة والصلح مع رب العزة، وهو صلح يربح فيه العبد ويبدل الله فيه سيئات العبد التائب حسنات، ويكفي في الأمر أن ضميرك قد استيقظ للعودة إلى الله، الذي يغفر للعبد لأبعد الحدود، وهو ما يدل عليه الحديث القدسي الذي روته كتب السنة، الذي جاء فيه: ( أذنب عبدي ذنبا فقال: اللهم اغفر لي، فعرف أن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوب، ثم عاد فأذنب، فقال: اللهم اغفر لي، فعرف أن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوب، ثم عاد فأذنب، فقال: اللهم اغفر لي، فعرف أن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوب.. افعل ما شئت فقد غفرت لك)، فهذا الحديث يدل على عظمة الله وسعة(33/1294)
رحمته، ولكن ليس معنى ذلك أنه سمح بالعودة للذنوب بعد التوبة، أما قوله عز وجل في الحديث القدسي (افعل ما شئت فقد غفرت لك) إنما هو تأكيد على أن باب التوبة مفتوح، وأن الله يقبل التوبة ممن يرتكب الذنوب، ولا يغلق باب رحمته أمام أحد.
أما ما يخص توجهك بالدعاء، وعدم الشعور بالإجابة من الله، فسببه أنك تدعين الله بالتوبة وفي نفسك اتجاه لارتكاب المعصية، فلا تحبسي توبتك مقابل حصولك على ما يكفي متطلبات حياتك، فامتنعي عن المعصية، واطلبي بإخلاص التوبة من الله.
وأقول لك أختي التائبة:
اطمئني، ويكفي أن ضميرك يعذبك على معصية الله، ولديك الرغبة في العودة إلى الله، ولكن عليك بالتعجيل بالتوبة الحقيقية والابتعاد عن المعاصي، واعلمي أنه عليك التوبة فقط، ولا تحملي هموم الحياة ومتطلباتها، وتجعلينها سببا للمعصية لأن الله سيفتح لك بتوبتك إليه أبوابا كثيرة يكفيك بها عن مصائب الدنيا.
وختاما..
أؤكد لك مرة ثانية على ضرورة الإسراع بالتوبة، وعليك السعي في البحث عن عمل شريف تستطيعين به العيش من مال حلال، وسيساعدك الله على ذلك لأنك أصبحت متوكلة عليه وتائبة إليه، فلن يردك عن بابه، ولن يخذلك وهو يعلم بصدق توبتك وإخلاصك له.
ويمكن الاطلاع على الروابط التالية :
نادم على ما فات وأريد العودة إلى الله
هكذا نحافظ على توبتنا
ـــــــــــــــــــ
أخطأ ويتساءل: لماذا لم يعصمني إيماني؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أرجو أن يجيب على سؤالي فضيلة الدكتور فتحي يكن. أنا شاب ملتزم، وأدعو إلى الله -ولله الحمد- وأبذل في سبيل ذلك كل ما أستطيع، ولي أعمال ومواقف وتضحيات في سبيل الدعوة إلى الله؛ إضافة إلى ما يصاحب ذلك من تربية إيمانية سواء مع إخواني، أو تربية ذاتية من خلال برنامجي الإيماني.. ولكن الذي حصل أنه يوجد في بيتنا خادمة لاحظت عليها ملاحظات سيئة، وفي يوم من الأيام وجدت أنه لا يوجد في البيت إلا أنا وهي، فوسوس لي الشيطان أن أمتحن معدنها؛ فكلمتها بكلام طيب وابتسامة عريضة وأنا أنظر إليها، ولكنني استمتعتً بذلك.. ولكن الجلسة انتهت دون أن نقع في الزنى، وتبت بعد ذلك وندمت أشد الندم، وعلمت أن هذا من خطوات الشيطان. أنا الآن -كما كنت- لي برنامجي الإيماني، ولي وردي اليومي من القيام والقرآن، ومنخرط في العمل الدعوي. السؤال: ما أسباب عدم ثباتي ووقوعي في هذه الفتنة؟ وما دلالاتها؟؟ لماذا لم يعصمني إيماني؟ لماذا لم تسعفني أعمالي الصالحة بأن تمنعني من الوقوع في مثل هذا؟؟ والآن ضميري يؤنبني، كيف يقع هذا من مثلي؟ ويراودني خوف: هل مثلي يصلح في الحقل الدعوي؟ هل مثلي سيثبت؟ أرجو من فضيلتكم أن تدعو لي بالثبات. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار(33/1295)
... ... الرد ...
...
... يقول الداعية الدكتور فتحي يكن :
أحمد الله تعالى أولا، أن جعلك من الشباب الذين نشأوا في طاعة الله، وأدعو الله أن يمنحنا ويمنحك المزيد من الإيمان والبر والتقوى، ويوفقك إلى تجديد ما لديك من خير، حيث إننا مطالبون دائما بتجديد إيماننا وحفز هممنا، خاصة وأننا في زمنٍ المستهلكات الإيمانية فيه كثيرة، وحبائل الشيطان لا تعد ولا تحصى، وأن الإيمان يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الحاكم وصححه الألباني.
إن حض الرسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم لدليل صارخ على أن في تجديد الإيمان تجديدا لأثر هذا الإيمان وفاعليته في النفوس، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام: (جددوا إيمانكم)، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: (أكثروا من قول لا إله إلا الله) رواه أحمد ..
ويجب أن لا يؤخذ الكلام هنا مأخذ الحصرية، فكل ما يذكِّر بالله هو من وسائل وطرق تجديد الإيمان، وما أكثر تلكم الوسائل والطرق.
ثم إن مما يحتاج منا إلى عناية وتعهد أيها الأخ الكريم، ما يتصل من الإيمان بمراقبة الله تعالى.. فالإيمان ليس بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل؛ ولكم نحن بمسيس الحاجة إلى تنمية الجانب الرقابي هذا في حياتنا، حيث إن ذبوله وضعفه يفتح ألف ألف باب للشيطان!! وكما جاء في الأثر: (إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته، فإن كان رشدا فأمضه، وإن كان غيا فانته عنه)؛ وينبغي أن يكون ماثلا أمامنا دائما وباستمرار قوله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثمَّ ينبِّئهم بما عملوا يوم القيامة إنَّ الله بكلِّ شيءٍ عليٌ).
إن مراقبة الله تعالى هي الأخرى تزيد وتنقص وتقوى وتضعف تبعا لقدر تعهدها وتربية النفس عليها، لتصبح في النهاية حالا ذاتيا تلقائيا من أحوال النفس، ولقد حدث عبد الله بن دينار فقال: "خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق -التَّعْريسُ: نزول المسافر آخر الليل نزلةً للنوم والاستراحة-، فانحدر إليه راع من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إنني مملوك، قال: قل لسيدك أكلها الذئب، قال: فأين الله؟ فبكى عمر؛ ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه فأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة".
أخي الكريم؛
لقد سقت هذا الكلام بين يدي الاستشارة ليكون مدخلا إلى ما أود أن أقوله لك، ويتلخص بالتالي:
- إننا في صراع دائم مع الشيطان، وبالتالي مع أهوائنا وشهواتنا، يجب أن لا يتوقف أو ينقطع.. ولا يقولن أحد -كائنا من كان- إنني بتُّ في عافية وإن الشيطان لن ينال(33/1296)
مني، ثم يستكين.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم من الجسد) متفق عليه، ويذكر أن رجلا سأل الحسن رضي الله عنه فقال: (أينام الشيطان؟ فتبسم وقال: لو نام لاسترحنا)، والخطاب القرآني في قوله تعالى: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) يجب أن يجعلنا في حالة استنفار دائم في مواجهة حبائل الشيطان.
- أن تكون منخرطا في العمل الدعوي، وأن يكون لك برنامجك الإيماني ووردك اليومي، فإن كل ذلك وغيره لا يجعلك أو يجعل سواك في منجاة من الفتن وعصمة من الخطأ، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. فآدم عليه السلام لم ينج من وسوسة إبليس واستدراجاته، ويوسف عليه السلام وقع له مع امرأة العزيز ما وقع من التعرض للفتنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ليشير إلى ما وقع له مع الشيطان فيقول: (لقد أتاني الشيطان فنازعني ثم نازعني، فأخذت بحلقه.. فوالذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت من دماء لسانه على يدي، ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح طريحا في المسجد) رواه ابن أبي الدنيا، وللبخاري رواية أخرى شبيهة وإسناده جيد.
فإياك أن تيأس أو تحبط أو يتسلل إلى نفسك ما هو أخطر بكثير مما وقع لك، وهو التشكك وعدم الثقة في نفسك أنك لا تصلح لعمل الدعوة، وأنك لن تثبت، بل يجب أن يكون الذي حدث محركًا إيمانيا لك للتزود أكثر فأكثر وللتسلح أكثر فأكثر في معركة النفس الأبدية؛ وفي هذا النطاق أذكرك بقوله تعالى في مخاطبة المسرفين، وأنت بحمد الله لست منهم: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
- إن واقعية الإسلام في مواجهة المشكلة التي واجهتك وأمثالها، أن تأخذ بأسباب الوقاية، والوقاية خير من العلاج، بل إن درهم وقاية خير من قنطار علاج.. ومن الوقاية: الزواج المبكر، والصيام، والبعد عن مواطن الخلوة، والمسارعة إلى التوبة، وتجديد الإيمان، وتذكر الموت.
والله يحب المحسنين، وهو يتولى الصالحين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ويقول الأستاذ هاني محمود، المحرر الدعوي بالموقع:
أخانا الكريم؛
نسأل الله أن يقيل عثرتك، ويغفر ذنبك، ويثبت على طريق الحق قدمك.. آمين.
ونشكر لفضيلة أستاذنا الدكتور فتحي يكن هذه الإجابة القيمة الوافية، ونود أن نشير –ولا نزعم أننا نقدم إضافة- إلى أن آفة الآفات أن يغفل المسلم الداعية عن طبيعته كإنسان، وينسى تحت أي ظرف من الظروف أو في ظل أية قناعة من القناعات أنه إنسان له نفس وشهوة كما للناس جميعًا؛ وهذه الغفلة تسوغ له أن يضع نفسه في مواضع هو في غنىً عنها، وهي من مواطن التهلكة وحبائل الشيطان.
أخي عبد الله؛(33/1297)
إن فكرة اختبار أي شيء للتحقق من صحته أو خطئه أمر لا يُقبل هكذا إطلاقا، فهل تقبل كداعية أن تضع لأحد مدعويك الخمر وترغبه فيها وبرز له محاسنها لتختبر صدق عزيمته في مقاومته لها وأنت تعرف به ميلا إليها؟؟!!!
إن المبدأ في الدعوة أن نستغل مساحات الخير عند الناس فننميها ونقويها حتى تنزوي مساحات الشر وتتلاشى، لا أن نضعهم في محك الصدام والإغراء مع مساحات الشر لديهم مما قد لا يستطيعون الصبر معه عن الوقوع في المعصية، فنحن لسنا حكمًا على إيمان الناس والتزامهم، بل إننا نجتهد ما وسعنا أن نأخذ بأيديهم إلى ما ينفعهم، ونجنبهم –قدر المستطاع- ما يضرهم، وصلى الله على معلم الدعوة الأول حين قال: (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) رواه البخاري.
يا أخي؛
إن كان من خطأ وقعت فيه وعليك فيه اللوم فهو أنك سوغت لنفسك أن تختلي بامرأة دون محرم، مع أنهم قديمًا قالوا: "الحي لا تؤمن عليه الفتنة" وذلك مهما بلغ من العلم والتقى والصلاح.. وانظر إلى ما حدث لك، ما كنت تريد اختبارها فيه سقطت أنت فيه!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لذا فإن نصيحتنا لك -بعدما تفضل به أستاذنا- أن تحتاط لنفسك، وتعرف قدرك، وتحذر من مصائد الشيطان التي ينصبها لعباد الله الصالحين لعله يفوز منهم بلحظة غفلة يجر فيها أقدامهم إلى معصية، يتبعها شعور بالإحباط والقنوط، ثم ينجرف بهم إلى تيار المهلكات.. أعاذنا الله وإياك من الشيطان وخطواته ووساوسه.
وأهلا بك دائما.
ـــــــــــــــــــ
كيف أستثمر أوقات فراغي في الطاعة؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله : أشكر لكم الجهد الكبير المبذول في الاستشارات الإيمانية، ومشكلتي أن عندي وقت فراغ كبير، وللأسف لا أعرف كيف استطيع قضاء وقت فراغي؟، وما الأعمال التي يثاب عليها المسلم؟ أفيدوني و جزاكم الله خيرا ... ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول الله عز وجل: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم): ما العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟ فأجاب - رحمه الله- عن ذلك إجابة مبسوطة مفصلة تضمنتها رسالته المعروفة باسم "العبودية" وقد بدأها بقوله :
"العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر(33/1298)
الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين، والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة".
"وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله".
وهكذا نجد أن للعبادة - كما شرحها ابن تيمية - أفقا رحبا، ودائرة واسعة، فهي تشمل الفرائض والأركان الشعائرية من الصلاة والصيام والزكاة والحج، وهي تشمل ما زاد على الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر وتلاوة ودعاء واستغفار، وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد.
وهي تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد، كبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل، والرحمة بالضعفاء، والرفق بالحيوان. وتشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها، من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.
كما تشمل ما نسميه بـ "الأخلاق الربانية" من حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه. وتشمل الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج ذلك كله وملاكه وهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله.
بل تشمل العبادة أمرا له أهميته وخطره في الحياة المادية للناس، ذكره ابن تيمية في موضع آخر من رسالته، وهو الأخذ بالأسباب، ومراعاة السنن التي أقام الله عليها الكون قال: "فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة".
وأكثر من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: أن الدين كله داخل في العبادة؛ إذ الدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: دنته فدان، أي: أذللته فذل، ويقال: يدين الله ويدين لله، أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له، فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها الذل أيضا. انتهى كلام الشيخ.
ويضيف الدكتور رجب أبو مليح:
أخي/ أحمد
بعد انتهاء كلام فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، يطيب ليّ أن ألخص لك الأمر فأقول :
الواجبات أكثر من الأوقات، لكن المشكلة أننا لا نفهم العبادة بمفهومها الصحيح فيستطيع المسلم أن يحوِّل كل عمل يعمله إلى عبادة يأخذ عليها الثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى، فعليك – أخي في الله - أن تنفق وقتك هذا فيما يلي، وهذا على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: أداء الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى، وأداء ما تيسر لك من السنن والنوافل.(33/1299)
ثانيا: حفظ ما تيسر لك من القرآن ومحاولة إتمام حفظ القرآن في أقرب وقت، وأن تستعين على ذلك بأحد الشيوخ الذين يجيدون حفظ القرآن ومعرفة أحكام التلاوة الصحيحة.
ثالثا: قراءة ما تيسر لك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بحر واسع لا يشبع منه.
رابعا: الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب ما تستطيع.
خامسا: السعي في قضاء حوائج إخوانك المسلمين، فتساعد المحتاج، وتزور المريض، وتصل الرحم، وغير ذلك.
سادسا: القراءة في كتب العلم سواء كان علما شرعيا يهتم بالعبادات والمعاملات أو غيرها أو علما يهتم بالاكتشافات الحديثة والعلوم الكونية وغيرها، وكل هذه الكتب تقرِّب الإنسان من الله سبحانه وتعالى.
سابعا: الاهتمام بعملك وتخصصك الدقيق الذي تحصل منه على قوتك.
ثامنا: الاهتمام بالتربية الرياضية لجسمك، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وكل هذا عبادة يثاب المرء عليها ما دام يخلص النية إلى الله سبحانه وتعالى.
وختاما؛
نقول لك- أخي الحبيب- إذا كان عندك فضل وقت بعد هذا كله فأخبرنا، وسنزيدك إن شاء الله ... نسأل الله لنا و لك التوفيق والقبول والسداد. وتابعنا بأخبارك .
زوجي يمنعني من المسجد "عنادا" .. فماذا أفعل؟ ... العنوان
العبادات ... الموضوع
زوجي يمنعني من الذهاب إلى المسجد لتلقي دروس العلم وحفظ القرآن، على سبيل العناد والمضايقة فقط، فهل هذا من حقه؟ وماذا أفعل معه؟.. أفيدوني عن الطريقة التي تصلح للتعامل معه إيمانيًّا. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور عبد الصبور شاهين:
أيتها الأخت السائلة:
أود أن أبدأ إجابتي لك بالقول بأن طاعة الزوج واجبة ولا بديل عنها، أما ما تذكرينه في مسألة تعلم علوم القرآن فهي مطلوبة أيضا ولكن حق الزوج على زوجته أوجب مادام لم يأمرها بمعصية الله عز وجل، فمن حق الزوج أن يمنع زوجته من الخروج من البيت أيا كانت وجهتها لأمور يرى هو فيها ضيق له.
وأقول لك أختي المؤمنة: إن حرصك على تلقي علوم القرآن شيء عظيم، ولكن من الممكن أن تقومين به وأنت في بيتك مادام زوجك لا يريد خروجك لأي سبب من(33/1300)
الأسباب، حيث تستطيعين أن تستجلبي في بيتك من يعلمك القرآن الكريم، وعلومه، وهذه أمور متيسرة في الدول العربية.
وأؤكد لك مرة أخرى أن من حق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية الله، وكل ما عليك في أمر تلقي علوم القرآن أن تقنعيه بأن يوفر لك من يساعدك على ذلك مادام لا يرضى لك الخروج من البيت، وعليك أن تعلمي أن دوام الحال من المحال، وأن زوجك إذا كان يعاند الآن فغدا سيلين، ويحقق من المرونة ما يرضيك كزوجة.
وينبغي ألا تتصوري أن الأمر به ما يشبه الصفة الطبية، فكل ما عليك أن تستعملي مع زوجك السياسة النسائية التي يلين لها الحديد، فالمرأة بطبيعتها تعرف ذلك، وأنت كزوجة تعلمين ما الأمور التي بها تستطيعين التأثير على زوجك، والوصول معه إلى نقطة اتفاق ترضيك، وترضيه لأنك في كل الأحوال لا يجوز لك كزوجة معصية أوامره لأنه أحق الناس عليك في الحياة.
أما ما يخص مشكلة العناد، والمضايقة من زوجك فعليك أولا أن تحددي ما قد يقع منك من أمور قد لا تحسبينها ذوات اعتبار إلا أنها تضايقه، ثم تتكلمي معه بصراحة لأن الصراحة بين الزوجين لحل بعض الأمور التي قد تضايق أحد الزوجين أمر ضروري، على أن تتخيري الوقت المناسب للحديث معه في مسألة منعك من الخروج للمسجد، وتدعمي كلامك معه بأمور هو يعرفها ويحبها.
وختاما؛
أرى أنه لو استطعت أن تجعلي بينك وبين زوجك مساحة حوار مشتركة بأن تفتحي معه موضوع حدود طاعة الزوج، ولين الزوج مع زوجته في أوقات الصفاء بينكما ربما كان ذلك داعيا إلى لين الأمر، وعليك أن تنشغلي معه في حل مشاكلك المختلفة بأسلوب علمي لا بأسلوب العناد.
ويضيف الدكتور ربيع الغفير:
أختي السائلة؛
من القواعد المقررة دينيًّا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجاء في الحديث الصحيح: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، وفي رواية "إذا استأذنت أحدكم امرأته لتذهب إلى المسجد فلا يمنعها"، وخاصة إذا كان هذا للتفقه في الدين، وطلب العلم.
لكن إذا منع الزوج زوجته من الذهاب إلى المسجد فربما يكون المنع لشيء هو يعلمه، ربما يكون هناك شبهة في الذهاب، أو الإياب. وربما يكون هناك تقصير في حقه. أو هذا الذهاب على حساب بيته وأولاده.
لكن إذا كان الزوج يمنع زوجته من الذهاب تعنتًا وبلا سبب. فماذا تفعل؟ عليها أن تحاول معه ما استطاعت وبكل ما تملك من وسائل، ولكن بدون ضغط عليه حتى لا يدخل الأمر في نطاق العناد.
أو أن تتوسط لديه بمن يحب من الناس، وإذا لم يستجب فعليها ألا تذهب إلى المسجد، وعليها أن تطيعه ولا إثم عليها، بل الإثم عليه. سألت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: زوجها. قالت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: أمه" أخرجه أبو داود.(33/1301)
وفي الحديث الآخر "لولا أن السجود لله وحده لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لما فضله الله عليها"، وفي حديث ثالث: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت"، فلتهدئي نفسًا أختي السائلة ولتقري عينًا ولتطيعي زوجك.
ولتعلمي – أختي الكريمة- أنك مأجورة على طاعته، وما دمت راغبة بصدق في الذهاب لطلب العلم فإن الله سيأجرك عليه أيضًا إن شاء الله. ونسأل الله لزوجك الهداية، و لك الصبر والثواب، والله الموفق.
ـــــــــــــــــــ
كابوس الرياء يلاحقني ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم. السادة الأفاضل في موقع إسلام أون لاين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بداية جزاكم الله خير الجزاء عن هذا الموقع، وخاصة هذا القسم (الاستشارات )، فأنا أشعر أني وقعت على كنز ثمين عند قراءتي فيه لأول مرة منذ يومين.. لأنني بصراحة غارق في بحر من مشكلات تحاصرني وتعكر على طاعاتي وعباداتي جميعا.. وأظن أغلبها داخلاً في باب أمراض القلوب.. والله أعلم و على كل حال فأنا اليوم سأسأل عن إحدى أكبر هذه المشكلات في حياتي: الرياء هل من سبيل إلى الخلاص منه؟؟ ..أتمنى أن يتسع صدركم إلى ما سأذكره كي أوضح ما أشعر به .. عمري الآن 28 سنة، ولم أكن ملتزماً بالدين في مطلع شبابي إلا لفترات قليلة، ولكن في الوقت نفسه لم أكن صاحب كبائر، وأخلاق أسرتي في المنظور العام حسنة وهذا من فضل الله الكريم.. تفضل الله تعالي علي بأكبر نعمة في حياتي منذ نحو ثلاث سنوات ونيف، وهي أن هداني إلى الالتزام بدينه.. وهذا كرم منه سبحانه أحمده على ذلك.. التزامي هذه المرة كان مختلفاً عما سبقه من التزامات في حياتي، حيث إنني اتجهت إلى التعلم والتثقف في الدين بشكل عام.. ولما كنت بطبيعتي محباً للثقافة والاطلاع على العلوم والآداب والفلسفة والتاريخ عموماً، وجدتني في غاية السعادة باكتسابي للمعلومات الجديدة في الدين، ورحت أتنقل في القراءة بين العقيدة والفقه، وتارة في السيرة وأخرى في الحضارة الإسلامية، وأصبحت معلوماتي العامة في الدين جيدة.. ثم قرأت في رد الشبهات وفي المناقشات العلمية وغيره. كنت في بداية فترة التزامي أعيش حلاوة في القلب، التي أفتقدها اليوم كثيراً وأتمنى أن تعود لي ولو للحظات، ولكن أين أنا الآن من هذه الحلاوة..؟؟ فقد أحسست ـ واهما ـ بعد ما سبق ذكره أنني أصبحت على مستوى جيد من المعرفة مقارنة بمن حولي من أقراني، وهذا الإحساس أدخل العجب والغرور إلى قلبي، ويبدو أنني سقطت فريسة للشيطان من هذا الباب.. فأصبحت أفرح داخليا وأشعر شعور المنتصر عندما تظهر معرفتي في موقف ما أو في نقاش معين أو سؤال أحدهم إياي عن أمر ما(بعيداً عن الفتوى بالطبع )، والنتيجة المؤسفة كما ذكرت كانت في البداية ذهاب حلاوة الإيمان من القلب، فتحولت العبادة لدي إلى عادات، وأحيانا أؤديها رفعاً للعتب وإسقاطاً للفرض فقط إذا صح التعبير.. وقل أدائي للسنن والأعمال الصالحة غير المفروضة كثيراً اليوم، ثم الطامة الكبرى أنني أصبحت أقصر حتى في الفرائض.. هذا الأمر(33/1302)
الآن يكدر علي عيشي، فأنا دائما أحس بضيق في الصدر من جراء تقصيري في جنب الله، في المقابل أحاول أن أكون صادقاً مع نفسي ومع الله وأن أتخلص من الرياء أو النفاق ولكن سرعان ما يعود. أصبحت كثيراً ما أغير الأولويات فأفعل أحيانا المندوبات على حساب الفرائض لا أشعر بأي درجة من درجات الإخلاص وأخاف أن يكون مآلي إلى البعد عن طريق الله والعياذ بالله من ذلك.. بعضهم قال لي إن مجرد شعوري بالذنب ينفي عني الرياء، لأن المرائي يفرح بريائه، ولا يضيق به.. ولكني بصراحة يا أساتذتي الأفاضل لست أجد هذا منطبقاً علي، فرغم الضيق الذي أحس به بسبب الرياء، إلا أنني أعرف تماما شعور الرياء، وأحيانا أضبط نفسي متلبساً بالجرم المشهود وأنا أمارس الرياء إذا صح التعبير، فأحاول طرد تلك الأفكار من رأسي وأذكر الله.. ولكن بعد وقت وربما بعد لحظات أحياناً، يعود ويتسلل إلي نفس الشعور. قد أطلت عليكم.. سامحوني أسألكم النصيحة، فهي الدين كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم كما أسألكم الدعاء جزاكم الله عنا خيراً والسلام عليكم. ... السؤال
الدكتور محمد داود ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس، والداعية الكبير:
أيها الأخ الكريم..
عليك أن تعلم أن ما تعانيه لا دخل له بالرياء، إنما هي حالة من الوسوسة تسلط فيها الشيطان عليك ليصدك عن الطاعة لأن الرياء هو أن يفعل الإنسان الطاعة، ويشرك في مقصوده من الطاعة غير الله عز وجل، فيبغي ثناء الناس عليه مثلا على أنه صالح وعابد ومصل.. إلى آخره، وحالك هذه علاجها ميسور بعدة أمور أهمها:
1 ـ الدعاء بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم بتنقية العمل من الشرك والرياء والنفاق، وهى قوله ( اللهم خلص أعمالنا من الرياء، وقلوبنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور)، وبدعاء النبي أيضا: (اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه).
2 ـ الحرص على صحبة الصالحين.
3 ـ الأخذ بأسباب إخلاص العمل لله.
4 ـ الاستمساك بالخوف من الله، وبذل الوسع في طاعته.
وأؤكد أن ما فيه حالك إنما هي وسوسة من إبليس ليصدك عن طاعة الله تحت وهم الرياء والنفاق، والسبيل أيضا للتغلب على هذه الوسوسة، ووساوس الشيطان عموما، بالاستعانة بالله، والمداومة على قراءة القرآن وبخاصة المعوذتين، وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب، والحرص على أذكار الصباح والمساء لأنها تطرد الشيطان ووساوسه، وتقوي همة القلب في عبادة الله، وأي إنسان يعاني المزيد من ذلك عليه أن يعرض نفسه على عالم فقيه بأمر دينه ليرشد إلى سبيل الخروج من حالة الوسوسة التي هي عليه.. لا أن يفتي نفسه ويترك العبادة .(33/1303)
ولمزيد التوضيح أذكر لك قصة (عثمان بن مظعون) حين حدثته نفسه ألا يأكل اللحم، وأن يداوم على الصيام، وأن يقطع ذكره كي لا يحتاج إلى معاشرة النساء، لكن عثمان كان ذكيا نبيها فلم يستجب لحديث نفسه،ولا لوسوسة صدره.. بل سارع بعرض الأمر على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما أخرج ذلك الإمام مسلم في صحيحه ـ فقال له النبي : لا تفعل يا عثمان فإني أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فإني أحب اللحم ولو أصبته لأكلته، ولو سألت ربي لأعطاني إياه، ولا تطلق خوله _ زوجته ـ فإن من سنتي النكاح، وإن رهبانية أمتي الجهاد" ، وبذلك زالت الشبهة عن سيدنا عثمان، وبطلت وسوسة إبليس وحديث نفسه، وعاد إلى الرحاب النبوي.. فهذا الموقف أسوة لك صاحب السؤال بأن تعرض ما يجول بخاطرك على عالم حتى يكشف بك الشبه والوساوس لأن الشيطان يلقي في نفسك ذلك كي يصدك عن طاعة الله.
وختاما؛
أقول لك أخي السائل: ، إن الشيطان لم يكن ليتركك كي تتم عبادتك، وجاء إليك من باب الوسوسة والنفاق، وإنه ينبغي عليك إذا جاءتك الوسوسة أن تستعين بصحبة الخير، وألا تجلس خاليا كثيرا مع نفسك حتى لا يستبد الشيطان بك، وأن تجاهد نفسك عن طريق الالتزام بالطاعة، وعدم الاستجابة لوسوسة إبليس.
ـــــــــــــــــــ
لا أستطيع غض بصري .. فماذا أفعل؟ ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
سؤالي يتعلق بمسألة معقدة، وهي أنني أعيش في بلد يعاني نقصا في الأخلاق، معظم الناس فيه- خصوصا النساء- لا يرتدين شيئا تقريبا . مشكلتي هي أنني لا أستطيع التوقف عن النظر إلى النساء، أعلم أن الزواج فرض عليّ، فهل أجد عندكم من النصائح ما يساعدني في التعامل مع هذه المشكلة؟ و جزاكم الله خيرا . ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
هذا الواقع ( الذي ذكرته في رسالتك) يؤدي إلى محرمات وكبائر ومنها : المخالطة و المماسة والزنا، وكل ذلك مبدؤه النظر، لذا جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الطرق التي تؤدي للفاحشة، ومنها : النظر إلى الأجنبية :
أ. قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (النور/ 30) . قال الإمام ابن كثير : هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً . تفسير ابن كثير ( 3 / 282 ) .
ب. ويقول تعالى { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } الأحزاب / 53 .(33/1304)
ج. وعن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري .
رواه مسلم ( 2159 ) .
قال النووي : معنى " نظر الفجأة " : أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }.
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد.
" شرح مسلم " ( 14 / 139 ) .
وهناك – أخي الفاضل - وسائل معينة على غض البصر، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها ومنها :
1 - استحضار اطلاع الله عليك ، ومراقبة الله لك ، فإنه يراك وهو محيط بك ، فقد تكون نظرة خائنةً ، جارك لا يعلمها ؛ لكنَّ الله يعلمها . قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور} (غافر/19) .
2- الاستعانة بالله والمثول بين يديه ودعائه ، قال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } (غافر/60) .
3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله تعالى ، وهي تحتاج منك إلى شكر، فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله ، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ قال تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل/53) .
4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك ، والبعد عن اليأس ، قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت / 69 . وقال صلى الله عليه وسلم " ... ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله ... " رواه البخاري ( 1400 ) .
5 – اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر إذا كان له عنها مندوحة ، ومن ذلك الذهاب إلى الأسواق والجلوس في الطرقات ... قال – صلى الله عليه وسلم – " إياكم والجلوس في الطرقات ، قالوا : مالنا بدٌّ ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها ، قال : فإذا أبيتم إلا المجالس ، فأعطوا الطريق حقها ، قالوا : وما حق الطريق ، قال : غض البصر ، وكف الأذى ... " رواه البخاري ( 2333 ) ومسلم ( 2121 ) .
6 – أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال ، ومهما دعاك داعي السوء ، ومهما تحركت في قلبك العواطف والعواصف ، فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة ، وليس لك أن تحتج مثلاً بفساد الواقع ولا تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة ، قال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } (الأحزاب/36) .(33/1305)
7- الإكثار من نوافل العبادات ، فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض ، سببٌ في حفظ جوارح العبد ، قال الله تعالى في الحديث القدسي " ... وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ... " البخاري ( 6137 ) . وصحبة الأخيار ، فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين ، والمرء على دين خليله ، والصاحب ساحب .
8– تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية ، قال تعالى : { يومئذ تحدث أخبارها } (الزلزلة/4) .
9- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك ، قال تعالى : { وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون } (الانفطار/ 10 –12) .
10- استحضار بعض النصوص الناهية عن إطلاق البصر ، مثل قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} (النور/ 30 ).
11– البعد عن فضول النظر ، فلا تنظر إلا إلى ما تحتاج إليه، ولا تطلق بصرك يميناً وشمالاً ، فتقع فيما لا تستطيع سرعة التخلص منه من تأثير النظر إلى ما فيه فتنة .
12– الزواج ، وهو من أنفع العلاج ، قال – صلى الله عليه وسلم – " من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أخرجه البخاري ( 1806 ) ومسلم ( 1400 ) .
13– أداء المأمورات كما أمر الله ، ومنها : الصلاة قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ..} (العنكبوت/45) .
14– تذكر الحور العين ، ليكون حادياً لك على الصبر عن ما حرم الله طلباً لوصال الحور ، قال تعالى : { وكواعب أترابا } (النبأ/33) .
وقال – صلى الله عليه وسلم - " ... ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً، و لنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها " رواه البخاري ( 2643 ) .
15– استحضار ما في المنظور إليه من النقص وما يحمله من الأذى والقاذورات في أحشائه ... ؟!
16– محاسبة النفس بين الحين والآخر ، ومجاهدتها على غض البصر ، واعلم أن لكل جوادٍ كبوة .
17– تذكر الألم والحسرة التي تعقب هذه النظرة ، وتقدمت آثار إطلاق البصر .
18- إصلاح الأقارب ، ونصحهم بعدم لبس ما يثير النظر ويظهر المحاسن مثل : طريقة اللبس و الألوان الزاهية و طريقة المشي والتميع في الكلام ونحوه .
19– دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً ، ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل ، فمن غض بصره عند أول نظرةٍ سَلِمَ من آفات لا تحصى ، فإذا كرر النظر فلا يأمن أن يُزرعَ في قلبه زرعٌ يصعبُ قلعه .
وختاما؛(33/1306)
أعلم أخي الفاضل أن نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، وشكر النعمة لا يكون باللسان فقط بل باستخدام هذه النعمة في ما أحلَّ الله، وحفظها عما حرم الله، وإطلاق البصر إلى المحرمات له أضرار عديدة يكفي أنها تجعل صاحبها من المقصرين، ويكفي في زجر النفس عنها أن يُعلم أن الله سبحانه مطلع على هذه الخيانة من العين يقول تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
حفظنا الله وإياك من الفتن ما ظهر منها وما بطن ... وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
والدي قاسي القلب.. بالبر والدعاء يلين ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
والدي إنسان قاسي الطباع، ومتزوج من أخرى فتاة من سني، ولا يقوم بالإنفاق علينا، ولا يلبي احتياجاتنا مع أنه لديه المال، هذا بالإضافة إلى أنه يسب بالدين أكثر من مرة ولا يصلي، ويتعامل معنا بطريقة تجعلنا في غاية الضجر منه . فما هو الحل؟.. علما بأنني أخاف من غضب الله، وضغوط الحياة علي كثيرة، منها مصاريف دراستي التي يمتنع عنها، علاوة علي أنني أعمل وأساعد بدخلي كله في المنزل، فكيف تكون المعاملة معه وهو علي هذا السلوك؟، وهل ضجري منه حرام ؟ أتمنى أن يصلني ردكم قريبا بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر:
أيتها الابنة الفاضلة..
سأبدأ حديثي إليك بقول الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ...)، والأسوة في إبراهيم ترجعنا إلى سورة مريم في ثنايا حواره مع أبيه الذي عبد الصنم، ونأى عن التوحيد فقال له : (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا)، وظل يكرر يا أبت حتى قال له: (لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، ومع ذلك رد عليه قائلا: (سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)، وكأنه يبعث في نفس أبيه الطمأنينة بأن الله سيغفر له .
وفي سورة لقمان يقول ربنا تعالى عن الوالدين: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، والمعروف هو ما حكم به الشارع، الذي قال في الآية الكريمة: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، فليس مع كلمة الوالدين من صفة أو قيد، ولكن مع ذلك لا يجوز أن يرد الابن، أو البنت أن يردا الإساءة بإساءة، أو أن يضجرا بأحد الأبوين إذا ماقسى عليهما، حيث أن الله تعالى يقول: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، ثم يمثل التصوير القرآني الإنسان أمام والديه بطائر مخفوض الجناح في قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي(33/1307)
صَغِيرًا)، وفي الحديث الشريف: (لا يدخل الجنة عاق)، ويقول الإمام الشافعي: ( الأب سبب في وجود ابنه فلا يكن الابن سببا في عدم أبيه).
ومن خلال ما سبق فإننا ننصح الابنة الحريصة على رضا ربها فنقول لها :
كلما زادت إساءة أبيك لك، وزاد إحسانك عليه ارتقيت مكانة، وعلوت منزلة عند الله عز وجل، وبشرت في المستقبل إن شاء الله بأولاد يرحمونك في الكبر كما رحمت أباك، فـ(كما تدين تدان) . وما دمت قادرة على الكسب والعمل فهذا من فضل الله عليك، ويقتضي منك الشكر، ومن الشكر أن تشكري من رباك، وعالك وأنت طفلة صغيرة لا صنعة في يديك، ولا فكر في عقلك .
وأعلمي أختي الكريمة أن هذا الوالد مطية لك لدخول جنة ربك، فلا تنظري إليه نظرة من يحاسبه، ولكن أنظري إليه نظرة من يرحمه، فالراحمون يرحمهم الرحمن، و اسألي الله تعالى له الهداية، والرشاد لأنه ليس عدوا لله .
وأنصحك ألا تنظري إلى أبيك على أنه تلميذك الذي تودين أن تضربينه على يديه، وتعاقبينه على سوء فعلته، فقد حزن أحد الصحابة على مقتل أبيه في بدر، وكان أبوه مشركا فوافاه النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله: أحزنت لقتله، فأجابه الصحابي: لا يا رسول الله فما كنت أشك أنه مقتول، ولكن أبي كان ذا عقل وحكمة، وكنت أود أن يهديه عقله إلى الإسلام .
فعليك أيتها الابنة البارة أن تبتهلي إلى الله، وتتضرعين إليه، تسألينه لأبيك الهداية مثلما تودين ذلك لنفسك، فإن وجدت فرصة يكون فيها مستعدا لنصحك، فانصحيه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبطريقة غير مباشرة حتى لا تؤذين مشاعره، ولا تدفعينه إلى الضجر منك فلا يتحقق هدفك.
وأعلمي يا ابنتي أن الله تعالى قد أمرنا بأن نشكره، وأن نشكر والدينا، فقال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
) وليس من الشكر أن نضع صورة مذمومة في عقولنا، وبغضا شديدا في قلوبنا، كما يجب عليك أن تتأكدي من أن صبرك عليه سيكون له أجر عظيم عند الله عز وجل.
والله تعالى نسأل أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل... وتابعينا بأخبارك وأخبار والدك ..
ـــــــــــــــــــ
صديقتي في محنة... هذا دورك ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بعد التحية .. أرسل إليكم برسالة خاصة بصديقتي، فهي في حاجة لمن يدلها، حيث تعرضت وهي طفلة صغيرة لاعتداء من أحد أصدقاء أبيها، فقد كان يأتي لينتظره، وكان يجبرها على معاشرته وهى طفلة عمرها 5 سنوات، وكانت تعتقد أن ذلك شيء جديد، ولا أستطيع الوصف بالضبط ولكنه شخص شاذ خلق عندها إحساسا باللذة الجنسية، مما أدى إلى أنها كانت تفعل ذلك أثناء عمرها كله، وهى لا تعرف شيئا، فهل ذلك ما يسمى العادة السرية؟، وكانت تأتي هذه العادة أثناء الصيام، حين تجيئها الرغبة في إشباع الجنس، فهي وقتها تكون مقيدة تريد أن تفعل ما تعودت عليه طول العمر، فهل صيام تلك الأيام لا تجوز؟ وهل الكفارة ان تصوم فقط حيث إنها لم تكن(33/1308)
تعرف شيئا اسمه العادة السرية؟ وأنا أدعو لها بالشفاء، وسؤالي هو : 1-كيف تكفر عن هذا الذنب في الصيام؟ 2- كيف تشفى من هذا الشيء؟ مع العلم أنها تقرأ القرآن قبل النوم، وترى نفسها بحاجة لفعل ذلك مع العلم أن سنها الآن(34) عاما، ولم تتزوج بعد. آسفة إن كنت أشغلكم، لكنني أرسلت لكم حيث لم أجد غيركم، أرجو إرسال حل للمشكلة لو سمحتم. و جزاكم الله خيرا . ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول فضيلة الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:
ابنتي صاحبة الرسالة ..
أشكر لك بداية اهتمامك بصديقتك، ومحاولتك مساعدتها على العودة إلى الطريق الصحيح لأن ما تقومين به هو ما أمر به الإسلام، أما فيما يتعلق بأمر صديقتك، فأقول وبالله التوفيق :
إن هذه الفتاة قد ظلمت بلا شك ظلما فاحشا على يد إنسان لا يعرف الله عز وجل حق معرفته، وسينال العقاب من الله في الدنيا والآخرة، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث يعجل الله بهم في الحياة قبل الممات بالعقوبة عليهم: الظلم، و الزنا، وعقوق الوالدين) فهو بفعلته، واعتدائه على تلك الفتاة ظالم يستحق العقاب، ولكن على الفتاة أن تعلم أنها مظلومة، ولها عند الله حق المظلوم، فلا تضيع حقها في غضب الله بما تأتيه الآن من معصية، لأن ما تقدم عليه من فعل تقصد به إشباع رغبتها الجنسية يدخل في باب (السحاق) الذي تفعله المرأة مع نفسها، أو مع غيرها من النساء، وهو محرم شرعا، وفعاله آثم لا محالة، ولذلك فعلى هذه الفتاة كي تكفر عن ذنوبها، وتقلع عن هذه العادة القبيحة عدة خطوات:
الأولى : الحفاظ على الصلاة في وقتها؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
الثانية : الإكثار من الذكر، والتسبيح لله؛ لأنه ينير القلوب، بالإضافة إلى المواظبة على الاستغفار؛ لأنه يعالج القلوب، ويطرد وساوس الشيطان من النفس.
الثالثة : الأخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزام الصيام عند تزايد الشهوة، وعدم الزواج حيث جاء في حديثه الشريف: ( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ـ أي وقاية، وكفاية ـ فالرسول جعل الصوم دواء لكبح جماح الشهوة، مع العلم أن تخصيص الشباب هنا ليس معناه عدم شمول الأمر للفتيات، حيث إن العلاج في أي أمر من الأمور التي قد تشوب النفس يأتي في الإسلام عاما وشاملا، وإن خصص في اللفظ، فكل أمر خوطب فيه الرجال ، فالنساء مأمورات به أيضا ، وإنما جاء بصيغة التذكير من باب التغليب لا التخصيص .
الرابعة: الأخذ بوصايا الصالحين، وأهل الخبرة في تربية النفس، وتقوية الروح، وما ورد عنهم في علاج القلب من تلاوة القرآن الكريم بالتدبرـ أي تدبر كل آية، ومحاولة الوقوف على معانيها ـ، وقيام الليل، وإخلاء البطن ـ أي الصوم قدر الإمكان ـ، ومجالسة الصالحين، وحضور مجالس العلم والذكر قدر الإمكان.(33/1309)
وأقول لابنتي: اعلمي أن شعور صديقتك بالندم، وحيرتها الدائمة من المعصية هي ظاهرة صحية إيمانية، عليها ألا تخمدها في نفسها؛ لأنها من صفات المؤمنين التي تقوي الأمل في إيمانهم وعودتهم إلى الله، وعليها تدبر حالها، وإقحام الندم في نفسها تجاه المعاصي؛ لأن ذلك دليل على أن القلب مازال صحيحا، وأن هناك استعدادا للعودة إلى الله عز وجل، كما أنه دليل على أن الله سيغفر الذنب للعبد لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الندم توبة )، وعلى هذه الفتاة أن تقلع قدر استطاعتها عما تقوم به من معاصٍ، ولتتأكد من أن الله تعالى سيبدل سيئاتها حسنات، مادام لديها نية التوبة، المهم ألا تبتعد عن الله بإحسان الظن دائما به، وتعظيم الأمل في النفس بأن هداية الله قريبة للعبد الصادق في نواياه.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري
الأخت الفاضلة :
أطلب منك أولا أن تكوني بجوار صديقتك، ولا تتركيها، فإنك في حياتها شعاع نور وأمل، وقد قال تعالى:( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله)، وقال صلى الله عليه وسلم: " المسلم للمسلم كالبنيان، يشد بعضه بعضا"، ثم شبك صلى الله عليه وسلم أصابعه صلى الله عليه وسلم، فكم من الناس يحتاجون إلى هذا الدعم المعنوي من إخوانهم قبل أطبائهم ،لأن الطبيب لا يعيش مع مريضه إلا تلك الدقائق التي يقوم فيها بالكشف عليها، لتشخيص مرضه، أما الصديق الصادق فهو ملازم لصديقه، يوجهه ويرشده ويكون معه بالمساعدة والمؤازرة.
أما عن صاحبتك، فهي تحتاج بدءا إلى مراجعة طبيب نفسي، لأن الحالة التي مرت بها أحسب أنها تحتاج إلى علاج نفسي حتى تخرج من الحالة التي هي فيها، وقد يكون من الصعب الخروج من هذه الحالة بمجرد بعض النصائح، وإن كانت نصائح طيبة، فاطلبي منها مراجعة طبيب نفسي في هذا الأمر.
كما أن هناك عوامل مساعدة في هذا أهمها :
1- الصحبة الصالحة، فالبيئة التي عاشتها صاحبتك هي التي أوقعتها في ذلك، وإن كان أساسها كما هو ظاهر في السؤال صديق والدها، ولكن أين كان والدها؟، هل غاب طول السنوات عن مثل هذا الفعل، حتى بقيت الفتاة تشبع رغبتها بالسحاق وقد بلغت هذه السن؟ وأين بقية أهلها؟ فواضح أن البيئة لم تكن لتساعدها على التدين والالتزام، بل ربما كانت كأي بيئة عادية لا تهتم بشئون أولادها، ومن هنا فإن الدعم النفسي للأسرة، وكذلك الأصدقاء هام للغاية.
2- الابتعاد عن الخلوة قدر الإمكان، لأن الخلوة هي التي تساعدها على إتيان هذا الأمر، فحاولي أن يكون لها برنامج يقلل من تواجدها وحدها، بأن تكون عاملة، أو تذهب إلى بعض أصدقائها المحترمين كي يقدمن لها مساعدة نفسية في هذا، ويا حبذا لو تكثر الذهاب إلى المساجد وحضور حلق الذكر، فإنها شفاء للقلوب.
3- البحث عن علاج للشهوة، لأن كل الأمور المذكورة هي أمور مساعدة، ولكن الأهم هو مساعدتها في الزواج، فإن خلاصة الحل لها أن ترتبط بزوج يعفها،(33/1310)
ويحولها من إشباع محرم إلى إشباع حلال، وقد تكون هذه الخطوة هي التي تصيب كبد المشكلة، وتستأصل الداء من أصله.
4- إعطاؤها بعض الوسائل المعينة، كشرائط الكاسيت الإسلامية، وبعض الأقراص المدمجة المسجل عليها مواد دينية ومواعظ ودروس دينية، والقيام بنشاط خيري مع بعض الأخوات لشغل وقتها بالخير.
5- تشجيعها على القراءة في سير الصالحين، وخاصة فيما يخص مسألة العفاف، مثل: صور من حياة الصحابيات، للدكتور رأفت الباشا، وصور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، للمؤلف نفسه، وقراءة بعض كتب الرقائق، مثل: رياض الصالحين، ومختصر منهاج القاصدين، وإحياء علوم الدين للغزالي، وحكم ابن عطاء الله السكندري.
وختاما؛
نسأل الله أن يهدينا جميعا إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يصرف عنا برحمته شياطين الإنس والجن.. إنه سبحانه على ذلك قدير و بالإجابة جدير... وتابعينا بأخبارك وأخبار صديقتك ..
وقعت في المعصية.. الوصايا العشر للتوبة ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نشأت في بيئة ريفية مسلمة، تندر فيها الجرائم، ولكني كنت سيئ الحظ في أصدقائي؛ فمنذ العاشرة من عمري تقريبا، صادقني أحد أبناء عمي، وكنت طيب القلب لا أدري بأغراضه من هداياه وإخلاصه الذي يبديه لي، حتى اطمأن له والداي كما اطمأننت له أنا . ولكني فجأة وجدته يمارس معي أعمالاً تتنافى مع الأخلاق- حتى الإنسانية- ودون إدراك مني لخطورة ذلك أو جرمه، وظل كذلك حتى صار عمري 13 سنة تقريباً، ومن ثم تركني وقد خلق لدي شعور بأن هذا العمل غير منافٍ للأخلاق وأن ممارسته ليس فيها أي مانع من جميع النواحي. وبمجرد أن سافر وتركني وجدت أصدقاء جددا، على نفس نهجه، واستمررت في ممارسة هذا العمل سنين حتى أصبحت لا أستطيع أن أتركه وأصبحت أنا من يبحث عمن يمارسه معي! والآن، وبعد مرور سنين، وبعد أن أصبح عمري 26 عاما، علمت بحرمة هذا العمل وقبحه، أستحي والله حتى أن أذكر اسمه، وقد حاولت أن أزيد من الجانب الإيماني في حياتي بقراءة القرآن وحفظه، ومجالسة الصالحين، والتوبة بين الحين والآخر، وأشعر بالندم إلى حد البكاء الشديد. ولكن لا أدري ما الذي يحدث لي بمجرد أن أرى أحد الذين كانوا يمارسون معي العمل، إذ تضعف نفسي وتسيطر عليَّ أحاسيس أخرى غير تلك الإيمانية، وتبدأ غريزتي تتحرك ناحية ذلك الفرد حتى أقع معه في الجريمة مرة أخرى، وبعدما ننتهي من ممارسة العمل الشنيع يعود الندم إليَّ من جديد والبكاء من جديد والعزم على عدم العودة، وهكذا تتكرر هذه المشاعر وهذه الحوادث منذ سنين. والآن أرجو أن تسألوا الله ليّ الهداية والتوفيق، وأن تدلوني على ما ينفعني في مصيبتي هذه، التي(33/1311)
قد تودي بيّ إلى نار جهنم و بئس المصير. أسأل الله أن يجزيكم عنا وعن المسلمين خير الجزاء إنه سميع مجيب . ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ رمضان فوزي الباحث اللغوي بكلية دار العلوم:
أهلا بك، ونسأل الله أن يجعلك من سعداء الدارين، وأن يبعدك عن البؤس وأهله.
بداية أخي لفت نظري الاسم الذي سميت به نفسك وهو "البائس"؛ لأنه يعكس الحالة النفسية التي تمر بها، والتي لو تملكتك وتمكنت منك فأخشى- والعياذ بالله- أن يستغلها الشيطان ويصدك عن الهداية والتوبة.
أما بالنسبة لحالتك، فأنت يأخي قد وقعت في هذه الجريمة على غير وعي وإدراك منك في البداية، كما تقول في رسالتك؛ ومن ثم فقد كنت ضحية لهذا الذئب الذي هو ابن عمك، وضحية إهمال الآباء الذين لا يختارون لأبنائهم أصدقاءهم، كما يختارون لهم طعامهم وشرابهم وملبسهم، وضحية المجتمع الذي نحى شرع الله جانبا؛ حتى فشت فيه هذه الأخلاق الذميمة والفواحش الكبيرة.
ولكن هل هذا يعفيك من المسئولية؟
تعال بنا نقف مع حالتك بعض الوقفات :
أولا: شياطين الإنس وتزيين المعاصي:
لقد أخبر الله تعالى عن شياطين الجن وكيدهم فقال: "إن كيد الشيطان كان ضعيفا"؛ فالشيطان يمكنك التغلب عليه بالاستعاذة منه ومجاهدته أكثر من مرة، ولكن كيد شياطين الإنس أقوى من ذلك؛ فأنت لا تدري العدو من الصديق، والمخلص من المنافق، والحريص على الآخرين من الأناني والانتهازي؛ فينخدع طيب القلب دون أن يدري ويغرق دون أن يجد من ينقذه، وما أكثر الجرائم التي حدثت والتي تحدث كل يوم بسبب هؤلاء.
ولذلك فمن رحمة الله تعالى أن جعل عقوبات بعض هؤلاء هي تخليص المجتمع منهم؛ فالقاتل يُقتل، والزاني المحصن يرجم حتى الموت، وقاطع الطريق يقتل أو يصلب أو تقطَّع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض حسب الدافع للجريمة وتقدير ولي الأمر... فهل هذا ظلم وقسوة من الإسلام كما يرى الطاعنون أم هي الرحمة بالمجتمع بتخليصه من هذه الجراثيم التي إن تركت لها الفرصة نشرت سمومها في أوصال المجتمع كله؟!
ولذلك أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". فعلى الآباء والأمهات أن يحسنوا اختيار الأصدقاء لأبنائهم وأن يراقبوا تصرفاتهم؛ لأن أبناءهم أمانة وهم مسئولون عنها أمام الله. وعلى الأبناء الذين يعون أن يكونوا صرحاء مع آبائهم وأن يبلغوهم بأي ريبة يشعرون بها من أصحابهم.
ثانيا: المداومة على المعصية تؤدي إلى إلفها:
من رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة والرجوع إليه؛ بل وحث على ذلك ووعد التائبين بأن يبدل سيئاتهم حسنات؛ حتى لا يستمرئوا المعصية ويألفوها ويزين لهم(33/1312)
الشيطان أنها مباحة ولا شيء فيها، وهذا ما حدث معك حيث تقول: "ومن ثم تركني وقد خُلق لدي شعور بأن هذا العمل غير منافٍ للأخلاق وأن ممارسته ليس فيها أي مانع من جميع النواحي".
ولذلك نجد شبابنا الآن – إلا من رحم ربي- وصلوا إلى هذه الدرجة من الانحلال الأخلاقي والقيمي؛ فوسائل الإعلام تنشر عليهم الفواحش وأسبابها صباح مساء دون رقيب أو زاجر؛ فإذا لم يكن لهذا الشاب ما يعصمه من الإيمان والتقوى فإنه والعياذ بالله سيفقد نفسه ودينه دون أن يشعر. فالشاب الذي يرى الرقص والمجون والأحضان والقبلات كل دقيقة وكل لحظة أمامه ويجد أباه وأمه يشاهدان ذلك معه دون استنكار فإنه سيتولد لديه شعور بأن هذا الأمر غير مناف للأخلاق وليس فيه أي مانع من جميع النواحي، على حد تعبيرك أنت.
ثالثا: حالتك والتعامل معها:
بالنسبة لموقفك فمع أن الأمر قد استفحل و تجذر معك إلا أنني أجد فيك العزيمة والقدرة إن شاء الله على التخلص منه، وهذا ما يتضح من قولك: "وقد حاولت أن أزيد من الجانب الإيماني في حياتي بقراءة القرآن وحفظه ومجالسة الصالحين والتوبة بين الحين والآخر وأشعر بالندم إلى حد البكاء الشديد". ولذلك فإني أوصيك بما يلي:
1- أكثر مما أنت فيه من الإيمانيات من قراء القرآن ومجالسة الصالحين والتوبة والندم، مع محاولة أن يكون لذلك مردود على حياتك وعلاقاتك كلها .
2- قارن بين ما تجد من متعة بهذه المعصية وعقاب الله عليها؛ فعليك أن تضع نصب عينيك دائما أن اللواط جريمة شنيعة تنافي الفطرة وأن الله وصفها في القرآن بأبشع الصفات وأنه آفة للخلق والفطرة والدين.
وتعال معي - أخي المسلم- نقلب صفحات دستورنا الخالد، فقد قال تعالى عن قوم لوط : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
وقال أيضا: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
وما أريده منك أن تضع، نصب عينيك، هذه العقوبات التي عاقب الله بها قوم لوط لفعلهم نفس الفعل الذي تفعله أنت؛ فإن سولت لك نفسك فعله فضع في حسبانك أن الله ربما يأخذك وأنت على هذه الحالة.. فهل تستطيع أن تقابل ربك على هذه الحالة؟!(33/1313)
3- ابتعد نهائيا عن هؤلاء الأصحاب الذين يذكرونك بهذا الأمر؛ فالبيئة المحيطة غالبا ما تكون سببا في العودة للمعصية؛ وكلنا يعلم حديث قاتل المائة نفس حينما أوصاه الرجل الصالح أن يترك البلد الذي عصى الله فيه، ويذهب لبلد آخر؛ فاهجر أهل المعاصي واذهب لأهل الطاعة والتقوى حيثما وجدوا لعل الله يقبل منك توبتك .
4- حاول أن تنمي في نفسك دائما مراقبة الله عز وجل لك، واطلاعه على معاصيك؛ وقل لنفسك إن الله يراني، واسألها لم تجعل الله، الذي خلقك ويعلم سرك وعلانيتك، أهون الناظرين إليك ؟!
5- أكثر من الدعاء إلى لله والتضرع إليه والتذلل بين يديه، أن يعافيك مما أنت فيه، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن.
7- قارن بين نعم الله الكثيرة عليك التي لا تستطيع أداء شكرها وبين مقابلتك لها بالجحود والنكران بارتكابك مثل هذه المعصية التي نهى الله عنها.
8- سارع بالزواج، إن لم تكن قد تزوجت؛ فالزواج يحصنك، ويعينك إن شاء الله على التغلب على هذا الداء.
9- أكثر من الصوم فإنه يكسر الشهوة ويهذب النفس، ويوثق صلتك بخالقك.
10- استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا غالبتك نفسك أو غالبك شيطانك لتعود إلى هذه الجريمة، فارفض وكن قويا، ولا تتبع الشيطان، فإنه يريد ان يردك إلى باب المعاصي ويحرمك من التوبة، فلا تستلم للشيطان.
وختاما؛
أسأل الله أن يهديك إلى سواء الصراط، وأن ينقذك مما أنت فيه، وأن يتقبل منك توبتك، وأن يعينك على شيطانك، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن .. آمين.
ـــــــــــــــــــ
أثر الإيمان في تحقيق النصر ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم هل للإيمان أثر في تحقيق النصر على الأعداء؟ و جزاكم الله خيرا ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور الحسيني أبو فرحة الأستاذ بجامعة الأزهر:
أختنا في الله/ أسماء
إن الإيمان بالله عز وجل وبما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العمل بمقتضاه، له أعظم الأثر في النصر على أعداء الله، ذلك أن اعتقاد المسلم بأن الجهاد في سبيل الله وملاقاة الأعداء لا ينقص الأعمار، لأن الأعمار قد سبق بها قدر، تلك العقيدة تملأ نفس المؤمن شجاعة وإقدامًا.
كما أن عقيدة المسلم بأن الشهيد في حرب المسلمين ضد الكفار ليس بميت، بل هو حيٌّ حياة أرغد من حياته على ظهر الأرض، عقيدته تلك تدفعه إلى طلب الشهادة في سبيل الله كما يطلب النصر.(33/1314)
قال صلى الله عليه وسلم مشيرًا إلى حياة الشهيد بعد موته:
"لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بساق العرش ، فلما رأوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، وينكلوا عن الحرب، فأنزل الله قوله: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) .
وكذلك فإن تنفيذ المسلمين ما أمروا به من بذل الجهد في إعداد عدة القتال في حدود الاستطاعة له أثره كذلك في إحراز النصر، فإن واجب المسلمين أن يسبقوا غيرهم في الصناعات الحربية، قال تعالى:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) .
أختنا أسماء
من هنا يصرح القرآن بأن المسلم الذي امتلأ قلبه بعقيدة الإسلام، وأعدَّ ما استطاع من عدة الحرب ينتصر على عشرة رجال من غير المسلمين، وهؤلاء هم المسلمون في أكمل حالاتهم عقيدة وسلوكًا وتطبيقًا لشرع الله، قال تعالى مشيرًا إلى ذلك :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) .
وإن كان المسلمون دون الكمال في العقيدة والسلوك وتطبيق شرع الله فإن الواحد منهم يغلب اثنين فقط من الكفار، قال تعالى: (الآَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
فالمسلم في أضعف حالاته يغلب اثنين من الكفار إذا أعد ما يمكنه من السلاح، وتسلح بالصبر كذلك؛ لأنه مع طلب النصر يحرص على الشهادة ولا يخاف الموت.
هذا ومن الأسرار التي هي من السنن الإلهية في كونه تعالى أن المسلمين إذا اتقوا ربهم بطاعته والبعد عن معاصيه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأعدوا ما استطاعوا إعداده من آلات الحرب وتسلحوا بالصبر أيضًا، إذا فعلوا ذلك كله من التقوى والصبر وإعداد العدة فإن الله ينصرهم على أعدائهم، وإن كان الأعداء أكثر عددا أو عدة، ذلك أن الله عز وجل يمد المسلمين عند ذلك بمدد السماء من الملائكة وتلك سنة إلهية جارية إلى يوم القيامة قال تعالى مشيرًا إلى ذلك :( بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) .
وهكذا تبين لنا أن الإيمان بالله عز وجل وبما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن وسنة مع تطبيقها والعمل بما فيهما يثمر النصر في كل زمان ومكان، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
وختاما؛
فإن المسلم إنما ينتصر بعقيدته وإيمانه بعد استعداده بعدته وعتاده، قال تعالى:(... قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ(33/1315)
الصَّابِرِينَ)، والمؤمن يعلم أن الله قد أعد للشهداء منازل في الجنة يدخلونها عند استشهادهم، وعليه فإنه يعلم أن الأرض ليست دار مقام بل الجنة، لذا فهو يبذل نفسه رخيصة لنيل هذه الدار، وهذا من أسباب النصر الذي يأخذ بها المقاتل المسلم، والله تعالى وعد هذه الأمة المؤمنة بالنصر فقال تعالى:( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياك الإيمان الذي يجلب النصر، وأن ينصرنا على أعدائنا نصرا مؤزرا، إنه سبحانه قدير وبالإجابة جدير، آمين .. وتابعينا بأخباركم .
ـــــــــــــــــــ
رياء البدايات والنهايات.. بل عاجل بشرى المؤمن ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في البداية أشكر سيادتكم على هذا العمل العظيم، وأتمنَّى من الله أن يكون في ميزان حسناتكم. سؤالي هو: في بعض الأحيان تتسلَّل إلى قلبي بعض الأفكار الشيطانيَّة التي هي أصلاً ليست من تكوين شخصيَّتي، ففي بعض الأحيان عندما أعمل عملاً لا أبتغي فيه سوى مرضاة الله وتكون نيَّتي خالصةً لله، سواء كان هذا العمل أمراً بمعروفٍ أو نهياً عن منكر، إلا أنني أشعر أن هذه الأفكار تدخل إلى قلبي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: عندما أذهب لكي أصلِّي في المسجد، وليس في نفسي أيُّ شيءٍ سوى أداء فريضة الصلاة، تأتي هذه الهواجس وتقول لنفسي: إنَّ الناس ستقول عنك أنَّك مصلّ، وإذا أخرجت مالاً على سبيل الزكاة أو الصدقة، إذا بهذه الأفكار تأتيني وتقول ليّ إنَّك تفعل ذلك ليقول الناس عنك إنك كريم، وعندما أقول لأحدٍ نصيحةً أيًّا كانت هذه النصيحة تأتي هذه الأفكار مرَّةً أخرى وتقول لي بأنَّ هذا الشخص سيمدحك ويُعجَب بك وبأسلوبك. مع ملاحظة أنَّني أعمل هذه الأعمال ليس فقط إلا ابتغاء مرضاة الله، ولكن لا أدري من أين تأتي هذه الأفكار الشيطانيَّة، فإنَّني أخشى ألا تُتَقبَّل هذه الأعمال منِّي، وذلك لأنَّ الأعمال بالنيَّات، وأخشى أكثر بأن أندرج تحت طائفة المنافقين فتصبح هذه الأفكار ذات تأثيرٍ سلبيٍّ على علاقتي بربِّي. فماذا أفعل وأنا بصدد هذه المشكلة الكبيرة؟ وما الحلُّ القاطع لها؟ أفيدوني أفادكم الله. و جزاكم خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور عبد الرحمن الأغبري، الداعية اليمني، عضو فريق الاستشارات الإيمانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
اعلم -رحمك الله- أنَّ القلب لا يخلو من الخواطر والأفكار، والشيطان لابن آدم بالمرصاد، قال تعالى: "إنَّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتَّخذوه عدوّا"، فهو يلقي في قلب العبد الوساوس والأفكار المضرَّة ويحاول أن يحول بينه وبين القيام بالعمل الصالح، وما ذكرته في السؤال يدلُّ على علامة خيرٍ وإيمانٍ بإذن الله، والمؤمن لا يزال في جهادٍ إلى أن يلقى ربَّه، وعليك أن تعلم أنَّ الإخلاص وضدَّه يتواردان على القلب ولا(33/1316)
يكونان إلا في القصد والنيَّة، والنيَّة حقيقتها ترجع إلى إجابة الباعث والداعي، ومن كان غرضه محض التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ فهو مخلصٌ ولا عبرة ولا التفات لما يعتري القلب من الوساوس والخطرات التي هي ضدُّ الإخلاص، فالنيَّة والباعث لا يعلمها إلا الله، لا يعلمها مَلَكٌ فيكتبها ولا شيطانٌ فيفسدها، وإنَّما لهم الظاهر والله يتولَّى السرائر، فما عليك أخي إلا أن تقوم بما يلي:
1- أن تجاهد نفسك وتَقْلَع مغارس الرياء من قلبك.
2- أن تقطع الطمع وتستحقر مدح المخلوقين لك إنَّما يكفيك نظر الله إليك.
3- ألاَّ تنقطع عن العمل، بل استمرَّ فيه، فالشيطان يريد منك ترك العمل بخواطر الرياء.
4- عليك أن تعلم أنَّ خوف المؤمن على نفسه من النفاق هي علامة صحَّةٍ لا مرض، قال ابن أبي مليكة : أدركت سبعين صحابيًّا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلُّ واحدٍ منهم يخشى على نفسه النفاق.
5- الخواطر تهجم على القلب، ولا سبيل له لدفعها إلا بالإيمان والدعاء، بل والإلحاح بطلب العون من الله.
6- أكثِر من الأعمال الصالحة فيما بينك وبين الله في السرِّ بحيث تتربَّى النفس أنَّها يكفيها نظر الله إليها.
وأختم كلامي أنَّ الشيطان لا يترك العبد المسلم أبدا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناسٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلَّم به، قال: "وقد وجدتُّموه؟" قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان"رواه مسلم. والله أعلم.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
وبكلام الدكتور عبد الرحمن الأغبري أكرمه الله تعالى وبارك فيه، أحبُّ أن أشير إلى ثلاث نقاط :
- لعَّل ما يحدث معك أخي هو عاجل بشرى المؤمن كما سمَّاه صلى الله عليه وسلم، فعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن"رواه مسلم، فمن عمل عملاً أراد به وجه الله تعالى، ثمَّ حمده الناس عليه فإنَّ هذا العمل لا يفسد، بل هو من خير المؤمن.
– إنَّ فعل الشيطان هذا هو ما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشيطان قد أيِس أن يُعبَد بأرضكم هذه، ولكن قد رضي منكم بالمحقَّرات"رواه البزَّار ورجاله رجال الصحيح، وروى أحمد والبيهقيُّ نحوه بسندٍ حسن.
قال الطيبي رحمه الله في معنى المحقَّرات: "أي ممَّا يتهجَّس في خواطركم وتتفوَّهون عن هنَّاتكم وصغائر ذنوبكم".
وهذا لا يكون إلا مع المؤمن الذي يئس الشيطان منه، فلا تحزن أخي، فأنت على خيرٍ إن شاء الله تعالى، بشرط ألا تترك ما تقوم به من خيرٍ مهما حدث.
- الحديث في موضوع النيَّة والرياء، والنيَّة القبليَّة والبعديَّة، وتداخل الرياء معها مع بدء العمل أو في وسطه أو بعد نهايته حديثٌ طويل، وأنصحك لمعرفة تفصيل ذلك أن(33/1317)
تقرأ في الكتب التي تحدَّثَت في الأمر، مثل: تهذيب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزاليّ- مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة المقدسيّ- رسالة المسترشدين للإمام الحارث المحاسبيّ بتحقيق الدكتور عبد الفتَّاح أبو غدَّة- تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزيّ- مؤلَّفات الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة.
ارجع لهذه الكتب وستجد فيها ما يروي غليلك ويُطَمْئِن قلبك إن شاء الله تعالى.
كلُّ ما أطلبه منك أخي أمران:
1- ألا تتوقَّف عن العمل مهما سعى الشيطان لإفساده.
2- أن تستمرَّ في مقاومة الوسوسة وألا تستسلم لها، وعليك بالمعوذتين ليل نهار.
بارك الله فيك وفي عملك أخي محمود، ورزقنا جميعاً الإخلاص، وأبعد عنَّا الشيطان ووسوسته .
ـــــــــــــــــــ
إرشادات في رفع الهمة والتزام الصلاة ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تنتابني حالاتٌ من اليأس والإحباط تجعلني أنقطع عن أداء فرض الصلاة، وأنا بداخلي أتعذَّب من هذا الموضوع. أرجو من حضرتكم إرشادي للطريقة المثلى للتخلُّص من هذا اليأس وتشجيع نفسي على الالتزام بالصلاة. و جزاكم الله الخير لما تقدِّمونه من فوائد ونصائح لفتيات الإسلام. ودعواتكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة نائلة،
أكرمك الله تعالى وبارك فيك، وأسأل الله تعالى أن يعينني ويعينك على القيام بحقِّه.
وحديثي إليك ذو ثلاثة أقسام:
1- في الهمَّة والفتور.
2- تقدير حجم المشكلة.
3- الخطوات العمليَّة للعلاج.
1- في الهمَّة والفتور:
أختي الكريمة،
تعلَّمنا أنَّ أول وسيلةٍ لعلاج أيِّ داءٍ هي تشخيصه، ثمَّ الصدق في طلب الشفاء منه، فإن كنت قد شخَّصت سبب عدم قدرتك على أداء فريضة الصلاة باليأس وضعف الهمَّة، فعليك اتِّخاذ الأسباب التي تُعينك على رفعها، والتي بمجرَّد أن تتَّخذيها، فسيحدث تغييرٌ إن شاء الله تعالى، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بأنفسهم".
ولذلك فالمرء يحتاج في تنمية الهمَّة، وإلغاء سحب اليأس من قلبه إلى عدَّة أمور:(33/1318)
- محاولة التعرُّف على الأسباب المؤدِّية إلى الملل أو اليأس، ومحاولة تلافيها وعلاجها، سواءً كانت اقتصاديَّة، أو اجتماعيَّة، أو مهنيَّة، أو أُسَريَّة، أو ما شابه ذلك، فإن كانت الأسباب مرتبطةً بحال المسلمين اليوم، فالأمر متعلِّقٌ بالنقطة التالية.
- تشجيع النفس: بالنظر إلى ما تحقَّق من إنجازاتٍ للإسلام بفضل الله أوَّلا، ثمَّ بفضل جهود المخلصين العاملين له المجاهدين في سبيله، فإنَّ ذلك يعطي الأمل في التغيير، ويدفع إلى مزيد من العمل دون ملل.
ولاستشعار الإنجاز عليك أن تقارني بين ربع القرن الأخير والفترة التي قبله، وستجدين الفرق واضحاً في أمورٍ عدَّة، كاتِّساع المفهوم الشامل للإسلام بعد أن كان فهم الناس للإسلام قاصراً على الصلاة والذكر وبعض العبادات فحسب، كما ازدادت روح العمل لدعوة الناس لدين الله تعالى وهداية العالَمين للإسلام، ونظرةٌ سريعةٌ –كمثال- على المواقع الإسلاميَّة المعنيَّة بذلك على الإنترنت تكفي، وصحيحٌ أنَّها لم تصل للمستوى المأمول والمنشود، إلا أنَّ قطرةً في المجرى تُعين وتنفع.
كما تزايد توجُّه الناس إلى قيام رمضان وصلوات العيد، وما شابه ذلك، وانتشرت مشاهد الحجاب في المجتمعات.
وهذه كلُّها بشائر خيرٍ دافعةٌ ورافعةٌ للهمم، مزيلةٌ لسحابات اليأس والقنوط.
- غرس معاني الإيجابيَّة في النفس، بالعمل على خدمة المجتمع من خلال مؤسَّساته وهيئاته، وتحقيق مفهوم "الخيريَّة" للناس جميعا، فنخوض غمار مجتمعنا بإيماننا وأخلاقنا، ونسمو به إلى القمم العالية، ونغرس فيه هذه الإيجابيَّة الفاعلة، فيتصرَّف من خلاله، ويفعل من خلاله، وينتج من خلاله، فإذا تحقَّق على أيدينا شيء، فقد أنشأنا في قلبنا أملاً سيدفع بنا بالتأكيد إلى الهمَّة، ويذهب بعلامات اليأس والفتور.
- تذكُّر عِظَم الرسالة التي تحملينها: يا أختي، المسلم صاحب أعلى لواءٍ على الأرض، ودينه هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا وهو مرتبطٌ مباشرةً بالعزيز الغالب سبحانه، ويا له من ارتباط، ربٌّ عزيزٌ سبحانه، وأمرنا ألا نعطي الدنيَّة من ديننا، ونهانا عن الذلَّة والمهانة، بل ونهانا عن كلِّ ما يؤدي لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"رواه البخاريُّ ومسلم، والمرَّة الوحيدة التي سمح لنا ربُّنا فيها بالذلَّة هي مع إخواننا المسلمين: "يا أيُّها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبُّونه أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم"، وهذه الآية العظيمة تحتاج إلى وقفة: فالقوم الذين يحبُّهم الله تعالى وسوف يأتي بهم بدلاً ممَّن ارتدُّوا عن دينهم، من شروطهم أن يكونوا أعزَّةً ولا يخافون لومة لائم ولا يذلُّون إلا لإخوانهم، ألا تكفي هذه الآية للتدليل على عِظَم هذا الدين ورقيِّه وعلى اشتراطه العزَّة كشرطٍ أساسيٍّ للمنتمين إليه؟
دينٌ عظيمٌ بهذه الدرجة يحتاج إلى عظام، فانتمي إلى العزيز سبحانه وإلى دينه الذي يربِّي العزَّة، وستجدي همَّتك تطاول عنان السماء.
2- تقدير حجم مشكلة ترك الصلاة:
وذلك من خلال:(33/1319)
- العلم بحجم الثواب الذي يفوتك يوميّا:
فأداء الصلاة في أوَّل وقتها أحبُّ عملٍ إلى الله تعالى على وجه الأرض، وإذا أحبَّ الله عملاً أجزل له الثواب؛ فلعلَّ ذلك يكون حافزاً لك على الالتزام بها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "برُّ الوالدين"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"رواه البخاريُّ ومسلم.
ثمَّ إنَّ الصلاة مفتاح الوصول إلى الله تعالى، إذ هي وسيلة المناجاة التي تربطك بربِّك سبحانه خمس مرَّاتٍ في اليوم على أقلِّ تقدير، وهي فرصةٌ للاتِّصال بالخالق لطلب عونه وفضله، فلا تفوِّتيها.
- العلم بذنب التكاسل عنها:
فالخوف يدفع إلى العمل لاجتناب الأضرار، قال تعالى: "فويلٌ للمصلِّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون"، فهم لا يتركون الصلاة، بل يؤدُّونها، ولكن بتهاونٍ أو عندما يتذكَّرون، فالويل والذنب لهم؛ فما بالك بمن لا يؤديها أصلا؟!
3- الخطوات العمليَّة للعلاج:
- الاستعانة بالله ودعاؤه بالتنشيط والتغلُّب على وساوس الشيطان:
قال تعالى: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، وقال: "قل أعوذ بربِّ الناس، مَلِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، فالشيطان يخنس، أي يتراجع بذكر الله تعالى ذكراً فيه حضور قلبٍ ويقينٌ بقدرة الله على التغيير.
والدعاء لابدَّ وأن يكون بإخلاص، أي بإرادةٍ حقيقيَّةٍ في الشفاء؛ إذ الإخلاص سببٌ رئيسيٌّ للتوفيق والنجاح، ونيل عون الله سبحانه.
- التدريب على القيام أوَّل الوقت:
وهذا يتحقَّق من خلال ضبط الساعة أو الاتِّفاق مع زميلةٍ أو جارةٍ على تذكرتك، أو المرور عليك؛ تصليَّا معاً، منعاً من الانشغال عنها أو التكاسل.
أيُّ وسيلةٍ توصل لذلك قومي بها، المهمُّ أن نصل للنتيجة.
– التواجد ما أمكن في وسطٍ صالح:
وهذا من شأنه أن يعين على الطاعة، ويبعد عن المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم وصحَّحه، فحاولي أن يكون من حولك أخواتٌ صالحاتٌ يُعِنَّ على الطاعة والعبادة.
– التدريب على قوَّة الإرادة والصبر:
ويكون هذا ببعض الأعمال التي تعين على ذلك، كالصوم مثلا؛ فقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن عجز من الشباب عن الزواج ليعصمه من الخطأ، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء"رواه الخمسة، الباءة: أعباء الزواج، وِجاء: أي ضابطٌ للشهوة.
ولا يقعدك الشيطان عن الصوم بوسوسته "إنَّك إذا كنت لا تصلِّين؛ فكيف تصومين؟"، ولكن صومي واعلمي أنَّ حلاوة الصيام ستوصلك إلى حلاوة الصلاة، بل ستوصل همَّتك إلى فعل كلِّ الخيرات.(33/1320)
أعلم أنَّ ذلك يحتاج جهداً في أوَّل الأمر، لكنَّه –كأيِّ شيءٍ يتمَّ التدريب عليه- يسهل ويصبح عادةً بالتدريج.
- التدرُّج: فالتدرُّج هو منهج الإسلام، والمنبتُّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، فابدئي خطوةً خطوة، ولا تلزمي نفسك بكلِّ شيءٍ مرَّةً واحدة، التزمي أوَّلاً بالصلوات الخمس، وأتقنيها وحافظي عليها، ثمَّ بعد ذلك فكِّري في السنن، ثمَّ قيام الليل مثلا، وهكذا.
يا أختي إنَّ التدرُّج أدعى لتيسير تطبيق الطاعات على الإنسان دون إحساسٍ بصعوبة ذلك على نفسه.
– الحرص على معاملات الإسلام ما أمكن:
فإن كان الشيطان قد غلبك في الصلاة؛ فلا يغلبك مثلاً في إتقان عملك وتقوى الله فيه، والمواظبة على مواعيدك، والوفاء بالوعود والأمانات مع الناس، وخدمتهم وعونهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، فإن حرصت على هذه المعاملات الإسلاميَّة سيكون ذلك بإذن الله حافزاً على محاولة استكمال بقيَّة جوانب الخير في نفسك، خاصَّةً الصلاة، وسيأتي عليك يومٌ تواظبين عليها، وتعينين غيرك ممَّن لا يصلُّون بوسائل العلاج التي اتَّخذتِها، وستكونين نِعْم الداعية إلى الإسلام.
أختي الكريمة،
مجرَّد إحساسك بالمشكلة هو حلٌّ لها، أو لنقل هو أوَّل خطوات الحلّ، فعرفتِ أنتِ الخطوة الأولى، وأوضحنا نحن الخطوةَ الثانية، وبقي أن تبذلي وسعك لتحقِّقي الخطوة الثالثة والأخيرة، وها هو رمضان على الأبواب، فاجعليه مفتاح الخير لنفسك ولدينك.
حفظك الله تعالى وقوَّى إيمانك وهمَّتك، وكوني على اتصالٍ بنا.
استشاراتٌ ذات صلة:
- الفتور: موادٌّ للقلب والعلم والعمل
- وصفة للمقصِّرين: حديث "الهمَّة" وحديث "الفتور"
- كلماتٌ في: الضعف.. الفتور.. التربية
- الهمَّة العالية: كن رجلاً لا رُجَيلا
ـــــــــــــــــــ
الخلاص من سوء الظن .. جهاد وصبر ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أعاني من مرض سوء الظن بالناس!! وأي أحد يعاملني بطريقة لا تعجبني أتضايق كثيرا وأفكر فيه كثيرا، وأحيانا أشعر أنني أكرهه!! وبأني أريد أن أتشاجر معه!!! حتى أنني اليوم في أثناء المذاكرة توقفت فجأة وأخذت أفكر بالزميلات اللاتي أشعر أنهن يكرهنني وأخذت أكتب أسماءهن.. أفكر بالمواقف التي حصلت. وكم يؤلمني هذا الشعور يؤلمني، فلا أريد أن أسيء الظن بالناس!! ولا أريد أن أهتم برأي الناس عني!!، لأنني أعرف أن إرضاء الناس غاية لا تدرك!!، ولكنني لا أطبق ذلك عمليا!!، حتى أني أحيانا أجد نفسي أسيء الظن بالله!!! أستغفر الله!! ... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار(33/1321)
... ... الرد ...
...
... أختنا في الله مريم، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قرأت رسالتك، وهي تحتوي على أمرين أولهما : سوء الظن بالناس، وثانيهما : سوء الظن بالله، وأقول لك وبالله التوفيق :
إن سوء الظن- بصفة عامة- خلق ذميم، يجب أن يترفع عنه المسلم، بل الواجب عليه أن يكون حسن الظن على الدوام، ولا أريد بكلامي هذا أن يكون المسلم مصدقا لكل ما يقوله الناس وما يفعلونه دون تفحص وتفكر وتدبر، بل المقصود أن يكون حسن ظنه بالناس داعيا لعدم أخذ مواقف مبدئية منهم بمقاطعتهم أو رفض كلامهم وآرائهم، بل إن عليه أن يكون واسع الصدر يسمع من الآخرين، ثم يعرض ما يسمعه على عقله وقلبه، فما وافقهما من القول والفعل قبله ما لم يخالف شرع الله عز وجل، وما رفضه عقله وقلبه -وكان مخالفا لشرع الله- فليرفضه ولا يأخذ به، هكذا يجب أن يكون المسلم دائما: "كيّس فطنّ"، من الكياسة والفطنة.
وقد أكبرت فيك قولك "أعاني من مرض سوء الظن بالناس...!!" فقد هداك الله إلى اعتباره مرضا تبحثين له عن دواء، أما عن قولك (أي أحد يعاملني بطريقة لا تعجبني أتضايق كثيرا وأفكر فيه كثيرا.. وأحيانا أشعر أنني أكرهه!! وبأني أريد أن أتشاجر معه!!!) فإن الإنسان- كل إنسان- لا يحب أن يعامله أحد بطريقة سيئة، والنفس مجبولة على حب من يحسن إليها وبغض من يسيء إليها، لكن الله أنعم علينا بنعمة النسيان، فلو كان الإنسان سيتذكر كل إساءات الناس إليه في حياته لكره الناس كلهم ولتحولت حياته إلى جحيم لا يطاق.
وما تفعلينه - يا أخت مريم- من أنك تفكرين بزميلاتك اللاتي أسأن إليك أو اللاتي تشعرين أنهن يكرهنك، ثم تسجلين أسماءهن ومواقفهن السيئة معك هو تصرف غير سليم، واستمرارك فيه قد يحيل حياتك إلى حلقات لا تنتهي من الكراهية وسوء الظن؛ وهو ما قد يؤثر على تصرفاتك وردود فعلك تجاههن، مما قد ينفر الناس منك ويصرفهم عن مصاحبتك، ولذا فإنني أنصحك بالآتي :
1- توجهي إلى الله بالدعاء أن يشفيك من هذا المرض، (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
2- لا تشيعي هذا الأمر عن نفسك، ولا تقصيه لزميلاتك أو لأقربائك حتى لا يأخذوا انطباعات سيئة عنك، وحتى لا يغريك الشيطان بالتمادي في هذا الذنب قال تعالى : (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا).
3- عودي نفسك على تذكر المواقف الجميلة والتصرفات الحلوة من الناس تجاهك، بل ويمكنك أن تحتفظي بدفتر تدونين به المواقف والتصرفات المحببة إلى نفسك، والهدايا التي تصلك من زميلاتك، على أن تطالعي هذا السجل من حين لآخر، لينشرح صدرك ويسر فؤادك .
4- اجلسي مع نفسك جلسة صفاء ومصارحة، واكتبي أسماء زميلاتك وصديقاتك، واختاري منهن الأصلح والأكثر حبا إلى نفسك، ووثقي علاقتك بهن واتخذي لك(33/1322)
منهن صديقة صدوقة ممن تميل نفسك إليها، حتى لا تملي ولا تنفرد بك الظنون السيئة، فإن الشيطان من الواحد قريب وهو من الاثنين أبعد كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
5- اعلمي -وأنت تعلمين هذا فعلا- أن إرضاء كل الناس غاية لا تدرك، وما أجمل قول الشاعر:
وما أحد من ألسن الناس سالمًا ولو أنه ذاك النبي المطهر
فإن كان مقدامًا يقولون: أهوج وإن كان مفضالا يقولون: مبذر
وإن كان سكّيتا يقولون: أبكم وإن كان منطيقًا: يقولون مهذر
وإن كان صوامًا وبالليل قوامًا يقولون: زوار يرائي ويمكر
فلا تكترث بالناس في المدح و الثنا ولا تخش غير الله والله أكبر
أما عن سوء ظنك بالله، فإنه أمر خطير ومرض عضال، لأن سوء الظن بالله يكون بسبب نقص الإيمان به وقلة التعرف عليه سبحانه، والمسلم لا يكمل إسلامه إلا إذا أحسن الظن بخالقه، فهو القائل سبحانه فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم : "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن ظنه بالله".
فكوني -أختي في الله- حسنة الظن بخالقك، فهو الذي خلقك ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تعد ولا تحصى، واحذري من تلبيس إبليس- لعنه الله- فهو الذي يلبس على الناس دينهم وإيمانهم بربهم، ويشككهم في وجوده وقدرته، فانفضي عنك هذا الوهم وهبي إلى ربك وأقبلي عليه واستغفريه على ما أسأت الظن به فأنت بحالك أعلم، ولا تستسلمي للشيطان فإنه لك عدو مبين قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) .
وختاما؛ أسأل الله العلي القدير أن يصرف عنك سوء الظن وأن يجعلك من عباده المؤمنين الذين غفر لهم ما كان منهم، وابدئي صفحة جديدة مع الله ومع الناس ومع نفسك... وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
التقوى والتوكل والصبر.. أين الطريق؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
لقد قرأت في كتاب الله العزيز: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه" وإن شاء الله تكونون من المأجورين. سؤالي هو: كيف تتحقَّق تقوى الله؟، وما الشروط التي يجب أن أتَّبعها كي أصبح تقيَّة، ويجعل الله لي مخرجا؟ وما التوكُّل على الله؟ وكيف يكون؟ لي سؤالٌ أخيرٌ أيضا: كيف أصبر على مصائب الدهر؟ كيف أشعر باليقين حين أتَّجه الله بإجابة الدعاء، حيث إنَّني قرأت في حديثٍ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سئل عن الدعاء، قال بأنَّه لا يجد همًّا في الدعاء، ولكن في اليقين إجابة الدعاء؟ أرجو أن أجد لديكم الجواب الشافي الذي يثلج صدري. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...(33/1323)
...
... يقول الشيخ عبد الحميد البلالي:
ابنتي عبلة،
زادك الله حرصاً على تعلُّم دينك، لقد سألت عن خمس مسائل، كلِّ واحدةٍ منها تحتاج إلى مجلَّدات، ولذلك فسوف أركِّز في إجابتي على أهمِّ هذه الأسئلة، ألا وهو سؤالك عن التقوى وشروطها، حيث إنَّ الآية المشهورة في سورة الطلاق تحتوي على قاعدةٍ إيمانيَّةٍ كبيرة، إنَّها قاعدةٌ ربَّانيَّةٌ لا تخطئ أبدا، فإذا ما تحقَّق شرطها الأوَّل تحقَّق الثاني دون إبطاء، حيث يقول الحقُّ فيها: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب".
ما التقوى؟
التقوى هي الحماية، والحماية إمَّا أن تكون من الأخطار الخارجيَّة أو الداخليَّة، والأخطار كثيرةٌ ومتنوِّعة، وأشدُّها خطراً تلك التي تمنع الإنسان من دخول الجنَّة، وتكون سبباً لدخوله النار، وأَولى أجزاء الإنسان بالحماية هو قلبه، حيث إنَّه إذا صلح وسلم من الأخطار صلح وسلم سائر الجسد، حيث يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"متَّفقٌ عليه.
يقول حجَّة الإسلام الغزالي: "العبادة شطران، اكتساب: وهو فعل الطاعات، واجتناب: وهو تجنُّب السيِّئات، وهو التقوى، وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب، يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، واشتغل المنتبهون أولو البصائر بالاجتناب، إنَّما همَّتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى، والبطون عن الفضول، والألسنة عن اللغو، والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم".
مراتب التقوى:
وحماية القلب والجوارح له ثلاث درجات، أو ما يطلق عليه الإمام ابن القيِّم بمراتب التقوى الثلاث، حيث يقول: "التقوى ثلاث مراتب:
إحداها: حمية القلب والجوارح من الآثام والمحرَّمات.
الثانية: حميتها عن المكروهات.
الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.
فالأولى: تعطي العبد حياته، والثانية تفيد صحَّته وقوَّته، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته".
الخطر الأكبر:
ومن حمى نفسه من هذه الأخطار، فقد حمى نفسه من الخطر الأكبر، وهو النار التي أمر الله تعالى في كتابه الكريم المؤمنين بالحماية من شرِّها حيث قال: "يا أيُّها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وَقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".
وكذلك نتَّقي هذا الخطر الأكبر بالعمل الصالح، فهو السبب الرئيسيّ -بعد رحمة الله، وحماية القلب والجوارح من المعصية– في دخول الجنَّة، والابتعاد عن النار، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرة"رواه البخاري، ويقول(33/1324)
الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"رواه البخاريُّ ومسلم.
صفات المتَّقين:
إنَّ للمتَّقين صفاتٌ كثيرةٌ تحميهم من نار جهنَّم، يجاهدون أنفسهم للاتِّصاف بها طيلة بقائهم في هذه الحياة الدنيا، وتتكامل هذه الصفات، وتزداد عمقاً يوماً بعد يومٍ كلَّما تقرَّبوا إلى ربِّهم، ومن أبرز هذه الصفات:
1- استواء الظاهر مع الباطن:
أو هو الإخلاص في أحد صوره الجميلة، فالمخلص الذي يريد وجه الله لا يفرِّق في ذلك عندما يكون خالياً أو أمام الناس، حيث يستوي عنده الظاهر والباطن، أمَّا أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى أمام الناس، وإذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها، فأولئك يفضحهم الله في الدنيا والآخرة، ويسلبهم الله نور الإيمان الذي يظهر جليًّا على وجوه أولئك المخلصين، ويكون أثره كالمغناطيس يجذب القلوب إليهم، بينما يتباعد الناس عن أولئك المتظاهرين، وينادي الإمام ابن القيِّم هذا المتظاهر بالتقوى متعجِّبا: "سبحان الله، ظاهرك متجمِّلٌ بلباس التقوى، وباطنك باطيةٌ لخمر الهوى، فكلَّما طيَّبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون، وانحاز إليك الفاسقون" (الباطية هو الإناء الذي تشرب فيه الخمر).
إنَّهم يتظاهرون بالتقوى ولكنَّ قلوبهم مملوءةٌ بحبِّ غير الله، وقد اتَّخذوا أهواءهم آلهةً من دون الله، وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح.
2- تقديم العمل على المظاهر:
إنَّهم يعلمون حقَّ العلم بأنَّه ما من آيةٍ في القرآن الكريم ذكرت الإيمان إلا وقرنته بالعمل، ويعلمون بأنَّه لن يُنجِي العلم من غير عمل، ولا المظاهر من غير عمل، فإنَّ الله لا ينظر إلى القلوب، وإذا عمرت القلوب بحبِّ الله دفعها للعمل، وإذا ما عمل الإنسان طفح أثر العمل على الجوارح، وكان إمام التابعين الحسن البصريِّ يؤذيه رؤية ذلك الصنف من الناس الذين يهتمُّون بمظاهرهم على العمل، ويظنُّون أنَّ ذلك من التقوى، فقد رأى يوماً فرقد السنجيَّ وعليه جبَّة صوف، فأخذ بجبَّته ثمَّ قال: "يا بن فرقد -مرَّتين أو ثلاثة– إنَّ التقوى ليست في الكساء، إنَّما التقوى ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل والفعل".
3- الاهتمام بتقوية القلب:
إنَّهم يتَّجهون أوَّلاً لتقوية القلوب، فالقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، ولا يصلح الظاهر حتى يصلح الباطن، وما أجمل ما كان يقول الواعظ يحيى بن معاذ: "عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثمَّ تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكرانٌ بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلَّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو بادرت هواك".
فما كمال العقل إلا بمعرفة أهمِّيَّة الوقت، والمبادرة قبل انقضائه بقيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعته فيما لا يرتفع إلى السماء.
4- الاهتمام بالعلم والعمل:(33/1325)
فالتقوى هي العاصمة من القواصم، ومن كلِّ فتنةٍ عاصفة، ولا يمكن أن تثبت حقيقة التقوى من غير علمٍ وعملٍ وإخلاص، وقد نصح التابعيُّ الجليل والزاهد البصريُّ الكبير طلق بن حبيب أتباعه باتِّقاء الفتن بالتقوى فقال: "اتَّقوها بالتقوى"، فقيل له: صف لنا التقوى، فقال: "العمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نورٍ من الله، مخافة عذاب الله".
ونور الله هو العلم، ورجاء ثواب الله أي ابتغاء وجه الله بالعمل، والإخلاص له، دون رجاء الثواب من غيره من المخلوقين، وترك المعاصي بالعلم مخافة عذاب الله وليس مخافة البشر أو بانتظار ثنائهم.
ومن اتَّصف بهذه الصفة، وهذا العمل المكمِّل للعمل، وابتغاء وجه الله في ذلك فإنَّه يكون في مأمنٍ من الفتن، وإنَّما يقع في الفتنة من جهل، وقلَّت مخافته من الله تعالى، وابتغى غير وجه الله في عمله.
5- تنقية الطمع والغضب:
وهي من أبرز صفات المتَّقين، حيث إنَّهم يمارسون التوحيد الخالص لله تعالى، ولا يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره، كما قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وجعلها رسولنا صلى الله عليه وسلم سنَّةً في افتتاح كلِّ صلاة، عندما رغَّبنا بأن نقول: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين".
وبالتالي يكون كلُّ ما يقومون به نقيًّا إلا من الله تعالى، سلوكهم وقلوبهم ومعاملاتهم، وممَّا يذكره بكر بن عبد الله المُزنيِّ عن المؤمن أنَّه: "لا يكون تقيًّا حتى يكون نقيَّ الطمع نقيَّ الغضب".
فلا يغضب إلا لله تعالى، ولا يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا، وإنَّما يقصر طمعه لما عند الله من النعيم، فكلَّما رأى من جواذب الدنيا شيئاً تذكر أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وكلَّما أغضبه شيءٌ من أمور الدنيا، تذكَّر أنها لا تستحق أن يغضب لها وهي زائلة، فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه وسلوكه ومعاملاته، حتى يبقى على التوحيد الخالص لله تعالى.
6- محاسبة النفس:
يقول التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
فهو امتدادٌ لصفة التنقية للطمع والسلوك والغضب، ذلك لأنَّ المحاسبة هي أحد الضمانات بعدم تراكم الأخطاء، ومراجعة الأعمال التي لم يكن فيها النقاء كما ينبغي، والمحاسبة صفةُ عظيمةٌ أقسم الله سبحانه بها فقال: "ولا أقسم بالنفس اللوَّامة"، وهي تلك التي تلوم صاحبها على كلامه وأفعاله، لينقِّيها ممَّا شابها من أدران المعاصي، وابتغاء غير وجهه سبحانه، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر".
7- كراهية الثناء:
فالمتَّقي لله تعالى، لا يبتغي وجهاً سواه، ولا يطمع بشيءٍ سوى ما عنده من الجنَّة والرضى والأجر العظيم، وكلُّ ما دون ذلك لا يساوي في عينيه شيئاً مهما قيل عنه وأثني عليه، فهو أعلم الناس بنفسه، وبالتالي تراه لا يحرص على ثناء الآخرين،(33/1326)
ويتضايق منه لأنَّه يخشى أن يسبب له انتفاخاً ينسيه فضل الله عليه، وأن يكله إلى نفسه.
وكان التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران من هذا الصنف من المتَّقين الذين يكرهون الثناء خوفاً على أنفسهم، فقد جاء رجلٌ وقال له: يا أبا أيُّوب، ما يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك الله لهم، فردَّ عليه حالا: "أقبِل على شأنك، ما يزال الناس بخيرٍ ما اتَّقوا ربَّهم".
ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الثناء، وأمرنا بحثو الرمل في وجوه المدَّاحين، إلا إذا أمنت من انتعاش الممدوح، وكان الهدف من ذلك تشجيعاً على بعض أخلاقه، أو تثبيت ذلك الخلق في نفسه، كما مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وغيرهم ممَّن يعلم أنَّ المدح لا يؤثِّر فيهم.
يجعل له مخرجا:
فإذا ما حقَّق المؤمن الشرط الأوَّل للمعادلة بتحقيق التقوى في نفسه، حقَّق له الشطر الثاني من المعادلة، بأن يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
يقول الإمام ابن الجوزيّ: "تأمَّلت قوله تعالى: "فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى"،قال المفسِّرون: "هداي": رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابي، فوجدتُّه على الحقيقة أنَّ كلَّ من اتَّبع القرآن والسنَّة وعمل بما فيهما، فقد سلم من الضلال بلا شكّ، وارتفع في حقِّه شقاء الآخرة بلا شكّ، إذا مات على ذلك، وكذلك شقاء الدنيا، فلا يشقى أصلا، وبيَّن هذا قوله تعالى: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا" فإن رأيته في شدَّة، فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصابَ عنده عسلا، وإلا غلب طيش العيش في كلِّ حال، والغالب أنَّه لا ينزل به شدَّة، إلا إذا انحرف عن جادَّة الصواب، فأمَّا الملازم لطريق التقوى فلا آفة تطرقه، ولا بليَّة تنزل به، هذا هو الأغلب، فإن ندر من تطرقه البلايا مع التقوى فذلك في الأغلب لتقدُّم ذنبٍ يجازى عليه، فإن قدَّرنا عدم الذنب، فذاك لإدخال ذهب صبره كير البلاء، حتى يخرج تِبْرًا أحمرا".
وصايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
والوصيَّة لا تخرج إلا من حريص، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على أمَّته، ولذلك جاءت وصاياه بما ينجي أمَّته، ويجعلهم في أعلى علِّيِّين يوم القيامة.
ومن هذه الوصايا ما كان يخصُّ التقوى، حيث قال في الحديث: "أوصيك بتقوى الله تعالى فإنَّه رأس كلِّ شيء"رواه الإمام أحمد، ورجاله ثقات.
يقول الإمام المناوي: "إذ التقوى وإن -قلَّ لفظها- جامعةٌ لحقِّ الحقِّ والخلق، وشاملةٌ لخير الدارين، إذ هي تجنُّب كلِّ منهيّ، وفعل كلِّ مأمور".
والوصيَّة عندما تصدر من محبّ، فهي أَولى بالاتِّباع، فكيف إذا ما صدرت من محبّ، ومن أتقى الأتقياء، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
ما المخرج؟
تعدَّدت أقوال أهل التفاسير في هذا المخرج، وإن كانت جميعها تحتمل معاني المخرج الكثيرة، التي يستحقُّها من اتَّقى الله تعالى، ومنها:
أ- النجاة من الكربين، وهو ما رواه ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بقوله: "ينجيه من كلَِّ كربٍ في الدنيا والآخرة".
ب- القناعة، وهو ما قاله عليُّ بن صالح: "المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه".(33/1327)
ج- النجاة من النار إلى الجنَّة، قاله القلبيّ.
د- مخرجاً من النهى: قاله الحسن البصريّ.
هـ- من كلِّ شدَّة، وما قاله ابن خيثم: "من كلِّ شيءٍ ضاق على الناس".
و- من العقوبة.
ز- من شبهات الدنيا.
ح- الكرب عند الموت.
ط- الفرح يوم القيامة.
نراها في حياتنا:
إنَّنا نرى بأعيننا من غير رواية، تلك الشدائد العظيمة التي تنقشع واحدةً تلو الأخرى لأولئك الشباب المدمن عندما يرجعون إلى الله تعالى ويسلكون طريق التقوى، إنَّ أحدهم يصاب بعد تركه للمخدِّر بأعراضٍ انسحابيَّة، من صداع، وإسهال، وآلامٍ في جميع أنحاء جسده، وترجُّع، وأرَق، وآلامٍ في المفاصل، وعَرَق، وبرد، إضافةً إلى تراكم الديون، وقضايا المحاكم الكثيرة، وخلافاتٍ بينه وبين فلانٍ أو علاَّن.
التوكُّل:
أمَّا التوكُّل على الله، فهو تفويض أمر العبد كلِّه لله، مع يقينه بأنَّ الله هو المتصرِّف بالأمور كلِّها، والاعتقاد الجازم بذلك، بشرط أن يبذل الأسباب المطلوبة منه كبشر، ولكن لا يركن إليها، ولا يربط التوفيق والنجاح بها، وينسى صاحب الأسباب وميسِّرها.
والفرق بين التوكُّل والتواكل، أنَّ المتوكِّل هو الذي يبذل الأسباب ثمَّ يتوجَّه إلى الله بالمساعدة والتوفيق، وهو معتقدٌّ مستيقنٌ بأنَّ الله سيقضي حاجته، ولا يسند الفضل إلا لله.
بينما المتواكل لا يبذل من الأسباب شيئا، ويريد قضاء حاجته من الله.
أمَّا الأمور المعينة على الصبر فهي:
1- أن تعتقدي بأنَّ ما أصابك مقدَّرٌ من الله.
2- وأنَّ الله له حكمة في ذلك.
3- وأنَّك تؤجرين عن هذه المصيبة.
4- ويكفِّر من سيِّئاتك.
5- ويرفع درجاتك.
6- وأنَّ العبد ليس له أن يعترض على سيِّده.
7- أن تتذكَّري بأنَّ وراء هذه المصيبة خير، وذلك بتذكُّرك قول الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم"
8- إنَّه تحذيرٌ من الله، سببه معصيةٌ أو تقصير، ولأنَّ الله يحبُّك فإنَّه يبتليك كي تكتشفي خطأك ومعصيتك.
9- الابتلاء علامةٌ من علامات حبِّ الله للعبد.
10- أن تتذكَّري بأنَّ هناك من هو أكثر منك بلاء.
11- أن تتذكَّري أنَّ الله صرف عنك بلاءً أعظم ممَّا أنت فيه.(33/1328)
12- أن تتذكَّري بأنَّ الله أبقى لك من النعم أكثر ممَّا أخذ منك، ويكفي أنَّه أبقى لك العقل والسمع والبصر والشمَّ وبقيَّة الجوارح.
اليقين بالدعاء:
وبالنسبة لليقين بالدعاء، فإنَّه مطلوبٌ من كلِّ مسلمٍ أن يستيقن بأنَّ الله سيجيب دعاءه، حيث قال في كتابه الكريم: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، وقال: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيّ: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة"، وقال صلى الله عليه وسلم بأنَّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل في السماء الأولى، ويقول: "من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"متَّفقٌ عليه.
فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من الإيمان بقدرة الله، وأنَّه لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما.
أمَّا بالنسبة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فالمشهور عنه أنَّه قال: "لا أحمل همَّ الإجابة، بل أحمل همَّ الدعاء، فإذا فتح الله عليَّ بالدعاء، جاءت الإجابة".
والله أعلم.
أسأل الله أن يفتح عليك في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــ
باحثة عن الهداية .. المعلم الغائب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
في داخلي بركان ثورة حزمٍ وإقدامٍ، في داخلي أملٌ تقتله الجدران، في عينيَّ حلمٌ تطفئه الأيَّام...أمَّا بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاةٌ سوريٌّة درست في ثانويَّةٍ رائعةٍ بمكَّة المكرَّمة، كنت أمتلك أستاذاتٍ رائعات، وقد هداني ربِّي هناك وامتلأ قلبي حبًّا لله، فقد كانت التربية الدينيَّة الروحانيَّة في قمَّتها، جزاهنَّ الله عنِّي كلَّ خير. أمَّا عن أحلامي فقد كنت أرغب دائماً أن أتعلَّم وأنهل من بحر التجارب والعلوم، وأجاهد في سبيل ذلك عسى الله أن يهديني سبيل رشدٍ وصحبة خيرٍ أرفع معهم الإسلام، كنت دائماً أذكر قوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا". عندما أنهيت الثانويَّة العامَّة حصلت على 98%، ومع ذلك أردت في البداية أن أدرس الشريعة، ولمَّا قرأت في "بروتوكولات حكماء صهيون" أنَّ أصعب بنودهم وأشدَّها عليهم هو الاقتصاد، اخترته فعلاً وبدأت بدراسته في سوريا بعيداً عن أهلي الذين كانوا في مكَّة، مع العلم أنِّي كنت قد حفظت القرآن خلال عامين تقريبا، وأشعر الآن أنَّني بدأت أنساه لبعدي عنه، فمع الأيام بدأت أشعر بإيماني يضعف، وبدأت الدنيا تأخذني هنا وهناك، غير أنِّي بقيت أحتفظ بأحلامي التي أتيت لتحقيقها والبحث عن ظروفٍ أفضل تعينني على نقلها إلى أرض الواقع، لكنَّ الحقيقة أنَّني ما أبعدني.. لكنِّي لم أيأس بعد غياب الموجِّه، بينما كانت الدنيا أمامي تضيع وسط ازدحام آمالي وتتشتُّت أفكاري، وحين أخلو بنفسي أشعر بحقدٍ كبيرٍ على كلِّ من حولي، لا أجد من يرشدني.. يأخذ بيدي فيوجِّهني، مع أنِّي أرى الهدف، لكنِّي لا أجد من يرشدني إلى الطريق، أمتلك في داخلي بركانا، وعندي من الهوايات ما لو استُغِلَّ لأنتج، ثمَّ بعد(33/1329)
ذلك أبحث عن إيماني أجده ضائعا، عن أفكاري أراها مشتَّتة، لا تسخروا منِّي، فلو تعلمون كم أنا الآن متعبة. فإن كان لديكم حلٌ فأرشدوني، وإن كنتم تملكون موجِّهاً فرداً أو جماعاتٍ فعليه دلُّوني، ولا تتأخَّروا أدام الله عليكم إيمانكم و جزاكم عنِّي كلَّ خير. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة تقوى سيف الحقِّ من فريق الاستشارات الإيمانية:
أخيَّتي الحبيبة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حيَّاك الله بتحيَّةٍ مباركةٍ من عنده، وشرح صدرك وسدَّد خطاك وجعلك من عباده العالمين العاملين.. اللهم آمين.
أختي الكريمة،
لقد وقفت هنيهةً أمام كلماتك القويَّة الرنَّانة، شاعرةً بتلك العاطفة المتأجِّجة التي تخرج منها وبذلك الصمت الحائر المختبئ خلفها، شعرت بالألم الذي يعتصر الفؤاد، ذلك الفؤاد الكثير اللوم ... حينها تذكَّرت كلماتٍ خالدةٍ لسيِّد قطب رحمه الله تعالى حين قال: "فهذه النَّفس اللوامة المتيقِّظة التقيَّة الخائفة المتوجِّسة التي تحاسب نفسها، وتتلفَّت حولها، وتتبيَّن حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها هي النفس الكريمة على الله، حتى إنَّه ليذكرها مع القيامة"، فالمؤمن يصاب بفتورٍ في بعض الأحيان ولكن هذا الفتور يجب ألاَّ يستغرق وقتاً يُذكر.. فالمؤمن بطبيعته حريصٌ على الوقت والاستفادة منه وتسييره حتى يكون في سبيل الله حتى في لحظة سكونه ... فهو تماماً كالسيَّارة الواقفة في طريقٍ صاعدةٍ كجبل، فعندما تبدأ السيَّارة بالحركة تجدين أنَّها قد عادت إلى الوراء قليلاً ثم انطلقت بقوَّة، وهذه هي طبيعة الإنسان المؤمن، لربَّما تعرَّض في حياته إلى نوعٍ من الفتور، ولكنَّه لا يترك له المجال للنيل من نفسه فيتحرَّك بعدها بقوةٍ وعزم.. ولا يترك للشيطان باباً إلا ويسدُّه بوجهه، فالنَّفس الإنسانيَّة –أخيَّتي- تحاول إبعاد الإنسان عن الطريق الحقّ.. لذا وجب جهادها والوقوف في طريق شهواتها ولذَّاتها.. وهذا أيضاً ما تفعله الدنيا بفتنها، ولكن ينبغي أن نذكر أنَّ "لذَّةً في لحظة معصيةٍ ننال منها عذاباً أليماً أمد الحياة.. أو مشقَّةً في لحظة طاعةٍ ننال منها نعيماً مقيماً أمد الخلود".
ولكن لا هذه النفس ولا ذاك الشيطان بقادرين على إبعاد الإنسان المؤمن المتوكِّل على الله عن سبيل الله العلي القدير، فهو دائم العودة ودائم التوبة إليه سبحانه وتعالى.
فأنت –أخيَّتي الكريمة- عندما تتحدَّثين عن ضعفٍ إيمانيٍّ قد ألَّم بك، عليك أن تستعرضي يومك أو أيَّامك الماضية إن أمكن وابدئي منها خطوةً خطوة، وسارعي بإيجاد الحلول لتلك التقصيرات التي قد تكون قد حصلت، فمثلاً تقولين –أخيَّتي- أنَّك قد حفظت القرآن فبارك الله بك... ولكن بالله عليك كيف تسمحين لهذا النور الأزليّ، كيف تسمحين له بالتفلُّت منك؟؟؟ إنَّه حقٌ لك أن تدافعي عنه وذلك بكثرة الاستغفار كي يعينك الله عزَّ وجلَّ على معاودة الحفظ مرَّةً أخرى، وثقي –أخيَّتي- أنَّك عندما(33/1330)
تبدئين سوف تُحَلُّ جميع المشاكل التي تعانين منها، فأنت تعرفين وتحفظين: "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإنَّ الله لمع المحسنين".
وأوصيك بالعودة إلى القرآن الكريم ففيه الخير كلُّ الخير لك بإذن الله تعالى، ولست بحاجةٍ إلى أن أذكِّرك بأحاديث نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في ذلك، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقّ، له أجران"رواه مسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"رواه البخاري، فاحرصي على أن تداومي على حفظ القرآن الكريم.
وتقولين -أخيتي- أنَّ عندك "من الهوايات ما لو استُغلَّ لأنتج" فلماذا تجعلينها في نفسك هكذا؟ هناك أخٌ لنا في الله عزَّ وجلَّ تحدَّث إلينا عن بداية مسيرته الدعويَّة فقال: "في البداية لم يتنبه إليَّ أحد، كنت أحاول أن أقول للمشرفين على العمل في أحد المساجد، أنَّ خطي جميلٌ وأنا مستعدٌّ للمساعدة، ولكن لم يتنبه أحدٌ إلى هذا الأمر أيضا، فما كان منِّي إلاَّ أن كتبت آيةً قرآنيَّةً بأحسن خطٍّ عندي على جدار المسجد فما كان من القيِّمين إلا أن كتبوا بجانب هذه الآية: "على صاحب هذا الخط مراجعة فلانٍ أو فلان"، ويقول: بدأت حينها في العمل في سبيل الله ليس في مجال الخطِّ وحده، بل إنَّ العمل والأخوَّة قد صنعا منِّي إنساناً آخر لدرجة أنَّني اكتشفت الكثير من الأمور التي أستطيع عملها مع العلم أنَّني كنت أظنُّ أنَّني لا أملك من المواهب شيئا".
هذه قصة بسيطة –أخيَّتي- أكتبها لك آملةً من المولى عزَّ وجلَّ أن يمنَّ عليك بأخواتٍ داعياتٍ يفهمن دعوتهنَّ ويعملن من أجلها.
كلُّ ما أريد قوله –أخيَّتي- أنَّك يجب أن تقرعي الباب أوَّلا،. ويمكنك ذلك عن طريق التعرُّف إلى بعض الأخوات وإذا لم يكنَّ موجودات –و هذا احتمالٌ ضئيلٌ جدّا– فاحرصي على كثرة الدعاء بأن يجمعك الله تعالى بهنّ، وثقي بأنَّ دعوةً مخلصةً في جوف الليل لقادرةٌ على تغيير هذه الدنيا بأسرها بإذن الله.
واحرصي كذلك على أن تكثري من سماع الخطب وقراءة الكتب وأذكر لك منها:
في الرقائق: كمختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة، والزهد والرقائق للإمام ابن المبارك، وكذلك رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي بتحقيق الدكتور عبد الفتَّاح أبو غدَّة، والفتح الربَّني لشيخ زهَّاد بغداد عبد القادر الكيلاني، وكتب الإمام ابن القيِّم في الرقائق.
وفي الدعوة والهمَّة اقرئي: كتاب "ماذا يعني انتمائي للإسلام؟" للدكتور فتحي يكن، وكتب الأستاذ محمَّد أحمد الراشد، والأستاذ جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين، والشيخ عبد الحميد البلالي، وأشرطة الدكتور طارق السويدان، وهذه الكتب والأشرطة هي غيضٌ من فيض، ولكنَّها على الأقل سوف تجعلك على بيِّنة، وأسأل الله تعالى أن يمنَّ عليك بالتوفيق.. اللهمَّ آمين.
كلمةٌ أخيرةٌ لديَّ لأقولها لك أخيَّتي الحبيبة، وهي حديثٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه: "..فعليك بالجماعة، فإنَّما يأكل الذئب من الغنم القاصية"رواه أبو داود والنَّسائيُّ والحاكم، وقال: هذا حديثٌ صدوقٌ رواتُه.(33/1331)
فعيشي لإسلامك وكوني له قلباً وقالبا، وإذا لم تجدي من تسندي إليها ظهرك من أخوات فاصنعي واحدة".
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
ـــــــــــــــــــ
نادم على ما فات وأريد العودة إلى الله ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أودُّ أن أشكو إليكم حالتي، وأطلب منكم الدعاء والنصيحة . أنا شابٌّ أبلغ الثامنة عشرة من عمري، ولكنَّني أشكو من عدَّة أشياء تقف عائقاً في طريق التزامي، أنا قبل أن أفكِّر في الالتزام كنت شخصاً منحرفا، فقد كنت أتلفَّظ بألفاظٍ سيِّئةٍ وبذيئةٍ على أنها مزاحٌ مع أصدقائي، وفي يومٍ من الأيَّام ذهبت إلى أحد الأماكن لأستريح- واللعنة على الشيطان الرجيم- لقد أغواني دون شعورٍ منِّي وزيَّن لي بأنَّ العمل الذي عملته شيءٌ رائع، لقد نزل الخمر في عروقي، وبعدها بعدَّة أيَّامٍ شعرت بالذنب، إنَّني خجِلٌ والله العظيم، واليوم أنا نادمٌ جدًّا على ما فعلت. يا فضيلة الشيخ أنا أريد أن أعود إلى الله تعالى وأطيعه وأكون من عباده الصالحين والطائعين لأوامره ونواهيه.. فما نصيحتك لي جزاك الله خيرا؟، علماً بأنَّني الآن أدخِّن السجائر، وسأحاول بقدر المستطاع أن أتركها، أريد أن ألتزم حقًّا ولكن عندما أتذكر تلك الأيَّام أزداد حسرةً على شرب الخمر الملعون. جزاك الله خيراً ادعُ لي، وهل إذا تبت سيتقبَّل الله توبتي مع أنَّني أخطأت مرَّةً واحدةً في حياتي؟ وما وسائل الالتزام مع العلم أنَّني أسمع الأغاني؟ هل ألتزم فجأةً وأُشدِّد على نفسي، أم كلُّ شيءٍ يأتي باللين واليسر؟ جزاكم الله خيرا، الرجاء الردَّ يا فضيلة الشيء... أخوك في الله أبو علي. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح:
الأخ أبو علي،
غفر الله لي و لك، وأدعو الله أن يرزقك الهداية والالتزام، وأن يعينك على ملازمة جادَّة الطريق، ويلهمك الرشد والصواب.
رغم أنَّك ارتكبت الآثام وعظائم الذنوب وما زلت تقترف بعضها فإنَّك لو تُبتَ إلى الله توبةً نصوحاً لغفر لك بمشيئته تعالى، ولأعانك على طاعته، وبصرَّك بطريق الهدى؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون"رواه الترمذيُّ والحاكم وصحَّحه، فكن على ثقةٍ في غفران الله لك ما دمت قد ندمت وأقلعت عن المعاصي، وفي طريقك إلى الإقلاع عن التدخين، وكل ما يُذَكِّرك وما يتعلَّق بزمن وبيئة المعاصي.
وللتوبة شروطٌ ثلاثةٌ حتى تكون نصوحاً ومقبولة:
1- الندم على ما ارتكبتَ من معاصٍ وذنوب.
2- الإقلاع عن المعصية تماما.(33/1332)
3- عقد العزم على عدم الرجوع إليها، والبُعد عن جميع المغريات.
ويراعَى ردُّ المظالم إلى أهلها إذا كانت متعلِّقةً بحقوق العباد.
والتوبة لا تكون فقط عن عمل المعاصي ولكن تكون أيضاً عن التقصير في أداء الواجبات، والله عز وجل يقول: "يا أيُّها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحا..."، ويقول أيضا: "والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومَنْ يغفر الذنُوب إلا الله ولم يُصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون".
الأخ السائل، تجاوز هذه الأيام وخُذ منها العظة والعبرة، وأَكثِر من الندم على ما فات، ولا بد أن يكون الندم والتحسُّر دافعَين نحو الالتزام، ومثل هذه الأبواب التي تذكِّرك بالماضي وتربطك بأهله، مثل التدخين وغيره، لابدَّ أن تقلع عنها دون رجعة، وعليك بشيءٍ من العزيمة والإرادة القويَّة.
ويمكنك أن تلتزم بالقدر الذي لا يُحدِث لك انتكاسةً مرًّةً ثانية، فقد تُشَدِّد على نفسك وتُحَمِّلها ما لا تطيق فتفتر عزيمتك وتضعف همَّتك، ونصيحتي أن تلتزم برفقٍ ولين، كأن تهجر تماماً جميع البيئات الفاسدة التي تذكِّرك بالماضي الأليم، وأن تبتعد عن قرناء السوء، وأن تصطحب الأخيار والصالحين.
وهناك الكثير من الوسائل التي تجاهد بها نفسك والهوى والشيطان، هي:
1- إنَّ لمجاهدة النفس أثراً عظيماً في تقويمها وإصلاحها؛ فمعرفة الإنسان لحقيقة نفسه وضرورة ضبطها بطريقٍ مدروسٍ وضعه من له عِلْمٌ بخفايا هذه النفس وأسرارها "قد أفلح مَن زكَّاها"، وهذَّبها بالعلم النافع والعمل الصالح وطهَّرها من الذنوب وروَّضها على الحفاظ على مواقيت الصلاة حتى تنهاه عن الفحشاء والمنكر.
وأن يدرك أثر السيِّئات في تمويت القلب وما تجلبه من سوادٍ في الوجه، ووهَنٍ في البدن، ونقصٍ في الرزق، وبُغضٍ في قلوب الخلق، وما للحسنات من أثرٍ كبير في إنارة القلب، وقوَّة البدن، وضياء الوجه، وسعةٍ في الرزق، ومحبَّةٍ في قلوب الخلق، قال تعالى: "كلُّ امرئٍ بما كسب رهِين".
2 - أمَّا مجاهدة الهوى فيقول الله تعالى في هذا الشأن: "أرأيتَ مَن اتَّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا، أم تحسب أنَّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا".
ولمقاومة الهوى فإنَّك تحتاج إلى قراءة القرآن، وتعلُّمه، وتدبُّر آياته، فإنَّ فيه شفاءٌ لأمراض الشبهات والشهوات، زد على ذلك معرفة السنَّة النبويَّة، وكيف كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتحمَّل المشقَّات الثقال سعياً وبحثاً عن الأعمال الصالحة، وكذلك معرفة أهل الأهواء وعاقبة أمرهم من خلال مدارسة القَصص القرآنيّ، وما ورد فيه من عظاتٍ ودروسٍ في هذا الشأن.
3 - أمَّا الشيطان فلابدَّ أن تجاهد وتعلن الحرب عليه، وتغلق أمامه جميع المنافذ، كأن تُلازِم ذكر الله، وتستعين بالله من وساوسه: "قل أعوذ بربِّ الناس، مَلِكِ الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس، الذي يُوَسوِس في صدور الناس، من الجِنَّة والناس"، وأن تكفَّ عن فضول النظر والكلام قال تعالى: "يعلم خائنة الأعيُن وما تُخفي الصدور".
ـــــــــــــــــــ(33/1333)
الطريق إلى القلب الرقيق ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
في كثير من الأحيان أجد غلظة في قلبي، فلا أستشعر ما كنت أستشعره من إيمان وحب وتقوى وصلاح، وأريد معرفة الأسباب التي يمكن أن أسترد بها حياة ورقة قلبي. وجزاكم الله خيرا ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يقول فضيلة الشيخ محمد المختار الشنقيطي من علماء المملكة العربية السعودية:
فأسباب رقة القلب كثيرة، فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى، ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله .
فلا تأتيه الآية من كتاب الله ، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال: "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" البقرة.
وأسباب رقة القلب كثيرة :
السبب الأول: معرفة الله تعالى:
فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباقا، وعن الشر محجاما.
فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه، وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكره بذلك الرب، يذكره الصباح والمساء بذلك الرب العظيم،
وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم، ويذكره الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى، فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله ، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله .
حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله ، وأيئس ما يكون من روح الله والعياذ بالله لمكان الجهل بالله .
فمن جهل الله جرأ على حدوده، وجرأ على محارمه، ولم يعرف ليلا ونهارا إلا فسوقا وفجورا، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفا في وجوده ومستقبله.
السبب الثاني: النظر في كتاب الله تعالى:
فالذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب، النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب، والنظر في كتاب وصفه الله بقوله: "كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" هود
فما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قراءته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله(33/1334)
تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته.
و ما قرأ عبدٌ القرآنَ ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى: " كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" الزمر.
هذا القرآن عجيب، فبعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة.
هذا القرآن موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه:" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" القمر
السبب الثالث: تذكر الآخرة:
ومن الأسباب التي تعين على رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى تذكر الآخرة، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر.
أن يتذكر أن لكل بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة وأن المتاع فان ، وأنها غرور حائل دعاه - والله - ذلك إلى أن يحتقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه.
ومن نظر إلى القبور ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله .
ولذلك لن تجد إنسانا يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الآباء والأمهات والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب، والإخوان والخلان.
يرى منازلهم ويتذكر أنه قريب سيكون بينهم وأنهم جيران بعضهم لبعض قد انقطع التزاور بينهم مع الجيرة.
وأنه قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيما وجحيما.
ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكرها إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
ـــــــــــــــــــ
اسودت الدنيا في وجهي..ابتلاء أم عقاب؟ ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
إنني يا سيدى دائما أمر بظروف صعبة جدا اقتصادية ومادية ومعنوية ونفسية.ويشاء القدر دائما أن يكون زملائى من المتيسرين، فكنت أشعر بالضآلة لذلك. ولكنى كنت دائما من المتفوقين، ولذلك كانت لى مكانة جيدة وسطهم، وكنت دائما محبوبا من الناس وأساتذتى بفضل الله تعالى .وليس هذا فقط ولكن كان أعمامى أعمام سوء سرقونا ونهشوا لحومنا.وكانوا يكيدون لنا الدسائس ومنعونا من خير كثير.وكنت(33/1335)
دائما عندما أدخل مجالا أدخل أصعبه، بينما زملائى يدخلون أيسره، وهذا منذ صغري يا سيدى مما تسبب فى اضطرابات نفسية لى ، وكنت قبل أى امتحان تأتى المصائب حتى تمنعنى عن المذاكرة بموت فلان أو مشاكل أعمامنا وخلافه .ومع ذلك كنت أنجح وأتفوق .وعندما كنت أحصل على مال سواء من أبى أومن عملى كان كل مليم يصرف على إما مرض أو دين أو أى شيء آخر، ولا أنتفع بأى مليم على نفسى . ودائما ما نحلم به يأتى متأخرا جدا لدرجة أنك لا تبتهج بمجيئه ويزداد الاكتئاب .وأصبحت أكره المستقبل ؛ لأنه أصبح لى ظلاما ، ومع ذلك لا أيئس من رحمة الله . ودائما أفكر أن أشكو حالى لأيسر على نفسى, ولكن أشكو من, أشكو ربى كما تعلمت من صحابية نهرت زوجها لشكوه حال فقرهم لرسول الله.بينما دائما أسمع مشاكل أصحابى وأسرى عنهم. وسؤالى: هل ما أنا فيه ابتلاء أم عقاب من الله ( لأنى منذ صغرى على ذلك ودائما فى إحباط) وكيف أعرف ذلك وكيف أصبر على ما أنا فيه ؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
الأخ الحبيب :
ربما تتعجب كم أنا مسرور لإرسالك لنا ، وأن نتعرف على شخصية مثلك، فقد حباك الله تعالى كثيرا من الصفات الطيبة التي لاحظناها من خلال رسالتك .
أما عن سؤالك، فإن نظرة الناس تختلف إلى الأشياء ، فالعين قد تنظر إلى مواطن القبح ،هي هي يمكن لها أن تنظر إلى مواطن الجمال، فالشيء الواحد في الغالب ليس له وجه واحد ، بل له وجهان.
ويعجبني قول الشاعر الحكيم :
كن جميلا ترى الوجود جميلا
إن ضيق اليد قد يكون ابتلاء من الله ، وقد يكون إهمالا من الإنسان ، وتركا للأخذ بالأسباب .
وقد يجعل المرء نفسه يعيش في ضيق وضنك ، ويمكن أن يجعل حياته حلوة ، فيها من السعادة ، فيصنع من البؤس سعادة وابتهاجا.
وكما ترى نفسك تكن.
لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتفاءل ولا نتشاءم ، بل جعل التشاؤم من الأمور المرفوضة.
ومن العجيب أن الابتلاء قد يحمل معنى النعمة لا النقمة فالبلاء له معنيان :
الأول : الإنعام ، و هو بذل النعمة للغير ، كما في قوله تعالى : ( إن هذا لهو البلاء المبين ) .
الثاني : الاختبار و الامتحان بالخير أو الشر ، كما في قوله تعالى : ( و نبلوكم بالشر و الخير فتنة )
1- وللبلاء حكم عديدة ، أهمها :(33/1336)
2- تمحيص الله لعباده، قال تعالى : { حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }
3- و قد يكون الابتلاء قصاصاً في الدنيا مما تقترفه أيدي العباد ، و جزاءً لهم بالسيئة على السيئة .
قال تعالى : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَ هَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] و قال سبحانه : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً }
و قد ينزل البلاء على العباد رفعاً للدرجات ، و تكفيراً للخطايا و السيئات . قال رسول الله : ( من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه ) ، وقال أيضا :( ما يصيب المسلم من هم و لا غم و لا نصب و لا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) .
قال الإمام الغزالي رحمه الله : قال عيسى عليه السلام : لا يكون عالماً من لم يفرح بدخول المصائب و الأمراض عليه؛ لما يرجوه من ذلك من كفارة خطاياه .
فكون ما يحدث لك عقابا ، ربما يكون هذا إن كنت تقع في المعاصي والآثام، ليكفر الله تعالى عنك ، حتى تقابله وليس عليك خطيئة.
ونحسب أنه من رفع الدرجات لك عند الله تعالى ، فارض بما قدر الله تعالى .
غير أن هذا لا يمنع أن تسعى لإسعاد نفسك ، فالإنسان حين يحصر نفسه في دائرة ، فيدور حولها ، وكان من الممكن له أن يكون سعيه وحركته خارج الدائرة ، فلا يلوم غيره ، أو يلقي اللائمة على أحد ، فما منعه أحد أن يخرج.
وحين يستشير الإنسان غيره في مشكلة له ، لا يعني هذا أنه ساخط على قدر الله ، بل هو يستعين بالله ، ويأخذ برأي أولي العلم والحكمة ، توكلا على الله ، وأخذا بالأسباب ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في معظم أموره ، وهو الغني عن مشورتهم ،ولكن ليعلمنا أهمية الشورى في حياتنا.
فاستنهض نفسك مما أنت فيه ، وانظر مواطن النور ، واسع إليها ، وأحسن الظن بالله تعالى ، واخرج عن حدود الدائرة التي تحصر فيها نفسك ، ستجد الدنيا أوسع بكثير من هذه الدائرة التي سجنت فيها نفسك.
فإن صنعت كل هذا ، ولم يتغير الحال، فاعلم أن الله يرقي درجاتك عنده، وأنه يفضل لك الآخرة عن الدنيا .
ومن مواطن الجمال في حياتك أنك إنسان متفوق في حياتك، وهذه من النقاط المضيئة التي يجب أن تنتبه لها ، ولو نظرت في حياتك ، لتلمست نعما كثيرة لله تعالى عليك .
كما أننا ننصحك بقراءة كتاب " جدد حياتك " للشيخ محمد الغزالي – رحمه الله - ، ففيه نظرة جيدة لترتيب العقل والفكر ، ونظرة متفائلة للحياة ، وسعيا للتغير الفعال للمسلم في حياته.
والله نسأل لك الخير في الدنيا والآخرة.
ونرجو أن تطمئننا على حالك .
ـــــــــــــــــــ
ابتلاء الناس بالوسواس الخناس ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع(33/1337)
مشكلتي يا سيدي بصراحة أنني دائم الوسوسة، أشك فيمن حولي وأسيء الظن بهم دائما، علاقاتي مع الناس حولي محدودة وإن وجدت علاقة مع بعضهم فسرعان ما ينتابها التوتر. في الشهور الأخيرة أخذت الوساوس تأخذ منحا خطيرا، فأصبحت تأتيني نوبات الوسوسة أثناء تأدية عباداتي وصلواتي، تشككني في الله وترسم لي خيالات بأن له صفات كصفاتنا، أقسم بالله أنني أحدثك بما يهيأ لي فعلا دون مبالغة، أعلم بأن هذا التفكير هو قمة الكفر الذي ليس بعده شيء، لكن هذا هو الذي يحدث، أصبح اغتسالي ووضوئي يمتد من 5 دقائق إلى ساعة!!!، و أصبحت العبادات بالنسبة لي شيئا صعبا إلا أنني والحمد لله مواظب على صلواتي جميعا (إلا الفجر) في المسجد. الطامة أن من حولي مفتونون بالتزامي و أخلاقي، تصور أن أحدهم قال لي ذات مرة أنه يشم دائما رائحة عطر طيبة مني ثم أطرى مازحا بأنها من رائحة الحسنات!!!!!، صدقني أصبحت تلك اللحظة ألعن نفسي وأسبها، تمنيت لو أقول له إنني معقد و مجنون وربما خارج عن الملة ... نعم يا سيدي.. هذا ما أنا الآن فيه، إلا أنني أريد أن أدرج سببين أعتقد أن لهما الدور الكبير لمرضي وهما :- أولا: ممارستي العادة السرية منذ أن بلغت الحلم، أي قبل 6 سنوات، وأنا الآن أمارسها للأسف، ولكن مرة أو مرتين في الأسبوع أو ربما ترتفع إلى 3 مرات. ثانيا: أنني في إحدى الجامعات الأمريكية، و لك أن تتخيل ما فيها من مظاهر السفور في اللباس، مع أنها من أقوى الجامعات أكاديميا. قد تحس في كلامي برودا، ولكن هذا البرود بسبب تراكمات من اليأس، فهل هناك إمكانية لترميم إيماني في قلبي القذر! هل تعلم بأني وصلت إلى درجة كبيرة من اليأس، ثقتي بنفسي أصبحت صفرا، والحقيقة أنني لم أتمتع بثقة بالنفس في أي يوم من الأيام، أنا الآن في سنتي الأولى، وإني لأرى بوادر الفشل لائحة في الأفق، مع أني حصلت على نسبة 97.7% في الثانوية، و على ( A ) في الدورة التحضيرية. أرجوكم أن تقدموا ليّ حلا جذريا لمشكلتي، و ألا تحولني الى جواب سابق لكم، فإنني أقرؤها ولكن دون جدوى. والسلام عليكم ورحمة الله ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة سلمى عبده عضو فريق الاستشارات الإيمانية :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصبحه وسلم
أخي في الله لقد كانت لرسالتك أثر كبير في نفسي... تألم لها قلبي وشعرت بضرورة وقوفي بجانبك بعد الله سبحانه وتعالى لكي نستطيع معا تخطي هذه المرحلة على خير بإذن الله.
بداية أقول لك : إن ما أنت فيه من ابتلاء شديد معرض له كل مسلم على وجه الأرض فالوسواس الخناس منذ أن أعلن إعلانه الأول أمام الله بالقعود لكل مسلم لم يلق سلاحه، ولم يمل طول الحرب حتى ينسينا ذكر الله ويبعدنا عن طريقه وهو ينجح فقط إذ يشككنا في إيماننا فيجب أن نكون أكثر فطنة منه.
أخي لؤي :(33/1338)
رغم أن رسالتك توحي بيأس كاتبها إلا أني عندما عاودت قراءتها استبشرت خيرا كثيرا لما وجدت فيها من إيجابية وفطرة سليمة فأنت تدرك حقيقة مرضك وترفض واقعك وبعد ذلك لم تقف مكتوف الأيدي بل طلبت العون وسعيت إليه فعسى الله أن ينفعك بما سنتبادله من نصائح وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنك بي.
أخي الكريم بداية أود أن ألفت انتباهك إلى بعض النقاط الهامة:
أولا: يجب أن تفهم أن ما يحدث لك هو في الأساس ابتلاء من الله والابتلاء لا يكون بالضرورة نتيجة لذنب بعينه وإلا لما ابتلي الله الأنبياء وبالأخص في أمر الوسواس ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان تفلت علي البارحة فأراد أن يقطع علي صلاتي..." وأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه ما أرسل من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. فإذا كان هذا حاله مع الرسل عليهم السلام فكيف بغيرهم؟
وكلما كان فعل العبد أصلح وأقرب إلى الله كان اعتراض الشيطان له أكبر، فالشيطان بالمرصاد للإنسان على طريق الخير وهو يدخل للعبد الصالح من مداخل كثيرة وهذا دليل صلاح وإمارة إيمان ... ومن أعظم مداخله:
- التشكيك في الله والخوض في صفاته.
- سوء الظن والنزع بين المسلمين.
- غرس اليأس والقنوط من رحمة الله.
- الوسوسة.
ثانيا: لابد أن توقن أن الشيطان لا يقدر إلا على أولئك الذين استولى عليهم فأنساهم ذكر الله. أما أصحاب الحق فإنه ينسيهم أحيانا ذكر الله ولكنه لا يقدر عليهم لأنهم سرعان ما يخذلونه ويعودون إلى الله تائبين مستغفرين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ).
ثالثا: كونك محافظا على الصلاة فأنت لم يضع منك شيء ولم ينل منك الشيطان قيد أنملة فالصلاة هي حجر الزاوية وهي الفيصل في سم هذا الصراع.
أخي الكريم أرجوك أن تدع عنك اليأس والحزن وتعال معا نتعاون على البر والتقوى ونرى كيف نعالج هذا الأمر.
إن الله سبحانه وتعالى وجهنا للطريق السهل اليسير لردع كيد الشيطان الرجيم فأخبرنا أنه لن يجدي معه شيء مثل الذكر، فبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.
وقال بعض السلف: إنه إذا تمكن الذكر من القلب فإنه إن دنا منه الشيطان صرعه فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟
فيقال : قد مسه الإنسي.
وفي صحيح مسلم ... عن ابن العلاء : أن عثمان بن أبي العاص أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه و اتفل على يسارك ثلاثا".
قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.(33/1339)
وكما ترى يا لؤي فبرغم بساطة العلاج ولكنه أتى بثماره وذلك لثقة الصحابي الجليل الشديدة في الله عز وجل ومعرفته بمدى قدرته سبحانه ونصرته لعبده المؤمن المستعيذ به اللاجئ إليه.
وهناك طريقة للعلاج
وقد أوصى شيخنا الفاضل "إسماعيل صادق العدوي" بها لمن يجد في نفسه هذا الأمر أن يقرأ ما يلي بعد كل صلاة:
سورة الفاتحة 7 مرات.
آية الكرسي 7 مرات.
سورة الإخلاص مرة.
سورة الفلق مرة.
سورة الناس مرة.
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاثا.
يقرأ ذلك وهو على يقين بأن الله سبحانه وتعالى سيشفي صدره ويفرج كربه فهو الكريم القائل في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي".
ولنلخص الأمر في نقاط :
إذا أحسست بالوسوسة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم و اتفل عن يسارك ثلاثا.
اجعل لسانك رطبا بذكر الله في كل وقت.
داوم على أذكار الصباح والمساء وخاصة خواتيم سورة البقرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".
وقيل في معنى كفتاه : من الشيطان ومن الآفات.
اقرأ وصية الشيخ إسماعيل بعد صلواتك المفروضة.
استجلب رحمة الله بصلاة الحاجة وسجود الشكر.
املأ قلبك بالثقة بالله وحسن الظن به واليقين في نصرته لك.
فلتستعد يا أخي ثقتك بنفسك وبإيمانك ولتأخذ بالأسباب التي تعينك على الإقلاع عن الذنب الذي يؤرقك من غض للبصر وكثرة صيام وتوبة نصوح واستغفار آناء الليل وأطراف النهار وصبر جميل ولا تلعن نفسك فإن كرهك لمدح الآخرين لك لهو دليل على حياة قلبك، والأحرى بك حينها أن ترفع ناظريك إلى السماء وتدعو بدعوة الصديق عليه رضوان الله "اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون.
وأخيرا دعائي لك وللمسلمين. اللهم ارزقنا حسن النظر فيما يرضيك عنا.
اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفه عين أبدا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود
الأخ الكريم..
شكر الله لك ثناءك على موقعك وموقع المسلمين في العالم أجمع "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله أن يتقبل من العاملين به أعمالهم، وأن يحسبه لهم جهادا وأن يجازيهم عليه خيرا.. آمين وبعد:(33/1340)
فلاشك أن الوسوسة مرض يحتاج إلى علاج، غير أن له بعدين: أحدهما نفسي والآخر إيماني، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: " (وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشيطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إنَّه هوَ السميعُ العليمُ)، فعلاج الوَسوسة والتخلص منها يكون بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وذِكْرِ الله كثيرًا، وكذلك بألا يشغل المسلم عقله ولا قلبه بأيِّ عمل يُخالف الذي هو عليه، فلو كان يتوضأ فعليه أن يستعِيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم ينوي الوضوء ويَقرأ البسملة ويعمل كل فرض من فرائض الوضوء وسُننه، ولا يَشغل باله وعقله وقلبه بأيِّ عمل خلاف الوضوء في وقته حتى يتأكد أنه توضأ، وهكذا في كل عمل يعمله.
أما بخصوص ثناء الناس عليك، فنسأل الله أن تكون عند حسن ظنهم بك، ولعل هذا مدعاة؛ لأن تحسن صلتك بربك، وأن ترجع نفسك وأن تحملها على فعل الخير، وقل دائما "اللهم اجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون"، أما عن موضوع العادة السرية فإنني أحيلك إلى هذه الاستشارة فإن فيها الخير الكثير:
وصفة عملية لعلاج العادة السرية "
وأما عن السبب الثاني وهو أنك تدرس في إحدى الجامعات الأمريكية، حيث مظاهر السفور في اللباس، وغيره، فإن هذا ليس مبررا لك لتنساق في المعاصي بهذه الحجة، فكم من شباب يدرسون في الجامعات الأمريكية –نعرف بعضهم– لكنك تراهم صوامين قوامين، ولله طائعين، وعن المعاصي والذنوب منصرفين وعلى الطاعات وأفعال الخير مقبلين.. فدع عنك الوسواس، واستعن بالله ولا تعجز، واتق الله في نفسك، وعد إلى ربك فإنه منك قريب، بل إنه سبحانه أقرب إليك من نفسك إلى نفسك.
وختاما..
أقول لك ثق بنفسك وثق بربك، ودع عنك وساوس الشيطان فإنه يريد أن يصرفك عن الله، وأن يبعدك عن طريق الطاعة.. ونسأل الله أن يأخذ بيدك إلى بر الأمان.. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
كيف نحقق الفرار إلى الله؟؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف يمكن أن يحقِّق الإنسان الفرار إلى الله؟ وما الوسائل والأمثلة على ذلك من الحاضر ومن الماضي؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول يقول الشيخ ناظم المسباح:
أخي الكريم مصطفى،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حفظك الله ورعاك وأدام عليك نعمة الأوبة إلى الله، وأعانك على الفرار إليه سبحانه وتعالى. واللجوء إلى الله –أخي العزيز- والفرار إليه يكون باتِّباع أوامره واجتناب(33/1341)
نواهيه، والوقوف عند حدود الحلال والحرام، والاهتداء بتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
ومن الأمور جيِّدة التوصيل إلى الله تعالى ما يلي:
1- حبُّ الله:
وهو قارب النجاة من الفتن، وعاصم المرء من الخطايا، فحبُّ الله ينجى المسلم من الغرق في بحر الدنيا وحطامها، واللهث وراء متعها وشهواتها، فالذي تعلَّق قلبه بالله لا يطغى عليه حبٌّ آخر، والله تعالى يقول: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضَونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربَّصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين"، ويقول تعالى: "والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله"، فحبُّ الله والتعلُّق به يصنع المعجزات، إذ يهتدي المسلم بهدى الله، ويسترشد بنوره.
2- حبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم:
يقول الله تعالى " قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله"، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين"رواه البخاري، وحبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بتمثُّل سنَّته الشريفة، والاقتداء بأخلاقه النبيلة، وأخذ العظة والعبرة من سيرته العطرة.
3- الوَرَع:
جمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم الورع في عبارةٍ واحدة، فقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"رواه الترمذيُّ وابن ماجه بسندٍ حسن.
فالمسلم الذي يريد التقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ لابدَّ أن يكون ورعا، يدقِّق في الحلال فيأتيه، ويعرف الحرام فيتجنَّبه، فقد كان الصحابة رضى الله عنهم يتحرَّون في هذا الشأن.
4- تجديد التوبة والاستغفار دائما:
يقول تعالى: "يأيُّها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحا"، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّة"رواه البخاري، فالتوبة تجدِّد الإيمان، والاستغفار يزيل الخطايا.
5- الاستعداد للآخرة وتذكُّر الموت:
يقول تعالى: "كلُّ نفسٍ ذائقة الموت وإنَّما تُوَفَّوْن أجوركم يوم القيامة فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنَّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغُرور".
6- التقرُّب إلى الله تعالى بالنوافل:
والنوافل هي ماعدا الفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى على عباده من جميع أجناس الطاعات، من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وصدقةٍ وأذكار، وكلِّ ما ندب الله سبحانه إليه ورغَّب فيه من غير حتمٍ أو افتراض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله قال: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصِر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي(33/1342)
يمشى بها، وإن سألني لأعطينَّه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما تردَّدت عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته"رواه البخاري.
7- الرفقة الصالحة:
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل"رواه أحمد والحاكم بسندٍ صحيح، والصحبة الصالحة تحقِّق فوائد كثيرة، منها العون على الخير والمعروف، والحفظ من الوقوع من في الشرِّ والمنكر.
فالرفقة الصالحة هي التي تقود إلى الجنَّة، بشرط التزامها بالشروط: "وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصبر"، "لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجلٍ واحد، يسبِّحون الله بكرةً وعشيّا"كما وصفهم صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام البخاريّ.
ولذلك تعلَّمها صحابته رضوان الله عليهم، وكانوا دائماً ما يقول أحدهم للآخر: "اجلس بنا نؤمن ساعة" أو "تعالَ نؤمن ساعة" كما روى ذلك الإمامان أحمد والبخاريّ.
فهذه هي الأعمال التي تحقِّق الوصال بالله تعالى والفرار إليه رغَباً ورهَبا، خوفاً وطمعا.
ـــــــــــــــــــ
محتارة بين حلاوة الحب وألم المعصية ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
أرجو منكم، جزاكم الله كل خير، أن تفيدوني، أنا امرأة متزوجة، وأعمل بوظيفة محترمة، ومع أني متزوجة ولدي بنتين إلا أنني وقعت في حب موظف معي في العمل، وذلك بعد سبع سنوات من الزمالة، أنا لا اعرف كيف أحببته، لكن هذا ما حصل، ووقد وقعت معه في المحظور، أعرف أنني خائنة وزانية، لكني لا أعرف ماذا حدث؟، فقد انقلبت حياتي معه وأصبحت جميلة ، وللعلم فهو أيضا متزوج، وله ولدان، وهو يحبني أيضا، وقد وجدت فيه ما كنت أنشده في زوجي، وقد تعاهدنا ألا يؤثر حبنا على حياتنا العائلية، وأن نعيش لحبنا فقط. ولكنني – داخليا- أتألم بين المعصية التي ارتكبتها و بين الحب الذي كنت افتقده في حياتي، أرجوكم أفيدوني، ولكم جزيل الشكر. ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
أوقن ويزداد يقيني كل يوم برحمة الله تعالى لنا، وكيف أنه سبحانه يرى تلك المعاصي التي تأباها البهائم قبل بني آدم من نتن وعفن ما يقع فيه الناس من المعاصي، ولو كشف الحجاب لما استطعنا أن نعيش على وجه الأرض، فمن رحمة الله تعالى ستره على عباده ، وأنه لا يفضحهم ، ولكن العجب يأتي من هذا الإنسان الكفور الذي لا يستحي من الله تعالى ، وخاصة إذا كان يأتي الكبائر، وخاصة إن كانت الكبيرة هي الزنى، التي أوجب الإسلام فيها للمحصن والمحصنة الرجم حتى(33/1343)
الموت ، ومع غياب تطبيق شرع الله تعالى جاءت لنا البلايا من كل جانب، وظهر فينا ما لم يكن يظهر من قبل، وتحقق صدق تطبيق الشريعة بما فيها من حدود.
وحسب إحصائيات بعض الدول العربية أن حالات التحرش الجنسي من الموظفين لزميلاتهم بلغت الآلاف ، وهناك آلاف القضايا أمام المحاكم بسبب هذا ، هذا إن كانت المرأة عفيفة لا عاهرة ، شريفة لا وضيعة ، مؤمنة لا فاسقة ، عندها نوع من الكرامة التي تحافظ على الأقل على شرفها الذي هو أغلى ما تملك المرأة ، وحين تبيع المرأة كرامتها فقد حولت نفسها إلى حيوان.
وقديما قالت هند بنت عتبة حين جاءت لتبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ومن ضمن شروط البيعة ألا تزني، فردت هند على رسول الله صلى الله عليه وسلم مندهشة متعجبة مستاءة: "أوَ تزني الحرة"؟؟؟!!!!، ليس مقبولا في فطرتها "الجاهلية" أن الحرة تقع في هذا المستنقع العفن بأن تخدش كرامتها وإنسانيتها وتهتك شرفها، وقديما قال العربي الجاهلي: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها.
لم يكن الإسلام قاسيا حين أوجب الحد على من أتى الزنى، لما فيه من الأضرار التي يمكن الرجوع إليها في كتب علم النفس والاجتماع ، وكذلك الأضرار العلمية التي أثبتها الطب الحديث، وقبل كل هذا وبعده فسوق الإنسان عن أمر ربه سبحانه وتعالى ، وعصيانه له بالكبائر لا الصغائر، واستمراره في هذا الحرام العفن إلى أن يكون حلوا في عينه ، وهذا يعني أن هناك انتكاسا في الفطرة حين يتحول الجميل قبيحا، والقبيح جميلا.
إن الزنى ينزع الإيمان ، فيبقى الإنسان بلا إيمان صادق، وقد قال تعالى :( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،اقرئي هذه الآيات بقلبك وعقلك، وانظري خطاب الله تعالى لمن أتى الزنى مرة واحدة، واشتهر أمره، مع كون الله تعالى يستر على العبد، فما البال بزان وزانية يعيشان في الحرام ، ويستحلا ما حرم الله تعالى ؟؟
وبعد هذه المقدمة دعيني أناقشك أيتها الموظفة كما وصفت نفسك (وأعمل بوظيفة محترمة)، هل أخرجك زوجك للعمل لتقيمي علاقة محرمة مع غيره؟، وأين حرمة هذا الرجل الذي خنته يا من رضيت لنفسك أن تكوني خائنة؟، كيف استحللت لنفسك أن تعري نفسك من ملابسك أمام رجل آخر، ولا أدري كيف تعيشين مع زوجك وتمارسين معه حياتك الزوجية؟، وهل وظيفتك في هذا مكان عملك هو إقامة علاقات مع الغير، أم لك وظيفة تقومين بها، تحاسبين عليها في الدنيا والآخرة؟
يا أختي الفاضلة؛
مثلك يحرم عليه العمل، بل المكث في البيت هو ما يجب عليك أنت ، ولا أقول بأن عمل المرأة حرام ، ولكنه بالنسبة لك أنت حرام حرام حرام.(33/1344)
أما ادعاؤك بأن الحب جرى بينكما فهذا وهم وتزيين من الشيطان لكما ، ومن أنفسكما ، فالعلاقة بين الزملاء في العمل يجب أن تكون موضع تقدير واحترام ، قد يكون هناك إعجاب داخلي بشخصية الزميل أو الزميلة أو عقليته، غير أن هذا لا يتعدى حدود الله ، ولا يعرف لقلب الإنسان طريقا.
أما الزعم بأن هذا حب ، فهو كذب وافتراء ، لأن ما حدث هو إشباع للشهوة الحيوانية ليس إلا، وعلى لغة أهل الحب هناك ما يعرف بالحب العذري، ولكنه أيضا في حقك حرام ، لأنك متزوجة، وسبيل الحب في الإسلام بين رجل وامرأة هو الزواج وحده لا غيره ، وما سواه من الحب فهو حرام وضرر ومفسد ودمار وخراب وإفساد وإهلاك ، فلا يكذب الزناة ويدعون أن بينهما حبا، بل هو جنس وشهوة .
أما أن حياتك قد انقلبت جميلة بعد الزنى فلا أدري بأي عقل تفكرين ، أبالحرام تصبح الحياة سعيدة؟ إنك يا أيتها المتزوجة لم تعيشي مع هذا الرجل كزوجة له ، بينكما مسئوليات وواجبات ، وتراجعينه فيما لم يفعل، وتغضبين منه حين لا يؤدي واجبه ، ويرى منك وأنت تغسلين وتطبخين ، وتقومين بتغيير الملابس للأولاد ، وتقومين بنظافة البيت ، هل رأى منك هذا من أحبك ، ولو رأيت منه هذا ما ملت إليه ، ولكنها الصورة الشيطانية المزينة، كلام معسول على المكاتب، واتصالات هاتفية بالحب والغرام ، وتفنن في الكلمات، وحين اللقاء إنما هو لقاء جنسي يتمتع كل منكما بصاحبه في الحرام .
وكنت أحب لك لو رأيت فيه الرجل المناسب أن تطلبي من زوجك الطلاق ، أو تختلعي منه ، ثم تتزوجينه ، وتعيشان حياتكما بشكل شرعي مقبول، وشكل اجتماعي مرضي عنه ، ولن تكوني أول امرأة تطلب إنهاء الحياة مع زوجها ، فقبلك كرهت امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنهما زوجها، فطلبت فسخ الحياة ، وفي ذلك روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له :" اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ."
ربما تقولين: إن النظرة الاجتماعية ترفض أن تطلق امرأة متزوجة لتتزوج متزوجا ، أقول لك: وهل النظرة الاجتماعية تقبل أن تكوني زانية.. خائنة.. فاسقة؟
وهل تقدم عندنا النظرة الاجتماعية على شرع الله تعالى ، إن امرأة ثابت بن قيس كانت صادقة ، وقالت: إني أكره الكفر في الإسلام ، ومع هذا أزعم أنك تائهة ، مخدوعة مع هذا الغاش الخائن للأمانة، والذي ستبدي لك الأيام حقيقته ، وساعتها تندمين ساعة لا ينفع الندم.
يا أختي إن على عينك غشاوة، ازيليها، وأدركي بيتك، وانظري زوجك الذي يحبك ويثق فيك، انظري إلى أولادك، ودعك من هذه العيشة المحرمة، فإنها وابل عليك في الدنيا والآخرة.
ودعك أختي من هذا الوهم أن تعيشا لحبكما (يا سلاااااااااااااااام)، بل كوني صريحة مع نفسك لتعيشا للجنس المحرم ، لتعيشا لأجل معصية الله تعالى .(33/1345)
أيتها السائلة: يمكن لك أن تغيري مكان عملك، إما بطلب نقلك على الأقل، أو بمكثك في بيتك ، فمثلك لا يصلح له الخروج .
ودعيني أسألك: ماذا لو مت أنت وهو وأنتما في حالة الزنى، هل ترضين لنفسك الفضيحة أمام الخلائق كلها؟ أتعرفين أن الإنسان يبعث على حالته يوم القيامة ؟
نسأل الله تعالى أن يحسن ختاما، وأن يغفر لنا وأن يعفو عنا، وأن يمن علينا دائما بالستر.
ولكني مع كل هذا أقول لك: ابدئي بهذا الخيط الباقي فيك من الخير أنك تشعرين بتأنيب الضمير ، أمسكي هذا الخيط ، وإياك أن تتركيه، فهو الذي سيوصلك إلى بر الأمان، إن صدقت النية مع الله ، وقطعت علاقتك بالكلية مع هذا الخائن، فعسى الله تعالى أن يعفو عنكما ، سبحانه هو الغفور الرحيم.
فاستدركي أختي ما فاتك ، فإن الله سبحانه وتعالى هو غافر الذنب ، بقدرته أن يكشف لك الحقيقة ، ولكن اسعي أن تكوني أهلا لتوبة الله تعالى ، وعوضي زوجك وبناتك من نفسك ، واعلمي أن مبيت الرجل غاضبا من زوجته يوجب لعنة الله ، فما بالك بخيانتك له ، فانتبهي واستفيقي حتى لا يعاجلك الموت ، فتحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ، فالفرصة أمامك ، فإن الله تعالى كما أخبر عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم :"يبسط يده بالليل ، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ".
نسأل الله تعالى أن يشرح قلبك للتوبة ، وأن يحفظك من شر نفسك ومن شر الخائنين ، إنه قريب الدعاء.
ـــــــــــــــــــ
أريد أن أتقرب إلى الله..فماذا أفعل؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
ماذا أفعل للتقرب الى الله عز وجل ؟ و ما هي أحب الأعمال إلى الله ؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
الأخت الفاضلة أميرة ؛
جميل أن يستشعر الإنسان أنه بحاجة إلى التقرب إلى الله تعالى ، لأن هذا التفكير ، وما يتبعه من عمل هو استجابة لنداء الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، قال تعالى:( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
وفي الحقيقة أختي أميرة سؤالك من الأسئلة العامة ، والتي أعتقد أننا في حاجة إلى تفتيت الأمر وتجزئته حتى يمكن لنا أن نصل إلى خطوات عملية ، ويتبعها نتائج ملموسة ، ومن هنا اسمحي لي أن تكون إجابتي عامة ، وعليك أن تأخذي منها ما يناسب حالتك، وكما أن جزءا من الوصول للإجابة هو عليك أنت ، فأنت أدرى بنفسك ، وتعرفين نفسك جيدا ، ما يمكن لك أن تفعلي أو تتركي، وما تحبين وما تكرهين .(33/1346)
وأفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى إتيان الفرائض واجتناب النواهي ، وأحب ما يحبه الله تعالى من عبده الإكثار من النوافل بعد الفرائض، وكأن إجابتك ملخصة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام البخاري وغيره عن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" .
ويخطئ كثير من الناس فيظن أن الواجبات هي الصلاة والصوم والزكاة والحج ، ولا شك أنها فرائض وواجبات، ولكنها ليست وحدها ، فالله تعالى أمر بالأخلاق الفاضلة ، وأمر بالابتعاد عن الأخلاق الرذيلة ، وأمر بتوحيده وعدم الشرك به ، وأمر بصلة الرحم، وأمر بالعمل بالقرآن ، وأمر بالتقوى والإحسان ، والأوامر كثيرة جدا في مجال العقيدة والأخلاق
والعبادات والسلوكيات ، وكلها يجب أن يأتي المسلم الفرائض والواجبات فيها. وقد جاء في رواية للحديث : ابن آدم . إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك .
وهذه هي المنزلة الأولى التي يتساوى فيها الجميع ، وهناك منزلة أعلى من هذه ، وهي التي يتعامل فيها المسلم ليس بالواجب فحسب ، ولكن بالحب والقرب، فيأتي من العبادات ما ليس مفروضا ، ومن السلوكيات ما لم يوجب عليه ، تقربا إلى ربه سبحانه وتعالى .
وما أحسن ما قاله الإمام القشيري أحد أقطاب الصوفية : قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه , ثم بإحسانه . وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه , وفي الآخرة من رضوانه , وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه . ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق .
ومن واظب على الفرائض والنوافل نال محبة الله تعالى ومعيته ، وهو المقصود كنت سمعه وبصره ويده ورجله كما في الحديث، وهو كما قال الإمام الخطابي : هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه و يعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله.
ولو فكرنا بشيء عملي ، اجلسي مع نفسك ، وانظري أولا : الذنوب التي تقعين فيها ، فجاهدي نفسك بالابتعاد عنها ، لأن هذه مثل الآفات تمنع الأرض من أن تؤتي ثمرها ، والمقصود من ذلك أنها تمنع القلب من أن يشعر بحلاوة ما يأتي من الطاعة ، لأنه أصبح قاسيا بالذنوب والمعاصي ، فيجب علي الإنسان أن يخلي قلبه أولا ، ثم يزرع فيها ما يحب من الزروع الطيبة من الصالحات .(33/1347)
ثم جاهدي نفسك بعمل ما يجب عليك من الواجبات ، وما يمكن لك أن تقومين به من الأعمال غير الواجبة ، وهذه مساحة مفتوحة للعبد بين ربه سبحانه وتعالى ، فمن الناس من يميل إلى عبادة دون أخرى ، ومن عمل صالح دون آخر ، على ألا يحرم نفسه من الأعمال الصالحة كلها ، قدر استطاعته ، فإنها كالثمار والفواكه وسائر الأغذية لا يستقيم صحة الإنسان إلا بها ، فكذلك هي لا يستقيم إيمان العبد إلا أن يأخذ من جميعا.
أختنا الفاضلة؛
جاءت إجابتنا عامة، لعموم سؤالك، ولكن نرجو أن يكون فيه شيء نافع لك. ولا تنسنا من صالح دعائك، وأهلا بك دوما .
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات بين رغبة البشر ومشيئة القدر ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سيدي الفاضل؛ أرجو إفادتي برأيك في موضوع تعدد الزوجات، دون سبب أو مبرر لذلك، غير بعض الأسباب الواهية، مثل الرغبة في استخدام حق، أو حب النساء، علما يا سيدي أن زواج الزوج بأخرى عندنا كمصريات يعد عيبا و خزيا للزوجة الأولى، وأن الأولاد يتضررون كثيرا نظرا لمشاكل العصر، والحاجة لوجود الأب أكبر وقت ممكن، وأنا يا سيدي امرأة متعلمة، وعلي قدر من الثقافة الدينية، والحمد لله، رغم صغر سني (27)، ولكنني لا أطيق مجرد النقاش في فكرة تعدد الزوجات، مادام الزوج يحب زوجته، ولديه أولاد منها، إلا أني أخاف أن أكون آثمة بذلك. وأود أن أوضح أنني منذ أن تزوجته فقد أخلصت له، بينما كانت لدي الفرصة لأتزوج ممن هو أفضل منه، وما يغضبني أنه رغم كل هذا، وبعد كل هذه السنين، يصارحني برغبته في أن تشاركني أخري فيه!، و الأغرب أنه يجعل ليّ الاختيار، إما أن أبقى كنصف زوجة أو أحرم من أولادي وأبدأ من جديد؟، فهل هذا هو العدل؟! ألم يرفض الرسول صلي الله عليه و سلم زواج الإمام علي كرم الله وجهه علي ابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها؟، أرجو إفادتي حتى لا أفتن في ديني. وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ مسعود صبري:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة/ رشا
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يرزق زوجك ما فيه الخير لدينك ولدينه .(33/1348)
هالني ما قلته في آخر استشارتك من أنك تخشين الفتنة على دينك بزواج زوجك من زوجة أخرى، وسأناقش معك هذه النقطة، وجانبا آخر من الاستشارة دون الدخول في التفاصيل.
كل مؤمن بالله تعالى صادق في إيمانه لا يزحزح إيمانه شيء، لأن هذا الإيمان بينه وبين الله تعالى، فلا دخل لزواج زوجك بقضية إيمانك، وهل تفقد أمة الله عبوديتها لله لأجل أن زوجها تزوج؟
إن المسلم يمسك على دينه كالقابض على الجمر، وإن كان من صفات عباد الله تعالى أنهم لا يفتنون في دينهم وإن أوذوا وعذبوا واضطهدوا غير أن هذا لا يضعف إيمانهم ، لأن ثروة المسلم هي في إيمانه ، وتعلقه بالله تعالى ، وهذا الذي يقابل الله تعالى به لا غيره ، فأول ما أقوله لك : دعي إيمانك جانبا ، تحافظين عليه ، مهما كانت العواصف في حياتك ، ومهما قابلك من أمور تكرهينها أو تودين ألا تحدث في حياتك، وإلا فإيمانك يا أختي ضعيف، والإيمان يزيد وينقص، ولكن هذا لا يعني أن يكون هشا تذروه الرياح، أو تهوي به في مكان سحيق، ولكن المقصود أنه لا يكون على حال واحدة، فهو إن نقص ، غير أنه لا يغيب ، ولا يمس الثوابت أبدا.
أما عن زواج زوجك ، فيجب أولا أن تجلسي مع زوجك ، وتناقشين الأمر بحيدة تامة ، وليكن الدين هو الأساس الأول ، فإن رأيت أن زوجك يحتاج للزواج حفاظا على دينه ، فتنازلي ، وارضي بشرع الله تعالى ، وإن رأيت فيه بعض التمغيص عليك ، ولكن الحفاظ على دين زوجك أولى وأرضى لله ، وإن كنت ترين أن في زواج زوجك ضررا عليك ، ويمكن له أن يتنازل عن هذا الحق الذي أعطاه الله تعالى إياه ، فليترجح عدم زواجك ، وليكن الأمر شورى بينكما.
ولكن لا يمكن للزوجة أن تمنع زوجها من حق وهبه الله تعالى إياه ، ولنوقن أن شرع الله تعالى خير ، وحاشا لله أن يشرع شيئا فيه ضرر على الناس ، وإن رأى الناس أن فيه ضررا لهم ، وقد جعل الله تعالى الرضا بقضائه وقدره من علامات الإيمان ، بل هو من أسسه وأركانه كما جاء في الحديث عن الإيمان :" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر ، خيره وشره " والقدر ليس فيه شر، ولكن عبر بشره ، أي ما يراه الناس شرا ، أو ما قد يكون شرا بصنع الناس ، ومادمت قد أخذت بالأسباب ، ولكن لم يقدر الله تعالى لك ما تحبين ، فارضي بقضاء الله تعالى وقدره .
وقد قال تعالى :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم "، وقال تعالى :" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين". فمطلوب من كل مسلم ومسلمة أن يقدم أمر الله على أمر هواه ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ".
ثم إن تعدد الزوجات شئنا أم أبينا جزء من شرع الله تعالى ، والله تعالى لا يشرع شيئا فيه ضرر للناس، وسبحانه لا يشرع إلا لحكمة علمها من علمها، وغابت عمن غابت(33/1349)
عنه ، فالله تعالى منزه عن كل نقص وعبث، وقد جعل الإسلام الزواج بإفراده وتعدده في أصله مندوبا إليه ، ولكنه قد يحرم إن كان فيه ضرر، وقد يوجب إن كان لدفع ضرر، وعلى الناس أن تنظر في أمورها جيدا، وأن تختار الحالة التي تناسبها ، مع التسليم والإذعان لأمر الله تعالى ، إذ هو مما يحب الله تعالى ويرضى عنه ، وقد امتدح الله تعالى إبراهيم حين قال :" إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين ".
فتشاورا سويا، وارضي بقضاء الله تعالى، وأكثري من الدعاء أن يلهم الله تعالى زوجك الرشد في الأمر .
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أختي الفاضلة رشا؛
مرحبا بك، وأشكرك على الكتابة إلينا بهذه الصراحة، ونعدك أن نكون عند حسن ظنك، مقدرين تلك الصراحة، وبعد..
فلا أريد الدخول في دهاليز الأحكام الشرعية المرتبطة بتعدد الزوجات، حيث أظن أنك استمعت أو اطلعت على قدر ليس بالقليل منها، ولا أريد الدخول في جدلية: هل التعدد هو الأصل – كما يقول البعض – أم هو الاستثناء؟.
ولكن ما أريد أن أناقشه معك بناء على ما وصلني من مشاعر وأفكار من ثنايا كلامك، هو:
هل الرجل مطالب بأن تكون له أسباب واضحة للجميع ومقنعة للجميع حتى يعدد؟، وبصياغة أخرى: هل الرجل مطالب بأن يعلن لكل من هبَّ ودبَّ الأسباب التي دعته للزواج بأخرى حتى يظهر موقفه سليما أمام المجتمع بغض النظر عما قد يصيب مشاعر الزوجة الأولى، وما قد تتعرض إليه من إهانة وتجريح؟.
سيدتي، إن النساء يفهمن النساء، ولعالمهن أسرار واحتياجات قد تعرف بينهن دون مصارحة أو حديث، ولكن قد لا يفهمها أو يتفهمها كثير من الرجال، وكذلك الرجال يفهمون الرجال، ولعالمهم أسرار قد تعرف بينهم دون مصارحة أو حديث، ولكن لا يعلمها النساء.
إن الرجل قد تكون له أسباب ليست ظاهرة ولا يطلع عليها أحد، وما ينبغي أن يطلع عليها أحد، ولا ينبغي أن يطالبه أحد بالإفصاح عنها، وعلى عكس ما يتصور كثير من الناس فإن الزوج – في رأيي - يجب أن يحترم لموقفه ذلك، حيث إنه يريد أن يحافظ على حرمة بيته من أن تنتهك، وأن تكون علكا تلوكه أفواه الناس بحسن نية أو بخبثها .
إن معظم الناس ينظرون للزوج نظرة اتهام إذا تزوج مرة أخرى ، وهو- فيما يرون- لا ينقصه شيء، ولا يجدون في زوجته عيبا ظاهرا، فهم يرون زوجته جميلة، ومطيعة، ومتدينة، ورُزق منها بالبنين والبنات، فما الذي يجعله يتزوج عليها!! ، يا أختي، إن العلاقات الزوجية مبنية على الستر، وهل يجب في رأيك أن يفضح الزوج زوجته، ويهتك ستر بيته، حتى يبرر للناس زواجه الثاني؟؟!!!
لقد اعتبرت يا سيدتي مسألة "حب النساء" سببا واهيا للزواج الثاني، ولا ألومك على ذلك، فأنت وغيرك من النساء قد لا يفهمن أحاسيس الرجال وفطرهم، فقد روي عن(33/1350)
أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلاَثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ"، ولكن لتعلمي أنه سبب جد قوي من أجله أباح الله عز وجل للرجل الزواج بأكثر من امرأة، ليحمي الفضائل في المجتمع، ويحمي الأعراض، ويحمي دين الناس من أن يخدش بالفواحش، ويحل بعض المشكلات المستشرية كالعنوسة مثلا.
إني أرى المشكلة مشكلة ثقافة محلية، وهذا واضح في كلامك، حيث قلت: "زواج الزوج بأخرى عندنا كمصريات يعد عيبا وخزيا للزوجة الأولى .. إلخ"، وهذه الثقافة المصنوعة يجب ألا تتحول لشريعة نحاكم الناس بها، خاصة أن العلل التي سقتِها أختي للرفض ليست حتمية الحدوث، والكثير من التجارب الواقعية تؤيدني.
وعلى أية حال أختي الكريمة، فإن كل حالة تقدر بقدرها، فقد يكون الزواج الثاني حلا لمشكلات كثيرة، وقد يكون ضررا وبيلا وجلبا لمزيد من المشكلات، فلا نستطيع أن نعطي حكما واحدا لكل الحالات. هو أمر أباحه الله عز وجل لمن يحتاجه، وتجري عليه جميع الأحكام الشرعية، فقد يكون واجبا في حالة، ومندوبا في ثانية، ومباحا في ثالثة، ومكروها في رابعة، بل وحراما في خامسة.
أما مسألة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم زواج الإمام علي كرم الله وجهه على ابنته السيدة فاطمة، فحاشا لله أن يحرم الرسول ما أحل الله، أو أن يجد في صدره حرجا لأمر أباحه المولى عز وجل، وإنما كان الرفض ليس لمطلق فكرة الزواج، ولكن- فيما أعلم – أنه رفض لأن المرأة التي كان سيتزوجها على ابنته السيدة فاطمة كانت ابنة أبي جهل عدو الله ورسوله ، فاعترض النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السبب، وقال: " إنه لا يجمع بين بنت رسول الله وبين ابنة عدو الله"، والحديث في مجمع الطبراني الكبير.
ما أريدك أن تعلميه يا سيدتي:
أن الزواج بأخرى لا يعني دائما أن الزوج يكره زوجته الأولى، بل على العكس فإن احتفاظه بها قد يكون دليلا على حبه لها، وعدم رغبته في مفارقتها، والرجل غير المرأة، قد يسع قلبه أكثر من واحدة، فليس بمستغرب أن يحب الزوجتين ويعطي لكل منهما حقوقها .
وليست قاعدة أبدا أنه يترتب على الزواج الثاني خراب البيت الأول، ففي يد الزوج وزوجاته – إن أرادوا – أن تعيش البيوت جميعا وأفرادها جنبا إلى جنب، في ظل قواعد وآداب الشرع الحكيم.
وفقك الله أختي، وطمأن قلبك.
ـــــــــــــــــــ
تحقيق التقوى ... الشروط والنتائج ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
لقد قرأت في كتاب الله العزيز: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه" وإن شاء الله تكونون من المأجورين. سؤالي هو: كيف تتحقَّق تقوى الله؟ وما الشروط التي يجب أن أتَّبعها كي أصبح تقيَّة، ويجعل الله لي مخرجا؟ وما التوكُّل على الله؟ وكيف يكون؟ لي سؤالٌ أخيرٌ أيضا: كيف(33/1351)
أصبر على مصائب الدهر؟ كيف أشعر باليقين حين أتَّجه إلى الله بالدعاء، حيث إنَّني قرأت في حديثٍ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سئل عن الدعاء، قال بأنَّه لا يجد همًّا في الدعاء، ولكن في اليقين إجابة الدعاء؟ أرجو أن أجد لديكم الجواب الشافي الذي يثلج صدري. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ عبد الحميد البلالي:
ابنتي عبلة،
زادك الله حرصاً على تعلُّم دينك، لقد سألت عن خمس مسائل، كلِّ واحدةٍ منها تحتاج إلى مجلَّدات، ولذلك فسوف أركِّز في إجابتي على أهمِّ هذه الأسئلة، ألا وهو سؤالك عن التقوى وشروطها، حيث إنَّ الآية المشهورة في سورة الطلاق تحتوي على قاعدةٍ إيمانيَّةٍ كبيرة، إنَّها قاعدةٌ ربَّانيَّةٌ لا تخطئ أبدا، فإذا ما تحقَّق شرطها الأوَّل تحقَّق الثاني دون إبطاء، حيث يقول الحقُّ فيها: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب".
ما التقوى؟
التقوى هي الحماية، والحماية إمَّا أن تكون من الأخطار الخارجيَّة أو الداخليَّة، والأخطار كثيرةٌ ومتنوِّعة، وأشدُّها خطراً تلك التي تمنع الإنسان من دخول الجنَّة، وتكون سبباً لدخوله النار، وأَولى أجزاء الإنسان بالحماية هو قلبه، حيث إنَّه إذا صلح وسلم من الأخطار صلح وسلم سائر الجسد، حيث يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"متَّفقٌ عليه.
يقول حجَّة الإسلام الغزالي: "العبادة شطران، اكتساب: وهو فعل الطاعات، واجتناب: وهو تجنُّب السيِّئات، وهو التقوى، وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب، يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، واشتغل المنتبهون أولو البصائر بالاجتناب، إنَّما همَّتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى، والبطون عن الفضول، والألسنة عن اللغو، والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم".
مراتب التقوى:
وحماية القلب والجوارح له ثلاث درجات، أو ما يطلق عليه الإمام ابن القيِّم بمراتب التقوى الثلاث، حيث يقول: "التقوى ثلاث مراتب:
إحداها: حمية القلب والجوارح من الآثام والمحرَّمات.
الثانية: حميتها عن المكروهات.
الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.
فالأولى: تعطي العبد حياته، والثانية تفيد صحَّته وقوَّته، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته".
الخطر الأكبر:(33/1352)
ومن حمى نفسه من هذه الأخطار، فقد حمى نفسه من الخطر الأكبر، وهو النار التي أمر الله تعالى في كتابه الكريم المؤمنين بالحماية من شرِّها حيث قال: "يا أيُّها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وَقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".
وكذلك نتَّقي هذا الخطر الأكبر بالعمل الصالح، فهو السبب الرئيسيّ -بعد رحمة الله، وحماية القلب والجوارح من المعصية– في دخول الجنَّة، والابتعاد عن النار، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرة"رواه البخاري، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"رواه البخاريُّ ومسلم.
صفات المتَّقين:
إنَّ للمتَّقين صفاتٌ كثيرةٌ تحميهم من نار جهنَّم، يجاهدون أنفسهم للاتِّصاف بها طيلة بقائهم في هذه الحياة الدنيا، وتتكامل هذه الصفات، وتزداد عمقاً يوماً بعد يومٍ كلَّما تقرَّبوا إلى ربِّهم، ومن أبرز هذه الصفات:
1- استواء الظاهر مع الباطن:
أو هو الإخلاص في أحد صوره الجميلة، فالمخلص الذي يريد وجه الله لا يفرِّق في ذلك عندما يكون خالياً أو أمام الناس، حيث يستوي عنده الظاهر والباطن، أمَّا أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى أمام الناس، وإذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها، فأولئك يفضحهم الله في الدنيا والآخرة، ويسلبهم الله نور الإيمان الذي يظهر جليًّا على وجوه أولئك المخلصين، ويكون أثره كالمغناطيس يجذب القلوب إليهم، بينما يتباعد الناس عن أولئك المتظاهرين، وينادي الإمام ابن القيِّم هذا المتظاهر بالتقوى متعجِّبا: "سبحان الله، ظاهرك متجمِّلٌ بلباس التقوى، وباطنك باطيةٌ لخمر الهوى، فكلَّما طيَّبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون، وانحاز إليك الفاسقون" (الباطية هو الإناء الذي تشرب فيه الخمر).
إنَّهم يتظاهرون بالتقوى ولكنَّ قلوبهم مملوءةٌ بحبِّ غير الله، وقد اتَّخذوا أهواءهم آلهةً من دون الله، وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح.
2- تقديم العمل على المظاهر:
إنَّهم يعلمون حقَّ العلم بأنَّه ما من آيةٍ في القرآن الكريم ذكرت الإيمان إلا وقرنته بالعمل، ويعلمون بأنَّه لن يُنجِي العلم من غير عمل، ولا المظاهر من غير عمل، فإنَّ الله لا ينظر إلى القلوب، وإذا عمرت القلوب بحبِّ الله دفعها للعمل، وإذا ما عمل الإنسان طفح أثر العمل على الجوارح، وكان إمام التابعين الحسن البصريِّ يؤذيه رؤية ذلك الصنف من الناس الذين يهتمُّون بمظاهرهم على العمل، ويظنُّون أنَّ ذلك من التقوى، فقد رأى يوماً فرقد السنجيَّ وعليه جبَّة صوف، فأخذ بجبَّته ثمَّ قال: "يا بن فرقد -مرَّتين أو ثلاثة– إنَّ التقوى ليست في الكساء، إنَّما التقوى ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل والفعل".
3- الاهتمام بتقوية القلب:
إنَّهم يتَّجهون أوَّلاً لتقوية القلوب، فالقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، ولا يصلح الظاهر حتى يصلح الباطن، وما أجمل ما كان يقول الواعظ يحيى(33/1353)
بن معاذ: "عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثمَّ تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكرانٌ بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلَّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو بادرت هواك".
فما كمال العقل إلا بمعرفة أهمِّيَّة الوقت، والمبادرة قبل انقضائه بقيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعته فيما لا يرتفع إلى السماء.
4- الاهتمام بالعلم والعمل:
فالتقوى هي العاصمة من القواصم، ومن كلِّ فتنةٍ عاصفة، ولا يمكن أن تثبت حقيقة التقوى من غير علمٍ وعملٍ وإخلاص، وقد نصح التابعيُّ الجليل والزاهد البصريُّ الكبير طلق بن حبيب أتباعه باتِّقاء الفتن بالتقوى فقال: "اتَّقوها بالتقوى"، فقيل له: صف لنا التقوى، فقال: "العمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نورٍ من الله، مخافة عذاب الله".
ونور الله هو العلم، ورجاء ثواب الله أي ابتغاء وجه الله بالعمل، والإخلاص له، دون رجاء الثواب من غيره من المخلوقين، وترك المعاصي بالعلم مخافة عذاب الله وليس مخافة البشر أو بانتظار ثنائهم.
ومن اتَّصف بهذه الصفة، وهذا العمل المكمِّل للعمل، وابتغاء وجه الله في ذلك فإنَّه يكون في مأمنٍ من الفتن، وإنَّما يقع في الفتنة من جهل، وقلَّت مخافته من الله تعالى، وابتغى غير وجه الله في عمله.
5- تنقية الطمع والغضب:
وهي من أبرز صفات المتَّقين، حيث إنَّهم يمارسون التوحيد الخالص لله تعالى، ولا يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره، كما قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وجعلها رسولنا صلى الله عليه وسلم سنَّةً في افتتاح كلِّ صلاة، عندما رغَّبنا بأن نقول: "قل إنَّ صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين".
وبالتالي يكون كلُّ ما يقومون به نقيًّا إلا من الله تعالى، سلوكهم وقلوبهم ومعاملاتهم، وممَّا يذكره بكر بن عبد الله المُزنيِّ عن المؤمن أنَّه: "لا يكون تقيًّا حتى يكون نقيَّ الطمع نقيَّ الغضب".
فلا يغضب إلا لله تعالى، ولا يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا، وإنَّما يقصر طمعه لما عند الله من النعيم، فكلَّما رأى من جواذب الدنيا شيئاً تذكر أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وكلَّما أغضبه شيءٌ من أمور الدنيا، تذكَّر أنها لا تستحق أن يغضب لها وهي زائلة، فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه وسلوكه ومعاملاته، حتى يبقى على التوحيد الخالص لله تعالى.
6- محاسبة النفس:
يقول التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
فهو امتدادٌ لصفة التنقية للطمع والسلوك والغضب، ذلك لأنَّ المحاسبة هي أحد الضمانات بعدم تراكم الأخطاء، ومراجعة الأعمال التي لم يكن فيها النقاء كما ينبغي، والمحاسبة صفةُ عظيمةٌ أقسم الله سبحانه بها فقال: "ولا أقسم بالنفس اللوَّامة"، وهي تلك التي تلوم صاحبها على كلامه وأفعاله، لينقِّيها ممَّا شابها من أدران المعاصي،(33/1354)
وابتغاء غير وجهه سبحانه، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر".
7- كراهية الثناء:
فالمتَّقي لله تعالى، لا يبتغي وجهاً سواه، ولا يطمع بشيءٍ سوى ما عنده من الجنَّة و الرضى والأجر العظيم، وكلُّ ما دون ذلك لا يساوي في عينيه شيئاً مهما قيل عنه وأثني عليه، فهو أعلم الناس بنفسه، وبالتالي تراه لا يحرص على ثناء الآخرين، ويتضايق منه لأنَّه يخشى أن يسبب له انتفاخاً ينسيه فضل الله عليه، وأن يكله إلى نفسه.
وكان التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران من هذا الصنف من المتَّقين الذين يكرهون الثناء خوفاً على أنفسهم، فقد جاء رجلٌ وقال له: يا أبا أيُّوب، ما يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك الله لهم، فردَّ عليه حالا: "أقبِل على شأنك، ما يزال الناس بخيرٍ ما اتَّقوا ربَّهم".
ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الثناء، وأمرنا بحثو الرمل في وجوه المدَّاحين، إلا إذا أمنت من انتعاش الممدوح، وكان الهدف من ذلك تشجيعاً على بعض أخلاقه، أو تثبيت ذلك الخلق في نفسه، كما مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وغيرهما ممَّن يعلم أنَّ المدح لا يؤثِّر فيهم.
يجعل له مخرجا:
فإذا ما حقَّق المؤمن الشرط الأوَّل للمعادلة بتحقيق التقوى في نفسه، حقَّق له الشطر الثاني من المعادلة، بأن يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
يقول الإمام ابن الجوزيّ: "تأمَّلت قوله تعالى: "فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى"،قال المفسِّرون: "هداي": رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابي، فوجدتُّه على الحقيقة أنَّ كلَّ من اتَّبع القرآن والسنَّة وعمل بما فيهما، فقد سلم من الضلال بلا شكّ، وارتفع في حقِّه شقاء الآخرة بلا شكّ، إذا مات على ذلك، وكذلك شقاء الدنيا، فلا يشقى أصلا، وبيَّن هذا قوله تعالى: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا" فإن رأيته في شدَّة، فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصابَ عنده عسلا، وإلا غلب طيش العيش في كلِّ حال، والغالب أنَّه لا ينزل به شدَّة، إلا إذا انحرف عن جادَّة الصواب، فأمَّا الملازم لطريق التقوى فلا آفة تطرقه، ولا بليَّة تنزل به، هذا هو الأغلب، فإن ندر من تطرقه البلايا مع التقوى فذلك في الأغلب لتقدُّم ذنبٍ يجازى عليه، فإن قدَّرنا عدم الذنب، فذاك لإدخال ذهب صبره كير البلاء، حتى يخرج تِبْرًا أحمر".
وصايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
والوصيَّة لا تخرج إلا من حريص، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على أمَّته، ولذلك جاءت وصاياه بما ينجي أمَّته، ويجعلهم في أعلى علِّيِّين يوم القيامة.
ومن هذه الوصايا ما كان يخصُّ التقوى، حيث قال في الحديث: "أوصيك بتقوى الله تعالى فإنَّه رأس كلِّ شيء"رواه الإمام أحمد، ورجاله ثقات.
يقول الإمام المناوي: "إذ التقوى وإن -قلَّ لفظها- جامعةٌ لحقِّ الحقِّ والخلق، وشاملةٌ لخير الدارين، إذ هي تجنُّب كلِّ منهيّ، وفعل كلِّ مأمور".
والوصيَّة عندما تصدر من محبّ، فهي أَولى بالاتِّباع، فكيف إذا ما صدرت من محبّ، ومن أتقى الأتقياء، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم.(33/1355)
ما المخرج؟
تعدَّدت أقوال أهل التفاسير في هذا المخرج، وإن كانت جميعها تحتمل معاني المخرج الكثيرة، التي يستحقُّها من اتَّقى الله تعالى، ومنها:
أ- النجاة من الكربين، وهو ما رواه ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بقوله: "ينجيه من كلَِّ كربٍ في الدنيا والآخرة".
ب- القناعة، وهو ما قاله عليُّ بن صالح: "المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه".
ج- النجاة من النار إلى الجنَّة، قاله القلبيّ.
د- مخرجاً من النهى: قاله الحسن البصريّ.
هـ- من كلِّ شدَّة، وما قاله ابن خيثم: "من كلِّ شيءٍ ضاق على الناس".
و- من العقوبة.
ز- من شبهات الدنيا.
ح- الكرب عند الموت.
ط- الفرح يوم القيامة.
نراها في حياتنا:
إنَّنا نرى بأعيننا من غير رواية، تلك الشدائد العظيمة التي تنقشع واحدةً تلو الأخرى لأولئك الشباب المدمن عندما يرجعون إلى الله تعالى ويسلكون طريق التقوى، إنَّ أحدهم يصاب بعد تركه للمخدِّر بأعراضٍ انسحابيَّة، من صداع، وإسهال، وآلامٍ في جميع أنحاء جسده، وترجُّع، وأرَق، وآلامٍ في المفاصل، وعَرَق، وبرد، إضافةً إلى تراكم الديون، وقضايا المحاكم الكثيرة، وخلافاتٍ بينه وبين فلانٍ أو علاَّن.
التوكُّل:
أمَّا التوكُّل على الله، فهو تفويض أمر العبد كلِّه لله، مع يقينه بأنَّ الله هو المتصرِّف بالأمور كلِّها، والاعتقاد الجازم بذلك، بشرط أن يبذل الأسباب المطلوبة منه كبشر، ولكن لا يركن إليها، ولا يربط التوفيق والنجاح بها، وينسى صاحب الأسباب وميسِّرها.
والفرق بين التوكُّل والتواكل، أنَّ المتوكِّل هو الذي يبذل الأسباب ثمَّ يتوجَّه إلى الله بالمساعدة والتوفيق، وهو معتقدٌّ مستيقنٌ بأنَّ الله سيقضي حاجته، ولا يسند الفضل إلا لله.
بينما المتواكل لا يبذل من الأسباب شيئا، ويريد قضاء حاجته من الله.
أمَّا الأمور المعينة على الصبر فهي:
1- أن تعتقدي بأنَّ ما أصابك مقدَّرٌ من الله.
2- وأنَّ الله له حكمة في ذلك.
3- وأنَّك تؤجرين عن هذه المصيبة.
4- ويكفِّر من سيِّئاتك.
5- ويرفع درجاتك.
6- وأنَّ العبد ليس له أن يعترض على سيِّده.
7- أن تتذكَّري بأنَّ وراء هذه المصيبة خير، وذلك بتذكُّرك قول الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم"(33/1356)
8- إنَّه تحذيرٌ من الله، سببه معصيةٌ أو تقصير، ولأنَّ الله يحبُّك فإنَّه يبتليك كي تكتشفي خطأك ومعصيتك.
9- الابتلاء علامةٌ من علامات حبِّ الله للعبد.
10- أن تتذكَّري بأنَّ هناك من هو أكثر منك بلاء.
11- أن تتذكَّري أنَّ الله صرف عنك بلاءً أعظم ممَّا أنت فيه.
12- أن تتذكَّري بأنَّ الله أبقى لك من النعم أكثر ممَّا أخذ منك، ويكفي أنَّه أبقى لك العقل والسمع والبصر والشمَّ وبقيَّة الجوارح.
اليقين بالدعاء:
وبالنسبة لليقين بالدعاء، فإنَّه مطلوبٌ من كلِّ مسلمٍ أن يستيقن بأنَّ الله سيجيب دعاءه، حيث قال في كتابه الكريم: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، وقال: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيّ: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة"، وقال صلى الله عليه وسلم بأنَّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل في السماء الأولى، ويقول: "من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"متَّفقٌ عليه.
فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من الإيمان بقدرة الله، وأنَّه لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما.
أمَّا بالنسبة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فالمشهور عنه أنَّه قال: "لا أحمل همَّ الإجابة، بل أحمل همَّ الدعاء، فإذا فتح الله عليَّ بالدعاء، جاءت الإجابة".
والله أعلم.
أسأل الله أن يفتح عليك في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــ
عابدة تشكو قسوة قلبها.. البحث عن الذنوب الخفية ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم، هل يمكنكم أن تساعدوني كي أجعل قلبي ليِّنا، لأنَّ قلبي قاسٍ جدّا، فأنا أقرأ القرآن، وأصلِّي، وأفعل كلَّ ما يجب أن أفعله، ولكن لا شيء يتغيَّر. أكاد أقتل نفسي بسبب قسوة قلبي، وأظنُّ أنَّ الله غاضبٌ عليّ، والدليل قلبي. أرجوكم ساعدوني لأنَّ حياتي حزينةٌ جدّا، وأعتقد أنَّ السبب هو حال قلبي. جزاكم الله خيرا. والسلام عليكم. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ همام عبد المعبود:
أختنا في الله / زاهية
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله أن نكون أهلا لهذه الثقة، وأود أن أذكرك بأن(33/1357)
قسوة قلب العبد، رغم حفاظه على الصلاة، وقراءة القرآن، وغيرهما من الطاعات، دليل على أحد أمرين : -
1- إما أن العبد يرتكب من الذنوب والمعاصي ما يذهب به بركة الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه، لأن ذنوبه تحول بينه وبين ربه، ومن ثم فإنه يجب على العبد الذي يستشعر هذا الخطر أن يبحث في قلبه عن أسباب هذه الذنوب والمعاصي وأن يقف على ما يقف حائلا دون ترك الطاعات التي يؤديها للآثار المرجوة منها في تليين القلب و إصلاح النفس.
2- وإما أن العبادات التي نؤديها قد خلت من الروح، وصارت مجرد حركات تؤدى، أقرب إلى الروتين، مما يذهب بحلاوتها ولا يجعلها تترك أثرا يذكر على صلاح القلب، وفي مثل هذه الحال فإنه حري بهذا العبد أن يقف مع نفسه وقفة، يجدد خلالها نيته، ويتقي الله فيما يهم أن يفعل، فينظر فيه فإن كان لغير الله توقف عنه، وصحح مساره.
وعليه فإنني أوصيك يا أخت زاهية، أن تقفي مع نفسك وقفة لله، تصارحين فيها نفسك، وتجددين فيها نيتك، وتعتذرين فيها إلى ربك، واعلمي أنه على قدر إخلاص العبد يكون القبول، وأن تقوى الله وتجريد النية طريقان لترقيق القلب وإصلاح النفس، جعلنا الله وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولين قلوبنا لطاعته، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير...
ويضيف الدكتور كمال المصري :
أختي الكريمة : زاهية،
كم هو مهمٌ أن يتابع المرء أحوال قلبه ويراقبه، فإنَّما سمِّي قلباً لكثرة تقلُّبه، ولقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بضرورة المحافظة على هذا القلب قائلا: "... ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"رواه البخاري، ولا يَصلح الظاهر حتى يَصلح الباطن، وما أجمل ما كان يقول الواعظ يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: "عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثمَّ تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكرانٌ بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلَّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو بادرت هواك".
واسمحي لي -أختي- أن أطمئنك بأنَّ ما تشعرين به هو شعورٌ طبيعيٌّ ينتاب الإنسان أحيانا، مصداقاً لحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنَّتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك"رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبَّان في صحيحيهما، وروى الترمذيُّ نحوه وقال: حسنٌ صحيحٌ غريب.
واسمحي لي أيضاً أن أقول لك أنَّ ما تشعرين به من حزن، يجب أن يكون هو سبب سعادتك، فهو دليلٌ على يقظتك، وحرصك على محاسبة نفسك، ومحاسبة النفس من أهمِّ العوامل التي تورث رقَّة القلب، يقول التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".(33/1358)
والمحاسبة صفةُ عظيمةٌ أقسم الله سبحانه بها فقال: "ولا أقسم بالنفس اللوَّامة"، وهي تلك التي تلوم صاحبها على كلامه وأفعاله، لينقِّيها ممَّا شابها من أدران المعاصي، وابتغاء غير وجهه سبحانه، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر".
والحمد لله أنَّ قسوة قلبك لم تؤدِّ بك إلى ما يخالف سنَّته صلى الله عليه وسلم، فأنتِ ما زلتِ- ما شاء الله- محافظةً على الفرائض والنوافل والطاعات والذكر -كما فهمت من قولك: "أقوم بكلِّ ما يجب عليَّ فعله"، فلا تقلقي كثيراً لما ترَيْن، فهي حالةٌ طبيعيَّةٌ تجتاح النفس البشريَّة، وتأخذ وقتها وتمضي إن شاء الله، بشرط الحفاظ على ما تقومين به من طاعات، وعدم الاستسلام لليأس، هذه النقطة الأولى.
نقطةٌ ثانية: لكلِّ إنسانٍ بعض الطاعات المحبَّبة له في التقرُّب لله تعالى، أعمالٌ يحبُّها أكثر من غيرها، ويشعر من خلالها بالقرب من الله أكثر من أعمالٍ أخرى، وتختلف هذه الطاعات من شخصٍ لآخر، كلٌّ حسب نفسيَّته وطبيعته وفطرته، وأما وأنت في هذه الحالة من الإحساس بقسوة القلب، فأنصحك بالإكثار من الأعمال التي تشعرين أنَّها تقرِّبك أكثر من ربِّك سبحانه، إن كانت قراءة القرآن فأكثري من قراءته وفضِّليها على غيرها من النوافل والطاعات، وإن كانت قيام الليل فالتزمي ببرنامجٍ مكثَّفٍ من قيام الليل زائدٍ عن الحدِّ الطبيعيِّ الذي كنت تقومين به إن كنت تقومينه، وإن كان السجود فاستزيدي منه وأطيلي، وإن كان التصدُّق فأنفقي حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، وهكذا.. أكثري من الأعمال المحبَّبة إليك، والتي تقرِّبك من ربِّك.
ومن الأعمال التي تُلين القلوب أيضا: المسح على رأس اليتيم، إطعام الفقراء وتفقُّد أحوالهم، التفكُّر في نعم الله، وعيادة المرضى وغيرها، فحاولي الإكثار من هذه الأعمال.
نقطةٌ ثالثةٌ تحدَّثنا عنها مراراً وتكراراً في الاستشارات، وهي أنَّ الإيمان في ديننا ليس صلاةً وقراءة قرآنٍ فقط، بل هو ممارسةٌ وفعلٌ ومعاملةٌ كذلك، فعندما يصف ربُّنا سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنَّك لعلى خلقٍ عظيم"، "فبما رحمةٍ من الله لنت لهم، ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك"، ويحثُّنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بفعله على حسن الخلق، كما وصفه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحِّشا، وإنَّه كان يقول: "إنَّ خياركم أحاسنكم أخلاقا"رواه البخاري.
وعندما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الرائع حقّا: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب، ورواه ابن حبَّان في صحيحه.
وعندما يحكي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجد غصن شوك، فأخذه، فشكر الله له فغفر له"رواه أحمد والبخاريُّ ومسلم وأبو داود والترمذيّ، وعندما يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسماحة: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا(33/1359)
اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاريُّ وابن ماجه، ويصف المنافق بـ "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"رواه أحمد والبخاريُّ ومسلم.
كل هذا الكمِّ من الأوامر والفضائل "المعاملاتيَّة" ليست لمجرَّد العلم، بل هي للممارسة أيضا، وهي لها –إذا ما طبَّقناها- علاقةٌ بزيادة الإيمان في قلوبنا، ولو كانت ليست لها علاقة بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟
هذه مشكلة كبرى – أختي الكريمة- نحيا فيها.. الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة، خذي زادك الإيمانيَّ من هذه المعاملات.. ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانا، أميطي الأذى عن الطريق، وتذكَّري أنَّ من فعل ذلك وشكر الله غفر الله له، فاشكري الله، واستشعري مغفرة الله لك، عاملي الناس بخلق حسن تكوني بجوار نبيك صلى الله عليه وسلم، كوني سمحةً سهلةً ليِّنةً مع الناس يرتفع إيمانك، تقرَّبي إلى الله بالمعاملة كما تقرَّبت إليه بالطاعة.. أتقني عملك، التزمي في مواعيدك التي تعدين بها، ولسفيان الثوريِّ رحمه الله مقولةٌ جميلةٌ في ذلك: "الكذب منازل، فأعلاها، وأكثرها ضررا: إخلاف المواعيد"، فالتزمي أن تجعلي كلَّ حياتك قربةً إلى الله تعالى، وعندئذ لن تحسِّي بقسوة القلب أو بالتراجع الإيمانيّ، وسيكون ذلك -أيضا- وسيلةً لزيادة الإيمان.
نقطةٌ رابعةٌ لن أتحدَّث عنها طويلا، لأنَّنا ناقشنا بالتفصيل في استشارةٍ سابقة، وهي أن نعمل وعيننا على رؤية النتيجة في الآخرة لا في الدنيا، ما الذي يضرُّنا أن تؤخَّر ثمرات أعمالنا إلى يوم القيامة فنأخذها أضعافاً مضاعفة؟ لنكن طمَّاعين فنبقى مجاهدين متعبين من قسوة قلوبنا، يؤرِّقنا الهمُّ الحزن بسبب ذلك، ونرضى بذلك، ونسأله تعالى أن يؤخِّر لنا أجرنا إلى يوم القيامة.
وللتفصيل في هذه النقطة، الرجاء قراءة الاستشارة التالية:
عناء المسير إلى الله تعالى: لنكن طمَّاعين!
وأخيرا، أنصحك بالدعاء، فهو سلاحٌ خطيرٌ تكمن قوَّته في اليقين بإجابته، وفي هذه النقطة أودُّ أن أذكِّرك أنَّه مطلوبٌ من كلِّ مسلمٍ أن يستيقن بأنَّ الله سيجيب دعاءه، حيث قال تعالى في كتابه الكريم: "وقال ربُّكم ادعوني أستجب لكم"، وقال: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والترمذيّ: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة"، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بأنَّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل في السماء الأولى، ويقول: "من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"متَّفقٌ عليه.
فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من الإيمان بقدرة الله، وأنَّه لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما، فاسألي الله، وألحِّي عليه في الدعاء فإنَّ من داوم طرق الباب أوشك أن يُفتَح له.
أسأل الله أن يفتح عليك في الدنيا والآخرة، وبشِّريني بالأخبار والتطوُّرات.. ولا تنسيني من دعواتك.
ـــــــــــــــــــ(33/1360)
العفو والحِلم.. وسيلتان لتفعيل الإيمان ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السلام عليكم، العفو والحِلم صفتان حميدتان كثيراً ما ورد الحديث عنهما في الكتاب والسنَّة، فكيف يمكن أن يحولا الإيمان النظري إلى شيء عملي ملموس ؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة أسماء جبر أبو سيف:
الأخ الكريم،
يحتاج الشباب بشكلٍ خاصٍّ إلى التدريب الذاتيِّ على العفو والحِلم، وهما صفتان أَحْوَج ما تكون إليهما مجتمعات هذا العصر، وخاصَّةً الشباب، لما يعانونه من ضغوطٍ اجتماعيَّةٍ واقتصاديَّة، فتجد الشابَّ سريع الغضب، تثيره أدنى كلمة وتطيش تصرُّفاته لأدنى الأسباب، وحتى أطفال المدارس، تجدهم لا يُحسنون حلَّ مشكلاتهم الصغيرة إلا بالضرب والتكسير والشتم، نظراً لما تحشو به وسائل الإعلام أدمغتهم من عنفٍ وقتل، يكفي أنَّهم نُشِّئوا على هذه البرامج الإعلاميَّة ليكونوا كذلك، فكيف ببقيَّة البلاء من أفلامٍ ومسلسلاتٍ وأحداثٍ تُدَمِّر قدراتهم الذهنيَّة على التعايش.
لقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتيه الأعرابيُّ فيشدُّه من تلابيبه شدًّا قويًّا ولا يدعْه حتى يترك الثوبُ أثرَه المؤلم على رقبته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فيَكْبُر على الموقف ويعذر الجاهل، ويحلِم ويعفو وهو قادرٌ -إن شاء- وبإشارةٍ منه أن يقتل ذلك الأعرابَّي الغليظ.
وفي الحديث عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما تعدُّون الصُّرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: "ليس كذلك، ولكنَّه الذي يملك نفسه عند الغضب"رواه البخاريُّ ومسلم.
وقيل في تفسير قوله تعالى "وسيِّداً وحصورا" السيِّد الذي يملك نفسه عند الغضب، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: "إنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه" نعم، وفي حديثٍ آخر رواه مسلم "مَن يُحرَم الرفق يُحرَم الخير"، ذلك أنَّ الرفق يمنح وضوح الرؤية ويعطيك فرصةً للحصول على نتيجةٍ من الموقف.. وقد كان شيخنا الدكتور أحمد نوفل يقول لنا: "العلم مفتاح الحِلم، وِلين الكلام مفتاح القلوب".. وممَّا يُروى أنَّ إبليس بدا لموسى عليه السلام فقال: يا موسى إيَّاك والحدَّة، فإنِّي ألعب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة".
يقول الإمام ابن قدامة المقدسيُّ في كتابه المعروف "مختصر منهاج القاصدين": "ومن أسباب الغضب: العُجْب، والمزاح، والعذر، وشدَّة الحرص على فضول الجاه والمال"، وأضيف: الشعور بالنقص وضيق الأفق وضعف العلم.
ولاشكَّ أن صفَتَيْ العفو والحِلم تحتاجان إلى قدرٍ كبيرٍ من السيطرة على الذات وقوَّة الإرادة وقدرة على السموِّ عن موقف الغضب (ولعلَّه هو ما يُسمَّى الآن الروح الرياضيَّة)، فاحمل نفسك على الحِلم وتكلَّف ذلك حتى تورثها القدرة على الحِلم(33/1361)
فتصبح عادةً سهلةً على النفس، فالحِلم بصيرةٌ والغضب عمى، وقد قال عليه الصلاة والسلام مرَّةً لأشجِّ عبد القيس "إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلمُ والأناة"رواه مسلم، وهو أن تعطي مهلةً لعقلك ليستنتج عواقب الموقف وفوائده قبل أن تقرِّر ما تفعل، فيكون نجاحك أكيدا، وسلامتك حاصلةً بإذن الله.
وأمَّا العفو فمعناه أن تستحقَّ حقًّا فتُسقِطه وتؤدِّي عنه قصاصاً أو غرامة، وبهذا يختلف العفو عن الحِلم والكظم، قال تعالى:" فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، وفي حديث النبيِّ عليه الصلاة والسلام: "ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله"رواه مسلم.
وورد عن عليٍّ رضي الله عنه بسندٍ جيِّدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلُّك بأفضل أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تعفو عمَّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك".
كيف تحلِم في موقف غضب؟
1- اعمل على ألا تغضب أنت، واصمت ولا تدافع، فالأولويَّة الآن للتهدئة لا للدفاع عن نفسك وموقفك.
2- استمع لكي تفهم ما يقوله بالضبط الطرف الآخر الغاضب، فهذا سيساعدك على تقديم حلولٍ معقولة، كما أنَّك تُعطيه فرصةً للتفتيش عن غضبه، وذلك يشجِّعه على الثقة بك.
3- عَبِّر عن اهتمامك بما يقول، بعينيك وتعابير وجهك وأَظهِر تَفَهُّمك لموقفه وتعاطفك معه كأنَّك تقول: "إنَّني أسمعك وأريد مساعدتك.. إنَّني أفهم لماذا تشعر بهذا الشعور"، ولكن لا تلعب دور الواعظ في هذه اللحظة.
4- تذكَّر أنَّه كلَّما طالت فترة هدوئك وسيطرتك على نفسك زادت فرصتك في كسب الموقف، لأنَّ الغضب يشلُّ التفكير ويعتِّم الرؤية، فلا تهبط إلى مستوى الغضب، بل ارفع الغاضب إلى مستوى هدوئك.
5- تذكَّر أيضاً أنَّ الغضب مشروعٌ إن كان لصالح دينك ولحرمات الله ولموقفك الموافق للشرع ولتحقيق العدالة، على ألا يؤدِّي ذلك الغضب إلى ضررٍ أكبر من الضرر الذي كانت ستسبِّبه المشكلة نفسها.
6- لا تندم على موقف الحِلم، ولكن اندم على موقف الغضب.
7- العلم والقراءة والتأمُّل والتسبيح، كلُّها تمنح الشخص سعة الأفق وتُعطيه جرعةً مهدِّئةً وشعوراً يتمثَّل في إحساسه أنَّه أكبر من المواقف، وصدره أرحب من التوافه وصغائر الأشياء.
وللاستزادة في الموضوع، يمكنك قراءة كتب الرقائق والتزكية: كـ: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة– رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي- إغاثة اللهفان لابن القيِّم- تلبيس إبليس لابن الجوزي، وغيرها.
وهناك على موقعنا برنامج "الأخلاق والتزكية" للدكتور القرضاوي يمكنك الاطِّلاع عليه.
ثبَّتنا الله وإيَّاكم على الحقِّ والإيمان، وداوم على مراسلتنا.
ـــــــــــــــــــ(33/1362)
كنت مسيحية فأسلمت فهل يحبني الله ؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا فتاة كنت مسيحية وأسلمت بالرغم من أن أصل أهلي مسلمون فقط في الهوية؛ وذلك بسبب المهجر، وإني عشت بعيدة عن أهلي، والحمد لله أسلمت منذ سنة تقريبًا، لكني دائمًا أشعر بأن إيماني ناقص وعملي غير مقبول، وعندما أريد أن أعمل عملاً صالحًا أشعر بأن ربي لن يقبله مني، وأن الله تعالى لا يحبني ولن يقبل مني أي عمل أقوم به، فجزاكم الله خيرًا أفيدوني.. هل الله عز وجل يكره؟ ومن هم الذين يكرهم الله تعالى؟ وهل الابتلاء بالمرض هو عقاب من الله؟ وهل عدم استجابة الدعوة هل هي غضب من الله وعدم رضا؟ جزاكم الله خيرًا. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية واللغوية بجامعة قناة السويس بمصر :
الأخت الكريمة السائلة..
ما عندك هو لون من الوسوسة التي يتسلط بها الشيطان على فكرك وقلبك كي يصدك عن طريق الله، وأنصحك أن تقرئي وتكثري من قول الله عز وجل: "إن يشأ يذهبكم ويأتِ بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز" عشرات المرات حين تحسين بهذه الوسوسة، وإذا ما أحسست بأن الله عز وجل لا يحبك ولن يقبل منك فقولي آمنت بالله رب العالمين، فالله يحب عباده الذين يقبلون عليه.
إن مجرد التفكير في الخير ينال به الإنسان دعمًا من الله عز وجل وتوفيقًا فما بالك بمن أقبل على الفعل والله عز وجل يحب المحسنين، والله عز وجل يحب الطائعين أما العصاة فلا يحبهم الله عز وجل، والله يتفضل بالقبول على عباده بأقل ما يفعلون. الله يبحث عن أي عمل خير كي يغفر له به صغيرًا كان أم كبيرًا، فالله كريم وسيدنا شعيب عليه السلام لما نصح قومه بالتوبة قال لهم: "واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود"، فالله يتودد لنا، الله يحبنا، وأن يتودد الإنسان لأخيه الإنسان فهذا ما جرت به العادة من أجل المصالح، ويتودد الصالحون إلى الله عز وجل، وهذا شرع وفرض على الصالحين أن يتوددوا إلى الله، لكن أن يتودد الله الغني إلى عباده فهذا شرف وفضل، كل هذا يدفع هذه الوساوس التي تدور بخاطرك.
أما عن المرض، وهل هو عقاب من الله؟ فيكفيك أن تعلمي أن المريض ضيف الله، في حين أن الصحيح ضيف النعمة، فالمريض صاحب منزلة عند الله عز وجل؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصحيح ضيف على نعمة الصحة، والمريض ضيف على المنعم"؛ ولذلك في الحديث أيضًا "عبدي مرضت فلم تعدني، قال كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: مرض عبدي فلان ولم تعده أما إنك لو عدته لوجدتني عنده"، وهكذا... فالمرض سواء أكان رفعة للدرجات أو تكفيرًا عن(33/1363)
السيئات فهو خير للإنسان ينال به الإنسان المغفرة والدرجات العالية عند الله عز وجل.
كما أنصح السائلة أن تكثر من ذكر الله عز وجل لطرد الوساوس من قلبها وعقلها، والله المستعان.
ـــــــــــــــــــ
كيف أكون مهندسا صالحا؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا طالب في كلية الهندسة أريد أن أكون مسلما صالحا، بدأت بالفعل ولكن نفسي تسوقني في بعض الأحيان إلى المعصية ماذا أفعل؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة وسام كمال عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالموقع :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي مهندس الغد بإذن الله:
إنه لفخر لبلادنا وديننا أن يعزم أولو التفوق من أبنائها على الهداية والصلاح .. لاسيما شباب اليوم الذين هم عدة الغد .. خاصة وأن هناك سبعة يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله .. منهم شاب نشأ في طاعة الله .. وأنت الآن في فرصة أشعر بأنك تود استغلالها لولا قيد النفس وغواية الشيطان ..
أفضل ما ينبغى فعله في بداية الالتزام هو تحديد الإنسان لمستواه دون مساندة من آخرين .. فعلى الإنسان أن يحدد درجة قربه من الله عز وجل .. وما يخطأ فيه دوما وما يصيب لأن تحديد الموقف مع النفس أولى درجات الإصلاح.. وأحسبك أخى قد قررت أن تعقد مع الله صفقة رابحة .. ولكن يتضح من سؤالك أنك لم تحدد بعد ما ملامح شخصك الآن وما الصورة التي تود أن تكون عليها في غد قريب ..
ولكن مع ملاحظة أن الصورة التي ترسمها لنفسك .. والتي ستجعل منها حلمك الذي تلح على تحقيقه يجب أن تتسم بما يلي :
1 – أولا يجب التدرج فى رسم حلم إنساني تكون عليه في الغد .. فيجب أن تعتبر من نفسك مشروعك الذي لن تتنازل عن نجاحه.. ولكن في نفس الوقت هذا المشروع يحتاج لتصورات مرحلية بمعنى أن هناك تخطيطا قصير المدى .. وآخر طويل المدى .. فلا تسع لأن تكون على الصورة المثالية في البداية .. ولكن ابدأ بإصلاح نفسك على خطوات .. فلا تشدوا على أنفسكم فيشدد عليكم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود في سننه :" لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم."
2 – صاحب حلمك بأن تكون إنسانا أفضل، ولا تبخل عليه بالصبر و الجلد .. فإن أجمل الأشياء والمعاني التي يبذل فيها الإنسان من جهده وصبره ..، وقد روى الطبراني عن الحسن علي قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى يحب(33/1364)
معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها "، وقال تعالى :" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، و إن الله لمع المحسنين ". وعن ابن مسعود قال: إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا آخرة
3 – صادق من يستطيع أن يعينك على صعوبة التغيير ويشد من أزرك ويخفف عنك عناء الطريق .. فكما يصف الرسول صلى الله عليه وسلم الصحبة الصالحة إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية..
4 – مهم جدا أن تحسم في حياتك أشياء كثيرة استمرارها يؤدى إلى تعطيل تدينك وثباتك .. فمثلا لو كنت تصاحب فتاة وتنشأ معها علاقة غير شرعية على أي مستوى فدعني أحذرك أن أية محاولة لك للالتزام والتقرب من الله ستبوء بالفشل حتما .. لأن المضي في طريق الله يلزمه التخلي عن أسباب نوازل الشيطان وبؤر ومواطن تفوقه عليك .. فاحذر يا أخي من أن تمد لله يدك اليمنى في الوقت الذي قد تركت فيه يسراك للشيطان ولهواك؛ لأن الله أغنى الشركاء عن الشرك.
5 – عليك بصدق الدعاء ويقين الإجابة .. فإن الله أفرح بعودة عبده إليه من الرجل الذي شردت دابته في الصحراء حتى قال حمدا لله عندما وجدها : " اللهم أنت عبدى وأنا ربك"..! ألحَّ عليه في أن يقبلك .. ويدخلك في عبادك الصالحين .. أشكُ إليه ضعف حالك وقلة حيلتك وهوانك على الناس .. وكن واثقا من كرمه واطمع في مزيد عفوه واستشعر معيته .. وكن دوما حذرا في تصرفاتك .. وقل لنفسك في كل خطوة تخطوها : " الله معى .. الله ناظر إلى .. الله شاهد على" ..
6 – مهم جدا أن تحاسب نفسك أولا بأول لتقف على مدى تقدمك في مشروعك .. وإذا وجدت في نفسك صلاحا وإنجازا في طريق الخير . فلا تتردد في مكافأة نفسك بما يرضى الله .. وإذا ضللت طريقه يوما فلا تجلد نفسك .. وثق في أن رحمته ومغفرته سبقت عذابه وبأنه ما أحلى الرجوع إليه..
وفقك الله إلى رضوانه .. ورزقك الإخلاص في القول والعمل .. وجزاك الله كل الخير على دأبك في المضي إليه .
ـــــــــــــــــــ
نصرخ مع صرختك .. فهل من مجيب؟ ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
أريد أن أبدأ الحديث وإن كان طويلا بالشكر لكل من قام بالجهد فى هذا الموقع. أما بعد.. فأنا من القراء المواظبين لهذا الموقع وصفحة مشاكل وحلول، ولأني شاب فإني مهتم أكثر بمشاكل الشباب، وقد لاحظت كثرة الرسائل المرسلة من الشباب يحكون فيها عن المشاكل الجنسية التي وقعوا فيها بمفردهم أو مع أشخاص آخرين مثل boyfernd or girlfren أو حتى الخطيب أو الخطيبة. المهم أني قد وقعت فى إحدى هذه المشاكل مرة فى حياتي؛ حيث إني أحببت فتاة، وكنت ناويا أن أتزوجها، ولقربنا من بعض ولقوة العلاقة بيننا وكثرة اللقاءات والمكالمات وقعنا فى المحظور إلا الزنا، والحمد لله على الحفاظ، إلا أني بعد أن تركت هذه الفتاة تأثرت جدا بما فعلته معها، وعاتبت نفسي عتابا لا يتصور، وقلت: كيف أفعل هذا وأنا الذي يصلي بانتظام، وأنا لي أخت أخاف أن يرد فيها. وفكرت مليا كيف حدث هذا ولماذا يحدث أساسا مع أني(33/1365)
أرفض الجنس الرخيص، وقد عرض علي تكرارا من أناس آخرين ولكنى رفضت وبدون تردد؛ فكيف إذن أقع فى هذا؟ فوجدت أن هناك عدة عوامل، من أهم هذه العوامل الإعلام الإعلام الإعلام، نعم أركز على هذه الكلمة؛ لأنها ليست مجرد كلمة ولكنها حياة نعيشها كل يوم وكل لحظة؛ فنحن محاصرون بالإعلام فى كل مكان فى المنزل والعمل والشوارع ووسائل المواصلات كل مكان من إعلان مرئي أو مسموع أو مقروء. لقد وجدت أن الإعلام لا يقدم لنا إلا كل ما هو سيئ، نعم حتى لو قلنا: إنه يقدم البرامج الدينية فإذا قارنا المساحة الوقتية للإيمانيات وما دون هذا نجد أنها لا تتعدى 20% عن دراسة وليس افتراء، وكيف إذن بكوب من اللبن إذا وضعت فيه نقطة حبر، فإنه سوف يتعكر، وهذه ليس بنقطة ولكنها زجاجة كاملة من الحبر الملقى علينا وعلى قلوبنا حتى تغير المفاهيم والقيم، نعم أصبح من المعتاد أن يرتبط الشاب والفتاة بارتباط ليس له أي نوع من الشرعية، على أمل أن يتزوجوا، وهو طبعا ما أدخله الإعلام إلينا. إني أصرخ من داخلي أصرخ صرخة أود أن يسمعها كل العالم وكل الناس لأن يفيقوا، وأن يروا الحقيقة وأن يروا كيف يتمزق قلب كل شاب وفتاة من جراء هذه العلاقات المحرمة والأغاني التي تركز على هذه العلاقات والتي تذاع فى كل مكان، ولا يمكن التوقف عن الاستماع إليها؛ حتى أصبح من لا يستمع إلى الأغاني شخصا غريبا أو مريضا. نعم لقد قيل لي -وأنا بفضل الله لا أسمع الأغاني- أني مريييض.. تصوروا! أرجو منكم أن تصرخوا معي وأن تذيعوا هذه الرسالة على مقدمة الموقع وعلى مقدمة كل موقع، وأرجو عدم حذف أي شيء منها، وإذا أمكن إضافة معبرة صادقة من أخ يريد الخير لكل المسلمين المبعثرين والمنهمكين فى علاج الخراب الناتج من جراء هذه العلاقات وهذا الإعلام الفاسد. آسف على الإطالة، ولكن الحديث أكبر من هذا بكثيييير. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول رمضان فوزي الباحث بكلية دار العلوم:
أهلا وسهلا بك أخ محمد على صفحات موقعنا، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله أن يجعلنا أهلا لهذا الثقة. كما نشكر فيك أخي إيجابيتك وحرصك على توصيل الخير لإخوانك المسلمين.
لقد وقفت أمام مشاركتك طويلا، واسمح لي أن أسميها مشاركة؛ ذلك لأنك عرضت فيها مشكلتك الخاصة وموقعها من منظومة المشاكل الاجتماعية والشبابية في مجتمعاتنا، ثم عرضت سبب هذه المشكلة وحصرته في الإعلام، وتريد توصيل رسالتك ونشرها عن طريق موقعنا. ونحن نرحب بهذه الإيجابية والحرص على نشر كلمة الخير وتوصيل رسالة الالتزام إلى كل المسلمين؛ عسى الله أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال.
إضافتي على مشاركتك هي إعادة قراءتها معك وتصنيفها في محاور حتى تسهل قراءتها والاستفادة منها. وهي كالتالي:
أولا- الشباب والجنس المحرم:(33/1366)
وهو ما عبرت أنت عنه بـ"البوي فرند" و"الجيرل فرند"، وكما هو واضح من هذه التسمية فإننا وصلنا لدرجة من الانهزامية النفسية والتبعية للغرب في كل صغيرة وكبيرة، وحذونا حذوهم حذو القذة بالقذة؛ حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلناه وراءهم، وهو ما أخبر وحذر منه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. فلبسنا بذلك أقمصة لم تكن مصنوعة لنا فسرنا مسخا؛ فلا نحن حافظنا على هويتنا ولا نحن طبقنا ما استوردناه تطبيقا صحيحا، ولكننا –للأسف- أخذنا قبيحه وتركنا حسنه.
ويمكن يا أخي أن نحدد بعض الأسباب التي أوصلتنا لهذه الدرجة في:
• البعد عن منهج الله تعالى، واستعارة مناهج غربية وشرقية وتطبيقها في حياتنا؛ فابتعدنا عن فطرة الله التي فطر الناس عليها.
• عدم الحرص على التربية الذاتية وتنمية الدافع الإيماني لدى الأفراد وخاصة الشباب حتى يستطيعوا مواجهة موجة الفتن والتغريب التي تهب علينا.
• الغلاء والفقر اللذان سيطرا على مجتمعاتنا؛ حتى تعذر الزواج على الشباب والفتيات، فذهبوا ليقضوا شهواتهم خلف الأبواب المحرمة.
• ثقافة الإعلام وما ينشره من تزيين للرذيلة وتنفير من الفضيلة.
ثانيا: علاقتك أنت بفتاتك:
إن ما حدث معك أخي الحبيب هو نموذج ومثال لما يحدث مع كثير من شبابنا هذه الأيام، ولكنك بحمد الله عرفت خطأك ورجعت وندمت بعد أن تركت هذه الفتاة، ولي مع ما حدث معكما عدة وقفات:
• ليست يا أخي الحبيب -وهذا الكلام موجه لكل شبابنا- نيتك للزواج مسوغا للقاءات الغرامية والاختلاء بالفتاة؛ فحتى لو تقدمت لخطبتها فأنت ما زلت أجنبيا عنها، فالخطبة ما هي إلا وعد بالزواج؛ فيحرم عليك ما يحرم على الغريب عن هذه الفتاة حتى ترتبطا بالعقد الشرعي.
• وهذه وقفة مع هذه الفتاة التي كنت تنوي الارتباط بها –وهذا الكلام موجه لكل فتياتنا أيضا- كيف يا أختي تسمحين لشخص غريب بأن يختلي بك ويهتك ستر عفتك وعفافك؟! ألم تسمعي عن آلاف القصص التي تحدث بين الشباب والفتيات والتي تكون أفضل نهاية لها أن يعقد عليهما في أقسام الشرطة والمحاكم، هذا إذا كان الشخص "ابن ناس" وعنده بقية من حياء واعترف بخطئه. ولكن كثيرا من هؤلاء الشباب يتركون الفتاة المسكينة تواجه الوعد المحتوم من المجتمع وأهلها ويتنصلون منها ويهربون. فيا أختي إذا جاءك من ترضين دينه وأمانته زوجا لك فاطلبي منه أن يأتي البيوت من أبوابها وأن يطلبك من أهلك، ثم لا تمكنيه من أي شيء من نفسك حتى يصير زوجا شرعيا لك، واحذري مداخل شياطين الإنس والجن وحبائلهم.
• تقول يا أخي: إنكما فعلتما كل شيء، وفعلتما المحظور إلا الزنا، ولم توضح لنا ما هو هذا المحظور؟ ولكن ما يهمنا أن ننبه أن الشيطان لا يأتي للإنسان ويقول له: تعال ازن مع فلانة، ولكنه يأخذ بيديه خطوة خطوة حتى يقع في هذه الجريمة وهو لا يدري، ولذلك حذرنا الله تعالى من كيد الشيطان فقال: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}. فاحمد الله أن وقف بكما الأمر عند هتك ستر الله فقط ولم تهتك ستر فتاتك وفضحها أمام المجتمع الذي لا يرحم.(33/1367)
• بعد تركك لهذه الفتاة ندمت كثيرا على ما فعلت معها، ولم ندرِ هل ندمك جاء بعد فقدك لأسباب المعصية وعدم استطاعتك الوصول لها أم أنك رجعت إلى دينك وضميرك، وأنك لو أن هذه الفتاة استمرت معك كنت ستتركها وتتوب؟ المهم أنك تبت ونسأل الله أن يغفر لك. ولكن مما لفت نظري في كلامك أنك عاتبت نفسك وقلت: أليست لي أخت؟ وهنا تذكرت ما فعله الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- مع ذلك الشاب الذي جاءه وطلب منه أن يرخص له في الزنا فقال له المعصوم صلوات ربي وتسليماته عليه: "يا هذا أتحب أن يزني أحد بأمك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن تزني بأمّهاتهم، قال: أتحب أن يزني أحد بامرأتك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن يزنى بزوجاتهم، فقال الرجل: تبت إلى اللّه تعالى".
ثالثا: الإعلام ودوره في واقعنا:
أنا معك يا أخي فيما تراه من مسئولية للإعلام فيما نحن فيه من انحطاط؛ بسبب دعواته الصريحة إلى الرذائل والموبقات، وندرة ما فيه من دعوة للفضيلة والحث عليها، وهو له ما له من مقدرة على تزيين هذه الرذائل، خاصة أنه لا يوجد بيت الآن –إلا ما رحم ربي- يخلو من وسيلة إعلامية.
ولكن هل فعلا المسئولية كلها تقع على الإعلام وحده، أم هو مظلوم في بعض الأمور؟
أنا أرى أنه من الظلم تحميل الإعلام المسئولية الكاملة عما نحن فيه؛ فالإعلام يا أخي كما فيه قنوات إباحية وماجنة فيه قنوات دعوية وهادفة، خاصة مع انتشار أطباق الدش والإنترنت، ولا يأتي أحد ويجبرنا على الدخول لقناة بعينها أو موقع بعينه، ولكن الواحد منا هو الذي يدخل بكامل إرادته إلى ما يريد.
إذن فالأمر يقع جزء منه على التربية الخاطئة والبعد عن منهج الله تعالى؛ فلو أننا ربينا أبناءنا تربية صحيحة على الإيمان بالله والبعد عن معاصيه فلن يضيرهم بعد ذلك أن تتركهم أمام التلفاز أو النت؛ فإن إيمانه وفطرته السليمة تمنعه من الوقوع في المعصية.
وأود أن ألفت نظرك هنا إلى أنه لا يخلو عصر من العصور من وسائل للإغراء وتزيين المعاصي. فإذا كنا نعاني من الإعلام الماجن فإن الإسلام حين جاء كانت هناك صاحبات الرايات الحمر اللواتي ينصبن أعلاما حمراء على خيامهن وبيوتهن كعلامة لكل من أراد المتعة المحرمة. وجاء الإسلام ودخل فيه الناس أفواجا من شيوخ وشباب وفتيات، ولكن هؤلاء الشباب الذين ملأ الإيمان قلوبهم ونور بصائرهم وأبصارهم عصمهم إيمانهم وتقواهم ومراقبته لله أن يلتفتوا إلى هذه المعوقات والفتن رغم أنهم كانوا حديثي عهد بها؛ فإذا كان لدينا الإعلام الفاسد فهم كان لديهم الأعلام الحمراء، ورغم ذلك خرج منهم الشاب علي بن أبي طالب الذي ضحى بنفسه وباعها لله فنام مكان الرسول ليلة الهجرة. وخرج منهم الشاب الفتيّ المدلل مصعب بن عمير الذي ترك الدنيا ومتاعها وملذاتها وآثر ما عند الله ورسوله. وخرج منهم أسامة بن زيد الذي قاد الجيوش وهو في سن الفتيان، وأمثال هؤلاء يا أخي كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم.(33/1368)
ثم يا أخي إذا نظرنا في واقعنا وزماننا الحالي فإننا نرى نماذج مضيئة من شباب توفرت لهم أسباب المعاصي والمتع المحرمة ولكنهم ابتعدوا عنها ولم يرضخوا لإغراء الدنيا لهم وقالوا لها: "يا دنيا غري غيري". بل إن منهم من تواجد في بلاد الغرب المليئة بالفتن ما ظهر منها وما بطن وتجدهم أحرص على دينهم من كثير ممن تواجدوا في بلاد العرب والإسلام.
وأقول لك يا أخي:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الجنة حُفت بالمكاره وأن النار حُفت بالشهوات، وأن الله تعالى شاءت إرادته وحكمته أن يوجد هذه المغريات حتى يبتلينا أنصبر أم نضل ونهوى؟ فعلى قدر أولي العزم تأتي العزائم وعلى قدر صبر الشاب والفتاة على أسباب المعصية يكون الأجر والثواب.
وقبل النهاية:
هذه صرخة ونداء إلى الآباء والأمهات: اتقوا الله في أبنائكم، ربوا أبناءكم على الإيمان بالله، ربوهم على مراقبة النفس، اقتربوا منهم وتعرفوا على مشكلاتهم، صححوا لهم المفاهيم والحقائق ولا تتركوهم نهبا لذئاب الإنس والجن، أصلحوا ما فسد من قلوبكم وأعمالكم ينصلح حال أبنائكم، لا تشغلنكم أعمالكم عن أبنائكم؛ فهذه أمانة وسيسألكم الله عنها.
وهذا نداء لأولي الأمر:
اتقوا الله في شباب الإسلام؛ فهم عماد الأمة وسر نهضتها، وجهوا الإعلام لما فيه خير الأمة، حاربوا الموبقات وأسباب المعصية في الإعلام، يسروا لشبابنا سبل الزواج وأعينوهم عليه، اعلموا أن في رقبتكم أعظم مسئولية وأمانة وأنكم مسئولون عنها أمام الله؛ فأعدوا لهذا السؤال جوابا وللبلاء جلبابا.
وهذا نداء للشباب:
اتقوا الله في أنفسكم، راقبوا الله في كل سكناتكم وحركاتكم، لا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم، جددوا ذاتيتكم الإيمانية بأداء الفرائض والإكثار من النوافل، احذروا مداخل الشيطان وحبائله واستعينوا على ذلك بذكر الله فإنه حصن لكم من المعاصي، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، تعرفوا على أحكام دينكم وطبقوها في حياتكم، خذوا قدوتكم من نبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، اعلموا أنكم في فترة من أغلى فترات العمر وأن الله سائلكم عنها يوم القيامة مرتين.
وفي النهاية:
أخي الحبيب هاهو صوتي يصرخ وينضم مع صوتك، ونسأل الله أن يبلغ عنا وأن يخلص نياتنا، إنه نعم المولى ونعم النصير. وتابعنا بأخبارك ..
ـــــــــــــــــــ
زرتُ الحرم و لم أشعر بالخشوع ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، بدأت منذ فترةٍ طويلةٍ في التقرِّب إلى الله عن طريق القراءة وحضور الدروس الدينية، وتغير ت قلباً وقالباً، وشعرت بلذة وسعادة الإيمان بشدة،(33/1369)
وحمدت الله عليها، وكنت اجتهد في العبادة بقلبٍ مملوءٍ بحبِّ الله، ودعوت الله أن يكمل نعمته علي بزيارة بيته الحرام، ولم يتم هذا في رمضان الماضي، وحزنت بشدة مما دفعني للاجتهاد أكثر حتى أنال هذا الشرف، واستجاب ربي لي وقمت بزيارة البيت الحرام من شهرين. وقبل سفري اتبعت آداب السفر من تحري المال الحلال، وفعلت من الخير ما قدرت عليه، وكأنها سفرٌ بلا عودةٍ، على أمل أن يتقبل الله مني عمرتي ويغسلني من ذنوبي، وسافرت وقلبي يتمنى رؤى بيته الحرام، ولكن للأسف ما إن وصلت إلى الحرم النبوي أو المكي لم أشعر هناك بالخشوع الذي كنت أحسبني عليه، ولم أشعر بمهابة بيته كما كنت أتمنى. ولم أبكِ هناك كما كنت أريد، وحزنت، وبكيت من عدم وجود قلبي مع الله مع محاولتي أيضا الاجتهاد في العبادة، ولكني لم أعد كما سافرت بل أقلّ، أدعو ربي ليل نهار ألا يزيغ قلبي، إنني حزينة مما أنا فيه، هل هذا غضب من الله؟ أفيدوني أفادكم الله... ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة/ مروة
أول ماأجدني محتاجاً للقيام به هو تهدئة روعك، وتسكين قلبك ونفسك، والطلب منك أن لا تحزني ولا تغتمّي، لأن عدم إحساسكِ بالمهابة والرغبة في البكاء ليس دليل عدم الإيمان، كما أنكِ لستِ وحدكِ فيه، بل سبقك إليه الكثيرون، وسيلحق بك الكثيرون أيضاً، قد تستغربين من بدايتي هذه وتنكرينها، ولكنها الحقيقة والله، ودعينا نأخذها بالتدريج.
1- يروي لنا البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى الحجر الأسود فقال: "إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك"، الشاهد من هذا أن كل ما هو موجودٌ ومتعلِّقٌ بعبادتنا من كعبةٍ وحجرٍ أسود، وحرمين مكيٍّ ومدنيٍّ ومساجد في كل مكان، و...و...، هذه كلها وسائل لا غايات، وسائل أوجدها الله تعالى كي نستخدمها في التقرب إلى الله، ومتى ما تحقق القرب منه سبحانه بأي طريق لم يعد لهذه الوسائل أية قيمةٍ أو فائدة.
هكذا رأى عمر الفاروق رضي الله عنه في الحجر الأسود "مجرد حجرٍ لا يضر ولا ينفع"، وهكذا رأيتِ أنتِ في الحرمين المكيّ والمدنيّ "مجرد مبانٍ لا تضر ولا تنفع"، فما يهمنا هو المضمون لا العنوان، يقول أ. عبد الوهاب عزام رحمه الله: "احذر أن يكون همُّك العنوان، وقصدك الدويُّ والضوضاء، واجتهد أن تُعنَى بالفعل غير معنيٍّ بالقول، وأن تطمح إلى الحقائق لا إلى الظواهر، وأن تحرص على أداء الواجب لا على العبث، وأن تقصد وجه الله لا وجه الناس، كن كتاباً مفيدًا وإن لم يكن له عنوان، ولا تكن كتابًا كله عنوان وليس وراء العنوان شيء"، فمتى ما تحقق المضمون فلنترك العنوان يذهب أينما يذهب.
ستقولين لي –كما ذكرتِ في رسالتك-: "لم اشعر هناك بالخشوع الذي كنت أحسبني عليه، ولم أشعر بمهابة بيته كما كنت أتمنى، ولم أبكِ هناك كما كنت أريد"، وسأؤكد لك أن ما حدث كان بسبب شعورك بأنك بمجرد رؤيتك للكعبة ستحسين بجلال الله(33/1370)
ينزل عليك، وستبدأ عيناك تذرفان الدمع مدراراً، وستصيب رعشة الخشوع جسدكِ كله.
ولمّا لم يحدث كل هذا شعرتِ بما أنت عليه الآن وأن قلبك ليس معك، بل وامتدّ تأثيره عليك بعد عودتك، فلم تعودي -كما تقولين- على ما أنتِ عليه من إيمان بل أقلّ، وأصبحتِ تظنين أنه نوعٌ من غضب الله عليك، فكانت حالتكِ النفسية هي السبب في كلِّ ما تشعرين به، الإحساس الزائد عند سفركِ بمهابة الحرمين، أدى إلى ردة الفعل الزائدة بعد العودة من السفر، أتمنى أن تكون هذه النقطة واضحة.
2- هل الله عز وجلَّ ظالم؟ هل يهوى سبحانه تعذيب العباد؟ حاشاه سبحانه جلّ شأنه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرا "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً" ستقولين لي: ولِمَ تقول هذا؟ سأرد ببساطة: لأنك ظننتِ أن الله غاضبٌ عليك، وتساءلتِ "هل هذا غضبٌ من الله؟"، إذا كان حالكِ كما قلتِ فلماذا سيغضب الله عليك؟ هل لأنك قررتِ التقرُّب منه أم لأنك أردت الاستزادة في الطاعات؟!
يا أختي الكريمة،
إن الإنسان إذا تقرَّب من إنسانٍ آخر فإن هذا الآخر غالباً ما يقدِّر ويحفظ ودَّ من تقرّب إليه، فكيف بالله الرحمن الرحيم العدل سبحانه، الذي لم يكتفِ سبحانه بالتقِّرب إلى من تقرِّب منه، بل يسبق لذلك، وهذا ليس كلامي، بل أنقل إليك بشارتين حديثيتين: في حديث أبي هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه، وإن تقرَّب إلي بشبرٍ تقرَّبتُ إليه ذراعا، وإن تقرَّب إلي ذراعاً تقرَّبتُ إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" رواه البخاري ومسلم.
والبشارة الثانية: "لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح"رواه البخاري ومسلم، فهل من يفرح بتوبة عبده هكذا يغضب على عبده إذا أراد التقرّب منه بزيارة حرمه وكعبته؟ أحمدك ربي ما أرحمك.
3- وسائل زيادة الخشوع والإيمان تختلف من شخصٍ لآخر، وليس شرطاً أن ما يزيد خشوعي سيزيد خشوع غيري، وما سيرفع إيماني سيرفع إيمان غيري، وأنت عرفتِ طريق خشوعكِ وإيمانك، تقولين: " بدأتُ منذ فترة طويلة في التقرب إلى الله عن طريق القراءة وحضور الدروس الدينية، وتغيَّرت قلباً وقالباً، وشعرت بلذة وسعادة الإيمان بشدة، وحمدتُ الله عليها، وكنت أجتهد في العبادة بقلبٍ مملوءٍ بحبٍّ الله" عرفتِ الطريق فالزميه يرحمكِ الله.
4- تكفّل الله سبحانه لمن أراده حقًّا أن يعينه ويهديه: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين"، مجموعة من "التوكيدات اللغوية" يضعها من لا يحتاج إلى تأكيد سبحانه: "لام التوكيد في (لنهدينهم)، نون التوكيد المشددة في(33/1371)
(لنهدينَّهم)، لام التوكيد فمرة أخرى في(لمع)"، وماذا يريد العبد من ربه بعد ذلك كله؟
5- بقيت نقطةٌ أخيرةٌ أحبُّ أن أذكرها لكِ أختي الكريمة، بعد هذه التجربة التي أسأل الله أن أكون قد أعنتُكِ على الخروج منها، ماذا يمكننا أن نستفيد من التجربة؟ كيف نستغلّها في زيادة إيماننا؟ إننا استفدنا منها كثيراً بانتباهنا للفرق بين الغايات والوسائل، فلا تشغلنا الوسائل عن الغايات، وفي الجانب الإيماني قمتِ أنتِ يا أختي ببعض الاستفادات الإيمانية بدافع الخوف والقلق مما حدث معك، وهذه الاستفادات هي ما عبّرتِ عنها بقولك: "محاولتي أيضا الاجتهاد في العبادة" و"أدعو ربي ليل نهار ألا يزيغ قلبي"، وهي التي أتمنى أن تحافظي عليها دون تقصير.
فالمرء حين تهدأ نفسه وتسكن، قد يركن قليلاً ويقعد عن العمل الجادّ، وأتمنى منك استثمار همِّتكِ الإيمانية بالاستمرار في العبادة والدعاء حتى بعد أن اطمئن قلبك وبالك، وكوني كما روي عن الحسن البصري رضي الله عنه: "لو قيل له أن ملك الموت قائمٌ فوق رأسه ليأخذ روحه، لم يزِدْ من العمل شيئاً" هل أطمع أن تحاولي فعل ذلك يا صاحبة الهمة والإصرار؟
أختي الكريمة، ثقي بأن الله سبحانه أرحم بعباده مما هم يظنون، وأنه مع العبد دون أن يتوقع أو يشعر، وصدق الشاعر فاروق جويدة حين قال: ( عندي يقينٌ أن رحمةَ خالقي.... ستكونُ أكبرَ من ذنوبِ حياتي )
أحمدك ربي على فضلك ومنِّك وكرمك.
فاطمئني أختي وقرِّي عينا، وتابعينا بأخبارك ...
ـــــــــــــــــــ
لا أجد لذة الصلاة ولا حلاوة القرآن ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله هذه ليست فتوى، ولكنها استغاثة واستشارة، لعلي أجد حلاً عند أهل الذكر، فأنا والحمد لله ملتزم منذ فترة ليست بالقليلة وأحافظ علي العبادات بصورة منتظمة والحمد لله، غير أنني رغم حرصي علي قراءة القران بانتظام وعلى قيام الليل إلا أنني لا أجد لذة الصلاة ولا حلاوة القرآن، كما كنت من قبل، حيث كانت تستوقفني الخواطر، وتهز قلبي الآيات فيسيل دمع عيني. أتذكر في التهجد كنت أشتاق إلى الدعاء وأحزن إذا قرب الفجر و أتمني أن يطول الليل أكثر مما أجده من حلاوة المناجاة وشعوري بالقرب الشديد من الله ولكن هذا العام مختلف كل الاختلاف لم أشعر بهذا الشعور في معظم الأحيان مع دعائي لله أن يشرح صدري، ولكن أشعر أن قلبي قد مات أو هو في الطريق إلى ذلك، لست معصوما من المعاصي والذنوب، ولكني أسال الله أن لا يموت قلبي فكيف السبيل؟ و جزاكم الله خيرا... ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ محمد سعدي الباحث الشرعي بالموقع:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(33/1372)
في الوقت الذي يحزن فيه الناس على الدنيا، وما يفوتهم فيها من متاعها الفاني، نسعد عندما نجد من يحزن لعدم تذوقه حلاوة الإيمان أو لضعف نور الإيمان في صدره، ولهذا أقول لك أيها السائل الكريم:
أبشر فإن إيمانك بخير، لأن هذه الأعراض هي أعراض تصيب النفس البشرية، وقد شعر الصحابة رضوان الله عليهم بهذا، فكانوا يشعرون بحلاوة العبادة ولذة مناجاة الله وهم في معية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد خروجهم من حضرته صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا تذهب عنهم هذه الحلاوة ويفتر هذا الحماس، فاشتكوا حالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يروي الإمام مسلم في صحيحه عن حنظلة بن الربيع الأسدي، أنه جاء إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه فقال: {يا أبا بكر نافق حنظلة. قال: وما ذاك؟ قال: إنا نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على حال من الإيمان، وقوة اليقين، واستحضار الآخرة، فإذا فارقناه وذهبنا إلى بيوتنا عافسنا الأولاد والأزواج والضيعات، ونسينا كثيراً.
فقال أبو بكر: والله إني لأجد مثل ذلك، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال حنظلة مثلما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم لو تدومون على الحال التي تكونون بها عندي في جميع الأوقات؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعةً وساعة}.
ومن أعظم الإشارات التي تؤخذ من هذا الحديث أن حال المسلم ليس ثابتا بل هو في انخفاض وارتفاع فأحيانا يقترب حتى يدخل في المناجاة ويرى إشراق نور الإيمان في صدره ثم بعد ذلك يتعرض لبعض المؤثرات الخارجية التي تذهب به بعيدا عن هذه المعية ويفقد اللذة التي كان يحصلها في الماضي وإذا كان ينقص الإيمان بالفترة عن الذكر فمن باب أولى ينقص بفعل المعاصي . . . فإذا هو عاد إلى مجالس الذكر واستحضر مقام ربه في قلبه، استحضر هذه الحلاوة مرة أخرى.
وملاك هذا الأمر في قلب الإنسان فقلب الإنسان هو النافذة التي يدخل منها نور الإيمان للإنسان، فإن كانت هذه النافذة سليمة استقبلت النور، أما إذا كانت هذه النافذة خربة عليها خيوط العنكبوت فإنها تحجب الضوء، هكذا القلب، فإذا كان القلب عامرا بحب الله سطع فيه نور الإيمان، وإن كان القلب مريضا فإنه لا يشعر بحلاوة الإيمان، وكل قلب يستشعر حلاوة الإيمان بقدر صلاحية هذا القلب لتذوق هذه الحلاوة.
وما قلب الإنسان إلا كالإناء فإذا كان الإنسان من أهل الصلاح ومن أهل الحسنات كان القلب سليماً، وإذا أشرب القلب الفتن وخاض في الشهوات كان كالكوز مجخيا، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسيلم قال: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً، عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما مادمت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً( بياض يسير يخالطه السواد)، كالكوز مجخياً( مائلا منكوسا)، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه ، فيبين هذا الحديث أن القلوب تصير إلى قسمين وذلك بعد أن تمر عليها الفتن، قلب أبيض وقلب أسود.(33/1373)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد ذكره للحديث المتقدم في إغاثة اللهفان (وقد قسم الصحابة رضي الله تعالى عنهم القلوب إلى أربعة، كما صح عن حذيفة بن اليمان القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن. وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر. وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمي. وقلب تمده مادتان، مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما ) .أهـ
فإذا أردت أيها الأخ الكريم أن تستشعر حلاوة الإيمان فعليك بإصلاح القلب فهو العضو الذي به تدرك حلاوة الإيمان، ومن أبلغ الأشياء في إحياء القلوب تعلم العلم الشرعي مع إدامة الذكر والتسبيح، وكثرة المكث في المساجد، وقراءة القرآن مع البعد عن المعاصي وأهلها.
وختاما؛
نسأل الله أن يحييّ قلوبنا بمحبته وان يتقبلنا في طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ....
ـــــــــــــــــــ
هل وساوس الشيطان تمنع لذَّة الإيمان؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
رغم أنِّي سليل بيتٍ محافظٍ على دين الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه يحصل في بعض الأحيان أن أشكِّك في وجود الله عزَّ وجلَّ والأمور الغيبيَّة، وهو الشيء الذي يمنع لذَّة الإيمان أن تصل إلى قلبي. قرأت الكثير عن الموت، وعذاب القبر، والجنَّة والنار، وعن الإعجاز العلميِّ في القرآن الكريم، فيلين قلبي بعض الوقت لتعاودني هذه الشكوك اللعينة ثانية، كما أنَّني أصلِّي وأصوم، وأفعل كلَّ ما يرضي الله تعالى، إلا أنَّ قلبي غير مطمئنٍّ تماما، فأنا كالذي ينتظر بشوق القطرة التي معها ستفيض لذَّة الإيمان في فؤادي إن شاء الله . فساعدوني جزاكم الله خيرا. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمَّد منصور من فريق الاستشارات الإيمانية:
أخي الكريم:
إنَّ قوَّة الوساوس وكثرتها تدلُّ على قوَّة الإيمان وشدَّته وليس ضعفه وقلَّته، فقد سُئِل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الوساوس التي تصيبك، وتصيب كلَّ مؤمنٍ أيضا، فقال: "ذاك صريح الإيمان"رواه مسلم، بمعنى أنَّ الشيطان يوسوس للمؤمن بوساوس تزداد تدريجيًّا كلَّما ازدادت قوَّة إيمانه؛ لأنَّه يريد أن يهزمه ويجعله عاصياً لربِّه غير متَّبع لإسلامه الذي جعله لسعادته فيكون رفيقه في النار يوم القيامة، فإن رآه مؤمناً ضعيفاً مفرِّطاً في إسلامه هزمه بأقلِّ وسوسةٍ ككذبةٍ أو نظرةٍ محرَّمة أو نحو ذلك، وإن رآه مؤمناً قويًّا متمسِّكاً بإسلامه، علم أنَّه لن يهزمه إلا بوسوسةٍ قويَّةٍ مناسبة، كعدم وجود إلهٍ أو حسابٍ أو جنَّةٍ أو نار.(33/1374)
إنَّ هذه الخواطر لا إثم عليها ما لم تتحوَّل إلى قولٍ أو عمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلَّم"رواه البخاريُّ ومسلم، بل لها ثوابها في الآخرة، ثواب مقاومتها والصبر عليها، كما قال تعالى: "إنَّما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب"؛ إذ هي من الابتلاءات التي تكفِّر الذنوب، والتي يختبر بها الله تعالى صدق من ادَّعى الإيمان، وهل سيستمرُّ فيه أم لا، والتي غالباً ما يخرج منها المسلم مستفيداً بعد اتِّخاذه لوسائل التغلُّب عليها –إضافةً إلى ثواب الآخرة – زيادةً في إيمانه، وصبرا، وجَلَدا، وتدريباً على تحمُّل أعباء الدنيا، فيربح فيها ويتمكَّن من أداء ما أوجبه الله تعالى عليه من حُسن إعمارها وخلافته فيها.
ويمكنك -أخي الكريم- التغلُّب على هذه الوساوس بالاعتقاد وبالفعل:
والاعتقاد هو:
1- أن نتدبَّر مخلوقات الله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد، فإنَّ ذلك ولا شكَّ يزيد الإيمان ويجدِّده ويقوِّيه، ويؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشكِّ وجود خالقٍ لهذه المخلوقات؛ لأنَّ الأثر يدلُّ على المسير، أي لو رأيت أثراً لأقدامٍ في الصحراء، فذلك يؤكِّد سير إنسانٍ حتى ولو لم تكن تراه، فكذلك وجود الله تعالى يظهر أثره في مخلوقاته حتى ولو لم تكن تراه، وهذه المخلوقات يثبت العلم كلَّ يومٍ عظمتها وإعجازها، وأنَّها لا يمكن أن تكون من صنع أيِّ بشر.
2- أن تعلم أنَّ هذه الوساوس أمرٌ طبيعيّ، لأنَّ الشيطان وراءنا وراءنا، كما قال تعالى: "إنَّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتَّخذوه عدوّا"، وأنَّها ستتكرَّر بين الحين والحين، وبدرجاتٍ مختلفة، ومع الوقت ستكون عندك مناعةٌ ضدَّها فتكون موجودة، لكنَّها قليلة الأثر فيك.
فإذا علمت ما سبق فلن تؤرِّقك هذه الوساوس، إنَّما هي تقلقك لخوفك من ضررها، ولإحساسك أنَّها تبعدك عن تذوُّق حلاوة الإيمان، ولشعورك أنَّك الوحيد في هذا العالم الذي يحدث له ذلك، فالكثيرون مثلك أخي الكريم، ولتثق أنَّها موجودةٌ لمحاولتك الاقتراب من ربِّك سبحانه، وكلَّما قاومتها ازددتَّ قرباً من ربِّك، وازداد ثوابك في الدنيا وفي الآخرة.
والفعل هو:
1- إذا خطرت لك هذه الوساوس فعليك التوقُّف وعدم الاستمرار في التفكير فيها، كما أوصانا صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلَق الله الخلْق، فمن خلَق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله"رواه مسلم، فالإسلام رغم احترامه الشديد للعقل؛ لأنَّه أساس معرفة الله تعالى، وأساس العمل، والإنتاج، والإعمار للكون، فإنَّه يطلب منَّا في أحوالٍ نادرةٍ أن نوقف عقولنا عن الخوض في التفكير في أمورٍ ليس عندنا معطياتٍ لها، وإلا أتت بضررٍ أكثر من النفع، ولو كان في تفصيلها خيرٌ لنا في دنيانا أو آخرتنا لفصَّلها الله تعالى لنا، فللعقل مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها، كما أنَّ للبصر مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها.(33/1375)
2- الاستعانة بالله تعالى ودعاؤه، كما قال سبحانه: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، ودوام ذكره، والاستعاذة به من الشيطان الذي من صفاته أنَّه خنَّاس، أي يخنس –يبتعد ويتراجع وينهزم- عن الإنسان بمجرَّد ذكره لربِّه، كما قال تعالى: "قل أعوذ بربِّ الناس، ملِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، وأنَّ القلوب تطمئنُّ بالذكر، كما قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب".
3- الانشغال بالأعمال الصالحة بما لا يدع وقتاً للتفكير في هذه الوساوس والاستجابة لها، وبما يحقِّق الثواب العظيم إذا استُحضرت النوايا الصالحة، كالرياضة، والقراءة، والعمل، والإنتاج، والدراسة، والعلم، والهوايات، وصلة الرحم، وزيارات الجيران، والأقارب، والزملاء، والأصحاب، وخدمتهم، ودعوتهم للخير ما استطعت، وما شابه ذلك.
4- التواجد في وسطٍ صالحٍ يعين على مزيدٍ من الإيمان والعمل الصالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه.
أخي الكريم:
إنَّ حلاوة الإيمان التي تتكوَّن في القلب تتبع قانون الأسباب والنتائج، أي من لم يتَّخذ أسبابها لم تتكوَّن عنده، ومن اتَّخذ أسبابها تكوَّنت، ووفَّقه الله تعالى للمزيد تدريجيّا، مع الوقت، ومع تجمُّع الأسباب، وليس فوريًّا بمجرَّد اتخاذ سببٍ أو اثنين، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأَنفسهم"، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار"رواه البخاريُّ ومسلم، وهذه الثلاث لا تأتي في يومٍ وليلة.
لقد اتَّخذت -أخي الكريم- بعض أسبابها كالصلاة، والصوم، والقراءة عن الإعجاز العلميِّ في القرآن، ونَدلُّك على بعض أسبابٍ أخرى:
1- استحضار النوايا لكلِّ عملٍ صالحٍ تعمله، فأنت مثلاً تتعلَّم لتعمل وتنتج؛ لتنفع الإسلام والمسلمين والناس جميعاً بهذا العلم والعمل والإنتاج، وأنت تأكل لتتقوَّى على الطاعة وإعمار الكون، وهكذا في كلِّ الأعمال.
فاستحضار النوايا يجعلك دائم الذكر لله تعالى، دائم العمل له لا للناس، وهذا يدلُّ على أنَّ الله ورسوله هما فعلاً أحبَّ إليك ممَّا سواهما، وعندئذٍ ستشعر بحلاوة الإيمان كما ذكر الحديث.
2- تدبُّر نِعَم الله تعالى الموجودة في نفسك –والتي لا يمكن حصرها- مع استخدامها كلِّها في طاعة الله لا في معصيته، كالسمع، والبصر، واليدين، والرجلين، إلى غير ذلك من النعم.
فاستشعار أنَّ كلَّ النعم هي فضلٌ من الله وحده ولا دخل لأحدٍ فيها، مع استخدامها في طاعته ما هو إلا ترجمةٌ عمليَّةٌ من المسلم على أنَّ الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وفي مقابل اتِّخاذه لهذا السبب سيجد مع الوقت حلاوة الإيمان في قلبه.(33/1376)
فمثلاً استخدام نعمة البصر في العلم والعمل والإنتاج، وزيادة الإيمان، وعدم استخدامها في الحرام يورث حلاوةً في القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله، آتاه الله عزَّ وجلَّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه"رواه الحاكم وصحَّحه، وهكذا كلُّ النِعَم إذا استُخدمت في طاعة الله لا في معصيته.
3- التمسُّك بنظام الإسلام الشامل الكامل العادل الذي يسعد من يتَّبعه، في كلِّ شؤون حياتك: في بيتك، ومع والديك، وإخوتك، وجيرانك، وأصحابك، وزملائك، وفي أثناء دراستك وتعلُّمك، فذلك يورِّث اطمئناناً في القلب وسعادة، كما قال تعالى: "ومَن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحْيِيَنَّه حياةً طيِّبةً ولنَجْزِيَنَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
4- دعوة من حولك لهذا الإسلام، وللعمل بنظامه، ليسعد الناس كما سعدتَّ أنت، وخلال دعوتك ستشعر بحلاوة الإيمان مع الوقت، لأنَّ لنجاحك في دعوة الغير حلاوةً لا يستشعرها إلا من مارس ذلك، حلاوةً ليست من الدنيا في شيء.
أوصيك نهايةً أخي الكريم بأن تصبر، وتستشعر حلاوة الصبر على هذه الوساوس، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء..."جزءٌ من حديث رواه مسلم، فهو ينير القلب والعقل، وينير الطريق ذاته.
وأن تستشعر حلاوة التضرُّع إلى الله والشكوى إليه وطلب عونه، وحلاوة استجابته إليك، كما كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إيذاء المشركين له في الطائف في بداية دعوتهم إلى الإسلام، والذي امتلأ حزنا، لكنَّه حزنٌ مع إصرارٍ على مواصلة الطريق، وأملٍ في تحقُّق نتائجه، قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى من تكلني، إلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنْزل بي غضبَك، أو يحلَّ عليَّ سخطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"رواه الطبرانيّ، وحسَّنه السيوطيّ.
وفَّقك الله وأعانك يا أخي، و جزاك عن الإسلام والمسلمين خيرا، ومرحباً بوصالك وأسئلتك، وآرائك، واقتراحاتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ـــــــــــــــــــ
كيف أحافظ على صلاتي وخشوعي؟ ... العنوان
العبادات ... الموضوع
كيف أستطيع أن أحافظ على مستوى وقوَّة الصلاة، علماً بأنَّني أتكاسل عنها لعدَّة مرَّات، ويأتيني مراتٍ اندفاعٌ قويٌّ للمحافظة عليها؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمَّد منصور من فريق الاستشارات الإيمانية:(33/1377)
"أخي الكريم،
علَّمنا الإسلام أنَّ أول وسيلةٍ لعلاج أيِّ داءٍ هي اكتشاف أسبابه ثمَّ الصدق في حبِّ الشفاء منه، فلتعلم أنَّ سبب هذه المشكلة هو الشيطان الذي يستغل لحظات الضعف الإنسانيِّ ليفسد ويخرِّب، فإن كان عندك الصدق في طلب العلاج، فعليك اتِّخاذ الأسباب التي تُعينك، والتي بمجرَّد أن تتَّخذها، فسيحدث تغييرٌ إن شاء الله تعالى، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بأنفسهم".
وأسباب العلاج نوعان:
الأوَّل: تقدير حجم المشكلة.
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج.
النوع الأوَّل: تقدير حجم المشكلة: من خلال:
1 - العلم بحجم الثواب الذي يفوتك إذا تكاسلت عن الصلاة:
فأداء الصلاة في أوَّل وقتها أحبُّ عملٍ إلى الله تعالى على وجه الأرض، وإذا أحبَّ الله عملاً أجزل له الثواب، فلعلَّ ذلك يكون حافزاً لك على الالتزام بها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "برُّ الوالدين"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"رواه البخاريُّ ومسلم.
ثمَّ إنَّ الصلاة فترةٌ للاتِّصال بالخالق لطلب عونه ورزقه.
2 - العلم بذنب التكاسل عنها:
فالخوف يدفع إلى العمل لاجتناب الأضرار، قال تعالى: "فويلٌ للمصلِّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون"، فهم لا يتركون الصلاة، بل يؤدُّونها، ولكن بتهاونٍ أو عندما يتذكَّرون، فالويل والذنب لهم؛ فما بالك بمن يتكاسل عنها عدَّة مرَّات؟
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج:
1 - الاستعانة بالله ودعاؤه بالتنشيط والتغلب على وساوس الشيطان:
قال تعالى: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، وقال: "قل أعوذ بربِّ الناس، مَلِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، فالشيطان يخنس، أي يتراجع بذكر الله تعالى ذكراً فيه حضور قلبٍ ويقينٌ بقدرة الله على التغيير.
والدعاء لابدَّ وأن يكون بإخلاص، أي بإرادةٍ حقيقيَّةٍ في الشفاء؛ إذ الإخلاص سببٌ رئيسيٌّ للتوفيق.
2 - التدريب على قوَّة الإرادة والصبر:
ويكون هذا ببعض الأعمال التي تعين على ذلك، كالصوم مثلا؛ فقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن عجز من الشباب عن الزواج ليعصمه من الخطأ، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء"رواه الخمسة، الباءة: أعباء الزواج، وِجاء: أي ضابطٌ للشهوة.
ولا يقعدك الشيطان عن الصوم بوسوسته "إنَّك إذا كنت لا تلتزم بالصلاة؛ فكيف تصوم؟"، وأنت إن كنت ضعيفاً في شيءٍ فأنت قويٌّ في أشياء أخرى كثيرة؛ فهذه هي طبيعة البشر.(33/1378)
وجرِّب كذلك أن تُلزم نفسك بشيءٍ ما، كأن تمشي يوميًّا مسافة كذا، أو تقرأ لمدَّة كذا، في محاولة لتدريب النفس على الإرادة والعزم.
أعلم أنَّ ذلك يحتاج جهداً في أوَّل الأمر، لكنَّه –كأيِّ شيءٍ يتمُّ التدريب عليه- يسهل ويصبح عادةً بالتدريج، وصدق من قال: "العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم".
3 – التدريب على القيام أوَّل الوقت:
وهذا يتحقَّق من خلال ضبط الساعة أو الاتِّفاق مع زميلٍ أو جارٍ على تذكرتك، أو المرور عليك؛ لأخذك للصلاة عند سماع الأذان، منعاً للانشغال عنها أو التكاسل، أيُّ وسيلةٍ توصل لذلك قم بها، المهمُّ أن نصل للنتيجة.
4 - التواجد ما أمكن في وسطٍ صالح:
وهذا من شأنه أن يعين على الطاعة، ويبعد عن المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه".
وتقول الدكتورة عزَّة لبيب من فريق الاستشارات:
أمَّا عن المحافظة على مستوى وقوَّة الصلاة (الخشوع على ما فهمت)، فإنَّها مشكلةٌ يعاني منها الكثير من الناس، فعدم الخشوع في الصلاة وغزو الخواطر الدنيويَّة لهم وهم واقفون بين يدي الله مشكلة الجميع، والكلُّ يعرض شكواه متأثِّراً متألِّما.
الخشوع ضروريٌّ في الصلاة، ومن رحمة الله أنَّه اطَّلع على ضَعْف العباد، فلم يجعل الخشوع شرطاً في صحَّة الصلاة، وليس ركناً إن تركه بطلت، فإذا حاول العبد الخشوع أو لم يحاوله فصلاته صحيحةٌ على الراجح من أقوال العلماء.
إنَّ الخشوع ضروريّ، وجديرٌ بالمسلم أن يحرص عليه، وأن يأتي بأسبابه الموصلة إليه، وقد عرَّف الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين" الخشوع بأنَّه: "قيام القلب بين يدي الربِّ بالخضوع والذلّ"، وإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنَّها تابعةٌ له، والخشوع محلُّه القلب.
وعادةً ما يحاول الشيطان أن يصرف الإنسان عن خشوعه في الصلاة بمَكْرِهِ وكيده، فيلجأ إلى الوسوسة، ويحاول أن يحول بين المرء والصلاة والقراءة، فيلبسها عليه، فإذا حصل شيءٌ من ذلك فليستعذ العبد بالله.
وثمرة الخشوع عظيمة، ويجب أن نحرص عليها كلَّ الحرص بالمجاهدة المستمرَّة، ومنها: تكفير الذنوب- تحصيل الثواب الذي أعدَّه الله للطائعين الخاشعين من عباده- استجابة الدعاء في الصلاة- حبِّ الحلال والبُعد عن الحرام، فقد قال تعالى: "اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفَّارةً من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كلُّه"رواه مسلم.
كلُّ ما عليك هو أن تأخذ بالأسباب، ومحاولة حلِّ المشاكل أو الصعوبات التي تواجهها.
وإليك الآن بعض الأمور التي تُعين على الخشوع في الصلاة:(33/1379)
1 - استحضار عظمة الله ملك الملوك، وجبَّار السماوات والأرض، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبَّار، المتكبِّر.
2 - استحضار تقصيرك، وضعفك، وحاجتك إلى الله كي يعينك على الخشوع.
3 - استحضار تفاهة الدنيا، وأنَّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل، وأنَّ متاعها متاع الغَرور، وأنَّنا صائرون إلى الله ليوفِّينا أعمالنا.
4 - عدم الاستعجال في أداء الصلاة، فالعجلة قد تؤدِّي إلى ضياع بعض الخشوع، فالصلاة تحتاج إلى نفسٍ مجتمعة، وفكرٍ متدبِّر، وقلبٍ حاضر.
5 - الصلاة في أوَّل الوقت أَعْوَن على الخشوع، كذلك إحسان الوضوء.
6 - أداء السنن الرواتب القبليَّة يوقظ القلب (أداء الرواتب والنوافل يسهِّل الوصول إلى الخشوع).
7 - تقليل الحركة في أثناء الصلاة (إلا لضرورة)، فسكون الجوارح يعين على حضور القلب.
8 - استبعاد المشاغل كلِّها في وقت الصلاة، كان أبو الدرداء يقول: "من فقه الرجل أن ينهي حاجته قبل دخوله في الصلاة؛ ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ"، وعلينا ألا نشغل أنفسنا بأمر الدنيا في أثناء الصلاة، وأن نطرد الخواطر كلَّما وردت، وأن نستعيذ بالله من الشيطان ووسوسته، وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلِّي "صلاة مودِّع"رواه الطبرانيُّ ورجاله ثقات.
9 - البعد عن النمطيَّة والاعتياد في الصلاة، وذلك يؤدِّي إلى عدم التأثُّر والتدبُّر، وعلاج ذلك بالوسائل التي تعين على الخشوع والوصول بالله، مثل:
- تدبُّر معنى الأذكار والآيات التي قرئت في الصلاة.
- قراءة الفاتحة وآياتٍ جديدةٍ غير التي قرئت في الصلوات السابقة.
- تدبُّر ما يُقرَأ، والموازنة بين حالنا وحال من يمرُّ بنا ذكرهم في آيات القرآن من أهل الجنَّة.
لنرى مدى تقصيرنا، أو من يمرُّ بنا ذكرهم من أهل النار وخصالهم التي تشبهنا، وهذا يجعلنا نراجع أنفسنا، ونحسُّ بالحاجة لمغفرة الله وعفوه سبحانه، وربَّما يؤدِّي بنا ذلك إلى البكاء، وهو من الخشوع.
10 - العمل على الازدياد من العلم الشرعيِّ ومعرفة الله تعالى، ومحبَّته، والخوف منه، ورجاء رحمته، والثقة بما عنده، كلُّ ذلك يؤدِّي إلى الوصول إلى الخشوع في الصلاة.
11 - التوبة إلى الله من الذنوب، وتجديد هذه التوبة مرَّةً بعد مرَّة.
12 - الإكثار من قراءة القرآن، وذكر الله، والإكثار من ذكر الموت، ومحاسبة النفس، والبعد عن الرياء كذلك.
وهناك حقيقةٌ إسلاميَّةٌ مقرَّرة، وهي أنَّ الله لا يكلِّفنا ما لا نطيق، قال سبحانه: "لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلا وُسْعها"، فعلينا أن نسعى جهدنا إلى الخشوع في الصلاة، ولنجاهد وساوس الشيطان، ونطلب من الله العون والمساعدة.
13 - الحرص على فتح أبوابٍ أخرى للخير ما أمكن:(33/1380)
فإن كان الشيطان قد غلبك في الصلاة؛ فلا يغلبك مثلاً في إتقان عملك وتقوى الله فيه، والمواظبة على مواعيدك، والوفاء بالوعود والأمانات مع الناس، وخدمتهم وعونهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، فإن حرصت على هذه المعاملات الإسلاميَّة سيكون ذلك بإذن الله حافزاً على محاولة استكمال بقيَّة جوانب الخير في نفسك، خاصَّةً الصلاة، وسيأتي عليك يومٌ تواظب عليها وتخشع فيها، وتعين غيرك ممَّن لا يصلُّون بوسائل العلاج التي اتَّخذتَها سابقا، وستكون نِعْم الداعي إلى الإسلام"
ـــــــــــــــــــ
لا أجد حلاوة الإيمان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أنا مسلم يقبل عقلي أمور الإسلام، ولكنه يقبلها كأي أمرٍ آخر، ولا يدفعه ذلك لإنشاء إيمانٍ عميقٍ في قلبي، مع العلم أنني أحاول أن ألتزم بها على الرغم من أنني أنجرف لشهواتي أحيانا. الطلاب والأصدقاء من حولي يعتبرونني شيخاً مؤمناً تعمق الإيمان في قلبه وحفر عميقا، ولا يعلمون ما بداخلي من فراغ وجهل ، فأستحي طلب بعض الأمور الصغار التي أجهلها، فما الحل؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة سميرة المصري :
إلى الأخ المسلم
إن تعريف الإسلام هو التسليم والخضوع لأحكام الله عبوديةً له وإيماناً به، فهو وحده الإله، وهو المشرع لخلقه، وعلينا جميعاً الالتزام بشرعه الذي وصلنا عبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتميزون بسرعة الاستجابة لأحكام الله مرددين: "سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
وكدليلٍ على ذلك، عندما نزلت آية الحجاب تلقفتها ألسنة الصحابة وأخذ كل واحدٍ منهم يتلوها على أهله، فلم تتردد إحداهن التزام هذا الأمر، ولم تطلب المرأة مهلةً للتفكير أو حجةً للاقتناع، بل شقَقْنَ مروطهنَّ وتلففن بها، فإذا كان الدافع للامتثال هو الإيمان فإن ذلك يستتبع الطمأنينة وانشراح الصدر ومعرفة الحكمة والفائدة المرجوة، وإذا احتكمنا إلى العقل مجرداً من الإيمان فإن أحكاماً كثيرة قد يرفضها الإنسان، وكمَثَلٍ على ذلك فإن حكم التيمم عند فقد الماء يقوم مقام الوضوء والغسل، ولو عرضنا هذا الفعل على العقل لرفضه، لأن مسح الوجه واليدين بالتراب يزيد اتساخ الأعضاء ولا ينظفها.. لكننا نتقيد بما أمر الله عبودية وتسليماً، كذلك مسح ظاهر الخف يناقض العقل والأولى مسح أسفله لأنه المعرّض للأذى والنجاسة، والإمام علي رضي الله عنه يقول عن ذلك: "لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره".
ومثالٌ من حياتنا، فإن اقتناع الإنسان بمهارة طبيب وإيمانه بقدرته على الشفاء تجعله يطبق وصفة العلاج بدقةٍ ودون نقاش، أفلا يجدر بنا أن نطبق وصفة خالقنا في علاج مشاكلنا: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".(33/1381)
وأنت يا أخي مسلم، وهو مشتق من التسليم والعبودية الكاملة، لكن ليس معنى هذا أن أحكام الله تناقض العقل وتخالفه، لأن الكثير من آيات الله تنتهي بقوله جل وعلا: "... أفلا تعقلون"، "... فاعتبروا يا أولي الألباب"، فهو يدعونا إلى استخدام عقولنا، وهي حتماً مع الفطرة النقية توصلنا إلى معرفة الخالق وتوجهنا إلى حسن عبادته.
أما عن انجرافك بالشهوات، إن مجرد استنكارك لما تفعل واقتناعك بالخطأ يفتح أبواب الإصلاح في نفسك التي أتلمس فيها الخير، والله سبحانه وتعالى يقبل توبة عباده.. فاستعن به على لجم شهواتك وحاول الابتعاد عن السبل التي تشجعك على المعصية، وقد التجأ سيدنا يوسف عليه السلام إلى الله عند تعرضه لفتنة امرأة العزيز قائلاً: "رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصْبُ إليهن وأكن من الجاهلين".
وإذا كان أصدقاؤك يعتبرونك شيخاً مؤمناً فحافظ على ثقتهم وحسن ظنهم بأن تملأ ما بداخلك من فراغٍ وجهلٍ بالتعلم وزيادة ثقافتك الإسلامية، وهذا من أيسر الأمور، فالعلم تزخر به بطون الكتب والأشرطة السمعية والبصرية متوافرة، ووسائل المعرفة تعددت وتنوعت واستخدامك الإنترنت إحدى هذه الوسائل التي تتيح لك توسيع ثقافتك دون تحرجٍ من معرفة السائل.
أما نصيحتي إليك فهي التردد على المسجد في أوقات الصلاة، فسوف تلتقي بأخوةٍ تصاحب بعضهم في الله وتعيش في أجواء الأخوة الصادقة، وهذا ما يسهِّل ردم هوّة الفراغ والجهل اللذين تشكو منهما، أما تجذُّر الإيمان وتذوقك لحلاوته فسوف تنالها إن شاء الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"متفقٌ عليه.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه".
ويضيف الدكتور كمال المصري :
لا أملكُ نهايةً بعد حديث الأستاذة الفاضلة سميرة المصري إلا أن أسأل الله تعالى أن يذيقنا وإياك حلاوة الإيمان ولذته، وأوصيك بأن تتحرى الأعمال والطاعات التي تجد فيها نفسكَ أقرب إلى الله تعالى، فذلك أدعى أن تتذوق به حلاوة الإيمان، فكل نفسٍ جُبلت على حبِّ قرباتٍ أكثر من قربات، وتكونت على اللذة بطاعاتٍ أكثر من غيرها من الطاعات.
فتَحَرَّ في نفسك ما تحبُّ من طاعات، إن كان الصيام فصُمْ والتزم بأيامٍ أسبوعيا، وإن كان القيام فاختر جوف الليل وتقرّب فيه إلى الله، وإن كانت الصدقة طريق لذتك بالطاعة فتصدق وجُدْ وأكثر، وإن كان القرآن، فجوّده وعش في ظلاله، وإن كان فعل الخير ومساعدة الناس فلا تتوانَ في ذلك، المهم أن تبحث عن مفتاح قلبك للتلذذ بالطاعة، فتكثر من تلك الطاعة.
وثق أن الله لن يتركك متى ما تحقق منك صدق التوجه، بل هو سبحانه أحرص منك عليك، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منه، وإن تقرَّب إليَّ شبراً تقرَّبتُ إليه ذراعا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقرَّبتُ إليه(33/1382)
باعا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولة"متفقٌ عليه، قال العلماء: ("أنا عند ظن عبدي بي" أي أجازيه بحسب ظنه بي: فإن رجا رحمتي وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له رباً يجازي، وإن يئس من رحمتي، وظن أني أعاقبه وأعذبه، فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر، والحديث مجازٌ عن قبوله سبحانه، وسرعة إجابته للعبد، ومزيد تفضله عليه).
فاصدق العزم يا أخي، واعمل واجتهد، وادعُ ربك وارجُه، وثق بأن الله سبحانه سيهديك الطريق والسبيل، فربنا سبحانه له الحمد متفضِّلٌ كريم.
ـــــــــــــــــــ
كان زانيا وتاب.. فهل أقبله زوجا؟ ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أشكركم أولاً على الموقع والفرصة التي أتحتموها لنا للاستفسار عما يعن لنا من أمور إيمانية خاصة .. وأود الاستفسار على موضوع في غاية الأهمية و أتمنى سرعة الرد، وموضوعي هو : تقدم لخطبتي إنسان قريب جدا لي، و أعزه جدا، ولكن علمت بعد فترة انه كان زانيا، و أنها كانت مرة واحدة قبل تعارفنا، و أنه قد تاب وندم. سؤالي هو : هل أخبر أهلي بهذا الأمر؟ علما بأنه تاب الى الله وعزم على عدم تكرار المعصية، وأنا غفرت له هذا لأنه تاب وطلب من الله المغفرة، ولكنني لا أدري إن كان صادقا معي في أنها "مرة واحدة"، أو إن كان قد تاب بالفعل أم لا ؟ وأود أن أوضح أنه من أسرة مؤمنه و أنني أثق به، غير أني أخاف أن أخبر أهلي فلا يسامحونه فأكون خائنه للسر الذي ائتمنني عليه، كما أنني أخشى عدم مصارحة أهلي بالأمر فأكون خائنه لأمانتهم، وربما تحدث بيننا مشاكل فيما بعد فلا استطيع أن أشكو لأهلي . أفيدوني فأنا حيرانة !! و جزاكم الله خيرا . ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ سمير حشيش الواعظ بالأزهر الشريف :
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فمن رحمة الله بالعباد أنه يقبل التوبة منهم مادامت صادقة وخالصة من قلوبهم "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات" (الشورى). بل وأعظم من ذلك أن يبدل الله هذه السيئات إلى حسنات(إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )(الفرقان).
ولقد تاب- يا أختي- خطيبك المذكور، وعزم على عدم تكرار المعصية مرة أخرى، وأسأل الله أن يقبل توبته وأن يغفر لنا وله. ولقد أحسن إذ رجع إلى الله وبادر بالتوبة، ولكني لا أؤيده أبدا في إخباره إياك بذنبه الذي وقع فيه؛ فما دام قد ستره الله، وهو قد تاب وأناب، فكان الأجدر به أن يستر نفسه أيضا أمامك، وذلك لأن الله تعالى يعفو ويصح أما الإنسان فقليلا ما ينسى وقليلا ما يتجاوز.(33/1383)
وألاحظ في رسالتك أمران:
الأول: أنك مازلت تشُكّين في صدق توبته وتشُكّين فيما إذا كان الخطأ وقع مرة واحدة -كما أخبرك- أم أكثر. وهذا يؤيد ما قلته آنفا من أنه أخطأ إذ أخبرك بذنبه هذا، مع الإشارة إلى أن شعورك هذا هو شعور معظم البشر للأسف الشديد، فالله يغفر ويسامح أما البشر فلا. وأنت تزعمين أنك واثقة به، ولكن يبدو أن هذا الزعم غير صحيح، فمن أين تثقين به وأنت تقولين بأنك لا تدرين "إن كان صادقا في أنها مرة واحدة أو أنه تاب بالفعل؟".. ألا ترين مثلي أنك مازلت قلقة من ناحيته؟.
أختي الفاضلة، أجيبيني على السؤال التالي: ما هو الدافع الذي جعل خطيبك يخبرك بذنبه؟. ألست معي في أن الدافع لذلك هو حبه وإخلاصه لك وإخلاصه في توبته أيضا؟ وإلا فما الذي يجبره على إخبارك؟ ولكنك للأسف وضعته في دائرة الاتهام والشك، وهذا خطؤه إذ أخبرك، وليس خطؤك فأنت مثل كل البشر.
الأمر الثاني: في قولك (كما أخشى ألا أصارح أهلي فأكون خائنة لأمانتهم، وأن تحدث مشاكل فيما بعد ولا أستطيع أن أشكو لأهلي)... أي أمانة يا أختي تخونينها حين لا تخبرين أهلك بذنب خطيبك، وما دخلهم أصلا برجل وقع في الفاحشة ثم تاب منها، وماذا لو لم يخبرك أصلا بذنبه؟.. ولا أدري ما علاقة أهلك بهذا الموضوع؟!، أنت يا أختي ستتزوجين مسلما، نعم قد وقع في الفاحشة، لكن من منا بلا خطأ أو ذنب.
وهل أنت تأمنين على نفسك من الوقوع في المعاصي طول حياتك، إن أحدا لا يستطيع أن يدعي ذلك. أختي، كلنا ذوو خطأ وكلنا لا يأمن على نفسه إلا أن يحفظنا الله ويدركنا برحمته. ثم ما علاقة حدوث مشاكل بينك وبينه فيما بعد بهذا الذنب الذي وقع فيه؟ أم أنك تعزمين على أن تذكريه بذنبه هذا عند كل مشكلة، على حد قول المصريين "تمسكيها له ذلة".
أختي، عند حدوث مشكلة فالأفضل ألا تشكي لأهلك، وإن كان لا بد من الشكوى فلتكن على قدر المشكلة، فما علاقة المشكلة التي قد تحدث فيما بعد بأنه وقع في الفاحشة منذ سنين؟ إنه أمر عجيب. فإياك أن تخبري أهلك بهذا الأمر، فنحن مأمورون لو رأينا الفاحشة رأي العين بأن نسترها، فما بالك بإنسان دفعه ندمه وثقل المعصية على قلبه إلى أن يبوح بها لمن يحبه ويثق فيه، وهو بذلك يرجو من يذكره برحمة الله ويعينه على التوبة الصادقة، ما بالك لو وجد منك الفضيحة والشك والاتهام؟ إنها صدمة على النفس والقلب أشد من ضرب السيوف، فاتقي الله في الرجل ولا تفضحي أمره ولا تخوني سره.
أختي، أرى الشك في خطيبك يؤرق فكرك، وخوفك منه في المستقبل يخطر لك من آن لآخر، وأقول لك: إن كنت مستعدة لنسيان ما أخبرك به خطيبك كأنه لم يكن أصلا، ومستعدة لأن تعامليه على أنه إنسان طبيعي وليس مجرما فتوكلي على الله، وأتمنى لك زواجا مباركا. أما إن كنت ترين الشك والقلق يسيطران عليك وسينغصان عليك حياتك وأنك لن تنسي له ذنبه هذا وأنك عند كل مشكلة ستربطينها بهذا الذنب فأنصحك بمراجعة قرار الزواج من الأصل.(33/1384)
والخير - من وجهة نظري- هو أن تنسي وتسامحي وتغفري فالله غفور رحيم. وفقك الله وهداك وشرح صدرك وسترك في الدنيا والآخرة، وغفر الله لخطيبك، وشملنا معكما بهذا الدعاء اللهم آمين. وتابعينا بأخباركما، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ـــــــــــــــــــ
علامات محبة الله للعبد ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
حضرة المشايخ الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل هناك علاماتٌ تدلُّ على حبِّ الله سبحانه وتعالى للعبد؟ أرجو أن توضِّحوها لي. وهل هناك قصصٌ سواءً كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في عصرنا الحاضر تدلُّ على المحبة؟ أرجو الردَّ على استشارتي و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي في الله/ سنبلة
أهلاً بك، وها نحن نجيب سريعاً كما طلبتِ.
علامات حبِّ الله تعالى كثيرة، وسأنقل لك بعض ما كتبه عددٌ من علمائنا حول هذه العلامات، وهم شيخ الزهَّاد عبد القادر الكيلانيّ في "الفتح الربَّاني"، والإمام الغزاليُّ في "الإحياء"، والإمام ابن القيِّم في "طريق الهجرتين وباب السعادتين"، والإمام ابن قدامة "مختصر منهاج القاصدين".
ولأسبابٍ متعلِّقةٍ بتحقيق أعلى فائدة، سأعيد تحرير ما كتبوا دون الالتزام بمَن كتب ماذا، وأنصحك بالرجوع إلى هذه الكتب، وستجدين فيها خيراً كثيراً بإذن الله تعالى.
نقولاتٌ في علامات حبِّ الله تعالى للعبد:
- أمَّا محبة الله تعالى للعبد، فاعلم أنَّ شواهد القرآن متظاهرةٌ على ذلك، كقوله تعالى: "إنَّ الله يحبُّ التوَّابين ويحبُّ المتطهِّرين"، "إنَّ الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا"، ونبَّه على أنَّه لا يعذِّب من يحبه، لأنَّه ردَّ على من ادَّعى أنَّه حبيبه بقوله: "قل فلِم يعذِّبكم بذنوبكم"، وشرط للمحبَّة غفران الذنوب فقال: "قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".
وفي الحديث الصحيح، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تعالى يقول: ما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه.." إلى آخره، رواه البخاري.
- واعلم أنَّ المحبَّة يدَّعيها كلُّ أحد، وما أسهل الدعوى وما أعزّ المعنى، فلا ينبغي أن يغترَّ الإنسان بتلبيس الشيطان وخدع النفس مهما ادَّعت محبَّة الله تعالى، ما لم يمتحنها بالعلامات، ولم يطالبها بالبراهين والأدلَّة.
والمحبَّة شجرةٌ طيِّبةٌ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء، وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح، وتدلُّ تلك الآثار الفائضة منها على القلب والجوارح على المحبَّة دلالة الدخان على النار، ودلالة الثمار على الأشجار.(33/1385)
- إذا صحَّت عبوديَّة العبد لله تعالى، أحبَّه الله تعالى، وقوَّى حبَّه في قلبه، وآنَسه به، وقرَّبه منه من غير تعب، ولا طَلَب له صحبةَ غيره.
- من العلامات حبُّ لقاء الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة في دار السلام، فلا يُتَصَوَّر أن يحبَّ القلب محبوباً إلا ويحبّ مشاهدته ولقاءه، وإذا علم أنَّه لا وصول إلا بالارتحال من الدنيا ومفارقتها بالموت، فينبغي أن يكون محبًّا للموت غير فارٍّ منه، فإنَّ المحبَّ لا يقلُّ عليه السفر عن وطنه إلى مستقرِّ محبوبه ليتنعَّم بمشاهدته، والموت مفتاح اللقاء، وباب الدخول إلى المشاهدة، قال صلى الله عليه وسلم: "من أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه"متَّفقٌ عليه.
- ومن أقوى العلامات، حسن التدبير له، يربِّيه من الطفولة على أحسن نظام، ويكتب الإيمان في قلبه، وينوِّر له عقله، فيتبع كلَّ ما يقرِّبه، وينفر عن كلِّ ما يبعد عنه، ثمَّ يتولاَّه بتيسير أموره، من غير ذلٍّ للخلق، ويسدِّد ظاهره وباطنه، ويجعل همَّه همًّا واحدا، فإذا زادت المحبَّة، شغله به عن كل شيء.
- ومنها أن يكون راضياً عن الله تعالى في جميع الأحوال، فلو ضيَّق عليه الأرض برحبها، وسدَّ عليه الأبواب بسعتها، لم يسخط عليه، ولم يقرب باب غيره، ولم يأكل من طعام غيره.
- ومنها أن يكون مؤْثِرًا ما أحبَّه الله تعالى على ما يحبُّه في ظاهرة وباطنه، فيلزم مشاقَّ العمل ويجتنب اتِّباع الهوى، ويعرض عن دَعة الكسل، ولا يزال مواظباً على طاعة الله ومتقرِّباً إليه بالنوافل، وطالباً عنده مزايا الدرجات كما يطلب المحبُّ مزيد القرب في قلب محبوبه، وقد وصف الله المحبِّين بالإيثار فقال: "يحبُّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً ممَّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".
ولذلك قال ابن المبارك فيه:
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه... هذا لعمري في الفعال بديعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأطعته... إنَّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ
- ومنها أن يكون مستهترا (المستهتر بالشيء: المولَع به) بذكر الله تعالى، لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه، فمن أحبَّ شيئاً أكثر بالضرورة من ذكر ما يتعلَّق به، فعلامة حبِّ الله حبُّ ذكره، وحبُّ القرآن الذي هو كلامه، وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبُّ كلِّ من ينسب إليه.
- ومنها أن يكون أنسه بالخلوة، ومناجاته لله تعالى، وتلاوة كتابه، فيواظب على التهجُّد، ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق، وأقلُّ درجات الحبِّ التلذُّذ بالخلوة بالحبيب، والتنعُّم بمناجاته، فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذَّ عنده وأطيب من مناجاة الله كيف تصحُّ محبَّته؟، قال عثمان رضي الله عنه: "لو سلمت منَّا القلوب ما شبعت من كلام الله عزَّ وجلّ، وكيف يشبع المحبُّ من كلام محبوبه، وهو غاية مطلوبه؟!".
فإذن علامة المحبَّة: كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التنعُّم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كلِّ ما ينقض عليه الخلوة.(33/1386)
- ومنها أن يطمئنَّ قلبه إلى الله، وأن تسكن نفسه إلى الله، وتخلص محبَّته لله، ويقصر خوفه على الله، ويجعل رجاءه كلَّه لله، فإن سمع سمع بالله، وإن أبصر أبصر بالله، وإن بطش بطش بالله، وإن مشى مشى بالله، فبه يسمع، وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يمشي، فإذا أحبَّ فلله، وإذا أبغض فلله، وإذا أعطى فلله، وإذا منع فلله، قد اتَّخذ الله وحده معبوده، ومرجوَّه، ومخوفه، وغاية قصده، ومنتهى طلبه، واتَّخذ رسوله وحده دليله، وإمامه، وقائده، وسائقه، فوحَّد الله بعبادته، ومحبَّته، وخوفه، ورجائه، وإفراد رسوله بمتابعته والاقتداء به والتخلُّق بأخلاقه والتأدُّب بآدابه.
- ومنها أن لا يتأسَّف على ما يفوته ممَّا سوى الله عزَّ وجلّ، ويعظم تأسُّفه على فوت كلِّ ساعةٍ خلت عن ذكر الله تعالى وطاعته، فيكثر رجوعه عن الغفلات بالاستعطاف و الاستعتاب والتوبة، قال بعض العارفين: إنَّ لله عباداً أحبُّوه واطمأنُّوا إليه، فذهب عنهم التأسُّف على الفائت، فلم يتشاغلوا بحظِّ أنفسهم إذ كان مُلك مليكهم تامّا، وما شاء كان، فما كان لهم فهو واصلٌ إليهم، وما فاتهم فبحسن تدبيره لهم.
- ومنها أن يتنعَّم بالطاعة ولا يستثقلها، ويسقط عنه تعبها، كما قال ثابت البنانيُّ رحمه الله تعالى: كابدتُّ الصلاة عشرين سنة، ثم تنعَّمتُ بها عشرين سنة.
وقال الجنيد رحمه الله تعالى: علامة المحبَّة دوام النشاط، والدءوب بشهوةٍ يفتر بدنه ولا يفتر قلبه.
- ومنها أن يكون مشفقاً على جميع عباد الله، رحيماً بهم، شديداً على جميع أعداء الله، وعلى كلِّ من يقارف شيئاً ممَّا يكرهه، كما قال الله تعالى: "أشدَّاء على الكفَّار رحماء بينهم"، ولا تأخذه لمة لائم، ولا يصرفه عن الغضب لله صارف.
- ومنها أن يكون في حبِّه خائفاً متضائلاً تحت الهيبة والتعظيم، وقد يُظَنُّ أنَّ الخوف يضادُّ الحبّ، وليس كذلك، بل إدراك العظمة يوجب الهيبة، كما أنَّ إدراك الجمال يوجب الحبّ، ولخصوص المحبِّين مخاوف في مقام المحبَّة ليست لغيرهم، وبعض مخاوفهم أشدُّ من بعض، فأوَّلها: خوف الإعراض، وأشدُّ منه خوف الحجاب، وأشدُّ منه خوف الإبعاد، وهذا المعنى في سورة هود هو الذي شيَّب سيِّد المحبِّين (إشارةً إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "شيَّبتني هود"رواه الترمذيُّ والطبرانيُّ والحاكم بسندٍ صحيح) إذ سمع قوله تعالى: "ألا بُعْداً لثمود"، "ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود"".
- ومنها أن يكون هواه تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"رواه الحسن بن سفيان، ورجاله ثقات.
- ومنها أن يضحِّي بكلِّ شيءٍ لحبيبه، والأمثلة على ذلك كثير، ومنها ما ورد عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمِّي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليريَّن الله ما أصنع.
فلمَّا كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللهمَّ إنِّي أعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المشركين-.
ثمَّ تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربُّ النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع.(33/1387)
قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنةً برمح، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه.
قال أنس: كنَّا نرى -أو نظنّ-: أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا"رواه البخاري.
- وقد يعطي الله تعالى بعض الهبات الربَّانيَّة لمن أحبُّوا ربَّهم بصدق، كإجابة الدعاء، وعلم بعض الأمور التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، مع التأكيد على أنَّ هذه الأمور ليست شرطا، بمعنى ليس كلُّ من صدق الله تعالى فإنَّه حتماً سينال الهبات والكرامات الربانيَّة، بل هي منحةٌ لا يهبها الله إلا لمن يشاء، والأصل في هذه الهبات التي ينالها عبدٌ ما أن تبقى سرًّا بينه وبين خالقه سبحانه لا يعلمها إلا هو، وعلينا الانتباه إلى أنَّ هذه الكرامات حين تبدو يجب أن يتبعها بيان صلاح حال هذا العبد، على نحو ما ذكرنا في النقاط السابقة، لأنَّ من هذه الأمور غير المعتادة ما يظهر من قِبَل بعض المتعاملين مع الجنِّ والشياطين، وحالهم لا يبدو عليه الصلاح، ولذلك عدَّ الإمام ابن قدامة الكتمان من علامات المحبَّة، فقال: "ومنها كتمان الحبّ، واجتناب الدعوى، والتوقِّي من إظهار الوجد والمحبَّة، تعظيماً للمحبوب، وإجلالاً له، وهيبةً وغيرةً على سرِّه، فإنَّ الحبَّ سرٌّ من أسرار الحبيب، وقد يقع المحبُّ في دَهَشٍ وسكر، فيظهر عليه الحبُّ من غير قصد، فهو في ذلك معذور، كما قال بعضهم:
ومن قلبه مع غيره كيف حاله؟....... ومن سرُّه في جفنه كيف يكتمُ؟".
ومن أمثلة تلك الهبات والكرامات الربَّانيَّة:
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقدمه المدينة، ليلة، فقال: "ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة"، قالت: فبينا نحن كذلك، سمعنا خشخشة سلاح –أي صوت سلاح-، فقال: "من هذا؟" قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جاء بك؟" قال: وقع في نفسي خوفٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ نام.رواه البخاري ومسلم.
* ما ورد بإسنادٍ حسنٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجَّه عمر جيشا، وولَّى عليهم رجلاً يدعى "سارية"، فبينما عمر يخطب جعل ينادي: "يا سارية، الجبل!" ثلاثا، ثمَّ قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هُزِمْنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي "يا سارية الجبل" ثلاثا، فأسندنا ظهرنا إلى الجبل، فهزمهم الله.
* عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ربَّ أشعث مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه"رواه مسلم وروى البخاريُّ نحوه.
قال الإمام النوويّ: "(مدفوعٍ بالأبواب) أي لا قدر له عند الناس، فهم يدفعونه عن أبوابهم، ويطردونه عنهم، احتقاراً له، (لو اقسم على الله لأبرَّه) أي لو حلف على وقوع شيءٍ أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته وإن كان حقيراً عند الناس".(33/1388)
ومن هذا ما روي عن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: أصاب الناس قحط، فخرجوا في الصعدات –أي الصحراء- يستسقون، فخرجت في من خرج، فإذا برجلٍ أسود فقير الحال بجانبي يرفع يديه إلى السماء ويقول: "أقسم بالله عليك يا ربِّ أن تسقينا الساعة"، قال ابن المبارك: فما هي إلا لحظات، حتى تلبَّدت السماء بالغيوم، وهطل المطر غزيرا، فلمَّا رأيت ذلك قلت لأتبعنَّ هذا الرجل لأنظر ما حاله، فإذا به متَّجهٌ إلى سوق النخاسة –أي سوق العبيد-، فإذا هو عبدٌ يباع ويُشترى، وإذا بصاحبه قد عرضه للبيع، يقول ابن المبارك: فاشتريته، وأخذته معي، وبينما نحن في الطريق حدَّثته بما رأيت منه، فقال لي: أوَ قد عرفت؟"، قلت: نعم، قال: "فائذن لي أن أصلِّي ركعتين"، قلت: صلّ، فصلَّى ركعتين ثمَّ رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهمَّ إنَّ السرَّ الذي بيني وبينك قد انكشف، فاقبضني إليك الساعة"، قال ابن المبارك: فمات في مكانه!!.
- ومن أحبَّ الله فلا يعصيه، إلا أنَّ العصيان لا ينافي أصل المحبَّة، إنَّما يضادَّ كمالها، فكم من إنسانٍ يحبُّ الصحَّة، ويأكل ما يضرَّه، وسببه أنَّ المعرفة قد تضعف، والشهوة قد تغلب، فيعجز عن القيام بحقِّ المحبَّة، ويدلُّ على ذلك حديث نعمان أنَّه كان يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدَّه (أي يقيم عليه الحدّ) إلى أن أُتي به يوما، فحدَّه، فلعنه رجلٌ وقال: ما أكثر ما يؤتى به!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنه، فإنَّه يحبُّ الله ورسوله"رواه البخاري، فلم تخرجه المعصية عن المحبَّة، وإنَّما تخرجه عن كمال المحبَّة.
أختي الكريمة،
هذه بعض النقولات التي جمعتها لك من عدَّة كتب، وأبرز ملاحظةٍ لاحظتها في علامات حبِّ الله تعالى للعبد أنَّ فيها الكثير من الأفعال الإنسانيَّة التعامليَّة، التي ترتبط بالمجتمع والناس وحياتهم وسلوكهم، وما ذلك إلا للتأكيد على أنَّ الأمر ليس مرتبطاً بعلاقة العبد بربِّه سبحانه فقط، بل جزءٌ منه حسن التعامل مع خلقه سبحانه وتعالى.
أسأل الله تعالى أن تنفعك هذه النقولات في إيمانك وأهلاً بك.
ـــــــــــــــــــ
الطاعة.. طلبا للدنيا أم إرضاءً لله ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
الإخوة الأحباب في إسلام أون لاين سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، إخواني الأفاضل قد يكون سؤالي غريبا وقد يكون أسلوبي مشتتا لتشتت أفكاري، بل قد أكون أضع سؤالي في المكان الخطأ، ولكن أرجو الصبر علىّ والدعاء ليَ . إخواني الأحباب. سؤالي حول النية في أعمالي، وذلك أن كثيرا من الأعمال الصالحة ذكر فيها القرآن أو الأحاديث فوائد دنيوية ومنافع تتحقق في الحياة الدنيا، وقد أجد نفسي استغفر الله لأني أريد الخلاص من مشكلة معينة أو ورطة ما، أو أجد نفسي أغض بصري من أجل أن يرزقني الله الزوجة الصالحة، أو أحافظ على وردى حتى يرزقني الله القبول في قلوب الناس عامة والمدعوين خاصة، وهكذا في أعمال كثيرة إيمانية ودعوية دائما يذهب فكرى إلى العاجلة والأجر الدنيوي . ومن أشد الأمثلة(33/1389)
على نفسي، أني عندما أردت خطبة إحدى الأخوات كنت أستشعر عفة عجيبة لم أعهدها من نفسي قبل ذلك، فلما لم يقدّر الله الأمر عدت ناكصا على عقبىّ إلى كثير من الذنوب المتعلقة بالشهوة، فأصبحت كالتي نقضت غزلها، فهل يحبط عملي بهذه النوايا الدنيوية؟، وهل حبطت عفتي في فترة الخطبة هذه؟ وكيف أقوى في قلبي استشعار السعي إلى الآخرة (رجاء وسائل عملية) و جزاكم الله ألف خير. ملحوظة: كنت قد وضعت سؤالي في صفحة استشارات دعوي فدلوني على صفحتكم وسعدت جدا عندما وجدت إمكانية الإرسال إليكم ولم يصدمني ( العداد) كعادة إسلام أون لاين! ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة منى عبد الهادي هاشم عضو فريق الاستشارات:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد :
السائل الكريم/
جزاك الله خيراً علي صدقك مع نفسك، وحرصك على تقوية إيمانك، وإخلاصك لربك الذي هو مطلع على قلبك، فهو يعلم السر وأخفى.. أما عن سؤالك أخي الكريم :
فإنه كثيرا ما يعرض للإنسان مثل تلك الأفكار التي عرضت لك، غير أن المؤمن الحق دائما يجاهد نفسه وينقي مقصده ويخلص نيته ويتوجه لله بعمله بين الخوف والرجاء، طامعاً أن يتقبل الله منه عمله وأن يسلم من تلبيس إبليس اللعين ومن مدافعة نفسه التي بين جنبيه، جاعلاً "رضا الله عز وجل" أسمى مطالبه، سائلاً الله تعالى أن يصلح دينه الذي هو عصمة أمره، ودنياه التي فيها معاشه، وآخرته التي إليها ميعاده .
ولعل من المناسب – أخي الكريم- أن نتعامل مع سؤالك من خلال العناصر التالية :
1. "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.."
2. طلب الدنيا بعمل الآخرة : هل يحبط العمل؟!
3. وسائل عملية "للسعي للآخرة"
أولاً: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.."
إن من عظمة دين الإسلام أنه دين واقعي يتعامل مع البشر ويرتفع بنفوسهم، ولكنه في الوقت ذاته لا يتجاهل بشريتهم، فالإسلام يدرك حاجة الناس للمأكل والمشرب والراحة وغير ذلك من متطلبات الفطرة، فأحل الإسلام للناس الطيبات وحرم عليهم الخبائث، فأباح للناس الطيب من المأكل والمشرب والزينة والملذات، قال تعالى :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه ِالَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} (الأعراف: 32) .
وإذا تأملنا القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة لرأينا كيف أن الإسلام يدرك طبيعة البشر وحاجاتهم، ومن ثم دعا الإسلام الناس للعمل على صلاح الدنيا والآخرة، ومن الإعجاز القرآني البليغ أن كلمة "دنيا" وردت في القرآن 115 مرة وكلمة "آخرة"(33/1390)
وردت أيضاً 115 مرة ، وذلك يوحي بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام دين جاء لصلاح الدنيا والآخرة معاً وأنه دين جاء للبشر لا للملائكة المكرمين .
وفي السنة المطهرة نقرأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أناساً من أصحابه عن العزوف عن متطلبات النفس البشرية من أكل ونوم وإتيان شهوة، فقد روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه أن نفرا من أصحاب رسول صلي الله عليه وسلم، قال بعضهم لا أتزوج، وقال بعضهم أصلي ولا أنام، وقال بعضهم أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
إن المسلم يحرص على صلاح الآخرة ولكنه لا ينسى نصيبه من الدنيا جاعلاً نصب عينيه النصح القرآني { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..} (القصص: 77) .
يقول صاحب ظلال القرآن- الشهيد سيد قطب- : "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.." في هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم، المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة، بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها، لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقها، ولا ينشغلون بالمتاع عن تكاليفها، والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه وانتفاع بها، فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها بالحسنى، وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعة المتعادلة التي لا حرمان فيها ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة .
أخي الكريم/
إن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمه على عباده وأنهم يقلبون عطاياه ويسعدون بها شاكرين مخبتين له سبحانه وتعالى، وهذا في حد ذاته – كما أوضح صاحب الظلال- طاعة من الطاعات يجزي الله عليها بالحسنى، فلا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك، واحرص على صلاح دينك ودنياك، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة فهي الباقية، فحول عادتك وأعمالك الدنيوية إلى عبادات بصلاح نيتك وابتغاء مرضاة ربك والتزامك بشرع الله القويم.
ثانيا : طلب الدنيا بعمل الآخرة : هل يحبط العمل؟!
إن استغفارك – أخي السائل– تريد الخلوص من مشكلة معينة أو لتفريج كربة فهذا لن يحبط عملك بإذن الله طالما أنك بعيد عن الرياء و تخلص عملك لله عز وجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب". (سنن أبي داوود)(33/1391)
وفي القرآن الكريم نجد أن الاستغفار ذكر كسبب لنزول الغيث وسعة الرزق وكثرة الأولاد ، قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا. ...} (نوح: 10-12)
فهون عليك أخي الكريم فإن عملك لن يحبط بإذن الله عز وجل طالما أنه خالصاً لوجه الله تعالى، فإن الإسلام دائما يربط بين أعمال عبادية وتحصيل مصالح دنيوية، وذلك لا يعني أن الثواب من تلك العبادات سيضيع أو يذهب هباءً، ألا ترى أن هناك صلاة تسمى صلاة الحاجة يتوجه بها العبد لله عز وجل لقضاء حاجة دنيوية، وألا ترى أن كثيراً من الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضمن مطالب لقضاء حوائج دنيوية ومع ذلك فالدعاء "هو مخ العبادة" حتى وإن كان دعاءً لمصلحة أو حاجة دنيوية...
وتأمل مع أخي الكريم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه..." (صحيح البخاري) فصلة الأرحام من أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد لربه عز وجل ، ومع ذلك فقد ربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصالح دنيوية مراعاة لطبيعة البشر وفطرتهم.
وفي حديث نبوي أخر يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دواء فريد لأسقامنا فيقول : "داووا مرضاكم بالصدقة..." أليست الصدقة برهان على إيمان العبد وهي تطفئ غضب الرب وينال العبد من خلالها منزلة عظيمة طالما أنها خالصة لوجه الله الكريم وخالية من الرياء والمن والأذى..
غير أن العبد يجب أن يجعل مرضاة الله تعالى أكبر همه وأن يبتغي بعمله الدار الآخرة وسيصلح الله بفضله شأنه ويلم شمله ويصلح له أمر دنياه ويقضي له حوائجه.
أخي الكريم.. جاهد نفسك وشيطانك حينما تقرأ وردك اليومي أو تغض بصرك عما حرم الله أو تقوم بأي عمل إيماني ، وأخلص قصدك لله ولا تجعل الدنيا هي أكبر همك بل اجعل الآخرة ومرضاة الله غايتك الأولى ودائما جدد نيتك وقوي عزائمك حتى لا يلبس عليك الشيطان أعمالك ويخلط عليك أولوياتك ، ودائما سل الله عز وجل أن يرزقك حسن القصد وإخلاص النية ونقاء السريرة وقبول الأعمال وحسن الخاتمة.. وتوجه إلى الله بالدعاء بألا يجعل الدنيا أكبر همك ولا مبلغ علمك وأن يجعلها في يدك لا في قلبك.
إن ما حدث منك أثناء مشروع الخطبة التي لم يقدر الله له التمام من غض للبصر عما حرم الله هو مطلوب منك في جميع الأوقات ، فالمسلم مطالب بغض البصر لأن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس والقرآن الكريم يأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، من ثم فلا يجوز بحال من الأحوال أن تتمسك بتلك الفضيلة في وقت ما وتتخلى عنها في وقت آخر فهذا لا يليق بمسلم ، ولذا فعليك أن تستغفر الله تعالى وتعزم على التخلي عن جميع الآثام الذنوب – صغيرة كانت أم كبيرة– واعلم أنه لا صغيرة مع إصرار، فالإصرار على الصغائر يحولها إلى كبائر ولا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر لعظمة من تعصاه... وليتك تسارع بالزواج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ويبعدك عن المعصية بإذن الله تعالي.(33/1392)
ثالثاُ: وسائل عملية "للسعي للآخرة"
وفيما يلي بعض الوسائل العملية التي تعينك على السعي للآخرة والتقرب إلى الله عز وجل:
1. التوبة والرجوع إلي الله دائما والعزم على عدم العودة للذنب، فإن دوام التوبة توقظ المرء من غفلة الدنيا وترجعه إلي الطاعة والصراط المستقيم.
2. تذكر الموت، فالموت أكبر واعظ، والمرء مهما عاش فلابد من لقاء الله، وصدق من قال :
اعمل لدار غدا رضوان خازنها ... والجار أحمد والرحمن بانيها
أرض لها ذهب والمسك طينتها ... والزعفران حشيش نابت فيها
3. عليك بحسن الخلق، فالدين المعاملة، وتصدق لأجل الله، وأمط الأذى عن الطريق، وابتسم في وجه الفقراء، وخالق الناس بخلق حسن تكن قريباً للحبيب محمد صلي الله عليه وسلم يوم القيامة.
4. المداومة على قراءة القرآن ومعرفة تفسيره فإن هذا يساعد على تدبر معانيه، واجعل لسانك دائما رطباً بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5. التقرب إلى الله بالنوافل كقيام الليل الذي هو شرف المؤمن، وصلاة الضحى وباقي السنن والإكثار من صيام النوافل.
6. زيارة المقابر و اتباع الجنائز، فهذا يرقق قلبك ويدفع بك إلى السعي للآخرة.
والله ولي التوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــ
عيناي لم تعودا تدمعان خشيةً.. كيف أسترِدُّ إيمانياتي؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا طالبة جامعية، في فترة من الفترات كنت أشعر بإيمان عميق في داخلي، كنت أشعر بخشوع شديد في صلاتي وقراءتي للقرآن تصل إلى حد البكاء، ولكن هذا الشعور تغير، أرغب في استرداده، ولكن لا أعرف كيف، مع إنني الآن مواظبة على صلواتي، وأيضا صلوات النوافل وقراءتي للقرآن والأدعية، فأرجو منكم المشورة . ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة،
اسمحي لي بدايةً أن أطمئنك بأن ما تشعرين به هو شعورٌ طبيعيٌّ ينتاب الإنسان، مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وروى الترمذي نحوه وقال: حسن صحيح غريب.(33/1393)
والحمد لله أن فتورك جاء وفق سنته صلى الله عليه وسلم، فأنتِ ما زلتِ – ما شاء الله- محافظةً على الفرائض والنوافل والطاعات والذكر، فلا تقلقي كثيراً لما ترَيْن، فهي حالةٌ طبيعيةٌ تجتاح النفس البشرية وتأخذ وقتها وتمضي إن شاء الله، وستعودين بمشيئته تعالى إلى أفضل مما كنت، بشرط الحفاظ على ما تقومين به من طاعات وعدم الاستسلام لليأس، هذه النقطة الأولى.
أما النقطة الثانية فهي : أظن – أيضاً- أن من أسباب هذا التغير الذي تشعرين به تطورات طرأت في حياتك؛ انشغالات.. مشكلات.. دراسة.. التزامات عائلية. ... وما إلى ذلك، فعليك النظر فيما استجدَّ في حياتك وشغلك، وبالتالي قلَّل من تركيزك في طاعاتك، فأثر على شعورك بلذة هذه الطاعات، انظري في هذه المستجدات، حاولي أن تضعيها في حيزها الطبيعي، لا تجعليها تتملك كل تفكيرك ووقتك، وبذلك تستطيعين العودة لتركيزك وخشوعك.
نقطةٌ ثالثةٌ تحدثتُ عنها مراراً وتكراراً في الاستشارات، لا أدري يا أختي لماذا تسلَّل إلى نفوسنا من غير أن نشعر مفهوم النصارى للدين، أو منطق العلمانية في التعامل معه، فغدا ديننا – بحسب مفهوم النصارى – مجموعة صلوات وعبادات وطاعات، ولم يتعدَّ ذلك إلى سلوك ومعاملة وفعل، وأصبحنا – بحسب المنطق العلماني– نقسم حياتنا إلى قسمين: قسم لربنا سبحانه متمثلاً في هذه العبادات والطاعات، وقسم لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء!
الناظر لإسلامنا المدقق فيه، يجد كل ذلك مخالفًا لأسسه وقواعده التي بني عليها، عندما يصف ربنا سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنك لعلى خلق عظيم"، "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ويحثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بفعله على حسن الخلق، كما وصفه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً، وإنه كان يقول إن خياركم أحاسنكم أخلاقا" رواه البخاري.
عندما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الرائع حقاً: "تبسمك في وجه أخيك صدقة لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة" رواه الترمذي وقال: حسن غريب، ورواه ابن حبان في صحيحه.
وعندما يحكي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخذه فشكر الله له فغفر له" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وعندما يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسماحة: "رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى" رواه البخاري وابن ماجه، ويصف المنافق بـ "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"رواه أحمد والبخاري ومسلم.
كل هذا الكم من الأوامر والفضائل "المعاملاتية" هل هي لمجرد العلم، أم هي للممارسة أيضًا؟ وهل لها –إذا ما طبقناها- علاقة بزيادة الإيمان في قلوبنا أم لا؟ لو كانت ليست لها علاقة بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟(33/1394)
أختي الكريمة؛
هذه مشكلة كبرى نحيا فيها.. الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة، خذي زادك الإيماني من هذه المعاملات.. ابتسمي في وجوه الناس تزدادي إيمانًا ، أميطي الأذى عن الطريق، وتذكري أن من فعل ذلك وشكر الله غفر الله له، فاشكري الله، واستشعري مغفرة الله لك، عاملي الناس بخلق حسن تكوني بجوار نبيك صلى الله عليه وسلم، كوني سمحةً سهلةً لينةً مع الناس يرتفع إيمانك، تقربي إلى الله بالمعاملة كما تقربت إليه بالطاعة.. أتقني عملك، التزمي في مواعيدك التي تعدين بها.
ولسفيان الثوري رحمه الله قولة جميلة في ذلك: " الكذب منازل، فأعلاها، وأكثرها ضرراً: إخلاف المواعيد"، فلا تستهيني يرحمك الله بكل ما يتعلق بمجتمعك، كوني فرداً نافعاً عاملاً فعالاً فيه، واشتركي في مؤسساته وفعالياته بقوة، وافعلي كل ذلك إرضاءً لله تعالى، واستشعري ذلك الإرضاء بقلبك، كوني طالبةً مجتهدةً، شاركي في الأنشطة الجامعية بأشكالها، ساهمي في المعارض والمؤتمرات والمنتديات، وعندئذ لن تحسي بالتراجع الإيماني، وسيكون ذلك -أيضاً- وسيلةً لزيادة الإيمان.
نقطةٌ رابعةٌ أخيرةٌ أنصحك بها أختي الكريمة: لكل إنسانٍ بعض الطاعات المحببة له في التقرب لله تعالى، أعمالٌ يحبها أكثر من غيرها، ويشعر من خلالها بالقرب من الله أكثر من أعمالٍ أخرى، وتختلف هذه الطاعات من شخصٍ لآخر، كلٌّ حسب نفسيته وطبيعته وفطرته، وأما وأنت في هذه الحالة من الإحساس بالتراجع الإيمانيّ، فأنصحك بالإكثار من الأعمال التي تشعرك بقربك من الله عز وجلّ، إن كانت قراءة القرآن فأكثري من قراءته وفضليها على غيرها من النوافل والطاعات، وإن كانت في قيام الليل فالتزمي ببرنامجٍ مكثفٍ من قيام الليل زائدٍ عن الحد الطبيعي الذي كنت تقومين به، وإن كان السجود فاستزيدي منه وأطيلي، وإن كان التصدق فأنفقي حتى لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك، وهكذا.. أكثري من الأعمال المحببة إليك، والتي تزيدك قرباً من الله عز وجلّ، واسأليه سبحانه أن يعيد السكينة والهدوء إلى قلبك، وأن يرجع إليك العين التي لا تمسها النار "عينٌ بكت من خشية الله".
افعلي كلَّ ما سبق.. وبشِّريني بالأخبار والتطورات.. ولا تنسيني من دعواتك من فضلك.
ـــــــــــــــــــ
حديث النفس.. وكلام في النيات ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم أخوتي في هذا الموقع المبارك، وبعد، أرغب بالسؤال عن كيفيَّة التفريق بين حديث النفس، وبين الكلام الصادر عن قلبي، أي كيف أعرف أنَّ هذا الكلام مثلاً حديث نفس، أو أنَّه أصبح جزءاً من عقيدتي؟ وأريد تفسيراً عن النيَّة وأحوالها. وبارك الله فيكم. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح:(33/1395)
أخي خالد،
اللهَ أسأل أن يثبَّت قلوبنا على دينه، وأن يجنِّبنا الفتن والوساوس، ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيننا على أنفسنا، وأن يجعل نفوسنا مطمئنَّةً بذكر الله، مسلِّمةً بوحدانيَّته، آمنةً برسالة رسوله الأعظم محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
أمَّا حديث النفس فهو عبارةٌ عن خواطر ووساوس وهواجس تمرُّ على فكر المرء، وقد تأخذ أشكالاً وصوراً عديدة، كالاعتراض على القضاء والقدر، أو عدم الرضا بما قسم الله به، أو الإشراك بالله، أو غير ذلك من الخواطر السيِّئة التي تحرِّض عليها النفس.
وعلى المسلم أن يدفع هذه الهواجس بما في قلبه من إيمانٍ بالله تعالى، قال تعالى "ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب".
وإذا أحسَّ المرء أنَّ هذه الوساوس قد ترسَّخت واستقرَّت في قلبه، فإنَّ ذلك مكمن الخطر، الأمر الذي يستوجب أن يراجع نفسه، وأن يعيد فتح صفحةٍ جديدةٍ مع الله تعالى، وأن يعمِّق في نفسه عقيدة التوحيد.
فحديث النفس يبقى كلاماً صادراً من القلب، لا حساب عليه طالما هو في النفس، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلَّم"رواه البخاريُّ ومسلم.
أمَّا حين يتحوَّل إلى جزءٍ من عقيدتك حين تقتنع به، وتحسُّ به داخلك، ويوصلك إلى الشكِّ الحقيقيِّ وزعزعة العقيدة، وقد يؤدِّي بك إلى التقاعس عن العبادات والطاعات، فهنا يكون الحساب والعقاب.
أمَّا النيَّة، فيقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعمال بالنيَّة، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأةٍ يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"متَّفقٌ عليه.
فالنيَّة لابدَّ أن يُقصَد بها وجه الله تعالى، والنيَّة وحدها لا تكفي لقبول العمل، وإنَّما ينبغي أن يتوفَّر في العمل: النيَّة الصادقة المخلصة، والعمل وفق الكتاب والسنَّة.
وإذا أراد المسلم أن يقوم بعملٍ ما عليه أن يذكِّر نفسه، ويحدِّد مقصده وهدفه -وهذا ما يُعرَف بتجديد النيَّة-.
وليعلم المسلم أنَّ الله لا يقبل العمل إلا بالصدق والإخلاص، وإذا اعترى المسلم أيَّة شبهةٍ في العمل الذي يقوم به، فعليه أن يدرِّب نفسه، فإذا كان يزور الناس من أجل الرياء وكسب رضاهم، فعليه ان يدرِّب نفسه، ويزور الفقراء ومن ليسوا من علية القوم ومن لا يرتبط معهم بمصالح، وإذا كان يصلِّي من أجل الناس، فعليه أن يجدِّد النيَّة ويدرِّب نفسه على الصلاة والناس نيام، وإذا كان يخطب في الناس، وشاب خطبته الأولى دَخَنٌ أو مراءاة، فعليه أن يجاهد نفسه في المرَّة الثانية أن يخلص لله، وأن يحاسب نفسه بعد العمل، ليعرف أوجه القصور والخطأ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم"رواه مسلم.
والإخلاص هو روح العبادة، وعنوان السعادة، وسبب النجاة في الحال والمآل، والإخلاص لله شرطٌ في قبول الطاعات.(33/1396)
وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميَّة، ويقاتل رياء، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"رواه البخاريُّ ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به"رواه البخاريُّ ومسلم.
ومعنى الحديث: من أظهر عمله للناس رياءً أظهر الله نيَّته الفاسدة في يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأشهاد.
ـــــــــــــــــــ
حرمان حلاوة الطاعة..حائرة لا تعرف السبب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم، حضرة المختصين الأفاضل، حفظكم الله، وبعد: أشعر منذ فترة طويلة أنني لست كسابق عهدي في الشعور بحلاوة الطاعات، وروعة الأنس بالله سبحانه وتعالى، وأشعر بفقداني لكل ما كنت أتمتع به من هذا العطاء الذي ليس بعده عطاء، وهو كما ذكرت حلاوة العبادة والأنس به جل شأنه. إن هذا الأمر يحزنني جدا، وأكثر من ذلك أنني متخوفة على نفسي، فأتساءل في داخلي: ماذا عساه ربي عز وجل يريد بي؟، وما حكمته يا ترى؟، وأول أمر مهم أعود إليه هو محاسبة نفسي على فقداني لتلك النعم؛ فأنا أعلم أن العبد عندما يفقد نعمة فإن ذلك يكون بسبب ذنب ما، فأبحث وأبحث فلا أجد ما أبحث حوله "طبعا لا أزكي نفسي". وحتى أوضح الصورة لحضرتكم فكلنا خطاءون، ولكن ولله الحمد دائما أبحث عن رضا الله عز وجل، إنني حزينة للغاية لفقداني لأروع وأغلى جلسة كنت أجلسها عندما أخلو بربي عز وجل، وأتذلل بين يديه الكريمتين وأدعوه أو أقرأ القرآن الكريم. حتى الصلاة كنت عندما يحين وقتها أذهب إليها مستبشرة وفرحة، وفي نفس الوقت كانت تنتابني حالة من الرهبة لمجرد شعوري أنني سأقف بين يديه جل شأنه، والله إنني كنت أحيانا أرتجف خوفا وهيبة من جلاله وأنا في الصلاة، وكنت أنتظر الصلاة بشوق وسعادة، وقيام الليل كنت أشعر بقمة حلاوته، والآن عندما أقوم الليل أقومه وكأني أحمل جبلا على ظهري وبين كتفي. يبدو أنني سأطيل على حضراتكم، عموما سأكتفي بهذا التوضيح، لعلي بإذن الله تعالى، أجد الجواب الشافي عندكم، وإنني لأرجو من الله السميع القريب المجيب أن يلهمكم ذلك لي ولكل سائل عن حاجته. وللعلم، فإنني قد أرسلت استفساري هذا لأحد مواقع الفتوى فكان من ضمن إجابته حول أسباب فقداني لهذه النعم التي كنت فيها "وجودكِ في بلاد الكفر"، وأنا صراحة أتسائل وبدهشة: ما ذنب إنسان يعيش في بلاد الكفر أن يسلبه الله عز وجل حلاوة طاعته، خاصة أن ذلك الإنسان يحاول بكل جهده أن يكون قدوة حسنة لغيره من غير المسلمين هنالك ويحاول بل ويرجو من الله أن يهدي بعضهم على يده؟ أهذا ذنب حقا عليه لمجرد وجوده هنالك؟ صدقوني إنني وبحكم وجودي في بلاد الكفر لا أرى أن ذلك سببا لضعف إيمان المسلم أو بعده عن الله عز وجل، إنني أقول وبكل صدق أشعر بقربي(33/1397)
من الله عز وجل وبالتزامي أكثر من وجودي في بلادي، طبعا هذا حالي، وربما يكون هذا الشعور خاصا بي، ولكن يبدو لي وبوضوح تام أن إيمان العبد وخشيته من الله ليس لها أي علاقة بأي مكان يعيش؛ فالله عز وجل موجود أينما نكون وهو يرانا ويسمعنا ويعلم بأحوالنا أينما قدر لنا العيش، وأرجو منه تعالى أن يوفقكم ويسددكم وينير بصائركم، والسلام عليكم. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ مكرم ربيع من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الكريمة /نورا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أحييك على هذه الرسالة الجميلة التي تمس القلوب، وهي تعبر عن حال الكثير من الناس الذين يريدون أن يشعروا بحلاوة الطاعة والعبادة وبروعة الأنس بالله سبحانه وتعالى، وأود أن أقول لك بأن إحساسك هذا يا أختي يدل على الإيمان؛ فالمؤمن يلوم نفسه ويؤنبها على تقصيرها في حق الله عز وجل، وشعورك هذا ظاهرة صحية.
ونبدأ بموضوع الحكمة لما حدث معك، فإن الإنسان إذا حدث له ما يجعله يقصر في طاعة الله أحس بغيره من الناس والتمس لهم الأعذار، وسأروي لك موقفا حدث معي: وهو أنني كنت في المسجد يوما ويجلس معي صديق لي، ودخل رجل بعد انتهاء الصلاة، فقال صديقي: لماذا تأخر فلان هذا عن صلاة الجماعة؟ فقلت له : ربما كان عنده عذر. فقال صديقي: وأي عذر هذا يمنعه عن الصلاة في وقتها؟ فقلت: وما يدريك؛ فالأعذار كثيرة.
وسبحان الله في نفس اليوم، وفي الصلاة التي تلت هذه الصلاة تأخر صديقي عن الجماعة؛ فقلت له ما أخرك عن الصلاة؟ فقال لي عذر، وحدث ذلك حتى أعذر الناس ولا ألومهم.
فربما ابتلي الإنسان بتقصير حتى لا يرى نفسه فوق البشر؛ وحتى يعذر الناس على تقصيرهم، ويساعد نفسه وغيره دائما على الارتقاء في طاعة الله عز وجل؛ وحتى لا يغتر بطاعته ويعلم أن الطاعة بتوفيق الله عز وجل وليس من نفسه.
الأمر الثاني الفرح والاستبشار من أجل الصلاة والرهبة والخشوع فيها، فإن الصلاة صلة بين العبد وربه، ولكن إذا تحولت إلى عادة يؤديها الإنسان في أوقاتها الخمسة أحس الإنسان بثقلها على نفسه وفقد حلاوتها، والإنسان لا بد ألا يحول العادة إلى عبادة بتجديد النية قبل كل صلاة.
وعلى المسلم أن يتذكر حال رسول الله في الصلاة وحال الصحابة والسلف الصالح، وكثيرا ما أقف عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا بلال رضي الله عنه: "أرحنا بها يا بلال"، فكيف يرتاح المسلم بها وليس منها؟
وأتذكر دائما حاتم الأصم عند دخوله في الصلاة، وأن الكعبة تكون أمامه، والجنة عن يمينه والنار عن يساره، وملك الموت خلفه، وبعد ذلك لا يعرف أقبلت صلاته أم لا.(33/1398)
أين نحن من معنى الراحة بالصلاة، ومن حاتم الأصم في صلاته؛ فما أجمل القرب من الله، وأجمل الخشوع في الصلاة والإحساس أنك فعلا تصلي.
وأحب أن أشير إلى شيء ربما وقعت فيه، وهو تكليف نفسك بما لا تطيقين من العبادات والطاعات، وقد سُئِلَ النبي كما روت السيدة عائشة صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ عن أَيُّ الأعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ قَالَ أَدْوَمُهَا وَاِنْ قَلَّ، وَقَالَ اكْلَفُوا مِنْ الأعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، وكَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عَليه وسلم كما روت السيدة عائشة أيضا الذي يدوم عَليه صاحبه.
انظري، إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فهل تدومين على عمل وإن قل خير أم تثقلين على نفسك بضعة أيام ثم تنقطعين؟
لكن -أختاه- أين الصحبة الطيبة في حياتك؟ لم تحدثيني عن هذه الصحبة، سواء في بلدك أو في غربتك؛ فأين الصحبة التي تصحبك إلى الخير، وتقف بجوارك إذا تعثرت في طريق الإيمان، وتعينك على طاعة الله، ولا تجعل الشيطان يستحوذ عليك؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان كل واحد منهما نعم الأخ لأخيه؛ فأين الأخوة في حياتك؟ فالأخوة سياج للمرء من الوقوع في المعصية، ومعين على الطاعة.
واعلمي يا أختاه أن الإيمان يزيد وينقص، والإنسان لا يستطيع أن يسير على وتيرة واحدة، فسددي وقاربي، واسألي الله الثبات على الإيمان، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله الثبات على الدين، وأن يقلب الله قلبه على طاعته.
وأخيرا أنصحك بعدة أمور:
1- عليك بالصحبة الطيبة التي تعينك على طاعة الله.
2- استحضار عظمة الله دائما في قلبك، وعند الصلاة؛ لتعينك على الخشوع في الصلاة.
3- عدم التكليف بما لا تطيقين؛ حتى لا تصابين بالسأم.
4- الترويح عن النفس في طاعة الله عز وجل يجدد نشاطك ويعطيك دافعا للاستمرار في الطاعة.
وأذكرك أختي بقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}، وبقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}، نسأل الله الاستقامة على طاعته، وأن نكون من الذين اهتدوا فزادهم هدى، ونسأل الله الثبات على الطاعة، ونسأله سبحانه حسن الخاتمة.
ويضيف مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
الأخت الفاضلة ؛
جزاك الله تعالى خيرا على هذه الروح ، وإن استحضارك لهذه الروح يعني أنها ستعود إليك يوما ، وإن ربنا أكرم الأكرمين ، إنه لا يرد من سأله في شئون الدنيا ، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم ، فكيف بمن يتمنى أن يكون أحسن حالا في طاعته لله سبحانه وتعالى ؟!(33/1399)
وإني أستحضر في استشارتك قوله تعالى :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، فالله تعالى لا يغير ما بحال العبد من الطاعة إلى المعصية ، ومن لذة الوقوف بين يديه إلى أن يكون محروما من هذا النعيم الرباني، إلا إذا أتى ما يستوجب حرمانه من هذا الخير ، حتى يستشعر ما كان فيه من النعمة ، فإنه لا يشعر بالنعمة إلا من فقدها ، ولو إلى حين.
وهذا يجرني إلى أن تراجعي مع نفسك معنى المعصية ، فكثير منا يعصي ، ولا يحسب نفسه عاصيا ، أو أنه لا يتذكر المعصية التي ارتكبها .
وقد حكى لي بعض الناس أن شخصا قد رزقه الله تعالى سنة قيام الليل ، حتى جلس مع صديق له ، فتكلما في شئون الناس ، وجر الحديث أن تحدثوا عن بعض الأشخاص،واغتابوهم ، فإذا بهذا الشخص يحرم نعمة قيام الليل ، وتعجب لم حرم ، إنه لم يأت معصية – كما تصورت أنت -، ولكنه تذكر أنه جلس ، فاغتاب الناس ، فرفع عنه هذا الخير بما كسبت يداه ، كما قال تعالى ، "بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ، ففتشي في نفسك بما اقترفت من إثم ، فستجدين أنك وقعت في شيء محظور.
ولا يعني هذا أن تجددي العهد مع الله تعالى ، فالله تعالى يقبل عودة الإنسان من الكفر إلى الإيمان، فكيف لا يقبل توبة العصاة من المؤمنين ، وهو سبحانه القائل " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده " ، وقد أخبر عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم " إن الله يبسط يده بالليل ؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ".
وأنا معك أن الغرب في ذاته ليس سببا في فساد الإنسان ، فكم من الناس تعيش في الغرب محافظة على إيمانها، وقد رأيت بعيني الجو الإيماني الذي يعيشه المسلمون في كنف المراكز الإسلامية ، ورأيت في ذات الوقت كيف يؤثر المجتمع إن لم يكن فيه ما يساعد المرء على طاعة الله تعالى ، وهنا يتداخل تأثير البيئة مع العوامل الإنسانية الأخرى ، وربما يجد الإنسان فرصة في الحفاظ على الإيمان في بلد ربما لا تعد من ديار الإسلام ، والمسلم مطالب بأن يحافظ على دينه بعيدا عن طبيعة الوقت والزمان .
فاجلسي مع نفسك ، وفتشي فيها جيدا، واعرفي سبب حرمانك هذا الخير، وأصلحي نفسك ، فإن الله تعالى سيعيد إليك ما حرمت ، إنه سبحانه أكرم الأكرمين .
ـــــــــــــــــــ
الإخلاص والاستعاذة علاج للرياء والوسوسة ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
لدي مشكلتان أريد الاستفسار عنهما، أولهما : أنني أحس أنني بالريبة في كل شيء، حتى في خدمة أمي، ولكنني استمعت مؤخرا لمحاضرة عن الرياء، وأصبحت أخفي أعمالي قدر المستطاع، و لكنني أحيانا أحس أن هذه الأفكار تسيطر علي، ولا أستطيع أن أخلص منها، حتى وإن كانت أعمالي خفية وتمنعني أحيانا من فعل بعض الأمور مع أنني أريد فعلها، ولكنني أخاف الرياء . المشكلة الثانية: أن عندي وساوس في الوضوء، وكثيرا ما أعيد صلاتي، بل ويمكن أن أعيد الصلاة لخمس أو ست مرات، كما أشك أحيانا أشك أنني على جنابة. أريد أن أعرف ماذا أفعل ؟ وأحيانا أخدم أمي حتى تحبني أكثر من إخوتي، و لكنني أحاول أن أبعد هذا الإحساس عني،(33/1400)
وأقول إن هذا واجب عليّ، وإنني أريد الجنة، وأبحث عن رضاء ربي، ولذلك أخدمها، وأجاهد نفسي كثيرا، أرجو الإفادة. و جزاكم الله كل خير. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول أ. رمضان فوزي الباحث بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة:
أختنا في الله / نور
أهلا وسهلا بك، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من عباده المخلصين..
أبدأ معك أختي بقاعدتين تدور في فلكهما الإجابة على استفسارك عن الرياء وهما :-
قول ابن عطاء الله: "ربما فتح لك باب الطاعة ولم يفتح لك باب القبول".
وقول الفضيل بن عياض: "العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
فخوفك من الرياء والهرب منه شعور إيجابي يجب أن يكون لدى كل مسلم؛ لأن الرياء يحبط العمل، ويذهب به هباء، كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي : " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك؛ فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك". وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...".
وقد حدد العلماء شرطين أساسيين لا بد من توافرهما حتى يكون العمل متقبلا وهما : الإخلاص في العمل لله، وصحة العمل بموافقته منهج الله ورسوله. ولذلك يكون المؤمن دائما في حذر وخوف من تسلل الشرك أو الرياء إلى عمله فيحبطه.
ولكن هل معنى هذا أن يترك المؤمن العمل خوف الرياء؟، يجيب على ذلك قول الفضيل الذي ذكرناه آنفا؛ فلو أن كل إنسان خاف من الرياء ترك العمل، لما قام أحد بفعل خير على وجه الأرض!، ولكن حال المؤمن دائما أنه يؤدي ما عليه من تكليفات وواجبات، ثم بعد ذلك يكون حاله بين خوف من عدم القبول فيحاول الأخذ بأسباب القبول، ورجاء في رحمة ربه عز وجل؛ حتى يرزقه الله الإخلاص ويعافيه من العمل من أجل الناس وتركه من أجل الناس.
وقد قيل:" إذا علمت أنك مخلص فاعلم أن إخلاصك يحتاج إلى إخلاص". فلا أحد يا أختاه يعلم مدى إخلاصه وهل تقبل الله منه أما لا، ولكن هناك بعض الدلائل التي لو تحققت في الشخص فإنه إن شاء الله يكون من المخلصين :
1- أن يستوي عنده عمل العلن والخفاء؛ فلا ينشط أمام الناس ويتكاسل إذا كان منفردا.
2- - أن يكثر من أعمال السر؛ فلا بد أن يكون بين العبد وربه عمل لم يطلع عليه أحد من الناس.
3- أن يستوي لديه مدح الناس وذمهم؛ ذلك لأنه لا ينظر إلا لله عز وجل في عمله.
4- أن يشعر بسعادة بتفوق الآخرين في أعمالهم، ولا يبخل عليهم بكلمة ثناء وشكر.
5- أن يستشعر أن أي عمل يقوم به إنما هو من توفيق الله عز وجل.
وهناك أيضا بعض النصائح التي تساعد على تحقيق الإخلاص منها :(33/1401)
1- أن يجعل لكل عمل نية حتى وإن كان عملا صغيرا؛ فرب عمل عظيم تحقره نية، ورب عمل صغير تعظمه نية.
2- مراقبة النية وتجديدها أثناء أي عمل؛ حتى لا تحيد نيته فيفسد عمله.
3- أن يستشعر أن أي عمل يقوم به إنما هو من توفيق الله عز وجل.
4- أن يحذر أن يأتيه الرياء من حيث لا يراه الناس؛ بمعنى أنه إذا كان يقوم بعبادة في وقت خلوة فربما تحدثه نفسه بأنه لو رآه الناس الآن لعرفوا مدى إخلاصه.
5- أن يواظب على محاسبة نفسه بعد كل عمل لقياس مدى إخلاصه.
6- أن يدعو الله بعد كل عمل بالقبول، وليعلم أنه ربما فتح الله باب الطاعة ولكن لم يفتح له باب القبول.
7- ألا يغتر بأعماله الصالحة، ويضع نصب عينيه دائما أنه "رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورث عزا واستكبارا " كما قال ابن عطاء الله.
فأوصيك يا أختاه أن تستمري على ما أنت عليه من طاعات وأعمال بر وخير، وألا تعطي الفرصة للشيطان ليثبطك ويوقفك عن عمل الصالحات، و استمري في خدمة والدتك حتى تحبك ويحبك الله ويكون لك الجنة إن شاء الله، ولا تتوقفي عند حبها لك أو لإخوتك فهي أمكم جميعا ومطلوب منكم جميعا خدمتها والقيام على أمرها.
أما بالنسبة للوسوسة في الوضوء والصلاة والعبادة، فهذا يا أختي من وساوس الشيطان التي يحاول بها إفساد عمل المرء؛ فعليك إذا أردت الوضوء أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم عند دخولك إلى الخلاء، ثم أدي أركان الوضوء بترتيبها فإذا انتهيت فلا تفكري في صحة وضوئك من عدمه ما دمت قد أديت أركانه صحيحة.
ثم قفي للصلاة وأنت مستحضرة عظمة الله عز وجل في قلبك، وتخيلي الموقف الذي أنت فيه، وابدئي بتكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، ثم اقرئي سورة الفاتحة؛ فإذا قلت "الحمد لله رب العالمين"، فتخيلي رد العلي القدير "حمدني عبدي"، فإذا قلت "الرحمن الرحيم" فتخيلي أنه يرد عليك "أثنى علي عبدي"، وهكذا .... إلى آخر السورة، ثم اقرئي سورة صغيرة، ثم اركعي، ثم .... وهكذا إلى آخر صلاتك.
فإذا انتهيت منها صحيحة الأركان فاحمدي الله عز وجل ولا تعطي للشيطان فرصة لإفسادها عليك، فإذا شككت في ركن من أركانها فيكفيك أن تبني على ما تتيقني منه، ثم تسجدين سجدتي السهو. ولكن يا أختي إذا كان هذا الوسواس يراودك في كل أعمالك وعجزت عن التغلب عليه؛ فأنصحك باللجوء لطبيب نفسي.
وختاما؛
أسأل الله عز وجل أن يجعل عملك خالصا لوجهه الكريم وألا يجعل فيه لمخلوق حظا، وأن يصرف عنك وساوس الشيطان، وأن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وأن يهدينا وإياك إلى سواء الصراط . وتابعينا بأخبارك ..
ـــــــــــــــــــ
لمحات في إحياء الربَّانية ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، لاشكَّ أنَّ العبد الربانيَّ الذي دعا إليه الإسلام هو ذو صفاتٍ ربانيَّة، تبدأ بالفهم للمنهج والطريق، وتنتهي إلى غايةٍ أسمى وهي ابتغاء مرضاة الله(33/1402)
في كلِّ حركةٍ وسكنةٍ ووجهةٍ وغاية. أتمني وصفاً وتبياناً تعرِّفونني من أين أبدأ ؟ و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة أسماء جبر أبو سيف:
أخي الكريم،
يبدو أنَّك -ما شاء الله- على درجةٍ من الثقافة والعلم رغم دراستك الثانويَّة، فأهنِّئك على جهدك تجاه نفسك.
سأحاول إجابتك بطريقةٍ عمليَّةٍ أكثر، وأترك القراءة النظريَّة -والتي لابدَّ منها- لك:
أوَّلا: اعلم -أخي الفاضل- أنَّ بقاءك وحدك لا يعينك على البداية الصحيحة، ولابدَّ للسائر من مجموعةٍ من المؤمنين يذكِّرونه إذا نسي، ويعلِّمونه إذا جهل، فالكتب وحدها لا تكفي وسط هذه الفتن، فالتزم أوَّلاً مجموعةً من الأصفياء وطلبة العلم من أهل السنَّة المطهَّرة، تجتمعون إلى عالمٍ أو فقيهٍ من أهل السنَّة والجماعة تتدارسون القرآن الكريم وسنَّة النبي عليه الصلاة والسلام، تتآخون في الله ويسند بعضكم بعضا.
أمرٌ آخر يتعلَّق بوحدتك، فأنت أرملٌ، والزواج سكنٌ وصفاء نفس، فتزوَّج فتاةً صالحةً متعلِّمةً مؤمنةً تسكن إليها وتعينك في شؤون دينك ودنياك، فأنت شابٌّ والفتن محيطة، حماك الله ورعاك.
ثانيا: اجتهد في تأديب نفسك وتعليمها فيما يقوِّي سَيْرك إلى الله، ويجعل إيمانك على علمٍ وبصيرة، والكتب المنهجيَّة كلُّها متوفِّرة، وضعها لنا -مجَّاناً- علماؤنا رضي الله عنهم، وقطعوا الصحاري لجمعها كي تكون مطبوعةً وميسورةً بين أيدينا.
واجتهد كذلك في تنويع ثقافتك ليبق تديُّنك على صلةٍ بالعالم الواقعيِّ وتطوُّرات الدنيا.
ثالثا: إنَّ حياة القلب وصحوة المراقبة تدوم بالوِرد اليوميِّ من الذكر والصلاة والتلاوة والقربات المختلفة، ففيها الطمأنينة والتثبيت واليقظة الدائمة، ورقابتك على نفسك تزيد الإيمان وتُنقِّي البصيرة، واحرص يا سيدي على ربط حياتك اليوميَّة بأسماء الله الحسنى وآياته، وأضف عبادةً مهمَّةً يغفل عنها الكثير، وهي التأمُّل والتفكُّر في آيات الله وأحوال الخلق وأحوالك القلبية أنت، فهذا باب يفتح لك آفاقاً لا تخطر على بال.
رابعا: اجتهد في ممارسة الدعوة إلى الله تعالى: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حُمُر النَّعَم"رواه البخاري ومسلم، وهذا يتمثَّل في كلِّ نوعٍ من أنواع الهداية يعيد هذا الإنسان الضائع إلى الطريق السليم، ودعوتك غيرك تعينك على تثبيت إيمانك وتربية سلوكك.
خامسا: شارك المسلمين في همومهم وقضاياهم في بلدك وغير بلدك، فليس أحزن على القلب من نور وجه الشهيد تراه على التلفاز وفي الصور، وليس أجلى للحزن من العمل على تجهيز غازٍ في سبيل الله، وإن كنت لا تقدر فالدَّالُّ على الخير كفاعله، وانصر المظلوم وأطعم الفقير ودلَّ عليه وساعد على رعاية الأيتام، فكلُّ هذا له أثرٌ في النفس والقلب يفوق بعض النوافل. والله تعالى أعلم.
ويضيف الدكتور كمال المصري :(33/1403)
وبنهاية حديث الأستاذة أسماء أكرمها الله تعالى، أرى أنَّه من المناسب أن أضيف أمراً سادساً هو:
سادسا: لا تنسَ إيمان المعاملة وهو ألا نقسِّم حياتنا إلى قسمين: قسمٍ لربِّنا سبحانه متمثِّلاً في هذه العبادات والطاعات، وقسمٍ لدنيانا نعيش فيه كيف نشاء!
فالناظر لإسلامنا المدقِّق فيه، يجد كلَّ ذلك مخالفاً لأسسه وقواعده التي بُنِي عليها، عندما يصف ربُّنا سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: "وإنَّك لعلى خلقٍ عظيم"، " فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم، ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك"، وعندما يحثُّنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بفعله على حسن الخلق، كما وصفه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحِّشا، وإنَّه كان يقول: إنَّ خياركم أحاسنكم أخلاقا"رواه البخاري، وعندما يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الرائع حقّا: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجلَ في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذي، وقال: حسنٌ غريب، ورواه ابن حبَّان في صحيحه، وعندما يحكي صلى الله عليه وسلم: "بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ وجد غصن شوكٍ فأخذه، فشكر الله له، فغفر له"رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وعندما يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالسماحة: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاري وابن ماجه، ويصف المنافق بـ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"رواه أحمد والبخاري ومسلم.
كلُّ هذا الكمِّ من الأوامر والفضائل "المعاملاتيَّة" هل هي لمجرَّد العلم، أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها –إذا ما طبَّقناها- علاقةٌ بزيادة الإيمان في قلوبنا أم لا؟ لو كانت ليست لها علاقة بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟
أخي الكريم،
هذه مشكلةٌ كبرى نحيا فيها.. الدين المعاملة، الدين المعاملة، الدين المعاملة، خذ زادك الإيمانيَّ من هذه المعاملات.. ابتسم في وجوه الناس تزدد إيمانا، أمط الأذى عن الطريق، وتذكَّر من فعل ذلك وشكر الله فغفر الله له، فاشكر الله، واستشعر مغفرة الله لك، عامل الناس بخلق حسنٍ يكن مجلسك بجوار مجلس نبيِّك صلى الله عليه وسلم، كن سمحاً سهلاً ليِّناً مع الناس يرتفع إيمانك، تقرَّب إلى الله بالمعاملة كما تقرَّبت إليه بالطاعة.
ـــــــــــــــــــ
أخي سيئ الخلق.. الصبر أو التربية بالمقاطعة ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ليّ أخ أكبر مني بأربع سنوات، لكنه يعاملنا معاملة سيئة، ويسعى لإثارة المشاكل معنا رغم أننا نبتعد عنه، ونحن لا نعتبره أخا لنا لأنه للأسف بلا قلب أو مشاعر، وأعتقد أن السبب ربما يرجع(33/1404)
إلى كوننا أفضل منه في التعليم وفي فرص العمل، كما أنه يعق أمه، مما جعلها تغضب عليه، وقد قررنا أن نقاطعه، ورغم أن والدنا مازال حيا إلا أن كل بنت من أخواتي تنفق على نفسها. وسؤالي هو: أود أن اعرف هل تجنبنا له صواب أم خطأ ؟، ونحن بمقاطعته نرتكب ذنبا؟! ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخت الفاضلة:مسلمة
زرع الله تعالى الرحمة في قلوب عباده، وسمى نفسه الرحمن الرحيم، فجعل اسمه الرحمن لجميع عباده مؤمنهم وكافرهم، واسمه الرحيم لعباده المؤمنين، وقد خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، فلماذا نعتب على غيرنا قسوتهم ونحن قساة معهم، حتى إنكن تعتبرنه ليسا أخا لكن، ناسيات الرابطة التي جعلها الله تعالى بينكن.
وإنني قبل أن أجيبك – أختي في الله- عن موضوع استشاراتك أود أن أنبهك إلى بعض الحقائق الهامة، ومن أهمها: أن هذا الأخ هو أخوكن، شئتن أم أبيتن، وهو واحد من أسرتكن، ولن تنزعن هذه الصلة أبدا، لأنها ليست منكن، ولكنها من الله تعالى .
كما أنه يجب عليكن أن تبتعدن عن كل ما فيه روح العداء، ولو للمخطئين من أقاربكن، وأن تنزعن القسوة من قلوبكن، وأن تتعاملن معهم على أنهم مرضى يحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية، وأن تحاولن أن تعرفن ما يدور في أذهانهم ورءوسهم، وأن تكن يدا حانية، ولو على قساة القلوب منهم، فقسوته ليست وليدة نفسه، ولكنها – في ظني– وليدة بيئات وأحوال وأحداث تعرض لها.
وليس عندي ما يسعفني في هذا، غير أني أومن أن الإنسان ابن بيئته، فإن وفرنا له البيئة الصالحة، كان صالحا، وإلا فلننتظر منه الشر، ولكنه ليس شرا متأصلا في النفوس، ولا متعمقا في القلوب، ولكنه شر هش، مثل زبد البحر، أو بيت العنكبوت ما أضعفه، وسرعان ما يزول لو وجد الطريق الصحيح للعودة، ولو وجد من تحنو عليه منكن وتأخذ بيديه إلى الحق والصواب.
أختي / مسلمة
أما عن طريقة المعاملة لمن يسيء إليكن جميعا، أعني بذلك أخاكن، فأحسب أنها كما يلي:
1- أن تجمعن بين القوة والحنان، فلا أنتن تضعفن أمامه، ولا تقسين عليه بشكل دائم، بل اجعلن عندكن ميزان عدل، يفرق بين مواقفه الصائبة، فتشكرنه عليها، ومواقفه السيئة، فتعاتبنه فيها.
2- أن تنظرن من فيكن يمكن أن تصاحبه وتتعرف عليه بشكل كبير، وأن تدركن الدوافع وراء هذا السلوك العدواني الذي يناقض طبيعة البشر، فالولد بطبعه يحنو على أخواته، فهو يدافع عنهن، وإن كان يحب أن يكن له تبعا، وأن تسمعن له وتطعنه، وهذا غير صحيح، ولكن قد يكون لكونه الولد الوحيد بينكن فقد تدلل كثيرا منذ طفولته، فيمكن علاج هذا معه.(33/1405)
3- أن تقدمن له النصيحة دائما ولكن بشكل غير مباشر، فيمكن أن يطرح الأمر على هيئة استفسار، أو مشاركة، أو تبادل للرأي، أو أنكن جميعا تجتمعن معه فتناقشوا حالكم، وكل إنسان يخبر بما عنده، فتوجدن بهذا مجالا للحوار والمناقشة، وتثنين على كلماته الطيبة، وتراجعنه فيما يقول من الخطأ .
4- أقترح أن يكون هناك لقاءات خارج البيت، فالبيت بشكله وطبعه والمؤثرات القديمة والجديدة تجعل الإنسان ينظر إلى المكان بشكل معين بكل ما فيه، وليس بالطبع كل الناس، ولكن هناك فئة من الناس تنظر هكذا، ولا تفرق بين المكان الذي نصنعه نحن جميلا أو نجعله قبيحا، وبين الشخصيات التي تسكن هذا البيت.
5- أن تنظرن أصحابه والدوائر المحيطة به، والتي تؤثر فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، وتحاولن أن توجدن له بيئة صالحة طيبة تؤثر فيه، لا أقصد أن يكونوا ممن يأخذون شكل التدين المعهود، ولكن المهم أن يكونوا ممن يتصفون بالأخلاق الفاضلة، وقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يصاحب".
6- الدعاء له في الصلوات وأوقات السحر، وغيرها من الأوقات الفاضلة، أن يهديه الله تعالى إلى أحسن الأخلاق، ومع الصدق يأتي الفرج إن شاء الله.
7- وختاما؛ إن نفذت منكن السبل، وأعيتكن الحيل، فيمكنكن اللجوء إلى المقاطعة بهدف الإصلاح، بشرط أن يغلب على ظنكن أنها ستؤتي ثمارها، وعلى أن تكون بمقدار معتدل وبمنتهى الحكمة، فقد قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة خمسين يوما لتخلفهم عن غزوة تبوك، كما آلى على نسائه شهرا صلى الله عليه وسلم . غير أنني هنا أود أن أؤكد لكن أن الأصل ألا يقاطع المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، ولكن هذا يكون في الحالات العامة، أما لو كانت المقاطعة بهدف إصلاحه وتمت بحكمة شديدة، فإنها - آنئذ- تكون ضرورية كالملح في الطعام .
نسأل الله أن يهدي أخاك لما يحب ويرضى، وأن يصلح أخلاقه، وأن يديم الود بينكم جميعا، إنه سبحانه قدير وبالإجابة جدير... وتابعينا بأخباركم
ـــــــــــــــــــ
قيام الليل: الدقائق الغالية.. الأجر العظيم.. والأسباب المعينة ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
الأخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حدَّثتنا إحدى الأخوات الفاضلات تحت عنوان: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون"، عن أحكام صلاة القيام، وأمتعتنا بصورٍ من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، وكيف كانوا إذا جاء الليل وأرخى سدوله، توجَّه كلٌّ منهم إلى معبوده، يخلو بملك الملوك، مقبلٌ عليه بالجسد والروح.. فوجدت نفسي أمام هذه التساؤلات: 1- لِمَ كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحرِّض ويحثُّ على قيام الليل من غير إيجاب، وخاصَّةً لما له من عظيم الثواب؟ 2- "صلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام"، هل المقصود دون حساب؟ 3- لِمَ ارتبط قيام الليل في أذهان الناس بشهر رمضان. 4- ما الأسباب الباطنة التي تعين المسلم على قيام الليل؟ 5- لماذا هم(33/1406)
"قليل"، كما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها؟ ودمتم لي أحبَّتي الكرام. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أختي الكريمة نورة،
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بك دائما.
أسئلتك حول قيام الليل مناسبةٌ تماماً لهذه الأيَّام الأواخر من رمضان، حيث يكثر فيها الاعتكاف والتهجُّد، أسأل الله تعالى أن يعيده على المسلمين وهم في عزَّةٍ ومنعةٍ وحالٍ غير الذي هم فيه اليوم.. فقد كان رمضان هذا العام شديداً على نفس كلِّ مسلمٍ يرضى بالله تعالى ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبيّا.. نسأل الله تعالى أن يصلح الحال، ويعدل الميزان.. اللهمَّ آمين.
أختي نورة،
إجابات أسئلتك التالي:
1- كأنَّني فهمت من سؤالك أنَّك تسألين عن سبب عدم فرض الإسلام لقيام الليل على المسلمين.
فإذا كان الأمر كذلك، فالإجابة ببساطةٍ تكمن في قول الله تعالى: "لا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها"، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للناس: "أيُّها الناس، قد فرض الله عليكم الحجَّ فحجُّوا"، فقال رجل: أكلُّ عام يا رسول الله؟، فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم، لوجبت، ولما استطعتم"، ثمَّ قال: "ذروني ما تركتكم، فإنَّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه"رواه مسلم.
وقد كان قيام الليل فرضاً في أوَّل الأمر، حين قال تعالى: "يا أيُّها المزمِّل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتِّل القرآن ترتيلا"، ثمَّ نُسِخ هذا الفرض إلى الندب بقوله تعالى: "إنَّ ربَّك يعلم أنَّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الذين معك والله يقدِّر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسَّر من القرآن"، يقول الإمام القرطبي: "وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم، وانتقعت ألوانهم، فرحمهم الله وخفَّف عنهم".
لأجل ذلك، خفَّف الله على المسلمين رحمةً بهم، ولم يجعل القيام فرضا، بل ندب إليه وحثَّ عليه.
2- الحديث نصُّه: "يا أيُّها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام"رواه الترمذيُّ وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
أمَّا هل المقصود من الحديث أنَّهم يدخلون بدون حساب، فالحقيقة لم أجد في كتب شرَّاح الحديث من تحدَّث في هذا الأمر، إلا أنني وجدتُّ عند الإمام المباركفوري ما(33/1407)
يفيد عكس ذلك، حيث قال في شرح الحديث: "(تدخلوا الجنَّة بسلام) أي من الله، أو من ملائكته، من مكروهٍ أو تعبٍ ومشقَّة"، وهذا يوحي بأنًّ هناك حساب، ولكنَّه حسابٌ يسيرٌ دون مشقَّة.
غير أنِّي لا أرى مانعاً من أن يكون المعنى عامًّا يحتمل الأمرين معا، فقد يكون المعنى الدخول دون حساب، وقد يكون الدخول بعد حسابٍ يسير، وقد يكون الأمرين معا، فهذا يدخل دون حساب، وذاك يدخل بعد حسابٍ يسير، والأمور كلُّها بيد الله تعالى يقلِّبها بحكمته كيف يشاء، وليس بعيداً عن رحمته سبحانه أن تكون بغير حساب.
3- ارتبط قيام الليل في أذهان الناس بشهر رمضان، نظراً لأنَّ رمضان هو شهر الصيام والقيام، ويتأكَّد هذا القيام في العشر الأواخر حيث الاعتكاف والتهجُّد، ومسألة ارتباط القيام في أذهان الناس برمضان، نابعةٌ من تقصير المسلمين في غير رمضان في القيام بهذه العبادة واغتنام دقائق الليل الغالية، ولذلك غدا قيام الليل له مناسبةٌ هي حلول شهر رمضان، وهذا بالطبع ليس هو الأصل، فربُّ رمضان الذي نقوم له فيه هو ربُّ الشهور الأخرى، وهو سبحانه الذي ينزل كلَّ ليلةٍ في ثلثها الأخير ليقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له" كما ثبت في الحديث المتَّفق عليه.
4- الأسباب الباطنة التي تعين المسلم على قيام الليل كثير، أهمُّها –كما ذكر الإمام ابن قدامة المقدسيّ-:
- حبٌّ الله تعالى.
- قوَّة الإيمان، بأنَّه إذا قام ناجى ربَّه، وأنَّه حاضره ومُشاهِده، فتحمله المناجاة على طول القيام.
- سلامة القلب للمسلمين.
- خلوُّ القلب من البدع.
- إعراض القلوب عن فضول الدنيا.
- خوفٌ غالبٌ يلزم القلب مع قِصر الأمل.
- معرفة فضل القيام.
قال أبو سليمان رحمه الله تعالى: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا".
5- نصُّ حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها هو: "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيدٍ واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، فيقوم منادٍ فينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء؟ فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثمَّ يعود فينادي: أين الذين كانت "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون رَّبهم خوفاً وطمعاً وممَّا رزقناهم ينفقون"؟ فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثمَّ يعود فينادي: ليقم الذين كانوا "لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله"، فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثمَّ يقوم سائر الناس فيحاسَبون"رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والثعلبيّ.(33/1408)
والحقيقة لم أجد تخريجاً لدرجة هذا الحديث من حيث الصحَّة والضعف، وبعيداً عن درجة صحَّة الحديث، فإنَّ مبدأ "القليل" مبدأٌ أصيلٌ في ديننا، نظراً لأنَّ هذا القليل دائماً ما يرتبط بالعمل لله تعالى والطاعة والبذل، وهذه كلُّها تكاليف شاقَّةٌ لا يقدر عليها إلا القليلون، قال تعالى: "والسابقون السابقون، أولئك المقرَّبون، في جنَّات النعيم، ثلَّةٌ من الأوَّلين، وقليلٌ من الآخرين"، وقال سبحانه على لسان داود عليه السلام: "قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإنَّ كثيراً من الخُلَطاء ليبغي بعضهم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هم"، وقال جلَّ شأنه يحكي قصَّة نوحٍ عليه السلام: "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنُّور قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل".
وهكذا يتبيَّن أنَّ القلَّة هي الأصل، لأنَّ الدعوات تحتاج بذلاً وعطاءً وتضحية، وهذه لا يلقَّاها إلى فئةٌ قليلة من الصابرين ذوي الحظِّ العظيم.
شكراً لك يا أختنا على تواصلك معنا.. وأهلاً بك دائما.
ـــــــــــــــــــ
الابتلاء: بين التمحيص وسوء العاقبة.. لا للتبرير ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
سيدي الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فإنَّنا نتعرَّض إلى الكثير من المحن والمصائب في حياتنا، فنفسِّر كلَّ ما نتعرَّض له من أمورٍ بأنَّه ابتلاءٌ من الله لنا، بينما قد يكون جزءٌ من هذه العواقب بسبب أخطائنا وممارساتنا غير الصحيحة، فتكون الآثار السيِّئة التي تصيبنا هي نتائج أخطائنا، ونحن نبرِّرها بأنَّها ابتلاءٌ من ربِّنا ليمحِّصنا. يلزمنا الانتباه لذلك، والتفريق بين هذا وذاك. فكيف نميِّز بين الحالتين؟؟ هل هناك أمورٌ محدَّدةٌ أو مقياسٌ يفرِّق بين الحالتين؟ مع الشكر والتقدير. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح:
أخي عليّ،
أدعو الله أن يجنِّبنا الفتن والمصائب، وأن يرفع عنَّا الابتلاءات، وأن يثبِّت أقدامنا على طريق الحقّ، وأن يعيننا على الصبر والتحمُّل وقت وقوع البلاء.
أمَّا ما ذهبت إليه من تفريقٍ بين الابتلاء الذي يستهدف التمحيص والاختبار، وبين سوء العواقب بسبب الأخطاء، فهذا التفريق صحيح، والابتلاء ممَّا قضت به سنَّة الله في الحياة، والدعاة في كلِّ مكانٍ وزمان، فهذا التفريق صحيح، والابتلاء ممَّا قضت به سنَّة الله في الحياة، والدعاة في كلِّ مكانٍ وزمانٍ يتعرَّضون للمحن والفتن، قال تعالى: "ولقد كُذِّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدِّل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين".
فأهل الباطل دائماً يكيدون للدعاة، ويتعرَّضون لهم بأشدِّ أشكال وصور التعذيب والتنكيل، وقد أوذي النبيُّ وأصحابه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه(33/1409)
بالصبر: "أبشروا آل عمار، وآل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنَّة"رواه الطبرانيُّ والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، وقال تعالى: "لتُبلَوُنَّ في أموالكم وأنفسكم ولتَسمَعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتَّقوا فإنَّ ذلك من عزم الأمور".
ولا يجوز للمسلم أن يتمنَّى وقوع البلاء، ولكن عليه أن يدعو إلى الله بالوسائل المشروعة حسب الكتاب والسنَّة، وأن يجتهد في ذلك، وإن تعرَّض بسبب ذلك إلى الابتلاء فعليه بالصبر، ولا ينبغي للمسلم أن يتحمَّل من الابتلاء ما لا يطيق، فيرسب في الاختبار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه"، قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسه؟ قال: "يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيق"رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريب، وعليه أن يسأل الله التخفيف، ورفع البلاء، والعفو والعافية، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيُّها الناس، لا تمنَّوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنَّ الجنَّة تحت ظلال السيوف"، ثمَّ قال: "اللهمَّ مُنزِل الكتاب، ومُجرِي السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"متَّفقٌ عليه.
وكما تكون سنَّة الله في ابتلاء عباده بأنواع الابتلاءات الكثيرة لتمحيص النفوس، واختبار القوَّة من الضعف والصبر من الجزع، فإنَّها من جهةٍ أخرى تكون للتنبيه للأخطار والتقصير في بعض الواجبات، قال تعالى: "ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، وقال تعالى: "وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
فلا يصحُّ أن نعلِّل ابتلاءاتنا دائماً بالعلَّة الأولى دون الانتباه إلى العلَّة الثانية، كما يفعل كثيرٌ منّا، فنغطِّي بذلك على أخطائنا، ونرسِّخ أمراضنا وأدواءنا من حيث نشعر أو لا نشعر.
وهكذا فإنَّ سوء العواقب بسبب أخطائنا لاشكَّ أنَّها حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، فعدم تقدير المسلم للموقف، وعدم إحسان التصرُّف حياله، وعدم الأخذ بالأسباب، وعدم الحكمة في التعامل معه، وارتكاب المعاصي، كلُّ ذلك قد يؤدِّي إلى سوء العاقبة.
وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ على ذلك:
- حين خالف الرماة تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، هُزِم المسلمون، وكان ابتلاء الهزيمة لأجل الحصول على العظة والعبرة.
- ما ورد عن بعض السلف: إنَّما يجد المسلم أثر معصيته في تعثُّر دابَّته، أو نشوز زوجته.
- قَصص الأقوام الذين تعرَّضوا لسوء العاقبة، إنَّما ذلك بسبب أخطائهم وتكذيبهم للرسل.
ويقول الدكتور كمال المصري :
وبانتهاء حديث الشيخ ناظم أكرمه الله تعالى، نجد أنَّ المقياس الفارق بين الابتلاء بسبب تقصيرنا، وابتلاء التمحيص والاختبار من ربِّنا سبحانه، هو "الأخذ بالأسباب".(33/1410)
عندما نأخذ بالأسباب كاملةً ثمَّ يأتينا الابتلاء،عندها يكون اختبارا، وتمحيصا، وإنزالاً من الذنوب، ورفعاً في الدرجات.
وعندما نقصِّر في أعمالنا، ونقع في الذنوب والمعاصي، عندها يكون الابتلاء عقابا، وسوء عاقبة.
المقياس واضحٌ بيِّنٌ لا لبس فيه، ولكنَّنا دأبنا –نحن المسلمين- على تحميل ديننا أخطاءنا، وأبدعنا في استخدام كلماتٍ مثل: "قدَّر الله وما شاء فعل- خيراً إن شاء الله يا أخي- المؤمن مبتلى- ...... وغيرها كثير" في غير موضعها، فاستعملناها مبرِّرات تقصير، ومريحات ضمير، ورافعات إثم، وما هي كذلك.. والله ربُّنا لا يخفى عليه شيءٌ سبحانه.
أصلح الله الحال.
شكراً لك أخي عليٌّ على سؤالك القيِّم.. وأهلاً بك...
ـــــــــــــــــــ
كيف يحيي العبد قلبه، ويتغلَّب على شيطانه؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
كيف يحيي العبدُ قلبَه؟ وكيف يقوِّي من شخصيته كي يستطيع أن يتغلب على هوى نفسه، وعلى شيطانه؟ ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ عبد الحميد البلالي:
الأخت الفاضلة أمة الله
تحية طيبة وبعد،
بادئ ذي بدء قبل أن نتطرق إلى طرق حماية القلب لابد أن نتعرف على أبرز مظاهر ضعف القلب وهي:-
1. الغلظة والتي من مظاهرها تجهم الوجه، وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة، وقد قال الله تعالى في ذلك " ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك".
2. الزيغ أي ترك القصد، أي أنه يتعرف على الحق ثم يحيد عنه.
3. القسوة حيث يقول تعالى" ثم قست قلوبهم" ومن مظاهرها: الإصرار على المعاصي ـ ترك التوبة والإنابة ـ تجاوز قدر الحاجة من الطعام والنوم والكلام.
4. الغفلة حيث يقول تعالي " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه" أي أنه كما قال ابن كثير رحمه الله شغل عن الدين والدنيا.
5. عدم حب سماع النصيحة: قال تعالى منهم" وقالوا قلوبنا غلف" " وقالوا قلوبنا في أكنةٍ مما تدعوننا إليه".
6. المرض: يقول تعالى " فيطمع الذي في قلبه مرض" ومن مظاهره: الاشتياق إلى المعصية ـ سرعة الانجذاب للمعاصي ـ بغض الحق النافع وحب الباطل الضار.(33/1411)
7. تعطل أدوات الإدراك حيث قال تعالى: " وختم على سمعه وقلبه" والختم والطبع واحد وهو البغيضة. 8. اللهو حيث يقول تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم" أي الاستماع إلى الموعظة باستخفاف يصحبه استهزاء بالواعظ.
9. اتباع الهوى: وهو ما يسمى بزنا القلب للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "على كل نفس من ابن آدم كتب حظٌّ من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعين زناها النظر، والرجل زناها المشي، والأذن زناها السماع، واليد زناها البطش، واللسان زناه الكلام، والقلب يتمنى ويشتهي، ويصدق ذلك أو يكذبه، الفرج".
10. لا تؤطه الجراحات –أي لا تأثر فيه-: وذلك بسبب موت القلب، فما يعود يشعر بعقوبات الإله له.
أما العلاج فيتم بالآتي:
1. الدعاء بالثبات وزيادة الإيمان وحسن الخاتمة فقد كان أكثر دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
2. التوبة بعد الاعتراف بين يديه بالمعاصي والقصور.
3. كتابة جميع أنواع السلبيات في قائمة، وبرمجة المعالجة بحيث يؤخذ عيب ، عيب، ماعدا المعاصي الواضحة فيجب التوبة منها فورًا.
4. تهيئة النفس لتقبل النصح.
5. الإكثار من حضور مجالس الوعظ والعلم وترقيق القلوب.
6. سماع الأشرطة المرققة للقلوب.
7. زيارة المقابر.
8. قراءة الكتب الإيمانية.
9. الإكثار من قراءة القرآن وأحاديث الرقائق.
10. المحاسبة والتزكية الدائمة.
11. مرافقة الصالحين وهجران قساة القلوب وأصحاب الأهواء والمعاصي.
12. عدم رؤية ما يقسِّي القلوب من برامج تليفزيونية وإذاعية كالأغاني ومسلسلات الغرام أو الموغلة بالحديث عن زخارف الدنيا وزينتها وعرضها الزائل والموضة وغيرها.
13. كثرة التوبة والاستغفار.
14. كتابة بحث عن القلوب وضعفها وأسباب قوتها".
و يضيف الدكتور كمال المصري :
الأخت الفاضلة أمة الله
شكر الله لأستاذنا الشيخ عبد الحميد البلالي إجابته، وما علينا إلا الالتزام بما فيها كي نحافظ على قلوبنا حيةً بالإيمان نابضةً به، ويحسن بنا في هذا السياق أن نذكِّر بأمورٍ ثلاثة:-(33/1412)
الأول: أن الإنسان يقضي عمره كله بين القوة والضعف الإيماني، يرتفع مرةً وينخفض أخرى، هكذا الله سبحانه خلقنا، وهكذا مطلوبٌ منا مجاهدة النفس بشكل مستمر، فنبقى بين الهمة والفتور، والخير كل الخير من كان فتوره في طاعة الله، ولم يصل به إلى المعصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وروى الترمذي نحوه وقال: حسن صحيح غريب.
الثاني: إن لكل إنسانٍ بعض الطاعات المحببة له في التقرب لله تعالى، أعمالٌ يحبها أكثر من غيرها، ويشعر من خلالها بالقرب من الله أكثر من أعمالٍ أخرى، وتختلف هذه الطاعات من شخصٍ لآخر، كلٌّ حسب نفسيته وطبيعته وفطرته، وأما وأننا نريد أن نحافظ على إيماننا وقربنا من ربنا، فعلينا الإكثار من الأعمال التي تشعرنا بالقرب من الله عز وجلّ، إن كانت قراءة القرآن فنكثر من قراءته ونفضلها على غيرها من النوافل والطاعات، وإن كانت في قيام الليل فنلتزم ببرنامجٍ من قيام الليل نحافظ عليه، وإن كان السجود فنسجد ونتقرّب أكثر وأكثر لله رب العالمين، وإن كان التصدق فنعطي حتى لا تعلم شمالنا ما تنفق يميننا، وهكذا.. نكثر من الأعمال المحببة إلينا، والتي تزيدنا قرباً من الله عز وجل، فنظلّ نأنس به سبحانه.
الثالث: أكدنا من قبل ونأكد دائماً على الإيمان العملي، فالإيمان لا يزداد ويعلو فقط بالعبادات وقراءة القرآن وقيام الليل، وإنما يزيد أيضاً من خلال فعل الخير للناس، والاختلاط بهم، ومساعدتهم، فيعين المحتاج، ويغيث الخائف، ويرشد التائه، ويتسامح في خلقه ومعاملاتهم، ويرتفع الإيمان حين يصدق في مواعيده ومعاملاته ولا يغش ولا يكذب، باختصارٍ شديدٍ على المسلم أن يستشعر علّوه وقربه من ربه سبحانه حين يكون فرداً نافعاً صادقاً خدوماً لمجتمعه وأمته، ديننا يا أختي ليس كدين النصارى دين رهبانيةٍ فقط، ديننا دين عبادةٍ ومعاملةٍ، وكما نتقرّب إلى الله بالعبادة عليك أن نتقرّب إليه سبحانه بالمعاملة، هكذا ارتضى الله خالقنا عز وجل لنا ديننا، وهكذا أكمله وأتمه سبحانه.
فيا أختي الكريمة: احذري أسباب ضعف القلب وعالجي آثارها، والتزمي الأعمال التي تقرّبك من ربك سبحانه؛ الأعمال العبادية والأعمال المعاملاتية على حدٍ سواء، وكوني معنا على اتصالٍ لو تكرمت، وجزاكِ الله خيراً وأعانكِ وأَحَبَّك...
ـــــــــــــــــــ
تناقص الإيمانيات.. إلى الإيمان من جديد ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله، لا أدري كيف أصف حالي، كنت قوي الإيمان، قوي الإرادة، عظيم الثقة في المنهج والطريق، كان الإسلام والدعوة في دمي، كنت حافظا لكتاب الله، كنت أجعل الصلاة أكبر همي، كنت إذا رأيت ما يغضب الله ولو منظرا صغيرا أحس وكأنني اقترفت شيئا كبيرا، كنت أراجع كتاب الله دوما، كنت وكنت!!!! كل هذا حتى وصلت إلى أرض المهجر كندا، بقيت عاما أو ربما أكثر بهذا الإيمان القوي، عدت إلى بلدي ، حدثت معي ظروف قاسية جدا، وبعون الله وحفظه(33/1413)
عدت إلى كندا بعدما كادت أن تحدث مصيبة في بلدي تدمر مستقبلي، ولكن: لا أدري ماذا حصل بعد عودتي، صرت أكره الرجوع إلى بلدي بلد الإسلام، لم أعد أراجع كتاب الله، قراءتي له صارت نادرة، ذنوبي كثرت، ويا ليت الأمر توقف عن هذا الحد، بل دخلت أفكار شيطانية في رأسي، وصرت ماديا بحتا، كنت سلفيا قحا، وانتقلت إلى منهج عقلي بحت، لا أحب مخالفة الدليل بالطبع، لكن المشكلة أن شيئا ما في داخلي صار يشككني في ما أنا عليه سائر، لم أعد أصدق أن إيماني وثقتي في الله ضعفت إلى هذه الدرجة، كنت داعية وأعمل للإسلام بكل قوة، أماالآن، فلا تجد مني سوى المحافظة على الصلاة، وترك المحرمات، مع عصيان الله قليلا، لا أعصي الله إلا في رؤية الحرام ، لا أصف نفسي مدمنا، ولكني أقع في هذا المأزق أحيانا، ثم أستغفر الله، وأتوب إليه، ونظرا لما وصلت إليه، خف دعمي وعملي للعمل الإسلامي، صرت واجهة إسلامية فحسب، لم أعد كما كنت من قبل، أكاد أجن... أفكر تفكيرا جديا في ترك المدينة التي أعيش فيها، والإنتقال إلى مدينة أخرى، حتى تخف علاقاتي الاجتماعية وأعطي وقتا لربي أكثر، ولكن رغم هذا، أريد حلا لمشكلتي، أريد حلا لهذا الإيمان الذي خبا بريقه، لكتاب الله الذي يضيع من صدري، لشعلة الدعوة التي تكاد تنطفيء، فكرت في الزواج، ولكن سحقا لمجتمعي الذي يظن نفسه مسلما، رفض الكثير فكرتي، سواء على مستوى أهلي، أم غير أهلي، تقدمت إلى أكثر من عائلة، ورفضت لهذا السبب، صغر سني، وأني ما زلت طالبا، رغم أني لو كنت متزوجا فإني بإذن الله قادر على فتح بيت وإدارته، سواء ماليا أو وقتيا، فالعيش هنا ميسر بحمد الله، أردت الزوجة، لتكون حفظا لي، ولتعينني على طاعة الرحمان، ومن اليأس الذي أصابني صرت أفكر في الزواج من مسلمة أجنبية ، ولو لم أجد، صرت أفكر أحيانا وأطرد الأفكار من رأسي طبعا أن أتزوج نصرانية كندية. ذاك أنا من الداخل، أما من الخارج فأنا شاب منتسب إلى الحركة الإسلامية، ومنتظم بها، متدين، محبوب من الجميع، الكل يحترمني، ويظن في أفضل مما أنا نرجو منكم الحل يا أساتذتنا، كيف أرجع إلى ما كنت عليه؟ و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة شيرين الشيمي من فريق الاستشارات:
أخي في الله، لقد كان لرسالتك هذه كبير الأثر في نفسي. تألم قلبي وشعرت بضرورة وقوفي بجانبك بعد الله سبحانه وتعالى لكي نستطيع معًا تخطي هذه المرحلة على خير بإذن الله. وأسأل الله أن يجعلني سببًا في تفريج كربك وتفريح قلبك.
بداية، أقول لك أن ما أنت فيه هو ابتلاء وليس أي ابتلاء بل ابتلاء شديد. فكلنا معرضون لمثل ما حدث لك، وأذكرك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" رواه مسلم وروى أبو داود والترمذي نحوه، فنسأل الله ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وألا يجعل مصيبتنا في ديننا.(33/1414)
وأود أن أطمئن قلبك وأبشرك خيرًا، فأنت أخي الكريم بشعورك بالذنب والندم قد تخطيت أول خطوة في طريق العلاج، فكما يقول الحسن البصري رحمه الله: "لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله"، لأن أول طرق العلاج العلم بأسباب المشكلة، بل تعدى ذلك إلى أن يكون نوعًا من العلاج، كما قال زاهد مكة وهيب بن ورد: "إن من صلاح نفسي علمي بفسادها" ، فلنستعن بالله ولنبدأ ثاني خطوة في طريق العلاج بتقسيم المشكلة إلى ثلاثة عناصر رئيسية كما بينها الشيخ محمد صالح المنجد ونجملها في:
أولاً: مظاهر ضعف الإيمان من خلال حديثك:
أ) المعاصي وقسوة القلب
2) عدم إتقان العبادات والتكاسل عن الطاعات
3) ضيق الصدر وعدم التأثر بالقرآن
4) التعلق بالدنيا
ثانيًا: أسباب ضعف الإيمان:
1) الابتعاد عن الأجواء الإيمانية
2) وجودك في وسط يعج بالمعاصي
4) الإغراق في الاشتغال بالدنيا
ثالثًا: علاج ضعف الإيمان:
1) الزاد اليومي:
- تخصيص ورد يومي من القرآن للتلاوة مع التدبر؛ عش مع القرآن، تذكَّر أنه كلام الله تعالى، وأن الله يحادثك مباشرة، تذوَّق جماله اللفظي والبياني، تدبّر معانيه ودلالاته، اتله بصوتك واجتهد الالتزام بأحكام التجويد، فإن ذلك أحرى أن تستشعر جماله، وتفهم معانيه.
- كثرة الذكر والاستغفار، فهما سبيل اتصال القلب الدائم بالله سبحانه وتعالى.
- تحصين النفس من خلال المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- الدعاء في السجود وتحري أوقات الإجابة (الثلث الأخير من الليل، بين الأذان والإقامة، يوم الجمعة)
- الحرص على ركعتي سنة الفجر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم.
- قيام الليل وما له من أثر كبير، فأوصيك ونفسي به، فيا لروعة القيام والناس نيام، استشعر نزول الرحمن في الثلث الأخير نزولاً يليق بجلاله وهو ينادي: "هل من سائلٍ يُعطَى؟ هل من داعٍ يستجاب له؟ هل من مستغفرٍ يُغفَر له؟ حتى ينفجر الصبح" رواه البخاري ومسلم.
ويخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بفضل القيام فقال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" رواه أبو داود وابن حبان وابن خزيمة.، والقائمون هم رجال الليل الذين اختصهم ربنا بالفضل العظيم.(33/1415)
- التصدق: كن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: "رجل تصدق حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" رواه البخاري.
- الالتزام بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم كما أوصى أبا هريرة" أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام" متفق عليه.
2) ذكر ملاقاة الله:
- تخيل الوقوف بين يدي الله سبحانه يوم لا ينفع العبد إلا عمله الصالح.
- التفكر في الجنة ونعيمها والنار وعذابها.
- الشوق لرؤية وجه الله سبحانه وإنه لمن أكبر نِعَم أهل الجنة.
3) إيمان المعاملة:
استشعار أن كل ما تقوم به من عمل مهما بدا صغيرًا عبادة، فتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، أناقة المظهر دعوة، وإتقان العمل أمانة.
وأؤكد لك أخي الكريم أن أهم دور في العلاج هو دورك أنت. نعم دورك أنت. فعلى قدر عزيمتك وإصرارك على قدر جدوى العلاج وكما يقول المثل الإنجليزي:
“If there's a will there's a way" "إذا كان هناك عزم، فبالتأكيد هناك طريق"
انهض وأوقد شعلة الحماس تجد نور الإيمان يضئ حياتك.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
وبعد ما عرضته عليك، ألم يطمئن قلبك قليلاً؟ حسناً لنكمل الحديث: لقد شعرت من خلال رسالتك أنك تفتقد الصحبة الصالحة، وللصحبة دور كبير في حياة الفرد، والالتزام بها فائدته عظيمة، قال الله تعالى في كتابه الكريم: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"، ولقد أوصانا خير البشر صلى الله عليه وسلم بالصحبة فقال: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" رواه أبو داود في سننه.
ومن هنا يظهر لنا أهمية الصحبة ودورها في حماية الفرد من كثير من المخاطر، فالتزامك بالصحبة يا أخي يعني وجود من يقدمون لك العون دائمًا وأبدًا، كما يعني وجود من يحرصون على مصلحتك فيوجهونك للصواب ويبعدونك عن الخطأ، ويمدون لك يد العون متى احتجت إليهم. فالغاية التي تجمعكم واحدة وهي مرضاة الله عز وجل.
أول ما عليك القيام به هو البحث عن مجتمعك الصغير الذي يعينك على التقرب من الله وعلى تحلية مرارة الغربة وعلى إطفاء نيران الفتن في ظل مجتمع تسوده مبادئ بعيدة تمامًا عن مبادئنا الإسلامية، وهم -كما فهمت من رسالتك كثير- والحمد لله.
وعليك بعد ذلك بعد ذلك البحث عن زوجة صالحة تسكن إليها وتعينك على طاعة الله وتذكرك بواجباتك وتهيئ لك الجو المناسب والراحة التامة لمزيد من العطاء والعمل.(33/1416)
ويقول لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" رواه أحمد ومسلم والنسائي، وانظر يا أخي العزيز كيف وصف لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة إذ قال: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته" رواه أبو داود، فابحث حولك عن ذات الدين وسيجمعك الله سبحانه وتعالى بها قريبًا ما دامت نيتك هي التعفف والتقرب من الله. فقد أكد لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: "ثلاثة كلهم حق على الله: عونه الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد التعفف". رواه ابن ماجة في سننه.
فقط أحسن البحث، وحاول إقناع أهلك بضرورة زواجك، وثق بأن الله معك.
كل ما سبق ذكره هو أقل واجب أستطيع القيام به تجاهك أخي العزيز وتذكر دائمًا أن رحمة الله وسعت كل شيء، وأن الله تعالى قد تكفل بالنجاح لمن بذل جهده، فقال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
ثق بأنك بخير، فهدئ من روعك، ضع البرامج العملية التي تعيدك إلى ما كنت عليه بل وأحسن، التزم الصحبة الطيبة، وتعاون معهم على الطاعات فيشجع بعضكم بعضا، ويرفع بعضكم بعضا، وابحث عن الرفيق الصالح "الزوجة المؤمنة"، لتعود كما كنت: حافظا لكتاب الله، مشتعل الجذوة الدعوية، من الداخل أحسن من الخارج.
وأخيراً أطلب منك طمأنتي عليك وعلى أحوالك في أقرب وقت، ولنبق على اتصال المراسلة كما اتصلت فينا القلوب والأرواح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــ
الضوابط العشر في تدبر آيات القرآن ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
الخواطر القرآنية بين الجمود والتكلف.. بعض الناس يحبس معاني القرآن فيما قاله العلماء، والبعض الآخر يتكلَّف في فهم معاني القرآن، ويحمِّل الآيات ما لا تطيق. فما هي ضوابط التدبُّر "وليس التفسير" في آيات القرآن؟ ... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... الأخ الفاضل أحمد؛
أحمد الله تعالى إليك أن جمعنا على طاعته، ومدارسة أمور دينه ودعوته، فهذه من نعم الله تعالى التي يجب علينا شكرها، فقد غفل عنها كثيرٌ منَّا، وقليلٌ من عباد الله الشكور.
كما أشكر لك طرحك هذا السؤال الهام، الذي ينمُّ عن فهمٍ جيِّدٍ في موضوع استشارتك، فالناس في تدبُّر آيات الله صنفان كما ذكرت، بين إفراط وتفريط، وليس هذا هو منهج الإسلام المطلق، بل إن منهج الإسلام وسطٌ في كلِّ حالاته، مهما بدا غير ذلك لبعض الناس.
وقبل الشروع في ضوابط التدبر -وأحسب أنَّه موضوعٌ بِكرٌ لم يُسبق إليه- فإنَّه من الجميل أن تستثار النفس حين التدبُّر في كتاب الله تعالى، وأن تقرأ بوعيٍ وفكر، فلا(33/1417)
تكون القراءة مجرَّد إجراء الأحرف على الشفاه واللسان، ولكن يجب أن يكون لها مستقرٌّ في القلب، ومسكنٌ في العقل، حتى تؤتي القراءة ثمرتها.
ومن عجيب ما يروى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ربما قام الليل كلَّه بآيةٍ واحدة، مثل قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنَّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنَّك أنت العزيز الحكيم)، هذا يعني أنَّ التدبُّر يولِّد معاني جديدة، ويجعل الإنسان يستشعر في مراتٍ أخرى أمورًا ربَّما غفل عنها، أو كانت هذه الطريقة مفتاحًا للقلب، أن يتلقى ما يقذفه الله تعالى في قلوب عباده القارئين لآياته.. من معاني سامية، وقيمًا سامقة، وآدابًا طيِّبة، تظهر في سلوك الفرد، وينعكس ذلك على حياة المجتمع المسلم.
ولقد جاء الأمر من الله تعالى بتدبر الآيات، فقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا)، وقال: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)،
وحين ننظر إلى قول الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا)، نلحظ أنَّه من مستلزمات الشفاء أن يقرأ المسلم آيات الله بقلبه، لأنَّه شفاءٌ لما في الصدور، وهدىً ورحمةً للمؤمنين، فلابدَّ من التدبُّر العقلي والقلبي، حتى تستفيد النفس من هذه الشحنة الإيمانيَّة.
وقد يفتح الله تعالى على القارئ معاني لم تكن موجودة في كتب التفسير؛ ولذا، فإنَّه كما جاء في الخبر عن القرآن: "ولا يخلق من كثرة الرد"، فالقرآن متجدِّد، وسيكتشف علماؤه من الأمَّة ومن فتح الله عليهم ما لم يكتشفه من كان قبلهم، ولعلَّ من جميل ما كان يقوله الشيخ الشعراوي –رحمه الله– أن تسمَّى خواطر، مع ما فيها من التفسير، وعدم الخروج عن الحدود التي رسمها أهل القرآن والتفسير من شروط القول في كتاب الله تعالى.
ولقد عهدت الأمة أن يخرج منها من يوضح بعض النكات واللطائف من المعاني غير المشتهرة، والتي لم يقل بها أهل التفسير.
كما نجد إشارةً من الأستاذ الشيخ سيِّد قطب رحمه الله، حين يسمّي كتابه في القرآن "في ظلال القرآن"، وهذا بخلاف ما كان يصنعه الأئمة السابقون كابن كثير، حين سمَّى كتابه "تفسير القرآن العظيم"، وكذلك ابن جرير الطبري، والسيوطي في الدر المنثور، والزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لآيات الأحكام، وأبي السعود في تفسيره، وغيرهم؛ لأنهم كانوا يعتنون ببيان مراد الله تعالى من الآيات.
إن انفتاح القلب ليتلقَّى ويفهم من مراد الله تعالى أمرٌ مرغوبٌ فيه، وهو داخلٌ في عموم الأمر بتدبُّر القرآن الكريم، وألا يجعل الإنسان على قلبه قفلاً يمنع رزق الله له من استشراف المعاني السامية للقرآن الكريم، غير أنَّ هذا لابدَّ فيه من ضوابط تحميه من القول بغير علمٍ في كتاب الله، ويمكن اعتبار أهمها:
1- العلم برسوم القرآن وحدوده، ومعرفة أحكام التجويد وعلامات الوقف وغيرها، لأنَّ هذا يساعد على فهم معاني القرآن الكريم، والوقوف على كثيرٍ من مراد الله تعالى.
2- الإلمام العام والإحاطة باللغة العربية، وذلك لأنَّه كما قال تعالى: (إنَّا أنزلناه قرآنا عربيًّا لعلكم تعقلون)، وقال: (قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج)، وكما قال ابن عباس: "إن(33/1418)
استشكل عليكم شيءٌ من القرآن فالتمسوه في الشعر ديوان العرب"، ومن المعلوم أنَّ الشعر جامعٌ لمعظم ضروب اللغة وأساليبها وبيانها وبلاغتها، كما أخبر ابن عباس أنَّ واحدا من أقسام القرآن الأربعة أن يفهم بما ورد عن العرب في لغتهم.
3- المعرفة العامة بمعاني القرآن الكريم، حتى لا يخبر من يتدبّر كتاب الله تعالى بخلاف ما قاله أهل التفسير، فيكون تقوُّلاً على الله بما لم يقل، بل يجعل ما يتدبَّره في سياق أهل التفسير.
4- عدم الانحصار في حدود القرآن ورسومه فحسب، فلا يكون الهمّ هو إيضاح المعاني اللغويَّة والفقهيَّة وغيرهما، بل يفتح قلبه لأن يكون وعاءً لما يقذفه الله تعالى فيه، وما يجريه على عقله من معاني وخواطر.
5- أن يكون عاملاً بالقرآن الكريم، معايشًا له في حياته، وقَّافًا عند حدوده، منفذًا لأوامره، مجتنبا لنواهيه، جاعله دستور حياته، وقانونه الذي يرجع إليه في صغير أمره وكبيره، وأن يتخلَّق بأخلاقه، وأن يتحلَّى بما ورد فيه من آداب وسلوك، فعن الحسن البصريُّ رحمه الله قال: "إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربِّهم فكانوا يتدبّرونها بالليل، وينفذونها بالنهار".
6- أن يكثر من التلاوة منه، لأنَّ مداومة طرق الباب يتولَّد عنها الألفة والعشرة والمعايشة، فمن تقرَّب من القرآن تقرَّب منه، ومن عاش معه عايشه، ومن أعطاه من وقته، وهبه الله ممَّا يجعله مستقيم الحال، عالمًا بأسراره وكوامنه.
7- أن يكثر من القيام بالقرآن في جوف الليل ووقت السحر، فإنَّه أنقى للمسلم أن يفتح قلبه، وتستعد نفسه لما يقذفه الله تعالى من معاني التدبر والفهم لمراده سبحانه من كلامه.
8- أن يهيئ المكان الذي سيقرأ فيه القرآن ويتدبر فيه معانيه، فلا يكون فيه ما يشغله عن التدبر، ومن هنا كان من آداب التلاوة أن يكون على طهارة أو يتسوك أو ينظف المكان أو يضع عطرا ونحو ذلك.
9- أن يتحلَّى المسلم بالإخلاص في قراءته وتلاوته، فإنَّه أدعى أن يفتح الله تعالى له من فضله فيما يخصّ كلامه، فإن قَصْد الناس بالتلاوة حاجبٌ عن فيوض الله تعالى له.
10- أن تكون له صحبة تعينه على التدبر، وأن تصحّح له إن أخطأ، وتنصح له عند الحاجة، وتأخذ بيده في طريق الله، كما قال موسى عليه السلام فيما حكى عنه القرآن: (واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرًا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا).
وما أجمل ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون".
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهوا مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغوا مع من يلغو تعظيمًا لحقّ القرآن".(33/1419)
وليعلم أنّ القرآن دواء، ولن يكون دواءً لأسقام النفوس والأجساد إلا إذا كان بالتدبّر، قال إبراهيم الخواص: دواء النفس خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرُّع عند السَّحر، ومجالسة الصالحين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممَّن إذا قرأوا القرآن تدبَّروه ووعوه وعملوا به، وأخلصوا في العمل، وتقبل منهم، وجعل ذلك ذخرًا لهم في حياتهم وبعد مماتهم.
ـــــــــــــــــــ
ويمنعني الشيطان من الصلاة ... العنوان
العبادات ... الموضوع
أوَّلاً أشكركم على هذا الموقع كلِّ الشكر. والسؤال: عايز أصلِّي ومش عارف، والشيطان ماسكني. "أريد أن أصلِّي، لكنَّني لا أستطيع؛ فالشيطان يمنعني ويقف لي بالمرصاد؛ فماذا أفعل؟" ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمد منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،
أخي الكريم،
علَّمنا الإسلام أنَّ أول وسيلةٍ لعلاج أيِّ داءٍ هي تشخيصه، ثمَّ صدق الرغبة في الشفاء منه، فإن كنت قد شخَّصت سبب عدم قدرتك على أداء فريضة الصلاة باستغلال الشيطان لضعفك، وإن كنت صادقا في طلب العلاج، فعليك اتِّخاذ الأسباب التي تُعينك، والتي بمجرَّد أن تتَّخذها، فسيحدث تغييرٌ إن شاء الله تعالى، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بأنفسهم".
وأسباب العلاج نوعان:
الأوَّل: تقدير حجم المشكلة.
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج.
النوع الأوَّل: تقدير حجم المشكلة: من خلال :
1 - العلم بحجم الثواب الذي يفوتك يوميّا :
فأداء الصلاة في أوَّل وقتها أحبُّ عملٍ إلى الله تعالى على وجه الأرض، وإذا أحبَّ الله عملاً أجزل له الثواب؛ فلعلَّ ذلك يكون حافزاً لك على الالتزام بها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "برُّ الوالدين"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"رواه البخاريُّ ومسلم.
ثمَّ إنَّ الصلاة فترةٌ للاتِّصال بالخالق لطلب عونه ورزقه.
2 - العلم بذنب التكاسل عنها :
فالخوف يدفع إلى العمل لاجتناب الأضرار، قال تعالى: "فويلٌ للمصلِّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون"، فهم لا يتركون الصلاة، بل يؤدُّونها، ولكن بتهاونٍ أو عندما يتذكَّرون، فالويل والذنب لهم؛ فما بالك بمن لا يؤديها أصلا؟!(33/1420)
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج :
1 - الاستعانة بالله ودعاؤه بالتنشيط والتغلب على وساوس الشيطان:
قال تعالى: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، وقال: "قل أعوذ بربِّ الناس، مَلِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، فالشيطان يخنس، أي يتراجع بذكر الله تعالى ذكرا فيه حضور قلبٍ ويقينٌ بقدرة الله على التغيير.
والدعاء لابدَّ وأن يكون بإخلاص، أي بإرادةٍ حقيقيَّةٍ في الشفاء؛ إذ الإخلاص سببٌ رئيسيٌّ للتوفيق، كما نبَّهنا لذلك سبحانه عند الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين: "إنْ يريدا إصلاحاً يوفِّقِ الله بينهما".
2 - التدريب على قوَّة الإرادة والصبر:
ويكون هذا ببعض الأعمال التي تعين على ذلك، كالصوم مثلا؛ فقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن عجز من الشباب عن الزواج ليعصمه من الخطأ، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء"رواه الخمسة، الباءة: أعباء الزواج، وِجاء: أي ضابطٌ للشهوة.
ولا يقعدك الشيطان عن الصوم بوسوسته "إنَّك إذا كنت لا تصلِّي؛ فكيف تصوم؟"، ولكن إن كنت ضعيفاً في شيءٍ فأنت قويٌّ في أشياء أخرى كثيرة؛ فهذه هي طبيعة البشر.
أعلم أنَّ ذلك يحتاج جهداً في أوَّل الأمر، لكنَّه –كأيِّ شيءٍ يتمَّ التدريب عليه- يسهل ويصبح عادةً بالتدريج.
3 – التدريب على القيام أوَّل الوقت:
وهذا يتحقَّق من خلال ضبط الساعة أو الاتِّفاق مع زميلٍ أو جارٍ على تذكرتك، أو المرور عليك؛ لأخذك للصلاة عند سماع الأذان، منعاً للانشغال عنها أو التكاسل، أيُّ وسيلةٍ توصل لذلك قم بها، المهمُّ أن نصل للنتيجة.
4 - التواجد ما أمكن في وسطٍ صالح:
وهذا من شأنه أن يعين على الطاعة، ويبعد عن المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه.
5 - الحرص على معاملات الإسلام ما أمكن:
فإن كان الشيطان قد غلبك في الصلاة؛ فلا يغلبك مثلاً في إتقان عملك وتقوى الله فيه، والمواظبة على مواعيدك، والوفاء بالوعود والأمانات مع الناس، وخدمتهم وعونهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، فإن حرصت على هذه المعاملات الإسلاميَّة سيكون ذلك بإذن الله حافزاً على محاولة استكمال بقيَّة جوانب الخير في نفسك، خاصَّةً الصلاة، وسيأتي عليك يومٌ تواظب عليها، وتعين غيرك ممَّن لا يصلُّون بوسائل العلاج التي اتَّخذتَها سابقا، وستكون نِعْم الداعي إلى الإسلام.
أخي محمَّد،
مجرَّد إحساسك بالمشكلة هو حلٌّ لها، أو لنقل هو أوَّل خطوات الحلّ، فعرفتَ أنتَ الخطوة الأولى، وأوضحنا نحن الخطوةَ الثانية، وبقي أن تبذل وسعك لتحقِّق الخطوة الثالثة والأخيرة.(33/1421)
جزاكم الله خيرا، وكن على اتصالٍ دائمٍ بنا.
ـــــــــــــــــــ
في الغفلة: معناها.. مقياسها.. طرق علاجها ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
الأخ العزيز كمال المصري، سألني أحدهم: هل أنت من أهل الغفلة؟! فأصابني الهمُّ كيف أعرف الإجابة!! ألا يوجد مقياسٌ لمعرفة النتائج، وتقرير الحلول والعلاج؟!! ودمت لنا أخي العزيز معافى من كلِّ شرّ. ... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
... أخي العزيز عبد الله،
موضوع الغفلة هذا من أخطر المواضيع المرتبطة بالقلوب، نظراً لأنَّه قد يحوِّل الطاعة إلى أن تكون سبباً في عدم دخول الجنَّة والعياذ بالله تعالى، ولذلك كان من الضروريِّ أن نوليه اهتماماً كبيرا.
أوَّلا: معنى الغفلة:
غفل عن الشيء، أي تركَه وسها عنه.
وهكذا يكون حال المسلم حين يغفل عن ربِّه سبحانه، ويسهو عنه، وقد ذمَّ الله تعالى الغافلين بقوله: "ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتَّبع هواه وكان أمره فرُطا".
ثانيا: أنواع الغفلة:
يُلبِس الشيطان على الإنسان بطرقٍ شتَّى كي يصل به إلى الغفلة، ويستخدم هوى الإنسان ليقوم بهذا الدور، وأبرز ما تكون الغفلة في أمرين:
* الجهر بالمعصية:
من أبرز النقاط التي يتعامل فيها الشيطان مع الناس، هو جعلهم يجاهرون في المعصية، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أمَّتي معافى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثمَّ يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه"رواه البخاري.
وما ذاك إلا لأنَّ المجاهرة تكون حائلاً كبيراً أمام التوبة، وفيها معاندةٌ ظاهرةٌ لله تعالى، وهذا من أكبر أنواع الغفلة.
* الاغترار بالحسنة:
من أخطر أنواع الغفلة، حيث يدخل الشيطان من الطاعة ليصل بالعبد إلى الغفلة، وذلك بتكبير هذه الطاعة، وتعظيمها في عين العبد، فيظنُّ أنَّه بطاعته تلك قد ضمن الجنَّة ومفاتيحها، ولم يعد في حاجةٍ إلى طاعاتٍ أخرى، ولا يزال الشيطان بالعبد حتى يرديه المهالك، وتقتله الغفلة.
ثالثا: كيف نقيس الغفلة؟
أبرز مقاييس الغفلة هي:
* تذكُّر الله تعالى دائما، ورقَّة القلب عند الاستماع للقرآن الكريم.(33/1422)
* بقاء اللسان يلهج باستمرارٍ بذكر الله تعالى، وبالاستغفار.
* النظر في الطاعات، هل أحدنا مفرِّطٌ فيها، أم يؤدِّيها في وقتها، وإن كان يؤدِّيها في وقتها، فهل يستشعرها ويحنُّ إليها، أم هي ثقيلةٌ على قلبه يقوم إليها كسلانا، أو يؤدِّيها وفكره مشغولٌ عنها؟
* النظر في أخلاقنا، هل نلتزم بحسن الخلق، وعدم الغضب، والحِلم، والصبر، وعدم الكذب، وما إلى ذلك من أخلاق، أم لا؟
* النظر في نموذج حياتنا، هل هي تسير وفق ما يرضي الله تعالى، أم أنَّ حياتنا أمام الناس جميلةٌ برَّاقة، فإذا ما خلونا بمحارم الله تعالى انتهكناها؟ وهل نربِّي أهلنا وأولادنا على الإسلام أم نتركهم تتنازعهم وسائل الغواية من كلِّ مكان؟
* النظر في معاملاتنا مع الآخرين، هل نراعي الله تعالى فيها، فلا نغشَّ، ولا نسرق، ولا نرفع الأصوات ونكثر الحلف، ونكون كما أراد رسولنا صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى"رواه البخاري، أم لا؟ وهل نعين الآخرين، فنفكَّ الضيق عن المضيقين، ونسدَّ حاجة المحتاجين، ونغيث الملهوف، ونسعف المعوز، أم لا؟
رابعا: طرق علاج الغفلة:
1- الغفلة نقيض المراقبة:
يقول الإمام ابن قدامة: "تحقَّق أرباب البصائر أنَّهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة".
وقد قسَّمها –رحمه الله تعالى- إلى ستِّ مراحل:
* المشارطة:
أي أن يشرط العقل على النفس ألا تقع في المعاصي والذنوب، وأن تقوم بالطاعات والفضائل.
فـ"إنَّ المؤمنين قومٌ أوثقهم القرآن، وحال بينهم وبين هَلَكتهم، إنَّ المؤمن أسيرٌ في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عزَّ وجلّ، يعلم أنَّه مأخوذٌ عليه في سمعه، وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذٌ عليه في ذلك كلِّه".
* المراقبة:
"إذا أوصى الإنسان نفسه، وشرط عليها، لم يبقَ إلا المراقبة لها وملاحظتها، وفي الحديث الصحيح في تفسير الإحسان، لما سئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك"رواه البخاريُّ ومسلم، أراد بذلك استحضار عظمة الله ومراقبته في حالة العبادة".
* المحاسبة بعد العمل:
"ومعنى المحاسبة أن ينظر في رأس المال، وفي الربح، وفي الخسران لتتبيَّن له الزيادة من النقصان، فرأس المال في دينه الفرائض، وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي، وليحاسبها أوَّلاً على الفرائض، وإن ارتكب معصيةً اشتغل بعقابها ومعاقبتها ليستوفي منها ما فرَّط".
* معاقبة النفس على تقصيرها:(33/1423)
"اعلم أنَّ المريد إذا حاسب نفسه فرأى منها تقصيرا، أو فعلت شيئاً من المعاصي، فلا ينبغي أن يهملها، فإنَّه يسهل عليه حينئذٍ مقارفة الذنوب، ويعسر عليه فطامها، بل ينبغي أن يعاقبها عقوبةً مباحةً كما يعاقب أهله وولده".
* المجاهدة:
"وهو أنَّه إذا حاسب نفسه، فينبغي إذا رآها قد قارفت معصيةً أن يعاقبها كما سبق، فإن رآها تتوانى بحكم الكسل في شيءٍ من الفضائل، أو وردٍ من الأوراد، فينبغي أن يؤدِّبها بتثقيل الأوراد عليها، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّه فاتته صلاةٌ في جماعة، فأحيا الليل كلَّه تلك الليلة، وإذا لم تطاوعه نفسه على الأوراد، فإنَّه يجاهدها ويُكرِهها ما استطاع.
وقال ابن المبارك: "إنَّ الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا، وإنَّ أنفسنا لا تواتينا إلا كرها".
وممَّا يستعان به عليها أن يُسمِعها أخبار المجتهدين، وما ورد في فضلهم، ويصحب من يقدر عليهم منهم، فيقتدي بأفعاله".
* في معاتبة النفس وتوبيخها:
"قال أبو بكرٍّ الصدِّيق رضي الله عنه: "من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته"، وقال أنس رضي الله عنه: سمعت عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه -ودخل حائطا- فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطَّاب أمير المؤمنين، بخٍ بخٍ، والله لتتقيَّنَّ الله بني الخطَّاب أو ليعذِّبنَّك.
واعلم أن أعدى عدوٍّ لك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلِقت أمَّارةً بالسوء، ميَّالةً إلى الشرّ، وقد أُمِرْتَ بتقويمها وتزكيتها وفطامها عن مواردها، فإن أهملتها جمحت، وشردت، ولم تظفر بها بعد ذلك، وإن لزمتها بالتوبيخ، رجونا أن تصير مطمئنَّةً فلا تغفلنَّ عن تذكيرها".
2- تطبيقات العلاج:
* المداومة على ذكر الله تعالى:
أهمُّ ما يُضعِف الشيطان، ويمحو قسوة القلب، هو ذكر الله تعالى كثيرا، بكلِّ أنواع الأذكار المختلفة، صباحاً ومساء، وفي سائر الأحوال، مثل أذكار الدخول والخروج واللبس والخلع والطعام والشراب ودخول الحمام، وما إلى ذلك.
فعن عبد الله بن بسر أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به، قال: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله "رواه الترمذيُّ وابن ماجه وصحَّحه ابن حبَّانٍ والحاكم.
* قراءة القرآن الكريم:
فمع تكرار القراءة، والاستماع للقرآن الكريم، يأتي الخشوع، وينجلي الصدأ عن القلب، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى، فإنَّ كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوةٌ للقلب، وإنَّ أبعد الناس من الله القلب القاسي"رواه الترمذيُّ بسندٍ حسن.
* المواظبة على الطاعات:(33/1424)
عن عبد الملك بن عمير قال: كان غلامٌ بالمدينة يكنَّى أبا مصعب، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وبين يديه سنبل، ففرك سنبلة ثمَّ نفخها ثمَّ دفعها إليه فأكلها، وكانت الأنصار تعيِّر من يأكل فريكة السنبل، فلمَّا دفعها النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليه لم يردَّها عليه، قال أبو مصعب: ثمَّ قمت من عنده غير بعيد، ثمَّ رجعت إليه فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني معك في الجنَّة، قال: "من علَّمك هذا؟"، قلت: لا أحد، قال: "أفعل"، فلمَّا ولَّيت دعاني، قال: "أعنِّي على نفسك بكثرة السجود"رواه البزَّار بسندٍ صحيح.
* الإكثار من الدعاء:
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ بن جبل رضي الله عنه: "يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر كلِّ صلاةٍ أن تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك"رواه أحمد وأبو داود والنسائيُّ والحاكم وغيرهم بسندٍ صحيح.
* ملاحظة نِعم الله تعالى:
ملاحظة نعم الله الباطنة والظاهرة، وواجبنا تجاهها، وهو القيام بشكرها، قال تعالى: "ياأيُّها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنَّى تُؤفَكون".
* طرد العُجب والرياء بعد العمل الصالح:
فإذا دخل على الإنسان عجبٌ بعد العمل الصالح، أو خوفٌ من الرياء، فعليه أن يطرده ويحاربه، ويستعيذ منه، ومثل هذا الشعور ينتاب كلَّ إنسان، لكن عليه أن يستحضر الإخلاص، ويستغفر الله تعالى، ويتذكَّر أنَّه لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فلولا أنَّ الله تعالى أعانه على أداء هذا العمل ما أطاق فعله، فلله الحمد أوَّلاً وآخرا.
هذا ما استطعت الوصول إليه -أخي الحبيب عبد الله- أرجو أن يكون قد أجابك إلى ما أردت.
وقانا الله جميعاً من الغفلة، وأصلح شأننا كلَّه.
ـــــــــــــــــــ
موانع المعاصي.. ومرتبة الإحسان: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
ما الموانع والحواجز التي تمنع الوقوع في المعصية؟؟ وكيف أحقِّق مرتبة الإحسان في العبادة؟ و جزاكم الله خيرا. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح:
أخي السائل،
قبل أن نتحدَّث عن الموانع التي تحول دون وقوع المسلم في المعصية، لابدَّ أن نؤكِّد أنَّ العبرة ليست بالخطأ، مادام الإنسان من طبيعته الخطأ، ولكنَّ العبرة في التوبة والرجوع في حال الخطأ لله تعالى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلُّ بنى آدم(33/1425)
خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون"رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
فالإنسان يعترضه في كلِّ يومٍ مواقف وأهواء ونفسٌ وشيطان، كلُّها تجرُّه للمعصية والخطأ، وهذا هو طريق الخسران والعياذ بالله، فالمعصية والتمادي فيها مُهلِكةٌ ومُدمِّرةٌ للإنسان، ومن آثارها:
- أنَّ الإنسان يُحرَم من الرزق، وفى الحديث: "وإنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"رواه أحمد وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
- وكذلك المعصية تحرم المسلم من العلم، فالعلم نورٌ من الله يقذفه في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، وأحد الصالحين يقول: "إنِّي لأعصي الله فأرى ذلك في تعثُّر دابَّتي".
- والمعصية تورث الذلّ، وفى الدعاء: "اللهمَّ أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك".
- والمعصية تترك ظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "إنَّ للسيئة اسوداداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق"، وإذا أكثر العبد من المعاصي طُبِع على قلبه، فأصبح لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
- والمعاصي تمحق البركة من كلِّ شيء، في المال والبدن والأولاد، وتبعد الملائكة وتقرِّب الشياطين.
أمَّا الحواجز والموانع التي تمنع من الوقوع في المعاصي فهي:
1- قوَّة الإيمان، كلَّما تمكَّن الإيمان من قلب المسلم، كان ذلك حائط صدٍّ ضدَّ المعاصي والذنوب والخطايا، والإيمان لا يقوى إلا بالطاعات والأعمال الصالحات من ذكرٍ وصيامٍ وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإكثار من فعل الخيرات، وصيام النوافل، وغير ذلك من الأعمال الطيِّبة التي تقوِّي الإيمان وتنمِّيه.
2- تقوى الله عزَّ وجلّ، والتقوى كما عرَّفها الإمام علي رضي الله عنه هي: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، كلُّ هذه المعاني إذا تجمَّعت في المسلم، فإنَّه حتماً سوف يكون تقيّا، بعيداً عن المعاصي والذنوب.
3- الابتعاد عن البيئات الموبوءة والفاسدة، فمَن يريد أن يحفظ نفسه من الوقوع في الزنا، عليه أن يبتعد عن مناظر التعرِّي والمشاهد المثيرة، والدافعة إلى الوقوع في الخطايا.
4- الصحبة الصالحة: يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.
فلأنَّ الإنسان مدنيٌّ بطبعه -كما قال ابن خلدون-، فلابدَّ له من صاحبٍ أو صديق، هذا الصديق ينبغي أن يكون صالحا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقيّ"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.(33/1426)
5- التسلُّح بالعلم، فإنَّ العلم نور، والجهل ظلمات، وبعض الناس تقع في الذنوب، وما يترتَّب عليها بسبب الجهل، وابن عباس يقول: " فقيهٌ واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد".
6- لزوم البديل الشرعيّ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ما حرَّم شيئاً إلاَّ أباح له بديلا، فالإنسان الذي اعتاد السرقة، ينبغي أن يقلع عنها، ويتَّجه إلى العمل الشريف والتكسُّب من حلال، فإنَّ لذلك طعمٌ ومذاقٌ خاصّ، ومن تُسوِّل له نفسه الزنا عليه أن يتزوَّج، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج في حالة الاستطاعة.
7- حضور مجالس العلم، ومداومة الاستماع إلى الدعاة المؤثِّرين والعلماء الربَّانيِّين، ففي هذه المجالس تتغشَّى الرحمة أصحابها، وتحفُّهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، وهذه المجالس تفقِّه المرء فيما خفي عليه، وتعينه على معرفة حدود الحلال والحرام.
8- الدعاء، فهو سلاحٌ ينبغي ألا نغفله، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان دائم الدعاء، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكان من دعائه: "اللهمَّ يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، ... ."رواه الترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.
أمَّا الإحسان فهو أحد مراتب الإسلام، وحينما سئل عنه جبريل قال: "أن تعبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك"رواه البخاري، والإحسان لا يتأتَّى إلا عبر الإلمام بالعلم الشرعيِّ النافع الذي يعين على الطاعة وكثرة العبادة وترقيق القلب، كما أنَّ التقرُّب إلى الله بالنوافل يجعل المسلم قريباً من الله عزِّ وجلّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه"رواه البخاري.
ويُفهَم من الحديث أنَّه إذا اجتهد المسلم في طاعة الله، وأخلص فيها، فإنَّه ينتقل من مرتبة الإيمان إلى مرتبة الإحسان، أي مراقبة الله عزَّ وجلَّ في كلِّ حركةٍ من حركاته، وفى كلِّ فعلٍ من أفعاله.
والإحسان يقتضي أن يقوم المسلم بالأعمال الصالحة في السرّ، وأن يتفوَّق على غيره من المسلمين، في هذه الأعمال.
وقد حدَّد الله تعالى جزاء الإحسان بقوله تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"؟.
ـــــــــــــــــــ
هكذا نحافظ على توبتنا ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف أحافظ على توبتي؟ ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة أسماء جبر أبو سيف :(33/1427)
مباركٌ عليك توبتك يا أخي، ثبَّتك الله وختم لك ولنا بالحسنى، آمين.
وقبل أن أخبرك بكيفيَّة الحفاظ على توبتك وتقويتها واستثمارها، لتكون ربحاً لك في الدنيا والآخرة بإذن الله، قبل ذلك أذكِّرك بشروط التوبة الصحيحة، وهي:
1- الإقلاع تماماً عن المعاصي والذنوب التي كنت ترتكبها.
2- أن تستشعر في نفسك الندم على ما اقترفته من سيِّئاتٍ وذنوبٍ ومعاص، بحيث تكره الذنب، ويؤلمك كلَّما تذكَّرته، وتشتعل في قلبك نار الخشية من عقاب الله عزَّ وجلّ.
3- العزم على أن لا تعود في المستقبل إلى تلك الذنوب ولا إلى أمثالها، أو ما يُقَرِّب منها، وأن تعزم على ذلك عزماً مؤكِّداً لا تردُّد فيه، ولا رغبات خفيَّة، ولا تحدِّث نفسك لحظةً أنَّك ربَّما تعود إليها؛ معتمداً على أنَّ الله غفورٌ رحيم، بل اصرف تفكيرك تماماً عنها، وجاهدها بكلِّ عزم.
4- إن كانت المعاصي والذنوب متعلَّقةً بحقٍّ من حقوق العباد، فعليك ردَّ هذه الحقوق إلى أصحابها ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
وللحفاظ على توبتك وتقويتها واستثمارها، عليك بالآتي:
أوَّلا: تذكُّر وتجديد الذكرى دوماً أنَّ المعصية تؤثِّر في القلب: قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكِتَتْ في قلبه نُكْتَةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقِل قلبُه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"رواه الترمذيُّ وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، وقال الحسن رحمه الله تعالى: "الحسنة نورٌ في القلب، وقوَّةٌ في البدن، والسيِّئة ظلمةٌ في القلب، ووَهَنٌ في البدن".
والمعصية تؤثِّر على الرزق أيضا، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الرجل لَيُحْرَمُ الرزقَ بالذنب يُصِيبُهُ"رواه ابن ماجه بسندٍ حسن، ولا تأمننَّ أخي الكريم هجوم الموت عليك بارك الله في حياتك فجدِّد التوبة أوَّلا بأوَّل، ليبقى قلبك صافياً نقيّا.
ثانيا: الحفاظ على حدٍّ معيَّنٍ من العبادات لا تهبط عنه بأيِّ حالٍ من الأحوال، من نوافل وأذكار مختلفة.
ثالثا: الانقطاع تماماً عن الأماكن التي تزيِّن لك العودة إلى المعصية أو تذكِّرك بها، ومقاطعة كلِّ شخصٍ له علاقةٌ بها، ولا تقل لنفسك: أريد أن أدعوه للتوبة كما تُبت، فليس هذا وقته، وتخلَّص من كلِّ الأشياء التي تعيد إليك الحنين إلى لذَّة المعصية.
رابعا: التزام رفقةٍ صالحةٍ من الأصحاب المتمسِّكين بدينهم، الناجحين في دنياهم، فإنَّهم خير عونٍ لك ووقايةٌ من العودة إلى المعصية، ويمكن أن تكون هذه الرفقة متمثلَّةً في فتاةٍ صالحةٍ تتزوَّجها، تعينك على الطاعة، وتساعدك في التوبة.
خامسا: الاشتغال بالعلم النافع، وحضور مجالس العلماء ومحاضراتهم وندواتهم، واعمل على تطوير تخصُّصك الأكاديميِّ وأدائك المهنيّ، وأشغل عقلك بالقراءة النافعة في علوم الدنيا والآخرة، وخاصَّةً كتب الرقائق وتزكية النفس، وأنصحك بقراءة كتاب: مختصر منهاج القاصدين للعلاَّمة ابن قدامة المقدسيّ.
سادسا: برّ الوالدين، والتزام صلة الرحم، ومساعدة إخوتك الصغار على شؤون دراستهم وعبادتهم.(33/1428)
سابعا: الاشتغال بما يفيد المجتمع من مشروعاتٍ للشباب المسلم، ورعاية الفقراء المسنِّين.
ثبَّتنا الله وإيَّاك، وأهلاً بك دائماً أخانا التائب.
ـــــــــــــــــــ
نصائح في كيفية الخشوع في الصلاة ... العنوان
العبادات ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا رجلٌ مسلمٌ والحمد لله، وأبذل قصارى جهدي لأصلِّي الخمس صلواتٍ يوميّا، كلُّ يومٍ أثناء صلاتي أبدأ في التفكير بالكثير من الأمور، وأفقد تركيزي، حتى إنَّني أنسى ما كنت أقوله، ولتجنُّب هذا أحاول أن أغمض عينيَّ أثناء الصلاة وأضغط على أسناني، لكنَّ هذه الطريقة لا تساعدني كثيرا. لذلك أرجو منكم أن تدلُّوني على بعض النصائح عن كيفيَّة التركيز أثناء الصلاة. شكراً لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أكرم ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح:
الأخ الكريم أكرم،
أوقات الصلاة دقائق غالية، يقف خلالها المسلم مناجياً الله تباركت أسماؤه، ومن ثَمَّ ينبغي أن يترك المسلم الدنيا بمشاغلها وزينتها وراء ظهره، وأن يُقبل على الله في خشوعٍ وخضوعٍ قاصداً وجهه الكريم، وراغباً في مرضاته.
وعليك -أخي الحبيب- أن تراعي جملةً من النقاط، ونسأل الله أن يعينك على التركيز في الصلاة، والتدبُّر في القرآن، وأن يجنِّبك الشيطان، وفيما يلي بيانها:
1- استشعار عظمة الموقف:
مناجاة الله والصلاة بين يديه، يقتضيان أن يكون المسلم في كامل معيَّته، تاركاً الدنيا ومشاكلها خلف ظهره بقوله" الله أكبر،" ألا إنَّ الله أكبر من كلِّ شيء، والمرء ليس له من صلاته إلا ما عقل منها، ولابدَّ أن ندرك أنَّ الإنسان إذا وقف أمام مسؤولٍ في الدنيا فإنَّه يكون في كامل تركيزه، ويذهب إليه وهو مهيَّأٌ ومرتدٍ لأجمل الثياب، فما بالنا بربِّ المسؤول، وهو ربُّ العالمين تبارك وتعالى؟؟.
2-سلامة النيَّة:
يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أَو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"متَّفقٌ عليه، وعليه ينبغي أن يذهب المسلم إلى الصلاة مجدِّداً النيَّة، ويكون ذلك من باب العبادة وليست العادة، ويذهب بهمَّةٍ عالية، وحبٍّ كبير، من دون تكاسل، أو تباطؤ، أو إحساسٍ بثقل شعيرة الصلاة، فقد حذَّرنا الله عزَّ وجلَّ من أن نذهب إلى الصلاة ونحن كسالى.
3- كثرة الاستغفار:(33/1429)
فقد كان النبيُّ كثير الاستغفار، رغم أنَّه المعصوم، وقد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ونحن ينبغي أن نقتدي به.
4- ترك المعاصي:
إنَّ ما يورث عدم صفاء القلب والسريرة هو اقتراف المعصية، فعليك -أخي الحبيب- أن تتجنَّب المعاصي كبيرها وحقيرها، وأن تضع نصب عينيك هذه الأبيات الشعريَّة التي وردت عن الإمام الشافعيّ:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي....... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنَّ العلم نورٌ....... ونور الله لا يُهدَى لعاصي
وفى الحديث الشريف قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"رواه مسلم، والمعاصي تمحق البركة في كلِّ شيء، وتقاوم المسلم عند الإقدام على الطاعات، فإذا أكثر العبد من المعاصي طُبِع على قلبه، فأصبح لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، وقد قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"، والمعصية تُبعِد الملائكة وتقرِّب الشياطين.
5- الاستعاذة من الشيطان الرجيم:
فقد يئس الشيطان أن يُعبَد في الأرض، ولكنَّه لم ييأس من التحريش بين العباد وإشغالهم عن أداء الطاعات، فأكثِر من الاستعاذة، واتفل عن يسارك ثلاثاً في حالة وسوسة الشيطان، وحصِّن نفسك بكثرة الطاعات وأداء النوافل، فالشيطان وظيفته إخراج الناس من الطاعات إلى المعاصي، فكما قال الله تعالى: "إنَّ الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين"، وقال أيضا: "ولا تتَّبعوا خطوات الشيطان إنَّه لكم عدوٌّ مبين"، ولذلك أمرنا الله أن نتعوَّذ بالله من وسوسة الشيطان: "قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس...."
6- الدعاء:
وهو سلاحٌ مهمّ، فقم ليلا، وصلِّ والناس نيام، وابتهل إلى الله أن يجنِّبك الشيطان، وأن يعينك على الطاعة، وأن يجنِّبك الفتنة، وأن يحبِّبك في الطاعة، وألا يجعلها ثقيلةً عليك، والله نسأل أن يعينك على أداء الطاعات، وأن يجنِّبك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
7- مجاهدة النفس:
فالنفس تصبو إلى اللذَّة والشهوة، وهى أمَّارةٌ بالسوء، فقد قال الله تعالى: "إنَّ النفس لأمَّارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربِّي إنَّ ربِّي غفورٌ رحيم"، ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم، فاليوم عملٌ بلا حساب، وغداً حسابٌ بلا عمل".
وفَّقك الله يا أخي أكرم، وحقَّق لك الإخلاص والخشوع في كلِّ عبادات
ـــــــــــــــــــ
الوسوسة.. وعجز الشيطان ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/1430)
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، و جزاكم الله كلَّ خير. مشكلتي وباختصارٍ هي وسوسة الشيطان في وقت العبادة والتعبُّد، أنا التزمت بالحجاب منذ فترةٍ تقلُّ عن السنة، والحمد لله كثيراً أنْ هداني له، وإن شاء الله سوف أكمل تعليمي العالي في تخصُّص الدراسات الإسلاميَّة، وعاهدتُّ ربِّي إن شاء الله أن تكون حياتي كلُّها في خدمة دين الله الذي ارتضاه للعالَمين، اللهمَّ إنِّي أسألك التوفيق.. اللهمَّ آمين. مشكلتي هي أنَّني أصاب بنوعٍ خطيرٍ من الوسواس في الصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند أيِّ عبادةٍ أقوم بها لدرجة أنَّ الوسواس يصل إلى حدِّ الكفر بوجود الله، والكفر بالقرآن، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أنا طبعاً لا أقبل هذا مطلقا، وأذكِّر نفسي دائماً بأدلَّة وجود الله في الكون، وأحبُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كثيراً جدًّا والحمد لله، لكن للأسف الشيطان ينغِّص عليَّ عيشتي، وينكِّد عليَّ وأنا في الصلاة، حيث إنَّك تجدني مشتاقةً للصلاة ولقراءة القرآن، وعندما أبدأ تأتي أفكارٌ عجيبةٌ لي. والله العظيم إنِّي متعبةٌ نفسيًّا من ذلك، وأسأل الله دائماً أن يثبِّتني على دينه، ويثبِّتني على إيماني، وأنا والحمد لله مؤمنة، ولا يمكن أن يقنعني أحدٌ بعدم وجود الله، أو بالشكِّ بالقرآن أو بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو حتى بالشكِّ بيوم البعث، فالحمد لله لديَّ الدلائل على صدق كلِّ شيءٍ يخصُّ الإسلام، لكن هذه الأفكار الإلحاديَّة تنغِّص عليَّ حياتي. فأرجو الإفادة. والسلام عليكم ورحمة الله. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور محمَّد منصور:
"أختي الفاضلة ياسمين،
إنَّ قوَّة الوساوس وكثرتها تدلُّ على قوَّة الإيمان وشدَّته وليس ضعفه وقلَّته، فقد سُئِل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الوساوس التي تصيبك، وتصيب كلَّ مؤمنٍ أيضاً، فقال: "ذاك صريح الإيمان"رواه مسلم، بمعنى أنَّ الشيطان يوسوس للمؤمن بوساوس تزداد تدريجيًّا كلَّما ازدادت قوَّة إيمانه؛ لأنَّه يريد أن يهزمه ويجعله عاصياً لربِّه غير متَّبعٍ لإسلامه الذي جعله لسعادته فيكون رفيقه في النار يوم القيامة، فإن رآه مؤمناً ضعيفاً مفرِّطاً في إسلامه هزمه بأقلِّ وسوسةٍ ككذبةٍ أو نظرةٍ محرَّمة أو نحو ذلك، وإن رآه مؤمناً قويًّا متمسِّكاً بإسلامه، علم أنَّه لن يهزمه إلا بوسوسةٍ قويَّةٍ مناسبة، كالكفر بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن.
إنَّ هذه الخواطر لا إثم عليها ما لم تتحوَّل إلى قولٍ أو عمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلَّم"رواه البخاريُّ ومسلم، بل لها ثوابها في الآخرة، ثواب مقاومتها والصبر عليها، كما قال تعالى: "إنَّما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب"؛ إذ هي من الابتلاءات التي تكفِّر الذنوب، والتي يختبر بها الله تعالى صدق من ادَّعى الإيمان، وهل سيستمرُّ فيه أم لا، والتي غالباً ما يخرج منها المسلم مستفيداً بعد اتِّخاذه لوسائل التغلُّب عليها –إضافةً إلى ثواب الآخرة – زيادةً في إيمانه، وصبرا، وجَلَدا، وتدريباً على تحمُّل أعباء(33/1431)
الدنيا، فيربح فيها ويتمكَّن من أداء ما أوجبه الله تعالى عليه من حُسن إعمارها وخلافته فيها.
ويمكنك –أختي الكريمة- التغلُّب على هذه الوساوس بالاعتقاد وبالفعل:
والاعتقاد هو:
1- أن نتدبَّر مخلوقات الله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد، فإنَّ ذلك ولا شكَّ يزيد الإيمان ويجدِّده ويقوِّيه، ويؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشكِّ وجود خالقٍ لهذه المخلوقات؛ لأنَّ الأثر يدلُّ على المسير، أي لو رأيت أثراً لأقدامٍ في الصحراء، فذلك يؤكِّد سير إنسانٍ حتى ولو لم تكن تراه، فكذلك وجود الله تعالى يظهر أثره في مخلوقاته حتى ولو لم تكن تراه، وهذه المخلوقات يثبت العلم كلَّ يومٍ عظمتها وإعجازها، وأنَّها لا يمكن أن تكون من صنع أيِّ بشر.
2- أن تعلمي أنَّ هذه الوساوس أمرٌ طبيعيّ، لأنَّ الشيطان وراءنا وراءنا، كما قال تعالى: "إنَّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتَّخذوه عدوّا"، وأنَّها ستتكرَّر بين الحين والحين، وبدرجاتٍ مختلفة، ومع الوقت ستكون عندك مناعةٌ ضدَّها فتكون موجودة، لكنَّها قليلة الأثر فيك.
فإذا علمت ما سبق فلن تؤرِّقك هذه الوساوس، إنَّما هي تقلقك لخوفك من ضررها، ولإحساسك أنَّها تبعدك عن تذوُّق حلاوة الإيمان، ولشعورك أنَّك الوحيد في هذا العالم الذي يحدث له ذلك، فالكثيرون مثلك أخي الكريم، ولتثق أنَّها موجودةٌ لمحاولتك الاقتراب من ربِّك سبحانه، وكلَّما قاومتها ازددتَّ قرباً من ربِّك، وازداد ثوابك في الدنيا وفي الآخرة.
والفعل هو:
1- إذا خطرت لك هذه الوساوس فعليك التوقُّف وعدم الاستمرار في التفكير فيها، كما أوصانا صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلَق الله الخلْق، فمن خلَق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً، فليقل: آمنت بالله"رواه مسلم، فالإسلام رغم احترامه الشديد للعقل؛ لأنَّه أساس معرفة الله تعالى، وأساس العمل، والإنتاج، والإعمار للكون، فإنَّه يطلب منَّا في أحوالٍ نادرةٍ أن نوقف عقولنا عن الخوض في التفكير في أمورٍ ليس عندنا معطياتٍ لها، وإلا أتت بضررٍ أكثر من النفع، ولو كان في تفصيلها خيرٌ لنا في دنيانا أو آخرتنا لفصَّلها الله تعالى لنا، فللعقل مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها، كما أنَّ للبصر مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها.
2- الاستعانة بالله تعالى ودعاؤه، كما قال سبحانه: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، ودوام ذكره، والاستعاذة به من الشيطان الذي من صفاته أنَّه خنَّاس، أي يخنس –يبتعد ويتراجع وينهزم- عن الإنسان بمجرَّد ذكره لربِّه، كما قال تعالى: "قل أعوذ بربِّ الناس، ملِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، وأنَّ القلوب تطمئنُّ بالذكر، كما قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب".
3- الانشغال بالأعمال الصالحة بما لا يدع وقتاً للتفكير في هذه الوساوس والاستجابة لها، وبما يحقِّق الثواب العظيم إذا استُحضرت النوايا الصالحة، كالرياضة، والقراءة، والعمل، والإنتاج، والدراسة، والعلم، والهوايات، وصلة الرحم، وزيارات الجيران،(33/1432)
والأقارب، والزملاء، والأصحاب، وخدمتهم، ودعوتهم للخير ما استطعت، وما شابه ذلك.
4- التواجد في وسطٍ صالحٍ يعين على مزيدٍ من الإيمان والعمل الصالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه.
أختي الكريمة،
إنَّ حلاوة الإيمان التي تتكوَّن في القلب تتبع قانون الأسباب والنتائج، أي من لم يتَّخذ أسبابها لم تتكوَّن عنده، ومن اتَّخذ أسبابها تكوَّنت، ووفَّقه الله تعالى للمزيد تدريجيّا، مع الوقت، ومع تجمُّع الأسباب، وليس فوريًّا بمجرَّد اتخاذ سببٍ أو اثنين، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأَنفسهم"، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار"رواه البخاريُّ ومسلم، وهذه الثلاث لا تأتي في يومٍ وليلة.
لقد اتَّخذت -أختي الكريمة- بعض أسبابها كما ذكرت من حرصك على الصلاة وقراءة القرآن، ونَدلُّك على بعض أسبابٍ أخرى:
1- استحضار النوايا لكلِّ عملٍ صالحٍ تعمليه، فأنت مثلاً تتعلَّمي لتعملي؛ ولتنفعي الإسلام والمسلمين والناس جميعاً بهذا العلم والعمل والإنتاج، وأنت تأكلين لتتقوَّى على الطاعة وإعمار الكون، وهكذا في كلِّ الأعمال.
فاستحضار النوايا يجعلك دائمة الذكر لله تعالى، دائمة العمل له لا للناس، وهذا يدلُّ على أنَّ الله ورسوله هما فعلاً أحبُّ إليك ممَّا سواهما، وعندئذٍ ستشعرين بحلاوة الإيمان كما ذكر الحديث.
2- تدبُّر نِعَم الله تعالى الموجودة في نفسك –والتي لا يمكن حصرها- مع استخدامها كلِّها في طاعة الله لا في معصيته، كالسمع، والبصر، واليدين، والرجلين، إلى غير ذلك من النعم، فاستشعار أنَّ كلَّ النعم هي فضلٌ من الله وحده ولا دخل لأحدٍ فيها، مع استخدامها في طاعته ما هو إلا ترجمةٌ عمليَّةٌ من المسلم على أنَّ الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وفي مقابل اتِّخاذه لهذا السبب سيجد مع الوقت حلاوة الإيمان في قلبه.
فمثلاً استخدام نعمة البصر في العلم والعمل والإنتاج، وزيادة الإيمان، وعدم استخدامها في الحرام يورث حلاوةً في القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله، آتاه الله عزَّ وجلَّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه"رواه الحاكم وصحَّحه، وهكذا كلُّ النِعَم إذا استُخدِمت في طاعة الله لا في معصيته.
3- التمسُّك بنظام الإسلام الشامل الكامل العادل الذي يسعد من يتَّبعه، في كلِّ شؤون حياتك: في بيتك، ومع والديك، وإخوتك، وجيرانك، وأصحابك، وزملائك، وفي أثناء دراستك وتعلُّمك، فذلك يورِّث اطمئناناً في القلب وسعادة، كما قال تعالى: "ومَن يعمل(33/1433)
من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحْيِيَنَّه حياةً طيِّبةً ولنَجْزِيَنَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
4- دعوة من حولك لهذا الإسلام، وللعمل بنظامه، ليسعد الناس كما سعدتِّ أنتِ، وخلال دعوتك ستشعرين بحلاوة الإيمان مع الوقت، لأنَّ لنجاحك في دعوة الغير حلاوةً لا يستشعرها إلا من مارس ذلك، حلاوةً ليست من الدنيا في شيء.
أوصيك نهاية -أختي الكريمة- بأن تصبري، وتستشعري حلاوة الصبر على هذه الوساوس، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء..."جزءٌ من حديث رواه مسلم، فهو ينير القلب والعقل، وينير الطريق ذاته.
وأن تستشعري حلاوة التضرُّع إلى الله والشكوى إليه وطلب عونه، كما كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إيذاء المشركين له في الطائف في بداية دعوتهم إلى الإسلام، والذي امتلأ حزناً، لكنَّه حزنٌ مع إصرارٍ على مواصلة الطريق، وأملٍ في تحقُّق نتائجه، قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى من تكلني، إلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنْزل بي غضبَك، أو يحلَّ عليَّ سخطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"رواه الطبرانيّ، وحسَّنه السيوطيّ.
وفَّقك الله وأعانك يا أختي، وجزاكِ عن الإسلام والمسلمين خيرا، وثقي بأنَّ ما بك ما هو إلا عجزٌ من الشيطان، فاصبري ولا تجزعي.
ومرحباً بوصالك وأسئلتك، وآرائك، واقتراحاتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ـــــــــــــــــــ
برنامج عملي لتطوير الإيمان.. المهمات التسع ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، في البداية جزاكم الله ألف خير، وجعل ذلك في ميزان حسناتكم. آبائي الكرام، أسأل الله أن أجد لكلماتي عندكم صدى، أبدأ بمشكلتي وأقول: أنا شابٌّ أبلغ من العمر عشرين عاما، أكرمني الله بحفظ كتابه الكريم، ولكن لا أعرف أنَّني راجعته في شهرٍ مرَّةً واحدة، وهذا ما يؤلمني، ليس هذا فحسب، فأنا والحمد لله أعرف طريق الدعوة وأحبُّه، ولكن الآن الروحانيَّة التي كانت لديَّ في الصغر، لا أجدها الآن، وهذا لاشكَّ فيه أنَّها الذنوب الذنوب. أساتذتنا الكرام، باختصار: أريد أن أحسَّ بلذَّة العبادة وبالقرب من الله. أريد أن أكون ناجحاً في دعوتي مع نفسي أوَّلاً ثمَّ مع أهلي ثمَّ مع الناس. أريد أن أعمل لديني حتى يغمض الجفن. وأطلب منكم أن ترشدوني إلى برنامجٍ عمليٍّ يتضمَّن تطوير الذات إيمانيًّا وثقافيّا، برنامجٍ يكون -إن شاء الله- بداية الانطلاق من جديد، والخروج من الفتور الذي أعيشه. أرجو أن يجيب على التساؤل الأستاذ فتحي يكن، والأستاذ كمال المصري. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولكم من الله جزيل الأجر والثواب. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار(33/1434)
... ... الرد ...
...
... يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
إنَّ ظاهرة تراجع الروحانيَّات واحدةٌ من الظواهر الآخذة في الانتشار والتفاقم، وأسباب ذلك كثيرة: منها ما يعود إلى البيئة والعشرة نفسها، ومنها ما يعود إلى غلبة الهموم الدنيويَّة على الهمِّ الأخرويّ، ومنها ما يتَّصل بحالة الاستهلاك الإيمانيِّ المتزايد مقابل تراجع الإنتاج الإيمانيِّ الملحوظ.
وحول هذه الظاهرة المرضيَّة، كنت ألقيت محاضرةً عنوانها: "الإنسان بين هداية الرحمن وغواية الشيطان"، عرضت فيها لمعادلة الإنتاج والاستهلاك الإيمانيِّ غير المتكافئة، أضع بين يديك ملخَّصاً لها، ولمشروعٍ متواضعٍ وسهلٍ لزيادة الإنتاج الإيمانيِّ ختمت به محاضرتي، وهو مقتبسٌ من كتابات بعض الأخيار المنشغلين بهذا الجانب الربانيِّ الهامِّ جزاهم الله عنَّا كلَّ خير، ولا أنسى أن أذكِّرك وأذكِّر نفسي بالوصايا العشر التي أوصى بها الإمام الشهيد حسن البنَّا العاملين على الساحة الإسلاميَّة في كلِّ مكان، إضافةً إلى "رسالة التعاليم" التي تشكِّل العمود الفقريَّ لكلِّ منهجٍ تربويّ "روحيِّ وثقافيّ"، أرجو أن تكون متوافرةً عندكم، فإن تعذَّر ذلك فيمكن إرسالها إليك هديَّة حبٍّ في الله.
عصر الاستهلاك الإيمانيّ:
يشهد هذا العصر استهلاكاً إيمانيًّا مريعا، من شأنه أن يدفع بالكثير من المسلمين إلى هاوية الإفلاس الإيمانيّ، يقول تعالى: "فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات فسوف يلقَون غيّا"، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم"رواه مسلم.
إنَّ كلَّ ما حولنا يصرفنا عن الله، ويغرينا بالدنيا وشهواتها: "زُيِّن للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضَّة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات"رواه مسلم.
أكتفي بعرض نموذجٍ بسيطٍ حول عمليَّة الاستهلاك الإيمانيِّ في زحمةٍ من المواقع الاستهلاكيَّة التي لا تُبقي ولا تذر:
أمام "نشرةٍ أسبوعيَّةٍ مجانيَّة" تقع في نحو أربعين صفحة، كلُّ صفحةٍ فيها تمتلئ بعشرات الدعوات والدعايات التي تستهلك الإيمان والأخلاق والوقت والمال، ولا تترك للإنسان فرصةً للتنفُّس الإيمانيِّ السليم؛ فهذه دعوةٌ إلى تنحيف الأجساد، وتأمين الأصدقاء، واستيراد خادماتٍ وحاضناتٍ تتناسب مع جميع الأذواق والميزانيَّات، وعرضٌ لمقاعد بكبسة زرٍّ تساعدك على النهوض، وعرضٌ لمعالجة الصلع، أو إزالة الشعر نهائيًّا عن الأجساد إلى الأبد، وعروضٌ لا تعدُّ في عالم التجميل، وعروضٌ لرفع الصدر وتنحيف الخصر والوشم والتغيير في خلق الله، ناهيك عن عروض بيع(33/1435)
السيارات والمفروشات والأدوات الكهربائيَّة والكومبيوترات والفيلاَّت والشقق والشاليهات، يرافق كلَّ ذلك عروضٌ سخيَّةٌ بالبيع المقسَّط يمكن أن يستهلك عمر الإنسان كلَّه، يضاف إلى ذلك تنافسٌ في عروض المطاعم وحفلات الطرب والرقص وما يمنع الحياء عن ذكره، هذه مفردةٌ صغيرةٌ ومحدودةٌ من وسائل الاستهلاك الإيمانيّ، يُضاف إليها عالم الإنترنت وعالم الفضائيَّات، وكلُّ ما تمخَّض عنه العقل البشريّ، ووُضع في خدمة الشيطان، فماذا يتبقَّى بعد ذلك؟
- هل يتبقَّى وقت؟ هل يتبقَّى جهد؟ هل يتبقَّى عقل؟
- هل يتبقَّى مال؟ هل يتبقَّى دين؟ هل يتبقَّى أخلاق؟
النتيجة: ضياع العمر وسوء المصير.
- كيف نواجه هذا الكمَّ من قوارض الإيمان؟
لابدَّ من مشاريع إنتاجيَّةٍ للإيمان تغالب الاستهلاك وتغلبه، إنَّ ذلك يحتاج إلى قوَّة إرادة، وعزيمة، وصبر، ومجاهدة نفس، ومغالبة هوى، لا تفتر ولا تتوقَّف، إنَّه يحتاج إلى إنماءٍ إيمانيٍّ يماثل حجم الاستهلاك الإيمانيِّ على الأقلّ.
إنَّ صوم رمضان، وأداء مناسك العمرة والحجّ، وإقام الصلاة فرائض ونوافل، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة كتاب الله، وذكر الموت، والنهوض بواجب الدعوة إلى الله، والإسهام قدر المستطاع بأحد جوانب الجهاد في سبيل الله، هذه وغيرها محطَّاتٌ للإنتاج الإيمانيّ، ومعارج رقيٍّ وارتقاءٍ إلى الله عزَّ وجلّ، نحن مطالبون بالإقبال عليها والاستفادة منها.
مشروع العصر:
"الدنيا ساعة.. فاجعلها طاعة"
ثماني مهمَّاتٍ على طريق الجنة
هذا المشروع: مقترحٌ كحدٍّ أدنى لكلِّ مسلمٍ ومسلمة، يتضمَّن ثماني مهمَّات، محدَّدة الوقت، معلومة الثواب، محقِّقةً الفائدة بإذن الله تعالى، من ذلك: مغفرة الذنوب، الأمان من فتنة القبر، بناء بيتٍ في الجنَّة، استجابة الدعاء، الأمان من الفقر، قضاء الحوائج، تفريج الهمّ، إنَّ كلَّ ذلك لا يستغرق أكثر من ستِّين دقيقة.
1- المهمَّة الأولى:
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"، وهي: اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب + اثنتان بعد العشاء.
الفائدة المرجوَّة: يبني الله للمداوم بيتاً في الجنَّة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ ثنتي عشرة سجدة، تطوُّعا، بني له بيتٌ في الجنَّة"رواه مسلم.
2- المهمَّة الثانية:
صلاة ركعتين في الليل،
الفائدة المرجوَّة: يستجاب الدعاء + يُغفَر الذنب + تُقضَى الحاجة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"رواه البخاري.(33/1436)
3- المهمَّة الثالثة:
أداء صلاة الضحى ركعتين، أو أربعا، أو ثماني ركعات.
الفائدة المرجوَّة: تؤدِّي صدقةً عن كلِّ مفصلٍ من مفاصل العظام.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كلِّ سُلامى من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكلُّ تحميدةٍ صدقة، وكلُّ تهليلةٍ صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى"رواه مسلم، وروى البخاريُّ جزءاً منه.
4- المهمَّة الرابعة:
قراءة سورة الملك.
الفائدة المرجوَّة: تنجي من عذاب القبر.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيُّ وأحمد، وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسن.
5- المهمَّة الخامسة:
قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير".
الفائدة المرجوَّة: تعدل فكَّ عشر رقاب، وتُكتَب مائة حسنة، وتمحو مائة سيِّئة، وتكون حرزاً من الشيطان.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك"رواه مسلم.
6- المهمَّة السادسة:
الصلاة على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: براءةٌ من البخل، وصلاةٌ من الله.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا"رواه مسلم.
وقوله: "البخيلُ الذي منْ ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليّ"رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح.
7- المهمَّة السابعة:
قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: تُغرَس له في الجنَّة مائة نخلة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"رواه الترمذيّ، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب.
8- المهمَّة الثامنة:
قول: "أستغفر الله" مائة مرَّة.(33/1437)
الفائدة المرجوة: يفرِّج الله كربه، ويوسِّع رزقه.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورَزَقه من حيث لا يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
فنسأل الله تعالى الهدى والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
ويضيف الدكتور كمال المصري :
وبإجابة الدكتور فتحي أكرمه الله تعالى الوافية الكافية، أختم بالإشارة إلى موضوعٍ تحدَّثت فيه كثيرا، ويحسن الحديث فيه هنا في مقام زيادة الإيمان، ودعني أسمِّيه المهمَّة التاسعة، وهو أنَّ الإيمان في ديننا ليس صلاةً وقراءة قرآنٍ فقط، بل هو ممارسةٌ وفعلٌ ومعاملةٌ كذلك، فعندما يقول صلى الله عليه وسلم مثلاً في الحديث الرائع حقّا: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقةٌ لك، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ غريب، ورواه ابن حبَّان في صحيحه، هل هذه الأوامر والفضائل "المعاملاتيَّة" لمجرَّد العلم، أم هي للممارسة أيضا؟ وهل لها –إذا ما طبَّقناها- علاقةٌ بزيادة الإيمان في قلوبنا؟ ولو كانت ليست لها علاقةٌ بالإيمان، فمعذرة، فما فائدتها؟ ولماذا وردت؟ ولماذا حثَّ ديننا عليها وأمر بها؟
لقد أخبرنا رسولنا صلى لله عليه وسلم بعظم أجر هذه المعاملات حين قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجد غصن شوك، فأخذه، فشكر الله له، فغفر له"رواه أحمد والبخاريُّ ومسلم وأبو داود والترمذيّ.
علينا إذن أن نتقرَّب إلى الله بالمعاملة كما تقرَّبنا إليه بالطاعة.. بالإتقان والالتزام في كلِّ شيءٍ في حياتنا صغر أم كبر، يبدأ من التزام الكلمة وصولاً إلى التزام العمل والطاعة والحياة، لنجعل حياتنا قربةً إلى الله تعالى، في الطاعة وفي المعاملة، وعندئذ لن نحسَّ بقسوة القلب أو بالتراجع الإيمانيّ، وصدق ربُّنا سبحانه حين قال: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له وبذلك أُمِرت وأنا أوَّل المسلمين".
ومحياي: قال الإمام القرطبيُّ في تفسيرها: أي ما أعمله في حياتي.
فالإسلام إذن: صلاةٌ ونسكٌ أي طاعةٌ وعبادة، وكلُّ ما نقوم به في حياتنا من أعمال.
وهذه كلُّها يجب أن تكون لله ربِّ العالمين، وبدونها لا يكون المسلم مسلما.
جزاك الله خيراً يا أخي الكريم، وأتمنَّى أن نكون أوفيناك الإجابة..
ـــــــــــــــــــ
الابتلاء: بين التمحيص وسوء العاقبة.. لا للتبرير ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
سيدي الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فإنَّنا نتعرَّض إلى الكثير من المحن والمصائب في حياتنا، فنفسِّر كلَّ ما نتعرَّض له من أمورٍ بأنَّه ابتلاءٌ من الله لنا، بينما قد يكون جزءٌ من هذه العواقب بسبب أخطائنا وممارساتنا غير الصحيحة،(33/1438)
فتكون الآثار السيِّئة التي تصيبنا هي نتائج أخطائنا، ونحن نبرِّرها بأنَّها ابتلاءٌ من ربِّنا ليمحِّصنا. يلزمنا الانتباه لذلك، والتفريق بين هذا وذاك. فكيف نميِّز بين الحالتين؟؟ هل هناك أمورٌ محدَّدةٌ أو مقياسٌ يفرِّق بين الحالتين؟ مع الشكر والتقدير. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الشيخ ناظم المسباح:
أخي عليّ،
أدعو الله أن يجنِّبنا الفتن والمصائب، وأن يرفع عنَّا الابتلاءات، وأن يثبِّت أقدامنا على طريق الحقّ، وأن يعيننا على الصبر والتحمُّل وقت وقوع البلاء.
أمَّا ما ذهبت إليه من تفريقٍ بين الابتلاء الذي يستهدف التمحيص والاختبار، وبين سوء العواقب بسبب الأخطاء، فهذا التفريق صحيح، والابتلاء ممَّا قضت به سنَّة الله في الحياة، والدعاة في كلِّ مكانٍ وزمان، فهذا التفريق صحيح، والابتلاء ممَّا قضت به سنَّة الله في الحياة، والدعاة في كلِّ مكانٍ وزمانٍ يتعرَّضون للمحن والفتن، قال تعالى: "ولقد كُذِّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدِّل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين".
فأهل الباطل دائماً يكيدون للدعاة، ويتعرَّضون لهم بأشدِّ أشكال وصور التعذيب والتنكيل، وقد أوذي النبيُّ وأصحابه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالصبر: "أبشروا آل عمار، وآل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنَّة"رواه الطبرانيُّ والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، وقال تعالى: "لتُبلَوُنَّ في أموالكم وأنفسكم ولتَسمَعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتَّقوا فإنَّ ذلك من عزم الأمور".
ولا يجوز للمسلم أن يتمنَّى وقوع البلاء، ولكن عليه أن يدعو إلى الله بالوسائل المشروعة حسب الكتاب والسنَّة، وأن يجتهد في ذلك، وإن تعرَّض بسبب ذلك إلى الابتلاء فعليه بالصبر، ولا ينبغي للمسلم أن يتحمَّل من الابتلاء ما لا يطيق، فيرسب في الاختبار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه"، قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسه؟ قال: "يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيق"رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريب، وعليه أن يسأل الله التخفيف، ورفع البلاء، والعفو والعافية، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيُّها الناس، لا تمنَّوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنَّ الجنَّة تحت ظلال السيوف"، ثمَّ قال: "اللهمَّ مُنزِل الكتاب، ومُجرِي السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"متَّفقٌ عليه.
وكما تكون سنَّة الله في ابتلاء عباده بأنواع الابتلاءات الكثيرة لتمحيص النفوس، واختبار القوَّة من الضعف والصبر من الجزع، فإنَّها من جهةٍ أخرى تكون للتنبيه للأخطار والتقصير في بعض الواجبات، قال تعالى: "ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم(33/1439)
مصيبةٌ قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، وقال تعالى: "وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
فلا يصحُّ أن نعلِّل ابتلاءاتنا دائماً بالعلَّة الأولى دون الانتباه إلى العلَّة الثانية، كما يفعل كثيرٌ منّا، فنغطِّي بذلك على أخطائنا، ونرسِّخ أمراضنا وأدواءنا من حيث نشعر أو لا نشعر.
وهكذا فإنَّ سوء العواقب بسبب أخطائنا لاشكَّ أنَّها حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، فعدم تقدير المسلم للموقف، وعدم إحسان التصرُّف حياله، وعدم الأخذ بالأسباب، وعدم الحكمة في التعامل معه، وارتكاب المعاصي، كلُّ ذلك قد يؤدِّي إلى سوء العاقبة.
وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ على ذلك:
- حين خالف الرماة تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، هُزِم المسلمون، وكان ابتلاء الهزيمة لأجل الحصول على العظة والعبرة.
- ما ورد عن بعض السلف: إنَّما يجد المسلم أثر معصيته في تعثُّر دابَّته، أو نشوز زوجته.
- قَصص الأقوام الذين تعرَّضوا لسوء العاقبة، إنَّما ذلك بسبب أخطائهم وتكذيبهم للرسل.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
وبانتهاء حديث الشيخ ناظم أكرمه الله تعالى، نجد أنَّ المقياس الفارق بين الابتلاء بسبب تقصيرنا، وابتلاء التمحيص والاختبار من ربِّنا سبحانه، هو "الأخذ بالأسباب".
عندما نأخذ بالأسباب كاملةً ثمَّ يأتينا الابتلاء،عندها يكون اختبارا، وتمحيصا، وإنزالاً من الذنوب، ورفعاً في الدرجات.
وعندما نقصِّر في أعمالنا، ونقع في الذنوب والمعاصي، عندها يكون الابتلاء عقابا، وسوء عاقبة.
المقياس واضحٌ بيِّنٌ لا لبس فيه، ولكنَّنا دأبنا –نحن المسلمين- على تحميل ديننا أخطاءنا، وأبدعنا في استخدام كلماتٍ مثل: "قدَّر الله وما شاء فعل- خيراً إن شاء الله يا أخي- المؤمن مبتلى- ...... وغيرها كثير" في غير موضعها، فاستعملناها مبرِّرات تقصير، ومريحات ضمير، ورافعات إثم، وما هي كذلك.. والله ربُّنا لا يخفى عليه شيءٌ سبحانه.
أصلح الله الحال.
شكراً لك أخي عليٌّ على سؤالك القيِّم.. وأهلاً بك...
ـــــــــــــــــــ
في فلسفة الدعاء.. ولا تضيِّق واسعا ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كنت قد قرأت عن السيِّدة التي تسأل عن الدعاء وفلسفته، وضربَتْ مثلاً بالدعاء عند المرض. وأعتقد أنَّ إجابتكم كانت خاصَّةً لها بالمرض، وإنِّي أريد الاستزادة في هذا الأمر. وأتمنَّى أن تقترحوا بعض الكتب التي تتحدَّث عن فلسفة الدعاء، وأتمنَّاها كتباً عصريَّة، فأنا دائماً أحتار بين الدعاء وتقبُّل(33/1440)
القضاء في كلِّ الأمور، وليس في المرض فقط، حتى أنِّي اقتنعت بأنِّي لا أدعو لأمرٍ من الأمور الماديَّة، وعليَّ أن أدعو فقط بالذكر والتعبُّد. فأفتوني أفادكم الله. ... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
... "الأخ الكريم أحمد،
إنَّ مقتضى إيمان المرء بالله سبحانه وتعالى إلهاً واحداً وربًّا معبوداً أن يلجأ إليه؛ وبخاصَّةٍ في المُلِمَّات، والإنسان يعرف ضعفه، فإنَّه كثيراً ما يصادف ظروفاً وأحوالاً لا يملك في مواجهتها حيلة، أمَّا المؤمن فهو يأخذ بالأسباب، وفي نفس الوقت يستعين بالله عزَّ وجلّ، أمَّا غير المؤمن فقد يهاجمه اليأس، أو يركن إلى الأسباب الماديَّة وحدها.
والنفس الإنسانيَّة مهما بلغت قوَّتها، ومهما بلغ غناها، تحسُّ دائماً في ساعة العسرة بالضعف، وحاجتها إلى من يحميها وينقذها من وحدتها ويزيل عنها المكروه.
الدعاء هو العبادة:
والدعاء من العبادات، بل هو العبادة الحقيقيَّة ذاتها، لدلالته على إقبال العبد على الله عزَّ وجلَّ والإعراض عمَّن سواه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة"رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ صحيح.
والله سبحانه وتعالى قريبٌ من عباده، وهو عزَّ وجلَّ يبادر بإجابة دعواتهم، حيث قال عزَّ وجلّ: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، والعبد الذي يدعو يمكنه أن يتقرَّب إلى الله سبحانه وتعالى بوسيلةٍ من الوسائل تُزيد من رجاء القبول والاستجابة؛ فالوسيلة هي المنزلة والدرجة والقُربة، والتوسُّل إليه سبحانه وتعالى هو أن تتقرَّب إليه بعملٍ صالح.
تحري الأوقات الفاضلة وأحوال القرب:
هناك أوقاتٌ وأحيانٌ وأحوالٌ فاضلة، يستطيع المرء إذا تحرَّى الدعاء فيها كان لله عزَّ وجلَّ متوسِّلاً متقرِّبا، وصار دعاؤه أقرب للإجابة، فهناك ساعةٌ في يوم الجمعة، إن وافقناها أُعطِينَا، وساعةٌ كلَّ ليلة، للدنيا والآخرة، وهناك وقت السَّحَر، فلنتوسَّل إلى الله عزَّ وجلَّ بتحرِّي هذه الأوقات للدعاء والاستغفار.
والمؤمن يدعو ربه أينما كان وفي أية ساعة، ولكن هذه الأوقات والأحوال والأماكن تخص بمزيد عناية، فإنها مواطن يستجاب فيها الدعاء بإذن الله تعالى.
ومن تلك الأحوال والأوقات: ليلة القدر، ودُبُر الصلوات الخمس، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وعند شرب ماء زمزم مع النيَّة الصادقة، وفي السجود في الصلاة، وعند التأمين في الصلاة، ودعاء الغازي في سبيل الله، والدعاء عند المريض، ودعاء يوم عرفة في عرفة، والدعاء في شهر رمضان، وعند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، وعند المصيبة، ودعاء الوالد لولده، ودعاء المسافر، ودعاء المضطَّرّ.(33/1441)
كما قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الربّ: وعزَّتي لأنصرنَّك ولو بعد حين"رواه الترمذيّ، وقال: حسن.
ومن الوسائل الكريمة التي تؤهِّل دعاء العبد للإجابة:
أن يدعو لغيره، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أَنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل"رواه مسلم.
وكذلك طلب الدعاء من الصالحين، وقد فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك، فعن أسير بن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفِيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مرادٍ ثمَّ من قَرَن؟ قال: نعم، قال: فكان بك بَرَصٌ فبرِأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مرادٍ ثمَّ من قَرَن، كان به بَرَصٌ فبرِأ منه إلا موضع درهم، له والدةٌ هو بها بَرّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" فاستغفر لي، فاستغفر له.رواه مسلم.
الاستجابة أكيدة:
وعندما يرفع المؤمن دعاءه إلى الله عزَّ وجلّ، ينبغي أن يوقن بالإجابة، فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي"رواه البخاري.
لذا فإنَّنا نعزم في الدعاء ولا نستثني، والعزم هو أن نطلب ما نريد بلا تردُّدٍ ولا تعليقٍ للأمر، والاستثناء عكس العزم؛ وهو أن نعلِّق الاستجابة على مشيئة الله سبحانه وتعالى، وبما أنَّنا نعتقد أنْ لا شيء يُلزِمُ المولى عزَّ وجلّ، فقد أُمرنا أن نعزم في الدعاء ولا نُعَلِّقه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولنّ: اللهمَّ إن شئت فأعطني، فإنَّه لا مستكره له"رواه البخاري.
نصون سلاح الدعاء:
إنَّ كلَّ سلاحٍ يحتاج للصيانة ليبقى صالحاً للاستعمال، وصيانة سلاح الدعاء تكون:
- بتحرِّي الحلال.
- بالقيام بواجب الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّها الناس، إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّبا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيُّها الرسل كلوا من الطيِّبات واعملوا صالحاً إنِّي بما تعملون عليم"، وقال: "يا أيُّها الذين آمنوا كلوا من طيِّبات ما رزقناكم" ثمَّ ذكر الرجل يُطيل السفر، أشعث أغبر، يَمُدُّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك"رواه مسلم.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأمينٌ للإجابة:(33/1442)
قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم"رواه ابن ماجه، بسندٍ حسن.
فمن أراد أن يكون مستجاب الدعوة، فليقُمْ بهذا الواجب.
أسباب عدم إجابة الدعاء:
إضافةً إلى ما سبق، فهناك أسبابٌ تمنع استجابة الله عزَّ وجلَّ لدعاء العبد، ذكرها إبراهيم بن أدهم حينما مرَّ بسوق البصرة، فسأله الناس: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال: لأنَّ قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدُّوا حقَّه، وزعمتم أنَّكم تحبُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنَّته، وقرأتم القرآن ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدُّوا شكرها، وقلتم: إنَّ الشيطان عدوٌّ لكم، ولم تخالفوه، وقلتم: إنَّ الجنة حقّ، ولم تعملوا لها، وقلتم: إنَّ النار حقّ، ولم تهربوا منها، وقلتم: إنّ الموت حقّ، ولم تستعدوا له، وانتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم.
من آداب الدعاء:
وللدعاء آداب، منها: الإخلاص لله تعالى، والوضوء قبله، وأن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثمَّ بالصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويختم بذلك، واليقين بالإجابة، والإلحاح وعدم الاستعجال، وحضور القلب، والدعاء في الرخاء والشدَّة، وعدم الدعاء على الأهل والمال والولد والنفس، وخفض الصوت، وعدم تكلُّف السجع، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وأن يبدأ بنفسه إذا دعا لغيره، وتحرِّي أوقات الإجابة، والمبادرة لاغتنام الأحوال والأوضاع والأماكن التي هي من مظانِّ إجابة الدعاء.
أخطاء تقع في الدعاء:
أن يشتمل الدعاء على شيءٍ من التوسُّلات الشركيَّة أو البدعيَّة، وتمنِّي الموت، وسؤال الله ذلك، والدعاء بتعجُّل العقوبة، والدعاء بما هو مستحيل، أو بما هو ممتنعٌ عقلاً أو عادةً أو شرعا، والدعاء بأمرٍ قد تمَّ وحصل بالفعل وفُرِغ منه، وأن يدعو بشيءٍ دلَّ الشرع على عدم وقوعه، والدعاء على الأهل والأموال والنفس، والدعاء بالإثم كأن يدعو على شخصٍ أن يُبتلَى بشيءٍ من المعاصي، وتحجير الرحمة، كأن يقول: "اللهمَّ اشفني وحدي فقط، وارزقني وحدي فقط"، وأن يخصَّ الإمامُ نفسَه بالدعاء دون المأمومين إذا كانوا يُؤمِّنون وراءه، وترك الأدب في الدعاء، والدعاء على وجه التجربة والاختبار لله عزَّ وجلّ، كأن يقول: "سأجرِّب وأدعو لأرى أيستجاب لي أم لا؟"، وقول بعضهم: "سأدعو الله فإن نفع وإلا لم يضرّ"، وكثرة اللحن أثناء الدعاء، واليأس وقلَّة اليقين من إجابة الدعاء، ودعاء الله بأسماء لم ترد في الكتاب والسنَّة، والمبالغة في رفع الصوت، وتصنُّع البكاء ورفع الصوت بذلك.
مقامات الدعاء مع البلاء:
وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
والثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوَى عليه البلاء، فيصاب به العبد.
والثالث: أن يتقاوما ويمنع كلُّ واحدٍ منهما صاحبه.(33/1443)
وقد روى الحاكم في مستدركه بسندٍ صحيحٍ من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُغنِي حذرٌ من قدر، والدعاء ينفع ممَّا نزل وممَّا لم ينزل، وأنَّ البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان -أي: يصطرعان- إلى يوم القيامة".
ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال: قال مورق: "ما وجدت للمؤمن مثلاً إلا رجلاً في البحر على خشبة، فهو يدعو: يا ربّ، يا ربّ، لعلَّ الله عزَّ وجلَّ أن ينجيه".
كتبٌ في الدعاء:
أمَّا عن الكتب التي تناولت الدعاء وفلسفته، فيأتي على رأسها كتاب "إحياء علوم الدين" لحجَّة الإسلام أبي حامد الغزالي، وكتابا "زاد المعاد"، و"الوابل الصيِّب من الكلم الطيِّب" للعلاَّمة ابن القيِّم، وكتاب "أدب الدنيا والدين" للإمام الماوردي.
ومن الكتب المعاصرة:
- "فنُّ الذكر والدعاءعند خاتم الأنبياء" لفضيلة الشيخ محمد الغزالي.
- "الدعاء المُيَسَّر" للأستاذ أحمد عيسى عاشور
- "مفاتيح السماء من مختارات الدعاء" للأستاذ طه عبد الله عفيفي.
- "الدعاء من الكتاب والسنَّة" للشيخ سعيد بن وهف القحطاني.
أمَّا مسألة أن تترك الدعاء في الأمور الماديَّة، فلا أؤيِّدك في ذلك، لأنَّ الله تعالى يا أخي الكريم إذا كلن كريماً جوادا، فلماذا نكون نحن بخلاء؟؟
لقد قال صلى الله عليه وسلم: "أعجز الناس من عجز عن الدعاء"رواه الطبرانيّ، بسندٍ صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء"رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه، بسندٍ صحيح.
فلا تضيِّق واسعا، فتخسر هذه الفرصة".
ـــــــــــــــــــ
في جهاد اللسان.. وغض البصر ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الإخوة الفضلاء القائمين على الموقع الكريم "إسلام أون لاين.نت"، تحيَّةً من عند الله مباركةً طيِّبة، لقد بعثت برسالةٍ سابقاً أطلب فيها أسماء بعض الكتب الموثوق فيها والمُبسَّطة عن أمراض اللسان، وقد رشَّحتم لي سيادتكم: - مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامه المقدسي. - رسالة المسترشدين للإمام الحارث المحاسبي. - المُستخلَص في تزكية الأنفس للشيخ سعيد حوَّى. - السلوك الاجتماعيَّ في الإسلام للشيخ حسن أيُّوب. - خُلُق المسلم للشيخ محمَّد الغزالي. - خُلُق المؤمن للشيخ أبو بكر الجزائري. وقد قمت بالفعل بشراء كتاب الشيخ حسن أيُّوب "السلوك الاجتماعي في الإسلام"، وقرأت مقدِّمة الكتاب عن أهمِّيَّة الأخلاق والمعاملات في الإسلام لتوضيح شمول الدين للعبادات والمعاملات جنباً إلى جنب، كما قرأت الجزء الخاصَّ بأمراض اللسان. وهذا الكتاب بحقٍّ نِعم الكتاب ونِعم المؤلِّف جزاه الله و جزاكم كلَّ خير. والحمد لله فقد مَنَّ الله عليَّ بمزيدٍ من المصادر(33/1444)
عن أمراض اللسان، وقد قمت بقراءتها أكثر من مرَّة، ووعظت غيري بها من الزملاء المُقرَّبين في العمل، والذين عادةً يكون الحديث معهم مليءٌ بالغيبة والنميمة والقذف وغيرها من الأمور التافهة، وبفضل الله وبرحمته فقد استجاب الكثيرون لهذه الدعوة الكريمة بتنظيف القلب واللسان، وبدأنا بالفعل في التعهُّد بالامتناع عن الغيبة وأمراض اللسان، والبقيَّة تأتي بإذن المَولى، ومازالت التذكرة والدعوة مستمرَّتان، أعاننا الله وإيَّاكم على طريقه الكريم ورضوانه في الدنيا والآخرة. هذا وقد أردت أن تعلموا أيُّها الإخوة والأحبَّة في الله -الذين لم ألتقِ بواحدٍ منهم أو أعرفه، وإنمَّا قد جمعتنا مظلَّة لا إله إلا الله، وكفى بها من نعمةٍ أدامها الله علينا- أنَّ موقعكم الكريم قد جعله الله سبباً في عودة بعض المسلمين إلى ربِّهم، فجزاكم الله كلَّ خير، ووفَّقكم إلى المزيد من خدمة الإسلام والمسلمين. ولا أخفي عليكم مسألةً أريد أن أستشيركم فيها، هل يمكنني احتساب الدعوة إلى الطهارة من أمراض اللسان وغيرها جهاداً في سبيل الله، حيث إنَّني أنوي أن أُبَصِّر نفسي بأمور الدين بنيَّة تقوية القلوب ضدَّ كلِّ وافدات الإلحاد والفساد. ثانيا: سمعت حديثَين عن الغيبة مهمَّين جدّا، وأريد التأكُّد منهما حتى أعظ بهما غيري عن ثقة: الحديث الأول: "خيركم من جبَّ الغيبة عن نفسه". الحديث الثاني "السامع والمغتاب شريكان". ثالثا: أريد أن تدلُّوني على أسماء كتبٍ تختصُّ بالنَّظر إلى الحرام -غضِّ البصر-، ويشرحه باستفاضة: آياتٍ وأحاديث وقصص، حيث إنَّ الأشرطة المتوافرة لديَّ عن هذا الموضوع مختصَرةٌ ومُكرَّرة، بالإضافة إلى أنَّني أريد كتاب أقرؤه حتى يمكنني حفظ الأدلَّة المختلفة بسهولةٍ ومراجعتها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
... تقول الأستاذة هبة عمرو من فريق الاستشارات:
"الأخ الكريم عمرو،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نشكرك على رسالتك الطيِّبة التي أثلجت صدورنا وأسعدت قلوبنا، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا دائماً عند حُسن ظنِّك، وأن يُعَلِّمك ما ينفعك وأن ينفعك بما علَّمك.
أولا: بالنسبة لاحتساب الدعوة جهاداً في سبيل الله، فبالطبع يمكنك أخي الكريم، فللجهاد مراتب شتَّى، منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد قسَّم الإمام ابن القيِّم الجهاد إلى عدَّة مراتب، وفصَّل جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات إلى ثلاث مراتب: باليد، باللسان، ثمَّ بالقلب مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم مُنكَراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"رواه مسلم، لذلك فدعوتك لزملائك وأصدقائك للكفِّ عن الغيبة والنميمة وكافَّة أمراض اللسان، وصبرك على عدم تقبُّلهم للدعوة واستنكار بعضهم وسخرية الآخرين أحيانا.. كلُّ ذلك من الجهاد في سبيل الله.
ويمكنك الرجوع لفتوى الشيخ يوسف القرضاوي عن أنواع الجهاد في سبيل الله:
معنى (في سبيل الله) وصور متنوعة للجهاد(33/1445)
ثانيا: الحديثان:
قبل أن أورد لك تخريج هذين الحديثَين، دعني أدعوك لقراءة الاستشارة التالية لتتعرَّف على بعض القواعد الخاصَّة بتخريج الأحاديث:
قواعد في تخريج الأحاديث.. وكتب في الدجَّال.. النصُّ منهجنا
أما بالنسبة للحديثَين:
- حديث: "خيركم مَن جبَّ الغيبة عن نفسه"، فلم نجد له تخريجا، ولا يوجد غير نصٍّ واحدٍ بصيغةٍ أخرى بنفس المعنى في كتاب "كشف الخفاء" للإمام العجلوني، ونصُّه: "رحم الله امرءاً جبَّ الغيبة عن نفسه"، ولم يقل في تخريجه شيء.
وقد يكون نصُّ الحديث ضعيفا، لكنَّ معناه صحيح، فقد روى البخاريُّ ومسلم في صحيحيهما: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المسجد، وعنده أزواجه، فرُحْنَ، فقال لصفيَّة بنت حييّ: "لا تعجلي حتى أنصرف معك"، وكان بيتها في دار أسامة، فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم معها، فلقيه رجلان من الأنصار، فنظرا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ أجازا، وقال لهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "تعاليا، إنَّها صفيَّة بنت حييّ"، قالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: "إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإنِّي خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئا".
فقد حرص النبيُّ صلى الله عليه وسلم ألا يضع نفسه موضع شبهة، وأن يوضِّح لأصحابه الحقيقة حتى لا يدع مجالاً لوساوس الشيطان.
- حديث "السامع والمغتاب شريكان"، ورد بصيغةٍ أخرى هي: "المغتاب والمستمع شريكان في الإثم"رواه الطبرانيّ، بسندٍ ضعيف.
وبعد، أخي الكريم،
إنَّ توافر الأحاديث الصحيحة عن آفات اللسان يجعلك في غنى عن الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة، فتمسَّك بما هو صحيحٌ خيرٌ لك ولمن تدعوهم، وأعتقد أنَّك بقراءتك للكتب السابق ذكرها قد اطَّلعت على مجموعةٍ من الأحاديث الصحيحة وآراء العلماء الثقات ممَّا يوفَّر لك زاداً لتذكرة زملائك كما تشاء.
ثالثا: الكتب التي تحدَّثت عن غضِّ البصر:
الكتب التي ذكرناها لك بخصوص أمراض اللسان، بها كذلك أبواب عن النَّظرة والغضِّ من البصر، وبالإضافة إلى تلك الكتب يمكنك الاستعانة بكتاب: "تربية الأولاد في الإسلام"، للدكتور عبد الله ناصح علوان، ففيه فصلٌ كاملٌ وطيِّبٌ عن "أدب النظر".
وأخيرا -أخي عمرو- أسأل الله تعالى أن تنتفع بما أوردناه لك في هذه الاستشارة، وأن توافينا بأخبارك أوَّلاً بأوَّل لنطمئنَّ عليك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ـــــــــــــــــــ
قلب المؤمن دليله"..بين الخطأ والصواب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
إنَّني فتاةٌ ملتزمة، وعلاقتي بالله جيِّدة، أريد أن أعرف هل ما يشعر به المؤمن في قلبه يكون صحيحا؟ وما معنى "قلب المؤمن دليله"؟ هل لنا أن نستمع إلى قلوبنا ونتجاهل(33/1446)