والالتزام بها فائدته عظيمة، قال الله تعالى في كتابه الكريم: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا".
ولقد أوصانا خير البشر صلى الله عليه وسلم بالصحبة فقال: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" رواه أبو داود في سننه.
ومن هنا يظهر لنا أهمية الصحبة ودورها في حماية الفرد من كثير من المخاطر، فالتزامك بالصحبة يا أخي يعني وجود من يقدمون لك العون دائمًا وأبدًا، كما يعني وجود من يحرصون على مصلحتك فيوجهونك للصواب ويبعدونك عن الخطأ، ويمدون لك يد العون متى احتجت إليهم. فالغاية التي تجمعكم واحدة وهي مرضاة الله عز وجل.
أول ما عليك القيام به هو البحث عن مجتمعك الصغير الذي يعينك على التقرب من الله وعلى تحلية مرارة الغربة وعلى إطفاء نيران الفتن في ظل مجتمع تسوده مبادئ بعيدة تمامًا عن مبادئنا الإسلامية، وهم- كما فهمت من رسالتك كثير- والحمد لله.
وعليك بعد ذلك بعد ذلك البحث عن زوجة صالحة تسكن إليها وتعينك على طاعة الله وتذكرك بواجباتك وتهيئ لك الجو المناسب والراحة التامة لمزيد من العطاء والعمل. ويقول لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" رواه أحمد ومسلم والنسائي.
وانظر يا أخي الكريم كيف وصف لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة إذ قال: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته" رواه أبو داود، فابحث حولك عن ذات الدين وسيجمعك الله سبحانه وتعالى بها قريبًا ما دامت نيتك هي التعفف والتقرب من الله.
فقد أكد لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: "ثلاثة كلهم حق على الله: عونه الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد التعفف". رواه ابن ماجة في سننه.
فقط أحسن البحث، وحاول إقناع أهلك بضرورة زواجك، وثق بأن الله معك. كل ما سبق ذكره هو أقل واجب أستطيع القيام به تجاهك أخي الفاضل، وتذكر دائمًا أن رحمة الله وسعت كل شيء، وأن الله تعالى قد تكفل بالنجاح لمن بذل جهده، فقال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
وثق- أخي الكريم- بأنك بخير، فهدئ من روعك، ضع البرامج العملية التي تعيدك إلى ما كنت عليه بل وأحسن، التزم الصحبة الطيبة، وتعاون معهم على الطاعات فيشجع بعضكم بعضا، ويرفع بعضكم بعضا، وابحث عن الرفيق الصالح "الزوجة المؤمنة"، لتعود كما كنت: حافظا لكتاب الله، مشتعل الجذوة الدعوية، من الداخل أحسن من الخارج.(33/572)
وأخيراً؛
أرجو أن تطمئنا على أحوالك في أقرب وقت، ومرحباً بك دائما على صفحات الحبيبة "إسلام أون لاين.نت". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــ
طيش الشباب".. كيف أكفر عنه؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم
أرجوكم ساعدوني، فأنا لا أعرف ماذا يجب على فعله، فسوف أتقدم للزواج من فتاة، الحمد لله أرى أنها إنسانة صالحة بإذن الله، ومشكلتي التي تؤلمني، أنني في فترة الضياع تعرفت على بنت، وخرجت معها أكثر من مرة، ووصل الأمر إلى أنني في مرة من المرات كنا في حديقة هادئة، فحدثت بيننا تصرفات خارجة، وتحسست أماكن من جسدها..
والآن عندي بعض الأسئلة أود أن تساعدوني بالإجابة عليها وهي :
- هل هذا يعتبر زنى ؟ وماذا يجب علىَّ أن افعل لأتوب من هذه الفعلة؟
- هل أخبر الإنسانة التي سوف أتقدم لها أم ماذا ؟
- كيف أكفر عن ذنبي تجاه تلك الفتاة ؟
ومع علمي بأن الله غفور رحيم، يغفر جميع الذنوب، لكنني أعلم أيضاً أن حق العبد يظل معلقًا، فهل أذهب إليها وأتوسل لها أن تسامحني لكي يتقبل الله مني؟، أم أن ذهابي سيزيد الطين بله، كما يقولون؟، حيث كنت أنا السبب فيما حدث بعد أن أوهمتها بالزواج، وقلت لها : إن هذا أمر طبيعي بينا (طيش شباب ونزوات شياطين).
و جزى الله كل من يقوم على هذا العمل الرائع كل خير.. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ همام عبد المعبود :
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم أما بعد:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا، كما نسأله سبحانه آمين.
أخي محمود :(33/573)
بخصوص علاقتك القديمة بتلك الفتاة، وما وقع منك معها من تصرفات يرفضها ديننا الحنيف، فمما لا شك فيه أنك تجاوزت حدودك، وأنك مخطئ في حق الله، وفي حق تلك الفتاة، بل إنك – يا أخي- مخطئ في حق نفسك. فكيف تسمح لنفسك بهذا الذي فعلت، وهل لو كانت تلك الفتاة أختك كنت ستوافق أن تتعرف على شاب وينشأ بينهما علاقة من هذا النوع؟، هل كنت ستوافق على أن يختلي بها ويقبلها ويحتضنها ويتحسس مواضع من جسدها كما ذكرت في رسالتك ؟!!!!!!
لا أعتقد أن أي مسلم عنده بصيص من إيمان، وأدنى درجات الخوف من الله، يقبل بهذا الذي فعلت.. غفر الله لك!
أما عن سؤالك : هل هذا يعتبر زنى؟، فاعلم أن ما حدث - وإن لم يكن زنى بالمعنى المتعارف عليه فقهياً- جريمة أخلاقية، تنأى عنها الفطر السوية الزنى أنواع وأقسام، فالعين تزني وزناها النظر إلى العورات والمحرمات، واليد تزني وزناها اللمس، و.، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، ولذا فإن الإسلام لم يكتف بتحريم الزنى بل أغلق الأبواب الثلاثة المؤدية إلى هذه الفاحشة، بل ونهانا سبحانه عن مجرد الاقتراب من هذه الجريمة الشنعاء، فقال جل شأنه في الدستور السماوي الخالد- القرآن الكريم- :( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).
أما عن سؤالك: هل أخبر الإنسانة التي سأتقدم لها؟، فأنصحك ألا تخبرها، فأي إنسانة محترمة تسمع من خطيبها مثال هذا الكلام سوف ترفض الارتباط به، وإن قبلت سيدخل الشك حتما إلى قلبها، ولا تفهم من كلامي أني أدعوك إلى الكذب عليها، لا.. معاذ الله، بل إلى الصمت والستر وعدم المجاهرة بالذنب خاصة وأنها لم تسألك عن هذا الماضي، فإن سألتك عن الماضي فيمكنك اللجوء إلى التعميم والتورية بالقول، فتقول لها كلاما عاما مثل: سنبدأ صفحة جديدة سوياً، فلن أسألك عن حياتك السابقة، المهم أن نبدأ من اليوم.
أما عن الطريقة المثلى للتكفير عن ذنبك فعليك بالتوبة والرجوع إلى الله وذلك عن طريق :
1. الندم على ما كان منك في الماضي، وعلى ما اقترفت من الذنوب والآثام .
2. الإكثار من الاستغفار وخاصة في السحر.
3. الإقلاع عن مثل هذه الذنوب وعدم العودة إليها.
4. العزم الأكيد على عدم العودة إلى مثل هذه الذنوب ولا غيرها.
ويضيف الأستاذ منصور عرابي، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الكريم، حمداً لله على توبتك من المعصية، ورجوعك إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يتقبل توبتك، ويديم حياتك بعد ذلك على صراطه المستقيم، فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات..
بالنسبة لما يجب أن تفعله حتى تكفر عن ذنبك، فإن الله تعالى يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ و َزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114].
وقد ورد في الصحيحين في سبب نزول هذه الآية عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله عز وجل هذه(33/574)
الآية.. فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لجميع أمتي كلهم".
وفي رواية عن أبي اليسر قال: أتتني امرأة تبتاع تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أطيب منه، فدخلت معي في البيت، فأغويت إليها، فتقبلتها أو قبلتها، فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له.. قال: استر على نفسك، وتب، ولا تخبر أحدًا. قال: فلم أصبر، فأتيت عمر، فذكرت ذلك له، فقال: استر على نفسك وتب ولا تخبر أحدًا. قال: فلم أصبر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: أخلفت غازيًا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟ قال: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا حتى أوحى الله تعالى إليه: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ و َزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) قال أبو اليسر: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليَّ، فقال أصحابه: يا رسول الله أهذا خاصة أم للناس عامة؟ قال: "بل للناس عامة".. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وحسنه الألباني.
وفي رواية أخرى عن أنس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدًا فأقمه عليَّ. قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدًا فأقم فيَّ كتاب الله. قال: "أليس قد صليت معنا؟" قال: نعم. قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك" أو قال: "حدَّكَ".
قال النووي: هذا تصريح بأن الحسنات تكفر السيئات، واختلفوا في المراد بالحسنات هنا، فنقل الثعلبي أن أكثر المفسرين على أنها الصلوات الخمس، وقال مجاهد: هي قول العبد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويحتمل أن المراد الحسنات مطلقًا، وتعليقا على رواية أنس يقول النووي أيضًا: هذا الحد معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير، وهي هنا من الصغائر، لأنها كفرتها الصلاة، ولو كانت كبيرة أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة، فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة.
ويقول ابن حجر في الفتح كتاب التفسير: المرجئة قالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة صغيرة كانت أو كبيرة، وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح: "إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" فقال طائفة: إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب، وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئًا، وقال آخرون: إن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئًا منها وتحط الصغائر.
ويقول ابن كثير في تفسيرها: إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة، واستدل بما في الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان أنه دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلها ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثًا ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ نحو وُضُوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه".(33/575)
واستدل أيضًا بحديث رواه الإمام أحمد عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا معاذ أتبع السيئة الحسنةَ تمحها وخالق الناس بخلق حسن" وفي رواية أخرى عنه أيضًا، قال أبو ذر: يا رسول الله أوصني. قال: "إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها" قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: "هي أفضل الحسنات".
وفي رواية الشيخين الصلاة من الحسنات المذهبة للسيئات، وفي رواية أبي ذر ذكر أن الحسنة مطلقًا تمحو السيئة، وأن الذكر، وتوحيد الله، من أفضل الحسنات المذهبة للسيئات، ومن المعلوم أن كل عمل خير يكفر من ذنوب المسلم وسيئاته.
أما قولك أن تخبر الإنسانة التي سوف تتقدم لها أم لا، فالأفضل ألا تخبرها بذلك، وعفا الله عما سلف، واستر على نفسك، ولا تجاهر بمعصيتك، ولا تخبر بها أحد بعد ذلك قط، فإن المجاهرين بالمعصية من أشد الناس عقوبة يوم القيامة.
وأما سؤالك عن : كيف تكفر عن ذنبك تجاه تلك الفتاة التي فعلت معها فعلتك، فأنصحك أن تبتعد عنها تمامًا، ولا تحاول أن تلتقي بها من قريب أو بعيد، وسد على الشيطان بابه، ولا تتعلل بأي سبب، مهما كان خيرًا، لتلقاها أو تراها، فإن الشيطان قد يوهمك بفتح باب من الخير ليعيدك إلى حظيرة المعاصي من جديد، فلا توقع نفسك في شراكه، وابتعد عن الشبهات تمامًا..
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
أفلا يتدبرون القرآن".. مفاتيح الأقفال العنوان
غذاء الروح الموضوع
الخواطر القرآنية بين الجمود والتكلف.. بعض الناس يحبس معاني القرآن فيما قاله العلماء، والبعض الآخر يتكلَّف في فهم معاني القرآن، ويحمِّل الآيات ما لا تطيق. فما هي ضوابط التدبُّر "وليس التفسير" في آيات القرآن؟
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخ الفاضل أحمد؛
أحمد الله تعالى إليك أن جمعنا على طاعته، ومدارسة أمور دينه ودعوته، فهذه من نعم الله تعالى التي يجب علينا شكرها، فقد غفل عنها كثيرٌ منَّا، وقليلٌ من عباد الله الشكور.(33/576)
كما أشكر لك طرحك هذا السؤال الهام، الذي ينمُّ عن فهمٍ جيِّدٍ في موضوع استشارتك، فالناس في تدبُّر آيات الله صنفان كما ذكرت، بين إفراط وتفريط، وليس هذا هو منهج الإسلام المطلق، بل إن منهج الإسلام وسطٌ في كلِّ حالاته، مهما بدا غير ذلك لبعض الناس.
وقبل الشروع في ضوابط التدبر، فإنَّه من الجميل أن تستثار النفس حين التدبُّر في كتاب الله تعالى، وأن تقرأ بوعيٍ وفكر، فلا تكون القراءة مجرَّد إجراء الأحرف على الشفاه واللسان، ولكن يجب أن يكون لها مستقرٌّ في القلب، ومسكنٌ في العقل، حتى تؤتي القراءة ثمرتها.
ومن عجيب ما يروى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ربما قام الليل كلَّه بآيةٍ واحدة، مثل قوله تعالى: (إن تعذبهم فإنَّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنَّك أنت العزيز الحكيم)، هذا يعني أنَّ التدبُّر يولِّد معاني جديدة، ويجعل الإنسان يستشعر في مراتٍ أخرى أمورًا ربَّما غفل عنها، أو كانت هذه الطريقة مفتاحًا للقلب، أن يتلقى ما يقذفه الله تعالى في قلوب عباده القارئين لآياته.. من معاني سامية، وقيمًا سامقة، وآدابًا طيِّبة، تظهر في سلوك الفرد، وينعكس ذلك على حياة المجتمع المسلم.
ولقد جاء الأمر من الله تعالى بتدبر الآيات، فقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا)، وقال: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وحين ننظر إلى قول الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا)، نلحظ أنَّه من مستلزمات الشفاء أن يقرأ المسلم آيات الله بقلبه، لأنَّه شفاءٌ لما في الصدور، وهدىً ورحمةً للمؤمنين، فلابدَّ من التدبُّر العقلي والقلبي، حتى تستفيد النفس من هذه الشحنة الإيمانيَّة.
وقد يفتح الله تعالى على القارئ معاني لم تكن موجودة في كتب التفسير؛ ولذا، فإنَّه كما جاء في الخبر عن القرآن: "ولا يخلق من كثرة الرد"، فالقرآن متجدِّد، وسيكتشف علماؤه من الأمَّة ومن فتح الله عليهم ما لم يكتشفه من كان قبلهم، ولعلَّ من جميل ما كان يقوله الشيخ الشعراوي –رحمه الله– أن تسمَّى خواطر، مع ما فيها من التفسير، وعدم الخروج عن الحدود التي رسمها أهل القرآن والتفسير من شروط القول في كتاب الله تعالى.
ولقد عهدت الأمة أن يخرج منها من يوضح بعض النكات واللطائف من المعاني غير المشتهرة، والتي لم يقل بها أهل التفسير.
كما نجد إشارةً من الأستاذ الشيخ سيِّد قطب رحمه الله، حين يسمّي كتابه في القرآن "في ظلال القرآن"، وهذا بخلاف ما كان يصنعه الأئمة السابقون كابن كثير، حين سمَّى كتابه "تفسير القرآن العظيم"، وكذلك ابن جرير الطبري، والسيوطي في الدر المنثور، والزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لآيات الأحكام، وأبي السعود في تفسيره، وغيرهم؛ لأنهم كانوا يعتنون ببيان مراد الله تعالى من الآيات.
إن انفتاح القلب ليتلقَّى ويفهم من مراد الله تعالى أمرٌ مرغوبٌ فيه، وهو داخلٌ في عموم الأمر بتدبُّر القرآن الكريم، وألا يجعل الإنسان على قلبه قفلاً يمنع رزق الله له من استشراف المعاني السامية للقرآن الكريم، غير أنَّ هذا لابدَّ فيه من ضوابط تحميه من القول بغير علمٍ في كتاب الله، ويمكن اعتبار أهمها:(33/577)
1- العلم برسوم القرآن وحدوده، ومعرفة أحكام التجويد وعلامات الوقف وغيرها، لأنَّ هذا يساعد على فهم معاني القرآن الكريم، والوقوف على كثيرٍ من مراد الله تعالى.
2- الإلمام العام والإحاطة باللغة العربية، وذلك لأنَّه كما قال تعالى: (إنَّا أنزلناه قرآنا عربيًّا لعلكم تعقلون)، وقال: (قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج)، وكما قال ابن عباس: "إن استشكل عليكم شيءٌ من القرآن فالتمسوه في الشعر ديوان العرب"، ومن المعلوم أنَّ الشعر جامعٌ لمعظم ضروب اللغة وأساليبها وبيانها وبلاغتها، كما أخبر ابن عباس أنَّ واحدا من أقسام القرآن الأربعة أن يفهم بما ورد عن العرب في لغتهم.
3- المعرفة العامة بمعاني القرآن الكريم، حتى لا يخبر من يتدبّر كتاب الله تعالى بخلاف ما قاله أهل التفسير، فيكون تقوُّلاً على الله بما لم يقل، بل يجعل ما يتدبَّره في سياق أهل التفسير.
4- عدم الانحصار في حدود القرآن ورسومه فحسب، فلا يكون الهمّ هو إيضاح المعاني اللغويَّة والفقهيَّة وغيرهما، بل يفتح قلبه لأن يكون وعاءً لما يقذفه الله تعالى فيه، وما يجريه على عقله من معاني وخواطر.
5- أن يكون عاملاً بالقرآن الكريم، معايشًا له في حياته، وقَّافًا عند حدوده، منفذًا لأوامره، مجتنبا لنواهيه، جاعله دستور حياته، وقانونه الذي يرجع إليه في صغير أمره وكبيره، وأن يتخلَّق بأخلاقه، وأن يتحلَّى بما ورد فيه من آداب وسلوك، فعن الحسن البصريُّ رحمه الله قال: "إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربِّهم فكانوا يتدبّرونها بالليل، وينفذونها بالنهار".
6- أن يكثر من التلاوة منه، لأنَّ مداومة طرق الباب يتولَّد عنها الألفة والعشرة والمعايشة، فمن تقرَّب من القرآن تقرَّب منه، ومن عاش معه عايشه، ومن أعطاه من وقته، وهبه الله ممَّا يجعله مستقيم الحال، عالمًا بأسراره وكوامنه.
7- أن يكثر من القيام بالقرآن في جوف الليل ووقت السحر، فإنَّه أنقى للمسلم أن يفتح قلبه، وتستعد نفسه لما يقذفه الله تعالى من معاني التدبر والفهم لمراده سبحانه من كلامه.
8- أن يهيئ المكان الذي سيقرأ فيه القرآن ويتدبر فيه معانيه، فلا يكون فيه ما يشغله عن التدبر، ومن هنا كان من آداب التلاوة أن يكون على طهارة أو يتسوك أو ينظف المكان أو يضع عطرا ونحو ذلك.
9- أن يتحلَّى بالإخلاص في قراءته وتلاوته، فإنَّه أدعى أن يفتح الله تعالى له من فضله فيما يخصّ كلامه، فإن قَصْد الناس بالتلاوة حاجبٌ عن فيوض الله تعالى له.
10- أن تكون له صحبة تعينه على التدبر، وأن تصحّح له إن أخطأ، وتنصح له عند الحاجة، وتأخذ بيده في طريق الله، كما قال موسى عليه السلام فيما حكى عنه القرآن: (واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرًا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا).
وما أجمل ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا(33/578)
النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون".
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهوا مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغوا مع من يلغو تعظيمًا لحقّ القرآن".
وليعلم أنّ القرآن دواء، ولن يكون دواءً لأسقام النفوس والأجساد إلا إذا كان بالتدبّر، قال إبراهيم الخواص: دواء النفس خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرُّع عند السَّحر، ومجالسة الصالحين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممَّن إذا قرأوا القرآن تدبَّروه ووعوه وعملوا به، وأخلصوا في العمل، وتقبل منهم، وجعل ذلك ذخرًا لهم في حياتهم وبعد مماتهم.
ـــــــــــــــــــ
أخشى أن أموت كافرة .. سارعي العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم؛
شكراً كثيراً على هذا الموقع المهم جداً، و جزاكم الله كل خير، وبعد:
المشكلة هي أني كنت قريبة من ربنا، وكان إيماني سبب سعادتي، وثقتي بنفسي، وكنت مواظبة على الصلاة، والقرآن، والذكر، وكنت لا أنتبه لكلمة الكفر في الأذكار، فأنا لم أفكر يوماً بأنني قد أصبح كافرة، انتم تتساءلون لماذا أقول عن نفسي كافرة، وأنا أقولها وأنا خائفة جداً، وسبب وصفي نفسي بهذا الوصف المرعب أني في آخر فترة تراودني أفكار لا يمكني أن أقولها، وأصبحت أضيع بعض الصلوات، ولا أصلي في الوقت، وهجرت القرآن، والدعاء، والذكر، فاثر ذلك على حياتي، حتى أصبحت جحيما وفقد سعادتي.
وما يخيفني هو أن هذا الأمر تطور عندي، ولم يتوقف، وأنا ارتعش من الخوف كلما أفكر أني قد أموت كافرة، وأن الله غضبان مني، ولذلك لا يستجيب لدعائي، والآن أصبح الدعاء صعباً، فكيف أتوقع أن يستجاب لدعائي؟! .. أرجوكم قولوا لي ماذا أفعل؟، فأنا لم اعد قادرة على التحمل وشكراً
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة شيماء فايد، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي في الله / هبة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، و أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يرزقك الهداية، وأن برزقك حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربك إلي حبه، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل، وأن ينعم عليك باستشعار حلاوة الإيمان في قلبك الذي أعتقد أنه يحب الله ورسوله.(33/579)
واعلمي أختي الحبيبة، أن ترك الصلاة أو التهاون فيها، هو من أعظم الأخطار وأهمها، وقد تساهل فيها بعض الناس، يقول سماحه الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) عن تارك الصلاة : الذي يترك الصلاة متعمدا كافر كفراً أكبر في أصح قولي العلماء، إذا كان مقراً بوجوبها، فإن كان جاحدا بوجوبها فهو كافر عند جميع أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله))، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
واعلمي أيضا أن تارك الصلاة يحشر يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حافظ عليها- أي الصلاة- كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف).
ويجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الين لم يبلغوا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)).
اعلمي أختي الحبيبة
أن الذي لا يصلي إذا مات لا يدفن في مقابر المسلمين!!، ويعذب في قبره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه- أي يشدخه- فيتدهده الحجر- أي يتدحرج- فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، فقلت : سبحان الله !، ما هذان؟ فقال جبريل عليه السلام:( إنه الرجل ينام عن الصلاة المكتوبة).
واعلمي – فقهك الله- أيضا أن تارك الصلاة يحشر يوم القيامة مع المجرمين قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين، ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين).
وفى نهاية كلامي عن الصلاة، أقول لك :
إنها مفتاح كل خير. قال ابن القيم الجوزي رحمه الله : (الصلاة : مجلبة للرزق. حافظة للصحة، دافعة للأذى، طاردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة, مبعدة من الشيطان, مقربة من الرحمن).
أما بخصوص المشكلة الثانية:
وهى تركك لتلاوة القرآن؛ فاعلمي- أختي الحبيبة- فأذكرك بفضل تلاوة القران الكريم، وأنقل لك ما قاله كافر، مبشر بالنار، وهو الوليد بن المغيرة، في وصفه للقرآن الكريم، حين قال: (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه، وما هو بقول بشر) فهذا كافر استشعر حلاوة القرآن!!! . فأول ما أنصحك به هو قراءة كلماته واستشعار معانيه.(33/580)
أما عن فضل تلاوة القرآن، فيقول تعالي: ( إ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا). (سوره الإسراء أيه 9) .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"مثل المؤمن الذي يقرا القران كمثل الأترجه ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمر لا يريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرا القران مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر (متفق عليه)، وقال صلي الله عليه وسلم: (أن الله يرفع بهذا القران أقوما ويضع به آخرين) . (رواه مسلم).
وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلي الله عليه وسلم، عن رب العزة، قال: " يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين، وفضل كلام الله علي سائر الكلام كفضل الله علي خلقه". (رواه الترمذي). وقال أيضا : " اقرءوا القران ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة فان الله لا يعذب قلبا وعى القرآن" . (رواه الدرامي).
ويحذرنا النبي صلي الله عليه وسلم من تركه وهجره، فيقول: " إن الذي ليس في جوفه شي من القران كالبيت الخرب"، (رواه الترمذي) . يقول أحد السلف : ما جالس أحد القرآن فقام عنه سالما، إما أن يربح وإما أن يخسر، ثم تلا قوله تعالي: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا). (سوره الإسراء إيه 82).
واعلمي أختي الكريمة
أن الذين يقرءون كتاب الله ويعملون بما فيه من تكاليف؛ فيداومون علي الصلاة، وينفقون سراً وعلانية، ويرجون بأعمالهم وجه الله وطاعته، سوف يجزيهم الله خيراً، ويوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، قال تعالي: (ِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ). (فاطر 29-30).
وقال الخباب رضي الله عنه :" تقرب إلي الله ما استطعت فانك لن تتقرب إليه بشي أحب إليه من كلامه". ويقول الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله في إحدى وصاياه العشر : "اتل القران، أو طالع، أو استمع، أو اذكر الله، ولا تصرف جزءاً من وقتك في غير فائدة ".
واعلمي أختي الحبيبة
أن الإنسان ليعجب من مواقف الناس إمام كتاب الله، فهم مثل جماعه أحاط بهم الظلام من كل مكان، فهم يتخبطون فيه ويسيرون فيه علي غير هدى، فتارة يقعون في هاوية، وأخرى يصطدمون بحجر، وثالث يصطدم بعضهم بعضاً، ولا يزالون هكذا يتخبطون، عشوائياً، ويسيرون في ظلام، مع أن في أيديهم زرا كهربائياً لو وصلت إليه أصابعهم فإن حركة يسيرة يمكن أن توقد مصباحاً مشرقاً منيراً.
أما بخصوص المشكلة الثالثة:(33/581)
وهى أن دعاءك غير مستجاب، فاعلمي أن الله أمر الناس أن يدعوه ويتضرعوا إليه ووعد أن يستجيب لهم. فقد روى أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : "إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ قول الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
كما روى عبد الرازق عن الحسن :أن أصحاب رسول الله سألوه : أين ربنا؟ فانزل الله "وإذا سالك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" . كما ثبت عن صلي الله عليه وسلم قوله "من لم يسال الله يغضب عليه" .
أما بخصوص عدم إجابة الدعاء، فقد مر إبراهيم بن إسحاق- رضي الله عنه- بسوق البصرة، فاجتمع إليه الناس، وقالوا له يا أبا إسحاق: مالنا ندعو فلا يستجاب لنا ..!!
فقال لهم : لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء :
الأول : عرفتم الله تعالي فلم تؤدوا حقه
والثاني : زعمتم أنكم تحبون رسوله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته
والثالث : قرأتم القرآن ولم تعملوا به
والرابع : أكلتم نعمة الله تعالي ولم تؤدوا شكرها
والخامس: قلتم أن الشيطان عدوكم ووافقتموه
والسادس: قلتم أن الجنة حق ولم تعملوا لها
والسابع : قلتم أن النار حق ولم تهربوا منها
والثامن : قلتم أن الموت حق ولم تستعدوا له
والتاسع : إذا انتبهتم من النوم اشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم
والعاشر : دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم..
وقبل الختام؛ دعينا - أختي الحبيبة- نفكر معك، ونبحث في أسباب هجرك للصلاة وتلاوة القرآن، والدعاء، فمن الواضح أنك تاركه للصلاة، وتلاوة القرآن، تكاسلاً لا جحوداً ولا إنكاراً، فمن الممكن أن يكون ذلك بسبب :
1- الكسل والتراخي.
2- ضعف القلب بسبب قلة الإيمان.
3- كثره الذنوب والمعاصي.
ولأنني أحبك في الله فإنني أنصحك بأن تتخذي من القرآن زاداً علي طريق القرب من الله، والتأدب بآداب التلاوة، الشكلية والقلبية، كالإخلاص، والسواك، والطهارة، نظافة المكان، والبسملة، واستقبال القبلة، وتحسين الصوت بالقرآن، والبكاء أو التباكي عند تلاوة القران، واجتناب الضحك، والتوقف والدعاء إذا مررنا بآية رحمة، والاستعاذة إذا مررنا بآية عذاب، وتنزيه الله إذا مررنا بآية تنزهه سبحانه وتعالي.
وأهم شيء هو التدبر والتفكر أثناء التلاوة، فشتان - أختي الحبيبة- بين من يتدبر القرآن، ويعقله، ويفتح قلبه له، وبين من أعماه الله فوضع علي قلبه قفلاً، فهو لا يعي ولا يعقل، فلا يصل نور القرآن إلي قلبه، قال تعالي: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).(33/582)
و بخصوص عدم استجابة الدعاء، أوصيك بحسن التوجه إلى الله، وإظهار الافتقار إليه، وأن تلتزمي آداب الدعاء، ومنها :
1- تحري الحلال، في المطعم، قال صلي الله عليه وسلم للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص: " أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ".
2- استقبال القبلة ما أمكن ، فقد خرج النبي يستسقى فدعا واستسقى واستقبل القبلة.
3- اختيار الأوقات المفضلة للدعاء، مثل يوم عرفة، وشهر رمضان، والعشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، و وقت السحر، وأثناء السجود، و عند نزول المطر، وبين الأذان والإقامة، وعند الوجل ورقه القلب.
4- رفع اليدين حذو المنكبين.
5- أن يبدأ بحمد الله وتمجيده، والثناء عليه، ثم يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم، لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه، عن فضالة بن عبيد أن الرسول صلي الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالي، ولم يصلي علي النبي. فقال عجل هذا، ثم دعاه فقال له "إذا دعا أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل، والثناء عليه، ثم يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم يدعوا بما شاء.
6- حضور القلب وإظهار الضراعة إلي الله جل شانه وخفض الصوت.
7- أن تكوني موقنة بإجابة الدعاء. "لما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له".
8- الإلحاح في الطلب، وتكرار الدعاء، ثلاث مرات، فعن عبد الله ابن مسعود أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعوا ثلاثا ويستغفر ثلاثاً . رواه أبو داود.
9- حمد الله وتمجيده والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في ختام الدعاء.
ـــــــــــــــــــ
أخشى أن أموت كافرة .. سارعي العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم؛
شكراً كثيراً على هذا الموقع المهم جداً، و جزاكم الله كل خير، وبعد:
المشكلة هي أني كنت قريبة من ربنا، وكان إيماني سبب سعادتي، وثقتي بنفسي، وكنت مواظبة على الصلاة، والقرآن، والذكر، وكنت لا أنتبه لكلمة الكفر في الأذكار، فأنا لم أفكر يوماً بأنني قد أصبح كافرة، انتم تتساءلون لماذا أقول عن نفسي كافرة، وأنا أقولها وأنا خائفة جداً، وسبب وصفي نفسي بهذا الوصف المرعب أني في آخر فترة تراودني أفكار لا يمكني أن أقولها، وأصبحت أضيع بعض الصلوات، ولا أصلي في الوقت، وهجرت القرآن، والدعاء، والذكر، فاثر ذلك على حياتي، حتى أصبحت جحيما وفقد سعادتي.(33/583)
وما يخيفني هو أن هذا الأمر تطور عندي، ولم يتوقف، وأنا ارتعش من الخوف كلما أفكر أني قد أموت كافرة، وأن الله غضبان مني، ولذلك لا يستجيب لدعائي، والآن أصبح الدعاء صعباً، فكيف أتوقع أن يستجاب لدعائي؟! .. أرجوكم قولوا لي ماذا أفعل؟، فأنا لم اعد قادرة على التحمل وشكراً
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة شيماء فايد، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي في الله / هبة
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، و أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يرزقك الهداية، وأن برزقك حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربك إلي حبه، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل، وأن ينعم عليك باستشعار حلاوة الإيمان في قلبك الذي أعتقد أنه يحب الله ورسوله.
واعلمي أختي الحبيبة، أن ترك الصلاة أو التهاون فيها، هو من أعظم الأخطار وأهمها، وقد تساهل فيها بعض الناس، يقول سماحه الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) عن تارك الصلاة : الذي يترك الصلاة متعمدا كافر كفراً أكبر في أصح قولي العلماء، إذا كان مقراً بوجوبها، فإن كان جاحدا بوجوبها فهو كافر عند جميع أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروه سنامه الجهاد في سبيل الله))، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
واعلمي أيضا أن تارك الصلاة يحشر يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حافظ عليها- أي الصلاة- كانت له نورا وبرهانا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف).
ويجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الين لم يبلغوا قال النبي صلى الله عليه وسلم ((مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)).
اعلمي أختي الحبيبة
أن الذي لا يصلي إذا مات لا يدفن في مقابر المسلمين!!، ويعذب في قبره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه- أي يشدخه- فيتدهده الحجر- أي يتدحرج- فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، فقلت : سبحان الله !، ما هذان؟ فقال جبريل عليه السلام:( إنه الرجل ينام عن الصلاة المكتوبة).(33/584)
واعلمي – فقهك الله- أيضا أن تارك الصلاة يحشر يوم القيامة مع المجرمين قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين، ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين).
وفى نهاية كلامي عن الصلاة، أقول لك :
إنها مفتاح كل خير. قال ابن القيم الجوزي رحمه الله : (الصلاة : مجلبة للرزق. حافظة للصحة، دافعة للأذى، طاردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للبركة, مبعدة من الشيطان, مقربة من الرحمن).
أما بخصوص المشكلة الثانية:
وهى تركك لتلاوة القرآن؛ فاعلمي- أختي الحبيبة- فأذكرك بفضل تلاوة القران الكريم، وأنقل لك ما قاله كافر، مبشر بالنار، وهو الوليد بن المغيرة، في وصفه للقرآن الكريم، حين قال: (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه، وما هو بقول بشر) فهذا كافر استشعر حلاوة القرآن!!! . فأول ما أنصحك به هو قراءة كلماته واستشعار معانيه.
أما عن فضل تلاوة القرآن، فيقول تعالي: ( إ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا). (سوره الإسراء أيه 9) .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"مثل المؤمن الذي يقرا القران كمثل الأترجه ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمر لا يريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرا القران مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر (متفق عليه)، وقال صلي الله عليه وسلم: (أن الله يرفع بهذا القران أقوما ويضع به آخرين) . (رواه مسلم).
وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلي الله عليه وسلم، عن رب العزة، قال: " يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين، وفضل كلام الله علي سائر الكلام كفضل الله علي خلقه". (رواه الترمذي). وقال أيضا : " اقرءوا القران ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة فان الله لا يعذب قلبا وعى القرآن" . (رواه الدرامي).
ويحذرنا النبي صلي الله عليه وسلم من تركه وهجره، فيقول: " إن الذي ليس في جوفه شي من القران كالبيت الخرب"، (رواه الترمذي) . يقول أحد السلف : ما جالس أحد القرآن فقام عنه سالما، إما أن يربح وإما أن يخسر، ثم تلا قوله تعالي: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا). (سوره الإسراء إيه 82).
واعلمي أختي الكريمة
أن الذين يقرءون كتاب الله ويعملون بما فيه من تكاليف؛ فيداومون علي الصلاة، وينفقون سراً وعلانية، ويرجون بأعمالهم وجه الله وطاعته، سوف يجزيهم الله خيراً،(33/585)
ويوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، قال تعالي: (ِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ). (فاطر 29-30).
وقال الخباب رضي الله عنه :" تقرب إلي الله ما استطعت فانك لن تتقرب إليه بشي أحب إليه من كلامه". ويقول الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله في إحدى وصاياه العشر : "اتل القران، أو طالع، أو استمع، أو اذكر الله، ولا تصرف جزءاً من وقتك في غير فائدة ".
واعلمي أختي الحبيبة
أن الإنسان ليعجب من مواقف الناس إمام كتاب الله، فهم مثل جماعه أحاط بهم الظلام من كل مكان، فهم يتخبطون فيه ويسيرون فيه علي غير هدى، فتارة يقعون في هاوية، وأخرى يصطدمون بحجر، وثالث يصطدم بعضهم بعضاً، ولا يزالون هكذا يتخبطون، عشوائياً، ويسيرون في ظلام، مع أن في أيديهم زرا كهربائياً لو وصلت إليه أصابعهم فإن حركة يسيرة يمكن أن توقد مصباحاً مشرقاً منيراً.
أما بخصوص المشكلة الثالثة:
وهى أن دعاءك غير مستجاب، فاعلمي أن الله أمر الناس أن يدعوه ويتضرعوا إليه ووعد أن يستجيب لهم. فقد روى أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : "إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ قول الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
كما روى عبد الرازق عن الحسن :أن أصحاب رسول الله سألوه : أين ربنا؟ فانزل الله "وإذا سالك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" . كما ثبت عن صلي الله عليه وسلم قوله "من لم يسال الله يغضب عليه" .
أما بخصوص عدم إجابة الدعاء، فقد مر إبراهيم بن إسحاق- رضي الله عنه- بسوق البصرة، فاجتمع إليه الناس، وقالوا له يا أبا إسحاق: مالنا ندعو فلا يستجاب لنا ..!!
فقال لهم : لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء :
الأول : عرفتم الله تعالي فلم تؤدوا حقه
والثاني : زعمتم أنكم تحبون رسوله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته
والثالث : قرأتم القرآن ولم تعملوا به
والرابع : أكلتم نعمة الله تعالي ولم تؤدوا شكرها
والخامس: قلتم أن الشيطان عدوكم ووافقتموه
والسادس: قلتم أن الجنة حق ولم تعملوا لها
والسابع : قلتم أن النار حق ولم تهربوا منها
والثامن : قلتم أن الموت حق ولم تستعدوا له
والتاسع : إذا انتبهتم من النوم اشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم
والعاشر : دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم..(33/586)
وقبل الختام؛ دعينا - أختي الحبيبة- نفكر معك، ونبحث في أسباب هجرك للصلاة وتلاوة القرآن، والدعاء، فمن الواضح أنك تاركه للصلاة، وتلاوة القرآن، تكاسلاً لا جحوداً ولا إنكاراً، فمن الممكن أن يكون ذلك بسبب :
1- الكسل والتراخي.
2- ضعف القلب بسبب قلة الإيمان.
3- كثره الذنوب والمعاصي.
ولأنني أحبك في الله فإنني أنصحك بأن تتخذي من القرآن زاداً علي طريق القرب من الله، والتأدب بآداب التلاوة، الشكلية والقلبية، كالإخلاص، والسواك، والطهارة، نظافة المكان، والبسملة، واستقبال القبلة، وتحسين الصوت بالقرآن، والبكاء أو التباكي عند تلاوة القران، واجتناب الضحك، والتوقف والدعاء إذا مررنا بآية رحمة، والاستعاذة إذا مررنا بآية عذاب، وتنزيه الله إذا مررنا بآية تنزهه سبحانه وتعالي.
وأهم شيء هو التدبر والتفكر أثناء التلاوة، فشتان - أختي الحبيبة- بين من يتدبر القرآن، ويعقله، ويفتح قلبه له، وبين من أعماه الله فوضع علي قلبه قفلاً، فهو لا يعي ولا يعقل، فلا يصل نور القرآن إلي قلبه، قال تعالي: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
و بخصوص عدم استجابة الدعاء، أوصيك بحسن التوجه إلى الله، وإظهار الافتقار إليه، وأن تلتزمي آداب الدعاء، ومنها :
1- تحري الحلال، في المطعم، قال صلي الله عليه وسلم للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص: " أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ".
2- استقبال القبلة ما أمكن ، فقد خرج النبي يستسقى فدعا واستسقى واستقبل القبلة.
3- اختيار الأوقات المفضلة للدعاء، مثل يوم عرفة، وشهر رمضان، والعشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، و وقت السحر، وأثناء السجود، و عند نزول المطر، وبين الأذان والإقامة، وعند الوجل ورقه القلب.
4- رفع اليدين حذو المنكبين.
5- أن يبدأ بحمد الله وتمجيده، والثناء عليه، ثم يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم، لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه، عن فضالة بن عبيد أن الرسول صلي الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالي، ولم يصلي علي النبي. فقال عجل هذا، ثم دعاه فقال له "إذا دعا أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه عز وجل، والثناء عليه، ثم يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم يدعوا بما شاء.
6- حضور القلب وإظهار الضراعة إلي الله جل شانه وخفض الصوت.
7- أن تكوني موقنة بإجابة الدعاء. "لما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له".
8- الإلحاح في الطلب، وتكرار الدعاء، ثلاث مرات، فعن عبد الله ابن مسعود أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعوا ثلاثا ويستغفر ثلاثاً . رواه أبو داود.(33/587)
9- حمد الله وتمجيده والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في ختام الدعاء.
ـــــــــــــــــــ
أفقد تركيزي في الصلاة.. فما الحل؟ العنوان
العبادات الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا رجلٌ مسلمٌ والحمد لله، وأبذل قصارى جهدي لأصلِّي الخمس صلواتٍ يوميّا، ولكن أثناء صلاتي أبدأ في التفكير بالكثير من الأمور، وأفقد تركيزي، لدرجة أنني أنسى ما كنت أقوله، ولتجنُّب هذا أحاول أن أغمض عينيَّ أثناء الصلاة وأضغط على أسناني، لكنَّ هذه الطريقة لا تساعدني كثيرا.
لذلك أرجو منكم أن تدلُّوني على بعض النصائح عن كيفيَّة التركيز أثناء الصلاة. شكراً لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ ناظم المسباح:
الأخ الكريم أكرم،
أوقات الصلاة دقائق غالية، يقف خلالها المسلم مناجياً الله تباركت أسماؤه، ومن ثَمَّ ينبغي أن يترك المسلم الدنيا بمشاغلها وزينتها وراء ظهره، وأن يُقبل على الله في خشوعٍ وخضوعٍ قاصداً وجهه الكريم، وراغباً في مرضاته. وعليك -أخي الحبيب- أن تراعي جملةً من النقاط، ونسأل الله أن يعينك على التركيز في الصلاة، والتدبُّر في القرآن، وأن يجنِّبك الشيطان، وفيما يلي بيانها :
1- استشعار عظمة الموقف:
مناجاة الله والصلاة بين يديه، يقتضيان أن يكون المسلم في كامل معيَّته، تاركاً الدنيا ومشاكلها خلف ظهره بقوله" الله أكبر،" ألا إنَّ الله أكبر من كلِّ شيء، والمرء ليس له من صلاته إلا ما عقل منها، ولابدَّ أن ندرك أنَّ الإنسان إذا وقف أمام مسؤولٍ في الدنيا فإنَّه يكون في كامل تركيزه، ويذهب إليه وهو مهيَّأٌ ومرتدٍ لأجمل الثياب، فما بالنا بربِّ المسؤول، وهو ربُّ العالمين تبارك وتعالى؟؟.
2-سلامة النيَّة:
يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم:" إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أَو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"متَّفقٌ عليه، وعليه ينبغي أن يذهب المسلم إلى الصلاة مجدِّداً النيَّة، ويكون ذلك من باب العبادة وليست العادة، ويذهب بهمَّةٍ عالية، وحبٍّ كبير، من دون تكاسل، أو تباطؤ، أو إحساسٍ بثقل شعيرة الصلاة، فقد حذَّرنا الله عزَّ وجلَّ من أن نذهب إلى الصلاة ونحن كسالى.
3- كثرة الاستغفار:(33/588)
فقد كان النبيُّ كثير الاستغفار، رغم أنَّه المعصوم، وقد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، ونحن ينبغي أن نقتدي به.
4- ترك المعاصي:
إنَّ ما يورث عدم صفاء القلب والسريرة هو اقتراف المعصية، فعليك -أخي الحبيب- أن تتجنَّب المعاصي كبيرها و حقيرها، وأن تضع نصب عينيك هذه الأبيات الشعريَّة التي وردت عن الإمام الشافعيّ:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوء حفظي. فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنَّ العلم نورٌ. ونور الله لا يُهدَى لعاصي
وفى الحديث الشريف قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"رواه مسلم، والمعاصي تمحق البركة في كلِّ شيء، وتقاوم المسلم عند الإقدام على الطاعات، فإذا أكثر العبد من المعاصي طُبِع على قلبه، فأصبح لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، وقد قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"، والمعصية تُبعِد الملائكة وتقرِّب الشياطين.
5- الاستعاذة من الشيطان الرجيم:
فقد يئس الشيطان أن يُعبَد في الأرض، ولكنَّه لم ييأس من التحريش بين العباد وإشغالهم عن أداء الطاعات، فأكثِر من الاستعاذة، واتفل عن يسارك ثلاثاً في حالة وسوسة الشيطان، وحصِّن نفسك بكثرة الطاعات وأداء النوافل، فالشيطان وظيفته إخراج الناس من الطاعات إلى المعاصي، فكما قال الله تعالى: "إنَّ الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين"، وقال أيضا: "ولا تتَّبعوا خطوات الشيطان إنَّه لكم عدوٌّ مبين"، ولذلك أمرنا الله أن نتعوَّذ بالله من وسوسة الشيطان: "قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس."
6- الدعاء:
وهو سلاحٌ مهمّ، فقم ليلا، وصلِّ والناس نيام، وابتهل إلى الله أن يجنِّبك الشيطان، وأن يعينك على الطاعة، وأن يجنِّبك الفتنة، وأن يحبِّبك في الطاعة، وألا يجعلها ثقيلةً عليك، والله نسأل أن يعينك على أداء الطاعات، وأن يجنِّبك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
7- مجاهدة النفس:
فالنفس تصبو إلى اللذَّة والشهوة، وهى أمَّارةٌ بالسوء، فقد قال الله تعالى: "إنَّ النفس لأمَّارةٌ بالسوء إلا ما رحم ربِّي إنَّ ربِّي غفورٌ رحيم"، ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم، فاليوم عملٌ بلا حساب، وغداً حسابٌ بلا عمل".
وفَّقك الله يا أخي أكرم، وحقَّق لك الإخلاص والخشوع في كلِّ عباداتك.
ـــــــــــــــــــ
الشيطان ينغِّص عليَّ حياتي العنوان
العقيدة الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم،(33/589)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
و جزاكم الله كلَّ خير. مشكلتي وباختصارٍ هي وسوسة الشيطان في وقت العبادة والتعبُّد، أنا التزمت بالحجاب منذ فترةٍ تقلُّ عن السنة، والحمد لله كثيراً أنْ هداني له، وإن شاء الله سوف أكمل تعليمي العالي في تخصُّص الدراسات الإسلاميَّة، وعاهدتُّ ربِّي إن شاء الله أن تكون حياتي كلُّها وفق هذا الدين العظيم الذي ارتضاه للعالَمين، اللهمَّ إنِّي أسألك التوفيق.. اللهمَّ آمين.
مشكلتي هي أنَّني أصاب بنوعٍ خطيرٍ من الوسواس في الصلاة، وعند قراءة القرآن، وعند أيِّ عبادةٍ أقوم بها لدرجة أنَّ الوسواس يصل إلى حدِّ الكفر بوجود الله، والكفر بالقرآن، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أنا طبعاً لا أقبل هذا مطلقا، وأذكِّر نفسي دائماً بأدلَّة وجود الله في الكون، وأحبُّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كثيراً جدًّا والحمد لله، لكن للأسف الشيطان ينغِّص عليَّ معيشتي، وينكِّد عليَّ وأنا في الصلاة، حيث إنَّك تجدني مشتاقةً للصلاة ولقراءة القرآن، وعندما أبدأ تأتي أفكارٌ عجيبةٌ لي.
والله العظيم إنِّي متعبةٌ نفسيًّا من ذلك، وأسأل الله دائماً أن يثبِّتني على دينه، ويثبِّتني على إيماني، وأنا والحمد لله مؤمنة، ولا يمكن أن يقنعني أحدٌ بعدم وجود الله، أو بالشكِّ بالقرآن أو بالرسول عليه الصلاة والسلام، أو حتى بالشكِّ بيوم البعث، فالحمد لله لديَّ الدلائل على صدق كلِّ شيءٍ يخصُّ الإسلام، لكن هذه الأفكار الإلحاديَّة تنغِّص عليَّ حياتي. فأرجو الإفادة. والسلام عليكم ورحمة الله.
السؤال
الدكتور محمد منصور المستشار
الرد
أختي الفاضلة ياسمين،
إنَّ قوَّة الوساوس وكثرتها تدلُّ على قوَّة الإيمان وشدَّته وليس ضعفه وقلَّته، فقد سُئِل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الوساوس التي تصيبك، وتصيب كلَّ مؤمنٍ أيضاً، فقال : "ذاك صريح الإيمان"رواه مسلم، بمعنى أنَّ الشيطان يوسوس للمؤمن بوساوس تزداد تدريجيًّا كلَّما ازدادت قوَّة إيمانه؛ لأنَّه يريد أن يهزمه ويجعله عاصياً لربِّه غير متَّبعٍ لإسلامه الذي جعله لسعادته فيكون رفيقه في النار يوم القيامة، فإن رآه مؤمناً ضعيفاً مفرِّطاً في إسلامه هزمه بأقلِّ وسوسةٍ ككذبةٍ أو نظرةٍ محرَّمة أو نحو ذلك، وإن رآه مؤمناً قويًّا متمسِّكاً بإسلامه، علم أنَّه لن يهزمه إلا بوسوسةٍ قويَّةٍ مناسبة، كالكفر بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن.
إنَّ هذه الخواطر لا إثم عليها ما لم تتحوَّل إلى قولٍ أو عمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلَّم"رواه البخاريُّ ومسلم، بل لها ثوابها في الآخرة، ثواب مقاومتها والصبر عليها، كما قال تعالى: "إنَّما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب"؛ إذ هي من الابتلاءات التي تكفِّر الذنوب، والتي يختبر بها الله تعالى صدق من ادَّعى الإيمان، وهل سيستمرُّ فيه أم لا، والتي غالباً ما يخرج منها المسلم مستفيداً بعد اتِّخاذه لوسائل التغلُّب عليها –إضافةً(33/590)
إلى ثواب الآخرة – زيادةً في إيمانه، وصبرا، وجَلَدا، وتدريباً على تحمُّل أعباء الدنيا، فيربح فيها ويتمكَّن من أداء ما أوجبه الله تعالى عليه من حُسن إعمارها وخلافته فيها.
ويمكنك – أختي الكريمة- التغلُّب على هذه الوساوس بالاعتقاد وبالفعل:
والاعتقاد هو:
1- أن نتدبَّر مخلوقات الله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد، فإنَّ ذلك ولا شكَّ يزيد الإيمان ويجدِّده ويقوِّيه، ويؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشكِّ وجود خالقٍ لهذه المخلوقات؛ لأنَّ الأثر يدلُّ على المسير، أي لو رأيت أثراً لأقدامٍ في الصحراء، فذلك يؤكِّد سير إنسانٍ حتى ولو لم تكن تراه، فكذلك وجود الله تعالى يظهر أثره في مخلوقاته حتى ولو لم تكن تراه، وهذه المخلوقات يثبت العلم كلَّ يومٍ عظمتها وإعجازها، وأنَّها لا يمكن أن تكون من صنع أيِّ بشر.
2- أن تعلمي أنَّ هذه الوساوس أمرٌ طبيعيّ، لأنَّ الشيطان وراءنا وراءنا، كما قال تعالى: "إنَّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتَّخذوه عدوّا"، وأنَّها ستتكرَّر بين الحين والحين، وبدرجاتٍ مختلفة، ومع الوقت ستكون عندك مناعةٌ ضدَّها فتكون موجودة، لكنَّها قليلة الأثر فيك.
فإذا علمت ما سبق فلن تؤرِّقك هذه الوساوس، إنَّما هي تقلقك لخوفك من ضررها، ولإحساسك أنَّها تبعدك عن تذوُّق حلاوة الإيمان، ولشعورك أنَّك الوحيد في هذا العالم الذي يحدث له ذلك، فالكثيرون مثلك أخي الكريم، ولتثق أنَّها موجودةٌ لمحاولتك الاقتراب من ربِّك سبحانه، وكلَّما قاومتها ازددتَّ قرباً من ربِّك، وازداد ثوابك في الدنيا وفي الآخرة.
والفعل هو:
1- إذا خطرت لك هذه الوساوس فعليك التوقُّف وعدم الاستمرار في التفكير فيها، كما أوصانا صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلَق الله الخلْق، فمن خلَق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً، فليقل: آمنت بالله"رواه مسلم، فالإسلام رغم احترامه الشديد للعقل؛ لأنَّه أساس معرفة الله تعالى، وأساس العمل، والإنتاج، و الإعمار للكون، فإنَّه يطلب منَّا في أحوالٍ نادرةٍ أن نوقف عقولنا عن الخوض في التفكير في أمورٍ ليس عندنا معطياتٍ لها، وإلا أتت بضررٍ أكثر من النفع، ولو كان في تفصيلها خيرٌ لنا في دنيانا أو آخرتنا لفصَّلها الله تعالى لنا، فللعقل مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها، كما أنَّ للبصر مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها.
2- الاستعانة بالله تعالى ودعاؤه، كما قال سبحانه: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، ودوام ذكره، والاستعاذة به من الشيطان الذي من صفاته أنَّه خنَّاس، أي يخنس – يبتعد ويتراجع و ينهزم- عن الإنسان بمجرَّد ذكره لربِّه، كما قال تعالى: "قل أعوذ بربِّ الناس، ملِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، وأنَّ القلوب تطمئنُّ بالذكر، كما قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب".
3- الانشغال بالأعمال الصالحة بما لا يدع وقتاً للتفكير في هذه الوساوس والاستجابة لها، وبما يحقِّق الثواب العظيم إذا استُحضرت النوايا الصالحة، كالرياضة، والقراءة،(33/591)
والعمل، والإنتاج، والدراسة، والعلم، والهوايات، وصلة الرحم، وزيارات الجيران، والأقارب، والزملاء، والأصحاب، وخدمتهم، ودعوتهم للخير ما استطعت، وما شابه ذلك.
4- التواجد في وسطٍ صالحٍ يعين على مزيدٍ من الإيمان والعمل الصالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه.
أختي الكريمة،
إنَّ حلاوة الإيمان التي تتكوَّن في القلب تتبع قانون الأسباب والنتائج، أي من لم يتَّخذ أسبابها لم تتكوَّن عنده، ومن اتَّخذ أسبابها تكوَّنت، ووفَّقه الله تعالى للمزيد تدريجيّا، مع الوقت، ومع تجمُّع الأسباب، وليس فوريًّا بمجرَّد اتخاذ سببٍ أو اثنين، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأَنفسهم"، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار"رواه البخاريُّ ومسلم، وهذه الثلاث لا تأتي في يومٍ وليلة.
لقد اتَّخذت - أختي الكريمة- بعض أسبابها كما ذكرت من حرصك على الصلاة وقراءة القرآن، ونَدلُّك على بعض الأسبابٍ الأخرى:
1- استحضار النوايا لكلِّ عملٍ صالحٍ تعمليه، فأنت مثلاً تتعلَّمي لتعملي؛ ولتنفعي الإسلام والمسلمين والناس جميعاً بهذا العلم والعمل والإنتاج، وأنت تأكلين لتتقوَّى على الطاعة و إعمار الكون، وهكذا في كلِّ الأعمال. فاستحضار النوايا يجعلك دائمة الذكر لله تعالى، دائمة العمل له لا للناس، وهذا يدلُّ على أنَّ الله ورسوله هما فعلاً أحبُّ إليك ممَّا سواهما، وعندئذٍ ستشعرين بحلاوة الإيمان كما ذكر الحديث.
2- تدبُّر نِعَم الله تعالى الموجودة في نفسك – والتي لا يمكن حصرها- مع استخدامها كلِّها في طاعة الله لا في معصيته، كالسمع، والبصر، واليدين، والرجلين، إلى غير ذلك من النعم، فاستشعار أنَّ كلَّ النعم هي فضلٌ من الله وحده ولا دخل لأحدٍ فيها، مع استخدامها في طاعته ما هو إلا ترجمةٌ عمليَّةٌ من المسلم على أنَّ الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وفي مقابل اتِّخاذه لهذا السبب سيجد مع الوقت حلاوة الإيمان في قلبه.
فمثلاً استخدام نعمة البصر في العلم والعمل والإنتاج، وزيادة الإيمان، وعدم استخدامها في الحرام يورث حلاوةً في القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله، آتاه الله عزَّ وجلَّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه"رواه الحاكم وصحَّحه، وهكذا كلُّ النِعَم إذا استُخدِمت في طاعة الله لا في معصيته.
3- التمسُّك بنظام الإسلام الشامل الكامل العادل الذي يسعد من يتَّبعه، في كلِّ شؤون حياتك: في بيتك، ومع والديك، وإخوتك، وجيرانك، وأصحابك، وزملائك، وفي أثناء دراستك وتعلُّمك، فذلك يورِّث اطمئناناً في القلب وسعادة، كما قال تعالى: "ومَن يعمل(33/592)
من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحْيِيَنَّه حياةً طيِّبةً و لنَجْزِيَنَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
4- دعوة من حولك لهذا الإسلام، وللعمل بنظامه، ليسعد الناس كما سعدتِّ أنتِ، وخلال دعوتك ستشعرين بحلاوة الإيمان مع الوقت، لأنَّ لنجاحك في دعوة الغير حلاوةً لا يستشعرها إلا من مارس ذلك، حلاوةً ليست من الدنيا في شيء.
أوصيك نهاية- أختي الكريمة- بأن تصبري، وتستشعري حلاوة الصبر على هذه الوساوس، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء"جزءٌ من حديث رواه مسلم، فهو ينير القلب والعقل، وينير الطريق ذاته.
وأن تستشعري حلاوة التضرُّع إلى الله والشكوى إليه وطلب عونه، كما كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إيذاء المشركين له في الطائف في بداية دعوتهم إلى الإسلام، والذي امتلأ حزناً، لكنَّه حزنٌ مع إصرارٍ على مواصلة الطريق، وأملٍ في تحقُّق نتائجه.
قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى من تكلني، إلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنْزل بي غضبَك، أو يحلَّ عليَّ سخطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"رواه الطبرانيّ، وحسَّنه السيوطيّ.
وفَّقك الله وأعانك يا أختي، و جزاكِ عن الإسلام والمسلمين خيرا، وثقي بأنَّ ما بك ما هو إلا عجزٌ من الشيطان، فاصبري ولا تجزعي. ومرحباً بوصالك وأسئلتك، وآرائك، واقتراحاتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ـــــــــــــــــــ
المحن والمصائب.. ابتلاء أم أخطاء ؟ العنوان
العقيدة الموضوع
سيدي الفاضل،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
فإنَّنا نتعرَّض إلى الكثير من المحن والمصائب في حياتنا، فنفسِّر كلَّ ما نتعرَّض له من أمورٍ بأنَّه ابتلاءٌ من الله لنا، بينما قد يكون جزءٌ من هذه العواقب بسبب أخطائنا وممارساتنا غير الصحيحة، فتكون الآثار السيِّئة التي تصيبنا هي نتائج أخطائنا، ونحن نبرِّرها بأنَّها ابتلاءٌ من ربِّنا ليمحِّصنا.
يلزمنا الانتباه لذلك، والتفريق بين هذا وذاك. فكيف نميِّز بين الحالتين؟؟، فهل هناك أمورٌ محدَّدةٌ أو مقياسٌ يفرِّق بين الحالتين؟ مع الشكر والتقدير.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد(33/593)
يقول الشيخ ناظم المسباح:
أخي عليّ،
أدعو الله أن يجنِّبنا الفتن والمصائب، وأن يرفع عنَّا الابتلاءات، وأن يثبِّت أقدامنا على طريق الحقّ، وأن يعيننا على الصبر والتحمُّل وقت وقوع البلاء.
أمَّا ما ذهبت إليه من تفريقٍ بين الابتلاء الذي يستهدف التمحيص والاختبار، وبين سوء العواقب بسبب الأخطاء، فهذا التفريق صحيح، والابتلاء ممَّا قضت به سنَّة الله في الحياة، والدعاة في كلِّ مكانٍ وزمان، فهذا التفريق صحيح، والابتلاء ممَّا قضت به سنَّة الله في الحياة، والدعاة في كلِّ مكانٍ وزمانٍ يتعرَّضون للمحن والفتن، قال تعالى: "ولقد كُذِّبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدِّل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين".
فأهل الباطل دائماً يكيدون للدعاة، ويتعرَّضون لهم بأشدِّ أشكال وصور التعذيب والتنكيل، وقد أوذي النبيُّ وأصحابه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالصبر: "أبشروا آل عمار، وآل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنَّة"رواه الطبرانيُّ والحاكم، وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، وقال تعالى: "لتُبلَوُنَّ في أموالكم وأنفسكم ولتَسمَعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتَّقوا فإنَّ ذلك من عزم الأمور".
ولا يجوز للمسلم أن يتمنَّى وقوع البلاء، ولكن عليه أن يدعو إلى الله بالوسائل المشروعة حسب الكتاب والسنَّة، وأن يجتهد في ذلك، وإن تعرَّض بسبب ذلك إلى الابتلاء فعليه بالصبر، ولا ينبغي للمسلم أن يتحمَّل من الابتلاء ما لا يطيق، فيرسب في الاختبار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه"، قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسه؟ قال: "يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيق"رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريب.
وعليه أن يسأل الله التخفيف، ورفع البلاء، والعفو والعافية، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيُّها الناس، لا تمنَّوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنَّ الجنَّة تحت ظلال السيوف"، ثمَّ قال: "اللهمَّ مُنزِل الكتاب، ومُجرِي السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"متَّفقٌ عليه.
وكما تكون سنَّة الله في ابتلاء عباده بأنواع الابتلاءات الكثيرة لتمحيص النفوس، واختبار القوَّة من الضعف والصبر من الجزع، فإنَّها من جهةٍ أخرى تكون للتنبيه للأخطار والتقصير في بعض الواجبات، قال تعالى: "ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، وقال تعالى: "وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
فلا يصحُّ أن نعلِّل ابتلاءاتنا دائماً بالعلَّة الأولى دون الانتباه إلى العلَّة الثانية، كما يفعل كثيرٌ منّا، فنغطِّي بذلك على أخطائنا، ونرسِّخ أمراضنا وأدواءنا من حيث نشعر أو لا نشعر.(33/594)
وهكذا فإنَّ سوء العواقب بسبب أخطائنا لاشكَّ أنَّها حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، فعدم تقدير المسلم للموقف، وعدم إحسان التصرُّف حياله، وعدم الأخذ بالأسباب، وعدم الحكمة في التعامل معه، وارتكاب المعاصي، كلُّ ذلك قد يؤدِّي إلى سوء العاقبة.
وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ على ذلك:
- حين خالف الرماة تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، هُزِم المسلمون، وكان ابتلاء الهزيمة لأجل الحصول على العظة والعبرة.
- ما ورد عن بعض السلف: إنَّما يجد المسلم أثر معصيته في تعثُّر دابَّته، أو نشوز زوجته.
- قَصص الأقوام الذين تعرَّضوا لسوء العاقبة، إنَّما ذلك بسبب أخطائهم وتكذيبهم للرسل.
ويضيف الدكتور كمال المصري:
وبانتهاء حديث الشيخ ناظم أكرمه الله تعالى، نجد أنَّ المقياس الفارق بين الابتلاء بسبب تقصيرنا، وابتلاء التمحيص والاختبار من ربِّنا سبحانه، هو "الأخذ بالأسباب". عندما نأخذ بالأسباب كاملةً ثمَّ يأتينا الابتلاء،عندها يكون اختبارا، وتمحيصا، وإنزالاً من الذنوب، ورفعاً في الدرجات. وعندما نقصِّر في أعمالنا، ونقع في الذنوب والمعاصي، عندها يكون الابتلاء عقابا، وسوء عاقبة.
المقياس واضحٌ بيِّنٌ لا لبس فيه، ولكنَّنا دأبنا –نحن المسلمين- على تحميل ديننا أخطاءنا، وأبدعنا في استخدام كلماتٍ مثل: "قدَّر الله وما شاء فعل- خيراً إن شاء الله يا أخي- المؤمن مبتلى- وغيرها كثير" في غير موضعها، فاستعملناها مبرِّرات تقصير، ومريحات ضمير، ورافعات إثم، وما هي كذلك.. والله ربُّنا لا يخفى عليه شيءٌ سبحانه.
أصلح الله حالك. وشكراً لك أخي عليٌّ على سؤالك القيِّم.. وأهلاً بك
ـــــــــــــــــــ
الاختلاط" .. عُقدة شباب الجامعة العنوان
السلوكيات الموضوع
مع النصف الدراسي الثاني، أود أن أتساءل عن الاختلاط بين الجنسين، ألم يكن من الأفضل الفصل بينهما، وإنشاء جامعات مختلطة، تجنبا للفساد الأخلاقي لدى الشباب؟ وكيف يتعامل الشاب مع زميلته دون أن يستدعي عقدة "الجنس"؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور منيع عبد الحليم محمود - عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر:
أيها السائل الكريم..
أبدأ كلامي إليك بتذكير كل شبابنا الذين تتملكهم الحيرة في أمر التحاقهم بالجامعات المختلطة من أجل تحصيل العلم بأن هناك الكثير من شبابنا تعلم في الجامعات(33/595)
الأوروبية، كما أن هناك الكثير والكثير من شباب الدول الإسلامية تعلم في الجامعات الأمريكية مثل (ييل، وهارفارد، وجورج تاون) ولم ينصرفوا إلا إلى العلم، وعادوا إلينا كما ذهبوا شبابا مستقيما يعرف الله، ولكنهم تزودوا بالعلم النافع دون أن يصرفهم عن ذلك ما في هذه الجامعات من اختلاط فاحش.
وبالنسبة للجامعات المختلطة في عالمنا العربي؛ أقول: إنها إذا نظمت بطريقة لا يكون فيها اختلاط مشين لشبابنا، وفتياتنا بحيث تتم العملية التعليمية على أكمل وجه؛ فلن يكن بها شيء مرفوض من الناحية الشرعية، والمهم في الأمر ألا نجعل الجنس في الجامعات هدفا في أذهاننا كما نراه في أفلامنا، وفي المسلسلات التلفزيونية؛ لأن الجامعات وجدت للعلم.
وأقول لك أخي السائل:
إن الاختلاط المشين الذي نسمع عنه في بعض جامعاتنا، ولا يليق بالجانب التربوي والتعليمي لهذه الجامعات هو أمر لا يعترف به الإسلام وينهى عنه، إلا أنه ينبغي عليك وعلى أي طالب وطالبة أن يجعل هدفه في هذه الجامعات ـ إن قدر الالتحاق بأي منها ـ هو تحصيل العلم، وألا يصرف ذهنه إلى كون هذه الجامعة مختلطة أم لا.
ومن ثم فعليك أخي الفاضل أن تعلم أنك إذا مارست العملية التعليمية من منطلق إسلامي خلقي ديني بحيث تؤهل نفسك لتكن عنصرا فعالا لأمتك. فلن تلتفت إلى كون الجامعة التي التحقت بها مختلطة أم لا، وستنتبه فقط إلى تحصيل العلم، ولكن عليك أن تؤهل نفسك أخلاقيا حتى لا يكون الاختلاط سببا في الانحراف، فلا يكون الاختلاط ذو اعتبار في فكرك، فهناك الكثير من الطلبة في الجامعات المختلطة، ومع ذلك نجدهم في قمة الخلق الكريم. بل ويؤدون واجبهم الديني من ممارسة الشعائر، ونشر التوعية الدينية بين أهاليهم.
وعليه فالاختلاط لا يجب أن يشغلنا عن ممارسة العلم في كل فروعه، فإذا أخذنا هذا الطريق نصلح أمر شبابنا. أما إذا أخذنا مسألة الاختلاط أمرا أساسيا في الامتناع عن تحصيل العلم من الجامعات، فإننا بذلك سننجرف بالإسلام على طريق يمنعنا عن التعلم، وتحصيل العلم حيث إن المهم في الأمر هو أن يكن هدف الطالب التعلم لمصلحة الفرد والجماعة.
وختاما؛
فعليك صاحب السؤال أن تراعِ ربك ودينك، وخلقك المأخوذ من الكتاب والسنة، وأن تجعل العلم نصب عينيك وتبحث في سبيل ذلك عن أفضل الجامعات لتحصيله دون النظر إلى الاختلاط أو غيره، حتى نستطع أن نحقق قول الله عز وجل: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر}.
وتضيف الأستاذة إيمان إبراهيم من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
يمثل هاجس الفساد الخلقي بين الشباب والبنات في الجامعة ضغطا كبيرا عليهم، إذ يعتقد البعض أن اجتماعهما "شر لابد منه". وأنه لا يمكن بحال من الأحوال وضع خريطة "أخلاقية" كميثاق شرف للتعامل بين زملاء الجامعة من الجنسين.
ولكن الله خلقنا، ولم يتركنا لأنفسنا بل حدد لنا الطريق وأوضحه، وجعله جليا بين أعيننا، وأوضح المعايير التي يجب أن نقيس عليها نجاحنا وفلاحنا، فقال عز(33/596)
وجل:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون:115)، { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (الكهف : 110). لذلك فإن المقياس الحق هو هل هذا يرضى الله أم لا؟
فإذا فهمنا الشريعة بحق نستطع أن نزن عليها أعمالنا؛ فقد يتوهم البعض أن الشريعة تقيد حركته وتضيق عليه فيحاول التخلص من قيدها. ولكن لا يدرى أنها نعمة تستحق الشكر تماما كنعمة الجلد الذي يحيط بالإنسان فيحميه من هجوم الميكروبات الضارة.
أخي الكريم لو فهمنا الشرع لعلمنا أن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست محرمة على إطلاقها. فالاحتياج إلى الجنس الآخر احتياج فطرى لن نستطيع مقاومته أو بتره. لكن يمكننا أن نسيطر عليه.
والشرع لا يأمر الناس بترك الهوى كلية لأن هذا غير واقعي. بل أمر بصرفة إلى طرق مشروعة، وفى هذا قال رسول الله صلى الله علية وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". أي حماية ووقاية من الوقوع في الحرام.
وهناك عدة فتاوى ترشدك إلى الطريق الصحيح في التعامل بين الجنسين؛ أنقل لك منها:
* الاختلاط بين الجنسين: حقيقته وحكمه وضوابطه
* الاختلاط في أماكن الدراسة وواجب المسلمة
وأعلم يا أخي أن الانغلاق الشديد يدفع الإنسان إلى تعدى حدود الله؛ وأن الحياة بحرية مع مراقبة الله عز وجل تجعل الإنسان منضبطا في سلوكه وتصرفاته؛ لأن مراقبة الله هي الضابط الوحيد الذي يجعل الإنسان متزنا.
ـــــــــــــــــــ
الدين أفيون الشعوب"..النواقض العشر العنوان
العقيدة الموضوع
شكرا لكم على المجهود الكبير التي تقومون به، خدمة للصالح العام، ومشكلتي أنني مواطن مغربي ترعرعت وسط مجتمع متدين، لكنني لا أؤمن بالديانات بصفة عامة، وليس لدي أي توجه ديني بحيث إني اشك في كل شيء.
كما أنني بحثت في جميع الديانات السماوية، وغير السماوية، وتبين لي أن كل ذلك مجرد أيديولوجيا لتمرير خطاب معين، أو توجيه شعب نحو فكرة معينة تخدم الطبقة الحاكمة، و إن كنت أؤيد فكرة ماركس" الدين أفيون الشعوب".
لدلك أرجو منكم أن ترشدوني إلى حقيقة هدا الكون وهذا الوجود، وعن مصير الإنسان بعد الموت الذي اختلفت فيه جميع الطوائف/ تناسخ أرواح- جنة و نار- حساب و عقاب-تحمل خطايا الناس..ساعدوني للوصول إلى الحقيقة.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد(33/597)
الأخ الحيران
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
يقول الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر:
نبدأ من الآخر بدلاً من الأول، وهو مصير الإنسان بعد الموت، فالتناسخ يعني أن الروح الواحدة تحل في أجساد متعددة، وأن كل مرحلة فيها تكون تابعة للمرحلة التي قبلها، خيراً أو شراً، وعلى ذلك فلا نهاية للعالم، ولا خلاص من التكليف، سواء في الجسد الأول أو الثاني أو العاشر أو المليون، وهو شقاء أبدي يكتب على المخلوق، تبعا لهذه النظرية، لا مخلص منه، ورحمة الله تأبى ذلك.
وأما تحمل خطايا البشر فلا يناسب التكليف والعدل الإلهي، ولا يظهر فيه الفضل الإلهي على الناس، لأنه يجرد الإنسان من شخصيته أو مسئوليته، وينتهي بالجميع إلى الغفران، بصرف النظر عما يفعله كل واحد.
ولو كان الأمر كذلك عند معتقديه لما وُجِدَ قانون للجنايات، ولا عقاب على إساءة، ولا نظام للحياة تتميز فيه الناس بجهودهم ونفعهم أو ضرهم للآخرين أما ما تقوم عليه الأديان السماوية وما جاء في الرسالات الإلهية فهو المناسب لأحوال الناس حيث تكون الدنيا فترة اختبار وتمييز ثم يكون الجزاء في الآخرة.
فإذا أضفنا إلى ذلك الأدلة الدامغة على النبوة، من الإعجاز، ومن أحوال الأنبياء، ومن التعاليم التي وردت عنهم، ومن التفرقة الضرورية بين أهل الصلاح وأهل الفساد، وبين الدين كما جاء من عند الله، والدين كما صورته الشياطين من الأنس والجن، إذا أضفنا ذلك ظهر لنا أثر الدين في الحياة الشخصية الظاهرة و الباطنة، الفكرية والسلوكية والشعورية، كما ظهر لنا أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي الإنتاج، وفي التوازن الاجتماعي.
وكل ذلك ينافي كون الدين أفيون الشعوب، فالأفيون يدمر ولا يبني، يدمر العقل والإحساس، ولا ينمي الشعور، فالدين حياة وإحياء، والأفيون دمار وهلاك، وقد استبدل ماركس الدين الإلهي بالتدين الشيطاني، وانتهى الأمر بأفكاره إلى الجحيم، وانصرف عنه المؤيدون والمشجعون.
واقرأ معي قوله تعالى، في الدستور السماوي الخالد :( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ).(33/598)
ويقول الدكتور شوقي أبو خليل، دكتوراه في التاريخ الإسلامي ، والمحاضر بكلية الشريعة جامعة دمشق ، في مقال له منشور بأحد المواقع الإلكترونية، تحت عنوان (حول مقولة الدين أفيون الشعوب) :
قال صاحبي : الدين أفيون الشعوب!! . قلت مجيباً : اللهم نعم.. وألف نعم. فدهش الرجل واحتار. لقد توقع مني غير هذا الكلام، فقال : أنت موافق على أن الدين أفيون الشعوب؟!، قلت له : نعم.. أنا موافق على هذا القول، أو على هذه النظرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
قال : وكيف ذلك؟ . قلت: لأنها قيلت بحق أوربة عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها.. وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وقالت للإنسان: ((أطع وأنت أعمى)).. لذلك جابهت العلماء، وحرقت بعضهم- وعلى سبيل المثال ـ جعلت القول بكروية الأرض ودورانها جريمة. فهذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كأداء في سبيل تقدمه، يحق فيها ما قيل عنها.
أما الدين الذي جعل من تعاليمه تقديس العقل وتكريم العلم والعلماء في أي اختصاص.. فلا ينطبق عليه القول.. إن الدين الذي من تعاليمه: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة: 111]، لا ينطبق عليه القول المذكور. والدين الذي جعل من مبادئه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة: 11] . لا ينطبق عليه القول المذكور. إن الدراسة ـ التي عُممت ـ تمت على واقع أوربة في القرنين الماضيين.. فالقول الصحيح: ((الدين ـ في أوربة ـ أفيون الشعوب)).
قلتُ: يا صاحبي، سأضع بين يديك شواهد وأدلة من إسلامنا، كل واحد منها كاف لرد التعميم القائل: ((الدين أفيون الشعوب)) زمنها :
1 ـ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومَن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) [النساء: 113]. دين يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، دين ليس أفيوناً، إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحاب..
2 ـ دين يجعل من مبادئه: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم: 39]، دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل.. استعاذ نبيه، صلى الله عليه وسلم، من الجبن والبخل والعجز والكسل.. دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساساً.. دين ليس أفيوناً.
3 ـ دين يجعل من تعاليمه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) [التوبة: 106]، دين يقدس العمل ويأمر به، دين الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال.. ليس أفيوناً.
4 ـ دين ورد في دستوره: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً، فكلي واشربي وقري عيناً) [مريم: 24، 25]، فدين يعلم أتباعه، ألا تواكل، وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم، وابذلوا ما في وسعكم.. دين حياة، وليس أفيوناً.. فالخطاب في الآية الكريمة لمريم، وهي في ساعة الولادة.. ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل.. بل قال لها: (هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) وهذا تعليم للمؤمنين.. ألا رزق(33/599)
بدون سعي فلا رطب بدون هز جذع النخلة.. فدين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلاً يقول هذا.
5 ـ قال نبي الإنسانية، صلى الله عليه وسلم، : ((لأن يأخذ أحدكم أحبُله (جمع حبل) ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)). وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَن بات كالاً من عمل يده، بات مغفوراً له)).. ولما رأى عليه الصلاة والسلام صحابياً يده خشنة قال له: ((ما هذا الذي أرى بيدك؟))، فقال الصحابي: من أثر المر والمسحاة، أضربُ وأعمل وأنفق على عيالي.. فسُرَ النبيُ الكريم، وقدر اليد العاملة وقال: ((هذه يدُ لا تمسها النار)). فهل دين فيه هذا التقدير من نبيه للعمل والعمال، دين تخدير وأفيون؟ أيقول عاقل هذا؟؟!! علماً أن من صريح تعاليمه: ((إن الله يكره العبد البطال)) و ((إن الله يحب المؤمن المحترف)).
6 ـ ورد في الحديث الشريف، ((المؤمن كيس فَطن حذر)) ومعنى المؤمن الكيس: المؤمن العاقل المدرك.. أما المؤمن الفطن: فالمؤمن الذكي النبيه ((ليس بالخب والخب لا يخدعه)).. منتهى اليقظة والتنبه.. فأين التخدير والأفيون؟ الإسلام عقل مدرك، وفطنة وذكاء..
7 ـ كان عمر (رضي الله عنه) يرى الرجل فيسأله عن مهنته، فإذا قال لا مهنة لي، سقط من عينه. وكان يقول: ((لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: أللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)). ونظر مرة إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تُمت علينا ديننا، أماتك الله)). وقال عمر على المنبر: ((مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له)).. وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة، بغية إعمارها.. فأين التخدير والأفيون.. والإسلام عمل وعزة و إعمار..
8 ـ قال صلى الله عليه وسلم : ((أللهم بارك لأمتي في بكورها)) فالإسلام نبذ للكسل، وهمة عالية في استقبال نهار جديد، خاصة أن عشرات الآيات الكريمة تحض على استعمال العقل والتفكير واليقظة..
9 ـ مَن يقول: (الدين أفيون الشعوب) بحجة عقيدة القدر، نقول له : الإيمان بالقدر.. إتيان بالأسباب على أكمل الوجوه.. ثم توكل على مسبب الأسباب، وإن حدث ما يُسيء المرء وينغص معيشته، فالقدر يُبيد الحادثة المزعجة، ويحفز همته من جديد لاستقبال أيامه المقبلة بيقين الواثق بالفوز، وبأمل جديد يدفعه للمحاولة من جديد.. فليست عقيدة القدر معطلة للهمة، باعثة للكسل والتواكل.. لقد كانت عقيدة القدر قوة دافعة إلى الأمام، للجهاد، للفتوح، للاستشهاد..
10 ـ وأخيراً.. نختم بقولنا : لقد كانت هذه الأمة في أفيون، في مخدر.. عندما كان بأسها بينها شديد، وعدوها يتربع فوق أرضها في العراق والشام واليمن، مخدرة عن عدوها بثاراتها وغزوها.. سكرانة في تفاخر أجوف، وعظمة مفتعلة.. فجاءها الموقظ، جاءها المنشط، جاءها الحافز، جاءها المنبه.. لقد لامست كلمة (الله أكبر) أسماع العرب فأيقظتهم.. لو كان الإسلام أفيوناً لما وصل به المسلمون إلى الصين(33/600)
والهند وأندونيسية، ولا إلى قلب روسية وكل سيبيرية، ولا إلى ثلثي القارة الإفريقية.. رحم الله العقاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه (المذاهب الهدامة أفيون الشعوب)!!؟!
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
إيماني متقلب.. فكيف أحفظه ؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
إخواني، إنِّي أحبُّكم في الله. أوَّلا: أريد أن أسأل عدَّة أسئلةٍ أرجو من الدكتور فتحي يكن أن يجيبني عليها أثابه الله.
النقطة الأولى: أنَّني طالبٌ مغتربٌ، وتختلف حالتي الإيمانيَّة عندما أعود إلى بلدي بالسلب .. فتقلُّ الإيمانيَّات وتزيد المعاصي، وهذا ما أعتقده.
النقطة الثانية: أنَّني "أوضع" في بعض الحالات للتحدُّث أمام جمعٍ كبيرٍ من الطلبة، قد يصل إلى 3000 طالب، فأتكلَّم بتلقائيَّة.. ثمَّ أعود إلى بلدي، وفي اللقاء التربويِّ الذي لا يزيد عدد أفراده عن 3 أفراد، ترتعش يداي.. أعتقد أنَّه نقصٌ في الإخلاص؛ أم ماذا؟
النقطة الثالثة والأخيرة: أخي؛ أريد أن أشعر أنَّني أعمل عمل الأنبياء، أريد أن أفهم، ثمَّ أعمل.. أضحِّي.. ثمَّ أخلص، أريد أن أشعر أنَّ الله عزَّ وجلَّ اختصَّني برسالة الأنبياء، أريد أن أحبَّ إخواني كما أحبُّ نفسي، أريد أن أصلِّي الفجر في جماعةٍ طوال حياتي، أريد أن أدخل الجنَّة، أريد أن يصبح الجهاد في سبيل الله أسمى أمنيَّاتي، أريد أن يهدي الله بي رجلاً واحدا..
إخواني أستحلفكم بالله أن تجاوبوني بإخلاص. و جزاكم الله عنَّا خير الجزاء، وتقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
الرد
يقول الدكتور فتحي يكن:
أخي الكريم: محمَّد رعاك الله، ووفَّقنا وإيَّاك لما يحبُّه ويرضاه؛ سعدت – من خلال قراءة رسالتك – بنفسك التوَّاقة إلى الخير، حقَّق الله لك الأمنيات، وجعلك مفتاح خيرٍ مغلاق شر، وحباك من الصالحات ما يعينك على إصلاح حالك وما حولك ومن حولك.. إنَّه سميع الدعاء.(33/601)
أمَّا النقطة الأولى التي أشرت إليها فظاهرها مخيفٌ وباطنها مدعاةٌ إلى البحث والتنقيب لاستكشاف الأسباب التي تجعل حالتك الإيمانيَّة حسنةً في بلاد الاغتراب، سيِّئةً عندما تعود إلى بلدك.
هل المشكلة فيك أنت أم في بلدك؟ علماً بأنَّ الحال الطبيعيّ يجب أن يكون معكوسا، وإن كنت لا أعلم شيئاً عن بلد الاغتراب الذي أنت فيه، وإن بدا من رسالتك أنَّ اغترابك هذا لا يعدو أن يكون انتقالاً من محافظةٍ أو مدينةٍ لا أكثر داخل مصر.
هل البيئة الجديدة التي انتقلت إليها أفضل من تلك التي كنت فيها، وهل هناك مشكلاتٌ قائمةٌ بينك وبين الإسلاميِّين في بلدك؟ هل تشعر في بلدك بما يشلُّ حركتك، ويمنع انطلاقك ويحبط اندفاعك؟
لا أستبعد أن يكون في بلدك من لا يفهمك وقد يظلمك، كما لا أستبعد أن يكون في بلدك من لا تأنس إليه ولا تقربه وتتعاون معه؛ إنَّني هنا أطرح فرضيَّاتٍ قد يكون منها القائم وقد لا يكون، لعدم توافر المعلومات اللازمة عنك وعن بلدك وبلد الاغتراب، والذي ساعد إلى حدٍّ كبيرٍ على حسن معالجة المشكلة.
في كلِّ الأحوال أنت مدعوٌّ لاستكشاف المعوِّقات الإيمانيَّة في بلدك كما المقويَّات الإيمانيَّة في البلد الآخر.
ففي الحال الأول: دورك أن تصلح ما فسد في بيئتك لا أن تفسد ما صلح من شأنك وحالك.
وفي الحال الثاني: مطلوبٌ منك نقل الخير الذي تشعر به في الخارج ليحلَّ محلَّ الشرِّ الذي تحسُّ به في الداخل، والحقيقة أنَّك مسؤولٌ في الحالين معا، فاعزم وتوكَّل على الله، والله جاعلٌ لك فرجاً ومخرجا، هو وليُّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور.
أمَّا النقطة الثانية التي ترتبط –في تقديري– ارتباطاً بالنقطة الأولى، حيث الظاهرة واحدة، فأنت تشعر بتنامي الإيمان خارج بلدك وبتدنِّيه عندما تعود، كما أنَّك تحسُّ بالاضطراب -أو الارتعاش- عندما تتحدَّث إلى ثلاثة أشخاصٍ في بلدك، بينما تحسُّ في موطنك الآخر بارتياحٍ كاملٍ وأنت تخاطب الآلاف.
عليك أن تتحرَّى أنت بنفسك عن السبب، فأنت وحدك تعرف تفصيلات حياتك وواقع بلدك وعلاقتك بمحيطك الأسريِّ والإسلاميّ.
وما تتحدَّث عنه في النقطة الثانية هو نتيجةٌ طبيعيَّةٌ لما أشرت إليه في النقطة الأولى؛ فهل يُنتَظر ممَّن يشعر بتراجعٍ في إيمانيَّاته وزيادةٍ في معاصيه أن يكون مرتاحاً منشرح النفس لدى مخاطبة الآخرين وهو يدعوهم إلى ما يخالفهم فيه: "أتأمرون الناس بالبِّرِّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون، واستعينوا بالصبر والصلاة وإنَّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين، الذين يظنُّون أنَّهم ملاقو ربِّهم وأنَّهم إليه راجعون".
لابدَّ من التبيُّن والتحقُّق وتحديد الأسباب بكلِّ موضوعيَّةٍ وشفافيَّةٍ وصدق:
* فإن كانت البيئة ملوَّثةً وغير صالحةٍ ولا تعين من يعيشون فيها على طاعة الله بل تدفعهم إلى معصيته، فمغادرتها وعدم العيش فيها هو الأولى إن انعدمت إمكانيَّة(33/602)
إصلاحها وصلاحها، وأرض الله واسعة، والمطلوب أن نبحث عن كلِّ ما يعتق نفوسنا لا إلى ما يوبقها.
* وإن كان سبب كلِّ هذا التناقض يعود إلى خصوصيَّاتٍ واعتباراتٍ وممارساتٍ لا نعرفها ولم تفصح عنها، وتتَّصل بك شخصيًّا ونفسيّا، أو تتَّصل بفريق العمل الذي ترتبط به، وتقديري أنَّك لست على توافقٍ وانسجامٍ معه، فالمطلوب منك معالجة هذا الجانب بكلِّ دقَّةٍ وأناةٍ وصبر، قبل أن ترتحل من بلدك وتجد نفسك في حالٍ من الضياع لا قدَّر الله.
إن كنت تعتقد أنَّ سبب كلِّ ذلك يعود إلى نقصٍ في الإخلاص– كما ذكرت–، فمن الأولى أن تبدأ بنفسك قبل غيرك، مذكِّراً نفسي وإيَّاك بما روي أن الله تعالى أوحى لعيسى عليه السلام: "عظ نفسك، فإن اتَّعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي منِّي"، مستذكرين معاً وصيَّة سيِّدنا عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه حيث يقول: "من نصَّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومهذِّبها أحقُّ بالإجلال من معلِّم الناس ومهذِّبهم".
أمَّا النقطة الثالثة والمتعلِّقة بأمنياتك وأمانيك، وهي أمنياتنا - إن شاء الله- جميعاً وأمانينا، فاعلم أنَّ تحقيقها وبلوغها يحتاج إلى مجاهدةٍ ومثابرةٍ على كلِّ صعيد، وبخاصَّةٍ مجاهدة النفس حتى تُذعن لأمر الله وتُسلس قيادها له ولشرعه.
قد رشَّحوك لأمرٍ لو فطنت له. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ
دعاؤنا لك بالتوفيق والسداد وبلوغ ما تتمنَّاه, وما أشرتَ إليه في رسالتك، وبخاصَّةٍ من: دعوةٍ إلى الله، والحبِّ في الله، والمواظبة على صلاة الفجر، والجهاد في سبيل الله، لنيل رضاه وبلوغ جنَّته.
ـــــــــــــــــــ
الدليل النافع لنصرة الحبيب الشافع العنوان
العقيدة الموضوع
الأفاضل في شبكة إسلام أون لاين : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد :
عندي بعض الأسئلة التي أود أن تجيبوني عليها، وهي:
1. هل حب النبي أمر فطري؛ أم أنه تربية روحية تحتاج إلى جهد من المسلم ؟.
2. ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المسلم لنصرة نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في ظل الهجمة الشرسة التي يشنها الإعلام الغربي ضد؟.
3. ما هي الوسائل العملية والخطوات التي يمكن تنفيذها، للذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
و جزاكم الله خيراً.
السؤال
الرد
يقول فضيلة الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر:(33/603)
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ، ثم أما بعد :
فإن من سنن الله الثابتة، ومن فطرته في خلقه، أن الإنسان يحب الأشياء النبيلة العالية، ويكره الأشياء البغيضة السافلة.
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى، البشري، في كماله، وصفاته، وهو ذروة عليا في الأخلاق والشمائل، وقد مدحه الله تعالى فقال:"وإنك لعلى خلق عظيم"، وهذا النوع من البشر تحبه النفوس بفطرتها، وتميل إليه بطبيعتها، ولذلك فحبه من هذا الجانب هو فطرة إنسانية تجذب إليه نفوس كل عنصر صالح في البشر.
كما أن حب النبي صلى الله عليه وسلم، خلق تربوي، ينشأ عليه الناس، إذا طالعوا صفاته، وسمعوا شمائله، أو عياشوها ورأوها رأي العين، فهو من حيث الفطرة السليمة يُحَبُ ويُكَرمُ، وهو من حيث التربية والتعود يُحَبُ ويُكَرمُ.
وهناك جانب آخر أهم من هذا وذاك وهو الأمر الإلهي بحب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه رحمة للعالمين، ولأنه بُعِثَ هادياً ومعلماً للناس، وصبر على الأذى والمتاعب، ليبلغ رسالة الله إلى الناس، فهو من هذا الجانب الديني الإلهي رمز للتضحية والفداء والإخلاص للناس جميعاً.
ويجب على المسلم أن يستحضر في نفسه عظمة الهداية الإسلامية للناس، وكيف وصلت إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، عبر صبره الجميل، وبلاغه المبين، وجهاده الموصول، في سبيل الله عز وجل وهذا يدفع المسلم إلى حب النبي صلى الله عليه وسلم حباً جارفاً، وتفديته بالنفس والمال.
فحب النبي صلى الله عليه وسلم ناشئ في نفس المسلم عن النعمة الكبرى التي أوصلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسان
ولذلك نجد حب المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حباً جليلاً يقوم على الشعور بعظمة النعمة التي أسداها لنا الله سبحانه وتعالى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة الرسول تكون بالقلب وباللسان وبالأعمال.
أما القلب فهو عملية فطرية، قائمة على الشعور بالنعمة العظيمة التي أهداها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما باللسان: فترجمتها كثرة الصلاة عليه، كما قال تعالى "يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"، أما بالإعمال: فيكون من خلال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله والعمل بسنته، ومتابعته في الفضائل العليا التي كان يتمتع بها صلى الله عليه وسلم من الصدق والأمانة والصبر والمواساة والرحمة والمودة، وغير ذلك من ضروب النبل الأخلاقي النبوي الذي يبلغ ذروة الكمال.
الرسول صلى الله عليه وسلم، لم ببعث للناس، ولم يصبر على الأذى والمشقات، إلا ليعلمنا الحق الإلهي، من الصدق، والأمانة، وإتقان العمل، وتوحيد الله، وتعظيم القرآن، ومحبة المسلمين جميعًا، وتبليغ الدعوة للناس جميعًا، وغير ذلك من الفضائل العليا التي كانت من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.(33/604)
أما عن الخطوات العملية التي يمكننا القيام بها لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا سؤال وجيه، ونستعين بالله ونجيب بأن :
التأسي به:
أول خطوة عملية هي إلزام النفس بالأسوة الحسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يعمل الإنسان كما كان يعمل، ولو اختلفت الدرجة؛ أي يصلى كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي، ويصوم كما كان يصوم.
التعريف به:
أيضًا يشرح للناس، على قدر استطاعته العظمة الإلهية التي تمثلت في بعثته صلى الله عليه وسلم.
تربية النشء على حبه:
وأيضًا تربية الأبناء والأسرة جميعاً على هذه المعاني، وصدق الله حين يقول:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".
دراسة سيرته:
ومن الوسائل العملية أيضًا قراءة السيرة النبوية قراءة جيدة، ويعلمها لأبنائه وأحفاده وزوجته، وغيرها، فقد كان الصحابة يحرصون على هذا غاية الحرص. يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لأبنائه وأحفاده بعد أن علمهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني احفظوها فهي شرفكم وشرف آبائكم).
الاعتزاز بسيرته:
كما ينبغي أن نعتز بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نعلم أنه كان على خلق عظيم؛ فلا نخجل من أي شيء يروى عنه بسند صحيح، بل نفاخر الدنيا بسيرته صلى الله عليه وسلم؛ فهو الأسوة الحسنة لنا، والرحمة المهداة للناس جميعاً، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه.
اتباع هديه :
ومن الوسائل العملية أيضا المتابعة والإتباع ، لقوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، فعلى الإنسان أن يتحرى العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التخلق بخلقه:
ومن الوسائل العملية أيضا أن يتخلق المسلم بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة في أمور الدعوة والبلاغ فإن الأوروبيين من خلال إساءتهم للإسلام هو تقصيرنا في تبليغ الدين الإسلامي للناس وهم لذلك يجهلون ومن جهل شيء عاده.
الصفح عن الخصوم:
ومن الوسائل العملية أيضاً، الصفح عن الخصوم، إذا كان ذلك مما يساهم في فهمهم للإسلام. وقد كان الناس والأعراب يغلظون القول للنبي صلى الله عليه وسلم، في حياته، فكان يعاملهم بالرحمة والمودة والعفو ولكن بلا ضعف ولا تخاذل، كان اللين من صفاته العظيمة التي تحبب الناس فيه، وقد ذكاه الله في كتابه الكريم فقال جل شأنه : "فبما رحمة من الله لنت لهم .".(33/605)
التعريف برسالته:
ومن الوسائل العملية أيضاً، إرسال الرسائل عبر البريد الإليكتروني، والمقالات الصحفية، والقصص النبوية الصحيحة، إلى الناس حتى يفهموا عظمة الأخلاق النبوية المحمدية، وهذا خير دعاية للإسلام، لأن الأخلاق الحسنة تؤثر في الناس، ولو لم يردوا، وتكون قدوة عملية تقطع الجدل والخصام، وصدق الله تعالى حين يقول "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
ـــــــــــــــــــ
الوساوس تعذبني .. جدد إيمانك وثق بربك العنوان
العقيدة الموضوع
معاذ الله على كل ما سأقول، ولكنني أعيش في عذاب، ولا أجد سبيل رشاد يريح قلبي. الموضوع باختصار هو: ضعف اليقين في عظم قدرة الله والخلط بين قدرات الإنسان وقدرة الله على تدبير أمور الكائنات جميعها، والقدرة على الإحصاء لكل شيء في الدنيا، بدءاً من ذرة التراب ومكانها، وهل لها أيضا كتاب خاص بكل ذرة منذ خلقت وحتى قيام الساعة؟.
وحينما أتفكر في أي أمر متعلق بصفة التدبير يعجز عقلي عن تخيل وجود من يحكم ويدبر، ويأخذني عقلي للربط بمدى قدرة الإنسان وقدرة الله فيعظم في عيني هذا الأمر.
وعندي من أسماء الله وصفاته ما لا أقدر على التيقن منه بصفاء ذهن مثل : المحصي (لكل ما كان وما سيكون)، و المدبر (لكل أمور المخلوقات والعلاقات المتداخلة بين الناس فيما يخص صفة التدبير)، و العليم (بكل ما يمر ببال كل البشر في لحظة واحدة)، فضلا عن مشكلة الربط بين قدرة الله و قدرة الإنسان.
(سامحني الله على كل ما قلت، ولكن هذا ما يعذبني من شهرين، ولا أشعر بأي طعم لعباداتي، ولا بعظم الذنوب التي أقع فيها كما كنت من قبل).
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر، الباحث بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة:
أخانا الفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله..
مرحبا بك على موقعك "إسلام أون لاين.نت"، وأقول لك: هدئ من روعك، فتلك الوساوس والشكوك إنما هي من الشيطان الرجيم؛ الذي يتربص بالمؤمن كي يضله عن سواء الصراط.(33/606)
وأحيي فيك كونك تسأل من أجل أن تتعلم، ومن أجل أن تصل إلى اليقين، شريطة أن يكون هذا هو هدفك، وأرجو ألا يكون هدفك هو أن تشكك في ثوابت العقيدة، أو تتبع أحد المضلين عن سواء السبيل
أما استشارتك فالرد عليها يتبلور في النقاط التالية:
أولا: الوسوسة وأثرها على الإيمان:
الوسوسة أمر يرد على الإنسان من لدن الشيطان ليضله عن سبيل الله، ولكن لا بد أن يتفكر الإنسان في مخلوقات الله ونعمه، وقد أمرنا سبحانه وتعالى أن نتفكر في خلقه وذلك في آيات كثيرة منها:
قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} سورة [الغاشية: 17]..
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 99].
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185]..
وقوله تعالى {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20]..
وقوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50].. وقوله تعالى {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24].
وهناك الكثير والكثير من الآيات الكريمة التي تتحدث عن قدرة الخالق، جل وعلا، وبديع صنعه.
ولا ينبغي التفكر في ذات الله؛ لأن التفكر في ذات الله قد يقود الإنسان إلى الشك وهذا الأمر من وساوس الشيطان ومن إضلاله للمؤمن ليخرجه من الإيمان إلى الكفر والعياذ بالله ولن يستطيع الإنسان بعقله المحدود أن يعرف قدر الله سبحانه وتعالى، قال جل جلاله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة: 255]. وقال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].
وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية معالجة شكوك ووساوس الشيطان عندما يعرض لنا فقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)) رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول:الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله)) رواه أحمد والطبراني، والألباني في صحيح الجامع.(33/607)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الناس يتساءلون، حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فإذا قالوا ذلك؛ فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً، و ليستعذ من الشيطان)) رواه أحمد، وصححه الألباني.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من وجد من هذا الوسواس، فليقل: آمنا بالله ورسوله ثلاثاً فإن ذلك يذهب عنه)) رواه أحمد وصححه العلامة الألباني.
ثانيا: وسائل التغلب على الوساوس الشيطانية:
1- أن يقول المرء إذا انتابته هذه الخواطر: آمنت بالله ورسوله.
2- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فيقول مثلاً: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه).
3- أن يتفل عن يساره ثلاثاً.
4- أن ينتهي عما هو فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولينته)، وهذه وسيلة مهمة؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر بقدر المستطاع، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع.
5- أن يقرأ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) فإن فيها ذكر صفات الرحمن، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن، وقراءة هذه السورة العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس.
6- أن يتفكر الإنسان في خلق الله، وفي نعم الله، ولا يتفكر في ذات الله، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله، قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} انتهى.
7- البعد عن الوحدة ولزوم الجماعة والمحافظة على الوضوء دائما، وشهود الجمع والجماعات.
8- أن يكون اللسان رطبا بذكر الله دائما، واسمع لقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 36-43].
والمطلوب من المسلم أن يتفكر في مخلوقات الله عز وجل وآلائه وألا يتفكر في ذات الله لأن التفكير في ذات الله من المضلات والعياذ بالله.
ثالثا: الثقة بالله:
اعلم أخي الفاضل أن الثقة بالله هي خلاصة التوكل عليه سبحانه وقمة التفويض له يقول تعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44]، الثقة هي الاطمئنان القلبي الذي لا يخالطه شك، والتسليم المطلق للملك جل وعلا، والاستسلام له عز وجل، فهو الأعلم بما يصلحنا وهو الأعلم بما ينفعنا وما يضرنا {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].(33/608)
قال بعض السلف: صفة الأولياء ثلاثة:
الثقة بالله في كل شيء - والافتقار إليه في كل شيء - والرجوع إليه من كل شيء.
والثقة بالله تعالى هي التي لقّنها الله تعالى أم موسى بقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [القصص 7].
إذ لولا ثقتها بربها وعلمها أنه قادر على كل شيء لما ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به الأمواج. لكنه أصبح في اليّم في حماية الملك جل وعلا وكان جزاء هذه الثقة العظيمة: قال تعالى: {فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [القصص: 13 ].
والثقة بالله تتجلى في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فبينما هو في الغار والكفار بالباب، قال أبو بكر- خائفاً- يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق بربه: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن، إن الله معنا، وعندئذ تتجلى قدرة ذي العزة والجبروت فيرد قوى الشر والطغيان بأوهى الأسباب بخيوط العنكبوت.
ويُسجِّل القرآن هذا الموقف قال تعالى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 40].
وفي غزوة الأحزاب نرى صورة المؤمنين الواثقين بربهم إذ يقول تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب: 22].
وقال أيضاً : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران: 173].
هذا هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يلقن الأمة درساً في الثقة بالله فيقول لابن عمه، عبد الله بن عباس: { احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف} [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].
إن المسلم الواثق بالله يُوقن بأنّ الله لن يتركه ولن يضيعه إذا ما تخلى عنه كل من في الأرض فثقته بما عند الله أكبر من ثقته بما عند الناس .
والإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأنه لا حول لأي قوة في العالم ولا طول لها إلا بعد أن يأذن الله، الإيمان بالله يقتضي أن يوقن العبد بأن هذا الكون، وما فيه من أنواع القوى المختلفة ما هي إلا مخلوقات مسخرة لله، تجري بأمر الله وتتحرك بقضائه وقدره {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقا} [الجن: 13].(33/609)
إن المؤمن بالله تراه دائماً هادئ البال ساكن النفس إذا ادلهمت وزادت عليه الخطوب والمشاكل فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولسان حاله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:51].
وها هو الخليل إبراهيم، عليه السلام، يضع زوجه وابنه في وادٍ غير ذي زرع عند البيت المحرم، في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، ولا أهل ولا جيران، فتقول زوجته يا إبراهيم لمن تتركنا؟، لمن تدعنا يا إبراهيم؟، فلم يجب، فقالت: يا إبراهيم آلله أمرك بهذا؟، فأشار: نعم. قالت: إذن لن يُضيعنا . والكريم جل وعلا حقًّا ما ضيّعهم.
أما قولك: ((وعندي من أسماء الله وصفاته التي لا أقدر على التيقن فيها بصفاء ذهن مثل: المحصي المدبر العليم )).
فإنني أدعوك لأن تقرأ معي قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 58].
وقوله عز وجلّ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47]. أبعد هذا ما زال لديك شك ووسوسة؟!
وأخيرا؛
هيا لنقرأ تلك الأنشودة الإيمانية الرائعة، كي يزداد يقينك بربك وعظيم صنعه :
الله مَازَكَ(*) دون سائر خلقه وبنعمة العقل البصير حباكا
أفإن هداك بعلمه لعجيبة تزور عنه وينثني عطفاكا
كل العجائب صنعة العقل الذي هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض: من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب: من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام بلا اصطدام: من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا راعٍ ومرعى: من ذا الذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة: من ذا الذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ما الذي صفاكا؟(33/610)
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً فاسأله: مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية: من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده فاسأله: من أرباكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا أنواره فاسأله: من أسراكا؟
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كلّ شيء ما الذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا فاسأله: من يا ليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي بالله جل جلاله أغراكا؟
هذا ما أردت أن أقوله لك.. داعيا المولى عز وجل أن يحفظك ويرعاك ويجلو عنك الشكوك والشبهات.. وتابعنا بأخبارك..
(*)مازك: أي ميزك وفضلك.
ـــــــــــــــــــ
كيف أحذر صديقتي من خطيبها "الذئب"؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
تقدم لخطبتي شاب كنت أحبه، ولكن أهلي رفضوه، و لم أقطع علاقتي به، بل وصلت علاقتي به حتى الزنا بدون جماع، وبعد أن قطعت علاقتي به بفترة قصيرة وتبت إلى الله، عرفت أنه خطب صديقة لي، متدينة جداً، وعلى خلق، ومن أصل طيب، وهى لا تعلم شيئاً عن علاقته بي أو بالفتيات اللاتي كان يعرفهن قبلي، حيث إنه كان على علاقة بأخريات، بل أقنعها هي وأهلها أنه ملاك طاهر، بالرغم من تأكدي أنه كاذب.
والمشكلة هي: هل أخبرها بحقيقته؟، فلو أخبرتها مباشرة سوف تعتقد أنني أغير منها لأنني لست متزوجة حتى الآن، ولو كان واجباً علي أن أخبرها فهل من الممكن أن أرسل لها رسالة بدون توقيعي؟، وإذا فعلت هذا وتأكدت هي من سوء أخلاقه وتركته فهل أتحمل أنا ذنب التفريق بينهما؟، وإذا كان الزاني لا ينكح إلا زانية، فكيف يتزوج مثل هذا الزاني بفتاة على دين وخلق؟.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/611)
تقول الكاتبة الصحفية الأستاذة نجلاء محفوظ، عضو فريق الاستشارات الإيمانية يمصر:
دعينا نبدأ من حبك لهذا الشاب، وعدم توقعك رفض أهلك له، واستمرارك في علاقتك به حتى وصلت إلى الزنا، نحن لا نريد إيلامك أو مضايقتك، ولكننا نود أن تنتزعي نفسك فوراً من هذه الجريمة البشعة، فقد ارتكبت أحد الكبائر، ونرجو أن تكوني قد تبت إلى الخالق عز وجل فعلاً. فمن شروط التوبة الصادقة الامتناع عن الذنب، وكراهيته كراهية تامة، والندم البالغ عليه، والعزم الأكيد على عدم تكراره.
ونتمنى أن تغتسلي ثم تتوبي إلى الله، وتبدئي صفحة جديدة ناصعة البياض، ( وتقاتلي) بكل قواك لعدم تشويه هذا البياض بأية ذنوب جديدة، وتكثري من الاستغفار وتبكي كثيراً للرحمن عسى أن يتقبل توبتك.
كما نتمنى أن تكون نيتك صادقة ومخلصة – تماماً – في إنقاذ صديقتك من هذا الشاب العابث، وألا تكون هناك أي شبهة، سواء للغيرة لأنه تركك وتقدم لخطبتها، ولا للانتقام منه، وتشويه صورته، وتذكري أن الخالق عز وجل يدرك ما في قلبك فلا تجعليه سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليك، ولا تخدعي نفسك ولا تتركي الشيطان يزين لك فضح هذا الشاب.
وإذا طهرت قلبك من الغيرة والانتقام يمكنك إرسال خطاب إلى أهلها، ولكن تجنبي أن تكتبي بخطك، ويمكنك كتابة الرسالة على الكمبيوتر مثلا، وطالبي أهلها، في الرسالة، بالتأكد من أخلاق خطيبها، ونرجو أن تكون نيتك حمايتها من الأخطار، تنفيذا لقول رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه: ( وأن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك)، ونوصيك بألا تكشفي فضائح هذا الشاب، في الرسالة ولكن اكتفي بالإشارة إلى عدم جدارته بهذه الفتاة، وطالبي أهله بالمزيد من البحث والتحري عنه.
أما إذا فعلت ذلك، و وجدت إصراراً منهم على إتمام الخطبة، فابتعدي عن متابعتهم وملاحقتهم وانشغلي بحياتك، فمن حسن الإيمان ترك ما لا يعنينا كما جاء في الحديث الشريف، وقللي تدريجياً من علاقتك بهذه الصديقة، واحرصي على ألا تتواجدي مع هذا الشاب في أي مكان، وأغلقي هذه الصفحة نهائياً من حياتك، وأهتمي بتحسين حياتك دينياً ودنيوياً ومَنْ أدراكِ فربما تاب هذا الشاب توبة نصوحاً وأراد الرحمن أن يعينه على هذه التوبة بالزوجة الصالحة؟، وأهتمي بأمرك، واتركيهم لرب العباد يدير حياتهما.
ـــــــــــــــــــ
التنويع والتدبر علاج للذكر "الروتيني" العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم. للأسف الشديد فقد صارت الأوراد اليومية (قرآن أو أذكار)، وسط "رتم" الحياة السريع، ووسط الحركة المستمرَّة، عملاً روتينيًّا لا زادًا إيمانيًّا، ممَّا قد يؤثِّر على الحالة الإيمانيَّة، وعلى المواظبة على الأوراد نفسها. فما هو الحل ؟، وكيف يمكنني كسر هذا الروتين وتذوق حلاوة الأذكار ؟(33/612)
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
شكر الله لكم، و جزاكم خيرًا على حبِّكم لإسلامكم وحرصكم عليه.
أخي الكريم؛
إنَّ التنويع، والتدبُّر يمنعان من تحوُّل ذكر الله تعالى إلى عملٍ روتينيٍّ، لا يفيد في زيادة الإيمان، وبالتالي زيادة أعمال الخير. ويقصد بالتنويع تغيير مكان الذكر، وصورته، ووقته، كما نبَّهنا لذلك سبحانه في قوله: (الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم) أي في كلِّ أحوالهم.
فاجعل الذكر أحيانًا مصحوبًا بالنظر، والتأمُّل في الأفق وتدبُّر مخلوقات الله، واجعله أحيانًا أخرى أثناء السير، أو في السيَّارة ووسيلة المواصلات، وأحيانًا ثالثةً في الفراش، ورابعةً في المسجد، وبعد الصلاة، وأحيانًا فجرًا، أو عصرًا، أو ليلا.. وهكذا.
مع الاجتهاد في استحضار الذكر، الذي يناسب كلَّ موقفٍ من مواقف الحياة، كأذكار الطعام والشراب، والنوم، ودخول الخلاء، وابتداء الأعمال، وانتهائها، ولبس الثياب، ووضعها، وعند الشكر أو الصبر، وعند الفرح ،أو الحزن،وما إلى ذلك. فإنَّ تعدُّد الأذكار، ومناسباتها لتعدُّد المواقف، والأحداث يجعل احتماليَّة التأثُّر، والاستفادة بالذكر أكبر.
ومن التنويع تمرير الذكر على القلب، وعلى اللسان.
ومن التنويع قراءة القرآن، أو سماعه من الغير ممَّن هو حسن الصوت.
ومن التنويع الذكر منفردًا, كما أشار لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، عن السبعة الذين يظلُّهم الله بظلِّه يوم القيامة: (ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) رواه البخاري، أو مجتمعًا كما لمَّح لذلك صلى الله عليه وسلم في قوله: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
ومن التنويع تنويع الذكر نفسه، بين الاستغفار، والتسبيح، والتحميد، وغيره، فإنَّ لكلِّ ذكرٍ تأثيره، وإن لم يؤثِّر فيك ذكرٌ أثَّر فيك آخر.
ويقصد بالتدبُّر استشعار القلب ما أمكن لمعاني كلِّ ذكرٍ، وأهدافه، وتطبيقاته، العمليَّة، وفوائده في الدنيا، ثمَّ ثوابه في الآخرة، مع الاهتمام بالخشوع في الصلوات، وتدبُّر معانيها ومعاني الآيات القرآنيَّة ،التي تُقرأ فيها، وأهداف ركوعها وسجودها، وأذكارها، فهي من أفضل الذكر، وما شرعت - هي وغيرها من العبادات - إلا لتزيد الإيمان وتحرِّك القلوب، والتي بدورها ستدفع الأجساد إلى حسن العمل.(33/613)
هذا، ويراعي التوسُّط والاعتدال في الأذكار، فليست العبرة بكثرتها، ولكن بالإفادة منها، بل كثرتها قد تؤدِّي إلى الرتابة والملل كما حذرنا صلى الله عليه وسلم في قوله: (عليكم بما تطيقون، فو الله لا يملُّ الله حتى تملُّوا) رواه البخاريّ ومسلم.
أخي الكريم؛
يقول الإمام النووي: "كلُّ عملٍ لله بطاعةٍ يكون ذكرًا لله تعالى"، فكما أنَّ العبادة ،والطاعة لله تعالى؛ لا تعني فقط العبادات كالصلاة، والصيام وغيرها، ولكن الحياة كلّها بما فيها من عملٍ، وإنتاجٍ، وتناسلٍ ،وغيره من المعاملات طاعةٌ لله، الذي طلب من البشر؛ حسن الانتفاع بالكون، فكذلك الذكر، لا يكون فقط وقت الصلاة، أو قراءة القرآن، أو تلاوة الأذكار باللسان ،أو ما شابه ذلك.
ولكن يكون في كلِّ عمل، باستحضار نوايا الخير فيه، فمن فعل ذلك يكون ذاكرًا لله تعالى؛ أثناء تأديته لهذا العمل، فمثلاً.. الذي يتقن عمله، ونواياه نفع نفسه والإسلام والمسلمين ،استجابةً لطلب ربِّه فهو ذكرٌ له طول وقت العمل، حتى ولو لم يذكره بلسانه، والذي يُحسن معاملة من حوله من زوجاتٍ، وأبناء، وجيران، وأقارب، وزملاء، وأصحاب، بالنوايا السابق ذكرها فهو أيضًا ذاكرٌ لله تعالى نائلٌ لثوابه.. وهكذا.
فإن فعلت ذلك - أخي الكريم- كنت ذاكرًا لله على كلِّ أحوالك كما كان هو حال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يخش عليك بإذن الله من الملل من الذكر وفقدان فوائده، لأنَّك نوَّعته وتدبَّرته، وكنت من الذاكرين الله كثيرًا الذين قال فيهم: (والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا).
ويضيف الأستاذ هاني محمود :
ولن أعلق على كلام أستاذنا الدكتور محمد منصور، غير أن لي إضافة بسيطة أود أن تتقبلها مني – أخي الحبيب -، وإضافتي تتلخص في نقطتين :
أولا: دعنا ننظر في بواعث الأوراد عندنا، أو بتعبير آخر.. لماذا نذكر الله ؟ لماذا نقرأ القرآن ؟ لماذا نقوم بهذه الأوراد ؟
إن من أجمل الملامح التي خرجت بها من قراءتي في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، تصوري لمدى إحساس النبي صلى الله عليه وسلم بعبوديته لله، واستشعاره لعظيم نعم الله عليه، وعلى الناس، ويتجلى ذلك لنا فيما أثر عنه صلى الله عليه وسلم مما يعرف عندنا بأذكار الأحوال، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوحى إليه؛ أنك إذا شربت يجب أن تقول "بسم الله"، وإذا أنهيت تقول "الحمد لله"، وإذا لبست تقول كذا، وإذا خرجت تقول كذا..
ولكنه صلى الله عليه وسلم، كان يتعامل مع كل أمور حياته بقلب يستشعر أن لله عليه فضل مما أنعم عليه من نعمه، وأن هذا الفضل يستوجب منه شكرًا، وذكرًا لله، كي لا ينشغل بالنعمة ،وينسى المنعم، ومن هنا كانت "أذكار الأحوال".
مراد كلامي أخي الحبيب- أننا لو تعاملنا في حياتنا كلها بكل تفاصيلها بهذه الروح – روح العبد لله، المستشعر عظمة ربه وافتقاره إليه - فإنه بإذن الله تعالى لن يكون للملل ،ولا الروتينية، سبيل إلى قلوبنا وسيكون ذلك بمثابة التجديد الإيماني المستمر(33/614)
لقلوبنا، لأن الملل، والرتابة إنما تنتج عن غفلة القلب في وقت من الأوقات عن الإحساس بما يفعله.
وإذا نسيت هنا فإنني لا أنسى كلمة سيدنا علي رضي الله تعالى عنه يوم قال: إن للنفس إقبال وإدبار، فإن هي أقبلت فاستكثروا من النوافل، وإن هي أدبرت فألزموها الفرائض.
الأمر الثاني: الذي أود التنبيه إليه – أخي – هو أننا وحتى إذا فقدنا الإحساس بالورد، واستشعاره بالقلب؛ فإن ذلك ليس مبررًا أبدًا لتركه، أو التوقف عنه حتى يحضر القلب فيه، إننا نحتاج أخي أن نجعل لنا حدودا نتوقف عندها. وكلما كانت ممارستنا الإيمانية عالية، كان نزولنا وقت الملل، والفتور، منضبطا في الحدود التي لا توقعنا في غضب الله علينا أو التقصير في فروضه.
فليس عيبا ولا غريبا أن نصاب بحالات من النقصان، سواء القلبي أو الفعلي، أي في إيمانياتنا أو طاعاتنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لكل عملٍ شره، ولكل شر فطره، فمن كانت فطرته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك)رواه البيهيقى في شعب الإيمان وصححه السيوطي، أي أن المشكلة تبرز إذا لم نستطع ضبط هذه الفترة حتى تنتهي إلى سنة النبي صلى الله عليها ولا تحيد عنها.
وفقك الله وأعانك..ولا تنسنا من صالح دعائك، وكن على تواصل معنا.
ـــــــــــــــــــ
أشعر أن الله لن يرضى عني !! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
هذه ليست المرة الأولى التي أراسلكم. فلقد سبق لي أن أرسلت إليكم استشارة ملخصها أنني ارتكبت معصية مع خطيبي السابق. وأنا الآن تركته لأنني كنت أتعذب من استمراري معه، حيث إن بداخلي حب الله، وكنت دائما أتوق إلى التوبة و البعد عن المعاصي.
و لكن وجودي بجانب هذا الشاب كان يبعدني عن الله، و عن التوبة. ولقد تبت الآن توبة نصوحاً، لا رجعة فيها، و ذقت حلاوة القرب إلى الله، وما ألذها حلاوة. إنني استغفر الله يومياً، ليلاً و نهاراً. ولكنني أتساءل: هل سيغفر الله لي ما ارتكبته؟ هل سيرضى عنى بعد كل هذه المعاصي والذنوب؟!.
أنا مؤمنة تماماً بأن الله غفور رحيم، وأنه أقرب للعبد من أمه و أبيه، ولكن من كثرة ما ارتكبت من معاصي أحتقر نفسي كثيراً، لذا أشعر أن الله لن يرضى عني بسهولة.
فبماذا تنصحوني لكي أزداد قرباً إلى الله، و لكي أكفر عما ارتكبته؟ وهل إذا دعوت الله أن يرزقني بالزوج الصالح الذي يكون لي حسنة في الدنيا و سبباُ في حسنة الآخرة، وأكون له حسنة في الدنيا وسبباً في حسنة الآخرة، ونعز الإسلام أنا وهو و ذريتنا، هل يستجيب الله لدعائي، حيث إنني في أمس الحاجة إلى محيط طيب و زوج صالح يساعدني على التقرب إلى الله والبعد عن الذنوب و المعاصي؟
أرجو الإفادة. و جزاكم الله كل الخير.
السؤال(33/615)
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ منصور عرابي، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أوجب الله تعالى على عباده التوبة، فقال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31]. وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } [التحريم:8]. والله تعالى يحب التوابين، ويفرح بتوبة العبد إليه فرحاً عظيمًا،
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح الله بتوبة العبد في الحديث الذي رواه أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة" [متفق عليه].
وفي رواية مسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
ورسالة الأخت كان مضمونها مدى قبول الله لتوبتها، وأمنيتها أن يرزقها الله زوجًا صالحًا يعينها على أمر دينها ودنياها، إذ ذكرت فيها أنها ارتكبت معصية مع خطيبها السابق، والآن تركته، لأن وجودها بجانبه كان يبعدها عن الله، وعن التوبة، ولقد تابت الآن توبة نصوحاً، لا رجعة فيها، وذاقت حلاوة القرب إلى الله، وأنها تستغفر الله يوميًّا، نهارًا وليلاً، وتسأل: "هل سيغفر الله لي ما ارتكبته؟ هل سيرضى عنى رغم كثرة ما ارتكبت من معاصي؟ وهل إذا دعوت الله أن يرزقني بالزوج الصالح سوف يستجيب الله لدعائي؟".
وأقول، وبالله التوفيق، أيتها الأخت الكريمة، اعلمي أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وما أعظم التوبة، وما أسعد التائبين، فكم من أناس فاسقين صاروا بالتوبة من الأولياء المقربين، وإن الله أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، فلا يقنطن المؤمن من رحمة الله، وليتُبْ إليه مهما بلغ عظم ذنوبه.
فقد وردت قصة عن مسلم من بني إسرائيل قتل مائة إنسان ثم سأل عالمًا: هل لي من توبة؟ قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ اذهب إلى أرض كذا فإن بها قومًا صالحين، يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.
فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك بصورة ادمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد،(33/616)
فقبضته ملائكة الرحمة. وفي رواية في الصحيح: فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر، فجُعِل من أهلها، وفي رواية فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغُفِر له.
وجاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
واعلمي أن التوبة سبب لغفران الذنوب وتكفير السيئات واستبدالها بالحسنات، قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان:68-70].
والتوبة، أختي المسلمة، واجبة على الفور من كل معصية، كبيرة وصغيرة، وقد جاءت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة، والمسلم العاقل هو الذي يقوّم نفسه ويأخذ بزمامها إلى ما فيه مرضاة الله تعالى ورسوله، وإن جنحت نفسه يومًا للوقوع في المعاصي والانهماك في الشهوات المحرمة، يعلم أنّ الخالق غفور رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، وأنه مهما أسرف في الذنوب ثم تاب منها فإنّ الله يغفرها جميعًا.
قال عزّ وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53]. والقنوط من رحمة الله هو أن يجزم المرء في نفسه بأنّ الله لا يرحمه، ولا يغفر له، بل يعذبه، وهذا القنوط ذنب من الكبائر.
واعلمي - أختي الكريمة- أن للتوبة شروطًا، لا بد منها لقبول التوبة عند الله وهي:
1 ــ الإقلاع عن المعصية، أي تركها، أما قول الإنسان: أستغفر الله. وهو ما زال على المعصية فليست بتوبة.
2ــ العزم على أن لا يعود لمثلها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.
3 ــ الندم على ما صدر منه من معاصي، فقد روى الحاكم أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "الندم توبة".
4 ــ إن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب، أو السب بغير حق، أو أكل مال الغير ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة، إما بالقصاص، ورد المال، أو استرضاء المظلوم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: "من كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم" [رواه مسلم].
5 ــ يشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم، فمن وصل إلى حدّ الغرغرة لا تقبل منه التوبة، فقد ورد في الحديث الشريف: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" [رواه الترمذي].
وأما موضوع قبول الله لدعائكِ، وأن يرزقكِ زوجًا صالحًا، فهذا موضوع له شروط أخرى، يجب أن تعملي بها، منها:(33/617)
1- الإخلاص في الدعاء لله، قال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:آية 65]. وإن سألتِ فلا تسألي إلا الله، وإن توكلتِ فلا تتوكلي إلا على الله، وإن رجوتِ فلا ترجي إلا من الله.
2- أكل الحلال، فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، فكيف يخرج الدعاء من جوف مليء بالخبث والحرام، وما نبت من حرامٍ النار أولى به، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس! إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ... ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!) [رواه مسلم] .
3- ترك الاعتداء في الدعاء، قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). [الأعراف: آية 55]، يعني المجاوزين في الدعاء وفي كل شيء، كأن يطلب الداعي ما قد حسم من الله سبحانه وتعالى كالخلود في الدنيا، أو إدراك ما هو محالٌ في نفسه، أو يطلب منازل الأنبياء في الآخرة.
4- الصدق في الدعاء، عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه" [رواه مسلم].
5- الثقة بالله وحسن الظن به، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني ... " [رواه مسلم]، فالظن بالله دليل على قوة الرجاء والتفويض والاعتقاد، وأما سوء الظن بالله فهو من شيم أهل الضلال، قال الله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [الفتح:6] وقال سبحانه كذلك: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ) [الحجر :56].
ونحن من جانبنا، ندعو الله أن يرزقكِ الزوج الصالح، الذي يعينك على أمر دينك ودنياكِ.. اللهم آمين.
وتضيف الأستاذة فاطمة محمد، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
في البداية أود أن أشكرك - أختي الكريمة - على ثقتك الغالية بموقعنا أسلام أون لاين ،ونتمنى من الله أن نكون دائماً عند حسن ظنك، فنحمد الله الذي هداك لهذا وما كنت لتهتدي لولا أن هداك الله، ونتمنى من الله ألا تعودي لمثل هذا الذنب مرة أخرى وأن يرزقك الزوج الصالح، الذي يرتقى بك إلى جنة الفردوس ويبتعد بك عن الذنوب والمعاصي ومداخل الشيطان.
أختي الكريمة:
من خلال استشارتك يتضح لنا، أنك حريصة كل الحرص على البعد عن معصية الله تعالى، وعدم الوقوع في المعاصي، ويتضح هذا من قولك أنك تركت خطيبك، فهذا دليل على شجاعتك في مواجهة نفسك، ودليل أيضاً على الخير الذي يملأ قلبك، فاستشعار الذنب أكبر دليل على الرغبة الصادقة في البعد عن المعاصي والذنوب.(33/618)
وأود أن أذكرك بأن الله غفور رحيم، وقد ذكرت ذلك في رسالتك ،فعودي إلى الله بقلب تائب نادم على كل ما فعلت من الذنوب، وأكثري من الأعمال الصالحة على قدر استطاعتك.
أختي الكريمة:
تقولين أنك تستشعرين حلاوة الأيمان في قلبك، غير أنك لا تستطيعين التوفيق بين حب الله، والإقبال عليه بالطاعة، وأنا أسألك : كيف تثبتين حبك لله دون الإقبال عليه بالطاعة؟!، فهذان مرتبطان ببعضهما البعض، فأقبلي بالطاعة على الله لتنالي محبته وقربه إلى قلبك.
فما أجمل ولا أعظم من أن يستشعر المرء قرب الله منه، وحلاوة الإيمان به!. أما عن إحساسك بالصدق في التوبة، فهذا لأنك رجعت إلى الله بقلب تائب مستغفر منيب.
وبخصوص توجهك لله أن يرزقك الزوج الصالح، فهذا متوقف على جهدك مع الله، واليقين بأنه يستجيب لدعائك، فهو سبحانه يجيب عبده الذي يدعوه.
واليك - أختي الكريمة - ببعض النصائح التي تعينك على الطاعة،ألا وهى:
1- استحضار النية وتصحيحها، وتجديد الإيمان بالله.
2-اختيار الصحبة الصالحة والبعد عن أصحاب السوء.
3-اللجوء إلى الصلاة لأنها صلة تربط العبد بربه؛ فيناجى ربه، ويشكو له همه.
4- المحافظة على قيام الليل، لأن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول هل من داع فأستجيب له، هل من سأل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له.
5- الحرص على قراءة القرآن، ألا تحبين أن يكلمك الله؟!
6-التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وبصحبه الكرام.
7- البعد عن المعاصي، وان صغرت؛ فمعظم النار من مستصغر الشرر.
فاستمسكي بالذي هو خير، كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا تنسينا من صالح دعائك، وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
قسوة القلب..أسبابها وعلاجها العنوان
أمراض القلوب الموضوع
ألمس قسوةً في قلبي، وقد حاولت كثيرًا أن أعالج حالي، ولكنَّني دائمًا أفشل في ذلك وأعود كما كنت.. بالله عليكم ساعدوني؛ ما هو علاج قسوة القلب المستعصية؟.. فلقد تعبت كثيرًا وأشعر بالإحباط.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ عبد الباري الزمزمي، عضو رابطة علماء المغرب:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أخي الكريم ياسر؛(33/619)
نسأل الله تعالى أن يُنعِم علينا وعليك بالقلب الحيّ بذكره، الممتلئ بحبِّه.. آمين.
إنَّ قسوة القلب داءٌ له أسبابه وله دواؤه، فإذا اتَّقى المؤمن أسبابه كان ذلك نصف العلاج، ويبقى تعاطي الدواء الذي يستأصله ويشفي صاحبه منه.
** من أشدِّ أسباب قسوة القلب:
1- الاسترسال في الذنوب واقتراف المعاصي من غير توبةٍ إلى الله ولا رجوعٍ إليه، وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذا السبب بقوله عن الكفرة و الفسقة: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)، يعني أنَّ ما كانوا يقترفونه من الآثام والذنوب جعل قلوبهم مطبوعًا عليها وقاسيةً لا تلين لذكر الله عزَّ وجلَّ، ولا تخشع لعبادته.
وفي الحديث: (إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو الرَّان الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون))رواه الترمذي وقال حسنٌ صحيح.
2- الغفلة عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، والإعراض عن الموعظة والتذكُّر والتفكُّر في خلقه وآلائه، وفي القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) يعني أنَّ الذين قست قلوبهم من غفلتهم عن ذكر الله وإعراضهم عن الموعظة ويلٌ لهم، وهذا إنذارٌ وتحذيرٌ لما ينتظرهم من عذاب الله يوم لقائه.
3- أكل الحرام؛ أي أن يكون المال الذي يعيش منه المرء مالاً مكتسبًا من طرقٍ غير شرعيَّةٍ.. كالعمل في الخمر، والربا، والقمار، والمخدرات، وغير ذلك من أصناف المحرمات.. فإذا كان المرء يتغذى على الحرام فإنَّ ذلك يكون سببًا له في قسوة قلبه، ومانعًا له من استجابة دعائه، مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيِّبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيُّها الرسل كلوا من الطيِّبات واعملوا صالحا)، وقال: (يا أيُّها الذين آمنوا كلوا من طيِّبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إيَّاه تعبدون)، ثمَّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذي بالحرام.. فأنَّى يُستجاب له) رواه مسلم، فهذا الحديث يبيِّن فيه عليه الصلاة والسلام أنَّ القوت الحرام يُفسد على المرء دينه، ويورثه قسوة القلب، ويحول بينه وبين استجابة دعائه، وهذا يعني أنَّ هذا المرء يكون بعيدًا عن ربِّه غير قريبٍ منه، فلا ينظر الله تعالى إليه ولا يستجيب له دعاءً.
** أمَّا دواء قسوة القلب ومعالجتها فمن أهمها:
1- الإكثار من ذكر الله عزَّ وجلَّ، أي أن يسترسل المرء في ذكر الله في كلِّ وقتٍ وحين، وذكر الله عملٌ لا يتطلَّب من فاعله تفرُّغًا ولا تكلُّفًا ولا إعدادًا، بل يمكن للمؤمن أن يذكر الله على كلِّ أحواله، وفي كلِّ حينٍ من أحيانه، وكما قالت السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كلِّ أحيانه) رواه البخاري، فيمكن للمرء أن يذكر الله وهو في طريقه وفي عمله وفي مختلف المواقع التي يكون فيها خلال حياته اليوميَّة، لأنَّ ذكر الله عمل اللسان وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وآمركم بذكر الله كثيرًا، ومثل ذلك كمثل رجلٍ طلبه العدوُّ سِراعًا في أثره، حتى أتى حصنًا حصينًا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله) رواه الحاكم وقال الألباني حديثٌ صحيح.(33/620)
2- قراءة القرآن؛ فإنَّه أفضل الذكر ولاسيَّما إذا كانت قراءة القرآن بتدبُّرٍ ومدارسةٍ وتأمُّلٍ في مضامينه ومعانيه، فإنَّها تنوِّر القلب، وتُفسِح الصدر، وتُذهِب ما فيه من ضيقٍ وكدرٍ، مصداقًا لقوله عزَّ وجلّ: (وشفاء لما في الصدور)، وقوله عزَّ وجلَّ: (قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء)، وأيضًا قوله تعالى: (ونُنزِّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين)، فينبغي أن يكون للمؤمن حصَّةٌ من القرآن الكريم يداوم عليها كلَّ يومٍ حسب ما يسمح به وقته وما تساعده عليه ظروفه، من جزءٍ في اليوم أو جزأين، حتى لا ينقطع عن كتاب الله عزَّ وجلَّ ويكون دائم الصلة به، ومناجاته سبحانه.
3- الاستماع للموعظة، وهو أشدُّ تأثيرًا في القلب من قراءة الكتب، فالاستماع له أثره في القلب ووقعه على النفس، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يجلس مع الصالحين في مجالس المواعظ والدروس التي يلقيها العلماء الراشدون، فيختار من أهل العلم من يطمئن إلى دينه وعلمه فيجلس إليه ويستمع من مواعظه، كما يحرص على حضور الجمعة عند الخطباء الراشدين الذين ينتفع بحديثهم، ويتنوَّر قلبه بمواعظهم، فالعلماء والخطباء كثير، ولكن الراشد منهم قليل، لذلك فعلى المسلم أن يختار من يستمع منه وينتفع بحديثه، مصداقًا لقول الله عزَّ وجلّ: (فبشِّر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)، فالله عزَّ وجلَّ يرشد العباد أن يستمعوا أحسن القول، وأقربه إلى قلوبهم ليكون له أثره المطلوب في تنوير القلب وتليينه.
4- مواساة الفقراء والمعوزين ولاسيَّما اليتامى منهم، فإنَّ الإحسان إلى المحرومين يكافئ الله عليه عبده بتليين قلبه، وتربية الرقة فيه، مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم) رواه الطبراني وقال الألباني حديثٌ حسن، فمواساة المحرومين والفقراء يثيب الله عليها عبده بهذه الصفة الجليلة، ألا وهي تليين القلب وجعله خاضعًا خاشعًا لله تعالى.
5- المداومة على العمل الصالح باختلاف أنواعه وأصنافه، فلا ينقطع العبد عن العمل الصالح قدر استطاعته وحسب قدرته، لأنَّ الاستمرار في العمل الصالح والمداومة عليه تجعل العبد دائم الصلة بربِّه، وعلى علاقةٍ متينةٍ به سبحانه، وهذا ما نفهمه من قول الله عزَّ وجل: (ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقِّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم)، فالله عزَّ وجلَّ يُحذِّر المؤمنين من صنيع أهل الكتاب من قبلهم، الذين أعرضوا عن دينهم، وغفلوا عن العمل الصالح، وأقبلوا على الدنيا ومغرياتها وشهواتها، فطال عليهم الأمد.. أي بعدت بينهم وبين دينهم وعبادة ربهم المسافة فقست قلوبهم، فلذلك يأمر سبحانه عباده من أهل الإسلام أن يكونوا دائمًا خاشعين لله عزَّ وجلَّ، مُقبلين على عبادته، متمسِّكين بالعمل الصالح حتى لا تنقطع العلاقة بينهم وبين ربِّهم، وحتى لا يطول عليهم الأمد وينسوا كثيرًا ممَّا أُمِروا به.
6- تعهُّد النفس بالتوبة الدائمة من كلِّ ذنبٍ، فإنَّ الران الذي تصنعه المعاصي على القلب حتى تغلِّفه بسواد المعصية لا يُذيبه إلا سرعة التوبة والأوبة إلى الله عزَّ وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلو قلبه، وهو(33/621)
الرَّان الذي ذكر الله (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) رواه الترمذي وقال حسنٌ صحيح، فدوام التوبة الصادقة تجعل القلب في حياة دائمة، ولا تترك فرصةً للران - الذي يُورِث القلب القسوةَ - في أن يتكوَّن.
ثمَّ بعد هذا تلجأ إلى الدعاء، وتتضرَّع إلى الله عزَّ وجلَّ أن يُليِّن قلبك، ويجعله خاشعًا لذكره سبحانه، ولاسيَّما أن تُكثر من الدعاء الذي علَّمنا إيَّاه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: (ما أصاب أحدٌ قط همٌّ ولا حزنٌ فقال:
اللهمَّ إنِّي عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيت به نفسك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي، إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجًا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلَّمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلَّمها) رواه أحمد وصحَّحه الألباني، فلتُكثِر من هذا الدعاء في مختلف الأحوال، ولاسيَّما في أوقات الاستجابة.. كالسجود، وبين وقت الآذان والإقامة، وفي يوم الجمعة، وهكذا.
ولا شكَّ أنَّك إذا التزمت هذا المنهج فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سيُحقِّق لك رغبتك، وينوِّر صدرك، ويلين قلبك، إذا كنت غير واقعٍ في مانعٍ من الموانع التي سبق وأن ذكرناها، فإنَّه سبحانه إذا وعد وفى، وقد قال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا).
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والرشد بمنِّه وفضله. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
إني مهاجر إلى ربي.. أمدوني بالعُدة العنوان
غذاء الروح الموضوع
أنا شاب عندي 19 سنة. أريد أن أبدأ مع الله في العام الهجري الجديد بداية حقيقة صادقة، وأستغل إجازة منتصف العام في مراجعة نفسي، قرأت لكم عن أهمية مراجعة النفس، والتفكر في معاني الهجرة. فهل من الممكن أن تضيئوا لي تلك المعان، وتساعدوني على تلك الوقفة، إني مهاجر إلي ربي.. فأمدوني بالعُدة.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الدكتور عمرو الشيخ، المدير التنفيذي لمؤسسة نور للتنمية البشرية، عضو فريق الاستشارات الإيمانية:
إلى مَن أراد أن يهجر معصيته؛ فتكالبت على باب طاعته شياطين الإنس والجن تقعده، فلم يجد مثل "علي" ينام مكانه. إلى مَن جهز الزاد والراحلة فلم يجد صديقًا مثل "أبي بكر" يرافقه. إلى مَن فرَّ بدينه وخُلُقه، فخرج وراءه القوم يطلبونه فلم يجد غارًا يؤويه. إلى مَن تاهت نفوسهم في صحراء المعاصي، فلم يجدوا دليلاً يبصرهم.
إلى الذي خرج يسعى ويُجاهد فجاءَه "سراقة" هذا الزمان يطلبه. إلى المجاهد الذي خرج بنفسه وترك الأهل والديار، فقعد الشيطان في طريقه، يقول له: "أتترك دين(33/622)
آبائك وأهلك ودارك". إليكم جميعًا هذه الكلمات لعلها تكون سبيلاً يروي ظمأ العطاشى في هجير ذلك العصر، أو تكون حداءً لقافلة نسير بها إلى رحاب النبي إلى ضياء الموكب.
هجرة ولا "صدِّيقَ" لها
هجرتنا هجرة قلوب، ولكن أين "صدِّيق" هذا الزمان، الذي يعين على نوائب الدهر، ويبذل كلَّ ماله من أجل الله؟ أين "صدِّيق" عصرنا، الذي يقف ويقول: "أينقص الدين وأنا حي!!!؟".
"إلا تنصروه فقد نصره الله".. قالها الله -عز وجل- يوم أن تثاقل بعض المؤمنين عن الخروج في سبيل الله، فذكَّرهم بأنَّ النصر من عند الله، فيا شباب الإسلام، إلا تنصروا هذا الدين فقد نصره الله. إلا تنصروا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فقد نصره الله. إلا تنصروا دين الله -بإقامة شرعِه- وتنصروا فرائضَه- بتأديتها- فإنَّ اللهَ ينصرُه: ?وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ?.
فدين الله غالب، وشمسه مشرقة لا محالةَ، ولكن؛ أين أنت؟ أليس لك دور ومكان؟ أليست لك مهمة؟ ألست مسلمًا؟ أو لَست على الحق؟! ألستَ وريث الرسالة وإليك وصلت الأمانة؟! فأين دورك من نصرة دينه ورسالته؟
ألم يأن للذين آمنوا أن يهاجروا.؟!
ألم يأن لشبابنا أن يهاجروا من كل مظاهر بعدهم عن دينهم؟
ألم يأن للشباب أن يهجروا الخلاعة والمجون ويتحلَّوا بالجد والاجتهاد؟
ألم يأن لهم أن يهجروا الإسراف ويتحلَّوا بالاقتصاد في الإنفاق والبُعد عن التبذير وإضاعة المال؟
ألم يأن لشبابنا أن يتخلَّوا عن إضاعة الوقت فيما لا يفيد؟ ويتحلَّوا بحُسن اغتنام الوقت: "اغتنم فراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك".
ألم يأن لشبابنا أن يهجروا النظر إلى ما حرَّم الله في الشوارع والتلفاز وغيرهما، وأن يتحلوا بغض البصر؛ فمن صان عرض غيره صان الله عرضه..؟
ألم يأن لشبابنا أن يهجروا الكسل إلى الهمة وسمائها، وأن يهجروا التواني إلى الجد والنشاط؟
ألم يأن للشباب أن يتخلَّوا عن (شلة) السوء من الأصدقاء، ويهاجروا إلى مَن اقتدَوا بأبي بكر؟
ألم يأن لشباب الإسلام أن يتخلَّوا عن الفوضى والإهمال وعدم الانضباط في الحياة إلى التحلِّي بالنظام والاستقامة والانضباط والترتيب؛ فإنَّ المسلم منظمٌ في شئونه، حريصٌ على وقته.
قطعت شهور العمر لهوًا وغفلةً *** ولم تحترم فيما أتيت المحرَّما
فلا رجبَ وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم صومًا متمَّما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قوامًا ولا كنت مُحرما
فهل لك أن تَمحوَ الذنوب بعَبرة *** وتبكي عليها حسرةً وتندُّما
وتستقبل العام الجديد بتوبةٍ *** لعلك أن تمحوَ بها ما تقدَّما(33/623)
في صحراء الذنوب القاحلة، لا ظلَّ لا ماءَ لا أحدَ، وحشةٌ في القلب، وضيقٌ في الصدر، بل وظلمة في الوجه. هذا هو شعور المعصية ينتاب المؤمن، لهبُ المعصية يحرقُ، ودخانها يخنِق، ودمع العين النادم ما عاد يسيل. يقف الإنسان حائرًا تائهًا، لا صديق ولا أنيس، فأسمع نداء ربي يقول: ?لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا?.
أخي الفاضل:
ونحن على أعتاب عام جديد؛ فاعلم أن الغيث أوله الندى، وتشرق شمس عام جديد نقف على أعتابه، عام جديد وعلى عملك شهيد، ولنا فيه وقفةٌ للحساب والمراجعة: ?قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا?.
استمع إلى كلام رسولك -صلى الله عليه وسلم- وهو يبين لك حقيقتك في هذه الحياة، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنكبَيَّ فقال: "كن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" (أخرجه البخاري).
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غُيِّب عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا"، وقال عمر رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم، وتأهَّبوا للعرض الأكبر على الله: ?يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ?.
حري بكم يا شباب الإسلام، أن تقفوا مع أنفسكم وقفةً جادة للمراجعة والمحاسبة؛ وليسأل كل منا نفسه:
1. ماذا قدمت لدينك؟
2. ماذا أضفت لرصيدك العلمي؟
3. ماذا قدمت للمجتمع وللناس؟
4. هل ازددت قربًا من الله؟
5. هل ازددت تمسكًا بسنة نبيك؟
6. هل اكتشفت الطاقة التي وضعها الله في داخلك؟
7. هل تخلصت من عاداتك السيئة؟ هل تخلقت بخُلُق جديد؟
8. ماذا قدمت في ذلك العام لدين الإسلام؟ وماذا فعلت لخدمة الدين والمسلمين؟
9. "المهاجر مَن هجر السوء".. فهل هجرنا كل سيئ فينا؟
10. "لا يهجر مسلم أخاه فوق ثلاث"، يا ترى هل وصلت أخاك المقاطع؟
11. يا تُرى هل هجرت قطع الرحم وأصبحت تصلها؟
12. يا ترى هل هجرت عقوق الوالدين وأصبحت تبرُّهما وتدعو لهما؟
13. هل هجرت رفقة السوء ورُحت لصحبة فيها "الصدِّيق" و"علي"؟
14. هل جددت التوبة مع الله؟ هل لو كان هذا آخر عام لك في الدنيا؛ فستكون مستعدًا للقاء الله؟
وما هذه الأيام إلا مراحل **** يحث بها داع إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أننا **** منازل تطوى والمسافر قاعد(33/624)
أذكر نفسي وإياك بـ"ربح البيع أبا يحيى"؛ الذي خرج مهاجرًا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووقفوا في طريقه: جئتنا صعلوكًا مغامرًا واليوم تخرج بالمال، لا ندعك تخرج حتى تعطينا مالك؟ فيدلهم على مكان ماله، فيتركوه ويستقبله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة مبشرًا: "ربح البيع أبا يحيى" ويفوز بالصفقة.
وفاز وربح كل مَن تاجر مع الله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ?.
يا شباب الإسلام، الهجرة النبوية حادث في تاريخ الأمة جاء لنعتبر منه ونقف فيه على أعتاب عام جديد، نرى ما قدمنا وما أخَّرنا، يتطلب منا المراجعة والمحاسبة على عام فات ومضى، نحاسب أنفسنا على الفرائض والنوافل، نحاسب أنفسنا على الأوامر والنواهي.
يا شباب لا بد مَن وقفة للمحاسبة والمراجعة، تنظروا فيها إلى الرصيد من الحسنات وحساب السيئات.. كم كسبنا؟ وكم خسرنا؟ يجب أن نقف هذه الوقفة، وشعارنا ولسان حالنا يقول: ?عجِلتُ إليك رب لترضى?.
وهمسة إلى أخواتنا..
ولا نستثني أخواتنا المسلمات من تلك الهجرة..
إلى أختنا التي سارت على درب أسماء وعائشة وخديجة: ألا تلاحظين أن لك في التاريخ في كل بقعة منه موضعَ قدمٍ ثابتٍ وراسخٍ أصيل، ألم تلاحظي أنك ما غبتِ يومًا عن مشهد من مشاهد الدعوة إلى الله، فلا تتركي نطاق "أسماء" وتأخذي بنطاق (أسماء) أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
فلتأخذي دورك في الحياة وتحملي المؤَن للمجاهدين من جديد؛ لتكوني عونًا لأخيك على طاعة الله، وتربي ابنك أن يحيا سيرة أخيك "عبد الله" وأبيك "الصديق". إن "أسماء" لما ضربها "أبو جهل" على وجهها فطار قرطها ما خافت أو بكت وما دلَّت على مكان أبيها. أو ما تستطيعن أن تُحيي فينا سيرةَ أسماء وعائشة وجويرية وصفية وخديجة وفاطمة.. أم مَن ستكونين؟!
أما آن لك أن تدرك -وأنت تدخل عامًا هجريًّا جديدًا- أن المعاصي والذنوب سببٌ من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلط الأعداء والذل، فإلى متى تهجر رحاب الطاعة، وتمضي معرضًا عن ربك؟ أما سمعت قوله -عز وجل- في الحديث القدسي "أهل طاعتي هم أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوْا فأنا طبيبهم.. ابتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم، من أتاني منهم تائبًا تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب.. أقول له أين تذهب ألك ربٌّ سوايَ".
لقد نام "علي" مكان رسول الله ليؤدي الأمانات عنه إلى أهل مكة. وكان "عبد الله" كان يأتي بالأخبار، ويغطي "عامر بن فهيرة" الأثر، وتشق "أسماء" نطاقها وتحمل(33/625)
الزاد والمؤن، ويترك "صهيب" ماله كله فرارًا بدينه، ويهاجر "مصعب" سفيرًا يهيئ الأمر، ويمهد للدعوة في المدينة.
كل هؤلاء شاركوا في أحداث الهجرة، ألا تحب أن يكون لك أيضا دورك في خدمة ونصرة هذا الدين، إن الله إذا أحب عبدًا استخدمه، والاستخدام أن يستعملك لدين الله. فأدع الله معي من كل قلبك أن يستعملنا لخدمة دينه ونصرة نبيه.
وإلى لقاء على ضفاف نهر الكوثر؛ حيث يسقينا النبي الكريم بيده شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا
ـــــــــــــــــــ
زوجي الحبيب.. هل يخطفه القدر؟ العنوان
العقيدة الموضوع
أحب زوجي حبًّا لا يوصف، والمشكلة أنه كان متزوجًا من زوجة أوربية، وأنجب منها 3 أطفال، ثم انفصلا وتزوجنا. ورغم أنه يقول دائمًا: أنا أكرهها لأنها حطمت حياتي؛ فإني أشعر أنه يحبها، وهذا ما يسبب لي مشكلة نفسية.
وهناك مشكلة أخرى تؤرقني، وهي أنني مصابة بالغدة الدرقية؛ مما تسبب في تأخر الإنجاب عندي، ولهذا أشعر دائمًا أنه سيتركني ويتزوج بأخرى، أو يعود لزوجته الأولى وأولاده، أنا أمر بأزمة نفسية كبيرة، وأشعر دائمًا بقلق وخوف من المستقبل، مع علمي أنّ المستقبل بيد الله، ولكني خائفة جدًّا، فأريد كلمة تهدئني وتشرح صدري.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تجيب الأستاذة سمية رمضان – كاتبة وعضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي الحبيبة.. الخائفة التائهة المحبة لزوجها..
أسعدتني والله رسالتك، وسعدت بحبك الكبير لزوجك، أدام الله عليكما الحب والوصال، وجمعكما في الآخرة في جنات النعيم إن شاء الله.
تعجبت كثيرًا حين قرأت رسالتكِ؛ لأنكِ لعبتِ دورَ المريض والطبيب في آنٍ واحد. فأنتِ ذكرتِ في رسالتكِ أنّ المستقبل بيدِ الله. لقد وضعتِ يدكِ على الجرح، ووضعتِ يدكِ الأخرى على البلسم الشافي إن شاء الله، وهو أن "المستقبل بيد الله"، أليس هذا كافيًا لتطمئني وتهدئي؟!.
فلو كان مستقبلكِ في يد أحد من البشر لكنتِ محقة في هذا الخوف، فربما يجور الناس على بعضهم، ولكنكِ تعلمين علم اليقين أن الله هو الحق، وهو العدل الذي لا يجور ولا يظلم، وكذلك هو الرحمن الرحيم ذو الفضل؛ فلمَ الخوف إذن؟!.
الله مالك الكون، بيده سعادتك وشقاؤك، بيده راحتك وتعبك، بيده حياتك وموتك. فلماذا تبحثين عن السعادة بعيدًا عنه؟! ها هو طريق السعادة أمامك مفتوح على مصراعيه، وسعادة القرب من الله لا ينغصها هم أو حزن أو شقاء، تجني الرضا بقضاء الله وقدره، فما "أصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، ومَا أخْطَأك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك".(33/626)
مهما حدث يجب علينا الرضا التام؛ فأقدار الله خير، و"لو علمتم ما في الغيب لاخترتم الواقع". ولكن يا حبيبتي لي عتاب: لماذا هذه النظرة السوداء إلى حياتك؟ لماذا التفكير في المستقبل، ذلك المولود الذي لم يأتِ بعد؟ لمَ تنظرين إلى الحياة هذه النظرة المتشائمة؟ لماذا تخافين ظلام الليل وأنتِ تنعمين بفجر يومٍ جميل؟ فإذا كنتِ تخافين أن يتركك زوجك ويتزوج بأخرى، فهذا أمر لا يعلمه إلا الله، ولم يحدث بعد، فلمَ الحزن إذن؟!
فتمتع بالصبح ما دمت فيه لا تخف أن يزولَ حتى يزولا
أيهَذا الشاكي وما بك داء كن جميلاً ترى الوجود جميلاً
واحذري الهم يا حبيبتي؛ فقد يحطم حياتك كلها، ولهذا استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان يقول: "اللهمَّ إني أعوذُ بك من الهمِّ والحزنِ". فهوِّني على نفسك، واعلمي أن أقدار الله كلها خير، حتى ولو كنا نراها شرًّا؛ لأن نظرتنا قاصرة.
ولقد ضرب الشيخ الشعراوي مثالاً بسيطا؛ فقال: هب أن ابنك عنده خُرَّاج، ولو تُرك بدون جراحة سمم الجسم كله، فأخذت هذا الولد وذهبت إلى الطبيب المعالج، وكانت الجراحة مؤلمة جدًّا للطفل؛ فهو بنظرته القاصرة يرى أنكما تسيئان إليه وتضرانه، ولكن في الحقيقة أنتما تريدان له المنفعة والخير.
وهكذا أنتِ قد ترين في عدم إنجابك للأطفال شرًّا؛ لأنك تنظرين للمشكلة بنظرة قاصرة، ولكنَّ الله أعلم منك بما فيه الخير لكِ. وتكمن المشكلة في إحساسنا بالأشياء، ونظرتنا لها، وليست في الأشياء نفسها. والمؤمن متفائل لا ييأس ولا يخاف؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله لا يريد له سوى الخير، فيرى في كل ظلمة بصيصًا من نور.
ولو تذكرنا معًا قصة سيدنا موسى والخضر، حين قتل الغلام، فقال له موسى عليه السلام: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَه قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}. ولكنْ لله حكمة في قدره، فهذا الغلام سيكون سببا في شقاء أبويه الصالحين: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}.
والآن يا حبيبتي، ها هو الله يناديك، فلبي النداء، هلمي إلى طاعته، فطاعة الله لذة لا تعادلها لذة، استشعري معية الله وقربه، تقربي إليه بالفرائض والنوافل حتى يحبك، فإذا أحبك، كان سمعكِ الذي تسمعين به، وبصرك الذي تبصرين به، ويدك التي تبطشين بها، وقدمك التي تمشين عليها، ولو دعوتِه لأجابك، ولو استعذتِ به لأعاذكِ؛ فما أحلى القرب إليك يا ألله.
والآن أهمس في أذنك ببعض النصائح:
* كوني مرحة ومتفائلة، وانشري روح الأمل والتفاؤل في بيتك؛ فزوجك في أشد الحاجة إلى من يداوي له الجرح والألم، ولا يوجد أقرب إليه منكِ، عاونيه على اجتياز أزمته، وتأكدي أن هذا سيضيف من رصيدك عنده، وسيجعلك أقرب الناس إليه، خاصة أنكِ تحبينه حبًّا جمًّا، ولكني أنصحك بإخلاص النية لله، لتحصلي على السعادة في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة.
* واظبي على قراءة القرآن الكريم وحفظه؛ فالبيت الذي يُقرأ فيه القرآن يزداد خيره ويقل شره ويتسع على أهله.(33/627)
* أكثري من ذكر الله {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
* استغلي وقت الفراغ في تنمية مهارتك.
* حاولي السعي في مصالح الناس؛ لأنه "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللّهُ فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [متفقٌ عليه].
* استعيذي بالله من الشيطان الرجيم؛ فقد تكون كل المشاكل بسبب وساوسه وهواجسه.
* كوني اجتماعية، واتخذي صديقات يكنّ عونًا لكِ على صالح الأعمال.
* يمكنك كفالة طفل يتيم، ليعوضكِ الإحساس بالأمومة الذي تفتقدينه، ولتعوضيه أنتِ حنان أبويه، وقبل هذا وذاك تفوزين بالجنة -إن شاء الله-، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا (وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما)" [البخاري]. وهذا بالطبع إذا توفّر لديك المال والجهد اللازمين لرعاية الطفل وتنشئته، وبعد موافقة زوجك ورضاه.
* اعلمي أنك لن تغيري من أقدار الله شيئًا؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "كَتَبَ اللّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَىَ الْمَاءِ" [مسلم]، والأكثر من ذلك أن الدنيا كلها لو اجتمعت لتنفعكِ بشيء، لن تنفعك إلا بما كتبه الله لكِ، ولن يضروكِ إلا بما كتبه الله عليكِ، فقد رُفعت الأقلام التي كُتِبَتْ بها أقدار الله، وجَفت الصحف المكتوب فيها أقدارنا حتى يوم القيامة، فلمَ الحزن إذًا؟
* أقبلي على الله بنفس تملؤها الطمأنينة النابعة من الإيمان بالله، والرضا بقضائه وقدره.
وأخيرًا يا حبيبتي، وفقك الله وثبت خطاكِ، ورزقكِ السعادة والثبات والرضا، وهدانا وإياكِ إلى طريقه المستقيم، وأرجو ألا تنسينا من فضل دعائك، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
للرجال بالجنة "حور عين".. فماذا للنساء؟ العنوان
العقيدة الموضوع
الإخوة الكرام في شبكة "إسلام أون لاين.نت" :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدينا أستاذ لمادة اللغة العربية، لا داعي لذكر اسمه، سامحه الله، فبينما كنا ندرس درساً في علوم اللغة، وكنا نقرأ الأمثلة المعطاة في المرجع، وقفنا عند الآيتين 22. 23 من سورة الواقعة ( وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)، فخرج عن نطاق الدرس، وسألنا: الرجال يفوزون بالحور العين، فبماّذا سيفوز النساء؟، فلم أستطع الرد عليه. .. أفيدوني، وتفضلوا بالرد على هذا الأستاذ، و جزاكم الله خيراً
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/628)
يقول الأستاذ منصور عرابي عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
النفس البشرية – سواء كانت رجلا أو امرأة – تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وما حوته من أنواع الملذات.. فالجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قد (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] من الجنسين، كما أخبرنا بذلك الله سبحانه وتعالى، حيث قال: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء:124].
ورسالتك يا أخ مروان كان مضمونها: بماذا تفوز النساء في الجنة؟، وقد ذكرت فيها أن "مُدرِّسَكَ خرج عن نطاق الدرس، فقال: الرجال يفوزون بالحور العين، والنساء بماّذا سيفوزون؟" فلم تجد ردًّا عليه.. وطلبت الإفادة والرد على هذا الأستاذ.. فأقول لك، وبالله التوفيق:
عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلة والمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين (الذكر والأنثى)، فالجميع يستمتع بما سبق، والجنة قد تزينت للنساء، كما تزينت للرجال.
وإذا كان الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من (الحور العين) و(النساء الجميلات) ولم يرد مثل هذا للنساء .. فإن لذلك أسبابًا، منها أن الفطرة السليمة، والعقول المستنيرة، والرجولة الحقة، والأنوثة الطبيعية، والعُرف والدين.. كل ذلك يقبل أن يكون للرجل أكثر من زوجة في وقت واحد، ويأبى أن يعاشر المرأة أكثر من رجل واحد، فتلك طبيعة البشر، وفطرة الله التي فطر الناس عليها.
كما أن من طبيعة النساء الحياء، ولهذا فإن الله – عز وجل – لا يشوقهن للجنة بما يستحين منه، كما أن شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة، ولهذا فإن الله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" [رواه البخاري].
أما المرأة فشوقها إلى الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال؛ لأنه مما جُبلت عليه كما قال تعالى: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)[الزخرف:18]. كما أن المرأة إذا دخلت الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها عجوز.. إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا". وورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة؛ نظرًا لعبادتهن لله.
وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج.. بل لهن أزواج من بني آدم، فالمرأة التي ماتت قبل أن تتزوج، والمرأة التي ماتت وهي مطلقة، يُزوِّجُها الله – عز وجل – في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة أعزب" (رواه مسلم).(33/629)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا لم تتزوج – أي المرأة – في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة.. فالنعيم في الجنة ليس مقصورًا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.
ومثل ذلك المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج، أو كان زوجها ليس من أهل الجنة، فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، فيتزوجها أحدهم.
وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي – في الجنة – لزوجها الذي ماتت عنه، وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة، وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة لآخر أزواجها".
ولقول حذيفة – رضي الله عنه – لامرأته: إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي؛ فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا. ولذلك حرم الله على أزواج النبي أن يُنكَحن بعده؛ لأنهن أزواجه في الجنة.
وأقول لهذا المدرس وأمثاله، إذا لم تقتنع بالمنطق والعقل ومبادئ الدين القويم، فيكفيك أن أقول لك أن الله سبحانه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ـــــــــــــــــــ
الاسم
تائهة.. وتبحث عن إيمانها !! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا فتاة، والحمد لله، أصلي كل صلاة بوقتها، وأسعى بقدر ما استطيع لعمل الخير، ومشكلتي أنني أشعر أنني تائهة وضائعة، كما أشعر دائما بالملل وعدم السعادة، ولا أعرف لماذا؟، فأنا إنسانة حساسة جدا, وأشعر أن أحداً لا يفهمني، وهذا الوضع يكاد يخنقني.. فأفيدوني أفادكم الله، فأنا أدعو الرحمن أن يرأف بي.
ولدي مشكلة أخرى، وهي: أنني أتأثر بسرعة بالدروس الدينية، والقصص، خاصة ما يتعرض منها لموضوع حسن وسوء الخاتمة، واتعظ منها، وأبدأ بمحاسبة نفسي على أخطائها، ولكن للأسف لا يدوم هذا التأثير لأكثر من يوم أو يومين، ثم ما ألبث أن أعود كما كنت، وفي كل مرة أقول سوف أكف عن المعاصي ولكن بعد مرور أيام أعود إليها.
أمنيتي في الدنيا أن اشعر بحلاوة الإيمان، وبمحبة الرحمن، ولكنني لا أشعر بها فماذا افعل؟ ساعدوني .. وأعتذر عن الإطالة.. بارك الله فيكم، و جزاكم الله خيراً.(33/630)
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة شيماء فايد عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأخت الفاضلة :
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
أختي في الله :
اسمحي لي أن أبدا بالمشكلة الثانية نظرا لأهميتها وهى "حلاوة الإيمان" لان إيمانك لو زاد وترسخ في قلبك زاد الاهتمام بالصلاة، لان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
واعلمي أختي الحبيبة أن القلب لو استشعر هذه الحلاوة فستشعر بها باقي الجوارح، فنجد العين لا تنظر إلي محرم، والأذن لا تستمع إلى محرم، والقدم لا تسعى إلى محرم، واليد لا تمتد إلى محرم، قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلتحيينه حياة طيبة ولتجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [ سورة النحل آية رقم 97].
أيتها الأخت المباركة : ترى ما هي السعادة؟، وكيف تتحقق؟، وما هي الشقاوة؟، وكيف نحذرها؟!!!. إن السعادة مجموعة في طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الشقاوة مجموعة في معصية الله ورسوله، قال تعالي: (ومن يُطِعِ الله ورسُوله فقد فاز فوزاً عظيماً) [ سورة الأحزاب: آية رقم 71]. وقال أيضاً: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) [ سورة الأحزاب: آية رقم 36].
واعلمي أختي الحبية أن زيادة الإيمان ونقصه شي طبيعي، قال صلي الله عليه وسلم :" كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، غير أنه من المهم أن تبحثي عن أسباب نقص الإيمان لتعالجيها. فقد يكون السبب أنكِ لم تستطيعي الوصول إلي صحبه صالحه تأخذ بيدك عندما تقعين، وربما كان السبب هو هجرك للقران، أو نسيانك لأوراد الذكر والاستغفار.
وعليه فإنني انصح نفسي وإياكِ بالآتي :
1- اتخذي لنفسك صحبة صالحة: التي تكون عوناً لدخول الجنة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه(33/631)
حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، . ". متفق عليه .
2- واظبي علي ورد يومي : من القران والاستغفار والأذكار. قال تعالى: (وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ).
3- اتخذي لنفسك جدولاً يومياً للمحاسبة، ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد أُثر عنه قوله: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
4- احرصي علي الاستماع إلى بعض أشرطة الكاسيت التي تتناول موضوعات عن الجنة والنار، لا النار فقط، لمشاهير العلماء، حتى يصبح لديكِ توازن، بين الرهبة من النار والرغبة في الجنة.
5- داومي على حضور مجالس العلم في المساجد، فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بَطَّأَ به عمله لم يسرع به نسبه..
6- اجتهدي كثيراً في الدعاء إلى الله والتذلل إليه في ساعات السحر، قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )، وأكثري من قول: " اللهم أرزقتا حبك، وحب من يحبك، وكل عمل يقربنا إلى حبك ".
أما بخصوص المشكلة الأولى، وهى شعورك بالملل وأنك ضائعة، وعدم السعادة، وانك لا تجدين أحدا يفهمك، وأنك انطوائية. فاجعلي – أختي- لكي هدفا في الحياة تسعين إليه، فالإنسان بدون هدف يشعر أنه ضائع، وعندما تضعين هدفا نصب عينيك ويحقق لكِ السعادة، انتقلي إلى هدف آخر وهكذا.
واعلمي أن كل هدف يسعى المسلم إلى تحقيقه في الدنيا يؤجر عليه من الله، طالما خلصت والقصد لله عز وجل، شريطة أن يكون الهدف مشروعا، قال تعالى : (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). فليس في أجندة المسلم شيء اسمه ديني وآخر دنيوي فالمسلم هو في نهاية الأمر عبد لله، خلقه سبحانه ليعبده، قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، وقال أيضا : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
وعليكِ – أختي الحبيبة – أن تعرفي المطلوب منك، وكيف تحققينه؟، حتى تنالي الجنة إن شاء الله، واعلمي أن المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف.
وإما بخصوص أن لا أحد يفهمك وانك شخصيه انطوائية، فأنصحك - أختي الحبيبة- ببعض النصائح التي أسأل الله أن تفيدك وأن تجعل كلامك مؤثر يقرب الناس منك ولا ينفرهم وهى:
1- تجنبي الجدل في الحديث، ولا تقولي لأحد أنت مخطئ بشكل مباشر لأنك قد تكونين وجهتي إليه ضربه مباشره في كبريائه مما قد يحول دون استماعه لتصائحك.(33/632)
2- لا تشعر أحدا بنبره التعالي، وان كنت مخطئة فاعترفي بخطئك وتعلمي من هذا التوجيه الالهى إلي نبي الله نوح عليه السلام " أم يقولون افتراه قل إن افتراه فعلي إجرامي وأنا بري مما تجرمون ".
3- لا تلقي على الناس أوامر، بل اقتراحات قابله للنقاش، واستخدمي الثناء علي من يحدثك وخاصة عند بدء الحوار ، فإن ذلك مما يجعل حديثك محببا إلى نفوس السامعين.
وختاما؛
أسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخبارك ..
ـــــــــــــــــــ
حاولت الرجوع إلى الله فلم أستطع!! العنوان
السلوكيات الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم؛
أشكركم على هذا الباب الرائع.. وبدايةً، فقد كنت من المواظبين على فعل الخير وما يرضي الله، ولكني عملت في وظيفة بجانب عملي الأصلي فتحت علي الطريق إلى جهنم .. حيث تعرفت من خلالها على العشرات من الفتيات يبدي معظمهن الإعجاب رغم معرفتهن بأنني متزوج، هذا الأمر أثر كثيرا علي، حيث أصبحت دائم التفكير في أمور الفتيات.
وتجاوزت العلاقات مع هؤلاء الفتيات المسموح، ويئن ضميري وقبري بين عيني، ولكن لا أتراجع، ملأتني قسوة لا أعرف من أين، حاولت الرجوع لم أستطع.
والله إن الموت يداعبني بين لحظة وأخرى وما من توبة، بل لن تصدقوا أنني حججت البيت الحرام رغم سني مرات كثيرة ضاعت هباء، لم أحسن هذه الأعمال الصالحة، ولم أصنها، هل من سبيل يحررني من عبودية المعصية، قرأت استشارات مماثلة كثيرا ولا حل معي.
فهل هناك حل؟ خاصة أنني في حاجة إلى هذا العمل الإضافي الذي هو في أساسه نبيل تماما، معذرة للإطالة، وشكري وتقديري للجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الصحفي الأستاذ رجب الدمنهوري، عضو فريق الاستشارات الإيمانية :
الأخ الفاضل عبد الرحمن؛(33/633)
أدعو الله أن يرقق قلبك ويعينك على الإقلاع عن المعصية، فليس من العيب يا صديقي أن نخطئ ولكن من العيب كل العيب أن نتمادى في الخطأ، فهيا نتأمل مشكلتك ونقلبها على أوجهها المختلفة، وقبل التفصيل دعنا نركز على أمور عدة :
1- تقول بأنك قرأت استشارات كثيرة شبيهة، ويبدو أنها لم تُجد مع حالتك، وتريد حلا خاصا، وأستطيع القول بأنه لا توجد حلول سحرية، ولا ندعي أننا نقدمها، ولهذا إذا لم يتعاط صاحب المشكلة مع ما نقدمه من اقتراحات وأفكار بعزيمة وإرادة قويتين وصادقتين فلا جدوى؛ فالمريض لا يبرأ من العلاج إذا أهمل تعاطي الدواء.
2- تقول بأنك تحتاج إلى هذا العمل الذي وصفته بالنبيل -وقد يكون كذلك- لكنه كما تؤكد مشكلتك محفوف بالمخاطر والمهالك وهو طريق إلى جهنم كما أشرت، فلماذا لا نفكر في البحث عن عمل آخر مناسب وبعيد عن هذا الطريق الموصل بالفعل إلى النار وعذاب السعير، وحتى إذا لم يكن هناك عمل بديل، فيجب ألا نضيع ديننا بدنيانا، فالأمر يحتاج منك إلى قرار شجاع وسريع وجريء بترك هذا العمل دون تردد؛ لأن أي علاج في ظل تواجدك في هذا العمل، ووجود هؤلاء الفتيات قد يكون صعبا للغاية، غير أنه غير مستحيل إذا توفرت العزيمة الصادقة والرغبة المخلصة في الإقلاع عن عبودية المعصية كما وصفتها، وتأتي الصعوبة في أن الشيطان لن يتركك تنعم بلذة التوبة وهجرة المعصية، وسيظل قلبك معلقا بها خاصة في ظل وجود من يذكرك بذلك.
3- قلت بأنك متزوج، وهنا يكون الجرم عظيما، فلو لم تكن متزوجا، لكانت نصيحتنا الفورية إليك بضرورة المبادرة بالزواج، أما وأنك متزوج، فلا ندري لماذا تركت الحلال وانصرفت إلى الحرام، فما عند هؤلاء الفتيات هو نفسه عند زوجتك، مع الفارق أن علاقتك بزوجتك أنت مثاب عليها ومأجور، أما علاقات الحرام فأنت آثم عليها ومذنب؛ لأنها منكر عظيم، ولم تذكر إذا كنت تعول أولادا أم لا، وإن كنّ بنات فهل ترضى لهن ذلك، أو لأخواتك، أو قريباتك على اختلاف درجات القرابة.
4- إن مشكلتك تتضمن مواطن قوة كثيرة يمكن استثمارها والطرق عليها بقوة، فقد اعترفت أنك ترتكب منكرا كبيرا، وهذا في حد ذاته جزء من الحل، وذكرت أنك حججت إلى بيت الله الحرام غير مرة، وهذا أمر مهم يدل على أنك تعرف الطريق البديل، وقلت بأن ضميرك يعذبك ويؤنبك وذلك من صفات النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على ارتكاب المعصية، واعترفت بالحقيقة المطلقة وهي الموت، بل أقررت أنه يداعبك وقد يباغتك فجأة، والقبر بين عينيك؛ إذن فأنت تعرف الطريق المستقيم جيدا، والتوبة الصادقة هي الحل، وأولى مراحل هذه التوبة أن تهجر البيئة التي قادتك إلى هذه التهلكة.
أخي عبد الرحمن؛
يشتكي البعض من قسوة قلبه، ويردد عبارات يائسة "أحس بقسوة في قلبي"، و"لا أشعر بلذة العبادة"، و"إيماني في الحضيض"، و"لا أتأثر بقراءة القرآن"، هذه العبارات الانهزامية، تحتاج إلى استبدال عبارات الهمة، والتوبة الصادقة، والإرادة القوية، والعزيمة التي لا تلين، والقناة التي لا تتزعزع بنظيرتها اليائسة.(33/634)
وموضوع القلوب في منتهى الحساسية والأهمية، وقد سمي القلب قلبا لسرعة تقلبه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن) رواه أحمد.
وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القِدر إذا استجمعت غليا)، والله سبحانه وتعالى هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)، ثم قال رسول الله صلى عليه وسلم: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).
وحيث (إن الله يحول بين المرء وقلبه)، وإنه لن ينجو يوم القيامة (إلا من أتى الله بقلب سليم)، وأن الويل (للقاسية قلوبهم من ذكر الله)، وأن الوعد بالجنة لـ (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب)، كان لا بد للمؤمن أن يتحسس قلبه ويعرف مكمن الداء وسبب المرض ويشرع في العلاج قبل أن يطغى عليه الران فيهلك، والأمر عظيم والشأن خطير، فإن الله قد حذرنا من القلب القاسي، والمقفل، والمريض، والأعمى، والأغلف، والمنكوس، والمطبوع المختوم عليه.
أخي الكريم؛
إن الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات من مظاهر ضعف الإيمان، ومن العصاة من يرتكب معصية يصر عليها، ومنهم من يرتكب أنواعًا من المعاصي، وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها إلى عادة مألوفة، ثم يزول قبحها من القلب تدريجيا، هذه المعصية تولد قسوة في القلب وخشونة حتى ليحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجرا صلدا لا يتأثر بشيء، والله جل وعلا يقول: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة).
وعليك أن تجاهد نفسك؛ لأن الحل في يديك، فأكثر من الدعاء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)؛ فالإنسان حينما يقع في معصية فهو في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله عز وجل انقشعت تلك الظلمة وعاد نور الإيمان يملأ قلبه.
حاول أن تستجمع قواك بعد تركك لعملك الذي هو موطن الداء وتدبر واقرأ واستمع إلى القرآن العظيم، قال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، وقم الليل وابتهل إلى الله وابك على خطيئتك، وتذكر زوجتك التي ارتكبت في حقها جرما كبيرا، وفى حق أولادك، فهذا الذي فعلت إن لم تتب عنه فورا فقد يطال أبناءك، فهل ترضى بذلك؟ فالقاعدة تقول "كما تدين تدان".
واستشعر عظمة الله تعالى، فهذا الذنب الذي يرتكبه الإنسان، الله تعالى مطلع عليه، وسوف يُفضح صاحبُه على رؤوس الخلائق يوم القيامة (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)، فإن الله تعالى يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.(33/635)
اشغل وقتك بطلب العلم الشرعي النافع، فلا يستوي في الإيمان الذين يعلمون والذين لا يعلمون، و الزم حلق الذكر وجلسات العلم فإن فيها زادا إيمانيا عظيما وصحبة خيرة سوف تأخذ بيديك إلى طريق الاستقامة، والبعد عن المعاصي، واهتم بأسرتك فإن لها حقا عليك، وأنفق وقتك معها حتى تكفر عن خطيئتك في حقها.
وعد إلى الله بالتوبة الصادقة الخالصة، ولا تضعف أمام أي مؤثرات أو إغراءات، فتلك طريق الهاوية، وقد تصاب بمرض الإيدز أو غيره، واجعل شعارك في حياتك (وعجلت إليك ربِّ لترضى)، واستكثر من الأعمال الصالحة، واغتنم الفرصة فإن صفحات العمر التي تطوى لن تعود أبدا إلى يوم القيامة، وأسأل الله تعالى أن يعينك على الخروج من ذل المعصية وعواقبها الوخيمة.
ويضيف الدكتور عماد حسين، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
شكر الله لمستشارنا الفاضل هذه الكلمات المضيئة، وهذه النصائح الطيبة، والتي نرجو أن تجد من السائل قلبًا يعي، وجوارح تلتزم بحدود الله، ولنا إضافة على هذا النسيج الطيب من النصائح المهداة، نرجو أن تبلغ من السائل موضعها الصحيح.
أخي؛
ماذا لو عرفت أن زوجك فعلت مثلك؟ أم أن مقياسك أن للرجال ما لا للنساء في هذا السبيل، وأن الأمر في حقك صغائر وهفوات، وإن فعلت هي صارت كبائر ومنكرات، ماذا لو وصل هذا الأمر لأصحاب العمل النبيل، هل سيرون في أفعالك نبلا؟!!
أخي عبد الرحمن؛
ليس بمقدورنا أن نجعلك ترى مقعدك في النار إذا واصلت هذا الطريق لترتدع، ولا يوجد لدينا صكوك غفران نهبها لك لنضمن لك مغفرة رب العزة، ولن نجد في نبل العمل سببًا لاستمرارك فيه، فنبل العمل لم يوقف الشيطان الذي سوغ لك أن تستحل الحرمات، وأنت الرجل المتزوج، ولم يوقف العابثات -اللاتي يعلمن أنك متزوج- من الاقتراب منك وتزيين الحرام لك.
أخي؛
تشكو قسوة القلب، وتذكر أهمية العمل لحياتك، ولكنك تعجز أن تتصرف كرجل يحترم نفسه وبيته وعمله، لا أظن أن من طبيعة العمل أن تتواصل مع هؤلاء الفتيات، ولكنك تعجز أن توقف نفسك عن استمراء الحرام، ولم تبال بنظر الله لك، وأنك إنما تعصاه بنعمته التي أحسن بها إليك، واغتررت بحلمه عليك، وستره لك، فماذا تنتظر؟؟
أخي؛
تتذكر الموت.. ولكن قلبك لا ينزجر، وتندم على ما تفعل.. ولكن لا تتوقف، أي كذب و خداع تمارسه أخي على نفسك، فإنك إن صدقت لامتنعت!!
قد تقع مرة وتنسى أخرى، ولكن أن تذكر أنك ترى القبر بين عينيك، ولكن تستمر في هذا الطريق، فهذا خداع الشيطان، وهوى النفس الغارقة في المعصية، والأمر يحتاج منك مراجعة صادقة لنفسك، ورجولة تمارسها على تصرفاتك وسلوكك، لا أن تجذب بها العابثات إليك.(33/636)
أخي؛
ستر الله عليك، وكان حلمه عليك كبيرًا، لا غفلةً عن فعالك، ولا عجزًٍا عن عقابك، ولكنه الإمهال، ولكنه إن أخذك وحاسبك، سيكون أخذه أليمٌ شديد.. وما هو عنك ببعيد، فأسرع بالتوبة الصادقة ولا تسوف، فلا تدري متى ينتهي إمهال الله لك، فتخسر الدنيا والآخرة.
فإن عزمت على التوبة، فتوكل على الله، وكن على تواصلٍ معنا، فستجد فينا عونا وسندا إن شاء الله. وتابعنا بأخبارك ..
ـــــــــــــــــــ
كيف أسترد إيماني؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أولا الله يجزيكم ألف خير على هذا المجهود، وعسى الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
حدث خلاف بيني وبين بعض الأقارب الذين أحبهم كثيرا، لكن- والحمد لله- ربنا قدرني على أن أصبر و أسامح هؤلاء الأقارب، بعد أن وقع علىّ ضرر في مسالة مصيرية ومهمة جدا لأني أعرف أن هذا حدث بإرادة الله وليس بإرادتهم، حيث إن ما أصابنا لم يكن يخطئنا.
مشكلتي هي أني أريد أن أسترد قوة إيماني، فأنا الآن في حالة أشعر بعدم الثقة في نفسي و فيمن حولي بعد الصدمة من أقرب الناس إلي، وهم الذين كنت أعتمد عليهم، وأشعر بالراحة لأني متسامحة، ولأني لم أرتكب أي خطأ كما يطمئنني كل من حولي.
فكيف أسترد الثقة فيمن حولي؟، وكيف أسترد قوة إيماني؟، حيث أني مداومة على الصلاة والقيام والدعاء بالعوض من الله، لكنني أصبحت متشائمة وخائفة وقلقة، أشعر أن مستقبلي ضاع رغم أن المستقبل بيد الله، وأشعر بأن الفرص قليلة في البلد في كل شيء، على الرغم من أنني عندما اقرأ القران أجد الآيات تبشرني، وأشعر كأن الله هو الذي يكلمني.
إحدى قريباتي قالت لي: إذا أردت أن يكلمك الله فاقرئي القرآن، ولله الحمد، فقد وجدت ذلك في نفسي. المعذرة على عدم كتابة التفاصيل.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختي الفاضلة/ جنى م
أحب أن أطمئنك أولا أن إيمانك بخير، وليس هذا من باب ما يطمئن به الطبيب من يعالج، لكنني أجد ذلك من خلال ما قلت عن حالتك، وإن كانت كلماتك قليلة، فالبحث(33/637)
عن قوة الإيمان، وليس مجرد الإيمان هو مؤشر خير للإيمان، وأن يبحث المسلم عن العافية في الدين ذاك أيضا من صميم الإيمان.
فالمسلم دائما يبحث عن القوة، قال تعالى:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، فجاءت القوة بصيغة النكرة، لتفيد كل أنواع القوة، وعلى رأسها القوة الإيمانية، وكذا لقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".
كما أن الحرص على العبادات؛ من الصلاة والقيام والدعاء وغيرها، من علامات الإيمان الصادق، لأن العبادة فيها معنى العبودية لله تعالى، والتضرع إليه، وهي من أحب الوسائل التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى.
وما أحسن الاستشعار الجميل الذي قلت فيه: "عندما اقرأ القران أجد الآيات تبشرني، وأشعر كأن الله هو الذي يكلمني، والله"، وأن الوصول إلى هذه الدرجة ليوحي بالإيمان الصادق، فمعرفة مواطن الخير من الأمور الجميلة في حياة الإنسان المسلم.
وقد جاء في الحديث:" إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن"، كما أنه يجب على المسلم أن يعرف مواطن الإيجابية في حياته، وأن يدرك مواطن الخلل في حياته، ليقف على مواطن الإيجابية فينميها، وعلى مواطن السلبية والخلل فيسعى لعلاجها.
وليس من الحكمة ظلم النفس باتهامها بعدم الإيمان، وقد منّ الله تعالى عليها بهذه النعمة، إذ المطلوب من المسلم أن يشكر الله تعالى على نعمته، حتى يرزق الزيادة، لقوله تعالى:" لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد".
وقد طالبنا الله تعالى بالشكر على نعمته، فقال تعالى: " واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون"، لأن إيجاد روح الشكر فيها قتل لروح اليأس، وقد علم الله تعالى أن الشيطان يثبط الإنسان، وأن قلة من الخلق هي التي ستشكر، فقال:" وقليل من عبادي الشكور".
أما الذي آخذه عليك فهو تشاؤمك وخوفك على مستقبلك، فيجب أن نستثمر هذا الإيمان ليكون طاقة تضبط سلوكنا وأفعالنا، وتصحح عقائدنا، فالمستقبل بيد الله تعالى وحده، ولن يستطيع أحد مهما أوتي من أسباب القوة في الدنيا أن يتحكم في مستقبل أحد، كما أننا مسئولون بدرجة ما عن تحديد مستقبلنا، وإدارة كفته، وتسيير عجلته أو إيقافها عاجزة تنتظر رياحا تأخذه يمنة أو يسرة، أو نأخذ بزمام المبادرة فنقود سفينتنا إلى البر الذي نريده نحن.
وقد ربط الله تعالى الجزاء دائما في القرآن بالعمل، حتى في أشد الحالات التي يضعف المرء فيها عن الفعل، لكنه طلب منا الأخذ بالأسباب مع التوكل على رب الأرباب، فها هو القرآن يحكي عن السيدة مريم الطلب منها وهي في حالة وضعها "هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا..".
فعلاجك – اختنا الفاضلة- في يقينك بالله تعالى، أما ما حدث لك من أقاربك فهو من الخير الذي قدره الله تعالى لك، وإن رأيت فيه شرا، وفي هذا الأمر نقطتان:
الأولى: حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي وأحمد وغيرهما عن ابن عباس أنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي:" يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن(33/638)
بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام ورفعت الصحف". فنوقن بأن سعي الناس لضرنا لن يحدث إلا إذا كان الله تعالى قد قدره، وأن الناس لا يملكون لأنفسهم شيئا، فكيف يملكون لغيرهم؟
الثانية: أن هناك أشياء يراها الإنسان شرا له، ولكنها في حقيقة الأمر هي خير له، وهذا ما نلحظه من القرآن الكريم، فالله تعالى يقول: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، ومن السنة النبوية جاء في العلاقة الزوجية: " فإن كرهت منها خلقا رضيت لها آخر".
ومن الواقع العملي أنه كم من الأشياء التي كان الإنسان يتمناها، ولكن الله تعالى منعه منها، فحزن ولم يكن راضيا بقلبه عن قدر الله، فإذا بقدر الله خير له من قدره، وإذا به ينقلب من الساخط للشاكر، ولو رفع عنه القلم وكشفت عنه الحجب لما اختار إلا ما اختاره الله تعالى له.
ومن الأمور الهامة التي تريح المسلم أن الناس متوقع منهم الشر، ولكنه حين يركن إلى الله، فإنه يأوي إلى ركن شديد، فلن يجد منه إلا كل الخير، وليتذكر المسلم دائما قوله تعالى:" ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، مع الوضع في الحسبان أن يكون المسلم كيسا فطنا، يدرك ما يدور حوله، ويفهم الأمور بشكل جيد، ويتخذ من المحاذير قدر استطاعته ما لا يجعل غيره يظلمه، وقد ورد عن عمر قوله:" أنا لست بالخب ولا الخب يخدعني".
كما أن لك أن تصارحي أقاربك فيما فعلوا معك، وأن تظهري موقفك لهم، وأن توضحي لهم ما صنعوا حسب قواعد الشرع، فإن كثيرا من الناس رجاعون إلى الحق، خاصة حين يكون الخطاب مبنيا على قواعد الدين، والخوف من الله تعالى، وخشية الحساب، ويمكن تذكيرهم بحديث المفلس الذي ورد عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا يا رسول اللّه من لا درهم له ولا متاع. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار".
ومع كل هذا، فإن ما صنعته من العفو عنهم، هو من صميم الإيمان، وهذا ما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول فيما أمره الله تعالى به " وأعف عمن ظلمني" ، كما أنه يجب عليك أن تنظري للناس بشكل واضح، فليس كل الناس شر، وليس الناس دائما يأتون الشر في كل أفعالهم، فطبيعة الإنسان الخطأ، فابحثي وفتشي فيمن تعرفين، ستجدين فيهم الصالح الطيب، وستجدين فيهم الفاسد الشرير، كما أنه يجب أن نوطن أنفسنا حتى لا نصدم، أن الإنسان قد يصدر من الخير والشر، وأن الخير والشر دائمان في هذه الحياة حتى يقوم الناس لرب العالمين.
على أن هذا لا يمنع الإنسان أن يأخذ حقه ويبحث عنه، مع عدم إغفال العفو الذي هو من صفات الله تعالى، فإن الله تعالى يعفو عنا، فلنتعلم من ربنا أن نعفو عن غيرنا، ما دام في مقدرونا، على أن يكون عفو القادرين، حتى يؤتي ثماره.(33/639)
ـــــــــــــــــــ
الاسم
هل لديكم علاج لمرض "الفتور"؟! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لدي استشارة بسيطة أتمنى أن تجيبوني عليها : ما هو علاج الفتور في العبادات؟ بمعنى أن الإنسان يتعرَّض في حياته لحالات من الأمل والنشاط الدائم المستمر، ثم بعد ذلك تأتي عليه فترات يشعر فيها بالإحباط والملل، وأكثر ما يؤلمني في ذلك أنني أشعر بأن الصلاة وما إليها من عبادات قد أصبحت مثل العادات، ولم يعد لها أية قيمة روحية أو مادية أشعر بها، وأرى أن صلتي بالله عز وجل قد وصلت لحالةٍ يرثى لها.. فما علاج ذلك؟ و جزاكم الله خيرا.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ رضا عبد الله عضو فريق الاستشارات من مصر:
أخي الكريم حياك الله وحفظك؛
اعلم أنّ ما تشكو منه ليس مشكلة خاصة بك وحدك، بل هو من الحالات التي لا ينفك أن يمر بها الجميع، ليس فقط في أيامنا، بل إن أول من عاناه وطلب الدواء منه هم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن من المبشِّر بالخير هو اهتمام الشباب بعلاجه والسؤال عنه.
ولكن قبل أن نفكر معًا في علاج الفتور دعنا ننظر إلى تعريفه وأسبابه وآثاره، فنقول وبالله التوفيق :
الفتور في اللغة بمعنى : سَكَن بعد حِدَّة، ولانَ بعد شدّة.
وفى الاصطلاح : هو داءٌ يمكن أن يصيب بعض المتدينين أدناه الكسل والتراخي والتباطؤ، وأعلاه الانقطاع أو السكون بعد النشاط الدائب والحركة المستمرة.. قال تعالى: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون)، أي أنهم في عبادةٍ دائمةٍ ينزهّون الله عما لا يليق به, ويصلون ويذكرون الله ليل نهار لا يضعفون ولا يسأمون.
ووضح من التعريف السابق أنّ للفتور مظاهر مثل ترك الشيء بعد المداومة عليه, أو عدم فعله بالكيفية المطلوبة، أو فعل الشيء مع عدم الرغبة في عمله، وبالتالي يكون إجبارا أكثر منه اختيارا.
* أما عن الأسباب التي تؤدّي إلى الفتور فهي كثيرة، وسأحدثك عن أهم هذه الأسباب:(33/640)
1- الوقوع في المعاصي، وخاصة صغائر الذنوب.. قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) رواه أحمد.
فقد يفرح الإنسان أنه لا يقع في كبائر الذنوب -وله أن يفرح بذلك- ولكن لا يأخذ حذره من صغائر الذنوب ولا يبالى بها، وتؤدي به بعد ذلك إلى الفتور والتقصير في الطاعات، بل يمكن أن تؤدي به إلى فعل الكبائر.
2- الغلو والتشدُّد في الدين؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) رواه أحمد؛ والغلو يكون بالانهماك في الطاعات وعدم إعطاء البدن الراحة الكافية للقيام بهذه الطاعات، فتؤثِّر الطاعات على الإنسان تأثيرًا عكسيًّا ولا تؤدي الغرض الذي من أجله تم فعلها، فتصيب النفس بحالةٍ من الكسل والدعة، وهو ما نطلق عليه الفتور.
3- الإسراف في المباحات؛ وهو عكس السبب السابق ولكنه يؤدي إلى نفس النتيجة لأن الإسراف في المباحات يعوِّد النفس الراحة والكسل والخمول، وبالتالي ترك الطاعات أو عدم فعلها بالشكل والكيفية المطلوبة فينشأ في النفس حبٌّ لهذه المباحات واستثقالٌ للطاعات وعدم صبرٍ على أدائها، يقول المولى عز وجل: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحب المسرفين).
4- صحبة أصحاب المعاصي أو المسرفين في تعاطي المباحات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ) رواه الترمذي، فإنك إن صاحبت صاحب المعصية فإما أن تقع معه فيها، وإما أن تراه يفعلها ولا تنكرها عليه؛ وكلاهما منكرٌ ويؤدي إلى الفتور.
5- قلّة تذكُّر الموت وأمور الآخرة؛ وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإن فيها عبرة) رواه أحمد، وفى رواية: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور فإنها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة) رواه الترمذي، فتذكّر الموت والآخرة يجعل الإنسان دائمًا في شعورٍ حيٍ واتصالٍ وثيقٍ بالله لأنه يستقر في وجدانه أنه مهما طال عليه العمر فإنه ملاقى الله عز وجل وعدم تذكّر الموت والآخرة يؤدّي إلى نسيان الهدف من الحياة، وبالتالي إلى الفتور والكسل والدعة.
وبعد؛ فهذه أهم الأسباب المؤدية إلى الفتور، وأما عن آثاره فقد ذكرتها ضمن سؤالك فهو يجعل الإنسان ينتقل من حالٍ إلى حال، ومن حركةٍ ودأبٍ إلى خمولٍ وكسل، ومن صلةٍ طيِّبةٍ وقويَّةٍ بالله إلى صلةٍ ضعيفةٍ به؛ وبالتالي ينقلب الميزان الذي يقيس به الإنسان أعماله وتصبح الأعمال السيئة أكثر من الأعمال الحسنة.
هذه الآثار على المستوى الشخصي الإنسان، أما على مستوى الأمة فيصبح الشخص بعد أن كان أداةً للبناء والعمل والإصلاح والدعوة إلى الخير، أقول يصبح على أحسن الأحوال ساكنًا وخاملاً ولا يُصلح –إن لم يكن يفسد-؛ فيقل عدد المصلحين في الأمة، وهذا يؤثّر تأثيرًا مباشرًا على الأمة وعلى نهضتها وحضارتها وصعودها، يقول أحد الصالحين: "يا ملح الأرض لا تفسدوا، فإن الملح إذا فسد لا يصلحه شيء".. فإن فسد المصلحون فمن يصلحهم ويقوِّمهم؟!!!(33/641)
* نصل بعد ذلك إلى التفكير في العلاج من هذا المرض العضال، و العلاج ابتداءً هو مخالف الأسباب، فكل سببٍ ذكرناه سابقًا من أسباب الفتور يكون فعل عكسه هو خطوة في طريق العلاج، ومع هذا لا بأس من ذكر بعض الوسائل العملية للعلاج بجانب ما سبق:
1- عليك أن تبدأ كل عملٍ من الأعمال التعبديّة بشحن النفس تجاه هذا العمل، ولنأخذ مثالاً على ذلك بالصلاة.. فإذا قمت إلى الصلاة عليك أن تستحضر في ذهنك –أو تكتبها في ورقةٍ وتقرأها- كل الآيات والأحاديث الواردة في الصلاة، وفضلها، وثوابها، ووقتها، وفضل الخشوع فيها ومن الأمثلة على ذلك :
- (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين).
- (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة على الخاشعين).
- (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين).
- (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا).
- (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
وهكذا بالنسبة لآيات الصلاة أو معظمها، أما الأحاديث:
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا) رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم.
- وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) متفق عليه.
وهكذا بالنسبة لباقي الأحاديث أو معظمها؛ فإنك إن جمعت الآيات والأحاديث الواردة في الموضوع وكتبتها في ورقة وقرأتها قبل كل صلاة، فبذلك ستجدد بداخلك معاني الطاعات والعبادات كي لا تتحول العبادة إلى عادة، ولكن لتؤدي هذه الوسيلة ثمارها، فعليك بالمداومة عليها ومثل ذلك في باقي العبادات مثل الصوم والذكر إلخ.
2- عليك كذلك قبل أن تبدأ في الأعمال التعبدية أن تسأل نفسك: لماذا أفعلها؟ وتحضر ورقةً وقلمًا وتدوّن كل نواياك في هذا العمل، وفكر في نوايا كثيرة وسجّلها، وستحصل على كميّةٍ كبيرةٍ من النوايا كنت غافلاً عنها وأنت تقوم بهذا العمل، فيساعدك هذا على استشعار قيمة هذا العمل وحجم الثواب الذي ستحصل عليه من ورائه، وسيزيد ذلك من إيمانك ومن إقبالك عليه.
3- القراءة في كتب الرقائق والآخرة مثل كتاب "الإيمان أولا فكيف نبدأ به" للدكتور مجدي الهلالي، فإنه يعطيك صورةً جيِّدةً عن الإيمان، وكيفية تزويده، والوسائل العملية لذلك، ولا تنس أن تكون القراءة مع التطبيق لتتحقق الفائدة المرجوة.
4- كثرة الاستغفار والتسبيح والذكر، فإن هذه من أعمال اللسان التي لا تتطلّب وقتًا مخصصًا لها، ولكنها تفيد في صفاء القلب وخلوه من المعاصي والذنوب، فيمكن الإكثار منها في المواصلات وقبل النوم وفي كل حال.(33/642)
وأخيرًا، أدعو الله لك أن يزيد إيمانك، وأن يجعلك من الصالحين المصلحين الذين يعيدون لهذه الأمة مجدها ورفعتها وسيادتها.
ـــــــــــــــــــ
لماذا الحجاب؟.. حاربوا الشيطان معي العنوان
العقيدة, العبادات, العقيدة, العبادات الموضوع
تساؤلاتي قد تكون غريبة، ولكنها مقلقة. أنا فتاة في الـ 17 من عمري، منذ صغرنا ونحن نسمع أن البنت جسدها عورة، وشعرها عورة، ويجب حمايتها من غير المحارم. ولم يسبب لي هذا أي ضيق أو كبت؛ فأنا محجبة والحمد لله، ملابسي فضفاضة؛ لا تشف ولا تصف.
أجد الفتيات الكاسيات العاريات؛ وأتساءل: كيف يمكن أن يظهرن بهذا الشكل دون خجل؛ بل يشعرن بالتباهي أمام مطاردة نظرات الناس لهن!
استمر تديني والتزامي؛ ولم أشعر بالضيق. وأصبر نفسي بأن الجنة جزاء المؤمنين الصابرين، وسأفعل ما يحلو لي في الجنة. وهنا جاءت المشكلة؛ فأصابني العجب من التفكير في حالي بالجنة.
فأعتقد أنني في الجنة سأرتدي ما أريد، ويراني كل الرجال من غير محارمي. لن أستطع، أين حيائي؟ ثم كيف يرونني دون أن أثيرهم؟ فأرجع وأقول لنفسي: في الجنة الأمور مختلفة. وسيدخل الجنة المؤمنون فقط، وقوانينها لا تطابق الدنيا.
ولكن إذا كنت هناك لن أجذب الأنظار؛ فلماذا أجذبها في الدنيا؟، لماذا خلق الله جسد المرأة وشعرها يفتن الرجال بينما العكس غير صحيح؟ لماذا خلقنا الله فتنة لهم؛ ثم فرض علينا الحجاب؟
اختلط عليّ الأمر؛ وبدأ الشيطان يوسوس لي في هذا الأمر ليل نهار. ولا أستطع محاربة الشيطان وحدي.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة وسام كمال- محررة في نطاق الأخلاق والتزكية بشبكة "إسلام أون لاين.نت":
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام علي النبي، الذي نشتاق إليه، ولم نره.. أما بعد..
حياك الله أختنا إيمان، وزينك بنور الإيمان، وجعلك قرة عين أسرتك، وزينة فتيات المسلمين.
أسعدت قلبي بفخرك بالحجاب، وإلحاحك على طرحك النقاشي، ورغبتك في الاقتناع به، غير مقتصرة على تنفيذ الأمر، ولكن فهم مقاصده. وهذا من صفات المؤمنين؛ إذ أن الحكمة هي ضالتهم التي ينشدونها، ليسوا آلات تنفذ دون تعقل. فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها.(33/643)
أفرح بك أختا متميزة، بالله مؤمنة، شعارك "رضا الله". والأجمل أنك تتفهمين أن محاربة الشيطان تحتاج لعون ومدد الآخرين، فقليل من يفطنوا لهذا، ويصير الضلال مآلهم، وكما يقال: "ضاع العلم بين الحياء والكبر".
فداومي على اللجوء إلى الله ثم من تثقين بقدرتهم على إرشادك وتوجيهك حينما تختلط عليكِ الأمور وترتابين في أمر ديني أو دنيوي. وأشكرك على ثقتك فينا، ونسأل الله أن يجعلنا أهلا لها.
بداية الأمر، أوضح لك أمر هام: الحجاب ليس تعذيبا للمرأة. إنما يشترك في آداب اللباس كل من المرأة والرجل ؛ لعفة وصلاح المجتمع المسلم. وكما فرض الله على المرأة الحجاب، فرض على الرجل عدم ارتداء الحرير والذهب، وستر العورة، وغض البصر، والنهي عن جر الثوب "خيلاء".
وللحجاب فضائل كثيرة على المرأة المسلمة، تستوجب الشكر والعرفان لله –عز وجل- . فمن أجمل الأدعية التي اشتهرت على لسان فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي –رحمه الله-: "الحمد لله، تفضلت بالتكليف، وتفضلت بالمعونة، فأنت المتفضل أولا، وأنت المتفضل آخرا".
وأجرى الدكتور عبد الرحمن محمد العيسوي– أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعتي الإسكندرية وبيروت العربية- دراسة ميدانية على عينة من طالبات جامعة الإسكندرية بلغ عددهن 370 طالبة ممن يرتدين الحجاب، لمعرفة الوظيفة النفسية والاجتماعية والروحية التي تراها الفتاة الجامعية المحجبة في ارتداء الحجاب الإسلامي.
وأسفر تحليل نتائج هذه الدراسة على أن التحجب يحقق الوظائف الآتية بالنسبة للفتاة المحجبة:
* تعميق أواصر الصلة بين الفتاة وخالقها.
* تعميق مشاعر الإيمان لدى الفتاة.
* زيادة الشعور باحترام الذات، واحترام الآخرين لها.
* الشعور بالتحشم واللياقة والوقار والقيمة الذاتية.
* الشعور بالرضا عن الذات وقبولها وإبعاد مشاعر الألم والذنب.
* حماية المرأة من التعرض لعبث العابثين ممن تثيرهم الفتنة، ومظاهر الخلاعة والإغراء والكشف عن مفاتن المرأة وأنوثتها.
* زيادة فرص الفتاة في الزواج حيث يقبل الشبان على الفتاة المتدينة الصالحة.
* الحماية من حوادث الخطف أو الاغتصاب أو الاعتداء أو المطاردة ممن في قلوبهم مرض.
* توفير نفقات الملابس الباهظة.
* الحصول على المزيد من رضا الزوج أو الخطيب والأب والأم.
* لا يقلل الحجاب في نظرهن، من جمال المرأة الطبيعي.
* توفير نفقات كي الشعر وتصفيفه، وما إلى ذلك من النفقات.
* شعور أهل الفتاة بمزيد من الثقة فيها، وعدم الخوف عليها.(33/644)
* يعكس حجاب الفتاة صورة طيبة عن أسرتها.
* إبعاد الفتاة عن مواطن الشبهات.
* يزيد من الشعور بالانتماء الإسلامي ويبعد عن نفسيتها مشاعر الاغتراب والإثم.
[د. عبد الرحمن محمد العيسوي: سيكولوجية الحجاب ( بيروت: دار الراتب الجامعية، 2001)].
و"قد اتخذت الشريعة خطوات تجعل الغرائز الجنسية محددة بالحلال. فيوصي الشرع بغض المرء لبصره لعدم إثارة الشهوة في داخله. فغض البصر يحول دون رؤية الأشياء المثيرة، وهو ما يشبه شحن الأسلاك بالكهرباء. فعندما يغض البصر ينقطع التيار الكهربائي، وتغطية جسد المرأة تساعد في ذلك، لذا فهو يوصي بتغطية الجسد كله باستثناء الوجه واليدين.
ولكن النساء اليوم قد عكسن الأحوال، فهن يرتدين الثياب الطويلة ذات الأكمام الطويلة في البيت، والملابس القصيرة ذات الأكمام القصيرة في الشارع" [ ورقة نشرت لإيفون يزبك حداد - أستاذة تاريخ الإسلام والعلاقات المسيحية- الإسلامية في جامعة جورج تاون؛ بعنوان: "الإسلام والجنوسة.. عضلات في العالم العربي المتغير" ضمن أوراق نشرت في كتاب الإسلام والجنوسة والتغير الاجتماعي (الأردن: الأهلية للنشر والتوزيع، 2003].
ووردت فقرة متميزة بشأن الحجاب في كتاب للمؤلف أحمد فؤاد بلبع بعنوان: "مؤسسة الرق من فجر البشرية حتى الألفية الثالثة"، قام د. عبادة كحيلة بعرضه في مجلة وجهات نظر.
يقول الكاتب: "ارتبطت ظاهرة الرق بظاهرة الحجاب؛ فقد كان الأصل عند المرأة هو السفور، لكن مع ظهور مؤسسة الرق وازدياد أعداد الأرقاء من النساء، وتحدد وضع بعضهن كسرائر أو حظايا، وتحدد وضع بعضهن كبغايا، أضحت هناك ضرورة للتمييز بينهن وبين الحرائر.
فبدأت ظاهرة الحجاب التي كانت قصرا عليهن، وربما كانت البداية الأولى للحجاب في فارس، حيث ألزم الأرقاء من النساء بالسفور، كما ألزم الأرقاء من الرجال بحلق شعر رءوسهم وذقونهم وشواربهم، تمييزا لهم جميعا عن الأحرار" [العدد الخامس والستون – يونيه 2004 من مجلة وجهات نظر].
لست أود من هذا الاقتباس أن أدعي اصطفائية المحجبات دون غيرهن وكأنهن ملائكة لا يخطئون أبدا؛ إذ أن هناك غير محجبات أفضل بأخلاقهن من محجبات يفهمن الحجاب على أنه شكل فقط لا خلق.
ولكني أشعر أن الحجاب نفسه هو فكرة اصطفائية؛ بمعنى أن الله أراد بالمسلمات خيرا عندما أمرهن بالحجاب؛ لأنه يجعل من ينظر إليهن يقيِّمهن على أساس عقولهن لا أجسادهن.
أنقل لك هذه الكلمات من بين ضفاف الكتب، لكي أبرهن لك أنك على صواب، ولتثقي بنفسك، ولا تتزعزعي عندما ترين متبرجة، تزهو بنفسها ولا تخجل من سفورها. إنما ذلك خلل في فطرتها، إذ زين الله لعباده طاعته، وغرت المعصية فاعلها.(33/645)
لقد حبا الله المرأة بجمال جسدها، وحب الرجل لها، ومن واجب المسلم شكر النعمة، وعدم استخدامها في إفساد الأرض. ويختبر الله عباده كيف يتصرفون فيما أتاهم، ليرضى من شكر وعصم نفسه، ويحاسب من لم يتقٍ غضبه.
أما عن الجنة، وما سيدور فيها. فأنصحكِ بعدم الخوض كثيرا في هذا الأمر؛ لأنه غيب. والغيب إن تماديتِ في مناقشته ستغرقين في بحر من التساؤلات الشائكة، لن تستطيعين النجاة منه. فمن أعمدة الإيمان؛ الإيمان بالغيب، والثقة فيما عند الله.
يكفيكِ أن تعرفي الوصف المؤكد للجنة وقوانينها؛ ما ذكره الرسول صلى الله عليها وسلم: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" متفق عليه.
ثقي يا أختاه أنك على الحق، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، واعلمي أن الوساوس ينفثها الشيطان في أذن المؤمن، حتى يزعزعه عن عقيدته، ويجعله يتخلى عن صالح أعماله. فما حاجة الشيطان بوسوسة الضالين؟! خاصة وأنك شابة صغيرة، ترتدين الحجاب في سن مبكرة، فيظل الله من يداوم على طاعته منذ سن الشباب يوم لا ظل إلا ظله.
اثبتي وبحمد الله اشكري، وتابعينا بأخبارك، ننتظر من اليافعات أمثالك البشرى دائما.
ـــــــــــــــــــ
قلبي متعلق بها.. راقب الله أولاً العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا عندي أسئلة كثيرة تتبادر إلى ذهني، ولا أستطيع الإجابة عليها، وهي خاصة بعلاقة الولد بالبنت. أنا مش عارف الولد عندما يتعلق بفتاة، وهي تتعلق به المفروض يتصرفوا ازاي، خاصة وهم مع بعض في نفس السنة بنفس الكلية، و بيشوفوا بعض كل يوم، في مكان المحاضرات.
وهل هو غلط أصلا إن ولد يتعلق ببنت، والعكس؟، مع أنه، والله، ما كان فيه اختلاط بيننا قبل كده، ولا حتى بالكلام، نفسي أعرف كيف أرضي ربنا في الظروف دي.
منذ أن بدأنا نتكلم، عمرنا ما تجاوزنا في الكلام، وعمرنا ما اختلينا ببعض، حتى عندما كنا نقف كان يبقى فيه متر بيني وبينها على الأقل.
أصلا مفيش مشكله في موضوع إتمام الزواج، غير إني أخلص الكلية، واشتغل، المشكلة إن أهلي وأهلها، وبصفة عامة ده الواقع عندنا، أنهم هيرفضوا أي كلام في هذا الموضوع قبل التخرج.
أريد أن أسأل سؤال : هل هناك مشكلة لو أني كلمتها، في الإجازة، على الموبيل، لمجرد الاطمئنان عليها فقط. وهل لو لا قدر الله محصلش نصيب يبقى أنا كده ظلمتها؟، مع أني والله بحاول أراعي ربنا فيها.
وكمان عاوز أسال سؤال : الناس عندما تخطب وما يحصلش نصيب بالرغم من وجود ارتياح مبدئي، هل هذا لأنهم لم يراعوا ربنا، أم أن هذا شيء عادي، وربنا لم يكتبهم لبعض. وفي النهاية أنا خايف أكون باضحك على نفسي، وبحلل لنفسي ما يغضب الله.(33/646)
أعتذر لكم عن طول رسالتي و جزاكم الله خيرا .
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الكاتبة الصحفية الأستاذة نجلاء محفوظ، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
ندعو لك – في البداية- بخيري الدين والدنيا وأن تكون من الذي يحبهم الله، فقد جاء في الحديث الشريف ما معناه أن الخالق عز وجل يحب الشاب الطائع أشد، فأحرص على ذلك دائما وأجعله نصب عينيك.
أما عن قولك بالتعلق بين الجنسين، فنود أن نفرق بين التعلق بسبب الانجذاب الجسدي الناتج عن الإعجاب بالمظاهر الخارجية للجمال، وبين التعلق بالصفات الجميلة الموجودة لدى الطرف الآخر، والتي تتفق مع مواصفاتك في شريكة الحياة، ونتمنى أن يكون في مقدمتها التدين الحقيقي والمعتدل وغير المغشوش أيضا، وأن تكون ممن قال عنهم رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
ولكي ترضي ربك لا تنسى أبدا أن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، كما جاء في الحديث الشريف، فراقب قلبك بهدوء ولطف ودون تشدد، وأنتزع منه أية نوايا سيئة، ليس تجاه هذه الفتاة فحسب، ولكن تجاه جميع من تتعامل معهم رجالا ونساء لتفوز بالجوائز التي أعدها الرحمن للأتقياء.
وتعامل مع هذه الفتاة كما تحب أن يتعامل أي شاب مع أختك، فلا تعدها بشيء لا تستطيع الوفاء به، ولا تغرر بها عاطفيا، ولا تحاول الاستيلاء على مشاعرها، ويكفي في هذه المرحلة التعارف الحقيقي دون مبالغة في الانجذاب العاطفي، فقد تكون مشاعرك مجرد إعجاب تفرضه عليك طبيعة المرحلة التي تعيشها والشعور بالفراغ العاطفي وسط زيادة الحصار الإعلامي، وأغاني الحب، وأحاديث الأصدقاء عن علاقاتهم العاطفية، مما قد يولد فيك الرغبة– دون أن تدري- في ملء هذا الفراغ، وقد تكون مثل الظمآن الذي يسير في الصحراء فيرى كل سراب وكأنه ماء.
لذا أحرص على التأكد من صدق مشاعرك وتعرف على أخلاقياتها وأسلوب تفكيرها وراقب تصرفاتها مع الغير، ولا تحاول تبرير أخطائها، كما يفعل معظم المحبون، ويدفعون الثمن غاليا بعد فوات الأوان، وبالطبع لا يوجد إنسان بلا عيوب، وإنما نتحدث هنا عن العيوب الرئيسية وليست البسيطة والتي توجد لدينا جميعا.
وقد سعدنا لأن ظروفك تساعدك على الزواج بعد التخرج بمشيئة الرحمن، ولكنك لم تذكر لنا كم بقى لك على التخرج، ونفضل التعامل معها بحذر، ومعرفة أن الحب العذري كان موجودا في صدر الإسلام حيث الحرص على عدم خدش حياء الفتاة بأي كلمة أو تصرف وتجنب الإساءة لسمعتها فلا يوجد إفشاء لهذه العواطف للغير، وإنما يحرص الشاب على الحفاظ على سمعة الفتاة التي تعلق بها.(33/647)
والتعلق وحده ليس حراما، فهذا من أمر القلوب وليس لنا السيطرة عليها، ولكننا بكل تأكيد نملك السيطرة على تصرفاتنا وعلى كلامنا، فلابد من الامتناع عن كل ما يثير الغرائز في التعامل معها، وتأجيل إشباع العواطف حتى يحين الوقت الشرعي لها، كما أحله الرحمن، واعتبار ذلك نوعاً من جهاد النفس؛ ادخل المعركة مع نفسك مستعينا بالله، واعقد النية على هزيمة شيطانك ونفسك الأمارة بالسوء، وثق أنك ستحرز نجاحا باهرا بمشيئة الرحمن.
وكلما نازعتك نفسك إلى تصرف خارج هذا الإطار، ذكرها برؤية الخالق لك، وحذرها من أن تجعله أهون الناظرين إليها، وذكر نفسك بأهمية الصبر، وبأنه كما قال عنه الإمام علي- كرم الله وجهه- بمنزلة الرأس من الجسد، وذكرها بقول الخالق جل شأنه في بيان فضل الصابرين : (وبشر الصابرين).
وأعلم أن مشاعر الإنسان تجاه الجنس الآخر تنمو إذا ما قام بتغذيتها بكثرة التفكير فيها حتى تصبح بمثابة ضغطا متواصلا عليه يجهده نفسيا وبدنيا مما يضعفه دينيا ويجعله أقل قدرة على مقاومة نوازع لشيطان والنفس أيضا.
والثابت أننا نستطيع الانشغال عن التفكير في الجنس الآخر، وحصر ذلك في أضيق نطاق ممكن، فالخالق عز وجل أمرنا بطاعته وأمدنا بالقدرة الحقيقة على ذلك، ونحن الذين نتهاون بالأخذ في أسباب الطاعة، ومن بينها عدم الركون إلى ما تهواه النفس، وردها أولا بأول، إلى الطاعة والثقة بأن الإشباع العاطفي سيكون ممتعا فقط إذا كان في الإطار الذي أحله الله عز وجل، حيث لن تشوبه أية شائبة ولن يعقبه أي إحساس بالذنب أو بالتقصير في الطاعة.
ومن هنا إذا استطعت أن تتعامل معها بعد أن تتأكد من حسن اختيارك لها، ومن صدق مشاعرك، ووجدت أنه يمكنك الحديث الهاتفي معها عبر الهاتف المحمول في الأجازة لمجرد الاطمئنان عليها ودون السماح للشيطان بـ"استدراجك" إلى الكلام العاطفي وعبارات الغزل وما شابه ذلك، فأرى أنه يمكنك ذلك شريطة أن يتم على فترات متباعدة وأفضل أن كان لك أختا أن تقوم هي بالمكالمة، وإن لم يتيسر فتعامل مع هذه المكالمة وكأنها مثل التعامل في الكلية.
وحتى لا تظلمها لابد من مراعاة الله فيها والتأكد التام من حسن اختيارك أولا.. فقد يخطب أحد فتاة ثم لا يحدث توافقا بينهما وتنفسخ الخطبة، وهذا أمر أباحه الشرع، فالخطبة إنما شرعت للتعارف ولإيجاد أسباب للتفاهم، والذي لا يمكن أن ينجح الزواج من دونه.
لذا فإن التراجع عن إتمام الزواج ليس فيه ما يسوء من الناحية الدينية فهو أفضل بلا شك من الطلاق بعد الزواج، أو العيش حياة تعسة يشقى فيها الزوجان والأولاد أيضا، وهو ما يتنافى مع ما شرع الله الزواج من أجله، ليكون سكنا ملؤه المودة والرحمة.
وأخيرا لكي تطمئن أنك لا تخدع نفسك، ولا تحلل الحرام، نذكرك بما روي عن حبيبنا صلى الله عليه وسلم:"استفت قلبك وإن أفتوك" وتذكر أن الخالق عز وجل يحب المتقين، فكن منهم، لتظفر بالدين والدنيا معا، مع دعائنا لك بكل الخير والنجاح.
ـــــــــــــــــــ
الاسم(33/648)
10 وصايا للمسلم المسافر للغرب العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن شاء الله سأسافر، قريبا، إلى إحدى الدول الأجنبية، لإكمال دراستي فيها، وأريد من سيادتكم بعض التوجيهات والأعمال التي تعينني بإذن الله على المحافظة على ديني وخلقي، وفي نفس الوقت تعينني على أن أكون عنوانا لديني العظيم فكيف أحافظ على ديني وخلقي في الغربة؟، و جزاكم الله خيرا .
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ/أحمد زين، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الكريم .. كريم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حين قرأت رسالتك تذكرت ذات مرة، وأنا مسافر من الإسكندرية إلى القاهرة، حيث كان منتهى الحافلة التي أستقلها مطار القاهرة، وجلس قريبا مني شاب ودعه أهله منذ دقائق ليكمل دراسته في دولة أوربية، كان الشاب ينهج وهو جالس، يفكر في مستقبله، كنت أسمع أنفاسه تتلاحق، كان قد حلق رأسه تماما، واكتسى بالعزيمة كلها.
صلى الفجر جالسا، ثم أخذ يردد أذكارا وأدعية بتضرع يلفت الانتباه . كان الشاب في حوالي التاسعة عشرة من عمره، وكنت أكبره بعدة سنوات، تحيرت في أمره، هل أقول : ما أشقاه ؟، وقد خلف أهله وهو في سن صغيرة، وذهب للمجهول، أناس لا يعرفهم، وأماكن لم يطأها من قبل، ولغة لم يعتادها
أم أقول ما أسعده؟، عوالم جديدة تتفتح أمامه، خبرات واسعة يمكنه أن ينهل منها، أناس جدد بأفكار جديدة وعقليات جديدة، ودراسات وجامعات ومكتبات، ومتاحف ومساجد وحدائق وغابات. مازلت أدعو لهذا الشاب كلما تذكرته أن يظل محافظا على صلاته وورده، وسأدعو لك إن شاء الله بمثله.
أخي الحبيب :
أتصور أنك تحتاج إلى ورقة وقلم .. ورقة كبيرة لتكتب فيها أهدافك الكبيرة .. التي ستحققها إن شاء الله في هذه الرحلة .. أقترح عليكم أهدافا مثل : العمل والدراسة، التعرف على مسلمين من أنحاء العالم، الاحتكاك الفكري والعقل، الدعوة إلى الله، أعطاء القدوة والمثل، الثبات، أن تكون عالما مسلما، بارزا في تخصصك، الخبرات والمهارات المختلفة، تعلم لغة وإتقانها، الوقوف على أسباب القوة في هذا البلد، كما أقترح عليك أيضا ألا تنس تدوين مذكراتك، ربما ييسر الله لك نشرها يوما ما، ولتكن بعنوان : (مذكرات طالب مسلم في سنة 2005) .
وصدقني – أخي- كلما كبرت أهدافك، كلما نضجت أنت واستويت بإذن الله، أقول هذا لأنني لم يعجبني ولا يعجبني أن يكون هاجس كل شاب مسافر إلى الخارج(33/649)
المحافظة على دينه وخلقه والتزامه الشخصي، لأننا بهذا نقلل جدا من سقف إمكانياتنا، وإذا كنا قد أمرنا بسؤال الله تعالى الفردوس الأعلى، فإنما ذلك لنطلب معالي الأمور في كل شيء، ليقل كل منا لن أذهب وأنا مرتجف من الارتكاس بل سيكون همي الارتقاء والنماء والتبشير بما أحمل من قيم ورائدي في ذلك قوله تعالى: ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ) .
لا شك أن الصحبة الطيبة أمر يكتسب أهمية خاصة في الأيام الأولى لك هناك، والحمد لله على نعمة الإنترنت التي جعل الله بها تواصلك مع صحبتك الطيبة في بلدك أمرا متاحا وميسورا، ولذلك لا تنس أن تحصل على أرقام هواتف وعناوين البريد الإلكتروني (الإيميلات) لمن تحب أن تتواصل معهم من هناك، وأعلم أن صديقك من صدقك، و وهو أيضا من ذكرك بربك .
أخيرا .. تحتاج وأنت في عمرك الزاهر أن تعرف الكثير عن الدعوة، وأنصحك أخي أن تتأنى وأن تسمع أكثر مما تتكلم، خاصة في شهورك الأولى، لأن الاشتباك قبل المعرفة وقبل الإدراك متعب جدا، وربما أعطى صورة خاطئة عن القيم التي تحب أن تدعو إليها.
الحقيقة لا أريد أن أدعك، أريد أن أظل أتحدث معك كثيرا كثيرا، ولكنني سأتركك مع هدية صغيرة، ووصية أخيرة، وهي ألا تنسى أن تردد دعاء السفر بتدبر وفهم، نعم قله وأنت تتدبر كلماته ومعانيه ردد : " اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل "، وكلما حزنت أو خرجت تذكر هذا الدعاء.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود، المحرر المسئول عن نطاق الأخلاق والتزكية بـ"إسلام أون لاين.نت":
جزى الله أخي الأستاذ أحمد زين خيرا، على هذه النصائح التي قدمها، وليأذن لي أن أشاركه الأجر، بهذه الإضافة المتواضعة، فأقول وبالله التوفيق وأعوذ بالله أن أذكر به وأنساه، فإني قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين:
1- تصحيح النية: صحّح نيَّتك من سفرك، واجعل سفرك لطلب العلم ومعرفة ما يفيد المسلمين من العلوم، فإنك بهذا تؤجر، فعن أمير المؤمنين أبي حفصٍ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
2- تقوى الله: اتق الله حيثما كنت، واعلم أنه يراك في كل أحوالك، فاجتهد ألا يراك على معصية، وكن دائم الصلة به سبحانه، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب).
3- المحافظة على الصلاة: حافظ على الصلوات في أوقاتها، ولا تضيّع منها واحدة إلا لعذرٍ شديد، قال تعالى: (وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، واعلم أن الصلاة نور.. فأنر بها ظلام غربتك، فقد روى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الطهور شطر(33/650)
الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور).
4- كن من أهل القرآن: اتخذ لك من القرآن وردًا وحافظ عليه.. فهو شفاء ورحمة، وإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى أهلين من الناس)، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: (هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته) صحيح الجامع.
5- الذكر والاستغفار: احرص على الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنك كله، واجعل لسانك رطبا بذكر الله دائمًا، و الزم الاستغفار.. فإن الله يغفر به الذنوب ويفرج به الهموم، فقد روى أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب).
6- الصديق الصالح: ابتعد عن قرناء السوء، واجتهد أن تتخير أصدقاءك وزملاءك، على أن يكونوا من أهل الإيمان، المحافظين على الطاعات، قال تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، وروى أحمد وأبو داود بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
ولا تستهن – أخي الكريم- بهذا الأمر.. فهذا هو رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يبين لنا أهمية اختيار الجليس فيقول فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى موسى الأشعرىِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير.. فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة).
7- غض البصر: غُض بصرك عما يغضب الله، ولا تطلق لبصرك العنان، واعلم أن النظرة –كما روي- سهمٌ مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله الله عنها إيمانا يجد حلاوته في قلبه، فغض البصر أمر من الله واجب التنفيذ، قال تعالى في سورة النور: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون).
8- الدعاء: أكثر من الدعاء والابتهال إلى الله أن يوفقك، ولا تنس أن الدعاء سلاح فعال له أثر كبير في حفظ المرء، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، وقال أيضا: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي).
9- تحديد الهدف: اعلم أن لك من رحلتك هدفا، من أجله سافرت وتركت الأهل والبلد والصاحب، فلا تنشغل عنه بغيره، واجعله نصب عينيك، واعلم أن من مئون الفقه –أي قوته وتمامه- أن تعرف أن "واجب الوقت" يحتم عليك أن تولي المذاكرة والدرس وطلب العلم "الطب" غالب وقتك، لتنجح وتتفوق، فتقر بذلك عيني، ويهدأ قلبي.. واحرص على وقتك، فإنما هو رأس مالك فلا تضيع جزءًا منه في غير فائدة،(33/651)
واستثمره فيما من أجله سافرت واغتربت، فإن لم تقضه في طاعة فلا تقضه في معصية.
10- كن خير صورة لدينك:
لا تنس أنه يجب عليك أن تكون قدوة صالحة لدينك ودعوتك، وإياك أن تكون قدوة سيئة، وتذكر أنك – بأقوالك وأفعالك– ترسم صورة وتترك انطباعا لدى من تعايشهم عن دينك، فأحسن عرض سلعتك فربما هدى الله على يديك رجلاً واحدًا فكان ذلك خيرا لك من الدنيا وما فيها.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، وأن يردك إلى أهلك سالماً غانماً، إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
لا أستشعر أبوته.. فكيف أبره؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا فتاة في الجامعة، وأنا الكبرى بين إخوتي، غير أن والدي يعاملني بقسوة شديدة، ولا يتعامل معي على أنني ابنته الكبرى، فلا يتشاور معي في أي أمر يخص البيت، بل وأحيانا يعنفني ويشتمني وأنا في حيرة من أمري حيث لا أستشعر أبوته؟، ولا أدري كيف أبره.. ساعدوني كيف يمكنني التغلب على هذا الشعور.. فأنا أخشى أن أقع فيما يغضب الله.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة فاطمة محمد، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, الذي اصطفاه, وأرسله رحمة للعالمين, ثم أما بعد:
فالسلام عليك - أختي الكريمة- ورحمة الله وبركاته, وأود بداية أن أشكرك على ثقتك بموقعنا "إسلام أون لاين.نت", وأتمنى من الله أن نكون عند حسن ظنك.
أختي في الله / إيمان
ألا تستطيعين أن تتحملي أباك في الكبر، كما تحملك في الصغر؟!، فكما تقولين فإنك أكبر أخوتك، فلا بد أن تصبري على هذا البلاء، فأنت لا تعلمين الظروف والأحوال التي يمر بها خلال حديثه إليك, فربما يكون متضايقاً أو مهموماً ببعض الأمور, ثم إنك- كما تقولين- الابنة الكبرى، فلابد إذن أن تكوني القدوة لإخوتك في بره وطاعته والصبر عليه.(33/652)
أتتذكرين لوالدك قسوته معك (اليوم)، ولا تتذكرين له ما فعله من أجلك (أمس) وأنت صغيرة!، فأنت تقولين أنك فتاة بالجامعة، فلتعلمي أن والدك هذا هو الذي تعب من أجل أن يصل بك إلى تلك المرحلة من التعليم العالي، ولو كان يكرهك- كما تعتقدين أو تتخيلين- ما فعل ذلك كله من أجلك.
ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نرحمهما في الكبر، كما تعبوا في تربيتنا في الصغر، بل إنه سبحانه رتب طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما بعد عبادته سبحانه وتعالى، فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، فيحذرنا سبحانه من عقوقهما ولو باللفظة، ويأمرناأأ بأن نتحملهما ونصبر عليهما في جميع الأمور والأحوال.
كما أوصانا سبحانه بالصبر عليهما، و حسن صحبتهما فقال: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فهذه الآية صريحة في وجوب البر بهما، حتى ولو كانا على الشرك بالله، فما بالك – أختي - بالأب المسلم الذي يوحد الله ولا يجعل له ندا ولا شريكا!!. إن طاعته أولى وبره أوجب.
إن الحل الوحيد لمشكلتك هو أن تلتمسي لوالدك عذرا, فقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نلتمس لإخواننا من المسلمين الأعذار، فكيف بوالدك ؟! .. إنه أولى بهذا وأحق.
واعلمي أن شفاءك مما أنت فيه، مرهون بالصبر، واحتساب الأجر عند الله، فقد كان الصبر دأب الرسل والصالحين من قبلك، فانظري إلى الأنبياء؛ كم تحملوا وصبروا على البلاء من أجل توصيل دعوة الله إلى البشرية جمعاء؟, فاتخذي من صبرهم مثلا وقدوة .
كما أوصيك باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، والتضرع إليه، وسؤاله أن يلين لك قلب والدك. فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. و جزاك الله عنا خيراً. ونود أن تتابعينا بأخبارك, والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
-ـــــــــــــــــــ
غزل الموبايلات في العيد والمناسبات العنوان
السلوكيات الموضوع
أنا شاب في العشرين من عمري، ومن أسرة متوسطة الحال، ولي في محيط العائلة أقارب شباب وشابات، ونتيجة وجود الموبايل نقوم بإرسال رسائل فيما بيننا، خاصة في المناسبات كالعيد ورمضان وبداية السنة.
إلا أن والدي حينما رأى الرسائل أخذ يلومني، وقال لي: كيف تسمح لنفسك بإرسال رسائل لبنات العائلة فيها كلمات غزل كأي شخص غريب؟
مع إنني أرسل هذه الرسائل بحسن نية بعد أن تأتيني من أصحابي. ولكن والدي سألني: هل تستطيع أن تقول لبنت من بنات العائلة هذه الرسالة مباشرة وجها لوجه؟ وبصراحة قلت له: لا أستطيع، فقال: إذن أنت تشعر أن فيها شيئا زيادة من الجرأة أو(33/653)
وصف المشاعر وأنا يا ابني أريد أن أقفل ذرائع الشيطان. أرجو نصحي في ذلك. وجزاكم الله خيرا.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تجيب الأستاذة وسام كمال- محررة في نطاق الأخلاق والتزكية بشبكة إسلام أون لاين.نت:
مرحبا بك يا أخي، وأتمنى لك قضاء عيد سعيد مبارك، تحتفي فيه بذكر الرحمن، وتشكره أن وهبنا تلك الأيام الفضائل، حيث يلبي الحاج "لبيك" في أرض الحرم بالنسك والتعبد، ويتوج غير الحاج شوقه إلى الله بالخلق الصالح، والصوم، والتصدق، وإشاعة الخير، وتبادل التهنئة مع الأهل والأصدقاء والأحباب.
الحمد لله في كل وقت وحين، وأجمل الحمد أن يترجم الإنسان مشاعر الحب في سلوكيات يرضاها الله ورسوله.
ودعنا نتطرق إلى مسألة "رسائل الموبايل"، وهو موضوع يقل فيه الحديث، رغم أنه شائع جدا بين الشباب، وزادت فيه مساحة الجرأة، وغابت عنه الحدود ومراقبة الله عز وجل.
أحيي فيك يا أخي رغبتك في التواصل مع أهلك وأقاربك بكل ما أوتيت من وسائل، فكما أن "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، يمنح الله الثواب لكل من أشاع الخير، وبث السعادة في نفوس الآخرين بأي وسيلة، ولو بسيطة جدا.
ولكن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فالسؤال الذي أسألك إياه:
1. هل هذه الرسائل بغرض التهنئة والود فقط؟
2. هلا أتيت برسائل وقورة لا تعكس مشاعر محيرة "فضفاضة"؟
3. هل يتقبل الله منك هذه الرسائل؟
فكر في الإجابة، وشاور نفسك في هذا الأمر من جديد. ليست المشكلة أن أباك قد رأى الرسالة، وخجلت من تعليقه، ربما هذا ترتيب قدري لكي تعيد التفكير في الأمر.
فمن المؤسف أن تنوِ الخير وتفاجأ بأن إحدى قريباتك قد تأثرت عاطفيا بهذه الرسائل مع تكرارها. في حين أنك لم تعنِِ سوى "المباركة"، ولكنك وضعت بذورًا في غير أرضها، فلا تتوقع إلا أن يخيب ظنك في طرحها.
وربما تحمل من تراكم هذا الذنب "الصغير" حمولاً لست بقادر على التكفير عنها، فلا داعي لمثل هذه الذنوب، واجعل من رسائلك نورًا لمن تحبهم، تذكرهم فيها بفضيلة، وترسم على شفاهم ابتسامة بما يرضي الله وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويضيف الأستاذ رمضان فوزي بديني الباحث بكلية دار العلوم:
أيها الأخ السائل:(33/654)
إن العلاقة بين الجنسين لها ضوابط تحكمها، سواء كانت هذه العلاقة بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عن طريق الإنترنت أو الموبايل أم غيره من هذه الوسائل الحديثة، وسواء كانت هناك صلة قرابة تربط بينهما أم لا، إلا أن يكون محرما لها (أي من محارمها).
ومن أهم هذه الضوابط:
1- ألا يحدث بينهما اختلاء في مكان مغلق، يصعب على الناس رؤيتهما فيه.
2- أن تكون العلاقة في حدود الضرورة، خاصة إذا كانا في سن الشباب التي لا يؤمن معها الفتنة عليهما.
3- أن تخلو الكلمات من أي لفظ مثير أو جارح.
4- أن تكون ملتزمة بالحجاب الشرعي.
وأنت يا أخي سامر يُفهم من سؤالك أن هذه الرسائل كانت غزلية، وهو ما لا يجوز لك فعله، سواء كن من بنات العائلة أم غير العائلة؛ فما لا ترضاه لأختك في النسب لا ترضه لأختك في الإسلام. ولا أدري ما هو حسن النية الذي كنت تقصده في ذلك؟!
إذن يا أخي فأبوك كان محقا في نصيحته لك، فاتق الله واحذر ذرائع الشيطان وحبائله؛ فالله تعالى أمرنا فقال: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}؛ فالأمر يبدأ بكلمة أو نظرة ثم ينتهي إلى ما هو أكبر من ذلك.
ويختتم الأستاذ صبحي مجاهد من فريق الاستشارات الإيمانية:
أيها الأخ السائل:
اعلم أن ما تفعله من إرسال رسائل لبعض فتيات العائلة أمر يخالف ما أقره الإسلام في العلاقة بين الجنسين. ولا يمكن هنا التعلل بأن من ترسل إليهم هذه الرسائل من أقاربك، حيث لا فرق بين إرسالك لفتاة ليست من العائلة، وأخرى من العائلة، ما دامت تحل لك، خاصة أن الرسالة التي تقوم بإرسالها لا يمكن أن تحدد أبعادها في نفسية الفتاة التي استقبلت الرسالة.
فرسائل المحمول، والتي غالبا ما تكون غزلية، من الأمور التي لا يسلم فيها رد الفعل لأنها قد تتعلق بالمشاعر، حيث تأتي في البداية على أنها نوع من المداعبة العادية البرية، ثم تنتهي بالتعود في طريقة العلاقة بين الطرفين، وهو أمر يحذرنا منه الإسلام.
وعليك أخي الكريم أن تستمع لنصائح والدك، فإنه يمتلك من الخبرة ما يجعله أهلا لتقديم النصح لك، كما أنك تعلم أن ديننا الحنيف يأمرنا باتقاء الشبهات، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" رواه الترمذيُّ والحاكم، وقالا: هذا حديثٌ صحيح، ثم أذكرك يا أخي بقولة الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاءه يستأذنه في الزنا: " أترضاه لأمك.. أترضاه لأختك" فانظر واعتبر.
وختاما؛
فإن الابتعاد عن مواطن الشبهات أمر يجعل المسلم متحليا بالنقاء وحسن التصرف، فرغم البساطة التي ألمحها من كلامك، ورغم نقائك وحسن ظنك -كما تقول في رسالتك- فعليك أيضا ألا تضع نفسك موضع الريبة والشبهة، خاصة أنك اعترفت(33/655)
بأنك لا تستطيع قول هذه الكلمات التي ترسلها عبر المحمول مواجهة أمام فتيات من العائلة، فإذا كان المسلم مطالبا بحسن الظنِّ بأخيه، فإنَّ هذا الأخ مطالبٌ أيضا ألا يضع نفسه موضع الشكِّ والريبة.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل، وأن يغفر لنا ولك ما مضى وأن يحفظنا فيما بقي.. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
حبيبتي تركتني بسبب "حلم أسود"! العنوان
العقيدة الموضوع
فصلت عن أعز إنسانة في حياتي بسبب أنها تقرأ الأبراج، وتأخذ بها، وتصدق الأحلام، إذ بقريبة لها حدثتها أنها رأتها في المنام "تلبس أسود وزعلانة"، وبعد ما سمعتها بدأت تتغير معي. قالت لي أنها رأت في المنام شيخا يبطل عقد الزواج بيننا، فقررت الانفصال عني مع أنها تعلم كم أحبها ومتعلق بها.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يجيبالأستاذ جمال عبد الناصر من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونصلي ونسلم على سيد البشر أجمعين سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد..
أخي الحبيب مرحبا بك على موقعنا إسلام أون لاين.نت. فلك مني خالص التقدير والتحية، أما عن استشارتك؛ فإنها تدور حول النقاط الآتية:
1- الخلاف الفكري بين الخطيبين.
2- موضوع الرؤية.
3- الزواج رزق.
4-الحب بين الخطيبين.
أولا: الخلاف الفكري بين الخطيبين:
يلاحظ وجود خلاف فكري بينك وبين الفتاة التي كنت مرتبطا بها بخصوص موضوع قراءة النجوم والأبراج. فيا أخي الحبيب الزواج شركة عتيقة بين شريكين، فلابد أن يبنى من البداية على التوافق والتفاهم، ولابد من المصارحة بين طرفي العلاقة.
أما إذا ما بدا الشقاق والخلاف؛ فإن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج ومن أجل ذلك شرعت، فلن أقول لك حاول الرجوع إلى خطيبتك مرة ثانية؛ لأنك بالتأكيد تناقشت معها في موضوع النجوم والأبراج نقاشا طويلا يبدو أنه لم يأت بنتيجة. وهذا خلل عقائدي لابد من تصحيحه.
وبالنسبة لموضوع الأبراج، فأحيلك إلى الفتاوى التالية:
* حظك اليوم .. وأبراج النجوم(33/656)
* أبراج الحظ وأثر تصديقها على عقيدة المسلم.
ثانيا: موضوع الرؤية:
أما بالنسبة للرؤيا: فلقد حدثنا القرآن الكريم عنها، كما في رؤيا سيدنا يوسف -عليه السلام- حيث قال: {ذلكما مما علمني ربي}، وقال أيضاً: {ربي قد آتيتني من المُلك وعلمتني من تأويل الأحاديث}، فهذا علم يقوم على التأويل الذي يهبه الله لمن يشاء من عباده.
وجاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدِّث بها "وفي رواية: فلا يحدث بها إلا من يحب"، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره". وفي حديث آخر: "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره".
فالمسلم حيال الرؤى أمامه ثلاثة احتمالات: إما أنها رؤيا من الله، أو حلم من الشيطان، أو وساوس وأحاديث للنفس وما يشغل بال الإنسان.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مدار علم تعبير الرؤيا على القياس والاعتبار والمشابهة التي بين الرؤيا وتأويلها، ويؤخذ من ذلك ما في الأسماء واللغات من الاستعارة والتشبيه".
إن الرؤيا الصالحة من الله، وإنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وقال الإمام مالك -رحمه الله- عن تأويل الرؤى: لا يعبّر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأى خيراً أخبر به، وإن رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت.
فليس من المعقول أن نسعى لتنفيذ ما رأيناه في الرؤيا، فهذا محض ظن أو توقع. والمسلم يعتمد على الأصول الشرعية الثابتة المنبثقة من الكتاب والسنة، ولا يتكل على تفسير رؤيا، بل له أن يتفاءل بها إن كانت ترمز إلى الخير، ويستعيذ بالله من الشيطان إن كانت ترمز إلى الشر.و توقع
وليس ريناه رأيناهفليس شرطا أن يكون ما رأته صديقة خطيبتك صوابا حتى ولو انطبقت عليه بعض ما رأت من علامات، بل ينبغي أن يؤخذ ما رأته فَأْلاً للخير، وعليك أن تصبر راضيا بقضاء الله وقدره ولا تستعجل أمرك.
ولتعلم أن الرؤيا تكون بالرمز ولا تكون كما هي بحذافيرها في الواقع، فنحن نعلم تأويل رؤيا نبي الله يوسف -عليه السلام- حيث رأى كواكب ولم ير بشرا {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف:4-6]، فأولت الكواكب الأحد عشر بإخوة يوسف.
وكذلك رؤيا أم المؤمنين صفية بنت حيي –رضي الله عنها- حيث رأى النبي في وجهها خضرة، فسألها عن ذلك فقالت: كنت في حجر ابن أبي الحقيق فرأيت كأن القمر وقع في حجري، فأخبرتُ ابن أبي الحقيق (كنانة بن أبي الحقيق زوجها(33/657)
ساعتها) فلطمني وقال: تهوين ملك يثرب (يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهنا أُوِّلَ القمر بأنه رسول الله.
ثالثا:الزواج رزق:
اعلم أخانا في الله أن الزواج رزق، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولن يكون إلا ما أراده الله، ولا بد للمسلم أن يصبر ويتحلى بالصبر ويرضى بما قسم الله ولا يستعجل رزقه، وصدق ربنا جل وعلا:
- {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11].
- {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].
- {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].
ولك في أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها الأسوة الحسنة فعندما مات زوجها أبو سلمة، ذكرها الحاضرون بالدعاء المشهور "إنا لله وإنا إليه لراجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيرا منها"، فقالت المرأة: "إنا لله وإنا إليه لراجعون، اللهم أجرني في مصيبتي"، وجاءت عند "وأجرني خيرا منها" ووقفت ولسان حالها يقول: ومن ذا الذي هو خير من أبي سلمة؟! فذكرها الحاضرون ثانية فقالت "وأبدلني خيرا منها"، وما علمت حقيقتها إلا عندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطبها لنفسه فقالت لولدها: قم يا سلمة فزوج رسول الله، فهي بصبرها ورضاها بقضاء الله أبدلها الله من هو خير من زوجها -رضي الله عنهما- وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ما أريد قوله لك إن الإنسان منا مهما فقد فإن ما عند الله خير، فمن احتسب شيئا عند الله أبدله خيرا منه، {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 76]، فربما يبدلك الله عروسا خيرا من تلك التي تركتك واتبعت هواها فلا تندم ولا تيئس من روح الله.
ولا تبك على من تتبع المنجمين والأفَّاقين وتعتقد في قولهم، بل تطلع إلى من خير ومن تفوقك في الدين أو تساميك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"، وقال: "تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداكَ"، فأين أنت أخي الحبيب من تلك المعايير التي وضعها لنا رسولنا الكريم؟!.
فهيا سارع بقول هذا الدعاء: "إنا لله وإنا إليه لراجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأبدلني خيرا منها"، وثق تماما أن ما ادخره الله لك خير إن شاء الله من هذه الفتاة التي ظننت أن الدنيا وقفت عندها، لا يا أخي، ربما في تركها إياك خير لك، ربما ادخر الله لك من هي خير منها، احتسب واصبر واستعن بالله.
فلا تدري أيها الأخ الفاضل ربما يكون الخير في فسخ هذه الخطوبة، فمطلوب منك أن تدعو الله عز وجل أن يقدر لك الخير ويصرف عنك الشر.
والله عز وجل علمنا مستجلبات الرزق على لسان نبيه نوح عليه السلام حيث قال: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].(33/658)
وقال سيدنا عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغيا العزة في غيره أزلنا الله".
رابعا: الحب بين الخطيبين:
أما عن الحب بين الرجل والمرأة بهدف الزواج فلا بأس به ما دام يتزيَّا بالضوابط الشرعية، ولا يؤدي إلى حرام أو خلوة شرعية، شريطة ألا يعلو هذا الحب على حب الله ورسوله.
أما لو وصل هذا الحب إلى العشق، وألهى صاحبه عن ذكر الله وعن الصلاة وعن حياته كلها فهذا ما يرفضه الشرع.
قال ابن القيم عن العشق: "هو خمْر الرُّوح الذي يُسكرها ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه والتلذُّذ بمُناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبِّد لمعشوقه، بل العشق لُبّ العبودية، فإنها كمال الذُّلِّ والحب والخضوع، والتعظيم، فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تُنال به درجة أفاضل الموحِّدين وساداتِهم وخواصِّ الأولياء؟ ولا يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفظُ العِشق من حديث صحيح البتة".
فاشغل نفسك بطاعة الله عز وجل وقراءة القرآن والمحافظة على الصلاة وقول الأذكار، واملأ وقت فراغك بالأشياء المهمة من قراءة وتعلم وعمل وغيره، ولا تعرض عن ذكر الله فتشقَ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} فصلِّ لله واقرأ القرآن وأكثر من الدعاء فسيفرج الله كربك إن شاء الله.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
تدعو على جنينها..احذري غضب الله العنوان
العقيدة الموضوع
ماذا عن الزوجة التي تحمل بدون رغبتها أو رغبة زوجها، وفي كل يوم تدعو على هذا الحمل و تكرهه كرهًا شديداً وتسبه وتشتمه بكلمات مثل ( الله يحرقه، الله يلعنه) من هذه الألفاظ ؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
تقول الأستاذة منى عبد الهادي هاشم، واعظة بالأزهر الشريف، عضو فريق الاستشارات الإيمانية :(33/659)
السائل الكريم: شكر الله لك حرصك واهتمامك بأمور الأخت المسلمة المشار إليها في سؤالك الكريم ، فهذا سمت المؤمن الكامل الإيمان الذي يهتم بأمور إخوانه من المسلمين والمسلمات .
وبخصوص المشكلة الواردة بالسؤال فلعله من الملائم أن نتعامل معها من خلال النقاط التالية حتى نحيط بجميع جوانبها:
1. الرضا والتسليم بأمر الله وقضائه.
2. كراهية الزوجة للحمل والدعاء عليه.
3. نصيحة من القلب
أولا: الرضا والتسليم بأمر الله وقضائه :
على الأخت الفاضلة وزوجها الكريم أن يعلما أن كل شيء في هذا الكون مقدر بأمر الله سبحانه وتعالى فهو الخالق المقدر القادر الكبير المتعال ، قال تعالى: } إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ٍ{ (القمر: 49) فكل ما يحدث للإنسان من خير أو شر إنما هو بقدر الله عز وجل ، فهذا الحمل مقدر بأمر الله سبحانه وتعالى وعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله وقضائه حتى يستكمل أركان الإيمان .
قال الله عز وجل: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا{ (الأحزاب:36) ، وفي الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وأن تؤمن بالقدر خيره و شرة" (رواه مسلم).
إذن على الزوجين أن يعلما أن هذا الحمل هو قدر الله عز وجل وليس لهما إلا التسليم والرضا بقضاء الله وقدره.. والرضا بقضاء الله هو مفتاح السعادة والفوز في الدنيا والآخرة.. وقدر الله عز وجل لا يرده مخلوق فالله هو القاهر فوق عباده وهو الغفور الرحيم .. }اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ{ (الرعد : 8-9) .
ثانيا: كراهية الزوجة للحمل والدعاء عليه:
هنا أود أن أهمس في أذن أختي الكريمة متسائلة عن سبب كرهها لهذا الحمل ودعائها عليه، هل ذلك للخوف من ضيق الرزق، فالله تعالى قد تكفل بالأرزاق وجعل الأولاد سبباً في توسعة الأرزاق وتأملي معي قول الحق عز وجل : }وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا{ (الإسراء : 31).
فلو تدبرنا هذه الآية الكريمة لرأينا أن الله عز وجل بعد ما نهى عن قتل الأولاد خشية الفقر وضيق العيش ذكر أنه عز وجل تكفل برزق هؤلاء الأولاد، وقدم ذكر رزق الأولاد على رزق الآباء مما يوحي بأن الآباء قد يرزقوا بسبب أولادهم.. فهل يعقل أن يكره الآباء من هم سبب في توسعة رزقهم؟!
والحمل في حد ذاته رزق وهبة من الله عز وجل، والمسلم يجب عليه أن يشكر الله على هبته ونعمائه، فتدبري معي قول الحق عز وجل : }لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ{ (الشورى : 49-50) فالأولاد والذرية رزق(33/660)
وهبة من الله عز وجل وكم من أناس حرموا نعمة الأولاد ونراهم يعانون معانة عظيمة بسبب ذلك ويذهبون للأطباء سعيا وطلبا للحمل؟!
فهل شكرنا الله على نعمائه حتى يبارك لنا في أولادنا ويزيدنا من نعمائه{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم : 7).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد زكى المرأة الولود فقال : "تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" فهل تكرهين ما زكاك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله؟! وتأملي ما ورد في مسند أحمد عَنْ ثَعْلَبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :" عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ ".
و نتسأل أيضا هل تكرهين ذاك الحمل خوفا من التعب والمعاناة؟ ألم تعلمي أن ثواب الأم على الحمل والولادة والإرضاع وحسن التربية عظيم، ومن أجل ذلك أوصى الله تعالى الأولاد بالإحسان إلى الأم وقدم الإحسان إليها على الإحسان على الأب، اعترافا بجميلها، وتقديرا لعنائها، كما أن لها الثواب عند الله تعالى إن أخلصت ذلك لوجه الله، فسيجعل الله تعالى ولدها قرة عين لها، وسيكون شفيعا لها عند الله تعالى يوم القيامة فهوني على نفسك وسلي الله تعالي أن يعنيك وأن ييسر لك كل عسير..
أختاه! تفاءلي بهذا الحمل لعلك ترزقين منه بولد صالح حافظ لكتاب الله عز وجل.. فإذا مات ابن أدم بقي له دعاء ولده الصالح الذي يدعوا لوالديه بالرحمة والمغفرة }رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ (الإسراء : 24) ، والولد الحافظ للقرآن يكون سببا في تكريم والديه ورفعتهما في الدنيا والآخرة.. ففي سنن أبي داوود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا" .
نتحول الآن إلى الدعاء على الحمل وسبه ولعنه.. الدعاء – كما تعلمين - سلاح المؤمن وهو مخ العبادة ، ومن ثم فهذا السلاح يجب أن نوجهه لطلب الخير في الدارين ، فندعو لهذا الحمل بأن يكون لك قرة عين وأن يكون من الصالحين، ومن حملة كتاب الله عز وجل.. فاستغفري الله وتوبي إليه فهو الغفور الودود..
ولا يخفى على الأخت الكريمة أن المسلم ليس بلعان ولا السباب، فلسان المؤمن لا ينطق إلا بكل خير وبالكلمة الطيبة التي هي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، والمؤمن ينأى بلسانه عن السب واللعن والشتم، واضعا نصب عينه نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن بأن يقل خيرا أو ليصمت.
والعبد قد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يلقى بها في جهنم.. فتوقفي عن الدعاء على الحمل وسبه ولعنه راجية عفو ربك الكريم، فهو تعالى يفرح بتوبة عبده ورجوعه إليه منيبا مستغفراً.
ثالثاً: نصيحة من القلب :
أود قبل أن أختم حديثي أن أتوجه لك أختي الكريمة بهذه النصيحة من القلب.. فاحمدي الله على ما رزقك وسله من فضله العظيم لعله أن يتفضل عليك بنعمائه(33/661)
وفضله ، وتقربي إلى ربك بفعل الطاعات وترك المعاصي ، وضعي نصب عينك الفضل العظيم الذي حباك الله به.
كما أنصحك أختي الكريمة أن تستعيني بالله ولا تعجزي }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{ (الشرح : 4-5) ، وثقي بأن الله سيكون معك وييسر لك كل عسير ، وتوكلي على ربك الكريم الحليم فمن توكل على الله فهو حسبه.
كما أتوجه لزوج الأخت الفاضلة مذكرة له بفضل الله عليه ونعمته.. فعليه أن يحمد الله وأن يشكره على ما أعطاه من فضله العظيم ، وعليه أن يعين زوجته على طاعة الله ، وأن يمد لها يد العون في رعاية الأولاد وشئون المنزل ، وألا يتركها وحدها خاصة في تلك المرحلة التي تعاني فيها من آلام لا يتحملها القوي من الرجال ، فما بالنا بالضعيف من النساء.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى ، وأن يزقنا من فضله العظيم وأن ييسر لنا كل عسير..
ـــــــــــــــــــ
الشيطان يفتش للتائب في "دفتر" المعاصي العنوان
الأخلاق الموضوع
في البداية أشكركم جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة لي. منذ سنة أو أكثر تقريبًا لدي مشكلة أرقتني كثيرًا، وهي أنني ممن أذنب ذنوبًا تقشعر لها الأبدان، وقصتي مماثلة لقصة الأخ (البائس) من اليمن. كان ذلك قبل 14 عامًا عندما تعرّض لي أحد الصبيان، ثم كانت الكرَّة قبل 4 سنوات، وأوقفتُ هذه العادة بعد ذلك.
ثم قررت التوبة، وبدأت- بمساعدة أحد الأصدقاء مشاريع دينية إيمانية (كالصلاة والصيام والزكاة) قراءة كتب دينية ومتابعة القنوات والبرامج الدينية. لكن كلما تذكرت هذا الماضي الأليم شعرت بعدم الرغبة في مواصلة مسيرة التوبة، فلا أجد سوى البكاء، كما تنتابني حالة من الأرق في النوم.
فأشيروا عليّ أدام الله مسيرتكم وأعزكم إن شاء الله.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخي الحبيب،
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا آمين ثم أما بعد:(33/662)
يقول الأستاذ ياسر نور، عضو اتحاد الكتاب بمصر، وأحد أعضاء فريق الاستشارات الإيمانية:
هنيئًا لك أخي السائل.. توبتك، وأبدأ فأقول لك:
اهدأ يا أخي، ولا تفتح على نفسك بابًا واسعًا من أبواب الشيطان، وأنت قد أقلعتَ عن الذنب، وتاب الله عليك منه؛ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لا كبيرة مع استغفار " [رواه ابن جرير وابن أبي حاتم].
ولكن إنْ أردتَ التمادي في استرجاع الماضي والإكثار من التفكير فيه، أو إنْ أردتَ التقاعس عن أداء دورك الدعوي، فهلمّ وصارحني القول: ما رأيك فيمن قتل مائة نفس، هل يتوب الله عليه؟ بل ماذا تقول فيمن اقترف الذنوب جميعًا؟ .. لا تعجب، فإنّ الله عز وجل يغفر للمرء ذنوبه جميعًا إذا تاب وأناب، وما (القاتل) الذي سألتك عنه إلا حكاية واقعية حكاها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا. فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلّ عَلَىَ رَاهِبٍ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا. فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لاَ. فَقَتَلَهُ. فَكَمّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ. فَقَالَ: إِنّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ. فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا. فَإِنّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللّهَ فَاعْبُدِ اللّهَ مَعَهُمْ. وَلاَ تَرْجِعْ إلى أَرْضِكَ فَإِنّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتّىَ إِذَا نَصَفَ الطّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ. فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ. فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إلى اللّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ: إِنّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَ. فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ. فَإِلَىَ أَيّتِهِمَا كَانَ أَدْنَىَ، فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَىَ إلى الأَرْضِ الّتِي أَرَادَ. فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرّحْمَةِ".
قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنّهُ لَمّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَىَ بِصَدْرِهِ" [متفق عليه].
وما دامت القيامة – أخي الكريم لم تقم فلي ولك ولكل الناس توبة، استمع معي إلى أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ" [مسلم].
ومن علامات الإيمان أن يرى المؤمن ذنبه عظيمًا، ولا يستهين به؛ فذلك مثل المنافق، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَرّ على أنفه، فقال به هكذا. قال أبو شهاب بيده فوق أنفه" [البخاري].
والله عز وجل يغفر كل الذنوب ما عدا الشرك به سبحانه؛ يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
واعلم يا أخي أنّ احتقار المرء لنفسه أحد مداخل الشيطان؛ لأنه يثبط همتك ويضعف عزيمتك عن أداء دورك الدعوي أو القيام بأي عمل صالح قد تؤجر عليه.(33/663)
واعلم أن ذنبك السابق من أقدار الله، وقَدَره جل شأنه واقع لا محالة، وأنت قد تبتَ منه وأقلعت عنه، فلا تستسلم له، وأبشرْ فذنبك مغفور وعرضك موفور، وعملك مقبول إن شاء الله تعالى.
واحذر - أخي – من وسوسة الشيطان ومداخله، بالمداومة على ذكر الله ليلاً ونهارًا، والإكثار من العمل الصالح، وإنفاق تيسر من الوقت والمال، والسعي في حوائج الناس، واشغل وقتك بالعمل النافع، ولا تدع سبيلاً للخير إلا سلكته، وعليك بالصحبة الصالحة.
وإياك من التقوقع أو الانعزال، فإنما "يأكل الشيطان القاصية"، فذلك يذهب عنك وسوسة الشيطان، ولن يجد إليك سبيلاً، ويخلو ذهنك للدعوة والعمل الصالح، وهنيئًا لك بالأجر الكبير؛ فمن "دلّ على خير فله مثل أجر فاعله".
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود، المحرر المسئول عن نطاق الأخلاق والتزكية بـ"إسلام أون لاين.نت":
أخي الحبيب،
جميل منك أن تتوب وترجع إلى الله، والأجمل أنك بدأت خطوات للأمام في طريق القيام بعدد من المشروعات الإيمانية، وقد سررت أن الأمر وصل بك لدرجة أنك قررت أن تعلو بهمتك فوق الذنوب والمعاصي، وأن تذكر الناس بربهم وتأخذ بأيديهم إلى خالقهم، أي أنك تحولت من تائب إلى داعية للتوبة فالله أكبر.
غير أني أحذرك أخي الكريم من كيد إبليس وتلبيسه، فإنه يفتش لك في دفاتر الماضي عن معصية تبت عنها، لثنيك بها عن المضي قدما في طريق التوبة، فلا تخضع له وقاومه بكل ما أوتيت من قوة، أما البكاء فإنه قد يكون في ذاته محمده إذا كان على الذنوب وعلى العمر الذي ضاع في المعصية شريطة ألا يجلد التائب نفسه، بل ليطو هذه الصفحة ولينطلق في طريق التوبة، ولا يلق للشيطان بالا فإنه يفتش في دفتر المعاصي، للعبد التائب والراجع إلى ربه عله يجد له معصية فعلها في زمن المعاصي فيذله ويخذيه بها.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك لنطمئن إليك.
ـــــــــــــــــــ
علاقة الإيمان بالزواج.. طردية أم عكسية؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أحييكم لما تبذلونه من مجهودات جبارة في الحقيقة، لإفادتنا من أمور ديننا الحنيف ما جهلناه، جزاكم الله خير الجزاء، وكتب لكم بكل حرف حسنة.. آمين.(33/664)
لدي سؤال عن كيفية زيادة إيماننا، والصبر على العبادات أكثر وأكثر، فأنا ولله الحمد أؤدي صلواتي في وقتها غالبا، ولكني كنت قبل الزواج (وأنا حديثة العهد به) أكثر عبادة لله تعالى، وأكثر تضرعا بالدعاء وكما تعلمون أن الله يحب دعاءنا له وتضرعنا له ويعطينا عليه الثواب وإن لم يستجب.
ولكني بعد الزواج تخاذلت كثيراً في أداء فروضي، ولم أعد أصلي النوافل كما كنت سابقا، خاصة بعد أن رزقني الله وحملت، حيث إنني الآن في منتصف حملي، ولا أصلي إلا الفروض والوتر فقط من النوافل. وأود سؤالكم عن مدى العقاب الذي أستحقه من الله حين أسمع أذان الفجر ولا أقوم له؟ حيث إنني بعد ساعة منه أصلي الصبح فقط، إذ إن الشمس تكون قد أشرقت، هل أقضيه أم ماذا يلومني؟ أنا أتمنى أن لو أستطيع النهوض له ولكني أكون متعبة فلا أقدر
وكذلك القرآن الكريم كنت أقرؤه باستمرار أما الآن فأنا أستمع إليه فقط في العمل هنا حيث لدي في الكمبيوتر تسجيلات وضعتها لعدة سور. حتى الدعاء لم أعد أجلس له كما كنت، حيث كنت أتضرع حتى يغلبني البكاء والندم على ما قد يفرط مني
أرجوكم أفيدوني كيف أزيد من طاعاتي وعباداتي حيث يكون بالي دائما مشغولا بما يجب أن أجهزه أو واجباتي في البيت بسبب ضيق الوقت، حيث يمضي معظمه في الدوام. عفواً للإطالة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
الأخت أم يامن،
أهلا وسهلا بك، ونسأل الله أن يهدينا وإياك سواء الصراط..
ونبارك لك حياتك الزوجية وحملك المبارك، ونسأله أن يتمه على خير وأن يكون نعم الخلف لنعم السلف، ونشكر لك حرصك على أمور دينك وعلى صلواتك، ونسأله سبحانه أن يرزقنا حسن التعرف عليه، وحسن عبادته وتقواه.
الأخت أم يامن من الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا". ولكن كيف يزداد هذا الإيمان؟
*يزداد الإيمان بالطاعات، وينقص بالمعاصي.
*يزداد بالتفكر والتأمل في خلق الله عز وجل وحسن تدبيره لهذا الكون الفسيح.
*يزداد بالتعرف على سير السلف الصالح –رضوان الله عليهم- وحالهم مع ربهم.
*يزداد بالتعرف على ما أعده الله لعباده المؤمنين من النعيم المقيم.
*يزداد بكثرة قراءة القرآن وتدبر معانيه، وكثرة ذكر الله بخشوع وتدبر في أسمائه الحسنى وصفاته العلا.(33/665)
أختاه ثم تسألين عن الصبر على الطاعات فأقول لك: إن الصبر أنواع؛ فهناك صبر على البلاء وصبر عن المعاصي وصبر على الطاعات، وأشدها الصبر على الطاعات؛ ذلك لأن الإنسان ربما يفعل الطاعة وهو لا يرى لها جزاء ملموسا في حياته؛ فاستمراره على ذلك وصبره عليه من أشد أنواع الصبر، وحتى يمكن تحقيق ذلك:
*انوي أنك تعبدين الله عز وجل لأنه المستحق للعبادة والشكر؛ فهو الذي خلقنا ورزقنا، ونعمه علينا أكثر من أن تعد وتحصى؛ أفلا يستحق ذلك العبادة والشكر؛ حتى إن لم نلاحظ أثر ذلك. فإذا وجدت في نفسك ميلا للتكاسل عن العبادة فتذكري نعم الله عليك.
*تعرفي على جزاء بعض العبادات في الآخرة، وقارني بين ما تقومين به من مجهود وما ينتظرك في الآخرة من نعيم مقيم.
*استعيني بالله عز وجل وادعيه أن يعينك على ذلك.
*استعيذي بالله من الشيطان الرجيم؛ فهو يحاول أن يصدك عن الله ويمنعك من العبادة.
أختاه، اعلمي أن حياتك الزوجية واستعدادك لاستقبال ولي العهد الجديد لها متطلبات والتزامات جديدة أنت مطالبة بها؛ وذلك يستدعي جهدا إضافيا منك؛ فحاولي أن توازني بين عباداتك وحياتك الأسرية؛ بحيث لا يطغى أي منهما على الآخر؛ فالله كما أمرنا بعبادته أمرنا بإعمار الأرض والسير فيها.
ويمكنك أن تتفقي مع زوجك على أن يعين بعضكما الآخر على العبادة وأن تتحاسبا فيما بينكما وتتنافسا في ذلك.
ثم تسألين عن صلاة الفجر وعدم استطاعتك القيام لها رغم سماعك الأذان؛ فهذا شيء جميل جدا أن تحرصي على ذلك وأن تسألي عن الحكم؛ فاعلمي يا أختاه أن الصلاة هي عماد الدين، وهي الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان مطلقا؛ في حال مرض أو صحة؛ فمن لم يستطع الصلاة قائما فليصل قاعدا وإن لم يستطع فمضجعا؛ فإن لم يستطع فراقدا حتى يمكنه إجراء حركات الصلاة على خاطره.. فماذا نفعل إذن؟
1-عليك أن تستعيني بالله وتحرصي أن تنامي على وضوء.
2-احرصي على النوم مبكرا حتى تستطيعي القيام.
3-خذي بالأسباب المعينة على القيام؛ مثل أن تستعيني بمنبه أو توصي أحدا أن يوقظك؛ فقد نعى الله على المنافقين أنهم لا يأخذون بالأسباب للخروج؛ فقال تعالى: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ".
4-إذا سمعت الأذان ودعتك نفسك للنوم فتذكري ما أعده الله لك من الأجر إن قمت. واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم.
5- يمكن أن تحددي تعزيرا لنفسك إن غلبتك ونمت.
6- إذا غلبتك نفسك ونمت فعليك أن تقضي الصلاة وقتما تستيقظين.
7-أكثري من صلاة النوافل؛ فإن الله يجبر من النافلة ما نقص من الفريضة.(33/666)
أما بالنسبة للقرآن فاجعلي له وقتا ووردا ثابتا يوميا ولو قليلا، ويمكنك أن تستغلي فترة الركوب في المواصلات في قراءة القرآن، واحرصي على الاستماع للقرآن كلما أمكنك ذلك. ويمكن أن تستغلي فترة وقوفك في المطبخ في الاستماع للقرآن.
وفقك الله وثبتك على طريق الحق. وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
أخشى أن ينقطع "الخيط" الذي يربطني بالله ! العنوان
غذاء الروح الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم،
أولا أنا سعيدة جدا أنى أخيرا سأشارك بسؤال في الموقع الرائع. لأنه دائما ما يكون مزدحما بالأسئلة، ولم أستطع أن أرسل أي سؤال.
مشكلتي بمنتهى السهولة، أني وسط في كل حاجة. فعلى الرغم من أنني لم أكن محجبة من قبل، إلا أن لبسي و سلوكي لم يكونا مبتذلين أبدا . وكذا الصلاة .. فأنا أصلي ولكن الصلاة المفروضة فقط، ومنذ عام تعرفت خلال دورة للكمبيوتر واللغة على بنات في منتهى التدين، وخرجت من هذه الفترة مهتمة جدا بديني و صلاتي.
ظللت أصلى وأحافظ على صلاتي وعلى السنن، بل وأنتظر بعد أداء الصلاة .. متى يأتي وقت الصلاة التالية، لكن شيئا فشيئا بدأ هذا الشعور يقل، حتى رجعت كما كنت. أنا أعرف جيدا أن الشيطان لن يتركني، وشأني، وأنه سيسعى ليجعلني أسوأ مما كنت.
مشكلتي الآن هي الصلاة، فأنا أصلي ولكن بدون إحساس، أتمنى أن أرجع اهتم بصلاتي مثل الأول. أنا الآن أعمل، وفي العمل استأذن لأؤدي الصلاة، وعندما أكون في الإجازة أصلي ولكن بصعوبة شديدة، لا أدري ما الذي يحدث ؟، أخشى أن أفقد الخيط الرفيع الذي يربطني بالله .
شكرا جزيلا على ما تبذلونه من جهد، وأسال الله أن يجزيكم خير الجزاء
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أختنا في الله
ونحن أيضا سعداء جدا باستشارتك، ونشكرك على ثقتنا فينا، ونعتذر إذ كانت هناك بعض العوائق التي قابلتك في البداية.
أختي لقد سعدت جدا باستشارتك؛ لأنها جعلتني أقف مع نفسي وأسألها: أين أنا من الإحساس بالصلاة؟ هل أؤدي الصلاة بخشوع وخضوع وتدبر، أم هي حركات جوفاء لا روح فيها؟ وكذلك مع كل العبادات هل قلوبنا خلت من الدنيا والتعلق بما فيها حتى تكون النتيجة كما يرهاه ابن القيم "يفتح له باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد(33/667)
يشبع منها، ويجد فيها من اللذة والراحة أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب، ونيل الشهوات. بحيث إنه إذا دخل في الصلاة ودَّ أن لا يخرج منها.
ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله؛ فلا يشبع منه، وإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد المحبة له" .
أختاه اسمحي لي أن أبدأ قراءة استشارتك من نهايتها، ثم بعد ذلك سأقف معك بعض الوقفات التي أراها ضرورية في بداية استشارتك، وإن لم تكن خاصة بالإحساس بالصلاة والخشوع فيها.
لب استشارتك أنك تشكين من عدم الإحساس بالصلاة، فتقولين: "مجرد إحساسي إن لسة بأصلي علشان أحس إن لسة فيه أمل، نفسي أرجع أهتم بصلاتي اهتمامي الأول"، وأقول لك يا أخيتي: إنني أغبطك على إحساسك هذا وعلى روحك هذه، واحمدي الله عز وجل أن هداك إلى التفكير في كيفية الإحساس بالصلاة، ولم يجعلك من الغافلين الذين يؤدون الصلاة حركات جوفاء لا روح فيها ولا إحساس وهم مع ذلك لم يقفوا مع أنفسهم وقفة ليحاسبوها على ذلك. انظري –يا أخيتي- أنت أفضل من آلاف بل من ملايين المسلمين المصلين الذين لا يعرفون داءهم ولا يسعون لعلاجه، وهاأنت قد شخصت داءك وهو عدم الإحساس بالصلاة، وتوصلت لسبب هذا الداء وهو الشيطان. إذن فالعلاج سهل إن شاء الله؛ فمعرفة الداء نصف الدواء.
ثم تزداد غبطتي لك حين تقولين "أنا دلوقتي باشتغل، ولو في شغلي باستأذن أول الأذان يؤذن، علشان أقوم أصلي" فكم من أناس ألهتهم أعمالهم عن الصلاة! بل إن منهم من يجمع صلوات اليوم كلها في وقت واحد، فينقرها نقر الديكة. ثم أغبطك أكثر وأكثر حينما تقولين "بس نفسي أبقى أحسن مش عايزة أفقد الخيط الرفيع اللي بيربطني بربنا، نفسي أقويه"، ما أروع هذه الروح الوثابة، وهذه العزيمة القوية، وهذا الاستعداد الصادق للتغيير.
إنك يا أختي حريصة على الخيط الذي يربطك بربك، ألم تعلمي أن ربك اللطيف بعباده الغني عنهم أحرص على هذا الخيط منك؟! ألم تسمعي قوله في الحديث القدسي: "إذا تقرب إلي العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة" [رواه البخاري].
أختاه إنك عرفت داءك، وسبب هذا الداء، وعندك استعداد وعزم صادق على التغيير؛ إذن فأبشري؛ فإنك قطعت 75% تقريبا من طريق العلاج، والـ25% الباقية ستكون سهلة بإذن الله.
في رحاب الصلاة:
ونحن في رحاب الحديث عن الصلاة أنقل لك قول إمام دعاة هذا العصر الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- إذ يقول: "إن الصلاة هي الركن الذي يتكرر كل يوم خمس مرات بخلاف بقية الأركان؛ فالزكاة لا تكون إلا كل عام، وكذلك الصيام، وحج الفريضة لا يكون إلا مرة واحدة في العمر. وتكرار الصلاة في اليوم خمس مرات؛ ذلك للتعبير عن دوام الولاء العبودي لله تبارك و تعالى: قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110].(33/668)
والصلاة حين تتكرر كل يوم فإنها تعطي المؤمن شحنة اليقين والإيمان، وتأخذه من دنياه للوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى خمس مرات في اليوم و الليلة. وهذه هي العبادة التي لا تسقط أبدا عن الإنسان؛ فهو يؤديها في حال الصحة، وحال المرض. فالمؤمن يستطيع أن يصلي واقفا، وأن يصلي جالسا، وأن يصلي راقدا، ولا مانع إذا اضطرته الظروف أن يجري مراسم الصلاة على قلبه.
وعندما يرتفع صوت المؤذن بقوله: ((الله أكبر)) فهذه دعوة للإقبال على الله تعالى، إقبال في ساعة معلومة، للوقوف بين يديه سبحانه واستحضار عظمته؛ فيعطينا سبحانه وتعالى المدد. يقول الله سبحانه و تعالى:{ وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238} والقنوت في الصلاة معناه: الخشوع والاطمئنان والمداومة".ا.هـ
وصايا هامة:
وأنت تريدين أن تحسي بصلاتك وتتذوقي حلاوتها وخشوعها، فإليك عشر وصايا لعلها تفيدك في ذلك:
( 1 ) عليك أن تتهيئي للصلاة وتستعدي لها: وذلك بعدة أمور؛ منها: الترديد مع المؤذن، والإتيان بالدعاء المشروع بعده "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته"، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله". "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين".
( 2) اطمئني في صلاتك: أي احرصي على إتمام ركوعها وسجودها وكل أركانها؛ فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. وقد روي عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قيل: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟، قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها" [رواه أحمد والحاكم].
(3) حاولي أن تتدبري الآيات المقروءة: فإذا كنت تصلين في جماعة فأنصتي لما يتلوه الإمام من آيات، وإذا كنت منفردة فأنصحك أن تبدئي بحفظ قصار السور من جزء "عم"، وبعد أن تحفظي السورة حاولي أن تتعرفي على معانيها من بعض التفاسير الميسرة، ثم بعد ذلك اقرئيها في صلاتك مع تدبر معانيها، ورددي الآية أكثر من مرة فذلك أدعى للتدبر. وتخيلي أن هذه الآيات نزلت لتخاطبك أنت لا أحد غيرك.
ويفضل أن تقطّعي قراءتك آية آية فذلك أدعى للفهم، وهو سنة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله عليه وسلم "بسم الله الرحمن الرحيم، وفي رواية: ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وفي رواية: ثم يقف، ثم يقول: ملك يوم الدين" يقطّع قراءته آيةً آية [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
(4) احرصي على ترتيل الآيات وتحسين صوتك بها: فهذا مما يعين على الخشوع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم؛ فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا" [أخرجه الحاكم].(33/669)
(5) استشعري وثقي أن الله يخاطبك ويعطيك سؤالك: وإليك حديثا عظيما جليلا، لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له خشوع بالغ، ولوجد لسورة الفاتحة أثرا عظيما. كيف لا وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" [صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة].
فينبغي إجلال هذه المخاطبة، وقدرها حق قدرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه" [مستدرك الحاكم].
(6) استعيذي بالله من الشيطان الرجيم: إذا أحسست به يحاول أن يفسد عليك صلاتك فاستعيذي بالله منه؛ فقد ورد أن أحد الصحابة قال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليّ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم: "ذاك شيطان يُقال له خنزب؛ فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا" قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. [رواه مسلم]. وإذا حدث وتغلب عليك مرة فلا تقطعي صلاتك ولا تتوقفي عنها، ولكن حاولي معه مرات ومرات؛ فإنه سييأس منك؛ لأن كيده ضعيف.
(7) تعرفي على حال السلف في صلاتهم: فهذا يزيد الخشوع ويدفع إلى الاقتداء بهم؛ فهذا سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: مالك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانةٍ، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها. وهناك الكثير من أحوالهم مما لا يتسع المقام لذكره هنا، ويمكن قراءة المزيد في كتاب "الخشوع في الصلاة" لابن رجب الحنبلي .
(8) تعرفي على مزايا الخشوع في الصلاة: فمعرفة مزايا الشيء تدفع إلى الاجتهاد في طلبه. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله" [رواه مسلم].
(9) تذكري الموت في الصلاة: فإن الإنسان إذا شعر أن هذه ربما تكون آخر صلاة له؛ فإنه سيحرص على الخشوع فيها. وقد قال – صلى الله عليه وسلم-: "اذكر الموت في صلاتك؛ فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها".
(10) وأخيرا أختاه إذا قمت للصلاة فاخلعي الدنيا من قلبك واتركيها وراء ظهرك، واجعلي وقت الصلاة خالصا للصلاة، ليس للدنيا فيه حظ ولا نصيب، ولتكوني مثل حاتم الأصم الذي سألوه: كيف تخشع في صلاتك؟ فقال: "أخشع في صلاتي بأن أقوم(33/670)
فأكبر وأتخيل أن الكعبة بين عيني، وأن الصراط تحت قدمي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار على شمالي، وأن ملك الموت ورائي، وأن رسول الله يتأمل صلاتي، وأظنها آخر صلاة لي؛ فأكبر الله تعظيما، وأقرأ بتدبر، وأركع بخضوع، وأسجد بخضوع، وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته، ثم أسلم وأقول: أتراها قبلت أم لا؟".
وقفة أخرى:
أختنا الفاضلة، هيا بنا نعيد قراءة استشارتك من بدايتها؛ لأن لي بعض الوقفات التي أسأل الله أن يتسع صدرك لتقبلها والعمل بها.
تبدئين توصيف مشكلتك فتقولين: "مشكلتي بمنتهى السهولة أني وسط في كل حاجة"، ثم تعرفين هذه الوسطية بأنك لم تكوني محجبة ولكن لم يكن لبسك أو سلوكك مبتذلا، ثم تقولين جملة لم أستطع فهمها جيدا وهي–بنصها- "بردة صلاتي مش مبصليش بس مش الصلاة المفروضة" وإن كنت أظن أنك تريدين أن تقولي: إنك كنت تصلين ولكن ليس كما ينبغي.
ولي على كلامك هذا ملاحظتان:
أولاهما: وهي في قولك: "مشكلتي بمنتهى السهولة أني وسط في كل حاجة"، فأقول لك: إن الوسطية لم تكن أبدا مشكلة؛ فالوسطية من الخصائص العامة للإسلام، وهي من المعالم الأساسية التي ميز الله بها أمته عن غيرها، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
أما الملاحظة الثانية فهي خاصة بفهمك للوسطية؛ فأنت ترين أنك ما دام سلوكك ولبسك غير مبتذل فأنت بذلك "وسط" حتى لو لم تكوني محجبة. ولكن - يا أُخيتي- الوسطية في الإسلام تكون فيما فوق خط الواجبات في الدين؛ فمثلا الوسطية في اللبس يجب أن تتصف بمواصفات معينة مثل ألا يشف ولا يصف وأن يغطي جميع البدن ما عدا الوجه والكفين –على خلاف في ذلك- ولكن أن ينزل عن هذا المستوى فهذا خروج عن المباحات.
وأسوق لك هنا قول المصطفى – صلى الله عليه وسلم- : "إن لكل عمل شِرّة (نشاطا) ولكل شِرّة فترة (فتور واسترخاء)؛ فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل" (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح). فلتحرصي أختي أن يكون فتورك واسترخاؤك إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وألا يكون لغير ذلك.
ومن خلال استشارتك بصفة عامة أوصيك أن تتعرفي على دينك جيدا؛ فأنت قد وفقك الله ووصلت لدرجة البكالوريوس في حياتك العلمية؛ أي أنك أصبحت صاحبة عقلية مثقفة مستعدة للتعرف على أحكام دينها وتطبيقها. فالله عز وجل قد أرسل إلينا الرسل ليوضحوا لنا كيف نؤمن به حق الإيمان وكيف نعبده حق العبادة. ورسل الله قد تعبوا ولاقوا الكثير من الشدائد والعقبات لتوصيل هذا الدين لنا.
وفي كل عصر من العصور هناك علماء ودعاة يأخذون بأيدي الناس إلى الله. ونحن قد منَّ الله علينا بأن أوجدنا في عصر المعلومات والإنترنت؛ فما أسهل أن يجد الإنسان المصدر الذي يتعرف من خلاله على ربه وأمور دينه. ولذلك فإن الحجة(33/671)
قائمة علينا ولا عذر لجاهل. وأنت قد بدأت هذا الطريق (طريق المعرفة) بإرسالك هذه الاستشارة التي نسأل الله أن تكون فاتحة خير وهداية.
أختي، إن نعم الله علينا أكثر من أن تحصى أو تعد؛ فهو الذي خلقنا ورزقنا ووهبنا العقل الذي نتميز به عن غيرنا من المخلوقات، ونتعرف به على الله، ولو نظرنا في أنفسنا لوجدنا الكثير من النعم التي تدل على قدرة الخالق جل وعلا؛ أفلا يستحق هذا الخالق أن نتعرف عليه ونعبده، وهذا لا يتأتى إلا بالمعرفة والتعلم؛ فأوصيك أن تتعلمي أمور دينك وتتعرفي عليها، وليكن ذلك في البداية تعلما أفقيا وليس رأسيا؛ أي أن تقرئي شيئا ولو مختصرا في كل فرع من فروع الدين، ولا تتعمقي في فرع واحد على حساب باقي الفروع. فاقرئي شيئا في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وشيئا في العبادات، وشيئا في الأخلاق والتزكية.. وهكذا.
وربما يفيد قي هذا المجال أن تقرئي الكتب التالية أو ما تيسر منها: كتاب "طوق النجاة" للأستاذ مجدي الهلالي، وكتاب "رسالة من غريق" للأستاذ مجدي الهلالي، وأنصحك أن تستمعي إلى أشرطة أ.عمرو خالد، وبرامج الإعجاز العلمي في القرآن للدكتور زغلول النجار. كما أنصحك أن تقرئي كتاب "منهاج المسلم" للشيخ أبو بكر الجزائري، و"فقه السنة" للأستاذ سيد سابق، و"خلق المسلم" للأستاذ محمد الغزالي، و"تبسيط العقائد" للشيخ حسن أيوب.
أختي في الله، نأتي إلى المرحلة الثانية من حياتك وهي النقلة التي منَّ الله بها عليك؛ فهيأ لك الصحبة الصالحة من خلال دورة اللغة والكمبيوتر "فتعرفت على بنات في منتهى التدين". وفي هذه الفترة أصبحتِ "واحدة تانية مهتمة جدا بديني وصلاتي، وبقيت أصلي كل السنن المفروضة (من خلال قراءتك في فقه الصلاة ستعرفين أن هناك فرقا بين السنة والفرض) وأستنى متى يجيء وقت الصلاة الجاية".
وهذا طبيعي فالصحبة الصالحة دائما معينة على طاعة الله عز وجل، وهؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتنادون فيما بينهم "هيا بنا نؤمن ساعة"، وأنت قد شخّصت موطن دائك فقلت: "أنا كنت عارفة إن الشيطان مش هيسبني، وإنه لازم هيخليني أسوء"، وهذا موطن الداء؛ فإن الفرد إذا كان وحده فإنه يسهل على الشيطان إغواءه وإضلاله، عكس ما إذا كان في صحبة صالحة؛ فإن الشيطان لا يستطيع أن يغويه ويؤثر فيه.
وقد قرب لنا حبيبنا المعصوم صلى الله عليه وسلم ذلك في صورة واقعية ملموسة، فقال: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية"؛ فتخيلي أن هناك قطيعا من الأغنام شردت منه غنمة واحدة، وجاء الذئب؛ فماذا يأكل؟ هل يأكل من القطيع أم يأكل الغنمة الشاردة القاصية الوحيدة؟ بالطبع سيأكل الغنمة الوحيدة لأنها ستكون سهلة عليه ولن تجد من يعينها على المقاومة.
فكذلك المسلم يستطيع مقاومة الشيطان إذا وجد من يعينه على ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة" [رواه الترمذي]. وبعد فشل الشيطان معه أكثر من مرة فإنه يتركه ويهرب منه ويصير الإيمان والالتزام طبعا لهذا المسلم.(33/672)
واعلمي أن الشيطان ضعيف يسهل التغلب عليه ومقاومته؛ فقد قال الله تعالى الذي خلق الشيطان وهو أعلم به منا {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]. وأنه ليس له سلطان على بني آدم يجبرهم به على فعل المعاصي، ولكن دوره لا يتعدى أنه يدعوهم ويلح في دعائه إلى المعصية، حتى يأتي يوم القيامة ويقف على منبر من نار في جهنم، ويتبرأ ممن اتبعه كما أخبر الله عز وجل: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]. وقد أنزل الله عز وجل سورتي الفلق والناس لنتعوذ بهما من الشيطان الرجيم، وشرع لنا عند استفتاح قراءة القرآن الكريم أن نقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
فأنصحك حتى تعودي إلى مستواك الذي كنت عليه من الاهتمام بدينك وصلاتك أن تكثري من الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وأن تكثري من قراءة القرآن، وخاصة سورتي الفلق والناس.
كما أنصحك أن تتعرفي على مجموعة من الأخوات اللائي ترين فيهن الصلاح والتقوى، حتى يساعدنك على الرجوع إلى ما كنت عليه. فإن استطعت أن تعودي لصاحباتك اللائي تعرفت عليهن في الدورة فبها ونعمت، وإن لم تستطيعي فابحثي عن مجموعة أخرى في المنطقة التي تعيشين فيها ولن تعدمي مجموعة ملتزمة من الأخوات.
واحرصي على الارتباط بهن والتقرب منهن، وليكن بينكن لقاء كل يوم أو كل أسبوع تتناقشن فيه بعض أمور الدين، وتتواصين فيه بالمعروف، وتتنافسن في الطاعات. فيمكن أن يكون لكل واحدة منكن ورد محاسبة، مكتوب فيه الصلوات الخمس والتوافل وقراءة القرآن، تحرص كل واحدة أن تنظر فيه في آخر اليوم؛ فترى ماذا فعلت فتضع علامة "صح" أمام العبادة التي أديتها، وعلامة "خطأ" أمام العبادة التي قصرت فيها، ثم تجلس آخر الأسبوع لتتعرف على نقاط قوتها فتستفيد منها ونقاط ضعفها فتعالجها.
أختاه سعدت جدا باستشاراتك، وأسأل الله أن يهدينا إلى سواء الصراط. إنه نعم المولى ونعم النصير.
ـــــــــــــــــــ
أريد التوبة من القنوات الخليعة العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا متزوج ومتدين، أصلي وأصوم وأتصدق ولم أشرب في حياتي منكرًا ولم أرتكب بنفسي أي فاحشة، وأدعو أصدقائي إلى عمل الخير دائمًا، وأنا معروف في وسطي بأنني شخص نزيه ومتدين، وأطبق العدالة في عملي.
ولكنني غير راضٍ عن نفسي، وأحسب نفسي جملة من المتناقضات، ففوق كل هذا أحيانًا أتابع القنوات الخليعة، وأعرف أن ذلك خطأ كبير (كل 3 أشهر مرة واحدة تقريبًا)، ثم أتوب من هذا الإثم، وبعد ذلك أرجع وأشاهد هذه المنكرات.(33/673)
أرجو منكم أن توضحوا لي الأسباب التي تدفعني لارتكاب هذا المنكر، وأن تقدموا لي الحل المناسب، الذي يساعدني في التخلص من هذه المشكلة .
و جزاكم الله خيراً و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخ الفاضل :
من الإيمان أن يستنفر الإنسان قواه، وأن يكون في حالة من القلق والاضطراب، حين يجد نفسه عاصيًا، خشية وخوفًا من الله تعالى، متمثلاً قوله تعالى: " إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"، وأن يستشعر المسلم أن ذنبه كالجبل يكاد ينطبق عليه، فيودي بحياته، وأن من شؤم المعصية أن تكدر عليه صفوه، وتنغص عليه معيشته، وأن يدرك أثر وخطورة المعصية على نفسه، وأنها تأكل من دينه كما تأكل النار الحطب.
ومثل هذا الشعور هو بداية التوبة الصادقة، أو أنه خطوة صحيحة على طريق التوبة والعودة إلى الله تعالى، ولكن هذا الخطوة لن تكون مجدية إذا لم تتجاوز هذا الشعور النفسي إلى واقع ملموس له أثره في الحياة، وألا تكون فكرة كملايين الأفكار حبيسة الأذهان والنفوس، وربما حبيسة الأدراج، لا خير فيها دون عمل.
وذلك أن القرآن الكريم علمنا دائمًا الربط بين التفكير سواء أكان إيمانًا أو عقيدة وبين الترجمة العملية لهذا التفكير، وأن ينقلب من مرحلة التفكير إلى مرحلة السلوك المعاش.
كما أنه من الجيد أن يشخص الإنسان حالته، وأن يعرف ما يقوم به من خير، وما يصيب من شر، فإن من الظلم للنفس اتهامها على طول الخط، بل لا بد من وضع المشكلة في حجمها الحقيقي حتى نعرف علاجها، وربما أذنب الرجل ذنبًا قليلاً، فيأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: "هل صليت معنا؟"، فيقول الرجل: نعم. فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه كفارة ذنبه.
هذا يعني أن الذنب أشبه بالمرض، بل هو هو، وحسب المرض يكون العلاج، فإن مرضًا غير مستعصٍ، تداوى صاحبه منه بدواء يناسب حجمه، وإن كان مرضًا مستفحلاً، كان له من الدواء ما يناسب عظم قدره.
ومن الفطنة أن يشعر المرء حقيقة ذنبه الذي يرتكبه كأي سلوك بشري، ما الذي دفعه إليه؟، ولماذا يعود إليه؟، وما مكانته من نفسه؟، وهل هو من نفسه أم من الشيطان؟، وما درجة تعلق نفسه به؟، وما العوامل التي ساعدت على بقائه في نفسه؟، وما أفضل طرق العلاج التي توائم نفسه، حتى ولو كان فيها بعض الألم؟
أخي الكريم :
هذه الأسئلة يجب أن تجيب عنها بنفسك، فأنت أدرى الناس بنفسك، ولكننا نسعى لتوجيهك، كي تساعد نفسك في التخلص من هذا الذنب.(33/674)
أما عن طبيعة الذنب، وهو مشاهدة القنوات الخليعة، فهو مرض قد استشرى في عالمنا بعد ثورة الاتصالات التي قذفت لنا كثيرًا من الخير، وأكثر من الشر، ومنها الثورة الجنسية بأشكالها المتعددة.
وخلاصة منهج الإسلام في التعامل مع الجنس هو اتساع مساحة الاستمتاع بالجنس بشرط أن يكون حلالاً، بل سعى لحماية المسلم من أن يقع في الحرام، ومن ذلك غض البصر الذي دعا الله تعالى إليه، حين قال: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"، وفي غض البصر أمور:
الأول: أن غض البصر ليس محصورًا على أن ينظر الرجل إلى المرأة أو تنظر المرأة إلى الرجل؛ لأن النظرة قد تكون مباحة إن كانت للحاجة، أو لم يقصد بها شر، أو تدعو إليه، فتجوز النظرة للتداوي وللبيع والشراء وللخطبة وغير ذلك، ولكن النظرة تحرم للاطلاع على العورات الحية أو غير الحية، فيحرم النظر إلى العورات في المجلات ومواقع الإنترنت والفضائيات، ولأنها إن لم تكن حقيقة ملموسة أمام الرجل، لكن لها أثرها الكبير على نفسه، مما قد يدفعه إلى ما حرم الله تعالى، وقد حرم الله تعالى ما يدعو إلى الزنى قبل تحريم الزنى ذاته، قال تعالى: " وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ".
الثاني: أن القرآن ربط بين البصر والوقوع في الفاحشة، "يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" "يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"؛ لأن النظرة هي أقرب وسيلة للقلب، وهي المحرك الرئيس لارتكاب الفواحش.
وقد ذكرت في بياناتك أنك متزوج، فما طبيعة العلاقة بينك وبين زوجتك؟، فإن كان ما تصنعه من المشاهدة انبهارًا ببنات الفضائيات فهذا وهم لا فائدة منه، فالمرأة هي المرأة، ولو أن إحدى بنات الفضائيات تزوجت، لكان شكلها مختلفًا، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إن أعجبه شيء من امرأة أخرى، فليسكن شهوته مع زوجته، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى من امرأة ما يعجبه، فليأت أهله، فإن فيها مثل الذي فيها".
فلتكن نظرتك واقعية فيما يخص النساء، واهتم بالعلاقة الجنسية بينك وبين أهلك، واقرأ في الثقافة الجنسية بما يشبع رغبتك وشهوتك مع زوجتك، ويجعل حياتكما سعيدة، فلأنتهتم بثقافتك الجنسية وتزيد معلوماتك فيها لتستمتع من زوجك خير من هذا الحرام الذي لا خير فيه، كما لا تنسَ أن زوجتك إن رأتك تشاهد مثل هذه الفضائيات فإنها ستفعل مثلك، وربما جر هذا إلى ارتكابها الحرام، فأغث سفينتك، وأحكم قيادها بتقوى الله عز وجل.
وهناك بعض الإرشادات الهامة التي يمكن الاستعانة بها في هذا الأمر، من أهمها:
- الترويح الدائم عن النفس بما هو مباح، من الرحلات والخروج إلى الطبيعة والتأمل في خلق الله تعالى، وخاصة السماء، والنظر إلى الخضرة وكل ما يريح النفس.
أن تنظر من العبادات ما هو أحب إليك، وأقرب إلى نفسك، فخير العمل ما وافق الشرع والهوى.(33/675)
- أن تستمتع بالمشاهدات المباحة، فليس كل الفضائيات شر، بل فيها خير وشر، وعلى المسلم أن ينتقي، على أن يكون حذرًا، وأن يكون عالمًا بنفسه، فإن رأى نفسه تغلبه، فليستغن عن هذه المشاهدات، وله في الوسائل الأخرى بديل عنها.
أن يشغل الإنسان نفسه بالنافع لنفسه ولغيره، وأن يملأ وقته بعمل الصالحات، فكما جاء في الحديث: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ".
- أن يعوّد نفسه على تقوى الله وتعالى ومراقبته، فهي العلاج الناجع، والدواء النافع.
- أن يدرك الإنسان أن فعله مجرد مشاهدة فحسب، وأنه قتل وقت في معصية الله تعالى، ونفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
- أن يعرف المرء ما الذي دفعه، فربما كان هناك سبب خفي، فليسعَ إلى علاجه، فربما كان في علاجه خير وسيلة للامتناع عن هذا الحرام.
- أن يكثر من الدعاء إلى الله تعالى أن يتوب عليه، وأن يلزم قلبه خشيته وتقواه، وأن يحسن عمله، وأن يجعله من الصالحين المصلحين.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أرقبه وقت الصلاة لاختلاس النظرة إليه!! العنوان
الأخلاق الموضوع
منذ أربع سنوات أحببت شابا يسكن بجوارنا، وهو شاب على خلق ودين وملتزم فأعجبت بصفاته وأخلاقه، خصوصا وإني أراه يصلي في المسجد وهذا ما جعلني أحبه أكثر.
وأنا دائما أدعو الله في جوف الليل أن يجعله من نصيبي، وإن لم يكن من نصيبي أرجو من الله أن يصرف قلبي عنه، ومع ثقتي بالله وتوكلي عليه إلا أن هناك مشكلة تخيفني من غضب الله علي وهي أني أنتظر ذلك الشاب في أوقات الصلاة لأراه وهو ذاهب للصلاة خلسة دون أن يراني، حيث إنني أرتاح بمجرد رؤيته ذاهبا إلى الصلاة، وأنا والله الذي لا يراني غيره لا أمعن النظر ولكنني خائفة جدا من أن يغضب ذلك الله علي، وأريد أن أعرف هل حبي لهذا الشاب وتفكيري فيه وانتظاري له في أوقات الصلاة حرام وأن ذلك يغضب الله عليّ؟ فأنا أحب الله جدا وأخاف أن يغضب عليّ.
وهذا ما دفعني لمراسلتكم بعد تفكير طويل لثقتي بكم فأرجو منك ألا تستهتر بها أو تهملها فأنا أنتظر الإجابة بفارغ الصبر.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم، وشبكة "إسلام أون لاين":
الأخت الفاضلة :
حفظ الله تعالى لك إيمانك، ويسر أمر زواجك بالزوج الصالح .(33/676)
أما بخصوص علاقتك بهذا الشاب، فإن الإعجاب وحده لا يحاسب عليه الإنسان، ولكن يجب ألا يتعدى هذا إلى ممارسات خاطئة، وألا يتملك هذا الإعجاب كل قلبك، فيشغلك عن كثير من الواجبات، وعلى رأسها حب الله وطاعته، يعني أن تكون العلاقة مجرد إعجاب فحسب، ولكنها– كما أشرت في رسالتك– تعدت هذا إلى الاستمتاع بالنظر إليه غاديا ورائحا إلى المسجد، مما يجعله يتمكن من قلبك بشكل مباشر، بكسبك أنت، وليس من القدر، وهذا يترتب عليه أن يعلق هذا الشخص في حياتك بشكل كبير جدا، بل ويجعلك لا تنظرين غيره، ولو كان أفضل منه، وهذا – في حسبي– مكمن الخطر.
وما أنصحك به :
الامتناع عما تفعلين، وأن تترك القدر يقضي في أمركما ما شاء الله تعالى أن يكون، وأقصد هنا بالمقابلات أو النظر إليه وما شابه هذا .
أما بخصوص الارتباط، فيمكن لك أن تخبري إحدى زميلاتك أو معارفك من أقاربه، وأن تخبره هي بذلك، حتى يتخذ خطوات إيجابية في موضوع الارتباط إن كانت له نية بالارتباط بك، وإن وجد نفس الإعجاب عنده، وهذا ما فعلته السيدة خديجة– رضي الله عنها- ، فإنها لما أعجبت بالنبي صلى الله عليه وسلم، كلمت إحدى النساء، وذهبت هذه المرأة إليه– صلى الله عليه وسلم– وأخبرته بإعجاب خديجة به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعجب بالسيدة الفاضلة خديجة– رضي الله عنها-، فكلم عمه ليخطبها من وليها، إذ كان والده متوفيا كما هو معلوم، وذهب أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا يد خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقة تجعل المرأة مطلوبة، مصونة الجانب، وفي ذات الوقت هي التي بدأت، وأبدت رغبتها.
فإن لم يتخذ الشاب خطوات عملية، فليس من الحكمة أن نضع في قلوبنا من لا نعرف، حتى ولو بالعلامات– أنه قد يكون شريكا لنا في الحياة.
وسيري في أمرك بين العاطفة المنضبطة، والتي تدفعك للكلام عنه، وبين العقل والحكمة والشرع، فهذا خير لك، واعلمي أن كل ما قدره الله تعالى لك خير، فإن كان الخير في الزواج منه، فثقي أن الله تعالى سيقدره لك، وإن كان في ذلك شر، فإن الله تعالى سيصرفه عنه، فإنه سبحانه، ما يحرم عباده من خير لهم، وما يصرف عنهم إلا شرا، ولو رأوه خيرا.
وأكثري من الدعاء أن يقدر الله تعالى لك الخير، أيا كان الخير، سواء أكان ما تحبينه، أو ما تكرهينه .
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار المحرر المسئول عن نطاق الدعوة بشبكة "إسلام أون لاين":
أختي الكريمة شمس؛
أسعدتني والله رسالتك وأثلجت صدري، ووجدتني أبتسم وأنا أتنقل بين سطورها، وقد نبعت سعادتي هذه من أني ازددت يقينا أنه ما زال في شباب هذه الأمة بقية من خير وبقية من إيمان، فأسأله سبحانه أن يثبتك على الإيمان والهدى والخير، وأن يديم عليك نعمة المراقبة والمحاسبة، وبعد..(33/677)
فلا شك أن رغبتك هذه في الارتباط بهذا الشاب الذي تظهر عليه علامات الصلاح هي رغبة طيبة، أسأل الله عز وجل أن يحققها لك ما دامت نيتك خالصة لوجهه تعالى.
وأسأله سبحانه أن يوفقكما لبناء بيت صالح يكون لبنة طيبة في صرح المجتمع المسلم إن شاء الله.
ولكن أختي الكريمة أذكرك ببعض الأمور الهامة التي أرجو أن تراعيها حتى تصلي بهذه الرغبة إلى بر الأمان إن شاء الله دون أن يجرح إيمانك ودينك أو شخصك شيء، وقبل أن أذكر لك هذه النقاط أحب أن أنوه إلى أنك لم تذكري لنا سنك ولا ظروفك، ولا سن هذا الشاب ولا ظروفه، لذا يجب أولا أن تنظري هل هذه الظروف مهيأة للارتباط بينكما الآن أو حتى بعد وقت قصير، أم أنه ما زال الوقت أمامكما طويلا للتفكير في هذه الأمور ؟
على أية حال إن كانت الظروف والأعمار مناسبة ومهيأة، فافعلي الآتي:
- صارحي والدتك أو أختك الكبرى أو ولي أمرك بهذه الرغبة، وإذا منعك الحياء فكلفي من تثقين به بأن يعلم ولي أمرك بهذا.
- على ولي أمرك بعد هذا أن يستوثق من سلوك هذا الشاب وخلقه، فليست الصلاة في المسجد وحدها علامة على كمال تدين الإنسان واستقامة خلقه، وقد رأينا للأسف أناسا ظاهرها الصلاح تغشى المساجد ولا تفوتها جماعة، إلا أنك إذا تعاملت معهم وتكشفت أخلاقهم مع ذويهم وجيرانهم والناس، وجدت ما يندى له الجبين.
- إذا تم الاستيثاق من خلق هذا الشاب وتدينه وقدرته على الزواج، لا مانع من أن يحدثه ولي أمرك أو يرسل إليه حكيما يحدثه في أمر الزواج منك، وليس في هذا ما يسيء إليك، أو ينقص من قدرك، وكذلك فعلت السيدة خديجة رضي الله عنها لما رأت في النبي صلى الله عليه وسلم أمارات الصلاح.
- داومي على دعائك هذا الذي تدعين به في جوف الليل، فهو دعاء طيب، كذلك قومي بصلاة الاستخارة، ليختار الله لك الخير.
- بالنسبة لنظرك له في الرواح والمجيء إلى المسجد فأنصحك أن تمتنعي عن هذا الأمر الآن حتى تتم الخطبة، فأنت قد رأيته أكثر من مرة، وعلمت شكله وأوصافه، فلا داعي لتكرار النظر احتياطا من الوقوع فيما يغضب الله عز وجل، ولتتجنبي ذلك قومي بالوضوء والصلاة في هذا الوقت، فهذا أولى من أن ترقبيه وهو خارج للصلاة.
ولعل الله عز وجل يقدر عدم ارتباطكما، فيكون من اليسير وقتها نسيانه وإخراجه من قلبك.
أما إن لم تكن الظروف ولا الأعمار مناسبة ولا مهيأة، فأنصحك أختي أن تلتفت للمهام الحياتية والواجبات المرحلية التي عليك، من مذاكرة وتفوق، وكذلك أرجو أن يفعل هو، وتنحية التفكير في موضوع الارتباط هذا جانبا حتى يأتي وقته، بحيث لا يؤثر على الأهم.(33/678)
أسأل الله عز وجل أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وتسعد به أيامك في الدنيا، ويكون رفيقك في جنات الخلد في الآخرة إن شاء الله، وأرجو أن تتابعينا بأخبارك، وأسألك الدعاء.
ـــــــــــــــــــ
أحسن إلى والدي ويسيء إلي !! العنوان
السلوكيات الموضوع
أعاني من معاملة والدي السيئة لي، بالرغم من أنني أعامله معاملة طيبة، ومهما أعامله بالحسنى يقابل ذلك بالإساءة، وأنا أحبه حبا شديدا، وأمي تعاملني معاملة طيبة، وكثير من الناس يشهدون لي بالأخلاق الطيبة، ولا أدري لما يعاملني والدي بهذا الشكل ويقسو علي، حياتي أصبحت مرارا بسبب ذلك ولا أدري ما أفعل؟ وأخاف ألا أحتمل هذه المعاملة وأقسو عليه بالمثل.
فهل يجازيني ربي علي صبري؟ وكيف أتملك نفسي وأتحمل عقابا علي خطأ لم أرتكبه؟ لا أدري ماذا أفعل؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة مني عبد الهادي، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله الغفور التواب الذي خضعت لعظمته الرقاب، وجلت لجبروته الشدائد الصلاب، اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام وعلمتنا الحكمة والقرآن وأنزلت علينا خير كتبك وأرسلت إلينا خير رسلك وجعلتنا خير أمة أخرجت للناس، أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه إلى يوم الدين.. وبعد
السائل الكريم .. شكر الله حرصك على بر والديك، ووصل رحمك، وسؤالك عن تعاليم الدين الحنيف ، كما نسأل الله عز وجل اللطيف المنان، الواسع الفضل، ذو الجلال والإكرام أن ييسر لك الخير وأن يرزقك حب ورضي الوالدين، اللهم أمين.
لقد وصانا ربنا عز وجل ببر الوالدين في أكثر من موضع في كتابه العزيز، حيث قال: ]وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [(العنكبوت: 8)، وقال أيضاً: ] وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[ (الإسراء: 23-24).
كما وصى النبي (صلى الله عليه وسلم) ببر الوالدين والجهاد بخدمتهما والقيام على حاجاتهم في أحاديث كثيرة ، فعن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أي العمل أحب إلى اللَّه؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل اللَّه"، (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).(33/679)
وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : أقبل رجل إلى نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من اللَّه تعالى، فقال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: "نعم بل كلاهما"، قال:" فتبتغي الأجر من اللَّه تعالى؟ “ قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما"، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهذا لفظ مسلم).
والآن – أخي الكريم – دعنا نعرض لحل مشكلتك من خلال النقاط التالية:
أولاً: حاول أن تجلس مع والدك وتفتح له قلبك، سل والدك عن سبب غضبه، قد يكون هناك أمر ما قد أغضبه منك وأنت لا تدري، قل له بحنو وأدب: "يا والدي ماذا أغضبك مني؟! يا أبي لم أعد أعرف للدنيا طعم ، ولا للعيش لذة، ولا للحياة معنى بسبب غضبك علي ، يا أبي كيف أقر عيناً وأهنأ عيشاً بدون رضاك؟ يا أبي إني جئتك طمعاً في رضاك و وعفوك عني إن كنت أسأت، يا أبي إنني أخاف أن ألقى ربي وأنت عني غير راض ، فرضاك من رضي الرب وسخطك من سخطه عز وجل، أنا ومالي ملك لك، فلا تحرمني رضاك، ولا تردني بغير أن تسعدني بنيل حبك وعطفك".
حاول أن يكون هذا اللقاء بينك وبينه فقط ، حتى تصفيا ما بينكما بشفافية وبدون تأثير خارجي ، ويمكن أن تحمل له هدية، أخبره بأنك تحبه حباً شديداً، وكن لين القول، متواضعاً بين يديه، عسي أن يتحرك قلبه الأبوي لحالك ويتأثر بموقفك ويتلاشى غضبه ويمتلئ قلبه بحبك والعطف عليك.
ثانياً: إن لم تستطع أن تنفرد بوالدك أو لم توفق في الإصلاح بينه وبينك فالجأ إلى أحب الناس إليه سواء كانت والدتك أو صديق حميم صالح أو أحد الأقارب، أطلع من ترسل إلى والدك بالأمر عساه أن يوفق في حل المشكلة ويتعرف على سبب غضب أبيك منك، وأحرص على أن ترسل لوالدك بأرق الكلمات وألين العبارات، فإذا وقف من أرسلت على جذور المشكلة فلا تتردد في السعي لحلها مهما كلفك ذلك من جهد ومال..
ثالثاً: إن استمر والدك في موقفه منك فقابل إساءته بالإحسان وقسوته بالعطف وشدته باللين، واضعاً نصب عينك قوله تعالى: ]وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[ (فصلت: 34)، فأدفع السيئة بالحسنة، فلو كان أبوك في حاجة للمال فأعطه، وإن كان في حاجة للعون فكن دائماً بجانبه، عسى الله عز وجل أن يغير حاله، ويشرح صدره لك، ويبدل إساءته وقسوته إحساناً وعطفاً، فتسيرا بفضل الله وكرمه في أحسن حال ويصبح لك "وَلِيٌّ حَمِيمٌ"
يقول صاحب الظلال في تفسير الآية السابقة: وليس له أن يرد بالسيئة فإن الحسنة لا يستوي أثرها كما لا تستوي قيمتها مع السيئة والصبر والتسامح والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر يرد النفوس الجامحة إلى الهدوء والثقة ؛ فتنقلب من الخصومة إلى الولاء ومن الجماح إلى اللين ، "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، وتصدق هذه القاعدة في الغالبية من الحالات وينقلب الهياج إلى وداعة والغضب إلى سكينة والتبجح إلى حياء، على كلمة طيبة ونبرة هادئة وبسمة حانية في وجه هائج غاضب..(33/680)
وهنا نتذكر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص)، ونتذكر أيضاً ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك". (رواه مسلم).
رابعاً: اجعل شعارك دائما ]وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا[ (لقمان: 15)، فبعد كل تلك المحاولات للإصلاح بينك وبين والدك لا تنسى أن عليك أن تستمر في البر به والإحسان إليه والدعاء له، ] وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[ (الإسراء: 24)، ولا تجعل حال أبيك معك يؤثر على برك به، فمهما فعل أبوك فلن يصل لذنب الإشراك بالله ، ذاك الذنب العظيم والجرم الجسيم لم يمنع بر الوالدين ووصلهما.
فها هي أسماء بنت أبي بكر الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْها تقول : قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فاستفتيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: "نعم صلي أمك"، (متفق عليه).
ووالدك والحمد لله مسلم وموحد بالله عز وجل، لا تنساه في صالح دعائك ، سل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكما، فهو وحده سبحانه القادر على ذلك، ]لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (الأنفال: 63)، فلذ إلى الله بالدعاء، لأنه سلاح المؤمن وسهام القدر، تهجد لله وقم وقت السحر والناس نيام ، حين ينادي الله عز وجل على عباده ليسألوا حاجتهم، تضرع إلى الله بالدعاء أن يصلح حالكما وأن يؤلف بين قلوبكما وأن يشرح صدوركما..
وهنا نذكر حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه"، (رَوَاهُ مُسْلِم)، فأنت مدين لوالدك بالبر والإحسان، فلا تستكثر ما تفعله معه من خير وبر، فما هذا إلا قطرة في بحر فضله وتربيته لك..
خامساً: بعد أن تستفرغ ما في وسعك من جهد فارض بقضاء الله لك - سواء تغير حال والدك أم لم يتغير- فالله تعالي هو الذي يلقي محبة عبادة في قلوب من يشاء منهم، ألم تقرأ قول ربك عز وجل مخاطبا نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ]وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي [ (طه: 39).
ويقول الشوكاني في "فتح القدير": "ألقى الله على موسى محبة كائنة منه تعالى في قلوب عباده لا يراه أحد إلا أحبه، وقيل جعل عليه مسحة من جمال لا يراه أحد من الناس إلا أحبه"، ويقول السعدي في تفسيره لهذه الآية: "فكل من رآه أحبه".
فقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف تشاء، فلا تحمل نفسك مالا تطيق ولا تذهب نفسك حسرات على حال والدك معك طالما أنك تؤدي ما عليك تجاهه وتتق الله فيه ، فلا تلازم بين تقواك لله ومحبة والدك لك ، وخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فقد عاده وخاصمه أقرب الناس إليه ، غير أن ذلك لم يغير قلبه(33/681)
الرحيم الرءوف فكان يدعو الله لهم بالهداية ويوم الفتح أعلن صفحاً عن كل من أذاه فقال: "أذهبوا فأنتم الطلقاء"..
السائل الكريم: نسأل الله عز وجل أن يوفقك لما يحب ويرضى ونتمنى أن نسمع منك قريبا أخباراً سارة عن حال والدك معك..
ـــــــــــــــــــ
إلى كارهي الإنجاب: الولد الصالح هدية الله العنوان
أمراض القلوب, العقيدة الموضوع
هل هناك من كلمة لزوجة تحمل دون رغبتها أو رغبة زوجها، وفي كل يوم تدعو على هذا الحمل وتكرهه كرهًا شديداً وتسبه وتشتمه بكلمات مثل: " الله يحرقه، الله يلعنه "؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
تقول الأخت منى عبد الهادي هاشم – واعظة بالأزهر الشريف، وعضو فريق استشارات إيمانية:
السائل الكريم: شكر الله لك حرصك واهتمامك بأمور الأخت المسلمة المشار إليها في سؤالك الكريم، فهذا سمت المؤمن الكامل الإيمان الذي يهتم بأمور إخوانه من المسلمين والمسلمات.
وبخصوص المشكلة الواردة بالسؤال فلعله من الملائم أن نتعامل معها من خلال النقاط التالية حتى نحيط بجميع جوانبها:
1. الرضا والتسليم بأمر الله وقضائه
2. كراهية الزوجة للحمل والدعاء عليه
3. نصيحة من القلب
أولا: الرضا والتسليم بأمر الله وقضائه:
على الأخت الفاضلة وزوجها الكريم أن يعلما أن كل شيء في هذا الكون مقدر بأمر الله سبحانه وتعالى فهو الخالق المقدر القادر الكبير المتعال، قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر ٍ} (القمر: 49).
فكل ما يحدث للإنسان من خير أو شر إنما هو بقدر الله عز وجل. فهذا الحمل مقدر بأمر الله سبحانه وتعالى وعلى المسلم أن يؤمن بقدر الله وقضائه حتى يستكمل أركان الإيمان.
قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب:36). وفي الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سأل(33/682)
جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره" (رواه مسلم).
إذن على الزوجين أن يعلما أن هذا الحمل هو قدر الله عز وجل، وليس لهما إلا التسليم والرضا بقضاء الله وقدره. والرضا بقضاء الله هو مفتاح السعادة والفوز في الدنيا والآخرة. وقدر الله عز وجل لا يرده مخلوق فالله هو القاهر فوق عباده وهو الغفور الرحيم: {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}(الرعد : 8-9).
ثانيا: كراهية الزوجة للحمل والدعاء عليه:
هنا أود أن أهمس في أذن أختي الكريمة متسائلة عن سبب كرهها لهذا الحمل ودعائها عليه. هل ذلك للخوف من ضيق الرزق؟ فالله تعالى قد تكفل بالأرزاق وجعل الأولاد سبباً في توسعة الأرزاق وتأملي معي قول الحق عز وجل: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا} (الإسراء : 31).
فلو تدبرنا هذه الآية الكريمة لرأينا أن الله عز وجل بعد ما نهى عن قتل الأولاد خشية الفقر وضيق العيش ذكر أنه عز وجل تكفل برزق هؤلاء الأولاد. وقدم ذكر رزق الأولاد على رزق الآباء؛ مما يوحي بأن الآباء قد يرزقوا بسبب أولادهم. فهل يعقل أن يكره الآباء من هم سبب في توسعة رزقهم؟!
والحمل في حد ذاته رزق وهبة من الله عز وجل، والمسلم يجب عليه أن يشكر الله على هبته ونعمائه. فتدبري معي قول الحق عز وجل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}(الشورى : 49-50).
فالأولاد والذرية رزق وهبة من الله عز وجل. وكم من أناس حرموا نعمة الأولاد ونراهم يعانون معانة عظيمة، ويذهبون للأطباء سعيا وطلبا للحمل؟! فهل شكرنا الله على نعمائه حتى يبارك لنا في أولادنا ويزيدنا من نعمائه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم : 7).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد زكى المرأة الولود فقال: "تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة". فهل تكرهين ما زكاك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله؟! وتأملي ما ورد في مسند أحمد عَنْ ثَعْلَبَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ قَضَاءً إِلا كَانَ خَيْرًا لَهُ".
ونتساءل أيضا هل تكرهين ذاك الحمل خوفا من التعب والمعاناة؟ ألم تعلمي أن ثواب الأم على الحمل والولادة والإرضاع وحسن التربية عظيم. ومن أجل ذلك أوصى الله تعالى الأولاد بالإحسان إلى الأم وقدم الإحسان إليها على الإحسان على الأب، اعترافا بجميلها، وتقديرا لعنائها.
كما أن لها الثواب عند الله تعالى إن أخلصت ذلك لوجه الله، فسيجعل الله تعالى ولدها قرة عين لها، وسيكون شفيعا لها عند الله تعالى يوم القيامة؛ فهوني على نفسك وسلي الله تعالي أن يعنيك وأن ييسر لك كل عسير.(33/683)
أختاه! تفاءلي بهذا الحمل لعلك ترزقين منه بولد صالح حافظ لكتاب الله عز وجل. فإذا مات ابن أدم بقي له دعاء ولده الصالح الذي يدعوا لوالديه بالرحمة والمغفرة {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء : 24).
والولد الحافظ للقرآن يكون سببا في تكريم والديه ورفعتهما في الدنيا والآخرة. ففي سنن أبي داوود عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا".
نتحول الآن إلى الدعاء على الحمل وسبه ولعنه. الدعاء – كما تعلمين - سلاح المؤمن وهو مخ العبادة، ومن ثم فهذا السلاح يجب أن نوجهه لطلب الخير في الدارين، فندعو لهذا الحمل بأن يكون لك قرة عين وأن يكون من الصالحين، ومن حملة كتاب الله عز وجل.
فاستغفري الله وتوبي إليه فهو الغفور الودود. ولا يخفى على الأخت الكريمة أن المسلم ليس بلعان ولا السباب، فلسان المؤمن لا ينطق إلا بكل خير وبالكلمة الطيبة التي هي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
والمؤمن ينأى بلسانه عن السب واللعن والشتم، واضعا نصب عينه نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمن بأن يقل خيرا أو ليصمت. والعبد قد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوى بها في جهنم.
فتوقفي عن الدعاء على الحمل وسبه ولعنه راجية عفو ربك الكريم، فهو تعالى يفرح بتوبة عبده ورجوعه إليه منيبا مستغفراً.
ثالثاً: نصيحة من القلب:
أود قبل أن أختم حديثي أن أتوجه لك أختي الكريمة بهذه النصيحة من القلب. فاحمدي الله على ما رزقك وسله من فضله العظيم؛ لعله أن يتفضل عليك بنعمائه وفضله، وتقربي إلى ربك بفعل الطاعات وترك المعاصي، وضعي نصب عينك الفضل العظيم الذي حباك الله به.
كما أنصحك أختي الكريمة أن تستعيني بالله ولا تعجزي {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح : 4-5)، وثقي بأن الله سيكون معك وييسر لك كل عسير، وتوكلي على ربك الكريم الحليم فمن توكل على الله فهو حسبه.
ولتطالع الزوجة هذه الاستشارات:
* الأمومة عبء.. أم استمتاع؟
* الأمومة قيمة إنسانية.. وقوة
* الأمومة والإبداع.. معادلة ممكنة
* الاستمتاع بالأمومة ليس مستحيلاً
* إسقاط الحمل بدون سبب قهري
* ثواب الأم في الحمل والولادة والتربية
كما أتوجه لزوج الأخت الفاضلة مذكرة له بفضل الله عليه ونعمته؛ فالزوج خير معين للزوجة على مهمة الأمومة. فعليه أن يحمد الله وأن يشكره على ما أعطاه من(33/684)
فضله العظيم، وعليه أن يعين زوجته على طاعة الله، وأن يمد لها يد العون في رعاية الأولاد وشئون المنزل، وألا يتركها وحدها خاصة في تلك المرحلة التي تعاني فيها من آلام لا يتحملها القوي من الرجال، فما بالنا بالضعيف من النساء.
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، وأن يزقنا من فضله العظيم وأن ييسر لنا كل عسير.
ـــــــــــــــــــ
أنا من لحم ودم.. 36 عاما بلا زواج العنوان
أمراض القلوب الموضوع
الحمد لله الذي هدانا إلى صراطه القويم، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد أفضل صلاة وأزكي تسليم، وبعد. أشكركم على ما تقدمونه من خدمات وتوجيهات مباركة لشباب المسلمين؛ فبارك الله فيكم، وسدد خطاكم.
لا أعرف كيف ولا من أين أبدأ، ولكن حملني ما أجد في نفسي من ضيق صدر وحيرة من أمري على أن أكتب إليكم؛ فأنا بحاجة إلى مشورتكم وبحاجة إلى أن أخرج ما بداخلي؛ لعلي أجد الراحة والخلاص مما يؤرقني؛ فحملي أنهكني وما عدت أقدر عليه.
أنا في الـ36 من عمري، منَّ الله علي بكثير من الأخلاق والصفات التي لم يهبها لكثير من الناس، أحمده ربي وأشكره عليها. أعيش وسط فتن لا يعلمها إلا الله، أشدها على نفسي النساء، جاهدت بكل ما أوتيت من قوة وصبر، ودعوت، وتضرعت لله أن يقيني شرهن؛ فاستجاب لي ربي ووقاني بلاءهن فلم أقع يوما في معصية رغم كثرة سبلها، لكن إلي متى فما أنا ألا عبد ضعيف
في وقت مضي كانت ظروفي المادية عسيرة، وصرفت فكري ونظري عن الزواج لما أعلم له من تبعات ومسئولية وأمانة رغم إلحاح أهلي علي، اجتهدت في العمل والدعاء والتضرع لله أن يبدل حالي بأحسن منها.
ودارت السنون، جاوزت الثلاثين، وبدأت أحوالي تتحسن، وأول ما سعيت إليه أن أحيي سنة نبيي وأكمل نصف ديني، توكلت على الله ودعوته أن يرزقني الزوجة الصالحة، وتقدمت لعدد منهن بعد المشاورة والاستخارة، ولكن لكلٍ ظروفها وحججها وأحوالها، ولم يكتب لي التوفيق في مسعاي.
بلغت الـ35 وأحسست أن سنوات شبابي وعطائي بدأت تنفلت مني رغم أنفي. صارت أحوالي المادية جيدة، وزادت الفتن من حولي، وصار إحساسي بالحاجة إلي السكينة والطمأنينة أكبر من أن يحتويه صدري ؛ فما أنا إلا مخلوق على الفطرة، قاومت وصبرت وواصلت سعيي، ولكن كالعادة لم أوفق.
آخر مرة كانت مند حوالي شهرين، أشار علي أهلي بفتاة نعرف أهلها ويعرفوننا، توكلت على الله واستخرته وتقدمت إليها، وافقت في البداية وأحسست براحة كبيرة، لكن بعد شهر ونصف جاء قولها بأنها لا تريد.
لا أخفي عليكم، وقع في نفسي هم وكرب شديد لم أكن أجده في تجاربي العديدة السابقة. صرت كئيبا، كثير القلق، شارد الفكر، ميالا للعزلة، قليل النوم والأكل، عصبي المزاج، أحيانا لا أحتمل حتى كلام أقرب الناس إلي.(33/685)
حالي هذه دفعتني للكتابة إليكم لعلي أجد الراحة والخلاص؛ فأنا تعب منهك. أشيروا علي بربكم؛ فكأسي فاضت وصدري مثقل، ما عاد يحتمل والفتن تحاصرني من كل جانب، ولا أدري بعد هذا أي السبل سأسلك. أشيروا علي وادعوا لي. اعذروني على إطالتي، وأشكركم على سعة صدركم لي. وفقكم الله ودمتم ذخرا لهذه الأمة.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي عبد الله، ونسأل الله عز وجل أن يفرج عنك ما أنت فيه من هم وغم وكرب.
لقد قرأتك رسالتك أكثر من مرة، وتوقفت أمامها وأنا لا أدري من أين أبدأ معك؛ فأنت نفسك لم تكن تدري بم تبدأ في توصيف حالتك، وأخيرا آثرت أن أبدأ معك بنصيحة نبوية غالية، هي علاج نبوي ناجع ممن لا ينطق عن الهوى، وإليك قوله -صلى الله عليه وسلم-: " ما أصاب أحدا قط هَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي.. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا".
فهلا جربت أخي الحبيب في بداية رحلتنا معا هذا العلاج حتى تخفف عن صدرك ما عليه من ضيق وهمٍّ، ربما يكون عائقا عن التفكير، وحاجزا دون الوصول لقرار مفيد. أراك الآن قد هدأت نفسك، واطمأن بالك؛ فهيا بنا نقف معا في طريق استجلاء مشكلتك..
التمسوا الرزق بالنكاح
من عظمة الله عز وجل الذي خلق الإنسان ويعلم ضعفه وفقره أنه لم يتركه للأسباب المادية، ولكنه -سبحانه وتعالى- جعل حياته مبنية على الأسباب الأرضية والمعينات العلوية؛ فجعل للرزق أسبابا، ربما يراها الإنسان بعقله القاصر أنها سبب في منع الرزق أو نقصانه.
ألم تسمع قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: " ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة" [الترمذي]؟ فعقولنا القاصرة تقول إن المال ينقص بالصدقة، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقسم على عكس ذلك؛ إذ البركة في الرزق أفضل من كثرته.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " ثلاثة كلهم حق على الله عونه: الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد التعفف"؛ فالله عز وجل أوجب على نفسه إعانة الناكح الذي يبغي العفاف، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده الضعفاء؛ حتى لا يتركهم فريسة للهم والغم والكرب ومصارعة فتن النساء وغيره مما تعاني منه أنت الآن.(33/686)
إذن فنحن في حاجة لتغيير بعض المفاهيم والقناعات الخاصة بأمور النكاح مثل:
* عدم التفكير في الموضوع بتفكير مادي بحت، ولكن لا بد من استصحاب التوكل على الله في كل شيء؛ فالمؤمن يسير في هذه الدنيا في كل أموره بجناحي العمل والتوكل، لا غنى لأحدهما عن الآخر. فإذا استشعر العبد إعانة الله له فإنه سيقدم على هذا الأمر وهو واثق بالله ومطمئن لوعده، مع الأخذ بكل الأسباب والحسابات المادية الممكنة.
* على الأزواج أن يدركوا أن الزواج ليس فقط تكاليف ومسئوليات وأعباء فقط، ولكنه أيضا تعاون وألفة ومحبة وإعانة على لأواء الطريق؛ ففرق بين من يكابد مشاق الحياة وحيدا، ومن له زوجة تشاطره همومه، وتكون له عونا وظهيرا.
* على الأهل التعاون والعمل على تذليل العقبات التي تواجه الشباب في طريق زواجهم؛ فعلى أهل الزوجة ألا يبالغوا في طلباتهم ويشددوا على الخاطب، وعليهم أن يعلموا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة" [مسند أحمد].
وقفات مع حالتك
إن مشكلتك أخي الكريم أنك انطلقت في هذه الحياة بتصورات مسبقة، يبدو أنها ناتجة عن احتكاك بذوي تجارب مؤلمة؛ مما جعلك تنفر من الزواج حتى تتحسن حالتك، ولكن حينما تحسنت حالتك تفاجأت بأن العمر قد تقدم بك وأن "سنوات شبابي وعطائي بدأت تنفلت مني رغم أنفي"، حتى انتصف العقد الرابع من عمرك.
وحينما فكرت في الزواج لم توفق في الوصول لمن تشاركك حياتك؛ حتى تقدمتَ لواحدة ولكنها بعد شهر ونصف جاء قولها بأنها لا تريد؛ ليصدمك صدمة صرت بعدها "كئيبا، كثير القلق، شارد الفكر، ميالا للعزلة، قليل النوم والأكل، عصبي المزاج" على حد قولك، لم يا أخي الحبيب كل هذا؟ إن هذه الروح التي تحياها لا تساعد على التفكير والوصول لقرار سليم؛ فهيا بنا نقف معا بعض الوقفات:
* حتى تستطيع التفكير والوصول لقرار سديد عليك أن تستعيد ثقتك في نفسك وفي ربك، وتطرد عنك الحالة النفسية السيئة التي وضعت نفسك فيها دون داعٍ، والتي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الهم والكرب؛ فجدد حياتك بالإيمان، وزينها بالثقة واليقين وحسن التوكل على الله.
* وصولك سن السادسة والثلاثين لا يعني أنك لن تجد من ترضى بك؛ فهذه السن في بعض البلاد سن طبيعية في الزواج، وهناك الكثيرات ممن يرضين بهذا؛ فسنوات الشباب والعطاء ما زالت مستمرة؛ فانفض عنك غبار اليأس، وسارع بالاستفادة منها.
* ذكرت أن كل من رفضنك كان لهن أعذارهن وحججهن، وهذا لا يعني أن فيك عيبا أو نقصا ما، إلا آخر فتاة؛ فهي قد وافقت ثم رجعت في كلامها بعد شهر ونصف، وأظن أن هذا هو الذي أوصلك إلى حالتك تلك، وأنت غير محق في هذا؛ ففسخ الخطبة أو العقد أو حتى الطلاق لا يعني بالضرورة أن في أحد الطرفين عيبا، ولكنه يعني عدم التوافق بينهما، ولو أن كل واحد منهما ارتبط بطرف آخر لتوافق واستقر معه؛ فهوِّن على نفسك.(33/687)
* غالبا ما تكون شكوى تأخر الزواج من النساء؛ خشية ألا يطرق بابهن أحدا بعد عمر معين. والعجيب أن الشكوى هذه المرة جاءت من الرجل!! أخي الحبيب إن البلاد العربية تشكو من مشكلة العنوسة، وهو ما يعني انتظار الكثير من السيدات لمن يطرق بابهن، سواء ممن مضى بهن قطار العمر كحالتك، أو من طُلقن أو ترملن؛ فهلا بحثت فيهن عمن ترضى بك، وستجد من تناسبك وترضى بها خاصة مع حالتك المادية الميسورة؛ فاستعن بالله ولا تعجز.
* إخفاقك في الزواج لا يعني نهاية الدنيا، ولا يعني الفشل الذريع؛ فالحياة أوسع من ذلك، ونِعَم الله علينا لا تُعد ولا تُحصى؛ فتقوَّ بنجاحك، وانطلق من نقاط القوة واجبر بها نقاط الضعف.
* احمد الله عز وجل على الصفات الحميدة التي وهبها لك، وحافظ على تمسكك بحبل الله في مواجهة الفتن، واحذر أن يستغل الشيطان ظروفك التي تمر بها، ويلبّس عليك، ويزين لك التخلي عن هذه الفضائل، واعلم أنك الآن أحوج ما تكون لله عز وجل؛ فتقرب منه أكثر واعلم أنه سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك.
* إن أخوف ما أخافه أن تتعجل في أمرك وترضى بمن لا تناسبك في الأخلاق والقيم والالتزام؛ فتندم بعد ذلك؛ فأنصحك أن تتروى، ولا بأس إن توقفت عن التفكير في هذا الموضوع لفترة زمنية وجيزة تستعيد فيها ثقتك في نفسك؛ حتى تعاود التفكير بصورة طبيعية بعيدة عن التسرع أو الانفعال أو العصبية أو التوتر.
* اعلم أنه على قدر تحملك للفتن والصبر عليها سيكون أجرك عظيما، وثوابك عند الله كبيرا؛ فاستعن بالله ولا تعجز.
أخيرا أخي الحبيب أوصيك بكثرة الدعاء واللجوء لله تعالى، ونحن ندعو الله أن يفرج عنك ما أنت فيه، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على أمر دينك ودنياك.
ـــــــــــــــــــ
كنت أصلي وزنيت.. الطاعة تحتاج لحماية العنوان
أمراض القلوب, السلوكيات الموضوع
السلام عليكم
أنا فتاة عادية جدا ملتزمة دينيا، أصلي، أصوم، أخاف الله، وأطلب رضاه ورضي أهلي. لكن هذه السنة كانت يائسة. عصيت الله بها كثيرا، دون توقف عن أداء فروضي له.
ولكن المعصية الكبرى كانت في رمضان؛ إنه أول رمضان أعصي فيه الله بالزنا عن طريق الهاتف. أنا مدركة مدى ما أصابني؛ صليت لله كثيرا، طلبت المغفرة. لكن أسأل نفسي: لماذا فعلتها؟ ضميري يؤلمني لكن ثقتي بالله كبيرة. أنا اليوم تائبة نادمة؛ أسأل الله العفو والمغفرة لي.
سؤالي: لماذا حدث هذا؟ مع أنني أصلي وأحافظ على قراءة القرءان، وعمل الخير وكل شيء يرضي ربي. لماذا وقعت هنا؟ كنت أريد حياة أفضل!
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد(33/688)
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
الأخت الفاضلة:
نسأل الله تعالى أن يمن علينا دائما بالتوبة إليه، والتوكل عليه، والثقة به. يجب أن ندرك أولا أن الوقوع في الذنب كما أنه خطيئة من الخطايا، فإنه من لوازم البشر التي يفعلونها باختيارهم، وذلك راجع لضعف الإنسان.
فما خلت الأرض يوما من معصية، ولكن من عصى فليتحمل نتيجة عصيانه، ومن أخطأ فلا يلومن إلا نفسه، فإن تاب وأناب واستغفر واسترجع، وندم على ما اقترف، فلم يجد إلا ربا غفورا، يتوب عليه.
فإن أحسن حاله مع الله، بدل الله سيئاته حسنات، وهذا مظهر من مظاهر عظمة الإسلام. فما كان الإسلام يوما سيفا مسلطا على الرقاب، ولا مانعا لهم من أن يعيشوا حياة سوية.
فإن ضلوا الطريق، فالباب مفتوح للعودة دائما، ليجدد العبد العهد مع الله تعالى، الذي أخذ عليه، وهو في عالم الذر: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم قالوا بلى أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين".
فحقيقة التوبة هي الرجوع إلى الأصل، والعودة إلى الفطرة النقية، وهذا تجديد لعلاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، وهو بطبعه يعيد الإنسان إلى اتزانه في الحياة، ويجعله مستقيما، ليتواءم مع الكون المسبح بحمد ربه، وكل خروج عن طبيعة الكون العابد لله، يجعل الإنسان في نكد من العيش، كما قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.
أما عن كونك أخطأت وأنت تصلين وتطيعين الله تعالى، فإننا بحاجة إلى فهم الإنسان جيدا، نحن لسنا قوالب جامدة، بل هناك مؤثرات في حياة الإنسان تجعله يقترب من الله أو يبتعد حسب اختياره هو، لأن الطاعة كسب منا بتوفيق من الله، والمعصية كسب منا؛ استجابة للهوى أو لنفس أو الشيطان.
وإن كان الإنسان يطيع فعليه أن يحافظ على طاعته وأن يحميه، كما أننا نحمي أنفسنا وأموالنا وكل ما له قيمة عندنا؛ فإن الطاعة تحتاج إلى نوع من الحماية والمحافظة، ولا يعقل أن يبني الإنسان من جانب ويهدم من جانب آخر.
ولهذا فإن الله تعالى حين أمر بإتيان الطاعات، أمر باجتناب المحرمات، ولا تعصم
الطاعات من الوقوع في المعاصي؛ ولكن مراقبة الله تعالى وتقواه تجعل الإنسان دائما في خوف من الله كأدنى درجة، وفي حب دائم لله، كدرجة عالية تجعله لا يستطعم المعصية لو ذاقها، فينفر منها سريعا، ويعود إلى الله تعالى.
واستمرار الإنسان على المعصية مع بعض الطاعات ينبئ أن هناك خللا في نفس الإنسان، عليه أن يكتشف، وأن يسعى في علاجه، وأن يؤخذ بالأسباب مع التوكل على الله، والإلحاح عليه بالدعاء أن يشفى من ذلك الخلل.(33/689)
وطريق التخلص من هذا أن يدرك الإنسان الأسباب التي أدت إلى ذلك، فيتخلص منها، وأن يدرب نفسه على ذلك، مع استحضار مغفرة الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده دائما مهما كانت، فاقرعي باب الله، وصححي مسارك، فإنك على خير.
ـــــــــــــــــــ
دعكِ من الفارس المزيف! العنوان
أمراض القلوب, الأخلاق الموضوع
أنا فتاة جامعية ملتزمة بعض الشيء، محافظة على صلاتي وصيامي، وعندي مشكلة آمل أن أجد الحل لديكم. أحببت شخصا وأتمنى الزواج منه، ولكن دائما يتعذر لي بأعذار كثيرة، وقد اختليت به مرة، ولم يكن قصدي إلا أن أكون معه فقط، فلم يكن في نيتي عمل أي شي معه، ولكنه قام بإجباري على خلع ملابسي، وقام بمعاشرتي بشكل سطحي.
أردت مقاومته، ولكنني لم أستطع، ولم أستمتع معه أبدا؛ لأنني لم أرد هذا.
أنا الآن أريد أن أعرف: هل ما فعلته معه زنا؟
وأريد الاستغفار لأنني نادمة على كل ما حدث.. فماذا أفعل؟
أتمنى أن أجد الجواب عندكم؛ لأن هذه المشكلة تسبب لي آلامًا نفسية.
أتمنى ألا تهمل رسالتي، وأن ألقى الجواب من سيادتكم في أقرب فرصة.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يجيب الشيخ حامد العطار:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت آمنة؛
لم يحرّم الله عز وجل الحب بين الجنسين، ولكن الحب المباح هو الذي لا يسعى إليه الإنسان، بل يجد الإنسان ميلاً قلبيًا تجاه فتاة معينة -وكذلك الفتاة- ثم لا يترك هذا الأمر للتبادل بالخطابات والمكالمات الهاتفية، والنظرات المسمومة.. فإن هذا منهيٌّ عنه شرعًا، وإنما يُتوَّج بتقدم الشاب لأهل الفتاة لخطبتها، فإن تمت الموافقة، فهذا فضل من الله ونعمة، وإن لم تتم، التزم كل من الشاب والفتاة الآداب الشرعية، ومن أهمها غض البصر، وقطع كل منهما صلته بالآخر؛ حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
أما أن يتواصل المحبان عن طريق الهواتف والرسائل والمقابلات؛ فهذا حرام يجر إلى حرام أكبر؛ وقد رأيتِ بنفسكِ سوء هذا الطريق المشئوم.. لقد خلوت بفارس الأحلام الذي ظننت أنه يحافظ عليك، ويحمي شرفك، ويحوطك بكنفه ورعايته؛ فإذا به ينقض عليك كالكلب المسعور الذي يرى ضالته فيسيل لعابه، وتحتد أنيابه.. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (إياك والخلوة بالنساء، فوالذي(33/690)
نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما، وليزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له).
ماذا كنتِ تنتظرين بعدما أغلقت الأبواب، وأسدلت الستائر، ونامت الأعين، وخلا كل طالب بطلبه، أكنت تنتظرين منه أن يسمعك القرآن، أو يدارسك السنة، أو يلقنك الآداب والأخلاق؟
وأظنك سمعت من قبل عن حكايات مشابهة لما حدث معك، فأراك كنت تقولين: "لكن حبيبي ليس كهؤلاء" فلم تتعظي بغيرك حتى دخلت بنفسك أتون المعركة، وخرجت منها مخدوشة غير سالمة، ولولا لطف الله بك لكان ما كان.
فاحمدي الله أن أيقظ قلبك، واجعليها توبة صادقة، واقطعي صلتك بهذا الكاذب الماكر؛ فإن كان صادقا فإنه يعرف بيتك، ويعرف أباك؛ وإن لم يكن يعرفهما فسيسوقه حبه إن كان صادقا إلى معرفتهما، فإن أتاك خاطبا في وضح النهار فأهلا به تائبا، وإلا فلا أعاده الله، ولا كحّل عينك برؤياه.
ولا شك أن اجتباء الله واصطفاءه واختياره لكِ بأن تعودي إلى رحابه لدليل على لطفه وإنعامه بك. فلو تلفت حولك لوجدت كثيرات من صويحباتك في السنوات الماضية لا يزلن يعشن في حياة التيه والضلال، فاحمدي الله أن ميزك عنهن، وغيري البيئة القديمة التي كانت تعينك على المعصية، واستبدلي بهن رفقة طيبة وصحبة صالحة تعينك على الحق إذا ذكرت، وتذكرك إذا نسيت.
واعلمي أن التوبة ليست مجرد استغفار باللسان، ولكنها عمل مكون من شروط، وهذه الشروط هي العزم والندم الصادقان من المؤمن المذنب على ترك المعصية، وعدم العود إليها، ذلا لله وخوفا من عقابه.
فمن وجد منه ذلك كانت توبته حينئذ صحيحة، ونرجو أن تكون منجية له من العذاب إن شاء الله.. فالتوبة النصوح إذا صدرت من المذنب في وقتها مستوفية شروطها تلحق التائب بمن لم يرتكب المعصية أصلا؛ والمعصية إذا كانت متعلقة بالعباد وجب استرضاؤهم، وطلب العفو منهم.
وأنقل لك قول الدكتور يوسف القرضاوي في التوبة:
"التوبة لها بواعث ولها موانع، ومن موانع التوبة أن تستحكم الذنوب في حياة الإنسان وتُطبِق عليه، ويشعر باليأس ويقول أنني عشت طول حياتي مرتكباً للمنكرات مقترفاً للكبائر غارقاً في أوحال الذنوب ولو نزلت في المحيط الهادي لن يطهرني.
بعض الناس يظن هذا التصور الخاطئ، فليس هناك ذنب يعظم على عفو الله عز وجل مهما كان، يقول الله تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
فالتوبة تجُّب ما قبلها؛ ومنها التوبة من الشرك والتوبة من النفاق والتوبة من الكبائر والتوبة من الصغائر؛ فالتوبة تكون من كل ذنب؛ حتى المنافقين يقول فيهم ربنا سبحانه وتعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين)؛ ولكن بشرط أن يتوبوا.(33/691)
فباب التوبة مفتوح للجميع، كل ما في الأمر أن تكون توبة صادقة توبة نصوحاً؛ لأن بعض الناس يظن أن التوبة مجرد كلام يُقال، ويأتي للمشايخ ويقول له: "توِّبني يا سيدنا الشيخ".
وللتوبة أركان ثلاثة أساسية:
ركن الندم.. فمن مقومات التوبة أن يوجد مقوِّم نفسي، وهذا كما قال الإمام الغزالي: يتكون من علم وحال وعمل.
والعلم هو الجانب المعرفي في التوبة؛ بأن يعرف الإنسان خطأه وأنه سلك مع الله سلوكاً غير لائق، ويعرف آثار هذه الذنوب والمعاصي في دنياه وفي آخرته، وعلى نفسه وعلى صحته وعلى أخلاقه وعلى أسرته وعلى أولاده، ويشمل الجانب المعرفي أيضا؛ أن يعرف التائب مقام الله عز وجل ويعرف حاجته إلى التوبة.
ويترتب على الجانب المعرفي جانب وجداني؛ ويسميه الإمام الغزالي الحال. وهذا الذي نقول عنه الندم، فبعد أن يعرف الإنسان هذا يترتب عليه أن يندم.. إذا انتبه القلب إلى آثار المعاصي ندم الإنسان.
والندم هو شعور بالتوتر يحس فيه الإنسان بلذعة كأنها نار تحرقه احتراقًا داخليًا. وقد حدثنا المولى عز وجل عن نفسية التائب في سورة التوبة فقال: (وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا).
هذه حالتهم؛ ضاقت عليهم الأرض بما رحبت على سعة الدنيا، إذ تهيأ للتائب كأن الأرض أصبحت كرة صغيرة، وضاقت عليه نفسه وظن ألا ملجأ من الله. لابد من هذه الحالة النفسية، والشعور بالحسرة والحزن على ما فات وما فرط في جنب الله.
بعد ذلك يؤثر هذا في ناحية أخرى وهي ناحية العزم والتصميم بالنسبة للمستقبل، ندمت على ما فات لابد من العزم على إصلاح ما هو آت، لا يكفي أن أكون حزين ومتحسرًا على ما مضى؛ لابد أن يؤدي هذا إلى عزم على عدم العودة إلى المعصية أبداً، قالوا: لابد أن يكون ساعة التوبة مصمماً على ألا يعود إلى هذا الذنب أبداً. كما لا يعود اللبن إلى الضرع إذا خرج منه.
ومن ناحية أخرى؛ هناك جانب عملي بعد ذلك، بعد الجانب الوجداني والإرادي، وهو أن يُقلع بالفعل عن المعصية. وهذا الجانب العملي له فروع منها:
- أن يستغفر الله تعالى بلسانه: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
- ومنها أن يغير البيئة، ففي الحديث الصحيح: (إن رجلا قتل 99 نفساً وذهب إلى عابد وقال له: أنا قتلت 99 نفساً فهل لي من توبة؟، فقال له: ليس لك من توبة أبداً فقتله وأكمل به 100 نفس، ثم ذهب إلى عالِم فقال له: قتلت مئة نفس فهل لي من توبة؟ قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكن اترك البلد التي أنت فيها واذهب إلى بلدة صالحة أخرى).
معنى هذا أن الإنسان عليه أن يغير البيئة و"الشِلَّة" القديمة، لابد أن يغير أصحاباً بأصحاب، وإخواناً بإخوان.. هناك أناس يدعونه إلى الخير إذا رآهم تدله رؤيتهم على(33/692)
الخير، كلامهم يحث على الطاعة، مصاحبتهم تغريه بتقوى الله، فلابد من تغيير البيئة.
- ومنها أن يغير السيئة بالحسنة، وأن يبدل السيئة بالحسنة وخصوصاً حسنة من جنسها، قال صلى الله عليه وسلم: (واتبع السيئة الحسنة تمحها) وكما قال الله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات).
فلو كان يعُقُّ والديه فعليه أن يبالغ في برِّهما، إن كان يقطع أرحامه عليه أن يصل الأرحام، إن كان يغتاب الناس عليه أن يذكر حسناتهم، إن كان يقرأ الكتب غير المفيدة فعليه أن يقرأ كتاب الله ويقرأ الكتب الإسلامية، إن كان يشتغل مذيعًا للضلال، عليه أن يشتغل مذيعًا للصدق وللخير، إن كان يؤلف كتبًا تضلِّل الناس عن الله فعليه أن يؤلف كتبًا ترد الناس إلى الله وتدعو الناس إلى الله.. فيعمل حسنة من جنس السيئة.
هذه هي أركان ومقومات التوبة، ليست مجرد أن يقول تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على معصية الله.
والتوبة سلوك ناتج عن وجدان وعن توتر وعزم يتبعه علم وفعل. فإذا صدقت التوبة لابد أن يتبعها سلوك وعمل، ولذلك القرآن يقول: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى)، ويقول: (والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً).
فلابد مع التوبة من تجديد الإيمان؛ لأن الذنوب تخدش الإيمان، ويأتي دور التوبة لترميمه؛ والتوبة الحقيقية إيمان يتبعه عمل للصالحات".
وتضيف الأستاذة وسام كمال، المحررة في نطاق الأخلاق والتزكية بشبكة إسلام أون لاين.نت، وعضو فريق الاستشارات الإيمانية:
أختي الكريمة،
أحي فيك نفسك اللوامة، وأسأل الله أن يجعل من ألمك النفسي، سبيلا للقوامة على أفعالك، وترويض مشاعرك وسلوكياتك بالشكل الذي يرضي الله ورسوله، فدائما ما يتعلم الإنسان الكيّس من أخطائه، ولكن المهم ألا يجعل من الجلد الذاتي التكفير الوحيد عن الذنب.
فكما وصفت السطور المقتبسة للدكتور القرضاوي أن هناك قواعد ومواصفات للتوبة النصوح التي يرضاها الله ورسول، وهي الندم، والعزم والتصميم، والإقلاع عن المعصية.
ولكن هناك أمرا هاما أريد أن أشير إليه؛ وهو استكشاف سبب الخطأ، حتى لا نقع فيه مرة أخرى إذا ما توافرت الظروف.
فمن المهم أن تري هذا الشاب الذي أحببتِه على حقيقته؛ حتى لا تضعفي أمامه مرة أخرى.. فكيف تسمحين لنفسك بأن تسلميها ليدي رجل لا يعرف كيف يحافظ على مشاعرك واحترامك لنفسك. فهكذا يكون الرجل الذي يستحق الحب؛ يرفع رأسك عنان السماء، ولا يضعها في الطين؛ أمام ربك ونفسك وأمام الناس.
حبيبتي؛(33/693)
أصبت الحقيقة عندما قلتِ أنكِ لم تستمتعي بهذه النزوة الرخيصة، لأن المرأة لا تتأقلم وتسعد إلا مع الرجل الذي تحترمه.
أنبهك وأنت في بداية طريقك، تتحسسين الحياة بقلب بكر، ألا تهبي الحب إلا لمن تقتنعين به وفق المنهج الذي وضعه الله، وجاء به الرسول.
انفضي عنك غبار هذا الرجل، وتنفسي الصعداء لأنك أفلت من مكيدته، وتألمت لمعرفته، وندمت على ذنبك. دعك من هذا الفارس المزيف، وتوكلي على الله، وتوبي إليه توبة نصوحة، واعلمي أن الحب الحقيقي لن تجديه مع هذا الرجل الذي لم يرعَ فيك إلا ولا ذمة. وافتحي صدرك لحب حقيقي يملأ عليك وجدانك بما أحل الله وشرّع.
فلتكوني تلك الملتزمة الحقيقية التي يطابق باطنها ظاهرها، وتعبد الله بالعبادات، وتحسن خلقها لمرضاته..
تذكري ذنبك، وانتظري نصيبك، فإن الأقدار تأتي في موعدها. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أثر الذنوب على اختيار "الزوج الصالح" العنوان
العقيدة الموضوع
أعرف أن الله يكتب لكل منا زوجه؛ وأنا متأكدة من ذلك؛ ولكني سمعت أحد الدعاة يقول إن الإنسان إذا أخطأ سيغير الله له قدره؛ وأن الفتاة إذا التزمت يزوجها الله من زوج صالح؛ وإن لم تفعل يحرمها منه. فهل هذا صحيح؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم، وشبكة "إسلام أون لاين":
الأخت الفاضلة :
لابد أن نفهم معنى القدر أولا، قبل أن نعرف هل الخطأ يغير القدر أم لا؟
فالقدر هو ما قدره الله تعالى لعباده بعلمه، دون أن يجبرهم على فعل شيء أو إتيان فعل، أو ترك أمر، والقدر هو المكتوب عند الله، والقضاء ما نزل من القدر، ولهذا فإن الأقدار قد تتغير، شريطة أن نكون قد أتينا الأسباب، ثم حال الله تعالى بيننا وبين ما كنا نرجوه.
والقدر يأتي بمعنى القضاء والحكم، ومنه قدر الله، ويأتي القدر بمعنى التدبير، فيكون نصيب القدر من الإنسان التدبير والسعي، ويكون القدر من الله الحكم والقضاء، وعلى الإنسان أن يشغل نفسه بما عليه، لا بما له، لأن الله تعالى تكفل لما للإنسان عنده من رزق وأجل، ولهذا ، فإن فهم الحديث" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" قد لا يكون معناه الحرمان بالكلية ، بل نقول قياسا على أقوال الفقهاء : هناك(33/694)
حجب حرمان، وحجب نقصان، والنقصان أيضا قد لا يكون في الكم المرزوق به الإنسان، ولكنه قد يكون نزعا للبركة.
وهذا الفهم مستنده على أن الله تعالى جعل لكل إنسان رزقه، وهو جنين في بطنه أمه، وما أفهمه عن الله أن الله تعالى لا ينزع عن العبد شيئا كتبه له، ربما أخره وأجله، وربما نزع منه بركته بسبب الذنب، أما أن يحرم الله تعالى الإنسان من شيء مكتوب له، فلا وألف لا.
وليس العطاء مرتبطا بالدين والعقيدة، فإن الله تعالى يرزق العالمين ، مسلمهم وكافرهم، كما قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}، كما أن العطاء والرزق ليس محصورا على المال، فهناك عشرات من المجالات الحياتية التي يرزق الله تعالى فيها الناس، من الوقت والصحة والولد والعلم إلخ
فتغير الإنسان ليس شرطا لتغيير القدر، فقد يبقى الإنسان عاصيا، ويعطيه الله تعالى ما كتب له، وربما نزع منه البركة، وربما أكثر له ليس حبا، ولكن ليزداد حسابه عنده.
أما عن الفتاة التي قد تكون غير ملتزمة، ثم تلتزم، فإن الله تعالى يغير لها القدر فيرزقها زوجا صالحا، وأن التي تبقى على معصيتها ترزق زوجا غير صالح، فقد يكون هذا، وقد يكون غيره، وقوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }( النور:26).
فهذا ما يحبه الله تعالى لعباده، وما يجب أن يكون في دنيا الناس، ولكن قد يتزوج الرجل الصالح المرأة الفاسدة، كما تزوج سيدنا نوح وسيدنا لوط امرأتين غير مؤمنتين، وقد تتزوج المرأة الصالحة رجلا غير صالح، كما تزوجت آسية فرعون، وهذا كثير مشهور في دنيا الناس.
ولكن الناس هم الذين يتخيرون لأنفسهم، فاختيار المرأة غير الصالحة رجلا صالحا، قد يكون جزءا من السعي للتوبة، وأنها حين تتزوج رجلا صالحا يعينها على طاعة الله تعالى، وكثير من الشباب الذي ينشئ علاقة غير شرعية مع فتيات، ويلهو ويعبث، لكن عند الزواج يفكر في غير التي كان له معها علاقة، لأنه يريد زوجة عفيفة غير التي كان يصاحبها.
والزواج – حسب فهمي والله أعلم – فيه شقان، شق من كسب الإنسان وسعيه واختياره، وشق من قدر الله تعالى، بمعنى أن الإنسان هو الذي يختار لنفسه، فالله تعالى لم يقل لإنسان اذهب إلى فلانة وتزوجها، فهذا اختيارنا، نسأل و نتمحص، ثم نسعى والناس هي التي تقبل وترفض، وقد يسعى الإنسان في شيء، ويصرفه الله تعالى عنه، لعلم الله أن فيه شرا له.
وبالجملة، فإن كل سعي فيه خير للإنسان، فإن الله تعالى ييسره للعبد، ويذلل له الطرق، وكل سعي للإنسان فيه شر له، فإن الله تعالى يصرفه عنه، رحمة به، وعلما من الله بضعف الإنسان ، إذ سطر ذلك في القرآن : { وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا }(النساء:28).(33/695)
كما أننا يجب ألا ننسى أن الزواج هو شكل اجتماعي، له ارتباطاته الاجتماعية، وضوابطه الشرعية، فيكون من الأخذ بالأسباب النظر إلى الارتباطات الاجتماعية، من طبيعة الاختيار، والمواصفات التي يريدها الإنسان، ويرتاح لها، وهل هناك قبول وتفاهم أم لا؟، وغير ذلك مما فيه اختيار للإنسان، مع الالتزام باختيار ذات الدين والخلق، وغير ذلك من ضوابط الشرع.
فإذا فعل الإنسان كل ما عليه، ويسره الله تعالى له، فهذا فضل من الله ، وإن صرفه عنه، فليعلم أن الله صرف عنه شرا، فهو القائل سبحانه :( وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) .
ويضيف الأستاذ رمضان بديني الباحث اللغوي بكلية دار العلوم :
أهلا بك أختي السائلة، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله تعالى أن نكون أهلا لهذه الثقة. كما نشكر لك حرصك على الفوز بالزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله عز وجل، وتكونان معا أسرة صالحة طائعة لربها تأتمر بأوامره وتنتهي عن نواهيه، وهكذا يجب أن يكون حال المؤمن في كل حياته {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
من الثابت أختي السائلة أن كل شيء في هذا الكون إنما يجري بقدر الله عز وجل وعلمه؛ فقد قال عز من قائل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة" (رواه مسلم). والآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول هذا المعنى كثيرة.
ولكن هناك أحاديث أخرى تدل على أن الحوادث معلقة بأسبابها؛ مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن البر يزيد العمر، ولا يرد القدر إلا الدعاء".
أي أن هناك بعض الأسباب والأفعال التي يقوم بها العبد؛ فتكون نتيجتها تغيير بعض ما قُدر له، وهذا التغيير والتبديل لا يخرج عن علم الله سبحانه وتعالى؛ فبقديم علمه عز وجل علم أن هذا العبد سيفعل العمل الفلاني الذي يترتب عليه تغيير القدر الفلاني؛ مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن يُنسأ (أي يمد) له في أجله؛ فليصل رحمه"؛ ففي هذا الحديث يقرر -صلى الله عليه وسلم- أن صلة الرحم سبب في بسط الرزق وإطالة الأجل بعد أن كان مقدرا أزلا.
وقياسا على ما سبق يمكن أن نقول: ربما تكون الذنوب والمعاصي سببا في حجب الخير عن مقترفها، كما ورد في الحديث السالف الذكر "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"، ومن هذا الرزق الذي يحرمه العبد بسبب الذنوب الزواج الصالح.
ولكن لي مع سؤالك وقفتان هامتان:
أولا- نريد أن نوسع من نظرتنا لأثر الذنوب والمعاصي؛ فبدلا من نظرتنا لأثرها على الحرمان من رزق دنيوي من مال أو زوج أو غير ذلك؛ ننظر لأثرها على كل حياتنا وعلى المجتمع الذي نعيش فيه، وعلى مصيرنا يوم القيامة وعلى أثرها في رضا الله تعالى عنا وغضبه علينا وهذا هو الأهم.
فأثر الذنوب على القلب كأثر السم على الجسد، وما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، كما أن شؤم المعصية يتعدى صاحبها إلى ما حوله من مخلوقات، وكلنا يعاني(33/696)
الآن من أنواع البلاء والأمراض والفقر.. وعلاج هذه الأشياء هو التوبة والعودة لله عز وجل.
ثانيا- الأصل أن الإنسان قبل أن يأخذ قرارا في أي أمر عليه أن يأخذ بالأسباب المادية المعينة مع لجوئه لله ودعائه إياه أن يقدر له الخير حيث كان ثم يرضيه به، وهو ما سنه لنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الاستخارة؛ إذن عليك أن تضعي أوصافا واضحة في الشخص الذي تريدين الارتباط به، ثم تكثرين من دعاء الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، فإذا تقدم لك من تتوافر فيه المواصفات التي تطلبينها فاستخيري الله تعالى في أمره، فإذا وجدت قبولا وراحة فتوكلي على الله ووافقي عليه.
وهكذا تسير عجلة الحياة؛ فبعض الناس يفهمون قدر الله عز وجل خطأ؛ فمنهم من يقول: ما دام الأمر قد حسم في الأزل، وما دام الله تعالى قد قدر لي ما يريد فلا داعي إذن لأن أتعب نفسي وأعمل وأنتظر قدري حتى يأتي. هذا انحراف وخطأ فادح؛ فالأصل أن الإسلام يدفع أهله للعمل والأخذ بالأسباب مع حسن الاستعانة والتوكل على الله تعالى.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، ويعينك على طاعة الله عز وجل. وتابعينا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
خذوا بيدي.. أنقذوني من المعاصي العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أشكر لكم ردكم على استفساراتي، وأشكر الأستاذ رمضان بديني لإشارته لمشاركة الأستاذ مسعود صبري؛ فأنا لم أقرأها إلا الآن، وكذلك رد الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق تحت عنوان "أخشى أن أكون منافقا".
لقد وضعتم أيديكم على مشكلتي الحقيقية، التي حاولت كثيرا مواجهتها ولكني فشلت، فتجاهلتها حتى أصبحت سبب تعاستي، وهي ما عبرتم عنه في ردودكم.
مثل ما قاله أ.مسعود صبري: "إن إتيان الإنسان لكثير من المعاصي كشرب الخمر والزنا وغيرهما دليل عبث في حياة الإنسان، وأنه إنسان لا هوية له"؛ "مشكلتك يبدو أنها تتعلق بشخصيتك ككل، وليس كإنسان تأتي معصية بعينها"؛ "ابك لله، واطلب منه أن يهبك نفسك الضائعة".
ومثل ما قاله أ.رمضان بديني: "أدعوك أن تجلس مع نفسك جلسة مصارحة تسأل فيها نفسك ماذا تريد؟، وما هدفك الآن في الحياة؟، وبناء على ذلك حدد أولوياتك واحتياجاتك".
وما قالته د. دعاء أبو بكر الصديق: "أما عندما تتزعزع هذه الإرادة تظهر لنا الشهوة مخالبها، وتنتشر في القلب والعقل، وتنزل صاحبها إلي منزلة التدهور والابتذال والهلاك، وهذا بطبعه يؤثر علي القلب وأحواله".
صدقوني، حاولت كثيرا، ولكني أنجح لفترات قليلة وأفشل في أغلب الأحيان، أعلم أن خلاصي في تحديد هدفي في الحياة، وجربت ذلك، فلقد تذوقت نجاحاتي كلها، دينية ودنيوية، عندما كان لي هدف حتى ولو كان مؤقتا.(33/697)
مشكلتي في ضعف إرادتي، وعدم وضوح أهدافي، وميوعة مواقفي فيما يخص حياتي، صدقوني لا أستطيع اتخاذ قرارات مهمة في حياتي، دائما متردد. الأصعب أن الأمر ليس بهذا الوضوح الذي أتحدث به؛ فأنا مثلا كثيرا ما أستطيع نصح من حولي، والأكثر من ذلك أنهم يعجبون بآرائي، ويجدون أنها الأنسب ويأخذون بها. وليّ اهتمامات كثيرة مثل الثقافة العامة والدينية والسياسية والرياضية. ولكنى مشتت كما أخبرني ذات يوم زميل لي بلغ الستين من عمره .
أقدر نصائحكم مقدما، ولكن أرجوكم الأهم من النصائح كيف أنفذها. هذه هي مشكلتي: في البداية أكون نشيطا وأغير من نفسي، ثم يكون التراخي تدريجيا، وأعود لما كنت فيه.
أول مرة أتحدث مع أحد بهذا القدر من الصراحة، واعذروا لي كثرة المواضيع التي ذكرتها؛ فأنا فعلا كما قلتم إنسان لا هوية له، ذو نفس ضائعة، ولكني أشعر بأني سأجد الحل عندكم لأنكم وضعتم أيديكم على سبب تعاستي؛ فلا تحرموني من ردودكم، أرجو أن تتسع صدوركم لتساؤلاتي الكثيرة. أرجوكم خذوا بيدي، أنقذوني
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
أهلا بك - أخي أيمن - على موقع "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله أن يجعلنا أهلا لثقتك فينا
أخي الحبيب،
إن متابعاتك معنا لها أهمية كبيرة في رصد تطور حالتك والتعرف على أماكن الداء حتى يسهل تحديد الدواء؛ فالاستشارات الإيمانية تختلف عن الاستشارات الطبية؛ ذلك أن الطبيب يسهل عليه تشخيص المرض بتوقيع الكشف الطبي المباشر على المريض، أما نحن فعلاقتنا عبر القارات والدول والمحيطات؛ فبين صاحب الاستشارة والمستشار حواجز متعددة وحجب كثيرة وغيوم كثيفة تحجب الرؤية إن لم يكن هناك دقة وشفافية ومتابعة من صاحب الاستشارة.
إن تغيير النفس والانتقال من حياة العصيان والذنوب إلى حياة الطاعة تمر بعدة مراحل؛ أولاها أن يشعر الإنسان بأنه على خطر وأنه يحتاج إلى تغيير حياته تلك، ثم تأتي المرحلة التالية وهي تشخيص المرض ومعرفة مكمن الداء، ثم تأتي مرحلة ثالثة وفيها يتعرف المريض على وسائل العلاج وطرق العودة والتوبة، والمرحلة التالية مرحلة تنفيذية يقوم فيها المريض بتطبيق ما تعرف عليه من وسائل علاجية، وهذه المرحلة من أصعب المراحل وأطولها؛ ذلك أنها تحتاج إلى مجاهدة شديدة للنفس والشيطان والهوى، وأحيانا يكون فيها فترات تتذبذب فيها النفس بين الطاعة والمعصية، ولكن مع عزيمة صاحبها ومثابرته يستطيع التغلب على نفسه؛ حتى يسلس لها قيادها، وتستلذ بالطاعة وتأنس بها كما كانت تستلذ بالمعصية.(33/698)
وأظن أن مشكلتك أخي في هذه المرحلة؛ فأنت - بحمد الله- تعرفت على دائك، ومن خلال استشاراتك ومتابعاتك السابقة أخذت عددا لا بأس به من النصائح العلاجية، بالإضافة لما تتمتع به أنت من ملاحظات يفيد منها الآخرون، ويتبقى الآن الدور التنفيذي المطلوب منك أنت؛ فالطبيب يقتصر دوره على وصف العلاج، والمريض الحريص على الشفاء يسارع من نفسه بأخذ العلاج، هذا إذا كان الأمر يتعلق بمرض عضوي؛ فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بمصير الإنسان الدنيوي والأخروي؟!
لا بد أن تتيقن أن الأمر جد خطير؛ فهو إما جنة وإما نار، إما سعادة أبدية وإما شقاء أبدي، الأمر أخطر من أن تتهاون فيه أو تؤجل؛ فأنت لا تدري متى سينقضي أجلك، إن الموت أقرب من أحدنا من شراك نعله، وإذا بلغت الروح الحلقوم فحينها لا ينفع نفسا إيمانها؛ فباب التوبة مفتوح حتى تبلغ الروح الحلقوم، فسارع وادخل في هذا الباب، وليكن شعارك في هذه المرحلة {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.
أخي الحبيب،
أعلم أن للنفس صفات خبيثة، وأخلاقا مذمومة، وأن تغييرها واجب لا بد منه، حتى ينجو الإنسان، ولكن هذه الصفات الناقصة لا تزول بالأماني ولا بمجرد الاطلاع على حكم تزكيتها، أو قراءة كتب في الأخلاق والتزكية؛ بل لا بد لها- إضافة إلى ذلك- من مجاهدة وتزكية عملية، وكبح نزواتها العارمة وشهواتها الجامحة، وصدق الشاعر حين قال :
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وثق أن النفس الإنسانية قابلة للتغيير، وتبديل الصفات المذمومة؛ فالكثير من البهائم والطيور أمكن ترويضها واستئناسها؛ فالإنسان الذي كرمه الله بالعقل أولى بهذا، وإلا لما كانت هناك فائدة من إرسال الرسل، ولما كانت هناك ضرورة للدعاة والمصلحين في كل العصور.
والله عز وجل قد تكفل بهداية من جاهد نفسه، فقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، والمقصود بالجهاد هنا هو جهاد النفس كما قال بعض العلماء؛ فهذه الآية من سورة العنكبوت، وهي سورة مكية نزلت قبل الأمر بقتال الأعداء ومجاهدتهم.
فأنصحك أن تجلس مع نفسك جلسة مكاشفة ومصارحة تفتح فيها صفحة جديدة بيضاء، تقوم فيها بسرد السيئات والمنكرات التي تأتيها، وتبدأ تدريجيا بالتخلي عنها حسب خطورتها؛ فابدأ بالكبائر واعزم عزما صادقا أن تتوب عنها ولن تعود لمثلها أبدا مهما كانت الظروف، ثم انظر في الأقل منها خطورة وهكذا حتى تتخلص من كل الذنوب والمنكرات التي تعوق حركتك وتسد عليك طريق العودة لله رب العالمين.
ومع كل سيئة تتركها حدد طاعة أو عملا صالحا كنت لا تفعله فابدأ بفعله؛ فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية. ويمكنك أن تستعين بجدول أو ورد محاسبة لتقييم حالتك ومحاسبة نفسك.
لقد كنت صريحا وواضحا معنا، ومع نفسك، وأنت تحدد مشاكلك، وأراك قد حددتها في قولك: "ضعف إرادتي، وعدم وضوح أهدافي، و ميوعة مواقفي فيما يخص حياتي، صدقوني لا أستطيع اتخاذ قرارات مهمة في حياتي، دائما متردد".(33/699)
ودعنا نبلورها لك في نقاط محددة مع إعادة ترتيبها قليلا لتكون كالتالي:
- عدم وضوح الأهداف.
- ضعف الإرادة.
- ميوعة المواقف.
- التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات المهمة.
فعدم وضوح الهدف والغاية ينتج عنه ضعف الإرادة وقلة التحمس للأمر، وهذا بدوره يؤدي إلى الميوعة والاضطراب في المواقف، وهو ما ينتج عنه التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة في الحياة، إذن فمرد الأمر كله إلى عدم وضوح الهدف والغاية.
وأظن أخي أن ما تعاني منه هو داء وبيل منتشر في كثير من شباب الإسلام اليوم؛ فكثير منهم يعيشون بلا هدف ولا غاية ولا هوية، ويتركون مصيرهم لتقلبات الدهر وصروف الحياة، تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وهم مكتوفو الأيدي والأذرع؛ حتى تغنى أحدهم قائلا: "جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت.. ولقد أبصرتُ قُدّامي طريقا فمشيت.. وسأبقى سائرا فيه شئت هذا أم أبيت.. كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟.. لست أدري".
أخي الكريم،
إني أتعجب لشاب مثلك في الثلاثين من العمر، ويحمل رسالة الماجستير، ومنّ الله عليه بالسفر والإقامة في بلد الحبيب- صلى الله عليه وسلم- ومهبط الوحي.. كيف يسير في هذه الحياة غير واضح الهدف والغاية؟! هل ترك نفسه للأقدار حتى وضعته في مصب حياته التي يحياها الآن؛ حتى أصيب بالسلبية في كثير من أموره؛ فهو يبحث عن الصحبة الصالحة في الرفيق الذي فرض عليه بحكم السكن فقط، ويبحث عن الزوجة في الفتاة التي عرّفه عليها بعض الأهل؛ فيوافق عليها رغم أن بها بعض العيوب التي تجعله غير مقتنع بها؟!
إن أخشى ما أخشاه أن يكون إحساسك بالسلبية هذا هو الذي جعلك تهرب لتثبت شخصيتك وذاتك في أمر آخر؛ وهو شرب الخمر والزنا والعياذ بالله؛ فهذه الأمور سهلة لمن طلبها، ييسرها شياطين الإنس والجن الذين كثر عددهم وضل سعيهم. إن رباعية المشاكل التي حددتها أظن أنها وراء التخبط والعبث الذي تعيشه في حياتك؛ فابدأ من الآن، وسارع في التغيير.
وقد وضح الله- عز وجل- الهدف من وجودنا على هذه الأرض، فحدده في هدفين اثنين هما: عبادة الله عز وجل، وخلافته في الأرض؛ فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، إذن فلتكن غايتك العظمى التي تعيش لها وتعمل من أجلها هي رضوان الله عز وجل والدخول في رحمته والفوز بجنته، وتحت هذه الغاية تأتي أهداف عديدة تستوعب كل مناحي الحياة؛ فلتكن دراستك وزواجك وعملك وسفرك وكل حركة و سكنة في حياتك موجهة حسب منهج الله تعالى وما أراده منا، فجعل لكل عمل نية خالصة تتقرب بها لله تعالى { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.(33/700)
أما ضعف الإرادة فهو غالبا راجع إلى تسلط الهوى على صاحبه؛ بحيث يصبح الفرد مسلوب الإرادة تحركه شهواته وهواه، وقد ذم القرآن ذلك فقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ}، وقال عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}.
وينتج عن ضعف الإرادة هذا ميوعة المواقف والتردد في اتخاذ القرارات؛ فهذا الشخص يكون في صراع دائم ومستمر بين فطرته التي تدعوه لإتباع هدي الله، ونزوات نفسه التي تدعوه لإتباع طريق الشيطان، أما المسلم الرباني فيكون منطلقه ووجهته دائما وجهة واحدة؛ لله رب العالمين ورسوله الكريم .
وأنصحك بأن تقرأ تحليل خبراء علم الاجتماع لضعف الثقة بالنفس:
عدم الثقة بالنفس : نسيان وخوف واكتئاب
ضعف الثقة.. الأسباب والحل
كيف أكتسب الثقة بنفسي ؟
الثقة بالنفس مفتاح التميز
ويريد الإسلام من المسلم أن يكون إيجابيا لا سلبيا، مؤثرا لا متأثرا، فاعلا لا مفعولا به. وقد ربى أتباعه على أن يحلل أحدهم العمل الذي ينوي القيام به، ويوازن بين إيجابياته وسلبياته ، وبناء على ذلك يتخذ القرار الذي ترجح فيه الإيجابيات،
والرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- علم أصحابه صلاة الاستخارة ليقوم بها المسلم قبل أن يأخذ أي قرار في حياته، صغر أم كبر؛ ذلك أن إدراك الإنسان واختياره لا يخلو من قصور ونقص؛ فعليه أن يفوض الأمر ويرجعه لله رب العالمين الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، ويدعوه أن ييسر له الخير حيث كان ثم يرضيه به .
أخي الحبيب،
لا يفوتني أن أحذرك من كثرة جلد الذات؛ فالكيِّس من دان نفسه، ولكن إدانة النفس هذه لابد أن تكون متبوعة بعمل صالح كما أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت"، والوجه الآخر المذموم: "والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله".
أنصحك مرة أخرى بأن تنطلق من الجانب المشرق في نفسك وأن تكون واثقا من تأييد الله لك، ونصره لك على نفسك، خاصة أنك جربت هذا وتذوقت حلاوته، ومن ذاق عرف، وأنت الذي تقول: "فلقد تذوقت نجاحاتي كلها، دينية ودنيوية، عندما كان لي هدف حتى ولو كان مؤقتا". فحافظ على نجاحاتك، وحول المؤقت منها إلى دائم، والصغير إلى كبير، واستعن بالله ولا تعجز.
ولا تنس أخي أن المنبتَّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى؛ فاحذر أن تبدأ من القمة فيكون النزول للسفح سهلا، ولكن ابدأ من السفح واصعد للقمة؛ فبعض الملتزمين الجدد تأخذهم الحمية للالتزام، ثم يلقون بأنفسهم ليغبوا منه غبًّا لا يتناسب مع(33/701)
استعدادهم النفسي؛ فسرعان ما تمل أنفسهم ويهربون من حيث أتوا؛ فأوغل فيه برفق.
وفي النهاية أخي الكريم أسأل الله أن يرزقنا وإياك التوبة الصادقة التي يجبُّ الله بها ما كان منا، وأن يردنا إلى دينه ردا جميلا..آمين وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
تاب بعد معصية.. فهل أقبله زوجا؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
أنا مخطوبة لشاب من بلدي منذ شهر، واعترف لي بأنه أقام علاقة مع فتيات، في فترة دراسته الجامعية في الولايات المتحدة، رغم أن والديه متدينان.
ولا أدري إلى أي حد وصل فيها، رغم أنه أقسم لي أنه كان على وشك الوقوع في الحرام، ولكنه أفاق في اللحظة الأخيرة، ومن ثم فإنه لا يعتبر نفسه زانيا.
ولكن ..(والله أعلم) بدأت الخواطر تذهب بي هنا وهناك.. لأنني من عائلة متدينة، ولم يكن لي أي علاقات فاسدة أبدا والحمد لله.. وجو عائلتنا بعيد كل البعد عن ذلك..
والمشكلة أني لم أدر بذلك إلا بعد فوات الأوان، وعقد القران، (وقد اعتبرته فواتا للأوان كونها الخطبة الثالثة المعلنة لي والثانية التي أكتب فيها العقد, وما أجد في كثرة فسخي للخطب من حرج، أو أن يساء الظن بي، رغم ما أتمتع به من سمعة طيبة والحمد لله.. وكذلك رغبتي في الزواج صيانة لنفسي، واستقرارا لي في بلدي، دون تنقل وإهدار لشبابي).
وقد أخبرني أنه يكره ماضيه الذي أساء فيه تجاه ربه، ونفسه، وأنه تاب، ولا يريد أن نفتح الموضوع ثانية.. ويريد أن نفتح صفحة جديدة، لذا فإنه بعد أن عاد إلى ربه, قرر الخطبة وأرادها أن تكون ذات دين حتى تسانده في توبته.
المشكلة أن الهواجس تقتلني.. لأني أخاف أن يبتلينا ربنا، عقابا له .. وأخشى كذلك أن يكون قد كذب علي، ووقع في الزنا أو قام بالمعاشرة ولكنه لم يقذف.. لذا اعتبر نفسه لم يزن.. ولا أجرؤ على الدخول في التفاصيل معه، لما قد ينتج عنه من مشاكل أو إحراج..
وأود أن أوضح أن صفاته العامة جيدة، وهو جيد في المعاملة، ويقدرني كثيرا.. وعلاقته مع ربه في تحسن مستمر.. ما عدا ماضيه الذي تاب عنه.. أرجو منكم النصيحة، لأني لن أفاتح أهلي بهذا الهم حتى لا يسيئوا الظن به كما أفعل.. وهل توبته كفيلة بأن أمد يدي إليه، وأساعده على فتح صفحة جديدة، وننسى الماضي؟.
فشكرا لكم و جزاكم الله عني خيرا..
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ رامي ملحم، النقابي والداعية، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالأردن :(33/702)
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وبعد.
الأخت الكريمة نور، رعاها الله.
الحق أن رسالتكِ أخذت حيزاً كبيراً من الدّراسة والتّفحّص، وإن كان ينقصني بعض التّفصيلات والتّقييمات المؤثّرة – في ظنّي – في استيعاب حالتكِ، لكن أرجو أن تتكرّمي بمعرفة ما يلي:
التّائبون إلى الله أحد صنفين؛ إمّا تائب جادّ مخلص في توبته، صادق في أوبته، وإمّا لعوب هازل، متردد في الإقلاع عن الذنب. والصّنف الأول يحتاج منّا إلى التّعامل معه بإيجابيّة وتشجيع ودعمٍ وعونٍ ونسيانٍ للماضي، أمّا الصنف الآخر فيحتاج إلى دوام النّصح والتّوجيه؛ لعلّ الله ييسر على يدينا هدايته.
أنتِ من تقدرين على تقييم خطيبك، من أيّ الصنفين هو؟ ويمكنكِ أن تستعيني بقرائن تدل على توبته والتزامه، مثلاً لاحظي غضّ بصره وسلوكه وأخلاقه وعبادته، بل إنّ طبع التّائب يظهر، واستقامة أمره تلمس، ويمكنكِ أن تسألي عن أحواله، ولكن بحذر، وآمل كونه كما قلتِ : أنّه نادم ويكره ما أساء به تجاه ربّه أن يكون قد تاب توبة صادقة نصوحة؛ فإذا ارتحتِ لذلك، وغلب على ظنّكِ أنّه تاب ممّا كان عليه، ويعجبكِ دينه وخلقه وطبعه، فلتستمر الخطبة ولتقبليه زوجاً، وأمّا إن غلب على ظنّكِ أنّه ما زال على معصيته وما هو إلا من الصنف الثاني المتردد، فأنصحكِ بتركه، حتى لو عُقِدَ عقد الزّواج، لأنّ من يتساهل في إقامة العلاقات ويقترف الزنى لا ينبغي أن يتزوّج من ذات الدّين والصّلاح.
آمل أن تتعمّقي في تقييم حالته، وأن لا تتعجّلي، بل وتحاولي أن تنصحيه وتوجهيه وتهديه للخير والصّلاح، لكن بالمقابل لا تترددي بالفسخ إنّ ترجح لديكِ بقاؤه على منكره. ودوماً من حسن التّعامل مع المشكلات أن نتحسسها في بداياتها ونتخذ الإجراء المستأصل لا المهدأ، ولا يأخذنّ كثيراً من تفكيرك قضية تكرار الفسخ، فبما أنّ القرار بعد رويّة ودراسة ودعاء واستخارة وراحة نفس فلا بأس ويعوضكِ الله خيراً.
إذا ترجح لكِ توبته – وهذا ما آمله – فينبغي أن لا تجعلي من الماضي حاجزاً بينكِ وبينه، بل ينبغي أن تنسي ما كان منه سابقاً، وأن تعامليه بحالته الحاضرة، وأن تتعاونا على الخير والتقوى والصّلاح، هو كان أخطأ وتاب، والصّحابة الكرام – رضي الله عنهم - وهم خير الخلق بعد الأنبياء – عليهم السلام- كانوا على الكفر والفواحش والكبائر قبل الإسلام، ثم آمنوا وتغير حالهم وتبدلوا تماماً.
لستُ مع إخفاء ما علمتِ عن بعض أهلكِ، إذ أرجو أن يكون من أهلكِ من يعينكِ على تقييم الأمور، فلا بأس بإعلام من ترين في إعلامه إعانة لكِ وتسديداً لتقييمكِ وحكمكِ، فالنّصيحة جيدة، والاستشارة مطلوبة، والأهل مظنة كثرة التّعامل مع الخاطب.
لا تخافي من أن يبتليكِ الله بأبنائكِ، فالله يبدل سيئات التّائبين حسنات، وهو أكرم الأكرمين، يغفر الذنب ويتجاوز عن الزلل.
في كلّ الأحوال أنصحكِ أن تطيلي مدّة العقد قبل أن تقرري الزواج أو الفسخ، كما أرجو أن تتفقا على برنامجٍ عباديٍّ عملي، تتعاهدا عليه وحين تلتقيان ليكن لهذا(33/703)
البرنامج نصيبه من لقائكما، فمثلاً تتعاهدا على صلاة الفجر والقيام وقراءة القرآن والتصدق والأدعيّة، وتنافسا في الخير، وتنافسا في من يرن على الآخر للقيام للصلاة، وغيرها من أساليب التنافس التي تعين على العبادة وتحببكما من بعضكما البعض.
وأدعو الله أن يوفقكما وأن يمنّ عليه بالهداية والتوبة الصّادقة وأن تكونا زوجين صالحين أن ترزقا بذريّة خيّرة بارّة مؤمنة، ويسرني قبل أن تتخذي قراركِ أن تعلميني، لعلّ من نصيحة تقدّم، وأعدكِ أن لا أتأخّر عليك بالإجابة، والله خير حافظاًَ.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود، المحرر المسئول بنطاق الأخلاق والتزكية بشبكة "إسلام أون لاين.نت":
أختنا في الله/ نور
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، باهتمام شديد، وأستعين بالله وأقول لك وبالله التوفيق، وأعوذ بالله تعالى أن أذكر به وأنساه .. فإني قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين
وألخص لك إجابتي في النقاط التالية : -
اعتراف خطيبك لك بمعصيته شيء طيب ويجب أن تشكريه على ذلك، وأن تشجعيه على الاستمرار في التوبة.
أنصحك ألا تجلديه على ما فعل في الماضي، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وهل أنت معصومة من الخطأ، فلا تعيني الشيطان عليه.
احذري الهواجس وإياك وكيد الشيطان فغنه يود أن يفسد على الناس حياتهم ودينهم، وطالما أنك لا تملكين بينة على وقوعه في هذه الفاحشة فإنه شرعا لا يجوز لك أن تعاقبينه على جريمة لم يثبت لديك انه اقترفها.
استخيري الله ثم توكلي على الله وتدعي نفسك في مهب رياح الشك، فإن الشك يفسد الدين والدنيا ويذهب بطعمهما.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
البنات بين خطر الحب وواجب التوبة العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا فتاة أبلغ من العمر17 ، مشكلتي هي أني ما زلت فتاة أعتبر نفسي صغيرة.. ولقد وقعت في حب إنسان والعجيب أنه فتاة، ولكن أحاول أن أنسى، ولا أستطيع. وقد(33/704)
بدأت أتراجع في دراستي، وكنت أدرس فقط من أجلها؛ لأنها تحب العلم كثيرا، وتغيرت معاملتي مع الجميع. وأصبحت أكذب بشدة..
فهل يا ترى ما أنا فيه لأني في سن المراهقة؟ هل كل الفتيات في سني تشعر مثلي؟ وهل هذا الحب حرام ؟ وماذا أفعل؟ أرجوكم ساعدوني إني أتحطم وأعاني من أكبر المشاكل القلبية، وأريد أن أنساها لأني بحاجة إلى ربي كي يساعدني وأكون قريبة منه ومؤمنة؛ لأني بدأت أشعر بأن الحب حرام ويبعد الإنسان عن إيمانه؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور أحمد عبد الله، المستشار الاجتماعي لموقع إسلام أون لاين.نت :
ابنتي الصغيرة .. أنت لم تذكري في استشارتك تفاصيل عن طبيعة العلاقة التي تجمعك بهذه الفتاة. ولكن في كل الأحوال؛ فالحب الذي تكنيه لها مضر؛ لأن فيه تعلقا أدى إلى الإضرار بك عندما تركتها باضطرابك في الدراسة وكذبك وكل الأخطاء التي تبعت هذه العلاقة.
فهناك شكل من الاعتمادية غير المناسبة عليها من قبلك. فلابد لك أن تحاولي الاستقلال بنفسك عنها؛ وألا تتورطي في علاقة تصبحين فيها طرفا ضعيفا لا يقوي علي الاستغناء عن الطرف الآخر؛ ويرتبك تماما في التعامل مع الحياة بدونه. وأنصحك بأن تدخلي في عالمك عدة صديقات حتى لا تستأثر فتاة بقلبك وحدها.
ويضيف الأستاذ جمال عبد الناصر من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الفاضلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته..
الحب مفهومه واسع جدًّا، فـ"الحُبُّ نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والمَحَبَّةُ .
والحبُّ شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". ويقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة:54].
وفي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي. اليوم أظلهم في ظلي. يوم لا ظل إلا ظلي"، فهناك حب الله ورسوله، وحب الوالدين، والحب بين الزوجين، والحب بين الإخوة، والأخوات، والأصدقاء، والصديقات، وليس من الغريب أن تتعلق الفتيات في مثل سنك ببعض الصديقات، ولكن لا بد من التوازن في هذه العلاقات ووضعها في مكانها فلا تخرج عن الحد الطبيعي كما يحدث مع البعض.(33/705)
وأما عن حبك لصديقتك فهذا الحب قد تخطى الحدود الطبيعية بحيث هيمن عليك وشغل فراغك، وهذا يا أختاه غير مقبول تمامًا، فالحب شيء جميل دعت إليه مصادر الشريعة السمحاء ما دام في سياقه ولم يخرج عن الوضع الطبيعي.
أما الحب غير الطبيعي الذي يصل لدرجة العشق فيقول عنه العلامة ابن القيم:"إن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد، بل هو خمْر الرُّوح الذي يُسكرها ويصدُّها عن ذكر الله وحبِّه والتلذُّذ بمُناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبِّد لمعشوقه، بل العشق لُبّ العبودية، فإنها كمال الذُّلِّ والحب والخضوع، والتعظيم، فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تُنال به درجة أفاضل الموحِّدين وساداتِهم وخواصِّ الأولياء؟".ا.هـ
والعلاقة التي تبدأ تشغل بالك وتشعرين ببعض القلق تجاهها يجب عليك أن تعيدي النظر فيها فقد تحتاج لبعض التوازن والانضباط. وليس سهلا أن تقومي بالتوازن خاصة عندما تشعرين بمحبة صديقتك الشديدة لك.
فعليك فورا التخلص من شراك هذا الحب الذي هيمن على مجريات حياتكِ وأوقعك في الكذب وغيره من المحظورات، وكي تخرجي من هذه المشكلة عليك يا أختاه باتباع الآتي:
1- إقامة علاقات وصداقات عديدة؛ فليس من الصحيح أن تحبي صديقة تكتفي بحبها عن العالم من حولك، واسمعي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه الدارمي إذ يقول: "أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما".
2- حسني ووثقي علاقتك بوالدتك، وإخوتك وقريباتك، واشتركي في العمل التطوعي والدعوي والخيري، وعليك بإقامة العديد من الصداقات في إطار الآداب الإسلامية المشروعة.
3- لا تقطعي علاقتك بصديقتك هذه، ولكن أعطها حجمها فقط، ذاكرة ما جاء في الحديث: "يا ابن آدم أحبب من شئت فإنك مفارقه".
و يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
الأخت الفاضلة..
أما عن ميلك تجاه هذه الفتاة ، وهل له علاقة بالمراهقة، فإنه من المعلوم أن هناك من الفتيات من تميل لبعض زميلاتها دون البعض وكذلك الحال في الفتيان، وهذا أمر طبيعي ، غير أن هذا الميل قد يبدأ طبيعيا، ، لكنه بحدوث بعض الاحتكاك وخاصة في الخلوة والجلوس وحدهما ، قد يحدث نوع من لمس الأيدي، أو أن يكون هناك نوم سويا أو مشاهدة بعض الأفلام وغيرها، فيتولد ميل غير طبيعي، لأن الله تعالى خلق الرجل يميل إلى المرأة، والمرأة تميل إلى الرجل.
ولكن حين يصل الأمر إلى ميل خاص، فهذا مرض نفسي، يجب فيه الرجوع إلى الطبيب ومشاورته فيه ، للبحث عن أسبابه وتداعياته، ومعرفة تفاصيل كثيرة في حياتك تجاهها للوقوف على علاج، وقد يكون البعد وقطع العلاقة من أصعب الأمور، لكنه من أنجعها و أنجحها .(33/706)
ومن الجيد الشعور بالمعصية، فتنمية هذا الشعور في النفس يدفع دائما للتغيير، والرغبة الحقيقة في العلاج تساعد أيضا على الوصول للعلاج بشكل فعال، مع الأخذ في الاعتبار الرجوع للطبيب النفسي ، ومعرفة الملابسات المحيطة بالموضوع.
فبهذا التشابك الإيماني مع العلاج النفسي يمكن لك أن تتجاوزي هذه المرحلة، وكوني على حذر منها، لأن الأمر قد يتكرر، لأن هذا الميل قد يولد في نفس الإنسان حاجة إليه، وهذا يعني ألا يكون العلاج مجرد تخدير يبعدك قليلا عن العلاج الذي يستأصل المرض ، ولكن اجعلي نفَسك طويلا في العلاج ،وخاصة أن ما أنت فيه شيء مخالف للفطرة.
دعواتنا لك ونرجو أن تتواصلي معنا، وتابعينا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
كيف أتقي شر جيراني ؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
سيدي المستشار .. كل يوم يقول فينا رجل دين بواجب الجوار وضرورة أن يتحمل بعضنا بعضا لكي نعيش في مجتمع آمن؛ أقتنع عقليا بهذا الكلام. ولكن الواقع يفزعني ويجعلني اهزأ به.
دعنا ندخل في الموضوع مباشرة. لا يريد الجار الساكن فوقي أن يصلح الحمام وبالتالي ؛ فإن حمامه معرض في أي وقت أن يقع فوق رأس أي فرد من أسرتي.
كلمت طوب الأرض حتى يتراجع عن بخله ويقوم هو بهذا ولكنه لم يرض. فقلت أتحامل علي نفسي وأقوم بالإصلاحات علي نفقتي. وبعد أن دفعت من جيبي حتى أصلح الحمام لديه؛ خربه أهله مرة أخري من سوء استخدامهم للحمام وكثرة تركهم الأرضية مبللة دون تجفيف.
عندئذ طلبت منه أن يعيد التصليح ولكن علي نفقته.. لكنه لم يرض. حاولت أنا وزوجتي أن نسوق جيراننا عليه حتى يقبل وإلا سوف نحرر ضده محضر. فتراجع علي الفور أول ما سمع هذا الكلام . فلماذا يدفع الإنسان بالحسنى ولا يجد مقابلا إلا بالتهديد وسوء الوعيد.
هذا الجار الذي يقيم فوقي مباشرة. أما عن بقية الجيران فحدث ولا حرج؛ فكثيرون أجدهم يتحدثون خلسة عن ابنتي التي لم تتزوج وبعد ويقولون فيها بهتانا القيل والقال.. وابن الجيران الذي لا يكف عن مغازلة ابنتي الصغيرة رغم إحراجي له ولوالده أكثر من مرة.. وجار آخر يشغل الكاسيت بصوت عال ليلا ونهارا .. الخ ..
بالطبع هناك نماذج قليلة في حينا تعكس خيرا .. لكني مللت من هذه التعاملات؛ لذلك قطعت العلاقة تماما مع جيراني .. ولكن أبنائي كل يوم يقولون لي إني لست علي صواب؟ وإني أنتقص من بنائهم الإنساني بهذا الفعل ؟ فهل أنا علي صواب أم أبنائي؟ وكيف أتقي شر جيراني؟ وأعد نفسي إيمانيا علي تحملهم والصبر علي أذاهم؟
أفيدوني بالله عليكم
السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران المستشار
الرد(33/707)
لا يستطيع إنسان أن يجمع البحر في قارورة، أو الريح في زجاجة؛ فهل تراني – يا سائلي الكريم – مجيبَك إلى كل ما سألت؟.
إذا لم أفعل شعرتُ بالتأثم وتأنيب الضمير، ومن أجل ذلك فإنني أستعين بالله الكريم رب العرش العظيم، وألقي بين يديك كل ما في جعبتي، متمنيا على الله تعالى أن يبارك في جهد عبده المقلِّ. لقد طرقتَ بابا من أبواب عنائنا. أجل، إنه كذلك، ولكن مصدر العناء يا أخي إنما هو نحن.. وليس أحدا غيرنا. لقد قرأتُ شكواك، وأكاد أقول: إنها متكررة ومنتشرة في كل شارع وكل عمارة سكنية، وخاصة في المدينة.
لقد جرفَنا هذا السيلُ العارم حين نمَّط حياتنا وحشرنا في طاحونة يومية لا تنتهي؛ فأصبح الناس يُهرعون إلى العزلة والانفرادية والتقوقع؛ ظنا منهم أن هذا أفضل بكثير من المشاركات الاجتماعية الأصيلة، وأصبحنا نسمع كل يوم ونرى أطيافا من الأعاجيب، وأصنافا من البشر، وفلسفات بُنيت في دهاليز الأفكار الشخصية المنغلقة، تبرر بكل وسيلة هذه العزلة القاتلة.
إن ديننا لا يرحب بهذا أبدا. فيقول عز وجل :{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}.. أليست هذه الآية في سورة الحجرات التي يحفظها أو على الأقل يعرفها كل إنسان له صلة بشريعة الحق سبحانه؟!.
فماذا حدث؟! لقد تجذرت في مجتمعنا صفة الانفصامية، تلك التي يطلقون عليها "شيزوفرينيا".. وأصبح انفصام الشخصية أصلا لا فرعا. نعرف شيئا، ولكنا نعمل شيئا آخر. كل الناس يتكلمون، ولكن عند العمل "يتحنطون"..!
أيها الجار الكريم.. دعني أبدأ معك الآن. تقول بأن جارك الذي يقيم فوقك مباشرة لا يتعاون معك، ويرفض أن يصلح من شأن حمامه الذي يصيبكم بالأذى. وأنت محق في شكواك هذه، ولكنك أرسلتها إلينا نحن قسم الاستشارات الإيمانية، ولم ترسلها إلى القاضي؛ ولذلك فإن إجابتي عليك ستكون ذات طابع إيماني، وليست حكما قضائيا.
أقول هذا لأنني أعترف أنك محق في شكواك، ولكن لا سبيل لدي لسماع الطرف الآخر، ولا للحكم على جارك هذا؛ وبالتالي سأبحث معك عن طرق أخرى أكثر نفعا – فيما أرى – في إطار معاملاتك مع هؤلاء الجيران.
ولكن السؤال الذي أود أن أطرحه عليك: كيف حالك مع جيرانك الأعزاء؟
لاحظ أنني لا أسألك: كيف حال جيرانك معك. ولكني أسألك عن حالك أنت معهم، بعيدا عن أية مشاكل: ما رأيك إذا نحيتها جانبا، والتمست لنفسك طريقا للمعاملة الإسلامية الحقيقية، على الأقل بادر أنت نحوهم، وقبل ذلك أخلص نيتك، وتوجه إلى الله العلي القدير أن يعينك على حسن الجوار وإصلاح الأحوال. ادع بهذا الدعاء: "اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور".
ولتبدِ لهم من معاملاتك ما يليق بك أنت، لا ما يستحقونه هم. ولتكن معهم كريما:
* "إذا اشترى أحدكم لحما فليكثر مرقته، فإن لم يصب من اللحم أصاب من المرق وهو أحد اللحمين، وليغرف لجيرانه ".(33/708)
* "إذا طبخت قِدرا فأكثر مرقها، فإنه أوسع للأهل والجيران ".
* "إذا طبختم القدر فأكثروا الماء واغرفوا للجيران ".
هذه كلمات مروية عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أتفهم أنه في كثير من الأحيان لا يستطيع الجار أن يهدي جاره لحما، وخاصة في أيام الرخاء هذه..! ليكن.. ولكن هذا لا يمنع طبقا من الحلوى، من الفاكهة، كتبا مدرسية انتهى أولادك منها في عامهم الماضي تهديها لأولاده بابتسامة وبطريقة لطيفة، بعض الملابس التي بحالة جيدة ويتكدس بها دولابكم تهدونها إليهم. قد يكون شيء مما ذكرته مناسبا لحالات، وقد لا يكون مناسبا لأخرى، فتدبر وقدر مزاج جارك وردَّ فعله قبل أن تُقدم على أمر ربما يكون مردوده عكسيا.
"تهادوا تحابوا".. أليس هذا حديثا نبويا كريما؟ اجتهد أن تطبقه وانظر في العواقب؛ حتى ولو بالشيء اليسير. المسبحة التي تسبحُ بها. بسكوته لأحد أولاده. أي شيء.. أي شيء. افعل هذا ولا تنتظر منه استجابة سريعة، أو تغيرا فوريا. وإياك يا أخي الحبيب أن يكون لسان حالك أو مقالك: سأصنع معك أيها الجار كل وسيلة لعلك تعود عن ظلمك وغيك..! فإنك إن فعلت ذلك، أو ظهر له منك مثل هذا فسيغلق كافة الأبواب دونك. فالنفس البشرية معقدة، ومعظم النفوس اليوم مريضة، عافانا الله وإياك وجميع المسلمين. والباب الكبير المتين يفتحه بسهولة بالغة مفتاحٌ صغير.
إن أكثر ما يؤثر في إنسان أن يجد بجواره مَن أساء إليه حين يكون محتاجا إليه. إن موقفا كهذا جدير بأن يُذيب كل ما بينكما من مشاحنات وبغض. وسبحان الله العظيم خالق هذا الإنسان العجيب.
* ألقِ عليه السلام مبتسما، وصافحه إذا تيسر.
* سل عن حاله وصحته وصحة أولاده، وقل له: لعلكم بخير..
* احذر أن تقتصر العلاقة بينكما على الشكاوى والمنازعات.
* ليكن حوارك معه بصيغة المتكلم المقترِح، وليس الآمر.
* اعرض عليه التعاون فيما بينكما، وبادر ما استطعت إلى تحمل أكبر الأعباء؛ فهذا أفضل بكثير من العناد والعنت.
* بين له بطريقة جدية أنك لا تفكر في تحرير محضر ضده، وأنك لن تفعل ذلك أبدا؛ لأنكم جيران، وعِشرة، وأهل.. الخ
* بارك له على نجاح أولاده، وسلم على أولاده بنفسك، وتقرب منهم، واسألهم عن مجموع درجاتهم، وفي أي سنة دراسية هم، وشجعهم على التفوق.
* اعرض عليه أن يشرب معك الشاي، بدون سبب، فقط مجرد جلسة مودة ومحبة.. وكرر هذا عليه بين الحين والآخر إذا امتنع.
* قدم له مجهودا واضحا ومشاركة عملية في أفراحه وأحزانه.
* وغير ذلك كثير.. أيها الجار العزيز
يا أخي الحبيب:
إذا ذهبت إلى كل ساكن على حدة، وسألته: مم تشكو من جيرانك؟ فسيقول كل واحد منهم شكاوى كثيرة جدا. وهنا تصدق علينا الحكمة القائلة:
كلنا يشكو.. فمن المشكو منه إذن؟!(33/709)
جيرانك يتحدثون عن ابنتك، ويعاكس هذا بنتك الصغيرة، ويرفع هذا من صوت المذياع.. أمور موجودة بالفعل، ولكن ما الحل في مثل هذا؟!
أما حديثهم عن ابنتك همسا أو غيبة فلا شأن لك به؛ أعني أنك لن تستطيع أن تتدخل في هذا مباشرة، وأجرك على الله أنت وابنتك المظلومة. ولكن تستطيع أن تقترح على خطيب الجمعة عندكم، أو بعض الدعاة الصالحين أن يعد درسا أو خطبة جيدة عن حقوق الجار، وعن الغيبة والنميمة، وكذلك تستطيع أن تشتري بعض الشرائط والكتيبات المتنوعة، ويكون من ضمنها ما يتناول هذا الموضوع، وتذكر قول الله تعالى: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".
وتذكر أيضا أن تصحح نيتك لتكون: السعي إلى الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وأنك لا تفعل هذا من أجل أن يكفوا عن التحدث عن ابنتك فحسب، وإنما لأنها كبيرة في الإسلام، الغيبة والنميمة، سواء كان التحدث عن ابنتك أو عن غيرها.
أما عن ابنتك الصغيرة فإن عليك أن تحبب إليها الإسلام والعفة والأدب منذ صغرها، لتنشأ هي على غض البصر، وتقوى الله، والسير على طريق الله المستقيم، الذي يؤدي بنا إلى سعادة الدارين. فإذا اجتهدت في ذلك مستعينا بالله العظيم، وهي مسئولية كبرى، فاعلم أن هذا المعاكس لن يجرؤ على نظرة إلى شابة متدينة. ولا أزيد على هذا. أما هؤلاء الذين يرفعون أصوات المذياع بشرائط الكاسيت ليلا ونهارا، فحري بك أن تدعو الله لهم دعاء خالصا لا دعاء انتقاميا.
ادع الله لجارك هذا، وأيضا لهؤلاء الذين يخوضون في الحديث عن ابنتك، وكذلك لهذا الشاب الذي يعاكس ابنتك، وهؤلاء الذين يرفعون أصوات مذياعهم. ادع الله لهؤلاء بإخلاص أن يبصرهم ويهديهم ويصلح حالهم وبالهم.
ولم لا؟ أليسوا يفعلون ما يفعلونه بسبب الجهل، أو الشهوات، أو الشيطان، أو الدنيا، أو الهوى، أو الصحبة السيئة، أو وسائل الإعلام.
أليسوا مساكين في حقيقتهم؟!.
إنهم ليسوا أشرارا في الأصل، ولكن ربما إذا هيئت لهم بيئة صالحة طيبة فقد يكونوا غير ذلك.
وفي كل الأحوال: أنت لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، وما عليك إلا البلاغ. والدعاء منك لهؤلاء يرفعك عند الله، ولا تدري لعل الله تعالى يصلح بدعوة منك ما تتوقعه.
إنه سلاح ماضٍ ونافذ.. ولكننا نغفل عنه، أو نمارسه بنمطية ورتابة. وفي الحديث الشريف يقول: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
وإذا أتيح لك أن تتقرب من هؤلاء الذين يرفعون أصوات مذياعهم وأن تتعرف عليهم مرة بعد مرة، من غير أن توجه إليه "الأوامر" بخفض الصوت، وتعلمهم أنك جار لهم، وأن أولادك في البيت يذاكرون، وقد يكون أيضا هناك المريض والنائم الذي يحتاج إلى أن يستريح لينهض إلى عمله في الصباح.. الخ. أعلم أن هذا أمر صعب، ولكني لا أجد سبيلا سواه للتفاهم مع أمثال هؤلاء.
اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا و اهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري.(33/710)
ـــــــــــــــــــ
الاسم
محتارة.. إن وصلت رحمي غضبت أمي!! العنوان
السلوكيات الموضوع
حضرة المستشارين الأفاضل :
حياكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وكلل بالتوفيق مسعاكم و جزاكم خير الجزاء :
أما بعد :
فما أود عرضه مشكلة لأخت لي في الله توفي والدها وعمرها تسعة أشهر بمرض خبيث فتركها وأختين لها وأخا وأما ( زوجته ) ترعاهم وأوصى أم أمها ( حماته ) أن تعتني بالصغيرة وأنها أمانة في عنقها وفعلا كان ما أراد فتربت الصغيرة عند جدتها ترعاها وتعتني بها وتؤدبها بعيدا عن أمها وأخوتها الذين شربوا حقدا عظيما على أهل والدهم المتوفى من أمهم التي عانت من أهل زوجها الويلات ( كما تقول ) بعد وفاته، حيث اتهموها بقتله وأنها السبب في موته، ورفعوا القضية للشرطة وبقيت سبع سنوات تعاني من المحاكم والمخافر حتى بانت براءتها واتضحت قضية وفاة زوجها .. عند ذلك أضمرت لهم حقدا وعداوة .. واعتبرت ما قاموا به ذنبا لا يغتفر .. خاصة أنهم أهملوا الأولاد والإنفاق عليهم وكأنهم لا يمتون لهم بصلة ..
وعاش الأولاد وأمهم في فقر وضيق وقلة ذات يد أعواما عديدة لا أحد يسأل عنهم أو يقدم لهم خدمة .. المشكلة الآن أن الأولاد لا يعرفون أهل والدهم المتوفى ( الجد والجدة والعم والعمة ) ولا يتصلون بهم ويقطعون رحمهم بتوجيه من أمهم التي تثور وتغضب وتبكي كلما فتح معها أحد هذا الموضوع وحاول الإصلاح وتقريب القلوب لجمع الشمل وصلة الرحم ، والبنت الصغيرة أصبحت الآن في عمر 17 وهي تتلقى العلم الشرعي وتعرف خطر قطيعة الرحم ولم تحمل الحقد الذي حمله إخوتها على اعتبار أنها تربت عند جدتها التي ما ذكرت لها هذه القصة ولا عمقت العداوة في قلبها وأملها أن ترى جدها وجدتها وتتعرف عليهم قبل وفاتهم وتصل رحمها رغم إساءتهم كل ذلك لوجه الله وطاعة لله لا لنفسها أو مصلحة شخصية بل تخشى غضب الله، ولكنها تخاف غضب أمها فماذا تفعل ؟؟
أرجو أن تعينوني في إيجاد حل لها ..
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخت الكريمة :
جزاك الله تعالى خيرا عن اهتمامك بإحدى زميلاتك، تسألين عن قضية تهمها، ولا شك أنك عشت معها بعض ما تعانيه، فلك الأجر والثواب عند الله يوم الجزاء والحساب.
أما فيما يخص المشكلة فأقول وبالله التوفيق:(33/711)
ملعون ذلك الظلم بكل ألوانه، وألف لعنة على ذلك الظلم الاجتماعي الذي يقطع الأواصر، ويقطع حبال الود، ويشتت الأسرة الواحدة، ويجعل الناس شيعا متفرقين، بعد أن كانوا على وصل سواء، فقست القلوب وتحجرت، لتهدم كل معاني الألفة والمحبة الإنسانية والاجتماعية التي يسعى الإسلام دائما إلى أن تكون لحمة واحدة، وأن يكون المسلمون كما وصفهم الله: "إنما المؤمنون إخوة".
ذلك الظلم الذي يهدم البيوت، ويخرب العقول، ويميت القلوب، فصاحبه مأزور غير مأجور، وخاطئ غير صائب، وخارج عن الحق، وباطل ما عمل، وحسابه عند ربه، ليجازيه على ما عمل، كما قال تعالى:" واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".
و السر في ذلك الظلم الاجتماعي أمران:
الأول: موت القلوب، فإذا مات القلب، غشي عليه، وعمت الأعين، وصمت الآذان، وشلت الأيدي عن أن تمتد للعمل الصالح، وتسمرت الأقدام أن تمشي في سبيل الله، وبقي الإنسان ميتا ولو كان حيا يمشي على الأرض ويحيا بين الناس، فحياة الناس رهن بحياة قلوبهم، كما قال تعالى:" أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها".
الثاني: حب الدنيا لذاتها، وتقديمها عن كل شيء شهوة للنفس، وسعيا للفساد، و تحويلها من مزرعة للآخرة، لمحرقة تأتي أواصر الأخوة، ومن قنطرة توصل المرء إلى الله، إلى بحر يغرق فيه الناس، ومن حياة حلوة كلها سعادة تشع بين الجميع، إلى وجود بؤساء في الأرض يجأرون إلى الله ظلم الظالمين، غير أن الله وعد المظلوم أن ينصره ولو بعد حين، بل يقسم الله تعالى، وهو أمر قليل في الشرع أن ينطفئ نار الظلم في قلوب المظلومين، فيقول في الحديث القدسي:" وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
فليهنأ المظلوم بنصر الله، وليحزن الظالم بظلمه يوم أن يلقى الله مفلسا، قد دمر آخرته بدنياه، فلا يجد شيئا يعتذر به عند الله.
إن الناظر لخريطة النصوص الشرعية يلحظ حرص الإسلام على التواصل بين المجتمع البشري بكافة مستوياته:
تواصل بين كل بني آدم، مسلمين وغير مسلمين، تعاونا على البر والتقوى، وسعيا لتعمير الأرض وإصلاحها.
تواصل بين المسلمين فيما بينهم كأمة واحدة، عندهم من الروابط ما يجعله علاقة كالعروة الوثقى.
تواصل بين الجيران في المنطقة السكنية، ولو لم يكن بينهم أنساب.
تواصل بين الأصهار بسبب الزواج وإن لم يكونوا أقارب.
تواصل بين الأسرة الواحدة والعائلة الواحدة في المحيط العائلة الكبيرة.
تواصل بين الآباء والأمهات مع أولادهم.
تواصل بين الزوجين حبا ومودة ورحمة وشفقة وعطاء وبذلا وسعادة.
فالإسلام دين التواصل، والداعي إلى مد حبل الوصال، ومن عظمة طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الناس أن أمر الشرع بوصل الرحم، وجعل الله تعالى لها اشتقاقا من(33/712)
اسمه، فهو الرحمن، وهي الرحم، كما جاء في الحديث:" شققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته".
بل يثني الله تعالى على واصل الرحم، فيقول:" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب"، بهذا الخطاب الحميمي الجميل الذي يدفع الإنسان لصلة الرحم، مهما كانت هي قاطعة، لأنه يصل ما أمر الله به أن يوصل، لا لهم، ولكن لله، ومن صدق الله في فعل له سبحانه، فمن المستحيل أن يقطعه، إذ هو يحضر بجسده مع المخلوق، ولكنه بقلبه مع الخالق، وإذا حضر القلب، جلب معه الجسد، وكان الجسد تابعا له، ولكن إذا التفت المخلوق للمخلوق، هنا تبدأ المشكلة ويأتي قطع الوصل المأمور بوصله.
وحينها يجيء النكير الإلهي الذي يفزع القلوب:" فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"، فعطف الله تعالى قطع الرحم بالإفساد في الأرض، بل هو من الإفساد حقيقة، لأن الناظر إلى منهج الإسلام يدرك عظم تلك العلاقات بين الأقارب، كما قال تعالى:" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن كان الله كان عليكم رقيبا".
وفي موقف زميلتك- أختنا الفاضلة– لي بعض الملاحظات:
* أنه يجب علينا أن ندرك قدر المعاناة التي عاشتها أمها من ظلم وضياع للحقوق وترك لها ولأولادها سنين، فليس من الحكمة أن ينسى كل هذا بالنسبة لها، يعني حين نخاطبها يجب ألا نغفل هذا، بل نقرر بكل شدة أن هذا ظلم بين، ولكن ليس نحن الذين نحاسب العباد، فالشعور بالظلم شيء فطري في حياة الناس، وليس من الحكمة أن نقتله، ولكن يجب أن نفرق بين الأدوار التي يقوم بها الناس، فإنا لن نحاسب العباد، فهذا من فعل الله تعالى، ولكن نحن نغضب للظلم ولا نرضاه، ومن الإيمان أن نتغاضى عنه، وأن نغفر لإخواننا ما وقعوا فيه من ظلم لنا، أو على الأقل نكل أمرهم إلى الله، ونفوض الأمور كلها له سبحانه وتعالى، وهذا هو المدخل الذي أحسبه جيدا في الحديث مع الأم.
* أما عن الفتاة، فإن هناك إشكالية يفهمها عدد غير قليل خطأ، وهي علاقة الأبناء بآبائهم، فالأبناء حين يكبرون لهم استقلالية في إطار الشرع الحكيم، فليس كل ما يأمر به الوالد أو الأم يجب تنفيذه، بل الطاعة في المعروف، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما جاء أيضا في حديث:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، إن الشاب أو الفتاة يحاسب أمام الله تعالى، ولن ينفعه والده أو أمه، كما قال تعالى:" يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا"، فالمسئولية فيما أمر الله فردية، ولو أمر والد ولده، أو أم ابنتها بقطع الرحم، فيجب على الولد أن يخالف والديه، وأن يصل ما أمر الله تعالى به أن يوصل، ويحرم عليه طاعتهما، مع إحسان المعاملة لهما، بهذه الخطوط الرفيعة يدرك الإنسان منهج التعامل في كثير من القضايا التي تظهر فيها إشكاليات بين الآباء والأبناء، إنما الطاعة في المعروف، والإسلام يعطي الأبناء حرية منضبطة تحقق لهم التوازن في الحياة والحفاظ على حقوق الآخرين.(33/713)
* إذا كانت معرفة الوالدة والأخوات قد تضر بعلاقة الفتاة معها فيمكن لها أن تصل رحمها دون أن تعرف أمها أو إخوتها، حتى تطيب الأجواء وتهدأ أفضل مما هي عليه، وليس بلازم في الشرع أن يعرف الوالد كل شيء عن ولده مما يفعله من واجب أو شيء مباح، ما لم يضر به، لأنه مسئول أمام الله تعالى.
* لو عرفت الأم أن الفتاة تصل رحمها فغضبت، فغضبها لا يحمل الفتاة إثما، ولا تكون عاقة لها ، فهي أدت ما افترضه الله تعالى عليها.
لكن يجب علينا أن نعالج الأمر من جميع أطرافه، الأم التي ظلمت وعانت، وأن تسامح أصهارها، وأن تتعلم من الله العفو، فكم عفا الله تعالى عنا ويعفو وسيعفو، وكل الناس تخطئ، وأن تحتسب ذلك عند الله، أو على الأقل تفوض الأمر لله، والأبناء يجب عليهم أن يصلوا أرحامهم، قد لا يكونون جميعا على درجة واحدة من الوصل، فمن تربت في بيت جدها غير من ابتعدوا وشعروا بالظلم، لكن المهم أن يكون هناك وصل لا قطع، والزمن جزء من العلاج، والبركة في فعل ما افترض الله تعالى.
جزاك الله خيرا، ونرجو أن تطمئنينا عما ستفعله صاحبتك. وتحياتي لكم جميعا، ولا تنسوني من صالح دعائكم
ـــــــــــــــــــ
أبر أهلي ويعقوني.. فهل أقاطعهم؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
أخي الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله تعالى أن أجد لديكم الرد الشافي.
لي من الإخوة اثنان، ومن الأخوات أربع، وأنا الوسط. أحمل شهادة بكالوريوس، وشهادة ماجستير، وأحضر لنيل شهادة الدكتوراه، في أحد التخصصات العلمية.
طول عمري وأنا أتبع النصيحة والتوجيه الرباني العظيم : (ادفع بالتي هي أحسن)، ويشهد الله تعالى أني لم اقصر معهم في شيء، إلا أنني لم ألق منهم منذ 10 سنوات إلا الجفاء والكره لي ولأسرتي.
وقد من الله علي، فأنا الوحيد المثقف والمتعلم في عائلتي، كما أنني ولله الحمد ملتزم، وقد حججت لبيت الله، أسأل الله تعالى أن يتقبلني.
وقد أساءوا إلي جميعا، معنويا وفعليا، وتقولوا علي بأقوال يشيب لها رأس الطفل. فعلى الرغم من أنني في نظر الناس، طيب، ومحترم، فإن أهلي ينظرون إلي على أنني "أهبل"، و"على نياتي"، حتى إخوتي الذين هم دون عمري، بعشر سنين، يسيئون إلي، رغم أنني تركت لهم الدور والأرض، وتركت لهم الجمل بما حمل، وكلما أرادوا قطع الأخوة بيننا، أرخي الحبل.
وقد أساءوا إلي في عائلتي وأولادي، والمشكلة أنهم يسيئون إلي دون مبالاة، وأنا أحافظ على مشاعرهم، بل حتى على مشاعر أولادهم الصغار، فما العمل؟
الأمراض توالت علي من شدة التفكير، الجميع يحبني إلا هم. والله يعلم أنه بقدر إساءتهم إلي أحسن لهم، وبقدر إساءتهم لأولادي أحسن إلى أولادهم، فعندما أشاهد(33/714)
أولادهم أقبلهم، غير أنني لم أشاهد أحدهم يقبل أحدا من أولادي أبدا. فهل هي غيرة؟؟، لا والله إنه كره.
أساءوا لي في شرفي، وشرف أولادي، هل تتصور بأن يسلم العم على ابنة أخته، ويترك ابنة أخيه في جوارها؟، هل يعقل أن يوصل ابنة أخته إلى المدرسة ويترك ابنة أخيه تحت المطر؟ هل يعقل إذا مرض أي أحد من أولاد أخواتي يهبوا جميعا لزيارته، أما عندما دخل ابني دخل المستشفى لم يسأل عنه أحد؟
وفي كل مرة أعزم وأصمم على قطع الصلة بهم، أتراجع عندما أرى الدموع في عين والدتي، رغم أنها تخشى أن تسألني عن صحتي وأخباري، طالما كان أحد إخوتي أو أخواتي موجودا، خوفا منهم، وعندما ألتقي بها منفردا تبكي وتبكي. لدرجة أني تمنيت في رمضان الماضي الموت لي ولعائلتي.
لم أعد أستطيع الكتابة أكثر من ذلك، ولكم جزيل الشكر، أستودعكم الله.
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخي الحبيب المبتلى،
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، وأستعين بالله وأقول لك وبالله التوفيق، وأعوذ بالله تعالى أن أذكر به وأنساه.. فإني قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين
احمد الله، حمدا كثيرا، على ما أنت فيه من نعمة، نعم احمد الله على هذه النعمة التي حباك الله بها، ألا وهي حبك لهم، وبذْلك من وقتك ومالك لبر أهلك ووصالهم؛ فحالك يا أخي هو حال من يبتليه الله ليقربه، ويرقي منزلته عنده، نعم أنت في اختبار شديد، فاصبر واحتسب، وأجرك كبير إن شاء الله، فعلى قدر صبرك يكون أجرك.
وقد روي عن سيد الخلق، وأصبرهم على الأذى، محمد صلى الله عليه وسلم، قوله: "إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر, ومن جزع فله الجزع"، نعم - أخي الحبيب- فالعبد المؤمن المبتلى, دليل على محبة الله له؛ فالبلاء دائما دليل خير، وليس نذير شر.
وحسب كلامك، فإن ما تعيشه – أخي الحبيب- من أهلك هو نوع من أشد أنواع الابتلاء، فمن الابتلاء أن تصل أرحامك ويقطعوك، وأن تبرهم ويعقوك، وأن تعطيهم ويمنعوك، وأن تحسن إليهم ويسيئون إليك.(33/715)
والناس -أخي الكريم- في الابتلاء منازل ودرجات، فأكملهم إيمانا أعظمهم بلاء وأقلهم إيمانا أخفهم بلاء، وقد صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا أشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقه، ابتلي على حسب دينه"، كما صح عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون".
وينبغي لمن ابتلي ألا يجزع أو يسخط، بل عليه أن يصبر ويحتسب؛ فهو مثاب من حيث لا يشعر، وقد صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة"، ولهذا كان رجال من السلف الصالح إذا لم يصابوا بشيء، وكانوا في نعمة وعافية يداخلهم الشك أنهم ليسوا على حق.
واعلم – فقهك الله- أن المحنة تعقبها منحة، بل إن المنحة تأتي أحيانا من رحم المحنة، فاصبر على أذاهم، واحتسب أجرك عند الله؛ أعطهم ولا تنتظر منهم ردا، أحسن إليهم واغفر لهم سيئاتهم في حقك، برهم واغفر عقوقهم، رد سيئاتهم إليك، بالإحسان إليهم، عامل أولادهم بكل رحمة، ولا تغضب إن لم يعطفوا على أولادك.
ولا أنسى أن أشكر لك تراجعك عن قرار مقاطعتهم، طاعة لله، وبرا بوالدتك، ورحمة بها خاصة عندما ترى الدموع في عينها، وأوصيك بأن تجدد نيتك، وأن تقصد بتراجعك هذا مرضاة الله عز و جل.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه والجنة، و يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك لنطمئن إليك.
ـــــــــــــــــــ
رواسب الماضي .. هل تمنع التوبة؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
عمري 30 سنة، وقد استيقظت في العام الأخير؛ وأريد فتح صفحة جديدة مع الله ومع الناس. ولكن المشكلة أن رواسب الماضي من أخلاق سيئة تعود بي للمربع الأول، وأريد أن ألزم نفسي بالتوبة مع الله وبالإحسان للناس. فلا أدري أين الخلل ؟.
هل موضوع التغيير بعد الثلاثين صعب كما يقول علماء النفس أم ماذا؟، وهل أقبل على الدين بكل حماس وقوة أم بالتدريج ؟، مع العلم أنني جربت الطريقتين؛ ومع ذلك سقطت في منتصف الطريق. فكيف أبدأ وبماذا؟.
السؤال
الدكتور علاء السيوفي المستشار
الرد(33/716)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومن والاه وبعد،
الأخ الكريم عبد الله
لا تبتئس فكلنا ذاك الرجل، وكلنا ذوو خطأ، وفي الحديث "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"، ولذلك فأنا أود أولاً أن أقول إنه ليس صحيحا أن مسألة التوبة بعد الثلاثين صعبة؛ لأن كثيرًا من الصحابة أسلموا بعد الثلاثين وحسن إسلامهم، لكن المهم هو نقاء المعدن وصفاء السريرة، وفي الحديث: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
وما أجمل أن يبدأ الإنسان صفحة جديدة مع الله، ويجدد حياته الإيمانية بالتوبة، فالمؤمنون هم أكثر الناس حاجة إلى التوبة، وكما يقول ابن القيم: "إن التوبة هي أول منازل السائرين، وأوسطها وآخرها"، ولكن أن يظن الإنسان أنه سيظل على حالة واحدة دون أن تحدث منه معاص أو ذنوب، فهذا درب من عدم المعرفة بطبيعة النفس البشرية.
وأوصيك – أخي الحبيب- ببعض الوصايا التي تعينك – بإذن الله - على الاستمرار في التوبة :
* الندم على كل ما فرطت فيه في جنب الله، فالندم هو ركن التوبة الأعظم.
* عقد العزم والنية على عدم العودة إلى المعصية أبدًا.
* يقول بعض العارفين "ذكر الجفا ساعة الصفا جفا"، فلا ينبغي عليك أن تتذكر رواسب الماضي، وأنت سائر إلى ربك، وإنما عليك أن تنظر أمامك وتحاول تحسين أدائك مع الله، واعلم أن أول ذنب ترتكبه بعد التوبة هو أن تظن أن الله لن يغفر لك.
* اعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، واعلم أن هذا الدين عميق فأوغل فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولا تشدد على نفسك فيشدد الله عليك.
* داوم على الذكر، واعلم أن الله عز وجل يقول في الخبر الإلهي: "وأنا مع عبدي متى ذكرني وتحركت بي شفتاه".
* لا تبتئس إذا زلت بك القدم، ولكن سارع بالتوبة وجددها دائمًا، ولا تيأس من رحمة الله: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله }.
* صاحب الصالحين، واعلم أن المرء على دين خليله.
* اختر لك صديقاً أمينًا صدوقًا، وتعاهد معه على طاعة الله وعلى أن يكون مرآة لك.
* ولا تنس حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".
* واعلم أن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه عز وجل كلفنا بالتوبة كلما أذنبنا، ولم يكلفنا ألا نذنب مطلقًا يقول الله عز وجل: { وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وعجبًا لقد طلب التوبة من المؤمنين ولم يطلبها من العاصين.
وأرجو الله عز وجل أن يتوب علينا وعليك، وعلى المؤمنين أجمعين، ولعلني أكون قد شاركت في خروجك من الدوامة التي أتعبتك وتواصل معنا إن كانت هناك أية تساؤلات..(33/717)
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أحبها.. ولا أستطيع زواجها!! العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم و رحمة الله
أنا شاب أعمل جاهدا على أن أحظى برضا ربى، وفي وقت غفلة تقربت إلى فتاة، وتطورت العلاقة بيننا، إلى أن وقعنا فى الحب (مجرد علاقة عادية)، ولكن سرعان ما تداركت نفسي، والحمد لله، هي الأخرى قررت الالتزام حتى أنها واظبت على حضور دروس العلم، وارتداء النقاب، ولكني لا أستطيع الزواج منها، في وقتنا هذا.
وتتركز المشكلة في أني أتحدث معها مرة كل شهر، بعد استئذان أهلها، حيث أنهم يعلمون بالأمر، وبالطبع لا نتقابل ولا يرى بعضنا بعضا. فهل نحن آثمون في هذا الحديث، وهل أعتبر أنا من الذين قال الله فيهم : "و َلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"؟
بالله عليكم أفيدوني بالنصيحة.. و جزاكم الله خيرا .
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ أحمد محمد سعد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية:
بداية يا أخ أحمد، فإني أحمد الله الذي هداك إلي الخير، وعافاك من مزالق الشيطان، فلاشك أن إقامة علاقة مع فتاة ليست بذات رحم، أمر لا يجوز، إلا إذا كانت خطبة، ومن بعدها عقد ونكاح. حتي بعد الخطبة لا يجوز للخاطب أن يختلي بمخطوبته أو أن يحدثها حديث عشق وغرام أو يتبادل معها مشاعر الهيام والهوى. ولست أدري طالما أن الفتاة قد التزمت وأنت تجدها فتاة طيبة وجيدة, لم لا تتوكل علي الله وتتقدم لخطبتها.
وإذا كنت لا تستطيع الزواج الآن، كما قلت في رسالتك، وأنا لا أطالبك بالزواج، وإنما أدعوك إلي أن تأخذ خطوة إيجابية، نحو علاقة إسلامية صحيحة وبناءة, وإن لم تأخذ هذه الخطوة ولم ترد الزواج منها, فما الحاجة إلي الحديث معها بإذن أهلها أو بغير إذنهم.
لابد لك أخي- وأنت كما يبدو من حديثك شاب صالح- من زوجة صالحة، تعينك علي أمر دينك ودنياك، ففي الحديث : "ما رزق أحد بعد تقوى الله من شيء خيرا من زوجة صالحة, إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله".
وإن صح عندنا هذا فلم لا تكون تلك الفتاة زوجتك, ولنكن صرحاء, لم لا تستطيع الزواج الآن: ألضيق ذات اليد؟ أم لأنك لا ترغب في هذه الفتاة؟ أم لأنك لا تفكر في(33/718)
الزواج أصلا؟، إن كانت الأولي فلا أطلب منك إلا خطوة لن تكلفك الكثير بل ستبثت صدق نيتك وصفاء سريرتك وهي أن تتقدم لخطبة الفتاة من أبيها، ثم تتفقا علي تقليل النفقات قدر المستطاع فأقلهن مهرا أكثرهن بركة, سيما والفتاة كما يتضح ملتزمة وطيبة.
وإن كانت الثانية، وأنت لا ترغب في الفتاة، فلم التلاعب بها, وبأي وجه تلقى الله تعالي وأنت لا تصون أعراض الناس، وتتلاعب ببناتهم، ولم تركتها تتعلق بك. وإن كانت الثالثة وأنت لا تفكر في الزواج الآن فما الحاجة إلي أن تشغل الفتاة معك أو أن تمشي في طريق يقودك فيه الشيطان وتصاحبك فيه الغفلة، وتستبد بك فيه المعصية. فأنت الآن بالخيار, قامت عليك الحجة، ولم يبق لك مهرب ولا منجي!
أما بالنسبة لسؤالك الأول فلا شك أن الحديث مع تلك الفتاة- التي ليست بمخطوبتك ولازوجتك- لابد وألا يتم إلا لحاجة ضرورية، ولا حاجة هنا بادية, فلا يجوز لك الحديث معها، بل إنه يعد نوعا من العلاقات غير الجائزة شرعا، وأنت في كل حال مطالب بأن تجعله حديثا بالمعروف، أي لا تعتريه أية كلمات خارجة. فعليك أن تقطع الحديث إلا إذا خطبت الفتاة, حينها يمكن لك أن تحادثها بالشروط السابقة, أما بعد العقد فيحل لك أن تحادثها كما تشاء، واحذر أن تقع في معية من قال فيهم ربنا سبحانه وتعالى:( فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون).
ولا شك – أخي- أن أمر الله لك أن تستعفف وتلتزم حدود العفة لا يعني فقط أن تعف فرجك، بل أن تعف الفرج واللسان والعين والأذن, فحديثك هذا يخرجك من نطاق العفة ويجعلكما عرضة للشيطان، سواء كان هذا الحديث بإذن الأهل أم بدونه.
وتذكر أخي أن الحوادث كلها تبدأ من النظر, علي حد قول القائل:
كل الحوادث مبداها من النظر**ومعظم النار من مستصغر الشرر
فاتق الله في نفسك، وفي الفتاة، ولا تتبع خطوات الشيطان، فالله يقول :" والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما". وفقك الله إلي الخير، وعصمك من السوء، وأدم التواصل.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الزوجة الخائنة.. ولذة "اللحم النتن" العنوان
السلوكيات الموضوع
أرجو منكم، جزاكم الله كل خير، أن تفيدوني، أنا امرأة متزوجة، وأعمل بوظيفة محترمة، ومع أني متزوجة ولدي بنتين إلا أنني وقعت في حب موظف معي في العمل، وذلك بعد سبع سنوات من الزمالة، أنا لا اعرف كيف أحببته، لكن هذا ما حصل، وقد وقعت معه في المحظور، أعرف أنني خائنة وزانية، لكني لا أعرف ماذا حدث؟.
فقد انقلبت حياتي معه وأصبحت جميلة، وللعلم فهو أيضا متزوج، وله ولدان، وهو يحبني أيضا، وقد وجدت فيه ما كنت أنشده في زوجي، وقد تعاهدنا ألا يؤثر حبنا على حياتنا العائلية، وأن نعيش لحبنا فقط. ولكنني – داخليا- أتألم بين المعصية التي ارتكبتها و بين الحب الذي كنت افتقده في حياتي.(33/719)
أرجوكم أفيدوني، ولكم جزيل الشكر.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أوقن ويزداد يقيني كل يوم برحمة الله تعالى لنا، وكيف أنه سبحانه يرى تلك المعاصي التي تأباها البهائم قبل بني آدم من نتن وعفن ما يقع فيه الناس من المعاصي، ولو كشف الحجاب لما استطعنا أن نعيش على وجه الأرض، فمن رحمة الله تعالى ستره على عباده، وأنه لا يفضحهم، ولكن العجب يأتي من هذا الإنسان الكفور الذي لا يستحي من الله تعالى.
خاصة إذا كان يأتي الكبائر، وخاصة إن كانت الكبيرة هي الزنا، التي أوجب الإسلام فيها للمحصن والمحصنة الرجم حتى الموت ، ومع غياب تطبيق شرع الله تعالى جاءت لنا البلايا من كل جانب، وظهر فينا ما لم يكن يظهر من قبل، وتحقق صدق تطبيق الشريعة بما فيها من حدود.
وحسب إحصائيات بعض الدول العربية أن حالات التحرش الجنسي من الموظفين لزميلاتهم بلغت الآلاف، وهناك آلاف القضايا أمام المحاكم بسبب هذا، هذا إن كانت المرأة عفيفة لا عاهرة ، شريفة لا وضيعة، مؤمنة لا فاسقة، عندها نوع من الكرامة التي تحافظ على الأقل على شرفها الذي هو أغلى ما تملك المرأة، وحين تبيع المرأة كرامتها فقد حولت نفسها إلى حيوان.
وقديما قالت هند بنت عتبة حين جاءت لتبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ومن ضمن شروط البيعة ألا تزني، فردت هند على رسول الله صلى الله عليه وسلم مندهشة متعجبة مستاءة: "أوَ تزني الحرة"؟؟؟!!!!، ليس مقبولا في فطرتها "الجاهلية" أن الحرة تقع في هذا المستنقع العفن بأن تخدش كرامتها وإنسانيتها وتهتك شرفها، وقديما قال العربي الجاهلي: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها.
لم يكن الإسلام قاسيا حين أوجب الحد على من أتى الزنا، لما فيه من الأضرار التي يمكن الرجوع إليها في كتب علم النفس والاجتماع، وكذلك الأضرار العلمية التي أثبتها الطب الحديث، وقبل كل هذا وبعده فسوق الإنسان عن أمر ربه سبحانه وتعالى، وعصيانه له بالكبائر لا الصغائر، واستمراره في هذا الحرام العفن إلى أن يكون حلوا في عينه ، وهذا يعني أن هناك انتكاسا في الفطرة حين يتحول الجميل قبيحا، والقبيح جميلا.
إن الزنا ينزع الإيمان ، فيبقى الإنسان بلا إيمان صادق، وقد قال تعالى :( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ(33/720)
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
اقرئي هذه الآيات بقلبك وعقلك، وانظري خطاب الله تعالى لمن أتى الزنا مرة واحدة، واشتهر أمره، مع كون الله تعالى يستر على العبد، فما البال بزان وزانية يعيشان في الحرام ، ويستحلا ما حرم الله تعالى ؟؟
وبعد هذه المقدمة دعيني أناقشك أيتها الموظفة كما وصفت نفسك (وأعمل بوظيفة محترمة)، هل أخرجك زوجك للعمل لتقيمي علاقة محرمة مع غيره؟، وأين حرمة هذا الرجل الذي خنته يا من رضيت لنفسك أن تكوني خائنة؟، كيف استحللت لنفسك أن تعري نفسك من ملابسك أمام رجل آخر، ولا أدري كيف تعيشين مع زوجك وتمارسين معه حياتك الزوجية؟، وهل وظيفتك في هذا مكان عملك هو إقامة علاقات مع الغير، أم لك وظيفة تقومين بها، تحاسبين عليها في الدنيا والآخرة؟
يا أختي الفاضلة؛
مثلك يحرم عليه العمل، بل المكث في البيت هو ما يجب عليك أنت ، ولا أقول بأن عمل المرأة حرام ، ولكنه بالنسبة لك أنت حرام حرام حرام.
أما ادعاؤك بأن الحب جرى بينكما فهذا وهم وتزيين من الشيطان لكما، ومن أنفسكما، فالعلاقة بين الزملاء في العمل يجب أن تكون موضع تقدير واحترام، قد يكون هناك إعجاب داخلي بشخصية الزميل أو الزميلة أو عقليته، غير أن هذا لا يتعدى حدود الله ، ولا يعرف لقلب الإنسان طريقا.
أما الزعم بأن هذا حب، فهو كذب وافتراء، لأن ما حدث هو إشباع للشهوة الحيوانية ليس إلا، وعلى لغة أهل الحب هناك ما يعرف بالحب العذري، ولكنه أيضا في حقك حرام، لأنك متزوجة، وسبيل الحب في الإسلام بين رجل وامرأة هو الزواج وحده لا غيره، وما سواه من الحب فهو حرام وضرر ومفسد ودمار وخراب وإفساد وإهلاك، فلا يكذب الزناة ويدعون أن بينهما حبا، بل هو جنس وشهوة.
أما أن حياتك قد انقلبت جميلة بعد الزنا فلا أدري بأي عقل تفكرين ، أبالحرام تصبح الحياة سعيدة؟ إنك يا أيتها المتزوجة لم تعيشي مع هذا الرجل كزوجة له ، بينكما مسئوليات وواجبات ، وتراجعينه فيما لم يفعل، وتغضبين منه حين لا يؤدي واجبه ، ويرى منك وأنت تغسلين وتطبخين ، وتقومين بتغيير الملابس للأولاد ، وتقومين بنظافة البيت.
هل رأى منك هذا من أحبك، ولو رأيت منه هذا ما ملت إليه، ولكنها الصورة الشيطانية المزينة، كلام معسول على المكاتب، واتصالات هاتفية بالحب والغرام، وتفنن في الكلمات، وحين اللقاء إنما هو لقاء جنسي يتمتع كل منكما بصاحبه في الحرام .
وكنت أحب لك لو رأيت فيه الرجل المناسب أن تطلبي من زوجك الطلاق، أو تختلعي منه، ثم تتزوجينه، وتعيشان حياتكما بشكل شرعي مقبول، وشكل اجتماعي مرضي عنه، ولن تكوني أول امرأة تطلب إنهاء الحياة مع زوجها، فقبلك كرهت امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنهما زوجها، فطلبت فسخ الحياة.(33/721)
وفي ذلك روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له :" اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ."
ربما تقولين: إن النظرة الاجتماعية ترفض أن تطلق امرأة متزوجة لتتزوج متزوجا ، أقول لك: وهل النظرة الاجتماعية تقبل أن تكوني زانية.. خائنة.. فاسقة؟
وهل تقدم عندنا النظرة الاجتماعية على شرع الله تعالى، إن امرأة ثابت بن قيس كانت صادقة، وقالت: إني أكره الكفر في الإسلام، ومع هذا أزعم أنك تائهة ، مخدوعة مع هذا الغاش الخائن للأمانة، والذي ستبدي لك الأيام حقيقته ، وساعتها تندمين ساعة لا ينفع الندم.
يا أختي إن على عينك غشاوة، أزيليها، وأدركي بيتك، وانظري زوجك الذي يحبك ويثق فيك، انظري إلى أولادك، ودعك من هذه العيشة المحرمة، فإنها وابل عليك في الدنيا والآخرة.
ودعك أختي من هذا الوهم أن تعيشا لحبكما (يا سلاااااااااااااااام)، بل كوني صريحة مع نفسك لتعيشا للجنس المحرم، لتعيشا لأجل معصية الله تعالى.
أيتها السائلة: يمكن لك أن تغيري مكان عملك، إما بطلب نقلك على الأقل، أو بمكثك في بيتك ، فمثلك لا يصلح له الخروج .
ودعيني أسألك: ماذا لو مت أنت وهو وأنتما في حالة الزنا، هل ترضين لنفسك الفضيحة أمام الخلائق كلها؟ أتعرفين أن الإنسان يبعث على حالته يوم القيامة؟
نسأل الله تعالى أن يحسن ختاما، وأن يغفر لنا وأن يعفو عنا، وأن يمن علينا دائما بالستر.
ولكني مع كل هذا أقول لك: ابدئي بهذا الخيط الباقي فيك من الخير أنك تشعرين بتأنيب الضمير ، أمسكي هذا الخيط ، وإياك أن تتركيه، فهو الذي سيوصلك إلى بر الأمان، إن صدقت النية مع الله ، وقطعت علاقتك بالكلية مع هذا الخائن، فعسى الله تعالى أن يعفو عنكما ، سبحانه هو الغفور الرحيم.
فاستدركي أختي ما فاتك، فإن الله سبحانه وتعالى هو غافر الذنب، بقدرته أن يكشف لك الحقيقة، ولكن اسعي أن تكوني أهلا لتوبة الله تعالى، وعوضي زوجك وبناتك من نفسك، واعلمي أن مبيت الرجل غاضبا من زوجته يوجب لعنة الله، فما بالك بخيانتك له.
فانتبهي واستفيقي حتى لا يعاجلك الموت، فتحاسبين على كل صغيرة وكبيرة، فالفرصة أمامك، فإن الله تعالى كما أخبر عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم :"يبسط يده بالليل ، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل".
نسأل الله تعالى أن يشرح قلبك للتوبة ، وأن يحفظك من شر نفسك ومن شر الخائنين ، إنه قريب الدعاء. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
أحببته من "الشات".. وعسى أن تحبوا العنوان
السلوكيات الموضوع(33/722)
بداية أشكر لكم هذا الموقع الرائع الذي أصبح لي خير رفيق. أريد أن أسرد لكم مشكلتي، وأرجو أن يتسع قلبكم لي ..
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، تعرفت على شاب عن طريق الشات، وأصبح لي كل شيء بحياتي، حيث استمرت العلاقة 9 أشهر تقريبا، وأنا أدعو ربي ليل نهار أن يكون من نصيبي، ولكن أرى الأمور تبتعد بيني وبينه.
فهو أراد أن يتقدم لي ولكن أهله رفضوا وأرادوا أن يزوجوه ابنة عمه، وأنا حتى الآن لا أستطيع البعد عنه، وأدعو ربي من كل قلبي أن يكون لي، وألا يبعده عني، رغم أنه هو الذي علَّقني به من كثرة ما كان يقول لي عن حبه لي.
الآن السؤال: هل ممكن أن يستجيب الله لدعائي ويكتبه من نصيبي؟ أم هذا شيء معروف مسبقا، مَن لي وأنا لمن، مهما كان الدعاء شديدا؟ لا أستطيع أن أقول إلا أني أحبه، أحبه بشدة، وأتمنى أن يكون لي.
وعلى الرغم من أنني قطعت الاتصال به الآن سواء بالجوال أو عن طريق الإنترنت، إلا أنني أعتصر ألما من الداخل، وكلما تذكرته بكيت، ودعوت ربي بألم وخشوع أن يعود لي، و أن يكون من نصيبي.
فماذا أفعل؟ أريد حلا، فأنا كل يوم أبكي عليه دمًا وأعتصر ألما، لا أقدر على البعد عنه، وكل يوم أدعو ربي، أرجو المساعدة، ولكم جزيل الشكر.
السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار المستشار
الرد
أختي الكريمة "ربا"،
مرحبا بك على هذا الموقع الذي تتسع قلوب العاملين فيه لكل إخوانهم وأخواتهم، ونشكر لك ثناءك الرقيق، واعتبارك موقعنا خير رفيق، ونسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنكم، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وبعد..
فأطمئنك بداية – أختي الكريمة – أني أقدِّر تلك المشاعر التي تملأ قلبك تجاه هذا الشخص، وأتفهمها جيدًا، لا من حيث التأييد والمؤازرة، ولكن من حيث علمي بأن إرادتك الآن في حالة من الوهن لا تسمح بالتحكم في تلك المشاعر، بعد أن تغلغلت في أعماق نفسك، وأصبح الفكاك منها صعبا، لكنه بالطبع ليس مستحيلاً على أية حال.
أختي الكريمة، عندما يقول أحدنا إن شيئا ما - أو شخصا ما- قد أصبح "كل شيء في حياته"، فإنه ولا شك – في نفس الوقت- يدرك في أعماقه أن هذا ليس صحيحا، ولكن المشاعر الطاغية والعاطفة المتأججة تغلق عينيه وتغشى عقله، فلا تدع له فرصة للتوقف والتفكر، ولو فعل لوجد أن الحياة فيها الكثير الذي يمكن أن يشغل به حياته ويملأ قلبه.(33/723)
إن الحياة مستمرة، وستستمر إلى يوم القيامة، ولا ولن تتوقف حياة إنسان على حياة أحد مهما كان، والمقابر ملأى بأناس ظنوا أن الدنيا لا تسير بغيرهم، وظن ذووهم كذلك أنهم لن يستطيعوا العيش بعدهم!.
شعرت من حديثك يا "ربا" أنك متدينة، وأرجو ألا تكون هذه العلاقة الطيبة بالله عز وجل واللجوء إليه مرتبطة فقط بهذا الظرف الذي تمرين به، وعلى أية حال أحب أولاً أن أناقش معك العلاقة الباقية قبل العلاقة الفانية، والباقية هي طبعا علاقتك بالله عز وجل.
فأوضح لك ولكل من يقرأ أن الميل العاطفي نحو الجنس الآخر أو ما يُطلَق عليه "الحب"، هو ترجمة وتعبير عن الفطرة التي وضعها الله عز وجل في نفوس بني البشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، والإسلام لا ينكر هذه المشاعر ولا يجرِّمها ولا يكبتها، ولكنه ينظمها ويوجِّهها توجيها عفيفا طاهرا، يحفظ طهارة القلوب والأرواح والأجساد والأنساب.
وبناء على هذا أقول: إن لم تتعدَّ علاقتك بهذا الشاب مرحلة الشعور وتحرُّك القلب، فلا إثم عليك إلا من الأسباب التي قد تكون أدَّت بك إلى ذلك، من نظرةٍ محرَّمة، أو حديثٍ غير منضبط، أو غير ذلك، أمَّا إن تجاوز الأمر إلى مقدِّماتٍ للفواحش الكلُّ يعلمها، فالأمر يختلف تماما، ويترتَّب عليه أشياء أخرى، فالمرء لا يملك قلبه، ولكنَّه يملك فعله، وحسب كلامك فأظن أنَّك لم تصلي لهذا إن شاء الله تعالى.
أختي "ربا"، إنَّ العلاج الوحيد في حالتك هذه لا يخرج عن أمرين :
الأوَّل: أن تتزوجي من هذا الشاب الذي أحببته، على شرع الله عز وجل، إذا كان الشعور بينكما متبادلا، وكانت أسباب الزواج ممكنةً وميسَّرة، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لم نر للمتحابَّيْن مثل النكاح" رواه ابن ماجه بإسنادٍ صحيح.
وإن لم يتيسَّر ذلك لسببٍ أو لآخر- وهو الواقع في حالتك– فليس أمامنا إلا العلاج الثاني، وهو علاج صعب ومؤلم، لكنه الصحيح، ألا وهو البتر، نعم البتر، وقطع كل أسباب اللقاء أو الحديث، أو حتى مجرد الرؤية لذلك الشاب.
وينبغي أختي "ربا" أن تتخذي هذا القرار سريعا ودون إبطاء، فالتمهُّل والتدرُّج لا يفيدان في مثل هذه الأمور، وإنما يؤديان إلى زيادة المضاعفات، وتأخُّر الشفاء، وربَّما استعصى العلاج بعد ذلك.
ولا تعلقي نفسك أختي بأمل كاذب، بانتظار عودته إليك أو موافقة أهله على زواجه بك، وإن كنت أحسب – وأسأل الله أن يسامحني إن أسأت الظن – أن موضوع أهله وإرغامهم إياه على الزواج من ابنة عمه مجرد حجة ساقها للتهرب منك والخلاص من وعوده لك.
أيا كان الأمر فليس مطلوبا منك أن تتحققي من صدق أسبابه، وأرى أنك قد قطعت خطوات على الطريق الصحيح بقطع الاتصال بهذا الشاب عن طريق الجوال والإنترنت، فاثبتي أختي وتحملي الألم الناتج عن ذلك، الذي سرعان ما سيزول إن شاء الله، واحتسبيه عند الله عز وجل، واعلمي أنَّ هذا العذاب الذي تشعرين به، وهذه النار المتَّقدة في قلبك، أخف كثيرا كثيرا، بل لا تقارن بعذاب الآخرة ونار جهنَّم، والعياذ بالله.(33/724)
ومن الأسباب والمعينات التي تساعدك على الخروج من هذه الأزمة سريعا :
1- المداومة على الدعاء والابتهال إلى الله عزَّ وجلَّ أن يرفع عنك ما أنت فيه، وأن يربط على قلبك، وأن يرزقك العزيمة والصبر.
2- ملازمة المصحف دائما، وكثرة القراءة فيه، فافتحيه في أيِّ مكانٍ وفي أي وقت تتاح فيه القراءة.
3- تذكري دائمًا أنَّ من ترك شيئاً لله، عوَّضه الله عزَّ وجلَّ عنه ما هو خيرٌ له في دينه ودنياه.
4- تذكري ما أعدَّه الله عزَّ وجلَّ في الجنَّة من نِعَمٍ ومُتَعٍ لعباده الصابرين المجاهدين لأنفسهم.
5- اعملي على إحاطة نفسك دائماً بالرفقة الصالحة والصديقات المخلصات، ليساعدنك على إخراجك من هذه الأزمة، فاشغلي أوقاتك دائماً في الخير والصلاح، ولا تتركي فرصةً للشيطان لينفرد بك.
6- اطلبي من أخواتك ومن الصالحات الدعاء لك.
7- جددي من نمط حياتك ومعيشتك، اخرجي للتنزُّه في الأماكن الطبيعيَّة المفتوحة، وانظري للأشياء الجميلة في الكون، لزرقة المياه، لصفاء السماء، لابتسامةٍ طفل صغير، خالطي المساكين وعاونيهم، شاركيهم آلامهم وخففي عنهم، وجِّهي اهتمامك لمتابعة أخبار المسلمين في العالم. مارسي بعض الهوايات المفيدة إلخ.
وبعد أن يمنَّ الله عزَّ وجلَّ عليك باستجماع قلبك، أدعوك أن تتأمَّلي في الأسباب التي أوقعتك في هذا الأمر، وتحاولي دراستها، حتى لا يتكرَّر الأمر معك، فمن الممكن أن تكون العاطفة لها التأثير الأقوى في شخصيَّتك، وعندك القابليَّة للتأثُّر السريع بها، فإن كنت كذلك، فيجب أن تتعلمي كيف تلجمين نزوات عواطفك بنظرات عقلك، وتبتعدين عن كلِّ ما يثير عواطفك، أيًّا كانت هذه المثيرات.
ويبقى جانبٌ مضيءٌ يجب أن تنتبهي إليه بعد أن ينعم الله عليك بالنسيان والخروج من هذه الأزمة، وهو الفوائد والعِبَر التي لم تكوني لتأخذينها إذا لم تمرَّي بهذه التجربة، ومنها لجوؤك إلى الله عزَّ وجلّ، وعِلمك أنَّك دائماً في حاجة إليه سبحانه وتعالى، وأنَّ النفس البشريَّة ضعيفةٌ متقلِّبة.
أما عن سؤالك حول إمكانية أن يستجيب الله عز وجل لك ويجعل هذا الشاب من نصيبك، فالأفضل – أختي – أن تتوجهي لله عز وجل بالدعاء أن يكتب لك الخير أينما كان ومع من شاء من عباده، وأن يجعل نصيبك شابا صالحا يحفظك ويصونك؛ وليس شرطا أن يكون هذا الشاب، وأذكرك بقول الحق جلا وعلا: (وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
وبهذه الآية الرائعة التي أرجو أن تكون بلسما لقلبك، أختم حديثي إليك، داعيا الله عز وجل أن يثبتك ويرعاك، ويرزقك الخير، وأن ينعم عليك بسعادة الدارين، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
العفو والحِلم ضروريان لتفعيل الإيمان العنوان(33/725)
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم، العفو والحِلم صفتان حميدتان كثيراً ما ورد الحديث عنهما في الكتاب والسنَّة، فكيف يمكن أن يحولا الإيمان النظري إلى شيء عملي ملموس ؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة أسماء جبر أبو سيف:
الأخ الكريم،
يحتاج الشباب بشكلٍ خاصٍّ إلى التدريب الذاتيِّ على العفو والحِلم، وهما صفتان أَحْوَج ما تكون إليهما مجتمعات هذا العصر، وخاصَّةً الشباب، لما يعانونه من ضغوطٍ اجتماعيَّةٍ واقتصاديَّة، فتجد الشابَّ سريع الغضب، تثيره أدنى كلمة وتطيش تصرُّفاته لأدنى الأسباب، وحتى أطفال المدارس، تجدهم لا يُحسنون حلَّ مشكلاتهم الصغيرة إلا بالضرب والتكسير والشتم، نظراً لما تحشو به وسائل الإعلام أدمغتهم من عنفٍ وقتل، يكفي أنَّهم نُشِّئوا على هذه البرامج الإعلاميَّة ليكونوا كذلك، فكيف ببقيَّة البلاء من أفلامٍ ومسلسلاتٍ وأحداثٍ تُدَمِّر قدراتهم الذهنيَّة على التعايش.
لقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتيه الأعرابيُّ فيشدُّه من تلابيبه شدًّا قويًّا ولا يدعْه حتى يترك الثوبُ أثرَه المؤلم على رقبته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فيَكْبُر على الموقف ويعذر الجاهل، ويحلِم ويعفو وهو قادرٌ -إن شاء- وبإشارةٍ منه أن يقتل ذلك الأعرابَّي الغليظ.
وفي الحديث عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما تعدُّون الصُّرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: "ليس كذلك، ولكنَّه الذي يملك نفسه عند الغضب"رواه البخاريُّ ومسلم.
وقيل في تفسير قوله تعالى "وسيِّداً و حصورا" السيِّد الذي يملك نفسه عند الغضب، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: "إنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه" نعم، وفي حديثٍ آخر رواه مسلم "مَن يُحرَم الرفق يُحرَم الخير"، ذلك أنَّ الرفق يمنح وضوح الرؤية ويعطيك فرصةً للحصول على نتيجةٍ من الموقف.
وقد كان شيخنا الدكتور أحمد نوفل يقول لنا: "العلم مفتاح الحِلم، وِلين الكلام مفتاح القلوب".. وممَّا يُروى أنَّ إبليس بدا لموسى عليه السلام فقال: يا موسى إيَّاك والحدَّة، فإنِّي ألعب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة".
يقول الإمام ابن قدامة المقدسيُّ في كتابه المعروف "مختصر منهاج القاصدين": "ومن أسباب الغضب: العُجْب، والمزاح، والعذر، وشدَّة الحرص على فضول الجاه والمال"، وأضيف: الشعور بالنقص وضيق الأفق وضعف العلم.
ولاشكَّ أن صفَتَيْ العفو والحِلم تحتاجان إلى قدرٍ كبيرٍ من السيطرة على الذات وقوَّة الإرادة وقدرة على السموِّ عن موقف الغضب (ولعلَّه هو ما يُسمَّى الآن الروح(33/726)
الرياضيَّة)، فاحمل نفسك على الحِلم وتكلَّف ذلك حتى تورثها القدرة على الحِلم فتصبح عادةً سهلةً على النفس، فالحِلم بصيرةٌ والغضب عمى، وقد قال عليه الصلاة والسلام مرَّةً لأشجِّ عبد القيس "إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلمُ والأناة"رواه مسلم، وهو أن تعطي مهلةً لعقلك ليستنتج عواقب الموقف وفوائده قبل أن تقرِّر ما تفعل، فيكون نجاحك أكيدا، وسلامتك حاصلةً بإذن الله.
وأمَّا العفو فمعناه أن تستحقَّ حقًّا فتُسقِطه وتؤدِّي عنه قصاصاً أو غرامة، وبهذا يختلف العفو عن الحِلم والكظم، قال تعالى:" فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، وفي حديث النبيِّ عليه الصلاة والسلام: "ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله"رواه مسلم.
وورد عن عليٍّ رضي الله عنه بسندٍ جيِّدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلُّك بأفضل أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تعفو عمَّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك".
كيف تحلِم في موقف غضب؟
1- اعمل على ألا تغضب أنت، واصمت ولا تدافع، فالأولويَّة الآن للتهدئة لا للدفاع عن نفسك وموقفك.
2- استمع لكي تفهم ما يقوله بالضبط الطرف الآخر الغاضب، فهذا سيساعدك على تقديم حلولٍ معقولة، كما أنَّك تُعطيه فرصةً للتفتيش عن غضبه، وذلك يشجِّعه على الثقة بك.
3- عَبِّر عن اهتمامك بما يقول، بعينيك وتعابير وجهك وأَظهِر تَفَهُّمك لموقفه وتعاطفك معه كأنَّك تقول: "إنَّني أسمعك وأريد مساعدتك.. إنَّني أفهم لماذا تشعر بهذا الشعور"، ولكن لا تلعب دور الواعظ في هذه اللحظة.
4- تذكَّر أنَّه كلَّما طالت فترة هدوئك وسيطرتك على نفسك زادت فرصتك في كسب الموقف، لأنَّ الغضب يشلُّ التفكير ويعتِّم الرؤية، فلا تهبط إلى مستوى الغضب، بل ارفع الغاضب إلى مستوى هدوئك.
5- تذكَّر أيضاً أنَّ الغضب مشروعٌ إن كان لصالح دينك ولحرمات الله ولموقفك الموافق للشرع ولتحقيق العدالة، على ألا يؤدِّي ذلك الغضب إلى ضررٍ أكبر من الضرر الذي كانت ستسبِّبه المشكلة نفسها.
6- لا تندم على موقف الحِلم، ولكن اندم على موقف الغضب.
7- العلم والقراءة والتأمُّل والتسبيح، كلُّها تمنح الشخص سعة الأفق وتُعطيه جرعةً مهدِّئةً وشعوراً يتمثَّل في إحساسه أنَّه أكبر من المواقف، وصدره أرحب من التوافه وصغائر الأشياء.
وللاستزادة في الموضوع، يمكنك قراءة بعض كتب الرقائق والتزكية مثل :
مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي.
إغاثة اللهفان لابن القيِّم
تلبيس إبليس لابن الجوزي.
ثبَّتنا الله وإيَّاكم على الحقِّ والإيمان، وداوم على مراسلتنا.(33/727)
ـــــــــــــــــــ
الاسم
حالتي سيئة والأوضاع تزداد سوءا !! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أنا أعاني من حالة نفسية سيئة فالأوضاع في بلدنا تزداد سوءا فكل يوم تقوم اسرائيل بغارات وهمية بشكل يجعل العيش في فلسطين مستحيلا.
السؤال
الرد
يقول الشيخ أحمد محمد سعد، خطيب وإمام بوزارة الأوقاف المصرية:
أختنا في الله / رشا
بداية أسأل الله أن يعافيك ويعفو عنك ويفرج عنكم أهل فلسطين!
وأبشرك بأنكم أهل نصر وفضل وإيمان, فمن ذا الذي حاز الشرف قبلكم، ومن ذا الذي نال من الأجر والصبر ما نلتم، فأنتم في رباط إلي يوم القيامة. ووالله لحالكم كحال القائل:
خذوا الشياه والجمال والبقر** فقد أخذنا منكمو خير البشر
يا قسمة تسعد وجه دربنا**حزنا الدنانير وقد حازوا البعر
أختاه!
كيف لك أن تأسي وأنت تسمعين قول الله تعالي: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء." (آل عمران).
ألست معي أن الرباط الذي أنتم فيه والجهاد الذي أقامكم الله فيه هو الخير كله ؟!, كيف لمؤمن أن تضيق نفسه وقد اختاره الله لتحرير مسجده الأقصي, وبشره النبي بأنه منصور وظاهر بالحق إلي يوم القيامة ؟.
فقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي بالحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم ما أصابهم من اللأواء حتي يأتي أمر الله وهم على ذلك, قالوا: أين هم يا رسول الله ؟، قال: في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
ولست هنا أحدثك لأخفف عنك ما تشعرين به من ألم، بل إن فؤادي لينفطر مما تتألمين منه، وأدري كم المعاناة التي تعانينها، والبؤس الذي أنت فيه، سيما وقد قطع عليكم العدو كل طريق، وأحاطكم من كل جانب، وعلي الجانب الآخر خذلتكم حكومات ضلت طريقها وسارت في درب المفاوضات الخادعه والمراوغات و المماطلات.
لكن سوء الحال لا يطالك أنت فقط بل قد عم المنطقة كلها وطال الناس جميعا, فمن عدو يفجؤك، إلي لقمة عيش قد استعصى علي الناس منالها في بلادنا، إلي سلبية قد عمت الناس وحرمتهم من التنعم بالحرية وغيرها من المصائب كثير.(33/728)
نعم لقد مسكم التشريد وأتعبتكم مفارقة الديار, بيد أن هذا لا ينبغي أن يفت عزمكم أو يذهب صلابتكم, بل لابد أن يعطيكم الأمل كي تسيروا علي درب الكفاح، فما ضاع حق وراءه مطالب.
يجب ألا يدفعك سوء الحال إلي أن تظني أن العيش في فلسطين مستحيل، فهذا عين مراد العدو، أن يحيل العيش في فلسطين أمامكم إلي حلم، ويبث في قلوبكم اليأس، فتتركوا له البلد لقمة سائغة, وأني له هذا !
أختاه!
أحس بما تعانين منه، وأشاطرك الهم، فقد تنوعت الجراح، بيد أنه ليس لنا عن الصبر مندوحة، وليس لنا سوى الجهاد سبيل, نبراسنا في طريقنا قول الله سبحانه وتعالي:"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله." (الحج).
كيف لنا أن نتنكب طريق الجهاد وقد قرأنا سيرة المصطفي الهادي الذي ظل يجاهد في سبيل الله ويحمي دينه حتي لاقي ربه ؟. إياك أن يدفعك سوء الحال إلي هجر الأرض، فالأرض عرض، بل أشد من العرض، ومن ضيع أرضه ضيع عرضه.
إياك أن تيأسي من طول المعاناة، أو يكل كتفك من حمل السلاح، فالجهاد عز الأمة، وعدة الجهاد صبر جميل قال تعالى: "و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون." (يوسف).
واجعلي قلبك متصل بالله، يفرج عنك كل ما تلاقين واعلمي أن طول الطريق مرتبط بطول الثواب، وعظم الأجر، واختبار المعادن قال تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين". (آل عمران).
يا أختاه!
عفا الله عنك، وفرج همك، وقوى عزمك، وأعلي درجتك في الجنة بإيمان وصبر تنالين به النصر والخير. تذكري أبدا حديث النبي– صلي الله عليه وسلم- لابن عباس – في رواية-: "تعرف إلي الله في الرخاء يعرفك في الشده, واعلم أن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا ".
إياك أن تيأسي، أو تفكري في ترك البلاد لهم, بل لابد أن تتحول معاناتك شرارة تحرق العدا، ومرارة تسري في حلوقهم، فلا يطيب لهم معها عيش. وكلما هاجموك هاجميهم, أنجبي لهم جيشا من المجاهدين يحرقون صدورهم وربي لهم جحفلا من الصامدين يعرفهم قدرهم. فأنت- يا ابنه الإسلام- كما قال إقبال:
أنت تاج العز والياقوت في **موجة الدنيا و إن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج إلي**صوتك العالي و إن لم يسمعوك
فأسمعيهم صوتك، وأريهم مكانك، ولا تتركي عرينك وتنشغلي بمتاع دنيا زائفة، طالت أو قصرت فستنتهي وستنقضي، قال تعالى: "يأيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله إثاقلتم إلي الأرض, أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل". (التوبة) .
شد الله أزرك، وقوي عزمك، ورزقنا وإياك الشهادة في سبيله، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ(33/729)
الاسم
أريد الزواج ولا أملك المؤنة !! العنوان
السلوكيات الموضوع
والله أنا مشكلتي هي الزواج.. فأنا لا أريد أن أزني أو أعصي الله، كما أننا نعاني من كثرة الفتن في هذا البلد أعني كثرة الكاسيات العاريات، وبما أنني إنسان تأتيني الشهوة وكما سبق لي وأن قلت لا أريد المعصية.. وهذا الأمر هو الذي يشغلني، فأنا لا أستطيع الزواج؛ لأنه لا عمل لي، وأنا أبلغ من العمر 22 سنة ومن المغرب، وشكرا..
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ همام عبد المعبود المحرر المسئول عن نطاق الأخلاق والتزكية بشبكة "إسلام أون لاين.نت":
الأخ الحبيب:
قرأت رسالتك، وشعرت بمشكلتك، وقد قدرت كثيرا امتناعك عن ارتكاب جريمة الزنا وعن اقتراف المعاصي، جعلك الله من الراغبين في رضاه، الراغبين عن معصيته.. آمين.
وأما عن قولك "إننا نعاني من كثرة الفتن في هذا البلد أعني كثرة الكاسيات العاريات"، فالحق يا أخي أن التبرج والعري لم يعد قاصرا على بلدك -المغرب- لكنه استطال فطال معظم البلاد العربية بل والإسلامية، وذلك بجهد وتخطيط أعداء هذا الدين، الذين لا يريدون لهذه الأمة أن تنهض ولا لشبابها أن يفيق من غفلته، حتى لا يعرف ماله من حقوق فيطالب بها، وما عليه من واجبات فيؤديها.
وأوصيك أخي الكريم بالاعتصام بالله سبحانه وتعالى، ففيه الهداية إلى أقوم الطرق، والعصمة من كل فتنة، قال تعالى في كتابه الكريم: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، نعم يا أخي: اعتصم بالله، والجأ إليه وفر إليه، استعن به على شياطين الإنس والجن، استعن به على نفسك التي بين جنبيك.
كما أوصيك ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ففيها النجاة والمخرج من كل ضائقة قال تعالى: (وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، فلتتق الله في جوارحك، اتق الله في بصرك بغضه عن النظر إلى ما يغضب الله، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ أن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وفي الحديث القدسي: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) (رواه الطبراني)، واتق الله في سمعك فلا تسمعه إلا خيرا.
ولأنك – كما ذكرت في رسالتك – لا تستطيع الزواج لأنه لا عمل لك، لذا أوصيك بما أوصى به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم شباب أمته عندما قال لهم: ( يا معشر(33/730)
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )، ولكونك لم تذكر في رسالتك ظروفك العائلية، وما إذا كان بوسع والدك أن يزوجك، كما لم تذكر ظروفك التعليمية فإن بوسعك أن تبحث عن عمل يعود عليك برزق حلال تعيش منه.
وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا، اسمح لي أن أقدم لك -أخي الكريم- هذه النصائح التي يمكن أن تعينك -بعون من الله- على حل مشكلتك:
1- كن دائم الصلة بالله عز وجل، فاحرص على أداء الصلاة في موعدها، وحبذا لو أديتها في المسجد وفي الجماعة، واجعل لك وردا من القرآن (من جزء إلى ربع) يوميا حسب طاقتك وظروفك، واتخذ لك من الأذكار وردا ليطمئن قلبك وتهدأ نفسك، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
2- عليك بالنوافل، فأكثر من نوافل الصلاة، وتصدق -ولو بالقليل- ففي الحديث (داووا مرضاكم بالصدقة)، وليس هناك من مرض أشد مما أنت فيه، ولا تنس وصية حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم لشباب أمته (فمن لم يستطع – الزواج – فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فأكثر من صيام النافلة (صم الإثنين والخميس من كل أسبوع، ثلاثة أيام – الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر- من كل شهر قمري) ففيه من الفوائد الكثير، ومنها كسر الشهوة بتقليل الطعام وإجهاد البدن بالصوم.
3- اتخذ لك من الصالحين صديقا، فإن الصديق الصالح يكون عونا لصديقه على طاعة الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة)، ففي جلوسك معه وصحبتك له الخير الكثير.
4- غض البصر، فالنظرة بريد الزنا كما يقولون، قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إن اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم (والعين تزني وزناها النظر.. والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)، فاجعل غض البصر خلقا لك، وإذا أخذك بصرك إلى معصية فاصرف بصرك، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني فقال: "اصرف بصرك".
5- الخوف من الله، ذكر نفسك دائما بسوء عاقبة الزنا، قال تعالى (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)، تذكر غضب الله عليك في حال تجرُّئِك عليه بالمعصية، وأن هذه الجريمة قد تكون سببا في طردك من رحمة الله وسببا في دخولك النار.
6- الأجر العظيم، تذكر الأجر العظيم الذي ينتظرك لو أنك انتصرت على نفسك وعلى شيطانك، فتركت هذه المعصية وتلك الفاحشة، ابتغاء الأجر من الله، فمعرفة الأجر والثواب قد يكون صارفا عن فعل المعصية.
7- اعلم -عافاك الله- أن (البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، افعل ما شئت فكما تدين تدان)، وما أجمل ما قاله الشاعر:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم(33/731)
من يزن في الناس بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم
من يزن يزنى به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
إن الزنا دين فإن أديته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا ستر النساء وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
ويضيف الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم وشبكة "إسلام أون لاين.نت" :
الأخ الفاضل :
جزى الله تعالى أخانا الكريم همام عبد المعبود خيرا، وليأذن لي بكلمة خفيفة لك فالزواج مسألة هامة في حياة كل شاب عزب لم يتزوج، وربما كان الميل إلى الجنس الآخر شيئا فطريا، ومع السعار الجنسي الذي تعيشه الأمة أضحى الجنس مشكلة، مع كونه في الأساس ليس مشكلة عويصة، فنريد من شبابنا أن يعوا أن ميلهم إلى الجنس الآخر شيء فطري، ويجب عليهم أن يهذبوه بما رسم الإسلام من هدي أشار إليه أخي همام، مع أخذ الموضوع في حجمه الطبيعي، فليس ثوران الشهوة عند المرء يجعله يتسرع حتى في الزواج؛ لأن هذا قد يدعو إلى أن يتزوج من ليست مناسبة له، ولكن إن كانت هناك فرصة للزواج، مع حسن الاختيار فلا بأس.
أخي أنت تجعل نفسك في دائرة محدودة، هي أنك جعلت كل حياتك في الشهوة، ولو نظرت إلى نفسك لوجدت أن عندك ما يشغلك، ولكن الشهوة تعمي العقل، وتطمس القلب، فانظر جوانب حياتك المختلفة، هل من المناسب أن تتزوج الآن، أم هناك أشياء يجب أن تستعد لها أولا، فقد يكون علاجك في الزواج، لكن ليس في هذا الوقت.
الزواج أخي ليس قضاء شهوة ووطر، ولكنه بناء أسرة ومؤسسة اجتماعية وتربوية، ففيها الحياة الزوجية، وتربية الأولاد، وقيام الزوج بوظيفته، والزوجة بوظيفتها، ودور كل منهما في المجتمع.
إن من الصواب أن ندرك أن الزواج خير من الحرام، وهذا جزء من شرعنا، ولكن ليس من الصواب أن نحصر الزواج والأسرة على إتيان الشهوة فحسب، فإن استطعت أن تجمع بين مهام الأسرة "من استطاع منكم الباءة" الباءة على النكاح والتربية والقيام بمهام الزواج، فليتزوج، ومن كان عاجزا عن هذا، فليبحث عن البديل الذي يحفظ به دينه، حتى يأذن الله تعالى بالفرج، وأنت أدرى الناس بأحوالك، ونبشرك بأن من نوى الزواج، يسره الله تعالى له، كما جاء في الحديث: "ثلاثة حق على الله عونهم.. الناكح يريد العفاف".
لم يكن قصدي من هذا الكلام أن تتراجع عن الزواج، فهو حل بلا شك لكل من يصبو للعفة والطهر، ولكن أحببنا أن نوضح أن العفة والطهر وظيفة واحدة من وظائف الأسرة، وليست هي كل الوظائف، وإن كانت من أهمها، وأن نعوِّد أنفسنا على التفكير المنظم قبل فعل أي شيء، وألا نتعجل بنظرتنا دائما في قراءة الأحداث، بل والأطروحات التي نرى أنها حل لمشكلاتنا.
وختاما..(33/732)
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، وأن يأخذ بيدك إلى شاطئ طاعته، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقك الصبر عن معصيته، وأن يزوجك من النساء في الدنيا ما تقر به عينك، وتحصن به فرجك، وتغض به بصرك، وفي الآخرة من الحور العين ما تنعم به.. آمين يا رب العالمين. وتابعنا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
توبة العاشقين.. زواج أم انفصال العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا امرأة تريد إرضاء الله سبحانه وتعالى والابتعاد عن المعاصي. ومشكلتي هي:
مند صغري و أنا أحاول عدم إغضاب الله وعدم ارتكاب ذنب الزنا فلم أعرف قط أي رجل خوفاً من الله. و لكني مؤخراً و في مقر عملي وقعت فيما يسمى بالحب و غلبتني نفسي و ارتكبت معصية الزنا مع من أحب، و هو متزوج و قبل أن يلمسني اتفقنا على الزواج وهو حقاً يريد الزواج مني.
لكني عندما جلست مع نفسي وقررت التوبة النصوح توصلت إلى أنني سأتسبب في الضرر لامرأة لم تفعل لي شيئاًًًً بالإضافة إلى أن أسرتي لن توافق أبدا وأنا في نفس الوقت أريد التكفير عن هذا الذنب الذي هو بيني و بين الله ولا يعلمه إلا هو.
ولقد تقدم لخطبتي شاب فيه كل المواصفات من دين و أخلاق ولكني لا أريد غشه.
هل أقبل بالذي تقدم لخطبتي و أصارحه؟ أو أتزوج بالرجل الذي أخطأت معه-لا أريد إلا إرضاء الله.
أريد أن أفيدكم إلى أن ذنب الزنا لم يصل إلى درجة الجماع. ولكني فقدت عذريتي إثر حادثة في صغري.
أسألكم النصح جزاكم الله . أسألكم الدعاء لي بقبول التوبة .
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخت السائلة :
النية الصادقة في الابتعاد عن المعاصي شيء جميل ، فالنوايا الحسنة يثاب عليها صاحبها ، كما جاء في الأثر: رب نية سبقت عملا"، غير أن النية وحدها ليست كافية للحفاظ على الإيمان ، فالإيمان لازم له العمل، ومن هذا العمل الحفاظ على ما افترض الله تعالى، والابتعاد عما نهى عنه وحرمه.
وهذه الفرائض يجب فيها أن يجاهد الإنسان نفسه، وأن يأخذ التدابير الوقائية حتى يحول بينه وبين نفسه في الوقوع فيما حرم الله تعالى، وأن يكون قويا بإيمانه، إن هذا الضعف البشري في العلاقات الاجتماعية بين الجنسين حدا ببعض الفقهاء أن يحرموا العلاقة بين الجنسين والتعامل بين الجنسين بشكل عام، وهو شيء يخالف ما جاءت(33/733)
به النصوص الشرعية وواقع المسلمين على مر تاريخ الإسلام، وإن كانوا يستندون إلى سد الذرائع، فإن المسلم يحتاج إلى هذه القاعدة العظيمة ، أن يسد الذريعة إلى الحرام، لا بتحريم ما هو مباح في أصله.
ولكن بعدم الوقوع فيما حرم الله، فالاختلاط بين الجنسين ليس حراما بذاته، ولا يعرف الإسلام المجتمع الذي يجعل الرجال مجتمعا، والنساء مجتمعا، بل هو مجتمع واحد، مع مراقبة الله تعالى، والاحتفاظ بخصوصية كل جنس ، فلا إفراط ولا تفريط في المعاملة.
ولقد كان إيمانك ضعيفا حين سمحت لنفسك أن تنشئ علاقة غير شرعية مع هذا الرجل، ليست علاقة زمالة في العمل ، ولكنها أضحت علاقة خاصة وصلت إلى الزنى بغير جماع كما ذكرت، فلم يكن لك عاصم من أمر الله تعالى، وأهنت نفسك أمام نفسك وأمام دينك وأمام ضميرك ، إذ رضيت بالقبلات والأحضان وغيرها من المحرمات التي أشار الله تعالى إليها في الآية (32) من سورة الإسراء في قوله تعالى :"ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا".
لقد خلعت عن نفسك حجاب الحياء ، ورضيت لنفسك أن تتعري عن حميد الأخلاق والإيمان ، وأمرضت ما في قلبك من حسن العلاقة بالله تعالى، من خلال وسائل اتصال خداعة، مثل وهم الحب الزائف، والوعد الكاذب بالزواج، وإن هذه الكلمة الشريفة "الحب" لتشتكي كل من يدنسها من عاشقي الجنس، الذين جعلوها في أسوأ منظر أمام الناس.
إن الحب الصادق الذي يغلب قلب الإنسان ليجعله أحرص الناس أن يحافظ على من أحب، حتى من نفسه، ولا يرضى له أن يدنس هذا الحب بمعصية، وإن كان جادا وصادقا في حبه، فالزواج طريق استكمال هذا الحب، أو قطع العلاقة بينه وبين من يحب، ليتقلب القلب من حالة العصيان إلى التزام أوامر الرحمن.
ليس صحيحا أن كل من أحب لا يستطيع الاستغناء عن حب من أحب من الجنس الآخر ، فكم من المحبين ما كتب لهم بقاء علاقتهم، لطبيعة الوضع الاجتماعي، أو حتى لاختلاف الطباع أو غيرها من الأسباب، و ما انحرفوا، ولكنهم بحثوا عن وسائل يحبها الله تعالى للحفاظ على دينهم الذي هو أسمى من كل شيء في الوجود، ولأنهم عباد لله، يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، فكانت تقواهم حاجزا لهم من أن يقتربوا الكبائر التي حرمها الله تعالى، آملين أن يعوضهم الله تعالى خيرا على ما فقدوه.
إن السعادة بيد الله وحده، فهو الذي يهب الراحة والسعادة والحب للناس، وهو الذي بيده قلوب الخلق، كما قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون"، فكل محاولة لجلب السعادة خارجة عن إطار طاعة الله، فهي طريق للهلاك، وإن رأى الناس فيها متعة، فهي زائلة، أو سعادة، فهي لا تدوم.
ولكن لا نريد أن نبكي على اللبن المسكوب بكاء دموع، وإن كنا في حاجة أن بنكيه ألف مرة بقلوبنا، ليبقى مادة حية تمنع قلوبنا من أن تقترف جرائم الاعتداء على الدين، ولتكون حائط صد لإغواء النفس أو وسوسة الشيطان.(33/734)
أما عما تفكرين فيه من اتخاذ خطوات في سبيل التوبة، فهو عود حميد، وتنقية لحياتك، وجلب لراحة نفسك، فإن المعصية من منغصات الحياة، ولا أقول لك: تزوجي من وعدك بالزواج، بعد الخطأ الذي ارتكبته معه، ولا أن تقبلي من تقدم إليك، ولكن وازني بين الاثنين، انظري أين سعادتك، فلا تجعلي الرفض من الأول سبيلا للهرب من المعصية، ولا تجعلي قبول الآخر سبيلا لنسيان ما كان، مع كونه قد لا يناسبك، فالزواج في الإسلام علاقة اجتماعية في المقام الأول، ويأتي الدين حافظا وحاميا ومرشدا لهذه العلاقة الشريفة.
اقرئي شخصيتك جيدا، طباعك، سلوكيات، نمط حياتك، هل تتوافق مع هذا الشاب المتقدم إليك؟ فإن كانت الإجابة بنعم، فتوكلي على الله، ولا ترفضيه، ولا تبلغيه بما كان بينك وبين زميلك في العمل، وأخبريه – كما ذكرت – من أن غشاء البكارة انفض بسبب حادثة في الصغر، أما إن كان هذا الشاب لا يناسبك فارفضيه، فإن رأيت أن الآخر لا يناسبك فاتركيه هو أيضا حتى ترزقي الأنسب لك.
المهم، أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الذنب ، وأن تتغير حياتك في طبيعة العلاقة مع الرجال، وإن كان الإسلام أ باح التعامل بضوابط، فإما أن نلتزم تلك الضوابط، أو تتركي كل تعامل قد يجرك إلى حرام، فإن المباح لا يجب على الناس أن يفعلوه، بل على كل إنسان أن يأخذ منه بقدر ما يوافق دينه، ويحفظ سير حياته على النهج السوي دينيا واجتماعيا.
وعلى كل، فاختيار الزواج من الرجل المتزوج، أو من الشاب الآخر هو اختيارك أنت، على أن تختاري الأصل لك ولدينك، ولا علاقة بين توبتك وبين زواجك ممن أخطأت معه، التوبة هي الانقطاع عن المعصية وعدم العودة إليها مرة أخرى، والندم عليها، وأن يتبع ذلك سير في طريق الله، وحسن صلة به سبحانه وتعالى.
وسل الله دائما أن يحفظ عليك دينك، وأن يثبتك على الحق، وأوصيك ببعض الأدعية، فادعي وقولي:
اللهم اربط على قلبي لأكون من المؤمنين .
رب توفني مسلمة وألحقني بالصالحين .
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك، اللهم اصرف قلبي عن معصيتك.
اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي، وكره إلي الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.
اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.
وأوصيك بأن تجلسي وحدك، وتتكلمي إلى الله تعالى، وأن تفضفضي ما في قلبك له، على أن يترجم ذلك عمليا بالالتزام بنهجه والحفاظ على أوامره وطاعته.
وفقك الله لما يحب ويرضى. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
أب يهمل أبناءه ..هل يستحق البر؟ العنوان
السلوكيات الموضوع(33/735)
هل يستحق الأب المهمل أولاده البر؟ الأب الذي لا يسأل عن بناته ولا يهتم بأمورهن المتزوج من أخرى ويهتم فقط بأولاده من الزوجة الأخرى.. فهل يعاقبني الله إذا كرهت هذا الأب ؟
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بك أختي هبة، وأهلا بإخواننا العراقيين المرابطين والمجاهدين لتحرير مهد الحضارة الإسلامية من دنس المغتصبين الحاقدين.
أود أن ألفت نظرك أيتها الأخت الكريمة في البداية إلى شيء هام وضروري في العلاقات الأسرية - خاصة علاقة الأب بأبنائه أو الأبناء بأبيهم - وهو أن هذه العلاقة ليست قائمة على الاستحقاق فقط؛ فأنت تسألين: "هل يستحق الأب المهمل أولاده البر؟"، ولكن يجب أن يحكم هذه العلاقة محددات وضوابط أسمى وأرقى من مجرد الاستحقاق، هذه الضوابط تحتاج إلى نوع من مجاهدة النفس والتغلب عليها لحملها على هذا الأمر السماوي..
أول هذه المحددات والضوابط قول الله عز وجل {وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، فإذا عرفنا أن هذا التوجيه القرآني ضابط في علاقة الأزواج والزوجات بعضهم ببعض فإنه يكون أولى وأوجب في علاقة الآباء بالأبناء؛ ذلك أن الزوجين تنتهي العلاقة بينهما بمجرد الطلاق، ويذهب كل واحد منهما إلى حال سبيله ليواصل حياته مع شخص آخر، ولكن هل يستطيع الأبناء التنصل من آبائهم والبحث عن آباء غيرهم، يعوضونهم عن آبائهم الحقيقيين؟!
الإجابة البدهية والواقعية هي لا يمكن ذلك؛ فالفرع إذا قُطع من جذعه الحقيقي الذي نما وترعرع فيه يستحيل وصله بآخر. فألا تذكرون لأبيكم من الفضل عليكم والتعب من أجلكم والعمل على راحتكم ما تغفرون به تقصيره تجاهكم الآن؟!!
الضابط الثاني في هذه العلاقة هي قوله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فالتوجيه القرآني هنا واضح بأن الأبوين المشركين المجاهدَين لأبنائهما ليشركوا بالله، لهما على أبنائهما حق المصاحبة بالمعروف.. فهل ما فعله أبوك يزيد عن الشرك بالله حتى لا يستحق منكم البر؟!!
الضابط الثالث قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الأصل في هذه العلاقة الإحسان وخفض جناح الذل من الرحمة والدعاء لهما بما ربياك صغيرا؛ فمجرد التربية في الصغر توجب للآباء هذه الأمور. بل إن(33/736)
أقل ألفاظ التضجر وهي كلمة "أف" منهي عنها في هذه العلاقة.. فهل بعد هذا الهدي الرباني لا يستحق أبوك البر؟
أختاه،
لقد بنيت كلامي السابق معك على أسوأ الاحتمالات والافتراضات؛ وهي أن أباكن مقصر بالفعل معكن ومهمل. لكن هناك احتمالات وافتراضات أخرى أفضل من هذا الافتراض؛ وهي أنه ربما يكون هناك سوء تقدير منكن لموقف أبيكن، أو أن هناك من الأعذار ما لا تعلمنه ولا يستطيع هو إطلاعكن عليها.
وبشيء من الصراحة نقول: إن زواج أبيك بأخرى غير أمك -في حد ذاته- ليس جريمة يلام عليها، ما دام يراعي حقوق الله بينهما. وأما اهتمامه بأولاده من الزوجة الأخرى فعله راجع إلى صغر سنهم واحتياجهم إلى رعاية أكثر منكن؛ فأنت -كما يتضح من بياناتك- قد تعديت العشرين من عمرك، ووفقك الله للحصول على البكالوريوس، وأولاده الآخرون لم يأخذوا حقهم بعد من الرعاية والاهتمام، وهذا يقتضي منه إيلاءهم مزيدا من الاهتمام أكثر منكن.
إذن فمن خلال المعطيات القليلة التي تفضلت بها علينا نستطيع أن نقول: إن وصف أبيك بأنه "المهمل لأولاده" يحتاج إلى وقفة منك أنت وأخواتك تتساءلن فيها عن ظروف أبيكن الحالية، وحاولن أن تلتمسن له من الأعذار ما يحفظ له استحقاقه البر منكن.
وهناك شيء آخر هام جدا يجب أن تفكرن فيه؛ وهو ما دوركن أنتن في إذابة جبل الجليد الذي تراكم بينكن وبين أبيكن؟ هل قمتن بدوركن في إعطائه حقه أولا من البر والاحترام وواظبتن على ذلك؟ أم تتعاملن معه بندية تجعلكن تتعالين عن البدء بالتواصل؟ وما هو دوركن تجاه إخوتكن الصغار؟ أليس هؤلاء إخوة وسندا وعونا لكن، خاصة بعد وفاة أبيكن؟.
إن الحياة الأسرية يجب أن تترفع وتسمو عن هذه الصراعات والتحزبات والتعصبات التي نريد إزاحتها من مجتمعنا الكبير، ولن نستطيع ذلك إلا إذا زالت واختفت من نواة المجتمع المتمثلة في الأسرة والعائلة.
أما بالنسبة لسؤالك عن "هل يعاقبني الله إذا كرهت هذا الأب؟" فأقول: جميل أن يكون منطلقك هو الفرار من عقاب الله، ولكن الأفضل أن يكون منطلقك هو الفرار إلى ثواب الله وعظيم أجره. هذا الثواب المتمثل فيما أعده الله وأخبر به في كتابه لمن جاهد نفسه وتغلب عليها، وكان هواه تبعا لما جاء به القرآن وأمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من بر للآباء وصبر عليهم كما أوضحنا فيما سبق.
وفي النهاية -أختاه- أدعوك لأن تمدي حبال البر والمودة لأبيك، واعلمي أنه على قدر ما تجدينه من مشقة وعنت سيكون الأجر عظيما عند الله، وثقي أنك كما تدينين تدانين؛ فبقدر البر الذي تبذلينه لأبيك سيكون بر أبنائك بك إن شاء الله. واعلمي أن هناك أبناء فقدوا أباهم ويتمنون لو أنه موجود في الدنيا حتى ولو بدون علاقة بينهم؛ فمجرد وجود أب لهم في حد ذاته نعمة تستوجب الشكر.
أسأل الله أن يصلح ذات بيننا، وأن ينزع الحقد والغل من قلوبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وتابعينا بأخبارك وأخبار أبيك.(33/737)
ـــــــــــــــــــ
وقع في الزنا وتاب .. فهل أتزوجه؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ أشكركم أولاً على الموقع والفرصة التي أتحتموها لنا للاستفسار عما يعن لنا من أمور إيمانية خاصة .. وأود الاستفسار على موضوع في غاية الأهمية و أتمنى سرعة الرد، وموضوعي هو : تقدم لخطبتي إنسان قريب جدا لي، و أعزه جدا، ولكن علمت بعد فترة انه كان زانيا، و أنها كانت مرة واحدة قبل تعارفنا، و أنه قد تاب وندم.
سؤالي هو : هل أخبر أهلي بهذا الأمر؟ علما بأنه تاب الى الله وعزم على عدم تكرار المعصية، وأنا غفرت له هذا لأنه تاب وطلب من الله المغفرة، ولكنني لا أدري إن كان صادقا معي في أنها "مرة واحدة"، أو إن كان قد تاب بالفعل أم لا ؟ وأود أن أوضح أنه من أسرة مؤمنه و أنني أثق به، غير أني أخاف أن أخبر أهلي فلا يسامحونه فأكون خائنه للسر الذي ائتمنني عليه، كما أنني أخشى عدم مصارحة أهلي بالأمر فأكون خائنه لأمانتهم، وربما تحدث بيننا مشاكل فيما بعد فلا استطيع أن أشكو لأهلي . أفيدوني فأنا حيرانة !! و جزاكم الله خيرا .
السؤال
الشيخ سمير حشيش المستشار
الرد
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فمن رحمة الله بالعباد أنه يقبل التوبة منهم مادامت صادقة وخالصة من قلوبهم "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات" (الشورى). بل وأعظم من ذلك أن يبدل الله هذه السيئات إلى حسنات(إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )(الفرقان).
ولقد تاب- يا أختي- خطيبك المذكور، وعزم على عدم تكرار المعصية مرة أخرى، وأسأل الله أن يقبل توبته وأن يغفر لنا وله. ولقد أحسن إذ رجع إلى الله وبادر بالتوبة، ولكني لا أؤيده أبدا في إخباره إياك بذنبه الذي وقع فيه؛ فما دام قد ستره الله، وهو قد تاب وأناب، فكان الأجدر به أن يستر نفسه أيضا أمامك، وذلك لأن الله تعالى يعفو ويصح أما الإنسان فقليلا ما ينسى وقليلا ما يتجاوز.
وألاحظ في رسالتك أمران:
الأول: أنك مازلت تشُكّين في صدق توبته وتشُكّين فيما إذا كان الخطأ وقع مرة واحدة -كما أخبرك- أم أكثر. وهذا يؤيد ما قلته آنفا من أنه أخطأ إذ أخبرك بذنبه هذا، مع الإشارة إلى أن شعورك هذا هو شعور معظم البشر للأسف الشديد، فالله يغفر ويسامح أما البشر فلا. وأنت تزعمين أنك واثقة به، ولكن يبدو أن هذا الزعم غير(33/738)
صحيح، فمن أين تثقين به وأنت تقولين بأنك لا تدرين "إن كان صادقا في أنها مرة واحدة أو أنه تاب بالفعل؟".. ألا ترين مثلي أنك مازلت قلقة من ناحيته؟.
أختي الفاضلة، أجيبيني على السؤال التالي: ما هو الدافع الذي جعل خطيبك يخبرك بذنبه؟. ألست معي في أن الدافع لذلك هو حبه وإخلاصه لك وإخلاصه في توبته أيضا؟ وإلا فما الذي يجبره على إخبارك؟ ولكنك للأسف وضعته في دائرة الاتهام والشك، وهذا خطؤه إذ أخبرك، وليس خطؤك فأنت مثل كل البشر.
الأمر الثاني: في قولك (كما أخشى ألا أصارح أهلي فأكون خائنة لأمانتهم، وأن تحدث مشاكل فيما بعد ولا أستطيع أن أشكو لأهلي) أي أمانة يا أختي تخونينها حين لا تخبرين أهلك بذنب خطيبك، وما دخلهم أصلا برجل وقع في الفاحشة ثم تاب منها، وماذا لو لم يخبرك أصلا بذنبه؟.. ولا أدري ما علاقة أهلك بهذا الموضوع؟!، أنت يا أختي ستتزوجين مسلما، نعم قد وقع في الفاحشة، لكن من منا بلا خطأ أو ذنب.
وهل أنت تأمنين على نفسك من الوقوع في المعاصي طول حياتك، إن أحدا لا يستطيع أن يدعي ذلك. أختي، كلنا ذوو خطأ وكلنا لا يأمن على نفسه إلا أن يحفظنا الله ويدركنا برحمته. ثم ما علاقة حدوث مشاكل بينك وبينه فيما بعد بهذا الذنب الذي وقع فيه؟ أم أنك تعزمين على أن تذكريه بذنبه هذا عند كل مشكلة، على حد قول المصريين "تمسكيها له ذلة".
أختي، عند حدوث مشكلة فالأفضل ألا تشكي لأهلك، وإن كان لا بد من الشكوى فلتكن على قدر المشكلة، فما علاقة المشكلة التي قد تحدث فيما بعد بأنه وقع في الفاحشة منذ سنين؟ إنه أمر عجيب. فإياك أن تخبري أهلك بهذا الأمر، فنحن مأمورون لو رأينا الفاحشة رأي العين بأن نسترها، فما بالك بإنسان دفعه ندمه وثقل المعصية على قلبه إلى أن يبوح بها لمن يحبه ويثق فيه، وهو بذلك يرجو من يذكره برحمة الله ويعينه على التوبة الصادقة، ما بالك لو وجد منك الفضيحة والشك والاتهام؟ إنها صدمة على النفس والقلب أشد من ضرب السيوف، فاتقي الله في الرجل ولا تفضحي أمره ولا تخوني سره.
أختي، أرى الشك في خطيبك يؤرق فكرك، وخوفك منه في المستقبل يخطر لك من آن لآخر، وأقول لك: إن كنت مستعدة لنسيان ما أخبرك به خطيبك كأنه لم يكن أصلا، ومستعدة لأن تعامليه على أنه إنسان طبيعي وليس مجرما فتوكلي على الله، وأتمنى لك زواجا مباركا. أما إن كنت ترين الشك والقلق يسيطران عليك وسينغصان عليك حياتك وأنك لن تنسي له ذنبه هذا وأنك عند كل مشكلة ستربطينها بهذا الذنب فأنصحك بمراجعة قرار الزواج من الأصل.
والخير - من وجهة نظري- هو أن تنسي وتسامحي وتغفري فالله غفور رحيم. وفقك الله وهداك وشرح صدرك وسترك في الدنيا والآخرة، وغفر الله لخطيبك، وشملنا معكما بهذا الدعاء اللهم آمين. وتابعينا بأخباركما، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
ـــــــــــــــــــ
خطيبي لا يغض بصره..انصحيه برفق العنوان
الأخلاق الموضوع(33/739)
أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري سأنهي هذا العام دراستي في الجامعة، وأنا، والحمد لله، من عائلة تربي أبنائها على أسس الدين والخلق، لذا أعتبر نفسي أنني فتاة متدينة. وكان من الطبيعي لفتاة مثلي ألا تقبل بأي نوع من أنواع الصداقات مع الشباب، وحتى في أثناء دراستي في الجامعة، كانت حدود علاقتي مع الشباب فقط في حدود الزمالة، التي تفرضها الدراسة لا أكثر. وكنت أعتقد ومازلت أننا في مكان للدراسة ولا يجب أن نحوله إلى مكان للعشق و الحب.
وكانت حياتي عادية ليس بها أي جديد فاليوم يمضي مثل الأمس ومثل ما سيمضي به غدا ، أي لا جديد. وفجأة و بدون سابق إنذار يأتي شيء يهزك من الأعماق ، يقلبك رأسا على عقب، شيء يقول لكي أنك مازلت على قيد الحياة وأن الحياة يوجد بها أشياء جميلة وممتعة غير الدراسة، فعندئذ ترى قلبك يخفق بنبضات لم تكن تعرفها من قبل تشعر بأنك تطير محلقا في أرجاء الكون. نعم هذا هو الحب، يمكن تكون هذه أول مرة أحب، فكنت لا أقيم للحب و قصصه أي أهمية أو لأني لم أجد ذاك الإنسان الذي يدفعني رغما عني إلى أن أحبه.
فالقصة بدأت حين فتح محل تجاري بالقرب من مكان سكني وكان يعمل في هذا المحل شابا وهذا الشاب منذ ما رأيته لا أعرف ما هذا الشعور الغريب علي، الجميل الذي تملكني، فأعجبت به من أول نظرة كيف؟، لا أعرف. وأيضا هذا الشاب منذ أن رآني بدأ يرمقني بنظرات تدل على إعجابه بي وكنت أراه سعيدا لرؤيتي.
وطبعا لأني فتاة متدينة لا تقبل الانجراف وراء قلبها والتورط بالوقوع بالحرام ولأني حريصة أيضا على سمعتي و سمعة عائلتي، فكتمت شعوري تجاهه إلى أن أفاجئ بأنه يتقدم لخطبتي وتمت الخطوبة وأنا أراه فارس أحلامي فأعجبت بكل شيء فيه من دينه وأخلاقه حتى شكله فهو شاب وسيم وأظن أني قد انبهرت به في البداية ومع مرور الأيام اكتشفت بعض التصرفات التي لا أقبلها و لا تعجبني بالشخص الذي سأرتبط به فاكتشفت أن خطيبي لا يغض بصره ويعاكس الفتيات مع العلم إنه لا يقطع فرض من الصلاة حتى أنه يصلي في المسجد.
فبدأت أغار عليه، وبدأ الشك يدخل إلى قلبي، وبدأت أفقد الأمان التي كنت أظن أني وجدته معه. ومع العلم أنني على قدر من الجمال ولكنه أيضا هو شاب وسيم وجميل الشكل. وعلى الرغم من ذلك عندما أراه أنسى أو أتناسى كل ما يفعله من تلك التصرفات. قلبي يريده بقوة وعقلي يرفض تصرفاته وأيضا بقوة أنا متخوفة من عدم غضه لبصره ومتخوفة أن يبقى كما هو بعد الزواج، إذا هل سيتغير بعد الزواج؟ وكيف الطريقة لتغيير تصرفاته؟ هل دينه ناقص أم أخلاقه؟ مع العلم أنه يقول أنه يحبني إذا لماذا ما زال ينظر إلى غيري؟ هل الحل أن أتركه وأفسخ الخطوبة منه وأرجع إلى حياتي الرتيبة والمملة؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/740)
يقول الأستاذ رامي ملحم الداعية والكاتب الأردني، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالأردن:
أختنا الفاضلة :
أحمد الله تعالى أن أكرمكِ بهذه التنشئة الصّالحة، وهي من أعظم النّعم، وأن حفظكِِ من علاقات سوءٍ أثناء فترة دراستكِ الجامعيّة، وأنّ وفقكِ للارتباط بشابٍّ بطريقة سويّة كريمة. والحق أنّي سررت لاستطرادكِ وأنت تشرحين مشكلتكِ؛ إذ كان استطراداً مفيداً لاستيعاب السّياق كاملاً. ولن أتأخّر عليكِ الإجابة، وأرى أن ألفت انتباهكِ لما يلي:
1- أنّ الحياة الجامعيّة لا يصبح لها معنىً ولن تكون رتيبة ومفعمة ورائعة إلا إذا حفت بالعلاقات المحرّمة بين الطلاب والطّالبات!!. فكم هي جميلة أيام الجامعة إن عشناها بأهدافها، وعرفنا كيف نقضيها، واستفدنا منها. والغريب أنّنا نظن أنّ الحياة لا معنى ولا متعة ولا طعم لها بغير المعاصي والانفلات. ومن قال: أنّه لا يطلب من طلاب الجامعات إلا الدّراسة والتّحصيل؛ مع أهمّيّة ذلك. فأيّام الجامعة فرصة لبناء العلاقات والتّعرف على غيرنا من جنسنا، والانفتاح النّافع على الآخرين، والاستفادة منهم، كما أنّها فرصة للأنشطة الأكاديميّة المختلفة، وممارسة الدعوة إلى الله تعالى، وممارسة الهوايات وصقل الاستعدادات والملكات.
2- يبدو من رسالتكِ أنّ خطيبكِ فيه ما تريدين من مواصفات الدّين والخلق والشّكل؛ وهذه نعمة من الله تعالى أن ترزقي بمثل هذا الشّاب القريب إلى نفسكِ. مع تقرير أنّ عنده بعض السّلبيّات كتساهله في غض البصر ومعاكسة الفتيات، وهي سلبيّات كبيرة وأعلم أنّ لها تأثيراً كبيراً على نفسيّتكِ وعلى حبّكِ له.
3- أنصحكِ بأن تصارحيه بما في نفسكِ، وأن تعلميه بأنّ ما يفعله يؤذيكِ كثيراً، ويؤثّر على منزلته عندكِ، لكنها مصارحة المشفق المحب، الذي يروم العلاج، وذكريه بتقوى الله تعالى وخطورة التّساهل بالنّظر ومعاكسة الأخريات. وأنّ مثل هذه الأفعال قد تجر عليه النّدامة في الدنيا قبل الآخرة، فلو أنّ إحداهنّ شكت عليه، أو ردت على معاكساته بقوّة وحسم، لأوقع نفسه بالحرج. وذكريه بأنّ من يتساهل في أعراض النّاس تساهل النّاس في عرضه. وكونه على قدرٍ من التديّن والالتزام، ولم ينشئ علاقة معك، وإنما خطبك بطريقة سليمة، فأظنه على خير وعلى درجة من الصّلاح تؤهّله ليغيّر من تصرفاته، ويمكن أن يعدّل من سلوكه.
4- مبكرٌ اتخاذ موقف اتّجاهه، خصوصاً أنّك تحبيه، وهو على قدرٍ جيّدٍ من المواصفات التي ترضيكِ، المطلوب أن تبذلي جهداً لإصلاحه وتوجيهه.
5- كما أنصحكِ بعمل برنامج زمني لمعالجة هذه السّلبيّة، وأن لا تقتصري إجراءاتك على المصارحة والوعظ المباشر الرّقيق، بل أهديه ما تيسّر من محاضرات وكتيبات الدّعاة الفضلاء، ولتقرئي عليه من أبواب الحديث الشّريف ما يخوّفه ويحذّره من اتباع النّظر.
6- لا بدّ أن يستشعر حبّكِ وحرصكِ وحرقتكِ عليه، فهذا له أثره العميق في نفسه، بل وفي صلاح حاله، وأدعو الله له بذلك، فسيكون لما بذلتِ معه أبلغ الأثر في تقوية ما بينكما. ولا تنسي أن تجعلي له حظّاً وافراً من دعائك.(33/741)
وختاما؛
نسأل الله العظيم أن يحفظكما من كل مكروه وسوء وأن يقدر لكما الخير وأن يرضيكما بهآمين وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وتابعينا بأخباركما.
ـــــــــــــــــــ
شيطاني يصرفني عن الصلاة ؟ العنوان
العبادات الموضوع
أوَّلاً أشكركم على هذا الموقع كلِّ الشكر.
ومشكلتي هي أنني أريد أن أصلِّي غير أن الشيطان يحول بيني وبين ربي، وكأنه يمسك بي ويمنعني عن الصلاة بالقوة، هذا هو إحساسي بالضبط، أريد أن أصلِّي لكنَّني لا أستطيع؛ فالشيطان يقف لي بالمرصاد؛ فكيف أقاومه وماذا أفعل؟ أفيدوني يرحمكم الله .
السؤال
الدكتور محمد منصور المستشار
الرد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،
أخي الكريم،
علَّمنا الإسلام أنَّ أول وسيلةٍ لعلاج أيِّ داءٍ هي تشخيصه، ثمَّ صدق الرغبة في الشفاء منه، فإن كنت قد شخَّصت سبب عدم قدرتك على أداء فريضة الصلاة باستغلال الشيطان لضعفك، وإن كنت صادقا في طلب العلاج، فعليك اتِّخاذ الأسباب التي تُعينك، والتي بمجرَّد أن تتَّخذها، فسيحدث تغييرٌ إن شاء الله تعالى، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتَّى يُغَيِّروا ما بأنفسهم".
وفي تقديري أن العلاج يقتضي القيام بأمرين :
الأوَّل: تقدير حجم المشكلة.
الثاني: الخطوات العمليَّة للعلاج.
أما عن الأمر الأول وهو: تقدير حجم المشكلة: فإن ذلك ممكن من خلال :
1 - العلم بحجم الثواب الذي يفوتك يوميّا :
فأداء الصلاة في أوَّل وقتها أحبُّ عملٍ إلى الله تعالى على وجه الأرض، وإذا أحبَّ الله عملاً أجزل له الثواب؛ فلعلَّ ذلك يكون حافزاً لك على الالتزام بها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "برُّ الوالدين"، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"رواه البخاريُّ ومسلم.
ثمَّ إنَّ الصلاة فترةٌ للاتِّصال بالخالق لطلب عونه ورزقه.
2 - العلم بذنب التكاسل عنها :(33/742)
فالخوف يدفع إلى العمل لاجتناب الأضرار، قال تعالى: "فويلٌ للمصلِّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون"، فهم لا يتركون الصلاة، بل يؤدُّونها، ولكن بتهاونٍ أو عندما يتذكَّرون، فالويل والذنب لهم؛ فما بالك بمن لا يؤديها أصلا؟!
وأما عن الأمر الثاني وهو : الخطوات العمليَّة للعلاج، فإنني أنصحك بالآتي :
1 - الاستعانة بالله ودعاؤه بالتنشيط والتغلب على وساوس الشيطان:
قال تعالى: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، وقال: "قل أعوذ بربِّ الناس، مَلِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، فالشيطان يخنس، أي يتراجع بذكر الله تعالى ذكرا فيه حضور قلبٍ ويقينٌ بقدرة الله على التغيير.
والدعاء لابدَّ وأن يكون بإخلاص، أي بإرادةٍ حقيقيَّةٍ في الشفاء؛ إذ الإخلاص سببٌ رئيسيٌّ للتوفيق، كما نبَّهنا لذلك سبحانه عند الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين: "إنْ يريدا إصلاحاً يوفِّقِ الله بينهما".
2 - التدريب على قوَّة الإرادة والصبر:
ويكون هذا ببعض الأعمال التي تعين على ذلك، كالصوم مثلا؛ فقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم لمن عجز من الشباب عن الزواج ليعصمه من الخطأ، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء"رواه الخمسة، الباءة: أعباء الزواج، وِجاء: أي ضابطٌ للشهوة.
ولا يقعدك الشيطان عن الصوم بوسوسته "إنَّك إذا كنت لا تصلِّي؛ فكيف تصوم؟"، ولكن إن كنت ضعيفاً في شيءٍ فأنت قويٌّ في أشياء أخرى كثيرة؛ فهذه هي طبيعة البشر.
أعلم أنَّ ذلك يحتاج جهداً في أوَّل الأمر، لكنَّه –كأيِّ شيءٍ يتمَّ التدريب عليه- يسهل ويصبح عادةً بالتدريج.
3 – التدريب على القيام أوَّل الوقت:
وهذا يتحقَّق من خلال ضبط الساعة أو الاتِّفاق مع زميلٍ أو جارٍ على تذكرتك، أو المرور عليك؛ لأخذك للصلاة عند سماع الأذان، منعاً للانشغال عنها أو التكاسل، أيُّ وسيلةٍ توصل لذلك قم بها، المهمُّ أن نصل للنتيجة.
4 - التواجد ما أمكن في وسطٍ صالح:
وهذا من شأنه أن يعين على الطاعة، ويبعد عن المعصية، قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه.
5 - الحرص على معاملات الإسلام ما أمكن:
فإن كان الشيطان قد غلبك في الصلاة؛ فلا يغلبك مثلاً في إتقان عملك وتقوى الله فيه، والمواظبة على مواعيدك، والوفاء بالوعود والأمانات مع الناس، وخدمتهم وعونهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، فإن حرصت على هذه المعاملات الإسلاميَّة سيكون ذلك بإذن الله حافزاً على محاولة استكمال بقيَّة جوانب الخير في نفسك، خاصَّةً الصلاة، وسيأتي عليك يومٌ تواظب عليها، وتعين غيرك ممَّن لا يصلُّون بوسائل العلاج التي اتَّخذتَها سابقا، وستكون نِعْم الداعي إلى الإسلام.
أخي محمَّد،(33/743)
مجرَّد إحساسك بالمشكلة هو حلٌّ لها، أو لنقل هو أوَّل خطوات الحلّ، فعرفتَ أنتَ الخطوة الأولى، وأوضحنا نحن الخطوةَ الثانية، وبقي أن تبذل وسعك لتحقِّق الخطوة الثالثة والأخيرة.
جزاكم الله خيرا، وكن على اتصالٍ دائمٍ بنا.
ـــــــــــــــــــ
يريد العفاف بالغرب.. عليك بذات الدين العنوان
السلوكيات الموضوع
بداية السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. وبارك الله فيكم، و جزاكم الله عنا كل خير؛ لما تقدمونه لنا من خدمات عبر موقعكم الممتاز.
مشكلتي التي حيرتني كثيرا هي أنني شاب عازب، سني 29 سنة، أنهيت دراستي الجامعية في بلدي، وكما تعلمون لنقص فرص العمل قررت أن أسافر للخارج للدراسة، وفعلا حدث ذلك لكن مع كثرة الفتن هنا والاختلاط في الدراسة والسكن.. جعلني أفكر في الزواج لأعف نفسي من الوقوع في الحرام، وأستقر هنا في هذا البلد؛ لأن أمور المعيشة سهلة نوعا ما.
لكن المشكلة أن ذات الدين هنا ليس من السهل أن تجدها؛ لأن أغلب الجالية المسلمة هنا في الغرب تأثروا بالحياة الغربية، وعندما أشاهد أبناء المسلمين هنا أبكي لحالهم، وأتأسف وأسأل نفسي وأقول هل سيكون أولادي مثل هؤلاء.. فكوني ملتزم يؤرقني كثيرا هذا السؤال الصعب.
أم في المقابل أرجع إلى بلدي، وأبدأ حياة جديدة، رغم أن أول العراقيل التي ستكون عائقا في طريقي هي الشغل؛ لأن لي أصدقاء ما زالوا كما تركتهم بطالين!!! ولأنني أريد أن أكون صانعا للحياة وهدفي أن أنجب أولادا صالحين يحملون هم هذا الدين فأنا أريد البناء لا الهدم، فساعدوني جزاكم الله كل خير فأنا بين أمرين أحلاهما مر خاصة مع ضغط الوالد والوالدة في موضوع الزواج؛ لأن من حقهم أن يروا أولادي لما يقولون، المهم أنتظر ردكم لأنه يهمني كثيرا فما خاب من استشار وما ندم من استخار.
وبارك الله فيكم..
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر، الباحث بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أخي الكريم من أرض الجزائر الشقيقة، بارك الله فيك على نيتك الطيبة وهدفك السامي، وأحييك على تلك المبادئ العريقة التي تتمسك بها وتحرص عليها في عصر(33/744)
تاه فيه من تاه وضل فيه من ضل، ونسأل الله العفو والعافية والسلامة في الدنيا والآخرة..
أولا وقبل أن أبدأ في الرد على استشارتك اسمح لي أن أذكرك بالزواج والحكمة منه ومشروعيته في ديننا الحنيف ..
حكمة الزواج في الإسلام:
لقد أكد ربنا جل وعلا على أهمية الزواج، فهو نعمة منه وفضل على عباده، ويحدثنا القرآن الكريم بمن الله تعالى على عباده حيث شرع لهم الزواج بين الرجال والنساء قال تعالى :{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء: 1].
ويقول سبحانه: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} [الأعراف: 189]، ويقول سبحانه: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم: 21]..
وأية نعمة وأية منة من الله أفضل من أن يخلق لكل امرئ زوجًا له، يسكن إليه، ويحمل عنه هموم الحياة، ويواسيه، ويشد من أزره في مودة ورحمة هي حقًّا من أجل وأعظم آيات الله، وإن الزواج في الإسلام أمر حتمي وضرورة شرعية؛ لأنه من الفطرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن هجر الزواج وترْكه، فقال عليه الصلاة والسلام: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج" متفق عليه، وروى ابن ماجة: "من كان موسرًا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس منيّ" إني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منيّ"..
وحكمة تشريع الزواج لها جوانب عديدة، أهمها ما يبثه ويبعثه في نفس الزوجين من طمأنينة وأمان في مواجهة الحياة، وإقامة أسرة تكون مجتمعًا صغيرًا يرجى له الصلاح، حتى تكون لبنة قوية في البناء الاجتماعي الأكبر، ومن أهم هذه الجوانب حرص الإسلام على نشر الفضيلة والخلق القويم في المجتمع، والبعد عن كل ما يدنس حياة البشر، فالزواج بما يبيحه للزوجين من تمتع تام لكل منهما بالآخر من جماع ومقدماته فإنه يحدث بالتالي عفة للزوجين، ويؤدي إلى بقاء البشرية إلى ما شاء الله، والأهم هو منع اختلاط الأنساب ومنع الفاحشة لما فيها من فساد شديد يضر بكل جوانب المجتمع.
ونحن نرى المجتمعات التي لا تهتم بالزواج، كونها تركت أوامر ربها بالكلية، وما عادت تعرف إلها يشرع لها ما يصلحها من قوانين ومناهج، هذه المجتمعات انتشرت فيها الأمراض الخطيرة التي نتجت عن هذا العزوف عما أحله الله، وقد بالغ الناس فيما أسموه بالحرية الشخصية، فانتشر الزنا واللواط ونكاح المحارم ونكاح الشواذ، وانتشرت جرائم الاغتصاب بشكل مفزع يندى له جبين كل حرٍّ، فهل هذه هي الحرية يا دعاة الحرية؟! وهل هذا هو التطور الذي يريدون أن يعيش فيه إنسان القرن الحادي والعشرين؟!(33/745)
لذلك فالتشريع الإسلامي قرر أن الزواج هو الشكل الوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة، والواقي لهم من مخاطر صحية ونفسية واجتماعية جسيمة تهددهم من كل حدب وصوب، إن هذا التشريع يؤكد أن كل ما حدث للإنسانية من تدهور إنما هو نتيجة تمردها على هذا الشكل وهذا المنهج، إنه يؤكد في ضوء كل ما حدث أنه تشريع ومنهج إلهي وضعه خالق هذا الكون، لا يمكن أن يكون قد جاء من عند أحد من البشر.
وبما أنك متحير بين أن تتزوج مسلمة من الغرب، أو من بلدك الجزائر، فالأسلم أخي الحبيب هو الاعتصام بشرع الله -عز وجل- واضعًا في اعتبارك ظروف المكان والبيئة التي تعيش فيها وسلبياتها، ولا تتجن وتظلم جميع بيوتات المسلمين في الغرب بأنها غير ملتزمة هذا حكم لا أقبله منك أخي العزيز، بل استعن بالله واستخر وسيعينك الله تعالى..
وقد يتيسر لك هذا الاختيار بوضع عدة معايير تختار على أساسها كالآتي :
أولا: ذات الدين:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم متحدثا عن كيفية اختبار الزوجة: " فاظفر بذات الدين تربت يداك". وقال صلى الله عليه وسلم: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيرًا له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله".
ثانيا: تحمل المسئولية:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: فالإمام راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته".
ثالثا: لا بد من التكافؤ بين الزوجين:
وذلك من الناحية الاجتماعية والثقافية والعلمية، وليس المقصود بالتكافؤ المساواة التامة في كل شيء، ولكن لا بد من وجود صفات مشتركة تصلح للتواصل.
رابعا: توفر القبول والرضا والألفة:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".
فإذا توفرت المعايير السابقة في من تريد الزواج بها فتوكل على الله بغض النظر عن جنسيتها سواء أكانت فرنسية أو جزائرية.
أخي الكريم..
إن إقبالك على الزواج خبر يسعدنا جدًّا، فالزواج دافع قوي لكل شاب حتى يستكمل مشواره ويحفظ كرامته ويصون نفسه بعيدا عن الفتنة والضلال.
والأمر لديك يبدو مختلفا نوعا ما، كونك تنتوي الزواج ولديك تخوفات كثيرة من الإقدام على هذه الخطوة، صحيح أن الأسرة ومفهوم الزواج بصفة خاصة في الغرب مفهوم مختلف جدًّا عما هو في ديننا الحنيف وفي أوساطنا الملتزمةوساطنا الملتزمةأاا، ولعل هذا يبدو واضحًا لنا من خلال مظاهر التفكك الأسري والانحلال(33/746)
الموجود في المجتمعات الغربية، حيث كافة الوسائل التي تعمل على تدمير الأسس الأخلاقية، الفردية منها والاجتماعية.
ولكن في الحقيقة ليس كل الأسر المسلمة في الغرب مقلدة ومستسلمة ومتسيبة – كما تقول أنت!!-، بل هناك من لديهم من المبادئ الراسخة ما يصعب على تلك الرياح الهوجاء أن تمسها أو تغيرها، ولذلك فلتسأل عن ذات الدين وذات المنبت القويم والأصل الطيب، وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم وخضراء الدمن) قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: (المرأة الحسناء في المنبت السوء) [رواه الدارقطني، وضعفه الألباني رحمها الله]، والله تعالى يقول: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا).
فلا يغرنك الجمال ولا تغرنك المظاهر البراقة وابحث عن الأساس المتين الذي إن وجدته فستفلح فيما أنت مقبل عليه إن شاء الله تعالى.
وللعلم فإن أسرنا في الشرق -وللأسف الشديد- حتى وهي بعيدة عن هذه المجتمعات الغربية آلاف الأميال، فإنها تتبعها في كل صغيرة وكبيرة إلى درجة لا تطاق، فالمسألة ليست متعلقة بوجودنا داخل هذا المجتمع أو خارجه بقدر ما هي مرتبطة بالقناعة والحصانة والالتزام، وكذا بغاياتنا السامية في هذه الحياة.
لذلك ينبغي ألا يكون لتخوفك هذا تأثير كبير على اختيارك للصواب، ولاحظ توفر المبادئ القوية لأسرة الفتاة التي تنتوي الزواج بها. كما يجب عليك أن تلتزم بعض الضوابط التي يمكن أن تعينك في هذه الفترة ومنها :
1- أن تتعرف على خطيبتك بالقدر الذي يعطيك انطباعا قويا، بحيث ينبغي أن تستعجلا العلاقة بينكما وتفاهمكما لتحمل مسؤولية تكوين أسرة مستقرة وتوفير مناخ عملي للاستمرارية..
2- أن يكون اختيارك لها مبنيًا على قناعتك الشخصية وليس له ارتباط بقناعة طرف آخر يحاول أن يقنعك أو يحببك أو يزين لك، فأرجو ألا تستهين بهذا الأمر، مهما كان هذا الشخص فإنه لن يعيش معها للأبد.
3- لا تكن خياليا في تصورك وطرحك بل كن واقعيا بحيث تستطيع وإياها بناء مجتمع أسري صغير أقرب للتطبيق في الواقع، بعيدًا عن التملق والأحلام الوردية والحديث فقط عن الإيجابيات والمحاسن.
4- ناقشها في بعض السلوكيات الغربية المرفوضة، لتعلم درجة فهمها ووعيها ونظرتها تجاه المجتمع الذي تعيش فيه وتقاليده، هل هي على قدر كبير من الإدراك والفهم، أم أنها مستسلمة لبيئتها وما فيها من تسيب وتقاليد مشينة؟!!
5- يقع عليك دور كبير في دعم التزامها بدينها وارتباطها بقيمها ومبادئها والأخذ بيدها إن كان هناك بعض التجاوزات، ويبدأ دورك بالتعرف على ملامح شخصيتها وتكوينها، ثم العمل على مدح الخير الذي فيها والثناء عليه وإبرازها، ومحاولة علاج ما يحتاج إلى العلاج والتفهيم.. ولكن اعلم أنه لا مجاملة في الاختيار.
6- كن واضحا في أفكارك وعرض وجهات نظرك بعيدا عن اللف والدوران حتى تستطيع هي رسم فكرة واضحة عنك وعن شخصيتك، فعادة قد ألفت مجتمعاتنا في(33/747)
هذه الفترة أن "الكذب والرسم على الطرف الآخر مباح!!" وهذا ليس بصحيح وسرعان ما ينكشف، وادع الله تعالى أن تبادلك هي نفس الشعور بعيدا عن الخيال.
وبالنسبة لبقائك في الغرب أم عودتك لبلدك الجزائر فهذا أمر مردوده إلى قدراتك وظروف عملك فأنت أدرى بها وبما أنك ملتزم بدين الله وسنة رسوله فكيف أمورك حسب الظروف واتق الله ما استعطت والمهم هو الاعتصام بشرع الله عز وجل سواء كنت في الشرق أم الغرب.
وختاما؛
لا أجد ما أقوله لك خيرا من قوله تعالى: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
أعانك الله، ويسر لك زوجًا صالحة وبيتًا مباركًا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
كيف أبرأ من التعصب لكرة القدم ؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
أحب كرة القدم حبا شديدا. ولكن أود أن أسأل حضرتك عن التعصب الذي نجده بين مشجعي الأندية، فهناك مشاحنات كثيرة تحدث بسبب كرة القدم. فكيف يكون المسلم منتميا لشيء ويحبه ولا يفرط في التحيز له وإثارة الضغائن بسببه؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقولالدكتور أحمد ربيع :
أخي المحب لنفع الروح والجسد:
إن كل تعصب لوطن ما أو قضية ما أو عائلة ما أو كل شيء مما يتفاخر به الناس، ذلك من أمر الجاهلية؛ الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت قدمه في حجة الوداع.
والرياضة شيء مهم يحث عليها الإسلام؛ فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والقوة والضعف في كل مجال من المجالات؛ والذي يؤسف له في كرة القدم على وجه الخصوص أن الممارسين للعبة بضعة وعشرون فردا. هؤلاء هم الذين يمارسون الرياضة يصولون ويجولون في الملعب وآلاف مؤلفة تنظر إليهم في "الإستاد" وملايين قابعة أمام التليفزيون تشاهد؛ فأي ممارسة رياضية للملايين وللآلاف.
حقا من حق كل إنسان أن يعجب بشيء ما بشرط ألا يزيد عن حده؛ فكل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده. وأكثر المتعصبين مغالين؛ ليس في الدين فحسب؛ ولكن أيضا في المعارف الثقافية.(33/748)
ونقول لمحب كرة القدم: مارس اللعبة بنفسك هذا أهم وأفضل من مشاهدتها، وإذا شاهدتها وأنت معجب بها فإياك أن تضيع عليك وقت الصلاة، ولا تكن متعصبا فالتعصب للفكرة وللرأي وللناس أمر غير محمود.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري :
الأخ الفاضل:
أشكرك على هذه الروح الرياضية، كما يقول أهل الرياضة. وحين نوصف الواقع في المشجعين لكرة القدم خاصة؛ نجد ظاهرة التطرف واضحة. وهذه ظاهرة سلوكية اجتماعية لها امتداد كبير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
فالتطرف قد يكون في العاطفة، وقد يكون في السلوكِ، ونحن بحاجة إلى ثقافة الوسطية التي جاء بها الإسلام، ودعا إليها، قال تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا}. وفي الأثر: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما، وأبغض بغيضك هونا، عسى أن يكون حبيبك يوما ما). والإسلام دين الاعتدال أيضا، وهو يدعونا إلى الاعتدال في كل شيء، في الطعام والشراب، وافي السلوك، والعاطفة.
وفي تشجيع الرياضة نجد أصولا شرعية. فهذه السيدة عائشة، أم المؤمنين، تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن تشاهد الأحباش وهم يلعبون؛ والنبي يسمح لها بل ويرفعها فوق كتفه لتتمكن من المشاهدة بيسر، ويضل هكذا يتحملها حتى تستمتع وتحصل على كفايتها.
بل كان الناس يشاهدون بعض المسابقات الرياضية المشروعة كالخيل والرمي بالسهام وغيرهما. غير أن ضابط الأخلاق الذي ربى الإسلام الناس عليه؛ جعل سلوكهم معتدلا في كل شيء. ولهذا فإن منظومة الأخلاق في الإسلام قائمة على الاعتدال، ونلحظ هذا في القرآن الكريم: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}، وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
ولكي يصل الإنسان إلى الاعتدال في التشجيع والمشاهدة، فإن عليه أن يراعي عددا من الأمور منها :
* أن يدرك أن الهدف من المشاهدة؛ هو مجرد التسلية والترويح عن النفس، وأن التعصب في التشجيع يسوق إلى الحرام؛ من السب والشتم وغير ذلك؛ مما هو منهي عنه.
* أن التعصب لمشاهدة مثل هذه الألعاب يشغل المسلم عن أداء أشياء أكثر إفادة على المستوى الفردي والجماعي، كما أنه يعود بالضرر على نفسية الإنسان، مما يولد تعصبا ليس في التشجيع فحسب. ولكن في كثير من الممارسة اليومية في الحياة.
* أن يعود نفسه على ألا يكون أسيرا لشهوة، فيمكنه أن يتخلي عن المشاهدة في بعض الأحيان؛ وأن يعلم أن فوز فرق ما لا يترتب عليه كسب للإنسان؛ إنما هي حالة النشوة اللحظية، فلا نجعلها سببا في تقطيع الأوصال والروابط مع الناس.
* أن يعيد الإنسان ترتيب أولوياته، وأن يمارس بعض المشاهدات المباحة الأخرى؛ حتى لا يكون التشجيع الرياضي وحده هو الشغل الشاغل. وأن يسعى للممارسة العملية للرياضة؛ فذلك أفضل لجسمه من التركيز على المشاهدة فقط، وأن يسأل الله أن يعينه حتى يكون أسيرا لنفسه وهواه.(33/749)
وفقك الله لما يحبه ويرضاه، وهدى المسلمين لما فيه نفع لهم.. آمين.
ـــــــــــــــــــ
خطة عملية لـ"تجديد الإيمان" العنوان
غذاء الروح الموضوع
أنا بنت ملتزمة منذ عامين ولله الحمد؛ ولكني في هذه الأيام أعاني من تغير في نفسي وأشعر بانخفاض إيمانياتي، أحس بالتغير في شخصيتي، وعندما أجلس مع صديقاتي اللاتي كان لهن فضل في التزامي ؛أحس وكأني لا مكان لي بينهن من كثرة العلم الذي يتميزون به ، إني لا أزكيهن ؛ فالله أعلم بمن اتقى..
قبل شهور ذهبت إلى العمرة ودعوت الله أن أغير من نفسي وإيمانياتي. أتمني أن ترشدوني إلي خطة إيمانية عمليه لمواجهة هذه المشاعر؛ و جزاكم الله خيرا .
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي - داعية ليبي مقيم في سويسرا:
الأخت الكريمة / ميار ..
تكاد تكون ظاهرة "الجفاف الروحي" ظاهرة يشكو منها الجميع، وأمسى التآكل الروحي والنفسي أنين كل مخلص ومخلصة ، وبهذا قد تكون استشارتك هذه باب خير نتناول فيه هذه المسألة للجميع، ثم أتناول استشارتك بشيء من الخصوصية .
بداية علينا أن نحدد عدة منطلقات ؛ لابد وأن تكون واضحة جلية حتى ننطلق من مكان سليم :
* الأولي : أن الله تعالى يفرح بمن يقبل عليه ، ولا يقفل بابه إلا على من أقفله على نفسه ، بل ويكافئ بأضعاف ما يقبل به العبد إليه ؛ ففي الحديث القدسي : " يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " ( رواه البخاري ).
* الثانية : أن ما يصيبنا هو ناتج من تقصيرنا ، ومما نقترفه من ذنوب وأخطاء ؛ قال تعالى : " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (آل عمران : 165)، وقال تعالى : " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ "(الشورى:30) ، وقال تعالى: " مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً " (النساء:79) .
* الثالثة : يجب أن لا يوقفنا الخطأ أو الذنب عن الانطلاق من جديد ، و نقف في حالة التحسر الدائم ؛ فإن هذا زيادة في تعقيد الحالة الإيمانية ، وتعميق لترهلها في النفس ؛ قال تعالى : " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (الحديد : 23 ) ، والأسى المذكور في الآية الكريمة حالة نفسية(33/750)
فيها تألم عما سبق من الأعمال ، وكما الفرح حالة نفسية فيها سعادة عما يعمل المرء منّا الآن ، والمطلوب التوازن ؛ فإن غلب علينا الأسى فلن ننطلق من جديد ، وإن غلب علينا الفرح بأعمالنا والسعادة بحالنا فلن نكتشف الخطأ ونحاسب أنفسنا عليه .
* الرابع : إن للذنوب تبعات ، ولها أجواء تحيط بالنفس ، جاء التعبير القرآني في وصفها بليغا دقيقا غاية في الجمال الوصفي ؛ قال تعالى :" بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ" (البقرة:81). فللمعصية ـ أو التقصير ـ أجواء تحيط بها بعدها ، تحيط بالمرء منا إحاطة الدائرة تماما ، ويجب أن نخرج منها ، كي يصلح الانطلاق الروحي ، ولو بقينا في أجواءها فلن نتقدم وسنكون أسرى لتلك الإحاطة من المعصية.
* الخامس : إننا كبشر معرضون للذنوب والخطأ والتقصير ، وهذا من كمال الله سبحانه وعزته وجبروته ، ومن ضعفنا وحاجتنا له عز وجل ، لكي نعرف قدر أنفسنا ؛ قال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم " رواه مسلم . فالأمر سنة من الله علينا نحن البشر ، علينا أن نعي هذا ، ولا نكلف أنفسنا الكمال فنهلَك ونهلِك .
* السادس : إننا في سيرنا إلى الله تعالى ليس لنا إلا حالتين في هذا الصعود الروحي ، إما تقدم ، وإما تأخر ؛ قال تعالى : " لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ"(المدثر: 37). برغم أن هناك حالة ثالثة في علم الحركة ، وهي حالة التوقف والسكون ، إلا أنه في السير إلى الله يعد التوقف في حد ذاته تأخر وتراجع ؛ لأن ثمة من هو مسرع في سيره لا يتوقف ، ولا يتأخر ، فيعد توقفنا مقارنة معه تراجعا .
هذه أسس ومنطلقات أولية لابد علينا أن نعيها وندركها ، كي نقدر على فهم الحالة أو الظاهرة ، ونعي قدر أنفسنا ، ونتمكن ـ بحول الله وتوفيقه ـ من العلاج والنهوض الواعي . ومن خلال هذه المنطلقات ، يكون العلاج ، ويكون الصعود الذي نريد بإذن الله تعالى .
إن أي عابد لله تعالى ، طامع في رضاه والجنان ، منكسر بين يديه سبحانه ، أمل في توفيقه وعونه وسنده ؛ لابد أن يقبل على الله تعالى بالطريقة التي يشعر بها أن روحه اطمأنت ، وأن قلبه استقر ، وأن نفسه في حالة طرب إيماني مع الله تعالى . ففي الحديث القدسي : "إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" رواه البخاري .
فالحرص على الفريضة أول الأمر ، ثم تأتي أنواع النوافل التي تميز بين سباق العباد لرضوان الله تعالى وفقا لقوله تعالى : " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "(الحديد:21) ، بهذا السباق ومع هذه المسارعة :(33/751)
"وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 133 ) .
يكون الحب من الله للعبد ولينعم العبد وقتها بما وعده الله تعالى في الحديث القدسي : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء . قال: ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض" . (رواه مسلم )، ترابط عجيب لطيف جميل على النفس يبدأ بحرص على فريضة ، وإصرار على نافلة ودوام عليها ، ويجني العبد حبا لله تعالى ، يتبعه حب أهل السماء ، ومع القبول في الأرض ، ليكون وليا لله تعالى .
ويأتي السؤال بسيطا هادئا يلتمس حلا لما نعانيه من تذبذب : كيف أتقرب ؟
وعلينا التأكد من أن آفاق التقرب إلى الله لا حدود لها، غير أننا نقف عند الحد الأدنى من هذا التقرب، والذي لا يستهان به، بحيث لو التزم به المسلم أو المسلمة جني الكثير من الخير.
وقد أجاد الدكتور فتحي يكن في كتابه "العيادة الدعوية" ، ووضع لنا برنامجا جميلا للتقرب إلى الله تعالى ، أنقله هنا للفائدة منه. يقول حفظه الله : هذا المشروع مقترحٌ كحدٍّ أدنى لكلِّ مسلمٍ ومسلمة ، يتضمَّن ثماني مهمَّات ، محدَّدة الوقت ، معلومة الثواب ، محقِّقةً الفائدة بإذن الله تعالى :
1- المهمَّة الأولى:
أداء اثني عشرة ركعةً نافلة "السنن الراتبة"، وهي: اثنتان قبل الفجر + أربعٌ قبل الظهر واثنتان بعده + اثنتان بعد المغرب + اثنتان بعد العشاء.
الفائدة المرجوَّة: يبني الله للمداوم بيتاً في الجنَّة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى في يومٍ اثنتي عشرة سجدة، تطوُّعا، بني له بيتٌ في الجنَّة" (رواه مسلم).
2- المهمَّة الثانية:
صلاة ركعتين في الليل.
الفائدة المرجوَّة: يستجاب الدعاء + يُغفَر الذنب + تُقضَى الحاجة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "يتنزَّل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري).
3- المهمَّة الثالثة:
أداء صلاة الضحى ركعتين، أو أربعا، أو ثماني ركعات.
الفائدة المرجوَّة: تؤدِّي صدقةً عن كلِّ مفصلٍ من مفاصل العظام.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: " يصبح على كلِّ سلامي من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحه صدقة، وكلُّ تحميده صدقة، وكلُّ تهليله صدقة، وكلُّ تكبيرةٍ صدقة، وأمرٌ(33/752)
بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك، ركعتان يركعهما من الضحى" (رواه مسلم، وروى البخاريُّ جزءاً منه) .
4- المهمَّة الرابعة:
قراءة سورة الملك.
الفائدة المرجوَّة: تنجي من عذاب القبر.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجلٍ حتى غُفِر له، وهي "تبارك الذي بيده الملك"" رواه الترمذيُّ وأحمد، وقال الترمذيّ: هذا حديثٌ حسن.
5- المهمَّة الخامسة:
قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير".
الفائدة المرجوَّة: تعدل فكَّ عشر رقاب، وتُكتَب مائة حسنة، وتمحو مائة سيِّئة، وتكون حرزاً من الشيطان.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرَّة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به، إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك" (رواه مسلم).
6- المهمَّة السادسة:
الصلاة على النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: براءةٌ من البخل، وصلاةٌ من الله.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا" (رواه مسلم). وقوله : "البخيلُ الذي منْ ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليّ" (رواه الترمذيّ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيح ).
7- المهمَّة السابعة:
قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوَّة: تُغرَس له في الجنَّة مائة نخلة.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غُرِست له نخلةٌ في الجنَّة"رواه الترمذيّ، وقال: حديثٌ حسنٌ غريب.
8- المهمَّة الثامنة:
قول: "أستغفر الله" مائة مرَّة.
الفائدة المرجوة: يفرِّج الله كربه، ويوسِّع رزقه.
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجا، ومن كلِّ همٍّ فرجا، ورَزَقه من حيث لا يحتسب"رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
وأضيف إلى هذه المهام الثمانية، أربعة مهام أخرى :
9 ـ المهمة التاسعة:(33/753)
قراءة ورد محدد من القرآن ، جزء أو حزب يوميا .
الفائدة المرجوة: جني الحسنات ومضاعفتها ، وطمأنينة النفس .
الدليل: قوله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" (رواه الترمذي ). وقال تعالى : " الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد: 28 ) .
10 ـ المهمة العاشرة:
جلسة دعاء وتبتل إلى الله يوميا مهما كانت قصيرة .
الفائدة المرجوة: زيادة القوة المعينة في النفس ، وتوطيد الصلة بمن يملك القوة والحول والطول ، ويكشف الكربات ، ويثبت على طريق الرشاد
الدليل : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " (النمل: 62 ). وقوله سبحانه : "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " (البقرة : 186) .
11 ـ المهمة الحادية عشر:
المحافظة يوميا على أذكار الصباح والمساء " المأثورات ".
الفائدة المرجوة: زيادة تعميق المعاني المتضمنة في هذه الأذكار ، وترسيخها في النفس ، مرتين بشكل يومي ، حتى يتنعم بها القلب وبمعانيها الإيمانية .
الدليل : " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ" (غافر:55) .
12 ـ المهمة الثانية عشر :
الممارسة اليومية للأخلاق مع الناس جميعا ، والتحبب للخلق ، وترك القعود .
الفائدة المرجوة: تطبيق المعاني الإيمانية المكتسبة من الزاد الإيماني ، والشعور بالإيجابية في الإيمان والعيش به مع المؤمنين ، وليس مجرد ترديد أوراد وأذكار .
الدليل : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "(التوبة :71). و قال صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" . رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم قال: " اتق الله حيثما كنت ، وأَتْبِعِ السَّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها ، وخالقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ " (رواه الترمذي).
تلك اثنتي عشر مهمة إيمانية ، لو حرص عليها المسلم ، وداوم ، وأصر ، وثبت ، سيكون فيها الخير الكثير لصعوده الإيماني .
الأخت الفاضلة ميار :
وبعد هذا الطواف أيتها الأخت أنصحك بما يلي :
* وازني بين انطلاقتك الذاتية التي سوف تسألين عنها يوم القيامة : " وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً "(مريم :95 )، وبين حرصك على تواجدك مع أخواتك في الله ، فالصحبة الصالحة وسيلة على الخير ، وهي خير ، ولكن دورك أنت في ذاتك هو(33/754)
الأولى ، فإن للصحبة بين الأخوات أو آفات ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد فقال : الاجتماع بالإخوان قسمان :
- الاجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت .
- والاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها ، و لكن فيه ثلاث آفات :
- إحداها : تزيّن بعضهم لبعض.
- الثانية : الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة.
- أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
و بالجملة فالاجتماع و الخلطة لقاح إما للنفس الأمارة، و إما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك، و الخبيثة لقاحها من الشيطان، و قد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين، والطيبين للطيبات، وعكس ذلك.
* ما تشعرين به من نقص علمي ، أكمليه أختي بكثرة الإطلاع ، ولن يتوفر لك ذلك إلا بالصبر والخلوة ومصاحبة الكتب النافعة .
* أنصحك بالالتزام بحلقة حفظ للقرآن الكريم ، وأن تعقدي العزم على المضي فيها، فإنها ستكون لك دافعا قويا ، وأنت في عمر يؤهلك لحفظ القرآن الكريم والإقبال عليه، وستجدي فائدة نصيحتي هذه بعد سنوات .
* حددي لك برنامجا مكتوبا تعرفينه أنت فقط ، وراقبي نفسك فيه ، دونيه في أوراقك ، وتابعي نفسك بدقة وأريحية .
* نصيحة أتركها بين يديك يا أختي ؛ أن تلجئي للعبادة الأقرب إلي قلبه ؛ ليستنهض بها إيمانياته . فيسلك كل مسلم في طريقه الإيماني دروب الصعود والهبوط ؛ ولكنه يعرف في نفسه ميلا لإحدى الطاعات ، وعلينا أن نستثمر هذه اللذة في هذه الطاعة ؛ بحيث لو شعرنا بنقص أو تعب إيماني نلجأ سريعا لهذه العبادة التي نحب ، حتى يرجع للروح تألقها الإيماني من جديد ، فتنطلق راشدة بحول الله ، وقد عرف الصحابة في أنفسهم هذا الميل ، فهذا سيدنا عبد الله بن مسعود وجد لذته في القرآن ووجد أن الصوم يتعبه ويشغله عن القرآن فلا يصوم كثيرا .
* لا تضيقي على نفسك بكثرة الأعمال ، بل اجعلي ضمن برنامجك أشياء مسلية تحبينها ، فإن الصالحين دأبوا على الترويح على النفس، والخروج للحدائق والبحر وتنسم الهواء العليل ، وممارسة الرياضة ونحوها .
سدد الله دربك وحقق مرادك ، وجعلنا وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ونسأل الله أن ينفع الجميع بهذا المعراج الذي هدفت له ، ولا ينسوني من دعوة صالحة تخرج من كنانة القلوب الصافية .
مع عاطر التحيات . وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
ما واجب المسلم تجاه أرحامه؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
ما الواجب على المسلم تجاه أقاربه وأرحامه؟(33/755)
أفيدونا و جزاكم الله خيرا
السؤال
الرد
يقول الدكتور أحمد ربيع الأستاذ بكلية الدعوة بجامعة الأزهر :
أخي الفاضل / شادي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: أمَّا ترضَيْن أني أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك». . ثم قال أبو هريرة فاقرءوا إن شئتم "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم".
فهذا الحديث يدل على مكانة صل الرحم في الإسلام، والأرحام هم أقارب الإنسان، والخير الذي يفعله الإنسان ابتغاء مرضاة الله وتوسعة على المسلمين ينبغي أن يوجه أولا إلى الأهل، ونخص بالأهل هنا أولا الزوجة؛ فهي الصاحب بالجنب وهي السكن، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وواجب الزوج نحو زوجته قد لا يعرفه كثير من الناس في عصرنا الحاضر؛ فالبعض يظن أن واجبه نحو زوجته يتلخص في النفقة والسكن أو توفير السكن، ولكن واجب الرجل نحو زوجته يتعدى ذلك إلى أمور كثيرة، منها إظهار مشاعره ومنها : التلطف والمؤالفة، والصبر والاحتمال، والغيرة عليها ورعاية شئونها ومصالحها، إلى غير ذلك.
ويأتي بعد ذلك واجب الإنسان نحو أبنائه؛ وهو أمر فطري عند كل إنسان، أن يهتم برعاية مصالح أولاده وقضاء حوائجهم.
وكذا واجب الإنسان نحو الوالدين، لأن النجاة في طاعتهما، ونقصد بالنجاة هنا النجاة من النار؛ فالجنة تحت أقدام الأمهات، وحينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها. قيل ثم سئل ثم أي؟، قال: بر الوالدين، قيل ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله".
ولو عدنا إلى آيات القرآن الكريم، فسنجد أن الأمر بالإحسان إلى الوالدين مقترن بإفراد الله بالعبودية في خمسة مواضع في القرآن الكريم أظهرها قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )، وقوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) .
وكذلك فإن أهل الإنسان من العصبيات وذوي الأرحام مطالب بأن يرعى صلة رحمهم، قال تعالى :( وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ )، ويقول(33/756)
رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطع رحمه وصلها".
وصلة الرحم لها فضل كبير فهي تبارك في العمر وتبارك في الرزق، وهذا ما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه".
على أنه ينبغي أن نلاحظ أن العبادات من صلاة وصيام وحج، هي بين الإنسان وبين ربه، أما بخصوص ما بين الإنسان والإنسان فلا بد أن يعرف المسلم ما هي الثمرة التي تعود على المجتمع من هذه العبادات التي يؤديها؟.
إن صلة الأرحام والاهتمام بالأهل هي أهم هذه الثمرات والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خيركم خيركم لأهله"، وبالتالي فإنه حينما يمارس الإنسان عملا سيئا مع أهله سيكون من أسوء الناس.
وختاما:
نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم ممن يصلون أرحامهم .. آمين وتابعنا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
عيادة التوبة.. مفتوحة 24 ساعة العنوان
أمراض القلوب الموضوع
كيف السبيل إلى الله مرة أخرى؟ فأنا بعيده جدا. وقلبي يعتصر من شدة الألم لحالي السيئ. لكني أتمنى العودة، وأشعر أن هناك شيئا يكبلني. أتوق إلى الله بعد طول غياب. أتمنى منه المغفرة؟ وأن يردني إليه ردا جميلا؛ لكن لا أعرف كيف؟
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخت الفاضلة :
كم فرحت حين قرأت رسالتك، ورأيت فيها صدق النية في العودة إلى الله تعالى، وهذا أول الطريق. ولكن دعيني أسألك: إن كنت أنا الذي لا أعرفك؛ وقد فرحت بعزمك على التوبة. فكيف بفرح ربنا سبحانه وتعالى بتوبتك إليه، وهو سيدك وخالقك؛ مع كونه الغني عنا جميعا.
يقول تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }(فاطر: 15-17). لأول مرة أتفكر في حب الله تعالى بتوبة عبده؛ مع كوني أعرفها مما يزيد عن عشرين سنة. ولكن حين رأيت في قلبي فرحا، فإذا بي أتذكر فرح الله بتوبتك، وكيف يكون فرحه سبحانه وتعالى.
أنا لا أعبر عن شعوري لذاتي. ولكني أريد أن أنبهك لهذا المعنى. إن كنت أنت الأمة الضعيفة المسكينة المحتاجة إلى الله تعالى؛ تفكرين في التوبة الصادقة، وتبحثين عن(33/757)
السبيل؛ فإنه أخبرك بفرح الله تعالى بعملك، حتى نستمر عليه، ولا نتزحزح أبدا، ولا نرجع مطلقا عما قصدناه من خير، وأن نعود إلى الغاية التي من أجلها خلقنا؛ وهي: توحيد الله تعالى.
أختي التائبة ..
كثير من الناس الذين نريد أن نلقيهم، أو يكون بيننا وبينهم علاقات أو لقاءات قد تكون صعبة المنال؛ حسب المكان الاجتماعية والعلمية للمطلوب، مع أنهم عبيد ونحن عبيد، كلنا مخلوقون. ولكن الله تعالى هو صاحبنا كلنا، فنحن صنيعته وخلقه، ما أغلق بابه لحظة واحدة لأي عبد من عباده، أو أمة من إمائه، فبابه مفتوح للعائدين، لا يغلق أبدا.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، فعيادة التوبة مفتوحة على مدار أربع وعشرين ساعة، ولا تغلق حتى قيام الساعة، حين تشرق الشمس من مغربها.
وهذا يعني أن الطريق إلى الله ما أيسره، إنه ليس صعبا، ادخلي عليه، وابك بين يديه، واطلبي منه أن يسامحك وأن يعفو عنك، وأن يثبتك على الحق، ابك أمامه كثيرا. إنه ينتظرك، والله ربك ينتظرك، يحب أن تعودي إليه، فلماذا تتأخرين؟
هل تبحثين عن الطريق، هو كما أنت في بيتك. لن تركبي مواصلات. ولن تسافري بالطائرات. ولن تحجزي وقتا ولا مكانا. هو ييسر الأمر كله. قومي الآن، توضئي واطرقي بابه، وصلي له ، أطيلي الركوووووع، أطيلي السجووووووود، أعلني توبتك أمامه، وبعد انتهاء الركعتين، كلميه، كلميه بلسانك ولغتك، لا تتقعري في الكلام. ليس شرطا أن تحدثيه بالفصحى. ولكن حدثيه بقلبك، واترك اللسان يعبر عما في القلب. اشك له نفسك، واشك له كل ما تريدين، ساعتها تكوني قد اغتسلت مما فات كله، وبدأت عهدا جديدا.
بعدها أمسك ورقة وقلما، اكتبي كبائر الذنوب، انظري إليها جيدا، هذه أعاقتك عن تلك الحلاوة التي شعرت بها أمام الله، هذه التي تمنعك رحمة الله، اعزمي على تركها، لا تعوديها إليها مهما كان. وفي الجزء الآخر من الصفحة، اكتب أعمالا صالحة ستقومين بها حسب طاقتك، وراعي نفسك بالعمل الصالح بتؤدة وعلى مهل، عامليها كالطفل الصغير، أو كالنبتة تحتاج إلى رعاية وسقاية، وترفقي حينا، واعزمي حينا؛ حتى تصلي إلى بر الأمان.
واعلمي أنك إن صدقت نيتك؛ فإن الله تعالى سيعينك على الطريق، وسيهديك الصراط المستقيم. كما قال تعالى: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}(محمد:17). وفي طريقك إلى الله ستجدين حلاوة أحسن ألف مرة مما كنت تشعرين به من حلاوة زائفة في طريق الشر.
الآن عرفت الطريق، فابدئي. فإن هذا أول الطريق، وصدقك معناه أن تقومي الآن لا تتأخري، وأن تدخلي على مولاك وتتوبي إليه.
وأرجو منك أن تتابعينا بأخبارك، وأن تطمئنينا عليك، ونحن في انتظار بشراك لنا بعودتك إلى الله تعالى، ولا تنسنا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ(33/758)
الاسم
ابنتي تلهيني عن الصلاة !! العنوان
العبادات الموضوع
لدي طفلة صغيرة تظل مستيقظة معظم ساعات الليل وتنام معظم ساعات النهار، حيث أكون في عملي؛ وهو ما جعلني مضطربة في كل شيء وبالذات في أداء الصلوات؛ فأنا أنتهز فرصة نومها لأنام، فأصبحت أصلي بعض الصلوات بعد فوات الوقت، غالبا فرض واحد على الأقل يوميا، مع العلم أني كنت مواظبة على الوقت قبل أن أرزق بها.. فكيف أعود إلى المواظبة؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ مكرم ربيع من فريق الاستشارت الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
كل عام وأنت بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والخير والبركات. وأعانك الله على شئون بيتك وابنتك وعملك؛ فعليك مسئولية كبيرة بل مسئوليات كبيرة، ورزقنا وإياك المواظبة على أداء الصلاة في وقتها، وتقبلها منا ومنك .. آمين يارب العالمين .
أختنا أم سندس:
شكر الله لك سؤالك عن أمر دينك، وقد أكبرت فيك سؤالك عما يعينك على المواظبة على عماد الدين – الصلاة- وأذكرك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : "رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل". {رواه أحمد وأصحاب السنن}. والذي يبين لنا فيه أن الله يعفو عن تقصير النائم في أداء المفروض عليه بسبب نومه حتى يستيقظ ما لم يتعمد تفويتها .
وأعترف لك أختنا في الله أن ما تعانين منه مشكلة، تعاني منها نساء المسلمين، ولكن هوني على نفسك، فالله عز وجل يرانا ويعلم نوايانا، وهو سبحانه أرحم بنا منا على أنفسنا، فابنتك اليوم صغيرة وتحتاج لجهد وصبر وغدا تكبر، فهي لن تظل صغيرة، تعوقك عن المواظبة على الصلاة، ويمكنك ان تصلي وهي تلعب بجوارك .
إن الأبناء هم زينة الحياة الدنيا كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وإن تربيتهم جهاد يثاب عليه الآباء، والأم هي من تتعب في الحمل والرضاعة والتربية، لذلك ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا عندما سأله سائل: أي الناس أحق بحسن صحبتي؟ . لكن المولى عز وجل يقول في كتابه الكريم: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً}، فالمال والبنون زينة، نعم هم زينة، لكن الباقيات الصالحات خير عند الله ثوابا وخير أملا.(33/759)
ويقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }، وقال أيضا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.. فالمسلم يعرف الحكمة من الإنجاب وهي عمران الأرض، ويعرف ثواب تربية الأولاد، ولكنه لا ينسى طاعة ربه، فإذا كانت تربية الأبناء مسئولية يثاب عليها الوالدان؛ فالصلاة طاعة والزكاة طاعة وكذلك جميع الواجبات، ولكل وقته.
واسمعي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال رضي الله عنه: "أرحنا بها يا بلال" يقصد بالصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على الصلاة حتى أثناء الغزوات، وكيف لا وقد فرضها الله عليه في السماء في رحلته الربانية التي لا تنسى، الإسراء والمعراج.
والصلاة يا أم سندس هي صلة بين العبد وربه، فهل يقطع الإنسان صلته بربه وخالقه؟، وهل يقصر فيها؟، ما أجمل أن يكون الإنسان موصولا بربه، محافظا على ما يوثق هذه الصلة ويحافظ عليها دائما.
والقرآن الكريم ينبهنا إلى الاهتمام بالصلاة ومواقيتها، يقول تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، وفي وصف المؤمنين يقول سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، انظري إلى كلمة
يقيمون الصلاة، أي يتمون ركوعها وسجودها، ويحافظون على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها .
ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصلاة في أحاديث كثيرة، منها على سبيل المثال :
- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقول: "أَرأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِباب أَحَدِكم يغْتَسِلُ مِنْه كُلَّ يَوْمٍ خَمْس مرَّاتٍ، هل يبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ؟" قالوا: لا يبْقَى مِنْ درنِهِ شَيْء، قال: "فذلكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يمْحُو اللَّه بهِنَّ الخطَايا" {متفق عليه}.
- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثَلُ الصَّلواتِ الخَمْسِ كمثَلِ نهْرٍ غَمْرٍ جارٍ عَلى باب أَحَدِكُم يغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خمْسَ مرَّاتٍ" {رواه مسلم}.
"الغَمْرُ" أي: الكثِيرُ.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنْه أَن رجلا أَصاب من امْرأَةٍ قُبْلَةً، فأَتَى النبي صلى الله عَلَيْه وسلم فَأَخبره فأَنزَل الله تعالى: {وأَقِم الصَّلاةَ طَرفي النَّهَار وَزُلَفا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسنَاتِ يُذهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فقال الرَّجُلُ: أَلِي هذا؟ قال: "لجمِيع أُمَّتي كُلِّهِمْ" {متفقٌ عليه}.
- وعن أَبي هُريرة رضي الله عنه أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ إِلى الجُمُعَةِ، كفَّارةٌ لما بَيْنهُنَّ، ما لم تُغش الكبَائِرُ" {رواه مسلم}.
- وعن عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه قال: سمِعْت رسولَ اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وسلم يقول: "ما مِن امْرِيءٍ مُسْلِمٍ تحضُرُهُ صلاةٌ مَكتُوبةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشوعَهَا،(33/760)
وَرُكُوعَها، إِلاَّ كانت كَفَّارةً لما قَبْلَهَا مِنْ الذنُوبِ ما لم تُؤْتَ كَبِيرةٌ، وَذلكَ الدَّهْرَ كلَّهُ" {رواه مسلم}.
فهل يضيع المسلم كل هذا الثواب؟ وهل يفوت فرصة غفران ذنوبه، وتكفير سيئاته؟!!، لا أعتقد أن عاقلا يفعل ذلك .
واعلمي يا أم سندس أنه لا يعلم أحد منا متى يأتيه أجله، فربما مات فجأة، فعن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موت الفجأة: فقال: راحة للمؤمن وأخذة أسف لفاجر". {مسند أحمد}. فموت الفجأة راحة للمؤمن لأنه في استعداد دائم للقاء الله، يحافظ على صلاته، وعباداته كلها، حتى إذا جاءه الأجل كان في رحمة الله عز وجل. أما غير المؤمن فهو حسرة وغضب لأنه كان في غفلة عن طاعة ربه وكان يؤجل الطاعة ويسوف في التوبة حتى عاجله الموت وهو غير مستعد له .
وقد قلت يا أم سندس إنك تعملين، فهل تصلين ما يحين وقته في العمل؟ وهل تتركين ابنتك وحدها طوال ساعات العمل كما فهمت من سؤالك؟ وهل يوجد أحد يكون معك إذا رجعت لتستطيعي إقامة الصلاة في وقتها؟ وأين زوجك من كل هذا فلا بد أن يشارك في حل هذا الأمر؟
من الممكن إيجاد حلول كثيرة، ولكن الأهم أن يكون عندنا الاستعداد لتقبل الحلول وتنفيذها، فمن الممكن أن يشاركك زوجك في رعايتها وحملها وقت صلاتك، ومن الممكن أن تأتي لها بما يشغلها وتلعب به أثناء صلاتك، أو أن تشبعيها بالرضاعة أو بطعام إذا كانت تأكل وبذلك تمتنع عن البكاء أثناء صلاتك.
أختنا في الله:
جزاك الله خيرا وزادك حرصا على الصلاة، وهو بداية الحل؛ وأعانك على ابنتك وبيتك وعملك. وقبل أن أنهي كلامي أقول لك استثمري هذا الشهر الكريم في زيادة الطاعة والعبادة والتقرب إلى الله، واجعليه بداية حقيقي للحفاظ على الصلاة في أوقاتها، وثقي أن الله سيعينك وييسر لك ما دام يرى منك إقبالا عليه وحبا له .
تابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
الاسم
وصايا للتوبة "ممارسة الشذوذ" العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نشأت في بيئة ريفية مسلمة، تندر فيها الجرائم، ولكني كنت سيئ الحظ في أصدقائي؛ فمنذ العاشرة من عمري تقريبا، صادقني أحد أبناء عمي، وكنت طيب القلب لا أدري بأغراضه من هداياه وإخلاصه الذي يبديه لي، حتى اطمأن له والداي كما اطمأننت له أنا. ولكني فجأة وجدته يمارس معي أعمالاً تتنافى مع الأخلاق - حتى الإنسانية- ودون إدراك مني لخطورة ذلك أو جرمه، وظل كذلك حتى صار عمري 13 سنة تقريباً، ومن ثم تركني وقد خلق لدي شعور بأن هذا العمل غير منافٍ للأخلاق وأن ممارسته ليس فيها أي مانع من جميع النواحي. وبمجرد أن سافر وتركني وجدت أصدقاء جددا، على نفس نهجه،(33/761)
واستمررت في ممارسة هذا العمل سنين حتى أصبحت لا أستطيع أن أتركه وأصبحت أنا من يبحث عمن يمارسه معي!
والآن، وبعد مرور سنين، وبعد أن أصبح عمري 26 عاما، علمت بحرمة هذا العمل وقبحه، أستحي والله حتى أن أذكر اسمه، وقد حاولت أن أزيد من الجانب الإيماني في حياتي بقراءة القرآن وحفظه، ومجالسة الصالحين، والتوبة بين الحين والآخر، وأشعر بالندم إلى حد البكاء الشديد. ولكن لا أدري ما الذي يحدث لي بمجرد أن أرى أحد الذين كانوا يمارسون معي العمل، إذ تضعف نفسي وتسيطر عليَّ أحاسيس أخرى غير تلك الإيمانية، وتبدأ غريزتي تتحرك ناحية ذلك الفرد حتى أقع معه في الجريمة مرة أخرى، وبعدما ننتهي من ممارسة العمل الشنيع يعود الندم إليَّ من جديد والبكاء من جديد والعزم على عدم العودة، وهكذا تتكرر هذه المشاعر وهذه الحوادث منذ سنين.
والآن أرجو أن تسألوا الله ليّ الهداية والتوفيق، وأن تدلوني على ما ينفعني في مصيبتي هذه، التي قد تودي بيّ إلى نار جهنم و بئس المصير. أسأل الله أن يجزيكم عنا وعن المسلمين خير الجزاء إنه سميع مجيب .
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
أهلا بك، ونسأل الله أن يجعلك من سعداء الدارين، وأن يبعدك عن البؤس وأهله.
بداية أخي لفت نظري الاسم الذي سميت به نفسك وهو "البائس"؛ لأنه يعكس الحالة النفسية التي تمر بها، والتي لو تملكتك وتمكنت منك فأخشى- والعياذ بالله- أن يستغلها الشيطان ويصدك عن الهداية والتوبة.
أما بالنسبة لحالتك، فأنت يا أخي قد وقعت في هذه الجريمة على غير وعي وإدراك منك في البداية، كما تقول في رسالتك؛ ومن ثم فقد كنت ضحية لهذا الذئب الذي هو ابن عمك، وضحية إهمال الآباء الذين لا يختارون لأبنائهم أصدقاءهم، كما يختارون لهم طعامهم وشرابهم وملبسهم، وضحية المجتمع الذي نحى شرع الله جانبا؛ حتى فشت فيه هذه الأخلاق الذميمة والفواحش الكبيرة.
ولكن هل هذا يعفيك من المسئولية؟
تعال بنا نقف مع حالتك بعض الوقفات :
أولا: شياطين الإنس وتزيين المعاصي:
لقد أخبر الله تعالى عن شياطين الجن وكيدهم فقال: "إن كيد الشيطان كان ضعيفا"؛ فالشيطان يمكنك التغلب عليه بالاستعاذة منه ومجاهدته أكثر من مرة، ولكن كيد شياطين الإنس أقوى من ذلك؛ فأنت لا تدري العدو من الصديق، والمخلص من المنافق، والحريص على الآخرين من الأناني والانتهازي؛ فينخدع طيب القلب دون أن يدري ويغرق دون أن يجد من ينقذه، وما أكثر الجرائم التي حدثت والتي تحدث كل يوم بسبب هؤلاء.(33/762)
ولذلك فمن رحمة الله تعالى أن جعل عقوبات بعض هؤلاء هي تخليص المجتمع منهم؛ فالقاتل يُقتل، والزاني المحصن يرجم حتى الموت، وقاطع الطريق يقتل أو يصلب أو تقطَّع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض حسب الدافع للجريمة وتقدير ولي الأمر فهل هذا ظلم وقسوة من الإسلام كما يرى الطاعنون أم هي الرحمة بالمجتمع بتخليصه من هذه الجراثيم التي إن تركت لها الفرصة نشرت سمومها في أوصال المجتمع كله؟!
ولذلك أخبرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". فعلى الآباء والأمهات أن يحسنوا اختيار الأصدقاء لأبنائهم وأن يراقبوا تصرفاتهم؛ لأن أبناءهم أمانة وهم مسئولون عنها أمام الله. وعلى الأبناء الذين يعون أن يكونوا صرحاء مع آبائهم وأن يبلغوهم بأي ريبة يشعرون بها من أصحابهم.
ثانيا: المداومة على المعصية تؤدي إلى إلفها:
من رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة والرجوع إليه؛ بل وحث على ذلك ووعد التائبين بأن يبدل سيئاتهم حسنات؛ حتى لا يستمرئوا المعصية ويألفوها ويزين لهم الشيطان أنها مباحة ولا شيء فيها، وهذا ما حدث معك حيث تقول: "ومن ثم تركني وقد خُلق لدي شعور بأن هذا العمل غير منافٍ للأخلاق وأن ممارسته ليس فيها أي مانع من جميع النواحي".
ولذلك نجد شبابنا الآن – إلا من رحم ربي- وصلوا إلى هذه الدرجة من الانحلال الأخلاقي والقيمي؛ فوسائل الإعلام تنشر عليهم الفواحش وأسبابها صباح مساء دون رقيب أو زاجر؛ فإذا لم يكن لهذا الشاب ما يعصمه من الإيمان والتقوى فإنه والعياذ بالله سيفقد نفسه ودينه دون أن يشعر. فالشاب الذي يرى الرقص والمجون والأحضان والقبلات كل دقيقة وكل لحظة أمامه ويجد أباه وأمه يشاهدان ذلك معه دون استنكار فإنه سيتولد لديه شعور بأن هذا الأمر غير مناف للأخلاق وليس فيه أي مانع من جميع النواحي، على حد تعبيرك أنت.
ثالثا: حالتك والتعامل معها:
بالنسبة لموقفك فمع أن الأمر قد استفحل و تجذر معك إلا أنني أجد فيك العزيمة والقدرة إن شاء الله على التخلص منه، وهذا ما يتضح من قولك: "وقد حاولت أن أزيد من الجانب الإيماني في حياتي بقراءة القرآن وحفظه ومجالسة الصالحين والتوبة بين الحين والآخر وأشعر بالندم إلى حد البكاء الشديد". ولذلك فإني أوصيك بما يلي:
1- أكثر مما أنت فيه من الإيمانيات من قراء القرآن ومجالسة الصالحين والتوبة والندم، مع محاولة أن يكون لذلك مردود على حياتك وعلاقاتك كلها .
2- قارن بين ما تجد من متعة بهذه المعصية وعقاب الله عليها؛ فعليك أن تضع نصب عينيك دائما أن اللواط جريمة شنيعة تنافي الفطرة وأن الله وصفها في القرآن بأبشع الصفات وأنه آفة للخلق والفطرة والدين.
وتعال معي - أخي المسلم- نقلب صفحات دستورنا الخالد، فقد قال تعالى عن قوم لوط : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ(33/763)
أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
وقال أيضا: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
وما أريده منك أن تضع، نصب عينيك، هذه العقوبات التي عاقب الله بها قوم لوط لفعلهم نفس الفعل الذي تفعله أنت؛ فإن سولت لك نفسك فعله فضع في حسبانك أن الله ربما يأخذك وأنت على هذه الحالة.. فهل تستطيع أن تقابل ربك على هذه الحالة؟!
3- ابتعد نهائيا عن هؤلاء الأصحاب الذين يذكرونك بهذا الأمر؛ فالبيئة المحيطة غالبا ما تكون سببا في العودة للمعصية؛ وكلنا يعلم حديث قاتل المائة نفس حينما أوصاه الرجل الصالح أن يترك البلد الذي عصى الله فيه، ويذهب لبلد آخر؛ فاهجر أهل المعاصي واذهب لأهل الطاعة والتقوى حيثما وجدوا لعل الله يقبل منك توبتك .
4- حاول أن تنمي في نفسك دائما مراقبة الله عز وجل لك، واطلاعه على معاصيك؛ وقل لنفسك إن الله يراني، واسألها لم تجعل الله، الذي خلقك ويعلم سرك وعلانيتك، أهون الناظرين إليك ؟!
5- أكثر من الدعاء إلى لله والتضرع إليه والتذلل بين يديه، أن يعافيك مما أنت فيه، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن.
7- قارن بين نعم الله الكثيرة عليك التي لا تستطيع أداء شكرها وبين مقابلتك لها بالجحود والنكران بارتكابك مثل هذه المعصية التي نهى الله عنها.
8- سارع بالزواج، إن لم تكن قد تزوجت؛ فالزواج يحصنك، ويعينك إن شاء الله على التغلب على هذا الداء.
9- أكثر من الصوم فإنه يكسر الشهوة ويهذب النفس، ويوثق صلتك بخالقك.
10- استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا غالبتك نفسك أو غالبك شيطانك لتعود إلى هذه الجريمة، فارفض وكن قويا، ولا تتبع الشيطان، فإنه يريد أن يردك إلى باب المعاصي ويحرمك من التوبة، فلا تستلم للشيطان.
وختاما؛
أسأل الله أن يهديك إلى سواء الصراط، وأن ينقذك مما أنت فيه، وأن يتقبل منك توبتك، وأن يعينك على شيطانك، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن .. آمين. وتابعنا بأخبارك
-ـــــــــــــــــــ
بعد رمضان.. برنامج لحفظ القرآن العنوان
غذاء الروح الموضوع(33/764)
من خلال هذا الشهر المبارك أعاده الله علينا بالخير والبركات استمتعنا بتلاوة القرآن وسماعها من الأئمة جزاهم الله عنا ألف خير، وأريد خلال الفترة القادمة أن يكون لي برنامج لحفظ القرآن بحيث أكون في رمضان القادم إن شاء الله قد حفظت منه أجزاء كثيرة، علما بأنني أحفظ فقط جزءا واحدا وبعض السور في بعض الأجزاء.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخ الفاضل:
جزاك الله تعالى خيرا على هذه النية الطيبة، فإن خير ما اشتغل المسلم به عنايته بالقرآن الكريم، وأول العناية معرفة القراءة الصحيحة، والتلاوة المجودة، وأن يعيش مع القرآن، حتى يكون من أهله، الذين هم أهل الله وخاصته، لينتقل بعد ذلك للعمل به والسعي لنشر مبادئه، فإن القرآن دستور المسلم المبين، وهو كلام رب العالمين، وشرعة رسوله الكريم، وحصن الأمة من الزلل، وهاديها إلى الصراط المستقيم، و به عزها وكرامتها ، و به استقامة حياتها، وصلاح سيرها، وطريق عزها، ثم هو سبب نعيمها عند لقاء ربها، وكله خير، فمن أراد الدنيا حلالا طيبا، والآخرة ابتغاء وثوابا، فهو طريقهما، وهو حبل الله، طرف منه بيد الله، وطرف آخر بيد الناس.
وبركة هذا الكتاب في العمل به ، دون الوقوف على حروفه فحسب ، فإن الاهتمام بالحرف وحده لا يكفي ، غير أنه بدون الحرف لن يكون العمل، فتعلمه بداية الطريق للعمل به ، وهذا أمر هام يجب اعتباره في الحسبان ، فكم من تال للقرآن والقرآن يلعنه ، فإن التلاوة ليست مقصودة لذاتها ، وإنما هي لبيان كلام الله لخلقه ، حتى يستقيموا على أمره .
وقبل بيان كيفية الحفظ، أحب أن أنوه على أمور هامة، ثم أبين لك طريقة الحفظ :
1- أنه يجب الاهتمام بتلاوة وتعليم أحكام تجويد القرآن، حتى يمكن تلاوته تلاوة صحيحة، لأن التلاوة أمر واجب، كما قال تعالى: "اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته"، وقوله: "فاقرؤوا ما تيسر من القرآن".
2- وبعد التلاوة يجب المحافظة على القرآن وختم القرآن تلاوة مرة كل شهر إن تيسر ذلك .
3- الاهتمام بما في القرآن الكريم من أوامر يجب أن يأتيها المرء، ونواهي يجب الابتعاد عنها، وقصص يتعلم ويستفيد منها، وأخلاق وآداب يجب التحلي بها، حتى يتشبه المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قالت عنه زوجه السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "كان قرآنا يتحرك بين الناس".
4- أن يكون الحفظ على يد معلم للقرآن الكريم، فحفظ الإنسان وحده لا يجعل عملية الحفظ مستمرة في الغالب، إلا من أوتي عزيمة قوية، فتصحح الآيات التي تريد حفظها مع الشيخ ثم تحفظها وحدك، ثم تسمعها للشيخ.(33/765)
5- وفي الحفظ هناك عدة طرق، منها أن تكرر الآية عدة مرات حتى تحفظها، ثم تكرر الثانية حتى تحفظها، ثم تسمع الآية الأولى والثانية، ثم تكرر الثالثة حتى تحفظها، ثم تسمعها مع الأولى والثانية مع محاولة الربط بينهما حتى يكون حفظا جيدا.
6- وهناك من الناس من يقرأ العدد من الآيات مما يجمعها رابط في المعنى ، فيكرر الآيات عدة مرات، حتى يتم حفظها، ثم يأتي بالعدد الآخر مما يجمعه رابط، فيفعل مثلما فعل في الأول، ثم يسمع المجموعة الأولى والثانية ويربط بينهما في الحفظ.
7- ومن الأمور المعينة في الحفظ الاطلاع على تفسير الآيات، حتى يفهم معناها، فيسهل حفظها.
8- الصلاة بما حفظت من القرآن، وأفضل أن تكون في صلاة النوافل لا الفرائض، إلا ما تأكد حفظه، فيمكن الصلاة فيه في الفرائض؛ لأن الخطأ في القراءة في النافلة أقل من الخطأ في القراءة في الفريضة.
9- من الأفضل أن تجعل لنفسك وردا من قيام الليل، تقيمه بما تحفظ من القرآن، فإن هذا أدعى للحفظ.
10- المراجعة الدائمة لما حفظت وما تحفظ، ويمكن أن يكون معك مصحف صغير الحجم تستطيع أن تراجع منه في أوقات الفراغ والأوقات البينية.
11- أن تخصص وقتا للقرآن الكريم، ولا يكون اهتمامك به وقراءتك له من فضل الوقت.
12- أن تلتزم آداب التلاوة من الطهارة والوضوء واستقبال القبلة واستحضار الخشوع والسكينة، مع التطيب.
13- أن تحفظ في مكان هادئ، وليكن المسجد إن كان ممكنا، ويمكن تخصيص وقت ما بين المغرب والعشاء للحفظ، أو وقت ما بعد الفجر، فإنه أدعى ليسر الحفظ وسهولته.
14- الدعاء الدائم أن يتم الله تعالى عليك النعمة، وأن يجعلك من حملة كتاب الله تعالى.
15- القراءة في حال السلف الصالح وشأنهم مع القرآن الكريم، فإن هذا مما يرفع الهمة، ويأخذ بيد الإنسان للعزيمة في حفظه والاهتمام به.
16- استحضار الإخلاص والبعد عن الرياء، إذ الرياء من أهم معوقات العمل الصالح ، وهو في القرآن أكثر تعويقا ، لا من حيث الحفظ وحده ، ولكن من حيث البعد عن المقصود من العمل بكلام الله.
17- العمل بما حفظت، فإن هذا أيسر الطرق للحفظ.
18- تحفيظه لغيرك، فإن هذا يثبت الحفظ أيضا. واستحضار الأجر في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
19- الحفظ من طبعة واحدة للمصحف؛ حتى تعود العين على شكل الصفحة ورقم الآيات، وهذا يساعد على تذكر ما حفظه الإنسان. وهناك ممن يحفظ القرآن عن ظهر قلب برقم آياته صفحاته ، ويعرف موضع كل آية وموضعها من الصفحة وغيرها من مواهب الحفظ التي يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده .(33/766)
20- اجتنب كبائر الذنوب، وجاهد نفسك في الصغائر، فإن حفظ القرآن يحتاج إلى قلب موصول بالله، والذنوب تحول بينك وبين عطية الله تعالى لك.
وفقك الله لما يحب ويرضى.
ولا تنسنا من صالح دعائك .. وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
أخشى الرياء ..الإخلاص هو الحل العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم.. السادة الأفاضل في موقع "إسلام أون لاين.نت"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بداية جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموقع، وخاصة هذا القسم (الاستشارات)، فأنا أشعر أني وقعت على كنز ثمين عند قراءتي فيه لأول مرة منذ يومين؛ لأنني بصراحة غارق في بحر من المشكلات، تحاصرني وتعكر عليّ طاعاتي وعباداتي جميعًا، وأظن أغلبها داخلاً في باب أمراض القلوب.
ولكني بصراحة يا أساتذتي الأفاضل أحيانًا أضبط نفسي متلبسًا بالرياء إذا صح التعبير، فأحاول طرد تلك الأفكار من رأسي وأذكر الله، ولكن بعد وقت وربما بعد لحظات أحيانًا، يعود ويتسلل إليّ نفس الشعور.
قد أطلت عليكم.. سامحوني أسألكم النصيحة، فهي الدين كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما أسألكم الدعاء جزاكم الله عنا خيرًا، والسلام عليكم.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقولالدكتور ربيع الغفير:
أخي السائل الحبيب؛
من المعروف أنه لا سلطان للإنسان على قلبه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن القلب: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني القلب.
وبالنسبة للأعمال فمن المعلوم كذلك أن الله عز وجل لا يقبل منها إلا ما كان خالصًا وابتُغِي به وجهه. كما جاء في الحديث الصحيح، وفي الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لي عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".
فالرياء يحبط العمل، ويضيع الأجر، وهو الشرك الخفي الذي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته؛ لأنه أخفى من دبيب النمل، أي أنه يتسرب إلى القلب من حيث لا يشعر الإنسان.
والأحاديث كثيرة في إبطال الرياء للأعمال. وقد شبّه القرآن الكريم المرائي هذا التشبيه البليغ قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ(33/767)
فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }(البقرة:264)، وشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجل الذي خرج إلى السوق معه كيسه مملوءة بالحصى وليس بالدراهم والدنانير، فكلما رآها الناس قالوا ما أملأ كيس هذا الرجل ولو أراد أن يشتري به شيئًا لا يستطيع.
فعلى المبتلى بهذا الداء - نسأل الله العفو والعافية- أن يجاهد نفسه ويطرد خواطر الرياء عن قلبه، بأن يفكر دائمًا أن ثناء الناس لا يفيده شيئًا، وهب - كما قال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء- أن الناس جميعًا أثنوا عليك وأشادوا بك ورفعوك إلى أعلى الدرجات، هل بعد خمسين عامًا من وقتك هذا يكون على ظهر الأرض ممن يثنون عليك أحد. فهل هناك قيمة لهذا الثناء المؤقت؟
ويجب عليك أن تستحضر أن الله عز وجل يقول للمرائين يوم القيامة بعد أن توفَّى الأعمال وتمنح الأجور اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم في الدنيا؛ فخذوا منهم أجوركم، فيا حسرة المرائي حينئذ ويا خيبة سعيه.
هذا وأحب أن أنبهك إلى نقطة متصلة بهذا الموضوع، وهي: أن الإنسان قد يعمل العمل ولا يقصد الرياء ولا مقالة الناس، ولكن رغمًا عنه يتحدث الناس بعمله، ويشيدون به، كما قال القائل:
يخفي صنائعه والله يظهرها إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
فهل هذا يُعَدّ رياءً؟ والجواب لا، فقد سأل سيدنا أبو ذر الغفاري رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال: فقال له: "تلك عاجل بشرى المؤمن".
ويضيفالأستاذ همام عبد المعبود:
شكر الله لأخينا الدكتور ربيع إجابته، وشكر الله لك أخي السائل الكريم سؤالك الذي ينم عن قلب مؤمن حذر، وهذا من فضل الله عليك أن رزقك قلبا يستشعر خطر "الرياء" عن بعد، فتلك نعمة تستوجب الشكر.
وقد أعجبتني كثيرا عبارة "أضبط نفسي متلبسًا بالرياء"، فإنها تعبر عن يقظة عالية ووعي كبير، ومتى وصل المسلم إلى هذه الدرجة، أقصد درجة مراقبة النفس ورصد وتحليل أفعالها وأقوالها، وتنقية القلب من الشوائب التي ترد عليه.
وأذكر عبارة جميلة نسبت للإمام ابن القيم رحمه الله قال فيها :"الرياء مركبة الإخلاص"، وهي تنم عن فهمه لطبيعة النفس البشرية، ولفته الانتباه إلى ضرورة سياسة النفس ومعالجتها، لأن الإخلاص أمر بعيد المنال لكنه ليس مستحيلا، وتربية النفس على الإخلاص أمر شاق يحتاج إلى جهد كبير.
والتربية لها شقان :
1. وهي عملية إخلاء القلب وتفريغه مما خالطه من شوائب الغفلة وعلق به من أتربة الذنوب والمعاصي.
2. التحلية : وهي عملية إحلال وإبدال الخير في القلب محل الشر.
وفي حالة سائلنا الكريم، فإنني أوصيه أن يأخذ نفسه بالرفق واللين، وأن يعينها على التخلص مما لحق بها من رياء، بالاجتهاد في تعويدها وتربيتها على التجرد والإخلاص، وأن يقوم بعملية تخلية وتحلية للقلب تكسبه الإخلاص.
وختاما؛(33/768)
أود أن ألفت أنتباه أخي الكريم إلى أن الطبيب يكره المرض لكنه يشفق على المريض، والجراح البارع هو ذلك الطبيب الحاذق الذي يستطيع أن يقتلع المرض ويذهب بالألم دون أن يجرح المريض.
فكن أنت طبيب نفسك، داوها مما أصابها برفق، فأنت أعلم الناس بها، وبما يصلحها، أصلحنا الله وإياك، وغفر لنا و لك وتقبل منا ومنك.. آمين وتابعنا بأخبارك..
وأحيلك أخي الكريم إلى كتابين هامين تقرأ فيهما هذا الموضوع إن أحببت:
1 - الجزء الثالث من إحياء علوم الدين للإمام الغزالي.
2 - الرعاية لحقوق الله للحارث المحاسبي.
ـــــــــــــــــــ
ذنوبي كثيرة .. فهل لي من توبة ؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أذنبت كثيرا في حق خالقي، ووقعت في العديد من المعاصي، ولكنني أعلم بأن الله غفار الذنوب وأنه سبحانه يغفر لمن يتوب، وسؤالي إليكم هو .. كيف أتوب مما فعلت من الذنوب؟ .. كيف أتوب ؟
السؤال
الرد
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
أخي الحبيب: أكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها فضلاً عن القيام بها علماً وعملاً. وإذا عرفوا قدرها فهم لا يعرفون الطريق إليها، وإذا عرفوا الطريق فهم لا يعرفون كيف يبدءون؟
فتعال معي أخي الحبيب لنقف على حقيقة التوبة، والطريق إليها عسى أن نصل إليها.
كلنا ذوو خطأ
أخي الحبيب: كلنا مذنبون كلنا مخطئون.. نقبل على الله تارة وندبر أخرى، نراقب الله مرة، وتسيطر علينا الغفلة أخرى، لا نخلو من المعصية، ولا بد أن يقع منا الخطأ، فلست أنا و أنت بمعصومين (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
والسهو والتقصير من طبع الإنسان، ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أن يفتح له باب التوبة، وأمره بالإنابة إليه، والإقبال عليه، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي.. ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد، وقصرت همته عن طلب التقرب من ربه، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته.
أين طريق النجاة؟
قد تقول لي: إني أطلب السعادة لنفسي، وأروم النجاة، وأرجو المغفرة، ولكني أجهل الطريق إليها، ولا أعرف كيف ابدأ؟ فأنا كالغريق يريد من يأخذ بيده، وكالتائه يتلمس(33/769)
الطريق وينتظر العون، وأريد بصيصاً من أمل، وشعاعاً من نور. ولكن أين الطريق؟
والطريق أخي الحبيب واضح كالشمس، ظاهر كالقمر، واحد لا ثاني له إنه طريق التوبة.. طريق النجاة، طريق الفلاح.. طريق سهل ميسور، مفتوح أمامك في كل لحظة، ما عليك إلا أن تطرقه، وستجد الجواب: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} طه : 82. بل إن الله تعالى دعا عباده جميعاً مؤمنهم وكافرهم إلى التوبة، وأخبر أنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت، ومهما عظمت، وإن كانت مثل زبد البحر، فقال سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} الزمر : 53.
ولكن. ما التوبة ؟
التوبة أخي الحبيب هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً.. وهي اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان.. هي الهداية الواقية من اليأس والقنوط، هي الينبوع الفياض لكل خير وسعادة في الدنيا والآخرة هي ملاك الأمر، ومبعث الحياة، ومناط الفلاح هي أول المنازل وأوسطها وآخرها هي بداية العبد ونهايته هي ترك الذنب مخافة الله، واستشعار قبحه، والندم على فعله، والعزيمة على عدم العودة إليه إذا قدر عليه هي شعور بالندم على ما وقع، وتوجه إلى الله فيما بقي، وكف عن الذنب.
ولماذا نتوب؟
قد تسألني أخي الحبيب: لماذا أترك السيجارة و أنا أجد فيها متعتي؟ لماذا أدع مشاهدة الأفلام الخليعة وفيها راحتي؟ ولماذا أتمنع عن المعاكسات الهاتفية وفيها بغيتي؟ ولماذا أتخلى عن النظر إلى النساء وفيه سعادتي؟ لماذا أتقيد بالصلاة والصيام وأنا لا أحب التقييد والارتباط؟ ولماذا أليس ينبغي على الإنسان فعل ما يسعده ويريحه ويجد فيه سعادته؟ فالذي يسعدني هو ما تسميه معصية فلِمَ أتوب؟
وقبل أن أجيبك على سؤالك أخي الحبيب لا بد أن تعلم أنني ما أردت إلا سعادتك، وما تمنيت إلا راحتك، وما قصدت إلا الخير والنجاة لك في الدارين.
والآن أجيبك على سؤالك: تب أخي الحبيب لأن التوبة:
1- طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى، فهو الذي أمرك بها فقال: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} التحريم:8. وأمر الله ينبغي أن يقابل بالامتثال والطاعة.
2- سبب لفلاحك في الدنيا و الآخرة، قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} النور:31. فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ، ولا يسر ولا يطمئن ؛ ولا يطيب ؛ إلا بعبادة ربه والإنابة إليه والتوبة إليه.
3- سبب لمحبة الله تعالى لك، قال تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} البقرة:222. وهل هناك سعادة يمكن أن يشعر بها إنسان بعد معرفته أن خالقه ومولاه يحبه إذا تاب إليه؟!
4- سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً(33/770)
فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} مريم: 59 ، 60. وهل هناك مطلب للإنسان يسعى من أجله إلا الجنة؟!
5- سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} هود:25، وقال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} نوح:10-12.
6- سبب لتكفير سيئاتك وتبدلها إلى حسنات، قال تعالى: {يا أيها الذين أمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ًعسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} التحريم:8 ، وقال سبحانه: {إلا من تاب وأمن وعمِل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} الفرقان:70.
أخي الحبيب: ألا تستحق تلك الفضائل – وغيرها كثير – أن تتوب من أجلها؟ لماذا تبخل على نفسك بما فيه سعادتك؟.. لماذا تظلم نفسك بمعصية الله وتحرمها من الفوز برضاه؟جدير بك أن تبادر إلى ما هذا فضله وتلك ثمرته.
قدّم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غُلق النفوس فإنها ذخر وغنم للمنيب المحسن
كيف أتوب؟
أخي الحبيب: كأني بك تقول: إن نفسي تريد الرجوع إلى خالقها، تريد الأوبة إلى فاطرها، لقد أيقنت أن السعادة ليست في اتباع الشهوات والسير وراء الملذات، واقتراف صنوف المحرمات ولكنها مع هذا لا تعرف كيف تتوب؟ ولا من أين تبدأ؟
وأقول لك: إن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً يسر له الأسباب التي تأخذ بيده إليه وتعينه عليه، وها أنا أذكر لك بعض الأمور التي تعينك على التوبة وتساعدك عليها:
1- أصدق النية وأخلص التوبة: فإن العبد إذا أخلص لربه وصدق في طلب التوبة أعانه الله وأمده بالقوة، وصرف عنه الآفات التي تعترض طريقه وتصده عن التوبة.. ومن لم يكن مخلصاً لله استولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} يوسف:24.
2- حاسب نفسك: فإن محاسبة النفس تدفع إلى المبادرة إلى الخير، وتعين على البعد عن الشر، وتساعد على تدارك ما فات، وهي منزلة تجعل العبد يميز بين ما له وما عليه، وتعين العبد على التوبة، وتحافظ عليها بعد وقوعها.
3- ذكّر نفسك وعظها وعاتبها وخوّفها: قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي ؛ فإن الموت يأتي بغتة، وذكّرها بموت فلان وفلان.. أما تعلمين أن الموت موعدك؟! والقبر بيتك؟ والتراب فراشك؟ والدود أنيسك؟ أما تخافين أن يأتيك ملك الموت وأنت على المعصية قائمة؟ هل ينفعك ساعتها الندم؟ وهل يُقبل منك البكاء والحزن؟ ويحك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك.. وهكذا تظل توبخ نفسك وتعاتبها وتذكرها حتى تخاف من الله فتئوب إليه وتتوب.(33/771)
4- اعزل نفسك عن مواطن المعصية: فترك المكان الذي كنت تعصي الله فيه مما يعينك على التوبة، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً قال له العالم: {إن قومك قوم سوء، وإن في أرض الله كذا وكذا قوماً يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله معهم}.
5- ابتعد عن رفقة السوء: فإن طبعك يسرق منهم، واعلم أنهم لن يتركوك وخصوصاً أن من ورائهم الشياطين تؤزهم إلى المعاصي أزاً، وتدفعهم دفعاً، وتسوقهم سوقاً.. فغيّر رقم هاتفك، وغيّر عنوان منزلك إن استطعت، وغيّر الطريق الذي كنت تمر منه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: {الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل} رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.
6- تدبّر عواقب الذنوب: فإن العبد إذا علم أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى، وأن الجزاء بالمرصاد دعاه ذلك إلى ترك الذنوب بداية، والتوبة إلى الله إن كان اقترف شيئاً منها.
7- أَرِها الجنة والنار: ذكّرها بعظمة الجنة، وما أعد الله فيها لمن أطاعه واتقاه، وخوّفها بالنار وما أعد الله فيها لمن عصاه.
8- أشغلها بما ينفع وجنّبها الوحدة والفراغ: فإن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والفراغ يؤدي إلى الانحراف والشذوذ والإدمان، ويقود إلى رفقة السوء.
9- خلف هواك: فليس أخطر على العبد من هواه، ولهذا قال الله تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} الفرقان:43. فلا بد لمن أراد توبة نصوحاً أن يحطم في نفسه كل ما يربطه بالماضي الأثيم، ولا ينساق وراء هواه.
10- وهناك أسباب أخرى تعينك أخي الحبيب على التوبة غير ما ذُكر منها: الدعاء إلى الله أن يرزقك توبة نصوحاً، وذكر الله واستغفاره، وقصر الأمل وتذكر الآخرة، وتدبر القرآن، والصبر خاصة في البداية، إلى غير ذلك من الأمور التي تعينك على التوبة.
شروط التوبة الصادقة
أخي الحبيب: وللتوبة الصادقة شروط لا بد منها حتى تكون صحيحة مقبولة وهي:
أولاً: الإخلاص لله تعالى: فيكون الباعث على التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه، والخوف من عقابه، لا تقرباً إلى مخلوق، ولا قصداً في عرض من أعراض الدنيا الزائلة، ولهذا قال سبحانه: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين} النساء:146.
ثانياً: الإقلاع عن المعصية: فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة على المعاصي حال التوبة. أما إن عاود الذنب بعد التوبة الصحيحة، فلا تبطل توبته المتقدمة، ولكنه يحتاج إلى توبة جديدة وهكذا.
ثالثاً: الاعتراف بالذنب: إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شيء لا يعده ذنباً.
رابعاً: الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي: ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي، لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (الندم توبة) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني.(33/772)
خامساً: العزم على عدم العودة: فلا تصح التوبة من عبد ينوي الرجوع إلى الذنب بعد التوبة، وإنما عليه أن يتوب من الذنب وهو يحدث نفسه ألا يعود إليه في المستقبل.
سادساً: ردّ المظالم إلى أهلها: فإن كانت المعصية متعلقة بحقوق الآدميين وجب عليه أن يرد الحقوق إلى أصحابها إذا أراد أن تكون توبته صحيحة مقبولة ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأحد من عرض أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.
سابعاً: أن تصدر في زمن قبولها: وهو ما قبل حضور الأجل، وطلوع الشمس من مغربها، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رواه أحمد والترمذي وصححه النووي. وقال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم.
علامات قبول التوبة
أخي الحبيب: وللتوبة علامات تدل على صحتها وقبولها، ومن هذه العلامات:
1- أن يكون العبد بعد التوبة خيراً مما كان قبلها: وكل إنسان يستشعر ذلك من نفسه، فمن كان بعد التوبة مقبلاً على الله، عالي الهمة قوي العزيمة دلّ ذلك على صدق توبته وصحتها وقبولها.
2- ألا يزال الخوف من العودة إلى الذنب مصاحباً له: فإن العاقل لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر حتى يسمع الملائكة الموكلين بقبض روحه: {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} فصلت:30 ، فعند ذلك يزول خوفه ويذهب قلقه.
3- أن يستعظم الجناية التي تصدر منه وإن كان قد تاب منها: يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال له هكذا). وقال بعض السلف: (لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت.
4- أن تحدث التوبة للعبد انكساراً في قلبه وذلاً وتواضعاً بين يدي ربه: وليس هناك شيء أحب إلى الله من أن يأتيه عبده منكسراً ذليلاً خاضعاً مخبتاً منيباً، رطب القلب بذكر الله، لا غرور، ولا عجب، ولا حب للمدح، ولا معايرة ولا احتقار للآخرين بذنوبهم. فمن لم يجد ذلك فليتهم توبته، وليرجع إلى تصحيحها.
5- أن يحذر من أمر جوارحه: فليحذر من أمر لسانه فيحفظه من الكذب والغيبة والنميمة وفضول الكلام، ويشغله بذكر الله تعالى وتلاوة كتابه. ويحذر من أمر بطنه، فلا يأكل إلا حلالاً.
ويحذر من أمر بصره، فلا ينظر إلى الحرام، ويحذر من أمر سمعه، فلا يستمع إلى غناء أو كذب أو غيبة، ويحذر من أمر يديه، فلا يمدهما في الحرام، ويحذر من أمر رجليه فلا يمشي بهما إلى مواطن المعصية، ويحذر من أمر قلبه، فيطهره من البغض والحسد والكره، ويحذر من أمر طاعته، فيجعلها خالصة لوجه الله، ويبتعد عن الرياء والسمعة.
احذر التسويف(33/773)
أخي الحبيب: إن العبد لا يدري متى أجله، ولا كم بقي من عمره، ومما يؤسف أن نجد من يسوّفون بالتوبة ويقولون: ليس هذا وقت التوبة، دعونا نتمتع بالحياة، وعندما نبلغ سن الكبر نتوب. إنها أهواء الشيطان، وإغراءات الدنيا الفانية، والشيطان يمني الإنسان ويعده بالخلد وهو لا يملك ذلك. فالبدار البدار والحذر الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل، فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
فسارع أخي الحبيب إلى التوبة، واحذر التسويف فإنه ذنب آخر يحتاج إلى توبة، والتوبة واجبة على الفور، فتب قبل أن يحضر أجلك وينقطع أملك، فتندم ولات ساعة مندم، فإنك لا تدري متى تنقضي أيامك، وتنقطع أنفاسك، وتنصرم لياليك.
تب قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو، تب قبل أن يعاجلك المرض أو الموت فلا تجد مهلة للتوبة.
لا تغتر بستر الله وتوالي نعمه
أخي الحبيب: بعض الناس يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، فإذا نُصح وحذّر من عاقبتها قال: ما بالنا نرى أقواماً يبارزون الله بالمعاصي ليلاً ونهاراً، وامتلأت الأرض من خطاياهم، ومع ذلك يعيشون في رغد من العيش وسعة من الرزق. ونسي هؤلاء أن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، وأن هذا استدراج وإمهال من الله حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، يقول : (إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قوله عز وجل: فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين) رواه أحمد وإسناده جيد.
وأخيراً !!
أخي الحبيب: فِر إلى الله بالتوبة، فر من الهوى فر من المعاصي فر من الذنوب فر من الشهوات فر من الدنيا كلها وأقبل على الله تائباً راجعاً منيباً اطرق بابه بالتوبة مهما كثرت ذنوبك، أو تعاظمت، فالله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فهلمّ أخي الحبيب إلى رحمة الله وعفوه قبل أن يفوت الأوان.
أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك من التائبين حقاً، المنيبين صدقاً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
كيف أستغفر لذنبي القبيح ؟ العنوان
السلوكيات, أمراض القلوب الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلتي أنى ارتكبت ذنباً كبيراً، ولا أعرف كيفية الاستغفار منه.
في بداية رمضان كنت على درجه كبيره من الإيمان، كنت أصلي وأقرأ القرآن، وكان كل شيء بخير.
إلا أنني في نصف رمضان، ولا أعرف كيف فعل بي الشيطان هذا؟!، فقد كنت مرهقا، وقلت لأستريح بعض الوقت، وكان ذلك بعد صلاه الظهر في نهار رمضان، وأكرر في نهار رمضان، وأثناء نومي فعلت العادة السرية وأنا مستيقظ تماما، نعم(33/774)
وأنا مستيقظ تماما، ولا أعرف كيف فعلت ذلك؟!، ولا كيف فعل بي الشيطان ذلك؟!، ثم أكملت نومي واستيقظت، وندمت أشد الندم، وتطهرت وصليت وبكيت، وصليت وبكيت.
ولا أعرف كيف استغفر لذنبي القبيح الكبير ذلك؟، لا أفعل شيئا سوى التفكير في التخلص من ذنبي، خاصة أنه جاء في نهار رمضان .. أرجوكم أغيثوني .. أريحوني . أرجو الرد سريعا .. وشكرا
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول همام عبد المعبود:
أخانا في الله/ مدحت
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، باهتمام شديد، وأستعين بالله وأقول لك وبالله التوفيق، وأعوذ بالله تعالى أن أذكر به وأنساه .. فإني قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين
لقد أثلج صدري ما لمسته في رسالتك من إخلاص، أسأل الله أن يتقبله منك، وأن يغفر لك به ما كان منك، فكم من عبد يذنب ولا يستشعر خطورة ذنبه، ويقع في المعصية ولا يدري في حق من أخطأ ولا من عصى !!
فاحمد الله أنك من الذين أنعم الله عليهم بنعمة "الاستشعار"، نعم إنها نعمة كبيرة، وفضل عظيم أن يجعلك الله ممن إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم تذكروا الله، فاهتز كيانهم وارتعدت فرائصهم، لما اقترفوا من الذنوب والمعاصي، أولئك الذين قال الله فيهم، ثناءً عليهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
واعلم أن (الندم توبة) كما أخبرنا بذلك سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن ندمك الذي لمسته في رسالتك كفيل بأن يغفر ذنبك الذي وقعت فيه، إن شاء الله، ما دمت صادقا في توبتك، نادما على ما فعلت، عازما على عدم العودة إلى الذنب ثانية..
أما بخصوص ما يجب عليك فعله لتبرأ من ذنبك، فيقول لك الدكتور رجب أبو مليح :
الأخ الكريم الأستاذ مدحت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(33/775)
فهكذا ينبغي أن يكون المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن ينطبق عليه، أما المنافق، أعاذنا وأعاذك الله منه، فيرى ذنوبه كأنها ذبابة قال بها هكذا ثم مضى إلى حاله !!
نعم يا أخي هكذا ينبغي أن يكون المسلم ..لا يحقرن من الذنوب شيئا لأن الله أخفى غضبه في معصيته، كما لا يحقرن شيئا من الطاعة لان الله أخفى رضاه في طاعته.
ولا يخفى عليك أن الصيام جنة أي وقاية من الذنوب والمعاصي والآثام، فينبغي أن يكون كذلك.
على أية حال قد حدث ما حدث، ولعله يكون خيرا، فرب ذنب يفعله المسلم ثم يعود إلى الله خاشعا متبتلا طائعا منيبا، أوابا ذليلا أفضل عند الله من طاعة يعقبها كبرا وغرورا، وتطاولا واستعلاء. وأحسبك أخي الكريم من التائبين المنيبين، فداوم على التوبة وأكثر من الندم تجد الله توابا رحيما.
وعليك بقضاء يوم مكان ما أفطرت على الرأي الذي نفتي به، ونسأل الله أن يغفر ذنبك ويطهر قلبك ويحصن فرجك.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
بعد رمضان.. حافظ على حلاوة الإيمان العنوان
غذاء الروح الموضوع
لا شك أن الإيمانيات لدى الإنسان المسلم تزيد في رمضان، تكثر الأعمال الصالحة والطاعات، وتكون النفوس أهدأ وأصفى؛ فكيف نستطيع المحافظة على ما اكتسبناه في رمضان في بقية شهور السنة؟ وكذلك ما نجاهد به أنفسنا من ترك المحرمات كالكذب وغيره؟ فكيف نحافظ على ذلك كله؟
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخ الفاضل، أشكرك على هذا السؤال الرائع الذي ينم عن فهم لحقيقة الأمور. فمن الخطأ أن يعي الناس أن رمضان موسم تكسب فيه الحسنات وكأنه سوق وانفض وحسب. فرمضان إن كانت تضاعف فيه ثواب الأعمال الصالحة، وفيه مغفرة للذنوب، وعتق من النيران وغير ذلك من جوائز الله تعالى لعباده.
ومع كونه نفحة من نفحات الله تعالى لخلقه؛ فإن التعامل مع رمضان بهذه العقلية التجارية تعامل يشوبه بعض القصور. فإن التاجر الحصيف هو من يسعى لزيادة(33/776)
تجارته دائما. أما من يأخذ من الموسم بعض المكاسب ويجلس حتى يأتي الموسم في العام مرة ثانية، فهذا ليس عنده خبرة حقيقية في سوقه وتجارته.
إن التغيير الحقيقي في رمضان هو أن يجلس المرء مع نفسه، وأن يفكر فيما يريد من نفسه في رمضان، ما هي الأعمال السيئة التي يأتيها؟ وكيف يتخلص منها؟ ما هي الطاعات التي كان مقصرا فيها فيحافظ عليها؟ كيف يؤدي العبادات والطاعة وكيف يرتقي بنفسه فيها؟.
ولكن على أن يكون هذا على الدوام؛ بمعنى أن نستفيد من رمضان تعودا على الطاعة بشكل دائم، وأن نترك المعصية في رمضان على الدوام، فيكون رمضان فرصة حقيقية للتغيير، وهذا لن يتأتى إلا إذا غير الناس نفوسهم وخططهم بالنسبة لهذا الشهر. ولهذا فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يستعدون لرمضان قبله بستة أشهر، ويتزودون منه لستة أشهر، فتكون السنة كلها عندهم رمضان.
ومن الخير أن نجمع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في العمل والإصلاح؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أن يداوم المرء على العمل الصالح، ويقول: "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".
وإن كان الإنسان يكثر من الأعمال الصالحة؛ ويترك الأعمال السيئة في رمضان. ولكن ليكن له جدول وأهداف واضحة يريد أن يحققها خلال شهر رمضان. فيكون رمضان فرصة للإصلاح الدائم والتغيير الفعال؛ وفق أدوات الإصلاح والتغيير التي يتفق عليها جميع الخلق.
فقد يرى الإنسان في نفسه -مثلا- أنه لا يستطيع الاستغناء عن الكذب، فيتعاهد بينه وبين الله تعالى أن يترك الكذب، ويمهد لهذا بما يلي:
1- القراءة في الحديث عن الكذب وأضراره وحرمته وعاقبته.
2- النظر في عاقبة المكذبين.
3- البحث في الأسباب التي يجعله يأتي الكذب.
4- العزم على تركه، وحسن النية على تركه.
5- أن يسجل كل كذب وقع فيه، وأن يراقب نفسه.
6- أن يراقب قلبه عقب ترك كل كذب وأثر ذلك عليه.
7- أن يجاهد نفسه وألا يطاوعها حين يريد أن يكذب.
8- أن يكثر من الدعاء أن ييسر الله تعالى أمره وأن يعالج من هذا الدعاء.
9- أن يحتفظ بورقة في جيبه دائما فيها كذبه، وأن ينظرها كثيرا.
10- أن يستغفر الله من كل كذب، وأن يجدد العهد مع الله.
وهكذا، يضع كل أهدافه في ورقة يراقبها ويتابعها، حتى ينتهي رمضان وقد نجح في أن يحقق أهدافه، على أن تكون أهدافه واضحة القياس كما يقول علماء الإدارة، وأن يكون هذا ديدنه بعد رمضان، فإنه ربما يعجز أن ينهي كل ما يريده فيه. وقبل كل ذلك وبعده الإخلاص لله، وحسن القصد.
فرمضان بداية وليس نهاية، ودافع ليس بتابع، ومحطة للانطلاق الدائم؛ وليس للإنفاق المؤقت، وللبناء والتأسيس لا للبهرجة والتفريح، وما بعد رمضان أصعب مما فيه،(33/777)
فإن جو رمضان تصفد فيه الشياطين ومردة الجان، وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النيران.
وهذا كله ليس في رمضان؛ فكان التقرب لرب رمضان هو المحك الرئيسي، والمقصد الأسمى والهدف الأعلى، ومن كان يعبد الله تعالى؛ فإن الله تعالى حي دائم لا يزول. ومن أخلص العمل؛ لم يضع في الحسبان الزمن؛ وإنما هو يسير نحو مقصده الأعلى.
ومن تذوق حلاوة الإيمان صعب عليه الترك وأوجب على نفسه الدوام. ومن تقدم نحو الشيء يتذوقه فإنه لم يطعم. فإن ذاقه ووجد حلاوته ولم يأخذ من حلاوته؛
فإنه مسكين؛ لأنه فقد حاسة الذوق. هذا في أمور الدنيا من الطعام والشراب. أما من ذاق طعم الإيمان فمن الصعب أن يتركه ويولي وجهه شطر غيره.
ـــــــــــــــــــ
علامات رضا الله العنوان
غذاء الروح الموضوع
كيف يعرف المسلم أن الله راض عنه، وأن أعماله التي يقوم بها مقبولة؟
السؤال
الرد
يقول د. طارق بن عبد الرحمن الحواس - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء:
الأخت السائلة سلمها الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
من الصعب الجزم بأن الله –سبحانه- رضي عن فلان من الناس، إلا إذا كان عن طريق الوحي، وقد انقطع بموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم. ولكن ممكن الاستدلال على سبيل الظن على رضا الله عن أحد عباده بعلامات، ومن ذلك:
* سلوك العبد طريق الاستقامة الذي أمر الله عباده بلزومه، وحرصه على الثبات عليه.
* فعله ما أمر الله به واجتنابه ما نهى الله عنه، ومصداق هذا قول الله عز وجل: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ" (محمد: 17)، وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت:69).
* مسابقته في الخيرات، وحرصه على التقرب إلى الله بكل أنواع العبادة المشروعة.
* بذله كل ما في وسعه لاجتناب المحرمات بكل أنواعها صغيرها وكبيرها.
* نصرته للدين والذب عن تعاليمه.
* تعاونه على البر والتقوى.
* حسن خلقه.
* حفاظه على وقته وعلى سمعه وبصره فلا يسمع إلا خيراً، ولا ينظر إلا إلى ما يحب الله.
* رضاه بقضاء الله وقدره وصبره على المقدور.(33/778)
* حبه لكل ما يحب الله ورسوله، وحرصه على فعل ذلك المحبوب.
* أن يشرح صدره للهدى والإيمان الصحيح، قال الله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً كأنما يصعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} (الأنعام:25).
* أن يحببه إلى عباده، روى البخاري (3209) ومسلم (2637) عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض".قال النووي: "ثم يوضع له القبول في الأرض" أي: الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية "فتوضع له المحبة". اهـ.
وخلاصة الأمر: أن أظهر علامة على رضا الله عن العبد فعله للمأمور، واجتنابه للمحذور، وصبره على المقدور، وصلاحية سريرته واستقامة علانيته، وأما عن قبول عمله عند الله؛ فمن الصعب الجزم بذلك.
ولكن يستدل على ذلك بانشراح صدر العبد للخير، واتباعه العمل الصالح عملاً مثله من الخير، وبغض قلبه للمعصية ونفوره منها. ومن علامات القبول بعد الطاعة رغبته في الآخرة، وزهده في الدنيا وفرحه بفعل الطاعة، وأنسه بربه، ورغبته في التنقل من طاعة إلى أخرى.
ـــــــــــــــــــ
بعد رمضان .. لا أريد العودة إلى الغضب العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا سريعة الغضب. وأضايق زوجي بنرفزتي المتكررة. هدأت قليلا في رمضان بسبب روحانياته والصيام، ولكن أخشى أن أعود لما كنت عليه بعد رمضان.. فأشيروا عليّ، و جزاكم الله خيرا..
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
أختنا في الله / أروى
السلام عليك ورحمة الله وبركاته..
وأهلاً ومرحباً بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في موقع "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله العلي القدير أن يجعلنا أهلاً لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظاً، وأن يرزقنا وإياك السداد والتوفيق، وأن يجري الحق على ألسنتنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.. وبعد:(33/779)
مما لا شك فيه أن الغضب مفتاح الشرور، ومدخل الشيطان، غير أنه ليس كل الغضب مذموم، بل إن منه ما هو محمود، ألا وهو غضب المسلم لله عز وجل، عندما تنتهك محارمه، وهي "غضبة لله".
000
وقد امتدح الله تعالى أناسا كظموا غيظهم لله، فقال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، [ آل عمران : 134 ] . وجملة (كظم الغيظ) التي عبر القرآن الكريم بها عن عملية السيطرة على النفس أثناء الغضب تشير إلى أهمية كظم الغيظ أو الغضب ومنع استطالته وكبح جماحه، حتى لا يطفح.
وقد سجلت لنا كتب الحديث الكثير مما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب ومن ذلك:
1- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء" .
2- وقوله للرجل الذي قال له : أوصني، فقال : " لا تغضب " ، فردد عليه مراراً، قال : " لا تغضب " .
3- وفى حديث آخر أن ابن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل ؟ قال : "لا تغضب ".
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
ومن المعلوم أن الناس من الغضب على ثلاث أحوال: إفراط، أو تفريط، أو اعتدال، ولا خير في الإفراط أو التفريط، أما الاعتدال فهو الوسط المطلوب .
وقسم بعض العلماء الناس من حيث الغضب إلى أربعة أنواع :
1- بطيء الغضب بطيء الفيء (الرجوع).
2- بطيء الغضب سريع الفيء.
3- سريع الغضب بطيء الفيء.
4- سريع الغضب سريع الفيء.
ألا إن أفضلهم (بطيء الغضب سريع الفيء)، وإن أقلهم فضلا (سريع الغضب بطيء الفيء).
وقد روى البخاري ومسلم رضي الله عنهما قالا: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدُهما يسبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمَرَّ وجهُه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهبَ عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لأشج بن قيس : "إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة" . كما روي أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".
أختنا في الله/ أروى
إن أول بشائر العلاج أن يعترف المريض بمرضه، وأول شرائط التوبة أن يقر العاصي بذنبه، فجزاك الله خيرا على اعترافك الذي أسأل الله أن يكتبه لك في ميزان(33/780)
حسناتك، وقد بانت بركات رمضان في كلمات رسالتك، ومنها قولك :"أنا سريعة الغضب، وأضايق زوجي، بنرفزتي المتكررة"، ثم ها أنت تقرين بأن روحانيات رمضان وبركات الصيام كانا سببا في هدوئك وسكينتك، فيا ليت قومي يعلمون !!
وحتى لا تعودين لحالة النرفزة والغضب بعد رمضان فإنني أنصحك بالآتي:
1- اللجوء إلى الله والاستعانة به على الغضب، توضئي وصلي ركعتين من دون الفريضة، ثم ارفعي أكف الضراعة إلى الله في هذه الليلة أو هاتين الليلتين الباقيتين من شهر رمضان، أو حتى بعد رمضان، واسأليه أن يصرف عنك هذا المرض (سرعة الغضب).
2- البعد عن الأماكن والأشخاص والمواقف التي تثير غضبك، قدر الاستطاعة.
3- تعويد النفس وحملها على الصبر، وتذكيرها بأجر الصابرين، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، فإن الإنسان لو بان له أجر ما يفعل لأقدم عليه بنشاط وجد.
4- المسارعة إلى الوضوء في حال وقوع الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان والشيطان من النار، ولا يطفئ النار إلا الماء.
5- تغيير الحال التي تكونين عليها لحظة الغضب، فإن كنت جالسة فقومي وإن كنت واقفة فاجلسي وهكذا.
6- اعلمي أن الوقت جزء من العلاج، فلا تتعجلي وخذي نفسك الهوينا، وإن شاء الله ستتخلصين من غضبك وستعودين بفضل الله أكثر هدوءا.
7- في لحظات الرضا والهدوء اطلبي من زوجك أن يتحملك لحظة غضبك، قولي له إنك تعانين من هذه المشكلة، وإنك لا تدرين لحظة الغضب بما تقولين، واطلبي منه أن يصفح عنك، وأن يساعدك على التخلص من هذا الوباء، وثقي أنه سيساعدك وأنه لن يؤاخذك بعدها بما تقولين في حال الغضب.
وختاما؛
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يقيك شر الغضب، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وتابعينا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
أخشى أن أموت عاصية.. عجلي التوبة العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله.
أذنبت ذنبا وهو أني كنت على علاقة- عبر الإنترنت- مع شاب خلوق، وبعد فترة أنهى هو هذه العلاقة، من باب الشرع وأنه لم يجد عندي الدين، بعد ذلك أنا ندمت وخفت من الله وتبت، ولكن بعد عشرة أشهر عاد ثانية، فكلمته، والآن أنا في حيرة، ونار التوبة في قلبي ولكن ما وجدت سبيلا لذلك، أرجوكم ساعدوني وخذوا بيدي.
وهناك أمر آخر وهو أني دائما متضايقة وقلبي مقبوض رغم أني أحب الله وأحب التقرب منه ولكن الظروف دائما تعيقني، حتى القرآن لا أقرؤه، وإذا قرأته لا أحس براحة، وكذلك في صلاتي لا أجد الطمأنينة، ودائما أكون حائرة وكارهة للحياة، وأتمنى الموت ولكن أتوقف وأقول بماذا ألاقي الله؟!!، بأي أعمال ؟؟!!.(33/781)
وقد بحثت عن أخوات صالحات فلم أجد، الكل ملهو بنفسه، حتى الأخوات الملتزمات لم أجد عندهن القلب الكبير، ولم أجد بينهن من تهون علي وتعطيني النصيحة، لذا فأنا أخشى أن أموت قبل توبتي، و جزاكم الله ألف خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة منيرة عثمان المحررة بالقسم الاجتماعي بالموقع:
إن الله رحيم بعباده، فهو أرحم بنا من أنفسنا، ومن رحمته وفضله علينا أن تشعر قلوبنا بألم الذنب، فالنار والحيرة التي في قلبك يا أختي هي فضل ومنة من الله عليك، وها أنت يتألم قلبك للمعصية فتلجئين إلى الله عز وجل، تصححين مسارك وتعلنين توبتك، فتذوقين حلاوة التوبة والقرب منه سبحانه.
فهناك الكثير من البشر لا يشعرون بألم الذنب، وقلوبهم من كثرة المعاصي قد أغلقت، كما ذكر المولى عز وجل حالهم في القرآن الكريم بقوله سبحانه : " كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ"، فاحمدي المولى عز وجل أن منً عليك بقلب يشعر بألم المعصية ويرغب في الرجوع إليه سبحانه، فهذا من محبة الله لك وفضله ورحمته عليك.
وأنصحك يا أختي بالآتي:-
أولاً : عليك- حبيبتي- بالالتجاء إلى الله عز وجل وسؤاله أن يعينك على نفسك، ثم عليك بالعزم على قطع هذه العلاقة والتوبة والإنابة إليه سبحانه، فإن سماحة هذا الدين لا تجعل المذنب في آخر القافلة بسبب ذنبه الماضي، بل إنه إذا ما تاب واستغفر ولم يصر تاب الله عليه، ومن رحمته بعباده، أنه لا يطرد من يلجا إليه بعد طول معصية، ولو كانت ذنوبه مثل زبد البحر، قال تعالى :( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
فهيا- يا حبيبتي– هبي إلى ربك، قفي على بابه، ابتهلي إليه، ناجيه واطلبي منه العون والمغفرة، ولا تتردى في قطع هذه العلاقة مع هذا الشاب، فان رحمته سبحانه وسعت كل شيء وهو كريم لا يخيب ظنك في العون، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) .
وعليك أن تطبقي شروط التوبة لكي تكون توبتك مقبولة، وأذكرك بهذه الشروط وهي :-
1- الندم والاستغفار وتعظيم الذنب- الذي وقعت فيه- في نفسك حتى لا تعودي إليه، فقد بين الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله أن من أسباب تحول الصغائر إلى كبائر-إضافة إلى الإصرار علي الذنب – استصغار الذنب، فالذنب كلما استعظمه العبد في(33/782)
نفسه صغر عند الله، وكلما استصغره العبد في نفسه كبر عند الله. فيجب عليك ألا تنظري إلى صغر الذنب ولكن انظري إلى عظم من تعصي.
2- الإقلاع عن الذنب، فللذنوب ثقلها على قلب المسلم وآثارها السيئة على حياته، فهي تثبط الهمة عن العمل وتحبط المسلم عن الطاعات وتجعل في قلبه ضيقا وانقباضا.
3- عدم الرجوع إلى الذنب ثانية .
ثانياً: عليك أن تدركي أن الإنترنت والشات يجب توظيفهما لما يرضى الله، وأن الشات مع الجنس الآخر إن كان ضروريا فهو فقط للعمل أو الدراسة وما شابه ذلك من أمور ضرورية للحياة، شريطة أن يكون الحديث في حدود الشرع وبطريقة رسمية.
فإن كنت ضعيفة أمام هذا الشاب ولا ترغبين في إنشاء علاقة لا هدف منها إلا الألم والحيرة فعليك أن تقطعي العلاقة معه فورا، وألا تفتحي الإنترنت– ولو لمدة معينة- إلا للضرورة القصوى حتى تتعودي على عدم الحديث مع هذا الشاب، واعلمي أن هذا سيحتاج منك إلى جهد كبير خاصة وأنك قد تعودتي على الحديث معه، ولكن في سبيل إرضاء الله عز وجل يهون كل شيء، وأيضا في سبيل راحتك أنت، لأن الله جعل كل حكم شرعي فيه حكمة ورحمة وراحة للإنسان يعلمها من يعلمها ويجهلها من يجهلها .
ثالثاً : عليك أن تشغلي نفسك بأمور هادفة لأن النفس البشرية إن لم تشغليها بالخير شغلتك بالشر فحاولي توسيع دائرتك الاجتماعية والثقافية وإن وجدت فرصة لحضور مجلس علم لأهل العلم الموثق فيهم لا تتردى، فمجالس العلم روض من رياض الجنة، وهى تقوى المسلم على فعل الطاعات وتقربه من المولى عز وجل، فقد روى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله عز وجل، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).
كما أن لمجالس العلم ثمرات على قلب المسلم وسلوكه، وهى معين للمسلم على شهوات وهفوات نفسه، بالإضافة إلى أن مجالس العلم محط نظر الله عز وجل ومكان تجمع الملائكة والرحمة .
رابعاً: بالنسبة للضيق وانقباض القلب وعدم الطمأنينة في كل الأوقات وكراهية الحياة رغم محبة الله قد تكون بسب البعد عن الله، لأن حب المولى عز وجل يورث السعادة والطمأنينة في القلب، وفي بعض الأوقات يضيق الله الحياة على العبد ويشعره بالانقباض في قلبه حتى يعود إليه ويقف على بابه ويلجأ إليه ويحاسب نفسه فيعترف بالذنب والتقصير فيغمره بالرحمة والمغفرة والعفو والفرج والطمأنينة.
وقبل دخولك في الصلاة استعدى وتذكري أنك تقفين بين يدي مالك الملك واحمديه على أن منً علينا باللقاء به 5 مرات في اليوم والليلة بدون حاجز أو واسطة أو سبق موعد، وتذكري أن الصلاة معراج قلب المسلم، فقفي مع نفسك والجئي إلى الله بالدعاء بأن يشرح صدرك وأن يغفر ذنبك، فمع الدعاء والالتجاء واستشعار عظمة المولى عز وجل والثقة واليقين بعفو الله ورحمته والخشوع في الصلاة والاستعاذة(33/783)
من وسوسة الشيطان والذكر الدائم لله والاستغفار والصلاة على رسول الله ستشعرين بالراحة والطمأنينة.
فالطمأنينة تأتى بالذكر والأوبة إلى الله واللجوء إليه، فهو القائل سبحانه في كتابه الكريم :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
فالمسلم يحتاج باستمرار إلى تجديد عهده مع الله، كما يحتاج إلى وقفة مع نفسه لمحاسبتها على تقصيرها والتذلل لله والالتجاء إليه بالدعاء والبكاء والإلحاح حتى يكون من الأوابين والتائبين إلى الله عز وجل دائما .
خامساً : اجعلي في بيتك ركنا للصلاة وقراءة القرآن وعبادة الله عز وجل، واحرصي على نظافته وتعطيره وتهيئته، وإن كانت نفسك تحول بينك وبين قراءة القرآن فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ويمكنك التغلب على ذلك في البداية بالإكثار من الاستماع إلي أشرطة مسجل عليها القرآن الكريم.
واصبري في البداية إن شعرتي بضيق أو عدم ارتياح لأن الشيطان قد يوسوس لك بالضيق والانزعاج فاستمري في الدعاء والالتجاء إلى الله وطلب العون منه .
سادساً: حبيبتي إن الحياة خلقت من أجل أن يعمرها الإنسان ويكون خليفة الله في الأرض والله عز وجل خلقنا لعبادته، قال تعالى في كتابه العظيم :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، لنكون سعداء لا أشقياء، والقرب من الله عز وجل والصلة به تجعل المسلم في غاية السعادة، فالسعادة الحقيقية ليست في المال أو الجاه وإنما بقضاء العمر في طاعة الله والسعي لنيل رضاءه، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
فلا تجعلي لليأس أو الشيطان سبيلا بأن يكدر عليك حياتك بل افتحي صفحة جديدة في حياتك وجددي العهد مع الله بالرجوع إليه، وضعي لنفسك في هذه الحياة هدفا تسعين لتحقيقه، فأنت فتاة مسلمة ويجب أن يكون لك دور كبير في هذه الحياة، فالمولى عز وجل كرم المرأة وجعل لها مكانة ودورا في الحياة، فأنت الأخت المخلصة والابنة البارة والمجاهدة والمثقفة وفى المستقبل الزوجة الصالحة والأم الحنونة التي تنجب الأبطال.
فثقي بالله وبنفسك وابدئي حياة جديدة بعهد جديد ووسعي دائرة معارفك وأصدقائك وإن وجدت جمعية خيرية تقوم بأعمال تفيد المجتمع فلا تتردى في الحصول على الثواب.
وبالنسبة للارتباط والزواج فإنه رزق من الله عز وجل وباب الدعاء مفتوح فتوجهي إلى المولى عز وجل بالدعاء أن يرزقك بالزوج الصالح الذي يرضى الله ويرضيك ويكون خير معين لك في الدنيا والآخرة.
وابحثي عن أخوات في الله يعينونك على السير في الطريق، وما أجمل ما قاله ابن عطاء السكندري وهو ينصحنا قبل اختيار الإخوان والأصحاب: (عاشر من ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله)، واسألي المولى أن يرزقك أخوات صالحات، ونحن أخواتك في الله فلا تتردى في الإرسال لنا فنحن معك وننتظر رسائلك وتواصلك.
وفقك الله وأعانك ورزقنا وإياك محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(33/784)
ـــــــــــــــــــ
دلائل قبول الطاعة في رمضان العنوان
ما إن لمللم رمضان رحاله إلا وأغلقت المصاحف، وجفت العيون، وطويت سجاجيد الصلاة، وسكتت الألسن التي طالما لهجت بذكر الله، وبشمت البطون التي طالما جاعت حسبة لله، وابتلت العروق التي طالما تشققت تطلعا لما عند الله.
فهجر القرآن، وترك الصيام، واستبدل الناس بذكر ربهم نجوى لا خير فيها، وكأن كل واحد مهم قد حصل على صك الغفران، أو كأنه سمع بكلتا أذنيه هاتفا يقول: اعمل ما شئت فقد غفر لك، ولا تضرك بعد اليوم معصية.
فتذكرت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يقوم من الليل حتى ورمت قدماه وتشققت ودميت مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولما سئل قال:" أفلا أكون عبدا شكورا؟!".
وذكرت حال أحد السلف يوم مر على قوم يلهون ويضحكون فوقف عليهم فقال : إذا كان هذا لم يغفر لهم فليس هذا حال المذنبين، وإذا كان هذا قد غفر لهم فليس هذا حال الشاكرين.
فعرفت أن الثبات على الطاعة، والدوام على العبادة لا بد له من موجبات، وقديما كان يسأل رسولنا صلى الله عليه وسلم ربه فيقول: "اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك". فهل لكم أن تدلونا على هذه الموجبات؟
السؤال
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
إن ما يثير العجب أن تجد بعض الناس في رمضان من الصائمين القائمين والمنفقين والمستغفرين والمطيعين لرب العالمين، ثم ما أن ينتهي الشهر إلا وقد انتكست فطرته وساء خلقه مع ربه فتجده للصلاة تاركاً ولأعمال الخير قالياً ومجانباً وللمعاصي مرتكباً وفاعلاً. فيعصي الله جل وعلا بأنواع شتى من المعاصي والآثام مبتعداً عن طاعة الملك القدوس السلام. فبئس والله القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.
إن بقاء المسلم ومصابرته على العمل الصالح بعد رمضان علامة قبول له عند ربه الكريم المنان. وإن تركه للعمل الصالح بعد رمضان وسلوكه مسالك الشيطان دليل على الذلة والهوان والخسّة والدناءة والخذلان وكما قال الحسن البصري: "هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم". وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد قال تعالى: {ومن يهن الله فما له من مكرم}(الحج:18).
ينبغي على المسلم أن يجعل رمضان صفحة جديدة للتوبة والإنابة والمداومة على الطاعة ومراقبة الله في كل وقت وساعة ، إذاً فينبغي على المسلم بعد رمضان أن يداوم على الطاعات ويجتنب المعاصي والسيئات امتداداً لما كان عليه في رمضان من أمور تقربه إلى رب البريات.(33/785)
قال جل وعلا: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} (هود: 114). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
ولا ريب أن الوظيفة التي من أجلها خلق الله الخلق لعبادته وحده لا شريك له هي الوظيفة الأسمى والغاية العظمى وهي أن نحقق عبودية الله عز وجل وقد تحققت في رمضان بشكل جميل فرأينا الناس يسيرون إلى بيوت الله تعالى زرافات ووحداناً ،ورأيناهم يحرصون على أداء الفرائض في أوقاتها، ويحرصون على الصدقات، يتسابقون في الخيرات ويسارعون فيها، وفي ذلك فلينتافس المتنافسون وهم مأجورون إن شاء الله تعالى.
ولكن تبقى قضية من يثبته الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فمن يثبته الله على الأعمال الصالحة بعد رمضان ، فإن الله جل وعلا يقول: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور}(فاطر:10).
فلا ريب أن العمل الصالح من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله في كل زمان،ثم إن رب رمضان هو رب جمادى وشعبان وذي الحجة وحرم وصفر وسائر الشهور، وذلك لأن العبادة التي شرعها الله جل وعلا لنا متمثلة في أركان خمسة منها الصيام وهو مؤقت محدد ،وقد انتهى فتبقى أركان أخرى من حج وصلاة وزكاة نحن مسؤولون أمام الله جل وعلا عنها،ولا بد أن نؤديها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل وأن نسعى لذلك لنحقق ما خلقنا من أجله؛ قال الله جل وعلا: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}( الذاريات:56).
ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى التسابق في الخيرات والمسارعة فقال: "سبق درهم مائة ألف درهم. فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله قال: "رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم تصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به".
وبيّن عليه الصلاة والسلام أن المتصدق وهو شحيح صحيح يخشى الفقر. ويطمع في الحياة فإنه حينئذ تكون صدقته عند الله عز وجل في ثقل الموازين وفي الأعمال الصالحة ،أما من يسوّف وإذا جاءه المرض قال قد كان لفلان وقد كان لفلان ولفلان كذا وكذا فإن هذا والعياذ بالله يخشى من أن يرد عليه عمله فيحبط قال الله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً} (النساء:17-18).
فعلى المؤمن التقي النقي أن يخشى الله سبحانه وتعالى ويحرص على طاعة الله تعالى ويلازم تقواه ويسعى دائماً وأبداً للخير والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالمؤمن في هذه الحياة أيامه ولياليه خزائن فلينظر ماذا يودع فيها فإن أودع فيها خيراً شهد له يوم القيامة عند ربه وإن غير ذلك كانت وبالاً عليه نسأل الله أن ينجيني وإياكم من الخسران(33/786)
ثم إن العلماء رحمهم الله قالوا : من علامات القبول أن الله يتبع الحسنة بعدها بالحسنة فالحسنة تقول أختي أختي، والسيئة تقول أختي أختي والعياذ بالله فإذا قبل الله من العبد رمضان واستفاد من هذه المدرسة واستقام على طاعة الله عز وجل فإنه يكون في ركاب الذي استقاموا واستجابوا لله.
يقول الله جل وعلا: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} (فصلت:30-31).
ويقول: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة:56)، ويقول:{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (الأحقاف:13).
إذاً ركاب الاستقامة مستمر من شهر رمضان إلى شهر رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان والحج إلى الحج مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"، ويقول الله تعالى: {إن تجتنبوا ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً}(النساء:31).
ولا يستبدل المؤمن الطاعة بالمعصية. فالمؤمن ينبغي أن يكون في مركب الاستقامة، وفي سفينة النجاة من أول ما يعقل حياته إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ، فيكون في ظلال لا إله إلا الله يسير ويتفيأ من نعم الله عز وجل ، فإن هذا الدين هو الحق والذي منّ علينا بالاستقامة عليه في شهر رمضان هو الذي يكرمنا سبحانه وتعالى بفيض عطائه وفضل إنعامه وجزيل إكرامه حتى نستمر على القيام وعلى العبادة بعد شهر رمضان.
فلا تنس يا أخي وقد منّ الله عليك بالاعتكاف، ومنّ الله عليك بالصدقة ،ومنّ الله عليك بالصيام، ومنّ الله عليك بالدعاء وقبوله لا تنس يا أخي أن ترعى هذه الحسنات حق رعايتها فلا تمحها بالسيئات، والأعمال الباطلة فاحرص على أن تزرع في طريقك الخير والسعادة، وأن تسير في ركاب الاستقامة تريد الله ورسوله والدار الآخرة.
وحينئذ يقال لك أبشر بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وتكون قد أجبت منادي الله: يا باغي الخير أقبل فلله عتقاء من النار ويا باغي الشر أقصر وتكون استجبت أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
أسأل الله الذي منّ علينا وعليكم بالصيام والاعتكاف والعمرة والصدقات أن يمنّ علينا بالهدى والتقى وقبول العمل والاستمرار على الأعمال الصالحة والاستقامة فيها فإن الاستمرار على الأعمال الصالحة من أعظم القربات؛ ولذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال : {قل آمنت بالله ثم استقم}. (متفق عليه).
وفي رواية لأحمد قال : "قل آمنت بالله ثم استقم قال يا رسول الله كل الناس يقول ذلك قال قد قالها قوم من قبلكم ثم لم يستقيموا". فينبغي على المؤمنين أن يستمروا على الاستقامة في طاعة الله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم:27).(33/787)
فإن الذي يستقيم على طاعة الله هو الذي استجاب لدعائه الذي يردده في اليوم أكثر من خمس وعشرين مرة {اهدنا الصراط المستقيم}. تلك التي نقولها في الفاتحة لماذا نقولها قولاً ونعتقد اعتقاداً جازماً؛ أننا إذا استقمنا غفر الله لنا.
ولكننا نتكاسل عن تطبيق ذلك عملياً فينبغي أن نتقي الله وأن نطبق هذا عملاً واعتقاداً وقولاً وأن نسعى في ركاب اهدنا الصراط المستقيم وأن نكون في مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين في ظلال اهدنا الصراط المستقيم إلى جنات عرضها السموات والأرض مفتاحها لا إله إلا الله أسأل الله أن يختم لنا ولكم بخير.
وينقسم الناس بعد انقضاء شهر رمضان إلى أقسام أبرزها صنفان:
* الصنف الأول: صنف تراه في رمضان مجتهداً في الطاعة فلا تقع عيناك عليه إلا ساجداً او قائماً أو تالياً للقرآن أو باكياً حتى ليكاد يذكرك ببعض عبّاد السلف ، حتى إنك لتشفق عليه من شدة اجتهاده ونشاطه ، وما أن ينقضي الشهر الفضيل حتى يعود إلى التفريط والمعاصي كأنه كان سجيناً بالطاعات فينكب على الشهوات والغفلات والهفوات يظن أنها تبدد همومه وغمومه متناسياً هذا المسكين أن المعاصي سبب الهلاك لأن الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل، فكم من معصية حرمت عبداً من كلمة لا إله إلا الله في سكرات الموت.
فبعد أن عاش هذا شهراً كاملاً مع الإيمان والقرآن وسائر القربات يعود إلى الوراء منتكساً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهؤلاء هم عبّاد المواسم لا يعرفون الله تعالى إلا في المواسم أو النقمة أو الضائقة ذهبت الطاعة مولية ألا فبئس هذا ديدنهم. فيا ترى ما الفائدة إذن من عبادة شهر كامل إن أتبعتها بعودة إلى السلوك الشائن ؟
* الصنف الثاني: قوم يتألمون على فراق رمضان لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر؛ لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته؛ لأنهم صاموا حقاً وقاموا شوقاً ، فلوداع رمضان دموعهم تتدفق، وقلوبهم تشفق، فأسير الأوزار منهم يرجو أن يطلق ومن النار يعتق، وبركب المقبولين يلحق واسأل نفسك أخي من أي الصنفين أنت؟
وبالله هل يستويان؟ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. وقال المفسرون في تفسير قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} (الإسراء:84)، كل إنسان يعمل على ما يشاكل ( يماثل ) أخلاقه التي ألفها، وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن.
واعلم أخي أن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً ثبتوه" أي داوموا عليه، (رواه مسلم).
ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال أحب إلى الله ، قال: " أدومه وإن قل". وسئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان يخص شيئاً من الأيام قالت: "لا ، كان عمله ديمة ، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع".
فالعبادات مشروعيتها شرائطها مثل ذكر الله تعالى، والحج والعمرة ونوافلهما، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم والجهاد وغير ذلك من الأعمال(33/788)
فاحرص على مداومة العبادة حسب وسعك. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــ
كن عبداً ربانياً ولا تكن عبداً رمضانياً العنوان
غذاء الروح الموضوع
فضيلة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو من فضيلتكم التعليق على هذه المقولة: كن عبدا ربانيا، ولا تكن عبدا رمضانيا.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ أحمد حمود الدبوس إمام وخطيب بالكويت:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
نشكر الأخ مراد على سؤال عن مقولة: كن عبدا لله ولا تكن عبدا لرمضان. تستوجب العبودية لله إتباع الأوامر واجتناب النواهي. وإتباع الأوامر المقصود منها الحرص على الأعمال الصالحة والطاعات وأعمال البر بعمومها، فيجب علينا أن نتربى من خلال شهر رمضان؛ لنكون ربانيين، لا لنكون مؤقتين في عبادتنا، فخذ أمثلة على الربانية:
فأول هذه الربانية: تحقيق التقوى بمعانيها الشاملة، والكاملة لمقولة الإمام علي بن أبي طالب في تعريفه لهذه الكلمة: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والرضى بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل"، فهذه الكلمات لو فكرنا بجزئياتها وأعطينا كل كلمة وقفة مع النفس لكانت درسا عظيما ونقلة كريمة في الربانية.
وكذلك الحرص على الأعمال الصالحة، مثل: كثرة السجود لله عز وجل، والصلوات التطوعية مثل السنن والرواتب، وصلاة الإشراق.
وصلاة الإشراق لا يعرفها كثير من الناس، وقد يختلط عليهم معناها، فلا يفرقون بين الإشراق والضحى رغم وجود الخصوصية والتميز لهذه الصلاة، وهي الواردة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، فله أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة، وصلاة الضحى تكون في بقية النهار، إلى قبيل الظهر بنصف ساعة.
ثم الحرص على صلاة الوضوء، ثم صلاة التوبة، ثم صلاة الحاجة، ثم صلاة القدوم من السفر، ثم قيام الليل وهو بيت القصيد الذي يفتقر له كثير من الناس، نرجو أن يكون شهر رمضان مدرسة لتربية نفوسنا على القيام.
وكذلك كثرة ذكر الله عز وجل، (تطبيق أذكار الصباح بكاملها)، ثم أذكار النبي محمد صلى الله عليه وسلم من لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة، والاستغفار مائة مرة، والصلاة على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مائة مرة، وسبحان الله وبحمده(33/789)
وسبحان الله العظيم مائة مرة وغيرها من الأذكار دبر كل صلاة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
وأيضا الحرص تلاوة القرآن الكريم بتدبر، ثم الاجتهاد في الالتجاء وطلب الدعاء من الله عز وجل، في جميع الأوقات، ثم كذلك الصدقة ثم كذلك الاجتهاد في تحقيق صيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم إيمانا واحتسابا، ثم كذلك البكاء من خشية الله عز وجل واستحضار عظمته، ثم وقراءة سيرة الحبيب محمد صلى لله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح رحمة الله عليهم، ثم غيرها من أعمال البر، من مجالسة العلماء والدعوة إلى الله، والدعوة إلى الله والدعوة إلى الله، والطاعات كثيرة لا عد لها، ولا حصر.
ويجب الحرص على اجتناب المنهي عنه الذنوب والمعاصي والحرام، والشبهات، والشهوات، وبيت القصيد الإسراف في المباحات، وهذه من الآثام التي لا ينتبه إليها كثير من الناس، (النوم الكثير، والأكل الكثير، والشرب الكثير واللعب الكثير، وغيرها من الإسراف في الأمور المباحة).
ثم بعد ذلك حتى نكون ربانيين لا بد لنا أن نبتغي بأعمالنا وجه الله، وهي حقيقة الإخلاص التي هي أصل قبول الصيام، ثم كذلك الصحبة الصالحة التي تعين الإنسان على أن يكون ربانيا في هذا الشهر الفضيل.
وهذا يا أخي الحبيب باختصار الذي يجعلنا ربانيين نعبد الله لا نعبد رمضان.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أخاف على زوجي من الجمال !! العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لن أطيل على حضراتكم، أستشير سيادتكم في أمر ما خاص بي، فانا أدرس للدكتوراة، وجاءت أمامي فرصة بعثة إشراف مشترك، أي أذهب عامين للخارج لتكملة رسالتي مع المرافق طبعا، زوجي وابني، ولكن أخاف على زوجي من الجمال الذي سوف يراه ليلا ونهارا هناك وخاصة أن زوجي سريع التأثر بالفتيات حتى وإن كن متوسطات الجمال وهذا ما جعل علاقتنا مضطربة لفترة طويلة والآن استقرت ولكن لا تخلو من بعض الأشياء.
المهم أني أخاف أن أندم وأنا مهما كانت طموحاتي إلا أني لا أريد من هذه الدنيا غير رضا الله وفوزي بالجنة وزوجي الذي أحبه بشدة أخاف أن أضع البنزين جنب النار ولكنى اعرف الآن جيدا طباع زوجي وفى نفس الوقت فهو إنسان ملتزم لقد استخرت الله واشعر بقلق فقط من هذه الناحية.
و جزاكم الله خيرا
السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار المستشار
الرد(33/790)
أختي الكريمة عليا،
مرحبا بك، وزادك الله علوًّا في مراتب الإيمان والطاعة، والقرب منه عز وجل، وبعد ..
فإني بالطبع أقدر مخاوفك وحرصك على زوجك، ورغبتك في النجاة به بعيدا عن موارد الفتن. ولكن اسمحي لي أن أهدئ من روعك قليلاً وأطمئنك بأن زوجك ليس حالة خاصة تشذ عن مجموع الرجال، فلعل اعتقادك بتفرد زوجك في هذه الصفة هو الذي يعظم من مخاوفك.
والحقيقة أن اشتهاء النساء والتأثر بحسنهن وتحرك النفس إليه، هي فطرة إلهية وضعها الله عز وجل في نفوس الرجال – صالحهم وفاسدهم - لحكم بالغة ليس هذا مجال ذكرها، والدليل على ذلك قول الله عز وجل في سورة آل عمران: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث).
ولاحظي أختي أن أول ما ذكر الله عز وجل من الشهوات التي زُيِّن حبها للناس: النساء، فشهوة الاتصال بالنساء عند كثير من الرجال تفوق شهوة جمع الأموال والعقارات واقتناء الذهب والفضة والنفيس من الأشياء.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، وما ذلك إلا لعلمه صلى الله عليه وسلم بطبيعة الرجال، وقوة اشتهاء النساء في نفوسهم، وما قد تدفعهم تلك الشهوة إليه من معاصٍ وآثام إن لم يلجموها ويضبطوها ويوجهوها التوجيه الشرعي الصحيح.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مخاطبًا النساء في الحديث المتفق عليه أيضًا: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن)، وذلك أن الرجل يكون عاقلا حازما ملتزما، فتعرض له امرأة في حياته، فتأسر لبه، وتذهب بعقله، وتجعله يتصرف كالصبيان من تعلقه بها واشتياقه إليها، وقد يدفعه ذلك إلى ارتكاب الكثير من الحماقات والفواحش.
إذن أختي الكريمة، يجب أن تتعاملي مع زوجك وأنت تضعين في اعتبارك هذه الفطرة، وكونه ملتزمًا لا يجرده من هذه الفطرة، فهو إنسان. وأرجو ألا تعتقدي أني بكلامي هذا ألتمس العذر لزوجك أو أبحث له عن مبررات، فليس الأمر كذلك بالطبع، فليس معنى أن اشتهاء الرجال للنساء فطرة أن نطلق لهذه الشهوة العنان دون رابط.
وكما ألمحت أن الله عز وجل قد وضع مسارات وضوابط لتفريغ هذه الشهوة بطريقة شرعية صحيحة عبر الزواج، كما أنه عز وجل أمر بالابتعاد عن كل ما يؤدي بالإنسان إلى الفاحشة، فقال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا)، ومن ذلك أمره عز وجل النساء بالتستر أما الأجانب، وعدم إبراز المفاتن، وعدم إبداء الزينة إلا للمحارم، فقال في سورة الأحزاب: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن).(33/791)
وفي سورة النور: (.. ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن).
وكذلك أمره عز وجل المؤمنين والمؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج، فقال في سورة النور: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن).
وأيضًا نهيه سبحانه وتعالى النساء عن الميوعة في الحديث، والتكسر في الكلام، فقال في سورة الأحزاب: (إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفًا)فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفًا).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم – فيما رواه البخاري- نهى عن اختلاء الرجل بالمرأة الأجنبية مطلقًا، فقال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)، ونهى صلى الله عليه وسلم عن دخول غير المحارم على النساء، مهما كانت درجة قرابتهم، فقال – فيما رواه البخاري أيضًا-: (إياكم والدخول على النساء)، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ( الحمو الموت).
فالحمد لله على نعمة الإسلام.
إذن فاشتهاء الرجال للنساء فطرة كما أوضحت، والنساء الجميلات المتبرجات موجودات في كل مكان وفي كل بلد، نعم قد تتفاوت نسب التبرج من بلد لبلد، لكنه موجود، فهذا مما عمت به البلوى ونسأل الله العفو والعافية، فمن أراد المعصية – أختي الكريمة - فسيعرف كيف يصل إليها، طالما ليس عنده وازع من دين أو خلق، فالمشكلة ليست في الانتقال من بلد إلى بلد.
والمشكلة الحقيقية هي نفس الإنسان التي يحملها بين جنبيه أينما ارتحل، تلك النفس التي (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)، فالنفس التي زكاها صاحبها ستمنعه من الوقوع في المعصية في أي مكان وتحميه من الفتن إن تعرض لها، أما النفس التي دساها صاحبها فستورده موارد الفتن والشهوات في أي مكان، ولن تمنعه من المعصية إن تعرض لأسبابها.
فما يجب أن تحرصي عليه - أختي الكريمة - هو تزكية نفس زوجك، لا حصاره وتقييده، وليس من الحكمة أبدًا أن توقفي حياتك وتعطلي مسارها من أجل أمر لن يغيره إهمالك لدراستك أو تضييع فرصة هذه البعثة.
إلا أن هناك وجهة أخرى أحب أن ألفت نظرك إليها، فقد تحدثنا كثيرا عن زوجك، فاسمحي لي أن نتحدث عنك أنت قليلا، فقد تكونين أحد أسباب المشكلة التي تشعرين بها مع زوجك، فريما أدى انشغالك بدراستك إلى إهمالك لزوجك وحقوقه دون قصد منك، ودفعه هذا الإهمال إلى إطلاق بصره للحرام، أقول ربما، فإن كان هذا واقعًا فعليك أن تشبعي رغبات زوجك، واعرفي ما يعجبه من النساء وحاولي توفيره له على قدر استطاعتك، لتعفيه عن النظر للحرام أو الوقوع في الفاحشة.(33/792)
هذا ومن المهم والضروري أن تقومي أنت بطريقة غير مباشرة بتذكير زوجك بوجوب غض بصره عما لا يحل له النظر إليه، مع استحضار ثواب ذلك عند الله عز وجل، وأثره في زيادة الإيمان عنده.
ولا داعي لافتعال المشاجرات والعراك معه إن وقع في المحظور، فإن هذا يحول الأمر إلى مسألة شخصية، ولكن لكي تنجحي في ضبط هذا الأمر عنده اربطيه بخالقه عز وجل وحوليها لمسألة ربانية، واجعليه يخشى غضب الله عز وجل لا غضبك أنت، ويراقب الله جل وعلا لا يراقبك أنت، فهذا أنجع وأنفع إن شاء الله.
وجيد أنك استخرت الله عز وجل، وأسأله سبحانه أن يختار لك الخير ويوفقك إلى ما فيه طاعته ورضاه.
ـــــــــــــــــــ
كيف نحفظ "الشحنة الإيمانية" بعد رمضان؟ العنوان
العبادات الموضوع
اجتهدنا في رمضان في التواصل مع المراكز الإسلامية في باريس؛ وأخشى أن نتفتت بعد رمضان بسبب الغربة وتكالب العمل علينا.. أرجو الإفادة بخطوات تيسر الحفاظ على الشحنة الإيمانية لما بعد رمضان. زادكم الله من فضله..
السؤال
الرد
يقول الأستاذ هاني محمود، المستشار الإيماني بشبكة إسلام أون لاين.نت :
الأخت الكريمة؛
سلام الله عليك ورحمته وبركاته..
وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يختم لنا هذا الشهر الفضيل، وقد أعتق من النيران رقابنا، وتقبل في الصالحات أعمالنا، وأن يجعل رمضان حصنا يحمينا به من الزلل والانتكاس بعده.. آمين.
لرمضان روح خاصة.. نعم، وهذه الروح هي السبب الذي يجعل المسلمين على اختلاف طباعهم وأحوالهم يكون لهم تعامل خاص مع الله في هذا الشهر، والمؤمن الكيس هو الذي يجعل رمضان محطة زاد وإعداد يعيش على روحه حتى يلقاه بعد عام، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً) ولذلك روي عن أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أنهم كانوا يتهيئون لرمضان ويستقبلونه من قبله بستة أشهر، ويظلون في وداعه ستة أشهر، فهم يعيشون العام كله في رحاب رمضان.
وأبشرك أختي بأن من بركة الطاعة أن ييسرك الله لطاعة بعدها، فإذا رأى الله عز وجل من قلبك إقبالا صادقا عليه، وتقربا مخلصا منه فإن الله عز وجل أكرم، فهو الذي قال: (من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا)..(33/793)
ويبقى دورك في الحفاظ على هذا الخير الذي تحصلت عليه في رمضان، وأقدم لك هذه النصائح سائلا الله تعالى أن ينفع بك:
- اجتهدي في الحفاظ على البيئة والروح.. فالبيئة التي كنت تعيشين فيها الطاعة والخير خلال شهر رمضان من صحبة الصالحين وزيارة المراكز الإسلامية والتواصل مع أنشطة الخير، هذه البيئة هي التي تعينك على الاستمرار والمواصلة.
- اعلمي أن للنفس إقبالاً وإدبارًا، وأنه من غير الطبيعي أن يظل الإنسان على نفس المستوى الإيماني والروحي أبدا، لكنه يعلو وينخفض ويزيد وينقص.. المهم ألا يجعل الشيطان هذا النقصان بابا لإدخال اليأس والإحساس القاتل بالتقصير إلى نفسك، فتقارني بين حالك في رمضان وحالك بعده، فترين الفرق بين الحالين، فتحسين بأنك أصبحت من المفرطين، فتتركي ما أنت عليه من خير.. عافاك الله من مزالق الشيطان وتلبيسه.
- اجعلي لنفسك وردًا يوميا من الأعمال التي كنت تداومين عليها في رمضان، خاصة الأعمال التي وجدتِ لها في قلبك أثرا، وأحسست بحلاوتها، فإذا كان القرآن في رمضان هو الأقرب إلى قلبك والأحب، فاجعلي لنفسك منه قسطا يوميا، وحبذا لو كان بنفس الطريقة التي اعتدتِ قراءته بها في رمضان.. من حيث الوقت والمكان والكيفية.. قدر استطاعتك وهكذا.
- اتفقي مع إحدى أخواتك أو صديقاتك المقربات، ممن كن عونا لك في رمضان على أن تأخذن بأيدي بعضكن البعض بعده، وأن تتواصين بالطاعة والخير.
- اجتهدي في صيام الست من شوال، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعاشوراء، وتلمسي مواسم الخير والطاعة، وتعرضي لنفحات الله، فإن كل ذلك يحافظ على قربك، ويري الله الصدق منك.
- أكثري من الصدقة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة).
- ليكن لك ورد ولو بسيط في نصح من حولك ودعوتهم إلى ما تحسين به من فضل الله وخير الطاعة ونورها، فإن نصيحتك ودعوتك من حولك عامل مساعد لك في التزام ما تدعينهم إليه.
- وقبل كل ذلك وأثناءه وبعده.. استعيني بالدعاء والتزمي باب الله الكريم، واسأليه أن يأخذ بيدك إليه، وأن يحفظ عليك نعمة الطاعة والقربى منه، وأن يجعل أيامك كلها رمضان.. ولا تنسنا معك في دعوة صالحة
ـــــــــــــــــــ
والد عاق وبنت كارهة.. مشكلة مزمنة العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
اشكر القائمين على هذا الموقع و جزاهم الله ألف خير,مشكلتي التي لا أود البوح بها ولكن لكي ارتاح قليلا هي أني طالبة دراسات عليا في المملكة المتحدة وعمري 24 عام اشعر بالحقد الداخلي علي والدي وفي نفس الوقت أخاف ألا يصيبه مكروه في هذه الدنيا, لا يجعلني حرة التصرف في ريال واحد من حلالي هو فعلا ما يضربني(33/794)
لكن إذا أخذت الفلوس كان فوق رأسه جن بطريقة غير مباشرة يبدأ يبرطم ويسال بزعل كم أخذت ويبدأ بعدها يصرفه هللة هللة وإذا شريت لي أي شي يزعل ويقول ضيعتي الفلوس غيرك كان عندها المبلغ الفلاني في البنك يشوف الرزق اللي في يدينا علينا كثير هذا هو أول شي والشيء الثاني ما نعرف نتصرف وهو يأخذه و يصرفه زي ما يبغى.
تخرجت من الكلية ولا وفرت أي شي حريص انه ما يبقي معي أي شي يعني لازم اسرق من فلوسي كم قرش حرام علية اتهمني فيها مدري إلي متى السعي في ذا الدنيا فالصو الواحد يمل واستغفر الله أحيانا الشيطان يوسوس ما فيه فرج لان هذا الوضع الطبيعي, مثلا لما جاء معي محرم جاء لي منحة دراسية وراتب (استغفر الله ييجي الرزق باسمي وغيري اللي يتصرف فيه) المهم كنت ابغي مع الدراسة وضيق الوقت أدور شغله أزيد فيها الدخل ولقيت مدرسة وكنت ادرس أيام العطل الأسبوعية وحصلت فلوس وقلت له تري إذا أخذت الراتب حق التدريس مالك دخل تراه حقي وابغي اشتري زي الخلق ملابس وكاميرا لأنني احترمت النوم في العطلة بالإضافة إلى أني أضيع وقت احتاجه في الدراسة المهم يوم جاء الراتب ذاك اليوم حسيت باضطراب يارب هذا الراتب حلال علية ولا حرام يوم رحت قلت ابغي بس200 وكان الراتب500 والباقي خذه قام تبرطم وتنكد وقال اهلك في السعودية ما عندهم شي والإيجار وووووووالمهم سعيا غير مشكور ضاع عرق الجبين بلا فائدة سعينا كان شتى وأكملت ادرس الشهر الثاني علي مضض لأنني بس أضيع العطلة بدون فائدة تذكر وجاء الراتب حق الشهر الثاني وحطة في جيبه لأنه حرام أضيعة في كاميرا وملابس وعطور ما يسير.
المهم حلمت بعدها بأنني اقرأ سورة يوسف مرتين هذا الحلم, وكان في الحلم بشارة بمعني أن الرائي يرزق مال في غربة( استغفر الله ليتني ما فسرت الحلم لان التباشر ما يفيد يشي) جاء لي مكرمة كطالب 9700 باوند حوالي 70000ريال وقلت خلاص يا أبويا هاذي خذها وبدل الكتب والمراجع العلمية500 باوند اللي بيصرفونه خلة لي قال ما هي مشكلة بس خلينا نروح لندن بكرة وأنا اخذ الفلوس وتوقعين عليها وخذي أنت ال500 كنت فرحححححانه لأني يأخذ فلوس وقاعدة افكر في الكاميرا والملابس وبعض المراجع اللي ابغي اشريها وبعد ما وقعت استلم هو الفلوس وحطها في جيبه وقال هذي ال500 نكمل بها علي الفلوس ونرسلها السعودية !!!
حقدت علية حقد ولو الموت يباع كان أعطيته إياه استغفر الله العظيم مشاعري كانت زي الجوعان مررة وواحد يشتهيه بالأكل ثم يسحبه منه قبل يأكل والمشكلة سواء احتجيت أو خليت ما يقدر إذا قال قد صرفت عليكم وانتو صغار, صحيح وما ينكر فضل والدية إلا واحد غير مؤمن من ناحية ومن ناحية أخري أتمني أن تضعوا مكانكم مكاني!! الآن ذهب للسعودية وراتبي ينزل 9000 ريال والله إن البطاقة يمررها ويصفر الحساب تصفير طيب ما هو من حقي ارجع وقدامي كم قرش أو أن هذي الفلوس هي رزقه منا من غير حيل ولا قوة, واللي يزيد الطين بلة يقول ذاكري يا بنتي عشان تنجحين (عشان ارجع واشتغل مثل الماكينة اللي مالها الأوجع الرأس).(33/795)
أنا معقدة في حياتي ولا عمري شكيت ذا المسالة لأحد حتى عند الله ما شكيت استحي وبالنسبة قدام الناس اتظاهر أنني مبسوطة وأبوي ما في مثله مثيل لأنها صعبة جدا علي النفس انك تلقي أول شيء نظرات الشفقة وفي نفس الشيء ما احصد إلا احتقار الناس لبيتنا عشان كذا باقي راسي مرفوع ويبقي قدام الناس .
وفي نفس الأمر كيف أتخلص من كرة أبويا الداخلي اللي ما اقدر اظهر إلا أني متعاونة وصح كلامه كله انه يأخذ كل الفلوس ويكنسها من اجلنا وانه هو اللي يعرف يصرف الأمور و عقبال ما يصير مستشار في وزارة المالية!!، لأنني لو اعترضت دعا علية ونغص علينا عيشتنا اللي هي أصلا منغصة و اللهم لا مزيد اللهم رحمتك يحب يصرف أي شي باسمي ويستهلكه ثم إذا تأكد انه ما عاد لا تحتي ولا فوقي رجع وصرف من فلوسه وعلي فكره تراه ميسور الحال بقاعدة 11000ريال.
كيف أتخلص من هذي الحياة أرجوكم وهل الله سيعاقبني بهذا البوح وهل هو حرام الكراهية وكيف أتخلص منها وكيف انمي في داخلي الشعور بان الدنيا ما تسوى شي وما تستاهل نزعل عشانها وكيف انمي الدوافع القوية لمواصلة الدراسة التي اشعر تجاهها ببرود شديد ولم يتبقي سوي 2شهر علي مناقشة الرسالة فانا قلقه اشد القلق من أنني أصبت ببرود شديد ناحية الدراسة ولكم أن تقدروا. وأخيرا
والسلام عليكم .
ملحوظة :
تركنا السؤال كما هو باللهجة العامية، ليكون أكثر تعبيرا عن الحالة.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تقول د.سحر طلعت الأستاذ المساعد بطب القاهرة، مستشارة صفحة مشاكل وحلول بإسلام أون لاين:
الابنة الكريمة:
أهلا ومرحبا بك وبارك الله فيك ونفع بك وبعلمك.
وقبل أن أناقش معك البدائل المقترحة لحل مشكلتك..تعال ننظر سويا إلى وضعك الحاليأنت تدرسين وتعملين لزيادة دخلك.ووالدك يقيم معكويحصل على كل هلله تحصلين عليها ليرسلها لأهلك وأنت تريدين أن تتمتعي ببعض مالك وتشتري به مستلزماتك.وكما تذكرين أن أحوال والدك وأسرتك المادية ليست سيئةتتنازلين عن مالك خوفا من غضب والدك ولكن في النهايةتدفعين الثمن كرها لوالدك وحقدا عليه حتى انك تتمنين وفاتهمما أثر على دراستك وأصابك بالإحباط لأنك لا تشعرين أنك تحصدين أي شيء كنتاج لتعبك وكدك.
المهم مواجهة هذا الأمر تحتاج منك للهدوء أولا حتى تحسني التصرف وتختاري بين البدائل المتاحة وتفاضلي بينها وتتقبلي نتائجها، مما يعينك على الهدوء أن تقارني بين تصرفات والدك وغيره من الرجال.التمسي له بعض العذر.فهو رب أسرة ومسئول(33/796)
عنها ويتصور أن عليه أن يبذل كل جهد في سبيل إسعادها حتى لو حرمك أنت من بعض ما تحلمين منهوهو أيضا يعتبر نفسه ضحى بالكثير من أجلكم ويريد منكم أن تردوا بعض الجميل الآن.
وفي المقابل عليك أن تدركي أن لك ذمتك المالية المستقلةوأن نفقتك واجبة على أهلك في حدود إمكانياتهمفإذا طلبت من مالك فاطلبيه على أنه حق لكوإذا تنازلت عن بعض منه فتنازلي بنفس راضية حبا وكرامة لأهلك.
والبدائل المتاحة أمامك هي:
1- التفاوض مع والدك بقوة وهدوء وأدبولكن مع الإصرار على أن لك حق في مالك يمكنك أن تتصرفي فيه كيفما شئت.وليكن الاتفاق مثلا على أن ثلث مالك لك وثلث لمصاريفكم في الغربة والثلث الأخير ترسلونه لأهلكولكن أصري على موقفك ولا تتنازلي عن نصيبك تحت أي ظرف من الظروف إلا برضاك ودون أي إكراه منه وذلك إذا شعرت بالفعل بحاجة أهلك وكان هناك ما يفيض عن احتياجاتكوعموما وفي كل الأحوال احرصي على أن تشتري بالفعل ما تحتاجين إليه وأن تبدئي بالأولويات ولا تنجرفي خلف دعاة الاستهلاك الذين يروجون لمنظومة الترف.
2- إذا لم تتمكني من إقناع والدك فيمكنك أن تستعيني بمن له كلمة عنده من الأهل أو الأصدقاء.
3- وإقناع والدك بحقك في مالك هو أفضل الحلول ولكن إذا عجزت عن هذا فيمكن إخفاء جزء من هذا المالوخصوصا الأموال غير الدورية (حوافز مثلا أو ما شابه ذلك).
بنيتي الكريمة:
استعيني بالله سبحانه وتقيني من حقك في مالك فما ضاع حق وراءه مطالب.والمهم أن نبذل كل جهد للحصول على هذا الحق.وتذكري أن الله سبحانه في عون العبد..فارفعي إليه أكف الضراعة أن يبارك في الوسائل التي تستخدمينها لإقناع والدكوتابعينا بالتطورات.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بإسلام أون لاين وكلية دار العلوم جامعة القاهرة :
أختي الفاضلة :
اشعر معك بمرارة الكبت وعدم وجود مساحة من الحرية في حياتنا الشخصية ، وأنه بطبيعة الحال أن الابن أو البنت تحب أن تكبر لتشعر بتغير في حياتها ، وخاصة فيما يتعلق بالأموال والمصاريف ، فهذه طبيعية إنسانية ، غير أننا يجب أن نتعامل مع واقعنا بشكل واقعي ، وأن ما أنت فيه نوع من الابتلاء ، وابتلاؤك أخف وأقل من ابتلاءات غيرك كثيرة ، كما أن الله تعالى ما يبتلي الإنسان بشيء إلا وهو يعلم أن عنده القدرة على تحمله ، ونفهم هذا من قوله تعالى :" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " .
ومن تيسير الله تعالى في ابتلاء العبد أنه لن يظل معه طوال عمره، بل هو فترة وسيزول ، فأنت ستتزوجين إن شاء الله تعالى، وتعيشين في بيت زوجك ، فتنسين كل هذا ، وتتغير وجهة نظرك لأبيك، وربما حين تكبرين ويكون عندك أولاد، شعرت بالمسئولية تجاهك أبنائك ، فربما تجدين بعض العذر لوالدك مع خطئه.(33/797)
والذي نفهمه من الشرع أن الولد – ذكرا أو أنثى– يجب عليه الإنفاق على والديه إن لم يكن عندهم القدرة على الإنفاق ، فإن كان هناك قدرة على الإنفاق فليس للوالد أن يجبر أحد أولاده على أخذ ماله .
والذي أطلبه منك ما يلي :
1- أن هذا قدر رغما عنك ، فتقبليه بروح راضية ، وأن تنظري إلى حسنات أبيك كما تنظرين إلى سيئاته، فالحكم على الشخص لا يكون من تصرف واحد ، وربما تشتكي غيرك وتتمنى أن لو كانت مكانك ويأخذ والدها أموالها على أن يترك لها حرية في الخروج والعلاقات مع صديقاتها وغير ذلك .
2- أن الأمر يحتاج إلى موازنات ، يعني ماذا لو أخذت موقفا من الوالد بخصوص هذا الأمر ، ولم تعطه إلا بعض المال، ثم تصالحينه بعد ذلك؟ ربما يكون ذلك حلا، أو أنك تخفي عنه بعض ما يجيئك ، فهذا حقك ، وليس في ذلك عقوق له.
3- أو تشتري ما تحتاجينه ،ثم تعطيه الباقي ، مع الاعتذار أنك كنت بحاجة إلى مراجع وما شابه ذلك، وتكرري هذا، حتى يتعود.
4- أن تشتري له بعض الهدايا الخاصة به ، توددا وتقربا إليه ، فربما يغير هذا من رأيه .
5- أن تكثري من الدعاء أن يصلح الله تعالى حاله ، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .
وختاما؛
نسأل الله العظيم أن يوفقك لما فيه الخير، وأن يصلح لك والدك، وأن يؤجرك خيرا على صبرك عليه وبرك به، وتابعينا بأخبارك .. وأخبارك والدك.
ـــــــــــــــــــ
الوصايا العشر للمسلم بعد رمضان العنوان
العبادات الموضوع
في رمضان يكون عندي إقبال على الله ..أُكثر من النوافل ..أشعر بلذة العبادة .. وأكثر من قراءة القرآن الكريم .. لا أُفرط في صلاة الجماعة .. منُقطعا عن مشاهدة ما حرم الله .. ولكن بعد رمضان أقد لذة العبادة التي أجدها في رمضان ولا أجد في ذلك الحرص على العبادة .. فكثيرا ما تفوتني صلاة الفجر مع الجماعة وانقطع عن كثير من النوافل وقراءة القرآن .. فهل لهذه المشكلة من حل أو علاج ؟
السؤال
الرد
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، من علماء المملكة العربية السعودية :
إليك أخي عشر وسائل للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان:
1ـ أولا وقبل كل شي طلب العون من الله – عز وجل – على الهداية والثبات وقد أثنى الله على دعاء الراسخين في العلم " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "(33/798)
2ـ الإكثار من مُجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر العامة كالمحاضرات والخاصة كالزيارات .
3ـ التعرف على سير الصالحين من خلال القراءة للكتب أو استماع الأشرطة وخاصة الاهتمام بسير الصحابة فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة .
4ـ الإكثار من سماع الأشرطة الإسلامية المؤثرة كالخطب والمواعظ وزيارة التسجيلات الإسلامية بين وقت وآخر .
5ـ الحرص على أداء الفرائض، كالصلوات الخمس، وقضاء رمضان، فان في الفرائض خير عظيم .
6ـ الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فان أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
7ـ البدء بحفظ كتاب الله والمداومة على تلاوته وأن تقرأ ما تحفظ في الصلوات والنوافل .
8ـ الإكثار من ذكر الله والاستغفار فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد الإيمان ويُقوي القلب .
9ـ البعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء و أجهزة التلفاز والدش والاستماع للغناء والطرب والنظر في المجلات الخليعة .
10ـوأخيرا أوصيك أخي الحبيب بالتوبة العاجلة .. التوبة النصوح التي ليس فيها رجوع بإذن الله فإن الله يفرح بعبده إذا تاب أشد الفرح .
أخي المبارك
لا تكن من أولئك القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، لقد قال فيهم السلف: " بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان "، وداعاً أيها الحبيب إلى رمضان آخر وأنت في صحة وعافية، واستقامة على دين الله إن شاء الله.
(نقلا عن موقع : الإسلام اليوم
ـــــــــــــــــــ
غررت بصديقتي.. فكيف أتوب؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السادة المحترمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و جزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء.
أنا فتاة كنت أحب دراستي حبا جما وكنت أحتل دائما المرتبة الأولى وكنت أنانية- في دراستي فقط- لا أحب أن يتفوق علي أحد و أوثرها على الكل.
حصلت على البكالوريا بامتياز، وقبلت في كلية الهندسة، أنا وفتاة واحدة في مدينتي، كانت صديقتي في الثانوية العامة. بعد أسبوع من الدراسة في تلك الكلية علمت بأنني قد قبلت في كلية أخرى للمهندسين، ونجحت في امتحان الولوج (الالتحاق)، فاحترت ماذا أختار؟، فصليت الاستخارة، وبعد تفكير كدت أثناءه أن أفقد صوابي اخترت الكلية الثانية.(33/799)
قبلت صديقتي في مدرسة الأساتذة، وأخبرتني المسكينة أن أخاها طلب منها أن تذهب إلى مدرسة الأساتذة لتعين أسرتها الفقيرة (الدراسة في الهندسة تستغرق 5 سنوات، وتتطلب مصاريف، بينما مدة الدراسة سنتين في مدرسة الأساتذة).
وبدلا من أن أنصحها بالبقاء في كلية الهندسة استغللت ظروفها، وزينت لها مدرسة الأساتذة، وحدثتها عن أساتذة أعرفهم أصبحوا أحسن ماديا من قبل، وعن صعوبة الدراسة في كلية الهندسة، هذا رغم أنني أعلم أن كلية الهندسة أفضل، إلا أن غيرتي أو حسدي أو أنانيتي أو كل هذا لا أدري أعموني، فأردت لها ألا تبقى في تلك الكلية.
ذهبت أنا إلى مدرستي الجديدة، وتركتها هناك، وانتهت كل علاقتي بها، وبعد مدة ( بعد اجتيازها امتحان ولوج مدرسة الأساتذة) علمت أنها قد غادرت كلية الهندسة. ووجدت كليتي على غير ما توقعت فكرهتها، وكرهت الدراسة فيها.
أدركت أن الله عز وجل غاضب عليّ، بحثت عن السبب فقلت إنما هو سوء أخلاقي، وعدم مساعدتي لصديقاتي في الدراسة، خوفا من أن يصبحن أحسن مني، واستغنائي عن صديقتي الطيبة في زمن قل فيه الأصدقاء.
إلا أن ما يخيفني ويؤلمني هو أنني أعتبر نفسي المسئولة عن مغادرتها كلية الهندسة، لأنني كذبت عليها يوم طلبت مني النصيحة، وكنت أبكي كلما تذكرت هذا، وأعتبره ذنبا عظيما لا أدري كيف أكفر عنه؟؟، وكيف أتوب منه؟؟، وكلما أصبت بمكروه أرجع سببه إليه. أصبحت أكره نفسي وأخاف من غضب ربي عليّ، وأخاف على مستقبلي.
أرجوكم ساعدوني. وأعتذر عن طول رسالتي، وأتمنى أن أحظى بالرد من جانبكم، ونفس الله عنكم كرب الآخرة كما تنفسون عنا كرب الدنيا وشكرا جزيلا جزيلا.
المذنبة
السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران المستشار
الرد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
أختنا في الله / آية
حين يهيئ الله تعالى لعبده من حاله ما يدل على أنه أذنب في حق نفسه أو حق آخرين، ويشعره بوخز الضمير جراء ذلك، فإن هذا يكون علامة طيبة لإرادة الرحمن بعباده التوبة والإنابة.
وقد تعمق لديك هذا الشعور بالذنب تجاه صديقتك التي كانت ظروفها لا تسمح لها إلا بالتوجه إلى مدرسة الأساتذة، ووافق هذا هوى عندك، فأخذت تزينين لها ذلك، حتى تتحقق لك ميزة عنها، ثم تعكرت نفسك بعدها، ووجدتِ الأمر صعبا، وأرجعت هذا التعكر إلى ذنبك في صرفها عن الأفضل. فهل يمكن الآن إعادة الزمان إلى الوراء؟! لا أحد يستطيع هذا من المخلوقات.(33/800)
فقدر الله وما شاء فعل، وأنصحك ألا تشتدي على نفسك جراء هذا الأمر؛ حيث إن كل إنسان هو المسئول الأول عن مستقبله، وإذا استشار آخرين، من أصحاب ومعارف وذوي خبرات، فإنما يستشيرهم ليستأنس برأيهم، فإذا عنَّ له رأي آخر، واستخار الله فيه، أمضاه متوكلا على الله، والأثر يجمع بين أمرين: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.
فمن الذي يعلم الغيب؟ ومن أدراك أن كلية الهندسة هي خير لها من مدرسة الأساتذة؟ . صحيح أن المسلم يجب أن يكون طموحا إلى أبعد الحدود، ولكن هذا الطموح ليس له صلة بنوعيات معينة من الكليات، وخاصة تلك التي يطلق عليها كليات القمة. فرب أستاذ، أو معلم، هو أجدى وأنفع من كثير من المهندسين!. وبالطبع ليست هذه قاعدة مطردة.
أريد أن أقول قبل النهاية: إن عليك -والحال هذه- عدة أمور:
أولها : أن تتوبي إلى الله تعالى من هذا الذنب الذي اقترفت بسببه إسداء نصيحة في غير موضعها. فقد كان واجبا عليك حين استنصحتك صديقتك أن تبذلي لها النصح خالصا لله، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد: "الدين النصيحة".
وثانيها: أن تبدئي علاقة جديدة طيبة مع هذه الصديقة خاصة، ومع كل من تتعاملين معهم عامة، قدر استطاعتك، وتصبغي هذه العلاقة بصبغة الإيمان والمحبة في الله، بعيدا عن حظوظ النفس والدنيا.
وثالثها؛ ثقي بأن الله تعالى قد كتب الأرزاق والآجال، ولن يموت أحد حتى يستوفي رزقه وأجله، كما يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث "إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. خذوا ما حل ودعوا ما حرم".
وإذا تشربت هذه الثقة وتشبعت لها فاعلمي أنه صار لزاما عليك ألا تفعلي ما يخالفها، فإنني أخشى عليك أن تكوني في طائفة أولئك الذين يكذبون شرع الله بسبب خوفهم على مصادر رزقهم، وكذبوا في ذلك. لأن الله تعالى يقول في القرآن العظيم: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُم مُّدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (الواقعة 81-82).
و رابعها، فلتعلمي يا صاحبة النفس اللوامة أن الله أراد بك خيرا إذ وفقك إلى هذا التفكير العميق، وأنه صار لزاما عليك أن تشرعي في علاج هذا الخلل الإيماني الذي -للأسف- ابتليتْ به معظمُ مجتمعاتنا، أعني تضليل الآخرين، وربما مناصبتهم العداوة والبغضاء، بسبب الحرص على ميزات هي في قدر الله مقسومة بين العباد بالعدل المطلق، لا يمكن لمؤمن صحيح الإيمان أن يشك في هذا.
وخامسها، إذا وُفقتِ في تطهير قلبك من هذا الداء، والله ولي توفيقي وتوفيقك، فستكون عليكِ أمانةٌ أخرى حتمية، وهي السعي حثيثا إلى معالجة الآخرين من مثل هذا الذي ابتليتِ به زمنا، وعافاكِ الله منه، وهذا هو شكر هذه النعمة إذا أردت لها شكرا.(33/801)
اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور. آمين. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
معصيتي صغيرة .. أنظر لعظم من تعصي ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
ما الضابط الذي نستطيع أن نفرق به بين الصغائر والكبائر؟ وهل للكبائر حد معلوم، وعدد معين؟ وما المقصود باللمم الذي صرح القرآن أن الوقوع فيه لا يقدح في التقوى إذا لم ترتكب الكبائر؟
... السؤال
الدكتور يوسف القرضاوي ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
ذهب بعض العلماء إلى أن المعاصي كلها كبائر، وكأنهم استعظموا أن يكون المعصي هو الله الكبير المتعال، الخالق الرازق، ثم تكون معصيته صغيرة، فرأوا أن كل ما عصى الله به فهو كبيرة.
فإذا كانت إساءة الولد إلى والده ولو بكلمة، تستعظم وتستهول، لعظم حق الوالد، فكيف بحق الرب الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى؟
وهذا شعور طيب، ولا شك، ولكنه لا ينفي الواقع.
وهو أن المعاصي والذنوب تتفاوت تفاوتًا بينا في مفاسدها وآثارها في الحياة، وتتفاوت كذلك في تأثيرها على القلب وتدنيسه.
كما أن النصوص نفسها بينت بوضوح أن في المعاصي كبائر وفواحش، ومنها دون ذلك كما قال تعالى في وصف مشهد من مشاهد الآخرة: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) (الكهف: 49).
يقول تعالى: (إن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا) (النساء: 31).
وفي وصف الذين أحسنوا يقول تعالى: (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى * الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ) (النجم: 31 - 32).
وفي مدح المؤمنين الذين ادخر الله لهم في الآخرة ما هو خير وأبقى من متاع الحياة الدنيا، فقال: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى: 36 - 37).
فلم تطلب هذه الآية ولا تلك اجتناب صغائر الذنوب، لأن الناس قلما يسلمون من مواقعتها في حياتهم اليومية، وإنما اكتفى منهم باجتناب كبائر الإثم والفواحش.(33/802)
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر)).
وانقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر: ثابت بنصوص القرآن والسنة الصحيحة وإجماع الصحابة والتابعين، وبالاعتبار والمعقول أيضًا.
وأما ما يحكي عن أبي إسحاق الإسفرائيني أنه قال: الذنوب كلها كبائر، وليس فيها صغائر، فليس مراده: أنها مستوية في الإثم، بحيث يكون إثم النظر المحرم، كإثم الوطء في الحرام، وإنما المراد: أنها بالنسبة إلى عظمة من عصى بها كلها كبائر، ومع هذا فبعضها أكبر من بعض، ومع هذا فالأمر في ذلك لفظي لا يرجع إلى معنى.
قال ابن القيم: -
والذي جاء في لفظ الشارع: تسمية ذلك " لمما " و " محقرات " كما في الحديث " إياكم ومحقرات الذنوب " وقد قيل: إن " اللمم " المذكور في الآية من الكبائر، حكاه البَغَويُّ وغيره.
قالوا: ومعنى الاستثناء: أن يلم بالكبيرة مرة، ثم يتوب منها، ويقع فيها ثم ينتهي عنها، لا يتخذها دأبه، وعلى هذا يكون استثناء " اللمم " من الاجتناب، إذ معناه: لا يصدر منهم، ولا تقع منهم الكبائر إلا لممًا.
والجمهور على أنه استثناء من الكبائر، وهو منقطع... أي لكن يقع منهم اللمم.
ثم اختلفوا في فصلين، أحدهما: في " اللمم " ما هو؟ والثاني: في " الكبائر " وهل لها عدد يحصرها، أو حد يحدها؟ فلنذكر شيئًا يتعلق بالفصلين.
أولا: معنى اللمم : -
فأما " اللمم " فقد روى عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيرًا، قال البَغَويُّ: هذا قول أبي هُريرةَ، ومجاهد، والحسن، وراوية عطاء عن ابن عَبَّاسٍ. قال: وقال عبد الله بن عمرو بن العاص " اللمم ما دون الشرك " قال السدي: قال أبو صالح: سُئلت عن قول الله عزل وجل " إلا اللمم؟ " فقلت: " هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده " فذكر ذلك لابن عَبَّاسٍ فقال: " لقد أعانك عليها ملك كريم ".
والجمهور: على أن " اللمم " ما دون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عَبَّاسٍ، كما في صحيح البُخاريُّ من حديث طاووس عنه قال: " ما رأيت أشبه باللمم ما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين: النظر، وزنا اللسان: النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (رَواهُ البُخاريُّ (6243) ومسلم (2657) ورواه مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُريرةَ، وفيه " والعينان زناهما: النظر، والأذنان: زناهما الاستماع، واللسان: زناه الكلام، واليد: زناها البطش، والرجل زناها الخطأ)) (هو في صحيح مسلم (2656).
والصحيح: قول الجمهور: أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك، هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هُريرةَ وعبد الله بن مسعود، وابن عَبَّاسٍ، ومسروق، والشعبي.
ثانيا : الكبائر:(33/803)
وأما الكبائر: فاختلف السلف فيها اختلافًا لا يرجع إلى تباين وتضاد، وأقوالهم متقاربة.
وفي الصحيحين من حديث الشعبي عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)) (أخرجه البُخاريُّ (6675) ولم يخرجه مسلم كما في " تحفة الأشراف " 346/6 للمزي، ورواه أحمدُ 201/2 والتّرمذيُّ (3024) والنسائيُّ 89/7).
وفيهما عن عبد ا لرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا - قالوا: بلي، يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئًا - فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)) (أخرجه البُخاريُّ (5977) ومسلم (87) والتّرمذيُّ (2302).
وفي الصحيح من حديث أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قلت ((يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قال قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم (رَواهُ البُخاريُّ (4477) ومسلم (142) والتّرمذيُّ (3182) والنسائيُّ (89/7) وأحمدُ (434/1) (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) (الفرقان: 68).
وفي الصحيحين من حديث أبي هُريرةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) (رَواهُ البُخاريُّ (6857) ومسلم (89).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أكبر الكبائر: يسب الرجل والديه، قالوا: وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه)) (رَواهُ البُخاريُّ (5973) ومسلم (90).
وفي حديث أبي هُريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أكبر الكبائر: استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم بغير حق)) (رَواهُ أبو داود (4877)، والبزار (3569) و (3570) بأسانيد يشد بعضها بعضًا، وله شاهد من حديث معيذ بن زيد عند أبي داود (4876) وأحمدُ (190/1) وإسناده صحيح).
وهذه الأحاديث الصحاح: تدلنا على أن الكبائر ليست في درجة واحدة، بل هي متفاوتة، فمنها: ما سماه الرسول (أكبر الكبائر).
وختاما؛
نسأل الله أن يتقبل منا توبتنا وأن يصرف عنا شياطين الإنس والجن، وأن يجعلنا وإياك من أهل طاعته .. آمين وتابعنا بأخبارك .......
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
هل رمضان للرجال دون النساء ؟! ... العنوان(33/804)
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله..
نعيش في أمريكا، وكان رمضان شهراً صعباً هذه السنة، بسبب أنّ زوجي يأتي متأخرا من عمله، ويفطر بسرعة، ويذهب لصلاة التراويح، ثمّ يعود ليصلي في البيت ثمّ ينام.
وأنا عليّ المسؤوليات كاملة، فأشعر بالتعب الشديد مع مسؤولية البيت والأولاد، ولا يوجد لدي وقت ولا طاقة للعبادة، بعد يوم شاق وطويل، فهل رمضان للرجال من دون النساء؟، وهل يتوجّب عليّ أن أعمل بالبيت والأولاد وأسهّل على زوجي عبادته، وأنا لا أفعل إلا الشيء القليل من العبادة.
أعلم أن ليّ أجرًا فيما أفعله بإذن الله، ولكن نفسي أعبد الله أكثر، وأقرأ القرآن أكثر، وأصلي أكثر، فما الحل؟، بالذات في العشر الأواخر حيث يذهب زوجي لقيام الليل أيضاً في أحد المساجد فلا نكاد نراه..
لقد تعبت كثيراً فما الحل؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة زينب مصطفى الداعية الإسلامية في بريطانيا :
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وبعد :
الابنة الكريمة جزاك الله خيرا، وأثابك خير الجزاء، على ما تقومين به من جهود لرعاية أسرتك، وأرى أن لك كثيرا من الحق فيما تقولين، ولكن دعيني أذكر نفسي وإياك في البداية أن حسن النية والاحتساب فيما نقوم به من أعمال يحول العادة إلى عبادة، ويرفع قيمة الأعمال، ويعطيها مصداقيتها عند الله عز وجل.
ولا أحب أن أستفيض في أمر استحقاقك للجزاء من الله، ولكن الأمر يحتاج إلى شيء من تنظيم الوقت، وترتيب الأولويات، بينك وبين زوجك. فبداية إن كان صوم رمضان فرضا افترضه الله علينا، فإن صلاة التراويح سنة جميلة لم يصلها الرسول صلى الله عليه وسلم بصفة دائمة في المسجد، حتى لا يعطي الانطباع لدى المسلمين بأن أداءها في المسجد فرض عليه.
فأنت الآن تحتاجين لبعض الإجراءات التنظيمية بينك وبين زوجك، ليتمكن كل منكما من اغتنام شهر رمضان المعظم، لأداء هذه السنن الجميلة.
وتماما للفائدة فإنني أقترح عليك- ابنتي الكريمة- أن تتفاهمي مع زوجك في مدى إمكانية أن تذهب الأسرة كلها معا لصلاة التراويح، وذلك يستدعي منك التخفف في القيام بالأعباء المنزلية، من طهي وتنظيف وخلافه، وتدريب الأبناء على المساهمة في الأعباء المنزلية البسيطة، وإشعارهم أن لهم دورا هاما في الأسرة، وتحفيزهم على المعاونة من أجل صحبة الوالدين في صلاة التراويح.(33/805)
إن لم يتسن ذلك الحل، خاصة إذا كان الأطفال صغارا، فإنه يمكنك أن تطلبي من زوجك أن يصلي معك في البيت يوما، ويذهب إلى المسجد يوما، وصلاته معك تعتبر صلاة في جماعه إن شاء الله وله أجرها ومثل أجرك أيضا.
الابنة الكريمة انظري إلى البدائل الأخرى التي يمكن أن تحقق لك التوازن في حياتك، وتمكنك من أداء العبادات، وليكن أول هذه البدائل؛ تعميق الحوار بينك وبين زوجك، وأن تنظرا معا إلى أفضل الوسائل التي تحقق الرضا لكل منكما، وتسير بالأسرة المسار السعيد، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ويضيف همام عبد المعبود، المحرر المسئول عن نطاق الأخلاق والتزكية:
جزى الله أختنا الفاضلة، الأستاذة زينب مصطفى، على ردها الكريم، فقد أكدت على أهمية النية ودورها في تحويل العادات إلى عبادات، كما قدمت للسائلة نصائح غالية، وبدائل منطقية ممكنة. ورغبة في المشاركة في الأجر، فإنني أستعين بالله وأقول لك - أختنا الفاضلة- :
إذا كنت تعتبرين أن أداءك لعباداتك في المنزل، مع خروج زوجك لأداء عباداته في المسجد، يقلل من أجرك، ويجعله أكثر منك أجرا، فإنني أؤكد لك أن صلاة المرأة في بيتها – بشكل عام - أفضل من صلاتها في المسجد، ولها بطاعتها لله ورسوله وصلاتها في بيتها أجر لا يقل عن أجر صلاة الرجال في المساجد. وتماما للفضل فإنني أنقل لك رأي فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في صلاة التراويح للنساء وفي صلاتهن في المساجد، إذ يقول فضيلته:
صلاة التراويح ليست واجبة على النساء ولا على الرجال، وإنما هي سنة لها منزلتها وثوابها العظيم عند الله .
روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ـ " من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله ما تقدم من ذنبه ". فمن صلى التراويح بخشوع واطمئنان مؤمنًا محتسبًا، وصلى الصبح في وقتها، فقد قام رمضان واستحق مثوبة القائمين.
وهذا يشمل الرجال والنساء جميعًا . إلا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها بالمسجد، ما لم يكن وراء ذهابها إلى المسجد فائدة أخرى غير مجرد الصلاة، مثل سماع موعظة دينية، أو درس من دروس العلم، أو سماع القرآن من قارئ خاشع مجيد . فيكون الذهاب إلى المسجد لهذه الغاية أفضل وأولى . وبخاصة أن معظم الرجال في عصرنا لا يفقهون نساءهم في الدين، ولعلهم لو أرادوا لم يجدوا عندهم القدرة على الموعظة والتثقيف، فلم يبق إلا المسجد مصدرًا لذلك فينبغي أن تتاح لها هذه الفرصة، ولا يحال بينها وبين بيوت الله .
ولا سيما أن كثيرًا من المسلمات إذا بقين في بيوتهن لا يجدن الرغبة أو العزيمة التي تعينهن على أداء صلاة التراويح منفردات بخلاف ذلك في المسجد والجماعة.
على أن خروج المرأة من بيتها - ولو إلى المسجد - يجب أن يكون بإذن الزوج، فهو راعي البيت، والمسئول عن الأسرة، وطاعته واجبة ما لم يأمر بترك فريضة، أو اقتراف معصية فلا سمع له إذن ولا طاعة.(33/806)
وليس من حق الرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى المسجد إذا رغبت في ذلك إلا لمانع معتبر . فقد روى مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " .
والمانع المعتبر شرعًا: أن يكون الزوج مريضًا مثلاً، وفي حاجة إلى بقائها بجواره تخدمه وتقوم بحاجته. أو يكون لها أطفال صغار يتضررون من تركهم وحدهم في البيت مدة الصلاة وليس معهم من يرعاهم، ونحو ذلك من الموانع والأعذار المعقولة.
وإذا كان الأولاد يحدثون ضجيجًا في المسجد، ويشوشون على المصلين بكثرة بكائهم وصراخهم، فلا ينبغي أن تصطحبهم معها فترة الصلاة. فإن ذلك وإن جاز في صلوات الفرائض اليومية لقصر مدتها ينبغي أن يمنع في صلاة التراويح لطول مدتها، وعدم صبر الأطفال عن أمهاتهم هذه المدة التي قد تزيد على الساعة.
وأحب أن أقول هنا كلمة منصفة: إن بعض الرجال يسرفون إسرافًا شديدًا في الغيرة على جنس النساء، والتضييق عليهن، فلا يؤيدون فكرة ذهاب المرأة إلى المسجد بحال، برغم الحواجز الخشبية العالية التي تفصل بين الرجال والنساء، والتي لم يكن لها وجود في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وصحابته، والتي تمنع النساء من معرفة تحركات الإمام إلا بالصوت والسماع، ولا غرو أن ترى بعض هؤلاء الرجال يسمحون لأنفسهم في المسجد بالكلام والأحاديث، ولا يسمح أحدهم لامرأة أن تهمس في أذن جارتها بكلمة ولو في شأن ديني، وهذا مبعثه التزمت وعدم الإنصاف، والغيرة المذمومة التي جاء بها الحديث: " إن من الغيرة ما يبغضه الله ورسوله "، وهي: الغيرة في غير ريبة.
لقد فتحت الحياة الحديثة الأبواب للمرأة . فخرجت من بيتها إلى المدرسة والجامعة والسوق وغيرها، وبقيت محرومة من خير البقاع وأفضل الأماكن وهو المسجد. وإني أنادي بلا تحرج : أن أفسحوا للنساء في بيوت الله، ليشهدن الخير، ويسمعن الموعظة ويتفقهن في الدين، ولا بأس أن يكون من وراء ذلك ترويح عنهن في غير معصية ولا ريبة، ما دمن يخرجن محتشمات متوقرات بعيدات عن مظاهر التبرج الممقوت. انتهى كلام الشيخ .
وأقول لك – أختنا في الله- هناك قاعدة فقهية تقول : (ما لا يدرك كله لا يترك كله)، وبتطبيق هذه القاعدة على سؤالك، فإنه يمكنك أن تنشغلي بالذكر والاستغفار مثلا خلال أداءك بعض الأعمال المنزلية، كما يمكنك أن تديري مؤشر الراديو على إذاعة القرآن الكريم، أو تشغلي شريطا مسجلا عليه درسا أو موعظة أو خطبة لأحد العلماء المشاهير، كل ذلك وأنت تؤدين شغل البيت أو طهي الطعام، مع تجديد النية لتحصلي على الأجر.
واعلمي أن للعبادة صور ونماذج كثيرة، فهناك عبادات تؤدى باللسان وعبادات تؤدى بالبصر، وعبادات تؤدى بالسمع، والعبد المجتهد هو الذي ينوع في عباداته بحسب الحال الذي يكون عليه، فمثلا لو كنت مستقلة سيارتك فيمكنك أن تشغلي شريطا أو أسطوانة مدمجة مسجلا عليها فاصلا من التلاوة القرآنية، أو جانبا من دروس العلم، أو بعض الأناشيد الإيمانية التي تحرك شجون المؤمن وتربطه بربه... وهكذا.
وختاما؛(33/807)
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك الإيمان به، والتوكل عليه، والثقة فيه، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يختار لنا، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، وأن يرزقنا وإياك الخشوع في الصلاة، وحب الصلاة، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعينا بأخبارك...
ـــــــــــــــــــ
طريق الوصول للهمة العالية ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيفيَّة تُحقَّق الهمَّة العالية لكلِّ مسلم؟ أريد أمثلةً من السيرة، وبعض أسماء كتبٍ تتكلَّم في نفس الموضوع.
... السؤال
الدكتور محمد منصور ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الكريم مصطفى:
موضوع الهمَّة هذا ذو شقَّين:
* الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة.
* العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها.
أمَّا الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة العالية للمسلم في حياته كثيرة، وأمثلتها من السيرة كثيرة، نذكر منها:
أولا: حبُّ الله ورسوله، وحبُّ جنَّته، واليقين بها والشوق إليها:
عن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدمَنَّ أحدٌ منكم إلى شيءٍ حتى أكون أنا دونه"، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض"، قال: "يقول عُمَيْر بن الحُمَام الأنصاريُّ رضي الله عنه: يا رسول الله، جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: "بَخٍ بَخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بَخٍ بَخ؟!" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنَّك من أهلها"، فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنَّها لحياةٌ طويلة! فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل(رواه مسلم).
فحبُّه لله ورسوله وتصديقه بهما، ويقينه بقيمة الجنَّة وشوقه إليها، كلُّ ذلك كان حافزاً له لتحصيل الثواب ولاتخاذ أسباب الوصول لأعلى درجاتها، مع الصبر على ذلك: {إنَّما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
ثانيا: الخوف من النار واليقين بعذابها:
فعن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعتُ مثلها قط، فقال: "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا"، فغطَّى أصحاب(33/808)
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين".رواه البخاري، خنين: أي بكاءٌ مع صوتٍ وانتشاقٍ من الأنف. فقد دفعهم يقينهم بالنار وخوفهم من عذابها إلى الانطلاق في الالتزام بالإسلام وحمايته ودعوة الناس إليه.
ثالثا: تذكُّر عِظَم الرسالة التي تحملها:
فأنت يا أخي المسلم صاحب أعلى لواءٍ على الأرض، ودينك هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا وهو مرتبطٌ مباشرةً بالعزيز الغالب سبحانه، ويا له من ارتباط.
ودينٌ عظيمٌ بهذه الدرجة يحتاج إلى رجالٍ عظام، ومهمَّة الدعوة إلى دين الله تعالى هي أعلى المهمَّات وأشرفها.
يقول ابن الجوزيِّ رحمه الله: "ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمتَ أنَّهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبُّد، لعلمهم أنَّ ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثَّهم على الخير ونهيهم عن الشرّ؟".
ويؤكِّد ذلك الإمام ابن القيِّم رحمه الله فيقول: "الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته: وقوفه في الصف ساعة، وجهاده أعداء الله، أفضل من الحجِّ والصوم والصدقة والتطوُّع، والعالِم الذي قد عرف السنَّة، والحلال والحرام، وطرق الخير والشرّ: مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم، أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح".
رابعا : الانتماء إلى "العزيز" سبحانه:
انتمِ إلى ربِّك العزيز سبحانه، انظر في قيمة ما تحمل، تزدد عزًّا وفخرا، يقول تعالى: {ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} ويقول جلَّ شأنه: {الذين يتَّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزَّة فإنَّ العزَّة لله جميعا}، ويقول سبحانه:{من كان يريد العزَّة فلله العزَّة جميعا}.
وقد وصف ربُّنا سبحانه نفسه بـ"العزيز" في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن الكريم، كما علَّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم العزَّة بأفعالهم، فلم يعطوا الدنيَّة من دينهم، وقاتلوا حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولم يهدأ لهم بالٌ حتى أعلى الله بهم دينه ولواءه، وكذلك فعل الأنبياء السابقون عليهم السلام.
فهذه هي مكانة العزَّة في ديننا، ربٌّ عزيزٌ سبحانه، أمرنا ألا نعطي الدنيَّة من ديننا، ونهانا عن الذلَّة والمهانة، بل ونهانا عن كلِّ ما يؤدي لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"رواه البخاريُّ ومسلم.
والمرَّة الوحيدة التي سمح لنا ربُّنا فيها بالذلَّة هي مع إخواننا المسلمين: {يا أيُّها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبُّونه أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم}.(33/809)
وهذه الآية العظيمة تحتاج إلى وقفة: فالقوم الذين يحبُّهم الله تعالى وسوف يأتي بهم بدلاً ممن ارتدُّوا عن دينهم، من شروطهم أن يكونوا أعزَّةً ولا يخافون لومة لائم ولا يذلُّون إلا لإخوانهم. ألا تكفي هذه الآية للتدليل على عِظَم هذا الدين ورقيِّه وعلى اشتراطه العزَّة كشرطٍ أساسيٍّ للمنتمين إليه؟ أنتمِ إلى العزيز سبحانه، وستجد همَّتك تطاول عنان السماء.
خامسا: الوفاء بالوعد مع الله ورسوله وإسلامه:
فالمسلم من نطق الشهادتين بصدقٍ كان بينه وبين ربِّه ورسوله وإسلامه وعدٌ بأن يتمسك بدينه، ويحافظ عليه، ويدافع عنه، وينشره لغيره، وهذا الوعد يُعِين النفس على السعي لتنفيذه خوفا من إخلافه، وحبًّا في ثواب الوفاء به.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أُحُد، فقال: "من يأخذ منِّي هذا؟" فبسطوا أيديهم، كلُّ إنسانٍ يقول: أنا أنا، قال: "فمن يأخذه بحقِّه؟" فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه: أنا آخذه بحقِّه، فأخذه ففَلَق به هام المشركين".رواه مسلم.
سادسا: الشعور المؤلم بالتقصير، ومحاولة التعويض:
فاستشعار مقدار الثواب الذي يفوت المسلم بسبب تقصيره أو غفلته أو إعراضه أو نسيانه أو نحو ذلك يكون دافعاً له للعمل من أجل تعويض ما فاته.
عن أنس رضي الله عنه قال: "غاب عمِّي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ فقال: يا رسول الله غبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحُدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللهمَّ إنِّي أعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربِّ النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أُحُد، فقال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بِضْعاً وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل ومثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنَّا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا"رواه البخاريُّ ومسلم.
سابعا: البشريات:
فمن طباع البشر أنَّ النجاح يدفع إلى مزيدٍ من النجاح، فما نراه الآن من بدايات العودة لله تعالى والإسلام ممثَّلةً في انتشار الحجاب، ومراكز حفظ القرآن، وامتلاء المساجد بالمصلِّين، والمدارس الإسلامية، وانتشار الأخلاق بين الناس، وعودة روح الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، وإعادة عزَّته، كلُّ ذلك وغيره من البُشْرَيات الكثيرة -رغم أنَّها كلَّها ما زالت بدايات- يدفع إلى مزيدٍ من العمل والإنجاز حتى يُتمَّ الله نصره.
ولعلَّ في قصَّة دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه لأهل المدينة للدخول في الإسلام ما يدلُّ على ذلك؛ إذ أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع الذين بايعوه في(33/810)
بيعة العقبة الأولى حين أتَوا للحجِّ وكانوا اثنا عشر فرداً ليعلِّمهم إسلامهم، فانتقل من بيتٍ لآخر يدعو فآمن من آمن.
وكان ذلك دافعاً له لمزيد من توصيل دعوة الله تعالى، حتى جاء حجُّ العام الذي بعده فبايع فيه سبعون رجلاً وامرأتان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية على الدفاع عنه وعن دعوته، ثم انتشر الإسلام شيئاً فشيئاً بعد ذلك.
كذلك لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكَّة كانت هذه البُشرى دافعاً للمسلمين لمزيدٍ من نشر دعوة الإسلام والجهر بها.
ثامنا: التواجد في وسط الصالحين، والتعاون معهم:
فيُعين بعضهم بعضاً على زيادة الإيمان بالطاعة كالصلاة والصوم والذكر والتدبُّر وقراءة القرآن وغيره، ويحضُّ بعضهم بعضاً عند النسيان، ويشارك بعضهم بعضاً عند الدعوة لدينهم، ويقوِّي بعضهم بعضاً عند الدفاع عنه.
فقد كان هذا هو فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد كانوا يلتقون في صلوات الجماعة، ويتدارسون القرآن، ويشتركون في الأفراح والأحزان، ويعملون ويتاجرون ويجاهدون، فأصبحت حياتهم كلُّها همَّةً ونشاطا، وأحسنوا إعمار الكون وخلافة الله تعالى فيه.
تاسعا: القراءة في رفع الهمَّة:
وهي كثيرة، حفلت بها كتبنا، وامتلأت بها أسفارنا، فقط افتح وطالع واقرأ، فأنصحك بالقراءة في كتب الرقائق وتزكية النفس، إذ فيها الكثير من الحديث عن الهمَّة، وأخصُّ بالذكر كتابات الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة والحارث المحاسبي رحمه الله، وشيخ زهَّاد بغداد الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي.
ودعني أذكِّرك ببعض الأدبيَّات التي وردت في ذلك:
- قيل لأحد التابعين: أريدك في حُوَيْجة –تصغير حاجة-، فقال: ابحث لها عن رُجَيْل –تصغير رجل. فأصحاب الهمم العالية هم للأمور العظام لا الحاجات الصغيرة.
- مجموعةٌ من الأشعار في رفع الهمم: يقول المتنبِّي:
سبحان خالِق نفسي كيف لذَّتها ... .. فيما النفوس تراه غايةَ الألمِ
الدهر يعجب من حملي نوائبه ... . وصبر جسمي على أحداثه الحطمِ
وما الدهر إلا من رُواةِ قصائد. إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسار به من لا يسير مشمِّرا ... . وغنَّى به من لا يغنيِّ مغَرِّدا
ذريني أنل ما لا يُنال من العلى ... فصعبُ العُلى في الصعب والسهل فيالسهلِ
تريدين لقيان المعالي رخيصةً ... ... . ولابدَّ دون الشهد من إبَر النحلِ
وإذا كانت النفوس كبارا ... ... . تعبت في مرادها الأجسامُ
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ... ... . فلا تقنع بما دون النجومِ
1. هذه وسائل رفع الهمَّة، وبقي الحديث عن العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها، ويمكن تلخيصها في أمورٍ أربع:
* الوقوع في الذنوب والمعاصي.
* الفتور والملل.
* اعتلاء سحب اليأس.(33/811)
* نقص الثقة في النفس.
أخي الكريم:
إضافةً إلى ما سبق، فإنَّ لك في كتب السيرة الزاد، ولو اطَّلعت على أيِّ بابٍ من أيِّ كتابٍ في السيرة؛ لمواقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لصاحبته الكرام إلا وستستَخْرِج أنت منه همَّةً وعملاً وإنجازًا وتفاؤلا، فما عليك إلا أن تتدبَّر في معانيه وتطبِّقها في حياتك.
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، ونتمنَّى مداومة الاتِّصال بنا
ـــــــــــــــــــ
خطيبتي والزنا.. التوبة تجب ما قبلها ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
مشكلتي أني كنت مرتبطا بالخطوبة، لمدة سنة تقريبا. ثم قمت بفسخها، لأني تأكدت من سطحية خطيبتي، وأنانيتها التي تحد من قدرتي على تحقيق أحلامي، التي أرجو أن تكون ذات نفع لكثير من الناس.
ولكن للأسف كانت خطيبتي تريد أن تعيش لنفسها فقط، دون أي طموح في الحياة، غير الحياة الرغدة ... مما جعلني أفسخ خطوبتي معها.. أما مشكلتي الحالية فهي أني تعرفت على فتاة مسلمة ذات طموح كبير، وأتوسم فيها أن تكون خير داعم ليّ، بطريقة تفكيرها وكبر عقلها.. لكن للأسف علمت أن هذه الفتاة المحجبة كانت لها زلات مع شخص كانت تحبه، وكان قد وعدها بالزواج، وتعرف على أهلها، وأتى بأمه لخطبتها، ولكن أمه رفضت بالرغم من أنه كان قد أخذ منها ما أخذ00وقد لاحظت على هذه الفتاة تأثرها بسماع الخطب الدينية والقرآن وانها تملك قابلية للالتزام.
لكني صراحة أخشى من قوله تعالى "الزاني لا ينكح الا زانية أو مشركة*والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك"، مع العلم أني لم أزن في حياتي، ولله الحمد000وهناك أمر آخر أنها لا تجمعها علاقة طيبة مع والدها، بسبب فجوره الشديد، وبخله على عائلته، وأهل بيته وقد نصحتها عدة مرات، بأن تكون بارة بوالدها، ولكنها تدعي أنها كلما حاولت ذلك ضيع والدها حميع جهودها بتصرفاته وأسلوبه... فانصحوني و جزاكم الله خيرا .
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ / أحمد سعد الباحث الشرعي بجامعة الأزهر، الخطيب وزارة الأوقاف المصرية :
أخي الكريم أبو البراء!
أبرأ الله قلبك من الحيرة و يسر لك الخير و هداك اليه و جمعك به!
الحقيقة أن سؤالك متشعب الجوانب، متشابك الغصون، يحتاج منا إلي أن نحلل ما فيه أولا قبل الإجابة، ودعني أبدأ من الخطوبة القديمة!(33/812)
لقد ارتبطت بفتاة استبان لك بعد فترة من الخطبة أنها سطحية ولا تناسب ما تصبو أنت إلي تحقيقه من أحلام وما تبتغيه في حياتك، وعلي هذا الأساس قمت بفسخ الخطبة، وإنهاء تلك العلاقة ولا شك أن هذا حقك- مثلما هو حقها إن رأت منك ما لا ترتضيه لنفسها.
غير أنك لم تفكر- ولو للحظة- كيف يكون حال تلك الفتاة مع من سيتقدم بعدك لخطبتها، وكيف ستثور في نفسه الأسئلة : كيف كانت مشاعرها مع من كان يخطبها قبلي؟ وهل ما زالت تتعلق به؟ وغير هذا من الأسئلة التي تضعها دائما في موقع المدافعة عن نفسها، وتجعلها تتحمل حرجا ربما لا ذنب لها فيه.
وها أنت الآن تضع نفسك ثانية في موضع الجلاد، فلا تكتفي بأنك تركت فتاتك الأولي تعيش ألماً تعاميت عن أن تراه، بل وتحاسب الفتاة التي تهيأ لك أنها من تريد الارتباط بها من جديد، عما كان منها من قبل.
ونحن- يا أخي- لسنا بحالٍ موكلون بمحاسبة الناس على ماضيهم أو التفتيش والنبش فيما فات من حياتهم. هنا تدرك قيمة كبرى أن التوبة تجب ما قبلها وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعلي هذا يتوجب عليك قبل أن تقدم علي خطبة تلك الفتاة أن تفحص عيوبها ومزاياها جيدا و توازن بين الجميع حتي تستبين خطواتك. وتعلم أنك إن طلبت أحدا خاليا من العيوب فإنما تروم الشطط و تبغي المحال.
سامح أخاك إذا خلط***منه الإساءة بالغلط
وتجاف عن تقصيره***إن ساء يوما أو قسط
و اعلم بأنك ما أردت مهذبا رمت الشطط
من ذا الذي ما ساء قط**ومن له الحسنى فقط
إن عليك هذه المرة أن تنفق وقتا جيدا في التفكير قبل الإقدام و أن تقدر لرجلك قبل الخطو موضعها حتى لا تندم و لتضع ما يلي في الاعتبار:
أولاً: ليس من حقك أن تحاسب الفتاة على ماضيها طالما هي أحسنت و تابت و ما لك منها إلا ما أنت معها عليه فما مضى فات و المؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها. ولهذا فعليك أن تنظر لحالها الان و التزامها أو حبها للالتزام فربما فاقت هذه الفتاة كثيرا من الأخوات الملتزمات التي نشئن لا يعرفن سوى الجو الالتزامي، و لا يعرف التوبة إلا من ذاق طعم الإثم. وصدق القائل: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ** ولا الصبابة إلا من يعانيها
ولقد كان من الصحابة من تاب فتاب الله عليه و حسنت سيرته وما حاسبهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبدا على ما فات من أيامهم و لا استخبرهم عما مضى من أعمالهم.
ثانياً: لابد أن توازن بين مميزات الفتاة و عيوبها و تعلم أنه لا يوجد إنسان سالم من العيوب. لهذا كان عليك أن تنظر لدينها فإن سررت منه فلا حرج عليها وتذكر دائما ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" أو قال: "غيره".(33/813)
ثالثاً: خذ الأمر بنية معاونة هذه الفتاة علي الالتزام- طالما أن لديها الاستعداد لهذا- و اجعل من زواجك بها دعوة لها و معاونة لها علي الخير وباب من الأجر يفتح لك و تذكيرا لها بالله دائما فالعمل علي هداية الناس لطريق الله أمرُ عظيم. و ابدأ بتعليمها ما عليها من بر تجاه والدها حتي و إن كان فاسقا فله من البر ما أمر به الله ورسوله و أن تبقي معه علي علاقة لا تضرها و لا تدفها لطاعته فيما حرم المولي، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
و أخيراً و ليس آخرا، دونك الاستخارة إلزم بابها و أعلم أن الاستخارة مفتاح الخير و أن الله يختار لك الخير و تذكر أن رسول الله-صلي الله عليه وسلم- كان إذا حزبه أمر فزع إلي الصلاة.
أسأل الله أن ييسر لك الخير حيث كان ويجمع عليك الخير من كل مكان وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
وقت ليلة القدر وعلاماتها المميزة ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
منذ اليوم الأول من شهر رمضان ونحن ننتظر بلهفة وشوق قدوم العشر الأواخر من رمضان، خاصة وأنها – هذه الليالي العشر- تحمل بينها ليلة العمر، ليلة القدر والشرف العظيم، وحتى لا يفوتنا هذا الشرف أود أن اعرف ما هو وقت ليلة القدر؟، وما هي علاماتها المميزة ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ همام عبد المعبود، المحرر بالقسم الشرعي بالموقع :
ليلة القدر هي الليلة التي أنزل الله فيها القرآن الكريم، وقد سميت ليلة "القدر" بهذا الاسم للإشارة إلى أنها ليلة ذات قدر ومكانة ولها شرف ومنزلة، وكيف لا وقد شرفها الله بنزول القرآن -كتاب الله الناسخ- فيها. ولهذه الليلة فضل كبير، فقد فضّلها الله سبحانه وتعالى على سائر الليالي وجعلها خيرًا من ألف شهر، يعطي الله فيها عبده الثواب العظيم والأجر الكبير.
وقد أفرد الله سبحانه سورة كاملة في القرآن للحديث عن هذه الليلة، وسماها سورة القدر، فقال تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ"، وقال تعالى في سورة الدخان : "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه". وفي هذه الليلة تنزل الملائكة وينزل معهم جبريل عليه السلام على عباد الله المؤمنين يشاركونهم عبادتهم وقيامهم ويدعون لهم بالمغفرة والرحمة. وهي(33/814)
ليلة تتنزَّل فيها الملائكة برحمة الله وسلامه وبركاته، ويرفرف فيها السلام حتى مطلع الفجر. وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنّ ليلة القدر تكون في إحدى الليالي الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان.
ويقول فضيلة الشيخ سيد سابق رحمه الله، في تحديدها : للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة؛ فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر.
وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين، روى أحمد -بإسناد صحيح- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين"، وروى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي -وصححه- عن أبيِّ بن كعب أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان -يحلف ما يستثني- والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها".
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
ليلة القدر في شهر رمضان يقينًا؛ لأنها الليلة التي أنزل فيها القرآن، وهو أنزل في رمضان؛ لقوله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" (البقرة: 185). والواضح من جملة الأحاديث الواردة أنها في العشر الأواخر؛ لما صح عن عائشة قالت: كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان".
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج إليهم صبيحة عشرين فخطبهم، وقال: "إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها -أو نسيتها- فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر" (متفق عليه)، و في رواية: "ابتغوها في كل وتر". ومعنى (يجاور): أي يعتكف في المسجد، والمراد بالوتر في الحديث: الليالي الوترية، أي الفردية، مثل ليالي: 21، 23، 25، 27، 29.
وإذا كان دخول رمضان يختلف -كما نشاهد اليوم- من بلد لآخر، فالليالي الوترية في بعض الأقطار، تكون زوجية في أقطار أُخرى، فالاحتياط التماس ليلة القدر في جميع ليالي العشر.
ويتأكد التماسها وطلبها في الليالي السبع الأخيرة من رمضان، فعن ابن عمر: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت (أي توافقت) في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر" (متفق عليه، عن ابن عمر)، وعن ابن عمر أيضًا: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبن على السبع البواقي" (رواه أحمد ومسلم والطيالسي عن ابن عمر).
والسبع الأواخر تبدأ من ليلة 23 إن كان الشهر 29 ومن ليلة 24 إن كان الشهر 30 يومًا. ورأي أبي بن كعب وابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم أنها ليلة السابع(33/815)
والعشرين من رمضان، وكان أُبَىّ يحلف على ذلك لعلامات رآها، واشتهر ذلك لدى جمهور المسلمين، حتى غدا يحتفل بهذه الليلة احتفالاً رسميًّا.
والصحيح: ألا يقين في ذلك، وقد تعددت الأقوال في تحديدها حتى بلغ بها الحافظ ابن حجر 46 قولاً. وبعضها يمكن رَدُّه إلى بعض. وأرجحها كلها: أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل، كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين، وعند الجمهور ليلة سبع وعشرين.
ولله حكمة بالغة في إخفائها عنا، فلو تيقنا أي ليلة هي لتراخت العزائم طوال رمضان، واكتفت بإحياء تلك الليلة، فكان إخفاؤها حافزًا للعمل في الشهر كله، ومضاعفته في العشر الأواخر منه، وفي هذا خير كثير للفرد وللجماعة. وهذا كما أخفى الله تعالى عنا ساعة الإجابة في يوم الجمعة؛ لندعوه في اليوم كله، وأخفى اسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب؛ لندعوه بأسمائه الحسنى جميعًا.
وختامًا.. فإنه قد بان لنا بعدما استعرضنا كل الآراء أنها يقينًا في شهر رمضان، وأنها على الراجع في العشر الأواخر، وأنها على الأرجح في الليالي الفردية منها، وأن هناك من يرى أنها تكون في ليلة السابع والعشرين، غير أنه حري بالمسلم أن يلتمسها في كل ليلة من ليالي رمضان، فإذا دخلت العشر الأواخر كان لها أشد طلبًا وأكثر التماسًا.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
أما عن علامات ليلة القدر فقد تحدث العلماء عنها فذكروا منها أربعة، هي:
الأولى: ألا تكون حارة ولا باردة.
الثانية: أن تكون وضيئة مُضيئة.
الثالثة: كثرة الملائكة في ليلة القدر.
الرابعة: أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع.
وفي الحديث: "ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة". رواه ابن خزيمة وصححه الألباني.
وقال عليه الصلاة والسلام: إني كنت أُريت ليلة القدر ثم نسيتها، وهي في العشر الأواخر، وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمرًا يفضح كواكبها، لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها. رواه ابن حبان
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى. رواه ابن خزيمة وحسن إسناده الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم: وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها. رواه مسلم، وهذا الحديث الذي رواه مسلم ربما يكون الأصح في علامات ليلة القدر وأماراتها، غير أنه لا يمكن القطع على وجه اليقين أن تكون أية ليلة، والحكمة في ذلك أن الله تعالى يريد أن يتعبدنا في هذه الليالي، وليس من الأدب مع الله تعالى أن يتعبد الإنسان ليلة، فإذا حاز شرفها ترك العبادة، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم وقد خاطبه ربه سبحانه وتعالى "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر"، وترى عائشة رضي الله عنها تعبه ونصبه واجتهاده في العبادة والطاعة،(33/816)
فكأنها أشفقت عليه، فتقول له: تفعل هذا وقد غفر الله تعالى لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيجيبها صلى الله عليه وسلم "أفلا أكون عبدًا شكورًا".
ولا بأس بأن يستشعر المسلم أن الله تعالى رزقه ليلة القدر، ويفرح بطاعته لله تعالى، فإن هذا من نعم الله على العبد، وكما قال ابن عطاء السكندري: لا تفرح بالطاعة لأنها منك، ولكن افرح بها لأنها منه إليك، فتوفيق الله العبد لقيام ليلة، وخاصة إن كان يشعر أنها ليلة القدر خير وبركة، غير أن هذا لا يجعله يتكاسل عن طاعة الله تعالى، بل إن من ذاق حلاوة الوقوف بين يدي الله تعالى، ومنّ الله تعالى عليه بهذا الخير، فاستبشري أختي بطاعتك لله تعالى، وافرحي بها؛ لأنها نعمة من الله إليك، واجتهدي في الأيام المقبلة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وجعلنا وإياكم من عتقائه من النار ومن المقبولين .. آمين
ـــــــــــــــــــ
أريد العودة إلى الله في رمضان ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم،،،
لا أدري ما الذي يحدث لي فأنا أتخبط وأنظر إلى نفسي فأرى حالي من سيئ إلى أسوأ، وأشعر بأني بدون قلب نعم بدون قلب. لم أعد أرى طريق العودة إلى الله كما كنت أراه.
كنت عندما أبتعد عن الله, أعود وتكون عودتي بتوبتي ودموعي وخشوعي، ولكن الآن وأنا أبلغ من العمر 26 سنه أرى أني لم أعد أقوى على مواجهة رغباتي؛ فهي تسحبني إلى الهاوية حتى إنني لم أصم غير أول أيام رمضان فقط، وهاهو اليوم السادس عشر يطل ولا أقوى على الصيام فيه وأذهب لأختبئ مثل الفأر لأفطر على شهوة جنسية أو على سيجارة، وليس على طعام أو شراب.
لم أعد أصلي منذ فترة بعد أن كنت مواظبا على الصلاة في وقتها ولا أفوّت على نفسي صلاة واحدة، وكنت بمقام الداعي إلى الصلاة لأصدقائي.
ماذا أفعل ليعطيني الله قلبا جديدا أشعر وأحس به بقربي إلى الله؟.. أتوق أن أذهب لعمل العمرة أو الحج ولكني لا أملك المال.. أشعر بأني أحتاج لأن أعود كطفل صغير لأبدأ حياتي من جديد بدون معاص وذنوب, أشعر بأني أريد أن أبكي حالي على ما وصلت إليه من انحطاط.
ما زلت بين الناس أتحلى بالأخلاق وأعطي كل ما لدي لهم ولا أشتم ولا أتلفظ بأي لفظ غير لائق، وأحافظ على المكان الذي أعمل به. خيري للناس وليس لنفسي.
ساعدوني أرجوكم فأنا لا أنام، والأرق منذ أشهر وهو يلازمني.
أحتاجكم إخواني.. أحتاجكم جميعا.
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار
... ... الرد ...(33/817)
...
...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي عماد، وأهلا بك على صفحات موقعكم إسلام أون لاين، وأهلا بإخواننا من فلسطين أرض العزة والرباط والإيمان، أرض الأبطال الذين باعوا أنفسهم وأرواحهم لله؛ فصاروا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار؛ تربوا في مدرسة الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- فانطبق عليهم قول الله عز وجل: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
فالله عز وجل إذا علم من العبد صدق التوبة والإيمان فتح أمامه طرق الهداية والعودة إليه؛ فهو القائل -عز وجل-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}. وكأني بك الآن تتساءل: "هل معنى ذلك أن الهداية للمؤمنين الطائعين فقط، وأنه لا أمل للعاصي؟" فأقول لك: لا يا أخي، إن المقصود بالآيتين الكريمتين أن هناك نفوسا طيبة بطبيعتها تقبل الهداية وتريد التوبة والعودة بصدق، فإذا علم الله منها ذلك يسر لها طريقة العودة والرجوع إليه، ومهد لها طريق الهدى والرشاد، فإذا استمرت في سيرها في هذا الطريق زادها الله هدى على هداها؛ فأصبحت من الهداة المهديين.
وأراك لا تزال حائرا، وتتساءل: "وما أدراني أن نفسي من هذه النفوس؟ وماذا أفعل حتى يمهد لي الله هذا الطريق؟".
أقول لك: أظن أنك إن شاء الله من هذا الفريق، وها أنت قد وضعت قدمك على أول الطريق؛ فرسالة مثل رسالتك وصدقك فيها لا يخرج إلا عن إنسان أدرك خطأه، وشخّصَ داءه ويسأل عن الدواء، فلا تدري يا أخي كم هزني قولك: "وأشعر بأني بدون قلب.. نعم بدون قلب. لم أعد أرى طريق العودة إلى الله كما كنت أراه".
لا يا أخي، طريق العودة إلى الله موجود، وبابه دائما مفتوح، ويده مبسوطة بالليل ليتوب مسيء النهار ومبسوطة بالنهار ليتوب مسيء الليل، هو أرحم بنا من أمهاتنا ومن أنفسنا، خيره إلينا لا ينقطع مع كثرة معاصينا، وتقربه لنا مع غناه عنا ليس له حدود.
ولكنه -سبحانه وتعالى- تعهد على نفسه أن يأخذ بيد من أراد التوبة والرجوع إليه، وعلامة ذلك مجاهدة النفس وإلجامها بلجام التقوى؛ فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}؛ فهداية السبيل متوقفة على الأخذ بالأسباب الموصلة لها، وأبرزها مجاهدة النفس وهو المقصود بهذه الآية الكريمة التي نزلت قبل الأمر بجهاد الأعداء.
وأنت -أخي الحبيب- قد وضعت قدمك على أول طريق المجاهدة، وبدأت تخطو فيه بعض الخطوات؛ فلا تتوقف عن السير فيه؛ فأول هذا الطريق الإدراك والشعور بالذنب، ثم يأتي بعد ذلك الاعتراف به مع النفس ومواجهتها به في شجاعة، ثم تلمُّس علاجه والسعي الحثيث له في مظانه، وها أنت قد جئت تطلب العلاج منا، ونسأل الله أن يعيننا على وصفه لك بعد أن وفرت علينا تشخيص الداء..
وبداية لا بد أن تعرف أن الإنسان بطبعه مهيَّأ لطريقين تتنازعه قوتان؛ فهو ترفعه مشاعر الخير إلى السمو، وتهوي به دوافع الشر إلى الحضيض، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}:(33/818)
فهناك فريق من الناس إذا غلبه شيطانه فضل وهوى، سرعان ذكر الله فأفاق، وتنبهت أسباب الخير في نفسه فأناب، وأسرع بالتوبة، يغسل بها الذنوب والآثام، ولقد علم الله من الإنسان ضعفه فيسر عليه السبيل في جهاده نفسه، وفتح له باب الرجوع على مصراعيه، وناداه في محكم كتابه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}؛ فهذا الفريق سريع الذكر سريع الأوبة والعودة وعده الله المغفرة والمثوبة {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
وهناك فريق آخر يستهويه الشيطان فينسى من نفسه معنى الروح والإنسان، ويهوي به الحنين إلى معنى الطين الذي خلق منه؛ فإذا ضل فلا سبيل للعودة، وإذا زل فلا طريق للتوبة، وإذا هوي به ذنبه هوي به إلى مكان سحيق، بعد أن كان صراط الله المستقيم واضحا أمامه؛ فهذا يصدق عليه قول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}.
أخي الحبيب إذا كنت قد قصرت في حق نفسك وربك؛ فكن من الفريق الأول، وانفض عن نفسك غبار الغفلة، وأزح عن عينيك بريق المعاصي الذي يهوي بصاحبه إلى قعر جهنم، وقوِّ في نفسك معنى الإنسان والروح الذي تصير به في منزلة أعلى من الملائكة، وها هو ربك يفتح أمامك أبوابه، فاستعن على الدخول إليها بقصر الأمل وتذكر الموت الذي يأتي بغتة، وألح على الله تعالى بالدعاء؛ فهو سبحانه القائل في حديثه القدسي: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".
أخي قم الآن بمجرد قراءتك كلماتي هذه، وتوضأ وصل ما فاتك اليوم من صلوات، وقف أمام ربك موقف الخاضع الذليل، متذكرا أنه ربما يأتيك الموت الآن أو بعد لحظات، فسابق الموت قبل أن يسابقك، واستعد له قبل أن يباغتك؛ فهو يأتي بغتة، وحينها لا ينفع نفسا إيمانها. وتأكد أن العمر لن يرجع بك ولن تعود طفلا صغيرا -كما تتمنى- لتبدأ حياتك بلا ذنوب، ولكن الفرصة ما زالت أمامك فانتهزها، والعمر ما زالت فيه بقية فلا تضيع ولو لحظة واحدة منه، وإذا كان شهر رمضان قد انقضى أكثره فما زالت هناك أيام العتق من النار؛ فشمر فيها عن ساعد الجد والاجتهاد، وأرِ ربك من نفسك خيرا، وأكثر من دعائه -عز وجل- أن يهديك السبيل، وأن يرزقك قلبا جديدا تشعر به بقرب الله منك، متمثلا قول الشاعر:
إلهي لا تعذبني فإني *** مقر بالذي قد كان مني
وما لي حيلةٌ إلا رجائي *** وعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطايا *** وأنتَ عليّ ذو فضلٍ ومنِ(33/819)
إذا فكرتُ في ندمي عليها *** عضضتُ أناملي وقرعتُ سني
أخي، عاهد الله عز وجل على الصدق معه والرجوع إليه، وكن رجلا مع ربك، كن من الذين قال تعالى فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ}. وضع أمام عينيك دائما قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
وهذه بعض النصائح التي أسأل الله أن تكون معينا لك على العودة إلى ربك:
* اجتهد أن تستغل ما تبقى من شهر رمضان؛ فالنفوس فيه مهيأة للتغيير، والأرض خصبة فسارع برمي بذرة التوبة والأوبة فيها؛ حتى إذا انقضى رمضان وفكت الشياطين من سلاسلها كان لديك من أسلحة التقوى ما تصدهم به.
* ادفع عن نفسك الشعور باليأس والإحباط، وثق في نفسك وأنك رجل ذو عزيمة تستطيع من خلالها كبح جماح الشهوات والغرائز، وأن نفسك الأبية لا تقل شهامة ورجولة مع ربك عن هؤلاء الفتية أبناء بلدك وجيلك الذين باعوا أرواحهم رخيصة فداء لدينهم؛ ففجروها بكل رضا ويقين ليدمروا بها شياطين الإنس والجن.
* أنصحك الآن أن تحضر قلما وثلاث ورقات وتجلس مع نفسك جلسة صدق ومصارحة كالتالي:
o في الورقة الأولى اكتب بعض نعم الله عليك التي لا تحصى، ثم اختر نعمة منها -ولتكن نعمة البصر مثلا- وفكر كيف تشكر الله عليها، وتخيل حالك إذا سلبها الله منك، واسأل نفسك: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟".
* في الورقة الثانية اكتب الذنوب التي تقترفها بادئا بأخطرها، ثم اختر أولها وتفكر في حالك وأنت تقترفه، ونظرة الله لك، وماذا لو اطلع عليك الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم -الذي تعب لهدايتنا والأخذ بأيدينا من الظلمات إلى النور- وأنت على هذه الحال؟ وتخيل أن ملك الموت فوق رأسك الآن ليقبض روحك؛ فهل ترضى أن تقابل ربك وأنت في هذه الحال؟ ثم عاهد نفسك وربك على التخلي عن هذه الذنوب بادئا بأخطرها، وحدد لنفسك مكافأة على كل ذنب تتركه، وعقوبة على كل ذنب تأتيه مرة أخرى، على أن تضاعف هذه العقوبة مع تكرار الذنب نفسه.
* في الورقة الثالثة اكتب الطاعات والفرائض التي تفرط فيها، بادئا بأهمها، ثم تفكر في الأجر والثواب الذي فاتك لتضييعك كل فريضة، وتفكر في العقوبة التي تنتظرك إذا أصررت على تضييعها؛ فمثلا اختلف العلماء في تارك الصلاة تكاسلا بين تكفيره وتفسيقه، وفي كلتا الحالتين حده القتل إن لم يرجع إليها؛ فهل ترضى لنفسك أن يكون دينك بين التكفير والتفسيق؟ ثم ابدأ بأداء الفرائض مستخدما مع نفسك الثواب والعقاب.
* للدعاء أثر كبير في التغيير؛ فألح على الله في الدعاء في هذه الأيام المباركة أن يهديك ويردك إلى دينك ردا جميلا، وأوص من تتوسم فيهم الخير بالدعاء لك، دون أن ترح لهم بشيء مما أنت فيه.(33/820)
* الصحبة الصالحة علاج ناجع للتغيير؛ فابتعد عن صحبتك السيئة، واستبدل بهم أصحابا صالحين من رواد المساجد وألق بنفسك بينهم وتشبث بهم؛ فهم خلاصك مما أنت فيه.
* أنت تحتاج إلى مجاهدة كبيرة للنفس، وستجد صعوبة في البداية ولكن ثق أن هذا في البداية فقط، وبالصبر ستتذوق حلاوة الطاعة، وإذا تذوقتها فلن تتخلى عنها بعد ذلك. ويفيدك في هذا الجانب أن تقرأ في سير الصالحين والعائدين إلى الله، وفي كتب الرقائق.
* إذا دعتك نفسك للمعصية فكرر عيها "الله شاهدي.. الله ناظري.. الله معي"، مستشعرا مراقبة الله لك.
* لا تكثر من الاختلاء بنفسك، واحرص أن تخالط الناس؛ فهذا أدعى لطرد أسباب المعصية عنك.
* احمد الله على تحليك بحسن الخلق بين الناس؛ فهذا سبب لقربك من الحبيب -صلى الله عليه وسلم- والله عز وجل يعفو ويصفح عن الذنوب التي في حقه بمجرد التوبة، ولكن الذنوب التي في حق العباد فلا بد من استسماح أهلها.
* أكثر من ذكر هادم اللذات فهو يأتي بغتة، وحين يأتي لا تنفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.
وفي النهاية أخي الكريم أسأل الله لنا ولك الهداية والرشاد، وأن يردنا إلى ديننا ردا جميلا، وأسألك دعوة صالحة بظهر الغيب يكفر الله بها عنا ما كان من تقصير، وأن لا تبخل علينا بمتابعة تطورات حالتك. وتقبل الله منا ومنكم.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أود الاعتكاف وأهلي يرفضون !! ... العنوان
العبادات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله.. أنا فتاة أحب الاعتكاف، ولي رغبة أن أنفذ هذه السنة، خاصة مع دخول العشر الأواخر، لكن أهلي يقولون : لا اعتكاف للفتاة، ويكفي أن تصلي التراويح أو تصلي في بيتها، فما رأيكم دام فضلكم، وماذا عليّ أن أفعل حتى أعوض هذه السنة، ولا أحرم نفسي من فضل هذه العبادة؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع :
من الجميل أن تسعى المرأة للحفاظ على الاعتكاف كما يسعى الرجل، وأن تأخذ من حظها كما يأخذ الرجل من الطاعة والإيمان. وقد أجاز الإسلام لمعاشر النساء الذهاب إلى المساجد، ولكنه لم يوجبه عليهن، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن"، وهذا يعني أن ذهاب المرأة إلى المسجد مباح شرعًا، وأنها تنال بالصلاة في المسجد ثواب الجماعة.(33/821)
وعلى هذا الأصل، وهو ذهاب المرأة إلى المسجد، كان الاعتكاف للنساء مباحًا، على رأي جمهور الفقهاء؛ لأنه لما جاز الخروج لها للمسجد، جاز لها الاعتكاف فيه، وإعمالاً لمبدأ المساواة في أجر العمل الصالح بين الجنسين، مصداقًا لقوله تعالى: "إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض".
وفي الحديث عن عروة عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله تعالى". زاد الشيخان "ثم اعتكف أزواجه من بعده".
وقيل لابن القاسم: ما قول مالك في المرأة تعتكف في مسجد الجماعة؟ فقال: نعم، قيل: أتعتكف في قول مالك في مسجد بيتها؟ فقال: لا يعجبني ذلك، وإنما الاعتكاف في المساجد التي توضع لله.
ولكن الفقهاء قد اشترطوا أن يكون الاعتكاف بإذن الزوج، وهذا من باب المحافظة على مؤسسة الزوجية، ولحاجة البيت إلى الزوجة أكثر من الزوج، فالزوج قد لا يستغني عن زوجته، والأولاد لا يستغنون عن أمهم، فغياب الزوجة غير غياب الزوج، وإن كان كلاهما وجوده غاية في الأهمية.
على أن المرأة لو لم يكن عندها ما يشغلها عن بيتها، ففي ظني أن اعتكافها أولى، وخاصة أن الاعتكاف مدرسة روحية، وفي ظل زخم الحياة المادية، تحتاج المرأة -كما يحتاج الرجل- إلى تجديد العلاقة بالله تعالى، والانقطاع ولو لبضعة أيام عن مشاغل الدنيا التي لا تنتهي، وإن كان الرجال في حاجة إلى هذا المعنى، فالمرأة أيضًا في حاجة إليه.
إن وظيفة المسجد الروحية من تجديد معنى العبودية لله تعالى، ومن مراجعة النفس، وشغلها بكثير من الطاعات، يعطي للمرأة شحنة إيمانية تدفعها لتصحيح مسارها في الحياة، وإن كانت الدنيا كلها تسعى الآن لأن تعطي المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإن حق المرأة من أن تخلو بنفسها بينها وبين ربها، وأن تجدد العلاقة معه سبحانه لا يقل أهمية عن بقية الحقوق.
على أن يكون الاعتكاف للنساء في مسجد خاص بهن؛ لطبيعة التعايش بين النساء، فاختلاط الرجال بالنساء يفقد الاعتكاف الثمرة المرجوة من ورائه؛ إذ المقصود منه أن تختلي المرأة بنفسها، أما الاختلاط فإنه يوقظ مشاعر الميل بين الجنسين، مما يخرج الاعتكاف عن مقصوده.
ومن جميل ما قاله السادة الأحناف أن اعتكاف المرأة يكون في مسجد بيتها، يعني في المكان الذي تصلي فيه باستمرار في البيت، حيث كانت النساء تجعل لنفسها حجرة للصلاة، وهذا الرأي يجعل المرأة لا تحرم نفسها من الاعتكاف، فللمرأة التي يمنعها زوجها من الاعتكاف في المسجد، أن تستأذنه في الاعتكاف في مسجد بيتها.
وفي الجمع بين رأي الجمهور ورأي الأحناف تأكيد على دور الاعتكاف في حياة المرأة المسلمة، وأنه من المستحسن أن يأخذ طريقه في حياته، وأن يكون جزءاً من نشاطها الديني في حياتها.(33/822)
وعلى كل امرأة أن تنظر نفسها، فإن كان من الممكن اعتكافها في المسجد بعد إذن زوجها أو أبيها إن لم تكن متزوجة، أو أن تعتكف في مسجد بيتها، ويمكن لها أن تجمع النساء في البيت وتصلي بهن، إن لم يكن المسجد ممكنًا.
والمعنى الذي أحب أن أؤكد عليه أن الرجال والنساء في العمل الصالح سواء، نلحظ هذا من قوله تعالى: "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى"، وإن كانت هناك خصوصية للنساء، فإنها خصوصية تخفيف ورحمة من الله تعالى لهن، مع عدم نقصان الأجر.
فالشرع لا يقدم للرجال أعمالاً ينالون بها رضوان الله تعالى دون النساء، وهو سبحانه القائل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ومن جميل ما ورد في هذه الآية أن الله تعالى امتنّ على النساء بخلقهم من ذكر وأنثى، وأعقب هذا أن الخيرية إنما تكون للعمل الصالح.
وهذه دعوة للنساء ألا يغلبهن الرجال بالعمل الصالح، وأن تكون المرأة المسلمة حريصة على طاعة الله تعالى أشد حرصًا من الرجل؛ لأنها أمة الله، ولأنها محاسبة كما هو محاسب، وقد جعل الله تعالى قيام العيش في هذه الحياة الدنيا على الذكر والأنثى، كما لا يغفل دور المرأة في تربية الرجال وأثرها في المجتمع، كل هذا يجعلها في حاجة إلى التزود الروحي والإيماني، وأن تتقرب إلى الله تعالى.
فإن كان الرجال يعتكفون، فللنساء أن يعتكفن بعد إذن أزواجهن إن كنت متزوجات، أو بعد إذن آبائهن إن كن أبكارًا.
كما أن التقرب إلى الله في هذه الأيام هو واحد أيضًا بين الرجال والنساء، وأعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه سبحانه وتعالى في هذه الأيام هو قيام الليل، فإنه لا مثل له، فهو صلاة وقراءة قرآن، وذكر وتهجد وتضرع وتذلل لله رب العالمين، وأحسب أن الله تعالى جمع في التهجد ما لم يجمعه في عبادة أخرى.
ومن هنا، فإن الواجب على المسلم والمسلمة أن يكثروا من الوقوف بين يدي الله تعالى، فهو شرف هذه الأمة وتاج وقارها، وهو مصنع الرجال، والرجال ليس معناها الذكورة، وإنما معناها القيام بالأمر على الوجه الأكمل، وفيه يتساوى الذكور والإناث.
ومن الأعمال الصالحة أيضًا الصدقات والعطف على الفقراء والمساكين والتكافل الاجتماعي بكل أنواعه بين المسلمين؛ ليتحقق فيهم قول رسولنا الكريم: "المسلم للمسلم كالبنيان، يشد بعضه بعضًا" وقوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
ومن الأعمال الصالحة أيضًا صحبة القرآن، ولا نقول: قراءة القرآن، ولكننا في حاجة إلى الصحبة الصحيحة الصادقة مع كتاب الله تعالى، تلاوة وفهمًا وتدبرًا وعملاً وإخلاصًا ودعوة.
وما أحسن الذكر في هذه الأيام؛ إذ يعيش المسلم ذاكرًا الله تعالى في كل أحواله، في نومه ويقظته، في جلوسه وقعوده، في عمله وعطلته، في ليله ونهاره، في دخوله وخروجه، فهو دائم الدندنة بذكر الله تعالى.(33/823)
ومن رحمة الإسلام أنه لم يجعل باب الخير موقوفًا على عمل بعينه، أو أعمال محددة، وإنما جعله مفتوحًا، فكل عمل يبتغى به وجه الله فهو عمل صالح، يثاب عليه المرء، وما أحسن التعبير القرآني الذي يمثل حال العبودية لله تعالى في قوله: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
فاجتهدي بالطاعة خاصة في هذه الأيام المباركة، واستمري عليها بعد رمضان، عسى الله تعالى أن يرزقنا جميعًا دوام الطاعة.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود المحرر بالقسم الشرعي :
أختنا الفاضلة:
تقولين إنك "فتاة" تحبين الاعتكاف، ولكن أهلك يرون أنه لا اعتكاف للفتاة، ويقولون لك: يكفي أن تصلي التراويح أو تصلي في بيتك، وترغبين ألا تحرمي نفسك فضل الاعتكاف، ومن ثم أوصيك بالآتي :
1 - حاولي أن تقنعي أهلك -بالحكمة والموعظة الحسنة- بأن اعتكافك في المسجد- طالما أمنت الفتنة والخلوة- جائز شرعًا، فإن اقتنعوا كان ذلك خيرًا.
2 - إن رفضوا خروجك للاعتكاف في المسجد، فلا تضيعي الوقت في الجدال، فما لا يدرك كله لا يترك كله، وعوضي نفسك بالإكثار من العبادات وفعل الخير، فأكثري من قراءة القرآن، والأذكار والاستغفار.
3 - عليك بالدعاء والتوجه إلى الله وسؤاله أن يجعلك من عتقائه من النار ومن المقبولين، وأكثري من الدعاء بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4 - التمسي ليلة القدر في العشر الأواخر، وأكثري من قول "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا"، فهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها.
5 - احرصي على الصدقة وصلة الأرحام وإطعام الفقراء وزيارة المرضى وإفطار الصائمين فتلك أبواب للخير يغفل عنها الناس في رمضان.
وختامًا..
أسأل الله تعالى أن يتقبل منك نيتك، وأن يجعلك من عتقائه من النار ومن المقبولين.. آمين، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
إصلاح درجات الامتحان بالدعاء ! ... العنوان
العبادات ... الموضوع
حصلت على درجات غير جيدة في مادتين من المواد التي أدرسها، وذهبت للأستاذين الذين يدرسان ليّ هاتين المادتين، لكنهم أخبروني بأنني لا أستحق أكثر من هذه الدرجات، و أنا أعرف أنني أستحق المزيد، وأريد أن تصلح الدرجات .. ولا أدري ماذا أفعل ؟
فهل إذا دعوت الله بذلك يستجيب ليّ خاصة ونحن في هذا الشهر الفضيل .. شهر رمضان؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار(33/824)
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، وعليه آله وصحبه ومن والاه : وبعد ...
الأخ الكريم :
شعور الطالب بأنه لم يتحصل على درجات عالية في الامتحانات أمر طبيعي، يكاد يكون موجودا عند غالب الطلاب، فكل طالب يرى بعينه الأشياء، وغالبا ما يرى أنه قد أجاب عن المطلوب في الامتحانات بجدارة، أو على الأقل يقدر لنفسه تقديرا أعلى مما يستحق، وهذا -في ظني – يرجع إلى أمرين :-
الأول: أنه من الطبيعي أن يشعر الإنسان بالظلم، وأن يضع اللائمة على غيره، فهذه طبيعة توجد في كثير من بني البشر.
الثاني: أن الطلاب لا يفرقون بين طبيعة المذاكرة، وطبيعة الامتحانات، فقد يذاكر الطالب المادة جيدا، لكن لا يكون عنده فن التعامل مع الامتحانات. صحيح أن المذاكرة هي الأساس في الإجابة، غير أنها ليست كل الأسس، فكثير من الطلاب يأخذ السؤال بعنوانه في الكتاب، وربما يكون المقصود غير هذا.
وربما يركز الطالب على حفظ المادة دون فهمهما، ولهذا يكون من الأخذ بالأسباب التمرس على كيفية أداء الامتحانات، ومعرفة طبيعة كل أستاذ يدرس له، ومنهجه في وضع أسئلة الامتحان، وغيرها من الأسباب التي تساعد الطالب كثيرا في الحصول على درجات مميزة.
هذه – يا أخي الحبيب- مقدمة لابد منها، لأنها قد تساعدك في تصحيح الصورة، وربما تقرب من الوجهة الصحيحة للمسألة عندك.
أما عن قضية الدعاء، وأنه ربما يغير من الحال الواقع، فهذا من حيث المبدأ صحيح، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، غير أنه قبل الدعاء يجب الأخذ بالأسباب، لأن الله تعالى جعل من قوانين الحياة على الأرض قانون السببية، ثم بعد الأخذ بالأسباب واستنفاد كافة السبل الممكنة يأتي الدعاء والتوجه إلى الله.
وفي حالتك- يا أخي- إن كنت غير متأكد من صحة الدرجات بدرجة كافية، فالطريق أن تطلب إعادة تصحيح ورقة الإجابة، في هاتين المادتين، وهذا هو الأخذ بالأسباب، وأحسب أنه يمكنك قبله أن تكلم بعض الأساتذة المقربين من الأساتذة المكلفين بتصحيح هاتين المادتين، حتى يكون طريقا لحل الأمر بشكل سلمي، من باب المعاملة بالحسنى، فإن استشعرت أن هناك ظلم يغلب على ظنك أنه وقع بك، فاطلب إعادة تصحيح الأوراق..
وبعد هذا ومعه يكون الدعاء، وما يقدره الله تعالى لك هو خير دائما، ويجب أن نوطن أنفسنا على أنه من المحتمل أن نكون نحن المخطئين، وليس لازما أن نكون نحن المظلومين، فكل إنسان يرى بعينه هو لا بعين غيره.
وحل الأمر يأتي بالمجادلة بالحسنى، وإن كان الله تعالى قال لنا في جدال أهل الكتاب " وجادلهم بالتي هي أحسن"، فإنه من باب أولى أن نتجادل فيما بيننا بالحسنى، وتأتي(33/825)
هنا وظيفة الدعاء في أنه يفتح أبوابا للأخذ بالأسباب، وأن ييسره الله تعالى، وتلك وظيفة الدعاء في حياتنا.
وليس معنى الدعاء أنك عندما تدعو الله أن يصلح لك درجاتك، يقوم الأستاذ من نومه فإذا به يصحح ورقتك دون أن يكون هناك سعي، لا .. فالسعي أمر مطلوب على وجه الوجوب، وقد قال تعالى:" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، وقال أيضا:" وأن سعيه سوف يرى".
أما ما كان يرد من كرامات من الله تعالى لبعض عباده الصالحين، فإنها ليست الأساس في الحياة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن كل أفعاله معجزات، بل الدنيا تبقى على قواعد بنائها؛ وفقا لنواميس الله تعالى وسننه في الكون، كما أن الدعاء وحده لا يجلب الكرامات، بل الكرامات هي تفضل محض من الله تعالى لبعض عباده بما يراه الله تعالى، وهي تتم بحكمة منه سبحانه تعالى، فإنه سبحانه ما يقدر شيئا إلا وله حكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها.
وختاما أقول لك :
خذ بالأسباب وراجع الأمر جيدا، وشاور فيه بعض أساتذتك ممن تثق بهم قبل البدء في أي خطوة، ثم أكثر من الدعاء، واعلم أن قدر الله تعالى كله لك خير. وفقك الله لما يحب ويرضى ... آمين.. وتابعا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
كيف أتوب من مشاهدة "القنوات الخليعة"؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا متزوج ومتدين، أصلي وأصوم وأتصدق ولم أشرب في حياتي خمرًا، ولم أرتكب أي فاحشة، وأدعو أصدقائي إلى عمل الخير دائمًا، وأنا معروف في وسطي أنني شخص نزيه ومتدين وأطبق العدالة في عملي؛ ولكنني غير راضٍ عن نفسي، وأحسب نفسي جملة من المتناقضات؛ ففوق كل هذا أحيانًا أتابع القنوات الخليعة( مرة واحدة كل 3 أشهر تقريبًا)، وأعرف أن ذلك خطأ كبير، والمشكلة أنني أتوب وأرجع فأشاهد هذه المنكرات.
أريد أن تساعدوني في إيجاد حل للتخلص من هذا المرض. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل:
من الإيمان أن يستنفر الإنسان قواه، وأن يكون في حالة من القلق والاضطراب حين يجد نفسه عاصيًا، خشية وخوفًا من الله تعالى، متمثلاً قوله تعالى: "إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم"، وأن يستشعر المسلم أن ذنبه كالجبل يكاد ينطبق عليه، فيودي بحياته، وأن من شؤم المعصية أن تكدر عليه صفوه، وتنغص عليه(33/826)
عيشته، وأن يدرك أثر وخطورة المعصية على نفسه، وأنها تأكل من دينه كما تأكل النار الحطب.
ومثل هذا الشعور هو بداية التوبة الصادقة، أو أنه خطوة صحيحة على طريق التوبة والعودة إلى الله تعالى، ولكن هذا الخطوة لن تكون مجدية إذا لم تتجاوز هذا الشعور النفسي إلى واقع ملموس له أثره في الحياة، وألا تكون فكرة كملايين الأفكار حبيسة الأذهان والنفوس، وربما حبيسة الأدراج، لا خير فيها دون عمل.
وذلك أن القرآن الكريم علمنا دائمًا الربط بين التفكير سواء أكان إيمانًا أو عقيدة وبين الترجمة العملية لهذا التفكير، وأن ينقلب من مرحلة التفكير إلى مرحلة السلوك المعاش.
كما أنه من الجيد أن يشخص الإنسان حالته، وأن يعرف ما يقوم به من خير، وما يصيب من شر، فإن من الظلم للنفس اتهامها على طول الخط، بل لا بد من وضع المشكلة في حجمها الحقيقي حتى نعرف علاجها، وربما أذنب الرجل ذنبًا قليلاً، فيأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: "هل صليت معنا؟"، فيقول الرجل: نعم. فيخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه كفارة ذنبه.
هذا يعني أن الذنب أشبه بالمرض، بل هو هو، وحسب المرض يكون العلاج، فإن مرضًا غير مستعصٍ، تداوى صاحبه منه بدواء يناسب حجمه، وإن كان مرضًا مستفحلاً، كان له من الدواء ما يناسب عظم قدره.
ومن الفطنة أن يشعر المرء حقيقة ذنبه الذي يرتكبه كأي سلوك بشري، ما الذي دفعه إليه؟ ولماذا يعود إليه؟ وما مكانته من نفسه؟ وهل هو من نفسه أم من الشيطان؟ وما درجة تعلق نفسه به؟ وما العوامل التي ساعدت على بقائه في نفسه؟ وما أفضل طرق العلاج التي توائم نفسه، حتى ولو كان فيها بعض الألم؟
أخي الكريم:
هذه الأسئلة يجب أن تجيب عنها بنفسك، فأنت أدرى الناس بنفسك، ولكننا نسعى لتوجيهك، كي تساعد نفسك في التخلص من هذا الذنب.
أما عن طبيعة الذنب، وهو مشاهدة القنوات الخليعة، فهو مرض قد استشرى في عالمنا بعد ثورة الاتصالات التي قذفت لنا كثيرًا من الخير، وأكثر من الشر، ومنها الثورة الجنسية بأشكالها المتعددة، وخلاصة منهج الإسلام في التعامل مع الجنس هو اتساع مساحة الاستمتاع بالجنس بشرط أن يكون حلالاً، بل سعى لحماية المسلم من أن يقع في الحرام، ومن ذلك غض البصر الذي دعا الله تعالى إليه، حين قال: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..."، وفي غض البصر أمور:
الأول: أن غض البصر ليس محصورًا على أن ينظر الرجل إلى المرأة أو تنظر المرأة إلى الرجل؛ لأن النظرة قد تكون مباحة إن كانت للحاجة، أو لم يقصد بها شر، أو تدعو إليه، فتجوز النظرة للتداوي وللبيع والشراء وللخطبة وغير ذلك، ولكن النظرة تحرم للاطلاع على العورات الحية أو غير الحية، فيحرم النظر إلى العورات في المجلات ومواقع الإنترنت والفضائيات، ولأنها إن لم تكن حقيقة ملموسة أمام(33/827)
الرجل، لكن لها أثرها الكبير على نفسه، مما قد يدفعه إلى ما حرم الله تعالى، وقد حرم الله تعالى ما يدعو إلى الزنى قبل تحريم الزنى ذاته، قال تعالى: "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا".
الثاني: أن القرآن ربط بين البصر والوقوع في الفاحشة، "يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" "يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"؛ لأن النظرة هي أقرب وسيلة للقلب، وهي المحرك الرئيس لارتكاب الفواحش.
وقد ذكرت في بياناتك أنك متزوج، فما طبيعة العلاقة بينك وبين زوجتك؟، فإن كان ما تصنعه من المشاهدة انبهارًا ببنات الفضائيات فهذا وهم لا فائدة منه، فالمرأة هي المرأة، ولو أن إحدى بنات الفضائيات تزوجت، لكان شكلها مختلفًا، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إن أعجبه شيء من امرأة أخرى، فليسكن شهوته مع زوجته، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى من امرأة ما يعجبه، فليأت أهله، فإن فيها مثل الذي فيها".
فلتكن نظرتك واقعية فيما يخص النساء، واهتم بالعلاقة الجنسية بينك وبين أهلك، واقرأ في الثقافة الجنسية بما يشبع رغبتك وشهوتك مع زوجتك، ويجعل حياتكما سعيدة، فلأن تهتم بثقافتك الجنسية وتزيد معلوماتك فيها لتستمتع من زوجك خير من هذا الحرام الذي لا خير فيه، كما لا تنسَ أن زوجتك إن رأتك تشاهد مثل هذه الفضائيات فإنها ستفعل مثلك، وربما جر هذا إلى ارتكابها الحرام، فأغث سفينتك، وأحكم قيادها بتقوى الله عز وجل.
وهناك بعض الإرشادات الهامة التي يمكن الاستعانة بها في هذا الأمر، من أهمها:
- الترويح الدائم عن النفس بما هو مباح، من الرحلات والخروج إلى الطبيعة والتأمل في خلق الله تعالى، وخاصة السماء، والنظر إلى الخضرة وكل ما يريح النفس.
أن تنظر من العبادات ما هو أحب إليك، وأقرب إلى نفسك، فخير العمل ما وافق الشرع والهوى.
- أن تستمتع بالمشاهدات المباحة، فليس كل الفضائيات شر، بل فيها خير وشر، وعلى المسلم أن ينتقي، على أن يكون حذرًا، وأن يكون عالمًا بنفسه، فإن رأى نفسه تغلبه، فليستغن عن هذه المشاهدات، وله في الوسائل الأخرى بديل عنها.
أن يشغل الإنسان نفسه بالنافع لنفسه ولغيره، وأن يملأ وقته بعمل الصالحات، فكما جاء في الحديث: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ".
- أن يعوّد نفسه على تقوى الله وتعالى ومراقبته، فهي العلاج الناجع، والدواء النافع.
- أن يدرك الإنسان أن فعله مجرد مشاهدة فحسب، وأنه قتل وقت في معصية الله تعالى، ونفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
- أن يعرف المرء ما الذي دفعه، فربما كان هناك سبب خفي، فليسعَ إلى علاجه، فربما كان في علاجه خير وسيلة للامتناع عن هذا الحرام.
- أن يكثر من الدعاء إلى الله تعالى أن يتوب عليه، وأن يلزم قلبه خشيته وتقواه، وأن يحسن عمله، وأن يجعله من الصالحين المصلحين.
... الاسم ...(33/828)
لا أقنع ولا أرضى بما كتبه الله !! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أحتاج إليكم أن تساعدوني على حل مشكلتي التي أثق في أن هذا الشهر الكريم يمكننا من حسن العبادة وتحسين الخلق وتزويد الروح بما تحتاج إليه..
أنا فتاة من عائلة محترمة، مشكلتي أنني لست متدينة مع أن أخواتي وأمي متحجبات ومتدينات، في الفترة الأخيرة بعدت عن الله كثيرا؛ لأني دخلت في علاقة فاشلة وانتهت، أواجه مشكلة في المواظبة على الصلاة، مع أني كنت مواظبة عليها من قبل. أكبر مشكلة عندي هي عدم وجود القناعة والرضا بما كتب الله.
أنا كثيرة الشكوى والتفكير، أحلم بأن يكون لدي طفل ولكني لست متزوجة، كما أنني لست جميلة كبقية عائلتي. أظن أن الزواج لن يحصل مما يقوي إحساسي بعدم القناعة والغضب.
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخت الفاضلة، كل عام وأنت إلى الله أقرب، وله أطوع..
رسالتك مع قصر كلماتها و وجازة عبارتها إلا أنها خلصت كثيرا من مشاكلك، وهذا يعني عن إيجابيات في الشخصية؛ فأنت بطبيعة رزقت شيئا من التركيز، وكذلك التحليل، وأنك دائما تنظرين إلى لب الموضوع وجوهره دون الدخول في كثير من التفاصيل، وهذه من نعم الله تعالى عليك..
وهذا يجرني بك إلى أن تنظري لنفسك فيما وهبك الله تعالى من أمور طيبة، فضلت بها عن غيرك، ومنحك الله تعالى ما لم يمنح كثيرا من زميلاتك وأقرانك؛ فإن النظر إلى النعم يدفع للشكر، ويأخذ بيد النفس الطيبة أن تكون عابدة لله تعالى، راجعة له.
كما أن طلبك المساعدة للتوبة يعني أن فيك خيرا كثيرا، وأن عندك من الأعمال الصالحة الطيبة ما يجعل من السهل عليك أن تسلكي سبيل الله، وأن تعودي إليه سريعا، مثل شخصيتك أعتقد أنها حين تتدين وتلتزم ستكون أكثر من غيرها التزاما وتقربا إلى الله؛ فإن الله تعالى- حسب فهمي لشخصيتك من خلال رسالتك- حباك صفات جميلة كثيرة، والمطلوب منا حين نستنهض أنفسنا أن نحيي فيها منابت الخير، وأن نعظم فيها الأعمال الصالحة، وأن ننفض عن أنفسنا وهم العجز عن الطاعة، وأن نقوي إرادتنا لعمل الصالحات، ساعتها يتلاشى كل ما كان يدور في خلدنا أنه لا يمكننا الرجوع إلى الله.
وإذا أراد الإنسان أن يدخل مكانا ووجد الباب مفتوحا، فحين يدعي أنه لا يقدر على الدخول، فإن داء الوهم أعماه، وأن ما أصابه من شلل منع حركته إنما هو وهم زائل، علاجه أن يتحرك ليس إلا؛ لأنه ليس هناك ما يمنعه، ومما يساعده أن من فتح له بابه يناديه، ربما يتردد الإنسان عن الدخول، لكن هذا لا يعني العجز، ولكن يزول هذا(33/829)
التردد إذا ناداه من يريد الذهاب إليه؛ فذلك النداء يقطع التردد، ويدفع بقوة نفسية إلى أن يتحرك نحو هدفه.
والله تعالى ينادينا دائما: "وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"، ويقول لنا: "إن الله يغفر الذنوب جميعا"، ويخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل"..
إن التوبة تبدأ بقوة دافعة من النفس، ويقين بحب الله تعالى للتوبة التائبين، وعودة الراجعين، وتيسيره لهم طريق الإنابة، وحين يقبل المرء بقلبه تائبا تفتح أبواب الخير؛ فيرزق من حسن الأخلاق ما يجعله راضيا عن قضاء اللهِ، بل لا يرى الخير إلا فيما كتبه الله تعالى، فينقلب الأسود في عينه أبيض من اللبن.
ويصبح مر القدر أحلى من العسل؛ لأن قلبه تعلق بالله، ومن تعلق بالله، هانت عليه الدنيا وما فيها، فلم يجد حبيبا بحق إلا الله، ولم يجد معينا بصدق إلا الله، ولأن قلبه بين أصبعين من أصابعه، فيهبه الله تعالى الرضا عنه.
وحين يرضى العبد عن ربه، يكافئه ربه بالرضا عنه، "رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه"، فيكون من تمام الرضا تولد الخشية من الله، فيحفظ المرء من الوقوع في الكبائر، بل يكره إتيان الصغائر ولا يقع فيها عامدا، فيحبب الله إليه الإيمان في قلبه، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، فيصبح من عباد الله الراشدين، فيبصر بعد عمى، ويهدى بعد ضلالة، فيتذكر نعمة الله تعالى عليه: "ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى"، ويدرك أن نعمة الطاعة عنده أغلى كنوز الدنيا، وأن الله تعالى لن يحرمه خيري الدنيا والآخرة "وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى"، فيشعر ببرد رحمة الله على صدره، ويسكن الرضا فؤاده، وأن الله سيكون معه ولن يتركه أبدا: "ما ودعك ربك وما قلى".
أما عن تساؤلاتك تفصيلا فأجملها لك فيما يلي:
عدم التدين:
إن شعور المرء بنقص دينه، وتفوق أقرانه عليه في طاعة الله ظاهرة صحية، تجعله مؤهلا لأن يلحق بالركب، بل يمكن أن يسابقهم فيه بعد أن يعود إلى الله، وهذا يعني أن الإيمان نابت في القلب، وإن كان مخدرا، تحت تأثير المعاصي التي غيبته، ولكنه ليس بميت، وفرق بين المريض والميت، وأنت تطلبين التوبة، وهذا يعني أنه من اليسير عليك أن تعودي إلى الله تعالى، وأن تلحقي بأخواتك.
ولكن انتبهي، اعقدي أمرا بينك وبين الله، بينك وبينه فقط، استشعري أنك أمة الله تعالى، صالحيه بعد غضبه، وترجيه أن يصفح عنك، فلن تجديه إلا غفورا رحيما، كلميه بقلبك، وبلسان حالك بينك وبينه، واشكي له كل ما تريدين، اجعلي صلاحك وتوبتك بينك وبينه، خالصة له سبحانه وتعالى، وثقي وأنت عائدة أن الإيمان قلب خاشع، وعمل صالح، ومظهر طيب.
ورب عمل قلب سبق أعمال جوارح؛ فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وليس ما عمل ولم يكن للقلب فيه نصيب، وفائدة هذا أنك ستثبتين على الإيمان، ولن تجدي شكوى من حنينك للمعصية، لأن مدار الإيمان على القلب، فإذا ملئ القلب إيمانا، وثبت الله صاحبه، عجزت شياطين الإنس والجن أن تهز هذا الجبل الشامخ، فيبقى(33/830)
ثابتا حتى يلقى الله تعالى؛ فهو يغذي قلبه بالإيمان قبل جوارحه، وكثير من شكوى الناس في ضعف الإيمان أنهم يهتمون بطاعات الجوارح دون طاعات القلوب، والجمع بينهما جماع الأمر، وتقدم طاعة القلب على طاعة الجارحة.
العلاقة الفاشلة:
أما عن علاقتك الفاشلة والتي انتهت، فإن هذا الفشل دليل حب الله تعالى لك، فاحمدي الله تعالى أن عصمك، وأبعدك عن معصيته، وأنه أراد لك أن تكون طاهرة القلب والقالب، وأن تتعلمي من تلك العلاقة أن كل سير في غير رضا الله، لا فائدة منه، وضرره غالب على نفعه، وقد طلب الله تعالى من كل فتاة أن تكون حافظة لنفسها؛ فإن ذلك من دلائل إيمانها، وقد مدح الله تعالى الصالحات بأنهن يحفظن أنفسهن من الوقوع في الرذيلة فقال:
"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"، فكل علاقة تبنى على غير ما أحل الله، فلن تأتي بخير، وهو درس أن تنظمي علاقتك مع غيرك، وأن يكون الميزان: هل يرضى الله تعالى عن تلك العلاقة أم لا؟
عدم المواظبة على الصلاة:
أما عن عدم مواظبتك على الصلاة؛ لأن القلب مطلي بالمعاصي، فهو لا يبصر ما يتغذى به من طاعة الله، وحين العودة إلى الله تعالى والتوبة إليه، يكون القلب أشد تعلقا بالله، ويكون أكثر عطشا أن يقف بين يدي الله تعالى، وأنصحك بما يلي:
1- أن تبادري بالصلاة وقت الأذان، فتصلين في أول الوقت.
2- يا حبذا لو صليت في المسجد مع الجماعة، فإن هذا أدعى لترك الكسل عن أداء الصلاة.
3- تعاهدي مع بعض أخواتك وزميلاتك بأن يعين بعضكن بعضا على الصلاة والتذكير بها، وأن تتفقد كل منكن الأخرى إن غابت عن الصلاة.
4- استمعي إلى بعض الشرائط عن فضل الصلاة، وأرشح لك ما سجله الأستاذ عمرو خالد في شريطه عن الصلاة.
5- أكثري من الدعاء أن يهبك الله تعالى المحافظة على الصلاة "رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء".
6- اقرئي في سير الصالحين، كيف كان حالهم في الصلاة.
عدم الرضا والقناعة:
أما عن عدم الرضا والقناعة، فإن مرد هذا إلى الإيمان القلبي، فكلما أمددت قلبك بالطاعة لله تعالى، وهبه الله تعالى الرضا عن كل ما يقدر، ويكون ما قدره الله تعالى أحب إلينا مما نخططه ونتمناه لأنفسنا، وحين نعلم أن الله تعالى لا يبخل علينا بأي شيء نافع لنا، وأن ما يحرمنا منه إنما هو عطاء منه إلينا؛ لأنه لا يمنعنا إلا ما فيه ضررنا، وأنه يدخر لنا الخير دائما.
وأننا لا نعلم إلا ما نراه بأعيننا، وما نعرفه بعقولنا وثقافتنا، وعلمنا علم محدود، أما علم الله تعالى فهو سبحانه قد أحاط بكل شيء علما، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، واجعلي دائما قوله تعالى: "لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم"، فكل ما(33/831)
قدر الرحمن محمود، فحين يتولد في نفسك الثقة بالله، يهبك الله تعالى الرضا بالقضاء والقدر.
تمني الزواج:
أما أمنية الزواج وأن يكون عندك ولد، فتلك طبيعة بشرية، ليست شرا، بل هي تعبير عن فطرة الله تعالى التي فطر عليها بنات حواء، أما عن وصفك نفسك بأنك لست جميلة، فانظري في حال المتزوجين، فكم من الفتيات الجميلات اللاتي لا يختلف اثنان عن جمالهن ولم يكتب لهن الزواج بعد، ومن من الفتيات اللاتي لسن في عداد الجميلات ومتزوجات وعندهن أولاد، بل أفهم من كلامك أنك والحمد لله لست ذميمة.
ولكن ربما تكونين أقل جمالا من غيرك، وهذه طبيعة بشرية، فكل جميلة هناك من هي أجمل منها، كما أن الجمال شيء نسبي، ثم إن الناس لا يختارون الزواج بمقياس الجمال وحده، ولكن هناك جمال الروح وخفة الدم، وحسن الأخلاق والبيت الصالح، والتدين، وغيرها من مقاييس البشر في الزواج.
والزواج رزق مكتوب، يأتي للإنسان في أوانه ووقته، وكما قال تعالى: "وكل شيء عنده بمقدار"، ولكن مشكلتك هي جزء من مشكلة كبرى في المجتمع، من سوء الأوضاع الاقتصادية، وغلاء المهور ونفقات الزواج، وليس بسبب أنك لست جميلة مثل كثير من الجميلات، ولكن اشغلي بالك بإقبالك على الله، فسيفتح الله تعالى لك من رحمة الطاعة والإيمان، ورحمة التوسعة في الدنيا، وتذكري يوم ستتزوجين، نعمة الله تعالى عليك.
أوقن أنك ستبدئين بالتوبة، ولكن لا تؤخري، قومي الآن بعد قراءة هذه السطور، واجلسي مع الله، وعودي إليه؛ فإن حياتك سيكون لها طعم آخر، لن تتنازلي عنه أبدا، مهما كانت مغريات الحياة، فإنه كما يقول أحد الصالحين: "لو يعلم الملوك ما نحن فيه من النعيم- يعني نعيم الطاعة- لجالدونا عليه بالسيوف"، فقومي لربك، وعودي إليه.
ـــــــــــــــــــ
برنامج إيماني للعاملين والأطفال ... العنوان
العبادات ... الموضوع
يستغرق عملي كثيرا من الوقت. وأريد أن أستثمر وقتي في رمضان فماذا أفعل؟ وماذا يمكن أن نقدمه في رمضان لأولادنا ؟ و جزاكم الله خيرا.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الداعية الشيخ أحمد حمود الدبوس- إمام وخطيب مسجد الشيخ أحمد في الكويت:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..(33/832)
قضية (البرمجة الإيمانية) في شهر رمضان الكريم صفة وصبغة ذاتية يهتم بها المسلم لتكون له ذخرا لما بعد رمضان، وأقترح عليك بعض الأعمال المبرمجة في حياة المسلم في يومه:
1) الاستيقاظ قبل الفجر للقيام والاستغفار.
2) الاستعداد لصلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، وللأخوات في أول وقتها.
3) الانشغال بعد الصلاة في أذكار الصباح، وتلاوة القرآن الكريم، وبعض التفاسير المبسطة إلى طلوع الشمس، وصلاة الإشراق.
4) ممارسة بعض الرياضة البسيطة والحركات العضوية البسيطة التي لا تأخذ زمنا طويلا.
5) انطلاقة رب الأسرة مع أولاده إلى المدرسة، ثم يذهب إلى عمله.
6) الحرص على صلاة الظهر جماعة.
7) العودة بعد صلاة الظهر لأخذ الراحة.
8) الحرص على صلاة العصر في الجماعة، وحضور حلقة العلم.
9) أذكار المساء قبيل المغرب، والاستعداد للإفطار الجماعي أو الأسري.
10) صلاة العشاء في الجماعة، مع المحافظة على صلاة التراويح.
11) تبادل الزيارات مع الأهل والأقارب والأصدقاء والأحبة.
12) الجلسة العائلية قبيل النوم، وتبادل الحب والود؛ للإضفاء على ذلك اليوم التعايش الأسري
13) الحرص على النوم المبكر حتى ولو كان في رمضان، وإن تأخر قليلا.
14) الحرص على البعد عن جميع الآثام الكبيرة والصغيرة منها.
15) متابعة تحقيق الهدف الرئيسي من رمضان لنكون من المتقين.
16) متابعة هذه البرمجة، والحرص عليها، والاجتهاد في تحقيقها، خصوصا بعد رمضان؛ حيث إن الوقت يكون أوسع وأشمل.
17) الحرص على الأعمال التطوعية والتنفلية في أوقات الفراغ.
18) الحرص على البيئات والصحبة النافعة في اغتنام شهر رمضان الكريم.
19) كن حاسما في التعامل مع الوقت، ولا يمنع من شيء من المجاملة، لكن نرجو عدم الإسراف بها.
هذا أخي الحبيب برنامج على عجالة؛ لاغتنام شهر رمضان، والأصل فيه تنظيم الوقت. وبالنسبة للأطفال فيصلح لهم هذا البرنامج الإيماني في رمضان:
1) شرح مبسط لأهمية ركن فرضية رمضان .
2) متابعة الأبناء في الترجمة العملية بالنسبة للصلوات والصيام لهؤلاء الأطفال.
3) تحفيظهم بعض آيات القرآن الكريم.
4) عرض بعض أشرطة الفيديو التي تشرح بعض الأعمال الرمضانية.
5) ربطهم في المؤسسات التربوية والتعليمية في أوقات الفراغ خصوصا في رمضان؛ حتى يتسنى لك اغتنام تلك الفرصة المباركة.
6) تعويدهم وتربيتهم على برنامج الزيارات لصلة الأرحام
7)ترغيبهم وتدريبهم على الصيام ولو بعض اليوم حتى لو كان ساعات.(33/833)
8) جمعهم على البرنامج القرائي المناسب لمستوياتهم وأعمارهم.
9) إسماعهم بعض الأشرطة الإيمانية المناسبة للعمر، والتي يقوم بها بعض الأطفال.
10) حرصهم على الأشياء المفيدة والعملية خصوصا في شهر رمضان المبارك.
11) الاجتهاد من الأبوين بأن يكونوا قدوة حية وعملية في رمضان.
12) نرجو الاستفادة من ألعاب التسالي المفيدة من خلال أشرطة الفيديو لإشغال فراغهم.
بارك الله فيكم وجعلنا وإياكم ممن يتبعون القول فيتبعون أحسنه
وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
سبع نصائح للحفاظ على صلاة الجماعة ... العنوان
العبادات ... الموضوع
أولاً لما قرأت عنوان استشارات إيمانية انشرح صدري للغاية .. وأحببت أن أرسل إليكم هذه الاستشارة، فقد كنت مواظباً ومحباً لصلاة الجماعة والآن أنا من أشد المقصرين فيها، أرى أنه لم يتغير في حياتي كثيرا .. ففي قديم الزمن كنت أحزن لو فاتتني الصلاة في جماعة .. وكنت أشتاق إلى الصلاة في المسجد .. والآن لا أبالى أن أصلى في البيت .. في المسجد .. في الوقت أو بعد مرور الوقت مثلما يكون .. فما السبيل إلى العودة بارك الله فيكم ؟
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الحبيب كريم،
مرحبا بك في صفحتنا (استشارات إيمانية)، التي نسأل الله عز وجل أن يجعلها بلسما يداوي القلوب، وعونا لاجتناب الذنوب، ومرشدا لعلاج العيوب، وأن يشرح الله عز وجل بها صدورنا وصدور إخواننا للإيمان به، وبعد ..
إذا هبت رياحك فاغتنمها
أحب - أخي كريم- أن أوضح لك أولاً أن المؤمن يقضي حياته الإيمانية ما بين قوة وضعف، وإقبال وإدبار، وارتفاع وانخفاض في منسوب الإيمان عنده، فالإيمان يزيد وينقص كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
والمؤمن مطالب دائما أن يراقب المنسوب الإيماني عنده، ليستدرك أولاً بأول، فهو لا يدري متى توافيه المنية، ومتى ينقضي أجله، لذا ينبغي أن يحرص على جبر النقص متى شعر به، وهذا يتطلب منه جهاد نفسه ومراقبتها، والتحكم في دفتها، ليسهل له قيادها وسوقها في طريق الله عز جل.
وتبعًا لمستوى الإيمان عند العبد يتردد عمله بين الهمة والفتور، ولكن المؤمن الحصيف هو من يحرص على ألا يخرجه فتوره عن طاعة الله عز وجل، وأداء(33/834)
الفرائض الثابتة، ويصل به إلى المعصية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك" رواه أحمد، وروى الترمذي نحوه وقال: حسن صحيح غريب.
وقد وعى الصحابة والسلف رضي الله عنهم هذا المعنى وفطنوا إليه، فكانوا يستثمرون أوقات الهمة والشرة وإقبال النفس، فيكثرون من العمل، وفي أوقات الفترة وإدبار النفس كانوا يرفقون بها ويحسنون قيادها لكي لا تنحرف بهم، حتى تعود إلى سابق عهدها من الهمة والإقبال.
ولكني أخي الحبيب لا أريد أن يدعوك فهم خاطئ لهذا الكلام إلى الاسترسال في الغفلة والاستسلام لها، بل إن ما أدعوك إليه هو العمل على فهم طبيعة نفسك مما يدعوك إلى حسن سياستها، وليكن رائدك قول الشاعر:
إذا هبَّت رياحها فاغتنمها *** فعقبى كلّ خافقة سكون
إلى رحاب الجماعة
أخي الحبيب، لقد بدأتَ بالفعل في سلوك طريق الرجوع إلى سابق عهدك من المحافظة على صلاة الجماعة، حيث أدركتَ أنك على غير الجادة، وعزمتَ على الإصلاح والإنابة، وأرسلت إلينا تسألنا النصيحة والمشورة، وهذه بادرة خير. هذه البادرة الطيبة أخي الحبيب يجب أن يعقبها عدة أشياء :
أولاً: أن تعرف– أو تتذكر– فضل صلاة الجماعة، وحضور المساجد:
فإقامة الجماعة مع كونها سنة مؤكدة ، لكن إقامتها في المجتمع المسلم من فروض الكفايات، وهي في حق الأفراد من آكد السنن، وقد جاءت آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تحث عليها ، وتبين فضلها، منها قوله عز وجل: "وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ" ونلاحظ الأمر بالمشاركة للمصلين في صلاتهم. وقال تعالى: "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ" فلو كانت صلاة الجماعة غير واجبة أو يجوز التساهل فيها، ما كان الله عز وجل أمر بالحفاظ عليها حتى في حال الحرب ومواجهة العدو، وما كان اهتم بها هذا الاهتمام إلى حد بيان طريقة القيام بها في هذا الظرف العصيب.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حِزَم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار" متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يهادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف" ، فتأمل(33/835)
معي أخي الحبيب، وانظر مدى حرص الصحابة على صلاة الجماعة، حتى أن المريض الذي معه عذره كان يحمل حملا حتى يأخذ مكانه في الصف !!.
حتى الأعمى الذي لا يجد من يقوده إلى المسجد لم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجماعة، ففي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلازمني إلى المسجد، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تسمع النداء بالصلاة؟" قال" نعم، قال: "فأجب". وغيرها الكثير من الأحاديث.
والتخلف عن صلاة الجماعة يدعو المرء لتأخير الصلاة عن وقتها، والتكاسل عنها، وربما تركها بالكلية مع الوقت.
هذا غير فوات الأجر العظيم المترتب على الحفاظ على صلاة الجماعة في المسجد، ونذكر في ذلك على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار وبراءة من النفاق"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه".
ثانيًا: سؤال الله التوفيق والإعانة:
وبعد أن عرفت وتذكرت، ادع الله سبحانه وتعالى أن يرزقك طاعته، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، فبدون عون الله عز وجل وتوفيقه لا نستطيع أن نتقدم خطوة، ولا أن نأتي عملاً. وقد قال سبحانه: "ادعوني أستجب لكم".
ثالثًا: اتخذ صحبة تذكرك:
وتلك من أهم المعينات والأسباب للحفاظ على الجماعة، فيمكنك أن تتعاهد أنت وإخوتك أو زملاؤك، وأي ممن لك بهم رابطة أن تذكِّروا بعضكم بعضا، وتأخذوا بأيدي بعضكم بعضا إلى المسجد وقت الصلاة.
رابعًا: اتخاذ وسائل آلية للتذكير:
وذلك مثل أجراس المنبهات، وبرامج الكمبيوتر التي تؤذن بوقت الصلاة وتنبهك إليها قبل موعدها بدقائق، ووضع أوراق التقويم التي تتضمن مواقيت الصلاة في مكان ظاهر.
خامسا: استعد للصلاة قبل وقتها:
إن أكثر ما يعطلنا عن صلاة الجماعة هو انشغالنا بأعمال مختلفة قبيل وقت الصلاة، فيأتي الوقت ونحن منهمكون في هذه الأعمال، فلا نستطيع تركها، أو يخدعنا الشيطان بأنه يمكننا إنجازها والانتهاء منها قبل الإقامة، ثم تأخذنا الغفلة فلا نفيق إلا بعد فوات الوقت.
والحل الوحيد لتجنب الوقوع في هذا الفخ الذي ينصبه لنا الشيطان أن نستعد للصلاة قبل وقتها بفترة كافية، ونرفض الانشغال بأي شيء سوى ذلك. إن وقت الصلاة لا يأتي فجأة ليربكنا، بل إن موعده معروف ومحدد، فلنتوقف مثلا عما في أيدينا قبل وقت الأذان بربع ساعة مثلا أو خمس دقائق – حسب ظروف كل منا وعمله – ونذهب لنتوضأ ونأتي المسجد فنصلي تحية المسجد، والنافلة القبلية، استعدادا للصلاة(33/836)
المفروضة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة"، والتي غالبا ما نحرم منها إن لم نبكر في الذهاب للمسجد. وفي هذا التبكير فضل عظيم وثواب جزيل، غير أنه يهيئ النفس للصلاة المفروضة، بذهن صاف وقلب حاضر وجسد خاشع.
وانظر كيف كان صلى الله عليه وسلم يفعل حين يأتي موعد الصلاة، إكبارًا لها وتعظيمًا لشأنها، حيث تقول عنه زوجته عائشة رضي الله عنها: "كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله، فإذا نودي بالصلاة خرج إليها وكأنه لا يعرفنا". وقد روي عن بعض السلف أنه كان يعمل في حقله، فيرفع الفأس، فيسمع الأذان والفأس في الهواء، فلا ينزل بها على الأرض، بل يلقيها من يده مرددا: "الله أكبر الله أكبر". نعم الله أكبر من العمل، ومن الأهل، ومن الناس، ومن كل الدنيا.
سادسا: رفع الرصيد الإيماني:
وذلك بعمل الطاعات والقربات المختلفة، من ذكر، ودعاء، وقيام، وصيام، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الأرحام، والصدقة، وغض البصر عن المحرمات، والعمرة، والحج .. إلخ، فكلها تزيد الإيمان وترفع مقداره، فيدفع ذلك للمزيد من الطاعات والعمل الصالح. وبالطبع يجب أن يصاحب ذلك اجتناب المعاصي بكافة صورها وأشكالها، فإن الطاعة تجلب وراءها طاعات، والمعصية تجلب وراءها معاصٍ.
وتبعا لذلك، فإني لمتأكد أخي أن تقصيرك لم يتوقف عند ترك صلاة الجماعة فقط، بل من المؤكد أنه صاحب ذلك وسبقه وتبعه تقصير في واجبات أخرى، فانظر في جوانب حياتك المختلفة، والمح مواطن العيب والتقصير في نفسك، وابدأ بالاستدراك في كل جانب من الجوانب، وأبشر بإقبال الله عليك إن أقبلت عليه، حيث وعدك إن تقربتَ إليه شبرا أن يتقرب إليك ذراعا، وإن تقربتَ إليه ذراعا تقرب إليك باعا، وإن أتيته تمشي أتاك هرولة.
سابعا: مطالعة سير الصالحين:
فعندما تقرأ أو تسمع سير الصالحين، وكيف كانوا يحرصون على العبادة حرصهم على أرواحهم، تشربَت نفسك منهم علو الهمة، وازدادت إقبالا على الطاعة وبعدا عن المعصية، ودفعتك للتشبه بهم والتأسي بسيرتهم والاقتداء بأفعالهم.
هذا ولا تظنن أخي أنك ستعود سريعا إلى سابق عهدك وبسهولة، فإن الأمر متوقف – كما أخبرتك سابقا – على رصيدك الإيماني، والمدة التي قضيتها بعيدا عن رحاب المسجد والجماعة، ويتوقف الأمر كذلك على صدق نيتك وتوفيق الله عز وجل لك، فلا تستوحش الطريق فتيأس عندما تجد مقاومة من نفسك، وتشعر بثقل العبادة عليها، بل اصبر عليها، وجاهدها في الله عز وجل، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يُفتَح له.
وفقك الله أخي لطاعته، وفتح عليك أبواب الخير، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب في رمضان.. فاتحة خير ... العنوان
العبادات ... الموضوع(33/837)
أريد أن يكون صيامي على أفضل وجه، هل يمكنني تغطيه شعري أثناء الصيام فقط، علما بأنني لست محجبة، وأخلعه بعد الإفطار؟ أم كما يقولون لي فإنه لا قيمه لما أفعله؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة:
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا، ويرزقنا إتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه..آمين.
أختي الكريمة :
من الجميل أن تخاف المسلمة على صيامها ألا يتقبل، ولكن الأجمل منه أن تسعى لطاعة الله تعالى، وأن تعلم أنها تعبد الله و لا تعبد رمضان.
وأقول لك أختي :
قد يكون من اليسير عليك أن ترتدي الحجاب في رمضان، فهذا عمل جيد، تثابين عليه إن شاء الله، فإن الله سبحانه لا يضيع عمل فاعل الخير.
قال تعالى: {... فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... }، وقال أيضا :{وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ..}، فكل من يعمل خيرا يتقبله الله تعالى منه، ما دام خالصا له، حتى لو كان يرتكب بعض الذنوب الأخرى.
ابدئي بارتداء الحجاب في رمضان، ولا تضعي في نيتك أنك ستخلعينه، فإنك لا تدرين، فربما فتح الله عليك، ورزقك الدوام عليه، وقذف حب الحجاب في قلبك، وما ذلك على الله بعزيز، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
أختنا في الله
أخشى عليك – أطال الله عمرك وأحسن عملك– أن يكون أجلك قد اقترب، فلماذا تقابلين الله تعالى بهذه النية، بل انو خيرا، فإن الله تعالى سييسره لك، فهو سبحانه عند ظن عبده به، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقول الله تعالى : "أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"، رواه البخاري ومسلم.
وأدعوك بهذه المناسبة أن تقرئي بعض ما كتب عن الحجاب، في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتعرفي : الحكمة الربانية من فرض الحجاب على المرأة المسلمة ؟ وكذا لتتعرفي على المواصفات التي يجب ان تتوفر في لباس(33/838)
المسلمة ؟. اقرئي بتجرد ووعي وفهم، وأنا على ثقة أنك ستحبينه وتتمسكين به في رمضان وبعد رمضان.
إن تشريع الله تعالى لنا رحمة، فهو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا، ولكل تشريع حكمة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وما يحرم الله تعالى علينا شيئا إلا لما فيه من الضرر علينا، فيجب علينا أن نحسن الظن بالله، فهو سبحانه أرحم بنا من أنفسنا.
أختي الكريمة:
إن شهر رمضان فرصة للعودة إلى الله بتوبة صادقة، وأخشى أن تكون نيتك في خلع الحجاب بعد رمضان مانعة من خير يسوقه الله تعالى إليك، فتذكري أنك ستقفين أمامه، وأنه سيسألك عن كل صغيرة وكبيرة، فماذا أنت قائلة له؟، ستجدين كل أعمالك مسجلة في كتابك، فأخشى أن تندمي. فلا تكوني كمن يأتون يقوم القيامة يقولون :{يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.
فانو ارتداء الحجاب، حتى لو خلعته بعد رمضان، لكن اجعلي أصل النية أنك سترتدينه لله، لا من أجل بشر ولا من أجل شهر، لا خوفا من نظرة الناس، ولكن طاعة لله، فأنت أمة من إماء الله، وهو الذي خلقك ورزقك وأكرمك بطاعته، فأطيعي سيدك ومولاك، ولا تطيعي خدمه وعبيده ومخلوقاته.
أختنا الفاضلة:
أطيعي مولاك الذي يحب لك الخير، ويرزقك دائما بكل خير، ساعتها لن تهابي أحدا من البشر، لأنك خفت الله، ومن خاف الله، رزقه الله تعالى الأمن في حياته وبعد مماته.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك هذه النية الصالحة من ارتداء الحجاب في رمضان، واعلمي أن هذا عمل يفرح الله تعالى به، ولكن فرحي الله في رمضان وفي غير رمضان، وانو أن تكون ملتزمة بأوامر الله، يوفقك الله تعالى في الدنيا والآخرة. وتابعينا بأخبارك وأخبار حجابك
ـــــــــــــــــــ
قيام الليل.. دقائق غالية وأجر عظيم ... العنوان
العبادات ... الموضوع
الأخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حدَّثتنا إحدى الأخوات الفاضلات تحت عنوان: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}، عن أحكام صلاة القيام، وأمتعتنا بصورٍ من حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين. وكيف كانوا إذا جاء الليل وأرخى سدوله، توجَّه كلٌّ منهم إلى معبوده، يخلو بملك الملوك، مقبلٌ عليه بالجسد والروح. فوجدت نفسي أمام هذه التساؤلات:
* لِمَ كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحرِّض ويحثُّ على قيام الليل من غير إيجاب، وخاصَّةً لما له من عظيم الثواب؟
* "صلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام"، هل المقصود دون حساب؟
* لِمَ ارتبط قيام الليل في أذهان الناس بشهر رمضان؟
* ما الأسباب الباطنة التي تعين المسلم على قيام الليل؟(33/839)
* لماذا هم "قليل"، كما وصفهم الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها؟ ودمتم لي أحبَّتي الكرام.
... السؤال
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختي الكريمة نورة،
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بك دائما.
أسئلتك حول قيام الليل مناسبةٌ تماماً لهذه الأيَّام من شهر رمضان، حيث يكثر فيها العبادة والقيام، أسأل الله تعالى أن يعيده على المسلمين وهم في عزَّةٍ ومنعةٍ وحالٍ غير الذي هم فيه اليوم.
فقد كان رمضان هذا العام شديداً على نفس كلِّ مسلمٍ يرضى بالله تعالى ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبيّا. نسأل الله تعالى أن يصلح الحال، ويعدل الميزان. اللهمَّ آمين.
أختي نورة،
إجابات أسئلتك التالي:
1- كأنَّني فهمت من سؤالك أنَّك تسألين عن سبب عدم فرض الإسلام لقيام الليل على المسلمين.
فإذا كان الأمر كذلك، فالإجابة ببساطةٍ تكمن في قول الله تعالى: {لا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها}، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال للناس: "أيُّها الناس، قد فرض الله عليكم الحجَّ فحجُّوا"، فقال رجل: أكلُّ عام يا رسول الله؟، فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم، لوجبت، ولما استطعتم"، ثمَّ قال: "ذروني ما تركتكم، فإنَّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه"رواه مسلم.
وقد كان قيام الليل فرضاً في أوَّل الأمر، حين قال تعالى: {يا أيُّها المزمِّل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتِّل القرآن ترتيلا}، ثمَّ نُسِخ هذا الفرض إلى الندب بقوله تعالى: {إنَّ ربَّك يعلم أنَّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الذين معك والله يقدِّر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسَّر من القرآن}.
يقول الإمام القرطبي: "وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم، وانتقعت ألوانهم، فرحمهم الله وخفَّف عنهم". لأجل ذلك، خفَّف الله على المسلمين رحمةً بهم، ولم يجعل القيام فرضا، بل ندب إليه وحثَّ عليه.(33/840)
2- الحديث نصُّه: "يا أيُّها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام"رواه الترمذيُّ وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
أمَّا هل المقصود من الحديث أنَّهم يدخلون بدون حساب، فالحقيقة لم أجد في كتب شرَّاح الحديث من تحدَّث في هذا الأمر.
إلا أنني وجدتُّ عند الإمام المباركفوري ما يفيد عكس ذلك، حيث قال في شرح الحديث: "تدخلوا الجنَّة بسلام" أي من الله، أو من ملائكته، من مكروهٍ أو تعبٍ ومشقَّة"، وهذا يوحي بأنًّ هناك حساب، ولكنَّه حسابٌ يسيرٌ دون مشقَّة.
غير أنِّي لا أرى مانعاً من أن يكون المعنى عامًّا يحتمل الأمرين معا، فقد يكون المعنى الدخول دون حساب، وقد يكون الدخول بعد حسابٍ يسير، وقد يكون الأمرين معا، فهذا يدخل دون حساب، وذاك يدخل بعد حسابٍ يسير، والأمور كلُّها بيد الله تعالى يقلِّبها بحكمته كيف يشاء، وليس بعيداً عن رحمته سبحانه أن تكون بغير حساب.
3- ارتبط قيام الليل في أذهان الناس بشهر رمضان، نظراً لأنَّ رمضان هو شهر الصيام والقيام، ويتأكَّد هذا القيام في العشر الأواخر حيث الاعتكاف والتهجُّد، ومسألة ارتباط القيام في أذهان الناس برمضان، نابعةٌ من تقصير المسلمين في غير رمضان في القيام بهذه العبادة واغتنام دقائق الليل الغالية، ولذلك غدا قيام الليل له مناسبةٌ هي حلول شهر رمضان.
وهذا بالطبع ليس هو الأصل، فربُّ رمضان الذي نقوم له فيه هو ربُّ الشهور الأخرى، وهو سبحانه الذي ينزل كلَّ ليلةٍ في ثلثها الأخير ليقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له" كما ثبت في الحديث المتَّفق عليه.
4- الأسباب الباطنة التي تعين المسلم على قيام الليل كثير، أهمُّها –كما ذكر الإمام ابن قدامة المقدسيّ:
- حبٌّ الله تعالى.
- قوَّة الإيمان، بأنَّه إذا قام ناجى ربَّه، وأنَّه حاضره ومُشاهِده، فتحمله المناجاة على طول القيام.
- سلامة القلب للمسلمين.
- خلوُّ القلب من البدع.
- إعراض القلوب عن فضول الدنيا.
- خوفٌ غالبٌ يلزم القلب مع قِصر الأمل.
- معرفة فضل القيام.
قال أبو سليمان رحمه الله تعالى: "أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا".
5- نصُّ حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها هو: "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيدٍ واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، فيقوم منادٍ فينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء؟ فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثمَّ(33/841)
يعود فينادي: أين الذين كانت "تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون رَّبهم خوفاً وطمعاً وممَّا رزقناهم ينفقون"؟
فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثمَّ يعود فينادي: ليقم الذين كانوا {لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله}، فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنَّة بغير حساب، ثمَّ يقوم سائر الناس فيحاسَبون"رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والثعلبيّ.
والحقيقة لم أجد تخريجاً لدرجة هذا الحديث من حيث الصحَّة والضعف، وبعيداً عن درجة صحَّة الحديث، فإنَّ مبدأ "القليل" مبدأٌ أصيلٌ في ديننا، نظراً لأنَّ هذا القليل دائماً ما يرتبط بالعمل لله تعالى والطاعة والبذل، وهذه كلُّها تكاليف شاقَّةٌ لا يقدر عليها إلا القليلون، قال تعالى: {والسابقون السابقون، أولئك المقرَّبون، في جنَّات النعيم، ثلَّةٌ من الأوَّلين، وقليلٌ من الآخرين}.
وقال سبحانه على لسان داود عليه السلام: "قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإنَّ كثيراً من الخُلَطاء ليبغي بعضهم على بعضٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هم"، وقال جلَّ شأنه يحكي قصَّة نوحٍ عليه السلام: "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنُّور قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل".
وهكذا يتبيَّن أنَّ القلَّة هي الأصل، لأنَّ الدعوات تحتاج بذلاً وعطاءً وتضحية، وهذه لا يلقَّاها إلى فئةٌ قليلة من الصابرين ذوي الحظِّ العظيم.
شكراً لك يا أختنا على تواصلك معنا.. وأهلاً بك دائما
ـــــــــــــــــــ
كيف أعرف أن الله راض عني؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبارك الله فيكم على حسن استقبالكم...
كيف يعرف المسلم أن الله تعالى راض عنه؟ وما هي علامات رضا الله عن العبد ؟
... السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
لقد أحسنت سؤالك يا أخي، وأسأل الله تعالى أن يرضى عنا وعنك، وعن المسلمين أجمعين، وأن يرزقنا في رمضان تقواه، بفضله، ويمن علينا بمنه. قال تعالى:{ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}(البينة:8). هذه "الخشية" يا أخي هي مما يُرضي الله عنك، ويرضيك أيضا عن الله. فما هي الخشية حتى تؤدي إلى كل هذا الفضل ؟!.
يقول صاحب "لسان العرب": خَشِيَهُ يخشاهُ خَشْيًا وخِشْيًا وخَشْيَة وخَشَاةً ومَخشاةً ومَخشِيَةً وخَشْيَانًا (يائيٌ) خافهُ واتقَّاهُ (لسان العرب، ابن منظور، مادة خشي). والخوف من الله على مراتب، فأدنى مراتبه الخوف الذي هو من شروط الإيمان ومقتضاه، كما في قول الله تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران:175).(33/842)
وأعلى من ذلك مرتبة (الخشية ذات الطابع العلمي) كما في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر:28). وأعلى من ذلك مرتبة (الهيبة المطبوعة بالمعرفة)، كما في قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ}(آل عمران:30). (بتصرف، عن مقال الخوف والخشية، من "التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح"، لمحمد فتح الله كولن).
ويقول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة:100). فهل تجد نفسك من التابعين بإحسان؟ هذا مما يرضي الله عنك، ويرضيك عن الله.
ويقول الحق سبحانه: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة:22). فهلا عرضت نفسك على صفات هؤلاء "القوم"؟. إن الولاء القلبي والعملي هو لشرع الله، لا لأيٍّ كان، حتى وإن كان ذا رحم..! هذا سبيل المؤمنين، وطريق الرضا.
ويوم القيامة يكون صدق المؤمن سبيلا لرضا الله سبحانه عنه، يقول القرآن: {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(المائدة:119).
وهذه يا أخي الكريم بعض آيات ودلائل وأسباب الرضا المتبادل بين الله تعالى وعباده، نسأل الله أن يحققها فينا وأن يرزقنا إياها:
* روى وهب بن منبه أن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني عن آية رضاك عن عبدك. فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيئ عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي فذلك آية رضاي. وفي رواية أخرى: إذا رأيت نفسك تحب المساكين، وتبغض الجبارين، فذلك آية رضاي.
* وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها " ( رواه مسلم) .
* وروى مسلم وأحمد ومالك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، وأن تُنَاصِحُوا من وَلاَّهُ الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
* وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يقول حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، إلا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة" (رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي: حسن صحيح).
اللهم إنا ضعفاء فقوِّ برضاك ضعفنا، وخذ إلى الخير بنواصينا، واجعل الإسلام منتهى رضانا. وصل وسلم وبارك على جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم والحمد لله رب العالمين. وتابعنا بأخبارك..(33/843)
... الاسم ...
أبحث عن دين غير الإسلام!! ... العنوان
أمراض القلوب, العقيدة ... الموضوع
أبحث عن دين غير الإسلام؟ نعم..لأن الدين المعاملة، وحصل معي أشياء لا يعملها إنسان مسلم مع مسلم أبدا، وشفت العجب العجاب من الملتزمين، إنه إمام وخطيب مسجد، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسرق أموالي وكل ما املك؛ 300.000 ألف ريال، وبقيت مفلس، وهو يتنعم بأموالي وأموال غيري، فهل هذا مسلم؟!، إذا كانت الإجابة بـ"نعم" فأنا غير مسلم.
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الحيران
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد:
وصلتنا رسالتك، وعلمنا بما فيها، وأقول لك أخي الحبيب: لقد سميت نفسك الحيران، وما أراه أنك أنت الذي حيرتنا معك، فقد صدرت رسالتك بعبارة (أبحث عن دين غير الإسلام؟؟؟)، ثم حكيت الحكاية المؤسفة، ثم سألتنا عن هذا الرجل الذي أخذ مالك فقلت: هل هذا مسلم؟!، وختمت رسالتك بنفس الحدة قائلا :(إذا كانت الإجابة بـ"نعم" فأنا غير مسلم) !.
وأستعين بالله وأقول لك :
* سارع بالاستغفار: بداية فإنني أطالبك بالاستغفار عن قولك الذي صدّرت به رسالتك وجعلته عنوانا لها وهو: (أبحث عن دين غير الإسلام)، نعم أطالبك بالمسارعة بإعلان توبتك لله عز وجل، فاستغفر ليل نهار، لعل الله يغفر لك، فمهما بحثت فلن تجد أفضل ولا أعز ولا أكرم ولا أكمل ولا أتم من الإسلام دينا، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. فالمشكلة ليست في الإسلام؛ وإنما في المسلمين.
* احذر منافقي العصر: دعني أضم صوتي لصوتك، فالدين المعاملة حقا، بهذا أعلمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وللأسف فإن كثيرا من المسلمين، الذين يظهرون للناس التزاما وورعا وتقوى حتى إذا جئتهم لم تجدهم شيئا، ووجدت عندهم غشا ونصبا واحتيالا، فأمثال هؤلاء يا أخي الحبيب هم "منافقو العصر"، وهؤلاء يجب الحذر من التعامل معهم، وتنبيه الناس إلى خطورتهم.(33/844)
* الإسلام حجة: غير أني أود أن أوضح لك أن الإسلام حجة على الناس، أما تصرفات الناس وأقوالهم فليست حجة على الإسلام، مهما كانت مناصبهم الدينية، أو مظاهرهم الشكلية، فلا ينبغي أن تنخدع بمظاهر الناس، بل الواجب عليك أن تكون منتبها ويقظا، ولا تولي ثقتك لكل أحد، بل أعطها لمن يستحقها فقط، وهؤلاء – أهل الثقة – موجودون، لكنهم قلائل فابحث عنهم.
* النصح قبل الفضح : مثل هذا الرجل- إن كان ما جاء في رسالتك عنه صحيحا- يجب يكشف أمره للناس، حتى لا ينخدع به آخرون، وقد طالعت الرابط الذي أرسلته مع الرسالة، ولاحظت كم يشتاق كثيرون إلى معرفة اسمه وعنوانه وتجارته، وأعجبني فيك صبرك وتمهلك. ولكن قبل أن تنشر أمره وتفضحه على الإنترنت، فإنني أوصيك بأن تدعوه لتصحيح مساره والعودة إلى الله، وأن ينتهي عما يفعل، وأن تنصحه بإعادة المال لأصحابه، وتخبره بأن هذا أفضل له من نشر الخبر وإذاعته عبر وسائل الإعلام، وتذكره بأنه رجل أعمال؛ ورجال الأعمال رأسمالهم ثقة الناس بهم وسمعتهم، فإن انتهى فخيرا وإن أبى فقد وجب نشر خبره وإذاعة أمره.
* لا إفراط ولا تفريط : أنصحك بعدم التعميم، فلا تقل كما قلت في رسالتك: (شفت العجب العجاب من الملتزمين)، فليس كل الملتزمين هكذا، بل القاعدة أن كل الملتزمين يحافظون على التزامهم، ويتقون الله تعالى في كل ما يقولونه، وكل ما يفعلونه، والاستثناء هو حالات فردية شاذة، ومن ثم فإني أرجو أن تبتعد عن داء التعميم الذي ابتلينا به كعرب ومسلمين، فالواحد منا لو دخل قرية وصادف رجلا بخيلا يقول ( أهل هذه القرية بخلاء)، ولو صادف رجلا كريما يقول (كل رجال هذه القرية كرماء) !!، فلنتخلق بخلق الإسلام العظيم، فنضع الأمور في نصابها الصحيح، بلا إفراط ولا تفريط، وأن يكون ميزاننا في الحكم على الأشياء والظواهر والأشخاص هو التوسط والاعتدال، هذه نصيحتي إليك وإلى عامة المسلمين.
* أين كنتم طوال هذه المدة؟، لماذا انتظرتم كل هذا حتى سرق أموالكم، نصب عليكم باسم الإسلام، واستولى على كل ما تملكون. كيف أخذ منك، بمفردك، (300.000) ألف ريال دون أن تشك فيه، حتى بقيت مفلسا، كما قلت، كان لابد أن تسأل عنه، وتتوثق منه، قبل أن تتعامل معه بالدرهم والدينار. ألم تقرأ هذه القصة؟!، فقد رُوي أن رجلاً جاء يُزَكِّي شاهدًا عند عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال له عمر: هل عاملته بالدرهم والدينا ففيهما يظهر دين الرجل؟، هل سافرت معه، ففي السفر يظهر خلق الرجل؟، هل أنت جاره الذي يعلم مدخله ومخرجه؟؟، فقال الرجل : لا .. لا ..لا. فقال له عمر رضي الله عنه: أنت إذًا لم تعرفه، لعلك رأيتَه في المسجد يَهُزُّ رأسَه بالقرآن، ويفعل كذا وكذا من أنواع العبادات، فوقع في قلبك أنه رجل صالح عَدْل في الشهادة. فقال الرجل نعم، فلم يقبل عمر تزكيتَه.
* دروس وعبر: اعلم فقهك الله بدينك أن الإنسان عرضة لمثل هذه الموقف، ولولا الخطأ ما كان الصواب، ولولا الذنب ما كان الاستغفار، غير أنه ينبغي علينا أن نستخلص من هذه القصة الدروس والعبر والعظات، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ومن هذه الدروس المستفادة:-(33/845)
1. ألا تغتر بالشكل : فلا يجب أن ننخدع بشكل الرجل، أو لباسه، أو طول لحيته، أو طلاقة لسانه، أو كونه خطيبا بارعا أو داعية مشهورا، فكل هذه صفات طيبة ولا بأس بها، غير أنها إذا اقترنت بإنسان أو اتصف بها أحد فلابد أن يتقي الله، وألا يكون سببا في صرف الناس عن الإسلام وعن الالتزام، حتى لا نجعلهم يبحثون عن دين غير الإسلام كما تريد أن تفعل أنت !!.
2. أن نتناصح فيما بيننا: فالدين النصيحة، والناس بخير ما تناصحوا، والواجب على المسلم أن ينصح أخاه بالخير وأن يحذره من الوقوع في الشر، وأن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه، فإذا وقع مسلم في فخ أو أصابه مكروه فعليه أن يحذر إخوانه من أن يقعوا في نفس الفخ.
3. أن نحذر مكر الشيطان: فلا يدفعنا أمر أصابنا بسوء إلى اليأس والقنوط، والكفر بكل خير مخافة أن يكون وراءه الشر، بل يجب أن نثبت ونصبر ونحتسب الأمر عند الله، ولا نضعف فنكون لقمة سائغة للشيطان، فيبغضنا في ديننا، ويضيق الدنيا في عيوننا، ولنعلم أن هذه محنة، وما علينا – بعد بذل الجهد الممكن - إلا الصبر، وسؤال الله أن يعوضنا عن مصيبتنا خيرا. لكن إياك واليأس؛ فقد قال تعالى:{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(يوسف:12).
وختاما؛
شكرا الله تواصلك الكريم، وعوض عليك خسارتك، ورد إليك مالك، وحفظك من كل مكروه وسوء، وغفر الله لنا ولك.. وتابعنا بأخبارك.. وبشرنا برد مالك.
... الاسم ...
لا أطيق فراقها..صحح مسار مشاعرك! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
مشكلتي عويصة، ولم أجد أحداً لأناقشه فيها غير علماء هذا الموقع الكريم. فأرجو الصبر. فإني أود أن أحكى المشكلة بشيء من التفصيل والفضفضة.
المشكلة بدأت منذ سنتين؛ حيث كنت طالبا بالصف الثاني الثانوي. وفى أحد الدروس الخصوصية رأيت فتاه أعجبتني وشعرت بالانجذاب ناحيتها. ولكنى علمت أنها ابنة عم أعز أصدقائي.
وظل الصراع بداخلي لفترة طويلة. وأنا متردد هل أخبر صديقى حقيقة مشاعرى أم أكتمها في صدري أم أنسى الموضوع من الأساس. وكان الصراع يشتد داخلى كلما نظرت إليها. وكنت أشعر أنني أخون صديقي والوضع هكذا.
وفى النهاية قررت أن أاخبره الحقيقة؛ وقد كان. وقال لي أنه يعرف أنني إنسان ملتزم متدين، وطالما أنني أخبرته؛ فهذا دليل على حبي الحقيقي لها. وقال انه سيخبرها من باب العلم بالشئ فقط. وطلب منى ألا انتظر منها شيئا.
وظل الوضع معلقاً لفتره حتى لمح لى فى أحد المرات أنها تبادلني الحب. ولكننا لم نتحدث رغم أننا كنا نرى بعض عدة أيام في الأسبوع. وانتهى العام الدراسي. وظهرت نتيجة الثانوية العامة، وكان مجموعها 70 % مما أثار دهشة الجميع حيث كان من المنتظر أن تحصل على مجموع مرتفع نظراً لتفوقها الدراسي.(33/846)
وذات ليلة تلقيت اتصالا هاتفياً منها.. وشعرت بالدهشة فلم أكن أتوقع هذا، كما أنني لا أعرف حتى ماذا أقول؛ فقد كانت المرة الأولى لي التي أحادث فيها فتاه هاتفيا؛ و بينى وبينها علاقة حب.
تحدثنا قليلا؛ وفى الصباح اتصلت وأخبرتنى أنها ذاهبة لانجاز بعض الأوراق؛ حيث أنها كانت ستسافر للخارج للحصول على الثانوية العامة من إحدى الدول العربية. وطلبت منى مرافقتها ووافقت. واخترعت كذبه لاخرج من المنزل.
وذهبنا سويا وتأخرنا حتى أنجزنا الأوراق. وبعد ذلك قضينا بعض الوقت فى (التمشية) في أحد الشوارع العمومية الكبيرة. ثم عدنا كل إلى بيته. واضطرت لاختراع كذبة أخرى لأغطى بها غيابي عن المنزل لفتره طويلة.
ولكن شاء الله أن يفضح كذبتي، وتوالت المصائب على رأسى بتتابع غريب. شعرت معه أنه عقاب رباني. المهم مرت أيام كنا لا نتحدث، وأيام كنا نتحدث قليلا حتى سافرت. وكنت أهاتفها عدة مرات أسبوعيا رغم ارتفاع قيمة المكالمات.
وعادت من السفر فى شهر يونيو الماضي؛ حيث كنت في فترة امتحانات الثانوية الأزهرية. وكنا نتكلم فى الهاتف يوميا بالساعات رغم امتحاناتى اليومية. ولكن الحمد لله وفقنى الله لمجموع كبير يؤهلنى لدخول كلية طب الازهر بالقاهرة؛ بينما التحقت هى بكلية العلوم فى المحافظة التى نقيم بها.
وكنت ألح عليها دائما أن تخبر أهلها لأني لا أحب ان أعيش في الظلام. ولكن لسوء الحظ علم والدها قبل أن تخبره. وكانت مشكله كبيرة جدا. وطلب منها ألا تكلمني ثانية. وشدد عليها العهود والمواثيق. ولكنى طلبت منها أن تخبر والدتها وأخبرتها، وعلمت والدتها أننى إنسان جاد ولا ألعب بها. ولكنها رفضت العلاقة؛ بشكل غير قاطع.
فقد كانت تكلمني في القليل من الأحيان بعلم والدتها. واستغللت البداية المتأخرة للدراسة في الجماعة؛ في قضاء أسبوع معهم بالجامعة. وكنا نتقابل يوميا، ونجلس سويا بالساعات بجوار بعضنا البعض.
شعرت وقتئذ بالضيق لأنني بدأت أجد العلاقة تخرج عن المسار الذى كنت قد رسمته لها الى مسار اكبر وأوسع (أصبح كلامنا سويا يعج بـ "حبيبي" و "حبيبتي" و "وحشتينى" وأشياء كثيرة من هذا القبيل).
وأصبحت مترددا جدا أريد أن أعلق علاقتي بها لسنتين أو ثلاثة؛ حتى أستطيع التقدم لخطبتها. وفى نفس الوقت متردد لأني أخاف أن تظن أنني تخليت عنها ولم أعد أحبها. كما أن جزءاً منى يجذبنى نحوها كلما قررت ألا أتصل بها.
كل هذا أثر على نفسيتي بشكل كبير. كما أثر على علاقاتي بالآخرين، وكاد يفقدني عدة أصدقاء؛ فضلا عن بعض أفراد عائلتها من أولاد أعمامها وحتى أخوتها الذين فقدتهم بالفعل.
أتمنى أن أقطع علاقتها بها مؤقتا؛ ولكنى خائف من العواقب؛ التي قد لا أستطع مواجهتها.
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار(33/847)
... ... الرد ...
...
...
يقول أحمد محمد سعد، باحث ماجستير بجامعة الأزهر، وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف بمصر:
أخي الحبيب!
أسأل الله أن يحفظك من الفتن وينجيك منها ويربط علي قلبك برباط اليقين ويدخلك في زمرة التائبين.
بداية أطمئنك أنك طرقت بابا من أبواب التوبة ببحثك عمن يأخذ بيدك. وعلامة صدق التوبة البحث عنها. ولست أدري لم ذكرتني مشكلتك بحال ذلك الشاب الذي أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا! فلم يغضب منه النبي ولم يضربه ولم يعنفه وإنما سأله بمنطق الأب الحاني: أترضاه لأختك؟ أترضاه لأمك؟ وانطلق في أسئلته والشاب يجيبه بالنفي, حتى وصل إلى نتيجة منطقية مقنعة فقال له: وكذلك الناس لا يرتضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم.
إن بداية حل أي مشكلة - يا أخي- تبدأ من تفهمنا لطبيعة المشكلة. ومشكلتك الكبرى ليست في أنك تحب؛ فالحب ليس عيبا في ذاته. وإنما في أنك تتهيأ أن ما أنت فيه من علاقة محرمة هو الحب.
لا شك أننا جميعا نمر بمرحلة من مراحل الشباب والمراهقة التي تتسم بحدة الانفعالات واضطراب المشاعر تبعا لما يعتري الجسم من تغيرات فسيولوجية. ومن بين ما يقع للكثيرين من المراهقين إحساسهم بالانجذاب للجنس الآخر؛ وهي لا شك فطرة تسكن داخل المرء حتى يحين وقت خروجها وتوظيفها طبقا لما أحل الله.
غير أن الكثيرين من هؤلاء الشباب يظنون أن هذا الانجذاب هو الحب نفسه. وما لهم به من علم إلا اتباع الظن. ثم يتطور الأمر عند الكثيرين منهم فينشئون علاقات عاطفية- يحسبونها حبا- بينما لا تعدوا أن تكون نزوة يروح أثرها وينقطع سحرها بواحدة من طريقتين:
- إما أن تقع مصيبة للشاب والشابة مثل أن يقعوا في الزنا – والعياذ بالله- .
- أو أن يمل أحد الطرفين من العلاقة. وغالبا يكون الشاب فينهيها بعد أن يترك ضحيته كسيرة القلب مجروحة الفؤاد تقاسي لواعج الهوى وآلام الشهوة.
إن الحب- يا أخي- علاقة مسئولة تنشأ على هدى من الله ونور، وتنتهي بزواج صالح يقوم فيه كل طرف بدوره: فيكد الأب لكسب عيش أسرته والقيام بدور القيادة في الأسرة. وتكد الأم لرعاية شئون الأسرة والسهر على راحة كل فرد فيها.
إن الحب طاقة لابد أن تتحول إلى إسعاد كل من يدخل في إطارها ومن يتولد عنها؛ فيسعد بها الرجل والمرأة والأب والأم والإخوة والأخوات وما ينتج عن تلك العلاقة من أطفال. وإن لم توظف تلك الطاقة في الطريق الذي يرتضيه خالق الأنفس- سبحانه و تعالى- تحولت إلى طاقة تدمير تفسد على الإنسان عيشه ونفسه.(33/848)
حين نعي هذا جيدا, يستبين لنا أن كل ما سوى ما قلته ما هو إلا تزيين نفس وهوى شيطان. ولقد حذر أحد علماء هذه الأمة من أمثال هذا فقال لأتباعه: "وإياكم وكل هوى يتسمى باسم الاسلام" وأنا أحذرك من كل نزوة و شهوة تتسمى باسم الحب.
إن القران حين حذرنا من أن نتبع خطوات الشيطان, لم يكن تحذيره إلا رغبة في أن يجنبنا مغبة متابعة المعصية. وحين حرم علينا النظرة لما لا يحل؛ أغلق باب الفتنة وقطع حبائل الشيطان. وكان عليك- أخي الحبيب- أن تغلق باب الشيطان من أول الأمر وتسد على نفسك رياح الألم.
وها أنت ذا تعلقت بالفتاة وتحتار أي طريق تسلك والحل عندي واحد من اثنين:
1. إما أن تتقدم لخطبة الفتاة وتوضح لأبيها أنك جاد في الأمر؛ وفي هذه الحالة لا يحق لك أن تراها إلا في بيت أهلها وبحضور محارمها.
2. أو أن توقف هذا السيل من الأخطاء وتسد علي نفسك باب الحرام حتى يبارك الله لك في حياتك ويحفظك في أهلك.
ولا تقل لي إن اخترت ألا تتقدم أو إن رفضوك أن جزءا منك ينجذب نحوها فهذه كلها أمور من تزيين الشيطان وتهويله عليك؛ حتى يعلق الحرام بك ويعلقك به. ويقول الله:{ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً} (النساء: 27).
أسأل الله أن يشرح صدرك، ويذهب شيطانك، ويربط على قلبك باليقين والهدى... وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
كيف أعتق رقبتي من النار؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن شهر رمضان فيه عتق من النار، فكيف أحقق هذا، كيف أعتق رقبتي من النار؟، لأني أشعر أنها فرصة ولن تعوض.
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ / خليل
أهلا ومرحبا بك، وشكرا لك على ثقتك بإخوانك بشبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من عتقائه من النار ومن المقبولين في هذا الشهر الكريم، وشكر الله لك سؤالك المهم، وقد أكبرت فيك أنك تسأل عما يجب علينا فعله ليرضى الله عنا ويتقبل أعمالنا في شهر رمضان فيمنحنا العتق من النار، فجزاك الله خيرا. وبعد:
لقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم من صام نهار رمضان وقام ليله، إيمانا واحتسابا، بغفران ما تقدم من ذنبه، ومغفرة الذنوب مدعاة وسبب للعتق من النار ودخول الجنة، وهذا هو الفوز العظيم، قال تعالى في محكم التنزيل:{ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ(33/849)
النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان، فُتِّحت أبواب الجنَّة، وغلِّقَت أبوابُ النار، وصفِّدَت الشياطين، ونادى منادٍ: يا باغِي الخير أقبل، ويا باغي الشر أَقصِر" (رواه الخمسة إلا أبا داود).
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها" (متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد)، وشهر رمضان من هذه النفحات التي يجب أن نتعرض لها فلعل أحدنا أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا. فهي فرصة إذن أخي كما تقول، وعلينا أن ننتهزها، ونتنافس فيها، قال تعالى :{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
وأنصحك أخي الكريم بعدة أمور علها تعينك على تحقيق ما تصبو إليه :
* التوبة الصادقة النصوح؛ فالتوبة واجبة في كل وقت وحين، وقد أمرنا الله بها فقال: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون}، وهي في هذه الأيام أوجب؛ فلنحرص على استقبال شهر رمضان بصفحة بيضاء، خالية من الذنوب والمعاصي.
* حسن الاستعداد لرمضان واستقباله؛ فمن كان ينتظر ضيفا عزيزا فإنه ينشغل قبل مجيئه في التحضير والاستعداد له، وليس هناك أعز على المؤمن من شهر أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
* الحرص على الإكثار من العبادة في هذا الشهر، وخاصة قيام الليل وقراءة القرآن وتدبره.
* الإكثار من ذكر الله واستغفاره، ففي الترمذي أن رجلاً قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي وأنا قد كبرت فأخبرني بشيء أتشبث به قال "لا يزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى"، وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".
* أكثر من الدعاء والابتهال إلى الله ، واسأله الجنة واستعذ به من النار، فقد بين الله لنا في كتابه الكريم أن هذا من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}.
* اجتهد أن تتعرض لنفحات الله في هذا الشهر الكريم، مثل التماس ليلة القدر، واعتكاف العشرة الأواخر، كما مر في الحديث: "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها" (متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد).
* اجتهد في العبادة في الشهر كله؛ ولا تضيع وقتك في غير طاعة، لتكون جديرا برحمة الله ومغفرته؛ ولتصل إلى درجة العتق من النار.
* أكثر من التصدق والعطف على اليتامى والمساكين وإفطار الصائمين؛ فقد قال – صلى الله عليه وسلم-: "من فطر صائما كان له مثل أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيئا" (ابن ماجه).
وختاما؛
أوصيك - أخي- بوصية غالية أوصانا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي: " اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
نسأل الله أن يعيننا وإياك على استثمار هذا الشهر الكريم في الطاعات والقربات، ونسأله سبحانه أن يعتق رقابنا من النار..آمين .. وتابعنا بأخبارك..(33/850)
-ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
9 نصائح للمحافظة على صلاة الفجر ... العنوان
العبادات ... الموضوع
أحس بالألم مع صباح كل يوم. إذ أواجه مشكلة دائمة مع الاستيقاظ لصلاة الفجر. فيندر أن أصليها قبل شروق الشمس على الرغم من محافظتي على باقي الصلوات. هل من خطوات تساعدني على الالتزام والمحافظة عليها؟، وكم ساعة من النوم يحتاج الجسم في كل ليلة؟ ومتى يجب عليّ النوم؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل:
من توفيق الله تعالى للعبد المؤمن أن يرزقه الوقوف الدائم بين يديه، وأن يلتزم المسلم قرع باب الله تعالى، وأن يناجيه طويلا، لأن هذا يحقق جزءا كبيرا من عبودية المسلم لله رب العالمين.
ومن الوسائل التي تحقق العبودية في حياة الإنسان الصلاة، لأنها صلة بين العبد وربه، وأي نقض لها، فهو نقض لجزء كبير من الصلة، وأي تقصير فيها، فهو تقصير في الصلة بالله تعالى.
وهذا يعني أن هناك خللا كبيرا في حياة المسلم، يجب عليه أن يعالجه فورا، وأن يسعى لتصحيح مساره، خاصة وأن هذا الأمر بينه وبين الله، والله تبارك وتعالى هو أول من يجب أن يفكر فيه الإنسان، وأن يطيعه فيما أمر، وأن يجتنب ما نهى عنه وحذر منه.
إن في صلاة الفجر نورا يقذف في القلوب، وطمأنينة تروي النفوس، فيبدأ المسلم يومه بالذهاب إلى بيت الله، ليحل ضيفا عند الله، فيستنشق الهواء النقي، الذي لم يلوث بذنوب البشر، ولتكون أول حركات جسده طاعة لله، فيتغذى الروح والجسد أول ما يتغذيان على طاعته سبحانه.
مما يكون له الأثر الطيب في سلوكه طوال يومه، وهذا ما يفسر طيب نفس المسلم الذي يبدأ يومه بصلاة الفجر، وخبث نفس من لا يصلي. كما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم، إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
ومن أهم ما يساعد المسلم على صلاة الفجر ما يلي:(33/851)
* أن يدرك المسلم ثواب صلاة الفجر وعظيم فضلها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من صلى البردين دخل الجنة"، والبردان: الفجر والعصر. وأن المحافظ عليهما؛ يحفظه الله تعالى من النفاق. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلا من نار، فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد". وأن صلاة الفجر مما يرزق الله تعالى العبد محبته، فمن جاهد نفسه وشيطانه، وقام من نومه الذي هو فيه مستريح، ما أقامه إلا الله، فإن الله سبحانه وتعالى يتفضل عليه بحبه له؛ لأن من آثر الله تعالى على دنياه، أحبه الله.
* أن يسعى المسلم دائما إلى حب الله، ومن أهم الأمور التي تجلب محبة الله ، لقاء الله، وقد ورد عن بعض الصالحين، أنه نام ، فوجد زوجته تصلي قبل الفجر، فلما سلمت من بعض صلاتها، قال لها: مازلت تصلين حتى الآن، أما تنامين ؟ فقالت: كيف ينام من علم أن حبيبه لا ينام؟
* أن يكون المسلم صاحب عزيمة، فإن الناس إن جاءهم سفر قبل الفجر، فإنهم يلتزمون المواعيد، ولا يقولون: نحن لا نستطيع الاستيقاظ مبكرا، حتى لو كان نومه ثقيلا. فإن النفس إن أحبت شيئا، سعت إليه؛ غير آبهة بما يحملها هذا من مشقة وتعب، وأننا في تقصيرنا في صلاة الفجر نتعلل بأشياء كثيرة، هي ليست حقيقية، من كوننا لا نستطيع أن نستيقظ، أو أننا تعودنا على هذا، ولا يمكن لنا تغييره، فهذا كذب على النفس. والتغيير ليس بالصعب، فالنية الصادقة، والعزم الأكيد؛ يحول كثيرا من مظاهر حياة الإنسان. ومن عزم على فعل شيء، وفقه الله تعالى إليه، وفعله هو بإرادته. ولذا واجب علينا أن نراجع أنفسنا بصراحة فيما يخص تقصيرنا مع ربنا سبحانه وتعالى، وخاصة في صلاة الفجر.
* أن المسلم مطالب بأن ينظم وقته حسب أوامر ربه، لا أن ينظم أوامر الله حسب نفسه وهواه، وقد قال تعالى: "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله"، وقال:"أفرأيت من اتخذ إله هواه أفأنت تكون عليه وكيلا" ، وكما قال علي رضي الله عنه: الهوى شر إله عبد في الأرض.
* أن يستغل المسلم كل فرصة تدفعه إلى طاعة الله تعالى. فربما رأى أصدقاءه يحافظون على الصلاة؛ فلماذا لا يحافظ هو؟ والحكمة ضالة المؤمن؛ أنى وجدها، فهو أحق بها. إنه يحدث لنا في يومنا أحداث كثيرة لجميع البشر؛ وعلى العاقل أن يعتبر مما رأى بما ينفعه، ودعني أحكي لك هذه الحكاية:
ففي يوم من الأيام كان هذا الطفل في مدرسته. وخلال أحد الحصص كان الأستاذ يتكلم فتطرق في حديثه إلى صلاة الفجر. وأخذ يتكلم عنها بأسلوب يتلاءم مع سن هؤلاء الأطفال الصغار. وتكلم عن فضل هذه الصلاة وأهميتها. سمعه الطفل وتأثر بحديثه، فهو لم يسبق له أن صلى الفجر ولا أهله.
وعندما عاد الطفل إلى المنزل أخذ يفكر كيف يمكن أن يستيقظ للصلاة يوم غداً..(33/852)
فلم يجد حلاً سوى أنه يبقى طوال الليل مستيقظاً حتى يتمكن من أداء الصلاة. وبالفعل نفذ ما فكر به. وعندما سمع الأذان. انطلقت هذه الزهرة لأداء الصلاة. ولكن ظهرت مشكلة في طريق الطفل. المسجد بعيد ولا يستطيع الذهاب وحده؛ فبكى الطفل وجلس أمام الباب.
ولكن فجأة سمع صوت طقطقة حذاء في الشارع. فتح الباب وخرج مسرعاً فإذا برجل شيخ يهلل متجهاً إلى المسجد. نظر إلى ذلك الرجل فعرفه. نعم عرفه أنه جد زميله أحمد ابن جارهم. تسلل ذلك الطفل بخفية وهدوء خلف ذلك الرجل حتى لا يشعر به فيخبر أهله فيعاقبونه. واستمر الحال على هذا المنوال.
ولكن دوام الحال من المحال. فلقد توفى ذلك الرجل (جد أحمد) علم الطفل فذهل.
بكى وبكى بحرقة وحرارة استغرب والداه فسأله والده وقال له: يا بني لماذا تبكي عليه هكذا وهو ليس في سنك لتلعب معه وليس قريبك فتفقده في البيت؟ فنظر الطفل إلى أبيه بعيون دامعة ونظرات حزن وقال له: يا ليت الذي مات أنت وليس هو؟ صعق الأب وانبهر لماذا يقول له ابنه هذا وبهذا الأسلوب ولماذا يحب هذا الرجل؟
قال الطفل البريء أنا لم أفقده من أجل ذلك ولا من أجل ما تقول، استغرب الأب وقال إذا من أجل ماذا؟
فقال الطفل: من أجل الصلاة نعم من أجل الصلاة، ثم استطرد وهو يبتلع عبراته: لماذا يا أبي لا تصلي الفجر، لماذا يا أبتي لا تكون مثل ذلك الرجل، ومثل الكثير من الرجال الذين رأيتهم.
فقال الأب: أين رأيتهم؟
فقال الطفل: في المسجد
قال الأب: كيف ؟
فحكى حكايته على أبيه. فتأثر الأب من ابنه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط. فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد. انتهى
* أخي؛ إن كنت صادقا في سعيك للحفاظ على صلاة الفجر، وعزمت النية؛ فإن الله تعالى سيوفقك؛ لأنه ما طلب أحد من الله تعالى شيئا، إلا استجاب له، وأعطاه سؤاله، بالصورة التي يراها الله تعالى. وإن كان هذا حال الله مع من طلب منه شيئا من الدنيا، فما بالنا بمن يطلب من الله أن يعينه على طاعته؟ فإنه أولى الناس بالاستجابة من الله تعالى. ولكن ابدأ من الآن، ولا تتكاسل، ولا تعجل للشيطان عليك سبيلا.
* الاستعانة بالله تعالى، ثم ببعض الأسباب، من ضبط " المنبه " على وقت الصلاة، والتعاون مع الإخوة والأصدقاء على الاستيقاظ من خلال الاتصال التليفوني، أو الذهاب مباشرة للإيقاظ، وعدم السهر كثيرا، ونوم القيلولة، وغير ذلك مما يعين المرء على الاستيقاظ مبكرا.
* أن يجعل المسلم لنفسه ورد محاسبة للفجر، بحيث يقيد كل يوم صلاة الفجر من عدمها. فيكافئ نفسه، ولو بشيء قليل على الأداء، ويعوض ببعض العبادات أو أي عمل صالح بنية التكفير عند التقصير في أداء صلاة الفجر، أو بأية طريقة يراها مناسبة له.(33/853)
أما عن عدد الساعات التي ينام الإنسان، فهي تختلف من شخص لآخر. ومن الناس من يرى أنها ما بين ست إلى ثماني ساعات، ومن الأدب الإسلامي أن ينام الإنسان مبكرا حتى يستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر.
وفي النوم مبكرا من ساعات الليل راحة للجسد، وكلما نام الإنسان مبكرا، كلما نام عددا أقل، مع راحة للجسد أكثر، وكلما نام متأخرا، نام عددا من الساعات أكثر، مع عدم أخذ الجسد كفاية {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا}.
وتتمة للفائدة، فإني أنصحك بقراءة نصائح فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء السعودية في الوسائل المعينة على الصلاة الفجر، ويمكنك الاطلاع عليها من خلال الدخول على هذا الرابط :
* إحدى وعشرون نصيحة للحافظ على صلاة الفجر.
وختاما؛
نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياك من المحافظين على صلاة الفجر، وأن يتقبل منا ومنك صالح العمال، وتابعنا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
3 سنوات أدعو ولا يستجاب ليّ !! ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير بمناسبة شهر الخير والبركات. سؤالي هو عن الدعاء. أدعو الله دائماً في كل صغيرة وكبيرة في حياتي، ولله الحمد فجميع دعواتي يستجيبها الله عز وجل.
ولكن هنالك مسألة ما في حياتي أدعو الله ليل نهار أن يحققها ليّ. ولم أترك وقتاً ولا حتى مكاناً أعلم أنه يستجاب فيه الدعاء إلا دعوت فيه. وتقريباً أدعو بهذه الدعوة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأستغفر الله العظيم أن أقول : لم أرَ أثراً للاستجابة. وأخشى أن يوسوس الشيطان ليّ فأمل الدعاء وأتركه.
أتمنى منكم أن تقولوا لي كلاماً يدفعني للاستمرار في الدعاء حتى تتحقق أمنيتي. ولكم مني كل الشكر. و جزاكم الله خير على مجهودكم الرائع لنشر الإسلام وتعليمه بارك الله فيكم.
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختي الكريمة نور، مرحبًا بك، وكل عام وأنتِ ومن تحبين بألف خير، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك العمل الصالح في هذا الشهر الفضيل، وبعد.
فأحييك وأهنئك أختي الكريمة على حالك هذا مع الله عز وجل، ولجوئك إليه سبحانه وتعالى في كل أمورك، إذ كان هذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام،(33/854)
والسلف الصالح من بعدهم، حيث كانوا يتوجهون بحاجاتهم كلها لرب العباد سبحانه وتعالى، صغيرها وكبيرها.
ومن الجميل ثقتك بربك جل وعلا، واستشعارك أن جميع دعواتك مجابة من قبله عز وجل، وهي بالفعل كذلك لكل مسلم، حيث يقول رب العزة:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
وقد أنبأنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه: "ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه في ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل، يقول: دعوت ربي فما استجاب لي". رواه الترمذي.
فكل دعاء العبد مستجاب، وإن كانت هذه الإجابة قد تتعدد صورها، فقد تحصل الاستجابة في الدنيا بالصورة التي أرادها العبد، وقد تحصل بادخارها له في الآخرة، وقد تحصل بالتكفير عن ذنوبه وخطاياه.
وذلك بالشروط التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي: ألا يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، وألا يستعجل العبد الإجابة ويمل من الدعاء فيتركه. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي".
إذن - أختي الكريمة– إن كان الله عز وجل قد أراك إجابة كل دعواتك السابقة في الدنيا، فتأكدي أنه أيضًا استجاب دعوتك الأخيرة التي تلحين عليه سبحانه فيها منذ سنوات.
وربما لم يعجل الله عز وجل لك إجابة دعوتك لسبب آخر، وهو أنه سبحانه يحب سماع صوتك في إلحاحك عليه بالدعاء وذاك فضل عظيم منه سبحانه. فقد ورد بسند ضعيف أن العبد المؤمن ليدعو الله تعالى، فيقول الله لجبريل: لا تجبه فإني أحب أن أسمع صوته، وإذا دعاه الفاجر قال: يا جبريل: اقض حاجته، فإني لا أحب أن أسمع صوته.
وربما كانت هذه المسألة- أختي الكريمة– قد سبق في علم الله عز وجل أن في إجابتها لك ضررًا عليك لا تدركينه أنت، وأراد الله عز وجل أن يقيك هذا الشر، وأن يعوضك عنها خيرًا في الدنيا أو الآخرة.
على كل الأحوال، لا ينبغي لك أبدًا - أختي الكريمة- أن تملي من الدعاء وتتركيه، وقد رأيتِ أثره بنفسك طوال حياتك الماضية، أفمن أجل مسألة واحدة لم ترَي إجابتها تتركين الدعاء، وتنصرين الشيطان على نفسك؟!! أسمعك تقولين: "لا بالطبع".
وفقك الله - أختي الكريمة- لما يحب ربنا ويرضى، وحقق لك ما تتمنين، وأسعدك في الدنيا والآخرة، وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
لا تترك "التراويح".. وكل حسب استطاعته ... العنوان
العبادات ... الموضوع(33/855)
بمناسبة دخول شهر رمضان، أجد صعوبة في قيام الليل، وخاصة حين نصلي بجزء، وهناك من يصلي بحزب أو ربعين، فهل الأفضل أن أصلي بأقل، أم أصلي مع من يصلي بجزء ولكن ربما لا أكمل صلاتي؟
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الحبيب / مازن
كل عام وأنت والمسلمين في كل ربوع الدنيا بخير، بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين بالأمن والأمان والسلامة والإسلام، ونسأل الله أن يجعل لنا في أوله رحمة، وفي أوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.. آمين يارب العالمين.
وشكر الله لك اهتمامك بالسؤال عن أمور دينك، وبعد : فإنه لا يخفى عليك - أخي مازن – ما لقيام الليل من فضل، فقد وصف الله المتقين في سورة الذاريات بجملة صفات منها حرصهم على قيام الليل، وأوضح لنا أنهم بذلك استحقوا فسيح الجنات، قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}(الذاريات: 15-17).
ووصفهم سبحانه في سورة الفرقان بقوله:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا... }، إلى قوله تعالى:{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} (الفرقان: 64-75).
كما امتدح الله أهل الإيمان والتقوى، بجميل الخصال وجليل الصفات، ومن أخص ذلك أنه وصفهم بالحرص على قيام الليل، فقال تعالى:{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة: 15-17).
كما بينت لنا السنة المطهرة فضل قيام الليل:
* فقد ورد في صحيح مسلم عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال : "أفضل الصلاة بعد المكتوبة - يعني الفريضة - صلاة الليل"، وفي حديث عمرو بن عبسة قال صلى الله عليه وسلم : "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن".
* وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال : "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟! من يسألني فأعطيه ؟!، من يستغفرني فأغفر له ؟!"(33/856)
* وأخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله , صلى الله عليه وسلم : "إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام ".
أخي مازن:
رغم أن المقام ليس مقام إفتاء، ورغم أنني لست بمفت، إلا أن المعروف في ديننا وشريعتنا، أن صلاة قيام الليل أو ما اعتاد الناس على تسميتها بـ"صلاة التراويح" – رغم عظيم فضلها - هي "سنة" لثبوت ذلك بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"؛ أي إذا كان دافعه إلى ذلك إيمانًا بالله -عز وجل- ورغبة الصادقة في احتساب الأجر والثواب عنده.
وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلاها في رمضان بعض الليالي، فلما كثر اجتماع الناس ليصلوها خلفه، لم يخرج إليهم، ولما سئل عن ذلك. قال: "خشيت أن تُفرَض عليكم فلا تطيقوها". فالنبي- صلى الله عليه وسلم- بيّن في الحديث أصل مشروعيتها.
وذكر لنا سبب عدم خروجه إلى الناس ليصليها بهم، وهو خوفه من أن تفرض عليهم. فلما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان الناس يصلونها فرادى إلى أن كانت خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، فجمع الناس على إمام واحد ليصليها بهم.
أما بخصوص قولك: إنك تجد صعوبة في قيام الليل، وخاصة حين تصلي بجزء من القرآن، وقولك إن هناك من يصليها بحزب أو ربعين، وسؤالك: هل الأفضل أن تصليها مع من يصلي بأقل من جزء، أم تصليها مع من يصلي بجزء وربما لا تكمل صلاتك، فأقول لك وبالله التوفيق:
لقد بينت لك فيما تقدم أنها سنة، وليست فريضة، والأصل أن الله عز وجل لم يكلفنا ما لا نطيق قال تعالى:{لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وقال أيضا:{لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}، والأمر مرده إليك - أخي مازن– فإن كنت شابا، فتيا، سليما، معافى، قد منَ الله عليك بنعمة الوقت، فصلّها مع من يصلون بجزء، لعل الله يكرمك بختم القرآن في نهاية شهر رمضان فيكون لك من الله الأجر الكبير، ولا تضيع الفرصة، فأنت اليوم في نعمة – الصحة أو الفراغ- ربما تفتقدها غدا.
وقد أورد الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ"، وفي تفسير سورة التكاثر في قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)، (التكاثر:8). قال بعض المفسرين في معنى الآية: النعيم هو الصحة والفراغ.
كما أخرج الحاكم في المستدرك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : "اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".(33/857)
أما إذا كنت – أخي مازن- لا تقدر أن تصليها بجزء- لمرض (عافاك الله من المرض) أو لضيق وقت- لالتزامك بنظام ما في عملك- فصلّها مع من يصلون بحزب أو ربع أو بما تيسر من القرآن، المهم ألا تحرم نفسك من قيام الله، وألا تفوت على نفسك أجره في هذا الشهر الكريم الذي ننتظره بفارغ الصبر كل عام لنفوز فيه بعفو الله وغفرانه.
واعلم -حفظك الله– أن الله يحب من العمل أدومه وإن قل، ولتكن همتك عالية، تطاول السحاب، فإن فترت همتك فلا تقل عن الحد الأدنى، وليكن شعارك عندها "قليل دائم خير من كثير منقطع". زادك الله حرصا على قيام الليل، وجعلنا وإياك من عتقائه من النار ومن المقبولين.. آمين، وتابعنا بأخبارك ولا تنسنا من دعائك.
ـــــــــــــــــــ
رمضان فرصة للتوبة من الجنس الإلكتروني ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 عاما. لست متحجبة، ولكنني أحب الله. مشكلتي بدأت منذ سنتين حين بدأت العمل وبدأت أتعرف على الكمبيوتر والانترنت إلى أن وصلت إلى الدردشة. كنت أتحدث مع الأشخاص بكل احترام حتى فاجئني أحدهم بأسئلة شخصية؛ ومن هنا بدأت المعاصي.
أصبح الحديث بيني وبينه يوميا عن علاقات الشاب بالفتاة والحياة الجنسية بينهما. وأستمع إليه كأنه يديرني. أستمع منه لأشياء لم أسمعها من قبل؛ إلى أن طلب مني أن أهاتفه. ترددت قليلا ثم فعلتها.
وهنا كانت المعصية الأكبر حين طلب مني أن أسمعه صوتي لأنه يريد أن يسمعني صوته وهو يمارس العادة السرية (أعتذر ولكن أريد أن أقول لكم كل شيء). وباختصار وقعت في الزنا على الهاتف.
وعندما تعذبت نفسيا من شكل هذه العلاقة؛ قطعتها ولكن المشكلة لم تنته؛ لأنني تعودت على ذلك. فلجأت إلى المواقع الإباحية. فتدهورت أكثر وأكثر؛ كل مرة أعصي الله ثم أرجع إليه وأتوب.
وها أنا على هذا الحال حتى الساعة، مع زيادة في المعاصي. ورجعت إلى معصيتي السابقة ولكن مع شخص أخر على الشات لا أعرفه ولا يعرفني. سألت الله مرارا أن يستر عليّ ويرزقني بالشاب الذي يعينني ويكون لي ستراً.
أعرف أن الله يحبني؛ لأنه في كل مرة أدعوه يستجيب ليّ، والحمد لله. تخليت عن أشياء كثيرة مثل الهاتف الجوال لأنه كان طريقا للمعاصي. وأعلم أن محبة الله ومعصيته لا يجتمعان في قلب رجل واحد.
أرجوكم ساعدوني على تخطي هذه المحنة، وأجيبوا عليّ: هل أكون من الذين سوف ينعم الله عليهم برحمته وغفرانه إن تبت ؟؟ (ملحوظة : أنا لا أمارس العادة، وعندما كنت أستمع إلى الشاب الذي كان يهاتفني لم أكن ألمس أعضائي).
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...(33/858)
...
...
يقول الأستاذ أكرم كساب، من فريق الاستشارات الإيمانية بقطر:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى، وبعد..
كل عام وأنت بخير أختي الكريمة؛ أسأل الله أن يجعل سؤالك في ميزان حسناتك، وأن يوفقنا في الإجابة، وأن نكون عند حسن الظن.
أشكري الله أنك تسألين عن أمر محوري يتعلق بدنياك ودينك؛ ونحن على أعتاب شهر رمضان، شهر المغفرة والرحمة، حيث يسهل على المؤمن أن يروض نفسه، ويستعين على الشيطان ونفسه بطاعة الله عز وجل.
وأود أن أحييك أختنا (هبة) على صراحتك مع نفسك، ورغبتك الملحة والشديدة على إلجام نفسك، حتى لا تودي بك إلى التهلكة.
كما أود أن أحييك أختنا (هبة) – ثانيا- على حبك لله عز وجل، واعترافك بأنك تحبين ربك. وهذا أمر حسن، لكن الأحسن منه أيتها الأخت: أن يترجم هذا الحب إلى عمل وأظنك الآن على الطريق إن شاء الله ، وليكن عالقا في ذهنك قول الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع
لو كنت تزعم حبه لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
أختنا في الله (هبة):
أود أن أصارحك بأن التطورات المتلاحقة في عالم الإنترنت، التي قربت المسافات البعيدة، وأصبح العالم بسببها (قرية صغيرة)، أقول هذه التطورات العلمية يؤسفني أننا في الغالب الأعظم لم نحسن استخدامها كما ينبغي. وأرجو أن تشاركيني الرأي في هذا.
فلا أستطيع، ولا يستطيع أي عاقل أن يقول لك: ابتعدي عن جهاز الكمبيوتر، أو اتركي الدردشة، فهذا كمن سخر منه الشاعر حين قال:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء
ولكن لماذا لا نحسن استخدام هذه الأجهزة، وأن نجعلها فيما يخدم ديننا ودنيانا، لماذا نجعل دائما وسائل التقدم العلمي فيما يتعبنا نفسيا ويرهقنا جسديا، فضلا عن إضعافنا دينيا؟!
أحب أن أشد على يديك، وأحييك على إرادتك القوية التي جعلتك تقطعي الطريق الذي انحرف بك الشيطان به عن طريق الرحمن، وإن كنت وقعت في ذنب ومعصية، فهنيئا لك عودتك إلى الله.
وأزف إليك هذه البشرى من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:"إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال: أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو أذنب ذنبا، فقال : رب أذنبت - أو أصبت - آخر فاغفره؟ فقال : أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، وربما قال : أصاب ذنبا، قال : قال : رب أصبت - أو قال :(33/859)
أذنبت - آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثلاثا، فليعمل ما شاء" )رواه البخاري عن أبي هريرة(.
ولكن أيتها الأخت الكريمة: لابد لهذه التوبة من تجديد، ولابد لهذه الوقفة من تثبيت، ولابد لهذه الأوبة من ترشيد، فجددي توبتك وثبتي وقفتك، ورشدي أوبتك.
وأود هنا أن أؤكد لك على ضرورة قطع الصلة بكل شاب ليس من محارمك، مهما كان الأمر، ويمكن أن يستعاض عن ذلك، بأخوات صالحات، وآنسات تقيات، ومن بحث وجد، ومن فتش عن الخير على الخير وقع، وتذكري دائما أن (معظم النار من مستصغر الشرر).
وأحب في النهاية أن أبشرك ، وبرحمة الله أذكرك، فما الذي يحول بينك وبين شفاعة رب العالمين، ولكن قبل أن تطلبي منا المساعدة هل يمكن أن تساعدي نفسك أولاً؟ فإن قلت : كيف؟ أقول لك الآتي:
* عجلي بالتوبة؛ وكوني صادقة مع الله فيها.
* أخلصي في الدعاء وأكثري منه وسلي الله التثبيت.
* ابتعدي عن الوحدة بقدر المستطاع، فإن الشيطان من الواحد أقرب وهو من الاثنين أبعد.
* ابحثي عن رفقة طيبة، وصحبة صالحة، تعينك على طاعة الله، ولن تعدمي هذه الصحبة أبدا.
* اشغلي وقت الفراغ بما يتناسب مع قدراتك وإمكانياتك من الأشياء النافعة والمفيدة.
* حصني نفسك أولا، وعلمي نفسك .
* استغلي شهر رمضان في كسر هذه العادات السلبية، والتخلص من هذه الصفات المذموم، واشغلي نفسك نهارا بالصيام والعمل؛ واحرصي على صلاة التراويح بعد صلاة العشاء. وليكن شعارك في الإصلاح خلال هذا الشهر الكريم "بداية من رمضان.. وداعا للجنس الإلكتروني إلى الأبد"، وفقك الله لما يحيه ويرضاه.
طالع أيضا:
* إدمان الجنس الإلكتروني .." متابعة"
* خطوات عملية للتوبة من المواقع الإباحية
* هل يشاهد ملتزم القنوات الإباحية ؟
* إدمان الجنس الإلكتروني: مسئولية من؟
* غواية الشات: أستمر أم أتوقف ؟
ـــــــــــــــــــ
كيف أغير نفسي في رمضان؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أنا مسلم بسيط، أريد أن أغير بعض السلبيات في حياتي، ورمضان على الأبواب، فما هي الأشياء التي يجب أن أقوم بها في رمضان؟
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...(33/860)
...
...
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
الأخ الحبيب / حسين
لقد شعرت بالصدق في كلماتك رغم قلتها وبساطتها، فأسأل الله عز وجل أن يبارك فيك، وأن يثيبك على نيتك الصالحة هذه خيرا، وأن يرزقنا وإياك طاعته وحسن عبادته.
ورمضان هو نفحة من نفحات الله عز وجل التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتعرض لها واستثمارها، وهو فرصة كما قلت أخي للتغيير إلى الأفضل. ومجالات التغيير التي يجب أن يعنى بها العبد تنحصر في علاقته بربه، ونفسه، وأهله، والناس من حوله على اختلافهم .
وكل مجال من هذه المجالات يحتاج إلى مكاشفة ومصارحة مع النفس، للوقوف على عيوبها ومثالبها، ومن ثم البدء في علاج تلك العيوب والتخلص منها، والاستزادة من خصال الخير.
ولا شك أن هذا يحتاج منك إلى صبر ومجاهدة، فلن تتخلص من عيوبك كلها مرة واحدة، ولن تتغير من النقيض إلى النقيض في لمح البصر، أو في خلال أيام معدودة، ولكن أبشر بتأييد الله عز وجل لك:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
وأنصحك أخي بالآتي : -
* اصطحب نيتك الصالحة هذه معك طوال أيام الشهر الكريم، فضعها نصب عينيك دائما، وذكِّر نفسك بها، وحبذا لو كتبت عبارة (سأغير نفسي في رمضان) على لوحة، وعلقتها في مكان ظاهر في البيت أو في العمل، لتتذكرها، وتذكر غيرك بها.
* جهز لنفسك خطة تسير عليها خلال شهر رمضان، تراعي فيها التغيير والإصلاح في كل المجالات التي ذكرتها.
* في مجال إصلاح العلاقة مع الله عز وجل، انظر لتقصيرك في عبادته سبحانه، واجبر هذا التقصير، فإن كان في الصلاة فعاهد الله عز وجل على أن تحافظ على الصلوات في أوقاتها، وإن كنت مرتكبا لذنب فعاهد ربك على الإقلاع عنه والتوبة النصوح منه، فتحول بذلك من المعصية إلى الطاعة.
* وفي مجال الأهل، انظر كيف كنت تعامل والديك وإخوتك وذوي أرحامك وباقي أهلك، فتحول من العقوق إلى البر، ومن القطيعة إلى الصلة، ومن سوء العشرة إلى حسنها.
* وفي مجال الناس، راجع علاقاتك مع جيرانك، وزملائك، ومع إخوانك وأصدقائك، فتحول من الإيذاء إلى الإحسان، ومن الحقد إلى التسامح والعفو، ومن الحسد إلى حب الخير للناس.
* وفي مجال النفس، احصر عيوبها الدفينة، واسع إلى علاجها، لتتحول من الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن النقمة إلى الرضا.(33/861)
وهكذا أخي الحبيب .. حتى تخرج من هذا الشهر الكريم، وقد منَّ الله عز وجل عليك بفضله، وتحولت نفسك، وتغيرت إلى الأفضل في كل المجالات، وأذكرك بأن هذا يحتاج إلى صبر ومجاهدة .
ومن المهم أخي ألا يتوقف، بعد رمضان، حرصك على إصلاح نفسك وتهذيبها وتحسين علاقتها مع الله ومع الناس، بل يجب أن يستمر هذا بعد انقضاء شهر رمضان، فرب رمضان، هو رب شوال، وهو رب المحرم، وهو رب الشهور كلها، وما رمضان إلا محطة وقود يتزود منها العبد لباقي الشهور، فلا تكن من عبَاد رمضان، ولكن كن من عبَاد الله عز وجل، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان شهر يولي وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله حي باق لا يموت، وإليه سبحانه المرجع والمصير.
وفقنا الله وإياك لطاعته وحسن عبادته، ومرحبا بك دائما .
طالع أيضا:
* كيف يستعد عباد الرحمن لشهر القرآن؟
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
تعبت من كثرة الذنوب! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
عندي مشكلة رهيبة. أنا طالب جامعي، أدرس في كلية الطب. كنت منذ صغري محافظا على الصلاة، وصوم رجب، وشعبان، وحفظ القرآن، والصلاة في المسجد. ولكن عندما دخلت الجامعة ارتكبت معاصي كثيرة وشربت الخمر. وأدمنت العادة السرية والسجائر وذنوبا كثيرة فعلتها. ولكن كل مرة يرتجف قلبي خوفًا من الله. وأشعر أني لا أستحق الحياة.
تبت كثيرا ولكنني أعود. جربت كل الوسائل الممكنة؛ ولكن لا أستطيع. أشعر أن هذا أصبح قدري. وأني انتهيت ولا حل لي، ولكن في بعض اللحظات أشعر بالإيمان. ففي مرة جاءت لي فتاة في شقتي بالمصيف. ولكن رفضتها خوفًا من الله. يومها ارتجف قلبي خوفا من الله، وبكيت كثيرا. ولكني شعرت أن ذنوبي الأخرى كافية لأن أدخل النار بدون حساب. أموت كل يوم عندما أشعر بضعفي. أتمنى الموت ولكني خائف من عذاب الله.
أرجوكم لا تقولوا لي حلولا عادية أو اقتراحات. أريد أن أعرف هل أنا طبيعي؟ هل هذا لأني شاب؛ وعندما أكبر سأترك ذلك الفعل؟ أتمنى الموت، ولكنى أجبن منه، أريد أن أرتاح. تعبت من كثرة الرجوع إلى الذنب، رسبت في دراستي، وأصبحت وحيدا أفكر في نفسي ولا أستطيع العيش بتلك الطريقة.
دلوني ماذا أفعل فلقد قاربت على الجنون. أدعو الله كل يوم أن يهديني. ولا أشعر بشيء. صلاتي إن صليت لا أشعر فيها بخشوع، فأترك الصلاة فورا. أصبحت فاشلا في كل شيء ما هو الحل الموت أم ماذا ؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار(33/862)
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر – من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونصلي ونسلم على سيد البشر، وبعد..
أخي في الله هادي مرحبا بك، وبارك الله فيك، وأعانك على طاعته، أبشر بكل خير فالله عز وجل يفرح بالتائبين المعترفين بذنوبهم والنادمين على معاصيهم، المهم أن تصح عقيدتك في الله، ولا تشرك به شيئا، فالله عز وجل هو القائل فيما بلغه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" (الحديث أخرجه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (أخرجه الترمذي).
والله عز وجل هو القائل في قرآنه: "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ" [النساء: 48]، إن الله عز وجل واسع المغفرة، وقد فتح باب التوبة على مصراعيه أمام المخطئين المذنبين، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ} [الزمر: 53-54].
ثم إن ندمك على ما كان منك أول خطوة على طريق التوبة، روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفر منه" (رواه الحاكم)، وحيث قد ندمت فاعزم العزم الأكيد على ألا تعود إلى زلاتك أبدا فإنك إذا صممت على عدم العودة إلى الذنب، أغلقت على النفس أبواب الهوى والشيطان ومنافذ العصيان:
إني ابتليت بأربع ما سلطوا **** إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى **** كيف الخلاص وكلهم أعدائي
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تاب العبد من ذنوبه، أنسى الله حفظته ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه شاهد من الله بذنب".
ثم عليك أن تقلع عن الذنب إقلاعًا، وتكثر من الأعمال الصالحات، صلاة وذكرًا وصومًا وصدقة، وتؤدي الفرائض كلها ودعك من وساوس الشيطان وألاعيبه، وتقرب إلى ربك بما استطعت من النوافل والطاعات؟.
واجتهد ألا يراك الله حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك، فعسى الله أن يقبل منك ويرضى عنك ويبدل سيئاتك حسنات، فقد وعد تعالى ووعده الحق، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا *(33/863)
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا} [الفرقان: 68-71].
وهذه بشرى أن الله سيبدل سيئاتك حسنات ما دمت تبت وآمنت وعملت عملاً صالحًا. إن هذا الشعور التي شعرت به يدل على صدق وعميق إيمانك وخوفك من الله. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 25 - 26].
واعلم أخي الكريم أن التوبة النصوح تجبّ ما قبلها، وأن من تاب تاب الله عليه، والثابت من تاب توبة نصوحًا. فإن الله تعالى قد يبدل سيئاته حسنات؛ شريطة أن تكون هذه التوبة قد وقعت على الوجه الذي أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتكون خالصة لله أولا، وشاملة جميع الذنوب والمعاصي، وأن يعقد العبد العزم على ألا يعود لهذه المعصية أبدا، وأن يندم على فعلها، وأن يكثر من أعمال الخير، والصالحات كالاستغفار والتوبة والذكر والدعاء، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر من أعمال البر.
وأود أن أبشرك فالتوبة تجُبُّ ما قبلها، والإسلام يجُبُّ ما قبله، أما وقد هداك الله واعترفت بذنوبك فلله الفضل والمنة. ولا حرج أن تعيد أو تقضي ما فاتك. وتقضي مع كل صلاة تصليها صلاة وأكثر من النوافل.
أما بالنسبة لكونك اقترفت كل هذه الآثام فهل هذا طبيعي، فإن البشر خلقهم الله سبحانه وتعالى وجعل فيهم هذه النفس التي تتقبل الخير وتتقبل الشر، فقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7-8].
ولتلاحظ أخانا هادي أن الله سبحانه وتعالى قدم الفجور في الآية على التقوى. فالنفس البشرية مهيأة للفجور والمعصية؛ وذلك لأنها تعيش في الدنيا، فهي مادة، وإن الشهوات مادية، وإن الجسد من المادة نفسها، فنجد أن الإنسان يستجيب للمعاصي بسرعة وشغف أكثر مما يستجيب للطاعات، وهذا ما يحدث لك إذ إنك تتوب إلى الله وتندم، ولكنك تعود إلى المعصية ثانية، وأنت على علم بأن هذا الأمر معصية.
ونقول لك، عليك بالتوبة والاستغفار بعد كل معصية. وعليك أن تنظر إلى الجو الذي تعيش فيه هل هو جو يساعد على الطاعة والعبادة أم أنه جو يساعد على المعصية؟ فمثلا إن كنت تعيش في مكان فيه اختلاط بالنساء، وقد يؤثر فيك هذا الاختلاط ويؤدي إلى فعل المعصية. فعليك أن تغير هذا المكان وتعيش في مكان غير مختلط، مثلا إن كان لك أصدقاء يحثونك على المعصية، فيجب عليك أن تمتنع عن الجلوس معهم أو الخروج معهم حتى تبتعد عن الوقوع في المعصية.
واعلم أن تغيير المكان والجو مهم جدا، وتغيير الوسائل التي تجر إلى المعصية مهم جدا في صدق التوبة وفي الثبات على الصراط المستقيم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}. فأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتجنب مواطن السوء والأماكن التي تجرنا وتدعونا إلى المعاصي، وأن نكون مع الصادقين أهل الطاعة والاستقامة.(33/864)
أيها الأخ السائل إنما يريد منك الشيطان أن يضلك عن سبيل الله ليس هذا فقط بل يريد أن يقذف بك في نار جهنم وبئس المصير فاحذر منه.
والله سبحانه وتعالى رب رحيم، سمى نفسه التواب لكي يتوب على من أذنب من عباده، وسمى نفسه الغفار لكي يغفر ذنوب من أذنب من عباده، وسمى نفسه الرحمن الرحيم لكي يرحم بها خلقه، فتوكل على الله حسن توكله، وأحسن توبتك، والجأ إلى ربك سبحانه وتعالى، وثق في أن الله سبحانه سوف يقبل توبتك ويقيل عثرتك.
واسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يعلم صحبه الكرام ويعلمنا معهم مدى رحمة الله، وذلك عندما جيء بسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا –كما يقول راوي الحديث- رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله! وهي تقدر على ألا تطرحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعباده من هذه بولدها (رواه البخاري ومسلم).
فبشراك إن ربك أرحم من الأم على ولدها، واسمع لنبي الله يعقوب عندما قال لأولاده: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُّوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 78] فهل ما زلت أخي في الله يائسا بعد هذا، أحسن ظنك بالله وأتقن العمل وتوكل على الله. وجميل منك أن تكون مقرًّا بذنبك معترفًا بخطئك فمعرفتك بأنك قد أذنبت سوف تفتح لك الطريق إلى الأخذ بأسباب التوبة.
وجميل منك أن عُرض عليك الزنا وتركته مخافة لله، وعليك أيها الأخ الكريم أن تكون ذا عزيمة قوية، ولا تجعل الشيطان يتلاعب بك، وعليك بمجالسة الصالحين، والذهاب إلى بيوت الله، واسأل الله عز وجل أن ينزل عليك السكينة والرحمة، ويغفر لك ذنبك وألا يجعلك تعود إليه مرة أخرى.
وخلاصة قولي لك :
* لا تتكل وتقول بأنك شباب وعندما تكبر سترجع فلا تمنِّ نفسك ولا يغرنك الشباب فلا أحد يضمن عمره.
* استعن بالله ولا تعجز، وأقبل على الله بكل صدق وإخلاص واجتهاد، واحضر الجُمَع والجماعات ومجالس العلم ومجالس القرآن، وإذا مررت برياض الجنة فارتع ولا تحرم نفسك.
* عليك كل يوم أن تقرأ وردًا يوميًّا من القرآن، وتشهد مجالس العلم وحلق القرآن، واعتزل الأغاني ومشاهدة الأفلام الماجنة الداعية إلى الفساد.
* انتقِ الصحبة الحسنة الصالحة التي تعينك على طاعة الله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه رائحة طيبة". فاعتزل صحبة السوء الداعية للفجور والفساد وعليك بالصحبة الطيبة الداعية للخير والصلاح.
ويقول الشاعر موضحا هذا المعنى:(33/865)
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
ويقول آخر:
احذر مصاحبة اللئيم فإنه يُعدِي *** كما يُعدِي الصحيحَ الأجربُ
* أقبل على دراستك، وانهمك فيها، ولا تيأس كونك رسبت عاما أو عامين فعندما تنشغل بدراستك وتذوق النجاح ساعتها لن يكون عندك وقت لمثل هذه المعاصي.
* جاءك رمضان، وهو فرصة كبيرة لإصلاح العلاقة مع الله، فهذا شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاجتهد فيه بقراءة القرآن والقيام والصيام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، فهذا الشهر العظيم شهر رمضان شهر بركة وخير، ميزه الله بعدة فضائل وخصال، فهو شهر القرآن، وشهر الإحسان، وشهر التوبة وتكفير الذنوب والخطايا، فيه تتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد فيه الشياطين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين" (رواه الإمام البخاري).
وصدق من قال:
شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ *** من ألف شهر فُضّلت تفضيلا
طوبى لعبدٍ صحَ فيه صيامه *** ودعا المهيمنَ بكرةً وأصيلا
وبليله قد قامَ يختم وردَه *** متبتلاً لإلهه تبتيلا
* اشغل نفسك وتخلص من وقت الفراغ؛ لأن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
* لا تيأس.. لا تيأس.. بل أقبل على ربك محسنا به الظن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فأفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (رواه البخاري) الله عز وجل أشد فرحا بعبده التائب من العبد صاحب هذه الدابة.
وأختم كلامي معك بأبيات للشافعي رحمه الله:
تزود للذي لا بد منه *** فإن الموت ميقات العباد
وتب من ما جنيت وأنت حي *** وكن متنبها قبل الرقاد
ستندم إن رحلت بغير زاد *** وتشقى إذ يناديك المنادي
أترضى أن تكون رفيق قوم *** لهم زاد وأنت بغير زاد
وفقك الله إلى ما فيه الخير والصلاح وتابعنا بأخبارك..
طالع أيضا:
* اغسل ذنوبك بدموع التوبة
* ذنوبي كثيرة..فهل ليّ من توبة؟
* لا أجد طعم التوبة..أنت لم تتب.(33/866)
ـــــــــــــــــــ
ثلاثة أبواب للخير في رمضان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف يمكن للعاصي المذنب في هذا الشهر المبارك أن يستفيد من إيمانيات هذا الشهر ويترجمها عمليا في توبة نصوح؟ وكيف يثبت عليها بعد رمضان؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يجيب الداعية المغربي الأستاذ منير الركراكي:
أخي الكريم/
أبواب الخير ثلاثة كما دل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل معاذ بن جبل - رضي الله عنه- إمام العلماء وحامل لوائهم يوم القيامة، ويا لها من أمانة تستدعي أعظم دلالة، فالدال رسول الله، والمدلول أبواب الخير: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل.
فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم " (رواه أحمد).
فرمضان يفتح لك أبواب الجنان، وتصفد فيه أبواب النيران، والشياطين تقيد وتسلسل وتصفد، فبادر إلى الخير، واطرق هذه الأبواب بإلحاح حتى يفتح الفتاح، واثبت عليها حتى بعد أن يغادرنا رمضان وينزاح، واعلم أن الله يحب العبد الملح.
وكان أحد الصالحين يقول عن إخوانه: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر( بعد انتهائه ) أن يتقبله منهم، وهذا صالح أخر هو يحيى بن كثير يصف لنا دعاء الصالحين فيقول: من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا نسأل لنا ولك العون على حسن استقباله، والاستفادة منه، وألا نكون من الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له.
وكما قال أبو حنيفة النعمان رحمه الله: لا نبات بلا ثبات، وكما يقول لي ولك سيدي عبد القادر الجيلاني في الفتح الرباني: (اثبت حتى تنبت). فلا فرع في السماء ولا أكل يتجدد إلا لمن أصله في أرض الاستقامة والاستواء ثابت.
لكن لهذه الأبواب فلسفة ينبغي أن نعيها، فالصوم جنة، ليس عن الأكل والشرب والنكاح، وإنما صوم العين عن الخيانة، واللسان عن الحصائد، والقلب عن الحالقات، والعقل عن اللقطي الخليط من الأفكار، والنفس عن الأمر بالسوء وما تشتهيه من الطيبات إسرافا وتبذيرا، وكل الجوارح عن إتيان ما حرم الله عليها. بهذا يكون الصوم جنة والوقاية خير من العلاج.(33/867)
وفي الصدقة العلاج، وليس الصدقة فقط زكاة تؤديها في عيد الفطر، وإنما كان رسول الله أجود ما يكون في رمضان، كما أنه لم يصم شهرا تاما إلا في رمضان، وإن كنا مميزين بصيامنا عن عامة الناس خارج رمضان.
فينبغي أن نكون مميزين في صيامنا بصيام التقوى داخل رمضان، وإن طولب إلينا أن نزكي النفس خارج رمضان فينبغي أن نزكي النفس- بالفتح- داخل رمضان، وهو المطهر الذي جاءنا نسأل الله ونحن قد أدركناه أن يغفر لنا؛ وأن يرحمنا الله ويعتق رقابنا من النار.
والصدقة تطهر وتزكي:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، ما فهمت معانيها ومراميها: ابتسامتك في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، حتى اللقمة تضعها في فم أهلك صدقة، ومن العلم صدقة، ومن الإيمان صدقة، ومن كل ما أتاك الله صدقات يربيها من يعطي المنفق الخلف ويعطي الممسك التلف.
والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وعون على الوقاية والعلاج، وإسراء إليه ومعراج صلاة المرء في جوف الليل والناس نيام، وباب الله ليس عليه زحام، وأنت واقف في جنح الظلام تتورم منك الأقدام وقوفا بين يدي الواحد العلام تسأله أن يدرجك سبل السلام مع النبي والصحب الكرام لنيل الأوطار وبلوغ المرام.
وفي رمضان تراويح وقيام، وفي رمضان ينبغي أن تكون أجود، وفي رمضان شهر صيام على التمام، فاحرص على إثبات هذا العمل، وأعلم أن رمضان يعلمنا الله به أن العمل الجماعي المنظم هو المثبت والمذكر والمعين.
وكم من إنسان تدعوه إلى صوم يوم فيعجز، وإلى قيام ركعات قليلة فيكسل، وإلى التصدق ولو بشق تمرة فيبخل. لكن في رمضان، الرحمات والبركات؛ يتنافس الناس حتى العوام على هذه المكرومات. ويزاحمون الملتزمين بمناكب البكور والتهجير والعزم الماضي.
يا أخي..
إذا أردت أن تثبت على الخير فأصحب أهل الخير. وما يعز في آخر الزمان اثنان: درهم حلال وأخ صالح إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك.
طالع أيضا:
* برنامج للعاملين والأطفال في رمضان.
* برنامج عملي للقرآن في رمضان
* كيف أغير نفسي في رمضان؟
* وصايا للأسرة في رمضان
ـــــــــــــــــــ
زميلي غير ملتزم ومتفوق عليّ دراسيا !! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا في السنة النهائية بكلية الهندسة. أعيش مع والدتي وأختي وزوج أختي في مسكن واحد (العبء الأول). ويتطلب مشروع التخرج مصروفات طائلة. مع العلم أن أبى متوفى منذ 17 عاما (العبء الثاني).(33/868)
أنا شاب وحيد. وهناك فرق شاسع بيني وبين أصغر أخت في إخواتى في السن والعقل والتفكير والمستوى العلمي؛ فأنا الوحيد الذي أكمل إلى المرحلة الجامعية في العائلة كلها. مما يفرض على التفوق (العبء الثالث).
كنت متفوقا دراسيا حتى انتهيت من الثانوية العامة؛ إلا أنى اندثرت تماما بعد دخول الكلية. لكنى لم أرسب والحمد لله حتى الآن. وإنما أجد نفسي الآن في موقف لا احسد عليه. وما يحرق صدري أن ليّ زميل غير ملتزم قد فاقني دراسيا. وأظن أنني على قدر التزام أكثر منه، وأرى الجميع يحترمونه ويسيرون رأيه على رأيي؛ حتى وإن كان رأيي أنا الأصوب. مما يجعلني احترق (العبء الرابع).
أعلم إن الحقد قد أخذ من قلبي ما أخذ. لكنني أشعر بأني الأولى منه بالتفوق الدراسي. وكل تصرف يقوم به أفسره على أنه أفضل منى ماديا ودراسيا. وأنه يتصرف معي هكذا؛ ليس إلا لمجرد المنافسة التي كانت بيني وبينه؛ ولكن لأنني انفصلت عنه منذ زمن عند التزامي لأنه أصر على الاختلاط وأنا امتنعت عن هذا. وسؤالي ذو شقين :
* أولا: كيف أقضى على هذا الحقد الذي يجعلني أشعر وكأنني ملطشة بما يفقدني ثقتي في نفسي؟.
* كيف أعود إلى تفوقي ؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ أحمد محمد سعد، باحث ماجستير بجامعة الأزهر، وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف بمصر:
أخي الحبيب سلم الله صدرك مما أنت فيه. وأسأله سبحانه أن يبرؤك من هذه الداءات. لست أدري أأشفق عليك أم أرثي؛ لما وصلت إليه من حال أتعبت فيها نفسك وأحرقت فيها قلبك بيدك. فكنت كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
والشاعر العربي تنبه لحال أمثالك فقال :
فالنار تأكل نفسها ** إن لم تجد ما تأكله
يا أخي "الملتزم" عن أي التزام تتحدث؛ وأنت تعد عيشتك مع أمك وأختك عبئا وهما ثقيلا. أم عن أي التزام تتحدث؛ وأنت تزدري نعمة الله عليك مهما بدت قليلة في عينيك. ثم عن أي التزام تتحدث وأنت تحسد الناس علي ما ساقه الله إليهم جزاء سعيهم وكدهم من فضله فتسيء بذلك الأدب على الله.
ألا قل لمن بات لي حاسدا *** أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه *** لأنك لم ترض لي ما وهب
ودعني أنبهك إلى أن ما أنت فيه؛ ظروف عادية يمر بها كل شابٍ في بلادنا. بيد أن العاقل هو من لا يدع نفسه نهبة لتلك الظروف، ويترك نفسه مطية للأيام. بل يمتطيها ويجعل من ليمونته الحامضة شرابا حلوا يسعد به.(33/869)
كثيرون أولئك الذين يحسنون أن يمثلوا دور الضحية لأنه دور لا يتطلب جهدا ولا عرقا، ولا مغامرة ولا كدا. لكن القليل – بل وأقل من القليل- يحسنون القيام بدور الفارس الشجاع الذي لا يدع الأيام تغلبه.
لقد أخطأت حين هيأت لك نفسك أن العيش مع أمك وأختك وزوجها عبئا. وكان الأولي بك أن تحمد الله أن هيأ لك مسكنا تعيش فيه برفقة أهلك، وتبر أمك حتى تدخل الجنة. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل لمن أدرك أبويه أو أحدهما عند كبره ولم يدخلاه الجنة".
وكان أولي بك وقد فقدت والدك أن تعمل في الإجازة الصيفية؛ لتعود نفسك تحمل المسئولية، والتكسب من عرق الجبين. ولتتذكر أن من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له. وتعلم أن المسلم مطالب بأن يكون محترفا. ولا تسلني في أي شيء أعمل وقد ضاقت على الأرض بما رحبت؛ فالله لا يرد من يطلب من فضله، ولا يمنع خيره من أحد. وما علينا إلا أن نطرق أبوابه سبحانه؛ متذرعين بالصبر، متسلحين بالأمل.
ثم عن أي عبء تتحدث حين تخبرنا أن المستوى التعليمي بينك وبين أختك كبير والبون بينكما شاسع؟ إن هذا يفرض عليك مسئولية تسعد بها بدلا من أن تتذمر منها. ودورك حينئذ دور القائد والقدوة.
ألا يسعدك أن تكون أنت الموجّه لمن لم ينالوا حظا من التعليم من أهلك؛ سيما وأنت كبير في أعينهم وعظيم في قلوبهم ؟، ألا يسرك أن تتولى دفة القيادة وتكون المرجع لهم في كل شاردة وواردة ؟، إن تعليمك الجامعي يعطيك هذه الفرصة؛ خاصة وأن العلم لابد وأن يصطحب بعلم التعامل مع الناس، وجذب أبصارهم، واكتساب قلوبهم.
ثم نأتي إلى بيت القصيد؛ وهو حقدك على زميلك المتفوق الذي يتخذه الناس قدوة وترى أنك أولى منه بهذا. لاسيما وأنه - كما تدعي- ليس على نفس درجة التزامك. وهنا ليّ وقفات: أولها أن الالتزام ليس كلمة تقال ولا عنوانا؛ وإنما هو معطيات وبراهين.
ثم إن الالتزام الديني ليس كافيا وحدة لإدراك التفوق وإحراز النجاح. فكم من أناس ادعو أنهم ملتزمون ورسبوا؛ بل وفشلوا تماما في حياتهم. إن الله – عزوجل- سمى نفسه العدل، وحكم بين عباده بالعدل. ومن جملة عدل الله أنه لا يسويّ بين من يسهر الليالي منكبا على كتبه حافظا لدرسه؛ وإن كان قليل الالتزام، أو حتى غير مسلم. وبين من ينام طويلا، ويلعب طويلا، و يهمل دروسه بدعوى أنه ملتزم!.
إننا معاشر الملتزمين نعيش أزمة عدم فهم مصطلح الالتزام. وهي أزمة لا يتسع المقام هنا للحديث عنها غير أن من أطيافها أننا نظن أن الله – يجب أن- يكرمنا بالتفوق لأننا ملتزمون. إن الله لا يحابي أحدا لجنسه ولا لونه ولا التزامه؛ إنما هى أسباب ونتائج. فمن تعاطى الأسباب وصل. ومن تمسك بالنصر حصل.
ودليل ذلك أن الغرب يموج بمن لا يتبعون دينا؛ ومع هذا فهم جادون في أعمالهم، منظمون في حياتهم، رتبوا أمورهم علي إحراز أهداف محددة، ووصلوا لما أرادوا؛ لأنهم أخذوا بالأسباب.
إن من أبجديات الالتزام التي تفتقدها أنت - أخي الحبيب- الرضا بما قسم الله لك. ومن أجل هذا تحس بأثقال شديدة تكبل قلبك. تأمل معي قول الحبيب- صلي الله عليه وعلى(33/870)
آله وصحبه وسلم- " ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". وانظر أن مراتب الرضا لا يبلغها إلا من سلم لله فيما قضى ونظر إلى من فوقه في الدين والأدب ومن تحته في المال.
أخي الحبيب :
إنك تحتاج إلى أن تعمق مفهوم الرضا بقسمة الله في نفسك، وتقرأ كثيرا في هذا الباب، وأذكر لك بعض الكتب التي تهتم بالموضوع على سبيل المثال :
* الداء والدواء للإمام ابن قيم الجوزية.
* مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة المقدسي.
يا أخي لقد حكمت علي زميلك أنه أقل التزاما منك، بيد أنك لا تعلم ما بينه وبين ربه. وللناس مع الله أحوال، وبينهم وبينه أسرار. فلا تتعجل الحكم على أحد؛ وإن رأيت منه ما لا يسر، فلا تحكم بأن فيه شرا؛ بل دع الملك للمالك.
وتسأل عن التفوق وأدواته، وهي كثيرة أولها وأهمها اليقين بأن العقول تتفاوت وأنها مقسومة كالأرزاق. وعلينا أن نرضى بما قسم الله وقضى. فإن فاقك أحد في الدراسة؛ فلا يعني أبدا أنه يفوقك في كل شيء. بل الدنيا مقسمة والعاقل من علم هذا وأيقن به.
ومن جملة أدوات التفوق: الكف عن الحسد والاشتغال بأمر النفس. فذلك أحرى أن يعود المرء الجد في إصلاح عيوب نفسه واستنقاذها من أمراضها الفتاكة. ومن أدواته أيضا الجد والاجتهاد والتماس عون الله بالدعاء والذكر وإدامة الصلة به؛ مع الاعتقاد أن العبادة دون جد ومذاكرة؛ لا تكفي وأن التفوق لا يناله من نام وتكاسل:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وأخيرا أذكرك- وأذكر نفسي- بأن العمل بما علمت يورثك علما جديدا ويفتح لك مغاليق الكتب وخزائن العلوم. إن الالتزام يشمل إصلاح القلب والرضا وحمد الله على نعمته والأمل فيه سبحانه. مثلما يعني العمل بما تعلم والصبر والمصابرة والجد والاجتهاد مع اليقين والتوكل علي الله سبحانه. حينئذ تنال ذرا المجد وتكون في عداد المتفوقين الفائزين.
وعش معي - أخي الحبيب- هذه الأبيات :
كن عن همومك معرضا ** وكل الأمور إلى القضا
أبشر بخير عاجل ** تنس به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط ** لك في عواقبه رضا
ولربما اتسع المضيق ** وربما ضاق الفضا
الله عودك الجميل ** فقس على ما قد مضى
ويمكنك مراجعة الكتب الآتية للإفادة :
* كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس (ديل كارنيجي).
* دع القلق وابدأ الحياة (ديل كارنيجي).
* جدد حياتك (محمد الغزالي).
وختاما؛
أسأل الله أن يشرح صدرك، ويهدي قلبك، ويذهب همك، ويرفع ذكرك!، آمين.. وأدم التواصل معنا..(33/871)
طالع أيضا:
* بالبيت ملتزم.. وخارجه رجل آخر!!
* وجدي غنيم والتدين المغشوش
* أعترف: التزامي مزيف
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
لا أحترم أبي.. فكيف أبره؟! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سوف أحاول الاختصار:
أنا أعانى من مشكلتي مع أبى وهي- وأنا أشعر بأسف و حزن شديد وأنا أقولها- لا أحترم أبى فهو للأسف شخص غير جدير بالاحترام وهذا يقف عائقا بيني وبين بره. ولقد حاولت أن أكون بارة به أو على الأقل على علاقة حسنة به، لكنه كان يصدني. إنكم لا تتخيلون كم جاهدت مجاهدة عنيفة وشرسة حتى أحمل نفسي على حسن معاملته، و في النهاية كان يصدني وبالطبع أمام صده ليّ، وعدم معاونته ليّ على بره، بدلا من أن يساعدني، لم أستطع المقاومة والاستمرار.
فبالله عليكم هل أساوى أنا في هذا مع من يعق أبا صالحا يرجو بره ويعينه عليه أما ماذا ؟ أشيروا على من فضلكم أنا خائفة من الله . ولقد علمت أن من لا يعين أبناءه على بره عليه وزر عظيم، فهل هذا صحيح ؟، وما موقفي أنا الآن من ربى وهل رغم كل هذا أعد عاقة له رغم كونه شخص غير جدير بالاحترام ...
بالله عليكم كيف أبر شخص لا أحترمه ؟ لا أستطيع أنتظر الرد بسرعة. وجزاكم الله خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختنا في الله
السلام عليك ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد:
فقد استوقفتني في رسالتك عدة عبارات مؤلمة وهي : (لا أحترم أبى)، ( هو للأسف شخص غير جدير بالاحترام)، (هل أساوى أنا في هذا مع من يعق أبا صالحا؟)، ( رغم كونه شخص غير جدير بالاحترام)، (كيف أبر شخص لا أحترمه ؟) !!!!(33/872)
ثم تتساءلين مستنكرة :(هل أتساوى في هذا مع من يعق أبا صالحا يرجو بره ويعينه عليه؟)، وبالطبع فكما أن هناك ابنا عاقا لوالده، أو بنتا عاقة لوالدها، فقد يكون الأب عاقا لولده أو بنته، وإن من عقوق بعض الآباء لأبنائهم ألا يعينوهم على برهم.
ثم تقولين :( أشيروا على من فضلكم، أنا خائفة من الله)، وتسألين عن موقفك من ربك وتقولين :( هل رغم كل هذا أعد عاقة له رغم كونه شخص غير جدير بالاحترام؟)، وتتساءلين مستنكرة :(كيف أبر شخص لا أحترمه؟)
وأستعين بالله وأقول لك :
أولا : سألت نفسي ما الذي دعا أختنا صاحبة الرسالة إلى الاعتراف بأنها لا تحترم أباها؟، وما الذي جعلها تصدرا هذا الحكم القاسي على والدها فتصفه بأنه : شخص غير جدير بالاحترام؟!، وكيف هان عليها أن تخرج هذا اللفظ من فمها ؟!، كيف استطاعت أن تصفه بأنه أب غير صالح ؟!!.. كيف ؟؟
ثانيا : لم توضحي لنا في رسالتك : لماذا لا تحترمين والدك؟، وما هي مبرراتك التي تسوقينها لتدفعين عن نفسك تهمة العقوق؟، كنت أتمنى أن لو ذكرت لنا بشيء من التفصيل: كيف كان أبوك يصدك عن بره؟، وكيف حاولت أن تكوني بارة به ؟، وما الذي فعلته لتحملين نفسك على بره؟، نحتاج منك مزيدا من التوضيح، فسؤالك يحمل علامات استفهام كثيرة، وحتى نقدم لك إجابة واضحة لا بد أن يكون سؤالك واضح ومحدد.
ثالثا : لعل من المهم هنا أن أذكرك ببعض ما ورد في الدستور الخالد، القرآن الكريم، فقد أمرنا الله تعالى بالإحسان إليهما وجعله منزلة البر بالوالدين بعد الأمر بعبادته والتحذير من الإشراك به قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، كما أوصانا سبحانه ببرهما والإحسان إليهما فقال جل شانه:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}، وقال أيضا: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة وهي في مجملها تدل على وجوب برهما، والإحسان إليهما وشكرهما على إحسانهما إلى الولد من حين وجد في بطن أمه إلى أن استقل بنفسه وعرف مصالحه. وبرهما يشمل الإنفاق عليهما عند الحاجة، والسمع والطاعة لهما في المعروف، وخفض الجناح لهما، وعدم رفع الصوت عليهما، ومخاطبتهما بالكلام الطيب والأسلوب الحسن.
كما قال الله عز وجل في سورة بني إسرائيل:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
هذا عما ورد في القرآن من آيات داعية إلى برهما والتحذير من عقوقهما، أما عن السنة، فقد ورد في الصحيحين "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي العمل أفضل؟، قال الصلاة على وقتها، قيل ثم أي؟، قال بر الوالدين، قيل ثم أي قال الجهاد في سبيل الله". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى(33/873)
الله عليه وسلم أنه قال : "رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين" أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان، والحاكم. وضد البر : هو العقوق لهما ، وذلك من أكبر الكبائر.
وقد ثبت في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟، ثلاثا، قلنا بلى يا رسول الله، قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس وقال ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور". وفي الصحيحين، أيضا، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من الكبائر شتم الرجل والديه قيل يا رسول الله : وهل يسب الرجل والديه ؟، قال نعم يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه"، فجعل صلى الله عليه وسلم التسبب في سب الوالدين سبا لهما.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث والرَّجلة" (رواه النسائي والحاكم). فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية ببر الوالدين، والإحسان إليهما، ولاسيما عند الكبر والحاجة إلى العطف والبر والخدمة، مع الحذر كل الحذر من عقوقهما والإساءة إليهما بقول أو عمل.
رابعا : هناك جملة من الآداب التي يجب أن تراعيها في التعامل مع والدك ومنها :
* ألا تمدي يدك للطعام قبله.
* الاستئذان عليه قبل الدخول عليه.
* مبادأته بالسلام وتقبيل يديه ورأسه.
* المحافظة على سمعته، وتجنب لومه.
* فهم طبيعته ومعاملته بذلك المقتضى.
* كثرة الدعاء والاستغفار له في الحياة وبعد الممات.
* طاعنه بالمعروف، والإحسان إليه، وخفض الجناح له.
* مساعدته فيما يقوم به من عمل، وتلبية ندائه بسرعة.
* التوسعة له في المجلس، والجلوس أمامه بأدب واحترام.
* البعد عن إزعاجه، وتجنب الشجار وإثارة الجدل بحضرته.
خامسا : احذري يرحمك الله من عقوق والدك، واعلمي أن صور العقوق كثيرة، ومنها :
* نهره وزجره.
* التعدي عليه بالضرب.
* إهماله عدم الإصغاء لحديثه.
* الشح عليه، والمنة عليه بالإنفاق.
* رفع الصوت عليه أو في وجوده.
* الدعاء عليه وتمني وفاته أو إصابته بالسوء.
* إغضابه أو التسبب في تحزينه بالقول والفعل.
* التأفف من أوامره، وإظهار التضجر من كلامه.(33/874)
* ذمه أمام الناس، وذكره بالسوء وتشويه سمعته.
* العبوس في وجهه وتقطيب الجبين أمامه، والنظر إليه بغضب.
سادسا : أوصيك ببعض الأمور التي تعينك على بر والدك ومنها :
* الاستعانة بالله عز وجل، والدعاء إليه أن يرزق بر والدك فإن البر رزق والرزق نعمة والنعمة تستوجب الشكر.
* استحضار فضائل البر والأجر العظيم الذي أعده الله في الجنة للبار بوالديه.
* استحضار عواقب عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة.
* قراءة سير البارين بوالديهم .
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على بر والدك وصلة أرحامك، وأن يعيذك من العقوق وقطيعة الرحم، وكل ما يغضب الله ويباعد من رحمته، وأن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وتابعينا بأخبارك وأخبار والدك ونحن بانتظار رسالة منك تشرحين فيها الموضوع بشيئ من التفصيل.
طالع أيضا:
* عقوق الآباء للأبن
ـــــــــــــــــــ
الهمَّة العالية.. كن رجلاً لا رُجَيْلا ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيفيَّة تحقق الهمَّة العالية لكلِّ مسلم ؟، أريد أمثلةً من السيرة، وبعض أسماء كتبٍ تتكلَّم في نفس الموضوع.
... السؤال
الدكتور محمد منصور ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الكريم مصطفى،
موضوع الهمَّة هذا ذو شقَّين:
* الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة.
* العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها.
أمَّا الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة العالية للمسلم في حياته كثيرة، وأمثلتها من السيرة كثيرة، نذكر منها :
أولا: حبُّ الله ورسوله، وحبُّ جنَّته، واليقين بها والشوق إليها :
عن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدمَنَّ أحدٌ منكم إلى شيءٍ حتى أكون أنا دونه"، فدنا المشركون، فقال رسول الله(33/875)
صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض"، قال: "يقول عُمَيْر بن الحُمَام الأنصاريُّ رضي الله عنه: يا رسول الله، جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: "بَخٍ بَخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بَخٍ بَخ؟!" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنَّك من أهلها"، فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنَّها لحياةٌ طويلة! فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل(رواه مسلم).
فحبُّه لله ورسوله وتصديقه بهما، ويقينه بقيمة الجنَّة وشوقه إليها، كلُّ ذلك كان حافزاً له لتحصيل الثواب ولاتخاذ أسباب الوصول لأعلى درجاتها، مع الصبر على ذلك: {إنَّما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
ثانيا: الخوف من النار واليقين بعذابها:
فعن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعتُ مثلها قط، فقال: "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا"، فغطَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين".رواه البخاري، خنين: أي بكاءٌ مع صوتٍ وانتشاقٍ من الأنف. فقد دفعهم يقينهم بالنار وخوفهم من عذابها إلى الانطلاق في الالتزام بالإسلام وحمايته ودعوة الناس إليه.
ثالثا: تذكُّر عِظَم الرسالة التي تحملها:
فأنت يا أخي المسلم صاحب أعلى لواءٍ على الأرض، ودينك هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا وهو مرتبطٌ مباشرةً بالعزيز الغالب سبحانه، ويا له من ارتباط.
ودينٌ عظيمٌ بهذه الدرجة يحتاج إلى رجالٍ عظام، ومهمَّة الدعوة إلى دين الله تعالى هي أعلى المهمَّات وأشرفها.
يقول ابن الجوزيِّ رحمه الله: "ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمتَ أنَّهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبُّد، لعلمهم أنَّ ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثَّهم على الخير ونهيهم عن الشرّ؟".
ويؤكِّد ذلك الإمام ابن القيِّم رحمه الله فيقول: "الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته: وقوفه في الصف ساعة، وجهاده أعداء الله، أفضل من الحجِّ والصوم والصدقة والتطوُّع، والعالِم الذي قد عرف السنَّة، والحلال والحرام، وطرق الخير والشرّ: مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم، أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح".
رابعا: الانتماء إلى "العزيز" سبحانه:
انتمِ إلى ربِّك العزيز سبحانه، انظر في قيمة ما تحمل، تزدد عزًّا وفخرا، يقول تعالى: {ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} ويقول جلَّ شأنه: {الذين يتَّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزَّة فإنَّ العزَّة لله جميعا}، ويقول سبحانه:{من كان يريد العزَّة فلله العزَّة جميعا}.(33/876)
وقد وصف ربُّنا سبحانه نفسه بـ"العزيز" في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن الكريم، كما علَّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم العزَّة بأفعالهم، فلم يعطوا الدنيَّة من دينهم، وقاتلوا حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولم يهدأ لهم بالٌ حتى أعلى الله بهم دينه ولواءه، وكذلك فعل الأنبياء السابقون عليهم السلام.
فهذه هي مكانة العزَّة في ديننا، ربٌّ عزيزٌ سبحانه، أمرنا ألا نعطي الدنيَّة من ديننا، ونهانا عن الذلَّة والمهانة، بل ونهانا عن كلِّ ما يؤدي لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"رواه البخاريُّ ومسلم.
والمرَّة الوحيدة التي سمح لنا ربُّنا فيها بالذلَّة هي مع إخواننا المسلمين: {يا أيُّها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبُّونه أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم}.
وهذه الآية العظيمة تحتاج إلى وقفة: فالقوم الذين يحبُّهم الله تعالى وسوف يأتي بهم بدلاً ممن ارتدُّوا عن دينهم، من شروطهم أن يكونوا أعزَّةً ولا يخافون لومة لائم ولا يذلُّون إلا لإخوانهم. ألا تكفي هذه الآية للتدليل على عِظَم هذا الدين ورقيِّه وعلى اشتراطه العزَّة كشرطٍ أساسيٍّ للمنتمين إليه؟ أنتمِ إلى العزيز سبحانه، وستجد همَّتك تطاول عنان السماء.
خامسا: الوفاء بالوعد مع الله ورسوله وإسلامه:
فالمسلم من نطق الشهادتين بصدقٍ كان بينه وبين ربِّه ورسوله وإسلامه وعدٌ بأن يتمسك بدينه، ويحافظ عليه، ويدافع عنه، وينشره لغيره، وهذا الوعد يُعِين النفس على السعي لتنفيذه خوفا من إخلافه، وحبًّا في ثواب الوفاء به.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أُحُد، فقال: "من يأخذ منِّي هذا؟" فبسطوا أيديهم، كلُّ إنسانٍ يقول: أنا أنا، قال: "فمن يأخذه بحقِّه؟" فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه: أنا آخذه بحقِّه، فأخذه ففَلَق به هام المشركين".رواه مسلم.
سادسا: الشعور المؤلم بالتقصير، ومحاولة التعويض:
فاستشعار مقدار الثواب الذي يفوت المسلم بسبب تقصيره أو غفلته أو إعراضه أو نسيانه أو نحو ذلك يكون دافعاً له للعمل من أجل تعويض ما فاته.
عن أنس رضي الله عنه قال: "غاب عمِّي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ فقال: يا رسول الله غبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحُدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللهمَّ إنِّي أعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممَّا صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربِّ النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أُحُد، فقال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بِضْعاً وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل ومثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنَّا(33/877)
نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا"رواه البخاريُّ ومسلم.
سابعا: البشريات:
فمن طباع البشر أنَّ النجاح يدفع إلى مزيدٍ من النجاح، فما نراه الآن من بدايات العودة لله تعالى والإسلام ممثَّلةً في انتشار الحجاب، ومراكز حفظ القرآن، وامتلاء المساجد بالمصلِّين، والمدارس الإسلامية، وانتشار الأخلاق بين الناس، وعودة روح الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، وإعادة عزَّته، كلُّ ذلك وغيره من البُشْرَيات الكثيرة -رغم أنَّها كلَّها ما زالت بدايات- يدفع إلى مزيدٍ من العمل والإنجاز حتى يُتمَّ الله نصره.
ولعلَّ في قصَّة دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه لأهل المدينة للدخول في الإسلام ما يدلُّ على ذلك؛ إذ أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع الذين بايعوه في بيعة العقبة الأولى حين أتَوا للحجِّ وكانوا اثنا عشر فرداً ليعلِّمهم إسلامهم، فانتقل من بيتٍ لآخر يدعو فآمن من آمن.
وكان ذلك دافعاً له لمزيد من توصيل دعوة الله تعالى، حتى جاء حجُّ العام الذي بعده فبايع فيه سبعون رجلاً وامرأتان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية على الدفاع عنه وعن دعوته، ثم انتشر الإسلام شيئاً فشيئاً بعد ذلك.
كذلك لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكَّة كانت هذه البُشرى دافعاً للمسلمين لمزيدٍ من نشر دعوة الإسلام والجهر بها.
ثامنا: التواجد في وسط الصالحين، والتعاون معهم:
فيُعين بعضهم بعضاً على زيادة الإيمان بالطاعة كالصلاة والصوم والذكر والتدبُّر وقراءة القرآن وغيره، ويحضُّ بعضهم بعضاً عند النسيان، ويشارك بعضهم بعضاً عند الدعوة لدينهم، ويقوِّي بعضهم بعضاً عند الدفاع عنه.
فقد كان هذا هو فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد كانوا يلتقون في صلوات الجماعة، ويتدارسون القرآن، ويشتركون في الأفراح والأحزان، ويعملون ويتاجرون ويجاهدون، فأصبحت حياتهم كلُّها همَّةً ونشاطا، وأحسنوا إعمار الكون وخلافة الله تعالى فيه.
تاسعا: القراءة في رفع الهمَّة:
وهي كثيرة، حفلت بها كتبنا، وامتلأت بها أسفارنا، فقط افتح وطالع واقرأ، فأنصحك بالقراءة في كتب الرقائق وتزكية النفس، إذ فيها الكثير من الحديث عن الهمَّة، وأخصُّ بالذكر كتابات الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة والحارث المحاسبي رحمه الله، وشيخ زهَّاد بغداد الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي.
ودعني أذكِّرك ببعض الأدبيَّات التي وردت في ذلك:
- قيل لأحد التابعين: أريدك في حُوَيْجة –تصغير حاجة-، فقال: ابحث لها عن رُجَيْل –تصغير رجل. فأصحاب الهمم العالية هم للأمور العظام لا الحاجات الصغيرة.
- مجموعةٌ من الأشعار في رفع الهمم: يقول المتنبِّي:
سبحان خالِق نفسي كيف لذَّتها ... .. فيما النفوس تراه غايةَ الألمِ(33/878)
الدهر يعجب من حملي نوائبه ... . وصبر جسمي على أحداثه الحطمِ
وما الدهر إلا من رُواةِ قصائد. إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسار به من لا يسير مشمِّرا ... . وغنَّى به من لا يغنيِّ مغَرِّدا
ذريني أنل ما لا يُنال من العلى ... فصعبُ العُلى في الصعب والسهل فيالسهلِ
تريدين لقيان المعالي رخيصةً ... ... . ولابدَّ دون الشهد من إبَر النحلِ
وإذا كانت النفوس كبارا ... ... . تعبت في مرادها الأجسامُ
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ... ... . فلا تقنع بما دون النجومِ
هذه وسائل رفع الهمَّة، وبقي الحديث عن العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها، ويمكن تلخيصها في أمورٍ أربع:
* الوقوع في الذنوب والمعاصي.
* الفتور والملل.
* اعتلاء سحب اليأس.
* نقص الثقة في النفس.
أخي الكريم:
إضافةً إلى ما سبق، فإنَّ لك في كتب السيرة الزاد، ولو اطَّلعت على أيِّ بابٍ من أيِّ كتابٍ في السيرة؛ لمواقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لصاحبته الكرام إلا وستستَخْرِج أنت منه همَّةً وعملاً وإنجازًا وتفاؤلا، فما عليك إلا أن تتدبَّر في معانيه وتطبِّقها في حياتك.
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، ونتمنَّى مداومة الاتِّصال بنا
ـــــــــــــــــــ
استثمر رمضان.. واقلع عن التدخين ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أحمد الله الذي وفقني للتوبة من الكبائر، كما وفقني للبدء في حفظ القرآن، وحضور مجالس العلم، لكن مشكلتي الرئيسية هي أنني لم استطع ان أقلع عن التدخين، علما بأنني أدخن منذ 17 عاما؛ رغم أنني مقتنع تماما بحرمة التدخين. وأتمنى أن يعينني الله وأفلح في الإقلاع عنه.
وقد حاولت في نهاية رمضان الماضي ونجحت لمدة شهر ونصف تقريبا. ولكن للأسف عدت للتدخين مرة أخرى. ومنذ فترة قريبة حاولت مرة أخرى الإقلاع بالتدريج لمدة أسبوع؛ ثم أقلعت تماما. ولكني عدت مرة أخرى للتدخين فشربت حوالي 5 سجائر.
وكنت أحس مع كل سيجارة أن غضب ربي سيحل بي. لا أدري ماذا أفعل! هل سوف يقبلني الله مع علمي وعدم جهلي؟ وهل أنا جاحد؟ أم أن كثرة المحاولات ستأتي يوما ما بنتيجة؟ علما بأنني في كل مرة استعين ببعض الشرائط للشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ محمد إسماعيل المقدم!
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار(33/879)
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ علي موسى من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الحبيب..
بداية أهنئك على ثلاثة أمور...
أولها: فضل الله عز وجل عليك بأن يسر لك التوبة، و يسر لك طريق حفظ القرآن وحضور مجالس العلم.
وأهنئك ثانياً على: منزلة إيمانية رفيعة وصلت إليها، وفي الحديث: " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن". وإن المؤمن ليرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه. وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا – أي بيده – فذبه عنه.
فبداية حل أي مشكلة أن ندرك أن هناك مشكلة. فكم من سائر في المعاصي؛ لا يشعر بأنه على خطر، ولا يدرك أنه في مشكلة إيمانية عظيمة.
وأهنئك ثالثاً على: أن فقهك الله عز وجل بحكم التدخين. وفي الحديث "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين". ففقهت أن حكم التدخين هو الحرمة، ولا زال هناك عدد كبير من المسلمين يجادل في حكم التدخين. ويحاول عبثاً أن يقنع نفسه؛ بأن التدخين ربما تكون في كراهة ولا يصل إلى درجة الحرمة.
وهذا خطأ كبير، وإن كان الاختلاف بين الفقهاء قديما في حرمة التدخين له ما يسوغه من عدم معرفة أضراره. فإنه لا يفتى إلا بالحرمة على الراجح الآن، لثبوت الضرر، وفي الحديث: "لا ضرر ولا ضرار".
فاحمد الله أخي على هذه النعم الثلاثة. ثم تعال بنا نتأمل في النقاط التالية التي ستعينك إن شاء الله تعالى على ترك التدخين مطلقاً:
* الطاعة فضل من الله عز وجل، فهو سبحانه يهدي فضلاً ويضل عدلاً. ولا ينال هذا الفضل إلا من أخلص النية لله عز وجل. فعليك بإخلاص النية لله عز وجل والاجتهاد في الدعاء؛ بأن يهديك لطاعته، ويصرف عنك معصيته.
* الوقوع في المعصية مرجعه إلى مصدرين: إما الشيطان وإما النفس. وانتصار المسلم علي الشيطان أمر مقدور؛ فقال تعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفاً}، وقال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}. فأكثر من الاستعاذة من الشيطان الرجيم كلما حدثك بأمر التدخين. وإن استطعت أن تتوضأ فافعل. فإن الوضوء يطرد عنك الشيطان.
* وأما النفس؛ فإن المعصية تبدأ معها في صورة فكرة أو خاطر سريع ثم تتحول الفكرة إلى تصور، والتصور يدعو إلى الإرادة، والإرادة تقتضي الوقوع في الفعل، وكثرة الوقوع في العمل تتحول إلى عادة يصعب القضاء عليها.
فمفتاح القضاء على العادة أن تعلم هذه المتوالية: خاطر ثم فكرة ثم تصور ثم إرادة ثم فعل ثم عادة. ودفع الخاطر عن النفس أيسر وأسهل مما بعده. فابدأ بدفع خاطر(33/880)
التدخين عن نفسك؛ بمجرد أن تحدثك به. واشغل نفسك عنه بالتفكير في أي طاعة فوراً دون تردد أو انتظار.
* لنتأمل سوياً في هذا المثال: إناء مملوء بالزيت. ونحن نريد أن نطرد الزيت من الإناء. فعلينا أن نقوم بصب الماء في الإناء؛ فيطفو الزيت فوق الماء؛ حتى لا يتبقى منه شيء( وذلك طبقاً لظاهرة الكثافة ).
وكذلك القلب: إن أردنا أن نطرد منه المعصية؛ فعلينا أن نملأه بالطاعة. فمثل القلب كالإناء، ومثل المعصية فيه كالزيت، ومثل الطاعة كالماء؛ إن قمنا بصب الطاعة في القلب؛ ستطفو المعصية شيئاً فشيئاً حتى لا يتبقى منها شيء.
هذا المثل يؤكد لنا أن فعل الطاعات هو طريق التخلص من المعاصي وأن التحلية هي طريق التخلية. ولذا فقد أخبر رسول الله صلَى الله عليه وسلَم عن الرجل الذي يقيم الصلاة ولا ينتهي عن المنكر أن صلاته ستنهاه يوماً.
* من أقوى العقبات في إصلاح النفس هو الشعور باليأس من الإصلاح. فإذا تمكن الشيطان من أن يوقع في نفس المذنب أنه لا أمل في التوبة فعندئذٍ ينتهي كل شيء.
فإياك أخي الحبيب أن تيأس من إصلاح النفس أو أن تظن أن محاولات الإقلاع المتكررة التي لم تفلح قد ذهبت سدى. فهذا قوله تعالى يفتح الباب لنا جميعاً:{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}.فلا تيأس أخي من الإصلاح أبداً. وأعلم أن من أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له. وقد قال تعالى:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
* للصحبة أثر عظيم في صلاح المسلم. فالصاحب ساحب. وفي الحديث:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". وفي قضية التدخين تحديداً يكون لصاحب السوء أثر عظيم فهو يقوم نيابة عن شيطان الجن بغواية صاحبه. فاحذر مجالسة صاحب سوء يقدم لك السم مبتسماً ويظن أنه لك محب!!
إن إسلامنا عظيم؛ ولكل داء في ديننا دواء. فاستعن على أثر التدخين في الجسد بالأدوية الربانية التالية:
* القرآن الكريم:
قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}، وقال أيضا: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء }، و:{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور}. فأكثر من قراءة وسماع القرآن في كل وقت .
* عسل النحل:
قال تعالى: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس}. وفي سنن ابن ماجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالشفاءين العسل والقرآن". وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من شرب العسل مذاباً في الماء.
* الحجامة:(33/881)
ففي صحيح البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار و أنا أنهى أمتي عن الكي". فالدم الملوث بأثر التدخين يحتاج إلى تجديد ليتخلص من سموم الدخان.
وأخيراً أخي الحبيب استحضر دائماً أن الموت يأتي بغتة. وأن الأعمال بالخواتيم. فيا لسعادة من ختمت حياته وهو في طاعة. ويا لشقاوة من ختمت حياته وهو في معصية.
أسأل الله عز وجل لي ولك وللمسلمين جميعاً التوفيق لكل طاعة والسلامة من كل معصية.
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع:
شكر الله تعالى لأخي عليّّ موسى هذه الكلمات الطيبات، وأعلى بها قدره، وجعلها ذخرا له عنده، وليسمح لي بكلمات خفيفات، عسى أن يثقل الله تعالى بها ميزاننا يوم العرض عليه.
فقد قدم أخي علي موسى بعض الأدوية الإيمانية، وأحب أن أضيف إليها ما يلي:-
* الإرادة لها فعل السحر، ومن المهم إزالة الوهم عن الإنسان أنه لن يستطيع أن يترك التدخين. وكم طبيب وصف لمرضاه أن يتركوا التدخين، لأجل علاج أجسامهم، فتركوه خوفا على صحتهم. فمن الأولى أن يتركها المسلم خوفا على دينه.
* ولعل رمضان يكون فرصة عظيمة لكي يكشف الإنسان نفسه. فالمسلم الذي لم يستطيع أن يمتنع عن التدخين لمدة ساعة أو ساعتين، إذا به يترك التدخين عن حب وطاعة لله تعالى أكثر من اثنتي عشرة ساعة، والإنسان ذات الإنسان، لم يتغير. ولكن رأسه وعقله وتفكيره وهمه وإرادته قد تغيرت، واستجاب لأمر الله تعالى في رمضان. ولكن الشرع حسب فتوى السادة المفتين حرم التدخين في رمضان وغيره. فكان واجبا أن نمتنع عنه في كل وقت وحين، طاعة لله رب العالمين.
* وإن كان الإسلام قد أمر بالتداوي، وقال صلى الله عليه وسلم: " تداووا عباد الله ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا الهرم" أي كبر السن. فإن التدخين يعتبر ظاهرة ومرضا يعالج منها الناس بالذهاب إلى الأطباء المختصين. فيجمع المسلم بين الطب الظاهر، من أخذ الحبوب أو ما يشير إليه الطبيب، ومن الطب الباطن، وهو الخوف والخشية من الله تعالى، والامتناع لا لشيء إلا لله.
* وفي هذا المقام ممكن للإنسان أن يضع لنفسه خطة تمهيدية، فإن كان قادرا على الامتناع،؛ فليمتنع. أو فليقلل على الأقل مع الأخذ بالعزيمة. ويمكن له أن يجعل المبلغ الذي يشتري به الدخان مكافأة لنفسه أن يشتري شيئا ينفع نفسه، أو يفرج عنها بنزهة جميلة أو ما شابه ذلك.
* وهناك من التجارب الجيدة في هذا المقام، أن الإنسان يضع المبلغ الذي كان يشتري به الدخان والسجائر، ويدخره. وبعد مرور سنة أو يزيد تجمع عنده مال يكفي للذهاب إلى العمرة، وزيارة بيت الله الحرام، وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام، وليتخير المسلم بين ارتكاب محظور، وبين إتيان محمود، وهو شيء تهفو إليه كل قلوب العباد.(33/882)
كما ينظر المسلم إلى الضرر الذي يعود به على نفسه، ويعود به على غيره ، وقد قال تعالى:{إن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}، وقد صلى الله عليه وسلم :" لا ضرر ولا ضرار" ، فلا يضر الإنسان غيره، لأنه محاسب عليه، كما أن التدخين إنفاق في غير محله، وتبذير مذموم، وليس التبذير بإنفاق الكثير أو القليل، وإنما التبذير أن تنفق المال في غير موضعه.
* وأنصحك أخي أن تقرأ عن أضرار التدخين كما يوضحها لنا العلماء، فإن فيها معرفة بالفعل البشري الذي نصنعه، ونعرف إلى أي بر يقودنا، وأي سفينة نركبها.
* وما أحسن اللجوء إلى الله، فهو سبحانه الذي يعين النفس على الترك أو الفعل ، وهو الذي يقذف في قلوب عباده ما يحب لهم من الخير ، فألزم باب الله، وابك لله، واستعن به مع الأخذ بالأسباب، وثق تماما أنك ستكون من الذين نجوا من السفينة الغارقة ، وأن تقوى الله هو طوق النجاة.
وهذه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وتابعنا بأخبارك أخي.
طالع أيضا:
* التدخين..سلاح دمار شامل.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أنا والنقاب.. عندما يصبح الالتزام عقابا! ... العنوان
العبادات ... الموضوع
التزمت بالنقاب عن رغبة وحب شديدين. وكان الفضل في ذلك يعود لأنني أعد نفسي لرحلة أبدية. كما يعود إلى أنني أعلم أن الرابح الحقيقي في هذه الحياة هو الذي يفني شبابه في تقوى الله والالتزام بأوامره. كما أنني أريد أن يحفظني الله عندما أصبح عجوزا. وأنا مقتنعة بالنقاب تماما. ولكني واجهت معارضة كبيرة من أهلي.
مرت سنة على خير؛ وأنا فرحة جدا به. ولكن حدثت مشاكل ومضايقات كثيرة في تنقلاتي بحواجز فلسطين. حاول أهلي أن يقنعوني بخلع النقاب؛ ولكن اتفقت معهم أن أتخلى عن تغطية وجهي بالقرب من حاجز أو في حالة طلب جندي ذلك مني حفظا على سلامتي. ولكن بدأت اشعر بأنني لم أعد ملتزمة به. فأحيانا أتركه في تنقلاتي بين المدن؛ لرغبة أهلي وحتى لا أسبب لهم مشاكل في تنقلاتهم.
مرت سنة أخرى؛ ولم يتقدم ليّ أحد. وفي حالة تقدم شخص لي؛ فإن شرطه الأول أن أترك النقاب. وأما الآخرين فينتابهم الخوف من مجرد التقدم لي؛ باعتبار النقاب دليل على تشددي في الدين وأنا لست كذلك.
أجد نفسي يوميا في حلقة من السخرية سواء من عائلتي أو من الناس، ولكنني أتقبل الأمر برحابة. وأعتبره نوعا من الدعابة. وفي الجامعة؛ أجد الكثير من الأذى النفسي. لم أكن هكذا من قبل حساسة وضعيفة وأبالي كثيرا برأي من حولي.
ولكن لا أدري ما الذي حل بي ؟ إذ أجد نفسي في دوامة من الأسئلة :
1. هل ما أقوم به هو الأمر الصحيح ؟
2. هل من الحكمة أن أجعل النقاب محور مشكلتي ؟ وهل كان من الصائب أن أضيع 3 سنوات ثمينة من عمري في تغطية وجهي؟(33/883)
3. وعلى فرض أني خلعته .. فما هو السبب لتركي له ؟ هل السبب هو البحث عن زوج مناسب ؟
4. كل من تحطن بي كاشفات لوجوههن؛ ولسن عاصيات بطبيعة الحال. ودائما أسمع : "تغطية الوجه ليست ملزمة". ولكني ارتديت النقاب ابتغاء وجه الله وطاعة لرسوله. فلماذا بدأت أشعر بهذا الضيق والغربة والوحدة في مجتمعي ؟
5. لماذا بدأت أشعر بالهم اليومي عند تغطية وجهي كل يوم، وخاصة عند توجهي للجامعة ؟.
6. لماذا يفترض الناس أن كل جميلة فقط عليها تغطية وجهها. علما بأني جميلة؛ ولكن قمت بالأمر حبا لله...
أفكاري لم تعد مرتبة أبدا. ولم أعد أُدرك ماذا أريد بالفعل!
أعطوني أي نصيحة أو أي كلمة لعلي استفيد..
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد، باحث شرعي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة،وعضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الكريمة/ ناردين
أهلا وسهلا بك على موقع إسلام أون لاين، ونحن إذ نرحب بك نقدر لك ثقتك في إخوانك بالموقع، ودعاؤنا لكم ـ في أرض الرباط ـ بالنصر المؤزر والتمكين المبين.
وبعد، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "بَدَأَ الإْسْلاَمُ غَرِيباً وَسَيَعُودُ كمَا بَدَا". وروى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر".
وبالتالي فإن إحساس أي ملتزم بالغربة ليس أمرا مستغربا، بل هو الطبيعي، وهو الشعور الصحي أن يشعر المسلم بغربة في مجتمعه، تقتضي صبرا جميلا على أذى الناس، لكن لا تكون هذه الغربة سببا في اعتزاله لهم.
ومن سوءات واقعنا أن "تعميم الحكم" هو السائد لدى الكثيرين إلا من رحم الله، وأن للواقع كثيرا من الجنايات على المصطلحات، بمعنى أن التي ترتدي النقاب ثم تأتي فعلا شائنا على سبيل البشرية، أو الذي يطلق لحيته ويتكلم كلمة لا تليق بمثله؛ يعمم الناس حكمهم بالسوء على كل ملتحٍ وعلى كل منتقبة.
فتُتَّهم ذاتُ النقابِ بالسرقة والتخفي وراء النقاب؛ حتى يتسنى لها أن ترتكب ما تشاء من مخالفات. ويُتَّهم ذو اللحية بالتجهم والتشدد والعبوس والخلق السيئ. ومن ثم يصير النقاب رمزا للتخفي من أجل ارتكاب المخالفات. وتصبح اللحية علامة على التشدد والتنطع.
مع أن الأصل خلاف هذا، والعيب ليس في النقاب أو اللحية؛ إنما العيب في الشخص نفسه. وكما تعلمين أن الإسلام حجة على الأشخاص وليس سلوك الأشخاص حجة(33/884)
على الإسلام، فعلى جمهور الناس ألا يعمموا الحكم بهذا الشكل. وعلى من التزم بهذه الشعائر أن يكون على مستواها من جميع النواحي قدر المستطاع.
أختي الفاضلة :
أريد أن أحيي فيك حبك للالتزام، وحبك لله، وحرصك على أن تلقين الله وهو عنك راضٍ، خاصة وأنت في هذه السن، وقد روى الإمام أحمد في المسند والطبراني في الكبير وحسنه السيوطي عن عقبة بن عامر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الله تعالى ليعجب من الشاب ليست له صبوة".
ولكنني أريد أن أوضح لك بعض القواعد الشرعية التي توضح لك الأمر وتجعلك في راحة من الفكر، وثقة في النفس، وإقدام بحب على الناس والحياة :
أولا: أنت ذكرت ضمن كلامك قول من قال إن ارتداء النقاب غير ملزم عندما قلت: "ودائما أسمع كلمة أن تغطية الوجه ليست ملزمة". وهذا كلام صحيح، وهو مذهب جمهور الفقهاء قديما وحديثا. ويمكنك في ذلك مطالعة الفتاوى التالية:
1. النقاب والتدرج في التشريع.
2. هل النقاب واجب؟
3. حكم النقاب
ثانيا: أن طاعة الوالدين فريضة محكمة ومعارضتهما حرام قطعا؛ لما تعلمينه من النصوص الواردة في القرآن والسنة؛ التي تدل على هذا الأمر دون أدنى شك إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأنت لو وازنت بين ارتداء النقاب وطاعة الوالدين لوجدت أن كفة الوالدين هي الراجحة بلا تردد، وبناء عليه فليس لك وجه حق فيما جاء في رسالتك من قولك : "لقيت معارضة كبيرة من أهلي بداية ولكن قررت، أن أقوم بالأمر رغما عنهم لقناعتي بأنه مريح لي". فليس كل أمر يشعر المسلم أنه مستريح له يقوم بفعله دون نظر في العواقب والمآلات، ودون موازنة بين مراتب الأعمال، أو اعتبار فقه النِّسَب بينها.
ثالثا: لماذا تضيقين سعة أبواب الخير والأجر والثواب، وتعتبرين أن النقاب هو الطريق الوحيدة الموصلة للجنة، فليس يلزم من ارتدائك له أن الله سيحفظك وأنت عجوز، صحيح أن طاعة الله وحبه والحرص على رضاه كل ذلك يحفظ المسلم في الكبر ويحفظ عليه إيمانه وشباب قلبه.
لكن لماذا نحصر الخير كله والطاعة كلها في ارتداء النقاب بهذا الشكل مع أن أبواب الخير كثيرة، وطرق الطاعات متعددة، وأبواب الوصول إلى الله ليس لها عد ولا حد، ويكفيك أن تقرئي ما ورد في كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي من فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق.
رابعا: لابد من مراعاة المكان الذي تحيون فيه وتقدير ظروفه؛ لأن اعتبار المكان له أثر في تغير الحكم الشرعي. وإذا كانت الضرورات ـ وما أكثر ما تلاقونه عندكم ـ تبيح المحظورات، فأين سنية النقاب ـ إذا قلنا بسنيته ـ مما تلاقينه من عنت وتبجح من عدو لا يخشى خالقا ولا يرحم مخلوقا؟!.(33/885)
خامسا: أريد منك ـ أختي الكريمة ـ ألا تجعلي لكلام الناس اعتبارا ـ أي اعتبار ـ ما دمت تقومين بطاعة لله، وألا يؤثر ذلك على نفسيتك أبدا؛ لأن المؤمن لا ينظر إلى الأرض بل إلى السماء، ولا يكترث برضا الناس، بل يحرص على رضا الله تعالى، وألا يغير نفسيتك ذم الذامين أو مدح المادحين: "إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".
سادسا: أمر الزواج ليس لتأخره علاقة بارتدائك للنقاب، فكم من منقبة تزوجت وهي صغيرة السن، وكم من متبرجة متبذلة بلغت من العمر سن العنوسة ولم يتقدم لخطبتها أحد، فالأمر رزق من الله، وقدر من أقداره، ولن يؤخر الله قدره إذا جاء، وكل شيء عنده بمقدار، فلا تقلقي من هذه الناحية وكوني على ثقة من مقادير الله ومشيئته.
فأقدمي على الحياة بثقة في الله وقدره، ولابد من اعتبار الواقع الذي نحياه والاستجابة له دون مخالفة أصل من الأصول أو مقصد من المقاصد الكبرى لشريعة الإسلام، ودعي القلق والتوتر والحيرة جانبا، وتفاءلي خيرا، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحب الفأل الحسن.
نسأل الله أن ييسر لك أمرك، وأن يفتح لك أبواب الخير، وأن يرزقك الثبات على الحق، والنزول إلى الحق، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه على كل شيء قدير .. وتابعينا بأخبارك...
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
بالبيت ملتزم.. وخارجه رجل آخر!! ... العنوان
أمراض القلوب, السلوكيات ... الموضوع
أعانى من ازدواجية في الشخصية, فعند وجودي خارج المنزل أكون في قمة الالتزام. أما عند رجوعي إلى المنزل؛ ينقلب الحال إلى العكس تماما. فيكون همي الأكبر إشباع شهوتي الجنسية بكل الطرق: من تطلع إلى عورات النساء في الطبيعة أو في التلفاز؛ ويعقبها ممارسة العادة السرية. بالله عليكم أعينوني وأرشدوني إلى الطريق الذي أغير به شخصيتي.
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخانا في الله/ خالد
السلام عليك ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد:
شرع الإسلام الزواج للمسلم ليغض به بصره عن الحرام، ويحصن به فرجه عن الفاحشة. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم معشر الشباب من المسلمين بالمبادرة(33/886)
بالزواج إن استطاعوا، وبين لهم أن الصوم حل ووقاية لمن لا يملك مؤونة الزواج، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ونهانا الإسلام عن ارتكاب الفاحشة، بل نهانا عن مجرد الاقتراب من مداخل هذه الفاحشة فقال تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}(الإسراء:32)، بل سد الإسلام الطرق الثلاث المؤدية إلى ارتكاب هذه الجريمة، ألا وهي النظرة، واللمسة، والخلوة، فجعل "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس"، ورتب لمن تركها مخافة الله الأجر الكبير فقال".. من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه"، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يمس امرأة لا تحل له، وحذرنا من الخلوة بالنساء فقال:" لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
هذه يا أخ خالد مقدمة ضرورية، لابد منها لنضع النقاط فوق الحروف، أما عن مشكلتك فإنني أوصيك بالآتي:-
* أن تكون قويا قادرا على كبح جماح نفسك، فلا تبدو أمام نفسك ضعيفا، لا طاقة لك بالسيطرة على مشاعرك، فما هكذا يجب أن يكون المسلم. فاحذر أن ترى نفسك منك ضعفا فتهون عليها.
* أن تبادر بالزواج إن كنت تملك مؤنته، فإنه أغض لبصرك وأحفظ لفرجك من الوقوع في الحرام.
* إن لم يكن في مقدورك الزواج الآن، فإنني أوصيك بالإكثار من نوافل الصيام، فإنه سيكون بعون الله وسيلة ناجعة لكبح شهوتك وكسر حدتها، ويمكنك أن تزاوج بين نيتك فتكسب الأجر الكبير، فيمكنك مثلا أن تصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، فتأخذ بذلك أجر صيام السنة، وفي الوقت نفسه سيكون الصوم عاملا مساعدا لك على كسر شهوتك.
* أوصيك بأن تتخذ لك صديقا صدوقا، أو يكن لك إخوة في الله تعش معهم حياة إيمانية، فإنهم سيعينونك على الطاعة، فآخهم في الله، قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
* لا تخل بنفسك كثيرا فإن الشيطان من الجماعة بعيد، وهو من الواحد أقرب، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
* أكثر من قراءة القرآن فإنه خير وبركة، واتخذ لك منه وردا ثابتا تحرص عليه، فإن هذا مما يعين على الاستمرار والمواظبة، عسى الله أن يحصنك به من الشيطان، ويصرف به عنك هذه الهواجس والنوازع. قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا، وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}.
* أكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(الأعراف:200).
* اتخذ لنفسك وردا من الذكر المشروع، والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحافظ عليه، عسى الله أن يحفظك به، قال تعالى :{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.(33/887)
* حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، في المسجد، فعندما تكون في بيت الله تكن في ضيافته، عساه سبحانه أن يجود عليك برضاه فيعصمك من شر الشيطان وشر نفسك.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وتابعنا بأخبارك.
طالع أيضا:
* أعترف: التزامي مزيف!
* وصفة إيمانية للعادة السرية
* لا أستطع مقاومة شهوتي.. فماذا أفعل؟
* وسائل عملية للتوبة من "الصور العارية"
* خطوات عملية للتوبة من المواقع الإباحي
ـــــــــــــــــــ
برنامج عملي للقرآن في رمضان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كلنا يعلم أن القرآن الكريم له في رمضان منزلة خاصة، وأنا أريد أن يكون للقرآن طعم خاص في حياتي في رمضان، فهل يمكن لكم أن تضعوا لي برنامجا عمليا للقرآن في رمضان؟
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختنا في الله/ هناء
أهلا وسهلا بك أختي في الله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون القرآن الكريم لك نورا في الدنيا والآخرة.
لا شك أن القرآن ورمضان متلازمان؛ فالقرآن أنزل في شهر رمضان، قال تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ و َبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشفَّعان" [رواه أحمد والحاكم بسند صحيح]. وكان سيدنا جبريل ينزل للرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان فيدارسه القرآن.
ولقد أعجبني قولك: "وأنا أريد أن يكون للقرآن طعم خاص في حياتي في رمضان"؛ فإن للعبادة طعما وحلاوة لا يدركها إلا من تذوقها وعاينها، وهو ما عبر عنه ابن القيم بقوله: "يُفتح له –أي للعبد- باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها، ويجد فيها من اللذة والراحة أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب، ونيل الشهوات. بحيث إنه(33/888)
إذا دخل في الصلاة ودَّ ألا يخرج منها. ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله؛ فلا يشبع منه، فإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد المحبة له...".
ولكن يا أختي نريد أن نعمم هذا الطعم وهذه الحلاوة وننشرها في الكون من حولنا، وذلك يكون بترجمة هذه الحلاوة على الجوارح بتطبيق ما أمر به القرآن والانتهاء عما نهى عنه؛ فيصير العبد عبدا قرآنيا، تكون حركاته وسكناته وفق ما أراد الله؛ فهو يحفظ القرآن في قلبه ويعيه فؤاده، ويتدبره عقله، وتطبقه جوارحه؛ فيكون انعكاس ذلك على الكون كله الذي يتنبه لحال هذا العبد المطمئن؛ فيبحث عن هذا السر؛ فيتلمس طريقه ويسير في ركابه؛ فيهتدي إلى سر ذلك في هذا الكتاب الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
وأقترح عليك أختي البرنامج التالي في رمضان:
* الاستعداد لقراءة القرآن بالوضوء وإفراغ القلب من الدنيا وهمومها.
* ختم القرآن مع نفسك مرة على الأقل خلال شهر رمضان.
* صلاة التراويح يوميا بما تيسر من القرآن.
* صلاة التهجد في العشر الأواخر.
* عمل مدارسة أو مقرأة يومية مع بعض زميلاتك تتدارسن فيها بعض الآيات.
* تحديد قدر معين من القرآن لحفظه خلال شهر رمضان حسبما يفتح الله عليك.
* مراجعة ما تحفظينه من القرآن لتثبيته.
* قراءة تفسير ما تحفظينه من القرآن، من بعض التفاسير الميسرة، لتتعرفي على معاني الآيات وأسباب نزولها.
* القراءة في مصحف به معاني الكلمات حتى يسهل التعرف على الكلمات الصعبة.
* التدبر في الآيات واستحضار معانيها، وإليك قول ابن القيم في هذا المعنى: إذا مرّ –متدبر القرآن– بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة؛ فقراءة آية بتفكّر وتفهّم خير من قراءة ختمة بغير تدبّر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن" (مفتاح دار السعادة).
* استحضار عظمة الله عز وجل واستشعار أنه يكلمك؛ فمن أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة، ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن.
* استثمار أوقات المواصلات في قراءة القرآن، وكذا الوقوف في المطبخ في الاستماع إلى القرآن.
* التأدب بآداب حملة القرآن، وأوصيك هنا بالرجوع لكتيب "التبيان في آداب حملة القرآن" للإمام النووي بتحقيق الدكتور محمد الحجار.
نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور أبصارنا.
طالع أيضا:
* الطريق إلى رمضان.. يبدأ برجب
* كيف أغير نفسي في رمضان ؟
* استثمار رمضان..برنامج عملي(33/889)
* ثلاثة أبواب للخير في رمضان
* برنامج إيماني للأسرة في رمضان
* شعبان.. تدريب وتأهيل لرمضان
* كيف أتقرب إلى الله في رمضان؟
ـــــــــــــــــــ
لا أستطع مقاومة شهوتي.. فماذا أفعل؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
لي شهوة طاغية للنساء وابتليت بقوة جنسية كبيرة وأنا غير متزوج؛ ناهيك عما ترتديه الفتيات من ملابس مثيرة جدا ضيقة وقصيرة. وقد حاولت التمسك بديني؛ ولكنى في النهاية ضعفت وأصبحت أمارس العادة السرية، وأشاهد الأفلام المخلة وأستطيع أن أقول لك أن ثلاثة أرباع ذنوبي بسبب دوافعي الجنسية الطاغية والتي أخاف أن تهلكني فماذا افعل و جزآك الله خيرا
... السؤال
الدكتور عبد الحكم صالح ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى،
أخانا حسام مرحبا بك على الموقع..
أحييك على صراحتك مع نفسك، ورغبتك في الإمساك بلجام نفسك حتى لا تقودك إلى التهلكة، ولكني دعني أؤكد لك على أن ما حباك الله به من فحولة وقوة نعمة؛ يجب أن تحمد الله عليها وتصونها، وهي في ذات الوقت اختبار من الله عز وجل: كيف تستطع أن تعصم نفسك من شهوتك ورغباتك.
ولقد كفل لك الشرع اختيارين في مواجهة هذا الاختبار:
أولا: إذا كان الله عز وجل قد جمع لك بقية مقومات استطاعة الباءة من مال ومسكن وإتمام التعليم والانتظام في عمل مناسب؛ فبادر بانتقاء فتاة تستشعر الروح والسكينة والاستقرار والعطف والود والرحمة إلى جوارها.
فتلك هي سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فعنها قال: وذلك هو هدي الإسلام الحليم قال صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ثانيا: إن لم تتم بعد مقومات التأهيل للزواج؛ فعليك بالتحصن من الشيطان بوسائل القربات إلى الله ومنها ما يلي:
* الإكثار من الصيام، وحين تفطر تخفف من المواد الدسمة؛ لأن الصيام صيانة ربانية للصائم. فهذه نصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام لمن متعه الله بالصحة والكفاءة البدنية ولم تتحقق له مؤهلات الزواج من الشباب ومن على شاكلتهم؛ عصمة من الخضوع لطغيان الشهوة وجموح النزوة.(33/890)
* ممارسة ألوان الرياضات البدنية؛ لكي يتم تصريف الطاقة في سبل أخرى تؤدي إلى مزيد من انفتال العضلات والكفاءة البدنية في غير جانب الشهوة.
* الهروب من الخلوة بالنفس؛ وذلك بتعليق القلب بالمساجد، وارتياد النوادي والمكتبات العامة، والخروج في رحلات جماعية مع الأبرار الصالحين من الشباب.
* كلما هممت بممارسة العادة السرية أو ممارسة الأفلام الإباحية؛ أذكر ربك في التو والحال، وأنه مطلع عليك. وآنئذ ستخجل من نفسك وستعود إلى صوابك بإذن الله. ويمكنك أن تتابع هذه البرامج العملية التي قد تساعدك على كسر هذه العادات المحرمة:
وصفة عملية لعلاج العادة السرية، وسائل عملية للتوبة من "الصور العارية"
* لست أدرى لماذا ننسى جميعا أن هناك ملأ ملائكيا يشاركنا في العيش في هذا الكون. وأن هناك أبناء الجن يشاركوننا في العيش في هذا الكون؛ ويطلعون منا على هذه المآثم الشريرة والسلوكيات المتدنية. هل يرضى أحد منا أن يمارس تلك العادة أمام رفيق واحد من رفاقه من أبناء الإنس ؟!
كيف يا أخي يرضى الواحد منا على نفسه أن تراه الملائكة والصالحون من الجن ويراه ربه في ذلك الوضع المتدني على المستوي البهيمي وهو الإنسان العاقل المكرم واستمع إلى ربك يقول في الحديث القدسي: "يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم؛ فالخلل في إيمانكم. وإن كنتم تعتقدون أني أراكم؛ فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم".
لكني لا أحب أن أحلق بك في عالم المثالية أو أن أعيش بك في مخاصمة للواقع. بل أحب لك ولنفسي أن أتحلى بالواقعية الإيمانية التي هي سلوك الإسلام.
فأقول يا أخي إن فعلت هذه النصائح وكان طغيان شهواتك أكثر، وخفت من الوقوع فيما يغضب الله من الزنا؛ فإنه يرخص لك حين تضيق بك السبل، وتضطر اضطرارا إلى ممارسة تلك العادة في أضيق الحدود كسرا لحدة شهوتك، وعصمة لنفسك عن ممارسة الفواحش. فالضرورات تبيح المحظورات؛ في إطار أن الضرورة تقدر بقدرها، وأن الأعمال بالنيات والله يعصمك من كل سوء.
ـــــــــــــــــــ
هل من دعاء لحفظ القرآن؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
هل توجد أدعية تساعد على حفظ القرآن؟
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أهلا بك أخي السائل، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.(33/891)
أخي الكريم ما أجمل أن يعيش المؤمن بين الدعاء والقرآن؛ فيدعو الله أن ييسر له حفظ القرآن وتلاوته، ثم يتلو القرآن الذي هو ذكر ودعاء؛ فهو يعيش للقرآن ويعيش بالقرآن ويعيش مع القرآن. وقد كان وصف السيدة عائشة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان قرآنا يمشي على الأرض؛ فكان يحفظ القرآن في صدره، ويعيه بعقله، وتطبقه جوارحه.
أخي الكريم، إن المؤمن موصول بالله تعالى؛ فهو يلجأ إلى الله بالدعاء في كبير أمره وصغيره. وقد تعبدنا الله بالدعاء ووعدنا الإجابة فقال عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
والدعاء هو أكرم شيء على الله تعالى، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" (رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة)؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ الحاجة والافتقار إلى الله تعالى والتضرع إليه والانكسار بين يديه ما يُظهر حقيقة العبودية لله تعالى.
وإذا كان الدعاء لتحقيق عبادة أخرى من أجلّ العبادات وأفضلها وهي حفظ القرآن فإن الغاية تبلغ درجة عالية من السمو والفضل.
والدعاء نوعان؛ نوع مأثور؛ وهو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل أدعية الصباح والمساء والأكل والنوم وغير ذلك من الأحوال، ونوع آخر وهو غير مأثور والمقصود به ما يدعو به المسلم ربه بأي ألفاظ دون تقيد بالمأثور.
ومن رحمة الله عز وجل بنا أنه فتح أمامنا الدعاء بأي صيغة، ولم يشترط علينا ألفاظا مخصوصة للدعاء، إلا ما ورد مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف. وما عدا ذلك فليدعُ كل مسلم بما شاء وكيفما شاء، وذلك فيه مراعاة للفروق بين الناس حسب ثقافاتهم.
وهذه الفروق كانت موجودة بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان مشهورا عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه مثلا حسن الدندنة في الدعاء، وهذا لم يتوفر لأحد الصحابة الذي سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: "كيف تقول في الصلاة"؟ قال: "أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ". فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حولها ندندن".
وبالنسبة لسؤالك أخي الكريم عن دعاء معين لحفظ القرآن الكريم فإنه لم يرد دعاء معين عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، إلا ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه من حديث طويل، يوصي فيه النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما شكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صعوبة حفظه القرآن؛ فأوصاه بصلاة أربع ركعات وأن يقرأ في كل ركعة منها بسورة معينة بعد الفاتحة، ثم يدعو بدعاء معين مذكور في هذا الحديث. غير أن هناك من علماء الحديث من قال بأن هذا الحديث موضوع ومكذوب على رسول الله.
إذن يا أخي عليك أن تدعو الله عز وجل بما تيسر لك من الدعاء، وأن تلتزم بآداب الدعاء، ومن هذه الآداب التي أود أن ألفت الانتباه لها هنا هي عدم الاعتداء في الدعاء، وهو المقصود من قول الله تعالى- كما في بعض التفاسير- {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}؛ وذلك بأن تدعو الله مثلا بأن تستيقظ في الصباح فتجد نفسك(33/892)
حافظا للقرآن، أو تحفظه في أسبوع مثلا، أو يلقى القرآن في صدرك دون أخذ منك بالأسباب المادية، أو غيره من الأمور التي لا تتفق مع سنة الله في الكون.
فالأصل أنك تبدأ في الحفظ مراعيا الأسباب المادية التي تعينك على الحفظ، ثم تدعو الله عز وجل بأن ييسر لك هذه الأسباب، وأن يساعدك على الاستمرار والديمومة على الحفظ، وأن يهيئ لك من الظروف ما يقويك على ذلك، وأن يعطيك من قوة الذاكرة ما يعينك عليه، وأن يجعلك من الذين يُقيمون حروف القرآن وحدوده.
فالرسول صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن مفرقا ليسهل عليه حفظه، وكان جبريل عليه السلام ينزل عليه في شهر رمضان ليدارسه القرآن؛ فهو صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله من الخطأ وقال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} كان يأخذ بالأسباب العملية المعينة على الحفظ.
إذن يا أخي عليك أن تجمع بين الدعاء والأسباب العملية حتى ييسر لك الله عز وجل حفظ كتابه.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك من الذين يقرءون القرآن فيرقون في جنات الخلد.
طالع أيضا:
* فضل حفظ القرآن.
* سبع وصايا لحفظ القرآن
* ما السبيل لحفظ القرآن الكريم ؟
* هل لحفظ القرآن وصفةٌ سحريَّة؟
* الأسباب الميسرة لحفظ كتاب الله
* أيهما أفضل حفظ القرآن أم تلاوته
ـــــــــــــــــــ
برنامج إيماني للأسرة في رمضان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أنا متزوجة حديثا. أرجو أن تدلني على أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم؛ وخاصة التي تساعدني على بناء أسرة يحبها الله ورسوله؟
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
الأخت الكريمة/ أم ضياء
يسعدني أن أهنئك بزواجك المبارك. وأسأل الله عز وجل أن يبارك لك في زوجك. وأن يبارك لكما وأن يبارك عليكما وأن يجمع بينكما في خير. وشكر الله لك هذه النية الطيبة، في هذا الشهر الفضيل. ووفقك للأعمال التي تحيل هذه النية واقعا.
ثم أما بعد:(33/893)
ما دمت متزوجة حديثا، فإن أسرتك تقتصر عليك أنت وزوجك، وعليه فإنني استأذنك أن أقدم لك بعض الأفكار والمقترحات العامة التي يمكن أن يستفيد منها الجميع:
* يجب أن يجلس الزوجان (أو الوالدان) للتخطيط لاستثمار الشهر. ووضع عدة أهداف يريدون تحقيقها خلال أيامه ولياليه؛ مثلاً: حضور صلاة التراويح يوميا في المسجد، قراءة جزء من القرآن يوميا، والحفاظ على أذكار الأحوال (الأكل والشرب والنوم،...إلخ ).
* قراءة كتاب في السيرة طوال الشهر، التصدق بمبلغ معين من المال، صلة أحد الأرحام يوميا أو أسبوعيا،.. إلخ. مع كتابة هذه الأهداف على لوحة وتعلق بمكان ظاهر بالبيت للتذكير والتواصي بها.
* لا تضيعي الكثير من وقتك في الأعمال المنزلية، وكوني من المقتصدين، ولا تكوني ممن يقضون نهار رمضان في المطبخ، فيضيع عليهم الكثير من الخير.
* اجتهدي ألا تجعلي التليفزيون يضيع منك ومن أسرتك الساعات الغالية من شهر رمضان، فلا تستسلمي لمشاهدة كل ما يعرض، غثا كان أم ثمينا، ولا تشاهدي إلا المفيد النافع، فإنك ستسألين عن وقتك الذي هو في المجموع عمرك.
* اجتمعي أنت وأسرتك على مأدبة القرآن يوميا، واخرجوا لصلاة التراويح سويا.
* اشحني أفراد أسرتك بالهمة والعزيمة على عمل الطاعات في هذا الشهر، وذلك ببيان فضله وعظم أجر العمل فيه.
* استثمري وقت الأعمال المنزلية في سماع بعض الأشرطة المسجل عليها بعض سور القرآن الكريم أو المحاضرات الدينية لمشاهير الدعاة والعلماء، أو أشرطة الأذكار والأدعية.
* ضعي ضمن أهدافك أن يركز كل فرد من أفراد الأسرة على التخلص من عادة ذميمة أو عيب من العيوب خلال الشهر؛ مع التشجيع والتحفيز. ويمكنك هنا مثلا أن تقسمي الشهر إلى أربعة أسابيع، وأن تطلقي على كل أسبوع خلقا معينا، بحيث يكون المستهدف خلال الأسبوع هو تحقيق هذا الخلق في أفراد الأسرة. ويمكن مثلا أن يكون الأسبوع الأول: أسبوع الصبر، والثاني: أسبوع الصدق، والثالث: أسبوع التواضع، والرابع: أسبوع السعي لقضاء مصالح الناس، وهكذا ، بحيث نتحول إلى التطبيق العملي لمنظومة القيم والأخلاق الإسلامية.
* من المهم أيضا أن يتدارس أفراد الأسرة فقه الصيام وأحكامه وسننه وآدابه، فإن هذا مما يصح به صوم المسلم، وحري بنا أن نتعرف على أحكام ديننا، وإن كان الأولى أن يكون ذلك في الأسبوع الأخير من شهر شعبان من كل عام، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
* تجنب الإطالة في المكالمات الهاتفية، والبعد عن الجلسات المضيعة للوقت، والتي لا طائل من ورائها، وقد تجلب الإثم بغيبة أو نميمة، وأن نقتصر في ذلك على النافع والمطلوب.
* الحرص على الاجتماع لصلاة ركعتي تهجد في وقت السحر في جماعة مع أفراد الأسرة؛ ثم يقوم أحد أفراد الأسرة وحبذا لو كان الزوج أو الوالد بالدعاء؛ فيما يبتهل الباقون خلفه إلى الله أن يقبل دعاءهم.(33/894)
وختاما؛
هذه بعض الأفكار، وقد يفتح الله عليك بغيرها، أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك صالح العمل، إنه سبحانه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين... وتابعينا بأخبارك.
طالع أيضا:
* برنامج رمضاني مفيد ومميز
* شعبان.. تدريب وتأهيل لرمضان
* كيف أتقرب إلى الله في رمضان؟
* برنامج رمضاني.. فردي وجماعي
ـــــــــــــــــــ
كيف أتقرب إلى الله في رمضان؟
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الكريمة مروة، مرحبا بك، وتقبل الله منا ومنك صالح الأعمال، وأسأله سبحانه أن يبلغنا وإياك رمضان عاما بعد عام.
إن شهر رمضان سوق كبيرة للمؤمنين، يجب عليهم أن ينهلوا من هذا الشهر قدر استطاعتهم ويجمعوا من خيره الكثير والكثير قبل أن ينفض ويرحل، ولا يعلم أحد هل سيكون من الأحياء في رمضان القادم أم سيكون من الأموات.
وشهر رمضان يحتاج إلى تنظيم الوقت تنظيما جيدا لنستطيع الاستفادة من كل لحظة من لحظاته الغالية، وأقترح عليك هذا البرنامج اليومي العملي لتنفيذه خلال شهر رمضان، والذي سأجعل بدايته من صلاة الفجر، مع ملاحظة أنه نموذج قابل للتعديل حسب ظروف كل إنسان وطاقته:
* من بعد صلاة الفجر وحتى الشروق: المكث في المسجد - إن تيسر أو في البيت- لقراءة أذكار الصباح، وما تيسر من القرآن، ثم صلاة الضحى ركعتين أو أربع.
* العودة للبيت والاستعداد للذهاب إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة، أو النوم حتى موعد الخروج، كل حسب مواعيده.
* أذكار الخروج من المنزل، وتلاوة ما تيسر من القرآن في الطريق أو السماع إن كنت تقودين سيارة.
* المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والاستعداد قبلها بالوضوء، وترديد الأذان، وصلاة السنن القبلية والبعدية.
* استثمار أوقات الفراغ البينية في تلاوة القرآن أو قراءة أي كتاب نافع أو الاستغفار والذكر.(33/895)
* تلاوة أذكار المساء في طريق الرجوع إلى المنزل.
* إن كنت متزوجة فتقومي بإعداد طعام الإفطار لأسرتك أو ساعدي والدتك في إعداده إن لم تكوني متزوجة، وتجنبي الإسراف في الطعام؛ فالله لا يجب المسرفين، ورمضان شهر عبادة وزهد، وليس شهر طعام، ويمكنك استثمار وقتك في المطبخ بسماع أحد الشرائط الدينية أو الذكر.
* صلاة المغرب ثم الإفطار مع الدعاء المأثور: "اللهم إني لك صمت..."، والحذر من الإكثار من الطعام حتى لا يثقل البدن عن العبادة.
* أخذ قسط من الراحة حتى أذان العشاء، والنزول للمسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح.
* يمكن أن نخصص يومين في الأسبوع أو ثلاثة، بعد صلاة التراويح، للتزاور وصلة الرحم.
* النوم حتى قبيل الفجر بساعتين، والاستيقاظ لصلاة التهجد والوتر، ثم السحور قبل الفجر بنصف ساعة مثلا، فمن السنة تأخير السحور.
* الاستغفار حتى أذان الفجر.
* والاعتكاف في العشر الأواخر سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه فضل كبير لمن استطاعه.
هذا وأنصح بمقاطعة التلفزيون تماما في هذا الشهر الكريم، لتجنب ما أعده شياطين الإنس ليفسدوا على المسلمين عبادتهم، إلا للضرورة كالاطلاع على الأخبار مثلا ومتابعتها، مع الحذر في أن يستدرجنا هذا للجلوس مدة طويلة.
وأنصح أيضا بشراء مستلزمات العيد من ملابس وغيره قبل رمضان، وكذلك تنظيف المنزل وغيره من الأعمال التي اعتاد الناس القيام بها قبل الأعياد، حتى لا تستنفذ هذه الأشياء أوقاتنا في العشر الأواخر من رمضان، والتي ينبغي أن نجتهد فيها أكثر في العبادة.
كما أحذر أن نضيع أوقاتا كثيرة في الولائم والحفلات و"العزومات" ومما اعتاد الناس القيام به في رمضان، وننصح غيرنا بذلك.
ومن الأعمال الصالحة في رمضان الإكثار من الصدقة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان.
ومن الجميل في رمضان أن نصل ما انقطع من أرحامنا وأقاربنا وأصدقائنا، ونصلح ذات بيننا، وننقي النفوس والقلوب لتتهيأ لتذوق حلاوة العبادة في هذا الشهر.
تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال، ونسأله سبحانه أن يبلغنا وإياك وجميع المسلمين رمضان عاما بعد عام.
ـــــــــــــــــــ
ما هي علامات نقص الإيمان؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
ما هي علامات نقص الإيمان بسبب ما يقترفه الإنسان من الآثام؟
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار(33/896)
... ... الرد ...
...
...
أهلا بك أخي منصور، ونسأل الله تعالى أن يجعلك دائما من المنصورين والناصرين لدين الله عز وجل.
أشكر فيك - أخي- حرصك عن معرفة رصيدك الإيماني؛ خاصة في عصر الأرصدة المادية في البنوك؛ حتى غلبت الدنيا علي الناس، وتمكنت من قلوبهم وأعرضوا عن ذكر الله، فصارت معيشتهم ضنكا والعياذ بالله.
يا أخي إن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية؛ فزيادة الإيمان وردت في كتاب الله في قوله تعالى {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانا}(الأنفال:2)؛ وقوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}(التوبة:124-125).
فالإيمان يزيد وينقص عند الناس بالفطرة السليمة؛ فمن يصلي الفريضة ويسمع الآيات التي تقشعر لها الأبدان فيخشع في صلاته يشعر أن إيمانه قد ازداد. وقد يخرج إلى الحياة فيرى المتبرجات؛ ويرى أهل الدنيا، وما حرم الله، فيقسو قلبه. فيحاول أن يعيد بعض الخشوع، فيقرأ نفس الآيات التي كان قد تأثر بها فيما سبق؛ فلا يجد شيئا من ذلك إذ كان إيمانه زائدا ثُمَّ نقص.
والإيمان كما عرفه الرسول صلى الله عليه وسلم أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. ويكون لذلك انعكاس على الجوارح وعملها، فهو إيمان بالقلب وتصديق بالجوارح.
ومن علامات زيادة الإيمان أخي:
* وجل القلب وتحركه لذكر الله تعالى، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(الأنفال:2).
* تحقق صفات المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في الآيات: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}(المؤمنون:1-9).
* حب الصالحين والأنس بهم والتقرب منهم الذين يذكرونك بالله إذا نسيت ويعينونك على الطاعة إذا قصرت.
* سرعة التوبة والرجوع إلى الله تعالى علامة من علامات زيادة الإيمان؛ ذلك أن كل بني آدم خطاء ولكن خير الخطائين التوابون.
* الرفق باليتامى والإحسان إليهم والتأثر لحالهم.
* إخلاص الوجهة والنية لله تعالى.
* رقة القلب وتأثره بآيات الله المقروءة والمسطورة.
* التعلق بالله تعالى واللجوء إليه والارتكان إلى جنابه خاصة في هذا العصر الذي ركن الناس فيه إلى المادة والدنيا.(33/897)
* استشعار محبة الله تعالى والأنس به.
* الرضا والإيمان بالقضاء والقدر، والاعتقاد بأن الله تعالى لا يقدر إلا الخير.
هذه أخي بعض العلامات التي نسأل الله تعالى أن يجعلها متحققة فينا وأن يرزقنا إيمانا صادقا.
ـــــــــــــــــــ
التوبة من داء الكذب ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
عندي 15 عام، وأعاني من كثرة الكذب، ولا أستطيع أن أصلي.. ساعدوني!
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
أختنا في الله/ غزلان
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد:
بخصوص الكذب فإنني أقول لك يا غزلان :
تعلمين أن الكذب محرم في شريعة الإسلام ومنهي عنه بصريح القرآن وصحيح السنة:
أما عن القرآن فقد قال تعالى :{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} (الجاثية:7( . وفي السنة؛ فقد روى الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: . عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا.
وحتى نكون عمليين فإنني أنصحك بالاتي:
1. يمكنك ان تبحثي عن سبب تسرب هذا الكذب إلى نفسك، وهل هو بسبب أصدقاء أم بسبب إخوتك أم بسبب ....، فإن تحديدك السبب هو نصف العلاج.
2. اجتنبي الكذب وإن سولت لك نفسك أن فيه النجاة فان فيه الهلاك.
3. استحضري عظمة الله عندما تجدين أنك ستكذبين، فإن استحضار عظمة الله صارف عن الكذب.
4. استحضري حجم الإثم والذنب الذي سترتكبينه إذ كذبت، وأنه نوع من الفجور والفجور عاقبته النار، أعاذنا الله وإياك منها .(33/898)
5. 5- اعلمي أن الكذاب تبتعد عنه الملائكة، ويغضب منه رسول الله بل إن الله سبحانه يسخط عليه.
6. عاهدي الله ألا تكذبي، وراقبي لسانك ، فكلما شعرت بأنه سيبدأ في الكذب ألجميه، وامنعيه من التمادي.
7. راجعي صديقاتك وزميلاتك وصويحباتك، اكتبي أسماءهم في ورقة وخذيهم واحدة تلو الأخرى، وعلمي أمام كل واحدة منهن، الصداقة التي لا تكذب علمي أمامها بعلامة صح والكذابة منهن أشيري أمامها بعلامة خطأ، ثم اختصري الكشف بعد الشطب على الكذابات منهن، وابدئي في تقليل الاتصال بهن ووثقي صلتك بالصادقات من صديقاتك، فإن المرء على دين ( خلق) خليله أي صاحبه وصديقه، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
8. اعملي جدول لنفسك مدته شهر، وأمام كل يوم من أيام الشهر اكتبي كم مرة كذبت في هذا اليوم، وفي نهاية الشهر قيمي سلوكك، و امنحي نفسك درجة، وانظري الدرجة التي حصلت عليها، فإن كانت أقل من 50 % فهو مؤشر خطر ويحتاج منك إلى جهد كبير، وإن كان فوق 50 % فاستبشري، وعاودي العمل نفسه في الشهر القادم، وانظري هل تتقدمين أم تتأخرين أم تقفين محلك سر؟.
9. لا تستعجلي فالأمر خطير، ويستحق التعب، لأنك ما زلت حسب سنك المذكور في السؤال صغيرة، وإن لم تتخلصي من هذه العادة السيئة في هذه المرحلة ستنتقل معك لمرحلة عمرية تالية وسيصعب عليك التخلص منها.
10. على أي الأحوال الأمر يحتاج منك إلى عزيمة وتصميم على ألا تكذبي، بل يجب ان تروضي نفسك على الصدق واجتناب الكذب ، كوني جادة في الأمر.
أما بخصوص الصلاة فأقول لك:
1. تعلمين أن الصلاة فريضة على كل مسلم ومسلمة، طالما بلغ سن التكليف، أي سن البلوغ ولا فرق في هذا بين الولد والبنت.
2. اعرفي أهمية الصلاة و أنها صلة بين العبد وربه، فهل ترضين أن تقطعي علاقتك بربك؟.. طالعي: الصلاة.. رحلة روح ومعراج قلب
3. عند سماعك للصلاة قومي على الفور وتوضئي وتهيئي للصلاة، صلي في بيتك فأنت بنت وصلاتك في بيتك أولى من صلاتك في المسجد، وصلاتك في المسجد الذي يوفر مكانا للنساء مقبولة.
4. توجهي إلى الله بالدعاء واسأليه ان يوفقك إلى أداء الصلاة في مواعيدها، فإن الله لا يرد عبدا صالحا سأله شيئا.
5. يمكنك أن تطلبي من أمك أو أبيك أو أحد إخوتك في البيت أن يعينك على الصلاة، فإنها كبيرة كما قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.
6. انفضي عنك الكسل، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
7. أقبلي على الصلاة برغبة ونشاط، واجعليها راحة لك لا تعبا، أحبيها حتى تؤدين ما تحبين، ولا تنظرين إليها على أنها عبء وحمل لا بل راحة ونعمة.(33/899)
8. تذكري أنك في الصلاة تقفين أمام الله عز وجل، فهل يرفض العبد لقاء خالقه ومولاه؟!
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، وأن يرزقك الحفاظ على الصلاة، وأن يصرف عنك الكذب، وأن يلهمك السداد والرشاد، ويهديك إلى الخير، ويبارك لك في وقتك، وفي عملك وفي رزقك، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الضوابط العشر في تدبر آيات القرآن ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
يحبس بعض الناس معاني القرآن فيما قاله العلماء. والبعض الآخر يتكلَّف في فهم معاني القرآن؛ ويحمل الآيات بما لا تطيق. فأصبحت الخواطر القرآنية بين الجمود والتكلف. فما هي ضوابط التدبُّر "وليس التفسير" في آيات القرآن؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل أحمد؛
أحمد الله تعالى إليك أن جمعنا على طاعته، ومدارسة أمور دينه ودعوته، فهذه من نعم الله تعالى التي يجب علينا شكرها، فقد غفل عنها كثيرٌ منَّا، وقليلٌ من عباد الله الشكور.
كما أشكر لك طرحك هذا السؤال الهام؛ الذي ينمُّ عن فهمٍ جيِّدٍ في موضوع استشارتك. فالناس في تدبُّر آيات الله صنفان كما ذكرت؛ بين إفراط وتفريط. وليس هذا هو منهج الإسلام المطلق؛ بل إن منهج الإسلام وسطٌ في كلِّ حالاته؛ مهما بدا غير ذلك لبعض الناس.
وقبل الشروع في ضوابط التدبر- وأحسب أنَّه موضوعٌ بِكرٌ لم يُسبق إليه- فإنَّه من الجميل أن تستثار النفس حين التدبُّر في كتاب الله تعالى. وأن تقرأ بوعيٍ وفكر، فلا تكون القراءة مجرَّد إجراء الأحرف على الشفاه واللسان. ولكن يجب أن يكون لها مستقرٌّ في القلب، ومسكنٌ في العقل، حتى تؤتي القراءة ثمرتها.
ومن عجيب ما يروى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ربما قام الليل كلَّه بآيةٍ واحدة، مثل قوله تعالى: "إن تعذبهم فإنَّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنَّك أنت العزيز الحكيم" هذا يعني أنَّ التدبُّر يولِّد معاني جديدة. ويجعل الإنسان يستشعر في مراتٍ أخرى أمورًا ربَّما غفل عنها، أو كانت هذه الطريقة مفتاحًا للقلب، أن يتلقى ما يقذفه الله تعالى في قلوب عباده القارئين لآياته من معاني سامية، وقيمًا سامقة، وآدابًا طيِّبة، تظهر في سلوك الفرد، وينعكس ذلك على حياة المجتمع المسلم.(33/900)
ولقد جاء الأمر من الله تعالى بتدبر الآيات، فقال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا}، وقال: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.
وحين ننظر إلى قول الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا}، نلحظ أنَّه من مستلزمات الشفاء أن يقرأ المسلم آيات الله بقلبه، لأنَّه شفاءٌ لما في الصدور، وهدىً ورحمةً للمؤمنين، فلابدَّ من التدبُّر العقلي والقلبي، حتى تستفيد النفس من هذه الشحنة الإيمانيَّة.
وقد يفتح الله تعالى على القارئ معاني لم تكن موجودة في كتب التفسير. ولذا جاء في الخبر عن القرآن: "ولا يخلق من كثرة الرد"، فالقرآن متجدِّد، وسيكتشف علماؤه من الأمَّة ومن فتح الله عليهم ما لم يكتشفه من كان قبلهم.
ولعلَّ من جميل ما كان يقوله الشيخ الشعراوي –رحمه الله– أن تسمَّى خواطر، مع ما فيها من التفسير، وعدم الخروج عن الحدود التي رسمها أهل القرآن والتفسير من شروط القول في كتاب الله تعالى. ولقد عهدت الأمة أن يخرج منها من يوضح بعض النكات واللطائف من المعاني غير المشتهرة، والتي لم يقل بها أهل التفسير.
كما نجد إشارةً من الأستاذ الشيخ سيِّد قطب رحمه الله، حين يسمّي كتابه في القرآن "في ظلال القرآن"، وهذا بخلاف ما كان يصنعه الأئمة السابقون كابن كثير، حين سمَّى كتابه "تفسير القرآن العظيم"، وكذلك ابن جرير الطبري، والسيوطي في الدر المنثور، والزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لآيات الأحكام، وأبي السعود في تفسيره، وغيرهم؛ لأنهم كانوا يعتنون ببيان مراد الله تعالى من الآيات.
إن انفتاح القلب ليتلقَّى ويفهم من مراد الله تعالى أمرٌ مرغوبٌ فيه، وهو داخلٌ في عموم الأمر بتدبُّر القرآن الكريم، وألا يجعل الإنسان على قلبه قفلاً يمنع رزق الله له من استشراف المعاني السامية للقرآن الكريم، غير أنَّ هذا لابدَّ فيه من ضوابط تحميه من القول بغير علمٍ في كتاب الله، ويمكن اعتبار أهمها:
* العلم برسوم القرآن وحدوده، ومعرفة أحكام التجويد وعلامات الوقف وغيرها، لأنَّ هذا يساعد على فهم معاني القرآن الكريم، والوقوف على كثيرٍ من مراد الله تعالى.
* الإلمام العام والإحاطة باللغة العربية، وذلك لأنَّه كما قال تعالى: {إنَّا أنزلناه قرآنا عربيًّا لعلكم تعقلون}، وقال: {قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج}، وكما قال ابن عباس: "إن استشكل عليكم شيءٌ من القرآن فالتمسوه في الشعر ديوان العرب"، ومن المعلوم أنَّ الشعر جامعٌ لمعظم ضروب اللغة وأساليبها وبيانها وبلاغتها، كما أخبر ابن عباس أنَّ واحدا من أقسام القرآن الأربعة أن يفهم بما ورد عن العرب في لغتهم.
* المعرفة العامة بمعاني القرآن الكريم، حتى لا يخبر من يتدبّر كتاب الله تعالى بخلاف ما قاله أهل التفسير، فيكون تقوُّلاً على الله بما لم يقل، بل يجعل ما يتدبَّره في سياق أهل التفسير.
* عدم الانحصار في حدود القرآن ورسومه فحسب، فلا يكون الهمّ هو إيضاح المعاني اللغويَّة والفقهيَّة وغيرهما، بل يفتح قلبه لأن يكون وعاءً لما يقذفه الله تعالى فيه، وما يجريه على عقله من معاني وخواطر.(33/901)
* أن يكون عاملاً بالقرآن الكريم، معايشًا له في حياته، وقَّافًا عند حدوده، منفذًا لأوامره، مجتنبا لنواهيه، جاعله دستور حياته، وقانونه الذي يرجع إليه في صغير أمره وكبيره، وأن يتخلَّق بأخلاقه، وأن يتحلَّى بما ورد فيه من آداب وسلوك، فعن الحسن البصريُّ رحمه الله قال: "إنَّ من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربِّهم فكانوا يتدبّرونها بالليل، وينفذونها بالنهار".
* أن يكثر من التلاوة منه، لأنَّ مداومة طرق الباب يتولَّد عنها الألفة والعشرة والمعايشة، فمن تقرَّب من القرآن تقرَّب منه، ومن عاش معه عايشه، ومن أعطاه من وقته، وهبه الله ممَّا يجعله مستقيم الحال، عالمًا بأسراره وكوامنه.
* أن يكثر من القيام بالقرآن في جوف الليل ووقت السحر، فإنَّه أنقى للمسلم أن يفتح قلبه، وتستعد نفسه لما يقذفه الله تعالى من معاني التدبر والفهم لمراده سبحانه من كلامه.
* أن يهيئ المكان الذي سيقرأ فيه القرآن ويتدبر فيه معانيه، فلا يكون فيه ما يشغله عن التدبر، ومن هنا كان من آداب التلاوة أن يكون على طهارة أو يتسوك أو ينظف المكان أو يضع عطرا ونحو ذلك.
* أن يتحلَّى المسلم بالإخلاص في قراءته وتلاوته، فإنَّه أدعى أن يفتح الله تعالى له من فضله فيما يخصّ كلامه، فإن قَصْد الناس بالتلاوة حاجبٌ عن فيوض الله تعالى له.
* أن تكون له صحبة تعينه على التدبر، وأن تصحّح له إن أخطأ، وتنصح له عند الحاجة، وتأخذ بيده في طريق الله، كما قال موسى عليه السلام فيما حكى عنه القرآن: {واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرًا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا}.
وما أجمل ما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليله إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائه إذا النَّاس يضحكون، وبصمته إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون".
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: "حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهوا مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغوا مع من يلغو تعظيمًا لحقّ القرآن". وليعلم أنّ القرآن دواء، ولن يكون دواءً لأسقام النفوس والأجساد إلا إذا كان بالتدبّر، قال إبراهيم الخواص: دواء النفس خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرُّع عند السَّحر، ومجالسة الصالحين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممَّن إذا قرأوا القرآن تدبَّروه ووعوه وعملوا به، وأخلصوا في العمل، وتقبل منهم، وجعل ذلك ذخرًا لهم في حياتهم وبعد مماتهم.
طالع أيضا:
* قواعد لفهم القرآن الكريم
* فضيلة التدبر والتفكر
ـــــــــــــــــــ
مسلمة مراهقة تحب مسيحيا! ... العنوان(33/902)
الأخلاق, السلوكيات, أمراض القلوب ... الموضوع
إلى الإخوة الأفاضل
أعانكم الله على مساعدتنا وتقديم النصيحة لنا...
باختصار تعرفت على شاب من أستراليا يتمتع بالأخلاق الحسنة، والحس المرهف، على عكس كثير من الأجانب. ورغم ذلك لم أكن أود أن أحادثه، ولكن لإصراره الشديد وافقت وتبادلنا أطراف الحديث؛ فوجدت أنه شاب حسن الخلق، فعز على نفسي كفره، وتمنيت لو أنه كان مسلما.
لم تمر أيام كثيرة حتى اعترف ليّ بحبه الشديد ليّ، وبصراحة أخبرته أن حبه ليّ ليس له أي مستقبل أو هدف. وأنني لم ولن أكون إلا صديقة تتبادل معه الرأي في بعض القضايا. استطعت أن أتفهم منه معنى الحب في نظره. وعلى غير العادة فوجئت بأنه أحبني حب النفس وليس حب الشهوة، وأنه لا يريد مني سوى أن أسلمه مفاتيح قلبي.
أخبرته أن الحب في الإسلام يتوِّجه الرباط المقدس ( الزواج) الذي منحنا الله إياه، حتى نحيا حياة الإنسان المكرم. وفوجئت بعد حديث طويل في هذا الموضوع بأنه يعرض عليّ الزواج وبجدية وإصرار.
أخبرته أن هذا لا يجوز، لكنه لم يدرك ما أرمي إليه البتة. فأخبرته صراحة أنه لا يجوز لمسلمة أن تتزوج من غير مسلم. بل يجوز للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة.
أخبرني في اليوم التالي عن عائلته. مما يعني في عرف الغرب النية الصادقة للزواج. وسألته إن كان أخبر والدته بهذا أم لا، فأخبرني أنه أبلغها غير أنها قالت له: إن هذا لا يجوز. ولكنه رد عليها قائلا : إنه لا يستطيع العيش في تلك الحياة بدوني.
كما أخبرني أيضا بأنه أصيب بارتفاع في درجة الحرارة بسبب انشغال عقله بيّ طوال الليل. فهو الآن محتار ولا يعرف حتى إن كانت ديانة والديه متعمقة في قلبه أم أنه يعتنقها لأنه وجد نفسه هكذا في الحياة.
استطعت والحمد لله أن أساعده في التفكير حتى يتعرف على الإسلام أكثر، ويرى إن كان هذا الدين هو ما سيحل ألغاز نفسه ويساعده أم لا.
وعن نفسي أسعى جاهدة لأن أريه جمال المرأة المسلمة في حديثها وحبها وولائها وقوة إيمانها بالله وقدره؛ حتى يستطيع أن يقارن بينها وبين فتاة الغرب في عقله.
غير أنه الآن متيم بيّ وبديني الذي شعر به في حديثي، حيث أسعى في حديثي معه دوما أن أبين له أن ذلك الدين هو ما جعلني هكذا.
أرجوكم ساعدوني وعلموني: كيف يمكن أن أحبه حبا خالصا لله؟، وهل ما أنا مقدمة عليه صحيح أم أنني أسير في الطريق الخطأ؟.
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أهلا ومرحبا أختي ندى على موقع إسلام أون لاين.نت.(33/903)
من الأمور الخطيرة على الإنسان أن يزين له الشيطان عمله؛ فيحسِّن له القبيح ويزين له الحرام، والأخطر من ذلك أن يقنعه بأن ما يقوم هو من قبيل التعبد لله؛ فيغالط الإنسان نفسه ويتمادى في عمله، ظانًّا أنه على جادة الصواب، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عنه.
إنّ أخشى ما أخشاه أن تظني أن ما تفعلينه هو من باب التقرب إلى الله. والظاهر من كلامك أنك استغللت علاقتك بهذا الشاب الذي تعرفت عليه ( ولم توضحي لنا طريقة هذا التعارف، وهل هو عن طريق النت، أم عن طريق علاقة مباشرة؛ كأن تكوني مسافرة إلى بلده، أو هو مسافرا إلى بلدك، أو أنتما الاثنان مسافرين إلى بلد واحد ؟) لإشباع الجانب العاطفي لديك، وهذا أمر وارد لدى الكثير من الفتيات اللائي في مثل سنك.
حينما بدأت أقرأ استشارتك ظننت أنك ستسألين عن حكم هذه العلاقة، وموقف الدين منها، لكنني فوجئت أنك قد اتخذت قرارك، وأنك مقتنعة بصحة هذه العلاقة والاستمرار فيها، وأن كل ما تريدين منا أن نعينك ببعض المعلومات باللغة الإنجليزية حتى يتعرف من خلالها صاحبك هذا على الإسلام، حتى إنك تصرحين قائلة :" وإنني لم ولن أكون إلا صديقة تطلعه برأيها فيما يريد"!
أختاه : كان عليك أن تسألي أولا عن حكم علاقتك به، وحدود هذه العلاقة، وموقف الإسلام منها. فعلاقة مثل علاقتك هذه التي بلغت حد الحب لا تجوز شرعا بين أي مسلم ومسلمة غير متزوجين. فما بالك بشاب على غير دينك وفي بلد أبعد ما يكون عن بلدك عرفا وأخلاقا ودينا؟!
إن العلاقة بين الجنسين في الإسلام لها ضوابط تحكمها، سواء كانت هذه العلاقة بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عن طريق الإنترنت أو غيره من الوسائل الحديثة. ومن أهم هذه الضوابط:
1- ألا يحدث اختلاء في مكان مغلق، يصعب على الناس رؤيتهما فيه.
2- أن تكون العلاقة في حدود الضرورة، خاصة إذا كانا في سن الشباب التي لا يؤمن معها الفتنة عليهما.
3- أن تخلو الكلمات من أي لفظ مثير أو جارح أو يحتمل أن يفتح بابا للشيطان.
4- أن تكون الفتاة ملتزمة بالحجاب الشرعي.
وبنظرة عاقلة ومتأنية نجد أن علاقتك بهذا الشاب -أيا كانت طبيعتها- في الوقت الحالي تسير في الاتجاه غير الصحيح، وهذه بعض الوقفات معها:
أولا: أنت لم توضحي لنا طبيعة العلاقة بينكما، ولكن لو افترضنا أنها عن طريق الإنترنت. فما أدراك بصدق هذا الشاب، وأن ما يفعله لا يعدو كونه أحبولة من حبائل شياطين الإنس التي يتفننون في إخراجها على النت بصورة تنطلي على ضحية مراهقة مثلك؟
فربما يكون شابا عاديا من أي بلد؛ بل ربما يكون ابن الجيران ويعيش معك هذه القصة.. بل والأدهى أنه ربما يكون فتاة مثلك وتعيش دور الشاب... كل هذه الاحتمالات وغيرها واردة في عالم الخيال الإلكتروني المفتوح.(33/904)
ثانيا: ولو وضعنا في الاعتبار الافتراض الآخر وهو أن علاقتك بهذا الشاب مباشرة، أو عن طريق النت ولكنه صادق معك؛ فهذا أيضا يحتاج إلى وقفة؛ فأنت مقتنعة بأن علاقتك به نهايتها الفشل إذا استمر على دينه.
وإذا افترضنا معك أن الله ربما يهديه للإسلام، وأنه سيطلبك للزواج بعد إسلامه.. فهل سيوافق أهلك (المصريون) على شاب قادم من ديانة أخرى ومن قارة مختلفة؟ ولو افترضنا أن الأمور كلها سارت في الاتجاه الإيجابي ووافق أهلك. فهل تضمنين أنك ستتأقلمين مع طباع وعادات هذا الشخص؟
إن اختلاف البيئة بين مدينة وأخرى داخل القطر الواحد يكون له آثاره على اندماج الزوجين وتعايشهما.. فما بالك باختلاف بين قارة وأخرى؟ هذا إذا كان صادقا في إسلامه، ولم يكن إسلامه مجرد خدعة أو وسيلة ليصل إليك، ثم بعدها تتكشف الأمور المريرة. هذه الأمور-أخيتي- يجب أن تراعى وتوضع في الحسبان.
ثالثا: من الملاحظ أن اقتناعك به جاء نتيجة لإلحاحه عليك؛ فهو الذي أصر على الحديث معك، وهو الذي اعترف بحبه لك، وهو الذي طلب وأصر على الزواج منك، وكثرة الكلام وتكراره على الآذان تحرك القلب، خاصة في فترة مثل التي تعيشينها الآن (13-19)؛ حيث يكون نداء القلب متغلبا على نداء العقل. فالحب علاقة متبادلة بين طرفين ناتجة عن اقتناع قلبي وعقلي.
رابعا: لي وقفة خاصة مع قولك: "وعن نفسي أسعى جاهدة أن أريه جمال المرأة المسلمة في حديثها وحبها وولائها وقوة إيمانها بالله وقدره؛ حتى يستطيع أن يقارن بينها وبين فتاة الغرب في عقله، أما هو فهو الآن متيم بي وبديني الذي استحثه في حديثي وأن أبين له أن ذلك الدين هو ما جعلني هكذا".
فأقول لك: إذا كنت تريدين أن تكوني نموذجا للفتاة المسلمة المثالية فاقطعي علاقتك بهذا الشاب فورا؛ فجمال المرأة المسلمة يكون في خلقها وعفتها ورجاحة عقلها وبُعدها عن مواطن الشبهات والفتن، خاصة أن هذه العلاقة سيكون لها تأثيرها عليك أنت الذي سيزداد مع التمادي في هذه العلاقة؛ وهو ما ينذر بعواقب لا يعلم مداها إلا الله.
أراك بعد هذه التطوافة تقولين: وما الحل؟ هل الحب محرم في الإسلام؟ وما الحل الناجع لمشكلتي؟. أما بالنسبة للحب في الإسلام فأنصحك بأن تقرئي الفتاوى التالية:
1. الحب بين الجنسين وشروطه
2. الحب بين الجنسين
3. حكم الغزل والحب
وأما بالنسبة للحل فأوجزه لك في النقاط التالية:
1. عليك أن تتقي الله في نفسك وأن تسارعي لقطع العلاقة مع هذا الشاب، واعلمي أن استمرارك فيها بالصورة الحالية لا يخلو من الآثام والذنوب.
2. لا تُمنّي هذا الشاب بصورة مباشرة بأنه إذا أسلم فسوف تتزوجينه؛ فلربما يتظاهر بالإسلام عن غير اقتناع حتى يصل إليك.
3. إذا أسلم هذا الشاب وتيقنتِ من حسن إسلامه ووجدته ما زال متمسكا بك وأن أهلك موافقون فاستخيري الله، فإذا وجدت قبولا فلا مانع من إتمام الزواج.(33/905)
4. ثقي أن المرحلة التي تعيشين فيها الآن غالبا ما تكون مثل هذه القرارات فيها متغلبة فيها العاطفة على العقل؛ فتروي وتمهلي في التفكير.
5. اعلمي أن واجب الوقت يحتم عليك الآن أن تتفوقي في دراستك (التي لم تخبرينا بها)، ثم بعد ذلك إذا جاءك من ترضين دينه وخلقه فتزوجيه.
6. استعيني بمشاورة أولي الرأي والنهى وأصحاب الخبرات، وعليك أن توجدي لنفسك بيئة إسلامية صالحة من الصديقات التقيات اللائي يساعدنك على طاعة الله.
7. لا تنخدعي بكل كلام معسول يقال لك حتى لو من شاب مسلم؛ فإذا كان غير مسلم فإن الحذر يكون منه أشد، وتذكري دائما قول الله تعالى: {وَلاَ تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}.
وختاما؛
أسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لما فيه الخير والسداد، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك ويكون لك نعم الزوج الصالح، ولا تبخلي علينا بمتابعة التطورات، مع إلقاء مزيد من الضوء على حياتك الخاصة والدراسية...
ـــــــــــــــــــ
خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
ما هو فضل القرآن الكريم وفضل تعلمه وتعليمه ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني أبو فرحة ـ الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف:
أخي السائل/
أول ما نبدأ به في الحديث عن القرآن الكريم؛ التذكير بأنه كلام الله عز وجل. وفيه يقول الرب سبحانه: "من شغله القرآن عه مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" (رواه الترمذي).
وأنعم بهذين الميزتين فقراءته تغني الإنسان عن سؤال حاجاته، بل تصل به إلى أن يعطى أفضل ما يعطاه السائلون. وفضله كفضل الله على خلقه، فالاشتغال بتلاوته اشتغال بأفضل ما يشغل به المسلم نفسه.
ومن هنا فتعلم القرآن خير ما يتعلمه المسلم، ثم بعد ذلك عليه أن يتعلم علمًا يتكسب به معاشه، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (متفق عليه).
ومن تعلم القرآن ثم علمه لغيره، فهو خير الناس؛ لأنه قد جمع بين تكميل نفسه بتعلم القرآن، وتكميل غيره بتعليمه القرآن. هذا ومن لازم تعلم القرآن وتعليمه للغير؛ حفظه وفهمه والعمل به. فمن حفظه وفهمه ولم يعمل به فهو حجة عليه.
وتلاوة القرآن عبادة يؤجر عليها المسلم. قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف". رواه الترمذي وقال:حديث حسن صحيح.(33/906)
ومن هنا يعكف صالح والمؤمنين على كثرة تلاوة القرآن. ويتنافسون في ذلك طلبًا لثواب تلاوة القرآن. ويذكر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا التنافس في تلاوة القرآن: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" متفق عليه.
والحسد هنا مراد به التنافس في فعل الخير، وتمنى فعل ذلك من كثرة التلاوة، وكثرة النفقة في سبيل الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي الليل بين الثلث والثلثين، فلا يزيد عن الثلثين، ولا ينقص عن الثلث. قال تعالى: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك".
وكان سيدنا عثمان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن. قال ابن سيرين: قالت نائلة زوج سيدنا عثمان رضي الله عنه. حين دخلوا على عثمان ليقتلوه:إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الليل كله بركعة يجمع فيها القرآن".
وعن ابن سيرين أيضًا. أن تميمًا الداري قرأ القرآن في ركعة. وعن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة. وكل هذا رواه ابن كثير في ذيل تفسيره في فضل القرآن الكريم.
والماهر في القراءة مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن بمشقة له أجران. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" متفق عليه. وإنما يؤجر الذي يقرأ ويتتعتع في القراءة، إذا كان يقرأ بين يدي من يعلمه ويصحح له قراءته.
وتتنزل الملائكة لسماع القرآن، وتنزل السكينة على المجتمعين لتلاوته، وتغشاهم رحمة الله عز وجل، ويذكرهم الله في الملأ الأعلى. فيقول صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسون فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". رواه مسلم.
وتعلم آية من كتاب الله خير من تملك ناقة وهي أنثى الإبل، وثمنها الآن يقارب ألفين من الجنيهات أو يزيد. والنوق خير مال العرب آنذاك. ومن تعلم آيتين فهو خير له من امتلاك ناقتين.
قال عقبة بن عامر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقلنا: يا رسول الله كلنا نحب ذلك. قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم، أو فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث، وأربع، خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل. رواه مسلم.
هذا وبطحان، والعقيق أسماء لأماكن حول المدينة. ومعنى كوماوين: أي عظيمتين سمينتين، وهكذا فالقرآن خير كله، قراءته عبادة وتعلمه عبادة، والعمل به عبادة، والاستماع إليه عبادة.(33/907)
فخذ حظك منه أخي المسلم، تسعد في دينك ودنياك، وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه إنه سميع قريب مجيب.
ـــــــــــــــــــ
أتمناه زوجا.. فماذا أفعل؟ ... العنوان
الأخلاق, العقيدة ... الموضوع
منذ أربع سنوات أحببت شابا يسكن بجوارنا، وهو شاب على خلق ودين وملتزم فأعجبت بصفاته وأخلاقه، خصوصا وإني أراه يصلي في المسجد وهذا ما جعلني أحبه أكثر.
وأنا دائما أدعو الله في جوف الليل أن يجعله من نصيبي. وإن لم يكن من نصيبي أرجو من الله أن يصرف قلبي عنه. ومع ثقتي بالله وتوكلي عليه إلا أن هناك مشكلة تخيفني من غضب الله علي. إذ أنتظر ذلك الشاب في أوقات الصلاة لأراه وهو ذاهب للصلاة خلسة دون أن يراني.
ورغم أني لا أمعن النظر؛ ولكنني خائفة جدا من أن ذلك يغضب الله علي. وأريد أن أعرف: هل حبي لهذا الشاب وتفكيري فيه وانتظاري له في أوقات الصلاة حرام وأن ذلك يغضب الله عليّ؟ فأنا أحب الله جدا وأخاف أن يغضب عليّ.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ مسعود صبري:
الأخت الفاضلة :
حفظ الله تعالى لك إيمانك، ويسر أمر زواجك بالزوج الصالح .
أما بخصوص علاقتك بهذا الشاب؛ فإن الإعجاب وحده لا يحاسب عليه الإنسان. ولكن يجب ألا يتعدى هذا إلى ممارسات خاطئة؛ وألا يتملك هذا الإعجاب كل قلبك؛ فيشغلك عن كثير من الواجبات؛ وعلى رأسها حب الله وطاعته.
بمعني أن تكون العلاقة مجرد إعجاب فحسب، ولكنها – كما أشرت في رسالتك – تعدت هذا إلى الاستمتاع بالنظر إليه غاديا ورائحا إلى المسجد. مما يجعله يتمكن من قلبك بشكل مباشر. بكسبك أنت، وليس من القدر، وهذا يترتب عليه أن يعلق هذا الشخص في حياتك بشكل كبير جدا، بل ويجعلك لا تنظرين غيره، ولو كان أفضل منه، وهذا – في نظري– مكمن الخطر.
وما أنصحك به: الامتناع عما تفعلين، وأن تتركا القدر يقضي في أمركما ما شاء الله تعالى أن يكون، وأقصد هنا بالمقابلات أو النظر إليه وما شابه هذا.
أما بخصوص الارتباط، فيمكن لك أن تخبري إحدى زميلاتك أو معارفك من أقاربه. وأن تخبره هي بذلك؛ حتى يتخذ خطوات إيجابية في موضوع الارتباط إن كانت له نية في الارتباط بك، إن وجد نفس الإعجاب عنده.(33/908)
وهذا ما فعلته السيدة خديجة – رضي الله عنها- ، فإنها لما أعجبت بالنبي صلى الله عليه وسلم، كلمت إحدى النساء، وذهبت هذه المرأة إليه – صلى الله عليه وسلم – وأخبرته بإعجاب خديجة به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعجب بالسيدة الفاضلة خديجة – رضي الله عنها-، فكلم عمه ليخطبها من وليها، إذ كان والده متوفيا كما هو معلوم.
وذهب أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبوا يد خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الطريقة تجعل المرأة مطلوبة، مصونة الجانب، وفي ذات الوقت هي التي بدأت، وأبدت رغبتها. فإن لم يتخذ الشاب خطوات عملية، فليس من الحكمة أن نضع في قلوبنا من لا نعرف؛ حتى ولو بالعلامات – أنه قد يكون شريكا لنا في الحياة.
وسيري في أمرك بين العاطفة المنضبطة، والتي تدفعك للكلام عنه، وبين العقل والحكمة والشرع، فهذا خير لك، واعلمي أن كل ما قدره الله تعالى لك خير. فإن كان الخير في الزواج منه، فثقي أن الله تعالى سيقدره لك، وإن كان في ذلك شر، فإن الله تعالى سيصرفه عنه، فإنه سبحانه، ما يحرم عباده من خير لهم، وما يصرف عنهم إلا شرا، ولو رأوه خيرا.
وأكثري من الدعاء أن يقدر الله تعالى لك الخير، أيا كان الخير، سواء أكان ما تحبينه، أو ما تكرهينه.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أختي الكريمة شمس؛
أسعدتني والله رسالتك وأثلجت صدري، ووجدتني أبتسم وأنا أتنقل بين سطورها، وقد نبعت سعادتي هذه من أني ازددت يقينا أنه ما زال في شباب هذه الأمة بقية من خير وبقية من إيمان، فأسأله سبحانه أن يثبتك على الإيمان والهدى والخير، وأن يديم عليك نعمة المراقبة والمحاسبة، وبعد..
فلا شك أن رغبتك هذه في الارتباط بهذا الشاب الذي تظهر عليه علامات الصلاح هي رغبة طيبة، أسأل الله عز وجل أن يحققها لك ما دامت نيتك خالصة لوجهه تعالى. وأسأله سبحانه أن يوفقكما لبناء بيت صالح يكون لبنة طيبة في صرح المجتمع المسلم إن شاء الله.
ولكن أختي الكريمة أذكرك ببعض الأمور الهامة التي أرجو أن تراعيها حتى تصلي بهذه الرغبة إلى بر الأمان إن شاء الله دون أن يجرح إيمانك ودينك أو شخصك شيء، وقبل أن أذكر لك هذه النقاط أحب أن أنوه إلى أنك لم تذكري لنا سنك ولا ظروفك، ولا سن هذا الشاب ولا ظروفه، لذا يجب أولا أن تنظري هل هذه الظروف مهيأة للارتباط بينكما الآن أو حتى بعد وقت قصير، أم أنه ما زال الوقت أمامكما طويلا للتفكير في هذه الأمور؟
على أية حال إن كانت الظروف والأعمار مناسبة ومهيأة، فافعلي الآتي:
* صارحي والدتك أو أختك الكبرى أو ولي أمرك بهذه الرغبة، وإذا منعك الحياء فكلفي من تثقين به بأن يعلم ولي أمرك بهذا.(33/909)
* على ولي أمرك بعد هذا أن يستوثق من سلوك هذا الشاب وخلقه، فليست الصلاة في المسجد وحدها علامة على كمال تدين الإنسان واستقامة خلقه، وقد رأينا للأسف أناسا ظاهرها الصلاح تغشى المساجد ولا تفوتها جماعة، إلا أنك إذا تعاملت معهم وتكشفت أخلاقهم مع ذويهم وجيرانهم والناس، وجدت ما يندى له الجبين.
* إذا تم الاستيثاق من خلق هذا الشاب وتدينه وقدرته على الزواج، لا مانع من أن يحدثه ولي أمرك أو يرسل إليه حكيما يحدثه في أمر الزواج منك، وليس في هذا ما يسيء إليك، أو ينقص من قدرك، وكذلك فعلت السيدة خديجة رضي الله عنها لما رأت في النبي صلى الله عليه وسلم أمارات الصلاح.
* داومي على دعائك هذا الذي تدعين به في جوف الليل، فهو دعاء طيب، كذلك قومي بصلاة الاستخارة، ليختار الله لك الخير.
* بالنسبة لنظرك له في الرواح والمجيء إلى المسجد فأنصحك أن تمتنعي عن هذا الأمر الآن حتى تتم الخطبة، فأنت قد رأيته أكثر من مرة، وعلمت شكله وأوصافه، فلا داعي لتكرار النظر احتياطا من الوقوع فيما يغضب الله عز وجل، ولتتجنبي ذلك قومي بالوضوء والصلاة في هذا الوقت، فهذا أولى من أن ترقبيه وهو خارج للصلاة.
ولعل الله عز وجل يقدر عدم ارتباطكما، فيكون من اليسير وقتها نسيانه وإخراجه من قلبك.
أما إن لم تكن الظروف ولا الأعمار مناسبة ولا مهيأة، فأنصحك أختي أن تلتفتي للمهام الحياتية والواجبات المرحلية التي عليك من مذاكرة وتفوق، وكذلك أرجو أن يفعل هو، وتنحية التفكير في موضوع الارتباط هذا جانبا حتى يأتي وقته، بحيث لا يؤثر على الأهم.
أسأل الله عز وجل أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وتسعد به أيامك في الدنيا، ويكون رفيقك في جنات الخلد في الآخرة إن شاء الله، وأرجو أن تتابعينا بأخبارك.
طالع أيضا:
* أخشى ألا يتزوجني.. ثقي بربك ثم بنفسك
* الزوج الصالح .. اختيار وقدر
ـــــــــــــــــــ
كيف أعامل زميلاتي بالجامعة؟ ... العنوان
أنا طالب على وشك توديع المرحلة الثانوية. عشت في بيئة محافضة جداً؛ لذا يؤرقني دخول جامعة مختلطة؛ إذ أخشى على نفسي من الانحراف. فدلني يا سيدي: كيف أتعامل مع زميلاتي؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...(33/910)
الأخ الفاضل:
نسعد بك دائما، ونتمنى لك دوام التوفيق في الدنيا والآخرة .
إن حل تلك الأزمة التي تخاف منها؛ أن تدرك كما طلبت معرفة حدود العلاقة بين الجنسين، ونحن في واقعنا نرى فريقين. يرى الأول أن الحديث مع المرأة بشكل عام رجسا من عمل الشيطان، وأن المرأة شيطان وغيرها من المعاني. وبين نوع آخر يرى الانفتاح الكبير فيكون الحديث بفائدة وبلا بفائدة، ولضرورة ولغير ضرورة.
وحين نرجع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية بوصفهما مصدرا الأحكام الشرعية ، ومنهج السلوك الإسلامي، ومنبع التربية والأخلاق، نرى أن الله تعالى ساق لنا أحاديث بين رجال ونساء، ولم يحكم عليها بالحرمة، مثل حديث موسى عليه السلام مع الفتاتين الصالحتين، وحديث سليمان عليه السلام مع بلقيس، وحديث مريم مع اليهود، وغيرها من الوقائع الكثيرة التي تقول: إن الحديث بين الجنسين ليس محرما في ذاته، وليس أصل الحديث حراما. ويمكنك أن تراجع الفتاوى التي تحدثت في هذا الأمر:
* الاختلاط بين الجنسين: حقيقته وحكمه وضوابطه
* ضوابط التعامل في اللقاء بين الجنسين
* النظر بين الجنسين: حكمه وضوابطه
* ضوابط التخاطب بين الجنسين
ونجد ذلك أيضا في السنة النبوية التي تعج بوقائع للحديث بين الجنسين، في حضور الرسول صلى الله عليه وسلم، بل نجد ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تحدثت معه أمام أصحابه، وهي أسماء بنت يزيد الأنصاري، خطيبة النساء، والحديث بين أمهات المؤمنين والصحابة، والحديث بين الرجال والنساء على مر تاريخ العصور الإسلامية من لدن آدم إلى يومنا هذا أمر لا يمكن إنكاره، ولا يعد عيبا في حد ذاته.
غير أن الإسلام وضع ضوابط وحدود للتعامل بين الجنسين، فالإسلام لا يغفل طبيعة الفطرة بينهما من الميل للآخر، وبالتالي فإن الحديث بين الزملاء والزميلات في الكلية إن كان لداع أو ضرورة أو حاجة، فإن هذا لا بأس به، ولن يؤثر في أخلاقك وسلوكك، المهم أن تدرك نيتك وقت الفعل، وأن تنظر هل هي لله أم لا؟ وهل الكلام الذي تتحدث به يغضب الله تعالى أم لا؟
وكما يقال خير الأمور أواسطها، فإن الإغلاق الشديد قد يدفع الإنسان إلى تعدي حدود الله، والحياة بحرية مع مراعاة مراقبة الله تعالى تجعل الإنسان منضبطا في سلوكه وتصرفاته.
وما أحسن ما قاله أحد الصالحين: المسلم يعاتب نفسه، يقول : ماذا أردت بأكلتي ؟ماذا أردت بشربتي ؟ماذا أردتي بكلمتي؟ الفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه.
إننا حين نغلق الحديث بين الجنسين فنحن نصادم نواميس الكون والحياة، وحين نبيحها على وجه مطلق نخرب دين الله ودنيا الناس، وكل امرئ أدرى بما يفعل، ولهذا كان ثلث الدين حديث "إنما الأعمال بالنية" .(33/911)
واسمح لي أخي الفاضل، لماذا تخاف على نفسك من الانحراف، وأنت الإنسان المتدين الذي تراقب الله تعالى في أفعالك. ومن الجيد ألا نضخم طبيعة الحديث والعلاقة بين الجنسين، وأن ننزلها منزلها الطبيعي.
ولكن حين تضع في ذهنك أنك ستدخل الجامعة وسترى البنات الكاسيات العاريات، أو اللابسات المحتشمات كأنك تهيئ نفسك للمعصية. أنت ذاهب للجامعة كطالب تريد التفوق.. فمالك والبنات؟ إن احتجت الحديث معهن، فهو سلوك بشري طبيعي ليس فيه إثم، إلا إذا أدخلت فيه ما يجعلك آثما. ولكن أن تعطي للموضوع هذا الحجم الكبير من الآن، أخشى أن يوقعك فيما هو منهي عنه.
فلا تكبر ما هو صغير، واهتم بمستقبلك وحياتك، وعلاقة بالله تعالى، وكن كما أنت متفوق في أمورك، حسن في أخلاقك وسلوكياتك، مع جميع الناس من الرجال والنساء. واستفت قلبك دائما، فإني أشعر أن قلبك حي.
وأوصيك أن تكون صاحب هدف في الحياة لكل ما تفعل، ضعه نصب عينيك، وصوب سهامك للنجوم، فإن لم تصبها أصبت مئذنة.
حفظك الله ، وجعلك ذخرا للإسلام والمسلمين
ـــــــــــــــــــ
الغيب.. ألف باء إيمان ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أنا شاب مغربي عمري 19 سنة، مسلم ومن عائلة متدينة. ثقافتي لا بأس بها جيدة. أجدني مشدودًا إلى كل ما هو منطقي ونوعًا ما ملموسًا. لكن بعيدًا عن المادية وفلسفتها. كنت دائمًا أطرح تساؤلات بشأن ديانتي لكن سرعان ما أتجاهلها أو أقمع نفسي لتجاهلها. لكني الآن أريد أن أعرف الحقيقة وأن يطمئن قلبي.
هل وجود الإله ضرورة كونية؟ إذا كان نعم فما هي تجلياتها ومظاهرها في هذا الكون؟ لماذا لم تشمل الرسالة كل الناس. فالرسالة المحمدية "العامة"؛ لا تشمل الآن جميع الناس وإنما الثلث على الأكثر؟
فأغلب غير المسلمين لا يعرفون عن الإسلام إلا الاسم فأين عمومية هذه الرسالة؟ وما حكمهم إذا كنا لا نستطيع إدخالهم في أهل الفترة لأنهم الآن في عهد الرسالة؟ ولماذا لا يكون الإسلام نتاجًا لبحث الإنسان الدائم عن قوة تحميه من الأخطار المحيطة به؟ وعن تفسيرات لظواهر ما وراء ما وراء الطبيعة؟ كما هو الشأن لباقي الديانات.
وهل الآخرة ضرورة كونية؟ وإذا كان الجواب بـ"نعم"؛ فما هي مظاهر هذه الضرورة؟ وفي موضوع آخر في سورة الكهف "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة" كيف يبلغ مغرب الشمس ونحن نعرف الآن موقع الأرض من الشمس؟ فإذا سرنا إلى المشرق فلن ننتهي إلى نقطة تسمى نهاية المشرق؛ لأن الأرض كروية، وأيضًا كيف وجدها تغرب في عين حمئة والشمس لا تفارق مدارها؟؟ وفي السُنّة هناك حديث "لا عدوى ولا طيرة"، والتجربة تؤكد أن العدوى حقيقة واضحة؟ وأخيرًا كيف أستيقن ويطمئن قلبي بأنني بكوني مسلمًا فأنا على الطريق الصحيح؟.. أرجو أن تكون الإجابة علمية ومنطقية، والسلام.(33/912)
... السؤال
الدكتور متولي منصور ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم،
الأخ عبد الله إن اسمك بحمد الله فيه دليل على وجود الله؛ لأنك مضاف إلى الذات العلية الذي قال في حق نفسه{ فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(مريم:65).
ثم إن وجود الله حقيقة كونية. يدل عليها تلك الآثار من الخلائق الموجودة والملموسة آناء الليل وأطراف النهار؛ من شمس وقمر ونجوم وكواكب وأفلاك وأرض وجبال وماء وصحارى وقفار.
ثم إن وجود الله حقيقة كونية تلمسها في ذاتك أنت، في ذلك يقول الله عز وجل {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}(الذاريات:21)، وآيات القرآن الكريم تساءل هؤلاء المجادلين في وجود الله في أكثر من موضع، منها مثلاً قوله تعالى:{ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ
مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (النمل:60)، وفي أكثر من موضع من سورة المؤمنون { أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ}.
فإذا نظر الإنسان إلى ذات نفسه بغض النظر عن دينه أو لغته أو قوميته، وتجرد من سيطرة العقل المضل أو النزوة الزائفة. ونظر إلى جسده وإلى هذا التنسيق الذي يتناثر بين جوارح الإنسان؛ لأيقن أن هناك قوة لا يمكن أن تكون من قوى البشر؛ هي التي خلقت هذا الإنسان وابتدعته؛ وجعلته كما قال خالقه تبارك وتعالى:{ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(المؤمنون:14).
وقديمًا قالها هذا الأعرابي وهو يمشى في الصحراء "إن البعرة تدل على البعير، وإن الأثر يدل على المسير، أفلا يدل ذلك على وجود الحكيم الخبير". نقِّ نفسك يا أخي من أدرانها، وحارب أعداء النفس البشرية ومنها الشيطان والنفس والدنيا والهوى، وأقبل بقلب نقي وعقل متفتح على قراءة القرآن والسنة؛ لتهدي بإذن الله إلى الطريق المستقيم؛ ولتوقن بوجود الخالق العظيم.
وأوصيك أن تقرأ مثلاً من التفاسير تفسير "في ظلال القرآن" فقد عني بالآيات الكونية الدالة على وجود الله وربط بين القديم والحديث، وفيه إجابة شافية لتساؤلك عن وجود الله، ثم اقرأ كتاب "الله يتجلى في عصر العلم" ففيه أيضًا فائدة عظيمة للإجابة عن سؤالك.
ولا شك أن وجود الله ضرورة كونية. ولا بد أن يكون إلهًا واحدًا؛ لأن القرآن الكريم قد قال {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}(الأنبياء:22)، وإلا فهل نتخيل هذا الكون الفسيح من أقصاه إلى أقصاه؛ يمكن أن يكون مسيرًا هكذا دون وجود قوة عظمى تسيره؟ وهل يمكن أن نتخيل وجود هذه الخلائق بمختلف أنماطها دون وجود رازق يرزقها ومدبر يدبر لها أمرها؟!(33/913)
أما آثارها فهي بادية لكل ذي عينين، ويكفي أن تتأمل أيها السائل الكريم في نومك ويقظتك، فإن النوم تُسلب فيه الروح سلبًا؛ يجعلها متصلاً بالجسد بطريقة ما لا يعلمها إلا الله. فإذا ما أراد الله لمن نام أن يستيقظ مرة أخرى؛ فإنه يرد إليه روحه وتتصل بجسده اتصالاً طبيعيًّا. كما نلاحظ ذلك في نومنا ويقظتنا. ويكفي هذا دليلاً وأثرًا على وجود الله عز وجل.
ومن قال يا أخي إن الرسالة الإسلامية ليست رسالة عامة للناس أجمعين؟!. إن هذه حقيقة مقررة في عقيدتنا الإسلامية؛ لأن الرسالات السماوية السابقة كانت خاصة كل رسالة تنزل على رسول لقوم معينين. فلما أراد الله أن يختم جميع الرسالات أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام مهيمنة على جميع الشرائع السابقة؛ لأنها جمعت بين الجامد المادي والجانب الروحي والإنسان جسد وروح، ويكفي أن تقرأ معنا قول الله تعالى مخاطبًا رسول صلى الله عليه وسلم:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(سبأ:28).
وإذا كان هناك من لا يدينون بدين الإسلام فإن هذا يدل على رحابة صدر الإسلام، وعلى أنه ليس دين جبر وقسر بدليل على أنه لم يجبر أحد على الدخول فيه، إنه فقط يحسن عرضه على الآخر فإن قبله كان بها، وإلا فليظل على دينه الذي يقتنع به بالشروط الذي استنبطها الفقهاء من شرعنا الإسلامي.
والآية واضحة وهي قوله تبارك وتعالى:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:256).
والعيب يا أخي ليس في الإسلام، ولكن في ضعف المسلمين الذين لا يعرفون من هذا الدين إلا اسمه كما تقول. كما أن العيب أيضًا يا أخي فيمن يقصرون في حمل رسالة الإسلام وإفهامها الآخر في عصر التقدم العلمي والانفجار المعرفي. فنحن بالتأكيد مقصرون في حق ديننا، ويجب أن نفهم هذا الدين أولاً وأن نحسن عرضه ثانيًا، ثم نطبقه في أرض الواقع، ثم نبلغه إلى العالمين وتلك رسالة كل مسلم موحِّد ينضوي تحت لواء هذا الدين.
ونقول يا أخي إن أهل الفترة انتهى وقتهم؛ لأن الفترة تكون بين بعثة رسول ورسول، وأهل الفترة عندنا هم الذين كانوا بين نبي الله عيسى ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبمجيء رسالة الإسلام ينتهي ما يسمى أهل الفترة وواجبنا الآن ليس أن ندخل هؤلاء في أهل الفترة.
وقد مضى أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولكن أن نعرض عليهم الإسلام وأن ندعوهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نريهم الإسلام في أخلاقنا وعبادتنا وسلوكياتنا وآدابنا وتعاملنا مع من لا يدين بديننا.
الإنسان مركب من عقل وشهوة. العقل ليفكر به والشهوة لإيجاد النوع الإنساني، ولأن العقل قد يضل كان لا بد من جود الرسالات السماوية، فالرسالات السماوية ليست نتاجًا للعقل أو لبحث الإنسان المادي، ولكنها منحة جاءت من الخالق سبحانه من أجل هداية هذا الإنسان.(33/914)
وإذا كنت ترى أن الإسلام يمكن أن يكون نتاجًا لبحث الإنسان المادي فيما وراء الطبيعة فيما يسمى "بالميتافيزيقا" فإن عقل الإنسان القاصر في الوصول إلى هذه الغاية؛ ولذا كان من أول صفات المؤمنين في ثاني سورة في القرآن الكريم بعد سورة الحمد وهي سورة البقرة قول الله تعالى:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}(البقرة:3).
فألف باء الإيمان أن تكون مؤمنًا بالغيب، وهذا الغيب لا يمكن بعقل أن يصل إليه ولا لفكر أن يهتدي إليه، إذن لا بد من وجود آخر يستطيع أن يحدثني عن هذا الغيب. فكان هذا الآخر هم الكتيبة المباركة من المرسلين وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء برسالة تجعل الإيمان بالغيب قمة الإيمان.
وفيما يتصل بآية سورة الكهف وما حدث من ذي القرنين فإن هذا يُعَدّ تحديًا علميًّا وإعجازًا من قبل الله عز وجل، حيث خص واحدًا من عباده بهذه الخاصية من أجل أن يقضي على هؤلاء الذين كانوا يكفرون بآيات الله عز وجل.
ولكي يطمئن قلبك بالإسلام يا أخي عليك أن توطد علاقتك بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كلمة واحدة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الإسلام وأراد ألا يكثر فقال له: "قل آمنت بالله، ثم استقم"، ومعنى هذا أنك لا بد أن تعتقد أولاً اعتقادًا جازمًا صحيحًا فإذا ما فهمت عقيدتك من منابعها الأصيلة، ثم استقمت على الجادة وعلى الطريق المستقيم عندئذ تكون قد أسلمت الوجه لله رب العالمين. أسأل الله لي ولك الهداية والرشاد.
طالع أيضا:
* أدركوني.. أكاد أفقد إيماني
* كيف نزيد من رصيد الإيمان
* أنقذوني..الوساوس تداهم إيماني
* الشك يطاردني.. تلك حقيقة الإيمان
* هل وساوس الشيطان تمنع لذَّة الإيمان
ـــــــــــــــــــ
أخشى ألا يتزوجني.. ثقي بربك ثم بنفسك ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بعد التحية والسلام،
أود القول بأن موقعكم رائع جدا، فأنتكم تقومون بعمل ثمين بالفعل، لذلك نتمنى لكم كل النجاح والاستمرارية.
أريد كذلك التعريف بنفسي فأنا فتاة من مدينة الجزائر، وبلد إقامتي عنابة، أعمل فيCyber café كـ Agent de saisie؛ وعمري 28 سنة. أقضي معظم وقت فراغي في التصفح على موقعكم، ويعجبني كثيرا القراءة في التزكية والأخلاق. وأحب أن أخبركم بأنني أتعلم منه أشياء كثيرة، ينبغي للإنسان أن يتصف بها؛ كالوقار مثلاً والصبر.
مشكلتي هي كما ذكرت سابقا- إذ أنني بعثت لكم من قبل مرة، والآن أريد منكم استفسارًا ثانيًا، فأنتم الذين بإمكانكم مساعدتي بإذن الله :(33/915)
لقد طرحت مشكلتي، وقام بالإجابة عليها الشيخ "سمير حشيش"، فأنا أعجبت بشقيق صديقتي التي أحترمها كثيرا. ولكن لم أستطع البوح لها بهذا الإعجاب؛ خوفا من وجود ضرر فيما سوف أفعل. وعندما كتبت لكم قام الشيخ الفاضل بالرد عليّ مع ذكر بعض الأمثلة بأنه لا يوجد أي ضرر، فقمت بمصارحة صديقتي منذ أسبوع. ولضيق وقتها لم تستطع البقاء لإخبارها بكل القصة.
المهم أخبرتها بأن تعلم أمها كذلك بالموضوع؛ لأن أمها كانت دائما تتمنى لي الزوج الأفضل كابنتها تماما. فقالت لي صديقتي بأنها ستمر بي غدا؛ لتخبرني بما حصل بينها وبين أخيها و أمها كذلك، وأكدت لي مجيئها.
المشكلة أنه رغم مرور أسبوع، فإن صديقتي لم تأت، وأنا جد حائرة في أمري. ومنذ ذلك الحين وأنا مشوشة الذهن وتنتابني أسئلة لا أعرف الرد عليها مثل : هل أخوها لم يقبل فلم تستطع المجيء لكونها لا تريد إيلامي بخبر الرفض، أم أن أمها لم تقبل، أم ربما أخوها طلب منها مهلة للتفكير في الأمر. لا أعرف ماذا أفعل؟، هل أتصل بها أم أذهب إليها في مقر عملها أم أنتظر مجيئها؟
أرجوكم فسروا لي كل ما يحصل بالتدقيق. إلى اللقاء في فرصة أحسن. وفقكم الله.
... السؤال
الشيخ سمير حشيش ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخت الكريمة/ وفاء،
سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد:
فإن موقفك يا أختي أعجبني أيما إعجاب؛ فقد كنت صريحة مع نفسك في تحديد ما تريدين، وقد كنت صادقة وجريئة على عكس ما نرى من أكثر الناس في هذا الزمان؛ فكثير من الناس يحجم عن أمور يراها حقا؛ ولا نهي فيها شرعا؛ لا لشيء إلا لأنه يخشى كلام الناس ولومهم.
وينبغي للإنسان وهو يأخذ قرارا في أمر مستقبلي- كالذي فعلته أنتِ- أن يوطن نفسه على ما يحب وما يكره من النتائج، فقد يوفقه الله - سبحانه وتعالى- فيما أراد وييسره له، وتأتي النتائج وفق ما يحب الإنسان؛ وهنا يكون لله الفضل والمنة وله الشكر كله إذ هو الموفق والمقدر. ويحمد الإنسان ربه على أن جعل قدره فيما يوافق هواه ورغبته.
ولكن إذا ما كانت الأخرى؛ وكان مراد الله غير مراد الإنسان، فهنا يجدر بالإنسان أن يتجلد بالصبر لتحمل نتيجة اختياره. ويجدر به أيضا وهو في هذا المقام ألا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، أو يقول: لو أني لم أفعل كذا لكان كذا.
فإن هذا مما يفتح بابا للشيطان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. وإن فُتح باب الشيطان فالخاسر هو الإنسان؛ إذ هو لم يدرك ما أحب من أمره، ولن يَسلم من لوم نفسه والندم على ما فات، فيعيش بين نارين؛ نار الحرمان ونار الندم.. نعوذ بالله من ذلك.(33/916)
ولكن ينبغي للإنسان أن يتمثل وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فيقول "قدر الله وما شاء فعل".
والثبات في مواقف الصدمات من أمارات العقل، ولا يستطيعه بحق إلا المؤمنون الواثقون فيما قضى ربهم وقدر، فالمؤمن يستريح لتقدير الله أيا كانت نظرته له، ويثق بأن ربه لن يخذله، فهو إن قدر عليه ما يكره في الدنيا فلمصلحة آجلة لا يراها هو، قد تأتي في الدنيا بعد سنين وقد يدخرها الله له إلى الآخرة. وقد رأينا بأم أعيننا الكثير من الأمثلة على هذا.
وشعار المؤمن دائما في مثل هذه المواقف قول الله تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة:216)، وهذه حقيقة تريح النفس المؤمنة غاية الراحة، وتمنحها الرضا والطمأنينة في أقصى درجاتهما، فيا ليت قومي يعلمون.
أختي وفاء، لعلك تقولين: مالي وهذا الكلام، لقد أطلت عليّ، ألا تدخل في الموضوع، ولكني أقول: هذه مقدمة لا بد منها بين يدي قصتك، فعندما أجبتك في المرة الأولى لم يكن المقام يتحمل الإطالة إذ كان الحوار مباشرا "استشارات إيمانية عامة" وكثير من إخواننا ينتظر جواب مسألته.
أما وقد عاودت استشارتنا – ونقدر لك هذه الثقة فينا- فينبغي عليّ توضيح الأمر من كافة جوانبه، وينبغي توقع ما تحبين وما تكرهين؛ لذا آثرت أن أبدأ بهذه المقدمة التي تعكس طبيعة شخصية المؤمن السوية الواثقة المطمئنة.
والآن دعيني مع استشارتيك نقلبهما معا، ونقف سويا عند بعض النقاط؛ منها ما هو لك، ومنها ما هو عليك أو أخشاه عليك؛ ففي استشارتك الأولى أكبرت فيك الصراحة والوضوح مع نفسك، وأكبرت فيك أيضا تَحرّيكِ لموقف الشرع والدين فيما تفكرين فيه وفيما تقدمين عليه.
ولكني في الاستشارة الثانية تراءى لي فيك قلق وتعجل وحيرة وتشوش ذهن - كما عبرت أنت- وخشيت عليك أن تجزعي من عدم القبول المتوقع من صديقتك وأهلها.
أختي، خطوت الخطوة وأنت فيها على حق وصواب؛ فلم تفعلي منكرا ولكني أعده حسن تصرف وقوة عزيمة، فلم العجلة إذن؟!.
تقولين: مر أسبوع ولم تأت صديقتي، وهل الأسبوع أو الأسبوعان بل هل الشهر أو الشهران كثير في مثل هذه الأمور؟!.
أظنك تتعجلين في غير مقام العجلة، وعلى كل حال فالمتوقع من صديقتك وأهلها أحد أمرين؛ القبول أو الرفض. فإن كان القبول فبها ونعمت، وهذا ما نرجوه لك من الله إن كان فيه خير، ولا تنسي أن تبشرينا به إن شاء الله.
أما إن كان الرفض فحسبك أنك أرحت ضميرك ونفسك من عناء لوم النفس طول العمر، فإنك لو لم تفعلي ذلك لقلت عند كل حادثة : ليتني صارحت من أحب بما في نفسي، أو على الأقل كنت ستحدثين نفسك بهذا.
وأراك مشغولة بالتفكير في سبب الرفض - لا قدره الله- وتقولين: "تنتابني أسئلة لا أعرف الرد: هل أخوها لم يقبل فلم تستطع المجيء لكونها لا تريد إيلامي بخبر الرفض أم أمها لم تقبل أم ربما أخوها طلب منها مهلة للتفكير في الأمر".(33/917)
وأقول: فيم يعنيك السبب يا أختي؟.. أظن أن السبب لن يغير في واقعك شيئا، فأيا كان السبب فالنتيجة هي الرفض، هذا على فرض وقوعه لا قدر الله.
ولكن الذي يعنيك إن حدث الرفض هو ألا تندمي وألا تلومي نفسك على تصرفك وألا تفقدي ثقتك بنفسك وبقدراتك.
إذ قد يكون الرفض لسبب بعيد عنك، بل أجزم أنه إن حدث فهو لسبب بعيد عنك.. لماذا؟.. لأنك قلت إنهم طلبوك من قبل لابنهم الأكبر، وهذا دليل على اقتناعهم بك وبشخصك، فإن حدث رفض هذه المرة فهو لا شك لسبب عارض آخر.. ما هو هذا السبب؟.. الأصل أنه لا يعنينا.
ومع ذلك قد يكون الرفض من صديقتك نفسها، أو أمها أو أخيها كما ذكرت، أو يكونون جميعا تواطئوا على الرفض، فربما لا يقبلون أن يتزوج أخوهم بمن سبق لها أن رفضت واحدا منهم وهو الأخ الأكبر، وربما يقبلون في أنفسهم لكنهم لا يستطيعون مواجهة كلام الناس ويقولون: كيف نواجه الناس بزواج الأخ الأصغر بمن رفضت الأكبر. أو ربما يخشون الفتنة بين الأخوين فيما بعد ويقولون: كيف يرى الأخ من رفضته يوما وهي زوجة أخيه، فربما مازال قلبه متعلقا بها، وربما أبغضها بغضا يؤدي لتقطع الأرحام. وربما يقبل الأخ الأصغر لكنه كرامة لأخيه لا يفعل... وربما... وربما... فلا تشغلي نفسك بهذا.
أما عن سؤالك: "فهل أتصل بها أم أذهب إليها في مقر عملها أم أنتظر مجيئها؟" فأقول:
اتصلي بها أولا لتذكيرها بالأمر، فربما نسيته، أو تناسته لو كانت غير متحمسة للموضوع، وتأكدي من أنها بلغت الرسالة لأصحاب الشأن الأصلي وأعني بهم الأخ الأصغر والأم والأب لو وجد لأنك لم تشيري إليه في كلامك.
ثم أعطيها مهلة للقيام بالمهمة، وأكدي عليها أن ترد عليك بالجواب أيا كان، رفضا أو قبولا، وحددي معها موعدا للاتصال بك، إن اتصلت فيه كان بها، وإلا اتصلت بها أنت بعدها مباشرة.
ولا تكثري من الاتصال بها في غير الموعد المحدد بخصوص هذا الموضوع، إلا ما كان بينكما من اتصالات سابقة بحكم الصداقة بينكما، حتى لا تظهري في صورة الفتاة السطحية قليلة العقل. وإن شممت منها رائحة الرفض فلا تلحي عليها في التصريح به.
وأخيرا، حافظي على علاقتك بصديقتك، واحذري من أن تتأثر بهذا الأمر إن رفض، وكوني قوية، على ثقة بنفسك وذاتك، طبعا بعد الثقة بالله، والاتكال عليه سبحانه وتعالى.وأرحب بمتابعاتك واستشاراتك بعد ذلك إن شئت.
وفقك الله، وهداك، وأصلح شأنك، وقدر لك من الخير ما تقر به عينك، وجميع المسلمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
طالع أيضا:
* الزوج الصالح .. اختيار وقدر
ـــــــــــــــــــ(33/918)
من قال هلك الناس فهو أهلكهم ... العنوان
في الحقيقة ما سأكتبه ليس مشكلة تريد حلا، وإنما أتعجب لما يحدث في أيامنا هذه علكم تفيدونني بعلمكم وتفيدون الآخرين.
في الآونة الأخيرة اجتمعت مع بعض الصديقات، وكان الموضوع بداية عن الزواج، وإذا بفتاة من المجموعة تقول:" إن كل شباب اليوم يزني، وإن من تظن بأنها تزوجت رجلا لم يزن من قبل تكون غبية".
في الحقيقة ، قبل أن أتزوج كنت أظن ذلك أيضاً, ولكن الآن وبعد أن أصبحت بعمر أستطيع فيه التمييز عرفت بأن هذا الكلام خاطئ.
المهم أن كل السيدات وافقنها على هذا، طبعاً مع استثناء أزواجهن إلا أنها أخبرتنا بأن من تظن منا أن زوجها بالذات لم يفعل ذلك تكون مسكينة (وعذراً هبلة).
المهم، الأغلب منهن صمت، واحتجت سيدة واحدة فقط، حديثة الزواج، على الموضوع، وأنا ظللت صامتة مصدومة في الحديث برمته، حيث إنني أحسست بأنها أرجعتني للوراء ثماني سنوات.
بعد ذلك تمادوا بالحديث إلى أن وصلوا إلى العلاقة الجنسية بين الأزواج، ما صدمني فعلا أن السيدات اللاتي صمتن كن فخورات بأزواجهن لأنهم على خبرة. أما أنا والسيدة التي احتجت فظللنا صامتين.
فهل هذا نتيجة لأننا تزوجنا دون أن يكون لدينا أو لدى أزواجنا خبرة، فهن الآن برأيهن يستمتعن منذ اللحظة الأولى للزواج. بالإضافة إلى قولهن بأن أزواجهن جربوا ثم اختاروهن، ولم يكن أول تجربة لهم، وبالتالي فقد اختاروهم عن اقتناع.
فما رأيكم في هذا؟؟؟؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الشيخ حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
أختي الفاضلة:
تأملي معي الآية التالية؛ إذ حذرنا الله فيها من إثم كبير. يقول الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النور:19).
فتأمرنا الآية بأن يكف الناس عن التحدث بما رأوه من الفاحشة بين المؤمنين؛ حتى لا تهون في نظر الناس، فيألفوها، ويقل خطرها على قلوبهم. هذا عن الفاحشة التي يرونها عيانا، فكيف بما لم تر العين ولم تسمع الأذن؟
وكيف يجرؤ الإنسان على رمي الأمة كلها بالزنا، وفي الأمة الشباب المجاهد في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان، وفي أفغانستان، وفي غيرها.(33/919)
كيف وفي الأمة علماؤها وصالحوها، ومصلحوها، كيف وقد امتدت هذه الصحوة الإسلامية في كل بيت، وعلى كل حدب وصوب، فهذه الخُمر المنتشرة، بله النُقب، وهذه الملابس المحتشمة، وهذه المساجد المكتظة، وهذه البنوك الإسلامية العامرة، وهذه المظاهرات المنادية بالإصلاح ومعاقبة المفسدين. فمن وراء ذلك؟ أهم الزناة والزانيات "سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ"(النور:16).
كيف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون". وقال أيضا:"من قال هلك الناس فهو أهلكهم"؛ لأن كل إناء بما فيه ينضح.
فصاحب النفس الخبيثة يتخيل أن كل النفوس خبيثة، وإذا طفقت تحدثه أن بين الناس من هو صالح السريرة، مستقيم الطوية ستجده يرد ذلك، وينكره؛ لأنه لا يتصور إلا أنفسا مثل نفسه، فما عرف الصلاح ولا عاشه، فكيف يتصور وجوده.
لقد قرر الإسلام ثمانين جلدة للمفتري، يفتري على شخص واحد بالزنا ما لم يأت بأربعة يشهدون أنهم رأوا ما رأى، فكم عساه يكون حد من يفتري على الأمة كلها أن نصفها زناة، والنصف الآخر مزني به!
فاتهام الآخرين بأبشع التهم يعد من أعظم الذنوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله. لا يرى بها بأسا. فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا، أي سبعين سنة".
أختي في الله؛
ما أجلسك مع أولئك النسوة اللواتي نسين ذكر الله فاستحوذ عليهم الشيطان فنسوا ذكر ربهم؟ ألا فقومي عنهن ولا تجلسي إليهن، فقد رأيت من شؤم مجالستهم أنهن حببن المعصية إلى قلبك، وزينها لك، وقررن أن الزنا خير مدرسة لتعليم الجنس، فلن يشبع زوجته إلا زان متمرس، وأما ذاك الصالح المتعفف فهو والنساء سواء، لا يدري كيف يشبع زوجته ولا كيف يشبع نفسه معها.
ألا ما أقبحها من مدرسة، وما أنتنه من درس عفن؛ ينزع من الرجل دينه وحياءه ليخلع عليه بدلا من هذا أسطورة فن معاملة النساء المزعومة. وإن من شؤم هذه الجلسة أن تتمنى المرأة العفيفة أنها لو كانت بذيئة متبذلة؛ حتى تتقن الدرس. فتكون هي ومن سقطت في هذا المستنقع الآسن على حد سواء.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:" إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرها سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقى في ربه ولا يصل في رحمه ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء".
إن في أمتنا فتاة في فرنسا لما علمت بمنع الحكومة الحجاب؛ شق عليها أن يرى الرجال شعرها الذي أمرها الله بتغطيته فحلقته نكاية في الحكومة ومن والاها؛ وحتى(33/920)
لا يراه الرجال. هؤلاء هن نساؤنا، وهن من نعرف، و بهن نعتز، وعلى مثلهن يقوم الدين، وتنهض الصحوة.
أما صويحباتك فيتحدثن عن أناس ما عرفناهم، وما نحب معرفتهم. إن شر هؤلاء النسوة مستطير عليك وعلى الأمة بأسرها، أفرأيت كيف خيلوا إليك بدجلهم؛ أن مرة واحدة في لقاء حرام كافية أن تفيض على أصحابها فنا وثقافة بالجنس؛ في حين أن سبع سنوات قضيتهن مع زوجك لا تكفي في هذا!
ثم إن إفشاء المرأة اللقاء الذي يأتيه فيها زوجها من الأمور التي حرمها الإسلام، وسمى صاحبته شيطانه؛ ففي الحديث الذي رواه أحمد أن أسماء بنت يزيد كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال :"لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرم القوم، فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون! قال: فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".
وقد جاء في تفسير التحرير والتنوير في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور: 19)؛ لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل؛ أعقب تحذيرهم بالوعيد لما قد يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين.
ومن أدب هذه الآية ألا يحب المؤمن لإخوانه المؤمنين إلا ما يحبه لنفسه. فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء؛ كذلك عليه ألا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو الكذب مفسدة أخلاقية. فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها. وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويدا رويدا؛ حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس.
ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله تعالى :{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}؛ أي يعلم ما في ذلك من المفاسد؛ فيعظكم لتجتنبوه وأنتم لا تعلمون. فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر.
أسأل الله العظيم أن يقي الأمة شر ألسنة مفسديها، ويهدينا وإياك إلى سواء السبيل..
ـــــــــــــــــــ
وسائل عملية للتوبة من "الصور العارية" ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أرجو من سيادتكم الإفادة. أنا شاب في الـ 23 من عمري. تواق لأن أعف نفسي من مشاهدة الصور العارية. أعلم أنها حرام، لكنى لا استطيع البعد. ويشهد لي الكثيرون أنى محترم. لكن أحسبها شهادة عليّ؛ لأني لست كذلك في الواقع، لست ذلك المحترم الذين يتكلمون عنه.
وعندما أرى فتاة تسير بجانبي؛ أفسح لها الطريق لعدم مضايقتها، أو لأني أخاف عليها من نفسي الأمارة بالسوء. ولكنى عندما أجلس أمام الكمبيوتر؛ أنسى احترامي لنفسي. رغم أنني أنصح الشباب بالبعد عن هذه الأشياء.(33/921)
أريد أن أكون مسلما مطيعا لله عز وجل. فدلوني على الصراط المستقيم.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور عبد الحكم صالح :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فمجرد اتهامك لنفسك، واعترافك بذنبك، يعد خطوة أولى على طريق التوبة.
أنت يا أخي تعرف أن عند كل منا نفسا أمارة بالسوء، وأن شيطانا مريدا يتربص بنا الدوائر ويقعد لنا كل مرصد.
وتعرف أن وسائل الإغراء والفتنة تحيط بالإنسان ذات اليمين وذات الشمال؛ فالإنسان منا ليس ملاكا يحيى في طاعة، وفي قنوت دائم، وإنما الإنسان مفطور على ازدواجية الاستعداد؛ بمعنى أنه يستطيع أن يتفاعل مع قوى الخير. فيكون أرقى من الملائكة كما يستطيع أن يتفاعل مع قوى الشر؛ فيكون أحط من الشيطان.
فيقول الله عز وجل عن هذا المعنى:{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }(الشمس:7-10).
إني أعتبر أن استشعارك الخطر؛ معناه أنك تضع قدميك على أعتاب الطريق الصواب. كل الذي عليك أن تضاعف من عزيمتك، وأن تقوي من إرادتك حتى تستطيع التغلب على ما تشكو منه.
وأنصح لك - يا أخي محمود - بأن تكون على وضوء طيلة استيقاظك، وبأن تحرص على شغل أوقات فراغك بالطاعات والقربات دائما.
كما أوصيك في كل أحوالك عامة وفي الأحوال التي تضعف فيها أمام الشيطان خاصة؛ بأن تستشعر عظمة الله وتستحضر رقابته عليك دائما. فلابد أن تثق بأن الله عز وجل يسمعك ويراك وإن لم تكن أنت تراه. ولتستحيي من الملائكة الذين سخرهم الله لحفظك؛ فهم يرونك ويسمعونك في كل حال.
كما أوصيك بأن تنتبه لأن في صحبتك ملكين لا يفارقانك. أحدهما يسجل طاعاتك والآخر يسجل معاصيك. كما أوصيك بأن تكثر من قراءة القرآن وذكر الله وتذكر الموت والوقوف أمام الله للحساب ومن ذكر النار.
كما أنصح لك بالإكثار من زيارة القبور والوقوف أمام قبور الراحلين من أحبابك، والإكثار من الاستغراق في تصور أنك يوما ستسكن في هذه القبور. وستكون وحدك؛ لا أحد معك سوى عملك؛ فإما أن يكون عملا صالحا يؤنسك وينير قبرك، ويجعله روضة من رياض الجنة؛ وإما أن يكون عملا سيئا تشتد معه ظلمة قبرك. ويضيق به قبرك عليك. ويكون حفرة من حفر النار.
والله أسأل أن يهديني وإياك سواء السبيل، هذا والله أعلم.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري:(33/922)
أخي الفاضل:
شعرت في حديثك أنك تود لو تكون صالح المظهر والجوهر. وهذه نية لو أخلصت وعملت بما يليق لها. لتبت عن الخطأ الدائم الذي تقوم به.
ومن الفطنة أن يشعر المرء حقيقة ذنبه الذي يرتكبه كأي سلوك بشري، ما الذي دفعه إليه؟ ولماذا يعود إليه؟ وما مكانته من نفسه؟ وهل هو من نفسه أم من الشيطان؟ وما درجة تعلق نفسه به ؟ وما العوامل التي ساعدت على بقائه في نفسه ؟ وما أفضل طرق العلاج التي توائم نفسه، حتى ولو كان فيها بعض الألم ؟
أتمنى أن تشد الرحال عن ذنبك حتى لا يستشري في خلقك؛ ويصبح كالسرطان الذي أهملته حتى قضى عليك. فالنظرة الحرام تؤدي إلي مهالك مؤكدة إن أصر الإنسان عليها وأتبعها بخطوات وأوامر الشيطان.
ويقيني أنك تسعى إلي الصلاح، فتصرفاتك الإنسانية وسمعتك الحسنة بين الناس ليست من عدم. ولماذا تعتقد بأن الله ابتلاك بحسن ظن الناس فيك؟ فكان الأجدى بك أن تفطن لأن الله يريد مساعدتك بصورتك الحسنة؛ حتى تخجل من نفسك - كما تفعل الآن- وتعود إلى صوابك؟
كنت قد كتبت إجابة عن مثل هذا السؤال، أنقلها لك هنا، وهي تمثل برنامجا مقترحا لحل المشكلة، وهي:
1- اجلس مع نفسك، واسألها بكل صراحة: ما الذي يجعلك تشاهد المواقع الإباحية؟
1. هل لأنك تجد متعة في مشاهدة العري؟
2. هل تشاهد من باب الفضول؟
3. هل لأنها تثير شهوتك؟
2- انظر: كم تقضي من الوقت؟ وما المردود العملي من هذا؟ لن تجد مردودًا سوى:(ضياع دين/ ضياع وقت/ ضياع واجبات/ غضب الله/ البعد عن مواطن الخير/ موات النفس/... إلخ).
3- اسأل نفسك:
1. هل مشاهدة التعري فعلاً متعة؟
2. ألا يوجد طريقة أخرى لإثارة شهوتك بالحلال؟
3. ما تأثير هذا الفعل على نفسك وقلبك؟
4. هل فعلاً تريد أن تتخلص من هذا الفعل؟
4 - امسك القلم والورق، واكتب: ما الذي يدفعك لهذا العمل؟ (الأصدقاء/ الفراغ/ البقاء وحدك/... إلخ).
5 - انظر كيف تعالج كل واحدة:
1. إن كان البقاء وحدك يدفعك في هذا، فاعلم أن الله تعالى يراك.
2. لا تجلس وحدك، نادِ أخاك، أو صديقك، أو أختك، أو زوجتك، أو أمك، أو أي أحد ممن تثق فيه.
3. لا تفتح الإنترنت إلا في وجود أحد من الصالحين.
وإذا ظهرت نتيجة طيبة، فعوِّد نفسك على أن تفتحه في وقت لا يكون فيه أحد، بعد استشعار أن الله تعالى معك.(33/923)
6 - حاول أن تستمع للقرآن وأنت جالس على جهاز الكمبيوتر.
7 - أنزل برنامج الذاكر على جهازك.
8 - تذكر أنك قد تموت وأنت على حالتك هذه، وأنك تبعث عند الله على رؤوس الخلائق، وأنت تشاهد العري.
9 - اخرج إلى الحدائق والأزهار، وشاهد الخلق، انظر إلى السماء كثيرًا، واستمتع بالنظر إلى السماء والأرض والأشجار والأزهار.
10 - سر على شاطئ البحر أو النهر، وتمتع بالمنظار الخلابة.
11 - شاهد من الفضائيات ما هو نافع لك، وأشغل نفسك بالبديل المباح عن الحرام.
12 - الإنترنت ليس كل شيء في حياتنا، حاول أن تشغل نفسك بأنشطة حية بعيدًا عن الإنترنت والكمبيوتر.
13 - إن كنت تشكو من شيء دفعك إلى هذا الفعل، فاسع إلى علاجه بشكل فعّال وحقيقي.
14 - استعن بالله، فما خاب من استعان به ودعاه.
15 - كافئ نفسك بنزهة، أو أكلة، أو شيء تحبه نفسك، ما دام مباحًا.
16 - اشكر الله تعالى أن وفقك، فمن شكر الله، زاده الله من نعمه، وليست هناك نعمة أفضل من التزام أوامر الله تعالى.
طالع أيضا:
* خطوات عملية للتوبة من المواقع الإباحية
* هل يشاهد ملتزم القنوات الإباحية ؟
* أتابع القنوات الخليعة.. ما العمل؟
ـــــــــــــــــــ
وسائل عملية لغض البصر ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
مشكلتي تتمثل في عدم القدرة على غض البصر؛ حيث أحاول أن أفعل ولكن أفشل في العديد من المرات. وبعد أن أتبع النظرة النظرة أفيق ثم أندم وأستغفر، ثم أعود ثانية، وهكذا.... وأكثر ما يتعبني هو أن لساني أثناء النظر إلى الكاسيات العاريات؛ يلهج بذكر الله ولا انتبه لهذا إلا بعد الفراغ من النظر. بالله عليكم أريد حلا عمليا وليس مجرد رد.
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم..
أخانا في الله / AMA
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن(33/924)
يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد :
فقد نهى الإسلام عن النظر إلى المرأة الأجنبية، والمرأة الأجنبية هي كل امرأة يحل لك أن تتزوج منها، أو هي كل امرأة ليست من محارمك. وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن ارتكاب مثل هذا الذنب وأمرنا بغض البصر فقال تعالى:{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(النور:30).
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالى: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه" (رواه الطبراني).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه "(رواه أبو هريرة).
أما بخصوص مشكلتك- أخي الكريم- فقد قرأت رسالتك، وأحسست بمشكلتك، وقد استوقفتني في رسالتك كلمات مثل :"مشكلتي ..... عدم القدرة على غض البصر"، "اتبع النظرة النظرة ثم أفيق فأندم وأستغفر ثم أعود ثانية "، "أكثر ما يتعبني هو أن لساني يلهج بذكر الله حال النظر إلى الكاسيات العاريات"، ثم تبحث في ختام رسالتك عن حل عملي وليس مجرد رد، وأستعين بالله وأقول لك:-
هذه المشكلة – يا أخي- يشترك فيها أكثر من طرف؛ فهناك :
* الحكام والمسئولون: في بلاد العرب والمسلمين، وهؤلاء سيحاسبهم الله عز وجل على تقصيرهم في هذا الأمر، حيث بوسعهم أن يغيروا من أعلى، بتشريع قوانين، أو إصدار قرارات، أو تعليمات أو تنبيهات تمنع العري والتبرج والسفور، وتلزم النساء بارتداء الزي المحتشم والوقور. قال تعالى :" الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ".
* العلماء والخطباء: وهؤلاء ممن أخذ الله عليهم العهد فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ..}(آل عمران:187)، فعلى العلماء والخطباء والدعاة أن يقوموا بدورهم في تبصير الناس بدينهم، وتعريفهم بما يحل وما يحرم، مع التركيز على قضية السفور وبيان عقوبة التبرج ومخاطره على الأسرة والمجتمع.
* الرجال والنساء: على الرجال والنساء من المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يلتزموا بقواعد الشرع، فيحرصوا على غض أبصارهم، مدركين أن هذا واجب شرعي وليس تفضلا، وأن الالتزام به يجلب رضاء الله، والتقصير فيه يورث غضبه وعقابه. وقد أوضح الله هذا الأمر بقوله تعالى:( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ(33/925)
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وإليك بعض الوسائل المعينة على غض البصر ومنها:
* أن تعلم أن غض البصر خلق، والأخلاق إما ان تكتسب أو أن تكون فطرية، فمن لم يفطر على غض البصر، فليتخلق به، وليصبر عليه. فيقول عليه الصلاة والسلام: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم".
* أن تعلم أن البصر نعمة من نعم الله، التي أفاء بها عليك، والنعم زكاتها الشكر، لأن شكرها يحفظها، بل ويزيدها قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم:7)، وتطبيقا على ذلك فنعمة البصر تستوجب الحفظ وحفظها في غضها أي كسرها ومنعها عن النظر إلى ما حرمه الله.
* استعن بالله والجأ إليه، واشك له سبحانه مرضك، وارم بنفسك بين يديه، وابك عنده، واطلب منه أن يشفيك مما تشكو منه، وأكثر من دعائه والابتهال إليه، قال تعالى :(.. وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ...).
* جاهد نفسك، بتعويدها على غض البصر، والصبر عن فعل المعصية. قال تعالى:{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت:69).
* ابتعد الأماكن التي يكثر فيها التعرض لفتنة النظر إلى النساء، وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجلوس فقال :" إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا : مالنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق، قال: غض البصر، وكف الأذى ... " رواه البخاري.
* استحضر عظمة الله في قلبك، وإطلاع الله عليك، ومراقبته لك، واعلم أنه يراك، بل ويعلم خائنة الأعين، قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(غافر:19).
* اصحب الأخيار والصالحين، فإن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، والصاحب ساحب لصاحبه.
* احرص على أداء فريضة الصلاة، وأكثر من النوافل، قال تعالى:{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}(العنكبوت: 45)، وأما النوافل فهي طريق لمحبة الله ومن أحبه الله أعانه على غض بصره، ولم يوقعه فيما يغضبه.
* اعلم أن النظرة بريد الزنا، فإذا أخذك بصرك إلى معصية فاصرف بصرك، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني فقال: "اصرف بصرك".
وختاما؛
أسأل الله العظيم أن يعينك على التخلص مما تشكو منه، وأن يؤجرك خيرا على غض بصرك، وأن يحفظك من الوقوع في معصيته، وأن يعافيك من استحقاق عقوبته، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهديك إلى الخير، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعنا بأخبارك.(33/926)
طالع أيضا:
* لا أستطيع غض بصري .. فماذا أفعل؟
ـــــــــــــــــــ
أخون لخيانته.. وأين حق الله؟ ... العنوان
الأخلاق ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أسأل عن الغيرة من الزوج وعن الخيانة الزوجية، أعلم أن الغيرة أمر طبيعي، ولكن سؤالي هو أن الزوج لو ارتكب ما نسميه بالخيانة الزوجية (أعني الفاحشة والعياذ بالله) أو تكلم مع نساء أخريات بالسوء أم ما شابه دون الوصول للفاحشة الكبرى.. هل يعني ذلك حقا أنه خان زوجته أم أن الأمر فقط أنه ارتكب معصية وخالف أمر الله؟
أقصد هل يحاسبه الله يوم القيامة على معصيته فقط أم على أذيته لزوجته أيضا؟ وبمعنى آخر هل يكون حقا قد أذى زوجته أم أنه أذى نفسه فقط؟ وهل يوم القيامة تحاسبه الزوجة على خيانته أم أنه حق الله فقط الذي يحاسب عليه؟ وبالتالي في الدنيا هل يحق لها أن تغضب أو تتصرف بما تعتبره معاقبة له أم أنه لا يحق لها أن تغضب أو أن تتصرف بالمقابل؟؟ وجزاكم الله خيرا.
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم، الأخت الكريمة، سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد:
فإن العلاقة الزوجية كما شرعها الله عز وجل تقوم على ثلاثة أعمدة ربانية، هي السكن والمودة والرحمة، يقول عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وهذه الأعمدة الثلاثة هي التي تحمي أركان هذه العلاقة وتصونها، وتساعد سفينة الحياة الزوجية على السير في سكينة وهدوء، وتتحمل العواصف التي تهب عليها، وتخرج من الدوامات والأزمات سالمة.
والحفاظ على هذه الأعمدة مهمة الزوجين معا، وعلى كل منهما أن يتقي الله عز وجل في زوجه، فيحافظ على حقوقه الشرعية التي كفلها الله عز وجل، والتي لا تتوقف فقط على الحقوق المادية الحسية، بل تتعدى ذلك إلى الحقوق المعنوية، والتي منها حفاظ كل منهما على كرامة الآخر وتقدير مشاعره، وعدم التسبب في جرح أحاسيسه وإيذاء دخيلته.
ولا شك أن الغيرة ملازمة للحب بين الزوجين، ولا ينفك عنها زوجان، ولكن لا بد أن تنضبط هذه الغيرة بضوابط الشرع، وأن يحاول كل من الزوجين أن يتفادى ما يعكر صفو حياتهما بسببها، فيبتعد عن مسببات اشتعال الغيرة لدى الطرف الآخر، وفي نفس الوقت لا يغار بالشكل المبالغ فيه، فيسبب حرجا واختناقا للطرف الآخر.(33/927)
ومن الأمور التي تفسد الحياة الزوجية وتحيلها جحيما هو خروج أحد الزوجين عن الصراط المستقيم وعن منهج الله عز وجل بارتكاب الفاحشة التي تنزع من الحياة بركتها وصفاءها. لذا فليتق الأزواج الله عز وجل في أنفسهم وفي أزواجهم، فبارتكاب الفاحشة يكون العبد قد حمَّل نفسه العديد من الذنوب، وضيَّع الكثير من الحقوق التي سيحاسَب عليها أمام الله عز وجل، ولا شك أن منها حق زوجه الحلال، وليس هو بالحق الهين.
إذن فكما سيحاسبه الله عز وجل على مخالفة أمره وفعل ما نهى الله عنه وحذر منه، فسيحاسبه أيضا على حقوق أخرى، منها: حق زوجه الذي فرط فيه وضيعه، وحق أهل من ارتكب الفاحشة معها أو ارتكبت الفاحشة معه، وكافة الحقوق الأخرى المترتبة على هذه الفاحشة.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في رحلة الإسراء أناسا عندهم لحم طيب طاهر، ولحم آخر نيئ خبيث منتن، فيتركون الطيب الطاهر ويأكلون الخبيث المنتن، فلما سأل عنهم أخبره جبريل عليه السلام أن هؤلاء هم الأزواج الذين عندهم زوجاتهم الحلال، فيتركونهن ويعمدون إلى ارتكاب الفاحشة مع أخريات والعياذ بالله.
ومن أجل هذا شدد الله عز وجل عقوبة الزاني المحصن، وجعل حدها من أكبر الحدود وأشدها، حيث قضى الله عز وجل برجمه حتى الموت؛ لأنه لم يكن له عذر في الزنا؛ لأن عنده زوجه الحلال أو عندها زوجها الحلال.
وأنصح أختي العزيزة في هذه الحالات - أعني اكتشاف أحد الزوجين خيانة الآخر له - أن نتعامل بحكمة، وأن تراجع الزوجة نفسها أولاً، وتبحث في أوجه التقصير عندها لتستكملها، وترى ما الذي ينفر زوجها منها، وما الذي يجره إلى الأخريات، وتأخذ زوجها بالحسنى لتعيده إلى بيته الطاهر؛ فالغضب والتهور لا يقدمان حلولا بل يعقدان الأمور أكثر وأكثر. فإن عجزَتْ عن ذلك، فلتستعن كما أمر الله عز وجل بحَكَم من أهله وحَكَم من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما.
إن العقاب هو من عند الله عز وجل، وهو سبحانه لا يظلم أحدا، ويُمهِل ولا يُهمل، ويجب أن تكون الزوجة مع زوجها كالأم التي تتحمل أخطاء أبنائها لتصلحهم وتأخذ بأيديهم إلى طريق الخير، أما أن تعنفهم وتعاملهم معاملة الند للند وتجعل من نفسها سلطة عقاب فقط انتقاما لنفسها، فهذا ما لا يحمد عقباه.
كما أن الزوجة إذا تصرفت بالمقابل وخانت زوجها كما خانها عقابا له، فهذا ما لا يقول به عاقل، فحفاظها على عفتها وشرفها ليس حق زوجها فقط، وإنما هو حق الله عز وجل وحق أسرتها ومجتمعها أيضًا، وهي إن فعلت فستخسر كل شيء: ربها ودينها ونفسها وبيتها وزوجها ودنياها وآخرتها. أسأل الله لنا ولك النعيم والحسنى في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــ
تعدد الزوجات بين رغبة البشر ومشيئة القدر ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سيدي الفاضل؛ أرجو إفادتي برأيك في موضوع تعدد الزوجات، دون سبب أو مبرر لذلك، غير بعض الأسباب الواهية، مثل الرغبة(33/928)
في استخدام حق، أو حب النساء، علما يا سيدي أن زواج الزوج بأخرى عندنا كمصريات يعد عيبا و خزيا للزوجة الأولى، وأن الأولاد يتضررون كثيرا نظرا لمشاكل العصر، والحاجة لوجود الأب أكبر وقت ممكن، وأنا يا سيدي امرأة متعلمة، وعلي قدر من الثقافة الدينية، والحمد لله، رغم صغر سني (27)، ولكنني لا أطيق مجرد النقاش في فكرة تعدد الزوجات، مادام الزوج يحب زوجته، ولديه أولاد منها، إلا أني أخاف أن أكون آثمة بذلك. وأود أن أوضح أنني منذ أن تزوجته فقد أخلصت له، بينما كانت لدي الفرصة لأتزوج ممن هو أفضل منه، وما يغضبني أنه رغم كل هذا، وبعد كل هذه السنين، يصارحني برغبته في أن تشاركني أخري فيه!، و الأغرب أنه يجعل ليّ الاختيار، إما أن أبقى كنصف زوجة أو أحرم من أولادي وأبدأ من جديد؟، فهل هذا هو العدل؟! ألم يرفض الرسول صلي الله عليه و سلم زواج الإمام علي كرم الله وجهه علي ابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها؟، أرجو إفادتي حتى لا أفتن في ديني. وجزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
... يقول الأستاذ مسعود صبري:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة/ رشا
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يرزق زوجك ما فيه الخير لدينك ولدينه .
هالني ما قلته في آخر استشارتك من أنك تخشين الفتنة على دينك بزواج زوجك من زوجة أخرى، وسأناقش معك هذه النقطة، وجانبا آخر من الاستشارة دون الدخول في التفاصيل.
كل مؤمن بالله تعالى صادق في إيمانه لا يزحزح إيمانه شيء، لأن هذا الإيمان بينه وبين الله تعالى، فلا دخل لزواج زوجك بقضية إيمانك، وهل تفقد أمة الله عبوديتها لله لأجل أن زوجها تزوج؟
إن المسلم يمسك على دينه كالقابض على الجمر، وإن كان من صفات عباد الله تعالى أنهم لا يفتنون في دينهم وإن أوذوا وعذبوا واضطهدوا غير أن هذا لا يضعف إيمانهم ، لأن ثروة المسلم هي في إيمانه ، وتعلقه بالله تعالى ، وهذا الذي يقابل الله تعالى به لا غيره ، فأول ما أقوله لك : دعي إيمانك جانبا ، تحافظين عليه ، مهما كانت العواصف في حياتك ، ومهما قابلك من أمور تكرهينها أو تودين ألا تحدث في حياتك، وإلا فإيمانك يا أختي ضعيف، والإيمان يزيد وينقص، ولكن هذا لا يعني أن يكون هشا تذروه الرياح، أو تهوي به في مكان سحيق، ولكن المقصود أنه لا يكون على حال واحدة، فهو إن نقص ، غير أنه لا يغيب ، ولا يمس الثوابت أبدا.
أما عن زواج زوجك ، فيجب أولا أن تجلسي مع زوجك ، وتناقشين الأمر بحيدة تامة ، وليكن الدين هو الأساس الأول ، فإن رأيت أن زوجك يحتاج للزواج حفاظا على(33/929)
دينه ، فتنازلي ، وارضي بشرع الله تعالى ، وإن رأيت فيه بعض التمغيص عليك ، ولكن الحفاظ على دين زوجك أولى وأرضى لله ، وإن كنت ترين أن في زواج زوجك ضررا عليك ، ويمكن له أن يتنازل عن هذا الحق الذي أعطاه الله تعالى إياه ، فليترجح عدم زواجك ، وليكن الأمر شورى بينكما.
ولكن لا يمكن للزوجة أن تمنع زوجها من حق وهبه الله تعالى إياه ، ولنوقن أن شرع الله تعالى خير ، وحاشا لله أن يشرع شيئا فيه ضرر على الناس ، وإن رأى الناس أن فيه ضررا لهم ، وقد جعل الله تعالى الرضا بقضائه وقدره من علامات الإيمان ، بل هو من أسسه وأركانه كما جاء في الحديث عن الإيمان :" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر ، خيره وشره " والقدر ليس فيه شر، ولكن عبر بشره ، أي ما يراه الناس شرا ، أو ما قد يكون شرا بصنع الناس ، ومادمت قد أخذت بالأسباب ، ولكن لم يقدر الله تعالى لك ما تحبين ، فارضي بقضاء الله تعالى وقدره .
وقد قال تعالى :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم "، وقال تعالى :" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين". فمطلوب من كل مسلم ومسلمة أن يقدم أمر الله على أمر هواه ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ".
ثم إن تعدد الزوجات شئنا أم أبينا جزء من شرع الله تعالى ، والله تعالى لا يشرع شيئا فيه ضرر للناس، وسبحانه لا يشرع إلا لحكمة علمها من علمها، وغابت عمن غابت عنه ، فالله تعالى منزه عن كل نقص وعبث، وقد جعل الإسلام الزواج بإفراده وتعدده في أصله مندوبا إليه ، ولكنه قد يحرم إن كان فيه ضرر، وقد يوجب إن كان لدفع ضرر، وعلى الناس أن تنظر في أمورها جيدا، وأن تختار الحالة التي تناسبها ، مع التسليم والإذعان لأمر الله تعالى ، إذ هو مما يحب الله تعالى ويرضى عنه ، وقد امتدح الله تعالى إبراهيم حين قال :" إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين ".
فتشاورا سويا، وارضي بقضاء الله تعالى، وأكثري من الدعاء أن يلهم الله تعالى زوجك الرشد في الأمر .
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أختي الفاضلة رشا؛
مرحبا بك، وأشكرك على الكتابة إلينا بهذه الصراحة، ونعدك أن نكون عند حسن ظنك، مقدرين تلك الصراحة، وبعد..
فلا أريد الدخول في دهاليز الأحكام الشرعية المرتبطة بتعدد الزوجات، حيث أظن أنك استمعت أو اطلعت على قدر ليس بالقليل منها، ولا أريد الدخول في جدلية: هل التعدد هو الأصل – كما يقول البعض – أم هو الاستثناء؟.(33/930)
ولكن ما أريد أن أناقشه معك بناء على ما وصلني من مشاعر وأفكار من ثنايا كلامك، هو:
هل الرجل مطالب بأن تكون له أسباب واضحة للجميع ومقنعة للجميع حتى يعدد؟، وبصياغة أخرى: هل الرجل مطالب بأن يعلن لكل من هبَّ ودبَّ الأسباب التي دعته للزواج بأخرى حتى يظهر موقفه سليما أمام المجتمع بغض النظر عما قد يصيب مشاعر الزوجة الأولى، وما قد تتعرض إليه من إهانة وتجريح؟.
سيدتي، إن النساء يفهمن النساء، ولعالمهن أسرار واحتياجات قد تعرف بينهن دون مصارحة أو حديث، ولكن قد لا يفهمها أو يتفهمها كثير من الرجال، وكذلك الرجال يفهمون الرجال، ولعالمهم أسرار قد تعرف بينهم دون مصارحة أو حديث، ولكن لا يعلمها النساء.
إن الرجل قد تكون له أسباب ليست ظاهرة ولا يطلع عليها أحد، وما ينبغي أن يطلع عليها أحد، ولا ينبغي أن يطالبه أحد بالإفصاح عنها، وعلى عكس ما يتصور كثير من الناس فإن الزوج – في رأيي - يجب أن يحترم لموقفه ذلك، حيث إنه يريد أن يحافظ على حرمة بيته من أن تنتهك، وأن تكون علكا تلوكه أفواه الناس بحسن نية أو بخبثها .
إن معظم الناس ينظرون للزوج نظرة اتهام إذا تزوج مرة أخرى ، وهو- فيما يرون- لا ينقصه شيء، ولا يجدون في زوجته عيبا ظاهرا، فهم يرون زوجته جميلة، ومطيعة، ومتدينة، ورُزق منها بالبنين والبنات، فما الذي يجعله يتزوج عليها!! ، يا أختي، إن العلاقات الزوجية مبنية على الستر، وهل يجب في رأيك أن يفضح الزوج زوجته، ويهتك ستر بيته، حتى يبرر للناس زواجه الثاني؟؟!!!
لقد اعتبرت يا سيدتي مسألة "حب النساء" سببا واهيا للزواج الثاني، ولا ألومك على ذلك، فأنت وغيرك من النساء قد لا يفهمن أحاسيس الرجال وفطرهم، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلاَثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ"، ولكن لتعلمي أنه سبب جد قوي من أجله أباح الله عز وجل للرجل الزواج بأكثر من امرأة، ليحمي الفضائل في المجتمع، ويحمي الأعراض، ويحمي دين الناس من أن يخدش بالفواحش، ويحل بعض المشكلات المستشرية كالعنوسة مثلا.
إني أرى المشكلة مشكلة ثقافة محلية، وهذا واضح في كلامك، حيث قلت: "زواج الزوج بأخرى عندنا كمصريات يعد عيبا وخزيا للزوجة الأولى .. إلخ"، وهذه الثقافة المصنوعة يجب ألا تتحول لشريعة نحاكم الناس بها، خاصة أن العلل التي سقتِها أختي للرفض ليست حتمية الحدوث، والكثير من التجارب الواقعية تؤيدني.
وعلى أية حال أختي الكريمة، فإن كل حالة تقدر بقدرها، فقد يكون الزواج الثاني حلا لمشكلات كثيرة، وقد يكون ضررا وبيلا وجلبا لمزيد من المشكلات، فلا نستطيع أن نعطي حكما واحدا لكل الحالات. هو أمر أباحه الله عز وجل لمن يحتاجه، وتجري عليه جميع الأحكام الشرعية، فقد يكون واجبا في حالة، ومندوبا في ثانية، ومباحا في ثالثة، ومكروها في رابعة، بل وحراما في خامسة.(33/931)
أما مسألة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم زواج الإمام علي كرم الله وجهه على ابنته السيدة فاطمة، فحاشا لله أن يحرم الرسول ما أحل الله، أو أن يجد في صدره حرجا لأمر أباحه المولى عز وجل، وإنما كان الرفض ليس لمطلق فكرة الزواج، ولكن- فيما أعلم – أنه رفض لأن المرأة التي كان سيتزوجها على ابنته السيدة فاطمة كانت ابنة أبي جهل عدو الله ورسوله ، فاعترض النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السبب، وقال: " إنه لا يجمع بين بنت رسول الله وبين ابنة عدو الله"، والحديث في مجمع الطبراني الكبير.
ما أريدك أن تعلميه يا سيدتي:
أن الزواج بأخرى لا يعني دائما أن الزوج يكره زوجته الأولى، بل على العكس فإن احتفاظه بها قد يكون دليلا على حبه لها، وعدم رغبته في مفارقتها، والرجل غير المرأة، قد يسع قلبه أكثر من واحدة، فليس بمستغرب أن يحب الزوجتين ويعطي لكل منهما حقوقها .
وليست قاعدة أبدا أنه يترتب على الزواج الثاني خراب البيت الأول، ففي يد الزوج وزوجاته – إن أرادوا – أن تعيش البيوت جميعا وأفرادها جنبا إلى جنب، في ظل قواعد وآداب الشرع الحكيم.
وفقك الله أختي، وطمأن قلبك.
ـــــــــــــــــــ
ما لأجل هذا شُرِعَ التعدد !! ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم، علماؤنا الأفاضل..
أودُّ أن أعرّف رأيكم في مقالةٍ قرأتها في كتاب "القرآن الكريم كتابٌ أُحكِمَت آياته" الجزء الثاني، وهو من تأليف أحمد محمد جمال - أستاذ التفسير في جامعة أمِّ القرى بمكَّة المكرَّمة، فقد أورد حُجَجًا كثيرةً ليردَّ بها على الأستاذ عبد العزيز فهمي باشا الذي يرى أنَّ القرآن يحرِّم تعدُّد الزوجات.
فيقول المؤلف "الأستاذ أحمد" في الحُجَّة التاسعة:
"إنَّ الرجل أسرع سأمًا وبرمًا بزوجته من المرأة بزوجها، منذ أن تحمل منه وتضع له عديدًا من الأولاد، فهو حينئذ ينشد وجهًا غير وجهها، وخصرًا غير خصرها، ليستمتع بجمالٍ جديد، وليس أمام الرجل في هذه الحالة إلا أن يتَّخذ حليلات إلى أربع، أو خليلات بغير حساب !!.
وماذا على تلك الزوجة المسؤومة لو شاركت ضرائرها في رجلها والد أولادها، وفي بيت صائن عفافها وضامن كفافها ؟! أليس ذلك خير لها من السوق، حيث الفقر والفسوق ؟! ثمَّ إنَّ النفوس البشريَّة نزَّاعةٌ إلى التبديل والتنويع، فإذا هي لم تجد لذّتها في المشروع، وجدتها في غير المشروع.
كما يلاحظ على الزوجات أنَّهنَّ إذا أنجبن عددًا من الأولاد، بنين وبنات، انشغلن بهم عن الزوج "الأب" ويزداد انشغالهنَّ إذا تزوَّجت البنات وأنجبن أيضًا، فنجد أنَّ الأمَّ تنصرف إلى توليد بناتها وزوجات أبنائها وتمريضهنَّ، وتهمل الزوج رعايةً وحبّا وعنايةً وعطفًا.(33/932)
الحجَّة العاشرة: من المشاهد المألوفة في دنيا الزوجيَّة أنَّ المرأة تخضع لاستمتاع زوجها المريض أو الضعيف أو القبيح؛ لأن الانفكاك منه ليس بيدها أولاً، وثانيًا: لأن هدفها الأول والأخير: البيت والأمومة، بينما نشاهد استكراه الزوج للاستمتاع بزوجته المريضة أو الضعيفة أو القبيحة، ذلك أنه أولاً: قادر على الانفكاك منها وعلى الاعتياض بغيرها، وثانيًا: لأنه ينشد إرضاء نظره وسمعه وقلبه، ثم خدمة أهل بيته وتربية ذريته ؟ ولأن تشارك الزوجة الضعيفة أو المريضة أو القبيحة أو العقيمة نساء أخريات في عواطف زوجها وماله، خير لها وللمجتمع الذي تعيش فيه من نفارها وبوارها".
أولاً: هل شُرِعَ التعدد من أجل الشهوة كما يراها الكاتب ؟ ألم يحرم الإسلام نكاح المتعة ؟ أليس زواج المتعة والتعدد للشهوة فقط وجهان لعُملة واحدة ؟ أليسا هما اسمان لمسمى واحد وهو الزواج للشهوة ؟ هل يعقل أن يحرّم الإسلام زواج المتعة ويبيحه تحت اسم آخر "التعدد للشهوة فقط".
ثانيًا: هل يُعقَل أن من يريد التعدد من أجل أن يرى وجهًا غير الوجه وخصرًا غير الخصر، أن يقوم بشرط التعدد الرئيسي وهو العدل ؟ كيف وميله إلى التعدد في هذه الحالة يتنافى مع العدل ؟ أليس ميله لغيرها بدون تقصير منها في أيٍّ مما كُلّفت به نحو بيتها وزوجها لا لشيء إلا لرغبته في التغيير الذي يتنافى مع العدل ؟.
ثالثًا: أهذا هو حق الزوجة الأولى بعد معاناتها معه في بداية الحياة بينهما، ولا يخفَى عليكم أن البداية دائمًا في عصرنا على الأقل تكلّف الزوجة الأولى الكثير والكثير من المشاق من تحمّل الدخل البسيط للزوج حتى يقف على رجليه ويزيد دخله، ويعيشا سويّا يخططان للمستقبل بعد التقتير الأوّلي في الحياة، حتى يمن الله عليهما بعيش أفضل، بل قد تشارك الزوجة الأولى بكثير من مالها في هذه البداية، وقد تنفق أيضًا من صحتها حتى توفر للزوج بعض المال أو حتى لكي لا تشعره بأنها قد تعبت وكلّت من ضيق عيشها معه.
رابعًا: هل هذه ألفاظ تطلق على الزوجة الأولى: "المسؤومة، المريضة، الضعيفة، القبيحة، العقيمة، أليس ذلك خيرًا لها من السوق حيث الفقر والفسوق"!!!!! ألا يجد هؤلاء - ممَّن يتحدثون عن الزوجة الأولى بهذا الازدراء - في سيرة الرسول مع زوجه الأولى سيدة نساء العالمين، كيف كان حديثه عنها وحبه الشديد لها، وكيف صان عِشرتها فلم يتزوج عليها في حياتها، حتى أنه سمّى العام الذي توفيت فيه - رضي الله عنها وأرضاها - بعام الحزن، وكيف كان إكرام الله لها، حتى يرسل إليها السلام، ويبشرها بقصر في الجنة.
ألا يجدون في غيرة السيدة عائشة رضي الله عنها منها ما يدل على حفظ رسولنا صلى الله عليه وسلم لعهد زوجه الأولى ؟ ألا يجدون في سيرته تلك ما يجعلهم يعطون زوجاتهم بعض – ولا أقول كل – ما أعطاه لهن الإسلام ؟ وهل وجدوا في سيرة الرعيل الأول من تزوَّج على زوجه الأولى؛ لأنها مسؤومة، أو لأنه يزدري ويحتقر أم أولاده مما نجده من بعض الرجال في هذا الزمان ؟.
خامسًا: من أيّ منطلق تحدث الكاتب في حجته تلك ؟(33/933)
أمِن كتاب الله القائل: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" ؟.
أم من سُنّة مُعَلم البشر الذي كانت عشرته مع زوجه الأولى من حب وسكن ومودة وتعظيم وإجلال ووفاء تؤلَّف فيها كتب ومراجع ؟.
أم أنه يتحدث بلسان عوام الناس من رجال غلبتهم شهواتهم، وانتهى بهم نكران الجميل إلى هذا المستوى المتدني من الحديث على زوجاتهم ؟.
ومتى كان حال فئة من المجتمع شرعًا لنا يُسنُّه لنا العلماء ؟ أم أنه يتحدث بلسان حاله ؟ أهكذا يكون حديث علمائنا – وهم قدوتنا – عن أنفسهم، أنه يريد أن يرى وجهًا غير الوجه، وخصرًا غير الخصر ؟ أهكذا يكون هوى أحد قدواتنا من العلماء ؟ أهذا لفظ يستخدمه أحد العلماء "المسؤومة" ليصف به الزوجة ؟!!! فأنا على قراءاتي قلَّت أو كثُرت لم أقرأه وصفًا لحيوان أو حتى جماد !!!!.
سادسًا: هل خَدَمَت هذه الحجج الأسرة المسلمة ؟ ألا نرى فيها تنديدًا بالزوجة الأولى؟
ألا نراه يساعد شبابنا على التخلي عن مسؤوليات الزواج وغيرها من أمور الدين والدنيا، والجري وراء الشهوات باسم الدين ؟
ألا تدفع هذه المقولات وأمثالها إلى التفكك الأسري، خصوصًا في عصرنا الذي تنادي فيه النساء الآن بالنّديّة مع الرجل، والذي لا تسمح فيه المرأة بالضغط على كرامتها ؟.
سابعًا: هل إمتاع النظر والقلب والسمع حِكْر على الرجل ؟ ألم يقل ابن عباس رضي الله عنه عندما رؤي يتجمل: "إني أحب أن أتزين لامرأتي كما تتزين هي لي، ثم تلا قوله تعالى: "ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف".
ثامنًا: ماذا نفعل نحن تجاه هذه الأفكار وأمثالها والتي تحط من قدر المرأة، وخصوصا الزوجة، عندما تصدر ممن يتحدثون باسم الدين ؟.
أرجو أن أجد عندكم جوابًا شافيًا على كل نقطة أثرتها في كلامي، وجزاكم الله خيرًا. ... السؤال
قضايا وشبهات, ثقافة ومعارف ... الموضوع
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الحل ...
...
... أخي الكريم أحمد،
أشكرك على ما طرحته من حديثٍ حول "التعدد" وما ارتبط به من جدلٍ كثير، وتطرُّف، وكثيرِ جهل.
وقبل التعليق على ما أوردتَ – أخي أحمد - أود أن أشير إلى أنني سأضع في نهاية الإجابة عدة استشاراتٍ سابقةٍ تحدَّثنا فيها عن "التعدد" وأشياء أخرى حول المرأة في الإسلام، ومن المهمِّ والضروريِّ الاطِّلاع على ما ورد فيها.
أما إجابتي على ما أوردت فذات ثلاثة أقسام:
القسم الأول: كلمتان عامَّتان.
القسم الثاني: تعليقٌ على ما أورده أستاذ التفسير.(33/934)
القسم الثالث: تعليقٌ على تساؤلاتك.
القسم الأول: كلمتان عامَّتان:
الكلمة الأولى:
كثيرًا ما نخطئ – غالبًا بحُسْن نية - حين نفترض أن أفهامنا للنصوص هي شرع الله تعالى، فنُفتي ونحرِّم ونحلِّل باسم الله تعالى، ونعتقد أن ما نقوله هو الحقُّ الذي لا ثاني له، بينما المسألة غير ما نراه وما نفهمه.
إن نظرةً سريعةً على عناوين الكتب التي تُنشَر هنا وهناك هذه الأيام تُنبِيك الخبر: "القول الفصل في كذا"، "فصل الخطاب في كذا"، "القول الحق في كذا"، "القول السديد في كذا".
كل هذه الكتب التي تُنشَر هذه الأيام تؤصِّل فكرة أنَّ فهم هذا الكاتب أو ذاك هو الدين ولا غير، وما هذا هو الدين، ولم يكن الله تعالى ليترك الدين تحكمه أهواؤنا وأفهامنا.
الكلمة الثانية:
قلت في استشارةٍ سابقة: "إنَّ من أقسى ما عاناه المسلمون على مرِّ عصورهم هو تحكُّم التقاليد والموروثات في دينهم، واعتبار الكثير من المسلمين لهذه الموروثات على أنَّها هي الدين، وما هي كذلك.
ومسألة "المرأة" تدخل في هذا السياق "الموروثي" للأسف، فكثيرٌ ممَّا حكم هذا الأمر والنظرة له كان هو هذا الموروث لا حقيقة أحكام الشرع".
وأزيد الحديث في أمر "المرأة" لأتحدث عن المنطق "الذكوري" الذي حكم المسألة وضيَّق خناقها، لتصبح صورة المرأة في فهم هؤلاء مجرد أداة لخدمة الرجل لا أكثر، ليس لها أية حقوق، ولا رأي، ولا دور، وإنما هي ظلُّ الرجل لا أكثر، تأتمر بأمره، وتحيا لخدمته، ويسيِّرها كيف يشاء.
هذا المنطق "الذكوري" حَكَم الكثير من الكتابات التي تحدَّثت عن وضع المرأة في الإسلام، ومنها الكتاب الذي أشرت إليه أخي أحمد، والذي صوَّر علاقة الزوج بزوجته علاقة رجلٍ صاحب شهوةٍ يبحث عن مكانٍ يفرِّغها فيه، وهي زوجته أو زوجاته، وما هذا هو الإسلام والله، وما لتثبيت هذا جاء نبيُّنا صلى الله عليه وسلم.
المرأة في الإسلام مثلها مثل الرجل في أكثر من 95% من الواجبات والحقوق، ولكلِّ طرف منهما بعد ذلك خصوصياته، ولكن العموم للجميع، ولا يُعقَل أن يكون مراد الله عز وجل من خَلْق "الذكر والأنثى" هو مجرد التبعية: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".
غير أنه من المهم التنبيه إلى أن هذا المنطق "الذكوري" أوجد منطقًا "أنثويّا" أخطأ الطريق أيضًا، فشطّت العديد من النسوة في مطالبتهنَّ بحقوقهنّ، لدرجة أن رفضن حقوقًا ثابتةً عليهنّ، وكما رفضنا المنطق "الذكوريّ"، علينا أن نرفض المنطق "الأنثويّ"، التطرف خطأ، والعدل والتوسُّط هو أساس ديننا، فلا شطط لهؤلاء، ولا ميل لأولئك.
القسم الثاني: تعليقٌ على ما أورده أستاذ التفسير:(33/935)
لن أُكثِر التعليق على ما تفضَّل به أستاذ التفسير، ولكن سأعلِّق على ثلاث فقراتٍ مما قال:
- الأولى قوله في الحجة التاسعة: "أن الرجل أسرع سأمًا وبرمًا بزوجته من المرأة بزوجها، منذ أن تحمل منه وتضع له عديدًا من الأولاد فهو حينئذ ينشد وجهًا غير وجهها وخصرًا غير خصرها ليستمتع بجمال جديد، وليس أمام الرجل في هذه الحالة إلا أن يتخذ حليلات إلى أربع أو خليلات بغير حساب".
كيف يُقبَل هذا الكلام ؟!
هل الزوجة مجرد صورة جميلة أو لعبة، عندما ننتهي منها نرميها ؟؟ أليست هي إنسان ؟؟ ألا يوجد في عُرف هذا الأستاذ شيءٌ اسمه "الوفاء" ؟؟!! وأين البيت والأسرة والأولاد وحقهم جميعًا على الرجل ؟؟ كل هذا سقط لأجل شهوة رجلٍ يريد وجهًا وخصرًا وشهوة ؟؟!!!.
كلامٌ عجيبٌ لا يستقيم بحال.
ثم من قال: إن الرجل لا يتغيَّر ويبقى دائمًا جميلاً بهيّا ؟؟ أهي تصير عجوزًا حيزبون - كما يقولون - وهو يبقى ذلك الأمير الوسيم البهيّ ؟؟ ثم كيف يكون الحال لو حافَظَت هي وكبُر هو وذهبت نضارته ؟؟ أتتركه وتذهب لشابٍّ وسيمٍ تعيش معه، أم تتخذ خليلاً أو أخِلاء ؟.
- الثانية، في قوله في الحجة التاسعة أيضًا: "كما يلاحظ على الزوجات أنهن إذا أنجبن عددًا من الأولاد بنين وبنات انشغلن بهم عن الزوج "الأب"، ويزداد انشغالهن إذا تزوجت البنات وأنجبن أيضًا فنجد أن الأم تنصرف إلى توليد بناتها وزوجات أبنائها وتمريضهن وتهمل الزوج رعايةً وحبّا وعنايةً وعطفًا".
ومن قال: إن الزوج لا تزداد أعباؤه حين تزيد أسرته ؟؟ ألم نشاهد معظم من نعرف يغرق في عمله كي يؤمِّن العيش الرغيد لأسرته ؟؟ أليس كل هذا لا يجعل الرجل متفرِّغًا كذلك ؟؟
ثم – وهي النقطة الأهمّ - أهكذا يرى الأستاذ الكاتب العلاقة بين الزوج وزوجته ؟؟ أهكذا ينبني كيان الأسرة ويستقيم ؟؟ أهكذا يتكوَّن الجيل المسلم الصالح وهو يرى آباءه يركضون وراء مُتَعهم وشهواتهم دون حسابٍ لأية قيمةٍ دينيةٍ أو دنيوية ؟؟.
- الثالثة في الحجة العاشرة، بكل ما ورد فيها من حديثٍ حول خضوع المرأة لاستمتاع زوجها المريض أو الضعيف أو القبيح بحجة أن "الانفكاك منه ليس بيدها أولاً، وثانيًا لأن هدفها الأول والأخير: البيت والأمومة".
بينما الرجل أو "السيد" يكره الاستمتاع بزوجته المريضة أو الضعيفة أو القبيحة بحجة كونه "قادرًا على الانفكاك منها وعلى الاعتياض بغيرها"، أو "لأنه ينشد إرضاء نظره وسمعه وقلبه ثم خدمة أهل بيته وتربية ذريته"، "ولأنْ تشارك الزوجة الضعيفة أو المريضة أو القبيحة أو العقيمة نساء أخريات في عواطف زوجها وماله خير لها وللمجتمع الذي تعيش فيه من نفارها وبوارها".
لماذا هذه النظرة الدونية للمرأة ؟؟ أليست المرأة الوالدة والأخت والزوجة ؟؟
هل الحياة شهوة ؟؟ وهل لأجل الشهوة والمتعة خلقنا الله وأوجدنا ؟؟.(33/936)
لقد قال الله تعالى: "وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون"، لهذا خلقنا الله تعالى، ولهذا علينا أن نعيش بشرًا أصحاب أمانة، لا حيواناتٍ تحكمنا شهواتنا.
القسم الثالث: تعليقٌ على تساؤلاتك:
لن أطيل التعليق على تساؤلاتك؛ لأنني أوافقك فيما قلت كل الموافقة، ولكن لي تعليقان صغيران، أحدهما مخالفتك في التعميم، والأخر تأكيدٌ شديدٌ وتأييد.
- التعليق الأول: عند حديثك في النقطة الخامسة عندما اعتبرت كاتب هذا الكلام من العلماء، ولُمتَ على العلماء أن يقولوا مثل هذا.
يا أخي أحمد، ليس كل من قال قَولةً أو كتب كتابًا نعُدّه من العلماء الذين نأخذ عنهم ديننا، إن العلماء - يا أخي الكريم - هم مَن يعرفون حقَّ الله تعالى وشرعه، ويراعون ذلك كلَّ الرعاية، فلا ينبغي أن توجه نقدك للعلماء، فالعلماء الذين يستحقون هذا الوصف لا يقبلون بمثل هذا المنطق بحال.
- التعليق الثاني: تأكيدٌ على ما ذكرتَه في النقطة السادسة حول الأسرة المسلمة، ومسؤولياتها، والتفكك الأسري، والصور السيئة التي تصل أطفالنا وشبابنا من جرّاء هذه التصرُّفات "الشهوانية" التي تحدَّث عنها الأستاذ، وما إلى ذلك.
إن هذا كله ليس رسالة الإسلام، ولا يقبله الإسلام بحال؛ لأنه دينٌ أتى لإصلاح البشرية، يبدأ بإصلاح الفرد والأسرة ثم يصل للكون كلِّه، ولا أظن أن ما قاله هذا الكاتب في هذا الصدد يدفعنا ولو خطوة في طريق الإصلاح.
ختامًا أقول:
ليس هناك مشكلة أن تكون الزوجة أداةً لخدمة زوجها، بشرط أن يكون الزوج أداةً لخدمة زوجته، هذه هي العلاقة التبادلية الطبيعية بين الصنفين اللذين خلقهما الله تعالى من البشر، وحمَّلهما المسؤولية والأمانة والتكليف، فردان في مركبٍ واحد، يحرص كلٌّ منهما على خدمة الآخر، لا تابع، ولا متبوع، والحياة تسير برسالةٍ عزيزةٍ وساميةٍ وواجبةٍ يحملها الزوج والزوجة، ويغرسانها في أبنائهما، إنها الأمانة التي على المسلم أن يحملها ويعيش لها وبها، لا لغيرها كحيوانٍ بل هو أضلّ.
شكرًا أخي أحمد على هذا الموضوع القيِّم.. وأهلاً بك دائمًا.
ـــــــــــــــــــ
بعد العقد.. اكتشفت أني لا أحبها !! ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أنا شاب أقدمت على خطبة فتاه، وعقد قراني عليها، في مدة لا تتجاوز عشرة أيام، بدون تعارف كاف؛ لأن مجتمعنا منغلق، ولا يسمح بالتعارف المباشر. والآن بعد عقد القرآن وبعد مرتين من اللقاء ظهر لي أشياء لم أكن أعرفها مثل:
* أن لها أعمام وأقارب في مدينة أخرى، وعاداتنا الاجتماعية تحتم الزيارات والتواصل، وهذا ما لا أستطيعه؛ لبعد المسافة ولضعفي وقلة حيلتي.
* كما بانت ليّ بعض سماتها الخلقية كقبح وشذوذ أسنانها، وضعف بنيانها. وهو ما لم يكن من الممكن معرفته قبل العقد.(33/937)
الخلاصة أنى بعد اللقاءين شعرت بصدود مني تجاهها. وأنا الآن في ضغط نفسي؛ لا أدرى ما أفعل؟، حيث استمر لدى هذا الشعور من النفور والتردد في إتمام الزفاف من عدمه حتى وقت كتابة هذه الرسالة.
كما أن مجتمعنا محافظ، فلم أستطع مصارحة أبى وأمي بهذا النفور والصدود؛ لأني متأخر في سن الزواج، فعمري 36 سنة. وكانا قد عرضا عليّ سابقا الزواج من قريبات لهم فرفضت. واخترت هذه الفتاة بنفسي، وليتني أحسنت الاختيار، أو رضيت به، و طابت نفسي له.
مع العلم أن الفتاة ذات خلق حسن، حسب الأقوال، ولكنها ليست ملتزمة دينيا بشكل تام، فهي ليست منقبة ولها اهتمام بالتصوير في أمور الزفاف.
المهم الآن: هل يصح أن أقدم على الزواج بهذه النفسية غير المتقبلة للزوجة أم أطلق وأفارق؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
مشكلتك تمثل واحدة من المشاكل ذات الانتشار الواسع بين الشباب في موضوع الزواج، وكل هذه الحالات تصرخ وتقول: هناك مشكلة حقيقية في موضوع زواجنا، فنحن لا نفهم الزواج، وعندنا خلط في المفاهيم والمعارف والممارسات الاجتماعية، ولن أركز على الجانب الاجتماعي بشكل مفصل، إذ هو معالج في صفحة " مشاكل وحلول" ، ولكن الذي يهمنا هنا في صفحة "استشارات إيمانية"، أن نركز على مفهوم الدين في الزواج والفهم الخاطئ له، مما يترتب عليه آثار سلبية في حياتنا.
وأوجز لك الكلام في نقاط محددة ، وهي كما يلي:
الأول :عدم التعارف والمجتمع المحافظ:
تشير أصابع الاتهام في المشكلات بين الزوجين إلى المجتمع المحافظ، الذي لا يسمح للخاطبين بالتعارف الكافي، الذي يتم معه معرفة كل من الخاطبين للآخر بشكل واضح حتى يتخذ قرارا بالاستمرار أو الاعتذار، وليذهب كل منهما إلى حال سبيله.
المشكلة أن المجتمعات المحافظة تتهم بأنها سبب عدم المعرفة بين الخاطبين، لأنها لا تتيح للخاطبين الحديث بشكل حر، وتفرض قيودا على التعامل بينهما، ويتم هذا باسم الدين، لأن الناس تفهم أنه لا يجوز للخاطبين أن يتحدثا سويا بعيدا عن رقابة الأهل، فلابد في الكلام أن يكون أمام الأهل، والخاطبان يريان أن لهما الحق في الحديث بعيدا عن "شرطة الأهل" التي تحول دون الرغبة.
والغريب أن الإنسان حين يريد الزواج يشكو من هذا، فإذا ما كبر وأنجب وتقدم لابنته أحد، عامله بنفس المعاملة، وينسى المجتمع المحافظ المنغلق، لأنه يقوم بدور الوالد، والوالد غير الخاطب، فتعامل الإنسان يختلف حسب دوره، وهذا يعني ألا نوقع باللائمة على الأهل كثيرا، لأنهم ماداموا قد وافقوا على الشخص فقد وثقوا فيه،(33/938)
أما أن يظن البعض أنه اتهام في دينه، وأنهم يخافون أن يفعل شيئا سيئا، فليس الأمر هكذا، ومع هذا لا نستطيع أن ننكر أن بعض العائلات تتشدد في بعض الأحايين، غير أن هذا التشدد طبيعة بشرية قد لا يكون له علاقة بالدين، وإن ألبس زيه.
وعلاج هذه المشكلة في يد الخاطبين، ونحن نقول لكل خاطب: ماذا تريد أن تقول لها وأنت مازلت خاطبا؟، هل تريد أن تبوح لها بما في نفسك من مشاعر الحب والهيام والعشق والغرام؟، فمثل هذا لا يجوز شرعا، لأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته. نعم يجوز لك الجلوس إليها والكلام معها في وجود الأهل، لكن الخاطب يقيد نفسه، فما تخاف أن تقوله أمام الأهل ليس لك أن تقوله، ولكن لماذا هذا الموقف، ألا يمكن لك أن تثني عليها أمام أهلها بكلمات طيبة، أو أن تتعامل بنوع من الانفتاح أمام الأهل ؟
إن هذا يعطي اطمئنانا للأهل، لأنه إنسان واضح وصريح، إذ الأهل يخافون من السرية، فقد يكون ما يريد أن يقوله الإنسان لها على انفراد شيئا طبيعيا، فلا مانع أن يقوله أمام أهلها، لكن قد يخجل أو يخاف أو غيرها من الأسباب، وهذه ليست عند الأهل، وليس محافظة الأسر شيئا سيئا ولا اتهاما لهم مادام في حدود المعقول.
غير أن الذي أطلبه من الأسر ألا تكون حدود المعاملة مع الخاطب هي جلسة عائلية فحسب، بل يمكن توسيع ذلك في الزيارات العائلية مع الأقارب، والخروج مع الأهل في قضاء بعض الحاجات، أقصد أن تتم المعرفة بشكل أوسع من الجلسة في البيت وحدها.
الأمر الثاني: الصدود النفسي:
وفي الحقيقة هو أخطر ما في الموضوع، فكيف يعيش الإنسان مع آخر لا يجده راحته النفسية معه، والقرآن الكريم يجعل المرأة سكنا للرجل، ويجعله سكنا لها، كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:21). فالزواج بلا سكن ولا مودة و لا رحمة لا معنى له، فهو كبيت العنكبوت، وأحسب أن السكن هو أعلى مراتب العلاقة بين الزوجين، ثم تأتي بعدها مرتبة المودة.
وأقل ما يكون بين الزوجين مرتبة الرحمة والتعامل بالحسنى، ولكن يجب أن تكون صادقا مع نفسك، هل فعلا شعورك هذا الذي ذكرته حقيقي، وتشعر أنه سيبقى معك دائما، أم أن له ظروفا طارئة قد تزول، وأسبابا يمكن أن تبحث عن حلول لها؟، فإن كان كما قلت، فنحن نتعامل مع أمور فيها ضرر، فيجب أن نوازن بين الأضرار التي ستترتب، خاصة ونحن قد عقدنا، فالطلاق قبل البناء فيه كسر للفتاة وحزن لأهلها ولأهلك أيضا.
ولكن في الكفة الأخرى: هل ستكون سعيدا في حياتك معها؟، وهل يمكن لك أن تعيش مع زوجتك التي لا تجد معها السكن؟، وهل ستتحمل ذلك؟، أن تنفر منها وتعيب شيئا من صفاتها الخلقية؟، وهل ستخفي عليها هذا طوال السنين أم أن هذا سيكون لها ضرر عليها أيضا، وأي الضررين عليها أشد، الطلاق قبل البناء، أم الطلاق بعد البناء؟، وقد ترزقان أولادا ، فيبقى الطلاق بعد البناء والإنجاب مشكلة أكبر، فوازن بين الأمور واختر لنفسك ما تراه أقل ضررا، مع اعتبار هل هناك محاولة للإصلاح وتغيير الأمر، أم أن هذا ثابت لن يتغير؟(33/939)
الأمر الثالث : حسن خلقها مع عدم التزامها بشكل تام:
وهذا خلط في المفاهيم، فأنت تقول إنها حسنة الأخلاق، وهذا حسب الأقوال، يعني أنك غير متأكد، وقد عقدت عليها، فلا أدري كيف تعقد على فتاة وأنت لا تعرف عنها حتى أخلاقها؟!، ولم تجلس معها ولم تكلمها؟!
ولكن فهمك للتدين يحتاج إلى وقفة، فأنت تقول: إنها غير ملتزمة بشكل تام، فهي غير منتقية، وتهتم بالتصوير في الزفاف، فقد حصرت الالتزام الحقيقي في النقاب وعدم الاهتمام بالتصوير في ليلة الزفاف!!
وعلى كلامك فمن كانت أخلاقها حسنة، وسلوكياتها طيبة، ولكنها لا تنتقب حتى لو اهتمت بالتصوير في الزفاف، فلا يعني أنها غير ملتزمة، فيمكن أن يصورها أحد محارمها – مثلا- أو تناقشها في إلغاء فكرة التصوير من أساسها، إنه هذا شيء فرعي.
لكن الأهم هو السلوك والمعاملات، وقبلها سلامة العقيدة وصحة العبادة، وهذا يتطلب أن تكون على معرفة ودراية بتدين من تتقدم إليها، لأنها ستربي أولادك، وأن تنظر الفتاة أيضا إلى من سيتزوجها إذ هو القيم على البيت، وهو ربان السفينة، الذي يقودها حيث يريد مع الشورى والتزام شرع الله تعالى.
والذي استنتجته من كلامك أن قضية التدين لا تأخذ من نفسك حيزا كبيرا، فأنت – حسب فهمي – اكتشفت أنك لا تحب من عقدت عليها، ووجدت فيها أشياء لا تحبها، فأنت تحاول أن تحشد الأدلة التي تبرر موقفك، ولا أعني أنك تدعي، ولكن هذه هي حالتك النفسية، المهم في ذلك كله أن تجلس مع نفسك، وتصارحها بشكل واضح هل يمكن لك الاستمرار مع هذه الفتاة أم لا؟!، وذلك وفق قاعدة "المصالح والمفاسد"، وترجيح أحد الرأيين وفقا لأقل الخسائر.
وما أطلبه منك – أخي الكريم- أن تجلس مع بعض أهل الصلاح والعقل ممن تعرفهم؛ وأن تتشاور معهم في الأمر، وان تدرسوا المسألة من كل جوانبها، وتأخذوا قرارا في الأمر، ثم تستخير الله تعالى، وأن تلجأ إليه كثيرا، وأن تبكي بين يديه كثيرا، وتسأله أن يريك الأصوب لك، ثم توكل على الله واقطع بالرأي الذي تستريح له، أيا كان هذا الرأي.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وحفظك من كل مكروه وسوء، وهداك إلى الخير... وتابعنا باخبارك .
ـــــــــــــــــــ
بعد العقد.. اكتشفت أني لا أحبها !! ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أنا شاب أقدمت على خطبة فتاه، وعقد قراني عليها، في مدة لا تتجاوز عشرة أيام، بدون تعارف كاف؛ لأن مجتمعنا منغلق، ولا يسمح بالتعارف المباشر. والآن بعد عقد القرآن وبعد مرتين من اللقاء ظهر لي أشياء لم أكن أعرفها مثل:
* أن لها أعمام وأقارب في مدينة أخرى، وعاداتنا الاجتماعية تحتم الزيارات والتواصل، وهذا ما لا أستطيعه؛ لبعد المسافة ولضعفي وقلة حيلتي.(33/940)
* كما بانت ليّ بعض سماتها الخلقية كقبح وشذوذ أسنانها، وضعف بنيانها. وهو ما لم يكن من الممكن معرفته قبل العقد.
الخلاصة أنى بعد اللقاءين شعرت بصدود مني تجاهها. وأنا الآن في ضغط نفسي؛ لا أدرى ما أفعل؟، حيث استمر لدى هذا الشعور من النفور والتردد في إتمام الزفاف من عدمه حتى وقت كتابة هذه الرسالة.
كما أن مجتمعنا محافظ، فلم أستطع مصارحة أبى وأمي بهذا النفور والصدود؛ لأني متأخر في سن الزواج، فعمري 36 سنة. وكانا قد عرضا عليّ سابقا الزواج من قريبات لهم فرفضت. واخترت هذه الفتاة بنفسي، وليتني أحسنت الاختيار، أو رضيت به، و طابت نفسي له.
مع العلم أن الفتاة ذات خلق حسن، حسب الأقوال، ولكنها ليست ملتزمة دينيا بشكل تام، فهي ليست منقبة ولها اهتمام بالتصوير في أمور الزفاف.
المهم الآن: هل يصح أن أقدم على الزواج بهذه النفسية غير المتقبلة للزوجة أم أطلق وأفارق؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
مشكلتك تمثل واحدة من المشاكل ذات الانتشار الواسع بين الشباب في موضوع الزواج، وكل هذه الحالات تصرخ وتقول: هناك مشكلة حقيقية في موضوع زواجنا، فنحن لا نفهم الزواج، وعندنا خلط في المفاهيم والمعارف والممارسات الاجتماعية، ولن أركز على الجانب الاجتماعي بشكل مفصل، إذ هو معالج في صفحة " مشاكل وحلول" ، ولكن الذي يهمنا هنا في صفحة "استشارات إيمانية"، أن نركز على مفهوم الدين في الزواج والفهم الخاطئ له، مما يترتب عليه آثار سلبية في حياتنا.
وأوجز لك الكلام في نقاط محددة ، وهي كما يلي:
الأول :عدم التعارف والمجتمع المحافظ:
تشير أصابع الاتهام في المشكلات بين الزوجين إلى المجتمع المحافظ، الذي لا يسمح للخاطبين بالتعارف الكافي، الذي يتم معه معرفة كل من الخاطبين للآخر بشكل واضح حتى يتخذ قرارا بالاستمرار أو الاعتذار، وليذهب كل منهما إلى حال سبيله.
المشكلة أن المجتمعات المحافظة تتهم بأنها سبب عدم المعرفة بين الخاطبين، لأنها لا تتيح للخاطبين الحديث بشكل حر، وتفرض قيودا على التعامل بينهما، ويتم هذا باسم الدين، لأن الناس تفهم أنه لا يجوز للخاطبين أن يتحدثا سويا بعيدا عن رقابة الأهل، فلابد في الكلام أن يكون أمام الأهل، والخاطبان يريان أن لهما الحق في الحديث بعيدا عن "شرطة الأهل" التي تحول دون الرغبة.
والغريب أن الإنسان حين يريد الزواج يشكو من هذا، فإذا ما كبر وأنجب وتقدم لابنته أحد، عامله بنفس المعاملة، وينسى المجتمع المحافظ المنغلق، لأنه يقوم بدور(33/941)
الوالد، والوالد غير الخاطب، فتعامل الإنسان يختلف حسب دوره، وهذا يعني ألا نوقع باللائمة على الأهل كثيرا، لأنهم ماداموا قد وافقوا على الشخص فقد وثقوا فيه، أما أن يظن البعض أنه اتهام في دينه، وأنهم يخافون أن يفعل شيئا سيئا، فليس الأمر هكذا، ومع هذا لا نستطيع أن ننكر أن بعض العائلات تتشدد في بعض الأحايين، غير أن هذا التشدد طبيعة بشرية قد لا يكون له علاقة بالدين، وإن ألبس زيه.
وعلاج هذه المشكلة في يد الخاطبين، ونحن نقول لكل خاطب: ماذا تريد أن تقول لها وأنت مازلت خاطبا؟، هل تريد أن تبوح لها بما في نفسك من مشاعر الحب والهيام والعشق والغرام؟، فمثل هذا لا يجوز شرعا، لأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته. نعم يجوز لك الجلوس إليها والكلام معها في وجود الأهل، لكن الخاطب يقيد نفسه، فما تخاف أن تقوله أمام الأهل ليس لك أن تقوله، ولكن لماذا هذا الموقف، ألا يمكن لك أن تثني عليها أمام أهلها بكلمات طيبة، أو أن تتعامل بنوع من الانفتاح أمام الأهل ؟
إن هذا يعطي اطمئنانا للأهل، لأنه إنسان واضح وصريح، إذ الأهل يخافون من السرية، فقد يكون ما يريد أن يقوله الإنسان لها على انفراد شيئا طبيعيا، فلا مانع أن يقوله أمام أهلها، لكن قد يخجل أو يخاف أو غيرها من الأسباب، وهذه ليست عند الأهل، وليس محافظة الأسر شيئا سيئا ولا اتهاما لهم مادام في حدود المعقول.
غير أن الذي أطلبه من الأسر ألا تكون حدود المعاملة مع الخاطب هي جلسة عائلية فحسب، بل يمكن توسيع ذلك في الزيارات العائلية مع الأقارب، والخروج مع الأهل في قضاء بعض الحاجات، أقصد أن تتم المعرفة بشكل أوسع من الجلسة في البيت وحدها.
الأمر الثاني: الصدود النفسي:
وفي الحقيقة هو أخطر ما في الموضوع، فكيف يعيش الإنسان مع آخر لا يجده راحته النفسية معه، والقرآن الكريم يجعل المرأة سكنا للرجل، ويجعله سكنا لها، كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:21). فالزواج بلا سكن ولا مودة و لا رحمة لا معنى له، فهو كبيت العنكبوت، وأحسب أن السكن هو أعلى مراتب العلاقة بين الزوجين، ثم تأتي بعدها مرتبة المودة.
وأقل ما يكون بين الزوجين مرتبة الرحمة والتعامل بالحسنى، ولكن يجب أن تكون صادقا مع نفسك، هل فعلا شعورك هذا الذي ذكرته حقيقي، وتشعر أنه سيبقى معك دائما، أم أن له ظروفا طارئة قد تزول، وأسبابا يمكن أن تبحث عن حلول لها؟، فإن كان كما قلت، فنحن نتعامل مع أمور فيها ضرر، فيجب أن نوازن بين الأضرار التي ستترتب، خاصة ونحن قد عقدنا، فالطلاق قبل البناء فيه كسر للفتاة وحزن لأهلها ولأهلك أيضا.
ولكن في الكفة الأخرى: هل ستكون سعيدا في حياتك معها؟، وهل يمكن لك أن تعيش مع زوجتك التي لا تجد معها السكن؟، وهل ستتحمل ذلك؟، أن تنفر منها وتعيب شيئا من صفاتها الخلقية؟، وهل ستخفي عليها هذا طوال السنين أم أن هذا سيكون لها ضرر عليها أيضا، وأي الضررين عليها أشد، الطلاق قبل البناء، أم الطلاق بعد البناء؟، وقد ترزقان أولادا ، فيبقى الطلاق بعد البناء والإنجاب مشكلة أكبر، فوازن(33/942)
بين الأمور واختر لنفسك ما تراه أقل ضررا، مع اعتبار هل هناك محاولة للإصلاح وتغيير الأمر، أم أن هذا ثابت لن يتغير؟
الأمر الثالث : حسن خلقها مع عدم التزامها بشكل تام:
وهذا خلط في المفاهيم، فأنت تقول إنها حسنة الأخلاق، وهذا حسب الأقوال، يعني أنك غير متأكد، وقد عقدت عليها، فلا أدري كيف تعقد على فتاة وأنت لا تعرف عنها حتى أخلاقها؟!، ولم تجلس معها ولم تكلمها؟!
ولكن فهمك للتدين يحتاج إلى وقفة، فأنت تقول: إنها غير ملتزمة بشكل تام، فهي غير منتقية، وتهتم بالتصوير في الزفاف، فقد حصرت الالتزام الحقيقي في النقاب وعدم الاهتمام بالتصوير في ليلة الزفاف!!
وعلى كلامك فمن كانت أخلاقها حسنة، وسلوكياتها طيبة، ولكنها لا تنتقب حتى لو اهتمت بالتصوير في الزفاف، فلا يعني أنها غير ملتزمة، فيمكن أن يصورها أحد محارمها – مثلا- أو تناقشها في إلغاء فكرة التصوير من أساسها، إنه هذا شيء فرعي.
لكن الأهم هو السلوك والمعاملات، وقبلها سلامة العقيدة وصحة العبادة، وهذا يتطلب أن تكون على معرفة ودراية بتدين من تتقدم إليها، لأنها ستربي أولادك، وأن تنظر الفتاة أيضا إلى من سيتزوجها إذ هو القيم على البيت، وهو ربان السفينة، الذي يقودها حيث يريد مع الشورى والتزام شرع الله تعالى.
والذي استنتجته من كلامك أن قضية التدين لا تأخذ من نفسك حيزا كبيرا، فأنت – حسب فهمي – اكتشفت أنك لا تحب من عقدت عليها، ووجدت فيها أشياء لا تحبها، فأنت تحاول أن تحشد الأدلة التي تبرر موقفك، ولا أعني أنك تدعي، ولكن هذه هي حالتك النفسية، المهم في ذلك كله أن تجلس مع نفسك، وتصارحها بشكل واضح هل يمكن لك الاستمرار مع هذه الفتاة أم لا؟!، وذلك وفق قاعدة "المصالح والمفاسد"، وترجيح أحد الرأيين وفقا لأقل الخسائر.
وما أطلبه منك – أخي الكريم- أن تجلس مع بعض أهل الصلاح والعقل ممن تعرفهم؛ وأن تتشاور معهم في الأمر، وان تدرسوا المسألة من كل جوانبها، وتأخذوا قرارا في الأمر، ثم تستخير الله تعالى، وأن تلجأ إليه كثيرا، وأن تبكي بين يديه كثيرا، وتسأله أن يريك الأصوب لك، ثم توكل على الله واقطع بالرأي الذي تستريح له، أيا كان هذا الرأي.
وفقك الله لما يحب ويرضى، وحفظك من كل مكروه وسوء، وهداك إلى الخير... وتابعنا باخبارك .
... الاسم ...
لا .. لحب الظلام الإلكتروني! ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أنا طالبة، في طريقي إلى الصف الأول الجامعي، قدمت رغباتي، وبحمد الله تم قبولي في كلية الطب.(33/943)
مشكلتي تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة. فقد تحدثت منذ عام مع زميل ليّ على النت؛ وهو ابن صديق والدي. ولكنى تحدثت لاعتقادي بأن الحديث الإلكتروني؛ ليس فيها أي شيء من الحرمانية.
وكان مجرد أخ لي، وأنا أخت له. ولكن مع التعارف والحوارات؛ اعترف لي هذا الشاب على النت؛ أنه يحبني لأخلاقي والتزامي إلى حد ما، وحبي لأن أكون دائما ملتزمة متفوقة، وأسعى لطريق الإيمان.
وأنا أعجبت به أيضا لأنه أزهري يحفظ القرآن كله؛ وعنده قابلية للالتزام، ومن بيت محترم، ومثقف، ونحن من نفس البلد أراه في الشارع صدفة ولكن لا مجال للحديث بيننا إلا من خلال النت.
وكنا العام الماضي في الصف الثالث الثانوي؛ مع الفارق أنني ثانوية عامة، وهو ثانوية أزهرية. واتفقنا على النت أننا نأخذ درس معا. وكانت هذه الفترة كفترة خطوبة ولكن بيني وبينه فقط، فعرفنا خصال بعض أكثر؛ رغم أنه لم يكن بيننا أيضا أي كلام سوا على النت.
اتفقنا أننا لا نريد معصية الله؛ تعلقنا ببعض، لا نستطيع أن نقطع كلامنا. فاتفقنا أن نعين بعضنا على طاعة الله. وأنا نحاول أن نسلك هذا الطريق المليء بالشوك بأقل الجروح؛ وهدفنا الزواج إن شاء الله لأني قد وجدت فيه كل ما يناسبني، وقد وجد هو في كل ما يناسبه.
أحس المدرس الذي أعطانا الدرس معا ومع زميلة ثالثة؛ بشيء بيني وبينه. وعرف ما بيننا وقال: أنا عارف أن لكم هدفا. ولم يعترض على ما بيننا. ولكن لا يعرف سوى أننا أقارب. وهذا ليس صحيح ولكن أباه صديق والدي؛ ولكن المدرس قبل ما بيننا على أساس أننا أقارب.
وحاليا في الأجازة نتحدث على النت يوم بعد يوم. وأثناء الدراسة كان يوم في الأسبوع، وقبل الامتحانات لم نكن نتحدث، كنا فقط تطمئن على بعض من خلال الرسائل فقط.
وحاليا كل حديثنا معا أنى اسأله، ويسألني عن الواجبات التي اتفقنا عليها؛ كالصلاة في وقتها. وبالنسبة له في المسجد والنوافل وصيام الاثنين والخميس وقراءة جزء قران في اليوم وتفسير 10 آيات كل يوم وحضر وجلسة علم ولو مرة في الأسبوع.
ولكن لا يخلو كلامنا من بعض الكلمات مثل حبيبي وحبيبتي وبحبك؛ ولا أستطع الاستغناء عنك وما شابه ذلك.
وقد قرأت آية في القرآن :{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (البقرة:235). وفهمت منها أن اعترافه لي بحبه ووعده لي بالزواج حلال في حالة إذا كان القول معروف.
فحاليا أنا وهو تعلقنا ببعض بشدة ولا نريد معصية الله ولا نستطيع أن نقطع كلامنا. فما الحل المناسب ؟ وهل كلامنا من وراء الوالدين يعتبر خيانة لهما؛ حتى لو كان الكلام معروف كمان ذكر في الآية ؟؟؟؟(33/944)
هناك مشكلة أخرى: لقد وفقني الله بحمده إلى كلية الطب. ولكن ظلم هذا الشاب في تصحيح الامتحانات. ولم يلحق أي كلية من كليات القمة، ولكن من المتوقع أن يكون تنسيق الأزهر منخفض هذا العام.
وهو يريد الالتحاق بكلية الدراسات الإسلامية إن لم يلتحق بأي من كليات القمة؛ وأن يتفوق فيها ويصبح معيدا؛ حتى يصل إلى رتبة أستاذ جامعي؛ ولا تكون هناك مشكلات أثناء تقدمه لأبي لطلبي للزواج.
ولكن إذا لم يتفوق، سوف يصبح مدرسا بعد تخرجه، وأعتقد أن أبى لن يوافق على زواجي من مدرس، لأنه طبيب وأمي طبيبة. وأنا إن شاء الله سوف أكون طبيبة. ومع أن أبى لا ينظر إلى الكلية وينظر إلى الأخلاق والدين. ولكن لابد أن يكون هناك توافق.
فما الذي يمكنني أن افعله كي لا افعل ذنوبا، وفي نفس الوقت لا أقطع صلتي به، وكي آمن المشكلات التي يمكن أن تحدث مستقبلا ؟؟؟
وأقترح أن نحاول قطع حديثنا عندما ندخل الجامعة هذا العام إن شاء الله. ولكن نطمئن على بعض أيضا من خلال النت ولو مرة كل شهر. فما الصواب يا سيدي؟
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم..
أختنا في الله / عائشة
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،...آمين... ثم أما بعد :
فقد قرأت رسالتك، وأود أن أثني على حبك الشديد لدينك، وحرصك على ألا تقترفي ذنبا، أو تغضبي ربك، وهذا شعور طيب تستحقين الإشادة عليه. غير أني أنبهك إلى أن الشيطان يسري من ابن آدم مسرى الدم في العروق، وأنه يظل يتحرش به ويخطط له ويهون عليه المعاصي حتى يقع فيها فكوني على حذر من كيد الشيطان قال تعالى:{وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
هذه مقدمة عامة لا بد منها، أما بخصوص مشكلتك فأستعين بالله وألخص لك الرد في النقاط التالية :-
* الإسلام لم يحرم الحب: بل هو دين الحب، لكنه الحب المنضبط بالشرع، فلا حرج أن تعجبي بهذا الشاب الذي قلتي أنه :( أزهري، يحفظ القرآن الكريم كله، وله قابلية للالتزام، من بيت محترم، ومثقف، ولديه الكثير من الصفات الطيبة)، وهي جملة من المواصفات التي تدل على أنه شاب مناسب. فعندما تجد الفتاة المسلمة شابا مسلما، متفوقا في دراسته، حريصا على دينه، جادا وراغبا في تكوين بيت مسلم يجب عليها(33/945)
أن تتمسك به وتحرص عليه. لكن لابد أن يكون الوقت والظروف مناسبة، فكما علمت من رسالتك أنكما مازلتما بعد طالبين في الثانوي؛ وأنكما بإذن الله ستدخلان السنة الأولى بالجامعة هذا العام، وأمامكما وقت طويل لأنك في كلية الطب فستدرسين 7 سنوات، وهي عمر طويل، ولا تدرين ماذا يحدث فيه. ولا يعقل أن تتعلقي به طوال هذه السنوات. وحتما فإن ذلك سيشتت تركيزك في دراستك وسيصرفك عن التفوق.
* لا للحب في الظلام:أقصد هنا أن نشوء علاقة بينكما، تبدأ بالكلام على النت، قد تتطور فتصبح مقابلة في جمع من الناس في مكان عام، قد تتطور إلى لقاء في مكان بعيد عن أعين الناس، قد تتطور إلى خلوة، قد تتطور إلى الوقوع في المعصية. نعم مثل هذه العلاقات تبدأ هكذا بريئة، لكن سرعان ما يقوم الشيطان فيها بدور كبير، فيحول الإعجاب البرئ إلى كلمات احترام وثناء على الأخلاق والتفوق الدراسي ثم يتحول الأمر إلى كلمات إعجاب متبادلة تتحول إلى مشاعر دافقة، قد تتحول إلى .... وهكذا. لذا نجد أن الخالق سبحانه وتعالى، وهو أعلم بعباده من أنفسهم، لم يحرم الزنا فقط بل حرم الطرق المؤدية إليه فقال تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}، وسد الأبواب الثلاثة المؤدية لهذه الفاحشة الكبيرة وهي: الخلوة واللمسة والنظرة.
* الكلام على النت : كلامكما على النت حول (التذكير بالواجبات الشرعية التي اتفقتما عليها كالصلاة في وقتها، وبالنسبة له في المسجد، والنوافل، وصيام الاثنين والخميس، وقراءة جزء من القرآن في اليوم، وتفسير 10 آيات كل يوم، وحضور جلسة علم ولو مرة في الأسبوع)، هو كلام جميل، ولا أعتقد أن فيه شيء خارج يجعله محرما، بيد أن الأمر سيتطور حتما، وسيأخذ منحى آخر، وهو ما اعترفت به في رسالتك حيث قلت:(..لكن لا يخلو كلامنا من بعض الكلمات مثل حبيبي، وحبيبتي، وبحبك ومش ها قدر استغنى عنك، وما شابه ذلك) وهذا ما أخشاه لأن الحديث على النت (خلوة بغير جسد) بل إنها قد تكون أشد خطرا إذ يعتقد كل منكما أنه مجرد كلام على النت، فيتمادى في الأمر، وهنا تقعان في المحظور!!، هذا ليس رجما بالغيب، بل إنه من الواقع، فكم تصلنا رسائل ومشكلات يعترف أصحابها- ممن فتح الله عليهم بالتوبة الصادقة- أن الكلام على النت جر عليهم الوبال، وأوقعهم في جريمة الزنا، فاحذري وانتبهي حفظك الله من كل مكروه وسوء.
* فهم الآية القرآنية : أما بخصوص قوله تعالى:{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا} (البقرة: 235). فالآية نزلت في حكم خطبة المعتدة (وهي المرأة التي تكون في فترة العدة)، ولكن الحكم استنبط منها ليطبق على النساء عموما، وملخص شرح الآية هو أن الله تعالى يعلم أن قلب الرجل قد يميل لامرأة معينة؛ لذلك لا مانع من أن يلمح لها برغبته في الزواج منها، ولكن دون أن يترتب على هذا التلميح أي علاقة فيها خلوة حقيقية أم افتراضية، جسدية أم إلكترونية؛ وأيضا دون أن يترتب على هذا التلميح وعد منها له بأن تكون زوجته، فهذه هي حدود "القول(33/946)
المعروف" المذكور في الآية؛ التلميح مرة واحدة يعرض فيها نفسه مع عدم السماح بعلاقة أو خلوة أو وعود.
* الحل المناسب : أعتقد أن الحل المناسب لحالتكما؛ هو أن تتوقفا عن الحديث على النت، ولا تتماديا فيه، فإن عواقبه وخيمة، وأن تلتفتا إلى دراستكما، فتنهياها بتفوق، ثم تنظرا حالكما بعد انتهاء الدراسة وحصولكما على المؤهل كيف أنتما وقتها؟، وهل مازالت مشاعركما كما هي؟ وهل مازلتما راغبين في الارتباط ببعضكما؟، وهل الظروف والوضع الاجتماعي لكما مناسبا؟، فإذا كانت الإجابات بنعم فتوكلا على الله، واستخيرا ربكما في الأمر، فإن اطمأننتم إلى الأمر فليتقدم لخطبتك رسميا من والدك أو ممن سيكون ولي أمرك وقتها، لتكونا أسرة مسلمة بإذن الله.
وختاما؛
أسأل الله تعالى أن يحفظكما من كل مكروه، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره، وأن يلهمكما السداد والرشاد، وأن يهديكما إلى الخير، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم... وتابعينا بأخباركما.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
هل ظلمت المرأة جنسيا ؟! ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
هناك قضية فطرية تحيرني، أرجو أن أجد لديكم لها تفسيرا.
لقد أخذت المرأة على مر التاريخ والعصور الحظ الأكبر من الجانب المظلم؛ حيث تعرضت للاغتصاب والاعتداء والاستغلال الجنسي والجسدي على يد الرجل. ويشهد الواقع أن غالبيه الرجال كانوا كالذئاب على أي امرأة حتى لو كانت طفلة.
أتساءل : لماذا جعل الله شهوة الرجل أكثر من شهوة المرأة؛ فالمرأة تستطيع العيش لفترة دون الرجل، بينما الرجل في الغالب لا يستطيع العيش دون المرأة لنفس المدة، مما يحمل المرأة أكثر من طاقتها. وهناك شكاوى من زوجات بأن مطالب الزوج الجنسية أكبر من طاقتها.
لماذا لم يخلق الله الغريزة متساوية بين الرجل والمرأة؟، لماذا يجب على المرأة أن تتحمل كل هذه الطاقة من الرجل؟؛ كأنما خلقت المرأة لحاجه الرجل المفرطة، فقمعت واحتكرت واستغفلت لهذا السبب على مر التاريخ والعصور.
... السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الكريم
أشكر لك إحساسك بالمرأة، وهذا فطري، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنما النساء شقائق الرجال".(33/947)
لكنك انطلقت في سؤالك يا أخي من مسلمات، كأنها لا ناقض لها..! وقد بنيت مسلماتك هذه على "دراسات أثبتت" ما تقول أنت به. وفي الحقيقة، بعيدا عن مناقشة هذه الدراسات، ونتائجها ، وهل هي مسلمة كلها، أو ليست كذلك، فإنني أود أن أنظر وإياك إلى هذا الأمر من ناحية أخرى مختلفة، فللحقيقة، كما يقال، وجوه متعددة.
لقد خلق الله تعالى آدم عليه السلام، وخلق من ضلعه حواء ليأنس بها وتأنس به، وركب في الإنسان – رجلا وامرأة – الرغبة والشهوة، نحو الآخر، وهذا لحكمة الله البالغة من أجل الحفاظ على النوع البشري، ومن أجل صبغ الحياة بصبغة اجتماعية تراحمية حميمية، بعيدا عن الانفرادية التي تورث الوحشة، والوحشية أيضا.
وككل أمر يُحول عن مراده تحولت هذه الرغبة عند كثيرين إلى فحش وتحرش، وتجارة بالأجساد والأعراض، واستغلال من قديم الزمان، في غير موضعه. وهذا كما أشرتُ كأمور كثيرة تحولت عما خلقها الله سبحانه له، تستطيع أن تحصي منها ما تشاء. فالله تعالى خلق المال زينة وكفاية، ولم يخلقه للفجور والفسق والعدوان والتعالي على الخلق والتكبر على العباد، وهكذا.
ولأن البشرية ضلت سبيلها، فقد أرسل الله الرسل، وأنزل معهم الكتب السماوية، وكان الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم يسير بين القبائل، حين كانوا يرفعون الرايات الحمر، في مواسم حجهم، يدعوهم إلى تنكيس هذه الرايات ورفع رايات الشرف والعزة والكرامة والاستقرار والطهر والنقاء.
ولكنه لم يجعل تنكيس هذه الرايات مبتدأ الأمر، فبدأ معهم بتصحيح إيمانهم بالله، وتنقية عقائدهم من الشرك والضلال، فهذا أصل البلاء ومنبته. ثم جاءهم بعد ذلك ببنود البيعة، حيث أخذ صلى الله عليه وسلم من أصحابه الأوائل البيعة على ألا يشركوا بالله شيئا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصونه في معروف.
وقد حكى القرآن ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
لقد تبوأت المرأة مكانتها؛ وتمكنت في ممارسة حياتها الطبيعية بعد أن انتزع الإسلام لها حق الحياة، وجرم وأد البنات، وصان شرفها وعرضها من سفهاء التجار وجشعهم، الذين لا يعبئون بأي شيء إلا بجمع الأموال، مهما كانت سبيل هذا الجمع.
وعلى مدى التاريخ شقيت البشرية، وخاصة هذه المرأة المسكينة من تحرش الذئاب البشرية بها، ولاقت في سبيل ذلك أهوالا، ولم ينقذها من هذا إلا شريعة الله، فليس من المصادفة أن تكون أول من أسلم على الإطلاق (امرأة) هي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وأول من استشهدت في سبيل الله من المسلمين تحت وطأة التعذيب بمكة، هي أيضا (امرأة) سمية (أم عمار بن ياسر) رضي الله عنها. بذلك حازت شرف السبق وعظم المكانة في التضحية والفداء، مع الرجل سواء بسواء. وصدق من قال:
ولو كان النساء كمن ذكرنا * * لفُضلت النساء على الرجال(33/948)
فما التأنيث لاسم الشمس عيب * * وما التذكير فخر للهلال
وفي القرآن العظيم سورة اسمها سورة (النساء)، بل إن هناك سورة سميت باسم امرأة وهي السيدة (مريم) ابنة عمران عليها السلام، أم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ولا يوجد في القرآن سورة اسمها سورة (الرجال)، كما لم تسم سورة باسم رجل ليس نبيا .
أخي الكريم:
دعنا نرجع إلى ما تثيره وتلح عليه؛ هذه الشهوة التي أودعها الله في أجسادنا، ومقاديرها المتفاوتة، بين الرجال والنساء، والتي تتسبب في المآسي والفظائع، هكذا أنت تشخص الداء. ولكني أريد أن أقول: إن الله تعالى وضع في الإنسان إمكانات هائلة، يستطيع الإنسان أن يستنفر هذه الإمكانات إلى الحد الأقصى، ويستطيع كذلك أن يهمل ذكرها فيخمدها حتى تصير كأن لم تكن.
هذه حقيقة ملموسة ومعاشة ومتفق عليها بين عامة البشر وخاصتهم، ولا تحتاج إلى استدلال على صحتها، لأن كل إنسان يعيش هذه التجربة حتما.
فما رأيك في هذا السعار المشتعل على مدار الوقت كله، ينفق على إشعاله من خزائن أبالسة الإنس، ومن خزائن شعوب وميزانيات حكومات ودول، ومما يسرق من أموال البلهاء الذين يجرون في كل يوم وراء السراب الخادع الذي يبدو لهم في كل حين بلون مختلف، وبهيئة مختلفة، يحسبونه ماء، حتى إذا جاءوه لم يجدوه شيئا، ولكنهم في كل مرة من فرط بلاهتهم وشقائهم وبؤسهم لا يكفون ولا يتفكرون، وبلا وعي ينساقون، يهذون ولا يدرون، حتى تحرقهم النار ويأكلهم الفقر أو تقع الفريسة منهم في يد من لا يرحمها، لتجد نفسها قد سارت في طريقٍ: الرجعة منه هلاك عاجل، والمضي فيه هلاك آجل.
هذا السعار يُحرس بالحديد والنار، و بأعتى ترسانات الأسلحة، إفساد بالإجبار..! يبث لكل بيت بالمجان، يدغدغ المشاعر، ويستثير الشهوات، ويستهوي المراهقين، إن لم يكن برقصة فبأغنية أو قبلة أو تمثيلية أو مسرحية أو فيلم من صنع عباقرة الأبالسة، أو موقع إلكتروني يدعو للرزيلة، قد تمكن اليأس من أهله فدفعهم إلى الإيلاء بإغواء بني البشر، وغيرها مما نعلم ومما لا نعلم.
خلاصة القول يا أخي:
أن الله سبحانه خلق هذه الحياة بلاء وامتحانا، هذه مشيئة الله، وأكثر خلق الله لا يعقلون، وقليل من خلق الله هم الذين يثبتون ويجتازون هذه البلاءات، وهي في مقدور البشر وفي طاقتهم، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا فوق طاقتها قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا )، فهلا استعينا بالله على هذه المحن، وصرفنا همتنا إلى العلم والبناء والإعمار حسب منهج الله تعالى في أرضه ؟.
وختاما؛
أوصيك يا أخي بهذا الدعاء: ( اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين).. اللهم آمين وتابعنا بأخبارك .
الصلاة.. رحلة روح ومعراج قلب ... العنوان(33/949)
العبادات ... الموضوع
أريد أن أسأل فضيلتكم هل عن عدم الخشوع في الصلاة. فأنا أصلي ولكن دائما أحس أن صلاتي غير مقبولة. وهذا يؤرقني كثيرا لأني أسرح كثيرا في الصلاة، وكأني أقوم ببعض التمارين، فأقول ما أحفظ ولا استشعر الخشوع في الصلاة، أرجو أن تقولوا لي ما هو حل هذه المشكلة؟
... السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أخي الذي يحن لربه، وفق الله خطاك..
لقد سألت عن عزيز؛ نعم هي الصلاة. الهدية الربانية الرائعة التي نتطهر بها ونستريح من وطأة الحياة وأعبائها، نصف أقدامنا أمام الله تعالى، ونناجيه في أي وقت نشاء. إنها حقا لجليلة القدر والثواب.
ولقد كان الله بنا رحيما حين قال:{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (الماعون:4-5)، ولم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون. فما من أحد إلا ويسهو في صلاته، ولكن رحمة الله تسع كل شيء.
وأعتقد أن المدخل المناسب في علاج عدم الخشوع في الصلاة؛ أن نستدعي المعان الإيمانية والمقاصد الروحانية التي تحفل بها الصلاة. ودعيني أسطر لك بعض ما قاله الكاتب محمد فتح الله كولن في كتابه "ترانيم روح وأشجان قلب"؛ في المعان الإيمانية للصلاة التي تتخطى بكثير مفهوم الأمر الإلهي:
الصلاة معراج المؤمن، ودليله النوراني، وسفينة السائرين من أصحاب الإيمان وطائرتهم، وأقرب المنازل والديار لعوالم وراء هذه الدنيا للسائرين الذين يبتغون الوصال؛ ويبتغون القرب، وآخر خيمة لهم، وأقرب الوسائل لبلوغ الغاية والمرام.
وفي الوقت نفسه نستطيع أن نطلق علي عبادة الصلاة ـ التي هي الاسم الآخر والعنوان الآخر للقرب من الله والتي تملك أعماقا مختلفة ـ اسم "الرباط" الذي يعني الاستغراق في فكر العبودية لله طوال العمر.
أما الوضوء فهو أول تنبيه في درب الصلاة، وأول تهيؤ لها. والأذان فدرب معنوي مهم. بالوضوء يتطهر الإنسان من الدنس البدني ومن السلبيات المعلومة وغير المعلومة، ويستمع الإنسان بالأذان إلي وجدانه. وعندما يصلي وحده الصلاة الأولي يحاول أن يجد الصوت الداخلي في أعماقه وأن يقتنصه، ثم ينتظر صلاة الجماعة لكي يحقق بالجماعة البدء بالحركة الكبرى.
إن هذه العبادة المباركة ذات الأبعاد الشاملة وذات الطابع المعراجي تقوم بنقل الإنسان إلي سماء اللانهاية لتصل به إلي عالم الملائكة. والإنسان يدع نفسه في لجة هذه العبادة خمس مرات في اليوم وكأنه يتطهر ويغتسل في جدول دافق.(33/950)
وفي كل مرة ننغمر فيه في هذا الجدول نشعر بأننا تطهرنا أكثر. ثم ينقلنا هذا الجدول إلي بحر واسع ويتجول بنا بين نقطتي البداية والنهاية، وهذا يعني تمرينات لنقلنا إلي نقطة من عالم الآخرة والخلود هي خارج أبعادنا الاعتيادية.
وفي اللحظة التي يفيض ويحين وقت الآذان من خلال ضجة الحياة، أو من خلال الصمت المخيم عليها، ومن إشارات عقارب الساعة، ومن تغيير الشمس لموضعها، وزيادة الحركة والضجة حول الجامع، ومن سماع خرخشة مكبرات الصوت. بينما يحاول المؤذن تغيير صوته تهيؤا للأذان.
بعد كل هذه الإشارات حول قرب وقت الصلاة، تبدأ في الصدور أحاديث صامته، وسماع أصوات غير واضحة المعالم مثل هذيان المستيقظ توا من النوم، وسماع كلمات تتجاوز أبعادنا الجسمية، وكأن الإنسان بدأ يعيش حياة برزخ بين الدنيا والآخرة.
وتبدأ أحاسيس أخرى بالظهور نتيجة مناورات الفكر، ومحاولته البحث عن مجار وقنوات جديدة. ويدمدم الإنسان بأشياء لا تعد ولا تحصي. وهنا وبعد قليل وقبيل بدء العبادة المزمع لإقامتها تتوجه القلوب إلي نوع من التوثب والتركيز الروحي. وتحاول بمعاونة جميع الملكات الروحية و القابليات الوصول إلي حالة من التهيؤ والاستعداد المرجو.
يمكن أن يعد التوضؤ أول خطوة للتهيؤ لعالم العبادة، ثم يأتي التوجه نحو المسجد. أما الأذان فكأنه دعوة للدخول إلي الحرم ، وصوت لدني يساعدنا للوصول إلي تركيز معين في أعماقنا، وريشة عود تضرب علي أوتار أحاسيسنا. ومع أن آذاننا تعودت علي صوت الأذان الذي يتكرر كل يوم، إلا أنه يظهر أمامنا فجأة علي الدوام وكأنه قمر يرتفع من وراء التلال الموجودة بيننا وبين العوالم الأخرى. ويقصف كالرعد ليحول أنظارنا الدنيوية إلي السماء. وهنا يبدأ فاصل موسيقي إلهي كأنه صوت نافورة فوارة أو صوت شلال هادر. وما أن يبدأ هذا حتى ينهمر علي أرواحنا أعذب ألحان الدنيا.
نطرب بالآذان وكأننا نغتسل في جدول من الموسيقي، ونجد فيه سحرا آخر وطعما آخر ولطافة وسعادة أخرى. ويثير سماعه وحدس معانيه شعورا وكأننا نرتفع إلي الماء ضمن سلم حلزوني سحري، أو نتجول ببالون في الأعالي. وأما إن كان الآذان يؤدي علي أصوله وكصوت للوجدان. فما أرق دقائق الآذان وما أنورها عندما يتردد صدي هذا الآذان المحمدي في السماء ويتماوج!
وبعد أن يتم بالآذان التهيؤ المعنوي، وقبل الإبحار في بحار القرب من الله قبل صلاة الفريضة، تعد صلاة النافلة ، ثم إقامة الصلاة فترة استقبال لنسائم الرحمة الإلهية علي الأرواح. وتتم في أوتار ضمائرنا عملية تنظيم لمشاعرنا الإنسانية النابضة في قلوبنا.
ولا شك أن الصوت الحقيقي يبدأ بالسلوك المشترك والمشاعر المتوحدة للجماعة التي تقف تجاه القبلة وتصطف خلف الإمام وقد عقدوا أيديهم أمامهم تعبيرا عن التوقير والاحترام. يركعون ويسجدون للحق تعالي، ويظهرون أقصي آيات التعظيم له، ويقفون أمامه خاشعين، وعند السجود يستوي عندهم موضع أقدامهم مع موضع(33/951)
جباههم. وبنسبة إحساسنا بشعور الجماعة في قلوبنا نستطيع تذوق كل صور جمال عصور الأنبياء والإحساس بها.
أجل!.... إن من يتواصل مع تناغم الصلاة السماوية، فإن كل حركة وراء الإمام في الصلاة وكل كلمة، هي عند ابن آدم صوت داء الوصال وصوت حسرة للجنة المفقودة، وتظهر بشكل شعور بالأمل وبالفرح بالوصال. والصلاة بالنسبة لمعظم من ترك نفسه في الجو المعراجي للصلاة تعد إشراقات فجر للأيام الحلوة التي تملأ خيالاتنا لعهودنا في الجنة من قبل، أو للجنات المقبلة.
وتنسلخ أرواحنا من الجو القاسي للجسد وتنفعل مرة أخري بأمل الوصال. ومع أنه لا يكون في كل صلاة ولا في كل صلاة فريضة فإن أرباب القلوب يستطيعون السياحة بين عالم الأزل والأبد عدة مرات في اليوم الواحد، ونجد في أعماقنا لذة آلاف الذكريات وكأننا نرتشف ماء الكوثر. وتهمس قلوبنا بأبيات الشاعر نسيمي:
مكاني أصبح لا مكانا ،
انقلب كياني كله روحا،
وتجلي عندي نظر الحق عيانا ،
فغبت عن نفسي من لذة الوصال...
وبعد الوقوف للصلاة يود هؤلاء العباد الصادقون أن يعلنوا عن طريق الركوع مدي انفعال أرواحهم الصافية، وعن ارتجافات و رعشات أفكارهم النيرة المستقيمة التي لا عوج فيها ولا التواء.
وبشعور خليط من الإحساس بأنهم تجاه عظمه وجبروت، وأمام رحمة ولطف ينحنون مثل انحناء عصا؛ وهم يتمتمون بصوت خافت وبشعور من العبودية يلف كل كيانهم. يتمتمون دوما عن العظمة الإلهية، ويدقون باب الحضرة الإلهية بالركوع الذي يعد أسلوب توجه أهل السماء وإبداء خضوعهم له.
وبنسبة انفراج ذلك الباب يستطيعون الوصول إلي أعماق عالمهم الروحي. ففي كل ركوع تقريبا يتم لمس مطرقة باب الحضرة الإلهية العظمي بالتكبير والحمد وبالمشاعر التي تتداعي بهذه الكلمات.
ينفث الركوع الذي يأتي بعد خطوة واحدة من الوقوف في الصلاة نفحاته علينا، ويهمس في أرواحنا همسات أجمل من الحياة نفسها، وأثمن من الأذواق الجسمية ، وعن رؤيا لا يمكن أن نتخيلها أو نتصورها ، ولا يمكن أن تتحقق في هذه الدنيا أبدا . ويعد قلوبنا أمورا تتجاوز بكثير ما ننتظره أو نتوقعه .. يعدها بأيام ودقائق زمردية وراء هذا العالي .
ألسنا جميعا أبناء أفكار وخيالاتنا وآمالنا بوجه من الوجوه ؟ فعندما اهتدينا إلي الحقيقة بعد أن قاسينا الكثير في هذه الأيام الصعبة ، فإننا نتجاوز الزمن الذي نوجد فيه ونثبت أنظارنا علي " الزمن الآتي " بأمل الحصول علي السعادة ، حيث نتأمل باسمين سفوح الجنة.
ويحمل الركوع ببعده الذي معني الانحناء أمام الحق تعالي توقيرا وتعظيما له، لذا فهو يأخذ معني الانحناء من كل من أحني ظهره، وأحيانا عندما نقول:{ إِنَّمَا أَشْكُو(33/952)
بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ} (يوسف:86)؛ فنشعر برائحة قميص يوسف من عالم يوسف عليه السلام، وصوت خرير ماء الحياة .
السجدة هي أرضية وخلفية الشكر، ووعاء المهابة الذي تصهر فيه العبودية وتسكب إلي قلب وقالب الواصلين. وكلما شعرنا بالسجود علي وجهه الحقيقي ، وتفاعلنا معه نحس ـ ونحن ننتقل من القيام في الصلاة إلي الركوع ثم القيام ـ وكأن هناك عصارة من الإيمان ومن الإسلام ومن الإحسان تنسكب إلي التلال الزمردية لقلوبنا وتنساب إليها.
عند السجود تلتقي جبهتنا وأقدامنا في المستوي نفسه، ونشكل نصف قوس، ونتوتر مثل وتر القوس، وننقلب إلي نفس وإلي صوت أنين، فنحس أن وسعة آمالنا تسبق أعمالنا، وتكفي كل شيء، وأن رحمة الله تسبق كل شيء عندما تتحد مع إيماننا وتكون وحدة معها، فنشعر وكأننا نمر من تحت أكاليل سماوية يقع طرفها منها في عالمنا والطرف الآخر في دار العقبى محاولين تغيير حظوظنا.
وبسكر هذا الشعور، يرفع رأسه بكل توقير من السجود مبديا تعظيمه وعرفانه بكرمه تعالي لكي يلون شعوره بالوصال ببعد آخر، ويقول :" التحيات لله .... " بكل الأدب الذي يقتضيه وجوده في الحضرة الإلهية؛ ويأخذ به الوجد حتى كأنه لم يعد كائنا من كائنات هذه الدنيا، أي يأخذ حالا ومعني وسحرا فوق الطبيعة.
وبعاطفة لا تعرف الارتواء ولا الشبع يتوجه بطل الصلاة بهذه المشاعر الفوارة ـ خارج حدود الكم والكيف، والمتعمقة بالنية الخالصة التي يخلد بها يقينه ويرتبط بها بالله تعالي ـ لأداء فرض الشكر للحق تعالي علي كل نعمة من حياة ومال وسائر نعمه الأخرى، فيذكر الله بكل مشاعر كيانه ويئن ... يذكر النبي، فيمتلئ داخله بالانشراح... ويفكر بالمؤمنين الذين يشاطرونه السعادة نفسها فيدعو لهم بالخير.. ثم ينهي صلاته التي بدأها بالتكبير بالشهادة التي هي أساس الدين ، وأساس رحلة المعراج هذه.
ولا يشبع الذين تعودوا علي أداء الصلاة منها أبدا، بل يقول كل منهم عقب الانتهاء من كل صلاة: "هل من مزيد ؟" فينتقل من صلاة نافلة، إلي نافلة أخرى، ويرتفع كالشمس في صلاة الضحى، ويلمس بصلاة الأوابين مطرقة باب القرب من الله، ويرسل الأنوار بصلاة التهجد إلي ظلام البرزخ، ويحاول أن ينسج حياته بالصلاة مثلا دانتيلا جميلة، ولا يدير رأسه أبدا عن العالي النوراني الذي يعيش فيه..
أعود إليك بعد الكلمات النورانية التي أمتعنا بها الأستاذ كولن، حسنا أنك تشعرين بالقلق جراء هذا الأمر. ولعل عدة خطوات تتبعينها تغير من حالك التي أنت عليها. فإليك ما فتح الله به عليّ :-
* استعدي للصلاة قبيل وقت الأذان، بالوضوء، و التنفل ما استطعت إلى ذلك سبيلا. وابدئي الوضوء باسم الله وأسبغيه وادعي بالدعاء المأثور بعده: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
* رددي الأذان بخشوع، وادعي بالدعاء المأثور بعده: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة....."، والدعوات المأثورة بين الأذان والإقامة: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخر... وغيرها من الدعوات.(33/953)
* اجتهدي في المحافظة على السنن الرواتب.
* اذكري قول الله تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون:1-2).
* اسألي الله تعالى أن يرزقك الخشوع في الصلاة، وأن يجنبك نزغات الشياطين، وأن يتقبلها منك.
* انظري موضع السجود. ولا تغمضي عينيك في الصلاة.
* أتبعي النافلة بالفريضة، على أن تنفضي عنك كافة المشاغل، أغلقي الهاتف أو اجعليه صامتا، أغلقي التلفزيون، أو أي وسيلة للانشغال.
* صلي الصلاة على وقتها ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
* صلي وأنت مستريحة ولا تؤجلي صلاة حتى يبلغ منك التعب.
* احرصي على ختام الصلاة والدعاء بعدها والاستغفار.
واعلمي حفظك الله ورعاك أن الله تعالى يسقط الفريضة عن عبده الذي يؤديها، حتى وإن لم تكن خاشعة كما ينبغي. ولكن اجتهدي والله تعالى يقول: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وتقبل الله منا ومنكم.
-ـــــــــــــــــــ
كيف نستثمر أوقاتنا لزيادة إيماننا؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
في الحقيقة أنا أود أن أسأل عن كيفية استغلال الوقت في الإسلام؟ وما قيمة الوقت في حياة الإنسان؟، والناس يضيعونه فيما لا يفيد، ولعل هذا هو سبب تراجع المسلمين.
وكيف يستغل المؤمن الوقت إيمانيًّا، طوال حياته، وإن كان مشغولا بعمله وبقوت أبنائه؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية, فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
الأخ العزيز مجدي من الكويت،
مرحبا بك، وشكر الله لك إذ تسأل عن أهمية الوقت وكيفية قضائه في الإسلام، وذلك في الوقت الذي يلهو فيه الكثير من الناس ويضيعون أوقاتهم فيا لا يعود عليهم بالنفع، فجزاك الله خيرا وبارك الله فيك وأكثر من أمثالك.
أهمية الوقت:
للوقت قيمة عالية في حياة كل إنسان؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه...". وفي حديث آخر:"اغتنم خمسا قبل خمس: فراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، فبما أن الوقت هو الحياة فيكون المعنى: اغتنم وقتك هذا الذي هو حياتك قبل أن يأتيك الموت فتنقطع(33/954)
عن الدنيا؛ ولذلك فيجب على المسلم أن تكون عنده غيرة شديدة على وقته، يجب أن يتضايق جدًّا إذا ضاع وقته فيما لا ينفع، فهذا من شأن عباد الله العقلاء.
ولكن هناك الكثير من الناس يقولون: لا ندري كيف نقضي أوقاتنا، ولا ندري كيف نمضي هذا الوقت، لا ندري كيف نقتله!!! ولذلك تسمع منهم عبارات: زهق وطفش وضيق وملل ونحو ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله: ".... وكذلك يغار المسلم على أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضا محبوبه وهو الله عز وجل فهذه الغيرة من جهة العبد غيرة من المزاحم المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبه، لماذا تغار الزوجة من الزوجة الأخرى؟ تغار منها على من؟ تغار على الزوج من الزوجة الأخرى؛ لأنها زاحمتها فيه".
ويصبح الوقت ذا قيمة عندما يكون هناك هدف ورسالة يصبح وقت الإنسان ثمينا جدًّا، ومن ليس لديهم رسالة ولا هدف أوقاتهم لا قيمة لها، ولذلك لا يشعرون بالوقت وهو يمضي، ونحن المسلمين أصحاب رسالة وهدف، لذلك يجب أن يكون لوقتنا أهمية كبيرة جدًّا في إحساسنا وفي شعورنا.
إننا بحاجة إلى أن نستيقظ ونعرف قيمة الحياة، لماذا لا نستشعر المسئوليات التي أنيطت بنا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُم إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 16]، لأننا أصحاب رسالة وأصحاب هدف، أصحاب دعوة، أصحاب مسئوليات.
لا بد من شغل الوقت، وعدم ترك النفس نهبا للفراغ، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتْكَ بالباطل؛ ولذا يقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لرجل، وهو يعظه: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
فاشغل نفسك بطاعة الله، وعليك بالاجتهاد في العبادة، فاقرأ القرآن واجعل لك وردا تقرؤه كل يوم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، "يقال لقارئ القرآن.. اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا"، ويقول الله تبارك وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا} فبذلك تنتصر على أعدائك الحقيقيين مصداقا لقول القائل:
إني ابتليت بأربع ما سلطوا **** إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى **** كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وعليك أن تحضر دروس العلم، وتسمع الشرائط والخطب الدينية، واقرأ الكتب المفيدة التي تثقل مواهبك وتنمي ثقافتك، ولا تحرم نفسك من هذا الخير الكثير، ولا تعرض عن ذكر الله فتشقى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} فصل لله بالليل، واقرأ القرآن، وأكثر من الدعاء كي يفرج الله كربك ويصلح لك أمرك إن شاء الله..
وعندما تأنس بمعية الله تعالى تشعر بسعادة لا تعدلها سعادة ورحم الله رابعة العدوية إذ قالت:(33/955)
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إن صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
فلا بد أن يكون المسلم واعياً، لا بد أن يكون مخططاً لما يريد أن يفعله، فعلى سبيل المثال: إن إنفاق عشر دقائق في أول كل يوم لكتابة مذكرة صغيرة بما ينبغي أن تفعله في هذا اليوم، أو مثل ذلك في آخر كل يوم لما تنوي أن تفعله في اليوم التالي، يوفر عليك عناءً كبيراً ويجنبك نسيان ما يجب أن تفعله في المستقبل.
وسائل تنظيم الوقت:
* تحديد مواعيد الأشياء الثابتة في كل يوم: مثل تحديد موعد النوم - تحديد موعد تناول الوجبات الغذائية - وتحديد موعد الزيارات- وتحديد موعد المذاكرة.... إلخ.
* التخطيط للمشاوير: لأن المشاوير التي نذهب إليها يوميًّا تأخذ وقتاً كبيرا من حياتنا، ولذلك لا بد أن يفكر الإنسان قبل أن يخرج في مشوار ما، ماذا سيفعل؟، وإذا كان عنده أكثر من حاجة يشتريها لابد أن يرتبها حسب أولويتها وأهميتها.
* عليك أن تعرف سرعتك في إنجاز الأعمال والمهام .. أي تعرف فعليا الوقت الذي يتطلبه أداء نشاط معين، وذلك حتى يمكنك أن تخطط فعليا لأنشطتك المستقبلية.
* خطط يوميا حسب الأولوية. خذ وقتا يوميا كل ليلة لتستفد من اليوم القادم. وسجل قائمة بكل ما لديك لتفعله، ثم اختر أي الأشياء ذات الأولوية لتفعله في يومك التالي. بدون تخطيط لليوم من الممكن جدًا أن ترتبك، تحتار وينصرف انتباهك للعديد من الأشياء غير النافعة، وإن لم يكن متيسرا لدينا ما نود فعله فسنفعل ما تيسر لنا.
* تجنب التسويف والتأجيل: أكثر الخطط فعالية هي ما تتضمن فقط ما عليك أن تفعل، وأن تظل تعمل عليه حتى تنتهي منه، ولا تسوف أو تؤجل ذلك العمل.
* ركز في إنجاز شيء واحد أمامك، وهو ما يعني ألا تدع الأشياء الأخرى تربكك وتلهيك عن الشيء المحدد الذي تقوم بإنجازه. دع بقية الأشياء بعيدا عن ذهنك، بعيدا عن مجال رؤيتك.
* إذا فعلت ما عليك فقط فستجد لديك العديد من الأعمال المنجزة، بما يعني إنتاجية عالية وإنجازا عاليا، وهو ما يدفعك لمزيد من الاندفاع، وبالتالي لمزيد من الإنجاز، وهكذا تدور الدائرة.
* استثمر وقتك في تعلم كيف تؤدي الأعمال بكفاءة وفعالية. حدد دوما موضوعات للتنمية الشخصية، واعمل على تحقيق ذلك.
* لا تخطط لكل دقيقة من وقتك، لكن فقط حدد الأشياء المهمة التي عليك إنجازها، واعرف - بعد ملاحظتك- كم تنفق من الوقت لأداء كل عمل، لتعرف ما الذي يمكن أن يستوعبه يومك فعليا، واترك مسافات بينية مناسبة بين كل نشاط وآخر.
* بعد المراقبة والمعرفة والتخطيط يجيء العمل بهمة وحماس على ما قررت عمله.. استعن بالله ولا تعجز.. قم فورا لتحقق ما تحلم به!.
ويذكر الإمام ابن القيم - رحمه الله - أمورا تساعد في استثمار الوقت في النافع المفيد فيقول:(33/956)
إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها أي إذا أنت مت انقطعت عن الدنيا"، وإذا اشتغلت بالأشياء التي تضيع الوقت بلا فائدة فإنك تكون قد انقطعت عن الله والدار الآخرة.
ولا بد أن يكون عندنا مفهوم واضح للأشياء التي تضيع الأوقات، فليس من ضياع الوقت ما كان في طاعة الله، لذلك فإن مساعدة الوالدين وشراء الأغراض لهما، أو الذهاب بالولد إلى العيادة، ومساعدة أخ في الله في إصلاح سيارته مثلاً، هذه الأشياء لا يمكن أن نعتبرها مضيعة للوقت، لأنها من طاعة الله، ولذلك تجد بعض الناس عندهم مفاهيم غريبة في خسارة المال أو ضياع الوقت، يقول : والله نحن ضيعنا من وقتنا العام الماضي عشرة أيام في الحج!!!، ونحن خسرنا آلاف الجنيهات في الحج!!!، هكذا يقولون: كيف تسمونها خسارة ؟!!
وليس من إضاعة الوقت مثلاً الصبر على التربية اللازمة لإقامة المجتمع المسلم، ومن لا يقبل ذلك فهو متهور يريد اختصار ما لا يمكن اختصاره، بزعمه أن طريق التربية بطيء وهو مضيعة للوقت، ولذا تجد أكثر هؤلاء شعارهم العنف؛ لأنهم يريدون تغيير كل شيء بالقوة وبأسرع طريقة!!!
ما هي الأشياء التي تضيع الأوقات؟، ما هي الأشياء التي تستهلك الأوقات؟
النوم، والأكل، والكلام، كما ذكر ابن القيم رحمه الله، فالإسراف فيها مضيعة للوقت، فإذا زادت عن حدها صارت مضيعة للوقت، النوم مثلا نعمة من نعم الله، ولولا النوم لعشنا في شقاء، الإنسان مطلوب منه أن يعطي جسده حقه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "... وإن لجسدك عليك حقا"، ولكن ليس معنى هذا أن ينام الإنسان الساعات الطويلة المتواصلة.
بعض الناس يحتاجون ثماني ساعات فعلاً، وبعض الناس تكفيهم ست ساعات، وبعض الناس يكفيهم أقل، وبعض الناس يكفيهم أكثر، والمسألة تعتمد كثيراً على التعود، وتعتمد على طبيعة جسم الإنسان وعلى نوع الوظيفة التي يقوم بها وهكذا.
ومن الأمور المهمة في النوم: القيلولة، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((قيلوا فإن الشياطين لا تقيل))،.. ففي الوقت الذي يكون الشيطان فيه سارحاً يمرح المفروض أن نكون نحن في نوم، ولا نتأخر في السهر، فقد كره النبي عليه الصلاة والسلام السهر بعد العشاء الآخرة إلا للعلم، أو للأشياء المهمة، أو للضيف مثلاً.
نحن الآن انقلبت عندنا الأمور، في وقت نشاط الشياطين نحن ننشط ونشتغل ونعمل، والمفروض أن ننام، وفي الوقت الذي ينبغي أن نكون مستفيقين ففيه ننام!! وهكذا، صحيح أن طريقة الحياة المعاصرة تجبرنا على نظام للاستيقاظ، يعني مثلاً انظر الآن في قضية الدوام في العمل وقضية الحصص و... إلخ، تجد أن الحياة مصممة على أنك تستيقظ في وقت القيلولة، فلو استطعت أن تنظم جدولك بحيث تنام في وقت القيلولة فافعل.
وسائل اللهو من البرامج والمسلسلات، والألعاب والمباريات والمسابقات، وغيرها. فإنها كثيراً ما توقع في المحرمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا حدث عنه ولا حرج، والخوض في هذا يدعو للأسى: كيف يضيع التلفزيون أو المسلسلات أوقات(33/957)
المسلمين؟ أو هذه المجلات الفارغة التافهة المنتشرة في الأسواق كيف تضيع أوقات المسلمين والمسلمات؟ هذا شيء في غاية العجب!!!
قضية التسويف، وهي داء كبير يحرم من خيرات كثيرة دنيوية وأخروية، والتسويف عادة يحدث للمهمات الضخمة والصعبة، متى يبدأ الناس يؤجلون ويسوفون؟ عندما تكون المسألة صعبة، فلذلك يجد في نفسه دافعًا للتأخير.
ولا بد أن تعلم أيها الأخ المسلم الفرق بين التسويف والتريث، فالتريث يعني أنك تنتظر الفرصة المناسبة، قد تكون الإمكانات والأدوات عندك غير متوفرة، لم يحن الوقت المناسب بعد، بينما التسويف أنت تدفع الأمر مع استطاعتك أن تعمله الآن، والحاجة إليه قد قامت، ووقته قد حان، ولكنك تتعذر بأعذار واهية، تقول: ما عندي وقت، لا أستطيع أن أفعله وحدي، أنتظر من غيري أن يساعدني، سأحاول.. سأحاول.
وهناك بعض الناس يشغلون أنفسهم بقضايا تشعرهم أنهم يستفيدون، مع أنهم غفلوا عن أمور أساسية كثيرة، فيتهرب من الشيء المهم ويؤجله، ويشغل نفسه بأشياء تافهة وجانبية، فلو أن إنسانا عنده غداً امتحان، المفروض أن ينشغل به، ولكنك تجد أنه يرتب الطاولة والخزانة والكتب، وينشغل بهذه الأشياء، ويقنع نفسه أنه يفعل شيئا مهما، بينما هو غافل عن الشيء الأساسي.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
أفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل ذلك إلى ترك الأوراد، من صلاة الليل وصيام النهار... والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً: القيام بحقه، والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة، والقرآن، والدعاء، والذكر، والاستغفار، والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه.
إذن فالأفضل في كل وقت أن يكون بحسب الشيء القائم والمطلوب في ذلك الوقت، فإذا أذن المؤذن أيهما يكون أفضل قراءة القرآن وأم إجابة المؤذن؟ قراءة القرآن الحرف بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف..؟! ترديد الأذان أفضل. والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه. والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه، أو البدن، أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
ومن الأشياء المهمة: معرفة الأولويات، ما هو الأولى؟
ما الذي نبدأ به؟
مثلا في طلب العلم: وإذا طلبت العلم فاعلم أنه حمل فأبصر أي شيء تحمل، وإذا علمت بأنه متفاضل فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل.
ويجب معرفة الأولويات: ومما يساعد عليها أن تعرف أن الأمور أقسام:
هناك أشياء مهمة وملحة، مثل: واحد قام من النوم وقد بقي على انتهاء وقت الصلاة شيء بسيط، لا بد الآن أن يصلي، شيء مهم ومُلح، أو ولدك مريض جدًّا لا بد الآن أن تذهب للطبيب؛ لأنه شيء مهم ومُلح.
والمهم كذلك أن يعرف طالب العلم: ماذا يفعل في كل وقت؟ وكيف يخصص لكل وقت وظيفة؟(33/958)
يقول ابن الجوزي رحمه الله: ولما كانت القوة تكلف وتحتاج إلى تجديد وكان النسخ والمطالعة والتصنيف لا بد منه، مع أن المهم الحفظ، وجب تقسيم الزمان على الأمرين، فيكون الحفظ في طرفي النهار وطرفي الليل، ويوزع الباقي بين عمل بالنسخ والمطالعة، وبين راحة للبدن وأخذ لحظه، ولا ينبغي أن يقع الهضم بين الشركاء، فإنه متى أخذ أحدهم فوق حقه أثر الغبن وبان أثره.
الوقت أغلى أم الذهب؟
قديما قالوا "إن الوقت من ذهب". ولكني أقول مع النظرة الثاقبة لهذه المقولة نجد أن الوقت أغلى من الذهب!!، كيف ذلك؟ الوقت إذا ضاع لا يمكن إرجاعه، أما الذهب فمن الممكن أن تعوضه إذا فقدته؟، فالوقت إذن أغلى من الذهب وليس من ذهب كما يقولون.
فنصيحتي لك أيها الأخ أن تتقي الله في عمرك، فكل يوم تطلع شمسه في هذه الدنيا ينادي ابن آدم بقوله: "أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لن أعود إلى يوم القيامة"!. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا".
فاشغل نفسك بالعلم أخي في الله واستعن بالله ولا تعجز، واجلس بين أولادك معلما إياهم مربيا لهم، وصل رحمك وأعط كل ذي حق حقه، وما لا يُدرك كله لا يترك كله. فإذا كنت منشغلا بعملك عن طلب العلم فحاول أن تفرغ وقتًا ولو قليلا، حاول أن تحضر درسا، أو تسمع محاضرة... إلخ.
وأخيرا.. أقول لك حقا إننا عندما غفلنا عن قيمة الوقت لقبنا بالعالم الثالث، عندما فقدنا أخلاقيات ديننا في العمل تراجعنا، وصرنا في آخر القائمة، فلا بد من العودة والنهوض بمقومات التقدم واحترام الوقت. وتابعنا بأخبارك، داعيا الله لك أن يعينك على تدبير الوقت واستغلاله في طاعته.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أعترف: التزامي مزيف! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أكتب إليك والألم يمزقني، وكنت أود أن أقول (والدموع تتساقط من عيني). لكن هذا للأسف لا يحدث؛ فلو حصل وترقرقت نصف دمعة في عيني فربما حُلت المشكلة بأسرها؛ وما كان هذا الخطاب.
أنا شاب في الثامنة عشر من العمر، لم أكن قط ملتزماً بحق؛ وإن كنت أعطي انطباعاً خاطئاً لمن حولي بالالتزام، كنت مدمناً للكثير من المعاصي، ولكني في رمضان الماضي تبت وأقلعت تدريجياً عن المعاصي، وبدأت الالتزام الحقيقي، وذقت لأول مرة في حياتي لذة الإيمان والطاعة ومقاومة المعاصي.
تعرفت على بعض الشباب الملتزمين في كليتي، واستمر الحال أربعة أو خمسة أشهر بعد رمضان، ثم أصابني فتور شديد؛ استمر طويلاً وجعل يزيد ويزيد، ثم انتهى بي الأمر للعودة من حيث بدأت.(33/959)
نعم، عدت لإدمان نفس المعاصي، وتضييع نفس الفرائض؛ وكأن شيئاً لم يحدث، بل عدت أسوأ وأقبح مما كنت، وإذ جلست أنظر بروية وتفحص في فترة التزامي أدركت الحقيقة المرة: أنني لم أكن ملتزماً بحق أبداً؛ لأني وجدت فترات الفتور الإيماني أكبر بمراحل من فترات القوة والتوهج الإيماني.
ستقول لي إن الإيمان يزيد وينقص، ومن الطبيعي وجود فتور من حين لآخر، أقول لك : نعم، أعلم هذا ولكن الطبيعي أن يكون الأصل قوة الإيمان وتوهجه، ثم تعتريه فترات فتور طارئة. لكن أن يكون الفتور والكسل وضعف الإيمان هو الأصل؛ وفترات قوة الإيمان طارئة قليلة؛ كما في حالتي فمن المؤكد أن هناك مشكله.
المشكلة أني حاولت التوبة والعودة إلى الله ففشلت!!، نعم فشلت، وعجزت تماماً عن العودة، لم يكن لدي سوى الرغبة فقط، كانت أمنيتي أن أتوب، وأعود لله ولرحاب الإيمان، وأكون مسلماً بحق، مؤمناً بحق، وداعيةً إلى الله، وعاملاً لدينه كما ينبغي أن يكون.
وبالفعل حاولت أن أتوب، وأنا أعلم أن التوبة عمل قلبي بالدرجة الأولى، وأن الندم أساس التوبة والتربية الإيمانية، والسير إلى الله هو: الخوف من الله -عز وجل.
لكني لم أشعر بشي من هذا في قلبي، لا خوف ولا ندم ولا شيء، تفكرت في عظم ذنوبي وخطيئتي، وعظم من عصيت، دونت ذنوبي على الورق، زرت المقابر مرتين، تفكرت في عذاب القبر وأهوال يوم القيامة وعذاب جهنم، سمعت العديد من الشرائط والمواعظ عن الموت وأهوال يوم القيامة والآخرة، وشرائط عن الخوف من الله والخشية، وشرائط ترغب في التوبة وما إلى ذلك.
ولكن لم يحدث شيء لم أشعر بذرة خوف، أو ندم حقيقي في قلبي، لم أشعر بتلك الطاقة التي تنبعث من القلب؛ فتحفز الإنسان على ترك المعاصي والتوبة وفعل الخيرات. وكم كنت أتمنى هذا، كم كنت أتمنى أن تنزل من عيني الجامدة، ولو نصف دمعه أسفاً على ما فرطت في حق الله، أو مهابة له-عز وجل-؛ كي تعمل كشرارة لبدئ التوبة والعودة والإنابة الحقيقية، كشرارة تندلع في محرك سيارة كي تبدأ في حرق الوقود ودفع السيارة.
يبدو أن توبتي كانت توبة لسان كاذب. ما أقسى وأشنع هذا العذاب. أن ترى قلبك وقدميك يقودونك للنار ولا تستطيع تحريك ساكناً. أنا أعلم أن الهداية والتوبة والإيمان محض رزق وفضل من الله، يقذفه في قلوب من يشأ من عباده:{مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف:178). فماذا أفعل لو كتب علي أن أكون من الصنف الثاني؟
لا أدري إن كنت ستفهم ما أريد قوله وتفهم مشكلتي أم لا ؟، إن الوحيد الذي يفهمني حقاً هو الله، وهو الوحيد الذي يستطيع حقاً مساعدتي هو الله.. هذا بالطبع إن شاء...... إن شاء...
البائس ( أ.ي )
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...(33/960)
...
...
أخي الحبيب :
أقول لك من أعماق قلبي: أحبك في الله ، نعم أحبك والله، وإني رغم ما ترى نفسك فيه من السواد، فإن شعاع الإيمان ينطق من كلماتك، والندم الذي أنت فيه لهو أول خطوة نحو طريق الإصلاح، أن تدرك أنك على خطأ، وأن نفسك لم تزين لك المعصية فتراها في عينيك شيئا مباحا.
إن طمس القلب يكون بتزوير الحقائق، ومادمنا نرى الخطأ خطأ فنحن أصحاء، ولو أخطأنا، ومن الذي لا يخطئ، إذ الخطأ طبيعة في البشر، ولو لم نخطأ لم نكن بشرا، إن حلاوة الإيمان في طاعة العبد لربه، بل وفي عودته إليه بعد معصيته له، وأنت تدرك فرح الله تعالى بعودة العبد التائب إليه سبحانه، مع كونه الغني عنا، إنه لا يريد منا أي شيء، بل يعطينا كل شيء.
أدرك معك خطر حالتك، وصحتها في ذات الوقت، فما أنت فيه من إدراك الخطر ظاهرة صحية، وما أنت فيه من المعصية المستعصية خطر، ومن الحكمة أن ترى الأمرين معا، وأن تبحث أيضا في نفسك عن نقاط الخير، فأنت لست شيطانا رجيما، بل إنسان فيه خير وإيمان، يفعل الطاعات، ويأتي السيئات، يضعف ويقوى، غير أنه يدرك ما هو فيه من الوهن، ويدرك صعوبة حالته.
ومدار حالك كلها على القلب، فهو لب المسألة، وأنت أدرى الناس بمداخله، بالطبع أنت سترت على نفسك، ولم توضح لنا ما تأتيه من المعاصي، غير أن هذا هو المفتاح الذي يدلنا على الطريق، إنك تأتي أعمالا من السيئات.
وهذه الأعمال لها علاج خاص، ليس دائما كما يقول علماؤنا حين يشتكي أحد إليه أن يلزم صلاة الجماعة وقراءة القرآن والصوم وغيرها من الطاعات، وإن كانت كل هذه أدوية نافعة، غير أنه يجب أن نعالج ذات الداء، لا أن نعطي مسكنات، لأن بقاء المرض وعدم علاجه يلغي مفعول هذه الأشياء، فلا تدخل في النفس، وتكون النفس ضعيفة المناعة، وإن كان في لغة الأطباء أن هناك استعدادات قبل إجراء العملية، تمهيدا للتخلص من بعض المعوقات التي قد تعوق نجاح العملية، ولابد أن نركز على المرض ذاته، وندرك أين الوجع، ونشخصه تشخيصا حقيقيا، ثم نبحث له بعد ذلك عن الدواء الناجع له.
كم أدرك أنني أكلم شخصا غير عادي، عنده معرفة كاملة، يستطيع إن وقف خطيبا في الناس أن يبكيهم، ولست أتحدث معك عن مدخل المعرفة، ولكننا في حاجة إلى قراءة النفس بشكل مفصل، يشبه عند علماء الحديث تمحيص الجرح والتعديل، نعرف كل شيء فيها، نقاط الضعف، ونقاط القوة، نقاط الجذب، ونقاط النفور، نقاط الصلاح، ونقاط الفساد .... إلخ
أخي الحبيب :
رغم طول رسالتك، إلا أنها جاءت عامة جدا، والعموم دائما لا يخرج علاجا، بل لابد من التحديد حتى يمكن لنا أن نضع أيدينا على الداء، ولكني سأطرح عليك بعض الأفكار التي يمكن أن تستفيد منها جيدا، ومن ذلك:(33/961)
* لا تضع نفسك في دائرة اليأس، فاليأس قاتل، ولن يجدي شيئا، واجعل نفسك كتاجر تعرض للخسارة، غير أن بضاعته مازالت موجودة، ويمكن له أن ينشط من جديد، وأن يعاود المحاولة، بل ربما كانت السقطة دافعا للقيام والنهوض، ورب ذنب انتفع به صاحبه أكثر من طاعة.
* اجلس مع نفسك، وأمسك ورقة وقلما، واكتب ما تأتيه من المعاصي والسيئات، وقسمه إلى كبائر وصغائر، و صنفه بين ذنوب الجوارح وذنوب القلوب، وابدأ بالكبائر قبل الصغائر، وبذنوب القلوب قبل ذنوب الجوارح.
* اكتب الأسباب التي دفعتك إلى إتيان تلك المعصية، والدوافع المحيطة بها، ووسائل الإغراء في الوقوع فيها .
* اقطع نفسك تلك الأسباب، فلا تعرض نفسك لها، وغير من بيئتك قدر استطاعتك، ولا تكثر الخلوة بنفسك.
* ركز على قطع الداء أكثر من الانشغال بنوافل الطاعات، فكما قال صلى الله عليه وسلم " اتق المحارم، تكن أعبد الناس".
* ابق على كل خير تفعله، لا تخرج من الميدان، فإن كان لك ورد فواظب عليه، ولو بلا قلب، حافظ على الأذكار ولو بلا قلب، حافظ على السنن بلا قلب، فعسى الله أن يرفعك من طاعة بلا قلب، مع طاعة بقلب وما ذلك على الله بعزيز.
* جاهد نفسك، فأنت تعالج جراحا، وعلاج الجراح لابد فيه من الشعور بالألم، ومن ظن أنه سيعالج بلا ألم فقد وهم، اصبر وتمثل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).
* استعن بإخوانك الصالحين كي يساعدوك، فالإنسان اجتماعي بطبعه لا يمكن أن يعيش وحده، وقد خاطب الله تعالى المؤمنين دائما بنداء الجماعة، ولزوم جماعة الإيمان حصن للإنسان من الشيطان.
* عليك بالدعاء، فإن به تفتح الأبواب، وتيسير الصعاب، وييسر به العسر، ويزال به الهم، فهو سلاح المؤمنين، ولو كانوا مخطئين، وما أحسن ما قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه: لا يمنعنك الدعاء ما تعلم من نفسك، فقد استجاب الله تعالى لشر المخلوقين إبليس، إذ دعا ربه:{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِين َ}(الأعراف:14-15).
* اقرأ في سير التائبين والصالحين، وتزود من حالهم لحالك، وخذ من علمهم لعلمك، واقتد بفعالهم في فعالك، فإنهم خير القرون.
*
وختاما؛
أخي الحبيب، تيقن أن علاجك – بإذن الله - قريب، وهو سهل يسير، على أن تأخذ له عدته، ولا تنس التعلق بالله، وإياك ثم إياك أن تهرب منه، فإن العبد إذا خاف شيئا فر منه، وإذا خاف من الله فر إليه، قال تعالى :" ففروا إلى الله ".
ليكن هذا شعارك، فر إليه، واختل به في ظلمة الليل، وارتمي بين يديه، واشك له دون سواه، وابق على عتباته، حتى يغفر لك ما كان منك، فإن لم تذهب إليه فلمن تذهب؟.. ولا تنسنا من صالح دعائك ... وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك..(33/962)
... الاسم ...
أحفظ القرآن ولا أتأثر به! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
السلام عليكم..
أنا فتاة أحفظ نصف القرآن ولا زلت أتابع الحفظ والمراجعة، وأعمل مدرسة في إحدى دور التحفيظ. مشكلتي هي أنني لا استطيع التأثر بالقرآن، ولا أشعر بأني قريبة من الله كما أريد، وهذا الشعور يقلقني.
أشعر بحسرة كبيرة وحزن شديد على نفسي، وأتساءل دائماً لم هذه الوحشة بيني وبين ربي وخالقي الذي أحبه؟ وأعلم يقيناً أنني أنا المتسببة فيها.
أريد أن أشعر بالخشية من الله، وأن أجد في نفسي رغبة ومسارعة إلى الطاعات والنوافل.
أريد أن أزهد بالدنيا، وأن يكون جل تفكيري وهمي هو رضا الله والفوز بجناته.
وبصراحة قبل فترة من الزمن كنت أرتكب ذنوبا على الانترنت، فقد كان لي أخدان، وكنت أشاهد المقاطع والصور الإباحية، لكني عدت إلى الله وأنا الآن نادمة على كل ما فعلته، وتركت صديق كنت أحبه كثيراً وأجبرت نفسي على ذلك رغبةً فيما عند الله. والآن أفكر به كثيراً لكنني أجاهد نفسي وأحاول نسيانه.
وأعاني كثيراً بسبب تشتت اتجاهاتي بين رغبتي في سلوك طريق الجنة، وانجذابي إلى الفتن والشهوات.
فهلا أرشدتني إلى طريق النجاة ؟؟؟ أسأل الله لك رضاه والخاتمة الحسنة وأن يثيبك الجنة.
... السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختنا في الله/ بنت المدينة
السلام عليك ورحمة الله وبركاته وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا؛ أما بعد :
شعورك بالقلق والحسرة والحزن الشديد على نفسك لكونك لا تتأثرين بالقرآن الذي تحفظين نصفه – كما ذكرت- ولكونك لا تستشعرين القرب من الله.. ظاهرة طيبة، وبادرة إيمانية، فاحمدي الله أن رزقك هذه النفس اللوامة، التي تراجعك وتلومك لا على التقصير في أداء الطاعة- قراءة القرآن- بل على عدم تأثرك به، فاحمدي الله أن رزقك نعمة "استشعار المعصية" والإحساس بخطر الوقوع في الإثم، فتلك نعمة تستحق الشكر، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}. فكثير من المسلمين لا يستشعرون(33/963)
خطر الوقوع في المعصية، ويظلوا في حالة اللاوعي حتى تباغتهم المعاصي فلا يستطيعون منها فكاكا.
ويمكنك أن تبحثي عن حل لما تعانين منه، وأن تجتهدي في معرفة أسباب عدم التأثر بالقرآن، وعد استشعار القرب من الله وإن كنت أعتقد – من خلال خبرتنا مع مثل هذه الأسئلة- أن السبب ربما يرجع إلى اقتراف بعض المعاصي التي تحول دون استشعار حلاوة القرب والصلة بالله وخشوع القلب عند قراءة القرآن والاستماع إليه.
ولعل من الحكمة ألا تجهدين نفسك في البحث عن علاج "العرض"، بل إن الأجدر بك أن تبحثي عن "أصل المرض"، ثم تسعين للوقوف على أسبابه، بمنتهى الصدق والصراحة، وتختاري أسهل طرق العلاج للمشكلة.
وحتى يمكنك الوصول لمرحلة التأثر بالقرآن فإنني أوصيك بالآتي: -
* دربي نفسك – شيئا فشيئا– على التأثر بالقرآن، فإنما العلم بالتعلم والخلق بالتخلق والحلم بالتحلم . روى ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"أبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا".
* فرغي وقتك وقلبك من مشاغل الدنيا وهمومها – وما أكثرها- وخاصة عند قراءة القرآن أو الاستماع إليه. قال تعالى :" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ".
* احرصي قبل القراءة أن تكوني على وضوء.
* صلي ركعتين بعد الوضوء، وبعد الانتهاء منهما اجلسي في استقبال القبلة، وعلى هيئة التشهد.
* استحضري عظمة الله منزل هذا القرآن، وتخيلي نفسك واقفة أمامه سبحانه، قال تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الحشر:21).
* تدبري ما تقرئين أو ما تسمعين بقلبك وعقلك، ولا تمري عليه مر الكرام، قال تعالى : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(النساء:82)، وقال أيضا : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(النساء:82)، وقال :{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}(القمر:17).
* اختاري الوقت المناسب للقراءة، والمكان المناسب للقراءة، وتوخي الحالة النفسية القارئ، فلا يقرأ في حال التعب ولا الجوع الشديد ولا المرض الشديد.
وحتى تكوني على صلة بالله وتستشعري القرب من الله فإنني أوصيك بالآتي:-
* عودي نفسك التوجه إلى الله.
* أكثري من الدعاء والتذلل إليه سبحانه، والإلحاح عليه في الطلب.
* حافظي على أداء الفرائض وأكثري – ما استطعت – من النوافل فإنها سبيل تحصيل محبة الله، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ}(البقرة:238)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".(33/964)
* اعلمي أن مكانتك عند ربك هي على قدر مكانة ربك عندك، فعظمي مكانة الله في قلبك ترتفع منزلتك عند خالقك.
وختاما؛
إذا كنت تقولين في رسالتك (كنت أرتكب ذنوب على الانترنت، فقد كان لي أخدان .. وكنت أشاهد المقاطع والصور الإباحية...)، فإن الأمر أصبح واضحا جليا، تخلصي من ذنوبك تستشعري حلاوة القرب من خالقك، واعلمي أنه لو وفقك الله في إتباع ما يقربك منه فلن تجدي لديك التشتت الذي تعانين منه بين رغبتك في الطاعة، وبين انجذابك للفتن.
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وتابعينا بأخبارك...
ـــــــــــــــــــ
دائما مشغولة.. كيف أزيد إيماني؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أحييكم لما تبذلونه من مجهودات جبارة، في الحقيقة، لإفادتنا في أمور ديننا الحنيف عما جهلناه ، جزاكم الله خير الجزاء، وكتب لكم بكل حرف حسنة.. آمين.
لدي سؤال عن كيفية زيادة إيماني، والصبر على العبادات أكثر وأكثر، فأنا ولله الحمد أؤدي صلواتي في وقتها غالبا، ولكني كنت قبل الزواج (وأنا حديثة العهد به) أكثر عبادة لله تعالى، وأكثر تضرعا بالدعاء، وكما تعلمون أن الله يحب دعاءنا له وتضرعنا له، ويعطينا عليه الثواب وإن لم يستجب.
لكنني بعد الزواج تخاذلت كثيراً في أداء فروضي، ولم أعد أصلي النوافل كما كنت سابقا، خاصة بعد أن رزقني الله وحملت، حيث إنني الآن في منتصف حملي، ولا أصلي إلا الفروض والوتر فقط من النوافل.
وأود أن أستفسر عن العقاب الذي أستحقه من الله حين أسمع أذان الفجر ولا أقوم له ؟، حيث إنني بعد ساعة من أذان الفجر، أصلي الصبح فقط، إذ أن الشمس تكون قد أشرقت، فهل أقضيه أم ماذا ؟، أنا أتمنى أن لو أستطيع النهوض له، ولكني أكون متعبة فلا أستطيع.
وكذلك القرآن الكريم، فقد كنت أتلوه باستمرار، أما الآن فأنا أستمع إليه فقط، في العمل هنا حيث لدي في الكمبيوتر تسجيلات وضعتها لعدة سور، حتى الدعاء لم أعد أجلس له كما كنت، حيث كنت أتضرع حتى يغلبني البكاء وأندم على تقصيري.
أرجوكم أفيدوني، كيف أزيد من طاعاتي وعباداتي، حيث يكون بالي دائما مشغولا بما يجب عليّ من واجبات البيت بسبب ضيق الوقت، حيث يمضي معظمه.
عفواً للإطالة والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
... السؤال
الأستاذ رمضان بديني ... المستشار
... ... الرد ...
...(33/965)
...
الأخت أم أيمن،
أهلا وسهلا بك، ونسأل الله أن يهدينا وإياك سواء الصراط..
ونبارك لك حياتك الزوجية وحملك المبارك، ونسأله أن يتمه على خير وأن يكون نعم الخلف لنعم السلف، ونشكر لك حرصك على أمور دينك وعلى صلواتك، ونسأله سبحانه أن يرزقنا حسن التعرف عليه، وحسن عبادته وتقواه.
الأخت أم أيمن،
من الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: "وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا"(المدثر:32). ولكن كيف يزداد هذا الإيمان؟
* يزداد الإيمان بالطاعات، وينقص بالمعاصي.
* يزداد بالتفكر والتأمل في خلق الله عز وجل وحسن تدبيره لهذا الكون الفسيح.
* يزداد بالتعرف على سير السلف الصالح –رضوان الله عليهم- وحالهم مع ربهم.
* يزداد بالتعرف على ما أعده الله لعباده المؤمنين من النعيم المقيم.
* يزداد بكثرة قراءة القرآن وتدبر معانيه، وكثرة ذكر الله بخشوع وتدبر في أسمائه الحسنى وصفاته العلا.
أختاه: ثم تسألين عن الصبر على الطاعات فأقول لك:
إن الصبر أنواع؛ فهناك صبر على البلاء، وصبر عن المعاصي، وصبر على الطاعات، وأشدها الصبر على الطاعات؛ ذلك لأن الإنسان ربما يفعل الطاعة، وهو لا يرى لها جزاء ملموسا في حياته؛ فاستمراره على ذلك وصبره عليه من أشد أنواع الصبر، وحتى يمكن تحقيق ذلك:
* انوي أنك تعبدين الله عز وجل لأنه المستحق للعبادة والشكر؛ فهو الذي خلقنا ورزقنا، ونعمه علينا أكثر من أن تعد وتحصى؛ أفلا يستحق ذلك العبادة والشكر؛ حتى إن لم نلاحظ أثر ذلك. فإذا وجدت في نفسك ميلا للتكاسل عن العبادة فتذكري نعم الله عليك.
* تعرفي على جزاء بعض العبادات في الآخرة، وقارني بين ما تقومين به من مجهود وما ينتظرك في الآخرة من نعيم مقيم.
* استعيني بالله عز وجل وتوجهي إليه بالدعاء أن يعينك على ذلك.
* استعيذي بالله من الشيطان الرجيم؛ فهو يحاول أن يصدك عن الله ويمنعك من العبادة.
أختاه،
اعلمي أن حياتك الزوجية واستعدادك لاستقبال ولي العهد الجديد لها متطلبات والتزامات جديدة ؛ وذلك يستدعي جهدا إضافيا منك؛ فحاولي أن توازني بين عباداتك وحياتك الأسرية؛ بحيث لا يطغى أي منهما على الآخر؛ فالله كما أمرنا بعبادته أمرنا بإعمار الأرض والسير فيها.(33/966)
ويمكنك أن تتفقي مع زوجك على أن يعين بعضكما الآخر على العبادة وأن تتحاسبا فيما بينكما وتتنافسا في ذلك.
ثم تسألين عن صلاة الفجر وعدم استطاعتك القيام لها رغم سماعك الأذان؛ فهذا شيء جميل جدا أن تحرصي على ذلك وأن تسألي عن الحكم؛ فاعلمي- يا أختاه - أن الصلاة هي عماد الدين، وهي الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان مطلقا؛ في حال مرض أو صحة؛ فمن لم يستطع الصلاة قائما فليصل قاعدا وإن لم يستطع فمضجعا؛ فإن لم يستطع فراقدا حتى يمكنه إجراء حركات الصلاة على خاطره.. فماذا نفعل إذن؟
* عليك أن تستعيني بالله وتحرصي أن تنامي على وضوء.
* احرصي على النوم مبكرا حتى تستطيعي القيام.
* خذي بالأسباب المعينة على القيام؛ مثل أن تستعيني بمنبه أو توصي أحدا أن يوقظك؛ فقد نعى الله على المنافقين أنهم لا يأخذون بالأسباب للخروج؛ فقال تعالى: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ".
* إذا سمعت الأذان ودعتك نفسك للنوم فتذكري ما أعده الله لك من الأجر إن قمت. واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم.
* يمكن أن تحددي تعزيرا لنفسك إن غلبتك ونمت.
* إذا غلبتك نفسك ونمت فعليك أن تقضي الصلاة وقتما تستيقظين.
* أكثري من صلاة النوافل؛ فإن الله يجبر من النافلة ما نقص من الفريضة.
* أما بالنسبة للقرآن فاجعلي له وقتا ووردا ثابتا يوميا ولو قليلا، ويمكنك أن تستغلي فترة الركوب في المواصلات في قراءة القرآن، واحرصي على الاستماع للقرآن كلما أمكنك ذلك. ويمكن أن تستغلي فترة وقوفك في المطبخ في الاستماع للقرآن
ـــــــــــــــــــ
أنقذوني ..الوساوس تداهم إيماني ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أنا شاب عمري 26 سنة، عشت في أسرة محافظة، ودرست معظم المراحل المدرسية في السعودية، ابتدأت الصلاة في سن مبكرة والحمد لله، وما زلت مواظبا عليها. تعلمت في المدرسة والجامع أصول العقيدة والعبادات، وكنت مقبلا على ديني إقبال الظمآن على الماء محبا له معتزا به.
سافرت بعد إنهاء المرحلة الثانوية إلى فرنسا حيث كان أخي الأكبر يدرس هناك، وكنت متفوقا جدا في دراستي كما كان ذلك سابق عهدي في المدرسة.
وكنت أجد في ذلك التفوق ما يثبت للغرب أن المسلمين هم أناس منتجون ومميزون، وأنظر إلى أنني داعية لديني من خلال سلوكي وممارستي، وخلال كامل إقامتي هناك لم أرتكب فاحشة ولم أصادق فتيات كما كان ذلك حال كثير من الشباب المسلمين هناك والحمد لله.
في السنة الرابعة من الدراسة أصبحت تأتيني خواطر عن الله وعن الدين لا تليق بي كمسلم بأي بشكل من الأشكال، كانت هذه الأفكار بالنسبة لي كالصاعقة؛ فلم يخطر ببالي في يوم من الأيام أن أفكر في مثل هذه الأمور؛ فقد تقبلت ديني بالفطرة، والله(33/967)
أحب إلي من كل شيء وأعظم عندي من كل شيء. لم أشك يوما في وجود الله، ولكن الأفكار كانت تستجرني لأعرف الحكمة من كل شيء وأسباب تقدير الله لما يحدث في الكون من الحروب والكوارث، وما هي الحكمة من الوضوء قبل الصلاة مثلا، وأشعر كأني (معاذ الله) أحاسب الله على تقديره للأمور، أو أنه (معاذ الله) لا يستحق مني كل ذلك التعظيم، وعندما كنت أسال والدي عن بعض ما يراودني من أفكار أو عن بعض أمور الدين كان ينفك من الإجابة ويغير الموضوع. فصار ينتابني شك أن هناك أمورا في الدين لا يعرفها إلا الكبار، أو يجب أن يعرفها الإنسان عند سن معينة بالتفكر.
لقد تلقيت ديني وأنا صغير بكل بساطة ووعيته وأحببته، والآن أشعر وكأن كل ما عرفته سابقا عن الدين ليس صحيحا وأنه ليس بهذا اليسر والبساطة والمثالية، و يخيل إليّ دائما أن والدي ينعتني بالكافر لأنني لم أكتشف إلى الآن حقائق الدين، وكأن للدين ظاهرا وباطنا. وفي الحقيقة مجرد التفكير بتكفير أهلي لي والشعور بأنني سأسقط من أعينهم يقتلني. وأحيانا أتساءل: هل الدين كما عرفته وأحببته؟ وهل كل الناس مثلي يؤمنون بما أؤمن، أم أنني أعتبر نفسي مسلما، ولكنني في الحقيقة جاهل بالإسلام ولست من أهله؟.
وحتى أزيل كل هذه الشبهات من رأسي عكفت على قراءة كتب الدين، وقصرت في تحصيلي الدراسي، وكلما حسبت نفسي قد تمكنت من درء إحدى الشبهات كان يعترضني غيرها، وخاصة عندما أقرأ القران، حتى انبريت في قراءة تفسير القرآن من أكثر من كتاب.
وخلال إقامتي في فرنسا كان الطلاب الفرنسيون ينظرون إلى المسلمين على أنهم يقاتلون ويستشهدون حتى يفوزوا بالنساء والحور في الجنة، ولهذا هم يفجرون أنفسهم، وقد أعادني هذا الحديث إلى أيام طفولتي عندما كنت أنام أحيانا في غرفة والدي وكانا يمارسان الجنس مع بعضهما، ظنا منهما أنني نائم، وكنت أشعر حينذاك بالكره الشديد لهما، وأصبح يتبادر إلى ذهني: لماذا خلق الله الكائنات لتتزاوج بهذه الطريقة؟ أما كان هناك طريقة أفضل منها (أستغفر الله)؟ ولماذا يغرينا الله بالنساء والحور بالجنة (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)؟.
إنني والله أشعر بالخوف والحياء الشديد من الله لجرأتي في الإفصاح عما يراودني من أفكار، ولكنني أريد أن أعرض لكم مشكلتي كما هي؛ لعلي أجد عندكم الحل، وأسال الله أن يغفر لي؛ حيث إنني لم أراسلكم إلا بعدما استنفدت جميع الطرق لكبح هذه الأفكار والاعتقادات التي تراودني، وكلما حاولت الذهاب إلى أحد المشايخ والتحدث إليه، أتراجع في اللحظة الأخيرة لأنني لا أملك الشجاعة الكافية، ولا أجد نفسي قادرا على البوح بما يخالجني؛ لأنه مما يتعاظم علي الحديث به.
أتأسف على الإطالة، ولكنني والله تعبت وفقدت حافزي ومتعتي في الحياة مما أصابني، وكرهت ضعفي، وأتمنى لو كنت ميتا قبل أن يحصل معي هذا.
بعدما سردت لكم قصتي أريد أن أسأل: ما هذا الذي يحصل معي؟ وكيف أتخلص منه؟ وهل يجب أن أفكر في كل ما آمنت به أم أتقبل أمور الدين بالفطرة وبدون تفكير؟(33/968)
ما هي الأمور التي يجوز للمسلم أن يفكر بها، والأمور التي لا يجوز أن يفكر بها في الدين؟
هل يكفي ما تعلمته وأوقن به منذ صغري من أصول العقيدة والعبادات لأستمر عليه وأكون بذلك مسلما إسلاما صحيحا؟
وكيف أتصرف مع ما يلح على خاطري من أسئلة؟
هل أعتبر بعد هذا كله مسلما، أم ما يحصل معي قد ردني عن ديني؟
إنني لا أريد أن أفقد ديني فهو أغلى ما لدي، ساعدوني و جزاكم الله خيرا.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان بديني – الباحث بكلية دار العلوم:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلا بك أخي ماهر على صفحات موقع "إسلام أون لاين"، ونشكر لك ثقتك في الموقع وأهله.
هون عليك أخي الحبيب؛ فلست بدعا فيما ذهبت إليه من أفكار وشكوك، ولا تترك للشيطان فرصة يتحكم فيك ويزيد من شكوكك، وأبشرك بأن ما أنت فيه هو صريح الإيمان، وإليك هذه البشرى من الهدي النبوي الشريف؛ فقد ورد أنه جاء ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به"، قال: " وقد وجدتموه؟"، قالوا: "نعم"، قال: "ذاك صريح الإيمان". قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان؛ فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك". وأنت أخي قد حاولت دفع هذه الشكوك والتخلص منها ولم تتحدث بها مع أحد؛ لأنها -على حد قولك- "مما يتعاظم عليّ الحديث به".
وثق أن الإيمان الذي يأتي بعد مرحلة من الشك والدراسة يكون أثبت من الجبال الرواسي، وإليك قول الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال" حيث يقول: "الشك أول مراتب اليقين"، ويقول أيضا: "من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال". وقد مر -رحمه الله- بتجربة مثل التي تمر بها؛ فقد عاش في عصر من التوتر العلمي والفكري تمثل في الفلسفة ومنهجها في البحث عن الحقيقة، والصوفية ومنهجهم في الذوق والكشف والإلهام، وعلماء الكلام وسفسطتهم، والباطنية وضلالاتهم، ولكنه اتبع منهج الشك المنطقي حتى أسس للمعرفة على أساس عقلي ويقيني بإعمال عقله وحسن صلته بربه؛ حتى عبر عن تجربته بعد أن عبر مرحلة الإيمان إلى مرحلة اليقين قائلا: "فلما خطرت لي هذه الخواطر، وانقدحت في النفس حاولت لذلك علاجا فلم يتيسر؛ إذ لم يكن دفعه إلا بدليل، ولم يمكن نصب الدليل؛ فأعضل هذا الداء، ودام قريبا من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال لا بحكم المنطق والمقال. حتى شفى الله(33/969)
تعالى، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا بها على أمن ويقين. ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام؛ بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر. وذلك النور هو أكثر المعارف؛ فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة".
فممن الواضح أخي أن هناك بعض العوامل والأسباب هي التي أوصلتك إلى ما أنت فيه؛ من نشأة تربوية تشوبها بعض الملاحظات، ونشأتك في مجتمع منغلق، ثم هجرتك المباشرة إلى مجتمع على النقيض منه تماما في الانفتاح وتقديس العقل.فالأساليب التربوية الخاطئة أسلوب التلقي والتلقين في فترات التعليم الأولى، وهروب الوالد من الإجابة عن بعض الأسئلة الدينية التي كانت تراودك؛ وهو ما فتح الباب على مصراعيه للشكوك لتتسرب لنفسك منذ الصغر وتتراكم حتى كونت جبلا عجز عقلك عن الصمود أمامه ومقاومة شبهاته.
ثم تأتي ممارسة أبويك الجنس وأنت معهما في الحجرة وهما يظنان أنك نائم؛ وهو ما رسم صورة سيئة في ذهنك عن علاقةٍ، هي من أسمى العلاقات الإنسانية إذا روعيت فيها الضوابط الشرعية.
وبعد نشأتك في هذه البيئة المنغلقة التي تعتمد التلقين دون فهم أو إدراك أو إعمال للعقل تأتي النقلة المفاجئة إلى بيئة مناقضة تماما، بيئة تقدس العقل أيما تقديس وترفض كل ما تعارض معه حتى ولو كان نصا مقدسا.
إن الجنين إذا تمت ولادته قبل اكتمال نموه في بطن أمه فإنه يتم وضعه في "حضانة" توفر له بيئة مشابهة للبيئة التي كان يعيش فيها؛ حتى إذا اكتملت وظائفه واشتد عوده أُخرج من الحضانة ليمارس وظائفه الطبيعية في الحياة بعد أن يكون قد استعد لها، ولو أنه أخرج من بطن أمه ناقصا وترك هكذا لمات على الفور، ولما استطاع الصمود أمام هذه البيئة الجديدة، وأنت تم نقلك من بيئتك المنغلقة إلى بيئة أخرى على النقيض منها انفتاحا وتقديسا للعقل، فأحدث هذا ارتباكا تفكيريا لديك، جعلك تشك في كل الثوابت والبديهيات التي آمنت بها.
وهناك عبارة استوقفتني في رسالتك وهي: "و يخيل لي دائما أن والدي ينعتني بالكافر؛ لأنني لم أكتشف إلى الآن حقائق الدين، وكأن للدين ظاهرا وباطنا، وفي الحقيقة أن مجرد التفكير بتكفير أهلي لي والشعور بأنني سأسقط من أعينهم يقتلني"، ولا أدري ما الداعي لهذا التخيل لديك؟ وهل هناك تصرفات من والدك ولدت هذا التخيل لديك، أم هي تهيؤات فقط منك؟
واسمح لي أخي أن نتحدث معا في ضوء المحاور التالية:
العقل دليل للإيمان
لقد خلق الله تعالى الإنسان وكرمه على سائر المخلوقات بالعقل الذي جعله الله دليلا للإنسان في طريقه لله رب العالمين، ولكنه سبحانه وتعالى جعل لهذا العقل حدا ينتهي عنده؛ فكما أن للبصر حدا يقف عنده فللعقل أيضا حد يقف عنده، وإن حاول تجاوز هذا الحد فإنه يكلف عقله وتفكيره ما لا يطيق. وتختلف قوة التفكير من عقل لآخر؛ فما يدركه هذا ربما لا يدركه ذاك.(33/970)
أخي الكريم، لم يعرف عن دين من الأديان احتفاؤه وتكريمه للعقل الإنساني كما فعل الإسلام؛ فالناظر في الآيات القرآنية لا يخفى عليه دعوات القرآن المتكررة لإعمال العقل والفكر؛ للتدبر في خلق الله تعالى من خلال كون الله المنظور، وما فيه من إنسان وحيوان وسماء وأرض وجبال وبحار ونبات وأشجار مما يدل على بديع صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه؛ وهو ما يزيد في القلب حب الله ويعمق الإيمان به تعالى؛ فيسير الإنسان إلى ربه خاضع القلب منضبط الجوارح مطمئن النفس.
وتتجلى أهم مظاهر عناية الإسلام بالعقل في تلك الحرية التي وهبها للإنسان لاستخدام عقله في معرفة الحق؛ فلم يُكره الإسلام أحدا على الدخول فيه ولكنه وضح له طريق الحق وطريق الضلال، ثم جاء القرآن معبرا عن هذا الموقف الرائع للقرآن من العقل؛ حيث قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، وقال عز من قائل: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. وقد عاب القرآن على الذين عطلوا عقولهم فرفضوا الدين تأثرا منهم بما وجدوا عليه آباءهم؛ فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}.
التسليم بالغيب
أخي الحبيب، إن الإيمان بالله يعني أن يعتقد القلب في الله ورسوله، وكل ما جاء به الشرع اعتقادا جازما، لا يرد عليه شك ولا ريبة، ثم يُتبع هذا الاعتقاد بعمل الجوارح حتى يطابق الظاهر الباطن، ومصداق هذا قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}.
وهذا الاعتقاد الجازم يقتضي أن يكون هناك أمر ما مغيب عن عموم الناس، وتتفاوت درجة تصديقهم واعتقادهم فيه حسب درجة إيمانهم؛ فمن أول صفات المؤمنين {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
إذن فلا بد من وجود بعض الأمور التي لا تدركها عقول الناس، ويكون التصديق بها ركيزة من ركائز الإيمان ودعائمه، وهذا في كل الشرائع السماوية؛ فقد جاءت جميعها بكثير من الأمور الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق الوحي الإلهي الثابت في الكتب المنزلة على الرسل.
والإيمان بالغيب من الأمور التي يتميز فيها الإنسان عن الحيوان؛ ذلك أن الإنسان والحيوان يشتركان في إدراك الأمور الحسية، ولكن الإنسان بعقله يدرك أن هناك أمورا غيبية، لا يستوعبها عقله فيقبل بها كما وردت عن الله ورسله.
الإيمان بالله التصديق بالغيب + الشهادة
إذن يا أخي فمعادلة الإيمان بالله لها طرفان أساسيان لا غنى لأحدهما عن الآخر: الطرف الأول هو التصديق بالغيب كما ورد عن الله تعالى ورسله صلوات الله وسلامه عليهم تصديقا لا يزعزعه شك ولا ريبة، والطرف الآخر هو استخدام العقل في تعميق هذا الإيمان في القلب وترسيخه من خلال التدبر في آيات الله المحسوسة من أرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، مع اعتقادنا قصور العقل ومحدوديته.(33/971)
وانظر معي إلى ما ورد عن المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أنه خرج على أناس من أصحابه وهم يتفكرون في خلق الله، فقال لهم: "فيم كنتم تتفكرون ؟ "، قالوا: "نتفكر في خلق الله"، فقال: "لا تتفكروا في الله، وتفكروا في خلق الله؛ فإن ربنا خلق مَلَكا قدماه في الأرض السابعة السفلى ورأسه قد جاور السماء العليا، من بين قدميه إلى كعبيه مسيرة ستمائة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ستمائة عام، والخالق أعظم" (رواه أحمد مرفوعا، والطبراني، وأبو نعيم عن عبد الله بن سلام).
فالرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- نهى أصحابه عن التفكر في الله تعالى لاستحالة إحاطة عقولهم به، وأمرهم بالتفكر في خلقه، وضرب لهم مثلا بهذا الملك الذي يعجز العقل عن تصوره، ثم عقب -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "والخالق أعظم".
فالخالق -جل وعلا- أعظم من أن نفكر فيه بعقولنا القاصرة؛ فمهما بلغت قوتها فهي عاجزة عن إدراك قطرة من بحر علمه وحِكَمه في خلقه؛ فهو القائل –عز من قائل-: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}؛ فهو يفعل ما يشاء كما يشاء وقتما يشاء، وهو سبحانه {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
والعجيب أخي أن بعض الناس خالفوا هذا الهدي النبوي، وبدءوا يقحمون عقولهم في أمور ما أنزل الله بها من سلطان وما فعلها رسوله العظيم ولا صحابته الكرام من أمور نسبوها إلى العقيدة وهي ألصق ما تكون بعلم الكلام، ومثل هذه الأمور أدت إلى مزالق ومتاهات زلت فيها أقدام وضلت فيها أفهام؛ فما أحرى أن نعود إلى عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ تلك العقيدة الواضحة السهلة البسيطة التي جاء بها القرآن وسار عليها الرسول وصحابته الغر الميامين، والتي عبر عنها البدوي ببساطته الرائعة مستمدا مقومات إيمانه من بيئته المحيطة المحسوسة فقال: "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير؛ فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على العليم الخبير"، وما أروع ما عبر عنه العلامة الشيخ يوسف القرضاوي -حفظه الله- في مقاله الرائع "الإيمان.. من المظهر إلى الجوهر".
وقفات مع استفساراتك
أخي، بعد هذه التطوافة مع عالم الغيب والشهادة هيا بنا نقف بعض الوقفات مع استفساراتك فنقول:
أولا- {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}:
هذه الآية الكريمة تدلنا على أن رب العزة جل وعلا لا يسأل عما يفعل ويقدر في خلقه؛ فالأمر أمره والخلق خلقه، وهو المتصرف فيهم كيفما شاء؛ ذلك أن حِكمه وتقديراته أكبر من أن تدركها عقولنا القاصرة؛ فالأصل يا أخي أن نتلقى الأمر الإلهي بكل تسليم دون سؤال عن الحكمة من ورائه؛ فإذا تجلت لبعض الناس الحكمة من بعض العبادات والأوامر الإلهية فيها ونعمت، وإن لم تظهر فلسنا مطالبين بمعرفتها؛ فلعل لله حكما لا نعيها. وأضرب لك مثالا على ذلك ولله المثل الأعلى: تخيل مثلا طفلا صغيرا لم يبلغ سن الإدراك بعدُ، أصابته حمى وكتب له الطبيب دواء مرا، وأراد أبوه أن يسقيه الدواء؛ فإن هذا الطفل يبكي ويهرب من أبيه وربما يكرهه لأنه(33/972)
يراه يجبره على أن يشرب دواء مرا يتعذب منه، ولكنه لا يدرك أن أباه يريد شفاءه من هذا الدواء؛ لعجز عقله عن إدراك هذا، ولله المثل الأعلى؛ فإن الكثير من الأمور التي نرى فيها شرا ربما يكون فيها الخير، والعكس، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم في قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
ولنأخذ هذين المثالين مما ذكرته في رسالتك:
1. تقول إنك تريد معرفة أسباب تقدير الله لما يحدث في الكون من كوارث وحروب، ونقول لك: إن الله عز وجل خلق الكون وخلق الإنسان ليستخلفه فيه، وأمره بإعمار الأرض والسعي فيها، ولم يأمره بالخراب ولا الحروب إلا دفاعا عن النفس، ولكنه -سبحانه وتعالى- شاءت حكمته أن يجعل في هذا الإنسان صفات عدوانية ليبتليه هل يتحكم فيها فيؤجر عليها، أم تتحكم فيه عدوانيته فيؤزر وتكون حجة عليه؟ فهذه الحروب لم تحدث بأمر من الله وإن كانت قد حدثت بعلمه ومشيئته، وكذلك الكوارث تحدث في الطبيعة بمشيئة الله تعالى؛ ربما ليهلك بها قوما طاغين أو ليمتحن بها قوما مؤمنين، وهو سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد؛ فمن مات من المؤمنين في هذه الكوارث والحروب فهو عند الله من الشهداء وله أجره، ويبعث على نيته.
2. تسأل أيضا عن الحكمة من الوضوء قبل الصلاة؛ فنقول: الأصل في العبادات أن نفكر في الطريق الصحيحة لتأديتها كما أراد ربنا، دون سؤال عن الحكمة منها؛ لأننا لو فتحنا الباب لهذا التفكير لما توقفنا عن التساؤلات؛ مثل الحكمة من الصلاة بالهيئة التي هي عليها الآن مثلا، ولماذا الركوع قبل السجود؟ ولماذا نركع مرة واحدة ونسجد سجدتين؟ ولماذا نصلي الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات والمغرب ثلاثا والصبح اثنتين؟ وهكذا من أسئلة؛ ربما وجدنا إجابات لبعضها وربما لم نجد للكثير منها؛ فعلينا أن نأخذها كما أراد ربنا تعالى؛ فمثلا ربما يقول بعض الناس: "الحكمة من الوضوء طهارة البدن ونظافته"، وهذا سبب منطقي ومقنع عقلا، ولكن نجد في الوضوء بعض الأمور التي يخالفها ظاهرها العقل والمنطق مثل:
* إذا فقد المتوضئ الماء فإنه يتيمم، وهذا التيمم يكون بالصعيد الطاهر أي التراب الذي نتوضأ بالماء لنخلص الجسم منه!!
* إذا أراد المتوضئ أن يمسح على الخف فإنه يمسح أعلاه مع أن باطنه هو المعرض للأرض، وهذا ما دفع سيدنا علي -رضي الله عنه- أن يقول: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه".
* إذا انتقض الوضوء بخروج ريح فإن المتوضئ يكفيه أن يتوضأ دون استنجاء، مع أن الأولى الاستنجاء لغسل المكان الذي خرج منه الريح.
3. وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدرك هذا المعنى حينما ينظر للحجر الأسود ويقول: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك". فهؤلاء هم صحابة رسول الله أخذوا هذه الأمور كما أرادها الله تعالى ولم يهنوا أنفسهم بالبحث عن الحكم منها، ولم يرد أن أحدهم سأل رسول الله عن مثل هذه الأمور؛ فليسعنا ما وسعهم.(33/973)
ثانيا- تذكر نظرة الفرنسيين للمسلمين وأنهم يفجرون أنفهسم ليفوزوا بالنساء والحور في الجنة:
وهذا الأمر يحتاج إلى وقفات لتصحيحه، وهذا دورك أنت ومن تهيأت لهم الفرصة للاحتكاك بهؤلاء القوم؛ فالإسلام دين أمن وسلام، ولم يكن قط دين حرب وإرهاب، وقد فرض فيه الجهاد للدفاع عن النفس. أما الذين يفجرون أنفسهم نت المسلمين؛ موقفهم واحد من اثنين؛ إما أنهم يدافعون عن أرضهم المغتصبة ولا يجدون وسيلة لرد العدوان والظلم إلا هذه الوسيلة، وهذا ما يفعله إخواننا الفلسطينيون؛ فهؤلاء القوم احتلت أراضيهم وسلبت أموالهم واغتصبت نساؤهم، والعالم كله يقف مكتوف الأيدي ولا يتحرك لنصرتهم، فتحركوا هم وبذلوا النفس والنفيس للدفاع عن أوطانهم ومقدسات المسلمين وخاصة المسجد الأقصى المبارك؛ فالتفجير هنا ليس هدفا في حد ذاته ولكنه وسيلة، ولو وجدوا غيرها لما لجئوا إليها. وأما الموقف الآخر فهم الذي أساءوا الفهم عن الإسلام ففجروا أنفسهم في الآمنين ظنا منهم أن هذا جهاد، وهؤلاء إن وُجدوا فالإسلام براء من أفعالهم، وهم لا يمثلون إلا القلة النادرة من المسلمين.
ثالثا- بالنسبة لحديثك عن الجنس واعتراضك على طريقة التزاوج بين الكائنات نقول لك: وماذا في هذه الطريقة من التزاوج؟ وأي طريق كنت تود أن تكون؟ ثم ما أدراك أنه إذا كانت هناك طرق أخرى لما اعترض عليها أحد؟. إذن فهذا الاعتراض خاص بك أنت وهو ناتج عن التجربة السيئة التي مررت بها وأنت صغير مع أبويك؛ فالطريقة نفسها بضوابطها الشرعية لا غبار عليها، أما المشكلة فهي في تطبيقنا الخاطئ لها؛ فقد أخطأ أبواك حينما تركاك معهما في نفس الحجرة التي ينامان فيها؛ فالهدي الإسلامي يأمرنا بأن تكون لهذه العلاقة قدسيتها وخصوصيتها، حتى إنه يكره أن تؤدى في وجود طفل رضيع لا يعي.
رابعا- ثم تتساءل: "لماذا يغرينا الله بالنساء والحور بالجنة؟"
وهنا أجدك ما زلت متأثرا بالتجربة السيئة التي مرت بك مع أبويك، ومتأثرا أيضا ببعض الأفكار التي تصف المسلمين بأنهم شهوانيون وبهيميون، وهذه من الشبهات المردودة؛ فالحديث عن الجنة ونعيمها من الأمور الغيبية التي لا تستوعبها عقولنا ولذلك أتى الله بتشبيهات دنيوية لهذا النعيم، ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}؛ فهؤلاء الزوجات في الجنة نوع من الثواب المستحق للمؤمن، وليس هو الثواب الوحيد؛ فهناك أنواع الطيبات من الطعام والشراب والسرر، والأعلى من كل هذا هو النظر لوجه الله تعالى؛ فهو منتهى المتعة واللذة للمؤمنين.
نصائح علاجية
وهذه أخي بعد النصائح التي أسأل الله أن تكون معينا لك للوصول لمرحلة الحق واليقين:
1. توقف فورا عن التفكير في هذه الأمور، ولا تعط لنفسك الفرصة للاستمرار فيه.
2. ثق أن عقلك قاصر، وأنه لا يحيط بمثقال ذرة من علم الله، والدليل على ذلك ما يعتري العقل من نسيان وتهيؤات ورؤى وأحلام منامية.(33/974)
3. اصرف تفكيرك فيما أُمرت بالتفكير فيه من أمور المعاش والتفكر في خلق الله.
4. استعن على هذه الأمور بتحسين علاقتك بربك والإخلاص في عبادتك وخاصة الصلاة؛ فلها سر ونور يضيء الله به العقول والقلوب. وأكثر من دعاء الله تعالى والإلحاح عليه أن ينير بصيرتك ويهديك لطريق الحق.
5. اعلم أن للشيطان دورا كبيرا فيما أنت فيه؛ فهو قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم بالوسوسة لهم والتشكيك في دينهم؛ فاستعن عليه بكثرة الاستعاذة بالله منه.
6. أكثر من قراءة القرآن الكريم؛ فهو المنهاج الواضح والموصل للتعرف على الله رب العالمين ومعرفة أسمائه وصفاته العلا.
7. تفكر في نعم الله وفضله عليك وآلائه التي لا تعد ولا تحصى حتى تعظمه سبحانه وتعالى في قلبك؛ فتعظيمه طريق للخضوع له واليقين فيه.
8. أكثر من القراءة في كتب السلف الصالح وخاصة الذين مروا بمثل تجربتك؛ مثل الإمام الغزالي وابن رشد.
9. الزم صحبة صالحة تعينك على طريق الحق والوصول لليقين. وإذا تغلبت عليك هذه الشكوك ولم تستطع دفعها فلا مانع من الاستعانة بطبيب نفسي؛ فالعلاج النفسي مكمل للعلاج الإيماني في الوصول إلى الاستقرار واليقين.
وفي النهاية أخي الكريم أسأل الله أن يبصرنا وإياك بأمور ديننا، وأن يرزقنا حلاوة الإيمان برد اليقين. وتابعنا بتطورات أخبارك وحالتك
ـــــــــــــــــــ
الطريق إلى رمضان.. يبدأ برجب ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف نستغل شهر رجب في تهيئة النفس للاجتهاد في الطاعة والعبادة في رمضان؟
... السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
تقول الأستاذة وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي النبي المصطفي الذي نشتاق إليه ولم نره، أما بعد...
أشكرك يا سيدتي على سؤالك الهام، الذي قد يتوقف عليه مصير أمة بأسرها؛ فها نحن نعاني من كافة أمراض العصر، ونقف في نهاية طريق مظلم بين الأمم.
فهل ينصلح الحال؟
سؤال لابد وأن نختار إجابته بأعمالنا لا بأقوالنا، وأن نتخذ قرارا بتغيير واقعنا. هل نفعل هذا في رجب، هل يمكننا أن نقف على أسباب خروج كل منا عن الصراط المستقيم ؟
هذه أيام مباركات، نتمنى على أنفسنا لو أعطيناها حقها من الذكر والتلاوة والعبادة والتدبر، فالمؤمن يجب أن يكون - كما ورد في الأثر- "كيس فطن"، فهل يليق بنا أن(33/975)
نضيع من أيدينا أياما كتلك؛ أياما منحنا الله فيها البركة كي نقوى على أنفسنا ونصحح مسارنا؛ ونسارع في عمل الخيرات، وإنقاذ أنفسنا من تهلكة محققة؛ إن لم نتنبه إلى ما قد ولى، ونفكر في لقاء الله، وقد دعانا سبحانه إلى المبادرة فقال: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133).
وقبل أن نشير – أختي الكريم- إلي ما يمكن أن نجتهد به؛ دعينا نذكر بعضنا بشهر رجب :
* شهر رجب من الأشهر الحرم الأربعة : رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم؛ التي قال الله فيها: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ، فَلا تَظْلِموا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم} (سورة التوبة : 36). والعمل الصالح فيهن له ثوابُه العظيم وأجره الكبير.
* كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر ما يصوم في شعبان، فلما سئل عن ذلك قال: إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان؛ وهو ما يحوي إشارة ضمنية إلى فضل شهر رجب.
* وقعت العديد من الانتصارات في شهر رجب مثل: غزوة تبوك، تحرير المسجد الأقصى من أيدي الصليبين على يد صلاح الدين (عام 583هـ ـ 1187م).
* حادثة الإسراء والمعراج.
* شهر رجب هو أحد الشهور العربية الإسلامية الهجرية القمرية.
* كلمة "رجب" من مادة الترحيب بمعنى التعظيم، ولعل السِّر في هذه التسمية هو ما كانوا يَخصون به هذا الشهر من تعظيم وتوقير.
هذا عن فضل رجب؛ لكن هناك فضل أكبر وهو الاستعداد لرمضان، إذ أن النفس البشرية ليست آلة تضغط على زر الصلاح فيها فتستقيم، إنما تحتاج التربية النفسية والسلوكية إلي وقت من الزمن للتدريب والتهذيب وحسن الإعداد، فالزمن جزء من العلاج كما يقول المربون. وعليه فإنه من الصعب أن نظل على المعصية حتى يأتي شهر رمضان، ونقول سنقف مرة واحدة! ولكننا نحتاج حتما إلي وقفة "تحضيرية" تشمل:
* مراجعة النفس وتدبر أحوالها.
* التوبة، واتخاذ خطوات عملية للبعد عن المعاصي التي نرتكبها. ونوصيك في هذا بمطالعة هذه الاستشارات :
1. كيف نزيد من رصيد الإيمان؟
2. التوبة تجب ما قبلها
3. مكفرات الذنوب.
* ذكر الله في الغدو والآصال.
* تلاوة القرآن الكريم.
* الإحسان في العمل.(33/976)
* الإكثار من الصوم، فالصوم عبادة روحية ترتقي خلق الإنسان وبدنه. والصيام في الأشهر الحرم مندوب، كما ورد في حديث الباهلي الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم "صم من الحرم واترك" كما رواه أبو داود.
1. صيام التطوع وفضله.
2. فضل الصيام.
* التواصل مع صحبة صالحة تعين على التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
* كثرة الدعاء إلى الله بأن يبلغنا رمضان ويبارك لنا في رجب وشعبان.
* تعهد إلى الله بأن تبدأ معه صفحة جديدة؛ وأن تكون العبد الذي يريده.
هدانا الله إلى طريقه، وأنعم علينا بفضل طاعته. آمين
ـــــــــــــــــــ
كيف أتوب من المال الحرام؟ ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
اكتسبت مالاً حرامًا ولكنى تبت.. أخاف من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به".. فما العمل حتى لا أدخل النار؟؟
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل:
جميل أن يستشعر الإنسان معنى التوبة، وأنه في حاجة إلى أن يعود إلى الله تعالى، وأن يرجع عما حرم الله، وأن يبحث عن كيفية العودة إلى الله رب العالمين، فمثل هذا الإحساس وذلك الشعور يدعو للتفاؤل في حياة الإنسان، وليعلم المسلم أن تفكيره في التوبة والعودة إلى الله تعالى من نعم الله تعالى عليه، فكم من الناس في عصيان وهم لاهون لا يفكرون في أن يعودوا إلى رشدهم، ولا أن يتوبوا إلى ربهم.
والتوبة من المال الحرام تكون برد المال لصاحبه إن كان معلوما للإنسان، أو أن يتخلص منها إن كانت حراما لا يمكن رده، مثل التعامل بالربا، فالفوائد الربوية يجب التخلص منها، وأن يبقي الإنسان على رأس ماله، ويتخلص من الباقي.
ولا يظن الإنسان أنه بهذا يجعل نفسه فقيرا، فإن الرزق بيد الله تعالى، والله تعالى هو الذي يرزق العباد، كما قال تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ
وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}(الذاريات:56-58)، وقال أيضا:{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} (الملك:21).
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان كتب رزقه وهو مازال جنينا في بطن أمه، وأن الإنسان لن يأخذ إلا ما كتبه الله تعالى له، فعن عبد الله بن مسعود : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، قال: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك،(33/977)
ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار. ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة). رواه البخاري.
وحين يستشعر المسلم أن رزقه الذي حدده الله تعالى له لن يأخذه أحد من الناس، يطمئن إلى ذلك قلبه، ولا يبغي من الرزق إلا الحلال، وقد جاء في الحديث: " أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم" رواه ابن ماجة.
وما سعي الإنسان إلا سعيٌ ليأخذ رزقه الذي كتبه الله تعالى له. وقد طلب الإمام علي– رضي الله عنه – من أحد الناس أن يمسك له ناقته، حتى يصلي ركعتين، فلما دخل علي المسجد وصلى ثم خرج فلم يجد الرجل، ووجده قد سرق خطام ناقته، فطلب من أحد غلمانه أن يشتري له خطاما من السوق بدرهمين، فعاد الغلام بخطام ناقة علي، فقال علي: سبحان الله، استعجل رزقه من حرام، كنت قد نويت أن أكافئه بدرهمين، ولكنه تعجل رزقه بالحرام.
وهذا يعني أن الذي يأكل حراما أو يسرق إنما يأخذ من رزقه لا من رزق غيره، ولكن عن طريق الحرام، فهو أتعب نفسه وحملها أوزارا وما زادها شيئا، إنما هو رزقه لو سلك طريقا حلالا لأتاه، ولن يموت حتى يأخذ ما كتب الله تعالى له من رزق.
وقد أشرت أخي الحبيب إلى هذا الحديث العظيم "كل لحم نبت من سحت، فالنار أولى به" فيكون أول التوبة إلى الله:
• الخوف من الله تعالى وعقابه، وأن كل ما يغذي الإنسان به جسده، فهو في النار.
• أن يوقن أنه يأخذ من رزقه الذي كتبه الله تعالى له، ولكنه جعله من طريق حرام يحاسب عليه.
• أن يرد المال إلى أهله إن كان يعملهم، فإذا لم يكن يعلمهم تبرع بهذا المال في وجوه الخير، وكذا عليه أن يتخلص من كل مال أتاه من طريق غير مشروع.
• أن يسأل الله تعالى دائما الحلال، وأن يقول: "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك".
• أن يسلك الطرق المشروعة للكسب الحلال وما أكثرها.
والله الموفق .
ـــــــــــــــــــ
مشروع لتخفيف حدة الغضب ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أريد أن أستفسر على مسألة مهمة تؤرقني، وهي أنني عندما أغضب من أحد فإنني أتكلم بصوت عال وأتعصب، وهذا يؤثر على نفسيتي بعد ذلك؛ لأنني أعلم أن هذا ليس من أخلاق الإسلام، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا حريص على الاقتداء بخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكن في هذه المسألة بالذات أحاول جاهدا، لكن عندما يستفزني شخص ما لا أتمالك أعصابي.(33/978)
فدلني جزاك الله خيرا على طريقة ما لكي أكون حليما وهادئا مهما حصل. وجزاكم الله عن الإسلام خيرا كثيرا.
... السؤال
مجموعة مستشارين ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور ياسر نصر:
أحسب أن سؤالك يشتمل على كثير من المصداقية مع الذات ومحاولة للوصول للأفضل عند رب العالمين، ولعلك تبحث عن الوصول لخلق يكفي حامله أن يأتي يوم القيامة في زمرة من الناس؛ لتسبق كل الناس إلى جنات الخلود.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه". ومن هنا تخرج قاعدة تربوية سلوكية؛ فيما يعرف في العلم الحديث "العلاج السلوكي المعرفي" أن يضع كل منا هدفا يقسمه على مراحل ويعطي لكل مرحلة وقتا وزمنا ويكون هناك مرونة في التعامل مع كل مرحلة من هذه المراحل، فإن لم تتم في الوقت المحدد فعليك بالصبر حتى تتم تلك الخطوة.
ولعل أهم نقطة في التغيير هي الشعور بالألم مما أنت فيه؛ فهذا كاف لكي تبدأ في مشروع السيطرة على الذات الذي يتطلب منك الآتي:
• عنوان المشروع: تخفيف حدة الغضب.
• الخطوات:
- النية.
- المشارطة اليومية: وذلك في بداية كل يوم بالتنبيه والتذكير على النفس؛ بألا تنفعل في مواقف تحددها أنت. وتترك مواقف أخرى يسمح لك فيها بأن تنفعل كما يحلو لك؛ وأن تبدأ في مشارطة نفسك داخل بيتك وأن تطلق لنفسك العنان خارج البيت.
- تسجيل المواقف الأكثر انفعالا: قسم ورقة بيضاء إلى ثلاثة أجزاء تكتب فيها: المواقف التي تنفعل منها، المواقف التي لا يسمح لك أن تنفعل فيها (موقف أو موقفين في اليوم)، المواقف التي يسمح لك أن تنفعل فيها. مع كتابة كل الأفكار التي تصاحب الموقف وستكتشف أن هذه الأفكار هي التي تحرك ذلك الغضب، ومع مرور الوقت إن استطعت أن تتنبه لهذه الأفكار فإنك تستطيع أن تسيطر على كل موقف من هذه المواقف.
- الاستعانة : بالرياضة والتركيز في حركة من الحركات الرياضية التي تقوم بها.
- التأمل : كل يوم لمدة 15 دقيقة، تتأمل خلالها فيما ترتب عنه من تصرفات وانفعالات نتيجة لما أقدمت عليه.
- المراجعة المستمرة اليومية: قبل النزول إلى عملك للآثار التي يمكن أن تترب على انفعالك بعد 5 سنوات من الآن.(33/979)
- الاستعداد البدني والنفسي: أفاد الرسول ببعد سلوكي تربوي يعدل توجيه طاقة الغضب؛ بتغيير الوضع أو الوضوء أو أن تقول لن أغضب، وهذا هو مبدأ تصرفي سلوكي حديث لعلماء النفس في العصر الحالي سبقهم فيه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
- المراجعة: لكل هذه الخطوات أسبوعيا و شهريا.
- محاولة زيادة معدلات التحمل: بالتعرض للمواقف المثيرة للغضب وتحديد مدى فعالية هذا البرنامج.
- مراجعة الطبيب: إذا كان هناك لون من ألوان الأعراض الجسدية من رعشة في اليد وخفق في القلب، حتى يستطيع أن يسيطر على هذه الأعراض.
- التربية الروحية والإيمانية: وأهمها قيام الليل هي من أشد ومن أقوى وأمضى الأدواء للسيطرة على الذات.
هذا البرنامج يحتاج على الأقل إلى سنة للوصول إلى الهدف.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود :
شكر الله لأخينا الدكتور ياسر نصر عرضه الجيد لهذا البرنامج المقترح لمكافحة الغضب، فمما لا شك فيه أن الغضب مفتاح كل الشرور، ومدخل للشيطان، غير أنه ليس كل الغضب مذموم، فهناك غضب محمود، وهو غضب المسلم لله عندما تنتهك محارم الله.
وقد امتدح الله تعالى أناسا كظموا غيظهم لله، فقال تعالى: ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، [ آل عمران : 134 ] . وجملة (كظم الغيظ) التي عبر القرآن الكريم بها عن عملية السيطرة على النفس أثناء الغضب تشير إلى أهمية كظم الغيظ أو الغضب ومنع استطالته وكبح جماحه، حتى لا يطفح.
وقد سجلت لنا كتب الحديث الكثير مما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء" .
وقوله للرجل الذي قال له : أوصني، فقال : " لا تغضب " ، فردد عليه مراراً، قال : " لا تغضب " . وفى حديث آخر أن ابن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل ؟ قال : "لا تغضب ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
ومن المعلوم أن الناس من الغضب على ثلاث أحوال: إفراط، وتفريط، واعتدال، فلا خير في الإفراط والتفريط، أما الاعتدال فهو الوسط المطلوب .
وقد روى البخاري ومسلم رضي الله عنهما قالا: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدُهما يسبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمَرَّ وجهُه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهبَ عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم".(33/980)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لأشج بن قيس : "إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة" . كما روي أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".
وختاما؛
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يقيك شر الغضب، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وتابعنا بأخبارك يا أخ كمال...
ـــــــــــــــــــ
السيرة النبوية" للتأسي وزيادة الإيمان ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
هل من الممكن أن ترشدنا إلى أهمية دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهم ما امتازت به؟، وكيف يمكن استثمارها إيمانيا ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يجيب الأستاذ عصام تليمة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا شك أخي العزيز أن السيرة النبوية هي المعين الذي لا ينضب، وينهل منه كل مسلم، فهو التطبيق العملي لتعاليم الإسلام.
فالسيرة النبوية تجلي لنا عبادة النبي وإيمانه، وبعده عن كل أمر يخالف شرع الله وذلك قبل الرسالة، وكيف كان تعبده في أول الوحي، وخاصة عند تلاوة سورتي المزمل والمدثر.
كما أن للسيرة أثرا إيمانيا هاما على من يقرأها ويتدبرها؛ ففيها يقرأ الإنسان مواقف النبي-صلى الله عليه وسلم- في صبره وتجلده، وسلوكه مع ربه سبحانه وتعالى، مما يلقي بأثره على نفس القارئ للسيرة بهذه المعاني.
أما ما نجنيه من دراسة السيرة النبوية: فهي تفيد المسلم القارئ لها بعدة فوائد، منها:
* تصحيح المفاهيم التي يغزونا بها المجتمع، فكثيرا ما نرى في مجتمعاتنا مفاهيم لا علاقة لها بالإسلام، وعند قراءة السيرة النبوية تصحح هذه المفاهيم، مثل: التشاؤم من المكان الذي يحدث للإنسان فيه حادث أليم، فيرتبط في ذاكرته بالتشاؤم والسوء، فنقرأ في السيرة النبوية ما يدفع هذا المفهوم الخاطئ، وذلك عندما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في إحدى أسفاره، ومر على جبل أحد، فقال لصحابته: هذا أحد، يحبنا ونحبه. فجعل نظرتهم تتغير لهذا الجبل الذي مني عليه المسلمون بالهزيمة في عزوة أحد.
* السيرة النبوية عند دراستها تبين ما لم يتضح معناه أو ما أُجْمِل في القرآن الكريم.(33/981)
* أنها قربى إلى الله عز وجل، وتبصرة للمسلم ليكون على معرفة بدينه، وبسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم فيسهل عليه التأسي به والسير على نهجه.
أما ما امتازت به السيرة النبوية، فقد امتازت بعدة ميزات لم تتوفر في سيرة نبي ولا رسول ولا عظيم من عظماء البشر، فامتازت بـ:
* التاريخية: فهي سيرة تعتمد على وسائل إثبات التاريخ، فهي تمتاز بالتاريخية والصدق؛ لأن المسلمين أمة الإسناد، فكل ما ورد عن رسولها مُحِصَّ ودقِّق، وثبت نسبته بطرق الإثبات المعروفة عند أهل الحديث.
* الواقعية: فهي سيرة واقعية لا تحلق في أجواء الخيال، تبين أنها سيرة بشر، إلا أنه رسول مرسل من قبل الله عز وجل، ولا تعتمد على الخرافات التي وجدت في قصص النبيين السابقين، أو المجازفات التي نراها في قصص الملوك والحكام، ويكفي المسلم في ذلك أن ينظر في الكتاب المقدس ليعلم ذلك جيدا.
* الشمول: فهي سيرة شاملة في كل ما فيها، ولكل إنسان، على خلاف سير المرسلين السابقين، فهم في سيرتهم أسوة في العموم، ولكن لا يجد كل إنسان ما يريده من كل حياتهم، فمثلا لا يجد الأب الذي عنده أبناء أسوة في حياة يحيى عليه السلام، لأنه لم يتزوج ولم ينجب، ولا يجد العسكري المحارب أسوة في حياة عيسى عليه السلام؛ لأن المسيح لم يحارب قط، ولا يجد الأب الشاب في حياة إبراهيم -عليه السلام- أسوة؛ لأنه أنجب في الكبر، ولا يجد الفقير المسكين أسوة في حياة نبي الله سليمان لأنه كان ملكا، وليس كل الناس ملوكا، وهكذا. والنبي الوحيد الذي يجد فيه كل الناس الأسوة بهذا الشمول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
* العموم: وامتازت السيرة النبوية بأنها سيرة عامة لا سرية فيها، فكل ما حدث لرسول الله ذكر وروي؛ كيف يفرح، وكيف يغضب، بل رأينا في السيرة مواقف عتاب النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد ذكرها القرآن بالتفصيل. فلا يوجد في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما نراه عند الزعماء (سري للغاية) أو (ممنوع الاقتراب والتصوير).
هذه أخي بعض ما امتازت به السيرة، وهو يدعونا لأن ننهل من هذا المعين إيمانيا وتعبديا، وفي كل أمورنا.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى... وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
منتقبة وهو غير ملتزم..هل أتزوجه؟ ... العنوان
السلوكيات ... الموضوع
أنا فتاة لم أكن ملتزمة، وصارت علاقة حب بيني وبين ابن الجيران، وسافر هذا الشاب، وخلال فترة سفره التزمت أكثر، ولبست النقاب، وبعد سنوات عاد مرة أخرى، وتقدم لخطبتي، غير أني أخشى أن أقبله لأنه غير ملتزم التزاما كبيرا، ولكن بين الحين والآخر نتكلم سويا عبر الإنترنت، وأنا قد عرفته وخبرته من كثرة الكلام بيننا، فقلبي يميل إليه، لكنني أخشى قبوله لعدم التزامه الشديد..
أنا في حيرة، هل أقبله أم أنتظر حتى يأتي شخص أكثر منه التزاما؟
... السؤال(33/982)
الأستاذة سلمى عبده ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
أختي الفاضلة :
اعلمي أن من تختارينه ويختارك هو أنسب الأشخاص لمشاركتك رحلة الحياة، ما دامت معايير الاختيار السليمة متوافرة فيه. ولكن .. ما هي معايير الاختيار السليمة؟
هناك معايير عامة ومعايير خاصة؛ المعايير العامة أجملها لنا حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وحديث " انظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما". إذن المعايير العامة هي: الدين، والخلق، والألفة والميل القلبي، والتكافؤ.
أما المعايير الخاصة فما هي إلا تفصيل للإجمال الذي في الحديث الشريف، فكلمة "ترضون" تعطي إشارة إلى أن الأمر مرن غير محدد، فما يرضي به إنسان قد لا يرضي به آخر، فلكل إنسان اختياره الخاص، وحدوده التي يرتضيها في الدين والخلق والتكافؤ المادي والعلمي والاجتماعي وحتى الشكلي.
وهنا يستوقفنا سؤالك: هل أقبل من له خلق ولكنه غير ملتزم؟، ونحن نسألك بدورنا ما هو الالتزام في نظرك ؟ّ!!!، كما أن سؤالك التالي: هل أنتظر الشخص الملتزم الذي قد تكون طباعه سيئة؟ أصابني بقدر كبير من الحيرة والتعجب !!
لماذا نفصل بين الملتزم، وصاحب الخلق الحسن والطباع الهادئة؟، وما معني الالتزام إذا كان من نسميه ملتزما قد يكون سيء الطبع والخلق؟!! وبماذا يلتزم إذن؟، باللحية والجلباب والسواك؟!!!. أم بالذهاب والإياب مع مجموعة الملتزمين؟!!.
جميل أن نهتم بالسمت الإسلامي والصحبة الصالحة.
فقد روي أن أحد التابعين من أهل اليمن، ممن أدرك النبي صلي الله عليه وسلم ولم يره، كان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه لبساطة ملبسه وحديثه، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى أمداد اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟، حتى أتي علي أويس فقال: أأنت أويس بن عامر؟، قال: نعم، قال من مراد ثم من قرن؟، قال: نعم، قال: أكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟، قال: نعم، قال لك والدة ؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفر لي، فاستغفر له.
أختي الفاضلة:
أرأيت كيف وصف النبي صلي الله عليه وسلم، علامات أويس بدقة حتى لا يلتبس علي الناس أمره، وحتى ينتبهوا له ويحتذوا حذوه، وهو لم يشر إلي كثرة صيام وقيام، أو أنه ملتزم جدا وداعية، بل ذكر أن ما رفعه إلي هذه المكانة أنه كانت له أم وكان بارا بها.(33/983)
لقد فهم الدين علي حقيقته، فهم أن رضاء الله هو بر للأم، وصبر علي أذي الناس، فهم كيف يحافظ علي قلبه صفيا نقيا خاليا من كل شائبة مطهرا من كل دنس.
أختي الكريمة :
نرجع إلي سؤالك: من أختار؟؟، فأنصحك بالآتي:-
ـ حددي اختيارك الخاص وكوني صريحة مع نفسك.
ـ حددي الإيجابيات التي تتمنيها في زوج المستقبل، وما يمكن أن تتنازلي عنه منها.
ـ حددي السلبيات التي ترفضينها وما يمكن أن تتعايشي معه منها.
ثم انظري هل يتناسب هذا الإنسان مع محدداتك أم لا ؟.
ونصيحتي لك إذا كنت تشعرين بميل قلبي تجاه هذا الشاب وتعلمين حسن خلقه، فتأكدي من وجود الحد الأدنى من الدين وهو المواظبة علي إقامة الفرائض والبعد من الكبائر، ثم لا بأس بعد ذلك من خوض تجربة الخطوبة حتى يكون لديك الوقت الكافي والفرصة الحقيقية لمعرفة صدق مشاعرك، وحقيقة توافقه مع اختيارك ومحدداتك.
وأريدك فقط أن تنتبهي لبعض الأمور:
أولا : تذكري أن هذا الشاب قد لا يكون الشخص الذي كنت تعلمينه منذ 10 سنين، فهي فترة طويلة وكفيلة بإحداث تغيير كبير بشخصيته وخاصة في الغربة.
ثانيا : لا تجعلي الميل السابق له، والمعرفة السابقة بخلقه، وشعورك بحبه لك، ورغبته فيك، يعميك ويشوش تفكيرك عن الاختيار الصحيح، فالأصل هو قبولك لدينه وخلقه.
ثالثا : لا تعلقي آمالا عريضة علي إمكانية تأثيرك عليه وتغييره، فالهدى أولا وأخيرا بيد الله، فحددي قبولك أو رفضك بما هو عليه الآن وليس ما تأملي أن يكون عليه في المستقبل.
رابعا : اعلمي أنه ليس هناك في الحياة أمر مصيري يحتاج إلي حكمة وتروي مثل الزواج، فاستلهمي الحكمة من نور الله، وازدادي قربا منه سبحانه وتعالي ليكون سمعك الذي تسمعين به وبصرك الذي تبصرين به. فداومي علي صلاة الاستخارة وخاصة في أوقات الإجابة وفي الثلث الأخير من الليل.
أختي الفاضلة :
أما عن الجزء الخاص بحديثك معه علي النت، وشعورك بأن في ذلك إثم، فالإثم يا أختاه واضح، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" والإثم .. ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، فإن أحسست من هذا الفعل بضيق في صدرك وكرهت أن يطلع عليه أحد من أهلك أو أصدقائك فهو بالتأكيد إثم وعليك الابتعاد عنه على الفور.
كما أن الحديث عبر الانترنت غالبا ما يعطي انطباعات خاطئة، فهو لن يفيدك بشيء، بل ربما أضرك، بإعطائك مدلولات زائفة قد تبنين علي أساسها قصورا من الرمال. ومحاذير الإنترنت كثيرة فهي بطبيعة حالها تعطي قدرا كبيرا من الخصوصية وحرية التعبير والبعد عن الرقابة فتكون مدعاة للتجاوز، وتفتح الأبواب للشيطان، خاصة إذا كانت بين الطرفين علاقة ما يرغب أحدهما أو كليهما توطيدها فيلبسون(33/984)
الحق بالباطل ويحملون الكلام في الدين والالتزام والدعوة إلي الله ما لا يرضاه الله ولا يقبله.
وختاما؛
أسأل الله أن يبصرك بالحق، وأن يهديك إليه، وأن يختار لك، وأن يصلح حالك في الدنيا والآخرة. آمين. وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
الشك يطاردني.. تلك حقيقة الإيمان ... العنوان
العقيدة, السلوكيات ... الموضوع
مشكلتي باختصار تتمثل في اليقين والعقيدة. ولكن البلاء الأكبر أن هذه الخواطر أتت في وقت امتحاناتي، ولكن وفقني الله ونجحت في الامتحانات بتفوق كالعادة.
وكان من وسائل التثبيت في الامتحانات الجلوس بعد الصلاة لقراءة القران. وانشغلت بالمسيحية وهل هي حق أم لا، إلى أن فتحت المصحف علي آيات حقيقة أن المسيحيين حرفوا الحق؛ وكأنها رسالة من الله.
ولكن بعد هذه المحنة بفترة وبعد الامتحانات أخذ عقلي يشكك في هذه الآية وأني كنت أفكر في مشاكل أخري وليس المسيحية وقت أن قرأت هذه الآيات تتعلق بوجود الله أصلا وأشياء من هذا القبيل، وأني أنا الذي أقنعت نفسي بأن هذا الحديث رسالة من الله وتثبيت من الله:(الحدث هو فتح المصحف علي إجابات أسئلتي بالصدفة).
فانا أخاف الآن بعد أن أكرمني الله في الامتحانات أن أكون أري آيات الله وأنكرها بالقول لأني لم أكن في المسيحية وقت أن فتحت المصحف علي آيات المسيح.
هل تفهمني سيدي أعرف أني لا أوضح بالشكل الكافي؛ حيث إن التعبير عن ما أشعر به صعب لكن إن شاء الله سيوفقك لفهم رسالتي وسترد علي بالرد المناسب.
... السؤال
الأستاذ مسعود صبري ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخ الفاضل :
الشك حالة من الحالات التي تنتاب كثيرا من البشر، بل أحسب أن غالب البشر– إن لم يكونوا كلهم– يمرون بحالات من الشك، وإن تعددت مجالاته، وعلى رأس هذا الشك؛ الشك في العقيدة، وهو يحتل مساحة كبيرة من حياة عدد من الناس، وذلك لأن العقيدة تمثل جزءا هاما من حياة البشر.
والشك دليل على قوة الإيمان في نفس الإنسان، فلولا هذا الإيمان الراسخ في قلب المؤمن، ما تحرك إبليس بجنوده ليزحزح هذا الإيمان عن موقعه، وفي خضم ما يعيشه بعض الناس حين يواجهون زوبعات الشك، يهبهم الله تعالى بعض الوسائل المعينة على الثبات، وعليهم ساعتها أن يقتنصوها، وخاصة أن التهديد الواقع عليهم ليس تهديدا في شيء قليل، إنه في أساس رسالة الإنسان في الحياة، والتي قال الله(33/985)
تعالى عنها "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وقال أيضا:" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".
وعلى المرء ساعتها أن يتقبل هدية الله تعالى منه، وأن يستمسك بحبل الله المتين، وأن يظل ثابتا على الصراط المستقيم، وأن يدرك أن الوسوسة شيء هش ضعيف لا يقوى أمام الإيمان الراسخ في قلب المؤمن، غير أن كثيرا من الناس يكبر الصغير، ويعظم الحقير، ويحبس نفسه في دائرة مفرغة من الشك، ثم يصرخ يريد الخروج منها، وأيسر الحلول أن يعلم من يعيش في وسوسة أن الدائرة التي يحبس نفسه فيها إنما هي دائرة متوهمة، لو تحرك قليلا لخرج منها، كما أن عليه أن ينظر إلى المسألة بمنظار حقيقي، فيضع المشكلة في حجمها، ثم يتعامل معها بشكل واقعي وواضح.
كما أن من أهم الأسباب التي تساعد الإنسان في علاج مشكلته هذه أن يدرك الأسباب التي جعلته يقع في المشكلة، فكثيرا من المشاكل التي يقع فيها الناس لم تقع على أم رؤوسهم، ولكنها قد تكون نتاج مشاهدات أو قراءات أو محاورات وغير ذلك، وأن تلح فكرة معينة في رأس إنسان فهذا يعني أنها موجودة في بؤرة الاهتمام عنده.
وبعد هذه المقدمة أقول لك:
إن ما أنت فيه شيء يقع لمئات وآلاف من الناس في لحظة من لحظات حياته، فلا تجعل الدنيا قد انهدمت أمامك، فهو أمر يسير، وربما تعجب حين أقول لك : إن الشك الذي تعاني منه وقع لعدد من الصحابة، وحين أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كبر، معلما إياهم أن هذا عين الإيمان.
وقد وهبك الله تعالى -حين شكك- الجواب عما وسوس لك الشيطان فيه، واستقر الإيمان في قلبك، غير أن الشيطان ما تركك، وعاد إليك مرة أخرى ليزين لك الشك، والمطلوب منك الآن أن تجاهد نفسك، وأن تأخذ بالأسباب، حتى تنال ثواب المجاهدة، وتيقن أن الله تعالى سيحفظك ويحفظ لك إيمانك كما قال تعالى:" وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ"، وقوله:" وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ".
وقد أخبر الله تعالى أن كيد الشيطان ضعيف، فلنجعله ضعيفا كما وصفه الله، فقال تعالى:"إن كيد الشيطان كان ضعيفا"، وأوضح القرآن الكريم على لسان إبليس طبيعة عمله، وأنه مجرد دعوة، والدعوة ليس فيها إجبار للناس على الفعل، كما قال تعالى:" وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيّ".
وهذا يعني أنه من اليسير على الإنسان ألا يستجيب لدعوة الشيطان، فإن دعاك صاحبك مثلا إلى شيء ولا تحبه، فأنت تعتذر إليه، ولو كان إنسان بينك وبينه عداوة فإنك ترفضه بشدة، والوسوسة آتية من عدوك الشيطان، كما قال تعالى:" إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ".
فما دمت عرفت من أين الوسوسة، ومن الذي يأتيها، ولماذا يأتيها، وما هي طبيعتها؟، استطعت ساعتها أن تكشف زيغ ما يراودك في نفسك، وأنه ليس مستقرا في قلبك، فاخرج منه، واستعذ بالله تعالى، وثق في الله أنه لن يضيعك ولن يتركك أبدا.(33/986)
أما عن شكك في أن الله تعالى حين أكرمك بأن كنت تفتح آيات القرآن فتجد إجابة شافية عن كل ما يوسوس لك، ثم إنك بعد الامتحانات عاد الأمر إليك مرة أخرى، وتخشى أن يكون ذلك إنكارا لنعمة الله تعالى، فإنه ليس كذلك، فالوسوسة خارجة عن إرادة الإنسان، يعني أنها آتية من الشيطان، وأنت تكرهها ولا تتمناها، وتجاهد نفسك في صدها، فكيف تكون منكرا لنعمة الله، وأنت تجاهد عدو الله؟
ثق أنك على خير كبير، وأن فيك إيمانا عميقا لن يتزحزح، مهما وسوس لك الشيطان، فستبقى مؤمنا صادقا، تسير في طريق الله تعالى، بشرط ألا يهزمك الشيطان نفسيا، أو يوهمك أنك قد سقطت، فما زلت شامخا عليا، وكما أننا نرى النقائص، فيجب علينا أن نرى أيضا المحامد في أنفسنا وفي حياتنا، وأن نعظمها مادامت لله، وأن نسأل الله تعالى دائما الثبات، وادع دائما كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل" اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك"، فكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:"يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك" قالوا أو تخاف يا رسول الله؟، قال "وما يؤمنني والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء"، وكان يقول أيضا:"اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".
أخي الحبيب..
لا تخف، فما كفرت بنعمة الله، وأنت مؤمن، فيك خير كثير، عش حياتك كما يعيشها الناس، ولا تمرض نفسك بغواية عدوك، فما استطاع أن ينال منك، فابق كما أنت مؤمنا، وتمثل دعاء يوسف عليه السلام:" فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين
ـــــــــــــــــــ
الحجاب والحمل .. فضل أم عذاب؟ ... العنوان
العقيدة ... الموضوع
أشعر بأن المرأة تتعرض دوما لضغوط نفسية واجتماعية أكثر من الرجل. فكتب عليها الحجاب سترا لها ثم تأتي آلام الولادة التي لا مثيل لها، عقلي لا يستطيع التحمل، أحسب حساب الحمل 100 مرة. لماذا هذا الهتك في إنسانية المرأة؟
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
الأخت الكريمة هناء، مرحبا بك.
بداية يجب أن نتفق على أن الله عز وجل هو خالق البشر، وهو سبحانه وتعالى الذي جعل الزوجين الذكر والأنثى لحكم بالغة، منها التناسل والعمران والتكاثر. كذلك نعلم أن الله سبحانه يحب عباده، وهو أعلم بما يصلحهم، وما كان ليقدر عليهم ما فيه ظلم لهم؛ فهو العدل اللطيف الحكيم. وقد تضافرت الآيات والأحاديث لتقرير ذلك، وليس في الوقت متسع لسردها، ونظرة عابرة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تطمئن قلوبنا إلى ذلك.(33/987)
كذلك إن عقل الإنسان قاصر بطبعه، فلا يستطيع أن يدرك كل الحكم في أقدار الله، وقد يظن في بعض الأمور أنها شر، ولكنها في حقيقتها فيها الخير له كل الخير، والعكس صحيح، وقد قال ربي عز وجل: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(البقرة:216).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن أمر المؤمن كله له خير في قوله: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر وكان خير له إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
فالحاكم هنا أختي العزيزة هو الإيمان الذي يستقر في القلب فيشعره ببرد اليقين والطمأنينة لأحكام الله عز وجل، ويجعل الإنسان يستشعر نعمة الله عز وجل وحكمته في كل ما يصيبه، ويحتسب كذلك الأجر عنده على كل ما يلاقيه.
ولعل من الحكم أيضا في شعور الإنسان بالألم، ومنه أيضا آلام الولادة بالطبع وما تلاقيه المرأة من عناء أثناء هذه العملية، تكفير الذنوب ومحو الخطايا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه".
إذن فالحمل والولادة أختي الكريمة من أقدار الله عز وجل على بنات آدم، لحفظ النسل وإكثاره، وهما أيضا سبب لنعمة الذرية التي هي من زينة الحياة الدنيا وبها أيضا تقر أعين الآباء والأمهات، وما يصاحبهما من ألم وجهد ومشقة إنما تثاب عليه المرأة من الله عز وجل.
بل إنه وردت بعض الأحاديث التي تعتبر المرأة التي تموت في حملها أو في ولادتها أو في نفاسها شهيدة، وما أعظمها من منزلة، كذلك أيضا هذه الآلام وهذه المتاعب كانت سببا لتعظيم شأن الأم وإقرار فضلها ومكانتها وأهمية البر بها، والآيات والأحاديث كثيرة في ذلك. ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأُمَّهَاتِ"(رواه أنس).
فمن أين كانت الأم ستحوز هذا الفضل كله والتقدير والتكريم لولا مرورها بهذه المراحل، وهذه الآلام التي بسببها تشعر بأهمية الأولاد فيكونوا أعز الناس لديها؟
فليس الحمل والولادة أبدا أختي هتكا لإنسانية المرأة، فلولا ذلك ما كنت أنت ولا أنا ولا كان الناس، بل بسببه كرم الله المرأة ورفع من شأنها وقدرها. ألم تري إلى عظم منزلة الشهيد عند الله؟ ما كانت هذه المنزلة إلا لما تحمله هذا الشهيد من جهد وتعب وآلام، وعلى قدر الجهد والمشقة يأتي الثواب، فاحتسبي أختي الأجر عند الله عز وجل، واسأليه سبحانه أن ييسر لك الأمر، وأن يشرح صدرك، ويرزقك الذرية الصالحة الطيبة التي تقر بها عينك، وصدقيني عندما ترين ولدك بين يديك فستنسين كل شيء، وستذكرين نعمة الله عليك.
وإليك هذه الفتوى حول ثواب الأم في تعبها ورسالتها:
ثواب الأم في الحمل والولادة والتربية
أما بالنسبة لمسألة الستر وفضله وحكمته التي شرعها الله على النساء؛ أنقل لك كلمات سطرها فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي – من علماء الأزهر الشريف (رحمه الله):(33/988)
إن من اختار الدين، فعليه أن يقبل أحكام هذا الدين، حتى ولو كانت هذه الأحكام تقيد حريته في افعل و لا تفعل، لأن تقييد الحرية هنا، هو لخير الإنسان و ليس شراً له...
إن هذه الأحكام جاءت من الله سبحانه و تعالى وهو أعلم بنا من أنفسنا، فإذا كانت تقيد حركتنا، فهي تعطينا الخير، وتذهب عنا السوء، فلا يوجد دين بلا منهج، إلا أن يحاول الإنسان أن يرضى غريزة التدين فيه، وفي نفس الوقت يفعل ما يشاء ، فيعبد الأصنام أو الشمس، أو غير ذلك مما لا يقيده بمنهج في الحياة، فيخلص نفسه من تعاليم الله ليفعل ما يشاء، و في هذه الحالة يكون قد كفر- و العياذ بالله - لأنه لا يريد منهجاً سماوياً يقيد حريته.
والمرأة التي تتضرر من الحجاب بزعم أنه يقيد من حريتها بستر ما أمر الله من مفاتنها، فعليها ألا تعترض على منح هذه الحرية لغيرها، فإن أباحت لنفسها أن تتزين وتكشف عن مفاتنها، لتجذب إنساناً وتفتنه، فعليها ألا تعترض على قيام غيرها بكشف زينتها ومفاتنها لتجذب زوجه هذه المرأة أو ابنها.
إن الهدف هو صيانة المجتمع كله من الفتنة، وإبقاء الاستقرار والأمن بالنسبة للمرأة، حتى لا يخرج الزوج من بيته وزوجه لا تعلم فتفتنه امرأة أخرى فيتزوجها، أم أنه سيعود إلى بيته؟
إن الله سبحانه و تعالى قد وضع من القواعد والضوابط ما يمنع الفتنة للمرأة والرجل حفاظاً لاستقرار الأسرة وأمنها و أمانها، وحرم أي شيء يمكن أن تكون فيه فتنة من امرأة لرجل غريب عنها.
ولذلك حرم إبداء الزينة إلا لمحارم المرأة، حرمه الله تبارك وتعالى في قوله: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}( النور:31).
وهؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية هم محارم المرأة التي لا تحرص على إبداء زينتها أمامهم، و حتى إذا فعلت فإن هذه الزينة لا تثير في نفوسهم أي شهوة، إما لأنهم لم يبلغوا سن الشهوة، و إما لأنهم تعدوا هذه المرحلة تماماً، بل إن الله سبحانه و تعالى حرم على النساء أن يضربن بأرجلهن كنوع من التحايل لإظهار الزينة التي أخفتها الثياب، وقال الحق جل جلاله: { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} (النور:31).
كل هذا قد فهمه البعض على أنه تقييد لحرية المرأة، ولكنه في الحقيقة حماية لها. لو أن الله سبحانه وتعالى لم يفرض الحجاب، لكان على المرأة أن تطالب به، لأنه أكبر تأمين لها ولحياتها، ذلك أن نضارة المرأة موقوتة، و فترة جمالها- لو حسبناها- فلن تزيد عن خمسة عشر عامًا، ثم بعد ذلك تبدأ بالذبول.(33/989)
هب أن امرأة بدأت بالذبول وزوجها مازال محتفظا بنضارته، قادراً على الزواج، وخرج إلى الشارع ووجد فتاة في مقتبل العمر وفي أتم نضارتها وقد كشفت عن زينتها، ماذا سيحدث؟!
إما أن يفتن بهذه الفتاة ويترك زوجته و يتزوجها، وإما أنه عندما يعود إلي بيته يلحظ الفرق الكبير بين امرأته وهذه الفتاة، فيزهد في زوجته، و يبدأ في الانصراف عنها ...
لكن لو حجبت النساء مفاتنهن عن الرجال، لصارت كل منهن آمنة من فقدان زوجها، ومن تغيير نفسه أمام زوجته، ولظلت محتفظة بحبه لها وإقباله عليها، لماذا ؟ لأن الجمال نمو، والنمو في المخلوقات والنبات والحيوان والإنسان لا يدركه المتتبع له، ولذلك تجد الرجل وله ولد ينظر إليه كل يوم، فلا يمكن أن يلحظ أنه يكبر، ولكنه إن غاب عنه شهراً، يتجمع نمو الشهر كله وهو بعيد عنه، وعندما يعود يحس بأنه قد كبر. والفلاح مثلاً لو جلس بجوار الزرع، لا يلحظ نموه ولا يراه، فإذا غاب عنه فترة لاحظ هذا النمو.
والرجل مع زوجته كذلك، فهو عندما يتزوجها وهي عروس تكون في أبهى زينتها ونضارتها، ولكن لأنه يراها كل يوم، فإنه لا يلحظ فيها أي تغيير، وتكبر وتذهب نضارتها وجمالها من أمامه شيئًا فشيئًا، دون أن يلاحظ هذا الذبول، بل تظل في عينيه هي نفس العروس الجميلة التي زفت إليه..
ولكن إذا رأى امرأة غيرها، أصغر منها ولا تزال في قمة نضارتها، بدأت المقارنة وأحس بالتغيير، وأثر ذلك في نفسه..
ولذلك ونحن نرى أمهاتنا بعد أن كبرت وملأت وجوههن التجاعيد، لا نشعر بهذا، بل نجد في أمهاتنا نضارة لا نشبع من النظر إليها.
فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد حجب المرأة من أن تستلفت الأنظار إليها بالكشف عن زينتها، وهو قد حجب غيرها ممن هن أصغر وأجمل وأكثر نضارة من أن يستلفتن أنظار زوجها فيعرض عنها..
والعجيب أن المرأة لا تلتفت إلي هذه الحكمة، وهي أن الحجاب حماية لها ولزوجها ولبيتها، بل تأخذ المسألة على أساس أنه تقييد لحريتها، ناسية أن هذا التقييد إنما شرع لحمايتها.
والعقاب في الشرع في كل الحالات، لا يبدأ عند النزوع إلى عمل شيء، فأنت ترى وردة جميلة، فلك النظر إليها كما شئت فليس في ذلك إثم و لا حساب، و تمتع برائحتها كما شئت، فليس هناك إثم ولا حساب، إلا أن تمد يدك لتقطعها، حينئذ تكون قد اعتديت...
وأنت ترى فرسا جميلة، فلك النظر إليها كما شئت، وتمتع بالنظر إليها كما تريد، فلا إثم عليك، إلا أن تحاول أن تركبها دون إذن صاحبها، وهكذا كل ما في الدنيا من جمال، والله سبحانه وتعالى يقول:{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل:8).
زينة لمن؟ لأصحابها فقط؟ الآية جاءت بالزينة على إطلاقها، ولهذا فهي زينة لصاحبها، و لمن أراد أن ينظر إليها و يتمتع بجمالها، كل ما في الكون من جمال،(33/990)
للمرء أن ينظر إليه، فليس هذا محرمًا، إلا المرأة، فالنظرة إليها والتأمل في جمالها من غير زوجها إثم، وكذلك نظر المرأة للرجل وتأملها في ملامح رجولته إثم، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(النور:30).
وختاما؛
نسأل الله لك الهداية والحكمة.
ـــــــــــــــــــ
هل تحقق الرؤى دليل محبة الله؟ ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
أسأل عن حب الله للعبد، ومدى صدق شعور العبد بالرضا من عدمه، ودلالات ذلك؛ فقد استخرت الله وعقد علىّ شخص حسبته على خير. وقبل الزفاف بشهر حدث ما لم يكن في الحسبان؛ وظهرت حقيقة زوجي وأهله، بما لم نكن نتوقعه أبدا.
وكان ذلك من تأثير حلم حلمت به، وشعور غير مبرر تجاهه. وأثار ذلك في قلبي شكا. استعنت بالله وتيقنت من شكي، وأخذت بالأسباب فوضحت لي حقيقة حلمي وسوء نية أهله ونيته. وهو ما أدى إلى فسخ العقد.
والآن أنا في حيرة: هل أتخذ أحلامي مسارا للحياة وأحمد الله عليها؛ علما بأنني والحمد لله ملتزمة، ويحسبني أهلي والحمد لله على خير. الآن أنا في طريقي ربما لزواج جديد بإذن الله عز وجل. فهل أسير خلف أحلامي مرة أخرى مع الأخذ بالأسباب.
جزاكم الله ألف خير، ونسألكم الدعاء ..
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ رمضان فوزي- الباحث بكلية دار العلوم:
أهلا بك أختي عائشة، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه، وأن يجعلنا من المتحابين في الله تعالى.
اسمحي لي أن أقسم استشارتك إلى محورين ونبين العلاقة بينهما في النهاية:
1. حب الله للعبد ومدى صدق شعور العبد بالرضا من عدمه.
2. علاقتك بزوجك السابق وتأثير الأحلام عليك.
أما عن حب الله للعبد؛ فلقد سألت عن شيء عظيم، فيه تنافس المتنافسون وتسابق المتسابقون، وتفانى المحبون، وشمر العابدون، واجتهد المخلصون.
فأي شيء يريد الإنسان بعد محبة خالقه له؟، وفيم يطمع بعد الفوز بهذا الشرف الذي ما بعده شرف؟!
هيا بنا يا أختي نستنطق آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية لنستنتج علامات محب الله للعبد:(33/991)
1- الإيمان الصادق بالله؛ فكل إنسان يتفانى في حب من يعبد، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}(البقرة: 165).
2- الإحسان إلى خلق الله بالبذل والنفقة لهم، قال تعالى:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة:195)، وقال أيضا :{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران: 134).
3- التوبة والتطهر والائتمار بأمر الله والانتهاء بنواهيه، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222).
4- حب الله وإتباع رسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(آل عمران:31).
5- الوفاء بالعهد وتقوى الله، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (آل عمران:76).
6- السير على منهج الصالحين في إعلاء كلمة الله في الأرض والجهاد في سبيلها، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}(آل عمران:146).
7- حسن التوكل على الله تعالى، قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران: 159).
8- الذلة للمؤمنين والعزة على الكافرين والجهاد في سبيل الله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}(المائدة:54).
9- القيام بالنوافل قال الله عز وجل - في الحديث القدسي-: "وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه".
10- الحبّ والتزاور والتباذل والتناصح في الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ " (رواه أحمد).
11- حبُّ الناس له والقبول في الأرض، كما في الحديث: "إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريلـ فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" (رواه البخاري).
12- التقرب لله بالنوافل كما ورد عن الله في الحديث القدسي: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ. فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (رواه البخاري).(33/992)
هذه يا أختي بعض دلائل محبة الله للعبد، وهو ما ينتج عنها شعور العبد بالرضا والاطمئنان لجوار ربه، مع تأكيدنا على أن الأصل أن المؤمن لا يصل إلى درجة الرضا عن النفس بعمله؛ فالكيس من دان نفسه كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا يصل العبد إلى درجة من الرضا بالعمل والإعجاب به تجعل عمله هباء منثورا والعياذ بالله.
وأما عن علاقتك بزوجك السابق وتأثير الأحلام عليك:
أولا بالنسبة لما يراه النائم في نومه فهو إما رؤيا صالحة وإما حلم من الشيطان وقد علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع الأحلام فقال: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان. فإن رأى أحدكم الشيء يكرهه فليتفل يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها؛ فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى".
وقال صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا على ثلاثة؛ منها تخويف من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ومنها الأمر يحدث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".
فالأصل أنك إذا رأيت ما تكرهين في منامك أن تفعلي ما أمرك به المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ وأن تثقي الله، وتعتقدي أن ذلك لن يضرك في شيء، ولا تبني على ذلك عملا ولا تأخذي قرارا بسبب رؤيا.
ولكن وقد حدث معك ما حدث؛ فأقول لك: إنه ربما كانت هذه صدفة، وربما كانت رؤيا صالحة أنقذك الله بها من هذا الزوج وأهله. وربما تأثرت بحلمك فأسأت الظن بزوجك.
أما وقد حدث ما حدث فأوصيك يا أختي أن تحتكمي للشرع في كل أعمالك وتصرفاتك؛ وأن تضعي الأمور في نصابها، وألا تتركي للشيطان فرصة للتدخل في حياتك، وأن تأخذي بالأسباب المادية مع حسن التوكل والاعتماد على الله والثقة فيه.
وختاما؛
أجدك تربطين بين محبة الله للعبد وما حدث معك من رؤى أنقذتك من زوجك، وأخشى أن يتطرق إليك الشيطان فيلقي في نفسك أنك تحبين الله وأن الله يحبك ولذلك أصبحت رؤاك محققة، مع عدم إنكاري لاحتمالية ذلك، ولكني أحذرك فقط من مداخل الشيطان وحبائله وتزيينه العمل للإنسان فإن ذلك محبط للعمل ومهلك لصاحبه.
فعليك أن تحققي أسباب محبة الله لك، وإذا وجدت دلائل وعلامات هذه المحبة فاحمدي الله عليها، واعملي على التقرب من الله أكثر وأكثر، وخذي بالأسباب المادية وتوكلي على الله في كل أمرك، وادعيه أن يقدر لك الخير ويصلح لك شأنك كله.
ونسألك أن لا تنسينا من صالح دعواتك... وتابعينا بأخبارك.. لنطمئن عليكأغلقي باب العلاقات الإلكترونية المحرمة ... العنوان
أمراض القلوب, السلوكيات ... الموضوع
سؤالي حول علاقتي بشاب عبر النت؛ اتفقنا على الزواج إلا أن كل منا لم ير الآخر، ونتحدث عبر الهاتف. سألت نفسي: هل يمكن أن ينشأ زواج سعيد بهذه الطريقة أم أنه يتلاعب بي؛ لأنه دائما يحذرني من أن أقول لأهلي أي شيء مع أنني كنت أود أن أقول لهم.(33/993)
وبعد فترة من الزمن اتصل بي وقال إنه لا يستطيع الزواج بي وتعذر بأعذار، وأنا حاليًّا خطبت لشخص آخر. فهل يجب عليّ إخباره بهذه التجربة؟ وهل علاقة البنات بالشباب دائمًا تنتهي بمأساة ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يجيب فضيلة الدكتور محمد داود :
ابنتي السائلة/ منى
هذا السؤال له محاور عديدة:
1. علاقة الشباب بالفتيات عن طريق الإنترنت.
2. تلاعب الشباب بمشاعر الفتيات وعواطفهن.
3. إخبار الفتاة لخطيبها عن علاقاتها السابقة.
المحور الأول: علاقة الشباب بالفتيات عن طريق الإنترنت:
هذه العلاقة من العلاقات المستحدثة غير التقليدية؛ والتي كثيرًا ما تقع في مخالفات شرعية أثناء الحديث بين الجنسين على الإنترنت. وأحب أن أنبه فتياتنا وشبابنا إلى أن الحديث سواء كان على التليفون أو الإنترنت أو عن طريق المكتوب أو بأي وسيلة من التقنيات الحديثة؛ فهو حديث ينبغي أن يراعى الحدود الشرعية، فعدم رؤية الشخص أو الجسد ليس مبررًا للانفلات في الحديث أو الانزلاق وراء العواطف والمشاعر، ولنا أسوة في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان عبد الله ابن أم مكتوم؛ وهو الكفيف في بيته؛ فقالت إحدى نسائه للأخرى شيئًا من الحديث الحر ورفع ثوب الحجاب؛ على اعتبار أنه أعمى لا يرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوعمياوان أنتما؟!".
ومن هنا تظهر لنا الحدود الشرعية في الكلام والتي يجب أن تراعى عبر الإنترنت أو التليفون ، كما لو كان الشخص يجلس أمامنا. فلا خضوع في القول (الميوعة والرقة في الحديث)، ولا تفتح موضوعات فيها خصوصية تحت مسمى الدردشة أو تبادل الثقافة. وأيضًا توقيت الحديث ينبغي أن يكون في الأوقات المألوفة بين الناس أن يتصل بعضهم بالآخر. فإن هذه الأمور كلها مداخل لإبليس ينفذ منها إلى عواطف الشباب ومشاعرهم.
المحور الثاني: تلاعب الشباب بمشاعر الفتيات وعواطفهن:
ولماذا تسمح الفتاة للشباب بالتلاعب بمشاعرها؟ لماذا لا تصون هذه المشاعر وتحفظها لمن يستحقها، زوجًا يرضاه الله ورسوله؟، فالتبعة ليست على الشباب وحدهم وإن كانوا مخطئين؛ وإنما التبعة مشتركة بين الشاب والفتاة.
والحل هو مراعاة الحدود الشرعية والآداب الشرعية في التعامل وفي الكلام وتبادل الرسائل ونحو ذلك؛ لأنها هي الأمان الذي يحفظنا من الوقوع في هذه الفخاخ الشيطانية.(33/994)
وأحذر البنات بخاصة أن الشاب الذي على علاقة متحررة بفتاة؛ فإنه في الأعم الأغلب لا يرضاها زوجة له؛ ويداخله الشك في سلوكها.
وهذا تحقيقًا لحقيقة قرآنية وعد الله بها أن من جمعتهما المعصية لا بد أن تكون النهاية عداوة وبغضاء ونفور وعدم احترام. فهذا من امتداد قول الله تعالى:{الأخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف:67)، والمخرج أن نفيق ونتقي الله تعالى، فالنهاية دائمًا نهاية سيئة لكلا الطرفين.
أما الشباب الذين يستبيحون لأنفسهم أن يكونوا لصوصًا على الأعراض والحرمات نوجه إليهم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لمن هو في مثل حالتهم: "أترضاه لأمك؟ أترضاه لبنتك؟ أترضاه لخالتك؟ أترضاه لعمتك؟..."، فلنتقي الله بعيدًا عن هذه الأمور التي تضرب بنا وبمستقبلنا. وفي ذكر الله والصوم وقراءة القرآن وصحبة الخير عوض عن هذا اللعب والانحراف، والله المستعان.
المحور الثالث: إخبار الفتاة لخطيبها عن علاقاتها السابقة:
أقول لك ابنتي ينبغي أن تقطعي الصلة بالرجل الأول تمامًا، وقد بدأت عهدًا جديدًا ستر الله فيه عليك فلا تفضحي نفسك؛ ولا تخبري خطيبك بشيء حتى لا تتسرب الشكوك والأوهام إلى عقله. ولكن عليك أن تخلصي لخطيبك من لحظة أن تقدم إليك، واحذري أن تتصلي بأي علاقة سابقة؛ لأن الله أراد لك توبة عظيمة وأراد لك حلالاً فأغلقي باب الحرام، واجعليها توبة صادقة لله، ومن ستر الله عليه فلا يفضح نفسه.
وختاما؛
نسأل الله أن يهديك إلى الحق وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن.. آمين وتابعينا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
محبة الله ومعصيته لا يجتمعان بقلب ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
كيف يجب أن تكون علاقة العبد مع الله في سائر أعماله؟، وهل يمكن أن يجمع المسلم بين محبة الله سبحانه وتعالى ومعصيته في وقت واحد ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول المفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي حبيبنا المصطفي، محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
علاقة العبد مع الله تتأرجح بين أحد احتمالين اثنين لا ثالث لهما:
1. تكون خالصة لوجه الله، مقصودا بها رضاه لا شريك له.
2. وإما أن تكون العلاقة قسمة بين الله وبين خلقه.(33/995)
ويؤكد الله سبحانه تعالى في الحديث القدسي أنه لا يرضى أن يكون له شريك. وفي الحديث "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (رواه أبو هريرة).
ويجب أن نسير على الصراط المستقيم في العلاقة مع الله؛ فإن لم يكن سيرنا مستقيما فعلا فستكون علاقتنا مع الله معوجة منحرفة. لذلك نردد في صلاتنا آملين في هداية الله لنا:{ إهدنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } (الفاتحة:6 -7).
والموفق من العباد هو من ينسى وجود العباد؛ ويتمثل دائما وجود رب العباد؛ وهذا هو الإخلاص المطلوب، أن ننسى كل مخلوق ونذكر الخالق جل وعلا.
ولا شك أن كل بني آدم خطاء أو خطاءون وخير الخطاءين التوابون، والذي خلق الإحسان هو الذي أوجد المعصية، ونحن نتعرض لاختبار، فمنا من ينجح في الاختبار ومنا من يبتلى بالفشل في الاختبار.
وإذا شعرنا أننا فشلنا في الاختبار فإنما نحن مطالبون بإعادة المحاولة لننجح، وقد ابتلانا الله بوجود الشيطان في حياتنا وحذرنا منه فقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر:6).
وإذا كان الشيطان قد توعد آدم وذريته بقوله:{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} (النساء:119).
فهل ننضم إلى الشيطان وحزبه؛ وننفذ ما يطلبه من الغواية والضلال، وبذلك نعصى الله عز وجل. ننفر من هذا الغبي "الشيطان" ونطيع الله فيما أمرنا به، إنه ابتلاء خطير، ولابد أن نتجه إلى ما يوجهنا الله إليه من تحدي الشيطان، والله يقول:{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}( الكهف:50).
الموقف بكل بساطة يتمثل في أن الشيطان مخلوق غبي وأن الإنسان خلق مزودا بالعقل وبالذكاء فكيف يخضع الذكي للغبي بحيث يدخله وراءه جهنم. فنريد شيئا من العقل وقليلا من الذكاء وقليلا من الإرادة الخيرة حتى نضمن النجاة من النار.
ويضيف همام عبد المعبود:
شكر الله لعالمنا وشيخنا، المفكر الإسلامي، الدكتور عبد الصبور شاهين، وليأذن لي فضيلة الدكتور أن أشاركه الأجر، فأقول وبالله التوفيق :
أختنا في الله : سلوى
قرأت في رسالتك سؤالين في سؤال واحد، أما عن سؤالك الأول وهو: كيف يجب أن تكون علاقة العبد مع الله في سائر أعماله؟، فإن علاقة العبد مع ربه ومولاه يجب أن تقوم على ركنين أساسيين وهما:
1. كمال الطاعة.
2. كمال الحب.
وهي أقرب إلى معادلة صاغها الإمام ابن القيم رحمه الله، ونلخصها على هذا النحو :(33/996)
(كمال الطاعة لله + كمال الحب لله كمال الإيمان بالله)، ومعنى هذا أن علاقة العبد بربه تقوم على إفناء العبد نفسه في خدمة سيده ومولاه، مع حبه الشديد له، ورغبته الأكيدة في نيل رضاه واجتناب غضبه وسخطه.
والإنسان في علاقته مع الناس في الدنيا، يكون على حال واحد، فإنه إن أحب إنسانا لا يخافه، وإن خاف منه فإنه لا يحبه، فالعلاقة هنا عكسية. أما في علاقته مع ربه سبحانه وتعالى فإنه يحبه ويخافه في وقت واحد، بل إنه كلما ازداد حبه لله وطاعته له كلما ازداد خوفه منه، وحرصه على ألا يعصاه، وكلما ازداد خوفه من الله كلما علا في منازل المحبين له سبحانه، فالعلاقة هنا طردية.
ومن ثم فإن علاقة العبد مع ربه يجب أن تقوم على ركني الطاعة والحب، وهما شطري (العبودية) التي هي الوجه الآخر للربوبية.
أختنا الفاضلة / سلوى
أما عن سؤالك الآخر؛ وهو: هل يمكن أن يجمع المسلم بين محبة الله سبحانه وتعالى ومعصيته في وقت واحد ؟، فإنني أستعين بالله تعالى وأقول لك :
الأصل أن تسيطر محبة الله، سبحانه وتعالى، على قلب العبد فلا تترك فيه مكانا لغيره، وقد جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله - في كتابه (الداء والدواء)، أن المحبوب قسمان: محبوب لنفسه، ومحبوب لغيره.. وكل ما عدا الله سبحانه محبوب لغيره، وليس شيء يُحب لذاته إلا الله سبحانه وتعالى. فحب الله تعالى هو أعلى أنواع الحب.
غير أن المحب لا يكون صادقا في حبه لمولاه إلا إذا كان له طائعا، ولذا فإن من أحب الله بصدق كان لأمره طائعا ولشرعه متبعا؛ قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ). وعليه فإن مخالفة أمره سبحانه وارتكاب المعاصي دليل على أن تلك المحبة المدعاة كاذبة أو أنها ناقصة، ويقسم الله تعالى بذاته العلية فيقول: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
فمن أحب أن يعرف منزلته عند ربه فلينظر منزلة الله عنده، فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه ، وحينما ترسخ محبة الله في قلب العبد، وتتعمق جذورها، يستشعر العبد حلاوة الإيمان ولذة اليقين، فيعز عليه أن يعصي الله أو يغضبه بفعل ما يكره منه، فيكون شغله الشاغل آنذاك أن يجده الله حيث أمره وأن يفتقده حيث نهاه.
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه؛ لأن قلوبهم لم تعمر إلا بذكر الله تعالى، ولم تصف إلا بحب الله عز وجل، أما أولئك الذين انطوت نفوسهم على محبة ما يحلو لهم في هذه الدنيا، فقلوبهم بعيدة عن هذا الحب الإلهي، بعيدة عن هذا الصفاء الروحي، والاتصال القلبي.(33/997)
وختاما؛
فإن العبد المؤمن لا يجمع في قلبه بين محبة الله ومعصيته، فإنه كلما أحبه أطاعه، وكلما أطاعه رق قلبه، وكلما رق قلبه، زادت خشيته، وكلما خشيه لم يجرؤ على معصيته... نسأل الله أن يرزقنا وإياك طاعته وأن يصرفنا وإياك عن معصيته، آمين .. وتابعينا بأخبارك ...
ـــــــــــــــــــ
اغسل ذنوبك بدموع التوبة ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أشعر بأنني كتلة من الذنوب ومثال سيء، ولا أستحق حتى لقب مسلم؛ فلم أترك ذنباً إلا فعلته. أخجل من الله ومن نفسي ومن الناس لكثرة ذنوبي، ولا أعرف ماذا أفعل؟ أو كيف أبدأ؟
كانت بداية ذنوبي مع الكذب، وبعدها شربت الخمور وتعاطيت المخدرات وزنيت. وهذا ليس ذنب أصدقائي فأنا لا أفعل هذه الأشياء إلا بعيدا عنهم لخجلي منهم. أعرف ماذا ستقول: ألا تخجل من ربك؟. وليس لدى إجابة.
مرت سنوات لم أصل فبها؛ لكنى أشعر أن الله هو من سينجيني مما أنا فيه. قد يكون تواكلا ولكنى لا أستطيع الخروج ؟ عندما وجدت هذه الطريقة على الإنترنت فرحت لأنني لا أستطيع البوح بما أنا فيه لأي إنسان. ربما أكون مريضاً نفسيا ولكنني أشعر أنه غضب من الله عز وجل. أرجو نصحي؛ لعلني آخذ بنصيحتك ويهديني الله تعالى.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور عبد الحكم صالح:
أخي/ سمير
مرحبا بك على موقع إسلام أون لاين، وهنيئا لك صدقك مع نفسك وحبك لربك الذي يفيض به كلامك في رسالتك. وبداية أحب أن أؤكد لك أن الصدق مع النفس هو الخطوة الأولى على طريق النجاح في حل أي مشكلة والشفاء من أي داء.
الذي تحمله رسالتك ليس نهاية الطريق ولا ينبئ أبدا عن أنك وصلت إلى طريق مسدود؛ فإن كانت ذنوبك كبيرة لا تحصى فعفو الله أكبر ولعلك تردد معي قول المولى سبحانه: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر:53).
ثم لعلك معي في أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان قد وصل إلى سن كبيرة لا يتوقع معه إنجاب؛ وامرأته سارة كانت عقيما لا تلد ومع ذلك لما بشرته الملائكة بميلاد إسحاق كان جوابه: { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ
فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } ( الحجر:54- 56).(33/998)
فغير الممكن والمستحيل واللامعقول هذا بالنسبة لنا نحن البشر؛ أما بالنسبة إلى الله فهو فوق المستحيل. فإذا كانت لك أهرام من الذنوب وهضاب من الآثام وجبال من المعاصي فكل ذلك يتضاءل بجانب عفو الله تعالى ورحمته ما دامت عقيدتك في الله قوية ثابتة قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء:48).
هكذا الإشراك بالله فقط هو الذي لا يغفره الله أما ما سوى ذلك فهو محل غفران الكريم أيا ما كان حجمه ونوعه.
ولماذا يا أخي تستكثر على الله ذنبك والله رحمن رحيم؟ هل نسيت ذلك الذي كان من بني إسرائيل، وقتل تسعة وتسعين نفسا ثم تحركت في داخله رغائب الإنابة والرجوع إلى الله، فانطلق إلى راهب يستفتيه عسى أن يجد عنده شعاعا من أمل، وكان الراهب ضيق الأفق فنظر إلى الذنوب فقط، ونسي أن ينظر إلى عفو الله؛ فأفتى المسكين بأنه لا توبة له.
فلما استشعر صاحب الذنوب أن باب الأمل مغلق قتل الراهب فأكمل به مائة قتيل؛ ثم انطلق آسفا حزينا تعلو وجهه كآبة القنوط والعياذ بالله؛ فدله الناس على عالم حصيف في مكان معين فذهب إليه وأخبره بقصته فقال له العالم: ومن الذي يستطيع أن يقطع أملك في الله؟ نعم لك توبة؛ لكني أنصحك بأن تترك أرضك التي تعيش فيها وتذهب إلى أرض كذا؛ لأن فيها قوما صالحين يعبدوا الله فاعبد الله معهم .
فانطلق الرجل ونور الأمل يشرق في وجهه وفي الطريق وافته المنية فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؛ ملائكة الرحمة تقول: كان مذنبا لكنه خرج تائبا وإلي الله راغبا، فنحن أولى به.
وملائكة العذاب يقولون: إنه قتل مائة نفس ولذا فنحن أولى به ، فبعث الله إليهم ملكا آخر، فقال لهم: قيسوا المسافة بين المكان الذي مات فيه والأرض التي خرج منها، والمسافة بين المكان الذي مات فيه والأرض التي اتجه إليها، فإلى أيهما وجدتموه أقرب فهو من أهلها.
تقول الرواية - والحديث في كتب الصحاح- إن الملائكة وجدته أقرب إلى أرض الطاعات بشبر واحد، فأخذته ملائكة الرحمة ودخل الجنة.
وختاما،
إياك يا أخي ثم إياك ثم إياك أن تستكثر ذنوبك على عفو الله ، وأكثر من الاستغفار، واغسل ذنوبك بدموعك وطهر قلبك وضاعف ثقتك في ربك ، واحرص على الصلاة في جماعة، وداوم على صحبة القرآن الكريم، وفر من رفاق السوء وأكثر من أصدقاء الخير، واستعن على نزواتك بالصيام ومارس ألوان الرياضة البدنية ولا تنظر كثيرا إلى أمس المعتم بالذنوب وانظر دائما إلى الأمام حيث نور الأمل وإشراق اليقين، والله يحفظك ويرعاك ويسدد على طريق الصلاح خطاك
ـــــــــــــــــــ
خطوات عملية للتوبة من الربا ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع(33/999)
أنا شاب متزوج، قمت بالحصول على قرض من بنك ربوي، للمساعدة في تكاليف زواجي، وقد قرأت مؤخرا على موقعكم أن تكاليف الزواج لا تدخل ضمن الضرورات التي تبيح الحصول على قرض من بنك ربوي؟، فماذا أفعل لتبرئة ذمتي من هذا الإثم؟
لقد طلبت المغفرة من رب العالمين و لكن هل تكفى التوبة أم ماذا علىّ أن أفعل؟؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم- مدير مركز البحث والتطوير بالمجموعة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أول ما يجب في هذه الحالة هو الاستغفار والتوبة مما وقع، ثم يجب عليك سؤال الله تعالى أن يهيئ لك الأسباب التي تنقذك من غضبه وسخطه وتسهل لك الرزق الحلال، وعليك أن تجتهد في الدعاء بذلك، وتتحرى أوقات الإجابة، ولن يضيع الله عبداً لجأ إليه واطرح بين يديه وأخلص في دعائه.
وهناك عدد من الخيارات للتخلص مما تبقى من القرض الربوي:
أولا: إذا أمكن سداد ما تبقى من القرض دفعة واحدة (سداد مبكر) مقابل إسقاط ما تبقى من الفوائد فهو واجب، حتى لو تطلب ذلك أن تقترض من أحد أصدقائك أو معارفك (بدون فوائد بطبيعة الحال)، فهذا خير من البقاء على الربا. ويجب أن تخاطب إدارة البنك لتوافق على إسقاط ما تبقى من الفوائد مقابل السداد المبكر لتجنب الاستمرار في هذا الأمر.
وإذا لم يمكن إسقاط كل الفوائد المتبقية فإن السداد المبكر يظل واجباً، لأنه خروج من الربا في الحال، وهذا خير من الاستمرار فيه.
ثانيا: يمكنك شراء أسهم بالأجل، ثم تسليم هذه الأسهم للبنك سداداً لما تبقى من القرض، وإذا وافق البنك على ذلك أمكنك التخلص من القرض الربوي وما تبقى من فوائده. ويبقى في ذمتك ثمن الأسهم، وهذا دين مشروع لأنه ناتج عن بيع.
ولا أنصحك أن تأخذ قرضاً من خلال التورق المصرفي، لأن التورق المصرفي حيلة على الربا، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمنعه. والحيلة على الربا لا تقل سوءاً عن الربا الصريح إن لم تكن أسوأ منه. ويغنيك عن التورق المصرفي شراء الأسهم أو المعادن بأجل ثم تسليم الأسهم أو المعادن مباشرة للبنك.
ثالثا: إذا تعذر ما سبق فإن أمكنك أن تبيع بعض ممتلكاتك التي يمكنك الاستغناء عنها للسداد المبكر فهو أولى. يمكنك مثلاً أن تبيع سيارتك نقداً لسداد القرض، ثم تشتري لنفسك سيارة بالتقسيط.
رابعا: إذا تعذرت كل الخيارات السابقة، ولم تجد وسيلة أخرى للتخلص من القرض الربوي، فأنت في حكم المضطر. ولا يجوز لك التوقف عن السداد بدعوى أن القرض ربوي. فالربا محرم ولكن الخيانة والغدر أشد تحريماً. كما أن التوقف عن(33/1000)
السداد بدعوى أن القرض ربا يفتح الباب لاستغلال الإسلام بأبشع صورة، وهذا صد عن سبيل الله ودينه، وهو من أكبر الكبائر.
فإذا كنت مضطراً ولم تجد مخرجاً، بعد بذل كل الأسباب الممكنة وبعد التضرع إلى الله أن يخرجك من هذا المأزق، ففي هذه الحالة يغتفر ارتكاب أدنى المفسدتين دفعاً لأعظمهما، كما هو مقرر في أصول الشريعة وقواعدها التي أجمع عليها العلماء.
وختاما،
فليس هناك فيما أعلم كفارة خاصة لمن وقع في الربا، عدا التوبة والاستغفار والانتهاء عن التعامل بالربا، كما قال تعالى: { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله}( البقرة: 275)، فالانتهاء والتوبة تجب ما سبق إن شاء الله.
والله تعالى يهيئ لنا و لك سبل الحلال و يغنينا بفضله عمن سواه... وتابعنا باخبارك
ـــــــــــــــــــ
افتح صفحة جديدة مع الله ... العنوان
غذاء الروح ... الموضوع
عمري 30 سنة، وقد استيقظت في العام الأخير؛ وأريد فتح صفحة جديدة مع الله ومع الناس. ولكن المشكلة أن رواسب الماضي من أخلاق سيئة تعود بي للمربع الأول، وأريد أن ألزم نفسي بالتوبة مع الله وبالإحسان للناس. فلا أدري أين الخلل؟
هل موضوع التغيير بعد الثلاثين صعب كما يقول علماء النفس أم ماذا؟، وهل أقبل على الدين بكل حماس وقوة أم بالتدريج؟، مع العلم أنني جربت الطريقتين؛ ومع ذلك سقطت في منتصف الطريق. فكيف أبدأ وبماذا ؟
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور علاء السيوفي :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومن والاه وبعد،
الأخ الكريم عبد الله، لا تبتئس فكلنا ذاك الرجل، وكلنا ذوو خطأ، وفي الحديث "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"، ولذلك فأنا أود أولاً أن أقول إنه ليس صحيحا أن مسألة التوبة بعد الثلاثين صعبة؛ لأن كثيرًا من الصحابة أسلموا بعد الثلاثين وحسن إسلامهم، لكن المهم هو نقاء المعدن وصفاء السريرة، وفي الحديث: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
وما أجمل أن يبدأ الإنسان صفحة جديدة مع الله، ويجدد حياته الإيمانية بالتوبة، فالمؤمنون هم أكثر الناس حاجة إلى التوبة، وكما يقول ابن القيم: "إن التوبة هي أول منازل السائرين، وأوسطها وآخرها"، ولكن أن يظن الإنسان أنه سيظل على حالة واحدة دون أن تحدث منه معاص أو ذنوب، فهذا درب من عدم المعرفة بطبيعة النفس البشرية.(33/1001)
وأوصيك – أخي الحبيب- ببعض الوصايا التي تعينك – بإذن الله - على الاستمرار في التوبة :
* الندم على كل ما فرطت فيه في جنب الله، فالندم هو ركن التوبة الأعظم.
* عقد العزم والنية على عدم العودة إلى المعصية أبدًا.
* يقول بعض العارفين "ذكر الجفا ساعة الصفا جفا"، فلا ينبغي عليك أن تتذكر رواسب الماضي، وأنت سائر إلى ربك، وإنما عليك أن تنظر أمامك وتحاول تحسين أدائك مع الله، واعلم أن أول ذنب ترتكبه بعد التوبة هو أن تظن أن الله لن يغفر لك.
* اعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، واعلم أن هذا الدين عميق فأوغل فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولا تشدد على نفسك فيشدد الله عليك.
* داوم على الذكر، واعلم أن الله عز وجل يقول في الخبر الإلهي: "وأنا مع عبدي متى ذكرني وتحركت بي شفتاه".
* لا تبتئس إذا زلت بك القدم، ولكن سارع بالتوبة وجددها دائمًا، ولا تيأس من رحمة الله: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله }.
* صاحب الصالحين، واعلم أن المرء على دين خليله.
* اختر لك صديقاً أمينًا صدوقًا، وتعاهد معه على طاعة الله وعلى أن يكون مرآة لك.
ولا تنس حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".
واعلم أن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه عز وجل كلفنا بالتوبة كلما أذنبنا، ولم يكلفنا ألا نذنب مطلقًا يقول الله عز وجل: { وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وعجبًا لقد طلب التوبة من المؤمنين ولم يطلبها من العاصين.
وأرجو الله عز وجل أن يتوب علينا وعليك، وعلى المؤمنين أجمعين، ولعلني أكون قد شاركت في خروجك من الدوامة التي أتعبتك وتواصل معنا إن كانت هناك أية تساؤلات..
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد...
... الاسم ...
أتقبل توبتي بعد مرضي؟! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
عندي سؤال طويل أحاول اختصاره: عندما بلغت العشرين من عمري وقعت في الزنا مع صديقة لي، وفي الثانية والعشرين تزوجت، وحاولت الابتعاد عنها، وبعد ثلاث سنوات ظهرت في حياتي فجأة، وذكرتني بالماضي، حتى عادت العلاقة بيننا على فترات متباعدة دون أن تعرف زوجتي، ودون أن تنقص حقوقها أو تتأثر، وكنت في هذه المرحلة أصوم ولكن لا أصلي، ولكني كنت أفكر في طريقة أتخلص فيها من هذه الصديقة، وأبدأ بالصلاة ولكني أقول: اليوم أو غدا سأتوب.
وفي سن السادسة والعشرين وأنا أفكر بالتوبة جاء أمر الله بأن أصبت في حادث(33/1002)
بشلل نصفي لأستعمل الكرسي المتحرك ، وبعدها انقطعت علاقتي بالصديقة تلقائيا، وبدأت بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار.
وكنت لم أكمل تعليمي فدخلت الجامعة ؛ وحصلت على البكالوريوس في التربية الإسلامية، وأنا الآن أصلي وأصوم وأقرأ القرآن وأستغفر الله كثيرا، وأصبر على ما أصابني.
سؤالي: هل يغفر الله لي زلاتي عند القوة علما بأني تبت وندمت وأنا في حال الضعف؟ وهل ما أصابني من مصيبة تكون كفارة لي يوم القيامة؟ أنا في حيرة أفيدوني. وجزآكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الأخ الحبيب :
فلتحمد الله تعالى أن ساعدك على التوبة بهذا الموقف الذي أنت فيه الآن، وتذكر قول الله تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}( البقرة: 261). والمهم هو الاستمرار على الخير ونصح غيرك بحالك، فربما هدى الله غيرك بسبب معصيتك فكان لك من الله الأجر الكبير.
وبكل تأكيد فإن ما أصابك في الدنيا من ابتلاء هو تكفير لك من حساب الآخرة، ونأمل أن تفيض حسناتك القادمة على سيئاتك السابقة.
وتضيف وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله والصلاة علي رسوله الذي نشتاق إليه ولم نره بعد .. أما بعد ..
أخي الفاضل :
سأجيب لك في البداية عن سؤالك؛ ولكن يهمني في السطور التالية للإجابة أن أناقش معك أمرا ظل يطاردني مع كل سطر قرأته في رسالتك. ولكن نبدأ بالسؤال المعتم لنمحو عنه ظلامه.
هل يغفر الله لي زلاتي ؟
فكر فيما أذنبته؛ فكر كيف أجرمت في حق الله، وحق زوجتك، والسيدة التي لهوت بجسدها في فراش الحرام؛ فكر في هذا كله، وأنظر كم هو كبير وعظيم الوزر، وبعد أن تعرف مقدار ما فعلته؛ فكر في مقدار رحمة ربك، التي لم يضع منها علي الأرض سوي جزءا واحدا من مائة جزء، جعل الخلائق يتراحمون به علي بعضهم، فما بال الـ 99 الباقية ؟!!... هل تري ذنبك أوسع من رحمة ربك ؟!
ظني أنك لم تسأل السؤال المناسب لما أنت فيه. بدلا من أن تنشغل بفكرة قبول الله لتوبتك؛ دعني أطرح عليك سؤالا لن يجيبه غيرك:
هل تبت فعلا؟
أخي الفاضل:(33/1003)
أنت أخطأت في حق ربك مرتين، وفي حقك زوجتك التي أمنت لك ورضيت بك شريكا لحياتها؛ وسلمتك نفسها بما أحل الله، وصانتك في غيبتك. لكنك أبدا ما صنتها. تصرفت وكأن لك عليها أكثر مما لها عليك، وقد قال ربك حسما للمساواة في البر:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ حتى وإن استدركت بقية الآية:{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيم}(البقرة: 228).
تقول إنك تبت إلي الله بعد زواجك؛ فهل صدقت توبتك؟، سؤال يتوقف أمامه مشهد عودتك المأسوف عليها لمن خنت نفسك معها قبل خيانتك لزوجتك بعد زواجك؛ فهل الخيانة من شيم التائبين؟. لكن دعني أسلم بأنك تبت؛ وإن كان ظني أن التوبة النصوح يكون الواقع معيارها؛ ولا يصدق التوبة الأولي مجرد أنك بعدت عن السيدة التي كنت علي علاقة بها واستحللت عرضها بالحرام.
قد تبدو من حروف كلماتي القسوة لا الرحمة؛ لكن هناك دافع لا أخفيه عليك لهذه القسوة. أخشي أن تكون تبت في المرة الأخيرة لا لخوفك من الله وحرصك علي رضوانه؛ ولكن لأنك أصبحت مريضا؛ فاختار لك القدر أن تعيش لزوجتك فقط؛ بعد أن استكثرت عليها نفسك وأنت معافى. وربما تكون توبتك عبارة عن رد فعل عاطفي علي الحادث الذي تعرضت له.. أسأل الله أن يشفيك ويعافيك منه.
أتعرف يا أخي.. إن الحياة ما هي إلا مجموعة اختبارات؛ يستطيع كل منا أن يقول إنه مطيع وتائب وسائر في درب الله؛ لكن امتحانه يثبت صدق نواياه، ومدي قدرته علي جذب لجام نفسه.
أخشي أن تفوق من صدمتك بسبب الحادث المؤلم الذي تعرضت له؛ وتتعرض لموقف آخر تخر فيه لشهواتك. لكن لا يمكني أن أصادر عليك سعيك إلي الله بتعلم أمور الدين والصلاة والعبادة. وربما يتطلب الحفاظ علي هذه المؤشرات الجيدة مراجعة نواياك حتى تكون صحيح العبادة والعمل والعقيدة والنوايا معا.
لكن علي أية حال؛ نعود لسؤالك: هل يتقبل الله توبتي؟. فهذا سؤال قد أجاب عليه رب العزة سبحانه وتعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53 ). ثق يا أخي في رحمة الله؛ شريطة أن يثق في توبتك.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
أصابني الفتور بعد عمر من الالتزام! ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
كنت طيلة حياتي سواء في طفولتي أو مراهقتي متصلة بالله عز وجل، وكنت أشعر بقربي من الله تعالى وبأني سعيدة في حياتي ربما لأن والدي متدينان وتأثرت بالجو العام ولله الحمد.
المشكلة بدأت منذ حوالي سنتين؛ بدأت صلتي بالله تبهت، بدأت أصلي ولا أعلم ما قرأت في صلاتي، بدأت أسمح لنفسي بأشياء كنت أتجنبها مثل سماع الأغاني، بدأت أشعر بعدم توفيق الله لي في معظم أموري.(33/1004)
أدركت أني أغضب الله فأستغفره كلما سنحت لي الفرصة وتعهدت الله بقيام الليل، ولكني أستيقظ ولا أصلي وأعود للنوم، وأندم في الصباح أشد الندم وهكذا كل يوم، وهجرت القرآن جزيئًا .
سؤالي هو : ماذا أفعل لأجدد علاقتي بالله وأعود كما كنت ؟ بصورة دائمة فأنا أخشى الموت وأنا على هذه الحالة، و جزاكم الله خيرًا.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الشيخ فتحي رمضان :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
أختي الفاضلة:
من عظيم فضل الله عليك، أنك بدأت حياتك منذ الطفولة والمراهقة بالاتصال بالله عز وجل، والنتيجة التي كنت تشعرين بها من السعادة والأنس بالقرب من الله عز وجل، وأنك نشأت بين أبوين مسلمين متدينين هذه منة عظيمة من الله عز وجل، لا يحظى بها كثير من الناس. ومن حق الله علينا أن نشكره على هذه النعمة، وأن نحافظ عليها، حتى يديمها الله ويتمها علينا. قال تعالى:{... لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
وأما الفتور الذي حدث منذ سنتين فهذا لا بد أن له أسبابًا، ومن الواجب عليك أن تبحثي عن هذه الأسباب لتفاديها، ولترجعي إلى الله عز وجل. وتذكري أن الشيطان لنا بالمرصاد، وقد أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى على إغواء بني آدم؛ إلا من رزقه الله الإخلاص فحفظه من نزغ الشيطان وإغوائه.
والشيطان لا يأخذ الإنسان مرة واحدة من الطاعة إلى المعصية، ومن الجدية إلى الفتور، ومن القرب من الله إلى البعد عنه. ولكنه يحتال لذلك حتى يصل إلى أمله المنشود، عصمنا الله جميعًا منه، فهو يمهد لذلك تمهيدًا، فمثلاً إذا كان يريد من المسلم أن يبعده عن صلاة الجماعة، لا يأخذه مرة واحدة، ولكنه يحاول أن يؤخره عن الوضوء حتى تقام الصلاة مثلاً، فتفوته الركعة الأولى من الجماعة، ثم بعد ذلك يمهد له حتى يفوت عليه الركعة الثانية أيضًا، وهكذا حتى يفوت عليه صلاة الجماعة. ويأخذه خطوة خطوة حتى يصل به إلى البعد عن الله عز وجل. وحرمانك من قيام الليل هو بسبب هذا الفتور، وكذلك هجرك للقرآن يترتب على ذلك.
ولتحسين الصلة بالله وتوثيق العلاقة به عليك أن ترجعي إلى تعهد القرآن وأن تكوني جادة في ذلك فتقرئيه بترتيب وتدبر وتفهم واعتبار؛ لتصل معاني القرآن إلى شغاف قلبك وتستشعري من القراءة عظمة القرآن وعظمة الله عز وجل، القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم:( طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى) (طه: 1-3)، فتنبت خشية الله عز وجل والخوف منه في قلبك، فترجعين كما كنت، طائعة صوامة قوامة، بل وأحسن مما كنت إن شاء الله تعالى.(33/1005)
أختي الكريمة:
إن تدبر القرآن في الصلاة يجعلك في خشوع لله عز وجل، فعندما تقرئين الفاتحة تعايشي معها، ومع معنى كل آية منها، فتذكري عندما تقرئين {الحمد لله رب العالمين} أنك تحمدين الله عز وجل على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، وعندما يقول العبد { الحمد لله رب العالمين} يقول الله سبحانه وتعالى: "حمدني عبدي"، وعندما يقول {الرحمن الرحيم} يقول الله عز وجل: "أثنى عليّ عبدي"، فإذا قال العبد:"مالك يوم الدين" يقول الله عز وجل "مجدني عبدي"، وإذا قال العبد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الله عز وجل: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".
فهل يليق منا أن يكون لساننا في واد وقلبنا في واد آخر؟!، هل يليق منا أن نعرض عن الله تعالى وهو مقبل علينا، وهو غني عنا ونحن في أمس الحاجة إليه؟!
كذلك يجب أن نكون في خضوع تام لله عز وجل، ونحن في حال الركوع والسجود، اعترافًا منا بعظمته وقدرته. فهذا مما يعين على تحصيل الخشوع لله سبحانه وتعالى.
وأيضا فإن دراسة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمعن في معانيها والعمل بما فيها هو مما يعين على تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله عز وجل، وهناك أيضًا تذكر الموت الذي هو نهاية كل حي، ولا يدري الإنسان متى ينقضي عمره، قال الله تعالى في الدستور الخالد:( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (يونس:49)، وهذه الدنيا فانية زائلة بكل ما فيها، وكل ما فيها لسان حاله يذكرنا بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكرنا بالموت الذي لا بد منه.
فلسان حال الأرض يقول لنا:
اعلم يا ابن آدم... أنك اليوم تمشي على ظهري وغدا ستصير في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تضحك على ظهري وغدا ستبكي في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تأكل الألوان على ظهري وغدا تأكلك الديدان في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تفرح على ظهري وغدا ستحزن في بطني.
يا ابن آدم... اليوم تذنب على ظهري وغدا تعذب في بطني.
ولسان حال القبر يقول: أنا بيت الغربة.. أنا بيت الوحشة.. أنا بيت الدود.
وما من يوم جديد إلا وينادي: يا ابن آدم.. أنا يوم جديد، على عملك شهيد، فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
فعليك أختي المسلمة تذكر هذا كله والتمعن فيه، والاستعداد للوقوف بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وبالتفكر في هذا كله وخاصة في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما أوصيك بالاطلاع على ما تيسر لك من كتب الرقائق والإيمانيات، وأرشح لك منها:
1-(كتاب المستخلص في تزكية الأنفس للشيخ سعيد حوى).
2- كتاب (مختصر منهاج القاصدين لا بن قدامه المقدسي).
3- الزهد والرقائق للشيخ أحمد فريد.(33/1006)
4- إحياء علوم الدين للإمام أبو حامد الغزالي.
5- الإيمان ..حقيقته وأركانه و نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين.
كما يمكنك أن تشتري أسطوانة الزهد والرقائق إنتاج شركة التراث وقد حوت كل ما كتب في الزهد والرقائق
وستعودين أفضل مما كنت سابقًا إن شاء الله تعالى، والله الموفق والمرشد إلى الصواب. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
... الاسم ...
استدرجني وفاجأني.. شماعة المخطئين!! ... العنوان
أمراض القلوب, السلوكيات ... الموضوع
تم استدراجي من قبل شخص تقدم لأختي لخطبتها، وهو جدُّ متدين أمام الناس ومتعلم جدًّا، وغني، ولكن تحت ظرف معين اختلى بي وفاجأني أنه يمارس الجنس معي وبصورة لوطية. الموضوع جد خطير.
أنا كنت إنسانة جدًّا ملتزمة، وأخشى الله، ولكن بعد ما حدث انقلب كل شيء بالنسبة لي ولتربيتي دينيا وأخلاقيا.. كل المعايير انقلبت حتى الوثوق بالبشر.. وخصوصا المتدينين أمام الناس.. أصبحت أتفرج على المواقع الإباحية، وأعاهد الله على عدم العودة، وأعود رغم معاهدتي الله.
أنا أحب الله جدا وأخافه، ولكن من تحب الله وتخافه لا تفعل ما فعلت أنا !!!
بالله عليكم أنقذوني.. أنا ضائعة وتائهة جدا.
... السؤال
الأستاذ فتحي عبد الستار ... المستشار
... ... الرد ...
...
...
عجبًا لدنيا البشر!!
عجبًا لمن يخطئون بكامل وعيهم وإرادتهم، ثم يحمِّلون الظروف المسئولية عن خطئهم!!
عجبًا لمن يشتركون مع غيرهم في الخطأ ويشجعونه عليه، ثم يزعمون أنهم قد خُدِعوا واستدرجوا!!.
عذرًا لهذه الكلمات التي لم أستطع كبح جماحها وكتمانها، فلقد تعودنا دائمًا خاصة عندما يتعلق الأمر بالإيمانيات والعلاقة مع الله عز وجل أن نقوم بدور المبشرين المرغبين، المذكرين برحمة الله وغفرانه، وهذا واجبنا كدعاة، ولكني أجد نفسي أحيانًا مضطرًّا لاتباع المنهج الآخر، الذي قد يؤلم السائل، لكنه يوقفه أمام نفسه ويظهر له عيبه دون مواربة أو مجاملة ليفيق ويستدرك بعيدًا عن المسكِّنات التي قد تضر أكثر مما تفيد.
دعيني - أختي- أقف أمام بعض كلماتك العجيبة قليلاً: (تم استدراجي) (جدُّ متدين) (ظرف معين) (فاجأني)!!(33/1007)
فكيف له أن يستدرجك دون إرادتك؟ ولو فعلاً خدعك واستدرجك، فما هذا الظرف الذي سمح له بأن يختلي بك أيضًا دون إرادتك؟ ولنفرض أن الظرف كان قاهرًا، فكيف فاجأك بممارسة الجنس معك وبصورة "لوطية"؟ لا أدري نوع هذه المفاجأة التي تستمر معك كل هذا الزمن، حتى تتيح له هذا الفعل الشنيع معك قبل أن تفيقي منها، ومعروف أن الممارسة بهذه الصورة القبيحة التي ذكرتِها لا يمكن أن تتم عن طريق المفاجأة أو بدون رغبة الطرفين، إلا إذا كان أحدهما مخدرًا، ولكن كلامك يشير إلى أنك كنتِ في كامل وعيك!!.
ثم أين (تدين) هذا الشاب، وأين علمه، وقد سمح لنفسه بممارسة الفاحشة مع أخت خطيبته ؟!! هل أصبح التدين مجرد كلمة تقال باللسان، ولقب يخلعه الإنسان على نفسه أو يُخلَع عليه، دون أن تتحقق فيه مؤهلات هذا اللقب؟!!
ثم ما ذنب المتدينين الحقيقيين لكي تفقدي الثقة فيهم، لمجرد أن أحد الأدعياء حدث منه ما حدث؟؟
على أية حال- أختي- فلتحمدي الله عز وجل أن من سيحاسبك هو الله سبحانه، وليس البشر، إذ إنه سبحانه – وحده- رحمته التي وسعت كل شيء، ولا مقيد لغفرانه الذي وعده التائبين.
أعتذر لقسوتي، ولكني أراها لازمة في هذا المقام حتى تدركي شناعة ما وقعت فيه، ووجوب الخروج منه بتوبة نصوح يلزمها الإقلاع الفوري عن هذا الذنب الكبير، والذنوب التي لحقته، والندم الشديد على ما فات، والعزم الأكيد على عدم العودة والاستدراك بالاستغفار والمحافظة على الفرائض، والإكثار من النوافل والأعمال الصالحة.
وما أنصحك به الآن هو الآتي :
1- قطع علاقتك بهذا الشاب نهائيًّا، وإقناع عائلتك بأي شكل من الأشكال برفضه كخطيب لأختك، لأنه لا يؤتمن على عِرْض.
2- محاولة العودة لسابق التزامك وخشيتك لله عز وجل، بالمواظبة على الفرائض، والإكثار من الذكر والاستغفار، والدعاء بالمغفرة، والإكثار من النوافل والصدقات.
3- مقاطعة المواقع الإباحية تمامًا، بالتخلص من الأدوات التي تتيح لك مشاهدتها، وعدم الانفراد بنفسك لأوقات طويلة.
4- لا تسمحي للشيطان ولنفسك بالانتصار عليك، فإن عزمت على التوبة فجاهدي نفسك للثبات عليها، وعدم العودة للمعاصي، ويساعدك على ذلك اتخاذ صحبة صالحة من الفتيات المؤمنات التقيات اللائي يذكرنك بالله، ويساعدنك على الالتزام، مصداقًا لقول الله عز وجل: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
5- ثقي في رحمة الله وفي مغفرته، ولا تيأسي ولا تقنطي، فربما كان هذا الذنب منبهًا لك وحافزًا بعد التوبة منه للقرب من الله عز وجل، و اللوذ بجنابه، قال تعالى:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).(33/1008)
وأخيرًا أدعو الله لك بالهداية والمغفرة، وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
أستقيم وأنتكس.. قو إرادتك وجاهد نفسك ... العنوان
أمراض القلوب ... الموضوع
أنا شاب في الـ 25 من عمري؛ أعاني من الانتكاس والرجوع إلى الغفلة. وقد حدث ذلك معي أكثر من مرة، حتى أن أهل بيتي يقولون إذا استقمت : كلها شهر وسيرجع!، أحاول الاستقامة لكني لا أستمر عليها. وأنا أمارس العادة السرية منذ 9 سنوات. أعلم أنها حرام لكن هذا حالي كما يحصل. فماذا علي أن أفعل؟
أرجوكم ساعدوني
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
يقول الأستاذ مسعود صبري، الباحث الشرعي بكلية دار العلوم وشبكة "إسلام أون لاين":
الأخ الفاضل :
الانتكاسة تدل على ضعف الإرادة، لكنها ليست دليلا على ضعف الإيمان، فالإيمان موجود مخبوء داخل كل إنسان بدرجات متفاوتة، وهذا الإيمان هو استجابة لفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، ولكنه قد يخدر إذا شابته بعض الأشياء، والسعي الحثيث للالتزام من محامد الأمور، غير أن هذا السعي يجب ألا يقف عند درجة الإيمان، فكما ورد في الأثر: "ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل".
وقد امتدح الله تعالى أولئك الذين يجاهدون أنفسهم للوصول إلى درجة عالية من الإيمان، قال تعالى:{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} (العنكبوت: 69). بل إن الله قد وعد من سعى إلى الهداية بأن يهديه ويزيده درجات على درجته، قال تعالى:{ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}(محمد: 17).
وإذا كان الله تعالى يزيد للإنسان في حسناته فيضاعفها له أضعافا كثيرة، فنحن لا نشك في أن الله تعالى يفتح للمرء طرقا للصلاح والتقوى، كلما طرق العبد بابا إلى ربه سبحانه وتعالى، وكما قيل: من داوم قرع الباب، يوشك أن يفتح له.
فأنت يا أخي تحتاج إلى مجاهدة ومقاومة، وأن تبتعد عن الانهزامية، وهذا يكون أولا في داخلك أنت، وروي عن أحد العلماء أنه كان يقول لمن يربيهم:(ليكن ميدانكم الأول أنفسكم، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، إن انهزمتم أمامها كنتم عن غيرها أعجز)، فمشكلتك تكمن في عدم ثقتك في نفسك، فأنت لا تثق في أن تنجح، ولا في أن تستمر على عمل..
والذي أطلبه منك – أخي الكريم- هو:
أن تكون حسن الظن بالله، وأن توقن بأن الله تعالى سيوصلك إلى بر الطاعة والإحسان.(33/1009)
أن تجاهد نفسك، وأن تأخذها بالعزائم، وأن تتدرب على إنجاز بعض الأعمال وتحقيقها، قد يكون ذلك أولا في أمر من أمور الدنيا، ثم اجعله في أمر من أمور الآخرة، وأكسب نفسك حقيقة أن الإنجاز يأتي بالتدرب، والتدرب يحتاج إلى تحمل المشاق.
اطرد الوساوس والأوهام، ولا تلتفت إلى قول أحد بأنك مهما سعيت للالتزام فستعود مرة أخرى، وثق بأنك ستنجح وستصل؛ لأن هذا ليس أمرا مستحيلا، بل هو أمر طبيعي ومنطقي فمن جد وجد.
استحضر عون الله تعالى لك، وأنه معك ولن يتركك، وابك بين يديه ..اسأله أن يهبك قوة من قوته، وعونا من عونه، وأن يحبب إليك الطاعة، وأن يكره إلى قلبك المعصية ويصرفها عنك.
لا تضعف الإيمان بكثرة المعاصي، فالمسلم يجمع بين قوة وضعف، قد تكون قوة الإيمان وضعف المعصية، وقد تكون قوة المعصية وضعف الإيمان، ولا تجتمع القوتان ولا الضعفان، فلا تذهب قوة إيمانك بكثرة معصيتك، بل أضعف معاصيك، بكثرة طاعاتك، وكما ورد في الحديث :"اتق المحارم؛ تكن أعبد الناس".
تمهل في التغيير، لا تغير كل شيء في آن واحد، بل اجعل لنفسك جدولا تسير من خلاله في تغيير نفسك من البعد إلى القرب، ومن المعصية إلى الطاعة، ولا تجعل حرصك على التغيير يذهب عنك القدرة عليه، فالنية الصالحة، والقصد الطيب، لا بد لهما من فهم واعي وبعد نظر.
انظر إلى الناس من حولك، كم منهم استطاع أن يغير حياته، لا تكن أقل منهم، فعندك ما عندهم، بل ربما يكون عندك ما ليس عند كثير منهم.
انظر بعض إخوانك الصالحين، اتخذهم أخلاء يساعدونك على عون الله، وتذكر قول موسى عليه السلام حين دعا ربه:{ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا).
تذكر أنك عبد لله، وعبد الله لا يضعف أمام وساوس الشيطان، وقد قال تعالى: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }، فلا تقو ما ضعف الله، ولا تضعف ما قوى الله، فأنت عندك قوة كامنة، أخرجها من مكامنها، واجعلها أداة إصلاح لك.
ما أحسن الدعاء، فبه تغير الأقدار، وتستجلب عون الرحمن، فاجعله خارجا من قلبك، واصدق الله؛ يصدقك، وإن كان الله تعالى يعين الناس في أمور الدنيا، أفلا يعين عباده في أمور الآخرة؟
أما بخصوص العادة السرية، فهي داخلة في سياق ضعف إرادتك، فحين تقوى إرادتك، فلن تجد للعادة القبيحة في حياتك نصيبا، فستهرب مع الأعمال السيئة التي ستهرب من حياتك.
وفقك الله وحفظك ورعاك، ولا تنسنا من صالح دعائك. وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك...
ـــــــــــــــــــ
ملكة جمال الأخلاق! ... العنوان(33/1010)
العقيدة, أمراض القلوب ... الموضوع
مشكلتي لم أرد أن يعلمها إلا الله؛ ولكن لتردد الأفكار في عقلي وعدم الوصول إلي حل مع نفسي؛ قررت أن أشرك معي من قد يدلوني علي حل. وأرجو ألا تكون شكوى لغير الله. أنا فتاة والحمد لله محافظة علي أمور ديني قدر ما أستطيع وهذا لا ينفي أنني مقصرة في بعض الأمور لكن الحمد لله ليست من الكبائر.
لكن ما يؤرقني هو خصلة سيئة في؛ إذ أظن دائما أنني غير جميلة، وأن الناس يتقربون من الجميلات أكثر من غيرهن، وعند ذهابنا إلي اجتماع نسائي يتكلمن عن الجارة الجديدة الجميلة ويحاولن مصادقتها والتقرب إليها وهي فوق ذلك متدينة، فأحس غيرة في قلبي لأني قليلة الكلام والجمال، فلا أجد أي محاولة للتقرب مني إلا الكلام اليسير.
وكذلك يمدحن أبناء تلك المرأة أمامي وأمام أبنائي بأنهم آية في الجمال، ويحاولن التودد إليهم وهو ما لا يفعلنه مع أولادي، لأنهم ليسوا بقدر جمال أولئك الأطفال فأحس بحسرة علي أولادي لأنهم يتأثرون بمدح الأطفال أمامهم ودون الاهتمام إليهم. فأقول لنفسي الله يبارك لهم وعلي أن أصبر، وربما يجزني الله أجرا؛ إذ أن جارتي جميلة هي وأولادها وأنا لا.
ولكن الغيرة تعود إلي في كل اجتماع لنا فماذا أفعل؟ وبماذا تنصحونني؟ وهل فعلا لي أجر أم أني أغالط نفسي؟ وما ذنب الإنسان إن لم يكن جميلا حتى يعامله الناس هكذا؟ وما يحزنني قول سمعته "إن الله جميل يحب الجمال" ؛ فأحببت أن يكون أولادي جميلين من هذا الحديث مع أنهم والحمد لله ليسوا بشعين فانصحوا نفسي الأمارة بالسوء بارك الله فيكم.
... السؤال
... ... الرد ...
...
...
تجيب وسام كمال من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
سيدتي الفاضلة / مني
لا تنتهي الأماني بالقلوب؛ ماذا تظنين أختي أن أقول لك: الجمال ليس مرادا يسعى إليه النساء والرجال معا. لا يا أختي لن أقول لك هذا، ولن ألوم علي أي إنسان أن يحب أن يري الجمال من حوله في كل مكان، فالنفس تنفر من كل قبيح وتأمل أن يكون كوكب الأرض بقعة سحرية من الجمال تزين هذا الكون المظلم بمجراته اللانهائية.
سلي أي عابر: ماذا تحب أن تري؟
سلي الأعين: لماذا ضعفت قوة أبصارنا وفسدت بصائرنا؟
سلي الكون: لماذا تلوثت وانقلبت موازينك ؟
سلي الأنفس: لماذا ضاق بك العيش في الدنيا؟
ستجدين الجواب حتما يتطلع إلي الجمال حيث كان.....(33/1011)
ولكن أي جمال ينبغي أن نتحدث عنه؟ هل اختصرت معناه في ملامح الوجه وقوام الجسد؟ لو كان الأمر في إسعاد الآخرين وكسب حبهم يقتصر علي جمال الشكل والهيئة ما شقت الأنفس؟
انظري بعين حالك إلي الجميلات شكلا: هل هن الأسعد؟ هل لا تخلو حياتهن من مشاكل؟ هل شفع لهن حسنهن في إبعاد الحزن والآلام عن قلوبهن؟
أعذرك علي هذا التصور عن الجمال: فكثيرون من حولنا لا يهتمون إلا بمظهر الإنسان لا جوهره، فعندما يتقدم رجل لفتاة؛ أول ما يسأل عنه: ماذا لديك؟ ويكون السؤال المتأخر: ماذا عنك؟. الأغاني والدراما التليفزيونية تحتفي بالجمال، وتظهر المرأة الجميلة التي تتبرج وتظهر جسدها للأغراب هي الأوفر حظا، وأن المرأة السعيدة هي التي يطاردها الرجال.
والأغاني لا تتوقف عن وصف جسد المرأة، تمنيت كثيرا أن أسمع مطربا يتغني بقدرة المرأة علي الكفاح معه وتحمل أعباءه وأعباء أولاده، وأنها خير الصديق ورفيق الطريق. بدلا من أن يكتفوا بمغازلة الرموش والوجوه و.....!!!!
نلوم علي الإعلام ؛ ونلوم علي النظرة الاجتماعية التي شاعت بين الناس في تقييم الآخرين؛ هذه محظوظة النصيب في الزواج لأنها جميلة وورثت من أهلها كذا وكذا، والله أعلم ما وراء الأبواب!
ولا أخفي عليك أن تغيير هذه التصورات تحتاج لنقلة اجتماعية كبيرة؛ ولعدم الأخذ بالانطباع الأول في تقييم الناس والحكم علي أخلاقهم وجوهرهم من سلوكياتهم لا من ملابسهم ومظاهرهم. وهذا يتطلب نقلة إيمانية سابقة لها؛ لأن الإيمان يغرس في النفوس بصيرة قادرة علي تحليل الأشياء بشكل متعمق وليس سطحيا. فإيمان العصا السحرية التي تعيد للناس قدرتهم علي التواصل مع الحياة ببعد نظر؛ وهو الذي يجعلنا نستوعب الآخرين، وننتظر منهم الأحسن في أخلاقهم وأفعالهم، ولا نركن علي مظاهرهم في تلبية احتياجاتنا.
وعندما تقولين إن الله يحب الجمال فأنت لم تدركي ما الجمال الذي يحبه الله، الله يحب عباده كلهم، لأنه خلقهم ونفخ في أبيهم (آدم عليه السلام) من روحه؛ فكيف لا يحبهم؟
ولكنه الجمال الذي يحبه الله في البشر؛ هو جمال الروح الطاهرة التي لم تلوث فطرتها بفعل الشهوات واختبارات الحياة، "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة). ويقول الرسول في حديث أبي سعيد: "إن الله تعالى جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس".
وقد تحدث العلماء في معنى " إن الله جميل " فقالوا : يعني أنه المجمل ، وقيل معناه : جميل الأفعال بكم , باللطف والنظر إليكم , يكلفكم اليسير من العمل, ويعين عليه, ويثيب عليه الجزيل, ويشكر عليه.
تتمنين يا سيدي أن تكوني جميلة ( فائقة الجمال) ولكن هل تظنين أن أحدا يحتكر الجمال؛ فلا توجد سيدة تملك ما أوتيت النساء من جمال علي وجه الأرض، لأن الجمال نسبي، وكل امرأة لها نصيب من الجمال مختلف عن أي امرأة أخري، واحمدي الله أنك لست قبيحة، بل (تظنين أنك لست جميلة ) فليس ما تشكين منه إلا(33/1012)
هاجس يسيطر عليك وليس بصواب، ألم تتزوجي ويرضي بك زوجا رفيقة الليل والصباح، المشكلة أنك لو كنت في الهيئة التي تأملين أن تكوني عليها لن تكوني أيضا سعيدة، لأن السعادة في الرضا والقبول بالواقع وقضاء الله بنفس راضية؛ وقلب مطمئن إلي متاع غير متناه في جنات الله التي أخرها لنا في الآخرة، فكما قلت لك أختي أنك لو كنت أجمل مما أنت عليه لن تكوني سعيدة لأن منطق الغيرة يسيطر علي وجدانك؛ وليس شرطا أن يكون الحاقد علي الآخرين والدائم الغيرة منهم أقل منهم.
وإنما الجمال الذي يحبه الله؛ هو جمال نوره في نفوس عباده المخلصين؛ الذين يحبون الله ويتمنون لقاءه ويرضون بقضائه ولا يتنكرون لمعروفه؛ يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة:54).
أختي مني .. أذكر نفسي وإياك أن الجمال الجسدي وإن كان يفتن لوقت؛ إلا أنه يزول ويشيخ البدن قبل أن يموت ليعطي لممجدي الجسد عظة بأن ما خلق الجسد ليمجد؛ والدليل علي زيف الأجساد والمظاهر هو ما آل إليه بعض الفنانين بعدما كبروا ووجدوا من كانوا ينصبونهم علية القوم؛ ينتقدونهم ويشدوا عنهم الرحال....
وإذا كنت لست جميلة أو أولادك كذلك فهذا قدرك؛ ولابد أن تصبري لتري الله من نفسك خيرا ورضاء بما قسمه لك؛ فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كشجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد".
وقد سمعت جدي يصبر أحدا علي قضائه؛ ويقول له: "إن صبرتم شكرتم؛ وقضاء الله نافذ. وإن ما صبرتم كفرتم وأيضا قضاء الله نافذ". وعن الصبر علي القضاء قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه أنس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبله بصبر جميل، استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا، أو أنشر له ديوانا".
فكفا أن ذلك سيكون في ميزان حسناتك؛ لأن المؤمن يجازيه الله علي كل دقيقة صبر؛ فيقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ حتى الشوكة يشاكها، إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة".
ولا ينبغي أن تكون عينيك علي ما أعطاه ربك لغيرك؛ حتى لا يتطور بك الأمر وتحقدي علي الناس؛ وقد قال الدكتور محمد البهي الأستاذ بجامعة الأزهر(رحمه الله ) في خطورة حسد الآخرين :
إن الغِلَّ والحقد والحسد وما شابَهها من الصفات السوداء للنفس البشرية هي مصادر الشَّرِّ في المجتمع الإنساني. وهى في الوقت ذاته عوامل هدم وقضاء على الفرد والمجتمع معًا. فالفرد الحَقُود لا يعرف البناء بل طابَعه السلبيَّة ومحاولة تحطيم مَن هو أحسن منه وضعًا أو حالاً بعد أن يحطِّم نفسَه هو. والمجتمع الذي يَشيع فيه خُلق الحِقد لا يعرف الوحدة ولا يصل يومًا ما إلى التماسُك. وكل ما له من عمل هو تبادُل التمزُّق حتى الفناء كمجتمع أو كأمّة.(33/1013)