أتفكر في حب الله تعالى بتوبة عبده؛ مع كوني أعرفها مما يزيد عن عشرين سنة. ولكن حين رأيت في قلبي فرحا، فإذا بي أتذكر فرح الله بتوبتك، وكيف يكون فرحه سبحانه وتعالى.
أنا لا أعبر عن شعوري لذاتي. ولكني أريد أن أنبهك لهذا المعنى. إن كنت أنت الأمة الضعيفة المسكينة المحتاجة إلى الله تعالى؛ تفكرين في التوبة الصادقة، وتبحثين عن السبيل؛ فإنه أخبرك بفرح الله تعالى بعملك، حتى نستمر عليه، ولا نتزحزح أبدا، ولا نرجع مطلقا عما قصدناه من خير، وأن نعود إلى الغاية التي من أجلها خلقنا؛ وهي: توحيد الله تعالى.
أختي التائبة:
كثير من الناس الذين نريد أن نلقيهم، أو يكون بيننا وبينهم علاقات أو لقاءات قد تكون صعبة المنال؛ حسب المكان الاجتماعية والعلمية للمطلوب، مع أنهم عبيد ونحن عبيد، كلنا مخلوقون. ولكن الله تعالى هو صاحبنا كلنا، فنحن صنيعته وخلقه، ما أغلق بابه لحظة واحدة لأي عبد من عباده، أو أمة من إمائه، فبابه مفتوح للعائدين، لا يغلق أبدا.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، فعيادة التوبة مفتوحة على مدار أربع وعشرين ساعة، ولا تغلق حتى قيام الساعة، حين تشرق الشمس من مغربها.
وهذا يعني أن الطريق إلى الله ما أيسره، إنه ليس صعبا، ادخلي عليه، وابك بين يديه، واطلبي منه أن يسامحك وأن يعفو عنك، وأن يثبتك على الحق، ابك أمامه كثيرا. إنه ينتظرك، والله ربك ينتظرك، يحب أن تعودي إليه، فلماذا تتأخرين؟
هل تبحثين عن الطريق، هو كما أنت في بيتك. لن تركبي مواصلات. ولن تسافري بالطائرات. ولن تحجزي وقتا ولا مكانا. هو ييسر الأمر كله. قومي الآن، توضئي واطرقي بابه، وصلي له ، أطيلي الركوووووع، أطيلي السجووووووود، أعلني توبتك أمامه، وبعد انتهاء الركعتين، كلميه، كلميه بلسانك ولغتك، لا تتقعري في الكلام.
ليس شرطا أن تحدثيه بالفصحى. ولكن حدثيه بقلبك، واترك اللسان يعبر عما في القلب. اشك له نفسك، واشك له كل ما تريدين، ساعتها تكوني قد اغتسلت مما فات كله، وبدأت عهدا جديدا.
بعدها أمسكي ورقة وقلما، اكتبي كبائر الذنوب، انظري إليها جيدا، هذه أعاقتك عن تلك الحلاوة التي شعرت بها أمام الله، هذه التي تمنعك رحمة الله، اعزمي على تركها، لا تعوديها إليها مهما كان. وفي الجزء الآخر من الصفحة، اكتبي أعمالا صالحة ستقومين بها حسب طاقتك، وراعي نفسك بالعمل الصالح بتؤدة وعلى مهل، عامليها كالطفل الصغير، أو كالنبتة تحتاج إلى رعاية وسقاية، وترفقي حينا، واعزمي حينا؛ حتى تصلي إلى بر الأمان.
واعلمي أنك إن صدقت نيتك؛ فإن الله تعالى سيعينك على الطريق، وسيهديك الصراط المستقيم. كما قال تعالى: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ(33/129)
تَقْواهُمْ}(محمد:17). وفي طريقك إلى الله ستجدين حلاوة أحسن ألف مرة مما كنت تشعرين به من حلاوة زائفة في طريق الشر.
الآن عرفت الطريق، فابدئي. فإن هذا أول الطريق، وصدقك معناه أن تقومي الآن لا تتأخري، وأن تدخلي على مولاك وتتوبي إليه.
وأرجو منك أن تتابعينا بأخبارك، وأن تطمئنينا عليك، ونحن في انتظار بشراك لنا بعودتك إلى الله تعالى، ولا تنسنا من صالح دعائك
ـــــــــــــــــــ
هل الحسد وراء تأخر زواجي؟ العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم، أنا فتاة أبلغ من العمر 25 سنة، و لم أتزوج إلى الآن، فأود أن أعلم: هل يمكن أن يكون هناك حسد؟، وهل يوجد دعاء أدعو به ربي لأجل هذا الموضوع؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد :
السائلة الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك على موقعك "إسلام أون لاين.نت"، وبعد،،،
فإن الحسد من حيث وجوده فلا أحد ينكر ذلك، لثبوته في القرآن والسنة، ففي القرآن أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم ـ أن يستعيذ بالله منه، فقال تعالى: (قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسقٍ إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسدٍ إذا حسد). [سورة الفلق].
قال الآلوسي: "أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ومبادي الأضرار بالمحسود قولاً وفعلاً، ومن ذلك على ما قيل النظرُ إلى المحسود وتوجيه نفسه الخبيثة نحوه على وجه الغضب، فإن نفس الحاسد حينئذ تتكيف بكيفية خبيثة بما تؤثر في المحسود بحسب ضعفه وقوة نفس الحاسد شراً قد يصل إلى حد الإهلاك، ورب حاسد يؤذي بنظره بعين حسد نحو ما يؤذى بعض الحيات بنظرهن". روح المعاني: 23/190.
وفي السنة النبوية، عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "العين حق". [رواه البخاري]. وعن ابن عباس (رضي الله عنه) عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا". [رواه مسلم[.
قال الإمام مسلم: فيه إثبات القدر. وهو حق. بالنصوص وإجماع أهل السنة. ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى. ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها علمه. فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى. وفيه صحة أمر العين، وإنها قوية الضرر.(33/130)
وقال بعض الحكماء: والعائن يبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمُعان فيَهلك، أو يُهلك نفسه. قال: ولا يبعُد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمَعِين، وتخلل مسام بدنه فيخلق اللّه الهلاك عندها كما يخلقه عند شرب السم.
فهذه نصوص من القرآن والسنة وكلام الأئمة والحكماء تشير إلى أن الحسد ثابت وهو حق، ولا مراء في ذلك.
أما فيما يخص حالتك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ فورود الحسد في مثلها ربما يكون مستبعدا؛ وذلك أن معظم هذه الافتراضات أو الظنون يغلب أن تكون أوهاماً توجدها مخاوف المرأة التي تجاوزت الخامسة والعشرين أو الثلاثين من عمرها أن يفوتها سن الزواج.
ولعل من أهم أسباب ورود هذه المخاوف هو المحيط الذي تحيا فيه المرأة وأقاربها الذين تعايشهم ويعايشونها، فينظرون إليها نظرات مريبة ويكلمونها بأسلوب يحمل في طياته الإشارة إلى تقدمها في السن واحتمالية أن تبلغ العنوسة ويفوتها الزواج مما يوقع الفتاة في اضطرابات نفسية معقدة ومتشابكة وتستحوذ عليها وساوس ومخاوف تكدر عليها صفاء حياتها، وتخلق لها شبحًا يطاردُها ويؤرقها في نومها ويقظتها، في كلامها وصمتها.
ولعلكِ في غنى عن التذكير بأن هذه مشكلة اجتماعية تعاني منها كثير من المجتمعات العربية والإسلامية، فعندنا في مصر ما يقرب من 8 ملايين فتاة تقريباً تجاوزت سن الثلاثين.
وأريد ـ من هنا ـ أن أهمس في أذنيك أنك ما زلت في سن لا قلق معها ولا اضطرابات؛ لأن سن الزواج الطبيعي في هذا العصر أصبح بين 25-30 عاما للفتاة نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مجتمعاتنا.
ومن أجل الخروج من هذه الوساوس والأوهام وحالتك التي تعيشينها ألفت نظرك إلى مجموعة من الوسائل، أرجو ـ لو اتبعتيها ـ أن تكوني مطمئنة راضية مرضية:
أولا: لابد أن تؤمني بقضاء الله وقدره، خاصة إذا تقدمت بك السن، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن قدر الله هو الخير على كل حال، وكل شيء عنده بمقدار وميعاد، فربما لو رزقك بزوج في هذه السن التي تعتبر مبكرة، كدّر عليك صفوك، وجعل عيشك كدًّا، وعملك ردًّا، وشيّبك قبل وقت المشيب.
وما أجمل ما قاله ذو النون المصري: "إن المؤمن إذا آمن بالله واستحكم إيمانه خاف الله، فإذا خاف الله تولدت من الخوف هيبة الله، فإذا سكن درجة الهيبة دامت طاعته لربه، فإذا أطاع تولد من الطاعة الرجاء، فإذا سكن درجة الرجاء تولد من الرجاء اشتياق أدّاه الشوقُ إلى الأنس بالله، فإذا أنس بالله اطمأن إلى الله، فإذا اطمأن إلى الله كان ليله في نعيم، ونهاره في نعيم، وسره في نعيم، وعلانيته في نعيم".
وهذه النقطة هي الأساس الذي ينبني عليه ـ إذا صح ـ كل خير، أما إذا لم يوجد فلا أمل في سعادة أو راحة أو رضا.
ثانيا: ليس تقدمُكِ في السن دون أن يتقدم لك زوج له علاقة برضا الله عنك أو سخطه عليك، وليس له علاقة أيضا بخِلْقتك إن كانت جميلة أو دميمة، فكم من دميمة تزوجت مبكرا قبل سن الزواج، وكم من جميلة تأخر عنها الخُطَّابُ حينا من الدهر.(33/131)
ثالثا: وهي خاصة بأهلك، أن تكون معاملتهم لك طبيعية، ومبشِّرة، ومهونة لهذا الأمر حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه، وألا يُشعروك من قريب أو بعيد بهذا الأمر.
رابعا: عليك بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى دائما خاصة في الأوقات التي يُرجى فيها الإجابة، وارجعي إلى الله بصدق، واسأليه وأنت موقنة بأنه يسمع ويستجيب، أن ييسر أمرك، وينفس كربك، ويريح قلبك، ويقدر لك ما يرضيه عنا وعنك في الدنيا والآخرة.
وختاماً؛ تابعينا بأخبارك، لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
البلاء يطاردني.. تشبثي بربك العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم
المشكلة لدي في العلاقة بين الخالق والمخلوق، لقد تعبدنا الله بعبادات وتكاليف، فالتزم قوم وعصى قوم، ولا أرى الملتزمين يسلمون من أذى العصاة، وربما كان صلاحهم سبب تعرضهم للأذى، فلم لا يتركهم الله بحالهم ويجعل بأس الظالمين فيما بينهم.
قيل لي هو الابتلاء، فإذا عبد إنسان ربه وأطاعه فلم يبتليه، وهو ليس بحاجة لاختباره ليجزيه، فهو علام الغيوب، وأكثر من ذلك فهو الذي قدر الهداية والضلال من قبل الخلق.
وقد عشت حياتي أجاهد نفسي للاستقامة على سبيل الله، ولا يمر عام أو اثنين حتى تصيبني مصيبة لا ناقة لي فيها ولا جمل، بل من أذى الناس، وظلمهم فاصبر والجا إلى الله، وأشكو إليه وأستعين بما آتاني من إمكانات على تجاوز المحنة، حتى كانت قاصمة الظهر؛ حيث فقدت ولدي بظلم الناس وعدوانهم، ووجدت نفسي عاجزة، لا ينفعني تدبير ولا شيء من كل ما آتاني الله في استعادة ولدي.
وكنت قبل ذلك استجمع قواي، وأستعين بالله حتى يجعل لي مخرجا، وحين نظرت في هذه المصيبة لم أجد سبيلا إلا دعاء الله أن يعيد لي ولدي، وأنا موقنة أنه قادر على ذلك، ولكنه لن يفعل.
وهنا ظهرت مشكلتي؛ حيث أصبحت أجاهد نفسي كي أصلي، فإذا قرأت الحمد لله رب العالمين، وقفت في حلقي، ثم الرحمن الرحيم، سألتني نفسي وأين الرحمة، وما كانت حياتي إلا سلسلة من الكدح والمصائب، حتى توجت بما لا طاقة لي به، وهكذا حتى انتهي من الصلاة.
وقد أثخنت نفسي، أما الدعاء فهو ثالثة الأثافي، فإذا فررت من ألامي، ضارعة إلى الله، فدعوت: اللهم ارحمني، رد علي هاتف في نفسي: هل ذقت في حياتي إلا سياط البلاء، وما مر يوم إلا دعوت الله أن يستر العورة، ويؤمن الروعة، فأبى إلا الكشف والترويع، وما أدعو بدعاء إلا مر شريط الحياة أمامي، فأجد الله لم يسمعني قط، وأنه لا يبالي بمواجعي، وأنه وضع أقداره بمعزل عن آمالنا وآلامنا.
وبعد أنا إنسانة لا أتقبل الإلحاد، ولا خلق بدون خالق، فأما أنه قادر قوي قاهر، ذو بطش شديد، فنعم، وقد خبرت بعض ذلك، وأما أنه رحيم رءوف عطوف عادل(33/132)
حكيم، فكيف؟، وأين العدل والرحمة في إيلام الأطفال وظلمهم؟، وأين الحكمة في انتزاع طفل من حضن امة؟، ولعل الله يهيئ لي من أمري رشدا بواسطتكم ويجزيكم عني خيرا
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ عبد الجليل الجاسني، محاضر مهتم بالقضايا التربوية، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالمغرب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أختي الكريمة:
لا شك أن الصبر على البلاء، مهما عظم هذا البلاء يحتاج فعلا إلى قوة وإلى عون واستعانة وابتداء أقول لأختي الكريمة: لا تيأسي من رحمة الله.
فقد ورد في سورة الأحزاب قول الله عز وجل:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا".
الله عز وجل أمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدوا به في صبره يوم غزوة الأحزاب التي بلغت فيها القلوب الحناجر، وظن فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وقيل المنافقين ـ أن الله لن ينصرهم ويئسوا بعدما رأوا ما رأوا من تكالب الأعداء عليهم ومن تتالي النكبات عليهم.
فقال فيهم سبحانه وتعالى: "إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا)، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب المثل في الصبر والثبات معا، فأثر عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يفرك يديه ويقول: "اشتدي كربة تنفرج".
لي يقين- أختي الكريمة- بأنه بعد العسر يأتي اليسر وبعد الشدة يأتي الفرج، وأنت أختي لست في حاجة فقط إلى الدعاء بل أنت كذلك في أمس الحاجة إلى الصحبة الصالحة التي تعينك على الثبات والصبر بالكلمة الطيبة وبشد الأزر.
والأنبياء والمرسلون احتاجوا إلى من يشد أزرهم، ويعينهم في ساعة العسرة على تخطي المصاعب، وهذا نبي الله موسى عليه السلام يسأل ربه أن يشد أزره بأخيه هارون.. والغاية من ذلك هو أن يتم له الثبات والتسبيح لله رب العالمين على كل حال، قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا).
أختي الفاضلة:
ما أحوجك إلى الرجوع إلى سورة الكهف، والوقوف مع معانيها ودلالاتها، فقد بين الله عز وجل فيها من حكمه التي لا يعلمها إلا هو، والتي خفيت على خلقه، ولو كانوا من أنبيائه ورسله؛ فقصة الخضر عليه السلام مع موسى عليه السلام تبين هذا الأمر(33/133)
أيما بيان، تبينه البيان الشافي بإذن الله؛ فهذه سفينة تخرق وهي لأناس فقراء، ومن يخرقها عبد صالح من عباد الله.
ولاشك أن أهلها قد أمضوا جزءا من أعمارهم يجمعون ما يشترون به هذه السفينة وبعد هذا الجهد يأتي الرجل الصالح فيخرقها في غفلة من أهلها، وبأمر من ربه الحكيم الرحيم بعباده، وها هو سبحانه يأمره بأن يقتل الغلام فيستنكر موسى عليه السلام أشد الإنكار، قال تعالى: ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا)، ثم يكشف الله المستور فيبين الحكمة من خرق السفينة وقتل الغلام وبناء السور لليتيمين.
أختي الكريمة:
قصة أخرى من قصص الأنبياء، وهي قصة نبي الله أيوب، الذي ضرب به المثل في الصبر والثبات على الأمر وهو كثرة الذكر والشكر والحمد لأن الله وحده هو الذي يحمد على كل حال في السراء والضراء.
فقد دخل أيوب عليه السلام الامتحان والاختبار، فنجح وأفلح، والتعرف على قصة أيوب عليه السلام بكل تفاصيلها يضمن- بإذن الله- بعض السلوى حتى لا يكون حالك وحالي مثل الذي قال وهو مستعجل من أمره: "دعوت فلم يستجب لي" فالله عز وجل قد يدخر لعبده إجابة الدعاء في آخرته فيكون له بذلك جنات الفردوس ما صبر وحمد وشكر.
والأمثلة في القرآن الكريم والسنة كثيرة، منها: حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه إذ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكيا أمر تعذيب المشركين لهم في مكة وهو يقول: يا رسول الله ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟، وهو صلى الله عليه وسلم قادر على الدعاء وقادر أن يجلب لهم النصر.
وقد فعل لهم ذلك في مرحلة حيث أرسل أصحابه إلى الحبشة ولكن جوابه كان: "إنه كان من كان قبلكم يؤخذ الرجل فينشر بالمنشار نصفين ويمشط بأمشاط بالحديد ما دون لحمه وعظمه لا يرده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون".
أختي الكريمة:
ثبتك الله وقواك على الصبر، واعلمي أنك في منحة أكثر منها محنة، وتشبثي بربك سبحانه وتعالى، ولا تيأسي من رحمته، واعلمي أن له في كل ذرة من حياتك حكمة فهو الحكيم الرحيم، فلا تفتري من ذكره وشكره وحمده على كل حال.
والله الموفق والمستعان.
ـــــــــــــــــــ
ما علامات رضا الله عن العبد؟ العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبارك الله فيكم على حسن استقبالكم
كيف يعرف المسلم أن الله تعالى راض عنه؟، وما هي علامات رضا الله عن العبد ؟
السؤال(33/134)
الأستاذ عبد العظيم بدران المستشار
الرد
لقد أحسنت سؤالك يا أخي، وأسأل الله تعالى أن يرضى عنا وعنك، وعن المسلمين أجمعين، وأن يرزقنا في رمضان تقواه، بفضله، ويمن علينا بمنه. قال تعالى:{ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (البينة:8). هذه "الخشية" يا أخي هي مما يُرضي الله عنك، ويرضيك أيضا عن الله. فما هي الخشية حتى تؤدي إلى كل هذا الفضل ؟!.
يقول صاحب "لسان العرب": خَشِيَهُ يخشاهُ خَشْيًا وخِشْيًا وخَشْيَة وخَشَاةً ومَخشاةً ومَخشِيَةً وخَشْيَانًا (يائيٌ) خافهُ واتقَّاهُ (لسان العرب، ابن منظور، مادة خشي). والخوف من الله على مراتب، فأدنى مراتبه الخوف الذي هو من شروط الإيمان ومقتضاه، كما في قول الله تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران:175).
وأعلى من ذلك مرتبة (الخشية ذات الطابع العلمي) كما في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر:28). وأعلى من ذلك مرتبة (الهيبة المطبوعة بالمعرفة)، كما في قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ}(آل عمران:30). (بتصرف، عن مقال الخوف والخشية، من "التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح"، لمحمد فتح الله كولن).
ويقول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة:100). فهل تجد نفسك من التابعين بإحسان؟ هذا مما يرضي الله عنك، ويرضيك عن الله.
ويقول الحق سبحانه: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة:22).
فهلا عرضت نفسك على صفات هؤلاء "القوم"؟. إن الولاء القلبي والعملي هو لشرع الله، لا لأيٍّ كان، حتى وإن كان ذا رحم..! هذا سبيل المؤمنين، وطريق الرضا.
ويوم القيامة يكون صدق المؤمن سبيلا لرضا الله سبحانه عنه، يقول القرآن: {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(المائدة:119).
وهذه يا أخي الكريم بعض آيات ودلائل وأسباب الرضا المتبادل بين الله تعالى وعباده، نسأل الله أن يحققها فينا وأن يرزقنا إياها:
روى وهب بن منبه أن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني عن آية رضاك عن عبدك. فأوحى الله تعالى إليه: إذا رأيتني أهيئ عبدي لطاعتي وأصرفه عن معصيتي فذلك آية رضاي. وفي رواية أخرى: إذا رأيت نفسك تحب المساكين، وتبغض الجبارين، فذلك آية رضاي.(33/135)
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها " ( رواه مسلم) .
وروى مسلم وأحمد ومالك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، وأن تُنَاصِحُوا من وَلاَّهُ الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يقول حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، إلا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة" (رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي: حسن صحيح).
اللهم إنا ضعفاء فقوِّ برضاك ضعفنا، وخذ إلى الخير بنواصينا، واجعل الإسلام منتهى رضانا. وصل وسلم وبارك على جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم والحمد لله رب العالمين. وتابعنا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
القنوات الإباحية.. كن شاباً يوسفياً العنوان
الأخلاق الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب- ولله الحمد- أصلي الصلوات في وقتها، حتى الفجر، وذلك في المسجد، جماعة، كما أواظب على صلوات النوافل مثل: الضحى والشفع والوتر، وأصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وإن شاء الله سأذهب لأداء العمرة في رمضان، وأبر والدي، وأخلاقي- ولله الحمد لله- عالية.
ولكن عندما أخلو بنفسي أقلب في الدش، وأفتح القنوات الإباحية على القمر الأوروبي، وقد فعلت ذلك حوالي أربع مرات، وقبل ذلك كنت لا اسمع هذه القنوات.
علما بأني أنهي الدوام في تمام الساعة الثالثة عصراً، وأسكن مع أخي وزوجته في شقة واحدة، وقد كنت رافضاً لذلك طوال 8 شهور، لكنني نزلت على رغبة أبي لأني لا أعصيه أبداً.
والمشكلة أنني أشعر أن كل أعمالي نفاق في نفاق، وربما هذا لأن الله ييسر لي حالي، أفيدوني و جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ عصام الشعار، الباحث الشرعي بشبكة إسلام أون لاين:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد..(33/136)
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع، ومن عمل لا يرفع، ومن دعاء لا يستجاب له..
أخي الكريم:
وقفت مع سؤالك أتفكر فيه مليا – على الرغم أن سؤالك ليس بجديد بل أجبنا عن مثله عشرات المرات- لماذا هذا الإصرار على إدمان هذه المواقع والقنوات الإباحية؟، على الرغم أن من يقدم عليها يوقن أنها حرام، بل تحرقه مرارة الذنب بعد أن مرغ الشيطان أنفه في وحل المعصية؟!، وهل خطورة الأمر تكمن في مقارفة العبد لهذا الذنب والذي سرعان ما ينتهي إذا تاب العبد إلى الله وأناب؟
وأبدأ فأقول: الإنسان عادة يحتاط لنفسه ويأخذ بأسباب الوقاية على قدر ما ينتظره من أخطار، ومن المؤسف أن شباب أمتنا – البنات منهم والبنين- لا يدركون حجم الخطر الحقيقي، والضرر الذي تخلفه مشاهدة القنوات الإباحية، فنظرتهم للأمر لا تعدو كونها مجرد معصية، ويعقبها السؤال عادة هل: مشاهدة هذه القنوات من الصغائر أم من الكبائر؟، وما كفارتها؟!
ولكن خطورة الأمر عندي في إدمان مشاهدة القنوات والمواقع الإباحية لا تكمن في مقارفة المعصية، فما ضر العبدَ ذنبٌ تاب إلى الله تعالى منه، ألم يخبرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"؟.
ولكن لا ينبغي أن يُفهم من كلامي هذا الاستهانة بمبارزة الله تعالى بالمعصية، فلو لم يكن في الأمر معرة إلا هذه لكفت، ولكن يضاف إلى جرأة العبد على اقتراف المعصية أن الذنب وراءه ما هو أدهى وأمر.
وهذا الخطر يتمثل في أن إدمان مشاهدة القنوات والمواقع الإباحية يقتل العزيمة والإرادة، ويصبح المرء خائر النفس، ينهار أمام أي عاصفة تواجهه، ليس لديه القدرة على مواجهة ما قد يعترضه من عقبات، فضلا عن أن يكون قادرا على مواجهة عدو يهتك الأعراض ويدنس المقدسات!!
وهذا في تقديري ما يبرر البكاء – في كثير من الأحايين- الذي يعقب مقارفة هذا الذنب، فإحساس المدمن بالعجز عن عدم الرجوع إلى مشاهدة هذا العفن – مع اعترافه بأنه عفن- يجعله ينفث عن عجزه بالبكاء، ولذلك قد تجد من المدمنين لهذه المواقع من يقترف الكذب أو غيره من المعاصي.
ومع هذا لا يأبه بالكذب مع أن جرم الكذب أشد وأعظم، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم :". أيكون المؤمن كذابا ؟ قال لا"، فالبكاء إذن لا علاقة له بقوة الإيمان أو ضعفه، ولكن البكاء هنا هو بكاء العاجز المنهزم، فحاله كحال الطفل العاجز الصغير إذا شعر بالخطر، فتراه يستغيث ويستنجد بارتفاع صوته بالبكاء تعبيرا عن عجزه وفشله!.
ولعل تحقيق هذا المعنى الخطير – وهو إصابة شبابنا وبناتنا بالشلل النفسي- هو الذي يبرر سر إنفاق الأموال الطائلة التي يغدقها القائمون على هذه القنوات والمواقع الإباحية ومن يعنيهم تدمير شباب هذه الأمة.
فقد أدرك القوم أن قوة الأمة تقاس بقوة شبابها فقديما قال أحد الحكماء "أخبرني بحال شباب الأمة أنبئك بمستقبلها"، ولذلك فالسهام تترى من أجل القضاء على مستقبل(33/137)
أمتنا بتدمير شبابها، بحيث يولد جيل خاوي الوفاض ليست له غاية ولا يرفع للحق راية، بل جل تفكيره هو البحث عن الشهوات والملذات بأي ثمن ومن أي طريق!
والذي يقرأ التاريخ سيفهم جيدا ما أقول، فكلنا يعرف كيف ضاعت الأندلس؟!؛ لقد ضاعت حين تمرغ القوم في الشهوات والملذات، ونسوا معنى الجهاد، وكرهوا الموت في سبيل الله!.
وما استطاع العدو أن ينال من سلطان المسلمين شبراً واحداً يوم أن كان أميناً عليه من طلبتهم الدنيا فزهدوا فيها، فقد دخلنا الأندلس على صيحات تكبير طارق بن زياد ومن معه ممن باعوا أنفسهم لله عز وجل، بجنة عرضها السموات والأرض.
كما دالت لنا الأندلس زمنا بهمة أقوياء العزيمة والإيمان أمثال عبد الرحمن الداخل، الذي قدموا إليه الخمر يوما فقال: إني بحاجة لما يزيد في عقلي لا ما ينقصه.
ولما أُهديت إليه جارية حسناء، أمعن النظر إليها ثم قال: إن هذه الجارية من القلب والعين بمكان، ولكن لا حاجة لي بها، وحين سأل عن السبب قال: إن أنا شغلت عنها برسالتي ظلمتها، وإن لهوت بها أضعت رسالتي، وقد كانت رسالته هي حب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وحماية الثغور والحدود.
ولكن حين جاء الجيل المترف الذي وضع كنانة السهام، وبكى لوعة الوجد والغرام، ضاعت الأندلس على يديه!، ولن يعود الأقصى، ولن تعود فلسطين ما لم يستعل شباب الأمة على الشهوات والملذات، وتنتصر بداخله العزيمة والإرادة وينتصر داخله نداء الإيمان.
أعتذر لك – أخي الحبيب- عن هذه المقدمة الطويلة، فقد كان لزاما عليّ أن أقف معك هذه الوقفة حتى تفيق وتدرك مدى خطورة الأمر، فالأمر يتعلق بتدمير إرادة جيل بأكمله، بل ومستقبل أمة بأسرها.
فالمؤامرة قد دبرت بليل فانتبه ولا تقع في الشراك التي نصبها القوم ليفسدوا علينا الدنيا والدين، فقديما قال أحدهم "كأس وغانية تفعلان في أمة محمد أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوهم في حب المادة والشهوة".
فإلى كل حبيب آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً وبالكتاب والسنة شرعة ومنهاجاً، احذر أن تكون لقمة سائغة لأعدائك فبك يدفنون الأخلاق ويضعون أمة محمد تحت التراب، وكن على يقين أنه لن يرجى للأمة خير ما لم تكن انتفاضة وهمة وعزيمة نصلح بها أنفسنا ونستعلي بها على شهواتنا وملذاتنا حتى يصلح الله تعالى الكون من حولنا، وصدق تعالى إذ يقول: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
فما أحوجنا إلى "شباب يوسفي" يستعلى على الشهوات، ويعتصم بالله، ويستمسك بحبله وهداه، لنكون أهلاً لنصره المبين، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
خطوات عملية لهجر المواقع الإباحية:
وبعد أن وقفت معك عند هذا المعنى السابق، وحسبي ما ذكرت للتأكيد عليه، أرجع إلى سؤالك فأقول قد عرفنا موطن الداء فأين الدواء؟ .. فلن يجدي أي دواء ما لم يكن منك العزم والتصميم على عدم مشاهدة هذه المواقع الإباحية، أما صاحب النفس(33/138)
الخائرة فلن يجدي معه دواء، وليس لي معه حديث، وثمة خطوات عملية أسوقها إليك، وأرجو الله أن ينفعك بها :-
أولا: الوقاية خير من العلاج:اجعل شعارك قول الله تعالى: " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ)[النور: 30-31].، ولما كانت النظرة الحرام لها خطرها على القلب وإيمان العبد أفرد الله سبحانه وتعالى كل من المؤمنين والمؤمنات بخطاب مستقل، على خلاف نسق القرآن في الأمر والنهي فما من خطاب إلا ويأتي للمؤمنين والمؤمنات على السواء ويكون النداء فيه: "يا أيها الذين آمنوا.."
فعليك بغض البصر وأنت تسير في الطريق، وأنت تجلس أمام التلفاز، وحين تدخل على الإنترنت، واعلم أن النظرة الحرام ستقودك إلى ما هو شر منها، ولن تقنع بما تقع عليه عينك بل ستفتش عما خفي عنك وكلما تأججت نار الشهوة بداخلك كلما كان البحث عن المزيد وحالك كحال من يطفئ النار بالبنزين!
فإياك والنظرة الحرام، جاهد نفسك، واصرف بصرك، وستجد حلاوة هذه المجاهدة ولذتها في القلب، فعن حذيفة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلم- : (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه- جل وعز- إيمانا، يجد حلاوته في قلبه) رواه الحاكم في المستدرك.
ثانيا: تذكر أنك على ثغرة من ثغر الإسلام فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك، فلا تكن لقمة سائغة لأعداء الله ، بل كن أبيا وترفع عن الدنايا وأفسد على أعداء الله سوء صنيعهم ، باعتصامك بحبل الله وبتجملك بالتقوى، ولست بأقل ممن يقدمون كل يوم أرواحهم فداء لدينهم ، فإذا لم يسعك أن تموت في سبيل الله فلا أقل من أن يكون عيشك في سبيل الله.
ثالثا: عليك بوصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" فإن كنت تملك مؤنة النكاح فسارع بالبحث عن الزوجة الصالحة، ففي الزواج السكن والأنس والراحة، وفي الحلال غنية وكفاية عن كل صنوف الحرام.
رابعا: اجعل نشيدك الدائم "الله معي .. الله ناظري"، فإن كنت على يقين أن الله تعالى ناظر إليك ومطلع عليك فأعظم قدر الله تعالى في نفسك ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك، قال تعالى: (مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) ؟!. فأري الله من نفسك خيراً، واحذر أن تقع عين الله منك على معصية، ولا يغرنك حلمه فإن أخذه أليم شديد، فقد تأتيك منيتك وأنت على معصيتك فتسوء خاتمتك، فالأعمال بخواتيمها فاختر لنفسك خاتمة تسرك، فقد صح عن رسول الله– صلى الله عليه وسلم- قوله: "من مات على شيء؛ بعثه الله عليه" أخرجه الحاكم وصححه الألباني.
خامسا: اصرف همتك وطاقتك إلى ما يقربك من الله تعالى ويرضيه عنك، فابحث لنفسك عند دور يناسبك وانهمك في معالي الأمور، واشغل نفسك بما يعود عليك وعلى أمتك بالخير والنفع في الدين والدنيا، وإياك أن تتخلف عن ركب المصلحين(33/139)
وانظر يوم القيامة مع أي الفريقين أنت والناس ساعتها فريقان "فريق في الجنة وفريق في السعير".
سادسا: إذا وجدت من نفسك ضعفاً، ولم تستطع أن تجاهد نفسك بالإقلاع عن مشاهدة هذه القنوات، فقم على الفور، وتخلص من كارت المودم، أو تخلص من جهاز الدش، ومهما كان فيه من فوائد فلا تلتفت إلى ذلك فإن فيه هلاكك، وأضعف الإمكان أن تهجر المكان الذي أنت فيه، وفتش عن الصحبة الصالحة التي تعينك إذا تذكرت وتذكرك إذا نسيت.
وختاماً؛
أسأل الله تعالى أن يحفظ عليك سمعك وبصرك وأن يحفظ عليك قلبك ودينك وعقلك، وأن يرزقنا وإياك شكر نعمته وأن يُحَبِبَ إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يُكَرِهَ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلنا من الراشدين.. آمين. وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
التدين المغشوش.. "نفاق بلا عنوان العنوان
السلوكيات الموضوع
أبحث عن دين غير الإسلام؟ نعم.. لأن الدين المعاملة، وحصل معي أشياء لا يعملها إنسان مسلم مع مسلم أبدا، وشفت العجب العجاب من الملتزمين، إنه إمام وخطيب مسجد، ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسرق أموالي وكل ما املك؛ 300.000 ألف ريال، وبقيت مفلس، وهو يتنعم بأموالي وأموال غيري، فهل هذا مسلم؟!، إذا كانت الإجابة بـ"نعم" فأنا غير مسلم. السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
الأخ الحيران
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
وصلتنا رسالتك، وعلمنا بما فيها، وأقول لك أخي الحبيب: لقد سميت نفسك الحيران، وما أراه أنك أنت الذي حيرتنا معك، فقد صدرت رسالتك بعبارة (أبحث عن دين غير الإسلام؟؟؟)، ثم حكيت الحكاية المؤسفة، ثم سألتنا عن هذا الرجل الذي أخذ مالك فقلت: هل هذا مسلم؟!، وختمت رسالتك قائلاً:(إذا كانت الإجابة بـ"نعم" فأنا غير مسلم)!.
وأستعين بالله – أخي- وأقول لك :
* سارع بالاستغفار: بداية فإنني أطالبك بالاستغفار عن قولك الذي صدّرت به رسالتك وجعلته عنوانا لها وهو: (أبحث عن دين غير الإسلام)، نعم أطالبك بالمسارعة بإعلان توبتك لله عز وجل، فاستغفر ليل نهار، لعل الله يغفر لك، فمهما(33/140)
بحثت فلن تجد أفضل ولا أعز ولا أكرم ولا أكمل ولا أتم من الإسلام دينا، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. فالمشكلة ليست في الإسلام؛ وإنما في المسلمين.
* احذر منافقي العصر: دعني أضم صوتي لصوتك، فالدين المعاملة حقا، بهذا أعلمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وللأسف فإن كثيرا من المسلمين، الذين يظهرون للناس التزاما وورعا وتقوى حتى إذا جئتهم لم تجدهم شيئا، ووجدت عندهم غشا ونصبا واحتيالا، فأمثال هؤلاء يا أخي الحبيب هم "منافقو العصر"، وهؤلاء يجب الحذر من التعامل معهم، وتنبيه الناس إلى خطورتهم.
* الإسلام حجة: غير أني أود أن أوضح لك أن الإسلام حجة على الناس، أما تصرفات الناس وأقوالهم فليست حجة على الإسلام، مهما كانت مناصبهم الدينية، أو مظاهرهم الشكلية، فلا ينبغي أن تنخدع بمظاهر الناس، بل الواجب عليك أن تكون منتبها ويقظا، ولا تولي ثقتك لكل أحد، بل أعطها لمن يستحقها فقط، وهؤلاء – أهل الثقة – موجودون، لكنهم قلائل فابحث عنهم.
* النصح قبل الفضح: مثل هذا الرجل- إن كان ما جاء في رسالتك عنه صحيحا- يجب يكشف أمره للناس، حتى لا ينخدع به آخرون، وقد طالعت الرابط الذي أرسلته مع الرسالة، ولاحظت كم يشتاق كثيرون إلى معرفة اسمه وعنوانه وتجارته، وأعجبني فيك صبرك وتمهلك. ولكن قبل أن تنشر أمره وتفضحه على الإنترنت، فإنني أوصيك بأن تدعوه لتصحيح مساره والعودة إلى الله، وأن ينتهي عما يفعل، وأن تنصحه بإعادة المال لأصحابه، وتخبره بأن هذا أفضل له من نشر الخبر وإذاعته عبر وسائل الإعلام، وتذكره بأنه رجل أعمال؛ ورجال الأعمال رأسمالهم ثقة الناس بهم وسمعتهم، فإن انتهى فخيرا وإن أبى فقد وجب نشر خبره وإذاعة أمره.
* لا إفراط ولا تفريط: أنصحك بعدم التعميم، فلا تقل كما قلت في رسالتك: (شفت العجب العجاب من الملتزمين)، فليس كل الملتزمين هكذا، بل القاعدة أن كل الملتزمين يحافظون على التزامهم، ويتقون الله تعالى في كل ما يقولونه، وكل ما يفعلونه، والاستثناء هو حالات فردية شاذة، ومن ثم فإني أرجو أن تبتعد عن داء التعميم الذي ابتلينا به كعرب ومسلمين، فالواحد منا لو دخل قرية وصادف رجلا بخيلا يقول ( أهل هذه القرية بخلاء)، ولو صادف رجلا كريما يقول (كل رجال هذه القرية كرماء) !!، فلنتخلق بخلق الإسلام العظيم، فنضع الأمور في نصابها الصحيح، بلا إفراط ولا تفريط، وأن يكون ميزاننا في الحكم على الأشياء والظواهر والأشخاص هو التوسط والاعتدال، هذه نصيحتي إليك وإلى عامة المسلمين.
* أين كنتم طوال هذه المدة؟، لماذا انتظرتم كل هذا حتى سرق أموالكم، نصب عليكم باسم الإسلام، واستولى على كل ما تملكون. كيف أخذ منك، بمفردك، (300.000) ألف ريال دون أن تشك فيه، حتى بقيت مفلسا، كما قلت، كان لابد أن تسأل عنه، وتتوثق منه، قبل أن تتعامل معه بالدرهم والدينار. ألم تقرأ هذه القصة؟!، فقد رُوي أن رجلاً جاء يُزَكِّي شاهدًا عند عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال له عمر: هل عاملته بالدرهم والدينا ففيهما يظهر دين الرجل؟، هل سافرت معه، ففي السفر يظهر خلق الرجل؟، هل أنت جاره الذي يعلم مدخله ومخرجه؟؟، فقال الرجل : لا .. لا ..لا.(33/141)
فقال له عمر رضي الله عنه: أنت إذًا لم تعرفه، لعلك رأيتَه في المسجد يَهُزُّ رأسَه بالقرآن، ويفعل كذا وكذا من أنواع العبادات، فوقع في قلبك أنه رجل صالح عَدْل في الشهادة. فقال الرجل نعم، فلم يقبل عمر تزكيتَه.
* دروس وعبر: اعلم فقهك الله بدينك أن الإنسان عرضة لمثل هذه الموقف، ولولا الخطأ ما كان الصواب، ولولا الذنب ما كان الاستغفار، غير أنه ينبغي علينا أن نستخلص من هذه القصة الدروس والعبر والعظات، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
ومن هذه الدروس المستفادة:
* ألا تغتر بالشكل: فلا يجب أن ننخدع بشكل الرجل، أو لباسه، أو طول لحيته، أو طلاقة لسانه، أو كونه خطيبا بارعا أو داعية مشهورا، فكل هذه صفات طيبة ولا بأس بها، غير أنها إذا اقترنت بإنسان أو اتصف بها أحد فلابد أن يتقي الله، وألا يكون سببا في صرف الناس عن الإسلام وعن الالتزام، حتى لا نجعلهم يبحثون عن دين غير الإسلام كما تريد أن تفعل أنت !!.
* أن نتناصح فيما بيننا: فالدين النصيحة، والناس بخير ما تناصحوا، والواجب على المسلم أن ينصح أخاه بالخير وأن يحذره من الوقوع في الشر، وأن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يكره لأخيه ما يكرهه لنفسه، فإذا وقع مسلم في فخ أو أصابه مكروه فعليه أن يحذر إخوانه من أن يقعوا في نفس الفخ.
* أن نحذر مكر الشيطان: فلا يدفعنا أمر أصابنا بسوء إلى اليأس والقنوط، والكفر بكل خير مخافة أن يكون وراءه الشر، بل يجب أن نثبت ونصبر ونحتسب الأمر عند الله، ولا نضعف فنكون لقمة سائغة للشيطان، فيبغضنا في ديننا، ويضيق الدنيا في عيوننا، ولنعلم أن هذه محنة، وما علينا – بعد بذل الجهد الممكن - إلا الصبر، وسؤال الله أن يعوضنا عن مصيبتنا خيرا. لكن إياك واليأس؛ فقد قال تعالى:{ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(يوسف:12).
وختاما؛
شكرا الله تواصلك الكريم، وعوض عليك خسارتك، ورد إليك مالك، وحفظك من كل مكروه وسوء، وغفر الله لنا ولك.. وتابعنا بأخبارك.. وبشرنا برد مالك.
ـــــــــــــــــــ
التدين دافع للتفوق وليس شرطاً العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أنا في السنة النهائية بكلية الهندسة. أعيش مع والدتي وأختي وزوج أختي في مسكن واحد (العبء الأول). ويتطلب مشروع التخرج مصروفات طائلة. مع العلم أن أبى متوفى منذ 17 عاما (العبء الثاني).
أنا شاب وحيد. وهناك فرق شاسع بيني وبين أصغر أخت في إخواتى في السن والعقل والتفكير والمستوى العلمي؛ فأنا الوحيد الذي أكمل إلى المرحلة الجامعية في العائلة كلها. مما يفرض على التفوق (العبء الثالث).
كنت متفوقا دراسيا حتى انتهيت من الثانوية العامة؛ إلا أنى اندثرت تماما بعد دخول الكلية. لكنى لم أرسب والحمد لله حتى الآن. وإنما أجد نفسي الآن في موقف لا احسد(33/142)
عليه. وما يحرق صدري أن ليّ زميل غير ملتزم قد فاقني دراسيا. وأظن أنني على قدر التزام أكثر منه، وأرى الجميع يحترمونه ويسيرون رأيه على رأيي؛ حتى وإن كان رأيي أنا الأصوب. مما يجعلني احترق (العبء الرابع).
أعلم إن الحقد قد أخذ من قلبي ما أخذ. لكنني أشعر بأني الأولى منه بالتفوق الدراسي. وكل تصرف يقوم به أفسره على أنه أفضل منى ماديا ودراسيا. وأنه يتصرف معي هكذا؛ ليس إلا لمجرد المنافسة التي كانت بيني وبينه؛ ولكن لأنني انفصلت عنه منذ زمن عند التزامي لأنه أصر على الاختلاط وأنا امتنعت عن هذا.
وسؤالي ذو شقين:
أولا: كيف أقضى على هذا الحقد الذي يجعلني أشعر وكأنني ملطشة بما يفقدني ثقتي في نفسي؟.
كيف أعود إلى تفوقي ؟
السؤال
الرد
يقول الأستاذ أحمد محمد سعد، باحث ماجستير بجامعة الأزهر، وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف بمصر:
أخي الحبيب سلم الله صدرك مما أنت فيه. وأسأله سبحانه أن يبرؤك من هذه الداءات. لست أدري أأشفق عليك أم أرثي؛ لما وصلت إليه من حال أتعبت فيها نفسك وأحرقت فيها قلبك بيدك. فكنت كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
والشاعر العربي تنبه لحال أمثالك فقال :
فالنار تأكل نفسها ** إن لم تجد ما تأكله
يا أخي "الملتزم" عن أي التزام تتحدث؛ وأنت تعد عيشتك مع أمك وأختك عبئا وهما ثقيلا. أم عن أي التزام تتحدث؛ وأنت تزدري نعمة الله عليك مهما بدت قليلة في عينيك. ثم عن أي التزام تتحدث وأنت تحسد الناس علي ما ساقه الله إليهم جزاء سعيهم وكدهم من فضله فتسيء بذلك الأدب على الله.
ألا قل لمن بات لي حاسدا *** أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه *** لأنك لم ترض لي ما وهب
ودعني أنبهك إلى أن ما أنت فيه؛ ظروف عادية يمر بها كل شابٍ في بلادنا. بيد أن العاقل هو من لا يدع نفسه نهبة لتلك الظروف، ويترك نفسه مطية للأيام. بل يمتطيها ويجعل من ليمونته الحامضة شرابا حلوا يسعد به.
كثيرون أولئك الذين يحسنون أن يمثلوا دور الضحية لأنه دور لا يتطلب جهدا ولا عرقا، ولا مغامرة ولا كدا. لكن القليل – بل وأقل من القليل- يحسنون القيام بدور الفارس الشجاع الذي لا يدع الأيام تغلبه.
لقد أخطأت حين هيأت لك نفسك أن العيش مع أمك وأختك وزوجها عبئا. وكان الأولي بك أن تحمد الله أن هيأ لك مسكنا تعيش فيه برفقة أهلك، وتبر أمك حتى تدخل الجنة. فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل لمن أدرك أبويه أو أحدهما عند كبره ولم يدخلاه الجنة".(33/143)
وكان أولي بك وقد فقدت والدك أن تعمل في الإجازة الصيفية؛ لتعود نفسك تحمل المسئولية، والتكسب من عرق الجبين. ولتتذكر أن من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له. وتعلم أن المسلم مطالب بأن يكون محترفا. ولا تسلني في أي شيء أعمل وقد ضاقت على الأرض بما رحبت؛ فالله لا يرد من يطلب من فضله، ولا يمنع خيره من أحد. وما علينا إلا أن نطرق أبوابه سبحانه؛ متذرعين بالصبر، متسلحين بالأمل.
ثم عن أي عبء تتحدث حين تخبرنا أن المستوى التعليمي بينك وبين أختك كبير والبون بينكما شاسع؟ إن هذا يفرض عليك مسئولية تسعد بها بدلا من أن تتذمر منها. ودورك حينئذ دور القائد والقدوة.
ألا يسعدك أن تكون أنت الموجّه لمن لم ينالوا حظا من التعليم من أهلك؛ سيما وأنت كبير في أعينهم وعظيم في قلوبهم ؟، ألا يسرك أن تتولى دفة القيادة وتكون المرجع لهم في كل شاردة وواردة ؟، إن تعليمك الجامعي يعطيك هذه الفرصة؛ خاصة وأن العلم لابد وأن يصطحب بعلم التعامل مع الناس، وجذب أبصارهم، واكتساب قلوبهم.
ثم نأتي إلى بيت القصيد؛ وهو حقدك على زميلك المتفوق الذي يتخذه الناس قدوة وترى أنك أولى منه بهذا. لاسيما وأنه - كما تدعي- ليس على نفس درجة التزامك. وهنا ليّ وقفات: أولها أن الالتزام ليس كلمة تقال ولا عنوانا؛ وإنما هو معطيات وبراهين.
ثم إن الالتزام الديني ليس كافيا وحدة لإدراك التفوق وإحراز النجاح. فكم من أناس ادعو أنهم ملتزمون ورسبوا؛ بل وفشلوا تماما في حياتهم. إن الله – عزوجل- سمى نفسه العدل، وحكم بين عباده بالعدل. ومن جملة عدل الله أنه لا يسويّ بين من يسهر الليالي منكبا على كتبه حافظا لدرسه؛ وإن كان قليل الالتزام، أو حتى غير مسلم. وبين من ينام طويلا، ويلعب طويلا، و يهمل دروسه بدعوى أنه ملتزم!.
إننا معاشر الملتزمين نعيش أزمة عدم فهم مصطلح الالتزام. وهي أزمة لا يتسع المقام هنا للحديث عنها غير أن من أطيافها أننا نظن أن الله – يجب أن- يكرمنا بالتفوق لأننا ملتزمون. إن الله لا يحابي أحدا لجنسه ولا لونه ولا التزامه؛ إنما هى أسباب ونتائج. فمن تعاطى الأسباب وصل. ومن تمسك بالنصر حصل.
ودليل ذلك أن الغرب يموج بمن لا يتبعون دينا؛ ومع هذا فهم جادون في أعمالهم، منظمون في حياتهم، رتبوا أمورهم علي إحراز أهداف محددة، ووصلوا لما أرادوا؛ لأنهم أخذوا بالأسباب.
إن من أبجديات الالتزام التي تفتقدها أنت - أخي الحبيب- الرضا بما قسم الله لك. ومن أجل هذا تحس بأثقال شديدة تكبل قلبك. تأمل معي قول الحبيب- صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- " ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". وانظر أن مراتب الرضا لا يبلغها إلا من سلم لله فيما قضى ونظر إلى من فوقه في الدين والأدب ومن تحته في المال.
أخي الحبيب:
إنك تحتاج إلى أن تعمق مفهوم الرضا بقسمة الله في نفسك، وتقرأ كثيرا في هذا الباب، وأذكر لك بعض الكتب التي تهتم بالموضوع على سبيل المثال :
الداء والدواء للإمام ابن قيم الجوزية.(33/144)
مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة المقدسي.
يا أخي لقد حكمت علي زميلك أنه أقل التزاما منك، بيد أنك لا تعلم ما بينه وبين ربه. وللناس مع الله أحوال، وبينهم وبينه أسرار. فلا تتعجل الحكم على أحد؛ وإن رأيت منه ما لا يسر، فلا تحكم بأن فيه شرا؛ بل دع الملك للمالك.
وتسأل عن التفوق وأدواته، وهي كثيرة أولها وأهمها اليقين بأن العقول تتفاوت وأنها مقسومة كالأرزاق. وعلينا أن نرضى بما قسم الله وقضى. فإن فاقك أحد في الدراسة؛ فلا يعني أبدا أنه يفوقك في كل شيء. بل الدنيا مقسمة والعاقل من علم هذا وأيقن به.
ومن جملة أدوات التفوق: الكف عن الحسد والاشتغال بأمر النفس. فذلك أحرى أن يعود المرء الجد في إصلاح عيوب نفسه واستنقاذها من أمراضها الفتاكة. ومن أدواته أيضا الجد والاجتهاد والتماس عون الله بالدعاء والذكر وإدامة الصلة به؛ مع الاعتقاد أن العبادة دون جد ومذاكرة؛ لا تكفي وأن التفوق لا يناله من نام وتكاسل:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وأخيرا أذكرك- وأذكر نفسي- بأن العمل بما علمت يورثك علما جديدا ويفتح لك مغاليق الكتب وخزائن العلوم. إن الالتزام يشمل إصلاح القلب والرضا وحمد الله على نعمته والأمل فيه سبحانه. مثلما يعني العمل بما تعلم والصبر والمصابرة والجد والاجتهاد مع اليقين والتوكل علي الله سبحانه. حينئذ تنال ذرا المجد وتكون في عداد المتفوقين الفائزين.
وعش معي - أخي الحبيب- هذه الأبيات :
كن عن همومك معرضا ** وكل الأمور إلى القضا
أبشر بخير عاجل ** تنس به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط ** لك في عواقبه رضا
ولربما اتسع المضيق ** وربما ضاق الفضا
الله عودك الجميل ** فقس على ما قد مضى
ويمكنك مراجعة الكتب الآتية للإفادة :
دع القلق وابدأ الحياة (ديل كارنيجي).
كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس (ديل كارنيجي).
جدد حياتك (محمد الغزالي).
وختاما؛
أسأل الله أن يشرح صدرك، ويهدي قلبك، ويذهب همك، ويرفع ذكرك!، آمين.. وأدم التواصل معنا..
ـــــــــــــــــــ
غياب التربية الدينية سبب شقائنا العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم و بعد أرجو لكم دوام التقدم و النجاح وأن يجعل مساعدتكم للكثيرين في ميزان حسناتكم يوم القيامة. وأسأله تعالى ألا تكون هذه الرسالة شديدة الإطالة عليكم.
ما أريد استشارتكم به هو شعوري الشديد بالذنب بعد رحيل أبي لعدم وجودي جانبه في لحظاته الأخيرة.(33/145)
فلقد سافرت إلى بلاد الغربة، لطلب العلم، في سن متأخرة، وذلك طبقا لظروف المنحة التي حصلت عليها، بعد ما يقارب خمس سنوات من المراسلة، وخيبات الأمل المتكررة التي عوضني عنها سبحانه وتعالى بتحقيق حلم الدراسة العليا في دولة أجنبية، مشهود لها بالتقدم في كافة المجالات، ولاسيما في اختصاصي الذي هو أدبها الوطني.
كان أبي مريضا عندما تركت، ولكنه كان مستمراً في عمله ونشاطه الاجتماعي المعتاد إلا حين تعاوده الأزمة والحمد لله أنه لم ينقطع (يقضي حاجته بنفسه) حتى اللحظة الأخيرة، و هذه نعمة أشكر المولى عليها، لأنها تحقيق لأمنيته وأمنية أي إنسان في هذه الحياة الصعبة التي يتناقص فيها الأحباب يوماً بعد يوم، ولقد استمرت حالته مدة ثلاث عشرة سنة.
أنا لا أعرف إن كنت أكتب إليكم لكي تساعدوني في توضيح الأمور أو في حل ما لا حل له في الواقع. فقد وطنت نفسي على أن أول خطوات المقاومة النفسية لحالات الكرب والشدة هو الاعتراف بوجودها رغم مرارة العيش بوجودها.
وهذا ما توصلت إليه، عندما قررت أن أترك بلدي وأهلي والتشوش الذي أمر به، هو ما أريد أن تساعدوني مشكورين على تجاوزه لأنه أصبح مصدراً للاكتئاب وعدم التركيز المستمرين. ولا أستطيع أن أتحدث بهذه الصراحة مع أي أحد، لأنها قد تضر بأعز الناس إلي.
أحد الأسباب القوية التي دفعتني لترك بلدي هو الوضع المأساوي للعلاقة بين أمي وأختي اللتين تتعاملان مع بعضهما البعض وكأنهما عدوتان بسبب تراكم الخلافات والاتهامات، وقد كنت بينهما كما كان يقول أبي رحمه الله صمام الأمان قي البيت وكنت أتعرض لشدات و ضغوطات نفسية كثيرة بسبب هذا الوضع بين أعز الناس على قلبي، ومن لا أملك في الدنيا سوى حبهما الذي لم تكونا تترجمانه باعتبار أي خاطر لي عند تدخلي بينهما للإصلاح منذ أن بدأت أختي تراهق من عشرين عاما.
المشكلة أنهما كانتا تمارسان حياتهما طبيعياً بعد تجاوز الأزمة، وكنت أرزح أنا تحت وطأة الهواجس والكوابيس. فرق السن بيننا سنتان فقط، ولكني كنت أعاملها كأني أمها لأن الرقابة عليها كانت شبه معدومة، وما كان في يدي هو مراقبتها وعند الخطر إعلام أمي لتتصرف.
وكانت النتيجة أني حزت لقب جاسوسة بامتياز من أختي، وكانت أمي قد قررت عدم إخبار أبي كي لا يشمت بها، لأنها طلبت إليه عدم التدخل في تربيتنا، وترك هو لها هذه المهمة كاملة، ولكنها لم تكن قادرة على حمل الأمانة لتغليبها الهوى الشخصي على مصلحة أختي، واستسهال أبي عدم التدخل أو التدخل الإسعافي- غير العلاجي- عندما تصل المشكلة لحد ما.
ومرة انفجرت بالبكاء أمامهما أطلب منهما علاجاً لحالتها، لكنهما اتهماني بالسذاجة وارتفاع حساسيتي. واحترق قلبي على أختي الجميلة الطيبة.
وقد تتساءلون ألم أعش أنا نفس ظروفها؟!، والإجابة لا.. لأن أختي كان لها ظروف صحية دفعت بأمي لتدليلها لحد كبير، حتى بعد أن شفاها الله في عمر الثانية، هذا إضافة إلى جمال أختي الذي زاد من تعلق أمي بها في طفولتها.(33/146)
وهكذا استمر وضع أمي وأبي بالتجاهل، مرة بسبب خلافاتهما العميقة ومرة بحجة الديمقراطية من جهة أبي، وانشغاله بتحصيل الرزق اللازم لمساعدة أخوي الكبيرين في دراستهما في الخارج – ولسوء الحظ صادف تركهما للمنزل في لحظة عمرية فارقة بالنسبة لأختي، للفرق العمري الكبير بينهم- ومرة لانشغال أمي عنا بأهلها تارة، وبالأسفار تارة أخرى إضافة لغياب التربية الدينية.
ورفضا إشراك أخوي في المسؤولية بحجة عدم إلهائهما عن دراستهما وأعمالهما. أرجو ألا تظنوا أني سعيدة بلعب دور الضحية أو الشهيدة وسط كل هذا التفكك العائلي. لم أقص عليكم إلا الواقع وقلبي يتمزق حزنا على أسرتنا وحنينا للدفْ العائلي الذي حرمت منه مبكراً.
باختصار الوضع هو تبادل الألفاظ النابية، سرقات منزلية، أمي كارهة لأختي وأبي حتى بعد وفاته، وأختي كارهة لأمي، وكانت تعيب على أبي أنه وضع كل جهده في خدمة أخوتي الذكور وأهملنا.
لم تتزوج أختي واتجهت أنا للتدين في سن العشرين وتحجبت رغم المعارضة الشديدة من أمي ومحيطي من صديقاتي اللواتي كان معظمهن نصرانيات ولكني لم أتزوج أيضا لأن من تقدم لي وأعجبني كان متزوجاً ورفضت أمي الفكرة.
كنت في التاسعة و العشرين، وكنت أعرف أن فرصي قليلة، وكنت أرغب به رغم فرق السن، ولكن أمي أقنعتني بأن الحياة مع متزوج وامرأته الأولى لا قبل لي بها. وأنا الآن وحيدة جداً في غربتي، وسني التي شارفت الأربعين بعد أربع محاولات جادة من طرفي (التواجد مع الجالية المسلمة، والاشتراك في بعض مواقع الزواج الإسلامية) كنت على وشك الزواج بعدها ولكنها انتهت بالفشل.
عندما ذهبت كانت عينا أبي تقول لي لا ترحلي، ولكنه لم يقلها صراحة، وبقيت أتردد على بلدي كلما واتتني الفرصة في الصيف، واعتنيت به كما شاء لي الله وكذلك أمي وأختي. كان هذا دأبنا بعد أن قام أخواي بإجراء عملية كبرى له إثر اكتشاف المرض.
تخللت فترات العداء بين أمي و أختي هدنات عديدة، ولكنها كانت تنهار بسرعة لتمكن العناد من كلتيهما. فالحياة مع أختي صعبة جدا لأنها لا تقيم وزناً لأحد، و لكنها روحانية جداً رغم عدم تدينها الظاهري، وأحسب أنه سبحانه وتعالى قد من عليها بالتوبة بعد عدة رؤى رائعة قصتها عليّ، كان آخرها رؤيتها لنبي الله إبراهيم عليه السلام، والسيدة مريم يزورانها.
وهي الآن تصلي بين الفينة والأخرى، ورغم أنها تعتبرني أتدخل في شؤونها عند الحديث عن الصلاة والاحتشام، إلا أني أراها قريبة من الله سبحانه و تعالى. أبي كان كذلك يصلي أياماً وأياماً. في زيارتي الأخيرة قبل وفاته طلبت منه أن يسامحني و قبلت يده ورجوته العودة للصلاة، وقال أنه نوى هذا وكان وضعه الصحي لا بأس به عندما غادرت مجددا ليتصل أخي بي بعد ثلاثة أشهر وينبئني خبر وفاته.
قبل أسبوع كنت قد طلبت من أختي أن تخبرني بحقيقة الأمر وأني قد أترك الدراسة مؤقتا لأكون معه ولكنها قالت لي: لا داع لذلك. أنا أتعذب لأتي لم أكن معه في لحظاته الأخيرة ولأن أختي قالت لي أن أمي أسأت معاملته قبل وفاته، مع أنها(33/147)
أحسنت إليه طوال فترة مرضه رغم الخلافات وتبادلهما للاتهامات بشأن أختي. هذا هو أكثر ما يعذبني، فأنا لا أطيق أن يزعجه أحد بأي شيء لشدة حنانه علي.
كان يرجوني أن أطلب منه نقوداً وكنت لا أفعل، لكي لا أزيد حمله، واعتمدت على نفسي من سن مبكرة، دون أن ينقص ذلك من حبي له شيئاً، ولكني خنته أخيرا بتفضيل نفسي على أن أكون بجانبه قبل وفاته، أم لم أفعل؟، لم يكن يعرف شيئا عني غير أني محبة للعلم والقراءة وكنت لا أريد أن أكون مشكلة جديدة إضافة إلى أختي الحبيبة.
بعد سبعة أشهر من وفاته، ما زلت أبكي بكاءً مراً وعقب كل صلاة أدعو له، وأقرأ الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه سلم، وأبعث بثوابهما إليه وأجريت صدقة جارية له براً به، عسى أن يتقبل مني الله عز و جل.
أريد أن يساعدني أحد المستشارين لا بحل هذه التراكمات، ولكن أن يقول لي هل كنت أنانية عندما اخترت الرحيل؟، هل يمكن أن يسامحني الله ويسامحني أبي؟ هل عققت أبي؟. و جزاكم الله خيرا.
السؤال
الأستاذة نجلاء محفوظ المستشار
الرد
أشكرك أختي الحبيبة فقد غمرني إحساس لطيف وبمشاعر نورانية عند قراءتي لرسالتك ولمست فيها نقاءك البالغ وحرصك الجميل على أن تصلي بأسرتك إلى بر الأمان، وأن تحميها قدر استطاعتك من كل ما يمكن أن يعكر صفوهم في الدنيا أو ينقص من أجرهم، وأدعو لك بأن يجزيك الرحمن أضعاف أجرك.
وأتمنى أن تتحرري من التراكمات التي تحملينها منذ صغرك، وأن تدركي أنك مسئولة فقط عن نفسك، وأن عليك البلاغ وليس التغيير، وتذكري أن الرحمن عز وجل قال في القرآن الكريم لرسولنا صلى الله عليه وسلم:( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ)، وقوله أيضاً: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا).
فلا تُحَمِلي نفسك فوق طاقتها، واحذري أن يسلبك الشيطان طاقاتك النفسية والروحية، بالاستغراق في محاكمة أهلك على تصرفاتهم وتذكري أن الرحمن غفور، يقبل التوبة، وأنه سبحانه – وحده- المطلع على القلوب، وأنه رُبَ معصية جعلت القلب ينكسر أمام الله ورب طاعة أدت إلى غرور وابتعاد.
وأن من يتوب بإخلاص تتحول سيئاته- بفضل الرحمن وإحسانه- إلى حسنات، فاستبدلي القلق على أختك ووالدتك ووالدك – رحمه الله- بالدعاء لهما بالإحسان وحسن الخاتمة ويمكنك صلاة ركعتي الحاجة لكل منهما بالاشتراك في النية عند صلاة السنن فهو جائز كما أكد علمائنا الأفاضل.
ولا تنسى صلاة الحاجة لنفسك، كي يطمئن قلبك، ويرتاح بالك، ويرزقك الرحمن بشريك للحياة تسعدين معه، ولا تنسي ضرورة الثقة بالنفس وبأنه لا توجد فتاة غير(33/148)
جميلة، ولكن توجد فتاة لا تثق بنفسها، وتخصم من جمالها بعدم الثقة بالنفس وبمخاصمة الابتسامة وبعدم الحرص على الإشراق الداخلي والخارجي وبالاستسلام لاجترار الذكريات السيئة والأفكار السلبية مما يؤذيها جمالياً ونفسياً وصحياً أيضاً فتنبهي إلى ذلك، وراجعي مواقفك واختاري الصحة والعافية في كل هذه المجالات كما ندعو لك بها ونثق أنها تستحقينها، فلا تبخلي على نفسك بها.
وعليك الآن التعامل بالإحسان والود مع أختك ووالدتك، والكف عن نصحهما، والاكتفاء بالإشارة العابرة، ودعمي علاقتك العاطفية بهما فكلكن بحاجة إلى هذا الدعم النفسي، فابدئي أنت، وركزي على نقاط الاتفاق– وإن قلت- وتجاهلي أسباب الخلاف – وإن كثرت- فالحياة قصيرة، و بها الكثير من أسباب العناء، وليس من الحكمة زيادتها على أنفسنا وعلى من نحب أيضاً.
أما عن إحساسك بالذنب بسبب ما ذكرته عن تخليك عن والدك، فنحن لا نراه تخليا، فأنت لم تتركيه من أجل التنزه، بل لطلب العلم وهو فريضة على كل مسلم ومسلمة، كما جاء في الحديث الشريف، فتذكري ذلك ولا تخذلي نفسك بالخضوع لوساوس الشيطان الرحيم.
ولإسكات أي صوت لإبليس اللعين؛ احرصي على صلاة ركعتي الحاجة لوالدك، بهدف الاستغفار له وطلب الفردوس الأعلى له بدون حساب ولا عتاب وأن يكون قبره روضة من رياض الجنة، وأن يرى وجه الرحمن وهو سبحانه راض عنه، وضاحك إليه، وأن يرزقه العزيز الحكيم صحبة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
وألحي على الله بهذا الدعاء، فالله يحب الإلحاح في الدعاء، وتخيلي وجه والدك وهو يشرق بالابتسامة والرضا كلما دعوت له ليطمئن قلبك ويهدأ بالك.
ولا تنسي أنك كنت ابنة بارة ولم تكلفي والدك ما يرهقه، وكنت تخففين من حدة المشاكل بين أختك ووالدتك، ولاشك أنه كان يسعد بذلك، أما عن قولك أنه طلب منك بعينيه عدم الرحيل، فهذا من وساوس الشيطان لأنه لو كان بحاجة (حقيقية) إليك لطلب منك ذلك صراحة، فاطردي هذه الوساوس لأنها من تلبيس إبليس اللعين، جدد الله عذابه وحفظ كل المسلمين في كل زمان ومكان من شروره.
وقد أحسنت أمك إليه طوال مرضه، أما ما قالته أخته بأنها أسأت إليه في آخر أيامه فربما كان ذلك مجرد رأيها الشخصي، ولا نميل على تصديقه، ونحن هنا لا نتهمها بالكذب –والعياذ بالله- ولكننا نفسره بأنها كانت في حال لا يمكنها من الحكم على الأمور بصورة محايدة نظرا لخلافها مع والدتك، ولحزنها على والدك أيضا، وحتى لو سلمنا بذلك، فقد انتهت معاناته في الحياة – إن وجدت- ومن منا لا يعاني فيها من آن لآخر، وندعو له بأن يعوضه الرحمن خيراً عن هذا المرض وتوابعه.
أخيرا نرجو أن تهدئي وتقري عينا، وأن تطردي إحساسك بالذنب، وتستبدلينه بالرضا (الجميل)، وأن تواصلي حياتك بنفس مطمئنة، وروح متفائلة، وتحققي إنجازات رائعة في مجالك، وأن تسعدي بما حققته بالفعل، وتفخري بحبك وبرك بكل أفراد أسرتك، وأن (تحسني) على نفسك، بحسن معاملتها، وبالتمتع بكل مباهج الحياة(33/149)
المشروعة وبإغلاق أبواب الحزن إلى الأبد، وفتح أبواب الإشراق وحسن الظن بالرحمن دائما. حماك الله.. وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
قطع الرحم.. فساد في الأرض العنوان
السلوكيات, الأخلاق الموضوع
السلام عليكم.. أعاني من قسوة قلوب أقاربي، وخاصة دار عمي. إذ يتصرفون معنا وكأننا أعداء لهم، ويحاولون التفريق بيننا وبين والدنا باختلاق الأكاذيب، وتفسير بعض الأمور على هواهم. كما يقوم عمي دائما بتحريض والدي علينا، وأنا أريد مقاطعتهم..
فهل في ذلك إثم علي؟ وهل أكون قاطع رحم؛ مع إن احتكاكي بهم وجلوسي معهم، يسبب لي العديد من المشاكل؛ لأنني لا أحتمل أن أظل ساكتا، وأنا أراهم يغتابون وينمون؟!
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يجيب الأستاذ عصام الشعار- الباحث الشرعي بشبكة إسلام أون لاين:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أخي الكريم .. أسأل الله تعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يجعلنا وإياك من عباده السعداء.
أما سؤالك، فهو سؤال يتعرض له الكثيرون.. فكم من ولد يشكو قسوة أبيه، وكم من فتاة تشكو جفاء أمها، وكم من أخ يشكو غلظة أخيه، وكم من سائل يشكو سوء خلق أقاربه.
ويكون السؤال: هل الأمر بصلة الأرحام أمر عام حتى وإن كانت الرحم قاطعة مسيئة، أو يترتب عليها أذى؟ أم أن هناك استثناءات؟ ولمن تكون؟!
وقبل أن أجيب عن سؤالك فلست بحاجة للتدليل على فرضية صلة الرحم. فقد دلت النصوص الصريحة القاطعة في كتاب الله عز وجل، وفي السنة المطهرة على فرضية صلة الرحم، وتحريم الهجر والقطيعة، وحسبك قول الله عز وجل: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} ( محمد: 22- 23) .
وكما يقول ابن عاشور في تفسيره في الآية إشعار بأن "الفساد في الأرض وقطيعة الأرحام من شعار أهل الكفر، فهما جرمان كبيران يجب على المؤمنين اجتنابهما" أ. هـ .
ونظرا لعظم الهجر والقطيعة؛ فقد قرن الله هذا الذنب بالإفساد في الأرض، لأن أعظم أسباب انتشار الفساد في الأرض –بل هو أولها- هو تفكك المجتمع، وتفككه يبدأ بتفكك الأسرة وانهيارها. [طالع: "صلة الرحم" دعامة المجتمع الإنساني](33/150)
ولذلك كان الأمر بصلة الأرحام، مهما كلف المسلم ذلك؛ لأن الأمر يتعلق بمصير أمة بأسرها، فإقامة منهج الله تعالى في الأرض لن يتحقق إلا في كنف مجتمعات مترابطة، وحين تنقض دعائم تماسكه سيكون الفساد في الأرض والخراب والقتل والتدمير، ولن يعبد الله تعالى في الأرض حق عبادته.
لأجل ذلك كان المسلم مأمورا بصلة رحمه أساءوا إليه أم أحسنوا؟ وصلوه أم قطعوه؟ مسلمين كانوا أم غير مسلمين؟ لأن الذي يعجز عن إقامة جسور التواصل والمودة بينه وبين أرحامه لن يستطع أن يكون إنسانا فاعلا ومؤثرا في مجتمعه.
فكيف يصبر على أذى الناس؛ من عجز عن الصبر على إساءة قرابته وذوويه؟! كيف يستطيع محاربة الفساد، ويعمل على نشر قيم العدل والحق؛ مَن عجز عن نشرها بين ذوي القربى؟!!
فصلة الرحم ليست أمراً اختيارياً، إذا وافق الهوى امتثل وإلا ترك، كما أنها أيضا ليس من باب المكافأة ولا المعاملة بالمثل؛ بل هي أمر مطلوب شرعاً من كل الأفراد الذين بينهم رحم، ومن قطع منهم فعليه إثمه، ولا يسقط بذلك حقه في أن يوصل.
وللتأكيد على أن صلة الرحم واجبة في جميع الأحوال أسوق إليك طرفا من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم:
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك". [والمل: الرماد الحار].
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
أخي الكريم.. جاء الإسلام ليؤكد على قيمة عظيمة، وهي الحرص على أن تظل الأيدي متشابكة والصفوف متراصة. وقد جاءت التكليفات والتوجيهات الربانية لتدعم وتؤكد على هذا المعنى، والمتتبع للنداءات الربانية في كتاب الله عز وجل لن يجد فيها خطابا جاء بصيغة المفرد؛ وإنما دائما يكون الخطاب للجماعة: {يا أيها الذين آمنوا} وفي هذا من الحكم والمعاني ما لا يتسع المقام لذكرها.
وأكتفي بهذه الإشارة لصاحب الظلال الأستاذ سيد قطب –رحمه الله- فيقول: "إن القرآن كما قلنا في مناسبات متعددة كان يبني أمة. كان يبنيها لتقوم على أمانة دينه في الأرض، ومنهجه في الحياة، ونظامه في الناس.
ولم يكن بد أن يبني نفوسها أفراداً ويبنيها جماعة، ويبنيها عملاً واقعاً.. كلها في آن واحد.. فالمسلم لا يبنى فرداً إلا في جماعة. ولا يتصور الإسلام قائماً إلا في محيط جماعة منظمة ذات ارتباط، وذات نظام، وذات هدف جماعي منوط في الوقت ذاته بكل فرد فيها. هو إقامة هذا المنهج الإلهي في الضمير وفي العمل مع إقامته في الأرض. وهو لا يقوم في الأرض إلا في مجتمع يعيش ويتحرك ويعمل وينتج في حدود ذلك المنهج الإلهي.(33/151)
والإسلام على شدة ما عني بالضمير الفردي وبالتبعة الفردية ليس دين أفراد منعزلين، كل واحد منهم يعبد الله في صومعة.. إن هذا لا يحقق الإسلام في ضمير الفرد ذاته، ولا يحققه بطبيعة الحال في حياته.
ولم يجيء الإسلام لينعزل هذه العزلة؛ إنما جاء ليحكم حياة البشرية ويصرفها. ويهيمن على كل نشاط فردي وجماعي في كل اتجاه. والبشرية لا تعيش أفراداً إنما تعيش جماعات وأمماً. والإسلام جاء ليحكمها وهي كذلك. وهو مبني على أساس أن البشر يعيشون هكذا. ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على هذا الأساس.
وحين يوجه اهتمامه إلى ضمير الفرد فهو يصوغ هذا الضمير على أساس أنه يعيش في جماعة. وهو والجماعة التي يعيشون فيها يتجهون إلى الله ، ويقوم فيها على أمانة دينه في الأرض، ومنهجه في الحياة، ونظامه في الناس" .. انتهى.
أخي الحبيب؛
أقدر مشاعرك ، وأشعر بما قد تجده من ضيق من جراء هذه المعاملة الموحشة، ولكن الذي يعينك على تحمل ما قد تجده من أذى؛ أن تتذكر أن الله تعالى قد تعبدك بصلة رحمك، كما تعبدك بالصلاة والصيام والزكاة والحج، فليكن لسان حالك ومقالك "سمعنا وأطعنا". [طالع: صلة الرحم.. جهاد لا شوكة فيه].
ومما يشحذ همتك، ويجعلك تنشط لصلة رحمك؛ أن تستحضر دائما جزاء الواصلين وعاقبة المقّطعين. فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل، فقال: مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه". (متفق عليه).. فمن ذا الذي يزهد في طول العمر وسعة الرزق؟! [طالع: صلة الرحم.. لبركة الرزق والأجل].
وفي الحديث المتفق عليه ، قال صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة قاطع" أي قاطع رحم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم" رواه أحمد والبخاري في الأدب.
حدود صلة الرحم
أشرت في سؤالك إلى أنك زيارتك لأقاربك يترتب عليها جلوسك في مجالس الغيبة النميمة فنقول إذا كانت زيارتك لأقاربك قربة لله تعالى. فيجب عليك ألا تُلبِس هذه الطاعة بالمعصية، وإذا تحول المجلس إلى مجلس غيبة أو نميمة وجب عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بشروطه وضوابطه.
إذ يجب عليك أن تتحلى بالحكمة، وأن تكون دعوتك لهم بالموعظة الحسنة، فإذا رأيت القوم يخوضون في الأعراض والحرمات؛ فاجعل دفة الحديث معك وغير(33/152)
مساره بحيث يعرض القوم عن الغيبة والنميمة، فإن عجزت عن تغيير المنكر، فلا أقل من أن تزول أنت عنه، واحرص على أن تصلهم حسب قدرتك واستطاعتك.
قال القاضي عياض: وصلة الأرحام درجات بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له، لم يسم واصلاً.
وقال القرطبي: تزيد بالنفقة على القريب، وتفقد حاله، والتغافل عن زلته. وقال ابن أبي جمرة: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة.
وأخيرا أخي الحبيب.. إياك أن تتخلف عن ركب المصلحين، ولا تكن جنديا في كتيبة الإصلاح فحسب، بل عليك أن تكون قائدا تقود الناس إلى الخير، وأولى الناس بك هم أهلك وذووك، فلا يحملك ما تجده منهم على الهجر والقطيعة، بل احرص على صلتهم وبذل الخير لهم، وأي حديث عن الإصلاح في ظل تفكك الأسر وعدم ترابطها هو درب من العبث، فترفع عن جهل الجهلاء وسفاهة السفهاء. [ طالع: عبلة الكحلاوي: وصفة لصلة الرحم]
واجعل شعارك وأنت تحيا بين الناس قول الله تعالى: { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
وأخيرا
أسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا، وأن ينزع الغل والحسد من قلوبنا، وأن يجمعنا في جنته إخوانا متحابين على سرر متقابلين.. آمين.
ـــــــــــــــــــ
الأفلام الإباحية خطر يهدد إيماني العنوان
أمراض القلوب الموضوع
مشكلتي تماماً كمشكلة محمود الأزهري، وطبقت نفس الخطوات التي قدمها الأخوة الفضلاء، ولكن دون جدوى. مع العلم بأن هذه المشكلة جعلتني أقبل على حفظ القرآن أجيبوني يرحمكم الله، وأسألكم خالص الدعاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ محمد سعدي، عضو فريق الاستشارات الإيمانية:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
نشكر لك أخانا في الله ثقتك بنا، واعلم أنَّ أعداء الأمة يحاولون إغواء شبابها ليل نهار، ويفتلون لهم في الذروة والغارب حتى تصبح أمتنا ضعيفة بلا شباب يحميها ويذود عنها هجمة الأعادي.
وشبابنا لا قيمة لهم إلا بتحصنهم بدينهم وإيمانهم، ولذلك يجتهد أعداؤنا في سلب سلاح الإيمان من أيدينا، ويجتهدون في هدم بنيان الإيمان في قلوبنا، ولهم في ذلك(33/153)
طرق كثيرة، وحيل يخترعونها ليل نهار، لكي يدفعوا أمتنا إلى مستنقع الرذيلة لتحيط بنا ظلمات الذنوب والمعاصي، وبهذا نحرم من نصر الله عز وجل.
ومن أكبر معاول هدم إيمان الشباب الولوج إلى المواقع الإباحية الخليعة، أو مشاهدات القنوات الجنسية المقيتة، أو غيرها من تلكم المواقع الشاذة. وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى خطر النساء وفتنتهن، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". رواه البخاري.
والشباب الذين كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروا بمثل هذه المرحلة ـ مرحلة فوران الشهوة، وفقدان ما يصرفهاـ وقد أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علاج هذه الشهوة الشديدة، وبيًّن لهم أن خير سبيل لدفع هذه الفتنة هو الزواج بامرأة مسلمة تحصنك وتمنعك من الحرام.
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". رواه البخاري ومسلم.
ومن المعلوم أن المسلم مطالب بغض بصره، وألا يطلع نظره على النساء الأجنبيات( اللاتي يحل له الزواج منهن)، وذلك لأن نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، وشكر النعمة لا يكون باللسان فقط بل باستخدام هذه النعمة فيما أحلَّ الله، وحفظها عما حرم الله.
وإطلاق البصر إلى المحرمات له أضرار عديدة يكفي أنها تجعل صاحبها من المقصرين، ويكفي في زجر النفس عنها أن يُعلم أن الله سبحانه مطلع على هذه الخيانة من العين يقول تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
ومن يطلق نظره ويشبعه من النظر إلى الحرام لا شك أنه واقع في الإثم، وعليه أن يقطع عنه الأسباب التي أدت إلى عدم غض البصر.
قد تقول أنا أحاول جهدي أن أغض بصري، ولكني أضعف وتفتر مقاومتي وأدخل على هذه المواقع، وأنا بدوري أقول لك: عليك بجملة أمور اجتهد في تحقيقها فإنها – بفضل الله- ستعصم نفسك من الدخول على هذا المستنقع القذر ومنها:-
* إذا راودتك نفسك الدخول إلى المواقع الإباحية، فاجعلها تنظر أولا لصور الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ اللذين حصدتهم الحروب التي دبرها أعداء الأمة لها، فمشاهدة مثل هذه الصور تجعلك تتذكر الواجب الذي عليك تجاه إخوانك، فكل شهيد وأسير له حق في رقبتك، وعليك أن تؤديه، من أبسط حقوقهم عليك أن تحاول نصرهم بكل ما أوتيت من قوة، ولو بالدعاء، ومن السفه أن أمة أطفالها تذبح، ونساؤها يقتلن وشيوخها يدفنوا أحياء وشبابها قابع أمام قنوات الفجور والفسق والعري.
* إذا راودتك نفسك الدخول إلى المواقع الإباحية فتذكر أنك تعصي الله عز وجل، ولا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر من عصيت، فقد عصيت جبار السموات والأرض، عصيت الذي خلقك فسواك فعدلك، عصيت من خلقك لطاعته وعبادته فإذا أنت قائم على معصيته!!، عصيت الله الذي حباك النعم، وأنت تستخدم هذه النعم في محاربته بالمعصية.(33/154)
* إذا أردت أن تدخل على هذه المواقع الإباحية، تذكر أن الله يسترك دائما، ولو شاء لفضحك، ومن شاء الله أن يفضحه لفضحه في جوف داره.
* إذا أردت أن تدخل على هذه المواقع الإباحية تذكر أنك ستقف أمام الله عز وجل وأنه سيسألك عن كل أعمالك، فبماذا ستجيب رب العالمين إذا قررك بهذا الذنب وبتلكم المعصية؟!. قال تعالى:[وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُونَ] الصافات: 24.} وقال أيضا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر: 92-93.} وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن.
* إذا أردت أن تدخل على هذه المواقع الإباحية فاعلم أنك صرت أداة في يد أعداء الأمة، وقد انتصروا عليك شخصيا في مجال الأخلاق، وسلبوك تلك الأخلاق النبيلة التي كان العرب يتحلون بها في الجاهلية قبل الإسلام، يقول شاعر الجاهلية عنترة:
وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي*** حَتّى يُواري جارَتي مَأواها
إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ*** لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها
فهذا الرجل الجاهلي قد عاش على الفطرة ولم يتخلق بأخلاق الإسلام لأنه لم يعاصره، فهاهو يفتخر بنفسه أنه يعصي نفسه اللجوج، ولا يتبع هواها بل هي تتبعه، وليس هو يتبعها، ومن الشواهد على هذا أنه يغض طرفه (بصره) إذا ما ظهرت جارته حتى تختفي عنه، ولا يقف يحملق فيها، ويتفحصها، لأن هذا من الخزي والعار بمكان، وفطرة الرجل الأبي الحر النبيل تأبى هذا الفعل الخسيس، وعلى هذا فمن يدخل لهذه المواقع الإباحية لا هو متخلق بأخلاق الإسلام ولا حتى أخلاق الجاهلية.
* نخلص من هذا كله بأنك إذا أردت أن تتخلص من مواقع الفجور، أن تعلي من قيمة الرجولة في نفسك، وأن تحاول أن تتخلق بأخلاق الرجال وصفاتهم النبيلة، وأن تقنع نفسك بأنها إذا دخلت على هذه المستنقعات إنما تعصي رب السموات والأرض، وهي بهذا الدخول تحقق نصرا لأعداء الأمة عليها.
* ومما يساعد على التخلص من هذه الآفة اللعينة بعد هذا كله الإخلاص فبغيره لا يتحقق النصر على العدو الأزلي المتربص بنا وهو "الشيطان". قال الله تعالى عن الشيطان: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [صّ:82-83].. وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، كيف صرف الله عنه الفاحشة بإخلاصه: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].
* عليك أن تأخذ بأسباب العلاج الإيماني وهو من أهم أسلحة المؤمن في الدنيا لأن الإيمان قد يتعرض للفتور ونقص الهمم على ارتياد القمم
وهذا ما رواه لنا مسلم عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند(33/155)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وما ذاك؟." قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات".
فالمسلم حاله يتراوح بين ذكر وطاعة من جانب وفتور من جانب، ويجاهد الشيطان بتقوية إيمانه ويحاربه الشيطان بالشهوات والإغراءات، وتستمر هذه الحالة حتى تخرج الروح لبارئها، والكيس من فاز على شيطانه ولم يستسلم له ولم يهزم له، وذهب إلى ربه بقلب مطمئن بالإيمان.
وهناك وسائل لعلاج الفتور وتقوية الهمم وشحذ العزائم. عسى الله أن يقوي ضعفنا ويجبر كسرنا أهمها:-
* إخلاص النية في تقوية الإيمان.
* والاستعانة بالله في ذلك.
* وتدبر القرآن.
* واستشعار عظمة الله .
* وطلب العلم النافع.
* وحلق الذكر.
* وكثرة الأعمال الصالحة.
* وتنويع العبادات.
* وذكر الموت.
ومن الإجراءات العملية التي بإمكانك أن تتبعها، إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الإنترنت فقم ببيع كارت المودم فورا، أو تخلص منه حتى يشفيك الله عز وجل، ولا تتعلل بأهميته وفوائده.
إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الدش فقم بالتخلص منه، أو بتشفير القنوات الجنسية.
وبعد هذا كله يمكنك أن تعاهد الله عز وجل على عدم الدخول لهذه المواقع الإباحية أبدا، وبعدما تعاهده سبحانه عليك الوفاء بما عاهدت الله عليه، فالوفاء بالعهد من شيم المؤمنين، وخلف الوعد سمة من سمات المنافقين.
غفر الله لنا و لك، وحفظنا وإياك من كل مكروه وسوء، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
القرب من الله.. أين السبيل؟ العنوان
غذاء الروح الموضوع
أعلم أن القرب من الله يحتاج جهد كبير، وسؤالي باختصار شديد هو: في ظل هذه الموجة العارمة والطاغية للمادية، كيف يمكن للمسلم أن يسمو بروحانياته؛ ليكون(33/156)
قريبًا من الله؟، ما هي أكثر الأعمال التي تقربنا من الله؟ وكيف يمكن للإنسان المسلم أن يجعل أهل بيته جميعًا على مقربة من الله عز وجل؟
وهل بالضرورة أن يكون الإنسان قد نشأ على طاعة الله حتى يحظى بمكانة المقربين؟، وكيف يمكننا المحافظة على هذا القرب من الله؛ لأنه تأتي لحظات يزداد الإيمان ونقترب من الله ولحظات أخرى يفتر إيماننا وعباداتنا؟، فكيف يمكننا الحفاظ على الحد الأدنى من القرب من الله؟.
وهل من طريقة أو جدول يومي يضعه المسلم نصب عينيه كي لا يضيع في دوامة الحياة ويبعد عن آخرته؟ هل من أولويات يضعها المرء أمام عينيه أو جدول للمحافظة على الذكر والورد اليومي؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول أ.خالد روشه، رئيس القسم التربوي بموقع المسلم، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بشبكة "إسلام أون لاين.نت":
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم أما بعد:-
فإن النشوء على طاعة الله فضل ومنة ربانية، ففي الحديث، قول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن من نعمة الله على الشاب أن ينشأ في طاعة الله"، ولكن الله سبحانه وتعالى قد يمن على عبادة الصالحين بالإخلاص التام له سبحانه، والتوحيد الخالص، وبالتطبيق النافع، فتتغير قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، ومن البعد إلى القرب، فيلقون ربهم في روح وريحان ورب غير غضبان.
فإن مدار الإيمان على التوحيد الخالص لله سبحانه كما أن هناك مبدأ إيمانيًّا عظيمًا هو قوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"، فالمرء لو ترك نفسه نهبة لتقلبات الحياة لن يفلح أمره، وإذا أهمل قلبه لن تطهر ذاته، فعليه إذن أن يراعي أحوال قلبه كل ساعة، ويعلم أنه وحده المسئول عن ذنبه أمام ربه.
وبشكل عام فإن هناك خطوات أساسية لمن أراد التقرب من الله عز وجل:
أولاً: لا إله إلا الله من قلب مخلص.
ثانيًا: متابعة تامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: تعهد ومراعاة وعلاجات دائمة للقلب المتقلب.
رابعًا: تبتل وخلوة بالله سبحانه وتعالى.
خامسًا: بذل وعطاء بالمال والجهد بنية صالحة، وعليه أن يدعو الله تعالى دومًا بالثبات على ذلك.
أما بخصوص سؤالك عن جدول يومي، فأنا أذكرك بجدول الصالحين الذين كانت لا تخطئ لهم فراسة، ولا تخرج منهم نابية، ولا يغفلون عن طاعة:-
فأول ذلك أن يرتب المرء منا وقته على حسب عبادته وليس على حسب انشغالاته، فالفرائض الخمس هي خمس بأمر الله والذين يجعلونها أربعة أو ثلاثة فيضمون(33/157)
بعضها إلى بعض هم مخالفون لأمر الله والذين يطيلون السهر في شأن الدنيا حتى قبيل الفجر، ثم ينامون فيضيعون صلاتهم ويضيعون ذكرهم هم أجدر أن يقوموا سود الوجوه.
وأما النصيحة الثانية فهي نصيحة مكتسبة وعن العلماء منقولة أن بكل امرئ مؤمن طاقات داخلية عظيمة، ولكنها تعمل إذا ما استدعيت، وأفضل سبيل لاستدعائها سؤال الله ذلك، وأما الثالثة هي قول الصالحين: "نفسك إلا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية".
والإسلام يدعونا إلى العمل والإنجاز والبناء والتقدم وينكر علينا الإفساد والتأخر والإهمال، فكن في عملك الذي تشتغل به ونيتك الصالحة تصحبك، ولقد شاء الله لي أن صحبت بعض أهل العلم فكنا نجالسه حتى إذا ما سكت الحوار سكتة وجدته يستغفر الله.
إننا في طريقنا إلى الله سبحانه، مأمورون بعبادته وإخلاص العبادة له عز وجل، وتخليصها من شوائب الشرك وخبائث البدع. والمسلم في طريق سيره إلى ربه سبحانه يحتاج أن يحب العبادة ليصبر عليها، وليكثر منها، ويحتاج أن يشعر بلذتها ليتوق إليها ويتشوق إليها.
والمسلم الذي لم يشعر بحب العبادة ولم يذق طعم حلاوتها لن يصبر عليها، ولن يثابر في الثبات عليها.
ولقد كان عمله صلى الله عليه وسلم كما وصفت عائشة رضي الله عنها في الصحيح: "ديمة" يعني دائمًا ثابتًا، وكان- كما في الصحيح- "إذا فعل شيئًا أثبته"، وقد نصح عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال له- كما في الصحيحين- (لا تكن كفلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل).
إذن فالمثابرة على العبادة والثبات عليها هو نهج الشريعة وطريقة الإسلام وهو المقرب إلى الله تعالى، ففي الحديث القدسي الثابت: "ما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه"، وهذا الثبات لا يمكن تحقيقه إلا بحب الطاعة والشعور بمعنى العبادة وأثرها. وقد غفل عن هذا كثير من المربين.
أما في بيتك.. فالسبيل الأول أن تعتبر نفسك أنت القدوة في السلوك والفكر والعادات ولا تطلب من أهلك ما لا تقوم به أنت أولاً، وعليك بكثرة ذكر الله في بيتك وقراءة القرآن، وإياك أن تتركهم نهبًا لفضائيات الإعلام المغترب الخليع أو أن تتركهم في موقف يحتاج إلى توجيه وتعليم بغير أن تبذل نفسك فيه، وأخيرًا اعلم أن الرفق لا يأتي إلا بخير.
واعلم أن مدار الذي تسأل عنه هو القلب السليم، ذاك الذي به يصلح حال العبد وبتركه يفسد، وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال سبحانه: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء: 88، 89)، والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله سبحانه، وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره سبحانه وتعالى.(33/158)
وأعمال القلوب تتوقف عليها أعمال الجوارح، فالإخلاص مثلاً وهو عمل قلبي إذا فقد من عمل فإن ذاك العمل يحبط ويرجع على صاحبه، فإن الله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان صحيحا موافقا للشرع، خالصًا لوجهه الكريم.
ففي إحدى الغزوات قال الصحابة رضوان الله عليهم: ما قاتل من اليوم إلا فلان- من شدة قتله للمشركين-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"، فما لبث أن اتكأ على سيفه فقتل نفسه، فالله لا يقبل الأعمال التي يخالطها الإشراك فتصير عبادة العبد الظاهرة كالصلاة، أو الصيام، أو غير ذلك ليس له منها إلا التعب، ثم يعاقب عليها.
كذلك فأعمال القلوب أساس النجاة من النار والفوز بالجنة، كالتوحيد فهو عبادة قلبية، وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية، وقد ورد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فيتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فلا يجد له كثير عمل يتفضل به غير أنه يبيت وليس في قلبه شيء لأحد من المسلمين، فيقول له عبد الله: "هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ" رواه أحمد.
فإذن سمو الروح ونقاوة النفس أصله طهارة القلب وقربه من ربه، وعلاج أمراضه من الحقد والحسد والغش وسوء الطوية ومن الشهوات والشبهات. أما سؤالك عن برنامج إيماني دقيق فقد سبق و أوضحناه في كتاب "لذة العبادة : برنامج عملي للتربية الإيمانية" فحاول أن تطلع عليه.
وقد رهّب الإسلام وخوف المؤمنين ممن حفظ آية ونسيانها، وقال الله سبحانه: "واتلُ عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين". وقوله تعالى: "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن عمر لا تكن كفلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل".
وأختم بقولي اعلم أنك واقف وحدك أمام ربك، فالموت يأتي للمرء وحده، والصراط مذلة للمرء وحده، ولن ينفع الإنسان إلا ما قدم، وفقك الله وطهر قلبك. وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
تسع وسائل لتحقيق الهمَّة العنوان
غذاء الروح الموضوع
كيفيَّة تحقق الهمَّة العالية لكلِّ مسلم؟، أريد أمثلةً من السيرة، وبعض أسماء كتبٍ تتكلَّم في نفس الموضوع. السؤال
الدكتور محمد منصور المستشار
الرد
أخي الكريم مصطفى،
موضوع الهمَّة هذا ذو شقَّين:
1. الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة.
2. العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها.(33/159)
أمَّا الأسباب التي تعين على تحقيق الهمَّة العالية للمسلم في حياته كثيرة، وأمثلتها من السيرة كثيرة، نذكر منها:
أولا: حبُّ الله ورسوله، وحبُّ جنَّته، واليقين بها والشوق إليها:
عن أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقدمَنَّ أحدٌ منكم إلى شيءٍ حتى أكون أنا دونه"، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض"، قال: "يقول عُمَيْر بن الحُمَام الأنصاريُّ رضي الله عنه: يا رسول الله، جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: "بَخٍ بَخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يحملك على قولك بَخٍ بَخ؟!" قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنَّك من أهلها"، فأخرج تمراتٍ من قَرْنه فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنَّها لحياةٌ طويلة! فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل(رواه مسلم).
فحبُّه لله ورسوله وتصديقه بهما، ويقينه بقيمة الجنَّة وشوقه إليها، كلُّ ذلك كان حافزاً له لتحصيل الثواب ولاتخاذ أسباب الوصول لأعلى درجاتها، مع الصبر على ذلك: {إنَّما يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
ثانيا: الخوف من النار واليقين بعذابها:
فعن أنس رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبةً ما سمعتُ مثلها قط، فقال: "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا"، فغطَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين".رواه البخاري، خنين: أي بكاءٌ مع صوتٍ وانتشاقٍ من الأنف. فقد دفعهم يقينهم بالنار وخوفهم من عذابها إلى الانطلاق في الالتزام بالإسلام وحمايته ودعوة الناس إليه.
ثالثا: تذكُّر عِظَم الرسالة التي تحملها:
فأنت يا أخي المسلم صاحب أعلى لواءٍ على الأرض، ودينك هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف لا وهو مرتبطٌ مباشرةً بالعزيز الغالب سبحانه، ويا له من ارتباط.
ودينٌ عظيمٌ بهذه الدرجة يحتاج إلى رجالٍ عظام، ومهمَّة الدعوة إلى دين الله تعالى هي أعلى المهمَّات وأشرفها.
يقول ابن الجوزيِّ رحمه الله: "ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمتَ أنَّهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبُّد، لعلمهم أنَّ ذلك آثر عند حبيبهم؟ هل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثَّهم على الخير ونهيهم عن الشرّ؟".
ويؤكِّد ذلك الإمام ابن القيِّم رحمه الله فيقول: "الشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته: وقوفه في الصف ساعة، وجهاده أعداء الله، أفضل من الحجِّ والصوم والصدقة والتطوُّع، والعالِم الذي قد عرف السنَّة، والحلال والحرام، وطرق الخير والشرّ: مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم، أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح".(33/160)
رابعا: الانتماء إلى "العزيز" سبحانه:
انتمِ إلى ربِّك العزيز سبحانه، انظر في قيمة ما تحمل، تزدد عزًّا وفخرا، يقول تعالى: {ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنَّ المنافقين لا يعلمون} ويقول جلَّ شأنه: {الذين يتَّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزَّة فإنَّ العزَّة لله جميعا}، ويقول سبحانه:{من كان يريد العزَّة فلله العزَّة جميعا}.
وقد وصف ربُّنا سبحانه نفسه بـ"العزيز" في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن الكريم، كما علَّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم العزَّة بأفعالهم، فلم يعطوا الدنيَّة من دينهم، وقاتلوا حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ولم يهدأ لهم بالٌ حتى أعلى الله بهم دينه ولواءه، وكذلك فعل الأنبياء السابقون عليهم السلام.
فهذه هي مكانة العزَّة في ديننا، ربٌّ عزيزٌ سبحانه، أمرنا ألا نعطي الدنيَّة من ديننا، ونهانا عن الذلَّة والمهانة، بل ونهانا عن كلِّ ما يؤدي لذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم"رواه البخاريُّ ومسلم.
والمرَّة الوحيدة التي سمح لنا ربُّنا فيها بالذلَّة هي مع إخواننا المسلمين: {يا أيُّها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبُّهم ويحبُّونه أذلَّةٍ على المؤمنين أعزَّةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم}.
وهذه الآية العظيمة تحتاج إلى وقفة: فالقوم الذين يحبُّهم الله تعالى وسوف يأتي بهم بدلاً ممن ارتدُّوا عن دينهم، من شروطهم أن يكونوا أعزَّةً ولا يخافون لومة لائم ولا يذلُّون إلا لإخوانهم. ألا تكفي هذه الآية للتدليل على عِظَم هذا الدين ورقيِّه وعلى اشتراطه العزَّة كشرطٍ أساسيٍّ للمنتمين إليه؟ أنتمِ إلى العزيز سبحانه، وستجد همَّتك تطاول عنان السماء.
خامسا: الوفاء بالوعد مع الله ورسوله وإسلامه:
فالمسلم من نطق الشهادتين بصدقٍ كان بينه وبين ربِّه ورسوله وإسلامه وعدٌ بأن يتمسك بدينه، ويحافظ عليه، ويدافع عنه، وينشره لغيره، وهذا الوعد يُعِين النفس على السعي لتنفيذه خوفا من إخلافه، وحبًّا في ثواب الوفاء به.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أُحُد، فقال: "من يأخذ منِّي هذا؟" فبسطوا أيديهم، كلُّ إنسانٍ يقول: أنا أنا، قال: "فمن يأخذه بحقِّه؟" فأحجم القوم، فقال أبو دجانة رضي الله عنه: أنا آخذه بحقِّه، فأخذه ففَلَق به هام المشركين".رواه مسلم.
سادسا: الشعور المؤلم بالتقصير، ومحاولة التعويض:
فاستشعار مقدار الثواب الذي يفوت المسلم بسبب تقصيره أو غفلته أو إعراضه أو نسيانه أو نحو ذلك يكون دافعاً له للعمل من أجل تعويض ما فاته.
عن أنس رضي الله عنه قال: "غاب عمِّي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ فقال: يا رسول الله غبت عن أوَّل قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين لَيَرَيَنَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحُدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللهمَّ إنِّي(33/161)
أعتذر إليك ممَّا صنع هؤلاء - يعني أصحابه- وأبرأ إليك ممَّا صنع هؤلاء- يعني المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربِّ النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أُحُد.
فقال سعد: فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بِضْعاً وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنةً برمحٍ أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتِل ومثَّل به المشركون، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنَّا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: "من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا"رواه البخاريُّ ومسلم.
سابعا: البشريات:
فمن طباع البشر أنَّ النجاح يدفع إلى مزيدٍ من النجاح، فما نراه الآن من بدايات العودة لله تعالى والإسلام ممثَّلةً في انتشار الحجاب، ومراكز حفظ القرآن، وامتلاء المساجد بالمصلِّين، والمدارس الإسلامية، وانتشار الأخلاق بين الناس، وعودة روح الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، وإعادة عزَّته، كلُّ ذلك وغيره من البُشْرَيات الكثيرة- رغم أنَّها كلَّها ما زالت بدايات- يدفع إلى مزيدٍ من العمل والإنجاز حتى يُتمَّ الله نصره.
ولعلَّ في قصَّة دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه لأهل المدينة للدخول في الإسلام ما يدلُّ على ذلك؛ إذ أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع الذين بايعوه في بيعة العقبة الأولى حين أتَوا للحجِّ وكانوا اثنا عشر فرداً ليعلِّمهم إسلامهم، فانتقل من بيتٍ لآخر يدعو فآمن من آمن.
وكان ذلك دافعاً له لمزيد من توصيل دعوة الله تعالى، حتى جاء حجُّ العام الذي بعده فبايع فيه سبعون رجلاً وامرأتان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية على الدفاع عنه وعن دعوته، ثم انتشر الإسلام شيئاً فشيئاً بعد ذلك.
كذلك لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكَّة كانت هذه البُشرى دافعاً للمسلمين لمزيدٍ من نشر دعوة الإسلام والجهر بها.
ثامنا: التواجد في وسط الصالحين، والتعاون معهم:
فيُعين بعضهم بعضاً على زيادة الإيمان بالطاعة كالصلاة والصوم والذكر والتدبُّر وقراءة القرآن وغيره، ويحضُّ بعضهم بعضاً عند النسيان، ويشارك بعضهم بعضاً عند الدعوة لدينهم، ويقوِّي بعضهم بعضاً عند الدفاع عنه.
فقد كان هذا هو فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد كانوا يلتقون في صلوات الجماعة، ويتدارسون القرآن، ويشتركون في الأفراح والأحزان، ويعملون ويتاجرون ويجاهدون، فأصبحت حياتهم كلُّها همَّةً ونشاطا، وأحسنوا إعمار الكون وخلافة الله تعالى فيه.
تاسعا: القراءة في رفع الهمَّة:
وهي كثيرة، حفلت بها كتبنا، وامتلأت بها أسفارنا، فقط افتح وطالع واقرأ، فأنصحك بالقراءة في كتب الرقائق وتزكية النفس، إذ فيها الكثير من الحديث عن الهمَّة، وأخصُّ بالذكر كتابات الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة والحارث المحاسبي رحمه الله، وشيخ زهَّاد بغداد الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والأستاذ مصطفى صادق الرافعي.(33/162)
ودعني أذكِّرك ببعض الأدبيَّات التي وردت في ذلك:
- قيل لأحد التابعين: أريدك في حُوَيْجة –تصغير حاجة-، فقال: ابحث لها عن رُجَيْل –تصغير رجل. فأصحاب الهمم العالية هم للأمور العظام لا الحاجات الصغيرة.
- مجموعةٌ من الأشعار في رفع الهمم: يقول المتنبِّي:
سبحان خالِق نفسي كيف لذَّتها ... .. فيما النفوس تراه غايةَ الألمِ
الدهر يعجب من حملي نوائبه ... . وصبر جسمي على أحداثه الحطمِ
وما الدهر إلا من رُواةِ قصائد. إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
وسار به من لا يسير مشمِّرا ... . وغنَّى به من لا يغنيِّ مغَرِّدا
ذريني أنل ما لا يُنال من العلى ... فصعبُ العُلى في الصعب والسهل فيالسهلِ
تريدين لقيان المعالي رخيصةً ... ... . ولابدَّ دون الشهد من إبَر النحلِ
وإذا كانت النفوس كبارا ... ... . تعبت في مرادها الأجسامُ
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ ... ... . فلا تقنع بما دون النجومِ
هذه وسائل رفع الهمَّة، وبقي الحديث عن العوائق التي تفتُّ الهمَّة وتضعفها، ويمكن تلخيصها في أمورٍ أربع:
1. الوقوع في الذنوب والمعاصي.
2. الفتور والملل.
3. اعتلاء سحب اليأس.
4. نقص الثقة في النفس.
أخي الكريم:
إضافةً إلى ما سبق، فإنَّ لك في كتب السيرة الزاد، ولو اطَّلعت على أيِّ بابٍ من أيِّ كتابٍ في السيرة؛ لمواقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لصاحبته الكرام إلا وستستَخْرِج أنت منه همَّةً وعملاً وإنجازًا وتفاؤلا، فما عليك إلا أن تتدبَّر في معانيه وتطبِّقها في حياتك.
جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، ونتمنَّى مداومة الاتِّصال بنا.
ـــــــــــــــــــ
بين النقاب والزواج.. أسئلة حائرة العنوان
العبادات الموضوع
التزمت بالنقاب عن رغبة وحب شديدين. وكان الفضل في ذلك يعود لأنني أعد نفسي لرحلة أبدية. كما يعود إلى أنني أعلم أن الرابح الحقيقي في هذه الحياة هو الذي يفني شبابه في تقوى الله والالتزام بأوامره. كما أنني أريد أن يحفظني الله عندما أصبح عجوزا. وأنا مقتنعة بالنقاب تماما. ولكني واجهت معارضة كبيرة من أهلي.
مرت سنة على خير؛ وأنا فرحة جدا به. ولكن حدثت مشاكل ومضايقات كثيرة في تنقلاتي بحواجز فلسطين. حاول أهلي أن يقنعوني بخلع النقاب؛ ولكن اتفقت معهم أن أتخلى عن تغطية وجهي بالقرب من حاجز أو في حالة طلب جندي ذلك مني حفظا على سلامتي. ولكن بدأت اشعر بأنني لم أعد ملتزمة به. فأحيانا أتركه في تنقلاتي بين المدن؛ لرغبة أهلي وحتى لا أسبب لهم مشاكل في تنقلاتهم.(33/163)
مرت سنة أخرى؛ ولم يتقدم ليّ أحد. وفي حالة تقدم شخص لي؛ فإن شرطه الأول أن أترك النقاب. وأما الآخرين فينتابهم الخوف من مجرد التقدم لي؛ باعتبار النقاب دليل على تشددي في الدين وأنا لست كذلك.
أجد نفسي يوميا في حلقة من السخرية سواء من عائلتي أو من الناس، ولكنني أتقبل الأمر برحابة. وأعتبره نوعا من الدعابة. وفي الجامعة؛ أجد الكثير من الأذى النفسي. لم أكن هكذا من قبل حساسة وضعيفة وأبالي كثيرا برأي من حولي.
ولكن لا أدري ما الذي حل بي؟، إذ أجد نفسي في دوامة من الأسئلة :
هل ما أقوم به هو الأمر الصحيح؟ .. هل من الحكمة أن أجعل النقاب محور مشكلتي؟، وهل كان من الصائب أن أضيع 3 سنوات ثمينة من عمري في تغطية وجهي؟.. وعلى فرض أني خلعته.. فما هو السبب لتركي له؟ هل السبب هو البحث عن زوج مناسب؟
كل من تحطن بي كاشفات لوجوههن؛ ولسن عاصيات بطبيعة الحال. ودائما أسمع: "تغطية الوجه ليست ملزمة". ولكني ارتديت النقاب ابتغاء وجه الله وطاعة لرسوله. فلماذا بدأت أشعر بهذا الضيق والغربة والوحدة في مجتمعي؟
لماذا بدأت أشعر بالهم اليومي عند تغطية وجهي كل يوم، وخاصة عند توجهي للجامعة؟
لماذا يفترض الناس أن كل جميلة فقط عليها تغطية وجهها. علما بأني جميلة؛ ولكن قمت بالأمر حبا لله
أفكاري لم تعد مرتبة أبدا. ولم أعد أُدرك ماذا أريد بالفعل! أعطوني أي نصيحة أو أي كلمة لعلي استفيد.. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد، باحث شرعي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وعضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الكريمة/ ناردين
أهلا وسهلا بك على موقع إسلام أون لاين، ونحن إذ نرحب بك نقدر لك ثقتك في إخوانك بالموقع، ودعاؤنا لكم ـ في أرض الرباط ـ بالنصر المؤزر والتمكين المبين.
وبعد، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "بَدَأَ الإْسْلاَمُ غَرِيباً وَسَيَعُودُ كمَا بَدَا". وروى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر".
وبالتالي فإن إحساس أي ملتزم بالغربة ليس أمرا مستغربا، بل هو الطبيعي، وهو الشعور الصحي أن يشعر المسلم بغربة في مجتمعه، تقتضي صبراً جميلاً على أذى الناس، لكن لا تكون هذه الغربة سبباً في اعتزاله لهم.(33/164)
ومن سوءات واقعنا أن "تعميم الحكم" هو السائد لدى الكثيرين إلا من رحم الله، وأن للواقع كثيرا من الجنايات على المصطلحات، بمعنى أن التي ترتدي النقاب ثم تأتي فعلا شائنا على سبيل البشرية، أو الذي يطلق لحيته ويتكلم كلمة لا تليق بمثله؛ يعمم الناس حكمهم بالسوء على كل ملتحٍ وعلى كل منتقبة.
فتُتَّهم ذاتُ النقابِ بالسرقة والتخفي وراء النقاب؛ حتى يتسنى لها أن ترتكب ما تشاء من مخالفات. ويُتَّهم ذو اللحية بالتجهم والتشدد والعبوس والخلق السيئ. ومن ثم يصير النقاب رمزا للتخفي من أجل ارتكاب المخالفات. وتصبح اللحية علامة على التشدد والتنطع.
مع أن الأصل خلاف هذا، والعيب ليس في النقاب أو اللحية؛ إنما العيب في الشخص نفسه. وكما تعلمين أن الإسلام حجة على الأشخاص وليس سلوك الأشخاص حجة على الإسلام، فعلى جمهور الناس ألا يعمموا الحكم بهذا الشكل. وعلى من التزم بهذه الشعائر أن يكون على مستواها من جميع النواحي قدر المستطاع.
أختي الفاضلة:
أريد أن أحيي فيك حبك للالتزام، وحبك لله، وحرصك على أن تلقين الله وهو عنك راضٍ، خاصة وأنت في هذه السن، وقد روى الإمام أحمد في المسند والطبراني في الكبير وحسنه السيوطي عن عقبة بن عامر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الله تعالى ليعجب من الشاب ليست له صبوة".
ولكنني أريد أن أوضح لك بعض القواعد الشرعية التي توضح لك الأمر وتجعلك في راحة من الفكر، وثقة في النفس، وإقدام بحب على الناس والحياة:-
أولا: أنت ذكرت ضمن كلامك قول من قال إن ارتداء النقاب غير ملزم عندما قلت: "ودائما أسمع كلمة أن تغطية الوجه ليست ملزمة". وهذا كلام صحيح، وهو مذهب جمهور الفقهاء قديما وحديثا.
ويمكنك في ذلك مطالعة الفتاوى التالية:
حكم النقاب
هل النقاب واجب؟
النقاب والتدرج في التشريع.
ثانيا: أن طاعة الوالدين فريضة محكمة ومعارضتهما حرام قطعا؛ لما تعلمينه من النصوص الواردة في القرآن والسنة؛ التي تدل على هذا الأمر دون أدنى شك إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأنت لو وازنت بين ارتداء النقاب وطاعة الوالدين لوجدت أن كفة الوالدين هي الراجحة بلا تردد، وبناء عليه فليس لك وجه حق فيما جاء في رسالتك من قولك : "لقيت معارضة كبيرة من أهلي بداية ولكن قررت، أن أقوم بالأمر رغما عنهم لقناعتي بأنه مريح لي". فليس كل أمر يشعر المسلم أنه مستريح له يقوم بفعله دون نظر في العواقب والمآلات، ودون موازنة بين مراتب الأعمال، أو اعتبار فقه النِّسَب بينها.
ثالثا: لماذا تضيقين سعة أبواب الخير والأجر والثواب، وتعتبرين أن النقاب هو الطريق الوحيدة الموصلة للجنة، فليس يلزم من ارتدائك له أن الله سيحفظك وأنت(33/165)
عجوز، صحيح أن طاعة الله وحبه والحرص على رضاه كل ذلك يحفظ المسلم في الكبر ويحفظ عليه إيمانه وشباب قلبه.
لكن لماذا نحصر الخير كله والطاعة كلها في ارتداء النقاب بهذا الشكل مع أن أبواب الخير كثيرة، وطرق الطاعات متعددة، وأبواب الوصول إلى الله ليس لها عد ولا حد، ويكفيك أن تقرئي ما ورد في كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي من فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق.
رابعا: لابد من مراعاة المكان الذي تحيون فيه وتقدير ظروفه؛ لأن اعتبار المكان له أثر في تغير الحكم الشرعي. وإذا كانت الضرورات ـ وما أكثر ما تلاقونه عندكم ـ تبيح المحظورات، فأين سنية النقاب ـ إذا قلنا بسنيته ـ مما تلاقينه من عنت وتبجح من عدو لا يخشى خالقا ولا يرحم مخلوقا؟!.
خامسا: أريد منك ـ أختي الكريمة ـ ألا تجعلي لكلام الناس اعتبارا ـ أي اعتبار ـ ما دمت تقومين بطاعة لله، وألا يؤثر ذلك على نفسيتك أبدا؛ لأن المؤمن لا ينظر إلى الأرض بل إلى السماء، ولا يكترث برضا الناس، بل يحرص على رضا الله تعالى، وألا يغير نفسيتك ذم الذامين أو مدح المادحين: "إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".
سادسا: أمر الزواج ليس لتأخره علاقة بارتدائك للنقاب، فكم من منقبة تزوجت وهي صغيرة السن، وكم من متبرجة متبذلة بلغت من العمر سن العنوسة ولم يتقدم لخطبتها أحد، فالأمر رزق من الله، وقدر من أقداره، ولن يؤخر الله قدره إذا جاء، وكل شيء عنده بمقدار، فلا تقلقي من هذه الناحية وكوني على ثقة من مقادير الله ومشيئته.
فأقدمي على الحياة بثقة في الله وقدره، ولابد من اعتبار الواقع الذي نحياه والاستجابة له دون مخالفة أصل من الأصول أو مقصد من المقاصد الكبرى لشريعة الإسلام، ودعي القلق والتوتر والحيرة جانبا، وتفاءلي خيرا، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحب الفأل الحسن.
نسأل الله أن ييسر لك أمرك، وأن يفتح لك أبواب الخير، وأن يرزقك الثبات على الحق، والنزول إلى الحق، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه على كل شيء قدير .. وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
أمام الناس نوراني وخلفهم شهواني العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أعانى من ازدواجية في الشخصية؛ فعند وجودي خارج المنزل أكون في قمة الالتزام، وعند رجوعي إلى المنزل؛ ينقلب الحال إلى العكس تماما. فيكون همي الأكبر إشباع شهوتي الجنسية بكل الطرق: من تطلع إلى عورات النساء في الطبيعة أو في التلفاز؛ ويعقبها ممارسة العادة السرية. بالله عليكم أعينوني وأرشدوني إلى الطريق الذي أغير به شخصيتي. السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد(33/166)
أخانا في الله/ خالد
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد شرع الإسلام الزواج للمسلم ليغض به بصره عن محارم الله، ويحصن به فرجه عن الوقوع في الفاحشة، وجعله سبحانه سبباً في السكن النفسي والعاطفي فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم معشر الشباب من المسلمين بالمبادرة بالزواج إن استطاعوا، وبين لهم أن الصوم حماية ووقاية من الوقوع في الفاحشة، لمن لم يملك مؤونة الزواج، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ولم يحرم الإسلام ارتكاب الفاحشة وحسب، بل ونهانا عن مجرد الاقتراب من هذه الفاحشة قال تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}(الإسراء:32)، ولم يكتف الإسلام بذلك بل وسد الطرق الثلاث المؤدية إلى ارتكاب هذه الجريمة، ألا وهي النظرة، واللمسة، والخلوة.
فجعل الإسلام "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس"، ورتب لمن تركها مخافة الله الأجر الكبير فقال".. من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه"، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك" وقال لعلي: "لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الثانية"، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يمس امرأة لا تحل له، وحذرنا من الخلوة بالنساء فقال:" لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
هذه يا أخ خالد مقدمة ضرورية، لابد منها لنضع النقاط فوق الحروف، أما عن مشكلتك فإنني أوصيك بالآتي:-
* أن تكون قويا قادرا على كبح جماح نفسك، فلا تبدو أمام نفسك ضعيفا، لا طاقة لك بالسيطرة على مشاعرك، فما هكذا يجب أن يكون المسلم. فاحذر أن ترى نفسك منك ضعفا فتهون عليها.
* أن تبادر بالزواج إن كنت تملك مؤنته، فإنه أغض لبصرك وأحفظ لفرجك من الوقوع في الحرام.
* إن لم يكن في مقدورك الزواج الآن، فإنني أوصيك بالإكثار من نوافل الصيام، فإنه سيكون بعون الله وسيلة ناجعة لكبح شهوتك وكسر حدتها، ويمكنك أن تزاوج بين نيتك فتكسب الأجر الكبير، فيمكنك مثلا أن تصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، فتأخذ بذلك أجر صيام السنة، وفي الوقت نفسه سيكون الصوم عاملا مساعدا لك على كسر شهوتك.(33/167)
* أوصيك بأن تتخذ لك صديقا صدوقا، أو يكن لك إخوة في الله تعش معهم حياة إيمانية، فإنهم سيعينونك على الطاعة، فآخهم في الله، قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
* لا تخل بنفسك كثيرا فإن الشيطان من الجماعة بعيد، وهو من الواحد أقرب، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
* أكثر من قراءة القرآن فإنه خير وبركة، واتخذ لك منه وردا ثابتا تحرص عليه، فإن هذا مما يعين على الاستمرار والمواظبة، عسى الله أن يحصنك به من الشيطان، ويصرف به عنك هذه الهواجس والنوازع. قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا، وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}.
* أكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأعراف:200).
* اتخذ لنفسك وردا من الذكر المشروع، والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحافظ عليه، عسى الله أن يحفظك به، قال تعالى :{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
* حافظ على الصلوات الخمس في جماعة، في المسجد، فعندما تكون في بيت الله تكن في ضيافته، عساه سبحانه أن يجود عليك برضاه فيعصمك من شر الشيطان وشر نفسك.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
البعد عن الله سبب معظم الأمراض النفسية العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، الإخوة الأعزاء في هذا الموقع المبارك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعد بحث طويل وحيرة في أمري، وجدت أن خدمة الاستشارات التي تقدمونها قد تنفعني كثيراً، بإذن الله، فجزاكم الله كل خير على ما تقدمونه في سبيل نشركم مفهوم شمولية الإسلام وأنه صالح لكل زمان ومكان.
خدمة هذا الدين، حلم جميل، يستهويني كثيراً، وأنا أتشوق لمعرفة ما هو الطريق الذي يمكنني من خلاله تقديم شيء لدين الله.
أنا الآن طبيب أسنان أنهيت لتوي السنة الأخيرة، وأنا الآن على أبواب سنة الامتياز، أحب هذا المجال، ومجتمعي في أمس الحاجة لمثل هذا التخصص.
عانيت في السنتين الماضيتين من القلق الاجتماعي، وأرقني هذا الأمر كثيراً، لكن الآن، والحمد لله، أصبحت أفضل بكثير، بعد أن عرضت حالتي على الطبيب النفسي، والذي بدوره دلني على ما يسمى بالعلاج السلوكي المعرفي، حيث أنني كنت أقرأ(33/168)
كثيراً في هذا الموضوع، وفي الكتب العامة لعلم النفس، وأحسست بنوع من الانجذاب لهذا العلم.
فكرت في دراسة هذا العلم دراسة منهجية، وأن أكون مرشداً نفسياً وذلك بسبب رغبه عارمة في نفسي لمساعدة من يعاني، ورغبة في أن أجعل ذلك في إطار إسلامي، وأن يكون ذلك خدمه لدين الله.
ولكني في الوقت نفسه، أريد أن أستمر في طب الأسنان، وأن أحضر الماجستير والدكتوراه في هذا المجال، الرغبة موجودة لأن أجمع بين المجالين وأن أوفق بينهما فهل أستطيع ذلك ؟
وما هو المنهج الذي ينبغي عليّ اتباعه، وما هي الخطوات التي يجب أن أحققها؟، أحيانا أفكر في دراسة دبلوم في هذا المجال، وأحياناً أفكر بعمل شيء أكبر من ذلك، أستطيع بإذن الله أن أعمل الكثير، ولكن كيف أستطيع الجمع بين الخيرين؟
أشيروا عليّ في هذا الأمر، جزاكم الله كل خير.
السؤال
الدكتور محمد منصور المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
شكر الله لكم وجزاكم خيرا كثيرا علي حبكم لإسلامكم وحرصكم عليه وعملكم به وله
أخي الحبيب
يقول تعالي:" يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدي ورحمة للمؤمنين. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون".(يونس: 57 - 58).
قال الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين": ".. لا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدي والرحمة .. وبما آتاها ربها من الهدي الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه وحياة الروح به ، وبما آتاها من الرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة وتدفع عنها كل شر وألم ..".
أنزل الله سبحانه الإسلام لتنمية النفس!، يقول تعالي:" هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم" (الفتح: 4).. قال الإمام القرطبي في تفسيره : " .. قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن هي الطمأنينة..".
وقال أيضا في موضع آخر:".. فأنزل الله سكينته عليه: أي أنزل عليه ما سكن به قلبه.." .. ففي فطرة كل إنسان أصلا (أي في نفسه) تصديقا بربه ليحيا مطمئناً بصلته به ثم إذا اتبَّعَ الإسلام الذي أنزله سكينة له لإرشاده ازدادت نفسه إيماناً (أي أماناً) واطمئناناً.. قال الإمام السيوطي في تفسيره "الدر المنثور": ".. أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم قال: تصديقا مع تصديقهم..".(33/169)
كما أنزل الله سبحانه الإسلام لعلاج النفس إذا مرَضت!، يقول تعالي: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين"،.. قال الإمام القرطبي في تفسيره: ".. أي شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب وكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم الأمور الدالة علي الله تعالي.. وقيل شفاء من الأمراض الظاهرة.."، وقال الإمام ابن كثير: ".. أي يذهب ما في القلوب من أمراض..".
إن معظم الأمراض النفسية، إن لم يكن كلها، بسبب البعد عن الله والإسلام، يقول تعالي: "كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون" (المطففين: 14)، قال الإمام الطبري في تفسيره :".. أي غلب علي قلوبهم وغمرها وأحاطت بها الذنوب.."، وقال أيضا: ".. عن مجاهد: القلب إذا أذنب انقبض.."، وعلاجها كلها علاجاً كاملاً شافياً ناجعاً لن يكون إلا بهما، يقول تعالي:"ومن يؤمن بالله يهد قلبه" (التغابن: 11)، قال الإمام القرطبي:"..وقرأ عكرمة: يهدأ قلبه، أي يسكن ويطمئن..".
ولهذا، فليس هناك مسلم حق الإسلام يمرض نفسيا، إنما الأمراض النفسية تكون غالبا أو دائما في غير المسلمين كما هو ظاهر وواضح واقعياً، لبعدهم عن ربهم ودينهم، أما المسلم فليس كذلك، إلا إذا صار مثلهم هو أيضاً بعيداً عن ربه ودينه!.
كما يُفهم من قوله تعالي:" قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها" (الأنعام: 104)، قال الإمام القرطبي:".. فمن استدل وتعرَّف نفع نفسه ومن عمي فلم يستدل فصار بمنزلة الأعمي فعلي نفسه يعود ضرر عماه ..".
إن أشهر الأمراض النفسية الآن: القلق والتوتر.. الاكتئاب والإحباط.. الخوف من المستقبل أو الآخرين أو الحياة.. الخجل والانطوائية.. الوسواس.. الإدمان وما شابه هذا.
إن أهم أسباب القلق ومعظم هذه الاضطرابات هي الحيرة وضيق النفس من عدم معرفتها بإجابات أشهر الأسئلة الأساسية التي تراود عقل أي إنسان في حياته، والتي جعلها سبحانه من رحمته وحبه لخلقه سبباً للتوُّصل إليه، والتواصل معه، حتى تسعد الحياة: لماذا ُخِلقت؟.. ما الهدف من حياتي؟.. من يعينني إن أصابني مكروه؟.. ماذا سُأرْزَق؟.. ماذا بعد الموت؟.. ونحو ذلك من الأسئلة المُحَيِّرَة.
والإسلام هو أهم معالج جذري لها، إن لم يكن الوحيد، ويعالجها بكل بساطة، بأن يجاوب بكل وضوح وتفصيل عن هذه الأسئلة التي لم ولن يقدر أحد علي الإجابة عليها، لأن أحدا ً لا يعرفها إلا إذا َوعَيَ رسالة ربه وهي شرعه ودينه ونظامه، ويعالجها بأن يطلب من العقل ترك الفطرة كي ترتبط بخالقها ويسير معها ويؤيدها! لأنها ُخِلقت أصلا موصولة به.
يقول الله تعالي:" ونفخت فيه من روحي" (الحجر: 29) .. قال الإمام الطحاوي في "شرح العقيدة الطحاوية": ".. هذه إضافة مخلوق إلي خالقه.. وهي إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا يتميزبها عن غيره.."، فإذا ما ارتبطت به واتصلت َأِمنَت واطمأنت، كما يقول تعالي: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب". (الرعد: 28).(33/170)
قال الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": ".. لا تطمئن القلوب إلا به ولا تسكن إلا إليه.." وقال أيضا:".. كل مولود يولد علي الفطرة فإنه سبحانه فطر القلوب علي أن ليس في محبوباتها ومراداتها ما تطمئن إليه وتنتهي إليه إلا الله..".
فالنفس تأمن حين تعلم أنها مرتبطة بشيء قوي، أنه خالقها القوي الرزاق المعين كما يقول تعالي: "إن الله هو الرزاق ذوالقوة المتين" (الذاريات: 58)، الذي يطعمها ويسقيها وينميها كما يقول تعالي: "قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن" (الأنبياء: 42)، ويعينها كما يقول: "ومن يتوكل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره" (الطلاق: 3)، وينجيها من كل سوء كما يقول: "قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب" (الأنعام: 64).
والنفس تطمئن حين تعلم أنها ُخِلقت لكي تنعم في الحياة بنعم الله كما يقول: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات: 56)، قال الإمام القرطبي: ".. قال مجاهد: إلا ليعرفون.."، أي ليتعرفوا عليَّ وعلي خيرات أرضي وكوْني ويتمتعوا بمتعها الحلال كما يقول: "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين" (البقرة: 36).
والنفس تستقر حين تعلم أن الله لم يتركها في الأرض مهملة دون رعاية وتوجيه وإنما أرسل إليها ُنظما تنظم لها حياتها وهي الأديان من خلال أفراد منهم وهم الرسل وأتمَّ هذه النظم بنظام الإسلام كما يقول: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (المائدة: 3)، وكما يقول: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشري للمسلمين" (النحل: 89).
فالهدي والرحمة والبشري هي السعادة في الدنيا والآخرة لأنه يبين لها أين الصواب من الخطأ وأين المصلحة من الضرر في كل المواقف، والنفس تسكن حين تعلم أنها ستؤول إلي خالقها بعد موتها كما يقول: "يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" (الفجر: 27 – 30)، و تحيا خالدة عنده في جنته إذا أحسنت كما يقول: "للذين أحسنوا الحسني وزيادة" (يونس: 26).
والنفس تستبشر حينما تتأكد أن ما يفوتها في الدنيا سُتعَوَّضَه في الآخرة يوم الحساب كما وعد بذلك ربها في قوله: "لكي لا تأسوا علي ما فاتكم" (الحديد: 23)، قال الإمام الطبري: ".. قال ابن عباس أي في الدنيا.."، وأنها إذا ُظِلمَت فيها من أحد فإنها ولابد ستأخذ حقها كاملا منه غدا قريبا من أعدل العادلين كما يقول: "فلا يخاف ظلما ولا هضما" (طه: 112).
والنفس تستريح حينما تعلم أن كل المؤمنين بخالقهم مثلها سيعاونونها في السراء لمزيد من الخير والسعادة وفي الضراء لانتشالها منه كما يقول تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوى" (المائدة: 2)، أما النفس التي مع إنسان لا يحسن استخدام عقله في معرفة هذا كما يقول تعالي: "أم علي قلوب أقفالها" (محمد: 24).
فلابد أن تكون مضطربة قلقة متوترة كئيبة ضعيفة مُحبَطة خائفة ُمَوْسوِسَة، إلي غير ذلك من الأمراض النفسية أو العقلية، كما يؤكد هذا الله تعالي في قوله: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" (طه: 124).
وفي قوله: "كذلك يطبع الله علي قلوب الذين لا يعلمون" (الروم: 59)، فهم من عدم إحسان استخدام عقولهم وإلغائها ووضع الأقفال عليها لم يَصِلوا للصواب وساروا(33/171)
بالفطرة نحو الضلال والنكد والتعاسة! فلماذا يهديهم الله وهم مُصِرُّون مُستحِبُّون لذلك!! كما يقول عنهم:" فاستحبوا العمى علي الهدي" (فصلت: 17).
بهذه الإجابات والحلول البسيطة الواضحة المحددة الشافية الشاملة، وضع الإسلام أهم أسس وقواعد منع القلق والتوتر من جذوره، وإذا حدث، فبها أيضا يعالجه بلا عودة ثم مع بعض التفاصيل يتم منع كل الأمراض النفسية أو علاجها إذا حدثت فكلها يمكن الوقاية منها أو معالجتها بما سبق كله أو بعضه.
إضافة إلي الدعاء والاستعانة بالله كما كان من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلاً: ".. اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها." (جزء من دعائه صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم).
مع إقامة الشعائر والتي تشحن بكل خير كما ُيفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان علي قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ انحلت عقدة، فإذا قام إلي الصلاة انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطا طيب النفس قد أصاب خيراً، وإن لم يفعل أصبح كسِلا خبيث النفس لم يصب خيراً" (أخرجه ابن ماجة وغيره).
ثم بحسن التعامل الذي يسعد النفوس ويمنع إحباطها كما يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً" (أخرجه البخاري ومسلم).
أخي الحبيب
أنت بحالك الآن مرشد نفسي! .. مرشد إسلامي.. لأنك تفهم إسلامك وحياتك وعلاقتك بربك، ودينك، ومن حولك فهماً جيداً .. ويمكنك أن تكون أفضل مرشد نفسي وأن تمنع الكثير من الأمراض النفسية، وأن تعالج الكثير من المرضي النفسيين.. ثم إن كان هناك بعض الأمراض التي تستعصي عليك، وهي قليلة ولله الحمد، وسط المجتمع المسلم خاصة كلما عاد لربه ولإسلامه كما تقول الإحصاءات الحديثة حينئذ يمكنك تحويل المصاب بها إلي اخصائي نفسي.
وبناء علي ما سبق، فإذا ما ترقيت في تخصص طب الأسنان، وترقيت في نصح الناس وبطهم بخالقهم، فستجمع بإذن الله بين التخصّصْين اللذين تحبهما وستجمع بإذن الله ثوابهما.. وفقك الله وأعانك، ولا تنسنا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ
أعيش بوجهين.. خاشع وعاص العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته:
دون إطالة، سأدخل في الموضوع، فمشكلتي تكمن في كوني إنسانة متخلقة متعلمة موظفة ملتزمة، أخاف الله، وألتزم بكافة الفروض الإسلامية، والحمد لله، لكن ما يرهقني هو أن لي وجهان فعلى حد خوفي من الله تعالي وحرصي على الالتزام فإنني أقع في الحرام، أحاول جهد الإمكان أن أتبع الشيطان لكنني أقع دائما في المحظور.
تعرفت على شاب يكبرني بـ 7 سنوات أستاذ جامعي لكن في كل مرة أخرج معه يكون الشيطان ثالثنا، أحاول ألا أقع في المحظور معه لكن بدون جدوى خوفا من أن(33/172)
أفقده، أومن بأن الله قد قسم لكل نصيبه وأنه إن كان من نصيبي فلن يشده إليّ ما أفعله معه مما يغضب الله، أتألم كثيرا بعد كل لقاء معه!
أكره نفسي لأنني لا أرضي أن أغضب ربي من أجله، لكن صراحة لا أستطيع مقاومته، في كل مرة أبكي دائما اطلب من الله الغفران، لكن اعلم أن الله غاضب علي، لأنني أنا أعلم أن ما أفعله حرام، لكنني عاجزة عن بذل أي مجهود، أحاول مرات الابتعاد عنه لأنني أعلم أن غضب الله شديد وربما كان عقاب ربي سبب تأخر زواجي، فأنا أبلغ من العمر 31 سنة أريد حلا لمشكلتي أرجوكم.
السؤال
الأستاذة نجلاء محفوظ المستشار
الرد
من الجميل أن تخافي الرحمن، وأن تلتزمي بكافة الفروض الاسلامية كما ذكرت، ومن الأجمل أن تترجمي هذا الخوف إلي تصرفات تلونين بها كل سلوكياتك في الحياة، ومع ضرورة تذكر أن الفروض الاسلامية ليست واجبات نؤديها في أوقات معينة ثم نفعل بحياتنا مانشاء بعدها، إنما هي (منحة) إلهية نتذكر بها دائما حضور الرحمن في حياتنا فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، وألا نفعل ما نخشى أن يرانا الناس ونحن نفعله، ونتخفى منهم ونتغافل أن الرحمن يرانا دائماً، فمن التأدب معه عز وجل ألا نجعل الله أهون الناظرين.
وأؤكد لك أن الفروض الاسلامية هي تدريب لنا على الحياة المطمئنة، تجعلنا نرتب أولوياتنا بصورة ذكية، بحيث نكون عبيداً للرحمن وحده، فلا نكون عبيداً لعاطفة أو شهوة أو رغبة في الزواج أو الإحساس بالأمان وما شابه ذلك، وأن نثق بأننا سننال نصيبنا المكتوب من رزق وزواج وغيره في أفضل وقت، فنطمئن ونهدأ ولا نحاول– أبداً- الحصول عليه بطرق محرمة تنتقص من ديننا ومن كبريائنا أيضا، وتذكري أن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له.
وقد أثبتت معايشتي للكثير من المشكلات، عبر سنوات طوال، أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فمن التزم بالعفة (حباً) وخشية للرحمن رزقه سبحانه وتعالى بالزواج السعيد وحماه من مزالق الانحرافات وصانه من توابعها (المؤذية) دينياً ودنيوياً وما يعقبها من إحساس بالذنب وعدم احترام النفس وما شابه ذلك.
وأود أن تصدقي مع نفسك، وأن تواجهينها بالحقائق، فهذا الرجل لن يتزوجك لسبب واضح للغاية، فإذا كان سيحصل على ما يريد أو بعض منه دون تحمل أيه أعباء نحوك فما الذي (يجبره) على دفع هذه الأعباء.
وأصدق ما تقولينه من أنك لا تستطيعين المقاومة، حيث يزين لك الشيطان الرجيم ما تفعلينه من أمور محرمة بأنها تمنحك إشباعاً عاطفياً وجسدياً، أنت في أمس الحاجة إليه، كما أنها قد تكون الوسيلة (لإقناعه) بالزواج منك، والحقيقة أن الرجل لا يتزوج أبداً ممن تتنازل معه قبل الزواج، لأنه لا يستطيع أن يثق في إخلاصها له بعد الزواج ولا يطمئن إليها كزوجة وأم لأولاده.(33/173)
وأن معظم الرجال العابثين لا يشعرون بالذنب تجاه الفتيات اللاتي يُقِمْنْ علاقات عاطفية وجسدية فلسان حال الواحد منهم يقول: أني أشبعها عاطفياً وأرضي أنوثتها وهذا يكفيها، كما أنني لا أثق أنها لا تفعل ذلك مع أحد غيري في الوقت نفسه، وأيضا لن أكون مَلَكِيَاً أكثر من الملك، فإذا وافقت أن تتنازل فهل (أفرض) عليها العفة.
و تذكري- أختي الحبيبة- أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، ولا تذكري أيضاً أن من يستعف يعفه الله، وأننا نكون حيث نضع أنفسنا.
ولكي تنجحي في مقاومته عليك الربط بين لقاءاتك معه بالخسائر الفادحة دينياً ودنيوياً واطرديه من حياتك قبل أن تفاجئي بزواجه من اخرى لم تمنحه أية تنازلات ولو بالقول– كما يحدث عادة- وقولي لنفسك: ما أرخصها من متعة تدوم لدقائق، أدفع ثمنها غاليا من ديني ودنياي.
وتوقفي كثيرا عند الاية الكريمة: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) أي ضرورة الابتعاد عن كل مقدمات الزنا، لان الخالق عز وجل يدرك الضعف البشري، ويعلم تزيين الشيطان للخطيئة، ولذا يحذرنا سبحانه وتعالى من الاقتراب من مقدمات الزنا، لأنها تجرنا إلى ما هو أسوأ، لذا لابد من قطع علاقتك بهذا الرجل نهائياً، و إخباره بندمك البالغ على كل ما فعلت معه، وبأنك ستبدئين صفحة جديدة في حياتك تضئ بالامتناع عن كل ما يسيء إليك، وبفعل كل ما يجعلك تنعمين برضي الرحمن.
كوني حازمة معه، ولا توافقيه على إجراء أية محادثات أو مقابلات معه، فالأسهل دائما هو الانحدار إلى أسفل، لأنه لا يتطلب سوى عدم المقاومة، بينما النهوض يتطلب الوعي والعزيمة والإرادة، ولكي تحصلي على هذه الأشياء ذكري نفسك بمراقبة الرحمن لك، وبأنك قد تقابلينه في أية لحظة، متعك الرحمن بالعمر الجميل، والفوز بطاعته والاستمتاع برضاه، وحماك من الانزلاق إلى معصيته، واهتمي بحياتك وحسنيها من كل الجوانب.
وابدئي صفحة جديدة مع الله، اغتسلي بنية التوبة، واحرصي على تجديدها من وقت لأخر، وأكثري من الاستغفار، ومن التصدق، أملا في مغفرة الرحمن الرحيم، وضعي في عقلك وقلبك وأمام عينيك دائما الاية الكريمة (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
ـــــــــــــــــــ
شهوتي طاغية..فكيف ألجمها؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
لي شهوة طاغية للنساء، وابتليت بقوة جنسية كبيرة، وأنا غير متزوج؛ ناهيك عما ترتديه الفتيات من ملابس مثيرة جدا ضيقة وقصيرة، وقد حاولت التمسك بديني؛ ولكنى في النهاية ضعفت وأصبحت أمارس العادة السرية، وأشاهد الأفلام المخلة.
وأستطيع أن أقول لك أن ثلاثة أرباع ذنوبي بسبب دوافعي الجنسية الطاغية والتي أخاف أن تهلكني. فماذا افعل و جزاك الله خيرا
السؤال
الدكتور عبد الحكم صالح المستشار(33/174)
الرد
بسم الله والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى،
أخانا حسام مرحبا بك على الموقع..
أحييك على صراحتك مع نفسك، ورغبتك في الإمساك بلجام نفسك حتى لا تقودك إلى التهلكة، ولكني دعني أؤكد لك على أن ما حباك الله به من فحولة وقوة نعمة؛ يجب أن تحمد الله عليها وتصونها، وهي في ذات الوقت اختبار من الله عز وجل: كيف تستطع أن تعصم نفسك من شهوتك ورغباتك.
ولقد كفل لك الشرع اختيارين في مواجهة هذا الاختبار:
أولا: إذا كان الله عز وجل قد جمع لك بقية مقومات استطاعة الباءة من مال ومسكن وإتمام التعليم والانتظام في عمل مناسب؛ فبادر بانتقاء فتاة تستشعر الروح والسكينة والاستقرار والعطف والود والرحمة إلى جوارها.
فتلك هي سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فعنها قال: وذلك هو هدي الإسلام الحليم قال صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ثانيا: إن لم تتم بعد مقومات التأهيل للزواج؛ فعليك بالتحصن من الشيطان بوسائل القربات إلى الله ومنها ما يلي:
* الإكثار من الصيام، وحين تفطر تخفف من المواد الدسمة؛ لأن الصيام صيانة ربانية للصائم. فهذه نصيحة الرسول عليه الصلاة والسلام لمن متعه الله بالصحة والكفاءة البدنية ولم تتحقق له مؤهلات الزواج من الشباب ومن على شاكلتهم؛ عصمة من الخضوع لطغيان الشهوة وجموح النزوة.
* ممارسة ألوان الرياضات البدنية؛ لكي يتم تصريف الطاقة في سبل أخرى تؤدي إلى مزيد من انفتال العضلات والكفاءة البدنية في غير جانب الشهوة.
* الهروب من الخلوة بالنفس؛ وذلك بتعليق القلب بالمساجد، وارتياد النوادي والمكتبات العامة، والخروج في رحلات جماعية مع الأبرار الصالحين من الشباب.
* كلما هممت بممارسة العادة السرية أو ممارسة الأفلام الإباحية؛ أذكر ربك في التو والحال، واعلم أنه مطلع عليك. وآنئذ ستخجل من نفسك وستعود إلى صوابك بإذن الله.
ويمكنك أن تتابع هذه البرامج العملية التي قد تساعدك على كسر هذه العادات المحرمة:
وصفة عملية لعلاج العادة السرية
وسائل عملية للتوبة من "الصور العارية"
لست أدرى لماذا ننسى جميعا أن هناك ملأ ملائكيا يشاركنا في العيش في هذا الكون. وأن هناك أبناء الجن يشاركوننا في العيش في هذا الكون؛ ويطلعون منا على هذه المآثم الشريرة والسلوكيات المتدنية. هل يرضى أحد منا أن يمارس تلك العادة أمام رفيق واحد من رفاقه من أبناء الإنس ؟!(33/175)
كيف يا أخي يرضى الواحد منا على نفسه أن تراه الملائكة والصالحون من الجن ويراه ربه في ذلك الوضع المتدني على المستوي البهيمي وهو الإنسان العاقل المكرم واستمع إلى ربك يقول في الحديث القدسي: "يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم؛ فالخلل في إيمانكم. وإن كنتم تعتقدون أني أراكم؛ فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم".
لكني لا أحب أن أحلق بك في عالم المثالية أو أن أعيش بك في مخاصمة للواقع. بل أحب لك ولنفسي أن أتحلى بالواقعية الإيمانية التي هي سلوك الإسلام.
فأقول يا أخي إن فعلت هذه النصائح وكان طغيان شهواتك أكثر، وخفت من الوقوع فيما يغضب الله من الزنا؛ فإنه يرخص لك حين تضيق بك السبل، وتضطر اضطرارا إلى ممارسة تلك العادة في أضيق الحدود كسرا لحدة شهوتك، وعصمة لنفسك عن ممارسة الفواحش. فالضرورات تبيح المحظورات؛ ولكن تقدر الضرورة بقدرها، في إطار أن الضرورة تقدر بقدرها، وأن الأعمال بالنيات والله يعصمك من كل سوء.
ـــــــــــــــــــ
عليك بتقوى الله وصحبة الصالحين العنوان
الأخلاق الموضوع
العديد من الشباب واقعين في الشهوات، ومنهم من يريد التوبة الحقيقية، ولكن في كل مرة تعترضهم الشهوات، ومنهم من يعتريهم الخوف من ترك الشهوات، لأنهم لن يحترموا من قبل أصدقاءهم.
وأنا والله لن أكذب عليك، فأنا واحد من هؤلاء، أمارس الشهوات مع الفتيات؛ ليس حبا في ذلك، ولكن خوفاً من فقداني احترام أصدقائي وصديقاتي ليً، كي لا يطعنوا في فحولتي ورجولتي، فهم من النوع الذي ينشر الشائعات.
أرجوكم ساعدوني.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تقول الأستاذة نجلاء محفوظ :
نصدق رغبتك في التوبة الحقيقة، وندعوك إلى التشبث بها، وإدراك أن كل يوم يمضي عليك وأنت غارق في الشهوات يضاعف من سيئاتك، ويزيد من انغماسك فيها، ويرسخ من اعتقادك بضرورة الاستمرار فيها، إثباتا لرجولتك بين أصدقائك وصديقاتك.
لذا لا مفر من ترك هؤلاء الأصدقاء والصديقات، لأنهم المحرض الرئيس على ارتكاب الفواحش، ولأنهم لن ينفعونك – أبدا- عندما تقف بين يدي الرحمن يوم القيامة، وأنت محمل بكل الأوزار والخطايا، فإذا قلت يومئذ: لقد فعلت ذلك خوفا من فقدان احترامهم لصرخوا في وجهك قائلين: نحن لم نجبرك على المعاصي أبداً، ولم تكن لدنيا القوة لندفعك إلى ما فعلت، بل ذهبت إليها بمحض إرادتك.(33/176)
وسيقولون لك أيضاً: كان أمامك خياران لا ثالث لهما: إما أن تفعل ما فعلت لتفوز بصحبتنا وباحترامنا (المزعوم) لك، وإشادتنا برجولتك وفحولتك، أو أن تبتعد تماما عنا، مرضاة لله، ولتفوز بكل خيرات طاعة الرحمن عز وجل، فالثابت دينيا ونفسيا أن كل من يجترئ على عصيان العزيز الجبار وينتهك الحرمات يعيش عيشة ضنك، ويكون في الآخرة من الخاسرين.
وأنك قد رضيت لنفسك أن تجعل الله أهون الناظرين إليك، ورحت تعصاه، وأنت تعلم أنه سبحانه وتعالى يراك، وقد أنعم عليك بكل الخيرات، ومنحك كل الحواس والقوة والشباب، ونعمة الحياة نفسها، ومنّ عليك بالتعليم، وفرصة العمل، واكتساب الرزق، فبدلا من شكره على كل ذلك، وصيانة نفسك بالعفاف، والسعي لإشباع شهواتك بالزواج، والبحث عن الصحبة الصالحة التي تساعدك على الطريق المستقيم، الذي به وحده تنصلح كل حوائج الدين والدنيا.
بدلا من ذلك فضلت عليه الصحبة السيئة، التي تتعامل معك، وكأنك حيوان بهيم، تكمن مزاياه في طاقاته الجنسية، وليس إنساناً محترماً تكمن مزاياه في أنه يحترم إنسانيته، ولا يبعثر عمره أو حتى طاقته الجنسية على من يستهين بحرمات الله، وإنما يستفيد من عمره بكل ما يفيده دينيا ودنيويا.
ويسعى لمرضاة الله، ويعيش كل يوم وكأنه آخر يوم في عمره، ويحاول الاستعداد دائماً لمقابلة الخالق عز وجل، ويدخر طاقته الجنسية للزواج، حيث سيؤجر عندئذ دينيا لإفراغ شهوته في الحلال، كما أخبرنا بذلك الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
وأخيراً؛ لك دائما مطلق الحرية والاختيار والمقدرة على تنفيذ ما اخترته متى استعنت بالله ولم تعجز وتأكد من مسؤوليتك التامة عن حياتك الدينية والدنيوية وأنك ستحاسب عن كل اختيار تختاره، وبالتأكيد أنك تعلم أن الزنا من الكبائر.
وأسأل نفسك أيهما يمكنك احتماله: الخزي في الدنيا، والإصابة بالأمراض النفسية والجسدية بسبب هذه العلاقات، وعذاب جهنم وبئس المصير في الآخرة، أم تحمل الابتعاد عن هؤلاء الأصدقاء واختيار أصدقاء أكثر نظافة وتجاهل تعليقاتهم (الغبية) عنك وعن رجولتك، علماً بأن الرجولة الحقة تكمن في صيانة النفس والجسد، والنأي بهما عن كل ما حرم العزيز الجبار، وما عدا ذلك يعد استجابة حيوانية رخيصة يفعلها أي حيوان بلا أي تفكير.
وتخيل حياتك بعد بضع سنوات، إذا ما واصلت نفس الأسلوب الذي تتبعه، وزيادة الانحدار، والأمراض الجسدية والنفسية التي ستلاحقك، وسخط الرحمن عليك، والعكس إذا ما طردت هذا الأسلوب، واستبدلته بحياة نفسية نظيفة تنعم فيها بالزواج، وبأسرة تفخر بك وبرجولتك الحقيقية، التي تعتمد في مرجعيتها على الرحمن الرحيم، الباقي والحي الذي لا يموت.
لا تنتبه إطلاقا إلى ما يقوله بعض الأغبياء المدنسون، الذي يتعرضون للموت، في أي لحظة، وسيكونون أول من يتبرأ منك، ومن تحريضك على المعصية، كما سيفعل معك الشيطان الرجيم يوم القيامة.(33/177)
أعد التفكير، واختر لنفسك ما تستحقه في الدين والدنيا، فإننا نثق في ذكائك الذي سيقودك - بإذن الله- إلى السعادة الحقيقية فيهما بمشيئة الرحمن.
ويضيف الدكتور ربيع الغفير:
أخي الكريم:
هذا إلى جانب أنه فكر صبياني، هو فكر شيطاني؛ حيث إن هؤلاء الرفقة، رفقة سوء، يدفعونك إلى معصية الله عز وجل، ولو ظَلِلْتَ معهم على هذا الحال سيكون حالك كما يصور القرآن الكريم، بقوله: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً).
وأيهما أولى- أخي الحبيب-: رضا ربك أم رضا رفقائك؟، وأيهما أهون عليك: غضب ربك أم سخرية زملائك؟، أعتقد أن الأمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء، فتوكل على الله، وانته عن معصيته وتجنب غضبه، وابحث ما استطعت عن رضاه، هدانا الله وإياك إلى الصواب، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
الوصايا العشر لغض البصر العنوان
الأخلاق الموضوع
مشكلتي تتمثل في عدم القدرة على غض البصر؛ حيث أحاول أن أفعل ولكن أفشل في العديد من المرات. وبعد أن أتبع النظرة النظرة أفيق ثم أندم وأستغفر، ثم أعود ثانية، وهكذا. وأكثر ما يتعبني هو أن لساني أثناء النظر إلى الكاسيات العاريات؛ يلهج بذكر الله ولا انتبه لهذا إلا بعد الفراغ من النظر. بالله عليكم أريد حلا عمليا وليس مجرد رد. السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم..
أخانا في الله / عماد
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد نهى الإسلام عن النظر إلى المرأة الأجنبية، والمرأة الأجنبية هي كل امرأة يحل لك أن تتزوج منها، أو هي كل امرأة ليست من محارمك. وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن ارتكاب مثل هذا الذنب وأمرنا بغض البصر فقال تعالى:{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}(النور:30).(33/178)
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالى: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه" (رواه الطبراني).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه "(رواه أبو هريرة).
أما بخصوص مشكلتك- أخي الكريم- فقد قرأت رسالتك، وأحسست بمشكلتك، وقد استوقفتني في رسالتك كلمات مثل :"مشكلتي .. عدم القدرة على غض البصر"، "اتبع النظرة النظرة ثم أفيق فأندم وأستغفر ثم أعود ثانية"، "أكثر ما يتعبني هو أن لساني يلهج بذكر الله حال النظر إلى الكاسيات العاريات"، ثم تبحث في ختام رسالتك عن حل عملي وليس مجرد رد، وأستعين بالله وأقول لك:-
أولاً: هذه المشكلة – يا أخي- يشترك في المسئولية عنها أمام الله أكثر من طرف؛ فهناك:
* الحكام والمسئولون: في بلاد العرب والمسلمين، وهؤلاء سيحاسبهم الله عز وجل على تقصيرهم في هذا الأمر، حيث بوسعهم أن يغيروا من أعلى، بتشريع قوانين، أو إصدار قرارات، أو تعليمات أو تنبيهات تمنع العري والتبرج والسفور، وتلزم النساء بارتداء الزي المحتشم والوقور. قال تعالى:" الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ".
* العلماء والخطباء: وهؤلاء ممن أخذ الله عليهم العهد والميثاق، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ..}(آل عمران:187)، فعلى العلماء والخطباء والدعاة أن يقوموا بدورهم في تبصير الناس بدينهم، وتعريفهم بما يحل وما يحرم، مع التركيز على قضية السفور وبيان عقوبة التبرج ومخاطره على الأسرة والمجتمع، مع بيان فضل الحجاب وأثر الاحتشام على الفرد والمجتمع.
* الرجال والنساء: على الرجال والنساء من المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يلتزموا بقواعد الشرع، فيحرصوا على غض أبصارهم، مدركين أن هذا واجب شرعي وليس تفضلا، وأن الالتزام به يجلب رضاء الله، والتقصير فيه يورث غضبه وعقابه. وقد أوضح ربنا عز وجل هذا الأمر بقوله تعالى:( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ثانياً: إليك – أخي الحبيب- بعض الأمور المعينة على غض البصر ومنها:(33/179)
* اعلم أن غض البصر خلق، وأن الأخلاق إما ان تكتسب أو أن تكون فطرية، فمن لم يفطر على غض البصر، فليتخلق به، وليصبر عليه. فيقول عليه الصلاة والسلام: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم"، وكذا الصبر بالتصبر.
* اعلم أن البصر نعمة من نعم الله، التي أفاء بها عليك، والنعم زكاتها الشكر، لأن شكرها يحفظها، بل ويزيدها قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم:7)، وتطبيقا على ذلك فنعمة البصر تستوجب الحفظ وحفظها في غضها أي كسرها ومنعها عن النظر إلى ما حرمه الله.
* استعن بالله والجأ إليه، واشك له سبحانه مرضك، وارم بنفسك بين يديه، وابك عنده، واطلب منه أن يشفيك مما تشكو منه، وأكثر من دعائه والابتهال إليه، قال تعالى :(.. وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
* جاهد نفسك، بتعويدها غض البصر، والصبر عن فعل المعصية. قال تعالى:{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(العنكبوت:69).
* تجنب الأماكن التي يكثر فيها التعرض لفتنة النظر إلى النساء، وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجلوس فقال:" إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا : مالنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها، قالوا: وما حق الطريق، قال: غض البصر، وكف الأذى ... " رواه البخاري.
* استحضر عظمة الله في قلبك، وإطلاع الله عليك، ومراقبته لك، واعلم أنه يراك، بل ويعلم خائنة الأعين، قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(غافر:19).
* اصحب الأخيار والصالحين، من زملائك وأصدقائك وجيرانك، فإن "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، والصاحب ساحب.
* احرص على أداء الصلاة، على وقتها وأكثر من النوافل، قال تعالى:{ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}(العنكبوت: 45)، وأما النوافل فهي طريق لمحبة الله ومن أحبه الله أعانه على غض بصره، ولم يوقعه فيما يغضبه.
* أكثر من صوم النوافل، فإن للصوم مزايا كثيرة في مقدمتها، تربية النفس على التقوى، وقد جعله الرسول صلى الله عله وسلم، حماية ووقاية من الوقوع في الفاحشة، لأنه يساعد على كسر حدة الشهوة، قال صلى الله عليه وسلم:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
* اعلم أن النظرة بريد الزنا، فإذا أخذك بصرك إلى معصية فاصرف بصرك، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني فقال: "اصرف بصرك".
وختاما؛
أسأل الله العظيم أن يعينك على التخلص مما تشكو منه، وأن يؤجرك خيرا على غض بصرك، وأن يحفظك من الوقوع في معصيته، وأن يعافيك من استحقاق عقوبته، وأن يحفظك من كل مكروه، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهديك إلى الخير، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك.(33/180)
ـــــــــــــــــــ
كيف آخذ بيد زوجي للإيمان؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
تزوجت منذ أربع سنوات، وكنت قبل الزواج أحافظ على قيام الليل قبل الفجر، وقد اخترت زوجي على أساس الدين والخلق، فقد وصفه أقرانه والمخالطون له في المسجد وحيث يسكن بأنه يحافظ على صلاة الجماعة في المسجد، وحتى الفجر.
كما وصفوه بأنه صاحب خلق عالٍ ويغض بصره، وهو ما لمسته فيه بعد ذلك، ولكن ما لم ألمسه هو حرصه على صلاة الجماعة، فقد خطبنا لمدة شهرين، ثم عقدنا، ومنذ ذلك الحين وهو مقصر في صلاة الجماعة في المسجد.
وعندما كنت أذكره كان يقول تارة بأن الفرض على الرجل هو أن يصلي في جماعة وليس شرطا أن يكون ذلك في المسجد، وأنه يحقق ذلك بصلاته معي، وتارة كان يحذرني من الإكثار من الحديث معه في الموضوع، وتارة ثالثة يعلل ذلك بأنه مرهق من العمل أو يكون بحضرة طعام، وهو ما يكون صحيحا في أغلب الأوقات.
وشيئا فشيئا أصبح يؤخر الصلاة في المنزل أيضا إلى آخر وقتها؛ كما أنه لا عبادة تجمعنا وتكثر بيننا الخلافات التي أرجع معظمها إلى تقصيرنا في العبادات؛ لأنني أنا أيضا رزقت بطفلين متتاليين، ومررت بأوقات كنت أجد وقتا للصلاة بصعوبة شديدة.
وسؤالي هو: كيف نجتمع أنا وزوجي على طاعة الله، علما بأن ظروف عمله تجعله يغيب عن المنزل طوال اليوم في معظم شهور السنة، وما يقضيه في المنزل من أوقات يكون غالبا في النوم أو الاستجمام من إرهاق العمل، فأين الخلل هنا، وقد اخترت صاحب الدين والخلق؟.
والسؤال الآخر هو: هل فضفضة النساء مع بعضهن في شئون المنزل وأحواله منهي عنه شرعاً، وما ضوابط ذلك؟ علماً بأنني أصل إلى حد الانفجار ولابد أن أتحدث مع أحد. أعتذر للإطالة و جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة إيمان المصري، عضو فريق الاستشارات الإيمانية في فلسطين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت الكريمة: جيهان
حياكِ الله، وأهلا وسهلًا بك في موقعنا، نشكر لك ثقتك ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا عند حسن ظنك بنا.
بداية، يبدو من أول جملة تفضلت بها أنك تشعرين بأن روحانياتك وعبادتك قد قلت عما تعودت عليه من بعد أن مَنَّ الله عليك بالزواج، وهذا الشعور طبيعي في إطار الحياة الزوجية طالما أن الزوجين لا يتعاونان على أداء العبادات معًا، وزيادة الروحانيات والإيمانيات مع بعضهما البعض.(33/181)
لقد ذكرت أختي أن طبيعة عمل زوجك تجعله يقضي معظم الوقت خارج البيت، في غالبية أيام السنة، وقبل أن نستعرض وإياك بعض الأفكار التي تجمعكما على طاعة الله سبحانه وتعالى، أريد أن أركز على بعض النقاط وهي:-
* أحسني الظن بزوجك: فإننا بشر، ولنا التزامات حياتية، تتطلب منا الوقت والجهد، وكل حياة الإنسان طاعة لله، طالما أنها كانت بالحلال المباح، الذي شرعه الله عز وجل، وحثنا عليه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه. فما يقوم به زوجك من عمل هو أيضًا طاعة لله إذا كانت نيته صحيحه وهي كذلك إن شاء الله فكما قلت هو صاحب خلق ودين وسيرته صالحة ولم تذكري أنك رأيت به ما يناقض ذلك.
* تلطفي في نصحه: فقد يكون حصل تراجع معين عند زوجك، والطريقة الوحيدة التي ستجعله يتحسن هي ألا تركزي على هذه النقطة، وتشعريه بالتقصير الذي يهز ثقته بنفسه، أو توبيخه بطريقة تجعله يشعر أنك أفضل منه لحفاظك على بعض العبادات التي لا يقوم هو بها، فهو لن يسمع منك إلا إذا شعر حقًا أنك تنصحيه من قلب صافي بود وبرحمه، فخذيه باللين فما دخل اللين شيئاً إلا زانه.
أما عن الأفكار التي تجمعكما على طاعة الله سبحانه وتعالى فهذه بعضها:-
* حاولي أن تغيري جو البيت بحيث يرجع زوجك للبيت فيجدك بأحسن صورة وأولاده كذلك فتستريح نفسه ويود لو يقضي معك ومع الأولاد وقتًا أطول. وذلك من خلال تزينك وتوددك له وترتيب البيت وإدخال بعض التغييرات فيه. ذلك لأن النفس تمل وربما قد مل بعد سنوات من الزواج من الأمور الاعتيادية والروتينية فعليك بالتجديد في كل أطر الحياة حتى لو كان بسيطًا وصغيرًا.
* العبادات لا تكون فقط بالصلاة والصوم والقيام والقرآن ولو أن كل ذلك خير وفير لكن ممكن كبداية أن تجتمعي معه على بعض الروحانيات مثل: تلاوة آيات من القرآن الكريم وقراءة تفسيرها والحوار في ذلك أو ممكن أن تقومي بذكر الله معه لدقائق معدودة قبل النوم مثلًا مع استشعار ثواب هذه الأذكار وإحياء القلوب بعيشها بشكل كبير.
* في أيام العطل اذهبي معه لبعض الأمكنة القريبة لتقترب العلاقة بينك وبينه، مثلًا للمسجد القريب، للتمشي قليلاً وخلال ذلك ممكن أن تقوما بسرد قصص للصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا أصحاب همم عالية وسباقة لكل أبواب الخير. حضري هذه القصة وقومي بسردها له خلال حياتكم اليومية وخاصة باللحظات التي تكونين معه فقط ويكون بمزاج جيد وراحة بدن طيبة.
* خططا معًا لبرنامج روحاني مكثف لا يحتاج الكثير من الجهد فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع. ويمكن اقتصار قيام الليل على ركعتين تؤدوهما معًا بحيث تناما على طاعة فترتاح القلوب وتتآلف أكثر وأكثر وهذا البرنامج لا يُشترط به الواجبات الثقيلة إنما القليلة البسيطة لكن مع روحانيات مضاعفة من خلال استشعار الثواب للعبادات اليومية مثلًا: من صلى الصبح بجماعة فسيكون بذمة الله طوال يومه أي بحفظه ورعايته فدعوا الفكر يلحظ ما معنى أن يكون برعاية الله وحفظه خلال سكناته وحركاته.(33/182)
* قوما ببعض التغيير في علاقتكما من خلال زيادة الروابط بينكما كزوجين، هذه المرة حاولي أن تكوني قريبة منه كأخت وكصديقة فيفضفض لك ما يجعله يتأخر عن صلاة المسجد فلعلك لا تعرفين السبب الحقيقي، وليكن التغيير هو بدء التصارح بشكل لا يجرح أي منكما وذلك من خلال الجلسات الحوارية الهادفة.
* حاولي إقناعه للقيام بعمرة فإن ذلك سيدخل التجديد على قلبه ويجدد من حيويته وإقباله على الدين. والسفر فيه المنفعة والخير ويكسر الروتين والحياة المللة التي ترتكز على العمل والنوم والأكل والشرب.
* المطالعة لكتب السيرة والصحابة والكتب الروحانية العلمية أو زيارة بعض المواقع أو سماع بعض الأشرطة تزيد من الإيمان لأنها تعرف المسلم بربه وبحقه عليه فحاولا أن تأخذا موضوع كل أسبوع مثلًا من كتاب معين وتعملا على واجبات عملية منه.
* فكرا بالتطوع سوياً في مشروع خيري ديني في أي من مجالات الدعوة سيزيد إيمان المسلم بالطبع ففكري بمشروع يلائم عمل ووقت زوجك واهتماماته كذلك مثل: تبني يتيم، تحفيظ قرآن، مشاريع تطوعية.
وفي النهاية،
أؤكد لك أختي الكريمة أنك أنت من يعرف المفتاح لقلب زوجك فخذي به تصلين إلى قلبه ومتى وصلت إليه أصبح قريبًا منك، ومن ثم فسيسعى أن يسعدك ويسمع منك دون أية حساسية وهذا منبع الرحمة في العلاقات الزوجية.
دمتِ بخير ورضًا من الباري، وبالتوفيق والسداد في حياتك الأسرية والإيمانية وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك
ـــــــــــــــــــ
أخشى ألا أتزوج.. ثقي بربك ونفسك العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بعد التحية والسلام، أود القول بأن موقعكم رائع جدا، فأنتكم تقومون بعمل ثمين بالفعل، لذلك نتمنى لكم كل النجاح والاستمرارية.
أريد كذلك التعريف بنفسي فأنا فتاة من مدينة الجزائر، وبلد إقامتي عنابة، أعمل فيCyber café كـ Agent de saisie؛ وعمري 28 سنة. أقضي معظم وقت فراغي في التصفح على موقعكم، ويعجبني كثيرا القراءة في التزكية والأخلاق. وأحب أن أخبركم بأنني أتعلم منه أشياء كثيرة، ينبغي للإنسان أن يتصف بها؛ كالوقار مثلاً والصبر.
مشكلتي هي كما ذكرت سابقا- إذ أنني بعثت لكم من قبل مرة، والآن أريد منكم استفسارًا ثانيًا، فأنتم الذين بإمكانكم مساعدتي بإذن الله:
لقد طرحت مشكلتي، وقام بالإجابة عليها الشيخ "سمير حشيش"، فأنا أعجبت بشقيق صديقتي التي أحترمها كثيرا. ولكن لم أستطع البوح لها بهذا الإعجاب؛ خوفا من وجود ضرر فيما سوف أفعل. وعندما كتبت لكم قام الشيخ الفاضل بالرد عليّ مع(33/183)
ذكر بعض الأمثلة بأنه لا يوجد أي ضرر، فقمت بمصارحة صديقتي منذ أسبوع. ولضيق وقتها لم تستطع البقاء لإخبارها بكل القصة.
المهم أخبرتها بأن تعلم أمها كذلك بالموضوع؛ لأن أمها كانت دائما تتمنى لي الزوج الأفضل كابنتها تماما. فقالت لي صديقتي بأنها ستمر بي غدا؛ لتخبرني بما حصل بينها وبين أخيها و أمها كذلك، وأكدت لي مجيئها.
المشكلة أنه رغم مرور أسبوع، فإن صديقتي لم تأت، وأنا جد حائرة في أمري. ومنذ ذلك الحين وأنا مشوشة الذهن وتنتابني أسئلة لا أعرف الرد عليها مثل: هل أخوها لم يقبل فلم تستطع المجيء لكونها لا تريد إيلامي بخبر الرفض، أم أن أمها لم تقبل، أم ربما أخوها طلب منها مهلة للتفكير في الأمر.
لا أعرف ماذا أفعل؟، هل أتصل بها أم أذهب إليها في مقر عملها أم أنتظر مجيئها؟.. أرجوكم فسروا لي كل ما يحصل بالتدقيق. إلى اللقاء في فرصة أحسن. و فقكم الله.
السؤال
الشيخ سمير حشيش المستشار
الرد
الأخت الكريمة/ وفاء،
سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد:
فإن موقفك يا أختي أعجبني أيما إعجاب؛ فقد كنت صريحة مع نفسك في تحديد ما تريدين، وقد كنت صادقة وجريئة على عكس ما نرى من أكثر الناس في هذا الزمان؛ فكثير من الناس يحجم عن أمور يراها حقا؛ ولا نهي فيها شرعا؛ لا لشيء إلا لأنه يخشى كلام الناس ولومهم.
وينبغي للإنسان وهو يأخذ قرارا في أمر مستقبلي- كالذي فعلته أنتِ- أن يوطن نفسه على ما يحب وما يكره من النتائج، فقد يوفقه الله- سبحانه وتعالى- فيما أراد وييسره له، وتأتي النتائج وفق ما يحب الإنسان؛ وهنا يكون لله الفضل والمنة وله الشكر كله إذ هو الموفق والمقدر. ويحمد الإنسان ربه على أن جعل قدره فيما يوافق هواه ورغبته.
ولكن إذا ما كانت الأخرى؛ وكان مراد الله غير مراد الإنسان، فهنا يجدر بالإنسان أن يتجلد بالصبر لتحمل نتيجة اختياره. و يجدر به أيضا وهو في هذا المقام ألا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، أو يقول: لو أني لم أفعل كذا لكان كذا.
فإن هذا مما يفتح بابا للشيطان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. وإن فُتح باب الشيطان فالخاسر هو الإنسان؛ إذ هو لم يدرك ما أحب من أمره، ولن يَسلم من لوم نفسه والندم على ما فات، فيعيش بين نارين؛ نار الحرمان ونار الندم.. نعوذ بالله من ذلك.
ولكن ينبغي للإنسان أن يتمثل وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فيقول "قدر الله وما شاء فعل".
والثبات في مواقف الصدمات من أمارات العقل، ولا يستطيعه بحق إلا المؤمنون الواثقون فيما قضى ربهم وقدر، فالمؤمن يستريح لتقدير الله أيا كانت نظرته له، ويثق(33/184)
بأن ربه لن يخذله، فهو إن قدر عليه ما يكره في الدنيا فلمصلحة آجلة لا يراها هو، قد تأتي في الدنيا بعد سنين وقد يدخرها الله له إلى الآخرة. وقد رأينا بأم أعيننا الكثير من الأمثلة على هذا.
وشعار المؤمن دائما في مثل هذه المواقف قول الله تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة:216)، وهذه حقيقة تريح النفس المؤمنة غاية الراحة، وتمنحها الرضا والطمأنينة في أقصى درجاتهما، فيا ليت قومي يعلمون.
أختي وفاء:
لعلك تقولين: مالي وهذا الكلام، لقد أطلت عليّ، ألا تدخل في الموضوع، ولكني أقول: هذه مقدمة لا بد منها بين يدي قصتك، فعندما أجبتك في المرة الأولى لم يكن المقام يتحمل الإطالة إذ كان الحوار مباشرا "استشارات إيمانية عامة" وكثير من إخواننا ينتظر جواب مسألته.
أما وقد عاودت استشارتنا- ونقدر لك هذه الثقة فينا- فينبغي عليّ توضيح الأمر من كافة جوانبه، وينبغي توقع ما تحبين وما تكرهين؛ لذا آثرت أن أبدأ بهذه المقدمة التي تعكس طبيعة شخصية المؤمن السوية الواثقة المطمئنة.
والآن دعيني مع استشارتيك نقلبهما معا، ونقف سويا عند بعض النقاط؛ منها ما هو لك، ومنها ما هو عليك أو أخشاه عليك؛ ففي استشارتك الأولى أكبرت فيك الصراحة والوضوح مع نفسك، وأكبرت فيك أيضا تَحرّيكِ لموقف الشرع والدين فيما تفكرين فيه وفيما تقدمين عليه.
ولكني في الاستشارة الثانية تراءى لي فيك قلق وتعجل وحيرة وتشوش ذهن- كما عبرت أنت- وخشيت عليك أن تجزعي من عدم القبول المتوقع من صديقتك وأهلها.
أختي، خطوت الخطوة وأنت فيها على حق وصواب؛ فلم تفعلي منكرا ولكني أعده حسن تصرف وقوة عزيمة، فلم العجلة إذن؟!.
تقولين: مر أسبوع ولم تأت صديقتي، وهل الأسبوع أو الأسبوعان بل هل الشهر أو الشهران كثير في مثل هذه الأمور؟!.
أظنك تتعجلين في غير مقام العجلة، وعلى كل حال فالمتوقع من صديقتك وأهلها أحد أمرين؛ القبول أو الرفض. فإن كان القبول فبها ونعمت، وهذا ما نرجوه لك من الله إن كان فيه خير، ولا تنسي أن تبشرينا به إن شاء الله.
أما إن كان الرفض فحسبك أنك أرحت ضميرك ونفسك من عناء لوم النفس طول العمر، فإنك لو لم تفعلي ذلك لقلت عند كل حادثة : ليتني صارحت من أحب بما في نفسي، أو على الأقل كنت ستحدثين نفسك بهذا.
وأراك مشغولة بالتفكير في سبب الرفض- لا قدره الله- وتقولين:"تنتابني أسئلة لا أعرف الرد: هل أخوها لم يقبل فلم تستطع المجيء لكونها لا تريد إيلامي بخبر الرفض أم أمها لم تقبل أم ربما أخوها طلب منها مهلة للتفكير في الأمر".
وأقول: فيم يعنيك السبب يا أختي؟.. أظن أن السبب لن يغير في واقعك شيئا، فأيا كان السبب فالنتيجة هي الرفض، هذا على فرض وقوعه لا قدر الله.(33/185)
ولكن الذي يعنيك إن حدث الرفض هو ألا تندمي وألا تلومي نفسك على تصرفك وألا تفقدي ثقتك بنفسك وبقدراتك.
إذ قد يكون الرفض لسبب بعيد عنك، بل أجزم أنه إن حدث فهو لسبب بعيد عنك.. لماذا؟.. لأنك قلت إنهم طلبوك من قبل لابنهم الأكبر، وهذا دليل على اقتناعهم بك وبشخصك، فإن حدث رفض هذه المرة فهو لا شك لسبب عارض آخر.. ما هو هذا السبب؟.. الأصل أنه لا يعنينا.
ومع ذلك قد يكون الرفض من صديقتك نفسها، أو أمها أو أخيها كما ذكرت، أو يكونون جميعا تواطئوا على الرفض، فربما لا يقبلون أن يتزوج أخوهم بمن سبق لها أن رفضت واحدا منهم وهو الأخ الأكبر، وربما يقبلون في أنفسهم لكنهم لا يستطيعون مواجهة كلام الناس ويقولون: كيف نواجه الناس بزواج الأخ الأصغر بمن رفضت الأكبر.
أو ربما يخشون الفتنة بين الأخوين فيما بعد ويقولون: كيف يرى الأخ من رفضته يوما وهي زوجة أخيه، فربما مازال قلبه متعلقا بها، وربما أبغضها بغضا يؤدي لتقطع الأرحام. وربما يقبل الأخ الأصغر لكنه كرامة لأخيه لا يفعل وربما وربما فلا تشغلي نفسك بهذا.
أما عن سؤالك: "فهل أتصل بها أم أذهب إليها في مقر عملها أم أنتظر مجيئها؟" فأقول:"اتصلي بها أولا لتذكيرها بالأمر، فربما نسيته، أو تناسته لو كانت غير متحمسة للموضوع، وتأكدي من أنها بلغت الرسالة لأصحاب الشأن الأصلي وأعني بهم الأخ الأصغر والأم والأب لو وجد لأنك لم تشيري إليه في كلامك.
ثم أعطيها مهلة للقيام بالمهمة، وأكدي عليها أن ترد عليك بالجواب أيا كان، رفضا أو قبولا، وحددي معها موعدا للاتصال بك، إن اتصلت فيه كان بها، وإلا اتصلت بها أنت بعدها مباشرة.
ولا تكثري من الاتصال بها في غير الموعد المحدد بخصوص هذا الموضوع، إلا ما كان بينكما من اتصالات سابقة بحكم الصداقة بينكما، حتى لا تظهري في صورة الفتاة السطحية قليلة العقل. وإن شممت منها رائحة الرفض فلا تلحي عليها في التصريح به.
وأخيرا، حافظي على علاقتك بصديقتك، واحذري من أن تتأثر بهذا الأمر إن رفض، وكوني قوية، على ثقة بنفسك وذاتك، طبعا بعد الثقة بالله، والاتكال عليه سبحانه وتعالى. وأرحب بمتابعاتك واستشاراتك بعد ذلك إن شئت.
وفقك الله، وهداك، وأصلح شأنك، وقدر لك من الخير ما تقر به عينك، وجميع المسلمين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" العنوان
أمراض القلوب الموضوع
في الحقيقة ما سأكتبه ليس مشكلة تريد حلا، وإنما أتعجب لما يحدث في أيامنا هذه علكم تفيدونني بعلمكم وتفيدون الآخرين.(33/186)
في الآونة الأخيرة اجتمعت مع بعض الصديقات، وكان الموضوع بداية عن الزواج، وإذا بفتاة من المجموعة تقول:" إن كل شباب اليوم يزني، وإن من تظن بأنها تزوجت رجلا لم يزن من قبل تكون غبية".
في الحقيقة، قبل أن أتزوج كنت أظن ذلك أيضاً، ولكن الآن وبعد أن أصبحت بعمر أستطيع فيه التمييز عرفت بأن هذا الكلام خاطئ.
المهم أن كل السيدات وافقنها على هذا، طبعاً مع استثناء أزواجهن إلا أنها أخبرتنا بأن من تظن منا أن زوجها بالذات لم يفعل ذلك تكون مسكينة (وعذراً هبله).
المهم، الأغلب منهن صمت، واحتجت سيدة واحدة فقط، حديثة الزواج، على الموضوع، وأنا ظللت صامتة مصدومة في الحديث برمته، حيث إنني أحسست بأنها أرجعتني للوراء ثماني سنوات.
بعد ذلك تمادوا بالحديث إلى أن وصلوا إلى العلاقة الجنسية بين الأزواج، ما صدمني فعلا أن السيدات اللاتي صمتن كن فخورات بأزواجهن لأنهم على خبرة. أما أنا والسيدة التي احتجت فظللنا صامتين.
فهل هذا نتيجة لأننا تزوجنا دون أن يكون لدينا أو لدى أزواجنا خبرة، فهن الآن برأيهن يستمتعن منذ اللحظة الأولى للزواج. بالإضافة إلى قولهن بأن أزواجهن جربوا ثم اختاروهن، ولم يكن أول تجربة لهم، وبالتالي فقد اختاروهم عن اقتناع. فما رأيكم في هذا؟؟؟؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ حامد العطار:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..
أختي الفاضلة:
تأملي معي الآية التالية؛ إذ حذرنا الله فيها من إثم كبير. يقول الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ" (النور:19).
فتأمرنا الآية بأن يكف الناس عن التحدث بما رأوه من الفاحشة بين المؤمنين؛ حتى لا تهون في نظر الناس، فيألفوها، ويقل خطرها على قلوبهم. هذا عن الفاحشة التي يرونها عيانا، فكيف بما لم تر العين ولم تسمع الأذن؟
وكيف يجرؤ الإنسان على رمي الأمة كلها بالزنا، وفي الأمة الشباب المجاهد في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان، وفي أفغانستان، وفي غيرها.
كيف وفي الأمة علماؤها وصالحوها، ومصلحوها، كيف وقد امتدت هذه الصحوة الإسلامية في كل بيت، وعلى كل حدب وصوب، فهذه الخُمر المنتشرة، بله النُقب، وهذه الملابس المحتشمة، وهذه المساجد المكتظة، وهذه البنوك الإسلامية العامرة،(33/187)
وهذه المظاهرات المنادية بالإصلاح ومعاقبة المفسدين. فمن وراء ذلك؟ أهم الزناة والزانيات "سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ"(النور:16).
كيف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون". وقال أيضا:"من قال هلك الناس فهو أهلكهم"؛ لأن كل إناء بما فيه ينضح.
فصاحب النفس الخبيثة يتخيل أن كل النفوس خبيثة، وإذا طفقت تحدثه أن بين الناس من هو صالح السريرة، مستقيم الطوية ستجده يرد ذلك، وينكره؛ لأنه لا يتصور إلا أنفسا مثل نفسه، فما عرف الصلاح ولا عاشه، فكيف يتصور وجوده.
لقد قرر الإسلام ثمانين جلدة للمفتري، يفتري على شخص واحد بالزنا ما لم يأت بأربعة يشهدون أنهم رأوا ما رأى، فكم عساه يكون حد من يفتري على الأمة كلها أن نصفها زناة، والنصف الآخر مزني به!
فاتهام الآخرين بأبشع التهم يعد من أعظم الذنوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله. لا يرى بها بأسا. فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا، أي سبعين سنة".
أختي في الله؛
ما أجلسك مع أولئك النسوة اللواتي نسين ذكر الله فاستحوذ عليهم الشيطان فنسوا ذكر ربهم؟ ألا فقومي عنهن ولا تجلسي إليهن، فقد رأيت من شؤم مجالستهم أنهن حببن المعصية إلى قلبك، وزينها لك، وقررن أن الزنا خير مدرسة لتعليم الجنس، فلن يشبع زوجته إلا زان متمرس، وأما ذاك الصالح المتعفف فهو والنساء سواء، لا يدري كيف يشبع زوجته ولا كيف يشبع نفسه معها.
ألا ما أقبحها من مدرسة، وما أنتنه من درس عفن؛ ينزع من الرجل دينه وحياءه ليخلع عليه بدلا من هذا أسطورة فن معاملة النساء المزعومة. وإن من شؤم هذه الجلسة أن تتمنى المرأة العفيفة أن لو كانت بذيئة متبذلة؛ حتى تتقن الدرس. فتكون هي ومن سقطت في هذا المستنقع الآسن على حد سواء.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:" إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرها سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقى في ربه ولا يصل في رحمه ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء".
إن في أمتنا فتاة في فرنسا لما علمت بمنع الحكومة الحجاب؛ شق عليها أن يرى الرجال شعرها الذي أمرها الله بتغطيته فحلقته نكاية في الحكومة ومن والاها؛ وحتى لا يراه الرجال. هؤلاء هن نساؤنا، وهن من نعرف، و بهن نعتز، وعلى مثلهن يقوم الدين، وتنهض الصحوة.
أما صويحباتك فيتحدثن عن أناس ما عرفناهم، وما نحب معرفتهم. إن شر هؤلاء النسوة مستطير عليك وعلى الأمة بأسرها، أفرأيت كيف خيلوا إليك بدجلهم؛ أن مرة(33/188)
واحدة في لقاء حرام كافية أن تفيض على أصحابها فنا وثقافة بالجنس؛ في حين أن سبع سنوات قضيتهن مع زوجك لا تكفي في هذا!
ثم إن إفشاء المرأة اللقاء الذي يأتيها فيه زوجها من الأمور التي حرمها الإسلام، وسمى صاحبته شيطانه؛ ففي الحديث الذي رواه أحمد أن أسماء بنت يزيد كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال :"لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرم القوم، فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون! قال: فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".
وقد جاء في تفسير التحرير والتنوير في تفسير قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور: 19)؛ لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل؛ أعقب تحذيرهم بالوعيد لما قد يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين.
ومن أدب هذه الآية ألا يحب المؤمن لإخوانه المؤمنين إلا ما يحبه لنفسه. فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء؛ كذلك عليه ألا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو الكذب مفسدة أخلاقية. فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها. وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويدا رويدا؛ حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس.
ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله تعالى :{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}؛ أي يعلم ما في ذلك من المفاسد؛ فيعظكم لتجتنبوه وأنتم لا تعلمون. فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر.
أسأل الله العظيم أن يقي الأمة شر ألسنة مفسديها، ويهدينا وإياك إلى سواء السبيل..
ـــــــــــــــــــ
كيف أتوب عن الصور الإباحية؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أرجو من سيادتكم الإفادة. أنا شاب في الـ 23 من عمري. تواق لأن أعف نفسي من مشاهدة الصور العارية. أعلم أنها حرام، لكنى لا استطيع البعد. ويشهد لي الكثيرون أنى محترم. لكن أحسبها شهادة عليّ؛ لأني لست كذلك في الواقع، لست ذلك المحترم الذين يتكلمون عنه.
وعندما أرى فتاة تسير بجانبي؛ أفسح لها الطريق لعدم مضايقتها، أو لأني أخاف عليها من نفسي الأمارة بالسوء. ولكنى عندما أجلس أمام الكمبيوتر؛ أنسى احترامي لنفسي. رغم أنني أنصح الشباب بالبعد عن هذه الأشياء.
أريد أن أكون مسلما مطيعا لله عز وجل. فدلوني على الصراط المستقيم.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد(33/189)
يقول الدكتور عبد الحكم صالح :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فمجرد اتهامك لنفسك، واعترافك بذنبك، يعد خطوة أولى على طريق التوبة.
أنت يا أخي تعرف أن عند كل منا نفسا أمارة بالسوء، وأن شيطانا مريدا يتربص بنا الدوائر ويقعد لنا كل مرصد.
وتعرف أن وسائل الإغراء والفتنة تحيط بالإنسان ذات اليمين وذات الشمال؛ فالإنسان منا ليس ملاكا يحيى في طاعة، وفي قنوت دائم، وإنما الإنسان مفطور على ازدواجية الاستعداد؛ بمعنى أنه يستطيع أن يتفاعل مع قوى الخير. فيكون أرقى من الملائكة كما يستطيع أن يتفاعل مع قوى الشر؛ فيكون أحط من الشيطان.
فيقول الله عز وجل عن هذا المعنى:{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }(الشمس:7-10).
إني أعتبر أن استشعارك الخطر؛ معناه أنك تضع قدميك على أعتاب الطريق الصواب. كل الذي عليك أن تضاعف من عزيمتك، وأن تقوي من إرادتك حتى تستطيع التغلب على ما تشكو منه.
وأنصح لك - يا أخي محمود - بأن تكون على وضوء طيلة استيقاظك، وبأن تحرص على شغل أوقات فراغك بالطاعات و القربات دائما.
كما أوصيك في كل أحوالك عامة وفي الأحوال التي تضعف فيها أمام الشيطان خاصة؛ بأن تستشعر عظمة الله وتستحضر رقابته عليك دائما. فلابد أن تثق بأن الله عز وجل يسمعك ويراك وإن لم تكن أنت تراه. ولتستحيي من الملائكة الذين سخرهم الله لحفظك؛ فهم يرونك ويسمعونك في كل حال.
كما أوصيك بأن تنتبه لأن في صحبتك ملكين لا يفارقانك. أحدهما يسجل طاعاتك والآخر يسجل معاصيك. كما أوصيك بأن تكثر من قراءة القرآن وذكر الله وتذكر الموت والوقوف أمام الله للحساب ومن ذكر النار.
كما أنصح لك بالإكثار من زيارة القبور والوقوف أمام قبور الراحلين من أحبابك، والإكثار من الاستغراق في تصور أنك يوما ستسكن في هذه القبور. وستكون وحدك؛ لا أحد معك سوى عملك؛ فإما أن يكون عملا صالحا يؤنسك وينير قبرك، ويجعله روضة من رياض الجنة؛ وإما أن يكون عملا سيئا تشتد معه ظلمة قبرك. ويضيق به قبرك عليك. ويكون حفرة من حفر النار والله أسأل أن يهديني وإياك سواء السبيل، هذا والله أعلم.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري :
أخي الفاضل:
شعرت في حديثك أنك تود لو تكون صالح المظهر والجوهر. وهذه نية لو أخلصت وعملت بما يليق لها. لتبت عن الخطأ الدائم الذي تقوم به.
ومن الفطنة أن يشعر المرء حقيقة ذنبه الذي يرتكبه كأي سلوك بشري، ما الذي دفعه إليه؟ ولماذا يعود إليه؟ وما مكانته من نفسه؟ وهل هو من نفسه أم من الشيطان؟ وما(33/190)
درجة تعلق نفسه به؟ وما العوامل التي ساعدت على بقائه في نفسه؟ وما أفضل طرق العلاج التي توائم نفسه، حتى ولو كان فيها بعض الألم؟.
أتمنى أن تشد الرحال عن ذنبك حتى لا يستشري في خلقك؛ ويصبح كالسرطان الذي أهملته حتى قضى عليك. فالنظرة الحرام تؤدي إلي مهالك مؤكدة إن أصر الإنسان عليها وأتبعها بخطوات وأوامر الشيطان.
ويقيني أنك تسعى إلي الصلاح، فتصرفاتك الإنسانية وسمعتك الحسنة بين الناس ليست من عدم. ولماذا تعتقد بأن الله ابتلاك بحسن ظن الناس فيك؟ فكان الأجدى بك أن تفطن لأن الله يريد مساعدتك بصورتك الحسنة؛ حتى تخجل من نفسك- كما تفعل الآن- وتعود إلى صوابك؟
وبخصوص مشكلتك، فإنني أقترح عليك برنامجاً عملياً على النحو التالي:-
* اجلس مع نفسك، واسألها بكل صراحة: ما الذي يجعلك تشاهد المواقع الإباحية؟.. هل لأنك تجد متعة في مشاهدة العري؟.. هل تشاهد من باب الفضول؟.. هل لأنها تثير شهوتك؟
* انظر: كم تقضي من الوقت؟ وما المردود العملي من هذا؟ لن تجد مردودًا سوى:(ضياع دين/ ضياع وقت/ ضياع واجبات/ غضب الله/ البعد عن مواطن الخير/ موات النفس/ إلخ).
* اسأل نفسك: هل مشاهدة التعري فعلاً متعة؟، ألا يوجد طريقة أخرى لإثارة شهوتك بالحلال؟.. ما تأثير هذا الفعل على نفسك وقلبك؟، هل فعلاً تريد أن تتخلص من هذا الفعل؟
* امسك القلم والورق، واكتب: ما الذي يدفعك لهذا العمل؟ (الأصدقاء/ الفراغ/ البقاء وحدك/ إلخ).
* انظر كيف تعالج كل واحدة: إن كان البقاء وحدك يدفعك في هذا، فاعلم أن الله تعالى يراك. لا تجلس وحدك، نادِ أخاك، أو صديقك، أو أختك، أو زوجتك، أو أمك، أو أي أحد ممن تثق فيه لا تفتح الإنترنت إلا في وجود أحد من الصالحين وإذا ظهرت نتيجة طيبة، فعوِّد نفسك على أن تفتحه في وقت لا يكون فيه أحد، بعد استشعار أن الله تعالى معك.
* حاول أن تستمع للقرآن وأنت جالس على جهاز الكمبيوتر.
* أنزل برنامج الذاكر على جهازك.
* تذكر أنك قد تموت وأنت على حالتك هذه، وأنك تبعث عند الله على رؤوس الخلائق، وأنت تشاهد العري.
* اخرج إلى الحدائق والأزهار، وشاهد الخلق، انظر إلى السماء كثيرًا، واستمتع بالنظر إلى السماء والأرض والأشجار والأزهار.
* سر على شاطئ البحر أو النهر، وتمتع بالمنظار الخلابة.
* شاهد من الفضائيات ما هو نافع لك، وأشغل نفسك بالبديل المباح عن الحرام.
* الإنترنت ليس كل شيء في حياتنا، حاول أن تشغل نفسك بأنشطة حية بعيدًا عن الإنترنت والكمبيوتر.(33/191)
* إن كنت تشكو من شيء دفعك إلى هذا الفعل، فاسع إلى علاجه بشكل فعّال وحقيقي.
* استعن بالله، فما خاب من استعان به ودعاه.
* كافئ نفسك بنزهة، أو أكلة، أو شيء تحبه نفسك، ما دام مباحًا.
* اشكر الله تعالى أن وفقك، فمن شكر الله، زاده الله من نعمه، وليست هناك نعمة أفضل من التزام أوامر الله تعالى.
ـــــــــــــــــــ
الشات مع البنات.. خلوة بغير جسد العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا طالبة، في طريقي إلى الصف الأول الجامعي، قدمت رغباتي، وبحمد الله تم قبولي في كلية الطب، مشكلتي تتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة. فقد تحدثت منذ عام مع زميل ليّ على النت؛ وهو ابن صديق والدي. ولكنى تحدثت لاعتقادي بأن الحديث الإلكتروني؛ ليس فيها أي شيء من الحرمانية.
وكان مجرد أخ لي، وأنا أخت له. ولكن مع التعارف والحوارات؛ اعترف لي هذا الشاب على النت؛ أنه يحبني لأخلاقي والتزامي إلى حد ما، وحبي لأن أكون دائما ملتزمة متفوقة، وأسعى لطريق الإيمان.
وأنا أعجبت به أيضا لأنه أزهري يحفظ القرآن كله؛ وعنده قابلية للالتزام، ومن بيت محترم، ومثقف، ونحن من نفس البلد أراه في الشارع صدفة ولكن لا مجال للحديث بيننا إلا من خلال النت.
وكنا العام الماضي في الصف الثالث الثانوي؛ مع الفارق أنني ثانوية عامة، وهو ثانوية أزهرية. واتفقنا على النت أننا نأخذ درس معا. وكانت هذه الفترة كفترة خطوبة ولكن بيني وبينه فقط، فعرفنا خصال بعض أكثر؛ رغم أنه لم يكن بيننا أيضا أي كلام سوا على النت.
اتفقنا أننا لا نريد معصية الله؛ تعلقنا ببعض، لا نستطيع أن نقطع كلامنا. فاتفقنا أن نعين بعضنا على طاعة الله. وأنا نحاول أن نسلك هذا الطريق المليء بالشوك بأقل الجروح؛ وهدفنا الزواج إن شاء الله لأني قد وجدت فيه كل ما يناسبني، وقد وجد هو في كل ما يناسبه.
أحس المدرس الذي أعطانا الدرس معا ومع زميلة ثالثة؛ بشيء بيني وبينه. وعرف ما بيننا وقال: أنا عارف أن لكم هدفا. ولم يعترض على ما بيننا. ولكن لا يعرف سوى أننا أقارب. وهذا ليس صحيح ولكن أباه صديق والدي؛ ولكن المدرس قبل ما بيننا على أساس أننا أقارب.
وحاليا في الأجازة نتحدث على النت يوم بعد يوم. وأثناء الدراسة كان يوم في الأسبوع، وقبل الامتحانات لم نكن نتحدث، كنا فقط تطمئن على بعض من خلال الرسائل فقط.
وحاليا كل حديثنا معا أنى اسأله، ويسألني عن الواجبات التي اتفقنا عليها؛ كالصلاة في وقتها. وبالنسبة له في المسجد والنوافل وصيام الاثنين والخميس وقراءة جزء قران في اليوم وتفسير 10 آيات كل يوم وحضر وجلسة علم ولو مرة في الأسبوع.(33/192)
ولكن لا يخلو كلامنا من بعض الكلمات مثل حبيبي وحبيبتي وبحبك؛ ولا أستطع الاستغناء عنك وما شابه ذلك.
وقد قرأت آية في القرآن :{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} (البقرة:235). وفهمت منها أن اعترافه لي بحبه ووعده لي بالزواج حلال في حالة إذا كان القول معروف.
فحاليا أنا وهو تعلقنا ببعض بشدة ولا نريد معصية الله ولا نستطيع أن نقطع كلامنا. فما الحل المناسب ؟ وهل كلامنا من وراء الوالدين يعتبر خيانة لهما؛ حتى لو كان الكلام معروف كمان ذكر في الآية ؟؟؟؟
هناك مشكلة أخرى: لقد وفقني الله بحمده إلى كلية الطب. ولكن ظلم هذا الشاب في تصحيح الامتحانات. ولم يلحق أي كلية من كليات القمة، ولكن من المتوقع أن يكون تنسيق الأزهر منخفض هذا العام.
وهو يريد الالتحاق بكلية الدراسات الإسلامية إن لم يلتحق بأي من كليات القمة؛ وأن يتفوق فيها ويصبح معيدا؛ حتى يصل إلى رتبة أستاذ جامعي؛ ولا تكون هناك مشكلات أثناء تقدمه لأبي لطلبي للزواج.
ولكن إذا لم يتفوق، سوف يصبح مدرسا بعد تخرجه، وأعتقد أن أبى لن يوافق على زواجي من مدرس، لأنه طبيب وأمي طبيبة. وأنا إن شاء الله سوف أكون طبيبة. ومع أن أبى لا ينظر إلى الكلية وينظر إلى الأخلاق والدين. ولكن لابد أن يكون هناك توافق.
فما الذي يمكنني أن افعله كي لا افعل ذنوبا، وفي نفس الوقت لا أقطع صلتي به، وكي آمن المشكلات التي يمكن أن تحدث مستقبلا ؟؟؟ .. وأقترح أن نحاول قطع حديثنا عندما ندخل الجامعة هذا العام إن شاء الله. ولكن نطمئن على بعض أيضا من خلال النت ولو مرة كل شهر. فما الصواب يا سيدي؟
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم..
أختنا في الله / عائشة
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد :
فقد قرأت رسالتك، وأود أن أثني على حبك الشديد لدينك، وحرصك على ألا تقترفي ذنبا، أو تغضبي ربك، وهذا شعور طيب تستحقين الإشادة عليه. غير أني أنبهك إلى أن الشيطان يسري من ابن آدم مسرى الدم في العروق، وأنه يظل يتحرش به(33/193)
ويخطط له ويهون عليه المعاصي حتى يقع فيها فكوني على حذر من كيد الشيطان قال تعالى:{وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
هذه مقدمة عامة لا بد منها، أما بخصوص مشكلتك فأستعين بالله وألخص لك الرد في النقاط التالية :-
* الإسلام لم يحرم الحب: بل هو- الإسلام- دين الحب، لكنه الحب المنضبط بالشرع وأحكامه وآدابه، فلا حرج أن تعجبي- أختي الفاضلة- بهذا الشاب الذي قلتي أنه:( أزهري، يحفظ القرآن الكريم كله، وله قابلية للالتزام، من بيت محترم، ومثقف، ولديه الكثير من الصفات الطيبة)، فهذه الجملة من الصفات تدل على أنه شاب مناسب. وعندما تجد الفتاة المسلمة شابا مسلما، متفوقا في دراسته، حريصا على دينه، جادا وراغبا في تكوين بيت مسلم يجب عليها أن تتمسك به وتحرص عليه. لكن لابد أن يكون الوقت والظروف مناسبين، فكما علمت من رسالتك أنكما مازلتما بعد طالبين في الثانوي؛ وأنكما بإذن الله ستدخلان السنة الأولى بالجامعة هذا العام، وأمامكما وقت طويل لأنك في كلية الطب فستدرسين 7 سنوات، وهي عمر طويل، ولا تدرين ماذا يحدث فيه. ولا يعقل أن تتعلقي به طوال هذه السنوات. وحتما فإن ذلك سيشتت تركيزك في دراستك وسيصرفك عن التفوق.
* لا للحب في الظلام: أقصد هنا أن نشوء علاقة بينكما، قد تبدأ بالكلام العادي على النت، ثم تتطور فتصبح مقابلة في جمع من الناس في مكان عام، قد تتطور إلى لقاء في مكان عام بعيد عن أعين الناس، قد تتطور إلى خلوة، قد تتطور إلى وقوع في المعصية. نعم مثل هذه العلاقات تبدأ هكذا بريئة، لكن سرعان ما يقوم الشيطان فيها بدور كبير، فيحول الإعجاب البرئ إلى كلمات احترام وثناء على الأخلاق والتفوق الدراسي ثم يتحول الأمر إلى كلمات إعجاب متبادلة تتحول إلى مشاعر دافقة، قد تتحول إلى . وهكذا. لذا نجد أن الخالق سبحانه وتعالى، وهو أعلم بعباده من أنفسهم، لم يحرم الزنا فقط بل حرم وسد الطرق المؤدية إليه فقال تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}، وسد الأبواب الثلاثة المؤدية لهذه الفاحشة الكبيرة وهي: الخلوة واللمسة والنظرة.
* الكلام على النت: كلامكما على النت حول (التذكير بالواجبات الشرعية التي اتفقتما عليها كالصلاة في وقتها، وبالنسبة له في المسجد، والنوافل، وصيام الاثنين والخميس، وقراءة جزء من القرآن في اليوم، وتفسير 10 آيات كل يوم، وحضور جلسة علم ولو مرة في الأسبوع)، هو كلام جميل، ولا أعتقد أن فيه شيء خارج يجعله محرما، بيد أن الأمر سيتطور حتما، وسيأخذ منحى آخر، وهو ما اعترفت به في رسالتك حيث قلت:(..لكن لا يخلو كلامنا من بعض الكلمات مثل حبيبي، وحبيبتي، وبحبك ومش ها قدر استغنى عنك، وما شابه ذلك) وهذا ما أخشاه لأن الحديث على النت (خلوة بغير جسد) بل إنها قد تكون أشد خطرا إذ يعتقد كل منكما أنه مجرد كلام على النت، فيتمادى في الأمر، وهنا تقعان في المحظور!!، هذا ليس رجما بالغيب، بل إنه من الواقع، فكم تصلنا رسائل ومشكلات يعترف أصحابها- ممن فتح الله عليهم بالتوبة الصادقة- أن الكلام على النت جر عليهم الوبال، وأوقعهم في جريمة الزنا، فاحذري وانتبهي حفظك الله من كل مكروه وسوء.(33/194)
* فهم الآية القرآنية: أما بخصوص قوله تعالى:{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا} (البقرة: 235). فالآية نزلت في حكم خطبة المعتدة (وهي المرأة التي تكون في فترة العدة)، ولكن الحكم استنبط منها ليطبق على النساء عموما، وملخص شرح الآية هو أن الله تعالى يعلم أن قلب الرجل قد يميل لامرأة معينة؛ لذلك لا مانع من أن يلمح لها برغبته في الزواج منها، ولكن دون أن يترتب على هذا التلميح أي علاقة فيها خلوة حقيقية أم افتراضية، جسدية أم إلكترونية؛ وأيضا دون أن يترتب على هذا التلميح وعد منها له بأن تكون زوجته، فهذه هي حدود "القول المعروف" المذكور في الآية؛ التلميح مرة واحدة يعرض فيها نفسه مع عدم السماح بعلاقة أو خلوة أو وعود.
* الحل المناسب: أعتقد أن الحل المناسب لحالتكما؛ هو أن تتوقفا عن الحديث على النت، ولا تتماديا فيه، فإن عواقبه وخيمة، وأن تلتفتا لدراستكما، فتنهياها بتفوق، ثم تنظرا حالكما بعد انتهاء الدراسة وحصولكما على المؤهل كيف أنتما وقتها؟، وهل مازالت مشاعركما كما هي؟ وهل مازلتما راغبين في الارتباط ببعضكما؟، وهل الظروف والوضع الاجتماعي لكما مناسبا؟، فإذا كانت الإجابات بنعم فتوكلا على الله، واستخيرا ربكما في الأمر، فإن اطمأننتما إلى الأمر فليتقدم لخطبتك رسميا من والدك أو ممن سيكون ولي أمرك وقتها، لتكونا أسرة مسلمة بإذن الله، واعلمي أن الزواج رزق، والرزق قدر، والقدر مكتوب، فلو كان لك فلن يكون لغيرك، ولو كنت له فلن تكوني لغيره، فلا تحملا هم غدا فغدا رزقه على الله، ومن كان رزقه على الله فلا يحزن.
وختاما؛
أسأل الله تعالى أن يحفظكما من كل مكروه، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره، وأن يلهمكما السداد والرشاد، وأن يهديكما إلى الخير، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخباركما.
ـــــــــــــــــــ
كيف نعيش بالقرآن؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
كثيراً ما تحدث العلماء عن القرآن الكريم، فبينوا فضل قراءته، و تحدثوا عن الوسائل المعينة على حفظ كلامه وتدبر معانيه، وفي سؤالي هذا أود أن نتقدم خطوة للأمام، فأسأل عن كيف نعمل بالقرآن؟، وبصورة أكثر تحديداً كيف يمكن لنا أن نتأثر بالقرآن، ونعيش به في حياتنا؟. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد(33/195)
يقول فضيلة الدكتور علي بن عمر بن أحمد بادحدح ، في مقال له بعنوان "القران الكريم من التدبر إلى التأثر" :" القرآن الكريم نور البصائر، وهداية العقول، وطمأنينة القلوب، وشفاء النفوس، ولكي يحقق القرآن في الأفراد آثاره، ويؤتي في الأمة ثماره، فإنه لابد من أمرين أساسين، حسن الفهم له، وقوة اليقين به.
أولاً: حسن الفهم:
قال ابن تيمية :"حاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن"، والفهم الصائب أساس العمل الصالح، وإذا لم يتحقق حسن الفهم فإنه لا مناص من أمرين: الحيرة والاضطراب وعدم العمل، أو العمل على أساس منحرف أو مختل لا يوصل إلى الغاية المنشودة والنهاية المحمودة.
ولكي نصل إلى حسن الفهم ينبغي أن نأخذ بهذه الخطوات:-
* حسن الصلة: فكيف يفهم القرآن من يهجره ولا يقرؤه؟!، وأنّى لمن ترك تلاوته والاستماع إليه أن يفقهه؟.
* كثرة التلاوة: وهو أمر رباني قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ } [ النمل:91-92].
* تجويد التلاوة: بمعرفة الأداء الصحيح بالتلقي والمشافهة لأن النبي صلى اله عليه وسلم قال: ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ).
* حسن التلاوة: وفي ذلك قوله تعالى:{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [ المزمل:4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن).
* الإنصات للتلاوة: وقد قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأعراف:204].
* التأني في التلاوة: وقد ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:" لا تهذوا القرآن هذاً كهذّ الشعر، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة".
* حسن التدبر: والمراد بالتدبر تفهّم المعاني وتدبر المقاصد ليحصل الاتعاظ ويقع العمل، وهو أمر مهم جعله الله مقصداً أساسياً لنزول القرآن فقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ صّ:29 ]، وقد مدح الحق جل وعلا من تدبر وانتفع، فذكر من صفات عباد الرحمن :{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } [ الفرقان:73]، وذم الله عز وجل من ترك التدبر فقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [ محمد:24]، والتدبر من النصح لكتاب الله الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سياق بيان معنى النصح لكتاب الله عدّ النووي التدبر من ضمنه فقال:" والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله".
وحسن الصلة معين على التدبر، فهذا ابن كثير يقول في الترتيل:" المطلوب شرعاً إنما هو تحسين الصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه"، والنووي يقول:" الترتيل مستحب للتدبر وغيره"، فمن أدام الصلة بالقرآن تلاوة وتجويداً وتحسيناً تيسر له الانتفاع بالقرآن تدبراً وتفكراً، قال ابن باز عن قارئ القرآن:" ينبغي له أن لا يتعجل، وأن يطمئن في قراءته، وأن يرتل المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن ويجتهد في(33/196)
إحسان قراءته، وتدبر القرآن والعناية بالمعاني ولا يعجل"، والعكس صحيح فالقراءة السريعة بعيدة كل البعد عن التدبر كما قال القرطبي:" لا يصح التدبر مع الهذّ".
والاستماع الواعي له أعظم الأثر في التدبر والتأثر، وقد كان الفاروق رضي الله عنه يقول لأبي موسى الشعري رضي الله عنه:" يا أبا موسى ذكرنا ربنا، فيقرأ وهم يسمعون ويبكون".
وهذا أعظم تأثيراً في القلب كما قال ابن القيم :" فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن والتدبر".
وقد جمع الأمران (حسن الصلة وحسن التدبر) في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) .
ثانياً : قوة اليقين:
لابد من الاعتقاد الجازم بكل ما في القرآن من الأخبار والحقائق، وبسلامة وكمال ما فيه من الأحكام والشرائع، وصدق ما فيه من الوعد والوعيد، والتسليم بما فيه من الحِكم والسنن، وذلك كله بيقين راسخ يقتنع به العقل، ويطمئن به القلب في سائر الأماكن والأزمان، وفي كل الظروف والأحوال.
وأبرز ما ينبغي الإيمان واليقين به كبريات الحقائق المتصلة بالقرآن ومنها:-
أ- الكمال المطلق:
اليقين بأن ما في القرآن من العقائد والشرائع والأحكام والآداب هو الكمال الذي لا نقص فيه، وهو الذي تتحقق به السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهو الذي يلبي الاحتياجات، ويحل المشكلات، ويعالج المستجدات، فالله جل وعلا قال:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً } [ المائدة:3]، وفي كل ميدان ومجال نجد القرآن يقدم الأكمل والأمثل والأفضل : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [ الإسراء:9].
ب- الشمول التام:
فاليقين لا بد أن يكون جازماً بأن القرآن شامل شمولاً عاماً، فهو بالنسبة للفرد يخاطب عقله وروحه وجوارحه، وهو لا يقتصر على العناية بشأن الآخرة دون شأن الدنيا، ولا ينحصر في شعائر العبادة دون تنظيم شؤون المعاملات، وإحكام نظام القضاء والمرافعات، وأسس السياسة وقواعد الاجتماع إلى جميع شؤون الحياة، كما قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ } [ النحل:89]، وقال جل وعلا: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء } [ الأنعام: 38].
ج- السنن الماضية:
واليقين بأن ما في القرآن من السنن الإلهية التي فيها ذكر أسباب القوة والضعف، والنهوض والسقوط، والصلاح والفساد أنها كما أخبر الله بها لا تتغير ولا نتبدل: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }[ فاطر:43]، وهذه السنن هي المنطلقات الأساسية في معرفة الأحداث وتحليل النتائج كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } [ يونس:81]، وقوله :{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد:11].(33/197)
وإذا وجد حسن الفهم، وقوة اليقين تحققت البداية الصحيحة للانطلاقة الإيجابية لتغيير واقع الأمة وتربية نشئها وصناعة أجيالها .
والمتأمل في عموم أحوال المسلمين يستطيع أن يقول: إن من أعظم أسباب الزيغ في الفكر، والقسوة في القلب، والانحراف في السلوك، وعدم التأثر بالقرآن، لضعف أو انعدام الصلة به، ولعدم أو سوء الفهم له، ولقلة أو ضعف اليقين به، ولقد كان القرآن في حياة الأمة قلبها النابض، ولسانها الناطق، وحُكمها القاطع، ومرجعها الدائم، كان دوّيه يتردد في محاريب المساجد في الصلاة، وعلى صهوات الجياد في الجهاد، وكان حفظه وفهمه والعمل به هو جوهر الإسلام وحقيقته.
ومن ثم تعلق به الصحابة حتى قال ابن مسعود:" ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، وفيمن نزلت، ومتى نزلت، وهل نزلت بليل أو نهار أو بسفر أو حضر، ولو كنت أعلمُ أحداً أعلمُ مني بكتاب الله تضرب إليه أكباد الإبل لرحلت إليه"، فها هي الصلة وطيدة بكل شيء متعلق به، أما العلم والعمل فها هو عبد الرحمن السلمي يخبرنا فيقول:" كان الذين يقرؤوننا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون بنا العشر من الآيات حتى نعرف ما فيها من العلم والعمل فتعلمنا العلم والعمل معاً".
نعم ذلك هو جيل القرآن جيل التلقي للتأثر، جيل العلم والعمل، جيل الدعوة والتعليم، والصحوة والدعوة لن يتم لها مرادها ولن تبلغ مقاصدها وهي بعيدة عن منبع الهدى، فهل من صلة دائمة؟ وهل عودة صادقة؟ وهل من معرفة واعية؟ لا مناص من ذلك إن أردنا الخير والفلاح.
ويضيف الدكتور محمد عبد اللطيف البنا:
ليس القرآن الكريم مجرد كتاب، وإنما هو إعجاز وتنزيل من رب العالمين للناس كافة يقول تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ".
ونزل القرآن الكريم لهداية الناس: " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
كما أنه نزل بالتحدي والإعجاز، ومهما ذهب علماء علوم القرآن والقراءات والفقه والأصول فلن يقفوا على كل معانيه، لأن معانيه لا تنتهي أبدا وهي متعددة بتعدد خشوع من يقرأ ومن يتدبر، وليس المهم لدى الفرد الواحد أن يقف على كل معنى توصل له الناس، ولكن المهم هنا هو الوقوف على كيفية معايشة كتاب الله تعالى، والوقوف عند حدود الله عز وجل.
ولهذا الأمر عدة ضوابط في الفرد نفسه حتى يصل للمطلوب منه، كي يعيش بالقرآن الكريم:
أولا: الأدب مع كتاب الله تعالى:
ويتم هذا باحترام كتاب الله عز وجل وعدم امتهانه، كما يتم ذلك بالوضوء له، والاستعداد له، وأقصد بالاستعداد حسن التهيؤ للقراءة بلبس أفضل الثياب، والبعد عن(33/198)
مشاغل الحياة، فسوف تعيش الآن مع الله تعالى يكلمك وتكلمه، فورد في الأثر:" إذا أردت أن تكلم الله فاقرأ القرآن وإذا أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن".
ثانيا: حسن التدبر لكتاب الله تعالى:
ويكون ذلك بحسن التدبر والتلاوة والقرب من الآيات حتى تشعر أنك في معية الله تعالى وبين يديه، وأنك في قراءتك تزداد قربا بل شوقا لقرب، فتشعر أنك تحسن التلقي فلا تسرح، ولا تقترب منك الدنيا بهمومها فتطغى عليك فلا تشعر بالقرب، ولا تحسن الفهم، أو يكون الإغلاق للقلب فلا تصل لما يريد الله لك من هداية بين طيات كتابه انظر لقوله تعالى :" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا". سورة محمد.
عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ شابا فقرأ: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} فقال الشاب: عليها أقفالها حتى يفرجها الله، فقال النبي صلى الله عليه سلم: صدقت. فالهداية من الله تعالى المهم في الأمر حسن الاستقبال وإتقان التدبر، وقد أوصى إقبال والد الشاعر الفيلسوف محمد إقبال ابنه فقال له يا بني اقرأ القرآن كأنما أنزل عليك. فإذا أردنا العمل بالقرآن يجب علينا أن نحسن تدبره.
ثالثا: الاستسلام لأحكامه:
وعلى المسلم إن أراد أن يجعل القرآن الكريم أساسا للعمل في حياته أن يسلم بقلبه، وعقله وفكره ووجدانه أن كل ما جاء من عند الله تعالى هو الصواب، وأن يكون ذلك يقينا عنده لا يخالجه شك ولا يمازجه ريب يقول الله تعالى في سورة النساء :" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً" فالتسليم التام بما جاء به الله تعالى من سمات المؤمنين.
ويقول تعالى في سورة الأحزاب:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً" فلا نختار أمرا ولا نقدم شيئا غير ما يريده الله تعالى.
إذا أحسنا الأدب وأمعنا التدبر، وأخلصنا التسليم سهل العمل بكتاب الله تعالى ثم بقي ما يجب وهو التطبيق، وفي هذا نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كان خلقه القرآن الكريم فقد امتدحه الله تعالى بذلك فقال تعالى :" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وعندما وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت عنه صلى الله عليه وسلم كما جاء في كنز العمال:" كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه" انظر لرضاه بما في القرآن وسخطه عما يسخط عليه القرآن وتدبر حالك، وقالت:" كان قرآنا يمشي على الأرض" من كثرة تطبيقه، وتمعنه وإقباله على الله تعالى.
وعليك أخي الكريم بما يلي:
1. البحث عن كل أمر في كتاب الله تعالى والعمل به.
2. البحث عن كل نهي في كتاب الله تعالى والانتهاء عنه.
3. التعبد لله تعالى بكتابه.
4. النهوض بالنفس لله تعالى، اجعلها عالية الهمة، مقبلة لا مدبرة.
5. تفقد كل شيء يجعلك تطبق حكما أو تمتنع عن نهي.(33/199)
6. اصحب من يعينك على الفهم والمدارسة فكان الصحابة يتدارسون كما ورد عن عمر عشر آيات بعشر آيات ولا ينتقلون منها إلى غيرها إلا بعد حفظها وقراءتها ومدارستها وفهم كل ما فيها.
7. اعلم أخي الكريم أن ديننا الإسلامي يتجاوب مع الفطرة وما من شيء إلا وتجده فيه، وكل ما يضر فهو محرم، وكتاب الله تعالى معايشته سهلة بسيطة تحتاج فقط لقلب يحب الله تعالى ويرغب في الحديث معه، ويتعلم عن قرب منه سبحانه وتعالى، وينظر بفكره وقلبه مراده تعالى فإن غمض عليك شيء، كان السؤال أو البحث إن لم تجد من تسأله.
8. كل ما يقربك من الله تعالى اسلك طريقه، وكل ما يبعدك عن الله تعالى تجنبه.
9. احذر هفوات النفس، فإنها مدخل للشيطان.
10. تمعن فيما تقرأ، ولا تمر بشيء إلا بعد تطبيق وإذعان وتسليم.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول..
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
أبحث عن رفيق لدربي العنوان
الأخلاق, السلوكيات الموضوع
الحمد لله الذي انعم على بالالتزام، ومشكلتي هي "كيف ابحث عن شخص صالح يوجهني توجيها إيمانيا وكيف أجعله يثق بي أني أهلا للنصيحة وتوجيه لي"..
السؤال
الأستاذ جمال عبد الناصر المستشار
الرد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أخي الحبيب مرحبا بك معنا على موقعك وموقع كل المسلمين "إسلام أون لاين.نت".. لا بد لمن في مثل سنك هذه من صديق مخلص وصحبة طيبة وسلوك طريق العلم ويدور حديثنا معك بخصوص الصداقة والقدوة وسبل النجاة والتعلم في النقاط التالية:
1. الصداقة وحاجة الإنسان إليها.
2. ضوابط للسير في طريق الصلاح.
3. شغل وقت الفراغ والأنس بالله.
أولا: الصداقة وحاجة الإنسان إليها:(33/200)
إن الصداقة تعتبر رئة ثانية يتنفس بها الإنسان منا، ولذا فهي تشبع حاجتنا إلى الشكوى من كل ألم أو تعب، وفي كل الأحوال لا بد من صديق يؤانس الوحدة ويشارك صديقه الرأي والمشورة، يقول القائل:
فلا بُدَّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ *** يُسْليك أو يُنْسيك أو يتوجّعُ
وتعد الصحبة مدرسة تربوية رائعة، وتقول الأمثال العرب:
- "الصديق ولو في الحريق".
- "الصاحب ساحب"، فإما أن يسحب إلى الخير أو يوجهك إلى الشر.
وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" [الحديث متفق عليه].
فلا شك أن هناك أثرا تربويا واجتماعيا ونفسيا للأصحاب، فكم من شباب اهتدوا وتأثروا في دينهم وعبادتهم وحياتهم بالصحبة، وكم من شباب يعيشون خلف القضبان يقسمون بالله أنهم تورطوا فيما وصلوا إليه بسبب الصحبة السيئة والعياذ بالله.
إن اختيار الصديق أو الصاحب يكون على حسب القيم والمبادئ التي يمتلكها المرء؛ فأنت تصادق من يشاركك نفس القيم والمبادئ، فلو كنت رجلا تحب الصدق والإخلاص والكرم، لا يمكن أن تصاحب الكذاب والبخيل وهكذا، فكل إنسان منا متى وجد إنسانا آخر يتفق معه في قيمه، فإنه يأمل ويتمنى أن يكون صديقا له.
وتحث تربينا الإسلامية على اختيار من يقربك إلى الله، ويكون عونا لك على الطاعة؛ حتى لو لم يفدك في المال والوظيفة والجاه فمثل هذا تمسك عليه.
وهناك معايير ثانوية وليست أساسية مثل أن يكون من ذات الطبقة الاجتماعية والمستوى الدراسي والفكري والتعليمي، فمن الصعوبة أن يكون أميا في صحبة من حملة الشهادات العليا.
ثانيا: ضوابط للسير في طريق الصلاح:
والآن أنصحك أنت وكل مسلم ومسلمة ببعض النصائح التي أرجو أن تكون عونًا لكم إن شاء الله على التمسك بأخلاق الإسلام العالية، والبعد عن الأخلاق التي لا نرتضيها لشبابنا المسلم:
1- اختر الصديق الصالح، فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، ولهذا فالصحبة الصالحة ستعينكم على الطاعة.
2- تجنب أصدقاء السوء، فإنهم مثل نقطة الحبر في كوب من اللبن، وإذا وضع الحبر في اللبن أفسده.
3- اجعل تقوى الله شعارك في السر والعلن، فالتقوى طريق النجاة من النار، وهي طريق الجنة إن شاء الله.
4- اشغل وقت الفراغ بشيء مفيد، مثل هواية مفيدة، أو تعلم لغة، أو تعلم حرفة أو مهنة، أو نشاط رياضي، فاستثمر أوقات فراغك فيما هو نافع ومفيد، والوقت نعمة فلا تجعله في معصية الله، فلا يصح أن يعطيك الله نعمة، فتقابل تلك النعمة بالجحود والعصيان.(33/201)
5- اجعل من نفسك رقيبًا عليك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وعندما تجد في نفسك بعض الآفات والعيوب، استغفر الله، وحاول عدم العودة إلى تلك التصرفات مرة أخرى.
6- أقبل على الله بقلب يملؤه الخوف والرجاء، واستشعر عظمة الله، تهون في عينك الدنيا بما فيها.
7- لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر إلى عظمة من ترتكب في حقه الذنب، إنه الله العظيم.
8- عليك باتباع ما إن تمسكت به لن تضل أبدًا، كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
9- اجعل من كل حياتك طاعة، ومن عاداتك طاعة، حتى يبارك الله في عملك في الدنيا والآخرة.
10- اجتهد في دراستك، وأتقن العمل والمذاكرة، فانشغالك بالمذاكرة هو طريق التفوق والنجاح، كما أنه طريق البعد عن تلك الآفات والسلوكيات.
11- ما رأيك لو بدأت بإصلاح نفسك، وأصبحت قدوة لغيرك، فتأخذ ثوابًا مضاعفًا.
ثالثا: شغل وقت الفراغ والأنس بالله:
لا بد من شغل وقت الفراغ، وعدم ترك النفس نهبا للفراغ، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتْكَ بالباطل؛ ولذا يقول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لرجل، وهو يعظه: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
فاشغل نفسك بطاعة الله، وعليك بالاجتهاد في العبادة، فاقرأ القرآن واجعل لك وردا تقرؤه كل يوم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، "يقال لقارئ القرآن.. اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا"، ويقول الله تبارك وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا} فبذلك تنتصر على أعدائك الحقيقيين مصداقا لقول القائل:
إني ابتليت بأربع ما سلطوا **** إلا لشدة شقوتي وعنائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى **** كيف الخلاص وكلهم أعدائي
وعليك أن تحضر دروس العلم، وتسمع الشرائط والخطب الدينية، واقرأ الكتب المفيدة التي تثقل مواهبك وتنمي ثقافتك، ولا تحرم نفسك من هذا الخير الكثير، ولا تعرض عن ذكر الله فتشقى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} فصلِّ لله بالليل، واقرأ القرآن، وأكثر من الدعاء فسيفرج الله كربك إن شاء الله.. وعندما تأنس بمعية الله تعالى ستشعر بسعادة لا تعدلها سعادة.
نسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ـــــــــــــــــــ
وصايا للإقلاع عن الذنوب العنوان(33/202)
أمراض القلوب الموضوع
أكتب إليك والألم يمزقني، وكنت أود أن أقول (والدموع تتساقط من عيني). لكن هذا للأسف لا يحدث؛ فلو حصل وترقرقت نصف دمعة في عيني فربما حُلت المشكلة بأسرها؛ وما كان هذا الخطاب.
أنا شاب في الثامنة عشر من العمر، لم أكن قط ملتزماً بحق؛ وإن كنت أعطي انطباعاً خاطئاً لمن حولي بالالتزام، كنت مدمناً للكثير من المعاصي، ولكني في رمضان الماضي تبت وأقلعت تدريجياً عن المعاصي، وبدأت الالتزام الحقيقي، وذقت لأول مرة في حياتي لذة الإيمان والطاعة ومقاومة المعاصي.
تعرفت على بعض الشباب الملتزمين في كليتي، واستمر الحال أربعة أو خمسة أشهر بعد رمضان، ثم أصابني فتور شديد؛ استمر طويلاً وجعل يزيد ويزيد، ثم انتهى بي الأمر للعودة من حيث بدأت.
نعم، عدت لإدمان نفس المعاصي، وتضييع نفس الفرائض؛ وكأن شيئاً لم يحدث، بل عدت أسوأ وأقبح مما كنت، وإذ جلست أنظر بروية وتفحص في فترة التزامي أدركت الحقيقة المرة: أنني لم أكن ملتزماً بحق أبداً؛ لأني وجدت فترات الفتور الإيماني أكبر بمراحل من فترات القوة والتوهج الإيماني.
ستقول لي إن الإيمان يزيد وينقص، ومن الطبيعي وجود فتور من حين لآخر، أقول لك : نعم، أعلم هذا ولكن الطبيعي أن يكون الأصل قوة الإيمان وتوهجه، ثم تعتريه فترات فتور طارئة. لكن أن يكون الفتور والكسل وضعف الإيمان هو الأصل؛ وفترات قوة الإيمان طارئة قليلة؛ كما في حالتي فمن المؤكد أن هناك مشكله.
المشكلة أني حاولت التوبة والعودة إلى الله ففشلت!!، نعم فشلت، بل إنني كلما أردت التوبة فشلت، وعجزت تماماً عن العودة، لم يكن لدي سوى الرغبة فقط، كانت أمنيتي أن أتوب، وأعود لله ولرحاب الإيمان، وأكون مسلماً بحق، مؤمناً بحق.
وبالفعل حاولت أن أتوب، وأنا أعلم أن التوبة عمل قلبي بالدرجة الأولى، وأن الندم أساس التوبة والتربية الإيمانية، والسير إلى الله هو: الخوف من الله -عز وجل.
لكني لم أشعر بشي من هذا في قلبي، لا خوف ولا ندم ولا شيء، تفكرت في عظم ذنوبي وخطيئتي، وعظم من عصيت، دونت ذنوبي على الورق، زرت المقابر مرتين، تفكرت في عذاب القبر وأهوال يوم القيامة وعذاب جهنم، سمعت العديد من الشرائط والمواعظ عن الموت وأهوال يوم القيامة والآخرة، وشرائط عن الخوف من الله والخشية، وشرائط ترغب في التوبة وما إلى ذلك.
ولكن لم يحدث شيء لم أشعر بذرة خوف، أو ندم حقيقي في قلبي، لم أشعر بتلك الطاقة التي تنبعث من القلب؛ فتحفز الإنسان على ترك المعاصي والتوبة وفعل الخيرات. وكم كنت أتمنى هذا، كم كنت أتمنى أن تنزل من عيني الجامدة، ولو نصف دمعه أسفاً على ما فرطت في حق الله، أو مهابة له-عز وجل-؛ كي تعمل كشرارة لبدئ التوبة والعودة والإنابة الحقيقية، كشرارة تندلع في محرك سيارة كي تبدأ في حرق الوقود ودفع السيارة.
يبدو أن توبتي كانت توبة لسان كاذب. ما أقسى وأشنع هذا العذاب. أن ترى قلبك وقدميك يقودونك للنار ولا تستطيع تحريك ساكناً. أنا أعلم أن الهداية والتوبة والإيمان(33/203)
محض رزق وفضل من الله، يقذفه في قلوب من يشأ من عباده:{مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأعراف:178). فماذا أفعل لو كتب علي أن أكون من الصنف الثاني؟
لا أدري إن كنت ستفهم ما أريد قوله وتفهم مشكلتي أم لا ؟، إن الوحيد الذي يفهمني حقاً هو الله، وهو الوحيد الذي يستطيع حقاً مساعدتي هو الله.. هذا بالطبع إن شاء إن شاء
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
أخي الحبيب :
أقول لك من أعماق قلبي: أحبك في الله ، نعم أحبك والله، وإني رغم ما ترى نفسك فيه من السواد، فإن شعاع الإيمان ينطق من كلماتك، والندم الذي أنت فيه لهو أول خطوة نحو طريق الإصلاح، أن تدرك أنك على خطأ، وأن نفسك لم تزين لك المعصية فتراها في عينيك شيئا مباحا.
إن طمس القلب يكون بتزوير الحقائق، ومادمنا نرى الخطأ خطأ فنحن أصحاء، ولو أخطأنا، ومن الذي لا يخطئ، إذ الخطأ طبيعة في البشر، ولو لم نخطأ لم نكن بشرا، إن حلاوة الإيمان في طاعة العبد لربه، بل وفي عودته إليه بعد معصيته له، وأنت تدرك فرح الله تعالى بعودة العبد التائب إليه سبحانه، مع كونه الغني عنا، إنه لا يريد منا أي شيء، بل يعطينا كل شيء.
أدرك معك خطر حالتك، وصحتها في ذات الوقت، فما أنت فيه من إدراك الخطر ظاهرة صحية، وما أنت فيه من المعصية المستعصية خطر، ومن الحكمة أن ترى الأمرين معا، وأن تبحث أيضا في نفسك عن نقاط الخير، فأنت لست شيطانا رجيما، بل إنسان فيه خير وإيمان، يفعل الطاعات، ويأتي السيئات، يضعف ويقوى، غير أنه يدرك ما هو فيه من الوهن، ويدرك صعوبة حالته.
ومدار حالك كلها على القلب، فهو لب المسألة، وأنت أدرى الناس بمداخله، بالطبع أنت سترت على نفسك، ولم توضح لنا ما تأتيه من المعاصي، غير أن هذا هو المفتاح الذي يدلنا على الطريق، إنك تأتي أعمالا من السيئات.
وهذه الأعمال لها علاج خاص، ليس دائما كما يقول علماؤنا حين يشتكي أحد إليه أن يلزم صلاة الجماعة وقراءة القرآن والصوم وغيرها من الطاعات، وإن كانت كل هذه أدوية نافعة، غير أنه يجب أن نعالج ذات الداء، لا أن نعطي مسكنات، لأن بقاء المرض وعدم علاجه يلغي مفعول هذه الأشياء، فلا تدخل في النفس، وتكون النفس ضعيفة المناعة، وإن كان في لغة الأطباء أن هناك استعدادات قبل إجراء العملية، تمهيدا للتخلص من بعض المعوقات التي قد تعوق نجاح العملية، ولابد أن نركز على المرض ذاته، وندرك أين الوجع، ونشخصه تشخيصا حقيقيا، ثم نبحث له بعد ذلك عن الدواء الناجع له.(33/204)
كم أدرك أنني أكلم شخصا غير عادي، عنده معرفة كاملة، يستطيع إن وقف خطيبا في الناس أن يبكيهم، ولست أتحدث معك عن مدخل المعرفة، ولكننا في حاجة إلى قراءة النفس بشكل مفصل، يشبه عند علماء الحديث تمحيص الجرح والتعديل، نعرف كل شيء فيها، نقاط الضعف، ونقاط القوة، نقاط الجذب، ونقاط النفور، نقاط الصلاح، ونقاط الفساد . إلخ
أخي الحبيب:
رغم طول رسالتك، إلا أنها جاءت عامة جدا، والعموم دائما لا يخرج علاجا، بل لابد من التحديد حتى يمكن لنا أن نضع أيدينا على الداء، ولكني سأطرح عليك بعض الأفكار التي يمكن أن تستفيد منها جيدا، ومن ذلك:
* لا تضع نفسك في دائرة اليأس، فاليأس قاتل، ولن يجدي شيئا، واجعل نفسك كتاجر تعرض للخسارة، غير أن بضاعته مازالت موجودة، ويمكن له أن ينشط من جديد، وأن يعاود المحاولة، بل ربما كانت السقطة دافعا للقيام والنهوض، ورب ذنب انتفع به صاحبه أكثر من طاعة.
* اجلس مع نفسك، وأمسك ورقة وقلما، واكتب ما تأتيه من المعاصي والسيئات، وقسمه إلى كبائر وصغائر، و صنفه بين ذنوب الجوارح وذنوب القلوب، وابدأ بالكبائر قبل الصغائر، وبذنوب القلوب قبل ذنوب الجوارح.
* اكتب الأسباب التي دفعتك إلى إتيان تلك المعصية، والدوافع المحيطة بها، ووسائل الإغراء في الوقوع فيها .
* اقطع نفسك تلك الأسباب، فلا تعرض نفسك لها، وغير من بيئتك قدر استطاعتك، ولا تكثر الخلوة بنفسك.
* ركز على قطع الداء أكثر من الانشغال بنوافل الطاعات، فكما قال صلى الله عليه وسلم " اتق المحارم، تكن أعبد الناس".
* ابق على كل خير تفعله، لا تخرج من الميدان، فإن كان لك ورد فواظب عليه، ولو بلا قلب، حافظ على الأذكار ولو بلا قلب، حافظ على السنن بلا قلب، فعسى الله أن يرفعك من طاعة بلا قلب، مع طاعة بقلب وما ذلك على الله بعزيز.
* جاهد نفسك، فأنت تعالج جراحا، وعلاج الجراح لابد فيه من الشعور بالألم، ومن ظن أنه سيعالج بلا ألم فقد وهم، اصبر وتمثل قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).
* استعن بإخوانك الصالحين كي يساعدوك، فالإنسان اجتماعي بطبعه لا يمكن أن يعيش وحده، وقد خاطب الله تعالى المؤمنين دائما بنداء الجماعة، ولزوم جماعة الإيمان حصن للإنسان من الشيطان.
* عليك بالدعاء، فإن به تفتح الأبواب، وتيسير الصعاب، وييسر به العسر، ويزال به الهم، فهو سلاح المؤمنين، ولو كانوا مخطئين، وما أحسن ما قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه: لا يمنعنك الدعاء ما تعلم من نفسك، فقد استجاب الله تعالى لشر المخلوقين إبليس، إذ دعا ربه:{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِين َ}(الأعراف:14-15).(33/205)
* اقرأ في سير التائبين والصالحين، وتزود من حالهم لحالك، وخذ من علمهم لعلمك، واقتد بفعالهم في فعالك، فإنهم خير القرون.
وختاما؛
أخي الحبيب، تيقن أن علاجك – بإذن الله- قريب، وهو سهل يسير، على أن تأخذ له عدته، ولا تنس التعلق بالله، وإياك ثم إياك أن تهرب منه، فإن العبد إذا خاف شيئا فر منه، وإذا خاف من الله فر إليه، قال تعالى :" ففروا إلى الله ".
ليكن هذا شعارك، فر إليه، واختل به في ظلمة الليل، وارتمي بين يديه، واشك له دون سواه، وابق على عتباته، حتى يغفر لك ما كان منك، فإن لم تذهب إليه فلمن تذهب؟.. ولا تنسنا من صالح دعائك وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك..
ـــــــــــــــــــ
شيطاني.. على سجادة الصلاة العنوان
العبادات الموضوع
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته..
أنا أعاني منذ 9 أشهر من كآبة، وذلك عندما أقف على السجادة كي أصلي أشعر بأنني سوف أقع ولا أستطيع أن أكمل صلاتي، وأحيانا وأقاوم وأصلي، وكذلك عندما أستحم في الحمام هذا الحالات لا تأتيني عندما أكون مشغولة في شيء ما.
ولكن عندما أصلي أحس بذلك هل هي من وسوسة الشيطان لأنني كما ذكرت سابقا عندما أكون مشغولة لا أحس بشيء ما هذا، وأنا عندي فقر الدم، وليس عندي أي مشاكل صحية. ولكني أظنها من وسوسة الشيطان. أنتم ماذا تقولون إذا كانت من وسوسة الشيطان؟ وماذا أفعل وأنا في الغربة؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يجيب الأستاذ باهشام بنسالم- داعية مغربي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،
كما يجب أن تعلمي الأخت الكريمة أن الله عز وجل قد خلق الإنسان وكرمه، وجعله سيد هذا الكون. إلا أنه ركبه تركيبا عجيبا، وجعل حوله أعداء وأصدقاء. وبين سبحانه وتعالى لهذا الإنسان كل هذه الأمور. فمن هذا التركيب العجيب أن جعل فيه نفسا لا تفارقه، ومن صفاتها أنها أمارة بالسوء، وطلب الله منه أن يزكيها.
وإذا استقرأنا القرآن؛ وجدنا الحق سبحانه يقسم بمخلوقات عديدة فيه، وأطول قسم أورده تعالى في القرآن يتعلق بالنفس. إذ أقسم بسبع مخلوقات فقال سبحانه: { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}.(33/206)
كل هذا قسم أما المقسم عليه فقال سبحانه: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} وكل إنسان مطالب أن يسعى لتزكية هذه النفس؛ لينقلها من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة؛ ثم أعلى درجة وهي النفس المطمئنة.
أما العدو الخارجي الذي جعله الله للإنسان؛ فهو إبليس لعنه الله، وهو من الجن إلا أن هذا العدو له أولياء من جنسه من الجن ومن الإنس. يقول تعالى في محكم كتابه: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}.
وقد حذرنا الله من إبليس وجنوده؛ فقال سبحانه: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وبين لنا الرسول عليه أزكى الصلاة والسلام قدرة شياطين الجن في الوسوسة.
فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم". وقد اعترف إبليس لعنه الله أنه لا يدخل للإنسان إلا من خلال نفسه، قال تعالى في سورة إبراهيم: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة مجاهدة النفس، وتربيتها بالعبادة والكينونة في وسط المؤمنين؛ لأن الإنسان كالغنم والشيطان كالذئب، والذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية كما أخبر الحبيب.
والمراد بالغنم القاصية هي البعيدة عن القطيع الذي يشكل مجموعة تجعل الذئب يفر منها، وكذلك الشأن بالنسبة للإنسان؛ فإذا لم تكن له جلسات إيمانية مع المؤمنين أسبوعيا يجتمعون فيها على تلاوة القرآن وحفظه وفهمه؛ فإن إبليس لعنه الله يتسلط عليه بسهولة.
ومن الأدوية التي أرشدنا إليها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لصد الشيطان ووسوسته؛ الإكثار من ذكر الله.
فأنصح الأخت الكريمة بأن ترجعي إلى الأذكار التي أرشدنا إليها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فداومي على أذكار الصباح ليحفظك الله بها إلى المساء، وداومي على أذكار المساء ليحفظك الله تعالى بها إلى الصباح.
وحاولي الالتزام بالطهارة جل أوقاتك لأنها سلاح المؤمن، وحافظي على الصلوات الخمس في أوقاتها، والاستزادة من النوافل ، وتسمى بالرواتب القبلية أي قبل صلاة الفرض والرواتب البعدية بعد صلاة الفرض، وأكثري من قول لا إله إلا الله، والصلاة على الحبيب المصطفى، والمحافظة على حزبين من القرآن تلاوة أو استماعا إن كان بك عذر؛ لأن المستمع للقرآن كقارئه.
وحاولي الحفاظ على أذكار النوم، والوضوء قبل النوم ، وكذلك بالنسبة لأذكار الاستيقاظ من النوم لأن من فعل ذلك كان في ذمة الله، لا يمسه أذى من شياطين الإنس ولا الجن، وبهذا إن شاء الله تكونين في حفظ الله، وفي حصنه المنيع.(33/207)
ويكون الشيطان عندئذ ضعيفا؛ لأنك لذت واستعذت بالله، وستسلمين إن شاء الله من كل تلك الوساوس؛ بل قد تصلين إلى درجة المخلصات - بفتح اللام- ممن قال فيهم الحق سبحانه على لسان إبليس اللعين: { قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين}.
ويضيف الأستاذ جمال عبد الناصر- مستشار بصفحة الاستشارات الإيمانية:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول وبعد..
أختنا الفضلى سارة من أرض الرافدين مرحبا بك على موقعك وموقع كل المسلمين "إسلام أون لاين"، ردنا على استشارتك يدور على محورين أساسيين هما:
1- الوسوسة.. حقيقتها وأثرها على الإنسان.
2- وسائل التغلب على الوساوس الشيطانية.
أولا: الوسوسة.. حقيقتها وأثرها على الإنسان:
إن الوسوسة أمر يرد على الإنسان من لدن الشيطان ليضله عن سبيل الله، إن الكافرين من الجن يسلطون على الإنسان بالوسوسة والإغواء والإضلال. يقول تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إذا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:36-38].
وفي السنة النبوية - أيضا- نماذج كثيرة عن توجيه الرسول لنا لكيفية التعامل مع الجن. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرين من الجنّ وقرين من الملائكة" قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "وأنا، إلا أنّ الله قد أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفية معالجة شكوك ووساوس الشيطان عندما يعرض لنا فقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول:الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسوله" رواه أحمد والطبراني، والألباني في صحيح الجامع.
يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر سابقا: ". علاج الوَسوسة والتخلص منها هو بالاستعاذة وذِكْرِ الله كثيرًا، ولا تَشغل عقلك ولا قلبك بأيِّ عمل يُخالف الذي أنت فيه. فعند بداية الوضوء تستعِيذ بالله من الشيطان الرجيم بذِكْر الله ثم تَنوي الوضوء وتَقرأ البسملة وتعمل كل فرائض الوضوء وسُننه، ولا تَشغل بالَك وعقلك وقلبك بأيِّ عمل خلاف الوضوء في وقته حتى تتأكد أنك فعلتَ كلَّ الفرائض والأركان.
وكذلك في الصلاة بعد النِّيَّة وتَكبيرة الإحرام والدخول في الصلاة ؛لا تَشغلْ بالَك بأيِّ عمل غير أفعال الصلاة، ويكون ذلك في خُشوع وخضوع لله تعالى عملاً بقوله تعالى: (قد أفلَحَ المؤمنونَ* الذينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون: 1 ـ 2).(33/208)
ويجب على المُصلِّي أن يُقبِل بقلبه، ويَصرف عن نفسه الشواغلَ ويُفكر في معنى الآيات التي يقرأها، ويتفهَّم حِكمة كل عمل يعمله من أعمال الصلاة والصيام؛ لأنه لا يُكتب للمرء من صلاته إلا ما عقَل منها.
واعلمْ أن الوضوء والصلاة والصيام كل ذلك يكون صحيحًا عندما يَحدث لك الوسواس مِن الشيطان، ولا تَدَعِ الشيطان يتغلب عليك. وإذا حدث لك شكٌّ في الوضوء أو الصلاة فابْنِ على اليقين، وهو الأقل في عدد الركعات في الصلاة، ومن القواعد الفقهية المُقرَّرة أيضًا "استصحابُ الأصْل وترْكُ الشك وبقاءُ ما كان عليه وأن الشك لا يُزيل اليَقِين"(انتهى).
ثانيا: وسائل التغلب على الوساوس الشيطانية:
1- أن يقول المرء إذا انتابته هذه الخواطر: آمنت بالله ورسوله.
2- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فيقول مثلاً: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه).
3- أن يتفل عن يساره ثلاثاً.
4- أن ينتهي عما هو فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولينته)، وهذه وسيلة مهمة؛ فإن الاستطراد مع الشيطان في هذه الوساوس يزيد نارها اشتعالاً وضراماً، والواجب أن يقطع المسلم هذه الخواطر بقدر المستطاع، وأن يشغل ذهنه بالمفيد النافع.
5- أن يقرأ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) فإن فيها ذكر صفات الرحمن، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن، وقراءة هذه السورة العظيمة وتدبرها كفيل بقطع هذه الوساوس.
6- أن يتفكر الإنسان في خلق الله، وفي نعم الله، ولا يتفكر في ذات الله، لأنه لن يصل بعقله القاصر إلى تصور ذات الله، قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}.
7- البعد عن الوحدة ولزوم الجماعة والمحافظة على الوضوء دائما، وشهود الجمع والجماعات.
8- أن يكون اللسان رطبا بذكر الله دائما، واسمع لقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إذا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أو تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أو نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 36-43].
9- عليكِ بذكر الله تعالى: قال الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]، وقال سبحانه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 124-127]. فالإعراض عن ذكر الله يورث الإنسان ذلا ومشقة وعناء، ويجعله يعيش في ضيق وكمد وضنك.(33/209)
10- قراءة الرقية الشرعية: تكون الرقية الشرعية بقراءة القرآن الكريم، وخاصة آيات الرقية وسورة البقرة؛ لأنها تنفع بإذن الله تعالى في اتقاء السحر قبل أن يقع وتنفع في دفع ضرره بعد أن يقع، وكذلك قراءة آيات مباركات مثل آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين وآخر آيتين من سورة البقرة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولم يقربه شيطان حتى يصبح". وقال أيضا: "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه"، وهناك الكثير من الآيات والأذكار الواردة في هذا الموضوع.
11- الالتزام بالطاعات والمحافظة على الصلوات: إن المحافظة الصلوات الخمس وحضور الجمع والجماعات، وقراءة القرآن وصلة الأرحام وعدم كثرة الخلوة والجلوس منفردا، وكذلك حضور دروس العلم ومجالس الذكر والاستماع للخطب وغيرها والقراءة في كتب السنة - كل هذا مما يذهب غيظ الشيطان.
12- عليكِ بالصحبة الطيبة وعدم الجلوس منفردة: فلتختر الأخت لنفسها صحبة طيبة من صديقاتها يعنها على طاعة الله، وشهود دروس العلم، وحضور الجماعات في المساجد، فالشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية منها".
13-اشغلي نفسك بطاعة الله عز وجل وقراءة القرآن والمحافظة على الصلاة وقول الأذكار، واملئي وقت فراغك بالأشياء المهمة من قراءة وتعلم ومعاونة الأهل في المنزل وغيره، ولا تعرضي عن ذكر الله فتشقي {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}. وعن مشكلة الغربة والحفاظ على الإيمانيات؛
ـــــــــــــــــــ
لفتات ذوقية في الحياة الزوجية العنوان
الأخلاق الموضوع
كيف نزرع الود في بيوتنا؟ فهل لنا ببعض التوجيهات لبعض الأخلاقيات التي يجب أن يتحلى بها الزوجان في علاقتهما ببعض؟
السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران المستشار
الرد
الأخ الفاضل،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لا يصح أن يتساهل أحد الزوجين في إظهار الذوقيات العامة التي يحرص على إظهارها لعموم الناس، من لين الكلام، وحسن الخلق، والابتسامة في الوجه، والتعاون في قضاء الحوائج أو الاعتذار بلطف إذا كان متعبًا أو مشغولاً، وكذلك الظهور بأفضل مظهر، وأحسن هندام، وأطيب رائحة، وكسر حدة الكلام الجاف بالخروج -(33/210)
أحيانًا - عن المألوف بإدراج نكتة عارضة "صادقة" أو معلومة ظريفة، أو مترادفات لغوية لها صلة بالحديث الدائر، كأن يكون الكلام مثلاً على هذه الشاكلة:
- كيف الحال؟.
- منصوب دائما، والحمد لله!
فاللين والرفق والملاطفة والتدرج والتي هي أحسن.. تجعل الإنسان يحصل على خير كثير وحب دافئ وقلب حنون: {وقدموا لأنفسكم}.. في أي سياق وردت هذه الآية؟.. سأترك لك الإجابة، وستدركها بعد أن تقرأ الآية من أولها.
ومن أفضل الوصايا تلك الوصية التي قدمتها الأم لابنتها ليلة زفافها، حين خاطبتها بخطاب رقيق مراعية أنها في حالة نفسية غير مستقرة، وكان مما قالت لها:
(يا بنيتي)؛ بأسلوب التصغير الذي يوحي بالعطف والحنان والرقة والأمومة.. ثم شرعت توضح لها أن ظروفها سوف تتغير في هذه المرحلة السنية التي تمر بها..
(لقد انتقلتِ من البيت الذي فيه درجتِ، إلى زوج لم تعرفيه وقرين لم تألفيه): وهذه الجملة تطرح في ذهن الفتاة أسئلة عديدة، منها:
- طالما أن الأمر كذلك يا أمي، فما المطلوب مني نحو هذا الزوج، كيف أستطيع أن أتعايش معه دون أن يحدث بيني وبينه نفور أو إعراض؟
- وما هي مداخل سعادته؟ أخبريني بأفضل ما يمكنني القيام به في هذا البيت الجديد مع هذا الزوج الذي لا أعرفه، والقرين الذي لم آلفه؟
وتأتي كلمات الأم مناسبة لما يدور في خلد الفتاة:(فكوني له أَمةيكن لك عبدًا):
فالتكلف مرفوع بينكما، وليس لكلمة الكرامة موضعها بين زوجين يغلق عليهما باب واحد ويبيتان تحت سقف واحد.
قال الشاعر:
أنا أنت، أنت أنا نحن رُوحان حللنا بدنا
فمن خصائص الأمَة أنها دائما مطيعة لسيدها بلا جدال ولا نقاش، وإن كان هذا لا يعني أن تطيع الزوجة زوجها طاعة عمياء، لكن الذي تقصده الأم أن الأصل فيك أن تطيعي زوجك لا أن تخالفيه.
(وكوني له أرضًا يكن لك سماءً):نِعْمَ التشبيهُ والتورية، فالأرض موضع الاستقرار والثبات والحرث والزرع والمِلك، منها تخرج الطيبات، وفيها تزدهر الثمار، وتترقرق الجداول صفاء ورقة وعذوبة، بها يعتز صاحبها أيما اعتزاز.. يذود عن حوضه، ويحمي عرضه، بل إن الموت في سبيل الدفاع عنها شهادة في سبيل الله ترفع إلى أعلى الدرجات (ومن مات دون عرضه فهو شهيد) فأي شرف وأية كرامة أعظم من هذه؟.
والسماء مَظلة وحماية ورعاية وعناية، منها ينزل المطر الذي يختلط بالأرض، فيخرج منهما أطيب الثمار مما ينفع الناس والأنعام.
والسماء رمز العزة والرفعة، وموضع السمو والتعالي، إذا نظر إليها المهموم صفا كدره، وارتاح صدره، وارتبط بالملأ الأعلى، وعلم أنه لا يعيش في هذا الكون وحده، بل إن معه ملائكة ازدحمت بها السماوات، وأطت، وحق لها أن تئط، فما فيها موضع قدم إلا وبها ملك ساجد لله، أو راكع.(33/211)
ولا يصح أن يجعل أي من الزوجين ذوبان التكلف بينهما سببًا في التساهل في أمور منفرة للطرف الآخر، بحجة أنه لا فرق بين الاثنين، إلا في حالات الضرورة مما يصعب الاحتراز منه.
فعلى سبيل المثال: تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يغتسل معها وتقول له دع لي دع لي).. ماذا يفهم من هذا الحديث؟
اختر الإجابة الصحيحة:
أ- يفهم من الحديث جواز مشاركة الزوجين في الاستحمام.
ب- يفهم من الحديث جواز المشاركة في الاستحمام وأيضًا قضاء الحاجة.
ج- يفهم من الحديث جواز الكلام أثناء الاستحمام.
د- يفهم من الحديث جواز الكلام أثناء قضاء الحاجة.
والآن دعني أختر معك الإجابة الصحيحة: إذا اخترت أ ، ج فأنت على صواب.
وأنت أيتها الزوجة، أعرف أنك لا تحبين الخضوع بالقول، خاصة وأنك أحيانا تتعاملين مع أناس من خارج المنزل، في السوق، في العمل، في الهاتف.. الخ، فأنت تحرصين على أن يكون صوتك صوتا عاديا لا تكلف فيه ولا خضوع.
لكنني أهمس في أذنك أيتها الزوجة التقية: هل من المستساغ في الحياة الزوجية أن يسمع زوجك منك - دائمًا أو غالبًا - صوتًا مثل هذا الذي تتعاملين به مع غيره من الناس؟
ربما تقولين: هذه طبيعتي، وقد تعودت على ذلك، ولا أستطيع أن أغير من طبيعتي.. إن هذا صعب جدًّا..
وقد يكون معك الكثير من الصواب، لكن، ما ذنب هذا الرجل الذي تتسلل إليه ما بين الحين والحين أصوات ناعمة ورقيقة من بنات جنسك؟
نعم أنت لست مثلهن.
لكنك - لا شك - أفضل منهن..
أنت تعرفين الحكمة التي تقول: لكل مقام مقال، ولكل أرض غرس، ولكل بناء أُس، ولكل ثوب لابس، ولكل علم قابس..
ربما تسألين: وكيف أستطيع ذلك، بعدما تعودت على طريقة واحدة في الكلام؟
أقول: العلم بالتعلم، وبدون تكلف حاولي مرة بعد مرة ابتغاء مرضات الله وتحصينا لأذن زوجك وقلبه من الغوائل والذنوب، حتى وإن كان هو لا يفصح لك بذلك.
وليس من الطيب أن يجلس الزوجان دون كلام، إما أن أحدهما - أو كليهما - مشغول بشيء، تلفاز أو جريدة أو كتاب أو مجلة.. الخ، والآخر يظل فترة طويلة ينتظر كلمة أو بعض كلمة..
إن الوحشة لا تعني الجلوس وحيدا، أو بعيدا عن الناس فحسب، وإنما قد يصاب إنسان بوحشة كبيرة وهو يعيش بين الناس، لأنه لا يجد أحدا من الناس يؤنسه بالكلام، ويتجاذب معه أطراف الحديث
ـــــــــــــــــــ
لا إيمان.. لمن لا صبر له العنوان
أمراض القلوب, الأخلاق الموضوع(33/212)
كنا قد نشرنا بتاريخ 29/6/2006م، استشارة إيمانية بعنوان : أهل زوجي يظلمونني.. لن أسامحهم أبداً، أجاب عليها المهندس رامي الملحم ، ووصلتنا مشاركة من الباحث الأستاذ جمال عبد الناصر.. ننشرها للمزيد من الفائدة.
وقد تناول الرد الأول الحلول العملية، وسلطت المشاركة الثانية الضوء على بعض المفاهيم الإيمانية؛ كالصبر وعلاقته بالإيمان، وعدم معاقبة الناس على ذنوب لم يقترفوها، وكيف نحكم الدين في أمورنا، وأهمية نصح الآخرين من أجل بيئة اجتماعية أكثر هدوءا وطمأنينة..
السؤال
الأستاذ جمال عبد الناصر المستشار
الرد
بسم الله والحمد الصلاة والسلام على سيد البشر وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته، وبعد..
أختنا في الله السلام عليكم ورحمة الله، ومرحبا بك على موقعك وموقع كل المسلمين في العالم إسلام أون لاين..
الأخت الكريمة الرد على استشارتك الإيمانية يتبلور في النقاط التالية:
1- مرد النزاع لمن؟
2- زواج الأقارب وزواج البدل.
3- الصبر على البلاء وجزاء الصابرين.
4- ألا تزر وازرة وزر أخرى.
5- الدين النصيحة.
أولا: مردُّ النزاع لمن؟
تقولين "كلموني بالعقل.. بالواقع.. لا أريد كلاما مثاليا".
أقول لك أكلمك من منطلق كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلاقا من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء:59-60].
المؤمن أختنا الكريمة، يجعل شرع الله نصب عينيه وافق هذا هواها أو لم يوافقه، أما الواقع والعقل و. و فهذا كلام نتركه للعلمانيين الذين يحتكمون إلى هذه الأشياء. أما نحن فنضع الواقع والعقل في موضعهما من حيث أمرنا الشرع الكريم.
فمردُّ النزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا محيد لنا عنهما، ففي هذا الفلاح والنجاح، ولنا التعازي والمواساة فيما لا يرضينا في هذه الدنيا بأن نحتسب الأجر عند الله، ونصبر على الأذى ونخالط الناس انطلاقا من قول سيد ولد آدم صلى(33/213)
الله عليه وسلم: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".
ثانيا: زواج الأقارب وزواج البدل:
جاء في "مغني المحتاج" في فقه الشافعية: "أن الشافعي نص على أنه يستحب للرجل أن لا يتزوج من عشيرته، وعلله الزنجاني بأن من مقاصد النكاح اتصال القبائل لأجل التعاضد والمعاونة باجتماع الكلمة".
ويبدو لي أن التعليل المقبول في استحباب الزواج من النساء البعيدات لا القريبات في النسب من أجل توسيع دائرة الروابط الاجتماعية المؤثرة في تحقيق التواصل والتعاضد والتعاون بين أطراف هذه الروابط.
وجاء في كتاب "المغني" لابن قدامة الحنبلي: "ويختار الأجنبية فإن ولدها أنجب، ولهذا يقال: اغتربوا لا تضووا. يعني: أنكحوا الغرائب كيلا تضعف أولادكم؛ ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح وإفضاؤه إلى الطلاق، فإذا كان في قرابة أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها". وهذا القول يصلح أيضا تعليلاً مقبولاً لترجيح نكاح البعيدات.
والراجح في مسألة اختيار المرأة القريبة أو البعيدة هو أن تنظر كل مسألة على حدة؛ لأن هذا الاختيار يراد به تحقيق المصلحة الشرعية الراجحة، سواء جاءت هذه المصلحة بزواج البعيدة أو القريبة.
وهذا يختلف باختلاف الظروف والأحوال، فلو كانت القريبة يتيمة لا كافل لها وهي متدينة فالزواج بها أولى وأرجح من الزواج بالأجنبية؛ لأن الأقربين أولى بالمعروف، والزواج بهذه اليتيمة القريبة معروف لا شك فيه؛ ويحقق مصلحة شرعية مؤكدة ترجح على ما يظن من المصلحة بزواج الأجنبية.
وفي المثل البدوي: "البَدَل قِلَّة عَدَل" فقد يتخاصم أحدهم مع امرأته فيطردها أو يطلقها، فيضطر الثاني الذي يعيش في وفاق مع امرأته أن يقابله بمثل صنيعه، وإن لم يفعل فإن الأول الذي طرد زوجته يستدعي أخته ويحجزها عنده حتى تنتهي المشكلة إما بعودة النساء إلى بيوتهن وإما بطلاقهن.
فالفائدة من هذا الزواج مهما كانت فإنها لا تُعَدّ أكبر من كونها تزيد الروابط الاجتماعية، ومع ذلك فهي تتحقق بأي زواج آخر، وسلبيات زواج البدل عديدة؛ لأن كلا الزواجين يرتبط تلقائيًّا بالآخر، فما يحدث في أحدهما ينتقل إلى الآخر.
وهذا الزواج نادرًا ما ينجح، والواقع أثبت ذلك حيث إنه إذا انتهى أحد الزواجين بالطلاق نتيجة وجود ما يعكر صفو الحياة الزوجية، وجدنا أن الزواج الآخر ينهار ويحدث الطلاق مع أنه لا يوجد ما يوجب الطلاق، بل العكس تمامًا ربما كان زواجًا ناجحًا، والزوجان يعيشان في انسجام ووئام.
فكم من زوج وزوجة عاشا متحابين سعيدين؛ فإذا بعادة البدل تقضي على حبهما وتنتزع أحدهما من حضن الآخر دونما ذنب أو جريرة، فما ذنب تلك الزوجة التي تعيش سعيدة مع زوجها وأطفالها حتى تطلق.
إنها في ذلك تتعرض لظلم فادح، وما ذنب الزوج الذي يضطر إلى تطليق زوجته مع أنه يتحمل جزءًا من المسئولية؛ لأنه قام بزواج البدل من الأساس. وما نقوله هو "قدر(33/214)
الله وما شاء فعل" هذا هو واقعك. فتعاملي معه واستعيني بالله واصبري، وتعايشي راضية بحكم الله عز وجل.
ثالثا: الصبر على البلاء وجزاء الصابرين:
أختاه إن المسلم لا بد أن يتسلح بسلاح الأخلاق الإسلامية العظيمة كي يواجه بها شتى المصاعب والمشكلات، ومنها الصبر، فإن الصبر خلق عظيم، وله فضائل كثيرة منها أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب.
فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى: {إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ} [الزمر:10]. والصابرون في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: {إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ} [البقرة:153].
وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال: {وَاللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ} [آل عمران:146] وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه: {وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ} [النحل:126].
ولقد خص الله تعالى الصابرين بأمور ثلاثة لم يخص بها غيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: {وَبَشّرِ الصّابِرينَ * الّذِينَ إذا أصَابَتَهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَيهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ} [البقرة:155-157].
والله سبحانه قد علق الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] فعلق الفلاح بكل هذه الأمور.
وخصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلا أهل الصبر كقوله تعالى: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ} [القصص:80]، وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].
ولقد وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة عن رسول الله في بيان فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر في الدنيا والآخرة. فعن أنس -رضي الله عنه- قال: مر النبي بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتقي الله واصبري".
فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي -ولم تعرفه- فقيل لها: إنه النبي، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن من صبر عند الصدمة الأولى انكسرت حدة المصيبة وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: ".. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر" [رواه البخاري ومسلم]. وفي الصحيحين أن رسول الله قسم مالاً فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله، فأُخبر بذلك رسول الله فقال: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
قالوا عن الصبر:
* قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وجدنا خير عيشنا بالصبر)، وقال أيضاً: (أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً).(33/215)
* وقال علي رضي الله عنه: (ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد). ثم رفع صوته فقال: (ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له) وقال أيضاً: (والصبر مطية لا تكبو).
* وقال الحسن: (الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده).
* وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه).
ومما يناقض الصبر الشكوى إلى غير الله، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعه ولا ضره. وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: (يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟).
وصدق من قال:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقال: {إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي إلى اللّهِ} [يوسف:86].
رابعا: ألا تزر وازرة وزر أخرى:
يقول تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: 164].
قال القرطبي في تفسير الآية: "قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذ بجرمها ومعاقبة بإثمها" [الجامع لأحكام القرآن].
وقال ابن كثير: "ثم قال {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا يحصل أحد ذنب أحد ولا يجني جان إلا على نفسه، كما قال تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ}.
قال ابن كثير في تفسير الآية: وقوله {وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} الآية، كقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الآية. يعني أنه لا يغني أحد عن أحد، وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها لغيرها" [تفسير القرآن العظيم].
ومن هنا فإنه لا يد لزوجك فيما يحدث من خلافات بينك وبين أهله، فعليك أن تحسني علاقتك به جيدا، وإياك أن تأخذيه بجريرة أهله، وأقول لك بصدق يا أختاه لا أحد يدوم لأحد، ولا أحد يعيش مع أحد، فطيبي نفسًا وهدئي من روعك، وأحسني إلى زوجك تستعبدي قلبه، وصدق من قال:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم **** فطالما استعبد الإحسان إحسانا
وإياك أن تعيني زوجك على قطيعة الرحم فهذا جرم عظيم والعياذ بالله، بل لتصلا الرحم ولتذهبا إلى أهله معا، ولو زيارة عابرة تخرصين بها الألسنة المتسلطة وتخرجين بها من ذنب المقاطعة.
خامسا: الدين النصيحة:(33/216)
نصيحتهم والتماس العذر لهم، وينبغي ألا نتصيد الأخطاء لهم، وإنما نتلمس المعاذير لهم مع النصيحة لهم، استنادا لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "الدين النصيحة قالها ثلاثاً قلنا: لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "ثلاث خصال لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم" لا يغل عليهن أي يكن طهارة لقلبه من الغل، فلا يجتمع القلب على الغل إذا حقق هذه الخصال الثلاثة "إخلاص العمل لله -عز وجل- ومناصحة أولي الأمر، ولزوم الجماعة" والمقصود بالجماعة: لزوم الدين وما عليه جمهور المسلمين أي أن تلزم الدين فلا تبتدع.
وأيضاً في الحديث الصحيح أن عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- "بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- على السمع والطاعة، وألا ينازع الأمر أهله ثم قال: والنصح لكل مسلم" إذن: النصح لا بد أن يكون لكل مسلم، فنحن ننصحهم ونتلمس العذر فيما يقومون به ما استطعنا إلى ذلك من سبيل ما لم يكن ما يفعلونه خطأً واضحاً لا مرية فيه ولا شك.
وهذه النصيحة لابد أن تتصف بصفتين: الرفق، والسر أو الإسرار. إذن فلا بد أن تكون النصيحة سرًّا إما في كتاب تدفعينه إليهم، وإما أن تختلي بهم، وإما أن تبلغي النصيحة لمن يبلغهم هذه النصيحة هذه كلها سبل وأن تكون النصيحة بالرفق دون تغليظ ودون تعنيف.
وقد أمرنا أن ننصح لله ورسوله، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة"، قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقد يكون في رأيك ما خفي على غيرك.
ولما جلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يوما، وقال أتدرون ما الشجرة الطيبة، وذلك في قوله تعالى {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} فلم يصب أحد الجواب، وكان في روع ابن عمر أنها النخلة، ولكنه استحى أن يقول ذلك أمام كبار الصحابة، فلما قال الرسول لأصحابه: "إنها النخلة" وانتهى المجلس، قال ابن عمر لأبيه عمر: والله يا أبتِ، لقد وقع في نفسي أنها النخلة".
فتمنى عمر أن لو كان قالها ولده في محضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكوني أختاه كالنخلة يرميها الناس بالحجر فترميهم بأطيب الثمر مستشعرة ثواب الله في الآخرة وعظيم أجر الصابرين إن شاء الله.
وإياك أن تخاصمي أو تقاطعي فهذا -كما تعلمين- ليس من أخلاق المسلمين على الإطلاق، فصِلِي ولو شيئا يسيرا، المهم أن تخرجي من ذنب المقاطعة والمخاصمة فتلك ليست بأخلاق المسلمين، ولا تكثري من الحديث في هذا الأمر مع زوجك كي لا تكدري عيشتكما، فهو مثلك لا ذنب له في الموضوع.
ـــــــــــــــــــ
كيف أتوب من "الغضب" ؟ العنوان
الأخلاق الموضوع(33/217)
أريد أن أستفسر على مسألة مهمة تؤرقني، وهي أنني عندما أغضب من أحد فإنني أتكلم بصوت عال وأتعصب، وهذا يؤثر على نفسيتي بعد ذلك؛ لأنني أعلم أن هذا ليس من أخلاق الإسلام، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا حريص على الاقتداء بخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكن في هذه المسألة بالذات أحاول جاهدا، لكن عندما يستفزني شخص ما لا أتمالك أعصابي.
فدلني جزاك الله خيرا على طريقة ما لكي أكون حليما وهادئا مهما حصل. ومعنى آخر : كيف أتوب من الغضب، و جزاكم الله عن الإسلام خيرا كثيرا.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور ياسر نصر:
أحسب أن سؤالك يشتمل على كثير من المصداقية مع الذات ومحاولة للوصول للأفضل عند رب العالمين، ولعلك تبحث عن الوصول لخلق يكفي حامله أن يأتي يوم القيامة في زمرة من الناس؛ لتسبق كل الناس إلى جنات الخلود.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه". ومن هنا تخرج قاعدة تربوية سلوكية؛ فيما يعرف في العلم الحديث "العلاج السلوكي المعرفي" أن يضع كل منا هدفا يقسمه على مراحل ويعطي لكل مرحلة وقتا وزمنا ويكون هناك مرونة في التعامل مع كل مرحلة من هذه المراحل، فإن لم تتم في الوقت المحدد فعليك بالصبر حتى تتم تلك الخطوة.
ولعل أهم نقطة في التغيير هي الشعور بالألم مما أنت فيه؛ فهذا كاف لكي تبدأ في مشروع السيطرة على الذات الذي يتطلب منك الآتي:-
* عنوان المشروع: تخفيف حدة الغضب.
* الخطوات:
* النية.
* المشارطة اليومية: وذلك في بداية كل يوم بالتنبيه والتذكير على النفس؛ بألا تنفعل في مواقف تحددها أنت. وتترك مواقف أخرى يسمح لك فيها بأن تنفعل كما يحلو لك؛ وأن تبدأ في مشارطة نفسك داخل بيتك وأن تطلق لنفسك العنان خارج البيت.
* تسجيل المواقف الأكثر انفعالا: قسم ورقة بيضاء إلى ثلاثة أجزاء تكتب فيها: المواقف التي تنفعل منها، المواقف التي لا يسمح لك أن تنفعل فيها (موقف أو موقفين في اليوم)، المواقف التي يسمح لك أن تنفعل فيها. مع كتابة كل الأفكار التي تصاحب الموقف وستكتشف أن هذه الأفكار هي التي تحرك ذلك الغضب، ومع مرور الوقت إن استطعت أن تتنبه لهذه الأفكار فإنك تستطيع أن تسيطر على كل موقف من هذه المواقف.
* الاستعانة: بالرياضة والتركيز في حركة من الحركات الرياضية التي تقوم بها.(33/218)
* التأمل: كل يوم لمدة 15 دقيقة، تتأمل خلالها فيما ترتب عنه من تصرفات وانفعالات نتيجة لما أقدمت عليه.
* المراجعة المستمرة اليومية: قبل النزول إلى عملك للآثار التي يمكن أن تترب على انفعالك بعد 5 سنوات من الآن.
* الاستعداد البدني والنفسي: أفاد الرسول ببعد سلوكي تربوي يعدل توجيه طاقة الغضب؛ بتغيير الوضع أو الوضوء أو أن تقول لن أغضب، وهذا هو مبدأ تصرفي سلوكي حديث لعلماء النفس في العصر الحالي سبقهم فيه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
* المراجعة: لكل هذه الخطوات أسبوعيا و شهريا.
* محاولة زيادة معدلات التحمل: بالتعرض للمواقف المثيرة للغضب وتحديد مدى فعالية هذا البرنامج.
* مراجعة الطبيب: إذا كان هناك لون من ألوان الأعراض الجسدية من رعشة في اليد وخفق في القلب، حتى يستطيع أن يسيطر على هذه الأعراض.
* التربية الروحية والإيمانية: وأهمها قيام الليل هي من أشد ومن أقوى وأمضى الأدواء للسيطرة على الذات.
هذا البرنامج يحتاج على الأقل إلى سنة للوصول إلى الهدف.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود :
شكر الله لأخينا الدكتور ياسر نصر عرضه الجيد لهذا البرنامج المقترح لمكافحة الغضب، فمما لا شك فيه أن الغضب مفتاح كل الشرور، ومدخل للشيطان، غير أنه ليس كل الغضب مذموم، فهناك غضب محمود، وهو غضب المسلم لله عندما تنتهك محارم الله.
وقد امتدح الله تعالى أناسا كظموا غيظهم لله، فقال تعالى: ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، [ آل عمران : 134 ] . وجملة (كظم الغيظ) التي عبر القرآن الكريم بها عن عملية السيطرة على النفس أثناء الغضب تشير إلى أهمية كظم الغيظ أو الغضب ومنع استطالته وكبح جماحه، حتى لا يطفح.
وقد سجلت لنا كتب الحديث الكثير مما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء" .
وقوله للرجل الذي قال له : أوصني، فقال : " لا تغضب " ، فردد عليه مراراً، قال : " لا تغضب " . وفى حديث آخر أن ابن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل ؟ قال : "لا تغضب ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
ومن المعلوم أن الناس من الغضب على ثلاث أحوال: إفراط، وتفريط، واعتدال، فلا خير في الإفراط والتفريط، أما الاعتدال فهو الوسط المطلوب .
وقد روى البخاري ومسلم رضي الله عنهما قالا: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدُهما يسبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمَرَّ وجهُه، فقال النبي صلى الله عليه(33/219)
وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهبَ عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لأشج بن قيس : "إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة" . كما روي أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً".
وختاما؛
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يقيك شر الغضب، وأن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وتابعنا بأخبارك يا أخ كمال
ـــــــــــــــــــ
سيرة الرسول أقصر طريق للوصول العنوان
غذاء الروح الموضوع
هل من الممكن أن ترشدنا إلى أهمية دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهم ما امتازت به؟، وكيف يمكن استثمارها إيمانيا ؟
السؤال
الرد
يقول الأستاذ عصام تليمة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا شك - أخي العزيز- أن السيرة النبوية هي المعين الذي لا ينضب، وينهل منه كل مسلم، فهو التطبيق العملي لتعاليم الإسلام.
فالسيرة النبوية تجلي لنا عبادة النبي وإيمانه، وبعده عن كل أمر يخالف شرع الله وذلك قبل الرسالة، وكيف كان تعبده في أول الوحي، وخاصة عند تلاوة سورتي المزمل والمدثر.
كما أن للسيرة أثرا إيمانيا هاما على من يقرأها ويتدبرها؛ ففيها يقرأ الإنسان مواقف النبي-صلى الله عليه وسلم- في صبره وتجلده، وسلوكه مع ربه سبحانه وتعالى، مما يلقي بأثره على نفس القارئ للسيرة بهذه المعاني.
أما ما نجنيه من دراسة السيرة النبوية، فإنها تفيد المسلم القارئ لها على النحو التالي:-
* تصحيح المفاهيم التي يغزونا بها المجتمع، فكثيرا ما نرى في مجتمعاتنا مفاهيم لا علاقة لها بالإسلام، وعند قراءة السيرة النبوية تصحح هذه المفاهيم، مثل: التشاؤم من المكان الذي يحدث للإنسان فيه حادث أليم، فيرتبط في ذاكرته بالتشاؤم والسوء، فنقرأ في السيرة النبوية ما يدفع هذا المفهوم الخاطئ، وذلك عندما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في إحدى أسفاره، ومر على جبل أحد، فقال لصحابته: هذا أحد، يحبنا(33/220)
ونحبه. فجعل نظرتهم تتغير لهذا الجبل الذي مني عليه المسلمون بالهزيمة في عزوة أحد.
* السيرة النبوية عند دراستها تبين ما لم يتضح معناه أو ما أُجْمِل في القرآن الكريم.
* أنها قربى إلى الله عز وجل، وتبصرة للمسلم ليكون على معرفة بدينه، وبسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم فيسهل عليه التأسي به والسير على نهجه.
أما ما امتازت به السيرة النبوية، فقد امتازت بعدة ميزات لم تتوفر في سيرة نبي ولا رسول ولا عظيم من عظماء البشر، ومن أهم خصائصها :
* التاريخية: فهي سيرة تعتمد على وسائل إثبات التاريخ، فهي تمتاز بالتاريخية والصدق؛ لأن المسلمين أمة الإسناد، فكل ما ورد عن رسولها مُحِصَّ ودقِّق، وثبت نسبته بطرق الإثبات المعروفة عند أهل الحديث.
* الواقعية: فهي سيرة واقعية لا تحلق في أجواء الخيال، تبين أنها سيرة بشر، إلا أنه رسول مرسل من قبل الله عز وجل، ولا تعتمد على الخرافات التي وجدت في قصص النبيين السابقين، أو المجازفات التي نراها في قصص الملوك والحكام، ويكفي المسلم في ذلك أن ينظر في الكتاب المقدس ليعلم ذلك جيدا.
* الشمول: فهي سيرة شاملة في كل ما فيها، ولكل إنسان، على خلاف سير المرسلين السابقين، فهم في سيرتهم أسوة في العموم، ولكن لا يجد كل إنسان ما يريده من كل حياتهم، فمثلا لا يجد الأب الذي عنده أبناء أسوة في حياة يحيى عليه السلام، لأنه لم يتزوج ولم ينجب، ولا يجد العسكري المحارب أسوة في حياة عيسى عليه السلام؛ لأن المسيح لم يحارب قط، ولا يجد الأب الشاب في حياة إبراهيم- عليه السلام- أسوة؛ لأنه أنجب في الكبر، ولا يجد الفقير المسكين أسوة في حياة نبي الله سليمان لأنه كان ملكا، وليس كل الناس ملوكا، وهكذا. والنبي الوحيد الذي يجد فيه كل الناس الأسوة بهذا الشمول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
* العموم: وامتازت السيرة النبوية بأنها سيرة عامة لا سرية فيها، فكل ما حدث لرسول الله ذكر وروي؛ كيف يفرح، وكيف يغضب، بل رأينا في السيرة مواقف عتاب النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد ذكرها القرآن بالتفصيل. فلا يوجد في حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما نراه عند الزعماء (سري للغاية) أو (ممنوع الاقتراب والتصوير).
هذه أخي بعض ما امتازت به السيرة، وهو يدعونا لأن ننهل من هذا المعين إيمانيا وتعبديا، وفي كل أمر من أمور حياتنا. وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
نساء بلدتي متبرجات.. غض بصرك العنوان
سؤالي يتعلق بمسألة معقدة، وهي أنني أعيش في بلد يعاني نقصا في الأخلاق، معظم الناس فيه- خصوصا النساء- لا يرتدين شيئا تقريبا . مشكلتي هي أنني لا أستطيع التوقف عن النظر إلى النساء، أعلم أن الزواج فرض عليّ، فهل أجد عندكم من النصائح ما يساعدني في التعامل مع هذه المشكلة؟ و جزاكم الله خيرا .
السؤال(33/221)
الشيخ صالح المنجد المستشار
الرد
أخي الكريم
هذا الواقع - الذي ذكرته في رسالتك- يؤدي إلى محرمات وكبائر ومنها : المخالطة و المماسة والزنا، وكل ذلك مبدؤه النظر، لذا جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الطرق التي تؤدي للفاحشة، ومنها : النظر إلى الأجنبية :
قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (النور/30). قال الإمام ابن كثير : هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً . تفسير ابن كثير (3/282) .
ويقول تعالى: { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } (الأحزاب/53).
وعن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري .
رواه مسلم ( 2159 ) .
قال النووي: معنى "نظر الفجأة": أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }.
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد. "شرح مسلم" (14/ 139) .
وهناك – أخي الفاضل- وسائل معينة على غض البصر، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها ومنها :
1 - استحضار اطلاع الله عليك، ومراقبة الله لك، فإنه يراك وهو محيط بك، فقد تكون نظرة خائنةً، جارك لا يعلمها؛ لكنَّ الله يعلمها. قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور} (غافر/19) .
2- الاستعانة بالله والمثول بين يديه ودعائه، قال تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } (غافر/60) .
3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله تعالى، وهي تحتاج منك إلى شكر، فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟، قال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل/53).(33/222)
4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك، والبعد عن اليأس، قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت / 69 . وقال صلى الله عليه وسلم" ... ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله ... " رواه البخاري ( 1400 ).
5 – اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر إذا كان له عنها مندوحة، ومن ذلك الذهاب إلى الأسواق والجلوس في الطرقات ... قال – صلى الله عليه وسلم – " إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا : مالنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال : فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها، قالوا : وما حق الطريق، قال : غض البصر، وكف الأذى ... " رواه البخاري ( 2333 ) ومسلم ( 2121 ) .
6 – أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما دعاك داعي السوء، ومهما تحركت في قلبك العواطف والعواصف، فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة، وليس لك أن تحتج مثلاً بفساد الواقع ولا تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة، قال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } (الأحزاب/36).
7- الإكثار من نوافل العبادات، فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض، سببٌ في حفظ جوارح العبد، قال الله تعالى في الحديث القدسي" ... وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ... " البخاري ( 6137 ) . وصحبة الأخيار، فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين، والمرء على دين خليله ، والصاحب ساحب .
8– تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية، قال تعالى : { يومئذ تحدث أخبارها } (الزلزلة/4) .
9- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك، قال تعالى : { وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون } (الانفطار/ 10 –12) .
10- استحضار بعض النصوص الناهية عن إطلاق البصر، مثل قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} (النور/ 30 ).
11– البعد عن فضول النظر، فلا تنظر إلا إلى ما تحتاج إليه، ولا تطلق بصرك يميناً وشمالاً ، فتقع فيما لا تستطيع سرعة التخلص منه من تأثير النظر إلى ما فيه فتنة .
12– الزواج، وهو من أنفع العلاج ، قال – صلى الله عليه وسلم– " من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أخرجه البخاري ( 1806 ) ومسلم ( 1400 ) .
13– أداء المأمورات كما أمر الله، ومنها : الصلاة قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ..} (العنكبوت/45) .
14– تذكر الحور العين ، ليكون حادياً لك على الصبر عن ما حرم الله طلباً لوصال الحور ، قال تعالى : { وكواعب أترابا } (النبأ/33) . وقال – صلى الله عليه وسلم -(33/223)
" ... ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً، و لنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها " رواه البخاري ( 2643 ) .
15– استحضار ما في المنظور إليه من النقص وما يحمله من الأذى والقاذورات في أحشائه ... ؟!
16– محاسبة النفس بين الحين والآخر، ومجاهدتها على غض البصر، واعلم أن لكل جوادٍ كبوة.
17– تذكر الألم والحسرة التي تعقب هذه النظرة، وتقدمت آثار إطلاق البصر.
18- إصلاح الأقارب، ونصحهم بعدم لبس ما يثير النظر ويظهر المحاسن مثل : طريقة اللبس و الألوان الزاهية و طريقة المشي والتميع في الكلام ونحوه .
19– دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً، ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل، فمن غض بصره عند أول نظرةٍ سَلِمَ من آفات لا تحصى ، فإذا كرر النظر فلا يأمن أن يُزرعَ في قلبه زرعٌ يصعبُ قلعه .
وختاما؛
أعلم أخي الفاضل أن نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، وشكر النعمة لا يكون باللسان فقط بل باستخدام هذه النعمة في ما أحلَّ الله، وحفظها عما حرم الله، وإطلاق البصر إلى المحرمات له أضرار عديدة يكفي أنها تجعل صاحبها من المقصرين، ويكفي في زجر النفس عنها أن يُعلم أن الله سبحانه مطلع على هذه الخيانة من العين يقول تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
حفظنا الله وإياك من الفتن ما ظهر منها وما بطن وتابعنا بأخبارك
-ـــــــــــــــــــ
هل "الالتزام" شرط للزواج؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا فتاة لم أكن ملتزمة، وصارت علاقة حب بيني وبين ابن الجيران، وسافر هذا الشاب، وخلال فترة سفره التزمت أكثر، ولبست النقاب، وبعد سنوات عاد مرة أخرى، وتقدم لخطبتي، غير أني أخشى أن أقبله لأنه غير ملتزم التزاما كبيرا، ولكن بين الحين والآخر نتكلم سويا عبر الإنترنت، وأنا قد عرفته وخبرته من كثرة الكلام بيننا، فقلبي يميل إليه، لكنني أخشى قبوله لعدم التزامه الشديد.
أنا في حيرة، هل أقبله أم أنتظر حتى يأتي شخص أكثر منه التزاما؟
السؤال
الأستاذة سلمى عبده المستشار
الرد
أختي الفاضلة: منى(33/224)
اعلمي أن من تختارينه ويختارك هو أنسب الأشخاص لمشاركتك رحلة الحياة، ما دامت معايير الاختيار السليمة متوافرة فيه. ولكن .. ما هي معايير الاختيار السليمة؟
هناك معايير عامة ومعايير خاصة؛ المعايير العامة أجملها لنا حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وحديث " انظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما". إذن المعايير العامة هي: الدين، والخلق، والألفة والميل القلبي، والتكافؤ.
أما المعايير الخاصة فما هي إلا تفصيل للإجمال الذي في الحديث الشريف، فكلمة "ترضون" تعطي إشارة إلى أن الأمر مرن غير محدد، فما يرضي به إنسان قد لا يرضي به آخر، فلكل إنسان اختياره الخاص، وحدوده التي يرتضيها في الدين والخلق والتكافؤ المادي والعلمي والاجتماعي وحتى الشكلي.
وهنا يستوقفنا سؤالك: هل أقبل من له خلق ولكنه غير ملتزم؟، ونحن نسألك بدورنا ما هو الالتزام في نظرك ؟ّ!!!، كما أن سؤالك التالي: هل أنتظر الشخص الملتزم الذي قد تكون طباعه سيئة؟ أصابني بقدر كبير من الحيرة والتعجب !!
لماذا نفصل بين الملتزم، وصاحب الخلق الحسن والطباع الهادئة؟، وما معني الالتزام إذا كان من نسميه ملتزما قد يكون سيء الطبع والخلق؟!! وبماذا يلتزم إذن؟، باللحية والجلباب والسواك؟!!!. أم بالذهاب والإياب مع مجموعة الملتزمين؟!!.
جميل أن نهتم بالسمت الإسلامي والصحبة الصالحة.
كان عمر بن الخطاب، إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن، سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس. فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن. كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها بر. لو أقسم على الله لأبره. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل". فاستغفر لي. فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
أختي الفاضلة:
أرأيت كيف وصف النبي صلي الله عليه وسلم، علامات أويس بدقة حتى لا يلتبس علي الناس أمره، وحتى ينتبهوا له ويحتذوا حذوه، وهو لم يشر إلي كثرة صيام وقيام، أو أنه ملتزم جدا وداعية، بل ذكر أن ما رفعه إلي هذه المكانة أنه كانت له أم وكان بارا بها.
لقد فهم الدين علي حقيقته، فهم أن رضاء الله هو بر للأم، وصبر علي أذي الناس، فهم كيف يحافظ علي قلبه صفيا نقيا خاليا من كل شائبة مطهرا من كل دنس.
أختي الكريمة:
نرجع إلي سؤالك: من أختار؟؟، فأنصحك بالآتي:-
* حددي اختيارك الخاص وكوني صريحة مع نفسك.
* حددي الإيجابيات التي تتمنيها في زوج المستقبل، وما يمكن أن تتنازلي عنه منها.
* حددي السلبيات التي ترفضينها وما يمكن أن تتعايشي معه منها.(33/225)
ثم انظري هل يتناسب هذا الإنسان مع محدداتك أم لا ؟.
ونصيحتي لك إذا كنت تشعرين بميل قلبي تجاه هذا الشاب وتعلمين حسن خلقه، فتأكدي من وجود الحد الأدنى من الدين وهو المواظبة علي إقامة الفرائض والبعد من الكبائر، ثم لا بأس بعد ذلك من خوض تجربة الخطوبة حتى يكون لديك الوقت الكافي والفرصة الحقيقية لمعرفة صدق مشاعرك، وحقيقة توافقه مع اختيارك ومحدداتك.
وأريدك فقط أن تنتبهي لبعض الأمور:
أولا : تذكري أن هذا الشاب قد لا يكون الشخص الذي كنت تعلمينه منذ 10 سنين، فهي فترة طويلة وكفيلة بإحداث تغيير كبير بشخصيته وخاصة في الغربة.
ثانيا : لا تجعلي الميل السابق له، والمعرفة السابقة بخلقه، وشعورك بحبه لك، ورغبته فيك، يعميك ويشوش تفكيرك عن الاختيار الصحيح، فالأصل هو قبولك لدينه وخلقه.
ثالثا : لا تعلقي آمالا عريضة علي إمكانية تأثيرك عليه وتغييره، فالهدى أولا وأخيرا بيد الله، فحددي قبولك أو رفضك بما هو عليه الآن وليس بما تأملي أن يكون عليه في المستقبل.
رابعا: اعلمي أنه ليس هناك في الحياة أمر مصيري يحتاج إلي حكمة وتروي مثل الزواج، فاستلهمي الحكمة من نور الله، وازدادي قربا منه سبحانه وتعالي ليكون سمعك الذي تسمعين به وبصرك الذي تبصرين به. فداومي علي صلاة الاستخارة وخاصة في أوقات الإجابة وفي الثلث الأخير من الليل.
أختي الفاضلة :
أما عن الجزء الخاص بحديثك معه علي النت، وشعورك بأن في ذلك إثم، فالإثم يا أختاه واضح، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:" والإثم .. ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، فإن أحسست من هذا الفعل بضيق في صدرك وكرهت أن يطلع عليه أحد من أهلك أو أصدقائك فهو بالتأكيد إثم وعليك الابتعاد عنه على الفور.
كما أن الحديث عبر الانترنت غالبا ما يعطي انطباعات خاطئة، فهو لن يفيدك بشيء، بل ربما أضرك، بإعطائك مدلولات زائفة قد تبنين علي أساسها قصورا من الرمال. ومحاذير الإنترنت كثيرة فهي بطبيعة حالها تعطي قدرا كبيرا من الخصوصية وحرية التعبير والبعد عن الرقابة فتكون مدعاة للتجاوز، وتفتح الأبواب للشيطان، خاصة إذا كانت بين الطرفين علاقة ما يرغب أحدهما أو كليهما توطيدها فيلبسون الحق بالباطل ويحملون الكلام في الدين والالتزام والدعوة إلي الله ما لا يرضاه الله ولا يقبله.
ومزيداً من الفائدة، ننقل رد الدكتور عمار طالبي رئيس المجلس العلمي في العاصمة الجزائرية، المنشور بموقع "بلاغ"، على سؤال: هل التدين شرط أساسي لنجاح الزواج؟، قال: "أنت عندما تقدم على الزواج لن تقبل بواحدة غير خلوقة، فيجب أن تكون متدينة وعلى خلق لكي تربيّ أولادك في المستقبل على الدين والخلق، فإذا كانت مهملة في هذا الجانب فأبناؤها يصبحون مثلها ولا يهتمون بالصلاة ولا بالأشياء الأخرى، وهذا هو المقياس الأساسي لنجاح الزواج.(33/226)
ولكن إذا رأيت أنه يمكن إصلاحها بعد الزواج، فلا بأس وأنت مأجور على ذلك. والزواج من غير تدين قد ينجح أحياناً وهذا يتوقف على العلاقة بين الزوجين، إلا أن التدين يضمن نجاح الزواج، والمقصود هنا التدين السليم والصحيح.
فهناك حالات طلاق كثيرة بين بعض المتدينين بسبب التشدد والغيرة التي هي في غير مكانها، والشكوك المبنية على أوهام ليس لها أساس من الصحة وهذا النوع من التدين مذموم، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك، ففي حادثة الإفك لم يتخل عن زوجته أو يطلقها، ولكن انتظر حتى جاء الوحي فبرأها.
وختاما؛
أسأل الله أن يبصرك بالحق، وأن يهديك إليه، وأن يختار لك، وأن يصلح حالك في الدنيا والآخرة. آمين. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
مخافة الله ومحبته.. وجهان "لعملة" الإيمان العنوان
غذاء الروح الموضوع
كيف يجب أن تكون علاقة العبد مع الله في سائر أعماله؟، وهل يمكن أن يجمع المسلم بين طاعة الله سبحانه وتعالى ومعصيته في وقت واحد؟.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول المفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي حبيبنا المصطفي، محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
علاقة العبد مع الله تتأرجح بين أحد احتمالين اثنين لا ثالث لهما:-
* أن تكون خالصة لوجه الله، مقصودا بها رضاه لا شريك له.
* وإما أن تكون العلاقة قسمة بين الله وبين خلقه.
ويؤكد الله سبحانه تعالى في الحديث القدسي أنه لا يرضى أن يكون له شريك. وفي الحديث "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (رواه أبو هريرة).
وعليه فإنه يجب أن نسير على الصراط المستقيم في العلاقة مع الله؛ فإن لم يكن سيرنا مستقيما فعلا فستكون علاقتنا مع الله معوجة ومنحرفة. لذلك نردد في صلاتنا آملين في هداية الله لنا:{ إهدنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } (الفاتحة:6 -7).
والموفق من العباد هو من ينسى وجود العباد؛ ويتمثل دائما وجود رب العباد؛ وهذا هو الإخلاص المطلوب، أن ننسى كل مخلوق ونذكر الخالق جل وعلا. ولا شك أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون، والذي خلق الإحسان هو الذي أوجد المعصية، ونحن نتعرض لاختبار، فمنا من ينجح في الاختبار ومنا من يبتلى بالفشل.(33/227)
وإذا شعرنا أننا فشلنا في الاختبار فإنما نحن مطالبون بإعادة المحاولة لننجح، وقد ابتلانا الله بوجود الشيطان في حياتنا وحذرنا منه فقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر:6).
وإذا كان الشيطان قد توعد آدم وذريته بقوله:{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً} (النساء:119).
فهل ننضم إلى الشيطان وحزبه؛ وننفذ ما يطلبه من الغواية والضلال، وبذلك نعصى الله عز وجل. ننفر من هذا الغبي "الشيطان" ونطيع الله فيما أمرنا به، إنه ابتلاء خطير، ولابد أن نتجه إلى ما يوجهنا الله إليه من تحدي الشيطان، والله يقول:{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}( الكهف:50).
الموقف بكل بساطة يتمثل في أن الشيطان مخلوق غبي، وأن الإنسان خلق مزودا بالعقل وبالذكاء، فكيف يخضع الذكي للغبي، بحيث يدخله وراءه جهنم. فنريد شيئا من العقل وقليلا من الذكاء، وقليلا من الإرادة الخيرة حتى نضمن النجاة من النار.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود :
شكر الله لعالمنا وشيخنا، المفكر الإسلامي، الدكتور عبد الصبور شاهين، وليأذن لي فضيلة الدكتور أن أشاركه الأجر، فأقول وبالله التوفيق:
أختنا في الله : سلوى
قرأت في رسالتك سؤالين في سؤال واحد، أما عن سؤالك الأول وهو: كيف يجب أن تكون علاقة العبد مع الله في سائر أعماله؟، فإن علاقة العبد مع ربه ومولاه يجب أن تقوم على ركنين أساسيين وهما:-
* كمال الطاعة.
* كمال الحب.
وهي أقرب إلى معادلة صاغها الإمام ابن القيم رحمه الله، ونحن نلخصها على هذا النحو:
(كمال الطاعة لله + كمال الحب لله كمال الإيمان بالله)، ومعنى هذا أن علاقة العبد بربه تقوم على إفناء العبد نفسه في خدمة سيده ومولاه، مع حبه الشديد له، ورغبته الأكيدة في نيل رضاه واجتناب غضبه وسخطه.
والإنسان في علاقته مع الناس في الدنيا، يكون على حال واحد، فإنه إن أحب إنسانا لا يخافه، وإن خاف منه فإنه لا يحبه، فالعلاقة هنا عكسية. أما في علاقته مع ربه سبحانه وتعالى فإنه يحبه ويخافه في وقت واحد، بل إنه كلما ازداد حبه لله وطاعته له كلما ازداد خوفه منه، وحرصه على ألا يعصاه، وكلما ازداد خوفه من الله كلما علا في منازل المحبين له سبحانه، فالعلاقة هنا طردية.
ومن ثم فإن علاقة العبد مع ربه يجب أن تقوم على ركني الطاعة والحب، وهما شطري (العبودية) التي هي الوجه الآخر للربوبية.
أختنا الفاضلة / سلوى
أما عن سؤالك الآخر؛ وهو: هل يمكن أن يجمع المسلم بين محبة الله سبحانه وتعالى ومعصيته في وقت واحد؟، فإنني أستعين بالله تعالى وأقول لك:-(33/228)
الأصل أن تسيطر محبة الله، سبحانه وتعالى، على قلب العبد فلا تترك فيه مكانا لغيره، وقد جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله - في كتابه (الداء والدواء)، أن المحبوب قسمان: محبوب لنفسه، ومحبوب لغيره.. وكل ما عدا الله سبحانه محبوب لغيره، وليس شيء يُحب لذاته إلا الله سبحانه وتعالى. فحب الله تعالى هو أعلى أنواع الحب.
غير أن المحب لا يكون صادقا في حبه لمولاه إلا إذا كان له طائعا، ولذا فإن من أحب الله بصدق كان لأمره طائعا ولشرعه متبعا؛ قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ).
وعليه فإن مخالفة أمره سبحانه وارتكاب المعاصي دليل على أن تلك المحبة المدعاة كاذبة أو أنها ناقصة، ويقسم الله تعالى بذاته العلية فيقول: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
فمن أحب أن يعرف منزلته عند ربه فلينظر منزلة الله عنده، فإن الله تبارك وتعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه ، وحينما ترسخ محبة الله في قلب العبد، وتتعمق جذورها، يستشعر العبد حلاوة الإيمان ولذة اليقين، فيعز عليه أن يعصي الله أو يغضبه بفعل ما يكره منه، فيكون شغله الشاغل آنذاك أن يجده الله حيث أمره وأن يفتقده حيث نهاه.
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه؛ لأن قلوبهم لم تعمر إلا بذكر الله تعالى، ولم تصف إلا بحب الله عز وجل، أما أولئك الذين انطوت نفوسهم على محبة ما يحلو لهم في هذه الدنيا، فقلوبهم بعيدة عن هذا الحب الإلهي، بعيدة عن هذا الصفاء الروحي، والاتصال القلبي.
وختاما؛
فإن العبد المؤمن لا يجمع في قلبه بين محبة الله ومعصيته، فإنه كلما أحبه أطاعه، وكلما أطاعه رق قلبه، وكلما رق قلبه، زادت خشيته، وكلما خشيه لم يجرؤ على معصيته نسأل الله أن يرزقنا وإياك طاعته وأن يصرفنا وإياك عن معصيته، آمين .. وتابعينا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
النقاب أم العمل.. أيهما أولى؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على هذا الموقع الذي خدمني كثيراً وهناك موضوع يجول في خاطري، أود أن آخذ رأيكم في أمر يقلقني كثيراً(33/229)
فأنا- ولله الحمد- فتاة منتقبة عن قناعة، واتخذت النقاب وسيلة للتقرب إلى الله- عز وجل-؛ ولكني بأمسِّ الحاجة للعمل، وأغلب مجالات العمل لدينا تكون الأولويَّة للفتاة الكاشفة عن وجهها، وتكون فرصة المنتقبة قليلة، وطلب مني البعض الكشف عن وجهي أثناء العمل، لكنني رفضت ذلك؛ لأني بذلك لا أرضي الله ولا نفسي وأكون كالمنافق أمام الجميع، فالناس لا يحترمون صاحب الوجهين، فأرجو أن تنصحوني وتوجهوني في مشكلتيهل أتمسك بمبادئي أم أكسرها من أجل حاجتي للعمل؟
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخت الفاضلة:
أسأل الله تعالى لك صلاح الحال في الدنيا والآخرة، وأن يحفظ عليك دينك بما شاء وكيف شاء، إنه على كل شيء قدير.
ولي بعض الوقفات السريعة مع الاستشارة:
الأمر الأول: أحب أن أؤكد أولا على جواز عمل المرأة، وخاصة إن كانت في حاجة إليه، بل أرى أن عمل المرأة يأخذ الأحكام الخمسة، فقد يكون واجبا، وقد يكون حراما، وقد يكون مندوبا، وقد يكون مكروها، وقد يكون مباحا، وذلك حسب طبيعة كل امرأة، وهناك من الأعمال ما لا يصلح لها إلا النساء، وهي تعد من فروض الكفايات على الأمة، فالطب النسائي والتدريس للنساء وغيرهما من الأعمال التي يقدم فيها النساء على الرجال.
الأمر الثاني: كثيرا ما يشاع أن الاختلاط بين الرجال والنساء حرام، وإشاعة أن هناك مجتمعا ذكوريا وآخر أنوثيا، وفي ظني أن هذا كلام يحتاج إلى نوع من المراجعة، فليس هناك دليل يحرم الاختلاط لذاته، بل إن المجتمع المسلم بطبعه مختلط، ولكن الحرام هو ما يصاحب الاختلاط من أمور محرمة.
فقد كانت النساء تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وكانت النساء تبيع وتشتري، بل كان هناك اختلاط بين الرجال والنساء في طلب العلم، حتى خصص النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوما، ولكنه ليس اختلاطا كاختلاط اليوم، فالمطلوب هو إشاعة ثقافة العفاف، وليس المقصود جعل المجتمع عالمين، عالما للرجال وآخر للنساء.
أما فيما يخص عملك وارتباطه بالنقاب، فإنه من المعلوم أن النقاب مختلف فيه بين الوجوب والندب، فإن كنت تؤمنين بوجوبه، ولم تكوني بحاجة ماسة للعمل، فلا يجوز خلعه، وإن كانت حاجتك للعمل ماسة، فلا بأس بخلعه من باب الضرورة، أما إن كنت تؤمنين بأنه مندوب، فلا حرج في خلعه إن رأيت أنه لن يمكن لك وجود عمل مع النقاب، مع حاجتك الماسة له، والحفاظ على الضوابط الشرعية في التعامل.
وأحسب أنه أمامك خياران، كلاهما جائز حسب ما ذكرت لك:
الأول: الانتظار حتى تجدي عملا يوافق أصحابه بكونك منتقبة.(33/230)
الثاني: العمل مع خلع النقاب إن كان العمل لك يقع في منزلة الضرورة أو الحاجة.
وختاما؛
أحب أن أنبه إلى أمر هام، وهو ألا نحصر الدين في شيء معين، فالنقاب من الأمور المشروعة والتي تدل على عفاف وستر المرأة، وأخذ المرأة بالعزيمة في الأمر دليل على الإيمان، ولكنه لا يمثل الإيمان كله، فأبواب الإيمان كثيرة، فإن كنت في حاجة ماسة للعمل، فيمكن لك أن تعوضي بما أخذت من عزيمة النقاب بأعمال أخرى صالحة تقربك إلى الله تعالى. تابعينا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
أهل زوجي يظلمونني.. لن أسامحهم أبداً العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله، و جزاكم الله أحسن جزاء، وهو الجنة
مشكلتي تتلخص بأني متزوجة منذ 10 سنوات، ولي من الأولاد ثلاثة، وأعيش مع زوجي في ألمانيا، و أهله يبعدون عنا حوالي 200 كلم، وأخي يعيش هنا أيضا، ومتزوج من أخت زوجي، وللأسف الشديد غير متفاهمين، وكل ما تصير مشكلة بينهما يتهمني أهل زوجي بأني أنا السبب مع أنهم يعرفون مائة بالمائة أنه لا دخل لي.
وأنا على هذا الحال منذ 10 سنوات، صابرة، وزوجي لا يستطيع وضع حد مع أهله وحجته دائما أنهم يحق لهم قول ما يشاءون للدفاع عن ابنتهم، وفي الآونة الأخيرة احتدت المشاكل بين أخي وزوجته، وكالعادة أنا السبب، وفاض عندي الكيل، كما يقولون، وأنا لا أكلمهم ولا أذهب حتى عندهم، بينما يذهب زوجي ولا أمنع أولادي من الذهاب.
وضميري يؤنبني، لأن الله يأمرنا بالتسامح، ولكن مع هيك أشخاص حرام التسامح معهم، وقد صدق الشاعر حيث يقول: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا.
أرجوكم كلموني بالعقل، لا أريد كلام مثالي، أريد أن نتحدث على الواقع، لأنني إذا تنازلت هذه المرة يعني عليّ السلام، أي لن يبقى ليّ أي كرامة، وهم من النوعية المتكبرة، التي تعرف أنها مخطئة وتصر على موقفها، بل وتزيد بالإساءة.
وفي نفس الوقت، لا أريد إغضاب ربي، وأشعر أن هذه العائلة سوف تدخلني النار، لأني لن أسامح أبداً، لن أسامح، لن أسامح، أنا مظلومة، وأدعو دائما عليهم، وأقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لكن من جهة أخرى أرى أنهم لا يبالون، وأنا حياتي متأثرة، كأني أنا الظالمة وهم المظلومون، دائمة البكاء، خاصة عندما أتذكر ما كانوا يفعلون بيّ، وكيف كانوا يجرحوني بالقول، وأنا لا أتكلم وأقول يمكن يتغيروا، ولكن دون جدوى.
أرجوكم كلموني بالعقل، أرجوكم انصحوني، أنا أعرف أن خيركم من يبدأ بالسلام، وأن هناك مكانة ومنزلة كبيرة عند الله لمن يسامح، ولكن لا أقدر.. لا أقدر سامحني يا رب.
السؤال(33/231)
المهندس رامي ملحم المستشار
الرد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة والسلام على هدأة البال وجبرة الخاطر سيد البشر محمد وعلى آله الطيبين، وعلى من سار على دربهم إلى يوم الدّين، وبعد:
بمنتهى التّأثّر استشعرت مصاعبك في التوفيق بين خوفك من الله تعالى وحرصك على إرضائه وبين عزمك على وضع حدٍّ لما تعانيه من أهل زوجك. ويبدو لي أنّ مثل هذه المفارقات كثيرة في الحياة، خصوصاً في الجوانب الاجتماعيّة منها؛ لذا عني الإسلام بتربية الناس على الأخلاق الفاضلة والآداب الراقية وحسن التعامل مع الآخرين.
ولا أشكك بأن ما تكرمت بعرضه يحوي جملة مشكلات، والمشكلة هي الفرق بين ما نطمح إليه وبين الواقع الذي نعيشه، والمطلوب حينما تدهمنا المشكلات أن نجتهد في إلغاء أو تقليل الفرق بين الطموح والواقع، وذلك ضمن منهجيّة سليمة في تتبع الأسباب وافتراض الحلول. وأذكرك بأنّ حلّ معظم المشكلات يحتاج إلى زمنٍ وطول صبر، ولا توجد هناك حلولاً مباشرة، وبأزمنة قصيرة.
وبعد طول تأمل، اقترح عليك جملة من الحلول والقناعات، وهي:
أولاً: اعتبري أنّ هذه قضيّة سالبة من مجموع قضايا متعددة، ولا تنظري لحياتك من منظار هذه القضيّة فحسب، وبهذا لا أهون من أهمية أثرها على حياتك، لكن من المهم أن نوزن الأمور بميزان الحكمة والعقل؛ إذ أن بعضنا تؤثر السلبيات على حياته حتى وكأنّها العامل الأوحد، فلا يرى الأشياء إلا من الشقّ الضيّق لمشكلته.
ثانياً: تظاهري بعدم الاهتمام بهذه القضيّة، بحيث يبدو- دوماً- أن جميع المشكلات بين أخيك وزوجته من الأمور التي لا تلقين إليها بالاً، وهذا من شأنه إن كان أهل الزوج يقصدون استفزازك – لا قدر الله – وافتعال المبررات لاتهماك بإثارة المشكلات؛ فحين يشعروا – من خلال دوام تجاهلك – بأنّ هذه القضية ومتعلقاتها لا تعنيك ولا تستفزّك ولا تثيرك ولا تبديك بصورة المهزوزة الضعيفة فهذا سيدفعهم – غالباً – لتقليل إشراكك في هذه القضية، وحاولي أن تتفقي مع زوجك على أن لا تتدخلا في هذه القضية، وفي شبيهاتها- لا قدر الله-.
ثالثاً: ردّي على كل ما يطرح من مبررات لاتهامك بإثارة المشكلاتبعقلانية وهدوء وثقة، واهتمي بتثبيت ردودك كقناعات عند زوجك وأهله، وناقشي ولكن بمنتهى الهدوء والرشد، فإن أعيد طرح المبررات فأكّدي على ردودك مع الاهتمام بما ورد في ثانياً.
رابعاً: تجاهلي كل الاتهامات والحديث البيني، واهتمي بحياتك ودينك وتربية أبناءك وصالح العمل.(33/232)
خامساً: إن قدرت أن القضية ضاغطة إلى حدٍ لا يطاق – ويصعب عليّ التقدير-، وكان بالإمكان الانتقال للعيش في مكانٍ آخر غير ألمانيا، فجيّد أن تحدثي زوجك بهذا، وأرض الله واسعة.
خامساً: بالاتّفاق مع زوجك ابحثوا عن بعض أهل الرّشد والحكمة ليصلحوا بين أخيك وزوجته، فلعل الله يوفّق لإنهاء المشكلة، فتنتهي متعلّقاتها، وفي تدخّل الحكماء تأكيد لصدق توجّهك في حل المشكلات ودحض لفرية دورك – المزعوم – في إيجادها.
سادسا: عليك بالصّبر وحسن التّأتي ودوام الدعاء لله سبحانه وتعالى والاستعانة به واستشعار حاجتك له لأن يفرّج كربتك ويصلح بين أخيك وزوجته.
و لكِ منّا حارّ الدّعاء بالتوفيق والسّداد وأن يديم عليك السّعادة والستر، اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــ
صلة الرحم.. لبركة الرزق والأجل العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم، أنا أسكن مع أهلي؛ خالي وابن خالي، في شقة واحدة، ويعلم الله أن 90% من معاملاتي معهم كانت بالإحسان، ونادرا ما أقابل الإساءة بالإساءة أو أبدأ أنا بالإساءة.
وعندما أردت أن أترك الشقة، لأني مسافر نهائياً من الكويت، وأردت أن أسكن مجاناً مع أحد أقاربي لمدة بسيطة لحين موعد السفر، وكان الوقت بالنسبة لهم أي وقت ترك المنزل حرج إلى حد ما- رغم أني أعطيتهم مدة أكثر من العرف المعمول به في الكويت مراعاة للوقت الحرج- ثارت ثائرتهم واتهموني بالمكر واللؤم والأنانية؛ لأني أريد أن أدخر النقود على حسابهم لأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بالبديل بالسرعة الكافية.
فرأيت في الأمر مشكلة، وأنها سوف تؤدي إلى قطيعة رحم، ومشاكل بين العائلات، فآثرت ذلك على نفسي، وعلى ادخار النقود، فأضفت مدة جديدة على حسابي سوف أدفعها لو لم يأتوا بالبديل، وخرجنا من الجلسة في حالة من الرضا التام، وانتهى الموضوع.
وفوجئت بعد ذلك أنهم يتكلمون عني، عند أقاربي الآخرين، بأني غير ملتزم أدبياً، وبدأوا يفترون عليّ، في أشياء أخرى في المنزل أيضاً، بأني غير متعاون، وعلى هذه الوتيرة، ونسوا كل خير فعلته معهم، وذكروا السيئ فقط.
فالآن هم لم يتقوا الله في أن يسردوا القصة زيادة أو نقصا، وسردوها بالأسلوب الذي يظهرني على خطأ أمام الناس، لما في قلوبهم من كره وحقد، وصدقني فضيلتك فليس هناك ما يستحق كل هذا.
فما موقفي من هذا الكلام الذي يقال عني؟، علما بأني أخشى أن تنزعج أمي من أن يقال على ابنها ذلك، وقد أخبرتها بموقفي وموقفهم من الشقة، وقالت لي ربنا يعوض عليك الشهر الذي دفعته، ابتغاء صلة الرحم وهذه بالفعل كانت نيتي.
لقد اشتريت صلة الرحم بإيجار الشهر الذي كنت سأوفره، والحمد لله، وأنا الآن أسأل عن موقف المسلم مع من يكذب ويفتري علية في ظهره.. كيف يتعامل معه؟، وكيف(33/233)
يتعامل مع الموقف بصفة عامة؟ هل يدافع عن نفسه أم الأفضل ألا يكترث بما يقال عنه؟
السؤال
الأستاذ جمال عبد الناصر المستشار
الرد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
أخي الحبيب: محمد
مرحبا بك في نطاق التزكية بشبكتنا الحبيبة "إسلام أون لاين.نت"، وأحييك بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ردي على استشارتك – يا أخ محمد - بعون الله يتخلص في النقاط الآتية:
1. الدنيا دار ابتلاء لا دار نعيم.
2. صلة الرحم ومكانة الواصل.
3. ترك القيل والقال.
4. آللهُ أم الناس؟
أولا: الدنيا دار ابتلاء لا دار نعيم:
هون عليك- أخي الحبيب- فهذا هو حال الدنيا فهي دار ابتلاء وليست دار نعيم، والمسلم لا بد له أن يتحلى بالأخلاق الحسنة، مهما كانت الظروف والأحوال، يقول ربنا جل وعلا: {الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: آية 1-3 )، والفتنة المذكورة في الآية الكريمة للابتلاء والاختبار.
ووسائل هذا الابتلاء، وذلك الاختبار، كثيرة، ذكر الله شيئا منها في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (البقرة: آية 155-157).
كما أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: " مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كشجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد".
كما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الابتلاء يكون على قدر الإيمان، فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء والاختبار، فقال- صلى الله عليه وسلم- : "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل". وقال: "يبتلى الرجل على قدر دينه". والمطلع على سيرته- صلى الله عليه وسلم- يجد أنه ابتُلي بما لم يبُتلَ به بشر، فصبر كما صبر إخوانه من أولي العزم من الرسل- عليهم السلام-.
لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم. ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان(33/234)
أكثر مما يحصل لغيرهم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زَلَلُهُ أكبر من صوابه، ولاسيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وصدمتها، والعياذ بالله.
ولا بد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا، فعلى المؤمن أن ينظر إلى البلاء هكذا، سواء كان البلاء فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة أو القرابة.
نعم نحن في دار امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم والآخرة هي دار الجزاء، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله، وليس في هذه الدنيا من لا يمتحن، وكيف لا وقد ابتلى الله الأنبياء ففي الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... " [رواه البخاري]. ولكن في هذا الامتحان من يصبر فيفوز، كما أن هناك من يجزع ويعترض على الله -والعياذ بالله- فيخسر ويشقى.
ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه".
إنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا} [الزخرف: 32 ]. فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم.
فارضَ أخي الحبيب بما قسم الله لك، ولا تجزع لما نزل بك، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء ويرضي من يشاء ويغضب من يشاء والقلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.
وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها الأخ المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وأنى له من ذلك.
ثانيا: صلة الرحم ومكانة الواصل:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"، هذا حديث عظيم جدا، وتوجيهي جدا في وجوب صلة الأرحام بين الأقارب.. كيف لا، والرحم معلقة -كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعرش الرحمن -وما أدراك ما عرش الرحمن!!!- تقول: "وصل الله من وصلني وقطع الله من قطعني".
إن صلة ذوي الرحم والقرابة فإنها تنسئ العمر، وتبارك في الرزق، وتدفع أقدار السوء.. كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من جهة أخرى عليك أن تتوسل في زيارة عائلتك بالرفق والحلم والتؤدة، فاحرص ألا تخسر مودتهم وقربهم، وحاول بشتى الطرق والوسائل -والله عز وجل يأجرك على ذلك أجرا عظيما- أن تتحبب إليهم، وتحثهم باللفظ الرقيق والعبارة الطيبة على(33/235)
عظم صلة الأرحام، وما يدخر الله عز وجل لصاحبها وصاحبتها من عظيم الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.
ثالثا: ترك القيل والقال:
أخي الكريم.. إن القلب الميت هو القلب الذي لا يخشع ولا يلين، ولا يألف ولا يرحم، وصاحبه رديء النفس، ويكره الوحدة، ويميل للاجتماع، ويحب القيل والقال والهذر، وترى صاحب القلب الحي عكس ذلك.
وأما القيل والقال الذي نهى عنه الرسول الكريم فالمُراد به هو تضييع الجهد والوقت في كلام يقوم على الظن أو الإشاعة أو التوهم، دون أن يكون به مصلحة أو فائدة، وأمثال هذا الكلام مَفسدة أي مفسدة، وهو يَمْحَق جهودًا وأوقاتًا كان ينبغي أن يستفيد بها أصحابها في إدراك غاية، أو نيل منفعة، بأن ينفقوها في جهد مُثمر أو عمل مُنتج، حتى يُدركوا ما ينهض بهم وبأمتهم، وينالوا ما يجعلهم في الحياة سُعداء.
وقال ابن الأثير رحمه الله: إن "القِيل والقَال" هو فضول ما يتحدث به المتجالسون من قولهم: قيل كذا، وقال كذا".
إن "القِيل والقال" هو كثرة الكلام بلا مُوجِب، وحكاية أقوال الناس، والبحث عمَّا لا يُجدي على الإنسان خيرًا، ولا يَعنيه من أمره، وهناك ارتباط بين كثرة السؤال والقِيل والقال، فإن كُلًّا منهما تضييع للوقت والجهد، وكل منهما اشتغال بما لا يُجدي ولا يُفيد.
رابعا: آللهُ أم الناس؟:
اعلم أخي الحبيب أن توفيق الله لك في طاعته وفي شئون حياتك هو من حبه لك، وأثر هذا الحب يظهر في كل شئون حياتك، في حب الناس لك بل الكون كله، وفي الحديث القدسي "يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه." فيظهر ذلك بعون الله تعالى ما دامت العلاقة بينك وبين الله عامرة، والمولى عز وجل يكون معك في كل شيء؛ ويظهر هذا الحب في معاملة الأقارب والزوجة، وحتى إنه يظهر في الدابة التي يركبها الإنسان.
أما غضب الله عز وجل فالإنسان يدركه ويحسه في بعده عن الله، وما ينتج عنه من نفور الناس، وفي عدم التوفيق حتى في اللفظ الذي يقوله.
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أوضح لنا أن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير من العزلة عن الناس وإيثار السلامة؛ لذا أيها السائل الأخ أدعوك إلى حسن التعامل معهم وستجد الخير في هؤلاء الناس بعون الله تعالى، فاستعن بالله وادعه، واطلب تأييده وسيقويك على نفسك إن شاء الله.
وأختم كلامي معك ببيتين من الشعر لرابعة العدوية كثيرا ما أرددهما:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خرابُ
إن صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب ترابُ
وفقك الله لما يحب ويرضى، وأصلح حالك ووصل رحمك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
ـــــــــــــــــــ(33/236)
اغسلي "أدران" الخطيئة بدموع التوبة العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا شابة تعرفت على شاب، لمدة حوالي 3 سنوات، ومشكلتي هي أني فقدت عذريتي، وأنا الآن أريد أن أعرف هي سيغفر لي ربي خطيئتي؟!
ومن ناحية هذا الشاب الذي وقعت معه في الحرام، فإنه يريد مني أن أستمر معه في الفساد إلى أن يحين الوقت المناسب للزواج، فماذا أفعل؟. وأيضاً هناك شاب يتقرب مني فهل أصارحه بما وقعت فيه؟.
علماً بأنني- والله يعلم- نادمة على كل شيء، وأنا الآن في استغفار دائم. ساعدوني ولو بنصيحة فأنا ضائعة، وللعلم فإنني من عائلة ميسورة الحال، ومتدينة، أريد أن تجيبوا على سؤالي بمنتهى السرعة، و جزاكم الله خيرا.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
أهلا وسهلا أختي "مجهولة"، ونسأل الله أن يزيل جهلنا به وأن يعرفنا عليه وأن يهدينا سواء السبيل. آمين.
أختاه تقولين إنك تعرفت على شاب حوالي 3 سنوات وأنك فقدت عذريتك، وأعتقد أنك تقصدين بعذريتك هنا "غشاء بكارتك" كما هو متعارف عليه عندنا جميعا؛ فهو أول ما ينصرف إليه الذهب حينما يذكر هذا المصطلح "العذرية".
وأتخيل أنك لو لم تفقدي هذا الغشاء لما أحسست بالخطر، ولما شعرت أنك تعصين الله، وربما استمررت على ما أنت فيه مع الشباب، ما داموا بعيدين عن "عذريتك" كما تظنين، ولكن نسأل الله أن يجعلنا ممن يحسنون الظن بعباده.
اعلمي أختي أنك فقدت عذريتك من أول لحظة سمحت لهذا الشاب أن يقترب منك، وأن يختلي بك، وأن تعطيه الفرصة ليستدرجك إلى هذا المستنقع الآسن. فمفهوم العذرية أوسع وأشمل بكثير من هذا الغشاء الذي ربما يتهتك ويزال في بعض الأحيان بمجرد تعرض الفتاة لحادث عارض أو ممارستها بعض أنواع الرياضة، دون أن يقترب منها شاب أو تعطي الدنية في نفسها. فهل تستوي هذه الفتاة مع أخرى لعوب مستهترة ولكنها خوفا من الفضيحة حرصت على هذا الغشاء؟!.
أختاه إذا كانت "العذرية" هي هذا الغشاء فلتهنأ البغايا والعابثات؛ فهذه العذرية الآن يمكن ترقيعها عند طبيب فَقَدَ شرف مهنته مقابل مبلغ من المال!.
أختاه أما وقد حدث ما حدث، وسبق السيف العزل؛ فعلينا أن ننظر الآن للمستقبل وأن نحاول تضميد بعض الجراح، ولعل الله عز وجل جعل الخير فيما حدث حتى تفيقي لنفسك وتعودي لربك.
لقد شعرت من كلامك أنك على وعد بالزواج من هذا الذئب – أقصد الشاب- ولا أدري هل هو خاطب لك بصورة رسمية من أهلك، أم هو وعد قطعه على نفسه أمامك حتى تستمري معه في غيه وفساد؟.(33/237)
على العموم، الأمر لن يختلف كثيرا؛ فما عليك الآن إلا أن تفاصلي هذا الشاب وتصارحيه بخطأ ما كنتما عليه، وأن تظهري أمامه عزمك وتصميمك على عدم العودة لمثله أبدا، ولا يغرنك وعوده وإغراؤه لك.
فثقي يا أختي أن هذا الشاب لن يتزوج منك أبدا، ولن يرضى بمن أعطته نفسه رخيصة وفرطت في عرضها بسهولة أن تكون زوجة له تحمل اسمه واسم أبنائه، ويستأمنها على عرضه وبيته؛ فهو مقتنع في قرارة نفسه أن من فرطت مرة ستفرط مرات ومرات.
وحتى إن كان صادقا معك، وتزوجك، فاعلمي أن حياتكما ستكون جحيما بعد ذلك؛ ففي كل كبيرة وصغيرة سيذكر لك ما كان بينكما، وسيشك في كل تصرف وفعل تقومين به، وسيكون موقفك تجاهه هو نفس الموقف؛ فتكون حياة ملطخة بأدناس الماضي، تحيطها الشكوك ويغلفها الريب والتربص.
تذكرين أيضا أن هناك شابا آخر يتقرب منك، وتسألين: "هل أصارحه؟ هل أعلمه؟"، لا أدري أختاه مَن هذا الشاب الذي يتقرب منك مرة أخرى؟ ولماذا يتقرب منك؟ هل وجد في سلوكك وتصرفات ما يوحي بأنك "لعوب" فأراد هو الآخر أن يأخذ نصيبه من اللذة والمتعة معك، ثم يرميك بعد أن يقضي وتره، ويشبع رغبته؟!.
ثم بماذا تريدين أن تصارحيه وأن تعلميه؟! هل تريدين أن تخبريه بأنك فقدت عذريتك مع آخر؛ حتى يزداد هو تصميما على أن ينال منك؟ لا أدري كيف تفكرين وماذا تريدين؟
أختاه ما عليك الآن إلا أن تقطعي هذا العلاقات المشبوهة وأن تنضبطي بضوابط الإسلام في التعامل مع الآخر، واتركي الماضي خلف ظهرك، ولا عليك بهذا الشاب الذي أخطأت معه، واحذري أن يستخدم ماضيك كورقة ضغط عليك لتستمري معه فيما هو فيه، وثقي أنه إن هددت بذلك فلن يستطيع التنفيذ لأنه سيفضح نفسه معك؛ فلن يلجأ لهذا إذا كان أحمق لا يعي.
واعلمي أختي أن فضيحة الدنيا ونارها أهون كثيرا من فضيحة الآخرة وعذابها، وهناك الكثير ممن وقعن في هذه المعصية ثم جئن مقرات معترفات بذنبهن ليقام عليهن الحد، غير مكترثات بما سيقال عنهن.
ولكن الآن لا يوجد من يقيم الحدود؛ فتوبي بينك وبين ربك، وأخلصي في توبتك، واغسلي ذنوبك بدموع الندم والخوف من الله. واعلمي أن المجتمع لا يرحم ولكن الله وحده هو الغفور الرحيم؛ فليكن توجهك إليه وقصدك كله هو إرضاؤه؛ فهو الغفور الرحيم.
وأختم معك بقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
ـــــــــــــــــــ(33/238)
لا أثق بأحد وأكره كل شيء ! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
الإخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي هي نفسية أساساً، تتعلق بحالة اليأس والتشاؤم التي أصبحت ملازمة لحياتي، وعلى الرغم من أنني ملتزم دينياً، وأعمل قدر المستطاع على طاعة الله عز وجل، لكن يبدو أنني أعانى من مرض التشاؤم، وضعف الثقة في النفس وفي كل الحياة من حولي.
فقد عشت طفولة صعبة جداً بكل المقاييس، حيث تطلق والداي وكنت أكبر إخوتي فعايشت مشاكلهما وشجاراتهما التي وصلت إلى حد العنف اللفظي والجسدي، وكان عمري آنذاك عشر سنوات، فانحرفت أمي، وأصبحت أحمل عاراً اجتماعياً، نظراً لسمعتها السيئة في البلدة التي أعيشها، وهو ما سبب لي صدمة نفسية لا زلت إلى الآن أعانيها.
علاقتي بها متوترة دوماً، ولا أستطيع في كثير من الأحيان مكالمتها، رغم شعوري بندمها، على فكرة كانت تضربني كثيراً في فترة خلافاتها مع أبى، بل وتعتبرني شؤماً عليها، بالنسبة لأبي، فهو طيب عموماً، ولكنه لا يفقه شيئاً في التربية، حيث ساهم في تعقيدي نفسياً، بسبه لأمي أمامي، ونعتها بأبشع النعوت، وأيضا هو سلبي تماماً، وشبه جاهل دينياً وعلمياً.
وأمام هذه الوضعية المأساوية، قمت بتربية إخوتي، ودرست حتى أصبحت مجازاً، وها أنا الآن سألتحق بوظيفة بعد نجاحي، إن شاء الله.
المشكلة أني- كما أسلفت- أعاني من نظرة سوداوية للعالم من حولي، حتى إن فرحت بحدث معين كالنجاح مثلا أو الوظيفة إلخ، فليوم أو يومين لا أكثر، ثم تعود الحالة، أفقد الثقة في الناس، ولا أحب الاختلاط بهم، أما بالنسبة للجنس الآخر فحدث ولا حرج، كل الدنيا سوداء أمامي وأكره كل شيء، مهتز، متذبذب، مكتئب. أرجوكم ساعدوني و جزاكم الله خيراً.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ همام عبد المعبود :
أخي الحبيب/ عبد الله
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين
ثم أما بعد:(33/239)
فإن الظروف التي مررت بها في بداية حياتك، ليس لك يد فيها، وغالب المشكلات التي تقع بين الأزواج لا دخل ولا ذنب للأبناء فيها، غير أنهم – الأبناء – هم الذين يدفعون الثمن. هذه حقيقة لا بد أن نعترف بها في مستهل الكلام عن مشكلتك.
وإن ديننا الإسلامي الحنيف يؤمن بأن الوقاية خير من العلاج، فالإسلام لا ينتظر حتى تقع المصيبة ثم يبحث لها عن حل، بل إنه يوضع الأسس والقواعد التي يجب أن تقوم عليها حياة الأسرة، وهي:-
* الاختيار الجيد قبل الزواج: لكلا الطرفين، فعلى المرأة أن تحسن اختيار شريك حياتها، وعلى الرجل- كذلك- أن يحسن اختيار شريكة حياته، ومن قواعد الاختيار التي يجب أن تراعى (الدين/ والخلق/ والتكافؤ/ والسيرة الطيبة/ وتزكية الصالحين ممن يعرفونه جيداً/ .).
* المعاشرة بالحسنى بعد الزواج: وهي حق وواجب على كلا الزوجين، بموجب ذلك الميثاق الغليظ الذي قطعه كلاهما على نفسه، أمام الله، وبشهادة الشهود، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
* عدم اللدد في الخصومة: فإنها من صفات المنافقين والعياذ بالله، فكما جاء في وصف المنافق أنه ( وإذا خاصم فجر)، ومن ثم فإن هناك بعض الأزواج إذا ما اختصموا تفاجروا، ونسي كل منهم المعروف والعشرة والأيام الحلوة والمواقف الرائعة والتضحيات المبذولة، ولم يتذكر للآخر سوى كل نقيصة، وأخذ يكشف أسرار الآخر، يبغي فضحه.
* الفراق بالمعروف: فإن تعذرت الحياة، وسدت الأبواب، فإن الإسلام – من رحمته – شرع الطلاق، وجعله آخر العلاج، على أن يكون التفرق بالحسنى، قال تعالى : (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا).
هذه - أخي الحبيب- أسس الإسلام، وقواعده، لضبط العلاقة بين الأزواج، لكنها للأسف لا تُرَاعَى، ولا يُنْتَبَهُ إليها، إلا من قليل ممن رحمهم الله، وقليل ما هم، ولذا فإنك تجد في بلداننا العربية والإسلامية ملايين القضايا المعروضة على المحاكم أصلها خلافات بين الزوجين، ولا يدفع الثمن في هذا كله إلا الأبناء الذين يذهبون ضحية أب طائش لا يقدر المسئولية أو أم مستهترة غير جديرة بالثقة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما عن قولك (أعانى من مرض التشاؤم، وضعف الثقة في النفس وفي كل الحياة من حولي)، فإنني أنصحك – أخي الحبيب – بالعودة إلى الحياة من جديد، انس الماضي بآلامه، وإن تذكرته فللدرس والعبرة فقط، ولا تجعل من الماضي سكينا تطعن به نفسك، وتعرقل به سعيك في الحياة.
وأنصحك ونفسي بتقوى الله، والاتصال بالله عز وجل نعم الاتصال بالله، فإننا - ولله المثل الأعلى والأعظم - إذا كنا في ضيق فإننا نلجأ إلى صديق نشكو له ما نعانيه، وهذا جميل لا ريب فيه، غير أننا ينقصنا قبل هذا وبعده أن نثق في خالقنا، وأن نتعلم اللجوء إليه، والوقوف بين يديه، نشكو له همومنا، ونرفع أكف الضراعة إليه نبتهل وندعو، ونبكي، نرتمي بين يديه، نسأله التيسير، فإنه سبحانه على ما يشاء قدير.(33/240)
ويضيف الأستاذ خياط النمس، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي الحبيب عبد الله،
أحييك بتحية الإسلام، وأدعو الله أن يعزك به، وأن يجعل لك من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، وأن يمتّعك بنعمتي الأمل والتفاؤل، ويزيح عنك ما أنت فيه من يأس وتشاؤم اللهم آمين.
وأدعوك- أخي الحبيب- دعوة خالصة لوجه الله - عز وجل- أن تدفع عن نفسك أثقال اليأس وهموم التشاؤم، وأن تُقبل على الحياة راضيًا، فليس من الإيمان أن ييأس المرء أو يتشائم؛ لأن ذلك من عادات الجاهلية، ولا يدفعك إلى اليأس والتشاؤم ما لا دخل لك فيه من الظروف الأسرية، فلا تُنصّب نفسك قاضيًا تحاسب من أساء فيما مضى، فعسى أن يكون قد تاب إلى الله توبة تجبُّ ما اقترف من ذنوب في سالف الأيام، فكلنا نخطئ، وخيرنا من يتوب إلى الله، إن الله تواب رحيم.
وسوف أصحبك- أخي الحبيب- عبر هذه السطور، مذكرًا نفسي وإياك، بموقف الإسلام من اليأس والتشاؤم، ومسببات كليهما، والسبيل إلى النجاة من شرهما.
الإسلام والتشاؤم واليأس
إن التشاؤم مما جاءت الشريعة الغراء بالنهي عنه؛ ومن ذلك:
* قوله تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَاذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هَاذِهِ مِنْ عِندِكَ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}[النساء:78].
* وقوله أيضاً: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَاذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:131].
* وقوله سبحانه: {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}[يس:18، 19].
كما ذم القرآن اليأس والقنوط في العديد من المواضع، منها على سبيل المثال:
* قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف- 87].
* وقوله: {قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ* قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} ( الحجر:55- 56).
* وقوله أيضاً: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ( العنكبوت- 23).
* ويقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر- 53).
وليس ذمهما في القرآن الكريم وحسب، بل إن السنة النبوية المطهرة نحت مثل ذلك:
* فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر"(أخرجه البخاري).
*وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من تَطَيَّر أو تُطُيِّر له"(رواه البزار).
* وعن قَبيصة الهلالي- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "العيافة والطيرة والطَّرق من الجبت"(أخرجه أحمد وأبو داودو والنسائي).(33/241)
* وأيضا ما روي من أن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: "أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله".
الحكمة من النهي
إن للإسلام حكمة وراء النهي عن التطير والتشاؤم، يوضحها الإمام ابن القيم- رحمه الله- في قوله: "أوضح صلى الله عليه وسلم لأمته الأمر، وبيّن لهم فساد الطيرة؛ ليعلموا أن الله- سبحانه- لم يجعل لهم عليها علامةً، ولا فيها دلالةً، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه؛ لتطمئن قلوبهم، ولتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى، التي أرسل بها رسله، وأنزل بها كتبه، وخلق لأجلها السموات والأرض، وعَمَر الدارين الجنة والنار، فبسبب التوحيد ومن أجله جعل الجنة دار التوحيد وموجباته وحقوقه، والنار دار الشرك ولوازمه وموجباته، فقطع صلى الله عليه وسلم عَلَقَ الشرك من قلوبهم لئلا يبقى فيها علقةٌ منها، ولا يتلبّسوا بعملٍ من أعمال أهله ألبتة"(مفتاح دار السعادة 3/281-282).
فكن متفائلاً- أخي الحبيب- وألقِ بالتشاؤم واليأس وراء ظهرك، فأنت بذلك ترضي الله ورسوله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا طيرة، وخيرها الفأل"، قالوا: وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" (أخرجه البخاري ومسلم).
وعن أنس- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة" (أخرجه البخاري ومسلم).
كيف تطرد اليأس والتشاؤم؟
واسمح لي- أخي عبد الله- أن أذكر نفسي وإياك ببعض النصائح، التي يوصي بها علماؤنا الأجلاء لطرد اليأس والتشاؤم، وهي :-
* اليقين بالله والتوكلِ عليه؛ فالله تعالى هو الذي بيده مقاليد الأمور.
* الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، فما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك!
* استحضار نِعم الله الكثيرة؛ في النفس، والمال، والأهل. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيْزت له الدنيا بحذافيرها"(البخاري).
* زهد الدنيا وتذكر الآخرة: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له"(الترمذي).
* الدعاء بما صح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: فعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك". قالوا: يا رسول الله، ما كفارة تلك؟ قال: "أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك".
وختاما؛(33/242)
أخي الحبيب عبد الله، استعن بالله- عز وجل- وادْعه أن يُذهب عنك اليأس والتشاؤم، إن الله سميع عليم، يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، واطرد من نفسك وساوس الشيطان، إنه للإنسان عدو مبين، وأقبل على الحياة بنفس راضية وقلب عامر بالإيمان واليقين، وفقك الله لما يحبه ويرضاه اللهم آمين. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
إبليس.. لست وحدك سبب الغواية العنوان
العقيدة الموضوع
لقد وجدت هذا الموقع بالصدفة عن طريق البحث عن معلومة معينة وأسعى إلى إجابة لها. أولا، أعوذ بالله من الإلحاد والكفر، أما بعد:
فلدي سؤال أرجو أن أحصل على جوابه.. سؤالي هو: أن الله يعلم كل شيء، ما حصل وما يحصل وما سيحصل، وأنه بيده كل شيء، فلماذا خلق الله تعالى إبليس وهو يعلم أنه سيخالف أمره (بما أنه عالم كل شيء، وهذا هو اليقين، ولا جدال في ذلك) وجعله في اختبار حين السجود؟، وهو الذي خلقه، ويعلم ماذا سيفعل حتى قبل خلقه؟.
لماذا خلقه وهو عنده العلم بأن إبليس سيغوي آدم وحواء؟، ويعلم أن مصيرهما سيكون الأرض؟، أرجو أن تكون قد أدركت مقصدي، وأرجو أن أحصل على إجابة منطقية لا غموض فيها وشكرا جزيلاً.
السؤال
الرد
يقول الأستاذ عصام تليمة :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أخي العزيز؛ زادنا الله وإياك يقينا، وعلما يثمر عملا، لا جدلا وسفسطة، اللهم آمين.
سؤالك يحمل بين طياته عدة أسئلة، أولها: لماذا خلق الله إبليس وهو يعلم أنه سيخالف أمره؟، ويحمل سؤالا آخر غير مباشر: لماذا يحاسب الله إبليس على عمل قد قدره الله عليه؟! وأجيبك بما يفتح به الله لي و لك من فهم، حول الموضوع.
حكمة خلق إبليس
أولا: لماذا خلق الله إبليس وهو يعلم أنه سيخالف أمره؟، أستغرب من سؤالك فمنطق من يتفكر أن يسأل في خلق من لا ينفع ولا يضر، فخلق ما يأتي منه النفع والضر- بقدر الله- هو موضع السؤال، ولذلك بدر السؤال من قبل من أحد المتشككين لأحد السلف، فسأله قائلا: لماذا خلق الله البعوضة؟ فقال العالم الرباني له: ليذل الله بها أنوف المتكبرين!
فكم من بعوضة أذلت أنف متكبر متجبر على خلق الله، ليعلم أن الله ينال منه، عقابا على ما فعل بأقل خلق خلقه الله سبحانه وتعالى، وقد جاءنا من خبر النمروذ على عهد(33/243)
إبراهيم عليه السلام، الذي قال لنبي الله إبراهيم في حواره معه: (أنا أُحييّ وأُميت) فسلط الله عليه بعوضة تدخل في أنفه، ولا تخرج إلا إذا ضرب بالنعل على أم رأسه.
لقد خلق الله الخلق جميعا، بما فيهم الإنس والجن، لعلة وهدف، بينه سبحانه وتعالى بقوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وبين الله تعالى علة الحياة والموت، يقول تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) [الملك: 2،1]. ليبلوكم أي: ليختبركم فيما بين الحياة والموت، أيكم أحسن عملا، وأيكم أصوب وأخلص عملا. ويقول تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) [الكهف: 7]. أي: لنخبرهم أيهم أزهد عملا فيها، وأسرع إلى طاعتنا.
فالمعلم لا يُسأل لماذا تجري امتحانا للطلاب في نهاية العام؟، لأن الذي يميز المتفوق من الفاشل، هو نتيجة الامتحان، فالمدرسة قد وفرت للطالب: الفصل الدراسي، والمعلم، والمنهج والشرح، وكل وسائل الإيضاح، وبقي عليه أن يؤدي دوره، فإذا أخفق في امتحانه فمعنى ذلك أنه أهمل وقصر، ولا يتساوى المجتهد مع المقصر أبدا، وهذا قانون إلهي، وفطري، وبشري، لا يختلف عليه اثنان عندهم مسحة من عقل.
لماذا يُحَاسَبُ إبليس؟
أما عن سؤال: لماذا يحاسب إبليس على عمل قدر عليه، فهذا ليس كما فهمت من ظاهر الموقف، إن الله تعالى يقول (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) [الأعراف: 179]. ومعنى ذرأنا أي : خلقنا وأوجدنا.
والمتأمل في الآية وما فيها من عبر يرى: أن السبب في دخول هؤلاء النار أنهم رزقوا ملكات ومواهب تنهض بهم لأن يكونوا من أهل الجنة، ولكنهم عطلوا هذه المواهب، ووظفوها في غير وظيفتها، (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)، ثم شبههم الله تعالى بمخلوقات معطلة المواهب، فقال: (أولئك كالأنعام).
وكأني بسياق الآية يوضح أن الأنعام مخلوقات مظلومة بهذا التشبيه الذي ينتقص من شأنها، فالأنعام لها رسالة وهدف، وهي خدمة الإنسان (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم) [النحل: 5-7]. فبينت الآية أن الأنعام لها رسالة تؤديها، أما الإنسان الذي عطل كل مواهبه وتخلى عن رسالته فالأنعام أرقى منه منزلة، وقد بينت آية أخرى ذلك، في قوله تعالى: (أولئك كالأنعام بل هم أضل).
وإبليس لم يكن في أصل أمره عاصيا لله، بل كان من الطائعين لله، ولكنه خالف أمر الله في السجود لآدم، كبرا منه، وهذا هو سبب طرده من رحمة الله، وقد كان بوسعه أن يسجد كما سجد غيره، فهو لا يسجد لآدم حفاوة بآدم نفسه، بل يسجد له إذعانا لأمر الله سبحانه وتعالى. وقد أعطاه الله ما يميز به بين الخير والشر.
علم الله وإرادتنا(33/244)
كما أحب أن تفرق يا أخي بين أمرين: يوضحان لك القضية بجلاء، الأول: أن علم الله بحدوث الأشياء هو من كمال صفاته سبحانه وتعالى، لا يجبرنا على فعل الشيء، فمثلاً- ولله المثل الأعلى- لو أن صانع ثلاجة قال لك: إنك إن أدرت مؤشر الثلاجة إلى درجة كذا سيكون درجة الثلوجة كذا، وإلى أدرتها إلى رقم كذا سيكون كذا، وإذا أحسنت التعامل معها بالطريقة الفلانية تستمر معك كذا سنة دون عطب، وإذا أسأت استخدامها بالطريقة الفلانية فإنها تفسد، لو أن صانع الثلاجة أو بائعها قال لك كل هذا عنها، أيكون عالما بالغيب؟!.. كلا.
إن مثله كمثل المعلم الذي ينظر إلى تلاميذه فيقول للأول: أنت ستحصل على مجموع 90% وأنت سترسب، ويأتي في نهاية العام فيحصل كل تلميذ على ما توقعه المعلم، أيكون المعلم بذلك قد أوحى إلى تلميذه الفاشل بالرسوب؟! لا، ولكنه يعلم من خلال رؤيته، وخبرته، وفراسته، ومعرفته بقدرات وإمكانات تلامذته مقام كل واحد منهما.
ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل عالم بكل أمر، فعلمه من قبل بما سيكون وما يكون وما كان، ليس معناه أنه يجبرنا على ما نفعل، بل هو علم من لا يليق به جهلا بما خلق سبحانه وتعالى، فهو قد يسر لنا معرفة طرق الخير والشر، يقول تعالى: (وهديناه النجدين). والنجدان هما: طريق الخير والشر، أي أتاه من سبل التفريق بينهما ما يمكنه من ذلك، (إنا هديناه السبيل إلى إما شاكرا وإما كافورا) [الإنسان: 3].
الأمر الثاني: أن علم الله بكل شيء حدث وسيحدث، لا يلغي إرادة الإنسان، أو الشيطان، (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف: 29]. إن علم الله بما يحدث وما حدث وما سيحدث، أشبه- والله المثل الأعلى- كما يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (قف أمام مرآة مجلوة صافية وأنت عابس الوجه مقطب الجبين، فماذا ترى؟ سترى صورتك كما هي عابسة مقطبة.
أي ذنب للمرآة في ذلك؟ إن مهمتها أن تصف وأن تكشف، وهي قد صدقت فيما أثبتت لك، ولو كنت ضاحك الوجه لأثبتت لك على صفحتها خيالا ضاحكا لا شك فيه. كذلك – ولله المثل الأعلى- صفحات العلم الإلهي ومرائيه لا تتصل بالأعمال اتصال تصريف وتحريك، ولكنه اتصال انكشاف ووضوح، فهي تتبع العمل ولا يتبعها العمل. غاية ما يمتاز به العلم، أنه لا يكشف الحاضر فقط، ولكنه يكشف- كذلك- الماضي والمستقبل) [عقيدة المسلم ص 120].
إبليس والغواية
كما أريد أن أنبهك إلى أمر مهم، وهو: أن إبليس ليس وحده سبب غواية البشر، بل هناك معينات أخرى، ومغويات ومضلات تجعل الإنسان يتنكب طريق الهداية، فهناك النفس الأمارة بالسوء، وهناك هوى النفس، وهناك أصحاب السوء، شياطين الإنس، وهم أشد على المرء من شياطين الجن، فشيطان الجن يكفيك أن تستعيذ بالله منه، وبالفعل عندما يتفكر الإنسان في بعض حيل الإنسان يراها أشد من حيل الشيطان، كما أن الشيطان يوسوس لك، وشياطين الإنس يغرونك بالحسي والمادي، بل ويصرون على متابعتك.
بل إن إبليس يصدر منه أحيانا ما ليس شرا منه، بل قد يسدي نصيحة، كما أسدى إلى أحد أنبياء الله نصيحة أنه ما انتصر عليه إلا مرة واحدة، أكل فيها نبي الله كثيرا، فنام(33/245)
عن قيام الليل، فأقسم ألا يكثر في طعامه بعد ذلك. وفي نصيحة إبليس لأحد الصحابة، وقد حكى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: "صدقك وهو كذوب".
إلى العمل
أخي العزيز الإسلام لا يحجر على عقلك أن يسأل في أي شيء شئت، ما دام ذلك في إطار الوصول إلى الحقيقة، وأن يكون إيمانك عن قناعة لا عن تقليد، ولكنه بعد ذلك يرنو إلى أن تنتقل من مرحلة الفكر والنقاش إلى مرحلة العمل، فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: متى الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم: "وماذا أعددت لها؟" فقد انتقل به النبي صلى الله عليه وسلم من السؤال الجدلي الصرف، إلى منطق العمل، أي يتعلم أن يسأل ما يفيده، وأن يسأل عن الشيء الذي ينبني عليه عمل.
إن إبليس الذي سألت عنه، اتخذ لنفسه هدفا في الحياة، يسعى لتحقيقه، وهدفه هو: غواية بني آدم وإضلالهم: (قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) الحجر: 39 بل أقسم بالله عز وجل كي يبر بقسمه، ويكون ذلك حافزا له في أداء رسالته: (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين) [ص: 82].
فماذا فعلنا نحن يا أخي في الميثاق الذي قطعه الله علينا، وأشهدنا عليه، وشهدنا وأقررنا به، يقول تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الأعراف: 172؟ هذا هو ما ينبغي أن نقوله لأنفسنا، هداني الله وإياك إلى تجنب غواية الشيطان والنفس والهوى، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم آمين.
ـــــــــــــــــــ
لا أستحق لقب مسلم العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أشعر بأنني كتلة من الذنوب ومثال سيء، ولا أستحق حتى لقب مسلم؛ فلم أترك ذنباً إلا فعلته. أخجل من الله ومن نفسي ومن الناس لكثرة ذنوبي، ولا أعرف ماذا أفعل؟، أو كيف أبدأ؟
كانت بداية ذنوبي مع الكذب، وبعدها شربت الخمور وتعاطيت المخدرات وزنيت. وهذا ليس ذنب أصدقائي فأنا لا أفعل هذه الأشياء إلا بعيدا عنهم لخجلي منهم. أعرف ماذا ستقول: ألا تخجل من ربك؟. وليس لدى إجابة.
مرت سنوات لم أصلِ فيها؛ لكنني أشعر أن الله هو من سينجيني مما أنا فيه. قد يكون تواكلا ولكنى لا أستطيع الخروج؟، عندما وجدت هذه الطريقة على الإنترنت فرحت لأنني لا أستطيع البوح بما أنا فيه لأي إنسان. ربما أكون مريضاً نفسيا ولكنني أشعر أنه غضب من الله عز وجل. أرجو نصحي؛ لعلني آخذ بنصيحتك ويهديني الله تعالى.
السؤال
الدكتور عبد الحكم صالح المستشار
الرد(33/246)
أخي/ سمير
مرحبا بك على موقع إسلام أون لاين، وهنيئا لك صدقك مع نفسك وحبك لربك الذي يفيض به كلامك في رسالتك. وبداية أحب أن أؤكد لك أن الصدق مع النفس هو الخطوة الأولى على طريق النجاح في حل أي مشكلة والشفاء من أي داء.
الذي تحمله رسالتك ليس نهاية الطريق ولا ينبئ أبدا عن أنك وصلت إلى طريق مسدود؛ فإن كانت ذنوبك كبيرة لا تحصى فعفو الله أكبر ولعلك تردد معي قول المولى سبحانه: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر:53).
ثم لعلك معي في أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان قد وصل إلى سن كبيرة لا يتوقع معه إنجاب؛ وامرأته سارة كانت عقيما لا تلد ومع ذلك لما بشرته الملائكة بميلاد إسحاق كان جوابه: { قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } ( الحجر:54- 56).
فغير الممكن والمستحيل واللامعقول هذا بالنسبة لنا نحن البشر؛ أما بالنسبة إلى الله فهو فوق المستحيل. فإذا كانت لك أهرام من الذنوب وهضاب من الآثام وجبال من المعاصي فكل ذلك يتضاءل بجانب عفو الله تعالى ورحمته ما دامت عقيدتك في الله قوية ثابتة قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء:48).
هكذا الإشراك بالله فقط هو الذي لا يغفره الله أما ما سوى ذلك فهو محل غفران الكريم أيا ما كان حجمه ونوعه.
ولماذا يا أخي تستكثر على الله ذنبك والله رحمن رحيم؟ هل نسيت ذلك الذي كان من بني إسرائيل، وقتل تسعة وتسعين نفسا ثم تحركت في داخله رغائب الإنابة والرجوع إلى الله، فانطلق إلى راهب يستفتيه عسى أن يجد عنده شعاعا من أمل، وكان الراهب ضيق الأفق فنظر إلى الذنوب فقط، ونسي أن ينظر إلى عفو الله؛ فأفتى المسكين بأنه لا توبة له.
فلما استشعر صاحب الذنوب أن باب الأمل مغلق قتل الراهب فأكمل به مائة قتيل؛ ثم انطلق آسفا حزينا تعلو وجهه كآبة القنوط والعياذ بالله؛ فدله الناس على عالم حصيف في مكان معين فذهب إليه وأخبره بقصته فقال له العالم: ومن الذي يستطيع أن يقطع أملك في الله؟ نعم لك توبة؛ لكني أنصحك بأن تترك أرضك التي تعيش فيها وتذهب إلى أرض كذا؛ لأن فيها قوما صالحين يعبدوا الله فاعبد الله معهم.
فانطلق الرجل ونور الأمل يشرق في وجهه وفي الطريق وافته المنية فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؛ ملائكة الرحمة تقول: كان مذنبا لكنه خرج تائبا وإلي الله راغبا، فنحن أولى به.
وملائكة العذاب يقولون: إنه قتل مائة نفس ولذا فنحن أولى به ، فبعث الله إليهم ملكا آخر، فقال لهم: قيسوا المسافة بين المكان الذي مات فيه والأرض التي خرج منها،(33/247)
والمسافة بين المكان الذي مات فيه والأرض التي اتجه إليها، فإلى أيهما وجدتموه أقرب فهو من أهلها.
تقول الرواية- والحديث في كتب الصحاح- إن الملائكة وجدته أقرب إلى أرض الطاعات بشبر واحد، فأخذته ملائكة الرحمة ودخل الجنة.
وختاما،
إياك يا أخي ثم إياك ثم إياك أن تستكثر ذنوبك على عفو الله، وأكثر من الاستغفار، واغسل ذنوبك بدموعك وطهر قلبك وضاعف ثقتك في ربك ، واحرص على الصلاة في جماعة، وداوم على صحبة القرآن الكريم، وفر من رفاق السوء وأكثر من أصدقاء الخير، واستعن على نزواتك بالصيام ومارس ألوان الرياضة البدنية ولا تنظر كثيرا إلى أمس المعتم بالذنوب وانظر دائما إلى الأمام حيث نور الأمل وإشراق اليقين، والله يحفظك ويرعاك ويسدد على طريق الصلاح خطاك
ـــــــــــــــــــ
ذنوبي كالجبل.. التوبة الصادقة تدكه العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأساتذة الأفاضل في إسلام أون لاين جزاكم الله خيرا حقيقة لا أعرف من أين ابدأ، فذنوبي كالجبل، واسمحوا لي بالكتابة بالعامية حتى أستطيع التعبير أكثر.
الصراحة أنا أعيش بتناقض قناعتي شي واللي أسويه شي ثاني لبست النقاب وفسخته كذا مرة مرات أنا ما أشوف النقاب واجب بس ارتاح لما البسه بس ما أبغي ألبسه أنا أصلا ما كنت البس نقاب بس لما دخلت الجامعة وصديقاتي يلبسون وكانوا ينصحوني بأن ألبسه و بعد في شخص كان يعاملني وكأني اشتغل عنده بس لما لبسته صار يعملني باحترام .شسوي شلون أكون نفسي ولا يهمني الناس دامني ما أسوي شي غلط؟؟؟
أصلي الفرائض والسنن الراتبه و الضحى والقيام ( بس قبل ما أنام) و أقرأ القرآن وأحافظ على الأذكار بس كله بدون طعم أحيانا أحس أني منافقه واني بس أبغي الناس تحبني عشان جي لبست النقاب شسوي والله أحس أني أسوي وايد أشياء بس عشان الناس حتى لو أنا ما مقتنعة أحاول قد ما اقدر ما اسمع أغاني مع أني أحبها والصدق لما اسمع أغنيه استأنس خصوصا لما تكون لها ذكريات حلوه.
الحقيقة أنا دخلت الجامعة اختلطت بمجموعة ملتزمة وأنا أحبهم وهم صديقاتي وزميلاتي بس ما قادرة أكون مثلهم ولا اقدر أكون مثل ما أحب أحس قلبي فاضي أتمنى أني أحب و انحب أتمنى تساعدوني وإذا كان عندكم اسأله اسألوني؟؟ أهم شي يكون قلبي نظيف وضميري مرتاح أنا كله أقول لأختي حرام تحفين رجلج كاملة وآخر شي أنا حفيتها كاملة ( أقصد يعني ان واحده تحف لها) شو هالحال شلون أصير أحسن.
قريت وااااااااااااايد عن تقوية الإيمان بس ما في فايدة أرجوكم ساعدوني عندي مشكلة وهي سوء الظن بالناس يعني مثلا أخو صديقتي تزوج وبعد زواجه بسبع(33/248)
أشهر ولدت زوجته فقلت كيف وشلون ووو مع أني اعرف انه ممكن تولد المرأة في السابع وأتعوذ من الشيطان ولكن الأفكار تعود وتعود.
ومثال آخر أحيانا أختي تقوم متأخرة لصلاة الفجر فتقعد تقول استغفر الله و ترددها وأنا أقول في قلبي لو تبغي تصلي جان قامت بدري و غيرها كثير من الأفكار اللي أشوف فيها أني أحسن من الناس و أفهم منه و كل شي زين فيني والناس لا ما أعرف ليش أفكر بهطريقة؟؟؟
وغير الغرور والكبر اللي أحس فيه أحيانا هذه الجزئية من حياتي اللي أحاول أخفيها وأدعو الله انه ما يبلي احد بها وهي أني كنت أمارس العادة السرية واكره عمري بعد هذا وما اعرف إذا كنت عذراء الحين أو لا فعلا أموت من الحرج لما أتكلم عن هالموضوع و أنا بس قاعدة أقول لكم كل شي عشان تساعدوني .
والمشكلة أني ما كنت اعرف أنها توجب الغسل فتخيلوا الصلاة والصيام اللي راحو عليوشي ثاني ذابحني وما ادري الله بيسامحني وله لا وهي أني تحرشت في بنت صغيرة وأنا كنت صغيره بعد بس يعني اكبر منها وهي مرة وحده بس كل ما أتذكرها أقول أنا شكنت أفكر فيه وأنا ادعوا الله له لعله يسامحني بس أنا لو حد سوى فيني جي ما راح أسامحه وهي ما تعرف لأنها كانت نائمة .
أعرف أنكم اللحين تحتقروني وما ألومكم لأني كل ما تذكر هالشي احتقر نفسي أكثر وأكثر أحيانا اشك أني مجنونه أو مريضة نفسيا..وشي حقير آخر وهي أني أحب اضرب نفسي على مؤخرتي..ما اقدر أضيف شي لأني حتى لما كنت اكلم نفسي عن هالموضوع أقول هذاك الشي المهين بدون ما اذكره بس الحين اكتشفت اشقد أنا مختله.
الحمد الله.. الله خلاني أقاوم العادة والضرب بس أحيانا أرجع، أما التحرش هي مرة والله لا يعودها دائما ينصحون بحفظ القرآن وأنا حقيقة ما أبغي أحفظه ولكن أبغي أعرف اقره بطريقة صحيحة فهل أنا منافقة دائما أتخيل أنه في شخص يحبني واني التزوج وووووووووووو أكيد بديتوا تعرفون طريقة تفكيري المختلة ودائما أتخيل انه عندي ولد وسميته عبد الرحمن
المشكلة العويصة هي أني كل ما أشوف شاب ويعجبني حتى لو بالتلفزيون خلاص على طول يصير زوجي واللحين ان شاء الله بشتغل ومكان شغلي فيه رجال أنا ان شالله ما راح أسوي شي سيئ ولكن الأفكار. هل تشقير الحواجب حرام والله المشايخ عقدوني هذا يقول حرام وهذا يقول حلال مب بس في هذا الموضوع ولكن في مواضيع كثير..شلون اختار الفتوى المناسبة وهي ما تكون عشان أنا أبغيها ولكن يعني هي الصح؟؟؟
كنت أتابع مشاهد مثيرة بالتلفاز الناس تظن أني ملتزمة وأنا حقيقتا (فاسدة) من الداخل هل في برنامج عملي أقدر أطبقه وبعدين أتغير؟؟؟؟ تأتيني أفكار تشكك في كل شي حتى في الله وأحيانا أتخيل أني أدوس القرآن وأسوي فيه أشياء مهينه الحقيقة ما أعرف ليش تجيني هالافكار؟؟؟ أصعب عبادة على قلبي الصيام مشكلة أسرتنا هي ان احنا صحيح نحب بعض ولكن عالصامت وإذا أنا مثلا زعلت من أختي أو أي شي بكلم أختي الثانية عشان تكلمها يعني ان ما أروح مباشرة وكلمها أفعل الكثير من(33/249)
العبادة دون ان اعرف فائدتها أو معناها أو أجرها، في رمضان الماضي أسوأ رمضان في حياتي كنت أصلي وأقرأ القرآن و.
بدون نفس اعرف كل الأمور ملخبطه لان أنا ملخبطه حتى لما حد يسألني شو هدفج بالحياة ما اعرف وحياتي كلها خرابيط من يوم و أنا صغير أتمنى أكون مسلمة بكل ما تحمل الكلمة من معاني سامية..أتمنى تفهموني وتساعدوني على الأقل أتخلص من الأفكار السيئة و جزاكم الله خيرا
(ملحوظة) :
حاولنا - قدر الجهد - أن نحافظ على لهجة السائلة، وأسلوب السرد، لنحافظ على خصوصية اللهجة، وصدق السؤال، وهذا للعلم.
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
أختنا في الله / عبير (حفظك الله ورعاك)
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، باهتمام شديد، وقد لفت انتباهي فيها، وشدني إلى قراءتها، عدة أشياء وهي :-
أولها: صراحتك المتناهية التي يعز أن نجدها في هذا الزمان.
ثانيها: صدقك في الحديث، في زمن قل فيه الصادقون، وكثر فيه الكذابون.
ثالثها: رغبتك في التوبة، وهو أمر محمود، ونية طيبة، أسأل الله أن يجزيك عليها خيراً.
رابعها: إصرارك على تصحيح موقفك، وعدم الاستسلام للخطأ، وهي صفة حميدة.
وأبدأ الإجابة على استشارتك، فأقول لك:-
أولا: احمدي الله عز وجل أن رزقك هذا القلب الذي يستشعر الذنوب، ويرغب في أن يعود إلى الله ويتوب، فهناك الكثير ممن يذنبون لا يستشعرون حجم ذنوبهم، ولا يرغبون في التوبة والخلاص منها.
ثانياً: احمدي الله أن خصك بمحبته، فإنه سبحانه لا يلين قلب العاصي إلا إذا أحب منه عودته إليه، فهنيئاً لك محبة الله، فإنه لو لم يحبك ما فتح لك باب التوبة، وما دلك علينا في إسلام أون لاين، فاحمدي الله على ذلك كثيرا.(33/250)
ثالثاً: نشكر الله أن عرفنا بك، وجعلك ممن يحملون زادنا وأجورنا إلى الآخرة، فجزاك الله عنا خيراً.
أختنا الكريمة:
على الرغم من أننا – في نطاق التزكية- لسنا مختصين بالحديث في الفتاوى والأمور الفقهية، لأن محلها النطاق الشرعي، إلا أنني سأحيلك إلى بعض الفتاوى المهمة في الإشكالات الفقهية التي تحيرك، ولا تجدين لها جوابا شافياً، كما سأحيلك إلى بعض الاستشارات الإيمانية، التي وردت مفصلة ومشروحة على نحو يلبي الحاجة تماماً، وهي على النحو التالي :
أولاً: بخصوص النقاب، فإنني أوصيك بقراءة هذه الفتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – حفظه الله– وعنوانها: (النقاب بين البدعة والوجوب).
ثانيا: بخصوص سماع الأغاني، فإنني أوصيك بقراءة هذه الفتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – حفظه الله– وعنوانها: (حكم الغناء : بين المانعين والمجيزين).
ثالثا: بخصوص ممارسة العادة السرية، فإنني أرشح لك هذه الاستشارة الإيمانية، ففيها بإذن الله الكلام المفيد والأكيد، وعنوانها :( حلول إيمانية للتوبة من العادة السرية).
رابعاً: بخصوص تشقير الحواجب، فإنني أوصيك بقراءة هذه الفتوى للشيخ عطية صقر، ففيها بإذن الله الكلام المفيد والأكيد، وعنوانها :( ترقيق المرأة حواجبها).
خامساً: بخصوص قولك، (أحيانا أتخيل أني أدوس القرآن، وأسوي فيه أشياء مهينه، الحقيقة ما أعرف ليش تجيني هالافكار؟؟؟)، فإنني أنصحك بمطالعة ملف(وساوس الإيمان الشائكة)، وكذا أنصحك بمطالعة استشارة إيمانية منشورة بعنوان (في ذهني.. "رسوم مسيئة" !!).
أختنا في الله عبير:
كانت هذه بعض الإحالات إلى فتاوى واستشارات قيمة، فيها – إن شاء الله- ردود وافية عما يجيش في صدرك، ولا تجدين له إجابة، فأسأل الله أن يرزقك الصبر على فتح هذه الموضوعات، وقراءتها، بتأنٍ وتروٍ، والاستفادة منها، اللهم آمين.
ولي معك – يا أخت عبير - بعض الوقفات، ألخصها لك في النقاط التالية:
الوقفة الأولى: تقولين: (أصلي الفرائض والسنن الراتبه والضحى والقيام و اقرا القران وأحافظ على الأذكار بس كله بدون طعم أحيانا أحس أني منافقه). وأقول لك: أعتقد أن سبب ما تشعرين به من فقدان حلاوة العبادة، وعدم استشعار لذتها، راجع إلى مرض الفتور، الذي يصيب المسلم في طريق الطاعة.
وأرى أن الحل يكمن – إن شاء الله - في النقاط التالية:-
* تعرفي على فضل كل عمل قبل القيام به، واقرئي عن الأجر الذي أعده الله لمن يفعل هذه الطاعة ويحرص عليها، فإن معرفة الفضل تدفع إلى العمل، ومن ذلك ما أعده الله لعباده المحافظين على الصلاة، وفضل صلاة الضحى، وفضل قيام الليل، و إلخ.
* استحضري عظمة الله في قلبك عند القيام بهذه الطاعات، فإن هذا مما يورث الخشوع في القلب.(33/251)
* نوِعي في عباداتك، وجددي في وسائل الطاعة وأدواتها، لأن النفس تمل، وهي إلى التجديد أقبل، وفي التغير أرغب.
* اختاري من الصالحات من زميلاتك أو جيرانك أحبهن إلى نفسك، وصاحبيها في الطاعة، حتى ينصرف الشيطان عنك، فإنه من الواحد قريب، وإلى الاثنين أبعد.
* شاركي في بعض المشروعات الخيرية، مثل كفالة الأيتام، وقضاء مصالح الفقراء، فإن ذلك يجعلك تستشعرين أهميتك، وأن لوجودك في الحياة فائدة ونفعاً للناس، وهو مما يحقق السعادة للنفس، ويذهب الملل.
الوقفة الثانية:تقولين: (قريت وااااااااااااايد عن تقوية الإيمان بس ما في فايدة). وأستعين بالله وأقول لك: إن القراءة عما يقوي الإيمان لا تكفي وحدها لتقوية الإيمان، فلو كان هناك مريض قد أصيب بمرض ما، وأمسك بأفضل كتاب ألفه أعظم طبيب متخصص في علاج هذا المرض، فقرأه وحفظه عن ظهر قلب، دون أن يطبق ما فيه من تعليمات، ودون أن يلزم نفسه بالبرنامج العملي العلاجي المكتوب، فهل ترينه يُشفى من مرضه؟!، لا .. .لا أعتقد أنه سيشفى. ومن ثم فإن عليك أن تطبقي برنامجاً عملياً لتقوية الإيمان، وأرشح لك هذه الاستشارة حول وسائل مقترحة لتقوية الإيمان، أوصى بها فضيلة العالم الجليل الدكتور فتحي يكن، وعنوانها:( برنامج عملي لتطوير الإيمان.. المهمات التسع).
الوقفة الثالثة: أما بعض الأمور الأخرى التي تعانين منها مثل: ( سوء الظن بالناس)، و (الغرور)، و(الكبر)، وإحساسك بأنك (فاسدة من الداخل)، و كونك (تعيشين بلا هدف)، فإنها – في تقديري- أعراض لا أمراض، نعم هي أعراض لمرض كبير، وقديم ألا وهو مرض الغفلة عن الله، ومن ثم فإنني أبشرك، بأنك بمجرد أن تنتفضي من غفلتك عائدة إلى ربك، بما لاحظته في رسالتك من رغبة في التوبة، وإصرار على التغيير، سيبدل الله حالك إلى أحسن حال، وسيشرق وجهك بنور الأمل من جديد، وبالرغبة في الحياة، لأن التوبة بعث وميلاد جديدين.
الوقفة الرابعة: وأما ما وقع منك وأنت صغيرة، من تحرش بفتاة، مرة واحدة لم تعودي إليها بعد، فإن الله سيغفره لك برحمته، إن شاء الله، فهو سبحانه أعز وأكرم، وبعباده التائبين أرحم. فلا تفتحي للشيطان في هذا الأمر باباً، ليقنطك من رحمة الله، ولا تسلسي له قيادك، فتستسلمين له، بل كوني قوية، واثقة من عفو ربك، مستعصية على شيطانك.
الوقفة الخامسة: أما عن القرآن، وقولك (وأنا حقيقة ما أبغي أحفظه ولكن أبغي اعرف اقره بطريقة صحيحة)، فاعلمي – فقهك الله في دينك- أن حفظ القرآن ليس فرضاً لازما على كل مسلم ومسلمة، وإنما يجب علينا أن نقرأه، ونتدبره، ونتعبد الله به، وندرسه لنعرف أحكامه لنعمل بها، فعليك أن تتعلمي كيف تقرئين القرآن قراءة صحيحة، وذلك على يد إحدى النساء الحافظات للقرآن، في بلدك، أو على الأقل أن تكون ممن يقرأنه قراءة صحيحة، بلا أخطاء.
الوقفة السادسة: وأما عن قولك: (الناس تظن أني ملتزمة وأنا حقيقة فاسدة من الداخل)، فهذا شعور طيب، ومؤشر خير، نعم لأن القلب المؤمن كـ"الترمومتر"، يقيس درجة الإيمان لدى العبد، فكون القلب يرسل إشارات تحذيرية للعبد المسلم بأن(33/252)
هناك خللاً ما في أحد الأجهزة، فهذا دليل على أن القلب حي، وتلك صفة يفتقدها كثير من الناس، ممن ماتت قلوبهم، فعجزت عن أن تنذرهم أو تحذرهم. فاحمدي الله أن رزقك قلباً حياً، واعلمي أن التغيير إلى الأفضل لا يكون بالأماني فقط وإنما بالنية التي يصحبها عمل (صالح)، وعزم وإصرار على الصلاح، قال تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
الوقفة السابعة: أما عن البرنامج العملي الذي تطلبينه بقولك (هل في برنامج عملي أقدر أطبقه وبعدين أتغير؟؟؟؟)، فإنه يتلخص في أمرين اثنين لا ثالث لهما، وهما الإيمان ثم الاستقامة، وقد أوضح القرآن ذلك في قوله سبحانه[: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ] (فصلت: 30). كما كتبه لنا و لك حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام عندما سأله سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه، فقال: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. فقال رسول الله e: قل: آمنت بالله ثم استقم " (رواه مسلم).
الوقفة الثامنة: وأما عن قولك ( أعرف كل الأمور ملخبطه لان أنا ملخبطه حتى لما حد يسألني شو هدفج بالحياة ما اعرف وحياتي كلها خرابيط من يوم و أنا صغيرة أتمنى أكون مسلمة بكل ما تحمل الكلمة من معاني سامية)؛ فاعلمي أن كل مسلم في هذه الحياة له هدف واحد، وهو الحصول على مرضاة الله، بالإكثار من فعل الطاعات وتجنب الوقوع في المعاصي والزلات. واعلمي أن الشيطان يحقر الذنب للعبد، ويزينه له، ويصغره في عينه، قبل أن يقع فيه، فإذا وقع فيه ضخمه في عينه، وكبره في وجهه، وصَعَبَ عليه العودة عنه، والتوبة منه.
وعليه فإنني أقول لك: إن كل ما تشعرين به، وكل ما تعانين منه، يحتاج إلى لحظة واحدة، وقرار واحد، وعزيمة واحدة، فهو أشبه ما يكون بـ"الكابوس" الذي يراه النائم في المنام، فيرى أنه يسير في ليل مظلم، وأن كلابا مفترسة توشك ان تفتك به، وأنه لا مناص له ولا مفر، فاللص خلفه، والذئب أمامه، والأبواب موصدة، ولا أمل ..!!، فإذا ما استيقظ هذا النائم من نومه، وعلم أنه كان يحلم، فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وتفل عن يساره، ثلاثاً، فإنه يدرك أنه قد نجا بفضل الله ورحمته.
ولا أنسى قبل الختام؛
أن أخبرك - يا أخت عبير- أننا سعداء برسالتك، مسرورون باستشارتك، وصراحتك، فليس صحيحا أبداً أننا نحتقرك – كما قلت في رسالتك – سامحك الله، نعم سامحك الله وغفر لك وهل يحتقر المسلم تائبة منيبة؟!، وهل يحتقر العبد عائدة إلى ربها بإرادتها؟!. كيف نفعل ذلك، وقد تعلمنا من رسالتك ما لم نتعلمه في سنين كثيرة، من الكتب والدروس والمحاضرات؟!. نعم لقد تعلمنا منك درساً بل دروساً في الصراحة، والصدق، والعزيمة على العودة، والإصرار على التوبة، و . إلخ فجزاك الله عنا خير الجزاء، ونفع بك، وجعل ذلك في ميزان حسناتك.
ولا أنسى - أيضا- أن أقول لك : اطمئني - يا أخت عبير- فنحن نفهمك، وندرك ما تشعرين به، ونمد أيدينا لك بالمساعدة، فهي لك حق، وهي علينا واجب، ونحن معك – بعون الله - حتى تتخلصين من تلك الأفكار السيئة،
وختاما؛(33/253)
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وتابعينا بأخبارك وأخبار توبتك، لنطمئن عليك
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ـــــــــــــــــــ
أكلت الربا .. فكيف أتوب؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أنا شاب متزوج، قمت بالحصول على قرض من بنك ربوي، للمساعدة في تكاليف زواجي، وقد قرأت مؤخرا على موقعكم أن تكاليف الزواج لا تدخل ضمن الضرورات التي تبيح الحصول على قرض من بنك ربوي؟، فماذا أفعل لتبرئة ذمتي من هذا الإثم؟. لقد طلبت المغفرة من رب العالمين، ولكن هل تكفى التوبة أم ماذا علىّ أن أفعل؟؟.
وهل صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية"؟ وإذا كان صحيحا فكيف يكون ذلك؟ وكيف يكون الربا أشد من الزنا؟
وماذا تقولون فيمن يقول إن هذا الكلام مخالف للنقل والعقل والإجماع؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم، مدير مركز البحث والتطوير بالمجموعة الشرعية بشركة الراجحي المصرفية للاستثمار:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أول ما يجب في هذه الحالة هو الاستغفار والتوبة مما وقع، ثم يجب عليك سؤال الله تعالى أن يهيئ لك الأسباب التي تنقذك من غضبه وسخطه وتسهل لك الرزق الحلال، وعليك أن تجتهد في الدعاء بذلك، وتتحرى أوقات الإجابة، ولن يضيع الله عبداً لجأ إليه واطرح بين يديه وأخلص في دعائه.
وهناك عدد من الخيارات للتخلص مما تبقى من القرض الربوي:
أولا: إذا أمكن سداد ما تبقى من القرض دفعة واحدة (سداد مبكر) مقابل إسقاط ما تبقى من الفوائد فهو واجب،حتى لو تطلب ذلك أن تقترض من أحد أصدقائك أو معارفك (بدون فوائد بطبيعة الحال)، فهذا خير من البقاء على الربا. ويجب أن تخاطب إدارة البنك لتوافق على إسقاط ما تبقى من الفوائد مقابل السداد المبكر لتجنب الاستمرار في هذا الأمر.
وإذا لم يمكن إسقاط كل الفوائد المتبقية فإن السداد المبكر يظل واجباً، لأنه خروج من الربا في الحال، وهذا خير من الاستمرار فيه.(33/254)
ثانيا: يمكنك شراء أسهم بالأجل، ثم تسليم هذه الأسهم للبنك سداداً لما تبقى من القرض، وإذا وافق البنك على ذلك أمكنك التخلص من القرض الربوي وما تبقى من فوائده. ويبقى في ذمتك ثمن الأسهم، وهذا دين مشروع لأنه ناتج عن بيع.
ولا أنصحك أن تأخذ قرضاً من خلال التورق المصرفي، لأن التورق المصرفي حيلة على الربا، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بمنعه. والحيلة على الربا لا تقل سوءاً عن الربا الصريح إن لم تكن أسوأ منه. ويغنيك عن التورق المصرفي شراء الأسهم أو المعادن بأجل ثم تسليم الأسهم أو المعادن مباشرة للبنك.
ثالثا: إذا تعذر ما سبق فإن أمكنك أن تبيع بعض ممتلكاتك التي يمكنك الاستغناء عنها للسداد المبكر فهو أولى. يمكنك مثلاً أن تبيع سيارتك نقداً لسداد القرض، ثم تشتري لنفسك سيارة بالتقسيط.
رابعا: إذا تعذرت كل الخيارات السابقة، ولم تجد وسيلة أخرى للتخلص من القرض الربوي، فأنت في حكم المضطر. ولا يجوز لك التوقف عن السداد بدعوى أن القرض ربوي. فالربا محرم ولكن الخيانة والغدر أشد تحريماً. كما أن التوقف عن السداد بدعوى أن القرض ربا يفتح الباب لاستغلال الإسلام بأبشع صورة، وهذا صد عن سبيل الله ودينه، وهو من أكبر الكبائر.
فإذا كنت مضطراً ولم تجد مخرجاً، بعد بذل كل الأسباب الممكنة وبعد التضرع إلى الله أن يخرجك من هذا المأزق، ففي هذه الحالة يغتفر ارتكاب أدنى المفسدتين دفعاً لأعظمهما، كما هو مقرر في أصول الشريعة وقواعدها التي أجمع عليها العلماء.
وختاما،
فليس هناك فيما أعلم كفارة خاصة لمن وقع في الربا، عدا التوبة والاستغفار والانتهاء عن التعامل بالربا، كما قال تعالى: { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله}( البقرة: 275)، فالانتهاء والتوبة تجب ما سبق إن شاء الله. والله تعالى يهيئ لنا و لك سبل الحلال و يغنينا بفضله عمن سواه وتابعنا باخبارك
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
روى الإمام أحمد في مسنده (5/225) عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "درهم ربا يأكله الرجل –وهو يعلم- أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية". قال الألباني: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ومن أعله بتغير جرير قبل موته فلم يصبْ، لأنه لم يسمع منه أحد في حال اختلافه، كما قال ابن مهدي.
ورواه الدارقطني أيضا بهذا الإسناد. ورواه كل من أحمد والدارقطني عن عبد الله بن حنظلة عن كعب من قوله. قال الدارقطني: هذا أصح من المرفوع. انظر الحديث (49) من كتاب البدع من سنن الدارقطني ج3/16 بتحقيق هاشم عبدالله اليماني.
والعلماء يقولون: الموقوف هنا له حكم المرفوع، إذ لا مجال للرأي في التحديد بعدد معين. وقد ذكر الحافظ المنذري الحديث في كتابه (الترهيب والترغيب) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. (انظر: الحديث (1060) من كتابنا (المنتقى من الترغيب والترهيب).(33/255)
وأورده الحافظ نور الدين الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال ما قاله المنذري (4/117). ونقل العلامة المناوي عن الحافظ العراقي أنه قال: رجاله ثقات (الفيض:3/524).
ونقل أيضا عن ابن الجوزي أنه أورد الحديث في (الموضوعات) وجعل الآفة فيه من حسين بن محمد، ونقل عن أبي حاتم أنه قال: رأيته ولم أسمع منه. تعقبه ابن حجر بأنه احتج به الشيخان، ووثقه غيرهما، وبأن للحديث شواهد انتهى (الفيض:3/524) . ومن المعروف أن ابن الجوزي أحيانا يتوسع في الحكم على الحديث بالوضع.
وفي عصرنا صححه الشيخ الألباني في سلسلة الصحيحة برقم (1033) وفي تخريج كتابنا: (الحلال والحرام) الذي سماه (غاية المرام) برقم (272) وفي (صحيح الجامع الصغير وزيادته) برقم (3375).
أما زعم من يزعم أن هذا الكلام مخالف للنقل والعقل والإجماع فلا أدري كيف زعم هذا الإنسان أن هذا مخالف للنقل؟ وأين هو النقل الذي يخالفه؟ قرآن أو سنة أو كلام صحابي أو كلام تابعي أو كلام أحد الأئمة المجتهدين؟
لقد رأينا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في كتابه الكبير والأوسط، والدارقطني في سننه، وابن عساكر في تاريخه، وارتضاه من أئمة الحديث بعدهم: المنذري والعراقي والهيثمي وابن حجر والسيوطي والمناوي. ومثل هذا لا يقال فيه: إنه خالف النقل.
وأما زعم من زعم أنه خالف العقل، فليت شعري هل يفهم هذا معنى مخالفة العقل؟ إن مخالفة العقل تعني: أنه يترتب علي التصديق به أمر محال عقلا، كإثبات النقيضين، أو رفعهما معا. فأين مخالفة العقل هنا؟
وإن كان المراد بالعقل: عقل الإنسان المسلم، فالمسلم البصير بدينه، الذي يعقل عن الله ورسوله ما أمرا به وما نهيا عنه، لا يجد غضاضة في تقبل هذا الحديث؛ لأنه يسير في ضوء القرآن الذي عظم معصية الربا أكثر من أي معصية أخرى، حتى جاء في شأنها في كتاب الله تعالى ما لم يأت في شأن الكبائر الأخرى، حيث قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 278] .
وإنما كان الربا أشد من الزنى؛ لأن الزنى تدفع إليه شهوة غريزية، أما الربا فيدفع إليه طمع شيطاني في أكل أموال الناس بالباطل، وامتصاص الفقراء لحساب الأغنياء، ولهذا عد الرسول الكريم الربا في الموبقات السبع، ولم يعد فيها الزنى، وإن كان كلاهما كبيرة.
وانظر ما نقله المناوي عن الطيبي، والحراني، يتبين لك خطر الربا، يؤكده ما قاله الاقتصاديون في عصرنا من شدة خطر الربا على الاقتصاد وعلى السياسة وعلى المجتمع وعلى القيم والأخلاق، وعلى السِّلم العالمي.
وأعجب من هذا كله: ادعاء أن هذا الحديث أو مضمونه مخالف للإجماع! ويبدو أن قائل هذا لا يعرف شيئا عن الإجماع، لا عن معناه، ولا عن حكمه. والإجماع في أوضح عبارة: هو اتفاق جميع مجتهدي الأمة في عصر من العصور على حكم شرعي.(33/256)
فأين الحكم الشرعي الذي خالفه هذا الحديث؟ وأين مخالفته، حتى للمذاهب الأربعة أو لمذهب واحد منها، ناهيك عن مخالفته للإجماع! . والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
ذنوب الماضي "تلوث" صفحة التوبة العنوان
أمراض القلوب الموضوع
عمري 30 سنة، وقد استيقظت في العام الأخير؛ وأريد أن أفتح صفحة جديدة مع الله، ومع الناس، والمشكلة أن رواسب الماضي من أخلاق سيئة تعود بي للمربع الأول، وأريد أن ألزم نفسي بالتوبة مع الله، وبالإحسان إلى الناس، فلا أدري أين الخلل؟
وهل موضوع التغيير والإصلاح بعد الثلاثين يكون صعباً، كما يقول علماء النفس، أم ماذا؟، وهل أقبل على الدين بحماس وقوة أم بتدرج؟. علماً بأنني جربت الطريقتين؛ ومع ذلك سقطت في منتصف الطريق. فكيف أبدأ وبماذا؟
السؤال
الدكتور علاء السيوفي المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثم أما بعد:
الأخ الكريم/ عبد الله
لا تبتئس فكلنا ذاك الرجل، وكلنا ذوو خطأ، وفي الحديث "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وأود أن أوضح أنه ليس صحيحاً أن مسألة التوبة بعد الثلاثين صعبة؛ لأن كثيرًا من الصحابة أسلموا بعد الثلاثين وحَسُنِ إسلامهم، والمهم هو نقاء المعدن وصفاء السريرة، وفي الحديث: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا".
وما أجمل أن يبدأ الإنسان صفحة جديدة مع الله، ويجدد حياته الإيمانية بالتوبة، فالمؤمنون هم أكثر الناس حاجة إلى التوبة، وكما يقول ابن القيم: "إن التوبة هي أول منازل السائرين، وأوسطها وآخرها"، ولكن أن يظن الإنسان أنه سيظل على حالة واحدة دون أن تحدث منه معاص أو ذنوب، فهذا درب من عدم المعرفة بطبيعة النفس البشرية.
وأوصيك – أخي الحبيب- ببعض الوصايا التي تعينك – بإذن الله - على الاستمرار في التوبة ومنها:-
* الندم على كل ما فرطت فيه في جنب الله، فالندم هو ركن التوبة الأعظم.
* عقد العزم والنية على عدم العودة إلى المعصية أبدًا.
* يقول بعض العارفين "ذكر الجفا ساعة الصفا جفا"، فلا ينبغي عليك أن تتذكر رواسب الماضي، وأنت سائر إلى ربك.
* انظر أمامك، وحاول أن تحسن أداءك مع الله، واعلم أن أول ذنب ترتكبه بعد التوبة هو أن تظن أن الله لن يغفر لك.(33/257)
* اعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، واعلم أن هذا الدين عميق فأوغل فيه برفق، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، ولا تشدد على نفسك فيشدد الله عليك.
* داوم على الذكر، واعلم أن الله عز وجل يقول في الخبر الإلهي: "وأنا مع عبدي متى ذكرني وتحركت بي شفتاه".
* لا تبتئس إذا زلت بك القدم، ولكن سارع بالتوبة وجددها دائمًا، ولا تيأس من رحمة الله: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله }.
* صاحب الصالحين، واعلم أن المرء على دين خليله.
* اختر لك صديقاً أمينًا صدوقًا، وتعاهد معه على طاعة الله وعلى أن يكون مرآة لك.
* لا تنس حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم".
* اعلم أن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه عز وجل كلفنا بالتوبة كلما أذنبنا، ولم يكلفنا ألا نذنب مطلقًا يقول الله عز وجل: { وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وعجبًا لقد طلب التوبة من المؤمنين ولم يطلبها من العاصين.
وختاماً،
أرجو من الله عز وجل أن يتوب علينا وعليك، وعلى المؤمنين أجمعين، ولعلني أكون قد شاركت في خروجك من الدوامة التي أتعبتك، وتواصل معنا، إن كانت هناك أية تساؤلات أخرى.. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
ماذا أفعل لأنجو من عذاب الآخرة؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرغب في الاستفسار عن أشياء تحصل معي في أمور الدنيا، أنا بصراحة كنت عاصياً لربي، لا أصلي الصلاة بوقتها، وعملت كل شيْ بحياتي ماعدا شرب الخمر والعياذ بالله.
ومنذ فترة بسيطة حكم عليَّ القدر ووقعت مريضاً، وتقربت من ربى كثيراً، وأصبحت أصلي الصلاة بوقتها في المسجد حتى الفجر، وإذا فاتتني أي صلاة أندم عليها، وأنا الآن في حيرة من الأمر؛ لأني أتصور أن الموت سيأتيني في أي وقت، وأنا لم أعمل لحياتي شيئاً ينجيني من عذاب الآخرة؛ علماً بأنني تبت عن كل المعاصي والذنوب، عسى ربي أن يتوب علي، ويتقبل توبتي وطاعتي وإياكم إن شاء الله.
فأنا في كل مكان وفي أي وقت يخطر ببالي الموت، وأنا لست خائفاً من الموت لأن الموت حق ولكن خوفي من ربي- سبحانه وتعالى- بأني لهيت في الدنيا وتركت عبادته جل شأنه، فأرجو منكم إفادتي: ما معنى تصوري للموت؟ دائماً أفكر في أولادي وبيتي لم أفكر بالموت؟ مع أنني أذكر الله على طول وأقرأ القرآن والأذكار كلها.(33/258)
وأحاول بقدر الإمكان تحصيل شيء ينفعني في آخرتي، أعاذني الله وإياكم من عذاب الآخرة وعذاب القبر، فما تفسير هذه الأشياء والوساوس التي تدور في بالي وقلبي؟، حيث إنني دائماً أفكر في الآخرة، وأقول: أجلي قريب! فأرجو منكم الإفادة جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الباحث الأستاذ خباب بن مروان آل حمد، فلسطيني مقيم بالسعودية:
أخي الحبيب: عبد الرزَّاق (حفظه الله وبارك فيه)
لا أكتمك سرِّاً بأنَّني كنت أغالب دمعاتي فرحاً بتوبتك، وابتهاجاً لما أراه من خلال رسالتك من صدق في التوبة، وندم على ما فات من أيام الجاهلية والمعاصي- أحسبك كذلك والله حسيبك ولا أزكي على الله أحداً-.
وحقاً عزيزي عبد الرزَّاق: ما أحلى التوبة، وما أحلى نسائم الإيمان التي تهبُّ على العبد التائب، من انشراح بالصدر، وابتهاج بحلاوة الإيمان، ورقَّة في القلب والفؤاد!
ولي معك – أخي الحبيب- عدَّة وقفات، علَّ الله أن ينفعك بها، ويجعلها سبباً في تسلية ما بنفسك من هموم ووساوس:
أولاً: إنَّ من طبع الإنسان الخطأ والمعاصي، ومن الذي سلم من الذنوب والمعاصي، ولم يقترف ما حرَّم الله؟ ورسول الهدى حَسَمَ ذلك بقوله- صلَّى الله عليه وسلَّم- : (كلُّ بني آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوَّابون) أخرجه أحمد والترمذي، وانظره في صحيح الجامع: (4391).
ثانياً: إنَّ المؤمن السَّوي إذا عصى ربَّه، واقترف ما حرَّمه ونهى عنه، فإنَّه يجب عليه التوبةإلى الله من هذه الذنوب والمعاصي، كيف والله – سبحانه- يقول: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيُّها المؤمنون لعلَّكم تفلحون)، فهو – سبحانه- يقبل من عباده توبتهم، كما قال: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات) [الشورى- 25].
كما أنَّه يحبُّ من عباده أن يستغفروه ويتوبوا إليه، بل يدعوهم إلى المسارعة بالتوبة فيقول:( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعاً) كما أنَّه يفرح فرحاً يليق بجلاله- عزَّ وجلَّ- إذا تاب عبده المقصِّر في حقوقه.
وقد أخبرنا - صلَّى الله عليه وسلَّم- قائلاً :(لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلِّها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدَّة الفرح) أخرجه مسلم (2747). وعليه فإنَّ توبتك إلى الله من أحبِّ القُرَبِ والعبادات إلى الله، فأبشر أخي بقبول التوبة من ربٍّ كريم برٍّ رحيم.(33/259)
ثالثاً: إنَّ الله لا يجازي عبده المؤمن إذا تاب إلاَّ بالحسنى والغفران، بل يكفِّر الله سيئات من عصاه إلى حسنات، وهذا فضل من الله وإنعام منه على عباده، وتشجيعاً لهم في طرق أبواب التوبة والانطراح بين يدي الله- تعالى- وسؤاله المغفرة والعفو والرضوان، ومن كرمه – تعالى- على عباده أن يبدِّل سيئاتهم إلى حسنات، ولهذا يقول- سبحانه وتعالى-: (إنَّ الحسنات يذهبن السيئات) [هود – 114]، ويقول :(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفِّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً) [النساء- 31].
رابعاً: إنَّ هذه الآيات- يا عزيزي- بشائر مفرحات، تجعل النفس العاصية لربِّها تتفاءل بما عند الله من غفران، وتمضي قدماً إلى العمل الصالح والمزيد من البر والعمل الصالح. لهذا فإنَّه- تعالى- يقول: (لا تقنطوا من رحمة الله)، وذلك لأنَّ المسلم قد يأتي بالذنوب الكثيرة، ثمَّ إذا همَّ بالتوبة قالت له نفسه الأمَّارة بالسوء: كيف يغفر لك ربك هذه المعاصي والفواحش التي اقترفتها وأنت الذي فعلت كيت وكيت، فيستحيل أن يغفر لك ربك هذه المعاصي!.
ولكن لسعة رحمة الله– تعالى- فإنَّه يقول: (لا تقنطوا من رحمة الله)، وهذا خطاب للمذنبين والمقصِّرين في حقوق ربِّهم أن لا يقنطوا من رحمته، ولا ييأسوا من غفرانه وعفوه، فإنَّ لله الرحمة المطلقة، فليعمل الصالحات وليبشر بفضل الله فقد قال- تعالى- :(وإنِّي لغفَّار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمَّ اهتدى) [طه-82].
خامساً: بعد هذا الإيضاح أنصحك ألاَّ تلتفت إلى الوساوس التي توسوس لك بأنَّك على باب الموت، وأنَّ شبح الموت يطاردك، ويجعلك كئيباً ومهموماً وحزيناً نعم أخي الموت حق، وكلٌّ يخاف منه ولا يحبُّه، وكلٌّ منَّا سيلج مدخله، كما قيل:
الموت باب وكلُّ الناس داخله *** يا ليت شعري! بعد ذاك ما الدار؟
والرسول- عليه الصلاة والسلام- أوصانا بكثرة تذكره فقال:(أكثروا ذكر هادم اللذات) أخرجه الترمذي وحسَّنه، ولكنَّ الإكثار من ذكر الموت يجعلنا نزيد سرعة في اللجوء إلى الله، والعمل لمرضاته، والتقرب إليه بسائر أنواع العبادات.
فلا تكن أيَّها الحبيب وساوس الموت قاطعة لك عن العمل الصالح، ومشغلة لك عن الطاعات، وتبقى تدور في دائرتها، إلى أن تكون مريضاً بالوساوس والهموم، ومن ثمَّ تنتقل من المعاصي إلى العجز والكسل والتفكير السلبي الذي لا يفيد شيئاً، بل يودُّ الشيطان لو ظفر من المسلم بذلك، والرسول عليه السلام يقول: (احرص على ما ينفعك ولا تعجز) أخرجه مسلم، ويقول (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) أخرجه مسلم.
إذاً اجعل توبتك هذه محفِّزة لك في المضي في درب الهداية، والابتعاد عن طريق الغواية، واعلم أنَّ الموت طريق الكل في هذه الدنيا، ولكنَّ المسلم يستغلُّ لحظات الحياة بكلِّ ما يرضي ربَّه ويسارع إلى مرضاته، وإن لقي ربَّه فمات فيا سعادته بلقاء ربِّه!
وأخيراً؛ أحب أن أوصيك وأذكرك ونفسي بهذه النصائح:
أولاً: أكثر من الدعاءبأن يشرح الله صدرك، ويرزقك حلاوة الإيمان، وأن يثبتك على دينه، ويكون لسان حالك بين يدي ربِّك:(33/260)
التائبون إلى رحابك أقبلوا *** عافوا بحبِّك نومهم فتهجَّدوا
أبواب كل مملِّك قد أوصدت *** ورأيت بابك واسعاً لا يوصد
ثانياً: اعقد صداقاتك مع أهل الخير والصلاح، وارتبط معهم وأشعرهم بحبك لهم، فإنَّ المرء يحشر مع من أحب كما أخبر بذلك الصادق المصدوق- صلى الله عليه وسلم- ورحم الله مالك بن دينار حين قال:( إنَّك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل الحلوى مع الفجَّار)، وأصحاب السوء أيَّاً كانوا فإنَّه لا يجنى منهم إلاَّ العلقم المر، ويكفي أنَّهم لا يودُّون لك الاستمرار في التوبة، بل يحاولون صرفك عنها بشتَّى الأساليب، لهذا يقول الحق- جلَّ جلاله- :(والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) [النساء-27].
فسر في طريق الله مستمسك العرى *** فطوبى لمن لله عاش وأخلصا
وإيَّاك أن ترضى بصحبة فاجر *** تقمَّصه إبليس فيمن تقمَّصا
تراه غريقاً في الضلال كأنَّما *** تخرج تلميذاً له وتخصَّصا
ومن سار في درب الردى غاله الردى *** ومن سار في درب الخلاص تخلَّصا
ثالثاً: تفاءل في حياتك، واعقد العزم على المضي في العمل الصالح من : الصلاة، والصدقة، والصوم، وخدمة الناس، وكفالة الأيتام، والمشاركة في المشروعات الإسلامية الدعوية والإغاثية والخيرية، وتأمَّل في حال الصحابة فإنَّهم كانوا كفَّاراً فحين هداهم الله، لم يبقوا يتذكَّروا ما كانوا عليه من الكفر والفسوق والمعاصي، بل أقدموا على العمل لهذا الدين بكلِّيَّتهم و نصروا الله فرضي الله عنهم وأرضاهم.
رابعاً: اجعل لك عملَ سرٍّ لا يعلم به أحد إلاَّ الله، وستشعر بعد ذلك كم هي حلاوة الإيمان التي ستخالط قلبك، وتجد بشاشتها في صدرك.
خامساً: أحسن الظنَّ بربِّك، وابق على خشيتك له مع رجاء رحمته، والله- تعالى- يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) ويقول- صلَّى الله عليه وسلَّم- :( لا يموتنَّ أحدكم إلاَّ وهو يحسن الظنَّ بالله) أخرجه مسلم.
سادساً : استمرَّ في توبتك وجدد العهد مع ربِّك كلَّ حين وسيفتح الله عليك بالخير والمتاع الحسن، وهذه بشرى أزفُّها إليك من كتاب الله حيث يقول- سبحانه- : (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتِّعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمَّى ويؤت كلَّ ذي فضل فضله وإن تولَّوا فإنِّي أخاف عليكم عذاب يوم كبير) [هود-3]. يقول الشيخ الشنقيطي- رحمه الله- :(والظاهر أنَّ المراد بالمتاع الحسن سعة الرزق، ورغد العيش، والعافية في الدنيا) أضواء البيان(2/170).
سابعاً: أكثر من تلاوة القرآن، فستجد اطمئناناً ويقيناً وسعادة، ويكفيك أنَّه كلام الرحمن، وكفى بربك هادياً ونصيراً.
وأخيراً أنصحك بمطالعة هذه الكتب:-
1ـ منزلة التوبة من كتاب مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين للإمام ابن القيم.
2ـ برنامج فعلي في التوبة إلى الله للدكتورة نوال العيد.
3ـ الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن السعدي.
4ـ برنامج تائب للكاتب مالك سيف سعيد.(33/261)
سائلاً المولى أن يحفظك ويرعاك ويسدد على درب الهدى والخير خطاك، ويبارك في مسعاك، ويرزقك الحياة السعيدة، ويختم لنا و لك بالحسنى، إنَّه أعظم مأمول، والسلام.
ـــــــــــــــــــ
عصيته صحيحاً فهل يقبلني مريضاً؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
عندي سؤال طويل أحاول اختصاره؛ فعندما بلغت العشرين من عمري وقعت في الزنا مع صديقة لي، وفي الثانية والعشرين تزوجت، وحاولت الابتعاد عنها، وبعد ثلاث سنوات ظهرت في حياتي فجأة، وذكرتني بالماضي، حتى عادت العلاقة بيننا على فترات متباعدة دون أن تعرف زوجتي، ودون أن تنقص حقوقها أو تتأثر، وكنت في هذه المرحلة أصوم ولكن لا أصلي، ولكني كنت أفكر في طريقة أتخلص بها من هذه الصديقة، وأبدأ بالصلاة ولكني أقول: اليوم أو غدا سأتوب.
وفي سن السادسة والعشرين وأنا أفكر بالتوبة جاء أمر الله بأن أصبت في حادث بشلل نصفي لأستعمل الكرسي المتحرك، وبعدها انقطعت علاقتي بالصديقة تلقائيا، وبدأت بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار.
وكنت لم أكمل تعليمي فدخلت الجامعة؛ وحصلت على البكالوريوس في التربية الإسلامية، وأنا الآن أصلي وأصوم وأقرأ القرآن وأستغفر الله كثيرا، وأصبر على ما أصابني.
وسؤالي هو: هل يغفر الله لي زلاتي عند القوة، علما بأنني تبت وندمت وأنا في حال الضعف؟، وهل ما أصابني من مصيبة تكون كفارة لي يوم القيامة؟، أنا في حيرة أفيدوني. و جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور محمد محمود منصور:
الأخ الحبيب :
فلتحمد الله تعالى أن ساعدك على التوبة بهذا الموقف الذي أنت فيه الآن، وتذكر قول الله تعالى:{وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}( البقرة: 261). والمهم هو الاستمرار على الخير ونصح غيرك بحالك، فربما هدى الله غيرك بسبب معصيتك فكان لك من الله الأجر الكبير.
وبكل تأكيد فإن ما أصابك في الدنيا من ابتلاء هو تكفير لك من حساب الآخرة، ونأمل أن تفيض حسناتك القادمة على سيئاتك السابقة.
وتضيف وسام كمال، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الحمد لله والصلاة علي رسوله الذي نشتاق إليه ولم نره بعد .. أما بعد ..
أخي الفاضل :(33/262)
سأجيب لك في البداية عن سؤالك؛ ولكن يهمني في السطور التالية للإجابة أن أناقش معك أمرا ظل يطاردني مع كل سطر قرأته في رسالتك. ولكن نبدأ بالسؤال المعتم لنمحو عنه ظلامه : هل يغفر الله لي زلاتي؟
فكر فيما أذنبته؛ فكر كيف أجرمت في حق الله، وحق زوجتك، والسيدة التي لهوت بجسدها في فراش الحرام؛ فكر في هذا كله، وأنظر كم هو كبير وعظيم الوزر، وبعد أن تعرف مقدار ما فعلته؛ فكر في مقدار رحمة ربك، التي لم يضع منها علي الأرض سوي جزءا واحدا من مائة جزء، جعل الخلائق يتراحمون به علي بعضهم، فما بال الـ 99 الباقية ؟!! هل ترى ذنبك أوسع من رحمة ربك؟!
ظني أنك لم تسأل السؤال المناسب لما أنت فيه. بدلا من أن تنشغل بفكرة قبول الله لتوبتك؛ دعني أطرح عليك سؤالا لن يجيبه غيرك: هل تبت فعلا؟
أخي الفاضل:
أنت أخطأت في حق ربك مرتين، وفي حقك زوجتك التي أمنت لك ورضيت بك شريكا لحياتها؛ وسلمتك نفسها بما أحل الله، وصانتك في غيبتك. لكنك أبدا ما صنتها. تصرفت وكأن لك عليها أكثر مما لها عليك، وقد قال ربك حسما للمساواة في البر:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ حتى وإن استدركت بقية الآية:{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيم}(البقرة: 228).
تقول إنك تبت إلي الله بعد زواجك؛ فهل صدقت توبتك؟، سؤال يتوقف أمامه مشهد عودتك المأسوف عليها لمن خنت نفسك معها قبل خيانتك لزوجتك بعد زواجك؛ فهل الخيانة من شيم التائبين؟. لكن دعني أسلم بأنك تبت؛ وإن كان ظني أن التوبة النصوح يكون الواقع معيارها؛ ولا يصدق التوبة الأولي مجرد أنك بعدت عن السيدة التي كنت علي علاقة بها واستحللت عرضها بالحرام.
قد تبدو من حروف كلماتي القسوة لا الرحمة؛ لكن هناك دافع لا أخفيه عليك لهذه القسوة. أخشي أن تكون تبت في المرة الأخيرة لا لخوفك من الله وحرصك علي رضوانه؛ ولكن لأنك أصبحت مريضا؛ فاختار لك القدر أن تعيش لزوجتك فقط؛ بعد أن استكثرت عليها نفسك وأنت معافى. وربما تكون توبتك عبارة عن رد فعل عاطفي علي الحادث الذي تعرضت له.. أسأل الله أن يشفيك ويعافيك منه.
أتعرف يا أخي.. إن الحياة ما هي إلا مجموعة اختبارات؛ يستطيع كل منا أن يقول إنه مطيع وتائب وسائر في درب الله؛ لكن امتحانه يثبت صدق نواياه، ومدي قدرته علي جذب لجام نفسه.
أخشي أن تفوق من صدمتك بسبب الحادث المؤلم الذي تعرضت له؛ وتتعرض لموقف آخر تخر فيه لشهواتك. لكن لا يمكني أن أصادر عليك سعيك إلي الله بتعلم أمور الدين والصلاة والعبادة. وربما يتطلب الحفاظ علي هذه المؤشرات الجيدة مراجعة نواياك حتى تكون صحيح العبادة والعمل والعقيدة والنوايا معا.
لكن علي أية حال؛ نعود لسؤالك: هل يتقبل الله توبتي؟. فهذا سؤال قد أجاب عليه رب العزة سبحانه وتعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53 ). ثق يا أخي في رحمة الله؛ شريطة أن يثق في توبتك.(33/263)
ـــــــــــــــــــ
حر الصيف.. ترطبه طاعة الله العنوان
غذاء الروح الموضوع
شيخنا الفاضل؛ هل تذكرنا بقيمة الوقت، وكيف نستغل الصيف في التعبد والإحسان إلى الله وتزكية النفس، لتعويض أيام انشغالنا في العمل والدراسة؟ ولماذا الصيف هو الذي نخطأ فيه دائما؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يجيب الدكتور أحمد ربيع:
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد..
فإن كثيرا من الناس يهملون الانتفاع بالوقت، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. والمسلم مطالب بأن يستثمر وقته فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة. ولذا فحياة المسلم بعيدة عن العبث، وإذا ما كان هناك وقت للاسترواح؛ فإنما لأداء العبادة فيما بعد على الوجه الأكمل.
ولا تختلف حياة الإنسان في الصيف عن الشتاء فالأيام كلها لله سبحانه وتعالى. وعلى المسلم أن يستثمرها فيما يفيده وينفعه، لكن أيام الصيف لها سمة معينة حيث تكون العطلات من المدارس والجامعات، ونجد كثيرا من الشباب حائرين لا يعرفون كيف يقضون الوقت أيقضونه في اللعب واللهو ورؤية الأفلام والمسرحيات ومشاهدة المباريات أم يقضونه في شيء آخر.
حقا إن الترويح عن النفس أمر مطلوب وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (ساعة وساعة)، ولكن هذه الساعة التي تكون للترويح ينبغي ألا تكون في شيء حرمه الله؛ وإنما تكون في ترويح النفس بما هو مباح.
وينبغي أن يستثمر الشباب فصل الصيف - حيث العطلات- استثمارا. فالمجال كبير لحفظ القرآن الكريم ومراجعته، وكذلك المجال مفتوح للاطلاع على المعلومات الدينية سواء كانت في الكتب أو عبر مواقع النت.
وليجعل الإنسان لنفسه برنامجا خاصا يسير عليه، فليبدأ بصلاة الفجر ثم قراءة ورد من القرآن ثم صلاة الضحى، ويقضي النهار بين ذكر وتسبيح، وإذا كان هناك مجال للترويح عن النفس فليكن بشيء من المباح والمباحات التي تروح النفس كثيرة. ولقد عالج هذا الموضوع وهو الترويح عن النفس فضيلة العلامة الشيخ القرضاوي في كتابه الترويح.(33/264)
ونركز على الابتعاد عن السيئات والمعاصي خصوصا الكبائر منها حتى يغفر الله لنا هفواتنا وزلاتنا، ويسامحنا في تقصيرنا وقد قال سبحانه: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}.
يضيف الأستاذ عصام تليمة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أختنا الفاضلة تقوى:
جزاك الله خيرا على هذا السؤال الهام في حياة الشباب والشابات حفظهم الله. فالشيطان لا يترك الإنسان سواء في الصيف أو في غيره، ولكن هناك أوقات تضيق فيها أخلاق الناس، مما يمكن الشيطان من السيطرة عليهم.
فالصيف يمتاز بعدة عوامل تعين الشيطان على الإنسان:
* فالصيف بما فيه من حرارة لا تطاق عند كثير من الناس، يجعل خلقهم يضيق أيضا، فالطلاق يزيد بين المتزوجين في الصيف بنسبة عالية، والسبب: أن المشادات بين الزوجين لا يتحملها الطرفان نظرا للحر وضيق الخلق.
* شدة الحرارة تجعل الناس تتخفف من ثيابهم، ويكثر فيه العري للأسف، وكأن الحشمة مرتبطة بمناخ وطقس معين.
* الصيف مرتبط بالإجازة عند الناس، وكثير من الناس يفهم، بالخطأ، أن الإجازة خارج إطار الحلال والحرام، فهي نزهة وفسحة، ويقولون: لماذا نضيق على أنفسنا ؟
* وفي الصيف تضعف العزائم، لذا كان الحر من الأعذار التي تعذر بها الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ }(التوبة:81).
هذه بعض العوامل المتوفرة في الصيف التي تكثر من المعاصي، على خلاف بقية فصول العام، فبقية الفصول وقت الإنسان فيها مملوء بالعمل والدراسة، وليس معنى ذلك أن السيئات تقل في غير الصيف، ولكن الصيف بطبيعة الفراغ فيه والحرارة من الوسائل التي ينفذ منها الشيطان للإنسان.
أختنا تقوى:
الشباب في هذه الفترة يجمعون عدة أمور، حري بهم أن يستغلوها استغلالا كبيرا في طاعة الله ومرضاته:
فقد جمعوا أولا: الوقت الذي هو أثمن ما يمتلكه الإنسان المسلم في هذه الحياة، يقول عنه الماديون: الوقت من ذهب، والذهب قد يعوض عند خسارته، ولكن الإسلام يعلمنا أن الوقت هو الحياة، فحياة الإنسان ما هي إلا هذه الثواني والساعات، والأيام والشهور والسنين. وقد قال في ذلك الحسن البصري -رحمه الله-: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب جزء منك. وهو أول ما يحاسب عليه المرء، ويحاسب عليه مرتين. يقول صلى الله عليه وسلم: لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، منها: وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه؟
ثانيا: جمعوا إلى جانب الوقت الفراغ، الذي قال عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ".(33/265)
ثالثا: الشباب، بما فيه من خصائص مهمة، منها: الحيوية والنشاط، والذهن المتقد، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم مرشدا إلى أهمية الشباب في نصرة الدين: "نصرني الشباب".
هذا عن أهم ثلاث فوائد اجتمعت في الشباب الآن، ولذا كان عليهم أن يوظفوا هذه الفوائد وهذه الطاقات، توظيفا مفيدا يعود بالنفع عليهم في دينهم ودنياهم.
ومما أنصح به الشباب في هذه الفترة لملء فراغهم الآتي:
* تلاوة القرآن، وحفظ ما يستطيع الإنسان منه، فالإجازة فرصة لا تعوض في هذا الأمر، وأنصح باللجوء إلى مراكز التحفيظ؛ فهي خير معين في ذلك، ووضع برنامج للتلاوة والحفظ والمراجعة، يعزم فيه الإنسان على إنهاء قدر معين من القرآن وحفظه.
* اغتنام فرصة أننا الآن في شهر (رجب) وما فيه من فضل الصوم، فهو من الأشهر الحرم، ويسن فيه الإكثار من الصوم، ولو على الأقل الاثنين والخميس.
* عمل الخير والبر في المجتمع، فهناك من يفهم خطأ أن التعبد وتزكية النفس معناها الصلاة والتعبد وفقط؛ بل هناك من أعمال البر ما هو أكثر أجرا، وحبذا السعي في قضاء حوائج الناس، كما ورد في الحديث: أن أحد الناس أتى عبد الله بن عباس وكان معتكفا في مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم، فقطع ابن عباس اعتكافه، فتعجب تلامذته منه، فقال لهم وقد اغرورقت عيناه بالدموع: روينا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من مشى في حاجة أخيه قضيت أم لم تقضَ كان له أجر اعتكاف عشر سنين في مسجدي هذا". والحديث حسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير.
وختاما؛
لابد من وضع برنامج في هذا الصيف، كل حسبما يناسبه، يعمل فيه من وجوه الخير ما يستطيع، ويوظف وقته كما أمر الله، بين القراءة والتعبد واللهو المباح.. وفقك الله لما يحب ويرضى .. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
إيماني يبلى.. فكيف أجدده ؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
كنت طيلة حياتي سواء في طفولتي أو مراهقتي متصلة بالله عز وجل، وكنت أشعر بقربي من الله تعالى وبأني سعيدة في حياتي ربما لأن والدي متدينان وتأثرت بالجو العام ولله الحمد.
المشكلة بدأت منذ حوالي سنتين؛ بدأت صلتي بالله تبهت، بدأت أصلي ولا أعلم ما قرأت في صلاتي، بدأت أسمح لنفسي بأشياء كنت أتجنبها مثل سماع الأغاني، بدأت أشعر بعدم توفيق الله لي في معظم أموري.
أدركت أني أغضب الله فأستغفره كلما سنحت لي الفرصة وتعهدت الله بقيام الليل، ولكني أستيقظ ولا أصلي وأعود للنوم، وأندم في الصباح أشد الندم وهكذا كل يوم، وهجرت القرآن جزيئًا.(33/266)
سؤالي هو : ماذا أفعل لأجدد علاقتي بالله وأعود كما كنت ؟ بصورة دائمة فأنا أخشى الموت وأنا على هذه الحالة، و جزاكم الله خيرًا.
السؤال
الرد
يقول الشيخ فتحي رمضان :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
أختي الفاضلة:
من عظيم فضل الله عليك، أنك بدأت حياتك منذ الطفولة والمراهقة بالاتصال بالله عز وجل، والنتيجة التي كنت تشعرين بها من السعادة والأنس بالقرب من الله عز وجل، وأنك نشأت بين أبوين مسلمين متدينين هذه منة عظيمة من الله عز وجل، لا يحظى بها كثير من الناس.
ومن حق الله علينا أن نشكره على هذه النعمة، وأن نحافظ عليها، حتى يديمها الله ويتمها علينا. قال تعالى:{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
وأما الفتور الذي حدث منذ سنتين فهذا لا بد أن له أسبابًا، ومن الواجب عليك أن تبحثي عن هذه الأسباب لتفاديها، ولترجعي إلى الله عز وجل. وتذكري أن الشيطان لنا بالمرصاد، وقد أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى على إغواء بني آدم؛ إلا من رزقه الله الإخلاص فحفظه من نزغ الشيطان وإغوائه.
والشيطان لا يأخذ الإنسان مرة واحدة من الطاعة إلى المعصية، ومن الجدية إلى الفتور، ومن القرب من الله إلى البعد عنه.
ولكنه يحتال لذلك حتى يصل إلى أمله المنشود، عصمنا الله جميعًا منه، فهو يمهد لذلك تمهيدًا، فمثلاً إذا كان يريد من المسلم أن يبعده عن صلاة الجماعة، لا يأخذه مرة واحدة، ولكنه يحاول أن يؤخره عن الوضوء حتى تقام الصلاة مثلاً، فتفوته الركعة الأولى من الجماعة، ثم بعد ذلك يمهد له حتى يفوت عليه الركعة الثانية أيضًا، وهكذا حتى يفوت عليه صلاة الجماعة.
ويأخذه خطوة خطوة حتى يصل به إلى البعد عن الله عز وجل. وحرمانك من قيام الليل هو بسبب هذا الفتور، وكذلك هجرك للقرآن يترتب على ذلك.
ولتحسين الصلة بالله وتوثيق العلاقة به عليك أن ترجعي إلى تعهد القرآن وأن تكوني جادة في ذلك فتقرئيه بترتيب وتدبر وتفهم واعتبار؛ لتصل معاني القرآن إلى شغاف قلبك وتستشعري من القراءة عظمة القرآن وعظمة الله عز وجل، القائل لرسوله صلى الله عليه وسلم:( طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى) (طه: 1-3)، فتنبت خشية الله عز وجل والخوف منه في قلبك، فترجعين كما كنت، طائعة صوامة قوامة، بل وأحسن مما كنت إن شاء الله تعالى.
أختي الكريمة:(33/267)
إن تدبر القرآن في الصلاة يجعلك في خشوع لله عز وجل، فعندما تقرئين الفاتحة تعايشي معها، ومع معنى كل آية منها، فتذكري عندما تقرئين {الحمد لله رب العالمين} أنك تحمدين الله عز وجل على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، وعندما يقول العبد { الحمد لله رب العالمين} يقول الله سبحانه وتعالى: "حمدني عبدي"، وعندما يقول {الرحمن الرحيم} يقول الله عز وجل: "أثنى عليّ عبدي"، فإذا قال العبد:"مالك يوم الدين" يقول الله عز وجل "مجدني عبدي"، وإذا قال العبد "إياك نعبد وإياك نستعين" يقول الله عز وجل: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل".
فهل يليق منا أن يكون لساننا في واد وقلبنا في واد آخر؟!، هل يليق منا أن نعرض عن الله تعالى وهو مقبل علينا، وهو غني عنا ونحن في أمس الحاجة إليه؟!
كذلك يجب أن نكون في خضوع تام لله عز وجل، ونحن في حال الركوع والسجود، اعترافًا منا بعظمته وقدرته. فهذا مما يعين على تحصيل الخشوع لله سبحانه وتعالى.
وأيضا فإن دراسة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمعن في معانيها والعمل بما فيها هو مما يعين على تجديد الإيمان وتوثيق الصلة بالله عز وجل، وهناك أيضًا تذكر الموت الذي هو نهاية كل حي، ولا يدري الإنسان متى ينقضي عمره، قال الله تعالى في الدستور الخالد:( لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (يونس:49)، وهذه الدنيا فانية زائلة بكل ما فيها، وكل ما فيها لسان حاله يذكرنا بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكرنا بالموت الذي لا بد منه.
فلسان حال الأرض يقول لنا:
اعلم يا ابن آدم أنك اليوم تمشي على ظهري وغدا ستصير في بطني.
يا ابن آدم اليوم تضحك على ظهري وغدا ستبكي في بطني.
يا ابن آدم اليوم تأكل الألوان على ظهري وغدا تأكلك الديدان في بطني.
يا ابن آدم اليوم تفرح على ظهري وغدا ستحزن في بطني.
يا ابن آدم اليوم تذنب على ظهري وغدا تعذب في بطني.
ولسان حال القبر يقول: أنا بيت الغربة.. أنا بيت الوحشة.. أنا بيت الدود.
وما من يوم جديد إلا وينادي: يا ابن آدم.. أنا يوم جديد، على عملك شهيد، فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
فعليك أختي المسلمة تذكر هذا كله والتمعن فيه، والاستعداد للوقوف بين يدي من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، بين يدي من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وبالتفكر في هذا كله وخاصة في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما أوصيك بالاطلاع على ما تيسر لك من كتب الرقائق والإيمانيات، وأرشح لك منها:
1-(كتاب المستخلص في تزكية الأنفس للشيخ سعيد حوى).
2- كتاب (مختصر منهاج القاصدين لا بن قدامه المقدسي).
3- الزهد والرقائق للشيخ أحمد فريد.
4- إحياء علوم الدين للإمام أبو حامد الغزالي.(33/268)
5- الإيمان حقيقته وأركانه و نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين.
كما يمكنك أن تشتري أسطوانة الزهد والرقائق إنتاج شركة التراث وقد حوت كل ما كتب في الزهد والرقائق، وستعودين أفضل مما كنت سابقًا إن شاء الله تعالى، والله الموفق والمرشد إلى الصواب. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الأفلام الخليعة"..أتوب عنها ثم أعود إليها العنوان
الأخلاق الموضوع
بصراحة أنا آسف جدا لأني سأسأل في هذا الموضوع؛ لأني أعرف بأني مذنب في حق الله وفي حق نفسي. المشكلة هي أني لا أحافظ على توبتي من مشاهدتي الأفلام الخليعة. فكلما تبت من مشاهدتها وعاهدت الله علي التوبة؛ أعود إليها كلما ثارت رغبتي وأنقض العهد.
وحينما انتهي من مشاهدتها أندم ندما شديدا لدرجة البكاء أحيانا، والعزم على ألا أعود لهذه المعصية؛ لكنني أعود. وأنا الآن أكتب إليكم بعد أن شاهدت ما شاهدت، وأحسست بالذنب وتأنيب الضمير. علما بأني مستعد لفعل أي شيء قد يمنعني من مشاهدة هذه الأفلام الخليعة.
أرجوا أن تدلوني على الطريقة المثلى لمنعي من مشاهدة هذه الأفلام الخليعة. ومادا أفعل لأكفر عن نقضي للعهد مع الله؟ أغيثوني بالإجابة على أسئلتي فأنا في دوامة، وأخشى عقاب الله.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الشيخ محمد صالح المنجد، من علماء السعودية:
خير ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى، والحذر من نقمته وغضبه، وأليم عقابه، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول: وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
وانظر إلى هذه الجوارح التي تسعى بها إلى المعصية، ألا ترى الله قادرا على أن يسلبك نعمتها، وأن يذيقك ألم فقدها؟ ثم انظر إلى ستر الله تعالى لك، وحلمه عليك، وأنت تعلم غيرته على عباده، فما يؤمّنك أن يغضب عليك، فيكشف أمرك، ويطلع الناس على سرك، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة.
وهل ستجني من النظر المحرم إلا الحسرة، والشقاء، وظلمة القلب؟
وهب أنك شعرت بمتعة أو لذة، يوما أو يومين، أو شهرا أو سنة.. فماذا بعد؟!
موت.. ثم قبر.. ثم حساب، فعقاب ذهبت اللذات وبقيت الحسرات.
وإذا كنت تستحيي من أن يراك أخوك على هذه المعصية، فكيف تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك؟!(33/269)
أما علمت أن الله يراك، وأن ملائكته تحصي عليك، وأن جوارحك غدا ستنطق بما كان؟
واعتبر بما أصبح عليه حالك بعد المعصية: هم في القلب، وضيق في الصدر، ووحشة بينك وبين الله. ذهب الخشوع.. ومات قيام الليل.. وهجر الصوم.. فقل لي بربك ما قيمة هذه الحياة؟
كل نظرة تنظرها إلى هذه النوافذ الشيطانية، تنكت في قلبك نكتة سوداء، حتى يجتمع السواد فوق السواد، ثم الران الذي يعلو القلب، فيحرمك من لذة الطاعة، ويفقدك حلاوة الإيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}" (رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه).
فكن ممن نزع واستغفر وتاب، وأكثر من التضرع لله تعالى أن يُطهر قلبك وأن يُحصن فرجك، وأن يُعيذك من نزغات الشيطان. واجتنب كل وسيلة تدعوك أو تذكرك بالحرام، إن كنت صادقا راغبا في التوبة.
فبادر بإخراج هذا الدش من بيتك، واقطع صلتك بمواقع السوء على الانترنت، واعلم أن خير وسيلة تعينك على ترك ما اعتدته من الحرام، أن تقف عند الخاطرة والهم والتفكير، فادفع كل خاطرة تدعوك للمشاهدة، قبل أن تصبح رغبة وهمّا وقصدا ثم فعلا.
وقد قال الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: "الخطوة الأولى في الباطل إن لم تدفع أورثت الرغبة، والرغبة تورث الهم، والهم يورث القصد، والقصد يورث الفعل، والفعل يورث البوار والمقت، فينبغي حسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر، فإن جميع ما وراءه يتبعه". وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} (النور:21).
وإن أمكنك الاستغناء التام عن الانترنت فافعل، إلى أن تشعر بثبات قلبك، وقوة إيمانك. واحرص على الرفقة الصالحة، واحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من نوافل العبادة، وتجنب الخلوة والتفكير في الحرام ما أمكن.
ويضيف الشيخ حامد العطار، الباحث الشرعي بالموقع :
أخي السائل؛ نسأل الله تعالى أن يهديك، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء، وأن يجعلك من عباده المخلَصين.
بادئ ذي بدء نعلم أنك في غنى عن سماع الحكم الشرعي؛ فأنت على يقين بأن ما تصنعه حرام، لذلك تنوي التوبة لكنك لا تلبث أن تعود.
ونصف لك أسبابا عملية للخروج من هذه الفتنة التي لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى:
* إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الإنترنت فقم ببيع كارت المودم فورا، أو تخلص منه حتى يشفيك الله عز وجل، ولا تتعلل بأهميته وفوائده.(33/270)
* إذا كنت تشاهد ذلك من خلال الدش فقم بالتخلص منه، أو بتشفير القنوات الجنسية.
* حاول أن تبحث عن رفقة صالحة تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك إذا ذكرت.
* املأ وقت فراغك بالعمل الصالح، والدعوة إلى الله، ولا تكثر الجلوس منفردا.
* ادع الله، بضراعة في أوقات السحر، أن يعافيك، وألح على الله في ذلك.
* انذر عن كل يوم تشاهد فيه هذه الأمور نذرا يتعبك كالصدقة بمبلغ كبير، أو بصيام يوم، أو بذكر الله بـ "سبحان الله وبحمده" ثلاثة آلاف مرة. وهذا لا أنصحك به إلا إذا كان قد بلغ خوفك من الله أنك توفي بالنذر. فإذا كنت تعلم من نفسك الجرأة على الله بعصيانه في الوفاء بالنذر فلا ننصحك به؛ حتى لا يجتمع عليك وزران.
* أكثر من الصيام، واعلم أن من صام بالنهار عن الحلال، ثم أفطر في الليل على الحرام فقد أضاع أجر صيامه، وأتعب نفسه فيما لا فائدة فيه.
* عاقب نفسك إذا عدت إلى ذلك بعقاب يؤلمك، ويردعك.
أما بالنسبة للإيمان والعهود التي قطعتها على نفسك ثم نكصت في عهدك مع الله تعالى وحنثت في الأيمان فيجب عليك أن تكفر عن أيمانك. ثم لا بد أن تحدد: هل عليك كفارة واحدة أم عليك كفارات إذا كانت الأيمان والعهود متكررة؟
ففي المسألة خلاف بين الفقهاء، فقيل إنه يجب عليك لكل يمين كفارة وقيل يكفيك كفارة واحدة، إذا تكرر منك الحنث في كل مرة دون أن تكفر.
نسأل الله أن يوفقنا وإياك للتوبة الخالصة النصوح.
ـــــــــــــــــــ
أعيش جسداً بلا روح العنوان
الأخلاق الموضوع
والله لا أعرف كيف أبدا الحديث عن مشكلتي؛ فأنا أكتب والدموع تتساقط على لوحة المفاتيح من الألم والعذاب النفسي الذي أعانيه.
كنت طفل أحب كل من حولي؛ لا أكن لأحد في قلبي كرها. وكنت الوحيد من الزوجة الثانية لوالدي، عانيت من إخوتي الكبار، عذبوني وأذاقوني الموت وأنا على قيد الحياة. لم أشعر بالحب الحقيقي إلا من أمي فقط. لقد كان أبي يترك كافه الأمور لأخي الكبير. ويقول أخي لوالدي أنه سيأخذني معه لأتعود على الناس والحياة أفضل من الجلوس في المنزل مثل النساء.
لقد كان قاسيا جدا معي. ولا أدري لماذا أرسل لي ربي كل هذا العذاب؟؛ مع أني تمنيت منذ الصغر أن أكون داعية إسلامي ناجح إلى أبعد الحدود؛ لذا دخلت مدارس تحفيظ القران، وكنت أذهب للمسجد لأداء الصلاة، وأهتم بسماع المحاضرات.
لكن أخي الأكبر دمر حياتي وحطم كل أحلامي وأمنياتي. لا أستطيع أن أقول ماذا فعل بي؛ آه لقد قتلني وأنا في الصف الثاني الابتدائي افتعل بي أكثر من مره وخدعني بألا أخبر أحدا.
أنا قصتي عذاب لم ولن يعانيه أحد لا قبلي ولا بعدي؛ لقد علم والدي وأمي وإخواني؛ وأصبحت صغيرا أمام الكل؛ رغم أنه ليس لي أي ذنب في هذا الموضوع. أنا لا أنام إلا بعد أن أدعوا الله أن يميتني ويريحني من هم الدنيا ومن نظرات والدي ووالدتي وإخواني الكبار لي. أصبحت أعيش جسدا بلا روح. أشعر بأني ميت. أتمنى أن أموت(33/271)
وأتخلص من مشاكلي؛ رغم أني محبوب جدا خارج المنزل ويمدحني الناس دائما؛ ولكنهم لا يعرفون الألم الذي أعيشه وأعانيه. يا ليت الانتحار كان ممكنا؛ كنت خلصت نفسي من آلامها.
أنا إلى الآن أعاني مما أنا فيه؛ ولا أميل إلى النساء. أنا بلا شهوة أتمنى أن أكون حيوانا لكي أكون في القيامة ترابا. لكم نظرت إلى مشلولين وتمنيت أن أكون مثلهم ولا أصاب بما أنا فيه. وكم من أقارب قد ماتوا وتمنيت أن أكون مكانهم. آه يا رب يا رب ساعدني.
أنا لا استطيع أن أعيش في منزلي لحظه واحدة أتمنى أن استقل واختفي عنهم ولا أعيش معهم لحظه واحدة. مالي في الدنيا هذه كلها غير أمي فقط. اخبروني ما ذنبي ولماذا كل هذا العذاب رغم أني والله أحب الله كثيرا وأتمنى أن ألقاه وأحكي له وأشرح له وجها لوجه معاناتي. أريد أن أيقن أنه يسمعني وأساله هل أنا استحق كل هذا العذاب؟ ولماذا؟
السؤال
الشيخ سمير حشيش المستشار
الرد
الأخ الكريم الذي يتمني الموت أكثر مما يتمني صلاح أمره وحاله.
أستطيع أن أقسم رسالتك إلى ثلاثة أقسام :
* مشكلتك مع أهلك.
* مشكلتك مع زوجك.
* علاقتك مع الله (وهي الأهم في نظري).
ولنناقش معا- بهدوء تام- مشكلة مشكلة، والله المستعان.
أولا: مشكلتك مع أهلك:
وتتلخص- كما ذكرت أنت- في اعتداء أخيك عليك، وفي نظرة والدك ووالدتك وإخوتك إليك،
أما الجزء الأول فواضح ومفهوم، وأراك فيه يا أخي تحمل نفسك ما لا تطيق، وتتهم نفسك بما ليس فيها، فما ذنب طفل صغير لا يعي من أمور الدنيا شيئا أن أوقعه القدر في يدي وحش كاسر لا يعرف من حقوق الآدمية شيئا.
فأنت يا أخي ليس لك في هذا الحادث أي ذنب تلام عليه أو جرم تؤخذ به، ففيم عذابك إذن؟! أهو عذاب من أصابته بلوى لا يستطيع لها دفعا، ليكن كذلك، فأين الصبر على ما قضى الله وقدر.
يا أخي، إن الإنسان إن استطاع دفع الضر عن نفسه ثم لم يفعل فهو آثم شرعا، وتستهجن منه الشكوى، بل يكون هو الملام في هذه الحالة.
أما إن كان لا يملك لضره دفعا فما عليه إلا الصبر والتصبر بالله عز وجل وإدامة الدعاء لتخيف الكرب وكشف الضر.(33/272)
وأنت يا أخي لم تحدد لنا طبيعة نظرة أهلك لك.. هل هم يتهامسون ويتغامزون عليك؟ هل يلومونك أو يتهمونك بشيء كالشذوذ أو أنك مجرم مثلا ولست ضحية؟ لم توضح، وإن كنت أظن أن هذه النظرة غير واردة منهم، وأن ما في نفسك من نظراتهم إنما هي هواجس بسبب ما تحس به أنت من نقص وفضيحة؛ فلن تجد يا أخي أحدا يحبك مثل أهل بيتك خاصة أباك وأمك، وليس معنى أن أحدهم سيئ أن يرضى الكل عنه وعن إساءته، كلا، ففي الناس خير وشر وإحسان وإساءة، بل قد يجتمع هذا في الإنسان الواحد.
واضح أن رد فعل الأهل حين اطلعوا على الأمر كان سلبيا، ولكن لتعلمْ يا أخي أن سلبيتهم- وإن كانت خطأ فادحا في مثل هذا الموقف- ليست نابعة عن رضا بالفعل، حاشا لله أن يظن بأب وأم مثل هذا، ولكن هذه السلبية إنما هي نتاج خوف الفضيحة، وكان من المفترض أن يكونوا أكثر حزما وصرامة في معاقبة المعتدي.
فدعك يا أخي من هاجس نظراتهم هذا ولا تثقل على نفسك.. وإن كنت لا تستطيع البقاء في البيت مع الأهل كما تقول فعليك أن تسعى من الآن في تدبير مسكن آخر لك ولزوجك ولتنتقلْ إليه فورا، وحبذا لو كان بعيدا عن مسكن العائلة؛ فهو أدعى لأن تهدأ النفس إن شاء الله.
ثانيا: مشكلتك مع زوجك:
لمست هذا من قولك: "وإلى الآن لا أميل إلى النساء، بلا شهوة أتمنى أن أكون حيوانا"،
والحق أنني لا أستطيع أن أجزم هل هي مشكلة بالفعل أم لا، وهل هذا الكلام منك مقصود بالحرف أم أنه اندفاع بثقل الهم داخلك، وهل ما تشكو منه- إن وجد- عضوي أم حالة في النفس تقعدك عن إتمام العملية الجنسية مع وجود الرغبة والاستعداد العضوي من قبل .. لم توضح لنا يا أخي.
وفيما أعلم، فإن ما تعرضت له في صغرك لا يؤثر عضويا على النمو الفسيولوجي ولا على الطبيعة والغريزة، اللهم إلا أن تنقلب الحال إلى مرض نفسي، أو نفسي يؤدي إلى عضوي.
وحالتك- إن كنت تقصد ما كتبته بالحرف- تحتاج إلى طبيب متخصص في علاج الأمراض التناسلية ومتخصص في الطب النفسي أيضا.
وعلى كل حال فأنا لا أظن أنك تقصد هذا المكتوب بالحرف؛ فأنت لم تذكر أن علاقتك بزوجك متوترة أو غير ذلك، فلعل ما قلته تفريغ همّ، ولكني قلت لك ما قلت من باب الاحتياط.
ثالثا: علاقتك مع الله:
أخي، لاحظت توترا في علاقتك بالله من خلال قولك: "ولا أدري ما السبب لكي يرسل لي ربي كل هذا العذاب أريد أن أوقن أنه يسمعني وأسأله هل أنا أستحق كل هذا العذاب ولماذا؟".
إياك أن تتهم الله في قضائه.. حدث ما حدث وأنت صغير لا ذنب لك بل أنت المعتدى عليه، وهذا قدرك وابتلاء الله لك.(33/273)
و والله يا أخي ما في هذه الحياة خير وأفضل مما قضى الله وقدر لنا، نعم قد نرى الشر ظاهرا ولكن الحقيقة أننا لا ندري خلف هذا القضاء شيئا. والله يا أخي له حِكَم في قدره يخفيها عنا لتكمل بذلك حقيقة الامتحان والاختبار في هذه الدنيا.
ومع ذلك لم يترك المؤمن ليتخبطه الشيطان وإنما أنزل له من القرآن ما يشفي صدره ويذهب عنه الهمّ حتى وإن لم يعلم مراد الله من قدره، يقول سبحانه: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (سورة البقرة : 216).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن".
فثق في الله يا أخي، وإياك أن تحدثك نفسك بأن الله- وحاشا لله- يظلمك أو يعذبك أو يبتليك هكذا عبثا. وأقل ما تخرج به من بلائك هذا لو آمنت وأحسنت الظن بربك أن تغفر ذنوبك أو ترفع عند ربك درجات.. وفي الوقت نفسه اسع ما وسعك الجهد لأن تُنهي هذه الحالة التي أنت فيها.
وأما عن تمنيك الموت فأنقل لك كلمات عطرة للشيخ حسنين مخلوف رحمه الله– من علماء الأزهر الشريف : لا يجوز للمسلم أن يَتمنَّى الموت إذا مَسَّهُ مكروه وامْتُحِنَ في حياته بما يَضُرُّه ويؤذيه في نفسه أو ماله أو جاهه، بل يصبر على ما أصابه فإن ذلك من عزم الأمور، ويحتسب أجر ذلك عند الله تعالى وهو ولي الصابرين، وروَى أنس بن مالك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَتمنَيَنَّ أحدكم الموت لِضُرٍّ نَزَلَ به في الدنيا، لكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي".
ونهَى المؤمنَ عن تمني الموت إذا نَزَلَ به ضُرٌّ وأُمِرَ أن يَلْجَأ إلى الله سبحانه مستعينًا به سائلا خير ما عنده له.
وأما قول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"، فقد قال ابن حزم : إنه ليس استعجال الموت المنهي عنه، بل هو دعاء بالله يتوفاه الله تعالى إذا توفاه إلا مسلمًا (من كتاب المحلَّى). فهو دعاء بطلب الخير المحبوب.
وهكذا الإسلام يربي النفوس حتى في خلجات الصدور وأحاديث النفس، فينهاها عن تمني الموت فرارًا من تكاثر المِحَن، ويَحُثُّها على اللِّيَاذ عند ذلك بالله تعالى واستمداد العون منه على كشف الضر وتفريج الكرب، وعلى الخير والرضا عند نزول المكاره بالقضاء، فإذا أخذ المؤمن نفسه بذلك كان من أولي العزم الأقوياء واستحق أجر الصابرين ونال درجة المقربين.
أما الاستسلام للوساوس والجَزَع عند المكاره وتمني الخلاص منها بالموت فذلك ضعف وخَوَر، ونقص في الإيمان والثقة بالله تعالى، ونسأله تعالى التثبيت واليقين. والله أعلم.
وختاما؛(33/274)
فعليك يا أخي أن تصبر على ما أصابك، فإن ذلك من عزم الأمور، ومن رضي بقضاء الله فله الرضا، ومن سخط على قدر الله فله السخط. أسأل الله لي و لك وللمسلمين الهداية والتوفيق والسداد والرشاد والفقه في الدين، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك.
-ـــــــــــــــــــ
في ذهني.. "رسوم مسيئة" !! العنوان
العقيدة الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا شاب عمري 20 سنة، أصلي الفرائض جميعاً، وأقرأ القرآن، وأتصدق وأطيع والدي والحمد لله.
لكن مشكلتي هي أنني كلما كنت جالساً وكان ذهني شارداً أو في وقت الركوع في الصلاة، ظهر أمامي، وتخيلت أشياءً، والعياذ بالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن رب العباد، رب الأرض والسماوات.
واعذروني إنني لن أقدر أن أعطى لكم أمثلة، ولكن هي كالرسوم المسيئة التي رسمها الكفار لعنة الله عليهم، ويمكن أشد من ذلك.
والآن أنا أشعر بخوف إلى حد الرعب من وجود هذه الأشياء في رأسي، وأنها لا تريد أن تفارقه، وأخاف جداً من غضب الله وعذابه، ولكنني أشعر أنني لا أفكر في هذه الأشياء تلقائياً، ولكن كأنها تقال لي في ذهني، أو أن بداخلي اثنين: واحد يفكر ويزين لي هذه الأشياء ويقوم بالافتراء على الله والرسول، أستغفر الله.
والآخر يفيق بسرعة، ويستغفر الله، وهذا هو أنا؛ فإنني أدعو الله أن تذهب هذه الأشياء بالسرعة التي ستذهب بي إلى طريق لا يعلمه إلا الله، وأخاف أن أقع في الشرك والعياذ بالله، دون أن أدري.
السؤال
الرد
يقول فضيلة الشيخ عبد الخالق الشريف :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
جزاك الله خيراً- أيها الابن الكريم- على اهتمامك بدينك، وبحثك عن الحقيقة، وخوفك من ربك؛ فكل هذه الأمور علامات طيبة، من علامات الإيمان، الذي هو في قلبك والحمد لله.
اعلم- أيها الحبيب- أن الشيطان يوسوس ويزين للإنسان، ولأن هذا الأمر خارج عن إرادة الإنسان، فلذلك هو لا يُحَاسَب عليه، ولكن الإسلام جاء بوصف هذه الحالة ثم بين لنا حقيقتها، وبعد ذلك طريق علاجها.
فأولاً: نتكلم عن هذه الحالة: إنها خطرات ووساوس من الشيطان الذي وصف الله كيده بأنه ضعيف، ورد أمره إلى الوسوسة والتزيين فقط، فهو لا يملك شيئاً أكثر من ذلك.(33/275)
أما حقيقتها فهي لا تأتي لعديم الإيمان أو ضعيفه، إنما تأتي للرجل المؤمن؛ فالشيطان في ذلك شأنه شأن اللص، إن علم البيت الفقير الذي لا شيء فيه يؤخذ فلا يدخله وإن أدرك البيت الغني حاول أن يتسلل إليه ليسرق ما فيه، وما من إنسان إلا ومعه شيطانه يزين له ويوسوس حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان له شيطان إلا أن الله أعانه عليه فأسلم.
ولقد حدث ذلك مع أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له من خلق الله؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهي عن ذلك، وفي رواية فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله.
فحقيقة هذه الحالة أنك لا تسأل عن هذه الأشياء ولا تضرك في شيء ولا تعاقب بفضل من الله عما يخطر على بالك منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما تعمل بها أو تكلم، والحديث متفق عليه. لأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسبنا إلا على ما نفعله بإرادتنا وهذا أمر خارج عن إرادتك.
ولقد قدم الإسلام العلاج لهذه الحالات على النحو التالي:
1- أن المبتلى بمثل ذلك لا يؤثر عليه هذا العمل، ولا يؤثر في صلاحه وتقواه، فلقد حدث مثل هذا لأصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
2- ألا يهتم بهذا فإنه إذا اهتم وحزن أسعد ذلك الشيطان، وزاد له في الوسوسة، بل عليه ألا يعبأ بها بل يفرح لأنها علامة وجود الإيمان في قلبه ويسارع بباقي الأمور المعينة على طردها نهائيا.
3- الاستمرار فيما هو فيه من خير من الصلاة والقراءة؛ فأنت تقول كلما ركعت رأيت شيئا أو كلما قرأت فلا يكن هذا سببا في امتناعك عن الصلاة وعن القراءة بل داوم عليها وزد عليها حتى يخسأ عدو الله.
4- الاستعاذة بالله، فأنت بها تلجأ إلى الله ليحميك من عدوك قال تعالى في سورة الأعراف {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}، وقد ورد في ذلك قصة أن رجلا سأل شيخه عما يفعل تجاه هذه الوساوس، فقال له الشيخ: هذا أمر يطول، ولكن الجأ إلى الله بالاستعاذة يعينك على ما تريد.
5- أن تقول كلما رأيت من هذه الأشياء شيئا آمنت بالله ورسله.
6- أن تتلو قوله تعالى في سورة الحديد {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}.
7- أن تهتم بذكر الله، عامة، وبهذه الأوراد على وجه الخصوص:-
أ- آية الكرسي، فإن من تلاها كان في حفظ الله، ومن العجيب أن الشيطان بنفسه هو الذي علم أبا هريرة هذا الأمر، وكشف له عن هذا السر، ولما أخبر الصحابي الجليل أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال رسول الله صدقك وهو كذوب.
ب- أن تقول إذا أصبحت أو أمسيت لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير 100 مرة؛ فإن لك بها عدل عتق عشر رقاب ويكتب لك بها مائة حسنة ويمحى عنك مائة سيئة وكانت لك حرزا من الشيطان، إذا قرأتها(33/276)
صباحا حتى تمسي أو مساء حتى تصبح والحديث متفق عليه، وعموما ندعوك إلى أذكار الصباح والمساء.
ج- قراءة خواتيم سورة البقرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" أي كفتاه المكروه وأذى الشيطان، وتذكر أن هاتين الآيتين جاءتا بعد قوله تعالى {قل إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}.
د- إذا أويت إلى فراشك تجمع كفيك وتنفث فيهما وتقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وتمسح جسدك بها ثلاثا.
8- أن تسد منافذ الشيطان، فإن الكلب إذا جاء الإنسان وليس معه لحم أو ما يريده الكلب فبمجرد أن تقول له اخسأ يذهب بعيدا بالكلمة، أما إذا كان معه أصر الكلب على الوقوف إلى جواره حتى يأخذ حاجته، وهذا مثل المسلم العاصي يجعل من نفسه مطمعا للشيطان، وتذكر قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.
ومداخل الشيطان التي ندعوك إلى التطهر منها وسدها (الحسد، والغضب، والشهوة، وإساءة الظن، والحقد، والتعصب في الباطن، والسخرية من الآخرين)، فإن هذا كله يفتح عليك طرق الشيطان.
ونؤكد لك- أيها الابن الحبيب- أن ما أنت فيه علامة من علامات الخير ولن يحاسبك الله على ما هو خارج عن إرادتك. ولكن سارع بالعلاج وصحبة الآخرين والتصميم على العمل الصالح حتى يكتب الله لك الخير وهو القادر على ذلك. وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
وقعت في الزنا.. فهل تقبل توبتي؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
أنا بصراحة كنت مترددة كثيرا أن أتكلم مع أحد في هذا الموضوع؛ ولكن الإحساس بالذنب كاد يقتلني. المشكلة بدأت عندما تعرفت علي شاب وتطورت العلاقة بيننا لدرجة الزنا؛ ولكن بعدها شعرت أنني لا أستطيع الاستمرار في ارتكاب هذا الذنب، وقطعت علاقتي بهذا الشاب. وظللت أياما وليالي أبكي خوفا من الله، وكيف ألقاه بعد الممات؟
وظللت محافظة علي صلاتي وسلوكي لفترة، حتى تعرفت علي أصدقاء سيئين جدا، وبدأت الخروج في أماكن حرام، وشرب المحرمات. وتعرفت علي شاب آخر، وبدء يجعلني أفعل أشياء قذرة جدا، وهذا كله لأني طبعا لم أكن في وعيي.
وفي مرة حدث بيننا ما عاهدت الله علي عدم فعله؛ حيث جعلني أبات خارج المنزل معه وحدث ما حدث بيننا. ولكن بعدما عدت إلي المنزل شعرت بضيق وخوف شديدين، وراودني شعور بأنني أحقر من أكون إنسانة. وبعدها قررت أن اقطع علاقاتي بكل من ساعدوني علي الحرام، وبدأت أحافظ علي صلاتي، وأقوم الليل واستيقظ للفجر.(33/277)
لكنني لا اعلم إذا كان الله سيسامحني ويغفر لي؛ وخاصة أنها ليست المرة الأولي.. وماذا عليّ أن أفعل لكي يسامحني الله؟ مع العلم أنني ندمت كثيرا علي ما فعلته ولا أنوي أن أعود إليه مطلقا.نفسي ارتاح.. أنا فعلا تعبانه
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ مكرم ربيع، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك أيتها السائلة، وشكرا على ثقتك بنا.
بداية هنيئا لك التوبة، والبعد عما كنت تفعلين، وأبشرك بأن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وأن الله يغفر الذنوب جميعا، إلا الشرك به، وهذا مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}( النساء:48).
والمهم هنا أن تتحقق في الإنسان شروط التوبة، من إقلاع عن الذنب في الحال، وندم شديد ما فات، وعزم أكيد على عدم الرجوع إلى الذنب ثانية، ثم رد المظالم إلى أهلها إن كان الحق متعلق بآدمي.
واعلمي أيتها السائلة أن الله تاب عن رجل قتل تسعا وتسعين نفسا فيمن كان قبلنا، وأن من التابعين من كان قاطع طريق، فأصبح مثلا يحتذى به في طاعة الله، غير أن هؤلاء تابوا توبة نصوحا، وجاهدوا أنفسهم، وألزموها طاعة الله عز وجل.
وانظري إلى صفات المتقين في كتاب الله عز وجل؛ أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بارتكاب الذنوب والمعاصي ذكروا الله، واستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا على ما فعلوا، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}( آل عمران: 133- 136).
أيتها السائلة:
إن الإنسان لا يفعل الذنب دون وعي منه، بل يكون واعيا يستدرجه الشيطان إلى معصية الله خطوة خطوة؛ لذلك نهانا الله عن اتباع خطوات الشيطان فقال تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}( البقرة: 168)، والنفس تدفع الإنسان لمعصية الله عز وجل مصداقا لقوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}( يوسف: 53)، وكذلك الهوى يدفع الإنسان لمعصية الله عز وجل؛ مصداقا لقوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ(33/278)
عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }( ص: 26).
إن الإنسان يكون في غفلة فينسى أن الله يراه، ولا يتذكر إلا شهوته وإشباع غرائزه؛ لا يكون واعيا مدركا لما يفعل؛ فهل يحاسبنا الله عما نفعله ونحن في غير وعينا؟ حاشا لله أن يفعل ذلك وهو العدل؛ فكيف تذكرت ما فعلت؟ ولماذا ندمت عليه؟.
إن الصحبة في حياتك كان لها تأثير كبير في انجرافك إلى المعصية؛ فالصاحب ساحب- كما قيل- إما إلى الخير وإما إلى الشر، والرسول صلى الله عليه وسلم يرشدنا أن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وفي تشبيه بليغ يشبه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير. واعلمي أن الصديق السيئ يريد أن يرى الناس مثله؛ حتى لا يكون وحده في معصية الله.
وقد أحسنت صنعا أيتها الأخت في قطع علاقتك بكل من ساعدوك على الوقوع في الحرام، وأرجو ألا تعودي إليهم مرة أخرى مهما كانت الأسباب، وتذكري أنهم كانوا سببا من أسباب معصيتك لله. والمهم أن يستمر الإنسان في الطريق الصحيح، وأن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل حتى لا يعود إلى تلك المعاصي.
وإذا أرت أن يستقيم حالك، وألا تعودي إلى ما كنت عليه، فعليك بالتالي:
* حددي هدفك من هذه الحياة القصيرة، ماذا تريدين منها، وتذكري- كما قلت- وقوفك أمام الله عز وجل، وهيبة الموقف، وعظم من ستقفين أمامه وهو يعلم كل شيء عنك، وتذكري ذنبك دائما لتخضعي لله دائما.
* وثقي علاقتك بأهلك أو بأقربهم إليك، بشرط أن يكون أو تكون من أهل الصلاح والتقوى، ومن أهل المشورة والرأي.
* عليك بالصحبة الطيبة التي تعينك على طاعة الله، وستجدينها بإذن الله.
* اشغلي وقتك بحضور دروس العلم، أو في جمعية خيرية، ككفالة اليتيم، ولجان الزكاة، وجمعيات البر الكثيرة.
* اقرئي في قصص الصحابة والصحابيات، والتابعين والتابعيات؛ لتعرفي كيف كانوا، وكيف تحولت حياتهم.
* إذا كنت تدرسين فاهتمي بدراستك، واحرصي على التفوق، واجعلي سنوات الدراسة حركة دءوبة بين العلم والترفيه المباح وبناء الذات علميا؛ فهي من أجمل سنوات العمر، فلا تضيعيها.
* هوني على نفسك -أيتها الأخت- وأقبلي على الله، واعلمي أنه رب غفور رحيم حليم لطيف بعباده، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؛ فأكثري من الاستغفار والدعاء والصدقة والبر.
نسأل الله لك الهداية والفلاح وراحة البال، والاستمرار في طاعة الله عز وجل. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
كيف أحسن الظن بالله ؟ العنوان
العقيدة الموضوع(33/279)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 20 عاماً، أود التعلم في الجامعة، (أنا من عرب 48) طبعاً في إسرائيل، ولكن يوجد امتحان بالإضافة للثانوية العامة الذي يجب أن تعبره- بسيخومتري- وقد تقدمت لهذا الامتحان 5 مرات؛ في الثلاثة امتحانات الأولى كنت أرتفع، وفي الرابع حصلت على ما يقارب العلامة الثالثة، وفي الخامسة انخفضت علامتي، مع أنني – والله- كنت اقرأ.
ولم أيأس، ودعوت الله كثيراً أن يحقق حلمي، وأن أتعلم الطب، ولكن هيهات، لم أحصل على الدرجات المطلوبة، أجيبوني لمَ هذا؟، مع أنني أعرف أن باستطاعتي أتعلم هذا الموضوع؟، فلمَ يعاكسني الحظ؟، وقد تحملت مصاعب لم تخطر على بال أحد، والله يعلم بها، فلم كل هذا؟، ولم يفعل بي كل هذا؟. أجيبوني فأنا على حافة الانهيار أو الانتحار.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الباحث الأستاذ خباب بن مروان آل حمد، فلسطيني مقيم بالسعودية:
أختي الكريمة : منى
بلَّغك الله مناك ، وحفظك ورعاك
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :
لقد قرأت سؤالك بروح الاهتمام والعناية، ودعوت الله لك بأن يفرِّج عنك ما أنت فيه من الهم، وأن يوفِّقك لكلِّ خير، ويزيل عنك كلَّ ضير، إنَّه على كلِّ شيء قدير.
أحب قبل أن أجيب على سؤالك أن أنثر بين يديك هذه الأبيات ففيها معاني حسنة، ولآلئ مضيئة ، وعبارات جدُّ رائعة.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارِج الله
اليأس يَقْطَع أحياناً بصاحِبِه*** لا تيأسَنّ فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العُسْر مَيسرة*** لا تجزعنّ فإن الصَّانِع الله
إذا بُلِيتَ فَثِقْ بالله وارضَ به *** إن الذي يَكْشِف البلوى هو الله
والله ما لَك غير اللهِ مِن أحَدٍ *** فَحَسْبُك الله.. في كلٍّ لكَ الله
تعلمين ـ رعاك الله ـ أنَّ الفتاة المسلمة ينبغي عليها أن تكون مؤمنة بعدَّة قضايا :
الأولى: الإيمان الكامل المطلق بقضاء الله وقدره، وأنت تعلمين أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يقول :(واعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك).
الثانية: الصبر على المكاره التي تصيب المسلم، والإيمان نصفان فنصفه شكر ونصفه صبر، فإذا ابتلاك الله بما يضرُّك فيلزمك أن تصبري على ذلك ابتغاء رضا الله تعالى، ولهذا يقول- عليه السلام- :( عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير،(33/280)
وليس ذلك لأحد إلاَّ للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له) أخرجه مسلم في صحيحه.
الثالثة: أنَّ مع العسر يسراً، وأنَّ التفاؤل مفتاح النجاح:
اشتدي أزمة تنفرجي *** قد آذن ليلك بالبلج
الرابعة: أنَّ اليأس والقنوط لا يصنع شيئاً، بل يجلب الهم والغم وضيق الصدر، و يثبط الهمَّة، ويضعف العزيمة، ويكفيكِ أنَّه من صفة الكافرين كما قال الله- تعالى- (إنَّه لا ييأس من روح الله إلاَّ القوم الكافرون).
هذه مقدِّمات ضرورية ينبغي عليك أن تختزنيها في ذاكرتك، وتذكري نفسك بها بين الحين والآخر.
أختاه:
لا تظني أنَّ الناجحين لا يصابون بإخفاقات، ومحطَّات لا يفلحون فيها، وصدِّقيني أنَّ هذا لم يحصل للأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، فما بالك بمن بعدهم ؟!
ولو اطَّلعت على سير كثير من الناجحين لوجدت صدق ما أخبرتك به، فإنَّه لا يلزم أن يكون الناجح في جميع دورات حياته لا يلاقي إلاَّ النجاح والفوز بالشهادات العليا !
ولكنَّ هؤلاء الناجحين في حياتهم يحاولون النظر في سبب الإخفاقات، ويحاولون علاجها، بديلاً عن ندب الحظ، والاعتراض على قضاء الله وقدره.
ومن هنا دعيني يا أخيَّة، أذكرك ببعض القضايا التي قد تكون سبباً لإخفاقك:
- فقد يكون من أسباب إخفاقك بعدك عن الله تعالى، وعدم صلتك به !
- قد يكون من أسباب إخفاقك في هذه الاختبارات ذنب عصيتِ به الله فجازاك الله به في دنياك، وكفَّر به عن خطاياك !
- قد تكوني غير مطيعة لوالديك ! فحاولي إرضاءهما وطلب الدعاء منهما بأن يوفقك الله ويسدد خطاك.
أختي الكريمة :
إنَّ الإخفاق في قضايا دنيويَّة ليس هو الخطير، فكم من أناس ليست لديهم المناصب ولا الحظْوات وهم مع ذلك عند الله أفضل بكثير ممن منَّ الله عليه بمنصب مرموق، وليس يعني ذلك أن لا يطلب المؤمن النجاح في الدنيا، ولكنَّ الأمر الذي ينبغي لنا الإعداد له وأن نخشى الإخفاق فيه هو: هل نجحنا فيما يرضي ربَّنا ويقينا من عقابه؟
وهنا وقفة أحب أن أقفها معك حين قلت (أجيبوني فأنا على حافَّة الانهيار أو الانتحار؟) أسألك الآن سؤالاً منطقياً أرجو أن تجيبي بنفسك عنه؟. ماذا تفيدك هذه الوساوس الشيطانيَّة (الانهيار أو الانتحار)؟!. هل بهذا تنجح الفتاة المتفائلة؟!. وهل تظنِّي أنَّك بذلك قد نجحت؟!.
إنَّ الشعور باليأس والإحباط والانهيار، والتفكير بالانتحار، هو أوَّل علامات الفشل الذريع، والذي يتنافى مع دين الإسلام، وكم من إنسان قتل نفسه وحطَّمها بسبب هذه الوساوس والأفكار الشيطانيَّة!
ما الذي جناه القاتل لنفسه سوى أنَّه قتل تلك الأمنيات التي كان يتمنَّاها ولا يستطيع الوصول إليها، أمَّا إذا صبر على ما ابتلاه الله به، واستعاذ بربه من تلك الوساوس(33/281)
الشيطانيَّة، فإنَّه ستنجلي عنه تلك الغمامة السوداء، ويحقق أمنياته تلك ثمَّ يحمد الله على أنَّه لم يقدم على ذلك الفعل المشين.
أيَّتها الموفقة:
إنَّ من علامات الناجحين والناجحات: الشجاعة في طلب المراد، والتكرار إلى أن يصلوا لمرادهم في ابتغائه، وقد قيل:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم***وتأتي على قدر الكبار المكارم
ولماذا تظنِّين أنَّه لا بدَّ في كلِّ مرَّة أن تأخذي الدرجة العالية؟.. نعم ! لا بدَّ أن تذاكري جيداً، وتكوني طموحة في حياتك ولا ترضي لنفسك الإخفاق، ولكن هل يشترط أنَّك إذا ذاكرتِ جيداً أن تفلحي في الإجابة عن الأسئلة في كلِّ اختبار؟
إنَّ هذا ليس بمقدورك فأنت أديت الذي عليك، وثابرت للحصول على أفضل الدرجات، إلاَّ أنَّ ما كنت تتمنَّينه قد تدركيه وقد لا تدركيه، ولا يعني ذلك أنَّك فتاة فاشلة، بل إنَّك ناجحة مررت بمرحلة إخفاق، لعلَّها كانت حافزاً لك لتعرفي مكمن الخطأ والداء الذي وقعتِ فيه وقت الإخفاق، وكما قيل: لكّلِ جواد كبوة.
لقد علَّمنا علماؤنا قاعدة هامَّة في الحياة: أنَّ على الإنسان أن يسعى بالشكل الصحيح، وعلى صراط واضح بيِّن، وليس عليه إدراك النجاح، بل يسلِّم الأمور إلى الله، ولن يقضي الله إلاَّ بالخير.
انظري إلى أديسون مع أنَّه كافر، إلاَّ أنه صبر قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، وأحصيت محاولات فشله في تحقيق ما يصبو إليه من صنع هذا المصباح أكثر من مائة محاولة أخفق فيها.
بل تأملي في النملة فكثيراً ما تحاول أن تحمل طعاماً، وترفعه إلى حيث تعيش، وقد يكون الطعام أكبر من حجمها، وتجدي هذه النملة تحاول الصعود إلى ما تقصد ولو أخفقت أكثر من ثلاثين مرَّة، ثمَّ بعد ذلك تنجح في الوصول إلى مرادها!
فلهذا لا تظنِّين أن طريق النجاح محفوف بالرياحين ومكلَّل بالورود ويسيل عن طريقه نهرين من ماء الورد العذب والمصفَّى!!
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يُفْقِر والإقدام قتَّال
كلاَّ يا أختاه.
إنَّ طريق النجاح طريق فيه إثارة، وفيه سعادة، ولكن تعكِّره الأشواك، والعوائق، وقد قيل في المثل: لا بدَّ في التمر من سلاَّء النخل، وفي العسل من إبر النحل! وذلك حتَّى يثبت الناجحون ويتميَّز صمودهم ونجاحهم من التعساء الفاشلين الذين حطَّموا أنفسهم وقضوا على طموحاتهم قبل إدراكها!
وأوصيك أخيراً بعدَّة قضايا ومنها:
* الإكثار من الدعاء وعدم استعجال الإجابة، واعلمي أنَّ الله تعالى يفرح إذا مدَّ عبده إليه يديه وهو يسأل منه ويطلب ويرجو، ورحم الله ابن تيميَّة حين قال: القلوب الصادقة والأدعية الخالصة هي العسكر الذي لا يغلب!
وأنصحك بأن تلازمي الدعاء الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه- عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان يقول: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري،(33/282)
وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي) أخرجه مسلم (4/1658).
* تقوى الله ـ تعالى ـ في كلِّ صغيرة وكبيرة، وفي السرِّ والعلانية، وأنت تعلمين أنَّ من ثمرات التقوى، تفريج الكروب ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً).
* الإكثار من قراءة القرآن وجعل ورد خاص بك لا تتخلفي عنه مهما كانت الظروف.
* المحافظة على أذكار الصباح والمساء وعدم تفويتهما ألبتَّة، ويكفيك أنَّه – تعالى- يقول: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
* المحافظة على الصلوات الخمس وعدم تركها أو التكاسل عنها.
* حين تقدمي على الاختبار فأكثري من الدعاء، وقولي:(اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً) ( اللهم يا ميسِّر يسر ولا تعسر) ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي) إلى غير ذلك من الأدعية النافعة.
* أحسني الظنَّ بربِّك، واعلمي أنَّ الله يكون عند حسن ظنِّ عبده به، وقد قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فيما يرويه عن ربِّه:(أنا عند حسن ظنِّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاء) وقد كان عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه- يقول:( ما أصابتني مصيبة إلاَّ حمدت الله فيها على ثلاثة أمور: أنها لم تكن في ديني، وأنها كانت هكذا ولم تكن أكبر من ذلك، وحمدته على الثواب الذي أرجوه منها).
* أنصحك أخيراً بأن تقرئي هذه الكتب أو تطَّلعي عليها وهي :-
أولاً: منزلة التوكل من كتاب مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فقد تكلم الإمام ابن القيم كلاماً جميلاً حول إحسان الظن بالله تعالى والتوكل عليه .
ثانياً : جدد حياتك للشيخ الداعية محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ فقد أحسن كثيراً في زرع روح الأمل في قلب المسلم بعبارات رشيقة ، وإلماحات رائقة مدعومة بالكتاب والسنَّة.
ثالثاً : عش هانئاً للدكتور عبد الكريم بكَّار ، وفي هذا الكتاب سلاسة في الأسلوب ، وسهولة في الطرح ، مع عبارات هامَّة.
وأختم فأقول:
إياك أختاه من اليأس من روح الله ورحمته . قال ابن مسعود رضي الله عنه: "أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله".
وكل الحادثات وإن تناهت*** فموصول بها الفرج القريب
وأنا أبشرك فأقول لك : أبشري يا أيتها الناجحة فإنَّ كربتك موصول بها الفرج القريب، ولتكن نفسيتك أجمل لتكون إجابتك أحلى وأكمل.. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
عدم قبول الدعاء.. عقاب أم ابتلاء ؟ العنوان
العبادات الموضوع(33/283)
أدعو ولا يستجاب لي، فهل هذا ابتلاء من الله أم عقاب منه؟، وقد أوصلني عدم قدرتي على الصبر على هذه الحال إلى الشك – أحيانا- في وجود الله تعالى، والعياذ بالله.
ذكرونا بما يخرجنا من هذا الإحساس و جزاكم الله خيرا.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الداعية المغربي الأستاذ حسن قبيبش:
أخي الكريم زهير لا تسقط في شراك الشيطان ، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرك هذا، حيث أخبرنا أنه يقول بعض الناس: دعوت ولم يستجب لي؟؟
ونحن نسألك أخي الكريم: هل أديت ما عليك من واجبات حتى يكون دعاؤك خالصا لوجهه الكريم؟ ما هي علاقتك بمحيطك العائلي والاجتماعي؟ وكيف هي معاملاتك وسلوكك ؟ بل وكيف هي مصادر رزقك؟ ألم تسمع لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:"أطب مطعما تكن مجاب الدعوة".
ولا نريد أن نسترسل معك أخي الكريم في أسئلة مثل هذه وما أكثرها، فلا شك أننا سنجد أنفسنا معرضين عن الله عز وجل، لا نتحرى الحلال في كسبنا.. لا نتورع .. لا نغض عن محارم الله.. فإن الله عز وجل إذن لا يؤاخذنا بما كسبت أيدينا، ولا يعجل لنا العذاب، واقرأ ذلك في كتاب الله عز وجل.
وقد يكون يا أخي الكريم عدم استجابة الدعاء كما قلت خير لك في دنياك وآخرتك، فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقواما في الآخرة يودون أن لو لم يكن قد استجيب لهم في الدنيا لعظم ما يرونه من منازل في اليوم الآخر.
فلما لا تقول بأنك من هذا الصنف الأخير؟ ولما لا ترضى بقضاء الله؟ وهل أنت واثق من أن كل ما تدعو به هو صالح لك في دنياك وآخرتك؟. استغفر الله وتب إليه { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله }.
ولا تساير الشيطان في وساوسه، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننتهي عندما يصل الأمر بنا إلى ما وصلت إليه وأن نتوضأ ونصلي ركعتين ونستغفر الله عز وجل ونتوب إليه فـ"إنه هو التواب الرحيم".
ويضيف الشيخ عطية صقر، من علماء الأزهر الشريف :
لقد أمرنا الله بالدعاء ووعد بالإجابة فقال سبحانه:{ وقالَ ربُّكُمْ ادْعونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (سورة غافر: 60). وذكر القرآن الكريم أن بعض النّاس دعَوا ربّهم فاستجاب لهم كقوله:{ وأيُّوبَ إذْ نادَى ربَّه أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمةً مِنْ عِنْدِنَا وذِكْرَى للعَابِدِينَ} (سورة الأنبياء: 83، 84) وقوله:{و زَكَرِيّا إذْ نادَى رَبَّه رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وأَنْتَ خَيْرُ الوارِثِينَ فاسْتَجَبْنَا لَهُ ووَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَه}(سورة الأنبياء:(33/284)
89،90) وكقوله في غزوة بدر: { إذْ تَستغِيثونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِألْفٍ مِنَ المَلائِكةِ مُرْدِفِينَ} (سورة الأنفال: 9).
إذا كان هذا كلام الله وهو صادِق في الاستجابة لمَن يدعوه، فمَا هو السِّرّ في أن بعض الناس يدعون ولا يستجاب لهم؟، والجواب: أن الطّبيب إذا وصف دواءً قد يكون مركَّبًا من عدة موادّ، ولا يكتفي بذلك يبين للمريض كيفيّة الاستعمال بتحديد المواعيد وتحديد ما يتناول من طعام وما يمتنع عنه، ولو نفذ المريض كل ذلك كان هناك أمل كبير في الشفاء، وبخاصة إذا كان الطبيب مختصًّا وثقة المريض به قويّة.
لقد ذكر الله حوادث في استجابة الدعاء من مثل أيّوب و زكريا وذي النون، ولكن ذكر عقب ذلك مباشرة لماذا كان دعاؤهم وسيلة لكشف ما بهم من ضر وتحقيق ما يَرجون من خير فقال:{ إنَّهُمْ كَانُوا يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ ويَدْعونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (سورة الأنبياء:90).
لابد من الامتثال لأوامر الله من عبادات وغيرها، مع إقبال النفس عليها والحبّ لها، ولابد أن يكون الدعاء خالصًا صادرًا من أعماق النفس، مع استشعار عظمة الله ولطفه ورحمته، ومع خوفه العظيم أن يرده خائبًا، وأن يكون ذهنه حاضِرًا غير شارد، مركزًا غير مشتت، ومن تمام المسارعة في الخيرات البعد عن الحرام، فالحرام من أخطر العوائق التي تحول دون استجابة الدعاء.
وقد صح في الحديث:" أن الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمُدُّ يديه إلى السماء ويقول: يا ربّ يا ربّ، ومَطعمه حرام ومَلبسه حرام فأنَّى يُستجاب له" رواه مسلم، وكان من وصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لسعد بن أبي وقاص أن يُطيبَ مطعمه ليستجيب الله دعاءه كما رواه الطبراني .
وإذا كان الداعي على هذه الصفة المطلوبة ولم يستجب له حالاً بما دعا إليه، فلا يقل: دعوت فلم يستجب لي، فالحديث يقول:" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي" رواه البخاري ومسلم، وإذا تأخّرت الاستجابة بالمطلوب فقد تكون الاستجابة ببديل خير منه، وقد تدخر ليوم القيامة وذلك أفضل من متعة الدنيا الزائلة.
فقد روى أحمد والبزار. وأبو يعلي بأسانيد جيدة عن أبي سعيد الخدري أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم- قال:" ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا : إذًا نكثر، قال:" الله أكثر" وروى أحمد والترمذي وقال حسن صحيح قريبًا من ذلك.
هذا، وقد وجه سؤال إلى الصوفي إبراهيم بن أدهم: ما لنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ فأخبرهم أنّهم قصّروا في طاعة الله وارتكبوا معاصيه. وذكر أمثلة لذلك، وكلها وغيرها يدلُّ على أن الداعيَ لابد أن يُرضِيَ الله أولا حتى يكافِئَه الله بقبول دعائه، وأن يكون قويَّ الإيمان والرجاء والثقة في استجابة الدعاء، وألا يشكَّ في وعد الله، بل الأولى أن يشكّ في نفسه هو، هل أدى الواجب لله أم لا؟ والموضوع مبسوط في كتب الحديث والأخلاق يرجع إليها من يريد الاستزادة.
ويشير فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي، أستاذ الفقه المقارب بجامعة الأزهر، إلي معني الدعاء وأفضل أوقات الاستجابة فيقول :(33/285)
أخي الكريم، لقد جاء لفظ الدعاء في القرآن الكريم على وجوه متعددة ومعان متنوعة، فجاء بمعنى العبادة مثل قوله تعالى: { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك}. وجاء بمعنى الاستعانة، مثل: { وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}.
وبمعنى القول، مثل: { دعواهم فيها سبحانك اللهم}، وبمعنى النداء، مثل: { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده}، وبمعنى الثناء أو التسمية، مثل: { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}. وبمعنى السؤال، مثل قوله تعالى: { وقال ربكم ادعوني استجب لكم}، وقوله: { ادعوا ربكم تضرعا وخفية}، ولعل هذا النوع الأخير هو المقصود للأخ السائل.
وبلا شك كلنا محتاجين إليه، وفي صحيح البخاري "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"، وفي حديث آخر "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وفي السنة "اسألوا الله من فضله فإنه يحب أن يُسأل).
ولكي يكون الدعاء مقبولا عند الله على الداعي أن يبدأه بحمد الله والثناء عليه ويصلي على النبي ـ صلى الله عليه سلم ـ في أوله وآخره، وأن يخلص في دعائه لقوله تعالى: { فادعوا الله مخلصين له الدين }، وألا يستعجل الإجابة لحديث: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل. قيل يا رسول الله: وما الاستعجال؟ قال: يقول العبد قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي فيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء".
كما يجب على الداعي أن يكون طيب المطعم لحديث "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"، وأن يدعو بالدعاء الجامع لخيري الدنيا والآخرة، مثل: { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنا وقنا عذاب النار}.
ويعد أفضل وقت للدعاء في السجود وفي الصلاة وأثناء إفطار الصائم وأيام رمضان وليلة القدر وعند قراءة القرآن، ووقت أداء المناسك للحج والعمرة وهكذا، وأهم من ذلك كله الإخلاص والثقة في الإجابة.
تقبل الله منا ومنكم صالح الدعوات وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
غضب الله ورضاه.. كيف ندركه ؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
فإذا كان الله قد كتب على ابن آدم الخطأ والمعصية خلال حياته، فهلا بينتم لنا حكمة المعصية، وكيف يمكن أن تؤدي إلى معرفة الله؟
السؤال الثاني: هل معرفة الله تتجدد وتتأكد لابن آدم خلال حياته؟، ومن ثم فإن الهدف الأسمى من الحياة ألا يفارقها الإنسان دون التعرف على الله؟
السؤال الثالث: كيف ندرك غضب الله علينا أو حبه لنا ؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/286)
يقول الأستاذ مكرم ربيع، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بشبكة "إسلام اون لاين.نت" :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الكريم / عمار
أهلا ومرحبا يك على موقع "إسلام أون لابن.نت"، وشكر الله لك ثقتك بنا، وأسال الله أن نكون عند حسن ظنك.
أخي عمار:
إن أسئلتك تدل على عقل واع، وفكر عميق، وقلب مؤمن على بصيرة.
فبخصوص سؤالك الأول، والذي تقول فيه : إذا كان الله قد كتب على ابن آدم الخطأ والمعصية خلال حياته، فهل بينتم لنا حكمة المعصية وكيف يمكن أن تؤدي إلى معرفة الله؟، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه عن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} فقد نسبهم الله إلى نفسه، ومع ذلك ربما يقعون في المعاصي، ولكن إذا تابوا تاب الله عليهم.
ويقول سبحانه عن المتقين: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ .الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ .أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ابن خطاء وأن خير الخطائين التوابون.
فالإنسان معرض أن يخطئ ويصيب، ولكنه إذا عاد إلى ربه وتاب وعمل صالحا، قبله الله وتاب عليه.
وأرى أخي الكريم أن المعصية تعلم الإنسان الصالح المتقي أنه ضيعف، ولا يقوى على الشيطان إلا بفضل من الله، وأن حال الطاعة الذي يعيشها هي بتوفيق من الله عز وجل، وليس بسبب مهارته وذكائه.
واعلم أن المسلم الصالح العابد التقي إذا وقع في معصية تواضع لعباد الله وانكسرت نفسه، وإن كان مغرورا بطاعته انكسر غروره.
فكم من الناس يعيبون على غيرهم عدم صلاتهم للفجر، أو عدم قراءتهم للقرآن، أو وقوعهم في معصية ما، ونسي هؤلاء أن ما هم فيه من طاعة بفضل من الله، وإذا وقع أحدهم فيما عاب على غيره علم فضل الله عليه.(33/287)
ومن هنا يعرف المسلم ربه، وفضله عليه إذا كان طائعا، وقبوله له إذا تاب من معصية؛ فسبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
وأما عن سؤالك الثاني والذي تقول فيه : هل معرفة الله تتجدد وتتأكد لابن آدم خلال حياته؟، وبالتالي الهدف الأسمى من الحياة ألا يفارقها الإنسان دون التعرف على الله؟؛ فاعلم - أخي الكريم- أن كل يوم يمر على الإنسان المسلم يتعلم فيه شيئا جديدا، ويدرك أن الحياة زائلة وأنه سيموت يوما ما، وأنه سيلقى الله عز وجل.
وسأضرب لك مثالاً من الحياة؛ فالإنسان وهو طفل يقع في أخطاء كثيرة يتعلم كل مرة من خطئه شيئا جديدا، ويبعده أبوه وأمه عن مواطن الخطر كثيراً، لأنه لا يستطيع أن يفرق بين الصواب والخطأ وبين النافع والضار. من هنا يعرف أن أباه وأمه أكثر قدرة وخبرة منه في شئون الحياة.
حتى إذا كبر وأصبح شابا قوياً يافعاً، وحدثت له مشاكل في حياته وقع فيها بإرادته أو رغما عنه.. ووجد من يحل له هذه المشاكل أيضاً .. عرف أن هناك من هو أكثر منه خبرة ومعرفة بهذه الحياة، وهكذا كل يوم يكتسب خبرة جديدة حتى يموت.
فمنذ أول يوم للإنسان على هذه الأرض يتعلم، وهكذا طوال حياته حتى يموت؛ ومن ثم فإن إدراكه للحياة يختلف من يوم إلى يوم، ومن عام إلى عام، ومن مرحلة إلى مرحلة. فما كنت أظنه منذ سنة تغير بعد عام، وكل بضعة أعوام تتغير المفاهيم وتتجدد. ولله المثل الأعلى والأعظم يا أخي.
فمعرفتنا جميعا بالله تتجدد من فترة إلى أخرى؛ حتى تعلم أن الله رحيم ودود غفور؛ يرزقنا ويمنحنا الحياة والنعم ويطلب منا مما يعطينا سبحانه، ولا أحد يعطينا سواه؛ وييسر لنا أمور ديننا ولا يكلفنا ما لا نطيق؛ فسبحانه هو اللطيف الخبير بنا وبأحوالنا.
أما عن سؤالك الأخير، والذي تقول فيه : كيف ندرك غضب الله علينا أو حبه لنا ؟، فاعلم – أخي – فقهك الله أن توفيق الله لك إلى طاعته، وفي شئون حياتك، هو من حبه لك، وأثر هذا الحب يظهر في كل شئون حياتك؛ في حب الناس لك بل الكون كله، والحديث القدسي (يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه..) يظهر ذلك، والحديث القدسي (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب.) يظهر ذلك؛ فالمولى عز وجل يكون معك دائماً .
ويظهر هذا الحب في معاملة زوجتك لك؛ وحتى إنه يظهر في الدابة التي تركبها. أما غضب الله عز وجل فالإنسان يدركه ويحسه في بعده عن الله، وما ينتج عنه من نفور الناس عنه، وفي عدم التوفيق في الحياة حتى فيما يصدر عنه من أقوال وتصرفات.
وأخيرا أسال الله لي و لك الهداية والتوفيق، وأن يرزقني وإياك التعرف عليه سبحانه، كما أسأله أن يجود علينا بمحبته، وأن يرزقني وإياك حسن الخاتمة .. آمين وتابعنا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
طريق الوصول إلى محبة الرسول العنوان
غذاء الروح الموضوع(33/288)
كيف يستطيع المسلم أن ينمّي داخله محبة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أي شيء آخر في الدنيا ؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول فضيلة الشيخ صالح المنجد :
الأخ الفاضل :
أهلا بك ومرحبا ..
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون قوتها تبعاً لإيمان المسلم، فإن زاد إيمانه زادت محبته له ، فحبه صلى الله عليه وسلم طاعة وقربة ، وقد جعل الشرع محبة النبي صلى الله عليه وسلم من الواجبات.
عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " . رواه البخاري ومسلم.
ويمكن أن تتأتى محبة الرسول صلى الله عليه و سلم بمعرفة ما يلي :
أولاً : أنه مرسل من ربه اختاره واصطفاه على العالمين ليبلغ دين الله للناس، وأن الله اختاره لحبه له ورضاه عنه، ولولا أن الله رضي عنه لما اختاره ولا اصطفاه، وعلينا أن نحب من أحب الله، وأن نرضى بمن رضي الله عنه، وأن نعلم أنه خليل الله والخلة مرتبةٌ عُليا وهي أعلى درجات المحبة.
عن جندب قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول :" إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً". رواه مسلم.
ثانياًُ : أن نعلم منزلته التي اجتباه الله بها، وأنه أفضل البشر صلى الله عليه وسلم. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع". رواه مسلم ( 2278 ).
ثالثاً : أن نعلم أنه لقي المحن والمشقة من أجل أن يصلنا الدين وقد كان ذلك- والحمد لله-ويجب أن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوذي وضرب وشتم وسُبّ وتبرأ منه أقرب الناس إليه ورموه بالجنون والكذب والسحر وأنه قاتل الناس ليحمي الدين من أجل أن يصل إلينا فقاتلوه وأخرجوه من أهله وماله ودياره وحشدوا له الجيوش.
رابعاً : الاقتداء والتأسي بأصحابه في شدة محبتهم له ، فقد كانوا يحبونه أكثر من المال و الولد بل وأكثر من أنفسهم وإليك بعض النماذج:
عن أنس قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل". رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مُجَوّب به عليه بحَجَفَة له( درع) وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد القِد (شديد الرمي) يكسر يومئذ قوسين أو(33/289)
ثلاثا وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول انشرها لأبي طلحة فأشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك. رواه البخاري ومسلم.
خامساً: أن تُتبع سنته من قول أو عمل وأن تكون سنته منهجاً لك تتبعه في حياتك كلها وأن تقدم قوله على كل قول وتقدم أمره على كل أمر ثم تتبع عقيدة أصحابه الكرام ثم عقيدة من تبعهم من التابعين ثم عقيدة من تبع نهجهم إلى يومنا هذا من أهل السنة والجماعة غير متبع بدعة.
نسأل الله أن يرزقنا محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعله أحب إلينا من أولادنا وآبائنا وأهلينا ونفوسنا
ـــــــــــــــــــ
أختي.. كيف تعود لحماسها وإيمانها؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم :
أشكركم على المجهود الذي تبذلونه من أجل الرد على أسئلتنا، فجزاكم الله عنا خير الجزاء.
مشكلتي هي مع أختي التي تصغرني بخمس سنوات، هي طالبة بالسنة الثانية بأحد المعاهد، وهي مقبلة على امتحان أو مباراة حاسمة، فالسنتان اللتان قضتهما في هذا المعهد، هي من أجل الإعداد لهدا الامتحان.
والمشكلة أن أختي مند شهر تقريباً فقدت الحماس للدراسة، ولم تعد مهتمة بالأمر وغير مبالية، صراحة أنا لم أفهم سبب هدا الفتور الذي أصابها، عندما أسألها هل أنت خائفة من الامتحان وتراودك فكرة الرسوبتجيبني "لا.. فأنا متيقنة أن من درس جيداً وأستعد للامتحان فسوف ينجح" فأقول لها إذن ماذا تنتظرين ؟!، استعدي جيداً، فتجيبني قائلة : "لا أدري أنا لم أعد كما كنت".
ومن حديثها معي فهمت أن من أسباب ذلك أنها تحدد أهدافاً لها ولكن في كل مرة لا تصل إلى تنفيذها ولا تفي بوعودها مع نفسها، ومع تكرار هذا الأمر، أصبحت وكأنها فقدت الثقة بنفسها.
وهذا الفتور أصابها حتى من الناحية الإيمانية، فعندما أنصحها بأن تكثر من الدعاء والاستعانة بالله، تقول ليّ إنها عندما تكون في حالة مزاجية جيدة - وهو أمر نادر- تدعو الله، وعندما تراودها هذه الحالة النفسية لا تفعل، لأنها تعتقد أنها تقوم بعكس ما تدعو به - فهي تدعو بالنجاح ولكنها لا تأخذ بالأسباب، ولا تدرس- إذن فلا داعي للدعاء !!
كما تعتقد أن إيمانها قد ضعف، وأنها أصبحت بعيدة عن الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فهي لا تستحق أن يستجيب اللهُ دعاءها، وبالتالي لا يمكن أن تستعيد قوة إيمانها. ( للعلم فهي محافظة على صلاتها).
لا أدري كيف أقنعها أنها مرحلة وستمر، وستستعيد إيمانها، بل قد يصبح إيمانها أقوى مما كان عليه وأن هذا اختبار. و جزاكم الله عنا كل خير.
السؤال(33/290)
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ محمد سعدي :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
كلنا نبغي النجاح في أهدافنا ومقاصدنا، والعاقل هو من يعد للأمر عدته، فمن كان في سفح الجبل ورام أن يصعد إلى قمته فإنه لا يكتفي بالنظر إلى الأعلى فقط، أو التمتمة بكلمات قصيرة، وهو واقف في مكانه، بل يجب أن يعمل لينال مأربه؛ فيعمل على إعداد عدته، ويجتهد حتى يصل إلى القمة.
وقد جعل الله سننا كونيا من أخذ طريقها وصل إلى مبتغاه، ومن هذه السنن الكونية الثقة في النفس، وقد أوتيت أختك من قبل فقدانها لثقتها بنفسها، فكلما وجدت هدفا لم تصل إليه يئست، وكلما وجدت قمة استصعبت الوصول إليها، وفقدانها لثقتها قتل عندها الأمل الذي يحي به الإنسان، ولكي تنفض عنها ما أصابها عليها أن تجدد ثقتها بنفسها.
والثقة بالنفس تقتضي تحديد طموحات معينة، والأهداف المرام تحقيقها، ثم تحديد خطوات تحقيق الأهداف مع الأخذ بالأسباب، فالطالب الذي يريد النجاح عليه أن يكثر من المذاكرة، والقائد الذي يريد أن يكلل بأكاليل النصر عليه أن يعد العدة المناسبة وأن يضع الخطة المناسبة، مع السعي والجد في العمل، وليس هذا فقط بل عليه أن يلجأ إلى الله تعالى، سائلا إياه التوفيق والمعونة، وعليه أن يبتهل في الدعاء حتى ينجز له الله ما وعده.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد وعده الله النصر على المشركين، ومع ذلك نراه في غزوة بدر يجتهد في الدعاء ثم يجتهد في الدعاء ويتضرع لربه حتى يسقط رداء النبي من على كتفه من شدة دعائه صلى الله عليه وسلم، وكان نتيجة هذا الاجتهاد في الدعاء أن تنزلت الملائكة مددا لعباد الله الموحدين.
وقد روى لنا الإمام مسلم هذا فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ.
قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ(33/291)
وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ. ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ .
فالدعاء من أقوى أسلحة المؤمنين التي ينتصرون بها في الدنيا ويحققون آمالهم، ولكن الشيطان لا يترك عبادة للإنسان إلا وحاول إفسادها فللشَّيْطان مَداخل كثيرة لإغواء الإنسان من هذه المداخل أن يقنطه فيما عند الله يقول له: قد دعوت كثيرا فلم يستجب لك، فما فائدتك إلحاحك في الدعاء؟ انظر لفلان ليست عبادته مثل عبادتك وليست طاعته مثل طاعتك ومع ذلك مضيق عليك في العيش في حين أن هذا العربيد يعيش في بحبوحة من العيش؟
والمسلم مطالب بعدم القنوط في الدعاء وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفخ فبوَّب الإمام مسلم بابا في صحيحه بعنوان : بَاب بَيَانِ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلدَّاعِي مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.
وقد روى فيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَا أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".
وهذه الوسوسة الشيطانية لإفساد عبادة الدعاء قد تصادف هذه الوسوسة قلبا غافلا، فتنتج ثمرها الذي يرجوه الشيطان ألا وهو التكاسل عن العبادة وهي نتيجة طبيعية للقنوط الذي غلف قلب العبد وقد تصادف قلبا قد أشرب الإيمان فلا تؤثر فيه.
والإيمان في القلوب لا يكون أبدا على درجة واحدة، بل له حالات على حسب قرب صاحبه من الله أو بعده منه، فكلما اقترب المؤمن من ربه ازداد إيمانا، وكلما ابتعد عن الله لعبت به الشياطين حتى تقذف به في مهاوي الردى. قال تعالى : ? وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ? .
فالذين آمنوا يزيدهم الله إيمانا، وغيرهم يزيدهم الله رجسا إلى رجسهم، وقال تعالى: ? وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ? وقال تعالى : ? إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى? وقال تعالى: (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ).
والصحابة رضوان الله عليهم قد أدركوا هذا الأمر، فالصحابي الجليل عبد الله بن رواحه رضي الله عنه انه قال لأحد أصحابه ( تعال نؤمن ساعة، قال : أولسنا مؤمنين؟! قال: بلى، ولكنا نذكر الله فيزداد إيماننا . والفاروق عمر ينادي في المسلمين هلموا نزداد إيمانا.
وهناك وسائل كثيرة نافعة لتجديد الإيمان وزيادته منها :
تدبر القرآن : فالقرآن فيه علاج عظيم ودواء نافع ، قال الله عز وجل : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ).
ومنها التدبر والتفكر في الآيات الكونية: فالكون كتاب مفتوح إذا تأملته عاينت طلاقة القدرة الإلهية فيتعلق قلبك بالله وهذا له جميل الأثر في زيادة الإيمان.
ومنها أيضا قراءة كتب الرقائق: التي ترقق القلوب وتلين الأفئدة وأرشح لك منها صفة الصفوة لابن الجوزي، وزاد المهاجر إلى ربه لابن القيم، وله أيضا زاد المهاجر إلى ربه وله أيضا مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.؟(33/292)
ومن الأشياء التي تزيد الإيمان قيام الليل: فهو شرف المؤمن، والذكر والتسبيح والحمد والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الأشياء التي تجعل نور الإيمان تسطع في القلب.
وأذكار الصباح والمساء : تقوي صلة العبد بربه حيث يمتثل المسلم لأمر الله تعالى حيث يقول تعالى: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ" (غافر:55).
ومن الأسباب التي تعين على زيادة الإيمان في القلوب تذكر الآخرة: فتذكر الآخرة يحقر المرء في الحياة الدنيا، ويجعله ينظر للدنيا على أنه مزرعة للآخرة لا دار إقامة لأن الإقامة هناك والعاقل يعمل لدار إقامته لا دار انتظاره.
ومنها أيضاً أن يحاول المسلم جاهدا أن يعتصم بالله في نوائب الدهر، وقد قال تعالى: { وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
اللهم اجعلنا من المعتصمين بك، ومن المستمعين للقول المتبعين أحسنه، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.. وتابعينا بأخبارك وأخبار أختك.
ـــــــــــــــــــ
صلاتي.. جسد بلا روح !! العنوان
العبادات الموضوع
شيخنا الفاضل :
أبحث دائما في صلاتي عن جوهرها وخشوعها، أشعر أن كل صلاتي حركات، فجسدي يتحرك، ولكن قلبي لا يصلي، أريد أن أصل إلى صلاة القلوب قبل صلاة الجوارح، ولكني لا أدري كيف السبيل وإن كنت في شوق إلى ذلك، عسى الله أن يتقبل مني صلاتي.
أرجو أن ترشدني إلى ما طلبته. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
الدكتور علي بادحدح المستشار
الرد
أهلا ومرحبا بك أخي الفاضل..
اعلم أن القلوب المشفقة هي التي تخشع في العبادة، وترق عند الطاعة، وتخبت عند المناجاة، وتنكسر عند التضرع، إنها قلوب حاضرة، تكون مع كل عبادة روحها وحقيقتها، فالخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذلّ، وهو انكسار القلب وإخباته وتواضعه لله عز وجل وذلته، وسكون الجوارح من أجل ذلك.
اعلم - رحمك الله- أن الخشوع روح الصلاة وحياتها، ونورها وضياؤها، و به تصعد إلى الملأ الأعلى، وتنهض في السماوات العلى، فالقلوب الخاشعة تتبعها الأذهان الحاضرة، وتسكن معها الجوارح العابثة، قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: "ما كنت قط في صلاة فشغلتُ نفسي بغيرها حتى أقضيها".(33/293)
وعلى سنن الصحابة مضى التابعون فأُثِر عن الربيع بن خثيم رضي الله عنه أنه قال: "ما دخلت قط في صلاة فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي"، وقيل لعامر بن عبد الله بن قيس : أتحدث نفسك بشيء في الصلاة ؟، قال: نعم، بوقوفي بين يدي الله عز وجل، ومنصَرفي إلى أحد الدارين، فقيل له: لا، إلا بما نحدث به أنفسنا من أمر الدنيا، وما يوسوس به الشيطان إلينا، فقال: لأن تختلف الأسنة (الرماح) في صدري أحب إلي من ذلك، لله درّ القوم وقد تعلقت بالصلاة قلوبهم وعقولهم وأجسادهم.
إن الله ربط مدح المصلين بخشوعهم حين قال: { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2]، والخشوع في الصلاة : هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضراً لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدباً بين يدي ربه، مستحضراً جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أولها إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الرديئة، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد.
فالصلاة التي لا خشوع فيها للجسد ولا حضور فيها للقلب، وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها، فعليك -رحمك الله– أن تحضر قلبك في صلاتك جهد استطاعتك ومبلغ طاقتك، وألا تصرفه ها هنا ولا ها هنا، وألا تمر به هكذا ولا هكذا، وأن تدفع عنه الخواطر المائلة به، والأحاديث الشاغلة له، وأن تسمع ما تقرأ، وتعقل ما تفعل، فإنه ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت ولا يكتب لك منها إلا ما فيه حضرت"، فأين قلوبنا في الصلاة؟
سابحة في بحار الدنيا، غارقة في هموم الحياة حتى لا تكاد تعقل من صلاتها شيئاً، يَقُولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا ) [ رواه أحمد]، اللهم رحمتك وعفوك.
أخي الحبيب :
هل هذه الصلاة يصلح أن نقف بها بين يدي الله ؟ وهل هي التي يرضى عنها الله ؟ وهل هي التي يصح أن نرفعها إليه ؟!
قال بعض السلف: الصلاة كجارية تُهدى إلى ملك الملوك، فما الظن بمن يُهدي إليه جارية شلاّء أو عوراء أو عمياء أو مقطوعة اليد والرجل أو ذميمة أو قبيحة حتى يُهدي إليه جارية ميتة بلا روح.. فكيف بالصلاة يهديها العبد ويتقرب بها إلى ربه تعالى، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، وليس العمل الطيب صلاة لا روح فيها.
أخي الحبيب :
إذا قمت إلى الصلاة فتذكر من أنت إليه قائم، وبين يدي من أنت واقف، واعتقد نفي ما يجري عليك من الخواطر المذمومة، فإذا فرغت فاستغفر الله عز وجل، فإنه سبحانه يقبل العقد الأول والآخر، ويغفر ما بينهما برحمته تبارك وتعالى، وكما يجب ألا تصرف وجهك عن قبلتك في صلاتك، فكذلك لا تصرف قلبك عن ربك.
استحضر عظمة ربك، وتدبر في صلاتك في كلماتها ومقاماتها وحركاتها من أولها إلى آخرها واعلم أنه "ينبغي للعبد إذا قال في صلاته (الله أكبر) عند افتتاحها، أن(33/294)
يكون ذكر الله في قلبه أكبر وأعظم من أن يذكر معه سواه، أو يخلط بذكره بذكر شيء من دنياه إجلالاً له وتعظيماً.
فإن معنى تكبيرة الإحرام أن الذي يقوم إلى الصلاة إذا كبر تكبيرة الإحرام فقد حرّم على نفسه كل ما كان مباحاً له قبلها من الاشتغال بالدنيا ومعاشها، وما كان فيه من مخالطة أهلها، وأما من كان في صلاته مقبلاً على سهوه وغفلاته، فليس لصلاته تحريم، ولا لمناجاته حين يناجي ربه فيها تعظيم.
كان ابن الزبير رضي الله عنه إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، وكان علي بن الحسين رضي الله عنه إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له، فقال: تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي، وكان إذا توضأ أصفر، ومثله كان وكيع رضي الله عنه إذا قام إلى الصلاة لا يتحرك منه شيء، ولا يزول ولا يميل على رجل دون الأخرى.
وقيل عن محمد بن نصر المروزي رضي الله عنه: ما رأيت أحسن صلاة منه، وبلغني أن زنبوراً قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك.. ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره فينتصب كأنه خشبة منصوبة.
ولعلك لا تعجب حينئذ من قول سفيان الثوري رضي الله عنه : لو رأيت منصور بن المعتمر يصلي لقلت: يموت الساعة " ، ولا من قول " أبو بكر بن عياش : رأيت حبيب بن أبي ثابت يصلي وكأنه ميت - يعني من خوفه وخشوعه " لأن القوم قد ملأ الخشوع قلوبهم فسكنت جوارحهم.
ولا عجب من ذلك فقد سبقهم إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصاياهم وأعمالهم، فهذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه يقول:"وإذا وقفتم بين يدي ربكم للصلاة فاجعلوا الجنة والنار بين أيديكم والميزان والصراط حولكم كأنكم تقولون:{ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} (18)، وهذا "الفاروق عمر رضي الله عنه غلبه البكاء في صلاة الصبح حتى سمع نحيبه من وراء ثلاثة صفوف.
والجميع مقتدٍ برسول الهدى صلى الله عليه وسلم مستضيء بهديه فقد ذكر مالك رضي الله عنه في الموطأ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ- رضي الله عنه- لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : ( رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي)، وذلك لتقتدي به في ذلك أمته، يتفرغون لصلاتهم بترك ما يشغلهم عنها، ويفتنهم فيها وهذا أصح والله أعلم.
أخي الحبيب :
إذا خشع قلبُك وحضر انطرد وسواسك، وقصُر عليك من الصلاة ما طال على غيرك، وقد رأيت صلاة القوم وخشوعهم وسكونهم ودموعهم، فإنه وإن كانت أجسادهم قائمة وراكعة وساجدة فإن قلوبهم مصلية، هكذا كانوا فكن مثلهم .. إن التشبه بالرجال فلاح وتابعنا بأخبارك وأخبار صلاتك
ـــــــــــــــــــ
علاقة الترفيه بالإيمان.. طردية أم عكسية ؟ العنوان(33/295)
غذاء الروح الموضوع
الأفاضل في شبكة "إسلام أون لاين.نت"
هل يمكن لبرامج الصيف الترفيهية أن تؤثر على درجة الإيمان؟، وما هي هذه البرامج التي يمكننا القيام بها للحفاظ على أو زيادة منسوب الإيمان؟.. مع خالص احترامي وتقديري.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
أخي الفاضل :
أشكرك على هذا السؤال الهام
الإيمان هو السياج الذي يحيط بحياة الإنسان حفظا وحماية، وهو منهج حياة المسلم في سيره مع الله، ومع الناس، فالإيمان هو ضابط السلوك، وهذا يعني أن كل أعمال الإنسان الصالحة التي لا تخالف ما أمر الله تعالى به تعد جزءا من الإيمان، ولا أكون مبالغا – على هذا المنهج – أن أقول لك : إن الترفيه الصافي من الإيمان.
فالإيمان يدخل فيه علاقة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، عبادة وعقيدة، ومع نفسه أخلاقا، ومع غيره سلوكا وتصرفات ومعاملات، والترفيه يدخل في علاقة الإنسان بنفسه، فخروج الإنسان على شاطئ بحر يستمتع بالهواء النقي، والمنظر البديع من الماء العذب أو المالح، وتموجات البحر وأمواجه عالية ومنخفضة، والصخور على الشاطئ والجزر في المنتصف، واتساع البحر بطوله وعرضه، وما يعيشه فيه من الكائنات المائية الحية، وما يحويه من غير الأحياء، والنظر إلى السماء بطولها وعرضها، ومنظرها الجذاب الخلاب، كل هذه جزء من الإيمان المعروف بعبادة التفكر، التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "تفكر ساعة خير من أربعين" ، قال الراوي: لا أدري، أقال أربعين يوماً، أو أربعين شهراً أو أربعين سنة".
أو التنزه في الحدائق، حيث خرير الماء، وخضرة النباتات، وأشكال الأشجار وألوانها، والزهور الجميلة، والنباتات اللطيفة، وهواء الخضرة، وما يتبع ذلك من راحة نفسية، مما للنباتات والخضرة من أثر كبير على النفوس، هذا تنزه وعبادة وهو من الإيمان.
بل زيارة الآثار التاريخية، ومعرفة سنن الله في الكون والآفاق، وأسباب قيام الدول وسقوطها، وحياة الناس ووفاتها، ومجيء شعوب وغيابها، وتداول الزمان بعد الزمان، ومجيء الحضارة بعد الحضارة، والأمة بعد الأمة في كل ذلك عبرة لأولي الأبصار، وهي من الترفيه والإيمان، وقد قال تعالى :"وتلك الأيام نداولها بين الناس"، وقال أيضا "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم".
والخروج إلى الجبال العالية، والسهولة المنخفضة، والتأمل في الكون الفسيح، الذي ينطق بوحدانية الله تعالى، وينادي ويقول : إن الله خالقي، وكل ما فيَّ من صنعه(33/296)
وخليقته، فحين تنظر إلى الجبال مع اختلافها" ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود"، فهذا جزء من الترفيه عن النفس، وهو من الإيمان.
وحين يسافر المرء من بلد إلى بلد، ويعيش بين شعوب متعددة، فيرى اختلاف الألسن والألوان، وتباين العادات والتقاليد، فما يحب هنا يكون مذموما هناك، ويكون مذموما هنا محبوب هناك، وترى الحياة البدائية في أماكن ومواطن، والحياة المدنية في أماكن أخرى، والشعوب تعيش، وعجلة الحياة تسير.
والناس مختلفون في كل شيء، في اللغة واللون والدين والطباع والخصال، وخالقهم سبحانه وتعالى واحد، يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، ويعلم سرهم ونجواهم، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما في الصدور، كل ذلك نوع من السياحة والترفيه عن النفس وهو من الإيمان.
وإن شئت فعدد من هذا كثيرا جدا، والناس يعتبرونه ترفيها، وهو ترفيه كما أنه أيضا جزء من الإيمان، وشرط ذلك :
1- أن تكون النية خالصة لله، وأن يقرن العبد مع الترفيه عبادة التفكر.
2- وألا يأتي شيئا من حرام، فما أفسح الحلال، وما أضيق الحرام، ومثل الحلال والحرام، كمثل الشجرة المحرمة على آدم، والجنة التي أبيحت له، فلا يذهب ابن آدم إلى شجرة محرمة، وعنده جنة مباحة، فيها أضعاف أضعاف الشجرة المحرمة.
3- ومن المفيد أن يأخذ الإنسان العبرة والعظة، وأن يأخذ التجربة الناجحة التي تنفعه في حياته، وأن يتزود بها لإيمانه.
إن كثيرا من الناس يظن الدين عبوسا في الوجه، وضيقا في النفس، وتزمتا في اتخاذ المواقف، مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا، وألينهم وأسهلهم، وهو الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الترفيه عن النفس، فربما كان يمزح معهم، حتى يُرى الصحابي منهم يستلقي على قفاه من الضحك، فما يمنعهم صلى الله عليه وسلم، بل كان يبادر إليهم بالضحك تبسما، وبالبشاشة في الوجه، ويجعل "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وربما أخذ الصحابة في واد يتنزهون ويخففون عن أنفسهم شيئا ما.
ومن المواقف التي تشير إلى ترفيهه صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ما ورد في كتب السير من أن رجلا من أهل البادية اسمه زاهر، وكان هذا الرجل يأتي بالهدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من البادية، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه حبا كثيرا، وقد رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ذات مرة في السوق، فأمسكه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلفه، وهو يمزح معه، ويقول: "من يشتري العبد؟".
فخاف زاهر من أن يكون أحد يريد أن يبيعه عبدا، فقال وهو يريد أن يبعد الرسول دون أن يعرفه : أرسلني، من هذا ؟، فلما التفت وجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فترك نفسه، وهو يقول : يا رسول الله، لو بعتني، لن آتي بثمن كبير. فقال له الرسول(33/297)
صلى الله عليه وسلم: "ولكن عند الله أنت غال". وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك ليمزح مع زاهر ويدخل السرور على قلبه.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح مزاحا جميلا يليق بمكانته صلى الله عليه وسلم حتى مع النساء، مثل المرأة التي قال لها : لا يدخل الجنة عجوز، وهو يقصد أن كل الناس يدخلون الجنة شبابا، أو تلك التي قال لها : زوجك الذي في عينه بياض، والعين فيها بياض وسواد.
بل كان يجلس بعد الفجر مع أصحابه ليقصوا له ما رأوا من الرؤى والأحلام، وغير ذلك من المواقف الكثيرة التي تدل على أن الترفيه من الإسلام والإيمان، وأن الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يأخذ منهج الشدة على النفس دائما، فهو يمزح ويجتهد، وهو يعمل ويفرغ، وهو يجاهد في سبيل الله ويتعلم، ويأتي المسلم كثيرا من أنماط الحياة، لأن الإسلام هو دين الحياة.
كانت هذه ضوابط عامة، تفك الاشتباك بين الترفيه والإيمان، أما عن البرامج المقترحة، فيمكنكم القيام بما يلي:-
1- إجراء المسابقات الثقافية، كأن تعلنوا عن مسابقة يتم فيها اختيار بعض المواد الثقافية، ويعقد فيها امتحان، ويكون بها جوائز.
2- القيام ببعض الأعمال الفنية، كبعض المواقف الدرامية التي تحمل معاني هادفة أو مسلية، أو ما يعرف بـ" حفلات السمر".
3- القيام برحلات إلى المناطق الجبلية.
4- القيام برحلات إلى المناطق النيلية والبحرية، مع التحفظ والبعد عن العري والمعاصي.
5- زيارة الأماكن السياحية والتاريخية، ومحاولة معرفة كثير من المعلومات من المرشدين السياحيين أو القائمين على الأمر.
6- عمل جلسات ثقافية لمناقشة كتاب أو قصة ونحوها.
7- تشجيع المواهب الفنية من الغناء الطيب والإنشاد والرسم وتأليف القصص والروايات التي تحمل معاني سامية ومبادئ نافعة.
8- كما يمكن لكم أن تجلسوا لتفكروا فيما تروحون به عن أنفسكم، وترفهون به ما يدخل الفرحة على قلوبكم، شريطة أن يخلو من الحرام، وأن تبتغوا به وجه الله.
وفقكم الله ورعاكم.
ـــــــــــــــــــ
تركت حفظ القرآن خوفاً من النسيان! العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 25 سنة أقوم بحفظ القرآن الكريم ولكن تواجهني مشكلة في الحفظ، وهي أني لا أستطيع في الاستمرار .. بالرغم أني ملتزمة جداً بما أحدده كنت أحفظ الصفحتين المتقابلتين في أسبوع حفظ جيد جداً.. ولكن بعد فترة جزء مثلاً أحس أني نسيت ما حفظته فأقوم بمراجعته.. أحس أني لا أركز فيه بعض الشيء. . فجعلت الحفظ مع المراجعة القديم من الأول.. ولكني أحس أني ناسية كل شيء وكأني أحفظ من جديد..(33/298)
قرأت وسائل كثيرة وطرقا تعين على الحفظ ومنها قراءة ما حفظت في الصلاة ولكن من غير فائدة.. حين أصلي بالآيات التي أحفظها، فإذا به أنسى بعضها في الصلاة.. ولكني كنت مستمرة في الحفظ وكنت أحفظ سورة البقرة إلا صفحتين، إلى أن سمعت في أحد الدروس بالمسجد أن أكثر الناس عذابا يوم القيامة من يحفظ القرآن وينساه..
والله بكيت في المسجد وشعرت بخوف.. وتوقفت عن الحفظ ورجعت للمراجعة فقط لما حفظته.. ولكن كأنه حفظ جديد فتوقفت عن الحفظ.. وأنا في غاية الأسف إلى أن أجد حلا أو طريقة للمراجعة.. وفي نفس الوقت خائفة جدا مما نسيته من سورة البقرة.
مع العلم أني والحمد لله أقرأ القرآن كل يوم غير ما حفظته، ولكن لن أستطيع أن أقرأ كل ما حفظته كل يوم خصوصاً عندما أنتهي من حفظ أجزاء كبيرة.. لقد حاولت بداية الحفظ من الجزء الثلاثين لأنه صغير، وبسيط ولكني كنت أخطئ فيه فبدأت من سورة البقرة، وكانت سهلة جدا في الحفظ، وكنت أقرأ التفسير وأفهم الآيات قبل الحفظ .
أنا حزينة جدا من هذه المشكلة.. وأريد أن أحفظ القرآن، ولكنني لا أعرف كيف وقد أشار عليّ من أحفظ معهم بعرض مشكلتي على موقعكم الموقر. فهل هذا نتيجة لعدم ثقة بالنفس.. أتمنى أن يكون هذا، أم أن الله حجز عني هذه النعمة بسبب ذنب أذنبته أو خطأ ارتكبته ؟.. أخاف جداً ألا يكون الله راضياً عني. أنا لا أعرف الحل.. فهل يمكن أن تساعدوني ؟.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول د.محمد المهدي :
الأخت الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لديك حرص طيب على حفظ القرآن وحماس كبير لذلك وبدأت القرآن من آخره ( الجزء الثلاثين ) ثم عدت لأوله ( سورة البقرة )، وكنت تحفظين صفحتين كل أسبوع أى أن المعدل معقول، وتحفظين مع بعض الناس، وهذه ميزة تساعد على الحفظ.
وعندما واجهتك مشكلة النسيان - وهى أمر طبيعي- شعرت بالقلق لأنك لا تريدين أن يحول بينك وبين حفظ القرآن شيء، ومع هذا كنت مستمرة فى محاولاتك، إلى أن جاء اليوم الذي سمعت فيه أن "أكثر الناس عذابا يوم القيامة هو من يحفظ القرآن وينساه"، ولست أدرى مدى صحة هذا الحديث، ولكن على أي حال فقد ترك أثرا كبيرا فى نفسك حيث تحول القلق إلى خوف شديد فتوقفت عن حفظ الجديد وعدت تحاولين تثبيت القديم واسترجاعه فصعب عليك القديم والحديث.
وهناك ظاهرة تسمى "الانغلاق" وهى الشعور بأن ما حفظناه قد محي تماما من رأسنا حين نحاول استرجاعه دفعة واحدة، وهذا يحدث كثيرا قبل وأثناء الامتحانات،(33/299)
وسببه القلق الشديد على المادة المحفوظة ومحاولة استرجاعها دفعة واحدة. والذاكرة تتكون من ثلاث مراحل: التسجيل ثم التخزين ثم الاسترجاع. ولكي تتم هذه العمليات بكفاءة يجب أن يكون الإنسان في حالة هدوء وصفاء ذهني وأن يحب ما يحفظ، وأن يكون في مكان هادئ، وأن يبتعد عن كل ما يشوش وعيه قبل وبعد الحفظ.
وقلقك الشديد على عملية الحفظ قلل كثيرا من كفاءة حفظك فازداد قلقك أكثر فضعف حفظك أكثر وأكثر، إلى أن سمعت الحديث فأصبت بحالة خوف شديد فتوقفت قدرتك على الحفظ أو كادت أن تتوقف. والقلق والخوف من المشاعر التي تجعل الحفظ غاية في الصعوبة؛ لأنهما يؤثران في كل خطوات الذاكرة وعملياتها سابقة الذكر.
والحديث الذي أثار فزعك - إن صح سندا ومتنا- فإنه يشير إلى النسيان الصادر عن الإهمال والهجر واللامبالاة بكلام الله، ولا يشير إلى ما يعترى الإنسان من نسيان طبيعي بحكم الظروف النفسية والبيئية، والذي يؤكد هذا المعنى قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فالإنسان لا يحاسب على النسيان الطبيعي، وفي الحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
والنسيان كما قلنا ظاهرة طبيعية، وقد وجد أن الإنسان إذا قرأ شيئا مرة واحدة دون أن يسترجعه فإن فرصة تذكره بعد أسبوعين تكون حوالي 20%، أما إذا قرأه واستعاده من ذاكرته ( أي حفظه) فإن فرصة تذكره تصل إلى 65-75%، فإذا راجعه مرة ثانية بعد أسبوعين تصبح فرصة تذكره حوالي 85%، فإذا راجعه مرة ثالثة تصبح فرصة تذكره بعد أسبوعين حوالي 95%، ولكن مع مرور الوقت وعدم استعادة المادة المحفوظة يضعف تذكرها شيئا فشيئا ولكنها تكون قابلة للتنشيط مرة أخرى.
نقول لك هذا كي تعطى اعتبارا للقوانين الطبيعية في التذكر والنسيان، وإذا كانت هذه قوانين طبيعية فلا يجب أن ننزعج منها. والناس يتفاوتون في قدرتهم على الحفظ، وهذا لا يرتبط بالضرورة بدرجة الذكاء، والحفظ يكون أسهل في الصغر حيث المخ ما زال خاليا من المشاغل والتشويش، ويكون أفضل وسط مجموعة، ويكون أفضل لو نام الشخص بعده مباشرة حيث يتم تثبيته والاحتفاظ به في الذاكرة طويلة الأمد أثناء النوم، ويكون أفضل لو فهم الإنسان معنى ما يحفظه، ويكون أفضل لو مارس الإنسان ما يحفظه في حياته اليومية.
وقد وجد أن النوم له أهمية كبيرة في تثبيت الحفظ فالناس الأفضل نوما (من حيث الكم والكيف) يحفظون أفضل، لأن عملية نقل المعلومة من الذاكرة المتوسطة إلى الذاكرة طويلة الأمد تتم أثناء النوم.
والصحابة رضوان الله عليهم جميعا لم يكونوا يحفظون القرآن أو أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بنفس الدرجة، ولم ينزعج أحد منهم لذلك، ولم يصروا أن يصبحوا جميعا فى درجة حفظ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في حفظ القرآن ولا أبى هريرة رضي الله عنه في حفظ الحديث، ولكنهم كانوا جميعا حريصين على أن تكون حياتهم قائمة على القرآن سواء حفظوه أو لم يحفظوه، وعاشوا تميزهم فى مجالات أخرى عديدة، فالله سبحانه وتعالى قد قسم الأرزاق والملكات بين الناس.(33/300)
فإذا قل قلقك وزال خوفك وأصبحت أكثر طمأنينة وتذكرت قوانين الذاكرة والنسيان التي ذكرناها، فإن ذلك يساعدك كثيرا على الحفظ. واعلمي أن الحماس تجاه الأشياء الطيبة دافع لإتمامها ولكنه إذا تجاوز الحدود المعقولة أصبح مشوشا وأحيانا عائقا ضد الإجادة حيث يؤدى للعجلة والصخب والاضطراب. وتذكري قول رسولنا الكريم: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق".
وأنت محقة في ربطك بين رضي الله وسهولة الحفظ، وهذا ما ذكره الإمام الشافعي فى شعره :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي*** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور*** ونور الله لا يهدى لعاص
وهذا يدفعك لمراجعة أخطائك، والتوبة منها وزيادة رصيد حسناتك، ولكن لا تبالغي فى الشعور بالذنب؛ لأن هذا يزيد من حالتي القلق والخوف اللذين تكلمنا عن أثرهما السلبي على عمليات الذاكرة. واعلمي أنك ستؤجرين - إن شاء الله - على محاولاتك، وعلى صعوباتك سواء نجحت في الحفظ أم لم تنجحي، وتذكري أن تنزيل القرآن على السلوك اليومي ربما يفوق حفظه في الذاكرة.
ويقول الأستاذ مسعود صبري:
الأخت الفاضلة:
جزاكم الله تعالى خيراً على حرصك على حفظ كتاب الله تعالى، فعملك من الأعمال الطيبة التي يثاب المرء عليها إن شاء الله.
غير أن الله تعالى حين أنزل علينا الكتاب لم يجعل الهم الأول له، ولا المقصود منه حفظه، وإن كان لحافظه مكانة كبيرة عنده، غير أن الحفظ ليس مقصودا لذاته، بل مقصود منه أن نتحلى بالقرآن الكريم والعمل به، وكلما كان الإنسان حافظا للشيء، ساعده على العمل بما حفظ.
المهم في العلاقة مع القرآن أمور، هي :
- أن ندرك أن الغاية من القرآن هي الهداية، وأنت تقرئين في سورة البقرة :(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين).
- أن تكون هناك صحبة للقرآن من خلال القراءة اليومية له بورد ولو كان قليلا.
- أن يسعى المرء للحفظ قدر طاقته ، وأن يعرف ما يمكن أن يفيد منه حسب استطاعته.
- أن حفظ القرآن الكريم ليس وقفا على حفظ الآيات والحدود والرسوم ، بل حفظ المعاني والقيم والمبادئ والأخلاق هي المقصود الأول، ولهذا ما سئلت السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت :" كان خلقه القرآن" ، وفي رواية :" كان قرآنا يمشي بين الناس".
وما أحسن ما قاله سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه : "إنّا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن وسهل علينا العمل به، وإنّ من بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن ويصعب عليهم العمل به". وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما : (لقد عشنا دهرا طويلا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت(33/301)
رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين الفاتحة إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه، ينثره نثر الدقل. أي التمر الرديء!! فحفظ لب القرآن مقدم على حفظ كلماته، وإن رزق الله الجمع بين الأمرين فخير وبركة.
أن توظيف الطاقات في خدمة الإسلام من الأمور التي يجب أن ننتبه لها، فخالد بن الوليد – رضي الله عنه – لم يكن يحفظ إلا قصار السور، لانشغاله بالجهاد، وصلى بالناس وأخطأ في سورة قصيرة، ولم يكن كل الصحابة يحفظون كل القرآن، فمنهم من كان يحفظه كله، أو نصفه أو ثلثه أو ربعه، أو أجزاء منه.
أما حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت على ذنوب أمتي فلم أر ذنبا هو أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها". فهو حديث ضعيف لا يثبت عند أهل العلم.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا صحبة كتابه، وأن نتذوق حلاوته في قلوبنا، وأن يهبنا العمل به في حياتنا، وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم. وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
بنات السياحة يهددن إيماني العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم
أنا أعمل في شركة سياحة، ويوجد حولي الكثير من البنات.. فما السبيل لتقوية إيماني؟، حيث أني في مستوى منخفض جداً من الإيمان، والسبب طبعا البنات والنظر إليهن؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ مسعود صبري :
الأخ الفاضل:
جزاك الله خيراً على حرصك على إيمانك، وأن يبقى نقيا لا يشوبه ما يجرحه.
واسمح لي أخي أننا دائما نعتبر المرأة متاعا ولذة، ومع كون المرأة تمتع الرجل ويستمتع بها، وهي أيضا تتمتع بالرجل، غير أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة يجب ألا تأخذ هذا المنحى بشكل دائم يغلب على تفكيرك، لأنك لو نظرت إلى المرأة على أنها شهوة وحسب، فسيظل هذا في رأسك وفي تعاملك معها، ولن تتغير مهما حدث، غير أننا نريد أن نقول :
إن طبيعة التمتع في الإسلام قائم في ظل الزوجية، وفي خارج إطار الزوجية، فهناك المجتمع المسلم الذي يكون فيه الرجال والنساء إخوة في الله، كما قال تعالى:"(33/302)
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرون".
فهناك الصداقة في العمل التي تحتم التعامل بين الرجال والنساء، وفق احتياجات العمل وضوابط الشرع الحكيم، أو العلاقة في التدريس بين الزملاء فيما بينهم من الجنسين، مما قد يتطلب التعاون في بعض البحوث والأعمال الأخرى، أو بين الطلاب والأساتذة مع اختلاف الجنس، أو في البيع والشراء أو في غير ذلك من المجالات.
والإسلام وسط بين النهي عن الاختلاط، وبين إباحة التعامل المطلق بين الجنسين، والبعد عن هذه الوسطية يولد إما نوعا من الفهم السيئ، وما يترتب عليه من آثار سيئة، أو نوعا من الانحلال الأخلاقي الذي تذوب معه الفوارق الطبيعية بين الجنسين، فكل جنس له خصائصه وله عالمه، ومع هذا التمايز يبقى التعاون منضبطا بمراقبة الله تعالى وتقواه، وأنه سبحانه يعلم السر وأخفى.
والخروج من دائرة كون المرأة شهوة فحسب يحل كثيرا من الأزمات النفسية بين الشباب والفتيات، والتربية الصالحة لها دور كبير في طبيعة التعامل، والثقافة التي يبثها المجتمع لها أثر أكبر، فمجتمع تربى على علاقة المسلسلات والأفلام، والتي يغلب عليها طابع الحب والغرام والخيانة والفحش يؤثر على طبيعة الناس.
والمجتمع الذي يربي أبناءه على أن الفتيات أخواته، يجب عليه الحفاظ عليهن، وأنه يتعامل معهم بضوابط فوق حاجات التعايش الاجتماعي يساعده أن يخرج عن هذا الإطار الضيق في نظرته للجنس الآخر.
وتبقى مساحة الإنسان الشخصية، وهو الذي يستطيع أن يدرك هل الأخذ بالعزائم أفضل له، أم يعيش طبيعة المجتمع الذي لا ينهى عن الاختلاط، ولا يبيح الانحلال؟؟
هذه تساؤلات ربما تساعدك على أن تحدد طبيعة علاقتك مع الجنس الآخر، جزء منها يعود لدينك وعقلك وشخصيتك، وجزء منها يعود للمجتمع الذي قد يكثر فيه الانحلال، ويبقى الحل في مثل هذا إما جهاد النفس، أو الفرار من المعصية إلى مجتمع أنظف، وأقصد بالمجتمع المجتمع الصغير الذي تعيش فيه.
وفقك الله لما يحب ويرضى .
ويضيف الأستاذ عبد العظيم بدران، داعية وباحث مصري :
أخي ساهر:
حالتك هذه كثيرة جدا في مجتمعاتنا للأسف، ولكني أسأل الله تعالى أن يعينك على ما أنت فيه، وأن يجزيك على حرصك هذا حفظا وإيمانا ويقينا وثباتا الموقف صعب لا شك، وليس من رأى كمن كتب!، ولكني سأجتهد معك في عدة مقترحات.
لقد علمتَ أنك تعمل في بيئة صعبة، وهذا يقتضي منك أن تحصن نفسك تحصينا منيعا، ولكن كيف؟ وماذا يعني هذا التحصين؟
بالطبع أنا لا أطلب منك أن تتنحى عن عملك هذا في مثل الظروف التي تعيشها بلادنا، والتي نعرفها جميعا، ولكني أشير عليك بما يلي :
- لتكن نظراتك إلى زميلاتك عند الحاجة والضرورة، وهذه في ذاتها ستكون أيضا كثيرة، وبالتالي فإن عليك أن تسأل الله العون وتنظر بعينك فقط لا بقلبك كذلك.(33/303)
- أعني ألا تدقق النظر ولا تعمقه، وليكن سطحيا على قدر الحاجة، دون أن يخل ذلك بالقيام بوظيفتك التي ارتضيتها.
- احرص ما استطعت على أن تكون على وضوء دائما؛ فالوضوء سلاح المؤمن، وهو يعينك أكثر على حالك.
- اذكر الله دائما في نفسك، واطلب منه العون في كل حال.
- كن نموذجا مشرفا للإنسان الملتزم الذي لا ينفر الآخرين لأنه متدين، وفي نفس الوقت يحافظ على إيمانه وصلته بالله تعالى.
- اصطحب معك المصحف، واحرص على صلاة الضحى والنوافل بشرط ألا يعطل ذلك العمل، فكل ذلك يعينك على ما أنت فيه.
- لتكن حواراتك وكلماتك مع زميلاتك على قدر الحاجة، ولا تسرف في هذا حتى ولو رغبن هن في هذا. وهذا ليس سهلا وسيحتاج منك إلى مجاهدة للنفس عنيفة.
- قد تنجح مرة وتخفق أخرى، فاصبر وصابر ورابط والله معك.
- واعلم يا أخي أن هذا من البلاء، والله تعالى ينظر كيف تعمل؟
أعانك الله وثبتك بارك الله فيك و جزاك خيرا.
ـــــــــــــــــــ
التقرب إلى الله.. فعل وترك العنوان
غذاء الروح الموضوع
الإخوة الأفاضل في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه من جهود لخدمة الإسلام والمسلمين وسؤالي عن الطريق الموصل إلى الله، وكيف يمكن التقرب إلى التقرب؟، وما هي الوسائل المعينة على ذلك ؟
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أختنا في الله/ مها
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد :
فعلى الرغم من أن كلمات سؤالك قليلة، لكن معانيه عميقة، فقد سألت عن عظيم، إذ أن القرب من الله، وتحصيل رضاه، غاية العبد ومنتهاه، من الوجود في الحياة، وأود أن أوضح لك أن التقرب من الله يكون بأحد أمرين :
1- الحرص على طاعته، وتحصيل رضاه.
2- والبعد عن معصيته، واجتناب سخطه.
أما عن طاعته، وتحصيل رضاه، فإن ذلك يكون بالآتي :(33/304)
1- أداء ما افترضه الله عليه: من صلاة وصيام وزكاة وحج- إن استطاع إليه سبيلا-، و بر والدين، والتزام الصدق في القول والعمل، و..إلخ، وذلك امتثالاً لأوامر الله عز وجل الواردة في الوحيين ( كتاب الله وسنة نبيه)، بقوله تعالى :( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَّأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)وقوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ).
2- الإكثار من نوافل العبادات: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).
وأما ترك معصيته، وتجنب سخطه فيكون بـ :
1- اجتناب ما حرمه الله، وقد أشار سبحانه إلى جانب كبير مما حرمه علينا بقوله في الدستور الخالد: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
2- الانتهاء عما نهانا الله ورسوله: صلى الله عليه وسلم عنه، فلا تقع في محظور ولا تقبل على فعل مكروه. وأن يكون شعار المسلم في التعامل مع الله (ألا يجدني حيث نهاني وألا يفتقدني حيث أمرني).
وختاماً؛
أسأل الله عز وجل أن يقربنا منه، وان يقربنا إليه، وان يقبل توبتنا، وأن يلهمنا السداد والرشاد، وان يهدينا إلى الخير، إنه سبحانه خير مأمول، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
بين الإيمان والشيطان.. الطاعة حائرة العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أريد أن أسأل : هل الشيطان يلازم الإنسان؟، وهل ذلك اختبار لنا من الله عز وجل؟، وكيف يمكننا أن نفعل الطاعات والشيطان إلي جوارنا دائماً ؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/305)
تقول الأستاذة وسام كمال، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام علي الرسول الذي نشتاق إليه دون أن نراه، أما بعد :
فإن لكل إنسان قرين يلازمه؛ يحرضه على معصية الله، ويصرفه عن التماس رضاه، فقد ابتلي بنو آدم بعداوة الشيطان منذ أن عرف سيدنا آدم الحياة؛ لأنه وجد الله يكرمه في كل موقف وحين؛ وينظر فيه عبداً مطيعا بالفطرة؛ ولكن الشيطان أبي على الإنسان هذه المكانة؛ وتعهد علي نفسه أن يقف أمامه بالمرصاد؛ وإن تكلف ذلك عصيان الله والخروج من الجنة.
فيقول الله تعالى عن سوء قرانة الشيطان للإنسان: { قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ. قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ. مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} (سورة ق:27-29)؛ لأن هذه القرانة للشيطان إن استسلم لها الإنسان سيجد نفسه فريسة لنهاية مأساوية حقاً.
ويخبرنا الله عز وجل بمرارة هذه النهاية المأساوية في قوله:{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة إبراهيم : 22).
وهذا يعني أن عمل الشيطان مجرد وسوسة ليس إلا، فهو لا يجبر الإنسان على فعل المعصية، بل إن الله تعالى أخبر عن ضعف وسوسته، حين قال تعالى: { إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، وهذا يدفعنا أن ندرك حقيقة هذه الوسوسة، وأنها غير مؤثرة في الإنسان، إنما هي دعوة: { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}، والاستجابة من الإنسان هي بمحض الإرادة.
وفي حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا وإياك يا رسول الله ؟، قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير". وفي الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان.
وفي رواية أخري للحديث: " ... وقد وكِّل به قرينُه من الجنِّ وقرينُه من الملائكة". وتدلنا الرواية الأخيرة إلي معني آخر: أن الإنسان لديه الاختيار أن يكون فاضلا أو فاجرا؛ فليس معني القرين أن الإنسان مجبول علي الفاحشة وطاعة وساوس الشيطان؛ وإنما هو بين طريقين، له أن يسير فيما يرغب، لأنه جبل علي الطاعة ولديه من الشهوة والأسباب ما يجعله يستسلم لملذاته، ولكن المحك الرئيسي يعول علي صاحب القرار.
وكما أن الشياطين توسوس له بالشر، فإن الملائكة تحثه على الخير، ويبقى الإنسان هو الذي يختار طريقه بمحض إرادته، بما يتماشى مع عدل الله سبحانه وتعالى في الإنعام على الطائعين، وحساب العاصين.
ويدلنا الرسول صلي الله عليه وسلم علي كيفية تجنب سوء قرانة الشيطان لنا؛ وهي الاستعاذة والمداومة علي الذكر؛ فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه(33/306)
وسلم قال: "إذا كان أحدكم يصلِّي فلا يدع أحداً يمرُّ بين يديه، فإن أبى فليقاتلْه فإن معه القرين". (رواه مسلم).
بل إن الإنسان حين يصل إلى درجة عالية من الطاعة لا يقوى عليه الشيطان، بل يفر منه، كما ورد عن عمر رضي الله تعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبره أنه ما سلك طريقا إلا سلك الشيطان طريقا آخر، فلا يستسلم الإنسان لقرينه، ويرى أنه من قدر الله، فإن هذا فهم مغلوط، لأن الله نهى عن عصيانه، ولم يجعل الإنسان مجبولا عليه.
فلا يمكن أن ننكر علي الله قضاءه.. ولا يمكن أيضا أن ننكر على أنفسنا الحق في الاختيار الذي منحنا الله إياه.
ـــــــــــــــــــ
الصبر والدعاء علاج للفتن والبلاء العنوان
أمراض القلوب الموضوع
كنا قد نشرنا استشارة، في 7/3/2006م، بعنوان : المشكلة: فتن وابتلاء.. الحل: صبر ودعاء ، أجاب عنها الأستاذ خياط النمس، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر. وقد وصلتنا مشاركة من الداعية و المؤطر المغربي الأستاذ محمد شاكري. وها نحن ننشرها تماماً للفائدة.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ محمد شاكري،داعية ومؤطر تربوي، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالمغرب:
أخي الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد جاء الابتلاء في القرآن الكريم على غير إفهام الناس وتصوراتهم : قال تعالى في سورة الأعراف، في الآية 168 : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). وقال سبحانه في سورة الأنبياء، في الآية 35 : (وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) . وقال سبحانه أيضا في سورة البقرة، في الآية 216 (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
فهذه الآيات وغيرها كثير توضح أن الابتلاء على نوعين، النوع الأول يكون بالخير وإسباغ نعم الله على عبده، ظاهرة و باطنة. والنوع الثاني يكون بالشدائد والمحن. فكلا الابتلاءين امتحان للإنسان، وهو كادح إلى ربه كدحا. والإنسان في هذا المقام صنفان، الصنف الأول جذوع هلوع، والصنف الثاني المدرك لحقيقة الابتلاء بأنه يكون بالخير والشر على حد سواء، وأنه سبق في قدر الله وقضائه كل ما يقع للإنسان، وأن البلاء وخصوصا الشق الثاني إنما هو كفارة للذنوب.(33/307)
ولنا أسوة حسنة في أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين في تعاملهم مع مختلف الابتلاءات التي تعرضوا لها في حياتهم الخاصة والعامة، ويكفي أن نتذكر كرب سيدنا أيوب عليه السلام وصبره الجميل. فالابتلاء سنة جارية في خلق الله، فما من إنسان إلا ويأتي عليه حين من الدهر تجده مكتئبا مغتما، يظن ألا فرج بعد الذي حدث، ولكن ما يفتأ الحال أن يتغير.
وهذا ما عبر عنه الشاعر العربي بقوله :
ثمانية لابد منها على الفتى*** ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة*** ويسر وعسر ثم سقم وعافية
فالكآبة أخي الكريم، حالة عامة يمر بها كل إنسان، وخصوصا في مراحل، ومحطات معينة من حياته. وأسباب هذا الاكتئاب متعددة ومتنوعة، إلا أن الخروج منها، وخصوصا بالنسبة إلى شاب مثلك في مقتبل العمر لا يعدو أمرا صعبا.
وكل ما يتطلبه الأمر هو محاولة السيطرة على الانفعالات، و كسب المزيد من الثقة في النفس.لأن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وان الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الجدوى، هي بداية الفشل (الضياع).
والثقة بالنفس هي الإيمان بالذات أولا، وما وهبها الله من التكريم ومن الإمكانات والطاقات، وثانيا الاعتراف بأن هذه الإمكانات إنما هي منة ربانية استودعها الله عندك واستخلفك عليها فناظر سبحانه ما أنت فاعل فيها و بها.
ولنلقي نظرة سريعة على قصة الملك العظيم الذي لم ولن يكون لأحد مثل ملكه؛ سيدنا سليمان عليه السلام، في موقفه الخارق عند وادي النمل إذ قال سبحانه (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل الآية 19]، فمع ثقته بنفسه عليه السلام وبما حباه الله عز وجل من ملك وإمكانات وقدرة لم ينسى أن ينسب كل ذلك إلى محض فضل الله ومنته.
وللثقة بالنفس فوائد نجملها فيما يلي:
1. تشعرك بذاتك وبقدراتك وخصائصك المميزة لك عن غيرك.
2. تجعلك مدركا تماما لقدرتك وإمكاناتك.
3. تعطيك الاستعداد للانطلاق في الحياة من جديد.
4. توضح لك رسالتك في الحيلة وتدفعك إلى الوصول إليها.
5. تنتشلك من براثن العجز والسلبية.
إذ هذه البراثن هي المحضن المفضل والنموذجي للوسواس. الكل يخطأ ويسقط، والكل يفشل، ولكن الفرق، أن فريقا ينظر إلى هذا الإخفاق كتجربة يغترف منها ليزداد خبرة وحكمة وكما قال عمر المختار رحمة الله عليه: الضربة التي لا تقسم الظهر تقويه.
وهكذا حال المؤمن بالله كلما اعترت حيلته نوبات من الضعف إلا وانتفض وهرول مسرعا ليجدد العزم ويواصل رسالته في الحياة الدنيا. والفريق الثاني ينظر إليها على أنها ضربة لازب كما قيل قديما، فيفقد ثقته بنفسه وبمن حوله، وكذا- وهو الأصعب- يفقد حسن الظن بالله، والله يقول (أنا عند حسن ظن عبدي بي).(33/308)
وللخروج من هذه الدوائر الضيقة يمكن اعتماد الطرق التالية:
الطريقة الأولى:
1. تحديد المشكلة الأساسية التي تعترضك.
2. تحديد كيفية نشوء هذه المشكلة و دورك فيها.
1. تدوين هذه المعلومات في مذكرة.
4. وضع جدول لهذه الحلول و اختيار الأفضل منها.
5. الأقدام على تنفيذ مقتضيات هذه الحلول.
الطريقة الثانية (الطريقة الخماسية) :
1. أداء الصلاة في أول وقتها.
2. اقرأ ما تيسر من القرآن يوميا (ولو صفحة واحدة).
3. اذكر ربك في خلوة ولو لدقيقتين يوميا.
4. ادع ربك، واقبل عليه بزلاتك واعترف بها وبين يديه وبكل صدق أشك ضعفك بين يديه فهو الذي لا يرد طارقا ولا مستغفراً.
5. اصنع معروفا ولو واحدا كل يوم مهما صغر، فإسداء المعروف يمنحك شعورا بالسعادة لن تتذوق حلاوتها إلا بممارسته.
وفي الأخير أخي الكريم نهمس في أذنيك :
الله عز وجل هو خالق النفس و بارئها وهو أعلم بكينونتها لا يمكن أن تجد دواءً لسقمها في غير ما افترض عليها من الأوامر، فكل الأوامر إنما هي مثل تلك الوصفة الطبية التي يقررها طبيب لمريض، ويطلب منه الانضباط التام لتعاليمه، إن أراد العلاج، فكذا – ولله المثل الأعلى والأعظم- يجب على المسلم أن ينظر إلى التعاليم الربانية.
وفقكم الله لكل خير وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
حفظ القرآن.. احذر الفتور والتفلت العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أسالك سيدي عن طريقة عملية لحفظ القرآن وتثبيته؛ فأنا أقرأ القرآن، وليّ الرغبة في حفظه، والحمد لله، إلا أني أُصاب أحيانا بالفتور، وكذلك فإن القرآن يتفلت مني بسبب عدم الانتظام في المراجعة، وأحيانا أكون مواظبة ثم تأتيني فترة الحيض فأدعه فيصيبني الفتور بعد ذلك. أفيدوني وجزاكم الله خيرا.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين :(33/309)
أسأل الله عز وجل أن يزيدك فتوحا، وأن يؤتيك من لدنه قدرة على الاستمرار في تثبيت العلاقة بينك وبين القرآن.
ولا شك أن حافظ القرآن له أجر عند الله بقدر سعة رحمة الله وغناه وفضله. وفي الأثر يقال لحافظ القرآن يوم القيامة: اقرأ، وارق، فيرقى بكل حرف درجة في الجنة، لا أقول: ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. فلكي بعدد حروف القرآن على هذا النحو درجات في الجنة أحصاها الله، ونحن نعجز عن إحصائها.
أما ما يتعلق بتفلت النص القرآني نتيجة عدم المواظبة على قراءة القرآن، فأنا أنصحك دائما بأن تلاحظي أنك في الواقع على خير، ولكن المشكلة أن هنالك كائنا اسمه الشيطان لا يريدنا أن نستمر على الخير، ولا أن نستمر على تلاوة القرآن، وبذلك فإنه يثير الملل في أنفسنا ويضعف مقاومتنا لإغرائه؛ بل وربما وضع في طريقنا مغريات تصرفنا عن القرآن.
ونحن مطالبون بأن نقاومه كما نقاوم أي عدو يريد الشر بنا، وقد قال الله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}. من ذا الذي يحب أن يكون من حزب الشيطان وهو في الواقع طريق جهنم؟
قاومي يا ابنتي و استمري على قراءة القرآن حتى في ظروف الحيض؛ لأن الممنوع هو مس القرآن {لا يمسه إلا المطهرون}.
وقراءة القرآن هي في الحقيقة حركة في العقل وخيال في الخاطر، وأنا كثيرا ما أتلو جزءا من القرآن كاملا بمجرد تخيلي لتتابع الآيات وتواصل السور، وبذلك لا يمنعني أن أكون على أي حال ما دمت لا أمس القرآن، وأنت كذلك تستطيعين بحفظك القرآن أن تتابعي التلاوة وأن تواصلي علاقتك بالنص الكريم، فتقرئين منه قدرا كبيرا بمجرد الخيال أو التخيل، وبذلك يكون مخك عامرا بذكر الله ممتلئا بآيات الله ولن يفلت النص منك أبدا إن شاء الله.
ويضيف الأستاذ همام عبد المعبود :
شكر الله لعالمنا الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين، هذا التوجيه الكريم، وليأذن ليّ أن أشاركه الأجر، فأستعين بالله وأقول :
أختنا الفضلى :
لقد تظاهرت الأدلة على فضل قراءة القرآن، وحفظه، وفضل قارئه وحافظه، ومن ذلك:-
- علوُّ منزلة حَافظ القرآن، الْماهر به: فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ القرآن، وهو يتعاهده، وهو عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ، وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ.
- حافظ القرآن لا تحرقه النار: فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ. قال ابن الأثير: ... وقيل الْمعنى: مَن علَّمهُ اللهُ القرآنَ لم تحرقْهُ نارُ الآخرةِ، فجُعِلَ جسمُ حافظ القرآن كالإهاب له".(33/310)
- تشفيعه في أهله: فعَنْ عَلِيٍّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :"مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ".
- أهل القرآن هم أهل الله وخاصته: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :"إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ".
- إكرام والدي حافظ القرآن، وإعلاء منزلتهما: فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيامَةِ، ضَوْءهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا- لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا ؟
- حملة القرآن مقدمون على أهل الجنة: قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وعن طاوس أنه سأل ابن عباس- رضي الله عنهما: ما معنى قول الناس: أهل القرآن عرفاء أهل الجنة ؟ فقال: رؤساء أهل الجنة.
أختي الكريمة :
غير أن هناك أسسا ينبغي ألا نغفل عنها في موضوع حفظ القرآن منها :-
- النية الخالصة: فالإخلاص هو مفتاح القبول والتيسير.
- البعد عن المعاصي: قال تعالى : {اتقوا الله ويعلمكم الله}(البقرة:282)، فمما أثر عن الشافعي قوله " شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن النور علم ونور الله لا يؤتاه عاص"، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه " إن الرجل ليحرم العلم بالذنب يصيبه".
- العزيمة الصادقة: فحفظ القرآن يحتاج منك إلى عزيمة صادقة وهمة عالية.
- الحفظ على شيخ: أو في أقرب مركز إسلامي، أو على أحد الأصدقاء المجيدين للقرآن، أو بمساعدة أحد المواقع المتخصصة في هذا المجال.
- إتباع طريقة منهجية صحيحة: فإذا حسن البدء حسن الختام.
- الاستمرار والمواصلة: فهذا أمر قد يطول أمده وزمانه وقد تمل النفس في الطريق.
- الاجتهاد في فهم معاني وأسباب نزول الآيات، بالقراءة حولها وعنها في كتب التفسير أو القصص القرآني أو ما شابه.
أختنا الفاضلة :
وهناك بعض العوامل المساعدة التي يمكن أن تعينك على الحفظ، منها على سبيل المثال:-
أولا: القراءة بما تحفظه في نوافل الصلوات.
ثانيا: القراءة في كل وقت يتاح لك .
ثالثا: سماع الأشرطة القرآنية المجودة لبعض القراء وخاصة أصحاب الأصوات الجميلة.
رابعا: الالتزام بمصحف واحد للحفظ، فإن التعود عليه مما يعين على الحفظ، وهذا أمر مجرب يوصي به الحفاظ.(33/311)
خامسا: استعمال أكبر قدر ممكن من الحواس عند القراءة مثل (النطق/السماع/البصر/).
وقبل الختام :
أذكر نفسي وإياك بفضل المراجعة، فإنها من تمام الحفظ، فلا حفظ بلا مراجعة، وليس هناك مراجعة أصلا من غير حفظ، غير أن للمراجعة أصول وقواعد منها على سبيل المثال :-
- التعاهد الدائم بالمراجعة، وعدم الغفلة عما تحفظ.
- مراجعة أكبر قدر ممكن مما تحفظ.
- استغلال المواسم والمناسبات الدينية : مثل شهر رمضان فهو يعتبر بمثابة موسم المراجعة الأكبر.
كما أن هناك بعض الأمور التي تساعد على المراجعة منها :-
أولاً: العمل في مجال تحفيظ القرآن للأشبال، ولغيرك ممن يرغبون.
ثانيا: المراجعة على الغير فإنها مما تثبت المحفوظ.
ثالثا: المشاركة في برامج تحفيظ القرآن فإنها تعين على ذلك.
رابعا: قيام الليل والقراءة فيه بما تحفظ.
وختاما؛
أسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يجعلنا وإياك ممن يحفظون كتابه، ويعملون بما فيه، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين. وتابعينا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
شربت الخمر وزنيت.. هل من توبة؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
أتمني أن تكون عودتي إلي الله علي أيديكم؛ شعرت في بعض الأوقات بلذة الإيمان، وحلاوة القرب من الله؛ تغمدني هو برحمته، واطمأننت بمعيته؛ ولكني لم أعد فقط إلي المعاصي، ولم أحافظ علي نعمة القرب إلي الله.
إنما شربت الخمر؛ والمصيبة الكبرى أني زنيت؛ وعدت إلي مشاهدة الأفلام الجنسية وممارسة العادة السرية؛ وتفوتني بالطبع بعض الصلوات.. أخشي أن أكون منافقا.. يعبد الله في المساء .. ويعصاه في الصباح.. فهل أنا كذلك؟
السؤال
الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق المستشار
الرد
الأخ الكريم ..(33/312)
أهلا بك علي صفحتنا وندعو المولي عز وجل أن نوفق في الرد عليك.
أبدأ إجابتي عليك بسؤالك الذي لخصت فيه مشكلتك؛ ألا وهو أنك لا تواظب علي الطاعات بل وترجع إلي المعاصي والكبائر التي تركتها أيضا، لقد لخصت مشكلتك بالفعل يا أخي الكريم ووصلت إلي الحقيقة الواضحة التي لا خلاف عليها والتي سببت لك هذا الانحدار عندما قلت "والحقيقة أنني ارتكبت بعض الكبائر والذنوب"، نعم إن ما أنت فيه سببه الكبائر والآثام.
إن الله تعالي منذ خلق بني آدم فضلهم علي سائر الخلائق وجعل لهم عقلا وقلبا وأضاف إلي العقل إرادة، وهذه الإرادة هي أكثر الصفات الرائعة التي تميز الآدميين عن سائر المخلوقات، فهذه الإرادة هي الدافع الرئيسي للعقل لتجعله يدرك عواقب الأمور، ويعرف طريق الصلاح ويتوجه بكل كيانه وعقله إلي جهة مصلحته ونفعه. إذن فقلب الإنسان وعقله خلق بإرادة تميز عن سائر الخلائق.
أما عندما تتزعزع هذه الإرادة تظهر لنا الشهوة مخالبها وتنتشر في القلب والعقل وتنزل صاحبها إلي منزلة التدهور والابتذال والهلاك، وهذا بطبعه يؤثر علي القلب وأحواله.
فالقلب يا أخي الفاضل كالمرآة ينعكس عليها حال صاحبها وصفاته؛ فإذا كان القلب محمودا في صفاته وطبعه زادت مرآة قلبه جلاء ونورا وإشراقا ويتفتح بذلك قلبه إلي فعل الطيبات وترك المنكرات؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "إذا أراد الله بعبد خيرا جُعل له واعظا من قلبه".
أما إذا كان مذموما في صفاته وطبعه تصاعد دخان مظلم ويعتم قلبه، وصدق رب العزة حين قال في وصفه لقلب كهذا القلب (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، لذلك يا أخي الكريم فإن تراكم الذنوب والكبائر تنطبع علي القلب حتى يعمي هذا القلب عن إدراك الحق والصلاح.
لأجل ذلك كله يا أخي الفاضل أصبحت تعاني مما تعاني منه. وبذلك فإن علاجك مما أنت فيه هو صقل قلبك وعقلك. أما عن كيفية الصقل، فإن جلاء القلوب يبدأ بترك الإثم أو الآفة التي تضر القلب، ثم بطاعة الله وفعل الحسنات لأن من أتبع السيئة الحسنة محا أثرها وأضاء قلبه بنور هذه الحسنة.
ثم يأتي بعد ذلك أكثر العوامل المساعدة علي جلاء القلوب ألا وهي ذكر الله، ولكن هذا الأمر لا يحصل إلا إذا اتقي الإنسان ربه بصدق، فهو القائل (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ).
إن هذا التوجيه الرباني الرائع يكشف لنا حقيقة عميقة، ألا وهي أن مس الشيطان عمي، وأن ذكر الله والاتجاه له نور يضيء البصر والبصيرة، وأن أكبر دافع لمس الشيطان هو التقوى، فليس للشيطان سلطان علي المتقين فإذا مسهم الشيطان سارعوا إلي ذكر الله حتى تنجلي قلوبهم وأبصارهم.
وقبل أن أحدثك عن التوبة وكيفية نزع الشهوة من القلب. من المهم جدا أن أوضح لك أسباب محاربة الإسلام للزنا وشرب الخمر وجعلهم من الكبائر، حتى يستقر في قلبك حكمة الإسلام في ذلك النهي، وحتى يزداد نفورك من هذه الكبائر.(33/313)
فلو تأملت معي الآية الكريمة التي نصها : (الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
هل تعلم لماذا حرم المولي عز وجل زواج الزاني بمسلم وقصره علي زان مثله أو مشرك، لأن هذه الفعلة لا يرتكبها إنسان مؤمن إنما يكون مرتكبها في حالة نفسية بعيدة كل البعد عن الإيمان ومشاعر الإيمان، ولذلك فإنه بعد ارتكابها لا ترضي النفس المؤمنة أن ترتبط في نكاح مع نفس خرجت عن الإيمان بتلك الفعلة الشنعاء ولذلك كان تحريم هذا الارتباط بين زاني وعفيفة والعكس حتى تتوب النفس وتتطهر من ذلك الإثم.
ويأتي بعد ذلك المولي عز وجل في الآيات التالية ليوضح عقوبة الزنا ويشدد عليها بوصفها نكسة حيوانية تذهب بكل المعاني الإنسانية الراقية وتحول الإنسان إلي مسخ كل همه إشباع غرائزه في لحظة عابرة دون النظر إلي عواقب الأمور.
أما الخمر فهو من المسكرات التي تفقد الوعي وتهيج النزوات والشهوات، والسكر ينافي اليقظة والإسلام يفرض علينا اليقظة الدائمة في القلب والعقل حتى يكون المرء موصولا بالله في كل لحظة مراقبا له عز وجل في كل فعل وتصرف، كذلك فإن يقظة العقل والقلب من العوامل المساعدة علي نماء الحياة وتعمير الأرض فكيف لفاقد وعيه أن يعمَر وينمَي، وكيف له أن يحمي حتى نفسه أو ماله أو عرضه؟!.
ولذلك كانت اليقظة من الأمور الواجبة علي المسلم حتى يكون دائما منتبها للتكاليف التي فرضها الله عليه بل إن اليقظة واجبة أيضا حتى يستمتع بحياته ورزقه وبطاعته لربه وبكل الطيبات التي أحلها الله له في هذه الدنيا.
هنا يأتي دور التوبة، لأن التوبة والرجوع إلي الخير بعد الوقوع في الشر والالتجاء إلي التواب الرحيم ستار العيوب وغفار الذنوب هو مفتاح الاستقامة، إن التوبة في هذا الأمر بل في كل الأمور واجبة بل إن الإسراع فيها واجب أيضا لأن التسويف فيها قد يضع صاحبها في خطرين عظيمين:-
أولهما : أن تراكم الذنوب والظلمة علي قلب العاصي حتى يصير شديد الظلمة؛ فلا يقبل بعدها المحو.
ثانيا : أن يعاجل الإنسان المرض أو الموت فلا يجد مهلة للتوبة وصدق القائل عز وجل حين قال: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن". وقوله تعالي ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) لذلك فإياك وتسويف التوبة يا أخانا الفاضل لأنه كما ورد في الأثر "إن أكثر صياح أهل النار من التسويف".
ولتعلم أن التوبة لها ثلاثة مراتب أو شروط لتحقيقها وقبولها :
أولاها : هي العلم أو المعرفة بعظم الذنب وضرره وكونه حجاب بين العبد وربه.
ثانيا : أن يتألم القلب ويتأسف ويندم علي الإثم الذي ارتكبه في حق ربه ونفسه.
ثالثا : العزم علي ترك الذنب إلي آخر العمر، وترك كل الأسباب التي قد ترجعك إلي الذنب مرة أخري.(33/314)
وثق يا أخي الكريم أن لتوبتك فرحة لا تضاهيها فرحة في هذا الكون، فقط اصدق الله توبتك. وأعلم أنه العالم بمكونات القلوب والضمائر، فإذا لمس منك صدقا في توبتك ورجوعك إليه سينزع هذا الإثم من قلبك نزعاً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "لو علمتم أن الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله عليكم".
وهو القائل أيضا : "إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة"، فيقل كيف ذلك يا رسول الله، قال "يكون نصب عينيه تائباً منه فاراً حتى يدخل الجنة".
وقد يكون من الأمور المكملة للتوبة هو أن تفعل لكل معصية كبيرة فعلتها حسنة كبيرة تناسبها، فتفعل من الحسنات ما يوازي مقدار السيئات لقوله صلي الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها"؛ وقوله تعالي: "إن الحسنات يذهبن السيئات".
والحسنات هذه تكون إما بطاعات أو صدقات أو أي نوع من العبادات الأخرى، ويأتي علي رأس العبادات الصوم لمن هم في مثل حالتك الذي سماه رسولنا الكريم صوم الاستعفاف، وكذلك الذكر والاستغفار فهو القائل عز وجل: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون".
اجتهد كثيرا يا أخي وانتظر ثمار التوبة:
وأول ثمار التوبة: هي تكفير السيئات حتى تصير كمن لا ذنب له.
وثانيها : نيل الدرجات العليا عند الله عز وجل حتى تصير حبيبا لله عز وجل لقوله صلي الله عليه وسلم "التائب حبيب الله".
أما ثالثها : رقة القلب، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اجلسوا إلي التوابين فإنهم أرق أفئدة".
قد يكون من الأمور النافعة لك محاولة تغيير بعض جوانب في حياتك كما يلي :
- الاستعانة بصحبة صالحة تذكرك دائما بالله وتصلك به.
- الإسراع بالزواج، فالزواج هو البديل الرباني العظيم لمن تغلب عليه شهوته فالإسلام لا يحارب الفطرة والرغبة الجنسية ولكنه ينظمها ويهذبها بالزواج وإن شاء بيت علي أساس من المشاعر الإنسانية الراقية بعيدا عن الفوضى الجنسية التي تهدم البشرية والمجتمع بأكمله.
- كذلك الابتعاد عن المثيرات الجنسية التي قد توقظ نار الشهوة بداخلك وتؤدي بك إلي الانتكاس والعودة للذنب مرة أخري؛ والانغماس في نشاطات اجتماعية ودينية وممارسة الرياضة حتى تفرغ في هذا كله الشحنة والطاقة التي بداخلك ولكن بشكل صحي.
- الاستعانة بصحبة صالحة تذكرك دائما بالله وتصلك به.
في النهاية دعواتنا لك، ولكل الشباب بأن يهدي الله قلبك، ويرشدك إلي طريق الهداية والصلاح.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
"الإسلام هو الدين الحق".. ما الدليل ؟! العنوان
العقيدة الموضوع(33/315)
جزاكم الله ألف خير، على هذا الموقع الطيب، وبارك الله في جهودكم.. مشكلتي كبيرة جداً أواجهها منذ فترة ليست بالقصيرة.. وهي أنني أصبحت أشك في ديني.. وأشك إن كنت أعيش على حق؟، وهل ديننا هو الحق أم أن المسيحية هي الحق؟ لا أدري لم أشعر بالرغبة في ترك ملة الإسلام والتنصر؟ بالرغم من أن عقلي يأبى ما يؤمنون به.
بالأمس كنت اقرأ في كتاب الله، القرآن الكريم، لكني وجدت نفسي أشك في الكلام المكتوب فيه..!! ما الدليل على أنه كلام الله؟!! أرجوكم أريد حلا مشكلتي.!!
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي، داعية ليبي، مقيم في سويسرا :
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيماً. والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن لزم هداه إلى يوم الدين
الأخت دانه :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبا بك معنا في هذا الموقع الطيب بكم، وحياك الله في الاستشارات الإيمانية، سائلا ربي في علاه أن يفتح علي وعليك بفتوح العارفين به، وأن يزيل الشك من نفوسنا، ويهدينا صراطا مستقيما.
حقيقة ما ورد في استشارتك أمر كبير، وحدث جلل، ولكني أعتب عليك بعدم ذكر الكثير من التفاصيل عن البيئة التي تعيشين فيها، وعن مسار حياتك بشكل عام؛ ذلك بأن تخوفك من ترد الدين الإسلامي الصحيح الحنيف، تخوف كبير، ينبغي له نوع من التفصيل، وبرغم هذا العتاب الأخوي، استعين بالله تعالى، فأقول والله الموفق :
إن من أعظم المؤثرات أختي الكريمة - على هذا النحو من الشك الكبير- قلة العلم والثقافة الإسلامية الرصينة، فالمرء منا عندما يكون صاحب رصيد خفيف من العلم، وبضاعة قليلة من الثقافة الإسلامية الواعية، يسهل عليه التأثر، وقد يصل هذا التأثر إلى ما تتخوفين منه.
كما أن البيئة المحيطة بك لها عامل أخر مهم، وتشمل البيئة البلد الذي تعيشين فيه، والأصدقاء، والأهل، وبيئة العمل، ونحو ذلك، فإن المرء منا تظهر شخصيته ويتأثر بمن يخالط و يخالل من الناس، وحين تكون البيئة سلبية على حياة المسلم وعلى العيش وفق شرع الله، يتأثر بها بشكل كبير جدا، فإن أضيف لهذه البيئة السلبية قلة العلم، فقد كمل في المرء منا الاستعداد التام لكل شبهة ولكل فكرة ولكل عاصفة تعصف بعقله ودينه وشخصيته.
والذي بهرني في كلامك هو هذا التناقض البيّن بين ما أنت عليه اليوم- الإسلام- وبين ما تشعرين به من الميل للنصرانية؛ فالإسلام دين واضح، مبني على الحجة والعقل والدليل، في حين أن النصرانية ديانة محرفة، تقوم على الخزعبلات، وكلام لأناس(33/316)
لهم مصالحهم في تحريف هذه الديانة أول الأمر، وهذا ما ورد في كلامك حين قلت : (بالرغم من أن عقلي يأبى ما يؤمنون به) فعقلك يأبى هذه الديانة المنحرفة.
ولكن يبقى لديك الميل أو الرغبة كما جاء في كلامك، وهذا دليل أنك متأثرة ببيئة غير سوية، أو أنك تكثرين من الدخول للمواقع النصرانية التي تهدف إلى تنصير المسلمين، أو القراءة في كتبهم، دون التحلي بالعلم القوي الواضح، بحيث أن هذه المواقع أو القراءات أو البيئة بشكل عام، سببت لك هزة قوية في كل اعتقادك وفي كل دينك، وأظن الأمر واضح لديك في سبب شعورك الذي يريد النصرانية وعقلك يرفضها !.
هذا الشك في القرآن الكريم والذي نعتبره أنا وأنت وكل المسلمين ركيزة الإسلام الأولى، هذا الشك في قلبك الطاهر، ليس بالأمر الجديد في ووقع لك أنت فقط، بل قد تعرض القرآن لحملات شرسة من النصارى، وشبهات كثيرة، ومن قديم الزمان، لكنها ذهبت مع الرياح، وظل القرآن شامخا، متحديا، لم يتغير منه حرف.
يقول الدكتور محمد دواد : ( إن القرآن الكريم على مر التاريخ منذ لحظة نزوله قد تعرض لهجمات كثيرة في الشرق والغرب، باعتباره الركيزة الأساسية للإسلام، وكانت بداية هذه الحملات من النصف الثاني للقرن الأول الهجري، حين بدأ «يوحنا الدمشقي » (650-750 م) هذا الهجوم بتوجيه عدة انتقادات على النسق العام، ثم جاء هجوم مفصَّل شنيع على القرآن في أعمال «نيكيتاس البيزنطى».. ثم جاء أكبر هجوم جدلي على القرآن على يد إمبراطور بيزنطة «جان كنتاكوزين ».
وتوقف الهجوم البيزنطى على القرآن بفتح المسلمين للقسطنطينية، وتولت أوروبا المسيحية الأمر من بعد ذلك، ومن أشد هذه الهجمات ما كتبه لورد "مراش" في كتاب من مجلدين أولهما بعنوان "مقدمة في دحض القرآن" والمجلد الثاني يحتوى على النص العربي للقرآن مع ترجمة لاتينية له. ومنذ بداية القرن التاسع عشر اجتهد المستشرقون ولا يزالون في تكثيف الهجوم على القرآن الكريم، بطرح قضايا وهمية حوله، وإبراز نتائج زائفة استخلصوها من مقدمات خاطئة.
المهم.. المهم.. المهم: أن كل هذه الافتراءات و الجهالات ماتت، وظل القرآن الكريم يتحدى.. لأنه كلام الله، ولأنه الحق الذي { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت/42. ) . ا.هـ
لقد بات صدق كلام الله (القرآن الكريم) أمرا مسلما به أختي الكريمة عند الكثيرين من الغربيين، وتناقل "أهل العلم منهم" صورا رائعة من إعجاز القرآن العلمي، وأثبتوا أن هذا الكلام المدون منذ أكثر من 1400 سنة لا يمكن أن يكون من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، لأن تلك الفترة الزمنية التي نزل فيها القرآن الكريم لا يتوفر فيها أيا من سبل التطور العلمي بكل تفاصيله اليوم، وآيات القرآن تثبت ما توصل له العلم الحديث بكل دقة متناهية، فكيف يكون هذا إلا أن يكون القرآن هو كلام رب هذا الكون!!
إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله تعالى من كل تبديل وتغيير (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقد راجعه سيدنا جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا، وسورة سورة، وموضعا موضعا من ترتيب الآيات والسور،(33/317)
وتناقله الصحابة حفظا في صدروهم، وكتابة في المصاحب، وتناقلته الأمة عنهم إلى هذه الساعة، ما هو مكتوب في مصحفك الكريم الذي بين يديك الآن هو ذاته تماما ما راجعه سيدنا جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته.
وهذا الأمر تتبع تاريخيا وعلميا حتى من قبل المستشرقين، ولم يثبت لهم أي خلل في وصول القرآن الكريم إلينا محفوظا من كل نقص وتبديل وتغيير، برغم الحملات الكثيرة ضد القرآن الكريم .
وما طرحته نفسك عليك (ما الدليل أنه كلام الله) كان الأولى أن تقولي لها (وما الدليل أنه ليس كلام الله!) . برغم الحقائق التاريخية وبرغم الإعجازات العلمية، وبرغم صمود القرآن الكريم أما حملات التغيير والطعن والتشويه، برغم هذا وغيره، تسألك نفسك ولا تقدرين على الرد !!
لو كان القرآن الكريم كلاما لغير الله، فلمن يكون وفيه هذه الحقائق التي ذكرت!
لو كان القرآن الكريم لغير الله فأي كلام حفظ طوال هذه المدة الزمنية الطويلة دون أن يتغير منه حرفاً واحداً ؟؟، ويزعم النصارى أن الإنجيل ورد فيه كذلك أنه محفوظ من الله، وفي هذا يقول الدكتور محمد دواد : (إنجيل متى يقول: «إلى أن تزول الأرض والسماء لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة». وهنا ينبغي أن نوضح جملة من الحقائق حتى يزول اللبس ويدفع الوهم: إن واقع النص القرآني يشهد بأنه ليست عندنا مصاحف مختلفة فيها زيادة أو نقصان، كما هو الحال في الأناجيل المختلفة التي يصل حجم الحذف والزيادة في بعضها إلى أكثر من ثلاثين إصحاحًا.. بالإضافة إلى وجود نصوص مختلفة في لغات مختلفة فيها الزيادة والنقصان.. ولا يوجد هذا في القرآن؛ لأنه ليس للقرآن إلا نص واحد بالعربية، والترجمات إنما هي ترجمة للمعاني والمفاهيم. ) . ا.هـ
لو كان القرآن كلاما من الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلم يثبت فيه معاتبة الله له في قول الله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى).
لو كان القرآن كلاما لمحمد صلى الله عليه وسلم فلم لم يذكر فيه معاناته في عام الحزن، حين توفيت السيدة خديجة رضوان الله عليها، وتوفي نصيره القوي عمه أبو طالب!.
أختي الكريمة دانه :
يجب عليك رحمة بنفسك وإنقاذا لها، أن تتحلي بالعلم القوي الرصين في دين الإسلام.
احرصي على الصحبة الطيبة المسلمة التي تعينك على دينك والتمسك به.
إياك أن تكوني إمعة تتأثرين ببيئات غير إسلامية، تقوم على خزعبلات، يرفضها عقلك !؟!
لا تجعلي في نفسك أي سؤال لا تفهمينه في ديننا الإسلامي الحنيف، بل يجب أن تعرفي كل الإجابات التي تريدين .
ليس من تصرف العقلاء أبدا أن يطالع المرء منا أفكارا تعادي الدين الإسلامي وهو يجهل دينه الإسلامي، وليس من تصرف العقلاء أيضا أختي الكريمة أن يدخل المرء(33/318)
منا ويطالع المواقع النصرانية التي تهدف للتنصير دون أن يكون له معرفة الصراط المستقيم.
استمري في التواصل مع الموقع، واطرحي كل ما لديك، فكل الموقع إخوانك وأخواتك وفي خدمتك.
ثم رددي معي بقلبك وعقلك النبيل (اللهم يا حي يا قيوم يا رب الأرباب يا ملك الملوك أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، يا رب يا رب يا رب ثبتنا على دينك الحق وثبت عقولنا وقلوبنا وأرواحنا على صراطك المستقيم).
ولنتذكر أنا وأنت أختي الكريمة قول الله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
نسأل الله لنا و لك الهداية والتوفيق والثبات، وننتظر تواصلك معنا، ثبتك الله على الإسلا
ـــــــــــــــــــ
الاسم
لن أتزوج.. أريد التفرغ لعبادة لله !! العنوان
العبادات الموضوع
بارك الله فيكم، وجعل من يرد على مسألتي من المباركين بإذن الله؛
عندي 3 أسئلة، وأرجو أن تردوا عليّ، لأنني في غاية القلق، و جزاكم الله خيراً، وأسئلتي هي :-
السؤال الأول :
لقد مررت بعدة تجارب عاطفية سيئة، ولكن لا يعلم أحد من أهلي عنها شيئا بالتفصيل، ولذلك فقد قررت رفض الزواج حتى تستقر حالتي النفسية، وتعود إليّ ثقتي بنفسي، وأيضا لأنني أعلم أن ما مررت به كان بسبب بعدى عن الله، وعن الصلاة، ولأنني كنت عاصية في كل شيء، ولذلك أود التفرغ للعبادة والتوبة، ولذلك فإنني أرفض كل من يحاول التقدم للزواج بي حتى بدون أن أراه، وذلك يقلق أهلي جداً ويضايقهم، ولا أعرف ماذا افعل فأنا يقينا لا استطيع الارتباط الآن لأنني لن أستطيع أن أسعد من يرتبط بي، وذلك لعدة أسباب لا أود الخوض فيها للاختصار.
وسؤالي هو: هل يعد ذلك ذنب أنني لا أريد الزواج وهل يعد ذلك من باب التبطر على نعم الله ورفضها ؟، والله يعلم أنني لا هذا ولا ذاك، ولكن كل ما أرجوه بعض الوقت، وهل يعد ذلك عقوق لأهلي الذين يلحون على في الزواج؟، وماذا افعل معهم أرجو أن تتفهموا مشكلتي.
السؤال الثاني :
لقد كنت في الماضي أحسب أن الله قد قبل توبتي, لقد كنت أسرق كثيراً، حتى اعتدت السرقة، ولكنني والحمد لله تبت عن ذلك، ولكن أود رد المظالم إلى أهلها، ولكن لا أستطيع أن أبلغهم بما فعلت لأن ذلك سيغير القلوب، وربما يجر إلى مشاكل، ولكن هل أستطيع أن أردها كهدية بنفس قيمة المبلغ، أو أرد عن طريق صدقة بنية أنها للمسروق؟(33/319)
وماذا أفعل حيال ذلك؟، أخشى ألا يكون الله قد قبل توبتي بعد، لأنني لم أرد المظالم إلى أهلها، ولكنني أود وعلى استعداد، ولكن لا أستطيع أن أواجه من سرقته بذلك، فماذا افعل؟ وأيضا إن كان بعض من سرقتهم لا أعرف كيف أصل إليه لأنه في سفر بعيد أو انقطعت العلاقة به، فماذا أفعل ؟.. أجيبوني بالله عليكم.
السؤال الثالث والأخير:
تراودني أحلام اليقظة دائماً، وأتخيل طول الوقت أنني زوجة لشخص ما كنت أحبه، ومازلت، وأظل أحدثه دائما في غرفتي، أحدثه كأنه موجود، وكأننا أزواج، وأقول له كل ما أريد أن أقوله، وأجد في ذلك متنفس لوحدتي، وعدم مقدرتي على التوقف عن حبه، وأيضا لأنني لا أتصل به، ولا أحادثه، لأننا عزمنا على التوبة والرجوع إلى الله، إلى أن يأذن الله في أمرنا.
فهل يعد ذلك التخيل، وتلك المحادثة التي أفتعلها، ذنباً أو لهواً، ولكنني والحمد لله محافظة على الصلاة وقراءة القرآن، ولا أقدم أي عمل على طاعة الله، وفرائضه، ولكنني في أوقات معينة أحدث نفسي، وكأن ذلك الشخص موجود، وكأنه زوجي، وأحكى له كل ما في خاطري بالله عليكم أرجو أن تجيبوني هل ذلك يعد ذنباً ؟!
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة وسام كمال، محررة في نطاق الأخلاق والتزكية بشبكة إسلام أون لاين:
آنستي؛
عود حميد، مبارك عليكِ فرحة الله بك، وعودة الأمان بعد أن تهتِ في متاهات المعصية. فهناك علاقة إرتباطية بين طاعة الله، والشعور بالأمن والأمان والطمأنينة. يقول الحق: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
وكم هو صعب على الفتاة أن تمر بتجارب عاطفية بعيداً عن الأهل، فتتألم وتخفي ألمها، وتفرح وتكتم فرحتها، حتى لا تزداد الاستفسارات، وتتوسع التأويلات.
أحسبك فقدت مشاعر الحنان بين الأهل؛ لأنهم لم يشعروا بك وأنت تمرين في هذه التجارب، ولأن تعدد التجارب يعني البحث عن مفقود، فسامح الله من ينشغلون بتوفير الاحتياجات المادية عن سد الاحتياجات العاطفية. [ طالعي: "افتقاد الحنان".. سر العلاقات الخاطئة ].
فلنترك الحديث عن الأتراح والآلام إذاً، ولتستمتعي الآن بلذة العودة، ونشوة القرب، لا يهم كم مضى في المعصية والضياع، ولكن الأهم كيف ندرك ما هو آت.
استفسرتِ عن كيفية التوبة من السرقة، ورد الحقوق لأصحابها، فأنصحك بسؤال أهل الفتوى في صفحة "اسألوا أهل الذكر"، وهناك فتاوى سالفة في هذا: [ التوبة من(33/320)
السرقة والتصرف في المال المسروق- التوبة من السرقة والرغبة في إقامة الحد- التوبة من السرقة ].
أما عن فكرة عدم الزواج؛ فأقول لك أن القرار قرارك، ولن يتحمل تبعاته سواك، فقد دعا الإسلام أبناءه إلى الزواج، وحث على الزواج مبكرًا لمن قدر عليه، فقال صلى الله عليه وسلم :" يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" أي وقاية من الوقوع في المحرمات، ويختلف الحكم في الزواج باختلاف حال الإنسان، فقد يكون واجبًا، وقد يكون حرامًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون مستحبًا .
والسنن رغم أنها ليست ملزمة؛ إلا أن الآخذ بها ينهل من فيض عائدها، وتعضد السنن من شوكة المسلم، وتقويه على أداء الفرائض. بالضبط كنوافل الصلاة، من يؤدها يحسن في أداء الفروض، ويحب الصلاة، ولا يشعر بمشقتها: { .. وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45). [ طالعي: النوافل طريق العاشقين ]
وكما قلت لكي قرار الزواج يخصك، وهذا لا يغضب الله ألا تتزوجي، ولكن هناك بعض الأمور التي قد تجعلك ترتدي عن هذا القرار؛ أود طرحها عليكِ:
أولا: الانشغال الفكري بذكريات المعصية:
أخرتِ الإفصاح في الاستشارة عن ارتباطك العاطفي بشخص ما؛ وأظن أن هذا هو السبب في رغبتك عن الزواج، فالمرأة لا تكن لغير من تريده. وعليك أن تبتعدي عن ذكريات المعصية مع هذا الرجل. فهو لا يستحق الانشغال والإبقاء على ذكرياته. فكان ليتزوجك؛ إن أحبك حقا.
أنصحك بأن تجددي التوبة كلما تذكرت هذه الذكريات، لأنك قد تحنِ إلى هذه الأيام السوداء إذا ما أبقيت قلبك متعلقا بها. [الوصايا العشر للمحافظة على التوبة- أستغفره ليلا ونهارا.. التوبة تحتاج لوقاية]
ثانيا: الامتناع عن الزواج، والتفرغ للعبادة:
نهانا الله ورسوله عن الرهبانية والامتناع عن الزواج بغرض التفرغ للعبادة. قال تعالى: {. رهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 27).
وأوصانا النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من سُنَّتِي النَّكاحَ فلا رهْبانِيَةَ في الإسْلامِ وإنَّما رَهْبانِيةُ أمَّتِي الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ، و خصاء أمَّتِي الصَّومُ، فلا تُحرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لكُم، ومِنْ سُنَّتِي أنَامُ وأقُومُ وأفْطِرُ وأصُومُ، فمنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليْسَ منِّي".
والتفرغ للعبادة بالامتناع عن الزواج؛ فكرة مغلوطة تماما، لأن العبادة في ديننا، تمتد لتشمل كافة الأعمال، على حسب النوايا. فيمكنك أن تنالي الثواب، وتكفري عما مضى، بالتفكر في مقاصد الإسلام، وطلب مرضاته في كبير الأمور وصغيرها.
فإنك إن طعمتِ بغرض التقوي على طاعة الله؛ نلت الثواب
وإن نمت بغرض إعطاء جسدك حقه – كما أمرنا الرسول-؛ نلتِ الثواب
وإن أحسنتِ في العمل؛ نلت الثواب
وإن وصلتِ رحمك؛ نلتِ الثواب(33/321)
وإن اجتهدتِ في الصوم، الصلاة، الصدقات؛ نلتِ الثواب
وإن ساعدت محتاجا؛ نلتِ الثواب.
وإن سترت مسلما؛ نلتِ الثواب
وإن كظمت غضبك؛ نلتِ الثواب..
وإن عملتِ بالقرآن؛ نلتِ الثواب
وإن ابتسمت في وجه عباد الله؛ نلتِ الثواب
وإن..،..، ..،..، ..،..، ..،..، ..،..، ..،..،..
عزيزتي؛
طرق الخير كثيرة، لا تغلقيها على نفسك، ولا تحرميها من أقل الحقوق، لا تتعللي بطاعة الله؛ وتقولي أنك لم تتزوجي، وتظني أن الله سيرفعك بهذا درجات.
معك الحق؛ إن أخذت مهلة حتى تخلو نفسك من شوائب الماضي، وتتوقفين لتنظري ماذا أنتِ فاعلة في المستقبل. ولكن لا تعتقدي في أن هذا هو العلاج، لأن الخلل الحقيقي هو أنك تفتقرين إلى الحنان والحب والرعية والإخلاص والود؛ فليس من المنطقي أن يكون الحل في القسوة، والحرمان، والوحدة، والجفاء!!!
ويحمل الزواج العديد من المنافع والخيرات والحسنات؛ منها:
المودة والرحمة، يقول تعالى: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).
إنجاب الذرية، وتحقيق حلم الأمومة: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (الكهف:46).
البر بين الزوجين يجني الحسنات: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بر المرأة لزوجها: "لو أمرت أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، وقال في بر الزوج لزوجته: "عجبت من قضاء الله للمؤمن، إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، ويؤجر المؤمن في كل شيء، حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته". وفيهما معا: "إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما".
المساندة والتعاون على البر والتقوى: يقول صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء"، "من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا ليلتئذ من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات".
اللهو الحلال: "كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة".
أختي العائدة؛
ما أردت أن أثنيك عن شيء، أو أقلل من همتك، أردت التأكيد على أن أبواب الخير كثيرة، وأنك تناسيتِ المشكلة الحقيقية، واختلقتِ مشكلة وهمية. ثبت الله قدماكِ على(33/322)
طريقه، وأحاطك برعايته، وأنار بصيرتك، وحفظ قلبك بالإيمان تابعينا بأخبارك، ولا تنسينا من صالح دعائ
الاسم
القرآن والغناء أيجتمعان بقلب واحد ؟! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أنا شاب، أحفظ القرآن وفي نفس الوقت أحب الغناء !، ولا أدري، كيف يكون هذا، لكن هذا هو حالي بمنتهى الصدق.. فأرجو أن ترشدوني لعلاج. وأسألكم الله أن تدعوا الله لي بظهر الغيب أن يهديني ويصلح لي أمري.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
أخي الحبيب ..
واضح من كلامك يا أخي أنك تتحدث عن الغناء القبيح، الذي يؤثر على القلب، ولهذا كانت شكواك من أن تجمع بين كلام الرحمن، وكلام الشيطان، فالغناء الذي يفسد القلب، ويدعو للرذيلة ما ينبغي أن يجتمع والقرآن في قلب واحد، ومن هنا يأتي ضرر الغناء الفاحش أنه يهدم ما يبنيه القرآن، ولا يقبل القرآن أن يكون له شريك مناقض.
ولهذا نفهم أقوال العلماء حين يقولون: إن الغناء ينبت النفاق في القلب، لم يكونوا يقصدون بالكلمات الطيبة، إنما يقصدون به المجون، ولعل ما نراه في التلفاز والفضائيات، وإذاعات الـ FM، والفيديو كليب الذي يظهر فيه العري والتخريب الفكري والعاطفي والشعوري، هذا كله واجب أن ينزه المسلم عنه عامة، وهو واجب على وجه الخصوص لمن كان يحمل كتاب الله.
وقد كان السلف الصالح يدركون أن صاحب القرآن يجب أن يكون مميزا عن غيره، فحمله للكتاب يجعله في مكانة تقربه أكثر إلى الله، قال ابن مسعود – رضي الله عنه- : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس فرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخلطون، وبخشوعه إذ الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا" رواه الإمام أحمد.
و قال الفضيل بن عياض : حامل القرآن حامل راية الإسلام فلا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن .
إن المسلم يعلي كلام الله تعالى على كل كلام، لأن هذه منزلة كتاب الله، وكما ورد : فضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه.(33/323)
وقد ورد في التوراة : يا عبدي أما تستحي مني يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرؤه وتتدبره حرفاً حرفاً حتى لا يفوتك شيء منه، وهذا كتابي أنزلته إليك.. انظر كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه، ثم أنت معرض عنه أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك ؟!
يا عبدي يقعد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا ذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني، أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك.؟
غير أن هذا لا يمنع الإنسان من الترويح عن النفس بما هو مباح ، وهذا هو منهج القرآن، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ربما أنشد مع بعض أصحابه كما هو الحال في غزوة الخندق، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحث الصحابة على نشر السعادة في الأفراح من خلال المشاركة والتهنئة والإنشاد الجميل.
وحرمان النفس من المباح قد يدفع إلى الحرام، أو يولد كبتا عند الإنسان، ومن هنا، فإن التوازن في حياة الإنسان مطلوب، المهم أن يبتعد عن الحرام، وليس هناك حرام إلا وفي مقابلة أنواع من الحلال، حتى لا يكون للناس عذر أو حجة في ارتكاب الحرام .
والنفس تختلف من شخص لآخر، فهناك من يفضل الأخذ بالعزائم، وهناك من لو أخذ بالعزيمة لانجر إلى الحرام، ولذا كان من المهم أن يعرف الإنسان شخصيته بشكل واضح، وأن يسوقها إلى طاعة الله تعالى بالمنهج الذي يتواءم معها، مادام في دائرة المباح.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتخير بين شيئين إلا واختار أيسرهما ، مالم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.
ـــــــــــــــــــ
تساؤلات حول القدر والزواج والحجاب العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
إخواني في الله؛ أحب في البداية أن أحييكم على هذا الموقع، وعلى المجهود الرائع الذي تقومون به. أما عن سؤالي فسأحاول أن ألخص مشكلتي في النقاط التالية :
* نشأت في أسرة غير متدينة، على الرغم أنهم أحسنوا تربيتنا، من باب الأدب والأخلاق.
* تربيت في مدارس أجنبية مختلطة، ولم يكن لي صديقات متدينات.
* كنت دائما أشعر بوجود الله في حياتي، والجا للصلاة في كثير من الأوقات، إلا أني أعود وأقطعها حتى دخلت الجامعة وداومت عليها والحمد الله.
* التحقت بإحدى الكليات الصعبة وبدأت أعرف معلومات عن الدين لم أكن اعرفها من قبل وبدأت أقابل أصدقاء متدينين، وبدأت في حفظ القران وأعمال الخير.(33/324)
* يصيبني التشتت عندما أجد صديقة تحثني على الحجاب والالتزام ثم أجدها تختلط بالشباب وتحادثهم وتتضاحك معهم أو أجد أخرى ترتبط بشاب وتحادثه بالانترنت أو على التليفون وأنا رغم تربيتي الغير متدينة إلا أني لم أحادث شاب من قبل على التليفون أو على النت وأحادثهم في الجامعة للضرورة مما جعل كثيرون يغضبون مني وسماع السؤال المعتاد آمال مش محجبة ليه؟
* بعد التخرج عملت في شركة ممتازة إلا انه تشبه مدرستي الأجنبية من حيث عدم وجود متدينين فيها مما أصابني في البداية بإحباط وأشعرني أنني لن أتقدم في تديني بل وربما أتراجع فيه.
* بعد فترة في العل أحببته وأحببت النجاح وبدأت أرى في صديقات الجامعة عيوب تضايقني وشعرت أنهم يتدخلون في كثير من الأحيان في شئون الناس كما أنهم ليس لديهم طموح وكما قلت من قبل ينصحون في أشياء ويقومون بأشياء أخرى سيئة.
* لا اعرف هل هذا الشيطان يوسوس لي لأكرههم وارتبط بأصدقاء العمل وهم غير متدينين أنا اعرف أن أصدقاء الجامعة ليسوا ملائكة ولكني لست ملاك أيضافدائما ما اسمع منهم أنت فتاة جيدة في كل شيء والشيء الوحيد الذي ينقصك الحجاب وأنا اعرف انه فرض وفي ملابسي محتشمة ولا يظهر شيء من غير شعري والبس ملابس فضفاضة ولكن أهلي لا يتقبلون الحجاب كما أني مازلت ضعيفة في هذه المسالة فلماذا يتشددون على ولا يتشددون على أنفسهم أنا استغفر الله في كل صلاة بل وأنا ماشية في الشارع ولكنها مثلها مثل أي عبادة بيني وبين الله فلماذا يتدخلون في علاقتي بالله وهل الحجاب هو الحل السحري للتحرر والاختلاط وهل الاختلاط حلال للمحجبات وحرام لغير المحجبات.
وأخيرا لدى سؤال مهم جدا رجاء ان تفيدوني فيه وهو : هل اسم الزوج مكتوب عند الله ولن يتغير ولو بالدعاء (جفت الأقلام وطويت الصحف)، يعني لو تقدم لي شاب لا يصلي ولكنه ناجح في عمله وشهم ومحترم واستخرت الله فوجدتني أشعر أنه قريب مني وجدع كما يقولون ومستوياتنا الاجتماعية والعلمية والاقتصادية متقاربة، ولكني في داخلي أشعر أنه لن يتدين في يوم من الأيام، والله اعلم، فهل أرفضه رغم الارتباط النفسي، أم اقبله لأن الله قدر لي أن يكون هو زوجي، وهذا أمر قد انتهى؟، وأحاول معه بعد ذلك لأقربه إلى الله؟.
فانا لا أريد تكرار تجربتي مع أولادي، أريد أن أتزوج رجل يعينني على أمور ديني ويتقبلني بالحجاب ولا يشعرني بأنني غير مقبولة، ويربي أولادي تربية دينية، وأنا اعرف شاب متدين، أدعو الله أن يكون من نصيبي، ولكن أعتقد أنه لا يفكر فيّ، فهل الله قد قدر لي الزوج بغير المتدين. آسفة جدا للإطالة وشكرا على سعة صدركم.
السؤال
الرد
يقول الشيخ أكرم كساب:
بسم الله الرحمن الرحيم(33/325)
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسوله المصطفي وآله أجمعين .. أما بعد :
وأسأل الله في البداية أن يسدد خطاك أيتها الأخت الكريمة، وأن يرزقك الزوج الصالح، وراحة البال، وحسن الختام إن شاء الله. وأحب أن أوضح للأخت الكريمة عدة أمور في هذه الإجابة السريعة :
أولاً: أن الإسلام حجة على الناس وليس الأمر بالعكس: ومعنى ذلك أن سلوك مدعي الالتزام لا يعد عيبا في الإسلام، إنما هو عيب في الأشخاص أنفسهم، وإذا كانت الأخت السائلة ابتلاها الله بهذا الصنف من الفتيات اللائي يدعين الالتزام، ثم لا يلتزمن في ذوات أنفسهن؛ فالعيب فيهم لا في الإسلام كما ذكرنا.
ومن قرأ القرآن وجد أن الله تعالي ذم هذا السلوك، فقال في معرض ذمه لأهل الكتاب :( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [البقرة : 44]. وقال في عتابه للذين آمنوا (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) [الصف: 2-3] .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يأمرون الناس بالمعروف ولا يأتونه وينهونهم عن المنكر ويأتونه.
عن أسامة بن زيد قال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلانا ما شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟، قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه) رواه البخاري (3267).
ومن بديع كلام الفاروق رحمه الله : إن لله رجالاً أحيوا الحق بذكره، وأماتوا الباطل بهجره؛ وهذا الصنف من الناس إنما يطابق عملهم قولهم, وأنبياء الله تعالى كانوا في ذروة هذا الأمر, ودين الله إنما يحتاج إلى هذه النوعية من الدعاة, يمزجون القول بالعمل, والحلم بالعمل, أما إذا خالف العمل قول صاحبه, فهذا هو التهتك الذي قسم ظهر علي بن أبي طالب حين قال: "قسم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك".
وقد أحسن أبو العتاهية حين قال :
يا أيها الرجل المعلم غيره***هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا*** كيما ويصبح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها***فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدي*** بالرأي منك وينفع التعليم
ثانيا: الصورة التي ذكرتها الأخت الكريمة لا نستطيع إنكارها، ولكن الحق يقال بأن الملتزمين والملتزمات ليسوا جميعا من الصنف الذي ذكرته الأخت الكريمة، ولكن هناك غيرهن كثير، وفيهن الخير إن شاء الله فلا يجوز التعميم أبداً.
ثالثاً: فإني أحيي في الأخت الكريمة (النفس اللوامة) التي تشعر بالخطأ والذنب لوقعها في خطأ أو معصية، كما هو الحال في أمر الحجاب، ولكنني أسألها: لماذا لا تحاول الأخت الكريمة إقناع أهلها، من خلال قناعتهم الشخصية ـ حسب البيئة التي يعيشون فيها ـ بأن الحرية أساس لكل شخص ما لم تتجاوز حرية الآخرين، بمعنى إقناعهم(33/326)
أولا بأنك سترتدين الحجاب، والحرية التي تؤمن بها طبقتهم الاجتماعية توفر لك هذا الأمر، ثم تدرجي معهم حتى يصبح الأمر من باب الشرع والفرض والواجب.
وأما بالنسبة لسؤالك المهم: هل اسم الزوج مكتوب عند الله ولن يتغير ولو بالدعاء(رفعت الأقلام وجفت الصحف) فأقول وبالله التوفيق:
هذه الكلمة(جفت الأقلام وطويت الصحف) هي كلمة حق ـ كثيرا ما ـ يراد بها باطل، لأن الحق سبحانه الذي أحل الزواج، وألزمنا بالأيمان بالقضاء والقدر، هو الذي جعل لنا طرق الاختيار، وقد فصلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم شروط الاختيار عند الزواج، سواء للرجال أم للمرأة، وبالنسبة للمرأة جعل النبي صلى الله عليه وسلم اختيار صاحب الدين والخلق شرطا أساسيا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) [رواه الترمذي].
ومن هنا فإن الاستخارة التي شرعها الله في مثل أمر الزواج ينبغي أن لا تكون إلا بعد توافر الشروط اللازمة في الرجل المتقدم للخطبة، ثم بعد ذلك تستخيري أختنا الكريمة ولا يكون في صدرك شيء ولتكل الأمر لله، فما قدره الله بعد ذلك هو الكائن إن شاء اله تعالي. والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أختي في الله.. أفسدت عليّ دراستي! العنوان
السلوكيات الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
أنا فتاة ادرس في كلية الهندسة، وقد نشأت والحمد الله، نشأة دينية جيدة، و لكنني لم أعرف شيئاً عن الأخوة في الله، إلا بعد دخولي الجامعة، من صديقة لي، وهى تدرس معي في نفس تخصصي، وقد اتخذتها أختاً لي في الله، وكنت أفعل كل ما بوسعي لمساعدتها، علماً بأنها متزوجة ولديها طفل.
والله يعلم أنني لم أقصر بها، وهى كذلك لم تقصر، في ولكن أشعر بأنها نوعاً ما تلهيني عن دراستي، لأنني أتأثر بصديقاتي، فلا نتحدث إلا في مشاكلها الزوجية، وكيفية حلها، ولكننا نتفق على الدراسة أيضا، ولكن لا أحد منا يدرس ما حددناه هي بسبب حياتها الزوجية، وأنا بسبب أنني أساعد أمي في شغل البيت.
المهم أنني أحيانا أشعر بالضيق من نفسي بسبب وضع اللوم عليها لقلة دراستي، وأشعر أحيانا بالحنق عليها، وأنا أريد لهذه الأخوة الاستمرار، وكذلك أن تكون أخوة في الله حقيقية، ولكن ليس على حساب دراستي وتحصيلي العلمي، وللعلم لا يوجد من زميلاتي في القسم مثل تدينها والتزامها أي أنها أفضل الموجود.
وكذلك أتمنى من الله ألا تقتصر أخوتي في الله، عليها إنما أريد أخوات أخريات، لي في الله، ولكنني لم أجد. ولكم جزيل الشكر.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار(33/327)
الرد
تقول الكاتبة الأستاذة سمية رمضان عبد الفتاح، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، أما بعد..
أختي الحبيبة / هبة
سعدت برسالتك التي وإن دلت فإنما تدل على فتاة مرهفة الحس.. محبة لإخوانها؛ تبحث عنهم وتسعى لمؤاخاتهم في الله، ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، فالأخوة في الله نعمة كبيرة من الله في الدنيا والآخرة.
والإنسان قليل بنفسه، كثيرٌ بإخوانه، كما أنّ الصحبة الصالحة أفضل من الوحدة، التي تجعل الإنسان فريسة سهلة للشيطان، يوسوس له بالخطرات ويزين له المعاصي، فإنما يأكل الذئب القاصية من الغنم، كما أن المحبة في الله طريق الجنة في الآخرة إن شاء الله، بل إنهم في يوم القيامة يظلهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" [مالك وصححه الألباني].
والمتحابون في جلال الله، لهم منابر من نور يوم القيامة، بل الأكثر من ذلك أن النبيين والشهداء يتمنون أن يكونوا مثلهم، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ" [الترمذي وصححه الألباني].
وكلنا يتذكر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، إنها خير مثال للمحبة في الله، ولكنها كانت محبة قائمة على البذل والعطاء والحب والإيثار، فكان الأنصار يقتسمون أموالهم وديارهم- فضلاً عن أوقاتهم وجهدهم- بين إخوانهم من المهاجرين، وهذه هي الأخوة الحقيقية، التي تغيب فيها الأنا والذاتية، ويبقى الهدف الأسمى من هذا الحب، وهو أنه لله وفي الله، فالحب حينما يكون خالصًا لله يباركه الله، ويهوِّن في سبيله كل العقبات أو "الخلافات".
ومن ثمرات الحب في الله: الإكثار من الثواب، وإصلاح النفس، ويجعل المسلم توّاقًًا إلى الخير، محبًّا لنفسه ولإخوانه ولمجتمعه، ولذلك يتغير سلوكه إلى الأفضل دائمًا؛ لأنه يرى في إخوانه المرآة التي تقوّمه وتصلحه، ولأنه يكتسب منهم الصفات الحسنة والأخلاق الطيبة، فيحاكي سلوكهم، بل ويصبح هو الآخر- بعد فترة من المؤاخاة- قدوة لغيره، فيتغير مجتمعنا إلى الأفضل.
ولذلك فأنا أرى ألا تَقتصري في أخوّتك وصداقتك على هذه الصديقة فقط، بل ابحثي فيمن حولك، وستجدين فيهم من الخير الكثير والكثير، ولكن الجواهر واللآلئ الغالية تحتاج إلى من يجتهد ويتعب في البحث عنها، فاجتهدي في البحث عن الصحبة(33/328)
الصالحة، وتأكدي أنكِ ستجدينها إن شاء الله، وقد تكون هذه الصدقات فرصة طيبة للتعاون العلمي المثمر فيما بينكم.
وأذكُر أنِّي كنت في أثناء الجامعة متفوقة في الرياضيات والإحصاء، وكنت ضعيفة في مواد أخرى، فاتفقت مع إحدى صديقاتي أن نحدد مواعيد أشرح لها فيها هاتين المادتين، وتقوم هي بشرح مادة أخرى لي، ثم اتسعت الدائرة، فأصبحت عشرين طالبة، نذاكر معًا، ونتعاون، وكان سبب نجاح هذه التجربة هو سموّ الغاية، وهي الحب في الله الذي كنَّا نجتمع عليه، والذي لم يشغلنا عن تأدية واجبنا، فأخذت كل واحدة منا بيد أختها إلى النجاح والحمد لله.
ولذلك فمن المفروض ألا يوجد تعارض بين الحب في الله والتفوق والنجاح؛ لأن القاعدة معروفة، وهي قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" [البخاري].
وكلنا يحب لنفسه والتفوق النجاح، وكذلك يحبه لأخيه، ولذلك أنا أعتب عليكِ؛ لأنكِ كنتِ سببًا من أسباب تعطيل الوقت وإضاعته، فكان المفروض عليكِ ألا تضيعي وقتك ووقت صديقتك هكذا، فهذا الوقت سنُسأل عنه في يوم القيامة، فالوقت نعمة، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، والواجبات يا حبيبتي أكثر من الأوقات، فلمَ أضعتِ هذا الوقت بكل سهولة؟! ستقولين هي السبب، ومشاكلها العائلية والزوجية تشغل كل وقتك
أقول لكِ: هذا ليس مبررًا؛ فالكثيرون منا لديهم شماعات جاهزة، فعندما نقع في مشكلة ونكون مِن المتسببين فيها نلقي بتبعاتها على غيرنا، وكأننا غير مذنبين، ولكني أذكرك أنك حين تشيرين بإصبع الاتهام إلى شخص تكون باقي الأصابع موجهة إليكِ أنتِ لا غيرك، فكان يجب عليك الحرص على الوقت من أجلكما معًا، فالحب في الله يراعي النفع والمصلحة، وليس الإضرار بالنفس والغير.
كما أنكِ لم ترتبِي أولوياتك، وأولها الواجبات، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" [ابن ماجه]. أما السعي في حل المشكلات فهو عمل طيب، ومن سعى في حاجة أخيه سعى الله في حاجته، ولكنه مع ذلك نافلة وليس فرضًا، والفرض أو الواجب مقدم على السنة أو النافلة.
وأخيرًا أقدم لكِ بعض النصائح- أو التوصيات-، وأدعو الله أن تنتفعي بها :
* قومي بعمل جدول أعمال شهري، وقسميه إلى أسبوعي، ثم يومي، حددي فيه مواعيد للمذاكرة، والمحاضرات، وأعمال البيت، والزيارات.
* استحضري النية في كل عمل تقومين به ليكون خالصًا لوجه الله تعالى؛ فتحصلين على الثواب العظيم إن شاء الله.
* احرصي على اكتساب صداقات جديدة يكون هدفها الأخوة في الله.
* اكتبي في ورقة المهام التي ستقومين قبل زيارة صديقتك، ولا مانع من أن تتعاونا في اختيار هذه المهام، باستخدام التليفون مثلاً قبل موعد الزيارة، واحرصي أثناء الزيارة على الابتعاد عما يضيع وقتك ووقتها.
* قيما معًا نتائج الزيارة، هل حققت الهدف المرجوّ منها أم لا؟ ثم اتفقا على موضوع الزيارة القادمة، مع ترك مساحة للتعديل.(33/329)
* تذكري أن الوقت من النعم فاحرصي على استثمار هذه النعمة في كل ما هو مفيد ونافع لكِ ولغيرك.
* اجعلي زيارة أختك في الله على فترات مناسبة، وجددي النية دائمًا وأنتِ ذاهبة إليها أن الزيارة خالصة لله تعالى.
خذي بيد صديقتك وانصحيها بأن تقوم بحل مشاكلها بنفسها، وانصحيها بتطبيق الطريقة التالية :-
* تحديد المشكلة.
* فرض مجموعة من الحلول والبدائل.
* اختيار الحل أو البديل الأفضل.
* تنفيذ الحل أو البديل المقترح.
وبهذا تكونين قد ساهمت في حل مشكلات صديقتك بشكل إيجابي، ودون إضاعة الوقت، وكذلك تتعلم هي المحافظة على أسرارها العائلية والزوجية، فتحتفظ بها لنفسها، وتجد الحلول المُرضية والسليمة دون إضاعة وقتك ووقتها.
وأخيرًا حبيبتي..
تذكري أنكِ طالبة علم، وعملكِ الأساسي هو المذاكرة والتفوق، فنحن نحب أن نراكِ في أسمى مكانة، فاحرصي على النهوض بنفسك وأمتك.
وتذكري أنه بقدر الجد والاجتهاد و التعب والمثابرة يكون النجاح و التفوق إن شاء الله، فالنجاح ليس سهلاً يسيرًا، بل إن طريقه مليء بالأشواك، فعليكِ اجتياز تلك الأشواك، لتصلي إلى عبير الزهور الجميل، لتعطر حياتك وتملأها فرحة وسرورًا، وكما قال الشاعر:
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله*** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
فطعم النجاح حلوٌ لذيذ، ولكنه يحتاج إلى أن نتحمل طعم المر من أجله، فتكون سعادتنا لا مثيل لها، وتأكدي أن من جد و جد، ومن زرع حصد.
وفي النهاية..
لا يسعني إلا أن أدعو الله لكِ بالتوفيق والنجاح، وأن ينفع الله بكِ، وأن يرشدك إلى ما فيه الخير لكِ ولأمتكِ، وأن يظلنا الله وإياك تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأرجو أن توافينا بأخبارك، فإني والله أحبكِ في الله، وأحب أن أراكِ في أعلى منزلة ومكانة، وفقنا الله وإياك إلى ما فيه الخير والرشاد.
ـــــــــــــــــــ
كتب مقترحة لزيادة الإيمان العنوان
غذاء الروح الموضوع
أود أن أتزود إيمانياً، أعرف أن ذلك يتم بالإكثار من الطاعات، ولكن هل من الممكن أن ترشحوا لنا بعض الكتاب التي تتحدث عن الإيمان وكيفية زيادته؟. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد(33/330)
أهلا وسهلا بك أخي نور، زادك الله نورا عن يمينك وشمالك ومن خلفك ومن أمامك، ورزقك نورا تستضيء به على الصراط يوم القيامة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
أخي الحبيب، جميل جدا أن يحرص الإنسان على رفع رصيده الإيماني، في وقت يحرص فيه الناس على رفع أرصدتهم في البنوك والبورصات حتى طغت الدنيا وعمت الماديات الحياة كلها، فقست القلوب، وازداد الناس بعدا عن ربهم.
أخي الحبيب جميل جدا أيضا أن تسأل عن رفع الإيمان؛ فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بطاعات ويتقص بالمعاصي، فالإنسان إن لم يكن حريصا على الارتقاء بإيمانه فإن نفسه ستغلبه، وستنزل به في دركات الطينية، ويهبط إيمانه.
أخي الحبيب، جميل جدا أن تحرص على رفع إيمانك؛ فهو سنة نبوية حرص عليها الرسول الكريم وصحابته من بعده والتابعون من بعدهم، رضي الله عنهم أجمعين.
المهم أخي الحبيب زيادة الإيمان قبل أن تكون بقراءة الكتب المسطورة؛ فهي بتدبر آيات الله في الكون المنظورة؛ فاحرص على التدبر والتفكر والتعرف على بديع صنع الله في الكون وعظمته في الخلق؛ فهو طريق لرفع الإيمان.
واعلم أن من أهم عوامل رفع الإيمان الصحبة الصالحة التي يعين كل منهم الآخر على الطاعة ويأخذ به بعيدا عن المعصية، ويذكره إن نسي ويعظه إن غفل.
أما وقد سألت على كتب لرفع الإيمان فأول كتاب أوصيك به هو كتاب الله عز وجل القرآن الكريم؛ ففيه من الآيات ما جعل الجن يؤمنون به ويقولون {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}.
فهو فيه خبر ما قبلنا ونبأ ما بعدنا وحكم ما بيننا.. فيه الترغيب والترهيب.. فيه الوعد والعيد.. فيه الحث على النظر والتدبر والتفكر؛ فاحرص على القراءة بتدبر وعلى التعرف على تفسير الآيات ومراميها.
ثم تأتي بعد ذلك كتب سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم- التي شرحت هذا القرآن؛ ففصلت مجمله، ووضحت شرائعه، وهي التي بها ازداد الصحابة إيمانا وتقوى.
وهذه بعض الكتب الأخرى التي يمكنك الاطلاع عليها في هذا المجال :-
أولاً : كتب للإمام ابن تيمية :
1. الاستقامة
2. أمراض القلوب و شفائها
3. الزهد والورع والعبادة
4. التحفة العراقية
5. رسالة في التوبة
ثانياً : كتب للإمام ابن القيم :
1. زاد المهاجر إلى ربه
2. جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام(33/331)
3. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
4. الفوائد
5. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء والدواء)
6. صيغ الحمد
7. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان
8. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح
9. روضة المحبين ونزهة المشتاقين
10. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
11. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة
12. الوابل الصيب من الكلم الطيب
13. طريق الهجرتين وباب السعادتين
ثالثاً : بعض الكتب الأخرى :
1- "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " للقرطبي المفسر
2- "السر المكنون في رقة القلوب ودمع العيون " لعبد الكريم الديوان.
3- "الزهد والرقائق" لعبد الله بن المبارك.
4- إحياء علوم الدين للغزالي.
5- كتب أ.سعيد حوا.
6- بعض كتب الشيخ محمد الغزالي.
7- كتب الدكتور خالد أبو شادي.
هذه أخي الحبيب، بعض الكتب المقترحة، نسأل الله أن ينفعك بها، وأن يرزقنا وإياك الإيمان الصادق. اللهم آمين.. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
كيف أنجو من الوساوس ؟ العنوان
العقيدة الموضوع
أنا سيدة مسلمة، أصلي وأصوم وأقوم بتأدية جميع الأعمال الشرعية، والحمد لله، ولكنني في بعض الأحيان يراودني إحساس وشعور غير مريح؛ حيث تحدثني نفسي بأشياء، لا يمكن البوح بها، والعياذ بالله، عن الله الرحمن الرحيم، وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
فالرجاء مساعدتي للتغلب على أحاديث النفس والوسوسة، خوفاً على إيماني، و جزاكم الله كل الخير.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الداعية والمفكر الإسلامي الكبير الدكتور عبد الصبور شاهين :(33/332)
كثيرا ما أتلقى هذا السؤال عن الوسوسة الشيطانية، التي يريد بها الشيطان أن ينقض إيمان المؤمنين، تحقيقا وسعيا إلى ما تعهد به، وأقسم عليه، كما سجل لنا القرآن على لسانه: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، والعباد المخلصون هم الذين استطاعوا أن يقهروا الشيطان في صدورهم، وأن يطردوه من حياتهم.
وحين يخطر على البال بعض المشكلات التي تتعلق بذات الله عز وجل وبوجوده وبحقيقة الخلق وكل ما يترتب على ذلك من أسئلة عقلية، فإننا ينبغي أن نطرح ذلك وراء ظهورنا ولا نفكر فيما يدسه الشيطان في عقولنا من شكوك في وجود الله وفي هيمنته.
أحيانا يخطر على بالي أن الله عز وجل خلقنا- ولا اعتراض لي على ذلك- وخلق الأنعام وخلق الطير وخلق الأسماك، خلق كل هذه الكائنات، لكن الذي يحيرني أحيانا أن أنظر إلى المخلوقات الدقيقة كالنملة الصغيرة، هذه النملة التي تأملها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فمجد ربه قائلاً : سبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة.
أدمج قوائم الذرة يعني خلق للنملة الصغيرة أرجلها، وجعل لها مفاصل، في هذه الأرجل، فصارت تسعى وتجري من أجل رزقها وتخزن الرزق، أين هذا العقل الذي يقود هذه النميلة الصغيرة الدقيقة؟
بل أكثر من ذلك يقول الله عز وجل: { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }، فإذا كان الله خلق النملة وما يصغرها من الكائنات كالبكتريا والميكروبات والفيروسات وهي كلها كائنات مجهرية يراها الإنسان بالمجهر، فأين إذن ما خلقه الله مما لا نعلم؟ لقد قال لنا : ويخلق ما لا تعلمون، وهو تحد لقدرات الإنسان واستخداماته الآلية في استخدام المجهول، ومع ذلك فإن الله يخلق ومن شأنه دائما الخلق لما لا نعلم.
كيف نفسر وجود هذه الكائنات ولها حياتها ولها أقدارها ولها مجال وجودها ؟، وكل ذلك يخضع لمقاييس ومعايير خلقية تفرد بها الله عز وجل. أحيانا يقع الإنسان في حيرة لكن الله عز وجل ساعفنا فقال: {.. وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } إذن فهو قد نبهنا إلى إمكانية أن يخلق ما لا نعلم، وأن يكون ذلك دائما شأنه كما يقول الله تبارك وتعالى: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} كل يوم هو في شأن.
واليوم هنا بمقياس الله عز وجل وليس بمقياسنا نحن، وحتى لو قلنا اليوم هنا بمقياسنا فلا يمنع ذلك أن نتخيل إعجاز القدرة الإلهية ليكون من شأن الله أن يخلق ما يشاء { للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
هذا في إطار قدرته على إنجاز خلقنا بهذا الحجم وبهذا الوضع، فأما قدرته على إنجاز ما لا نعلم فهو أمر يدعونا إلى الإذعان لقدرته والخضوع لمشيئته، والإيمان بوحدانيته سبحانه وتعالى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وتابعينا بأخبارك وأخبار إيمانك.
-ـــــــــــــــــــ(33/333)
أتمنى الولد".. قدمي السبب واقبلي القدر العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أنا امرأة متزوجة من ثلاث سنوات ولم أنجب حتى الآن وفرصة الحمل ضعيفة. أريد أن تدلوني على بعض النصائح الدينية والأدعية التي تفيدني وتمدني بالصبر على ما ابتلاني به الله . و جزاكم الله كل الخير.
السؤال
الأستاذة نجلاء محفوظ المستشار
الرد
جميل أن تنشدي الراحة النفسية من خلال أدعية الصبر، ولكن يجب أن تتذكري ضرورة الأخذ بالأسباب، والسعي للفوز بما تريدين، وإذا كان ترك الأخذ بالأسباب معصية فإن الركون إلى الأسباب بمفردها خطأ كبير.
فنحن مأمورون كما أخبرنا حبيبنا صلوات الله وسلامه عليه بالسعي لكل ما يفيدنا في الحياة، فقد قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أراد أن يترك الناقة دون أن يربطها، انطلاقاً من أنه متوكل : أعقلها وتوكل.. عن أنس بن مالك قال: جاء رجل على ناقة له، فقال: يا رسول الله؛ أدعها وأتوكل؟ أو أرسلها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أعقلها وتوكل).
لذا يجب قبل التفكير في أدعية الصبر، التفتيش المثابر والمطمئن عن كل الأسباب التي يمكن أن تزيد بمشيئة الرحمن من فرصك في الإنجاب، وقد ذكرت أن الفرص ضعيفة ولم تقولي أنها منعدمة – لا قدر الله- وهذا ما يفتح أبواب الأمل على مصراعيه، متى تحليت بحسن الظن بالرحمن وقد أوضح سبحانه وتعالى أنه عند ظن عبده.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال : قال النبي- صلى الله عليه وسلم- : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) .
ولذا ندعوك إلى الاسترخاء الذهني والجسدي وترديد جمل الاطمئنان وحسن الظن بالعزيز الحكيم والارتياح التام وطرد كل الوساوس (اللعينة) التي من شأنها تكدير صفوك وبذر الشكوك في كل من قلبك وعقلك تجاه الإنجاب وتذكري أن الدعاء والقدر يتصارعان كما أخبرنا الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
فأكثري من الدعاء، وألحي على الخالق بالدعاء، بأن يرزقك الذرية الصالحة، ولا تنسي صلاة الحاجة، وهي ركعتان تدعي من خلالها الرحمن بكل ما تشائين ولا تنسي اليقين بالإجابة، فكما قال عمر عبد الخطاب رضي الله عنه أنه يثق من إجابة الدعاء، وأن المشكلة في أن يلهمه الخالق بالدعاء، فادعي الرحمن وأنت على يقين (جميل) بالإجابة بشرط عدم التعجل في الاستجابة.(33/334)
وبعد الإلحاح في الدعاء، لابد من الإحساس بالاطمئنان إلى قضاء الرحمن، والذهاب إلى أمهر الأطباء، وفي قلبك أن العزيز الحكيم وحده هو الذي يمنح الشفاء، وأن الطبيب هو مجرد (وسيلة) يرسلها لك الرحمن ليساعدك على الإنجاب وفقا لمشيئته عز وجل.
وعليك اتباع كل إرشادات وتعليمات الطبيب، فقد أمرنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه بالتداوي مع ضرورة الحرص على الاهتمام بصحتك النفسية، فقد ثبت علمياً أن شدة القلق والخوف من عدم الإنجاب قد يتسببان في تأخير الإنجاب.
ونتمنى ألا توقفي حياتك حتى يحدث الإنجاب، فلاشك أن الأمومة نعمة، وهي مهمة للغاية، ولكنها ليست النعمة الوحيدة في الحياة، ولذا نود منك أن تنمي بقية جوانب حياتك، وأن تحسني منها بزيادة رصيدك من المكاسب الدينية والدنيوية على حد سواء مع زيادة استمتاعك بمباهج الزواج، وتحسين علاقتك بزوجك، وإشاعة البهجة في حياتك الزوجية، وألا تتعاملي مع زوجك وكأنك تعانين من أوجه النقص أو القصور كأنثى فلا تعتذري عن خطأ لم ترتكبيه واستبدلي ذلك بإقامة نوع من الصداقة (الجميلة) مع زوجك.
وأحسني تقدير نفسك دون زيادة أو نقصان وضاعفي من أوجه الاتفاق مع زوجك وقلصي أسباب الاختلاف إلى أقل ما يمكن واهتمي بزيادة رصيدك من الجمال وتعاملي مع زوجك بلطف ونعومة وكوني زوجة صالحة كما أمرنا رسولنا الحبيب (إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته).
ونهديك الدعاء الذي أخبر به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها، حيث نصحها بأن تقوله عندما تشعر بالضيق وهو "يا حي يا قيوم برحمتك استغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
ويمكنك أيضا أن تكثري من قول: "بسم الله على نفسي ومالي وديني، اللهم أرضني بقضائك وبارك لي فيما قدر حتى لا أحب تعجيل ما أخرت أو تأخير ما عجلت".
وأخيرا أدعي الرحمن بكل ما تشعرين به، وأنت في وضع السجود، وسندعو لك نحن أيضاً، وندعو قراءنا الكرام أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء لك، ونحن على يقين بأننا سنهنئك قريباً، فتذكري وقتئذ إخبارنا حتى نشاركك أفراحك، واهدئي واملئي حياتك بكل ما هو مفيد، واستمتعي بكل المباهج المشروعة وتفاءلي دوما تنفيذا لنصيحة حبيبنا ورسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه بضرورة التفاؤل.
ولا تسمحي للشيطان اللعين أن يقترب منك أو أن يفسد عليك أي لحظات في عمرك وتذكري أن الشيطان يذكرنا بالمفقود لينسينا الشكر على الموجود، وأن الرحمن يحب الشاكرين وأن الآية الكريمة تقول (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فاشكري الرحمن على النعم التي رزقك بها، وقومي بأدوارك المتعددة في الحياة كزوجة وربة بيت وابنة وواصلة رحم وصديقة.
واهتمي بسد كل منافذ الشيطان وحافظي على صحتك النفسية والجسدية وتناولي الدواء واستخدمي الوصفات الطبيعية وتجنبي الدجالين والمشعوذين، بالطبع، وتجاهلي أي تعليقات (سخيفة) قد تصدر من المحيطين بك بسبب تأخر الإنجاب(33/335)
وقومي بتغيير الموضوع بلطف وحافظي على حسن ظنك بالرحمن ولا تخافي إلا ذنبه واستبشري خيرا وستجدينه بمشيئة الله عز وجل في أفضل وقت.
وتذكري أن هناك سيدات تأخرن في الإنجاب لسنوات طويلة واستطعن الحفاظ على إيمانهن وتفاؤلهن وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الإنسان مسير أم مخير؟! ..السؤال الأزلي العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته؛
نتعرض لكثير من الأسئلة وخصوصا من ضعاف الإيمان مثل : هل الإيمان اختياري؟، وما ذنب الإنسان أن يعذبه الله طالما أنه سبحانه يعرف أن مصير فلان إلى الجنة وفلان إلى النار منذ أن نفخ فيه الروح ؟
وأيضاً أود أن أفهم معنى الحديث الذي يفيد بأن أجل الإنسان يكتب قبل مولده، كما يكتب : أشقي هو أم سعيد، نريد توضيح هذا الحديث، فهناك من لا يؤمن بالله ويكون سعيداً، ومن يؤمن بالله، وقد يكون عنده كدر في حياته، وما فائدة الجنة والنار إذا كان الله يعرف مصير العباد، هذه الأسئلة نتعرض لها كثيراً فكيف نجيب عليها ؟
و جزاكم الله خيرا
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تقول الدكتورة حنان الإدريسي، الداعية المغربية :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
بارك الله في اهتمامك ابنتي بمسألة الإيمان، وجعل الله مسيرتك مع الإيمان مسيرة زيادة لا نقصان، فقضية الإيمان وهل هو اختياري؟، هي مسالة مهمة على مستوى الفهم، لأنها تحدد سلوك الإنسان وعمله على وجه هذه البسيطة، ومن ثم تحدد مصيره في الدار الآخرة.
أختي الكريمة
اعلمي أن الإيمان فطرة في الإنسان، يقول الله تعالى :( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" يعني أن الإنسان يخلق على الفطرة السليمة وأن الخير أصيل في الإنسان أما الشر فهو عارض، ولكن المجتمع هو الذي يفسده والبيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان هي التي تلوث فطرته وتفسد خلقه ودينه ولاسيما الأبوين.
فهما سبب رئيسي من أسباب الاستقامة أو الاعوجاج، يعني أنه لو خلي بين هذا الإنسان وفطرته لنشأ على الإيمان ولكان اختياره للإيمان أكيدا. ولكن الذي لا ينتبه(33/336)
إليه الإنسان وهو يعيش مع كل هذه العوامل الخارجية التي تؤثر على فطرته أن الله عز وجل أخرجه إلى هذه الحياة وهو مزود بطاقة روحية تلهمه السداد والرشاد وتجعله مسئولا على اختياره. مصداقا لقوله تعالى :( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).
فالله تعالى خلق نفس الإنسان في أحسن تقويم وأودع فيه طاقة وإرادة تجعله يختار طريق التزكية والتقوى أو طريق والمعصية والفجور. إذن فمسؤولية الإنسان والتبعة هي فردية هي اختياراه للإيمان والتقوى أو العصيان والفجور وبالتالي طريق الشقاء.
أختي الكريمة رحمنا الله وإياك وسهل لنا طريق الجنة ووقانا من عذاب النار، ما أحوجنا أن نعرف ربنا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، فهو سبحانه رحيم بعباده ورحمته أكبر من رحمة الأم بولدها. وحاشاه أن يعذب من لا يستحق العذاب، وهو سبحانه عز وجل عادل وغير ظالم لعباده ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ).
وفي الحديث القدسي :"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" واقتضى عدله سبحانه أنه يهدي من قبل طريق الهداية ، فالله عز وجل دلنا على الطريق الموصل إلى الجنة وهو الصراط المستقيم (أركانه، أقواله، وأفعاله، وأعماله ..) وأيضا وضح لنا ما يوصل إلى النار وهذا كله مبين في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما على الإنسان إلا أن يفهم دينه ويتفقه فيه فيزداد إيمانا واتباعا لطريق الجنة، يأتي بعد ذلك دور الإنسان في طلب المعونة و الهداية.
وهذا ما يردده المسلم في كل ركعة من ركعات الصلاة من خلال سورة الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، فأنت تعلن أولا عبوديتك له سبحانه، وبعد ذلك تطلب معونته وهدايته عز وجل، أن المعونة والتوفيق للهداية منه وحده سبحانه وتعالى، فالله عز وجل لا يعطيها إلا لمن يعلم أنه يستحقها "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين".
فهو سبحانه يهدي من قَبِلَ واختار بإرادته الالتزام بالطريق الموصل إلى الجنة، واستعان بالله صادقا طالبا توفيقه وهدايته إلى هذا الطريق ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ )، ولا يضل سبحانه إلا من يستحق الإضلال ممن رفض الالتزام بطريق الله وعاش حياته غير مهتم بطريق الله فكان ممن قال الحق فيهم :( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
أختي العزيزة الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان كما بينه رسولنا الكريم في حديث جبريل عليه السلام المعروف "أن تؤمن بالقدر خيره وشره"، وكل ما يحدث للإنسان من قدر خير أو شر سبق في علمه سبحانه وتعالى، فالمؤمن يعرف أن ربه هو العليم وعلمه سابق لما كان ولما سيكون، وهو ما كتبه الله عز وجل في اللوح المحفوظ. وفي الحديث الصحيح عن عمران بن حصين قال: قيل يا رسول الله أَعُلِم أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم. قيل: ففيما يعملون؟ قال: كل ميسر لما خلق له" رواه مسلم.
ومعنى هذا أن تقدم علم الله وكتابته وتقديره الأشياء قبل خلقها لا ينافي وجود الأعمال التي بها تكون السعادة والشقاوة، وإن من كان من أهل السعادة فإنه يسر لعمل أهل(33/337)
السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فإنه يسر لعمل أهل الشقاوة، ولهذا لا يجوز أن يتكل الإنسان على القدر السابق ولا يعمل لان هذا يعتبر تواكلا ويجر الإنسان للشقاوة.
فلا تناقض- أختي- بين الإيمان في علم الله السابق والإيمان بفاعلية الأسباب ومنها قدرة الإنسان ومسؤوليته، وما يدعم الأسباب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : قيل يا رسول الله : أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى تسترقي بها وتقى نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله" رواه ابن ماجة والترمذي.
إذن أختي فالأخذ بالأسباب واجب والذي يترك الصلاة يتركها بإرادته دون إكراه أو إجبار وكذلك كل الأعمال التي تبعد الإنسان عن ربه كهجر القرآن وعقوق الوالدين والإفساد في الأرض وأسوق لك مثالا – ولله المثل الأعلى- الأستاذ الذكي الخبير بأحوال طلابه أثناء امتحانه لهم يعرف مسبقا من منهم سينجح وهم فئة المجتهدين ومن منهم سيرسب وهم فئة الكسالى، وكونه يعرف ذلك ليس سببا في نجاحهم أو رسوبهم وإنما هو اجتهادهم أو كسلهم.
فلله المثل الأعلى فالله سبحانه تعالى خلق الخلق وهو العليم بأحوالهم( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، علم الله عز وجل سابق وليس سائق لأعمال الإنسان.
شكر الله لك مرة أخرى أختي اهتمامك بأمور الإيمان ورعاك برعايته حتى تكوني من الذين انعم الله عليهم بسعادة الدنيا والآخرة، فسؤالك الأخير يطرح موضوع السعادة والكدر في الحياة، والسعادة في عمقها هي حالة من الرضا والطمأنينة القلبية التي تجعل الإنسان في جميع أحوال حياته ثابتا قويا هادئا يواجه الابتلاءات كلها الخير منها والشر بإرادة كبيرة وهمة عالية وأمل وتفاؤل دائمين ولا ينهزم ولا ينكسر ولا يضعف ولا يضطرب ولا يشقى.
وهذه الحالة القلبية أصبحت حاجة حقيقية ومستعجلة للإنسانية جمعاء، فالإنسان الآن الغربي أولا ومن يتبعهم بمعية من المسلمين يتفننون في طلب السعادة ولكن من زاوية المتع المادية وما يشبع الشهوات الملحة والنابعة من جسد الإنسان كحب المال والسلطة وشهوتي البطن والفرج والأنا المتحكم في ذات الإنسان الذي يوسع دائرة الفردية والأنانية وهذا يجعل الإنسان يكدح ويلهث في هذه الحياة الدنيا ولكن دون سعادة حقيقية قلبية مهما حقق من مظاهرها الخارجية.
نتفق أولا على معنى السعادة التي نريدها في هذه الحياة: هل سعادة مرتبطة بأشياء ومتع؟ أم سعادة حالة من الرضا القلبي الذي ينطلق من أفكار تجعل هذا الإنسان سعيدا في حياته؟ واكبر فكرة تنمي هذه السعادة هي معرفة الإنسان لخالقه وربه سبحانه وتعالى وجعل حياته كلها بحثا عن تطوير هذه المعرفة بالتعبد الصادق والتثقيف المستمر والقول الطيب والسلوك الحسن والإنتاج المثمر ، باختصار حياة هادفة لا تعرف العبث والجهل.
أقول لك- أختي- إذا حاز الإنسان هذا الفهم فمهما لاقته الظروف الصعبة في الحياة والتي قد يحسبها الآخر كدرا كظروف مادية أو ظلم فإنه يجد من الإيمان والقوة الروحية والقرب من الله ما يواجه به أزماته وقد تجده مبتسما متفائلا هادئا راضيا بقضاء الله عز وجل. وأما من لا يؤمن بالله فمهما تجلت فيه مظاهر وأشكال السعادة(33/338)
فانه بداخل هذا الإنسان اضطراب وجزع، فالنفس خلقت لمعرفة الله والإنسان محتاج لهذه المعرفة كي يشبع هذا الجوع الروحي من خلال صلاته وذكره وصيامه وقرآنه فالله تعالى يقول:"إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين".
أختي الكريمة إذا كان سر خلق الإنسان هو قاعدة الابتلاء "لنبلوكم أيكم أحسن عملا" وإذا كانت الدنيا دار عمل وانقسم الناس بين مجد ومجتهد في طريق التزكية والتقوى وبين معرض غافل في طريق المعصية والشقاء، فلابد من دار للجزاء تمنح فيها العطايا والهدايا لمن اتبع وصدق بطريق الله تعالى ومن عدالته أيضا أن يلقى المعرضون الضالون جزاءهم في هذه الدار الآخرة.
ولنتعلم أختي الكريمة، حسن الظن بالله تعالى، فنحن نقدم أعمالا صالحة تثقل ميزاننا يوم العرض عليه، ونرجو أولا و أخيراً رحمته عز وجل. اللهم ارحمنا اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا وتولنا برحمتك يوم الوقوف بين يديك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ويضيف الشيخ عصام الشعار:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وبعد.
فهذه الشبهة قديمة، ولقد أفاض العلماء في الجواب عنها، ويحسن بنا أن نجلي هذه القضية في النقاط التالية:
1- هناك أمور لا دخل للإنسان فيها، فهو مسير فيها رغما عنه كلون بشرته، ونوعه ذكراً أو أنثى، وكجنسيته، وكمولده في التاريخ الذي ولد فيه، فهذه أمور لا دخل للإنسان فيها، ولذلك لا يحاسب عليها.
2- وما عدا هذه الأمور، وهي المساحة الواسعة في حياة الإنسان داخلة في اختيار الإنسان وحريته، فالإنسان هو الذي يقرر هل سيلتزم بمنهج الله، أم يتمرد عليه؟ ويقرر: هل يسكن هنا أم هناك؟
3- لكن هذه الأمور التي يقررها الإنسان قد سبق في علم الله تعالى على أي وجه ستكون، فالإنسان لا يعلم سيتزوج من في دنياه قبل الزواج، ولكن الله يعلم من قبل أن يخلق الإنسان من ستكون زوجته، فعلم الله يحيط بهذا كله، وقد أودع الله في كتابه المحفوظ كل أفعال العباد واختياراتهم وآمالهم وآلامهم وديانتهم وغير ذلك، وليس معنى هذا أنه أجبرهم على هذه الأمور، ولكنه علم بعلمه المحيط دقائق هذه الأمور قبل أن تقع. يقول تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
ولتقريب هذا المعنى نضرب هذا المثال: بينما يجلس أحد الآباء مع أولاده إذا بصديقه يطرق عليه الباب، فأراد الأب أن يصرف أولاده ليصفو له الجو مع صديقه، فأعطى لكل ولد من أولاده دينارا ليتفرقوا من حوله، وأعطاهم حرية التصرف في هذه الأموال. ثم أقبل الرجل إلى صديقه يحدثه فقال له : أنا أعلم تحديدا ماذا سيفعل كل ولد بما معه من مال، فقال له وماذا سيفعلون، فقال: أما الأكبر فإنه سيدخر ديناره(33/339)
ولن ينفق منه شيئا مهما كثرت المغريات أمامه، وأما الأوسط فإنه سيتصدق به، ولن يأخذ منه شيئا لنفسه، وأما الأصغر فإنه سيشتري به حلوى نوعها كذا.
وبينما هما كذلك إذ أقبل الأولاد الثلاثة، وقد صنع كل واحد منهم مثلما أخبر عنه أبوه وكأنما كانوا ينفذون خطة مدروسة، أو صفقة محكمة، فتعجب الصديق، فقال له الأب : إنهم أولادي وأنا أعلم بهم. – ولله المثل الأعلى- فالله تعالى يعلم من عباده ماذا سيفعلون فكتب ذلك كله فتأتي أفعالهم على وفق المكتوب تماما وكأنهم يؤدون أدوارا في تمثيلية مكتوبة.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الوصايا العشر للمحافظة على التوبة العنوان
غذاء الروح الموضوع
مشكلتي كبيرة جدا، وأرجو الله أن يساعدني في حلها، تتلخص مشكلتي في أنى لا أواظب على الطاعات رغم مرور بعض الأوقات التي أشعر فيها بحلاوة الإيمان، ولكن أعود إلى المعاصي. والحقيقة أني ارتكبت بعض الكبائر مثل شرب الخمر، والمصيبة العظمى الزنا في مكة المكرمة، ولا أعرف هل التوبة تمحى هذه الكبائر أم أن عدم ثباتي على الطاعات دليل على عدم قبول توبتي؟
لقد حججت بعد جريمة الزنا، ودعوت الله كثيرا، وبكيت كثيرا، وواظبت على فعل الطاعات لمدة 8 أشهر تقريبا، ثم عدت للمعاصي مرة أخرى، لكن دون فعل كبائر، ثم تقربت إلى الله مرة أخرى، ولكن أقل من المرة السابقة، ثم عدت إلى المعاصي مرة أخرى، وأشاهد الأفلام الجنسية، وأمارس العادة السرية، وتفوتني بعض الصلوات، وسعيت للزنا مرات ولكنى تراجعت تارة وحالت الظروف تارة أخرى.
أنا في حيرة شديدة، في أوقات اشعر أني منافق على الرغم أنه تمر علي أوقات أصلي فيها قيام الليل، وأدعو الله أن يغفر لي، وهذا بالطبع ليس أمام أحد. أنا في حيرة شديدة ساعدوني.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
أهلا بك أخي أيمن، ونشكر لك ثقتك في إخوانك في إسلام أون لاين.نت، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة وأن يجعلنا أدلاء للناس على الخير.
لم تذكر لنا أخي الحبيب معلومات كافية عن نفسك؛ مثل سنك وعملك وحالتك الاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي ربما نحتاجها أثناء الرد عليك، ولكن نقول بصورة عامة، سائلين الله السداد:
أبدأ معك أخي بقول الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، وأدعوك يا أخي أن تقرأ هذه الآية المباركة بلسانك وعقلك وقلبك وكل جوارحك، ثم ارجع البصر فيها(33/340)
مرة أخرى، ثم فكر مع نفسك في هذا الرب العظيم الذي يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم الذي أخبرنا عن عظيم فضله وواسع رحمته فقال: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ وَمَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}، يا له من فضل عميم ورحمة واسعة، ويا له من رب كريم وإله عظيم، يغفر ما دون الشرك، يقول عز من قائل في الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" (رواه التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ).
أدعوك أخي الحبيب للتفكر في هذه الأشياء وأن تقف مع نفسك وقفة صدق كلما هممت بمعصية وقل لها: هل يستحق هذا الإله العظيم منك هذا العصيان؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ لو أن عبدا أسدى إليك بمعروف فإنك ستجتهدين في مكافأته وتحرصين على رد جميله.. فهل يكون رد النعم التي لا تحصى من الله هو هذه الذنوب والمعاصي؟
فإذا وجدت في نفسك إصرارا على المضي في طريق المعصية فاستكمل معها الآيات {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}، وقل لها: إن الموت يأتي فجأة وإن العذاب يأتي بغتة وإن الله يمهل العبد ولكن لا يهمله. والموت ليس له سن معينة ولا تدري لعل الله يقبض روحك وأنت على هذه المعصية؛ فكم من شاب فتي صحيح البدن قبض فجأة بدون إنذار، والمرء يبعث على مات عليه.
فإذا لم تستجب لك، ولم يسلس لك قيادها؛ فاستكمل معها باقي الآيات: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}
استأنف معها الحوار محذرا إياها بأن هناك يوما ستندم فيه أشد الندم على فرطت في جنب الله، تتمنى حين ترى العذاب أن تعود إلى الدنيا مرة أخرى لتكون من المحسنين، ولكن هيهات.. يأتي الجواب الصادم من رب العزة {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، يأتي الجواب القاسي الذي يتناسب مع الموقف وما فيه من استهتار العبد برحمة ربه وغروره بإمهاله إياه {كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
قل لها: حينها سينقسم الناس فريقين: فريق الذين كذبوا على الله؛ كذبوا عليه باقتراف الذنوب والمعاصي مع معرفتهم أنه شديد العقاب، كذبوا عليه في عودتهم في توبتهم، وهؤلاء ترى وجوههم مسودة، ومثواهم النار وبئس المصير. والفريق الآخر هم الذين اتقوا وهؤلاء ينجيهم الله بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون.
أخي الحبيب روي أن أحد الصالحين كان يحفر في بيته قبرا، فإذا وجد في قلبه قسوة وفي نفسه ميلا للمعصية نام في هذا القبر وأغلق بابه وتخيل نفسه وهو في قبره(33/341)
وتذكر ذنوبه ومعاصيه فيصيح: "رب ارجعون.. رب ارجعون"، ثم يفتح باب قبره ويقوم ويقول لنفسه: هاأنت يا نفس قد رجعت فاعملي ليوم تقولين فيه "رب ارجعون" فيقال لك: كلا..
أخي الحبيب أشعر أن فيك خيرا كثيرا، وأنك تستطيع أن تقود نفسك.. رغم ما فعلت من المعاصي والذنوب، حتى وصل بك الحال أن تزني في أطهر مكان تربى فيه أطهر البشر -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام.. ستقول لي: إذن فأين هو هذا الخير؟! أقول لك: إنني أجد هذا الخير في إحساسك بذنوبك وفي محاولاتك العودة والرجوع إلى الله، وفي ابتعادك عن الذنوب والمعاصي ثمانية أشهر، وفي حجك بيت الله الحرام، وأخيرا في إرسالك إلينا هذا السؤال..
كل هذه نقاط إيجابية وغيرها الكثير أنصحك أن تجلس مع نفسك وتبرز هذه الإيجابيات وتكون منطلقا لك للتوبة والعودة إلى الله تعالى، قف مع نفسك وقل لها: سأعود إلى ربي سأقف بابه فهو الكريم لا يرد من عاد إليه، ستجد صعوبة ومجاهدة من النفس ومن الشيطان ولكن لا تستسلم لهما، وقل: إنني كما صبرت على البعد عن المعصية ثمانية أشهر فباستطاعتي البعد عنها طوال الدهر. وهيا أخي جاهد نفسك وقاوم الشيطان وارفع شعار "وداعا دنيا العصيان.. وأهلِّي دنيا الإيمان".
ولكن اعلم يا أخي أنه ليس هناك معصوم بعد خير خلق الله الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وأن طبيعة المسلم أنه يعصي الله ويفعل الذنوب ولكن سرعان ما يتوب ويرجع إلى ربه؛ فإذا ما تاب توبة صادقة نصوحا متحققا فيها شروط التوبة من ندم وإقلاع عن الذنب وعزم صادق على عدم العودة إليه؛ فإن الله يغفر له ذنبه بل ويتفضل عليه بأن يبدل سيئاته حسنات، حتى وإن عاد إلى ذنبه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك" (رواه مسلم).
وإليك أخي بعض الوصايا التي أسأل الله أن يكون فيها عون لك على العودة والرجوع إلى الله :
1. استحضر عظمة الله في قلبك : وقدرته على خلقه وعظيم عفوه عنهم، وذلك بالإكثار من ذكره تعالى، والتفكر في عظيم آلائه ونعمه. واستشعر مراقبته لك وضع أمام عينيك دائما "الله معي، الله ناظري، الله مطلع علي"؛ فهذا هو العاصم الوحيد لك من الوقوع في المعصية سواء كنت في مكة أو في أوربا. فمن يتجرأ على عظمة الله لن تمنعه عظمة المكان أو الزمان.
2. أكثر من الطاعات واصبر عليها؛ فهناك علاقة عكسية بين الطاعات والمعاصي؛ فكلما زادت الطاعة قلت المعصية، والعكس.
3. من الوسائل الهامة جدا للثبات على الطاعة والبعد عن المعصية الصحبة الصالحة والبيئة المعينة، وهو ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: "المرء على(33/342)
دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل"، وإذا وجدت في نفسك صعوبة وحنينا إلى أصدقاء السوء فتذكر قول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}.
4. ابتعد عن الأجواء والأسباب التي تؤدي بك إلى الوقوع في المعاصي؛ مثل الخلوة بالنفس، وخاصة مع وجود سبل للمعصية مثل الفيديو أو النت أو القنوات الفضائية.
5. اعلم يا أخي أن في النفس طاقة لا بد من تنفيسها وترشيدها فيما يفيد وينفع؛ فهذه الطاقة كالبخار في القدر؛ إذا أحكمت إغلاق القدر عليه فإنه سينفجر وإذا فتحت له باب القدر كله ضاع في الهواء من غير فائدة، ولكن إذا فتحت له فتحة مناسبة وأخرجته بقدر حاجتك فإنك يمكن أن تسيِّر به القاطرات. ولذا أوصيك أن تستفيد من جهدك وطاقتك في الأعمال الدعوية والاجتماعية المفيدة والنافعة.
6. ضع أمام عينيك دائما طبيعة الصراع القائم بين الشيطان والإنسان منذ الأزل؛ فقد توعد الشيطان بإضلال العبد ما استطاع على ذلك سبيلا وصده عن سبيل الله، وأرشد الله عباده المؤمنين على السلاح الذي يستخدمونه في هذا الصراع فقال عز من قائل: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
7. تذكر دائما يا أخي أن صاحب المعصية يستمتع بمعصيته، ولكنه استمتاع الأجرب بحكه جربه، سرعان ما ينقلب ألما وندما، وأن صاحب الطاعة يستمتع بطاعته استمتاعا أبديا.
8. إذا حدثتك نفسك بالمعصية فاصنع مثل هذا الشاب الذي أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أغلق عليهما الباب، فلما همّ بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها إلى طريق الله.
9. الجأ إلى الله بالدعاء، وقف ببابه ومرغ وجهك على أعتابه وألح عليه في الدعاء أن يفتح لك باب طاعته؛ فهو الكريم الذي لا يرد من لجأ إليه، ويفرح أشد الفرح بعودة عباده إليه، مع غناه عنهم وحاجتهم هم إليه.
10. احذر الصغائر؛ فهي طريق موصل للكبائر؛ فمن تجرأ على الصغيرة يوشك أن يقع في الكبيرة، ويقال: "لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار".
أخي الحبيب وفي النهاية أسأل الله أن يتقبل منا توبتنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ولا تنسنا من صالح دعائك
ـــــــــــــــــــ
الاسم
"عصينا الله معاً".. توبا إليه معاً العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،(33/343)
قبل أن ابدأ فإنني أتمنى من الله أن يقبل توبتي، وإلا فأنا هالك لا محالة.
سيدي لقد أغواني الشيطان، ورماني في بحر الخطيئة .. وللأسف أخذت معي خطيبتي أيضاً، والتي سوف أتزوجها، بإذن الله بعد أشهر قليلة، لقد هون لنا الشيطان- عليه لعنة الله- الخطيئة، وحلل لنا المحرمات، واستصغر لنا المعصية، فعصينا الله معاً، تحت مسمى (الحب) !
فلكي نثبت لبعضنا أننا نحب بعضا فلابد من القبلات الحارة، والأحضان الدافئة، وليس هناك مانع من مواقعتها. نعم مواقعتها .. ومع من؟! مع خطيبتي!! وأنا الآن تائب، وأتوب، وكاره لنفسي أشد الكره، ونفسيتي مدمرة، لأنني أفقدت أعز مخلوق لدى اعز ما تملك، وعصيت الخالق عز وجل وظلمت نفسي وظلمتها، وأدخلت في نفسي هواجس عدم الأمان منها، من خطيبتي، لقد فعلت معي الفحشاء، فهل ستفعلها مع غيري؟! ولكني أقول لنفسي : أنت السبب، تحمل عواقب خيانتك لأهلها، واستغلال الثقة بكل صفاقة وانحلال.
سيدي .. ماذا أفعل؟، أريد التوبة، وأن يقبل الله توبتي، وأن يوفقني، وأن أجعلها تتوب هي الأخرى، بدون جرح لمشاعرها، فأنا أول من تعرفت إليه في حياتها، وأنا من أوصلتها إلى ما هي فيه الآن، واعتقادها بأن هذا هو الحب بهذه الطريقة حتى ولو لم نكن متزوجين. اللهم تقبل توبتي وارحمني يا ارحم الراحمين.
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخ الفاضل :
حين نصل إلى نتيجة، سواء أكانت نتيجة مرضياً عنها أم لا، يجب علينا أن نعرف الدوافع إليها، ومقدماتها، والأسباب التي أدت إليها، يعني أن ندرك ما نفعل وما فعلنا، فإن كانت النتيجة خيرا، سرنا في الطريق بوسائله، بل نسعى لتطوير أنفسنا فيه، أما إن كانت النتيجة خطأ، فواجب علينا بعد التوبة إلى الله، والندم على الفعل، والعزم الأكيد بيننا وبين الله بصدق وحق ألا نعود لمثله أبدا، كما لا يعود اللبن إذا خرج من الضرع، ومع هذا، يجب علينا أن نقطع تلك الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الفعل المنكر، وتلك الجريمة البشعة، وهذه الكبيرة التي تكاد تهتز لها السماء.
وإتيان الكبيرة له أسباب، من أهمها :
الاستهانة بالمحرمات : فحين يهون الحرام في نفس الإنسان يقدم عليه، وهذا يعني أنه لم يدرك معنى الحرام، فإن المحرمات من حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، فيجب أن ندرك أن الإقدام على المحرمات هو اعتداء على حدود الله تعالى، وأن ندرك حدود من نقتحمها، ولا نرعى لها حرمة ولا ذمة، وفي ذلك استهانة بصاحب الحرمات، وما أصدق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم :" اتق المحارم تكن أعبد الناس"، فأعلى غايات العبادة أن يجتنب العبد ما حرم الله تعالى. وقالت عائشة رضي الله عنها : من سرَّه أنْ يسبق الدائبَ المجتهدَ، فليكفَّ عن الذنوب.(33/344)
الخلوة المحرمة: وهذه الخلوة إما أن تكون ناتجة عن جهل بالدين، حيث يرى البعض أن المخطوبة في مقام الزوجة وليست في مقام الأجنبية، أو أنه يدرك أنها حرام، ولكنها ليست كغيرها، وأنه يحل له بعض الأشياء القليلة من الأخطاء من باب التعارف، وكل هذا جهل بالدين. لأن العلاقة بين الخاطبين هي علاقة أجنبي بأجنبية من حيث الأصل، وما الاستثناء إلا لأجل التعارف، لا لتفريغ الشهوة، والسماح للنفس بالخلوة المحرمة التي يكون الشيطان ثالثا فيها، كما ورد في الحديث :"لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" البخاري، وعند الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان".
غلبة الشهوة : حيث إن كثيراً من الخُطَّاب يرون أن فترة الخطبة هي فترة التعارف العاطفي، وتفريغ الشهوات، وكسر الحواجز والقيود، فحين يهتم الخاطب بالجانب العاطفي يتبعه الاهتمام بالشهوة، ومع الخلوة تتحول العاطفة إلى شهوة جنسية، ويزداد سعارها، ويشعلها الشيطان حتى يوقع المرء فيما حرم الله، فيتيه عقله، ويفقد صوابه، ويكاد يكون كالأعمى الذي لا يبصر، حتى إذا وقع في الحرام، ضحك الشيطان وعلت ضحكاته، ولول الإنسان بعد تزيين الشيطان له، وهو يتنكر من فعله، وأنه لم يكن له سلطان عليه. وقد حكى القرآن صورة هذا الندم فقال تعالى :( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم :22].
استشعار حلاوة الفعل الحرام : وإشباع النفس بلا تعقل، وغياب العقل والشرع، فإذا غاب العقل، وغيب الشرع، لا سبيل للإنسان إلا أن يتبع هواه، فيضل كما قال تعالى :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص :50]. ومن نتائج اتباع الهوى إغلاق القلوب فلا تبصر، كما قال تعالى:( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف : 28]. بل يحذر القرآن من أن متبع الهوى لن ينفع أحداً، إلا أن يعود إلى الله تعالى، كما قال تعالى :( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) [الفرقان :43]. وقد أحسن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – حين قال : الهوى شر إله عبد، فنهاية اتباع الهوى أن يهوى المرء في المهالك.
غياب مراقبة الله تعالى : فإن من تيقن أن الله تعالى معه، و أحيا المراقبة في قلبه، جعل بينه وبين الكبائر حجابا مستورا عاليا، لا يراه الشيطان، ولا يتطلع إليه، حفظا من الله، ببركة مراقبة الله تعالى له. وإن الجاهل عن الحقيقية ليستحي من الناس، ولا يستحي من الله، وذلك لضعف إيمانهم وقلة يقينهم وانطماس بصيرتهم، وفي بعض الأخبار يقول الله تبارك وتعالى : يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم فالخلل في إيمانكم، وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم.
و كما قال ابن عجيبة :" وأما الخاصة فهم يطلبون من الله الستر عنها، والعصمة منها، خشية أن يسقطوا من عين الحق، وصدور المعصية من العبد سوء أدب، ومن أساء الأدب مع الأحباب طرد إلى الباب، فإذا وقعت منهم معصية بادروا إلى(33/345)
الاعتذار وصحبهم الخجل والانكسار ثم جدوا في سيرهم ولم يقفوا مع نفوسهم إذ لا وجود لها في نظرهم ولا التفات لهم إلى الخلق إذ لم يبق في نظرهم إلا الملك الحق، غابوا بشهود الحق عن رؤية الخلق أو بشهود المعنى عن رؤية الحس أبو بشهود الموسوط عن الواسطة، وأما خاصة الخاصة فلا يطلبون شيئاً ولا يخافون من شيء؛ صارت الأشياء عندهم شيئاً واحداً، واستغنوا بالشاهد الواحد عن كل واحد، فهم ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقونه بالقبول والرضي، فإن كان طاعة شهدوا فيها المنة، وإن كان معصية شهدوا فيها القهرية وتأدبوا مع الله فيها بالتوبة والانكسار قياماً بأدب شريعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم".[إيقاظ الهمم شرح متن الحكم لابن عجيبة، 1/148] .
إلف المعصية : فمن ألف المعصية، استوى عنده إتيان الكبائر والصغائر، ولذلك لهمس قلبه عن أن يشعر بحرمة الفعل، والتجرؤ على الخالق في المعصية، وخاصة إن كانت كبيرة، فتكرار النظر المحرم، واللمس الحرام، وما قد يزيد على هذا، فيؤدي إلى ارتكاب الكبيرة، وما أبلغ القرآن إذ قال في شأن الزنى :( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء : 32]، فهو لم يحرم الزنى فحسب، بل حرم مقدماته، لأنها باب إليه، وهو باب مفتوح ليس دون قفل ولا حجاب.
ويكون من نتائج تلك الأفعال أن يكله الله تعالى إلى نفسه والشيطان، فيتخبط بأفعاله، ويهزي بأقواله، لأنه زحزح عن مركز التوحيد، كما قال الحكيم الترمذي رحمه الله :" وأهل الذنوب ينوحون ندما على ما فرط منهم من الجفاء وأسفا على ما فاتهم من المركز الذي أحلوا به؛ فإن لكل مؤمن مركزا بين يدي الله، وهو حزب الله؛ فإذا أذنب، فقد زال عن المركز، وخرج من الستر، فتفرد عن المأمن. فهو ينوح على ذلك. فهذا نوح التوبة فإن النوح ظاهر فعله، والحنين باطن فعله، حن إلى المركز فناح عليه؛ لأنه وإن تاب؛ فإنه لا يقدر على رد تلك الساعات التي مضت في وقت المعصية، وقد زال عن المركز؛ ألا ترى إلى قوله عز وجل : (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه).
فمراكز الموحدين بين يدي الله نصب عينه، وعين الله عليهم؛ فإذا زال عن المقام، وتداركه الله تعالى بأن تاب عليه، ناح على تلك الساعات التي مضت ومركزه خال عن العبودية غائب عن حزب الله. وكذلك شأن الملائكة.. ألا ترى إلى قول الله تعالى: (وَما مِنَّا إِلا لَهُ مَقامٌ مَعلُوم). فهذا المقام ليس مقاما لأجسامهم، إنما هي مقام أعمالهم. [المنهيات للحكيم الترمذي، ج1/10] .
فما المطلوب فعله ؟
وإذا كانت هذه أهم الأسباب، فإن من المطلوب فعله تحصيل ما فات من الطاعات، وترك ما وقع فيه المرء من الآثام، وأن يجاهد نفسه، وأن يغلب العقل والشرع، وأن يدرب نفسه على المراقبة شيئا فشيئا، ومن داوم قرع الباب، أوشك أن يفتح له، فلا يخلو بما حرم عليه أن يختلي، ولا يقرب ما حرم عليه أن يقترب، ولا يتلذذ بالمحرم، فإنه حلاوته فانية، وقسوته باقية، بل يكون دائما مع الله، فإن غلبه الشيطان عاد وأناب، ولبس ثوب التوبة إلى الله، عسى الله أن يطهره من الذنوب، وما ذلك على الله بعزيز.(33/346)
المطلوب منك – يا أخي- ما يلي:
• ألا تختلي بمخطوبتك ثانية، بل لا بد من وجود محرم.
• أن تأخذ نفسك بالعزائم، فإن النفس إن هانت عليها المعصية، عوملت بنقيض ضدها، وشدد عليها، حتى تعود إلى طبيعتها.
• أن تكثر من الندم والتوبة إلى الله تعالى والبكاء بين يديه.
• أن تكثر من الأعمال الصالحة، فإنه كما قال تعالى:( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].
• أن يحسن عملك، وتصلح سريرتك، وأن تسعى أن يكون صالحا باطنا وظاهرا، سرا وعلانية، وحدك أم مع جماعة.
أما فيما يخص ما فعلت مع مخطوبتك، وما يجب عليه اتخاذه، فإني أنصحك بما يلي :
أن تسارع بالعقد والبناء، فما دمت قد خطبتها، ورأيتها فيها الزوجة المناسبة، فليس من الحكمة أن تحاسبها على خطئك معها مع خطئها، ولا تدع للوساوس عليك طريق، أن تفكر في أنها قد تخطئ معك، فإنها قد أخطأت مع خطيبها، وأنت أخطأت، فكيف تلومها ولا تلوم نفسك، وكيف ترى أن شرفها قد ضاع، وهو قد ضاع معك، وإن كنت فعلت معها هذا تحت ستار الحب الكاذب، فكن رجلا واستر عليها وعلى نفسك، وأكمل مشوار حياتك، وتوبا معا إلى الله، إنه سبحانه وتعالى يبسط يديه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
وأرى أنك إن تخليت عنها، فقد ظلمتها وأخطأت في حقها، وأحسب أن حسابك سيكون عسيراً، فما دمت قد قبلتها، فأكمل مشوارك معها، فكلاكما خاطئ، وليكن كلاكما عائد إلى ربه سبحانه وتعالى. وتذكر ما قلته من أنك أول شخص تتعرف عليه، وأنك الذي سعيت إلى ما وقعتما فيه. فاجلس معها، واتفقتا على خطوات عاجلة عملية للتوبة بشكل سريع، وأن تسارعا أيضا في إتمام زواجكما.
أسال الله تعالى لك ولمخطوبتك التوبة النصوح، ولي ولجميع المسلمين أيضاً. وتابعنا بأخباركما وأخبار توبتكما و زواجكما أيضاً لنطمئن عليكما.
ـــــــــــــــــــ
تبت عن "العادة".. فسترني ليلة الزفاف العنوان
الأخلاق الموضوع
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
جزاكم الله كل خير على ما تبذلونه من نفع للإسلام والمسلمين. كنت في حرب ضارية مع نفسي والشيطان منذ المرحلة الثانوية. فلقد كنت أفعل العادة السرية بانتظام نظرا لجهلي بحرمتها، وعدم توعية الأم بخطورتها.
وعندما علمت بخطأي؛ ظللت أجاهد نفسي مرة وأسقط أخرى، ثم قرأت عن المجاهدة والمشارطة والمعاقبة، وصمت النوافل، والأهم دعوت الله ليلا ونهارا أن ينجيني من نفسي والشيطان إلى أن أكرمني ربي وبعدت عنها تماما؛ بل كرهتها ولم أعد أفكر فيها أصلا.(33/347)
وتم عقد قراني على شاب متدين جدا، وكانت المشكلة في أنه إن سلم علي باليد أو لمسني أحس بشهوة. جاهدت نفسي طول فترة العقد أني لن أفعل هذه المعصية مهما حدث؛ ومعي في طريقي المجاهدة والمعاقبة والصيام والدعاء.
وسبحان ربي أن جعل همي في الإقلاع عن هذه المعصية؛ مع أني لم أكن أعلم إن كان الغشاء فض بسبب المعصية أم لا!
وتم الزواج بفضل الله على ما يرضي الله ورسوله. والمفاجأة أنني وجدت الغشاء لم يفض بسبب المعصية. فأحسست كم أن الله معي.
وفوق هذا أخلاق زوجي العالية وتدينه وكل الصفات الحسنة، فلم يكن يتصنع في أيام العقد، وداوم على طبعه كما عرفته.
منذ ليلة الزفاف، وددت أن أسمع العالم كله قصتي؛ ليحسن الجميع الظن بالله، ويعلم كما هو رءوف بعباده. فلو لاحظتم لم أستعن بغيره فأعانني. وحين كان همي اتقاءه في البعد عن المعصية؛ رزقني من حيث لأحتسب، ورزقني الله بطفلين، يقول عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
عذرا للإطالة فكم كنت أود أن أشرح لكم فضل الله علي أكثر وأكثر.. اللهم انفع بهذا الكلام، وجزآكم الله خيرا أن كنتم سببا في أن أوصل لغيري معنى عشته وأحسسته مع الله.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بك أختي السائلة على شبكة إسلام أون لاين، ونشكر لك ثقتك فينا ونسأل الله أن نكون أهلا لهذه الثقة.
كما نشكر لك أختي السائلة روحك العالية وهمتك القوية في مجاهدتك لنفسك والحرص على إرضاء ربك؛ فأنت وقعت في بعض المعاصي عن جهالة وحينما علمت بحرمتها سارعت بالتوبة والإقلاع عنها.
فأنت ممن قال الله عز وجل فيهم: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال عز من قائل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
لقد استوقفني في قصتك حرصك الدائم والمستمر على التوبة، خاصة أنه ارتبط بشخصية ناضجة وباحثة عن سبل الهداية؛ حتى جربت مراتب مجاهدة النفس التي ذكرها الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" من مجاهدة ومشارطة ومعاقبة مما لا يصل إليها إلا باحث صادق وصائد ماهر.
أختاه أتمنى أن يطلع على قصتك هذه كثير من الشباب الذي تاهوا في غياهب المعاصي والمنكرات، وإذا سألت أحدهم قال لك: "إن الله غفور رحيم"، أو قال لك:(33/348)
"العمر أمامنا طويل، ودعنا نعش حياتنا"!! وكأنه اتخذ عن الرحمن عهدا أن يمهله حتى يتوب.
ويتحجج البعض بأن نفسه وشيطانه يغلبانه ولا يستطيع التحكم فيها، ولكنك ضربت له المثل والنموذج في أن من صدق مع الله يسر الله له سبل الهداية والرشاد.
والله عز وجل حينما أمرنا باجتناب المعاصي كان علمه قد سبق أن في استطاعتنا فعل ذلك؛ فهو عز وجل لا يكلف عباده بما لا يطيقون.
ومن الجميل أن يرى الإنسان أثر توبته وفعله الصالح؛ فيستشعر حقا معنى قول الله تعالى: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}، فإذا استشعر هذا المعنى وعايشه؛ يكون حريصا على التزود منه، فيعيش كل حياته وحركاته وسكناته طائعا لله متقيا له.
أختاه إننا لو أخذنا نموذجك هذا، ونظرنا له من زاوية أوسع؛ فإننا نثق أن ما أصاب أمتنا من فقر وعوز إنما هو من أعمالنا ومعاصينا التي استوجبت ما حاق بنا. وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
أختاه.. استوقفني في كلامك موقف أهلك وعدم توعيتهم لك؛ فهذه مشكلة كبرى تقع فيها الكثير من عائلات المسلمين؛ فالأم راعية في بيت أهلها ومسئولة عن رعيتها.
ومن أهم مسئولياتها التي استرعاها الله تربية أبنائها وتوعيتهم بطبيعتهم وبحقيقة أجسادهم والمرحلة العمرية التي يعيشونها؛ فتفتح باب حوار صريح وهادئ مع ابنتها، تذكر لها ما لها وما عليها في هذه الفترة، وكيف تتصرف مع التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ عليها.
بهذا الحوار نضمن تنشئة صحيحة ومنضبطة بضوابط الإسلام والعرف السليم حتى لا تبحث البنت أو الولد عن هذه التساؤلات خارج المنزل. فربما صادفوا بعض الأماكن أو الأشخاص الموبوءين؛ فيقعون فريسة سهلة لهم، ويحدث ما لا تحمد عقبها.
وفي النهاية هذه أختاه تجربتك ننشرها لك على موقعنا لعل الله ينفع بها عاصيا فتكون معينا له، أو تائها في غياهب المعاصي فتكون دليلا ينير له الطريق لله رب العالمين؛ فهي كلمات تنضح بالصدق والنورانية لأنها عن تجربة صادقة وناجحة.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الثبات وعدم التردد.. وسائل معينة العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم، وأشكركم على هذا الموقع المفيد، وبعد :
كيف يمكن تحقيق الثبات النفسي أمام فتن الدنيا ؟، وكيف يمكن تحقيق العزم على الشيء، أي عدم التردد؟. أسألكم النصيحة، وأشكركم مرة أخرى على جهودكم لخدمة الإسلام، وأسأل الله لكم التوفيق، واعلموا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار(33/349)
الرد
أخانا في الله/ هشام
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين
ثم أما بعد :
وقد أكبرت فيك سؤالك عن كيفية (الثبات النفسي عند فتن الدنيا) و(العزم على الشيء أي عدم التردد)، وأقول بالله التوفيق :
إن الناظر في الدستور السماوي الخالد (القرآن الكريم) يرى أن الله سبحانه قد قسم الناس من حيث النظر إلى الدنيا إلى صنفين فقال تعالى: (مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ)، وترك سبحانه للمسلم في هذه الحياة حرية الاختيار فقال تعالى :( وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).
وبين عز وجل أن متاع الدنيا قليل وأن الأجر الكبير في الآخرة فقال :(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) وقال عز من قائل :( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)، وأوضح سبحانه أن من اختار الآخرة وآثرها على الدنيا فإن الله سيجزيه أجر الدنيا والآخرة فقال:( مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ).
أما بخصوص سؤالك عن كيفية (الثبات النفسي عند فتن الدنيا) فإنني أوصيك بالآتي :
1- أن تعلم أن هذه الدنيا دار فتن وابتلاء وامتحان، لتجتهد فيها بالطاعات والبعد عن المعاصي.
2- وأن تعرف أنها دار ممر لا دار مقر، فلا تعول عليها كثيرا بالأماني.
3- أن تكون على يقين وثقة من أن الله سبحانه يبتلي عباده ليميز الخبيث من الطيب فيرقي الثابتين منهم درجات، ويمحص المؤمنين.
4- اعلم أن هناك علاقة طردية بين زيادة الإيمان والثبات في مواجهة فتن الدنيا، بمعنى أنه كلما زاد إيمانك وتوثقت علاقتك بربك كلما كنت قادراً على مواجهة الدنيا بفتنها، والعكس صحيح.
5- اجلس مع نفسك، وحدد أين أنت من تكاليف الله عز وجل؟، وهل أنت مع الطائعين المخبتين أم أنك مع العاصين المتمردين على نعم الله وتكاليفه الشرعية ؟
6- أعد النظر في أصدقائك وأصحابك، فلا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا مؤمن، ولا يدخل بيتك إلا تقي. وذلك وفق الفهم الصحيح للحديث.
7- استعن بالله والجأ إليه، وتعوذ به سبحانه من فتنة الدنيا، كما كان يتعوذ منها سيدي وسيدك وسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.(33/350)
وقد أشار فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد، من علماء السعودية، إلى بعض وسائل الثبات في بحث له، أذكر لك منها :
أولا : الإقبال على القرآن ( قراءة وحفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً.).
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح .
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء، وادرسها للتأسي والعمل .
رابعاً : أكثر من الدعاء .
خامساً : اجعل لسانك رطباً بذكر الله.
سادساً : احرص على أن تسلك طريقاً صحيحاً واضحاً لا عوج فيه .
سابعاً : التزام منهج الإسلام في التربية .
ثامناً : الالتفاف حول العناصر المثبتة من الصالحين الذين يشدون أزر الناس في الثبات .
تاسعاً : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام.
عاشراً : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به.
حادي عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات .
أما عن سؤالك عن كيفية (العزم على الشيء وعدم التردد)،فإن التردد ليس كله شر، فقد يتردد المسلم عن فعل ما يغضب الله عز وجل، فيكتب الله له الأجر، ففي الحديث (من هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب وإن عملها كتبت) أخرجه مسلم.
واحرص- أخي- حفظك الله :
1- على معرفة فضل الشيء الذي تعمله، فإن معرفة الفضل يجعل الإنسان أكثر تمسكا وإصرارا .
2- على وجود الرغبة والمبرر في فعل الشيء، فإن الراغب في الشيء يستعذب المشقات ليصل إلى ما يريد.
3- على التدرب على اتخاذ القرار، وعدم الخوف، وامتثال قوله تعالى:(لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم). وإنما الحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، ومن يتصبر يصبره الله.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يهديك إلى الخير، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الوساوس.. برهان الإيمان العنوان
العقيدة الموضوع
رغم أنِّي سليل بيتٍ محافظٍ على دين الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه يحصل في بعض الأحيان أن أشكِّك في وجود الله عزَّ وجلَّ والأمور الغيبيَّة، وهو الشيء الذي يمنع لذَّة الإيمان أن تصل إلى قلبي.(33/351)
قرأت الكثير عن الموت، وعذاب القبر، والجنَّة والنار، وعن الإعجاز العلميِّ في القرآن الكريم، فيلين قلبي بعض الوقت لتعاودني هذه الشكوك اللعينة ثانية، كما أنَّني أصلِّي وأصوم، وأفعل كلَّ ما يرضي الله تعالى، إلا أنَّ قلبي غير مطمئنٍّ تماما، فأنا كالذي ينتظر بشوق القطرة التي معها ستفيض لذَّة الإيمان في فؤادي إن شاء الله.
السؤال
الدكتور محمد منصور المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
أخي الكريم:
إنَّ قوَّة الوساوس وكثرتها تدلُّ على قوَّة الإيمان وشدَّته وليس ضعفه وقلَّته، فقد سُئِل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الوساوس التي تصيبك، وتصيب كلَّ مؤمنٍ أيضا، فقال: "ذاك صريح الإيمان" (رواه مسلم).
ومعنى هذا أنَّ الشيطان يوسوس للمؤمن بوساوس تزداد تدريجيًّا كلَّما ازدادت قوَّة إيمانه؛ لأنَّه يريد أن يهزمه ويجعله عاصياً لربِّه غير متَّبع لإسلامه الذي جعله لسعادته فيكون رفيقه في النار يوم القيامة، فإن رآه مؤمناً ضعيفاً مفرِّطاً في إسلامه هزمه بأقلِّ وسوسةٍ ككذبةٍ أو نظرةٍ محرَّمة أو نحو ذلك، وإن رآه مؤمناً قويًّا متمسِّكاً بإسلامه، علم أنَّه لن يهزمه إلا بوسوسةٍ قويَّةٍ مناسبة، كعدم وجود إلهٍ أو حسابٍ أو جنَّةٍ أو نار.
إنَّ هذه الخواطر لا إثم عليها ما لم تتحوَّل إلى قولٍ أو عمل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلَّم" (رواه البخاريُّ ومسلم)، بل لها ثوابها في الآخرة، ثواب مقاومتها والصبر عليها، كما قال تعالى: "إنَّما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب".
فهي من الابتلاءات التي تكفِّر الذنوب، والتي يختبر بها الله تعالى صدق من ادَّعى الإيمان، وهل سيستمرُّ فيه أم لا، والتي غالباً ما يخرج منها المسلم مستفيداً بعد اتِّخاذه لوسائل التغلُّب عليها – إضافةً إلى ثواب الآخرة – زيادةً في إيمانه، وصبرا، وجَلَدا، وتدريباً على تحمُّل أعباء الدنيا، فيربح فيها ويتمكَّن من أداء ما أوجبه الله تعالى عليه من حُسن إعمارها وخلافته فيها.
ويمكنك -أخي الكريم- التغلُّب على هذه الوساوس بالاعتقاد وبالفعل:
والاعتقاد هو:
1- أن نتدبَّر مخلوقات الله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد، فإنَّ ذلك ولا شكَّ يزيد الإيمان ويجدِّده ويقوِّيه، ويؤكِّد بما لا يدع مجالاً للشكِّ وجود خالقٍ لهذه المخلوقات؛ لأنَّ الأثر يدلُّ على المسير، أي لو رأيت أثراً لأقدامٍ في الصحراء، فذلك يؤكِّد سير إنسانٍ حتى ولو لم تكن تراه، فكذلك وجود الله تعالى يظهر أثره في مخلوقاته حتى(33/352)
ولو لم تكن تراه، وهذه المخلوقات يثبت العلم كلَّ يومٍ عظمتها وإعجازها، وأنَّها لا يمكن أن تكون من صنع أيِّ بشر.
2- أن تعلم أنَّ هذه الوساوس أمرٌ طبيعيّ، لأنَّ الشيطان وراءنا وراءنا، كما قال تعالى: "إنَّ الشيطان لكم عدوٌّ فاتَّخذوه عدوّا"، وأنَّها ستتكرَّر بين الحين والحين، وبدرجاتٍ مختلفة، ومع الوقت ستكون عندك مناعةٌ ضدَّها فتكون موجودة، لكنَّها قليلة الأثر فيك.
فإذا علمت ما سبق فلن تؤرِّقك هذه الوساوس، إنَّما هي تقلقك لخوفك من ضررها، ولإحساسك أنَّها تبعدك عن تذوُّق حلاوة الإيمان، ولشعورك أنَّك الوحيد في هذا العالم الذي يحدث له ذلك، فالكثيرون مثلك أخي الكريم، ولتثق أنَّها موجودةٌ لمحاولتك الاقتراب من ربِّك سبحانه، وكلَّما قاومتها ازددتَّ قرباً من ربِّك، وازداد ثوابك في الدنيا وفي الآخرة.
والفعل هو:
1- إذا خطرت لك هذه الوساوس فعليك التوقُّف وعدم الاستمرار في التفكير فيها، كما أوصانا صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا: خلَق الله الخلْق، فمن خلَق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله"رواه مسلم، فالإسلام رغم احترامه الشديد للعقل؛ لأنَّه أساس معرفة الله تعالى، وأساس العمل، والإنتاج، والإعمار للكون، فإنَّه يطلب منَّا في أحوالٍ نادرةٍ أن نوقف عقولنا عن الخوض في التفكير في أمورٍ ليس عندنا معطياتٍ لها، وإلا أتت بضررٍ أكثر من النفع، ولو كان في تفصيلها خيرٌ لنا في دنيانا أو آخرتنا لفصَّلها الله تعالى لنا، فللعقل مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها، كما أنَّ للبصر مدى ونهايةٌ لا يتعدَّاها.
2- الاستعانة بالله تعالى ودعاؤه، كما قال سبحانه: "وقال ربُّكم ادعونِي أستجب لكم"، ودوام ذكره، والاستعاذة به من الشيطان الذي من صفاته أنَّه خنَّاس، أي يخنس –يبتعد ويتراجع وينهزم- عن الإنسان بمجرَّد ذكره لربِّه، كما قال تعالى: "قل أعوذ بربِّ الناس، ملِك الناس، إله الناس، من شرِّ الوسواس الخنَّاس"، وأنَّ القلوب تطمئنُّ بالذكر، كما قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب".
3- الانشغال بالأعمال الصالحة بما لا يدع وقتاً للتفكير في هذه الوساوس والاستجابة لها، وبما يحقِّق الثواب العظيم إذا استُحضرت النوايا الصالحة، كالرياضة، والقراءة، والعمل، والإنتاج، والدراسة، والعلم، والهوايات، وصلة الرحم، وزيارات الجيران، والأقارب، والزملاء، والأصحاب، وخدمتهم، ودعوتهم للخير ما استطعت، وما شابه ذلك.
4- التواجد في وسطٍ صالحٍ يعين على مزيدٍ من الإيمان والعمل الصالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم، وصحَّحه.
أخي الكريم:
إنَّ حلاوة الإيمان التي تتكوَّن في القلب تتبع قانون الأسباب والنتائج، أي من لم يتَّخذ أسبابها لم تتكوَّن عنده، ومن اتَّخذ أسبابها تكوَّنت، ووفَّقه الله تعالى للمزيد تدريجيّا،(33/353)
مع الوقت، ومع تجمُّع الأسباب، وليس فوريًّا بمجرَّد اتخاذ سببٍ أو اثنين، كما قال تعالى: "إنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأَنفسهم".
وكما قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار"رواه البخاريُّ ومسلم، وهذه الثلاث لا تأتي في يومٍ وليلة.
لقد اتَّخذت -أخي الكريم- بعض أسبابها كالصلاة، والصوم، والقراءة عن الإعجاز العلميِّ في القرآن، ونَدلُّك على بعض الأسباب الأخرى:
1- استحضار النوايا لكلِّ عملٍ صالحٍ تعمله، فأنت مثلاً تتعلَّم لتعمل وتنتج؛ لتنفع الإسلام والمسلمين والناس جميعاً بهذا العلم والعمل والإنتاج، وأنت تأكل لتتقوَّى على الطاعة وإعمار الكون، وهكذا في كلِّ الأعمال.
فاستحضار النوايا يجعلك دائم الذكر لله تعالى، دائم العمل له لا للناس، وهذا يدلُّ على أنَّ الله ورسوله هما فعلاً أحبَّ إليك ممَّا سواهما، وعندئذٍ ستشعر بحلاوة الإيمان كما ذكر الحديث.
2- تدبُّر نِعَم الله تعالى الموجودة في نفسك – والتي لا يمكن حصرها- مع استخدامها كلِّها في طاعة الله لا في معصيته، كالسمع، والبصر، واليدين، والرجلين، إلى غير ذلك من النعم. فاستشعار أنَّ كلَّ النعم هي فضلٌ من الله وحده ولا دخل لأحدٍ فيها، مع استخدامها في طاعته ما هو إلا ترجمةٌ عمليَّةٌ من المسلم على أنَّ الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما، وفي مقابل اتِّخاذه لهذا السبب سيجد مع الوقت حلاوة الإيمان في قلبه.
فمثلاً استخدام نعمة البصر في العلم والعمل والإنتاج، وزيادة الإيمان، وعدم استخدامها في الحرام يورث حلاوةً في القلب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله، آتاه الله عزَّ وجلَّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه"رواه الحاكم وصحَّحه، وهكذا كلُّ النِعَم إذا استُخدمت في طاعة الله لا في معصيته.
3- التمسُّك بنظام الإسلام الشامل الكامل العادل الذي يسعد من يتَّبعه، في كلِّ شؤون حياتك: في بيتك، ومع والديك، وإخوتك، وجيرانك، وأصحابك، وزملائك، وفي أثناء دراستك وتعلُّمك، فذلك يورِّث اطمئناناً في القلب وسعادة، كما قال تعالى: "ومَن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلَنُحْيِيَنَّه حياةً طيِّبةً ولنَجْزِيَنَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
4- دعوة من حولك لهذا الإسلام، وللعمل بنظامه، ليسعد الناس كما سعدتَّ أنت، وخلال دعوتك ستشعر بحلاوة الإيمان مع الوقت، لأنَّ لنجاحك في دعوة الغير حلاوةً لا يستشعرها إلا من مارس ذلك، حلاوةً ليست من الدنيا في شيء.
أوصيك نهايةً أخي الكريم بأن تصبر، وتستشعر حلاوة الصبر على هذه الوساوس، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء"جزءٌ من حديث رواه مسلم، فهو ينير القلب والعقل، وينير الطريق ذاته.(33/354)
وأن تستشعر حلاوة التضرُّع إلى الله والشكوى إليه وطلب عونه، وحلاوة استجابته إليك، كما كان دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إيذاء المشركين له في الطائف في بداية دعوتهم إلى الإسلام، والذي امتلأ حزنا، لكنَّه حزنٌ مع إصرارٍ على مواصلة الطريق، وأملٍ في تحقُّق نتائجه.
قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى من تكلني، إلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنْزل بي غضبَك، أو يحلَّ عليَّ سخطُك، لك العُتْبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"رواه الطبرانيّ، وحسَّنه السيوطيّ.
وفَّقك الله وأعانك يا أخي، وجزاك عن الإسلام والمسلمين خيرا، ومرحباً بوصالك وأسئلتك، وآرائك، واقتراحاتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ـــــــــــــــــــ
كيف الوصول إلى مرتبة "الإحسان" ؟ العنوان
غذاء الروح الموضوع
أدرك أن الإحسان شيء جميل، وهو من الأمور التي حث عليها الشرع، ولكن أريد أن أطبقه في حياتي، وأن أتصف بالإحسان في عملي، فكيف لي بهذا ؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الدكتور عبد اللطيف العبد، أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة :
أهلا ومرحبا بك أخي الكريم
الإحسان لغة : هو فعل ما هو حسن، مع الإجادة في الصنع. وشرعا : أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك.
فهو إذن فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير فضلا ومحبة، والأفضل أن يكون ذاتيا دائما دون نقص أو انقطاع، لأنه عمل بالفضائل، ولأنه قربة إلى الله تعالى.
وجاءت مادة "حسن" في القرآن الكريم بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة منها اثنتا عشرة مرة بلفظ "إحسان" وهذا دليل على أهمية هذا المقام في الإسلام ، حيث أمر به الله عز وجل في مثل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}(النحل:90).
ويقوم الإسلام على ثلاثة أمور: الإسلام والإيمان والإحسان. فالإحسان: جزء من عقيدة المسلم، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه، فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهاية الحديث : هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم" فسمى الثلاثة دينًا، وفى الإجابة عن الإحسان قال(33/355)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه البخاري.
وأوضحت السنة النبوية أن الإحسان كالروح يجب أن يسرى في كل أمور المسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء.." رواه مسلم. فتقوم حياة المسلم كلها على الإحسان في كافة أمور حياته، في سلوكياته وعبادته وأموره المختلفة، ونذكر من جوانب الإحسان على سبيل المثال :
والإحسان في العبادات: يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها ، مع استغراق المؤمن في شعور قوى بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكأنه يراه تعالى، ويشعر باًن الله تعالى مطلع عليه ، كما جاء في حديث جبريل.
والإحسان في باب المعاملات: يكون ببر الوالدين، من حيث طاعتهما، وإيصال الخير إليهما، وكف الأذى عنهما، والدعاء والاستغفار لهما، وإكرام صديقهما، وإنفاذ عهدهما. قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}(النساء :36)، ثم ذكرت الآية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهى بنص: {وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}(النساء:36).
وقد ورد توجيه نبوي في الإحسان إلى الخادم، وذلك بإعطائه أجره قبل أن يجف عرقه، وبعدم تكليفه ما لا يطيق. فإن كان مقيمًا بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء، كما في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعام، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه وَلِى علاجه" رواه البخاري.
أما عن الإحسان في العلاقات الاجتماعية، فقد أمر به الإسلام بالنسبة للزوجة في حسن معاملتها وإيفائها كافة حقوقها وحسن عشرتها، والاحتكام إلى أهلهما إن اختلفا، وعدم الإضرار بها بوجه من الوجوه كما ورد فما غير آية من القرآن وفى قوله صلى الله عليه وسلم :"استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان". وقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" أخرجه الترمذي.
وهكذا يتنوع الإحسان تبعا لأحوال الآخرين : فهو للأقرب ببرهم والرحمة بهم والعطف عليهم مع الأقوال والأفعال الطيبة. ولليتامى بصيانة حقوقهم، وتأديبهم، وتربيتهم، وعدم قهرهم. وللمساكين بسد جوعتهم، وستر عورتهم، والحث على إطعامهم، وإبعاد الأذى والسوء عنهم.
ولأبناء السبيل بقضاء حاجتهم، وصيانة كرامتهم وبإرشادهم و هدايتهم. ولعامة الناس بالتلطف في القول، والمجاملة في المعاملة، مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ورد حقوقهم، وكف الأذى عنهم. والإحسان للحيوان بإطعامه إذا جاع، ومداواته إذا مرض، والرفق به في العمل، وإراحته من التعب.
والإحسان في العمل، إنما يكون بإجادته، وإتقان صنعته، مع البعد عن التزوير والغش، روى في الحديث النبوي : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" والإتقان إحسان الصنع.(33/356)
هكذا تكون حياة المسلم سلسلة من الإتقان والتميز والبر في كافة أمور حياته بما يعود عليه وعلى مجتمعه وأمته بالنفع .. رزقنا الله الإحسان والإخلاص في القول والعمل .. اللهم آمي
ـــــــــــــــــــ
نعم الله تغمرني.. وأريد الانتحار! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم؛
أرجو منكم الإجابة على مشكلتي؛ فأنا تعبانه جدا، أبحث عن الراحة، ورضا النفس، فلا أجده نعم الله تغمرني من كل جانب، وأشكره دائما، ولكن للأسف الشديد، أنا غير راضية عن نفسي مهما أعمل من أشياء حسنة لا شئ يعجبني.
دائما أشعر بأني مقصرة، وأن الأشخاص الآخرين أحسن مني أنا تعبانه، أو بالأصح منهارة، أبحث عن الدواء فلا أجده، وأتقرب إلى الله، وأدعوه دائما وأصلي قيام الليل، وأدعو وأبكي وأشعر بعدم الرضا، أكره نفسي كثيراً، وأشعر باني ضعيفة جداً، لا أستطيع مواجهة العالم الخارجي.
أخاف من قول رأيي بصراحة، أذهب إلى دكتور نفسي، ولكنني أشعر أنه عبث، فلا شيء يساعد، في بعض الأحيان أفكر بالانتحار، والعياذ بالله، فماذا افعل؟!، إن بقيت هكذا سوف أتدمر، وأدمر من حولي، خاصة أولادي وزوجي.. أرجوكم ساعدوني.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة وسام كمال، المحررة بنطاق الأخلاق والتزكية بشبكة إسلام أون لاين:
سيدتي الحالمة،
يا من بحثت عن السعادة، ولم تجديها، رغم أن نعم الله تحفك من كل صوب، ويداه ترعاك حيث تكونين. ولكن ما هي السعادة؟ وكيف ينالها الإنسان؟.. إذا كنت تريدين الإجابة على هذه الأسئلة الهامة؛ فأنصحك بمطالعة مقال فقيهنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي: ينابيع السعادة
ثم دعيني أطرق أبواب قلبك الحزين، لنستكشف معا أسباب حزنك، فأنت لم تشرحي لنا ظروف حياتك، وما هي الآلام التي جعلتك تستشعرين الضيق من كل لحظة تعيشينها على كوكب الأرض، فهو لم يعطَكِ السعادة التي تأملينها، ولم يمنحك الاستقرار الذي تنشدينه.
سأتجاهل احتمالية وجود أزمة تكدر عليك حياتك، وأستدل بجملتك: "نعم الله تغمرني من كل جانب"؛ ودعيني أستدرك عليك، وأقول لك : إن نعم الله تحف كل إنسان، كل إنسان يحيا في فيض من فضائل الله؛ يقول عز وجل: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18).
أختي أحلام(33/357)
ما سر ضيقك إذن؟
هل السعادة في توافر أسبابها ؟، أم في كيفية الاستمتاع بهذه المقومات والنعم ؟
هل كل تعيس يفتقر إلى المقومات المادية للحياة ؟ وهل السعيد من يملكها ؟
هذه أسئلة كثيرة، لا ألقيها في وجهك حتى أزايد على ضيقك، ولا أنثرها حولك لتشتتك وتلهيك عن أزمتك.. إنما أريدك أن تخرجي من حالة الضيق إلى حالة التفكر، ومن حالة التيه إلى الحكمة والثبات.
لستِ بحاجة لتذكيرك بأن كل إنسان على وجه الأرض يمر بالعديد من الاختبارات الحياتية، فيسعد أحيانا، ويشقى أحايين أخرى. يقول تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد: 4). والمهون على هذا الشقاء ليس إلا الإيمان بالله عز وجل، وبالقدر خيره وشره [ طالعي: القضاء والقدر.. محك الإيمان ].
ولنعد إلي نعم لله عليكِ؛ كيف يمكن أن تستثمري هذه النعم في إسعاد قلبك؟ هل مجرد وجودها سعادة في حد ذاتها؟ أم أن هناك وسيلة لتطويعها من أجل السعادة؟
فمثلا: هل السعادة في إنجاب الأطفال؟
وهل الذين لم ينجبوا ليسوا بسعداء ؟
وهل الذين أنجبوا كلهم سعداء ؟
إذا أجبت على هذه الأسئلة، فستتأكدين بأن السعادة ليست في وجود النعم في حد ذاتها، ولكن في توظيفها، وحسن استخدامها في طاعة الله.
أريدك حبيبتي أن تتذكري أن السعادة الحقيقة لن توفرها لكِ الدنيا؛ مهما حصدتِ من أوجه السعادة الدنيوية، إنما بلقاء المولى يطمئن القلب، وفي جنانه يهنأ الجسد، وبمرافقة الأنبياء والصالحين تنتشي الروح.
يقول عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَيْزَارِ: "إِنَّ الأَقْدَامَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمِثْلِ النَّبْلِ فِي الْقَرْنِ، وَالسَعِيدٌ مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعًا، وَعِنْدَ الْمِيزَانِ مَلَكٌ يُنَادِي: أَلا إنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، سَعِدَ سَعَادَةً لَنْ يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، أَلا إنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، شَقِيَ شقاءً لَنْ يَسْعَدَ بَعْدَهَ أَبَدًا".
وعن السعادة الروحانية والكمال النفسي المتحقق في الآخرة؛ حدثنا بحكمة الإمام فخر الدين الرازي في كتابه مفاتيح الغيب: "اعلم أن حب الدنيا لا يجتمع مع سعادة الآخرة، فبقدر ما يزداد أحدهما ينتقص الآخر، وذلك لأن سعادة الدنيا لا تحصل إلا باشتغال القلب بطلب الدنيا، والسعادة في الآخرة لا تحصل إلا بفراغ القلب من كل ما سوى الله، وامتلائه من حب الله.
وإذا أنعم الله تعالى عليك بنعمة طلب عندها منك عملاً تتوصل به إلى استحقاق نعم الآخرة، فكأنه تعالى يأمرك بأن تكتسب لنفسك سعادة الأبد، وأما غير الله فإنه إذا أنعم عليك بنعمة أمرك بالاشتغال بخدمته والانصراف إلى تحصيل مقصوده، ولا شك أن الحالة الأولى أفضل".
ولا نعني بذلك أن الدنيا ليست في حسابات المؤمن، ولكنه يفكر في سعادة الدارين، وكيف يحسن نواياه، فيحصد منافع الدنيا بما يفلحه في الآخرة.(33/358)
ولتعلمي أن للمؤمن الصالح في دنياه عزة واطمئنان وسعادة عن الكافر الفاجر الذي حمل على ظهره آثام أفعاله؛ يقول تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
إذ يشير الإمام الواحدي في تفسير الآية إلى أن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه :
* الأول: أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله تعالى وأنه سبحانه محسن كريم لا يفعل إلا الصواب؛ كان راضياً بكل ما قضاه وقدره وعرف أن مصلحته في ذلك، وأما الجاهل فلا يعرف هذه الأصول فكان أبدا في الحزن والشقاء.
* الثاني: أن المؤمن يستحضر أبداً في عقله أنواع المصائب والمحن ويقدر وقوعها، ويجد نفسه راضية بذلك فعند الوقوع لا يستعظمها بخلاف الجاهل فإنه غافل عن تلك المعارف؛ فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه.
* الثالث: أن المؤمن منشرح بنور معرفة الله تعالى والقلب إذا كان مملوءاً بالمعرفة لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا. وأما الجاهل فقلبه خال عن المعرفة متفرغ للأحزان من المصائب الدنيوية.
* الرابع : أن المؤمن عارف أن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة فلا يعظم فرحه بوجدانه ولا غمه بفقدانها والجاهل لا يعرف سعادة أخرى تغايرها فيعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها.
وليكن السؤال المناسب : كيف يمكن أن يسعد الإنسان في الدنيا، ويزرع لحصاد الآخرة ؟
سأحاول الإجابة بضرب الأمثال، لا بوعظ الكلام :
نعمة الإنجاب : لقد رزقك الله أبناء من ذريتك، ولكنك لا تشعرين بسعادة هذه النعمة.. يمكنك في الدنيا أن تستمتعي بهذه النعمة، وتقري عيناً بحضن الأبناء، وندائهم "أمي"، ونموهم الفكري والجسدي،
كل هذه الأمور، تؤدي إلى سعادة الدنيا، ولكن إذا استحضرتي النية، وجعلتي من أبنائك جزءً من رسالتك في الدنيا،فلتضعي أمامك ما يلي:
1. شكر الله دائما على نعمة الإنجاب، فالله يقول{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.
2. استحضار عظمة الله عز وجل وقدرته على كل شيء؛ عندما ترين أبنائك يكبرون أمام عينيك؛ وقد كانوا نطفة ألقاها زوجك في رحمك.
3. وهنا تستشعرين نعمة "الزواج"، وفضل الله أن وهب لك زوج تنجبين منه، يحفك بالرعاية والود والرحمة.
4. علمي أولادك أن الله موجود، وأنه أمرنا بكذا، ونهانا عن كذا.
5. علمي أولادك كيف يكونون رجالاً يفيدون مجتمعهم وأمتهم.
6. ربي أولادك على حسن الخلق، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والإحسان إلى الفقراء واليتامى والمساكين، والإنفاق في سبيل الله،.. .
أختي أحلام(33/359)
تصوري ما ستحصدينه من هذه النعمة: الشكر يؤدي إلى البركة، حسن تربية الأبناء يؤدي إلى إحساسك بأنك بنيتي بنيانا إنسانيا شامخا، تفخرين به في الدنيا وتنالين عليه الأجر في الآخرة
هل ما زلتِ تسألين عن طريق السعادة؟
عزيزتي، لا يكون الإنسان ضعيفا أبدا مع الله، صدقيني ليس بالعبادات وحدها يحيا الإيمان، ويستقر في النفوس، إنما الإيمان في القلب كالشجرة التي تسقى بزاد العبادات، وملح العمل الصالح.
لقد تحدثتِ كثيرا عن النعم التي أعطاك الله إياها، ولم تتحدثي عما فعلتي لشكر آلائه عليك. قبل أن تذهبين إلى طبيب نفساني، قفي مع نفسك وقفة شجاعة، وسلي نفسك ماذا قدمتِ في حياتك؟ هل أنت إنسانة أنفقت على وجودها أم أنفقت الدنيا عليها دون مقابل؟ وأين الله في قلبك؟
حاسبي نفسك دون تفريط أو إفراط، اخرجي من شرنقة الإحساس الدائم بالتقصير، وجلد الذات. فلن تقدرين على السير وأنت تشعرين بالمهانة تجاه نفسك، وترين أنك ضعيفة وأنك أقل الناس..
اجعلي سلاحك في مواجهة هذا الإحساس؛ حسن الظن بالله، فهذا مراده، يقول جل في عليائه في الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، قال : قال النبي- صلى الله عليه وسلم- : يقول الله تعالى : (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)(رواه البخاري و مسلم).
وأسطر لك بعض الأدعية النافعة:
1. اللهم أنى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال" (رواه البخاري).
2. قال عمر رضي الله تعالى عنه وهو يطوف بالبيت: "اللهم إن كنت كتبت عليّ شقوة أو ذنباً فامحه واجعله سعادة ومغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب".
1. عبد الله بن مسعود: "اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب".
سيدتي ذات النعم،
ربما تكون الحياة الجافة في ألمانيا هي من أسباب شقاءك، إذ يقدم البعض في الدول المتقدمة – ومن بينها ألمانيا – على الانتحار، لأنهم ظنوا أن السعادة في المادة، وعندما امتلكوا المادة، ولم يجدوا السعادة؛ وجدوا أن الموت أرحم لهم من الحياة بدون سعادة.
هل عرفوا الحياة حقا ؟ هل عرفوا الله ؟ فماذا فقد من وجد الله ؟ وماذا وجد من فقد الله؟، من وجد الله وجد كل شيء، ومن فقد الله فقد كل شيء ولم يجد أي شيء !!(33/360)
إياكِ والضعف، إياكِ وأن تكفري بمسئولية الحياة، وتذهبي إلى التهلكة بقدميكِ إذا أقدمتِ على الانتحار، فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وكيف يقدم الإنسان على الانتحار وفي جوفه إيمان بالله؟
وأؤكد لك سيدتي أن في جعبتك ما لم تقصيه في رسالتك، قد أثر بالسلب على حياتك وإيمانياتك، تفقدي حياتك.. وضعي يديك على مواطن الخلل، فالمرء أدرى بحاله، وأفقه من الطبيب بدوائه.تابعينا بأخبارك ولا تنسينا من صالح دعائك.
ـــــــــــــــــــ
أمي "مستهترة".. فهل مقاطعتها عقوق ؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد السلام يبدأ الكلام.. أبدأ كلامي باسم الله لعله يعينني على مصبيتي..بسم الله الرحمن الرحيم..
مشكلتي أن أمي تتصرف تصرفات غير أخلاقية، لا تناسب مجتمعنا وديننا الحنيف؛ حيث إنها تعود إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل وتضع مساحيق التجميل.. وحاولت بدوري أن أنصحها بسبب أن ذلك قد بدأ يؤثر على سمعتنا، لكن محاولاتي باءت بالفشل؛ لأنها كانت تكذب وتقول لي إنها قد تأخرت في مكان ما، وأبي يعلم بذلك ولكن أبي لا يعلم بحقيقة أفعالها.
وأنا أخشى على والدي لأن حالته الصحية لا تسمح بإخباره بالحقيقة لأنه مصاب بالقلب والانفعالات تضر به.
فهل يمكنني أن أضغط عليها بمقاطعتها؟، وأنا على يقين بأفعالها المنافية للدين وللأخلاق، ولكن اعذرني لا أستطيع أن أشرح لك أفعالها بالتفصيل لأنني أريد الستر عليها..
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ جمال عبد الناصر، باحث ماجستير بقسم الفلسفة الإسلامية، بكلية دار العلوم بالقاهرة:
الأخت الفاضلة ريانة..
جزاك الله خيرا على هذه الغيرة المحمودة التي جاءت في مكانها، والتي تدل على عميق إيمانك بالله عز وجل؛ فالقلب الذي يستنكر المنكر ويأمر بالمعروف هو قلب متصل بالله، عميق الإيمان، فنسأل الله عز وجل أن يثبتك على هذا..
وبعد فإن الله عز وجل حثنا على طاعة الوالدين وقرنها بتوحيده سبحانه فقال جل شأنه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}( الإسراء:23).(33/361)
حتى لو وصل الأمر بهما إلى الكفر {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}( العنكبوت:8)، {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}( لقمان:15)، فلا بد من الأدب معهما في كل الأحوال حتى ولو وصل الحال إلى الكفر والشرك فلهما حق البر والمصاحبة.
وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين بالشرك بالله حيث قال: " إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس؛ وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة" (أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن حبان في صحيحه).
ولنا في خليل الرحمن إبراهيم القدوة الحسنة إذ ابتلي في أبيه الذي كان يصنع الأصنام فماذا فعل معه؟ وكيف دعاه ؟ .. يقول الله عز وجل فى كتابه عن هذا الموقف العصيب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}(مريم:41-47).
هكذا ظل الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو والده بكل أدب واحترام وود، واختار أفضل وأرق الأساليب {يَا أَبَتِ} كي يستميل قلب أبيه ويدعوه بالحسنى، ولكن أباه أبى واستكبر فماذا قال له {سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}.
أعلم جيدا أن الأمر شاق عليك وصعب ولكنه الابتلاء يا أختاه {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}(العنكبوت:2) ويبتلى المرء على قدر إيمانه، وأشد الناس بلاءا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
فلتنصحي والدتك بالحسنى، وتقربي إليها وتوددي لها، واجعلي بينك وبينها حبل مودة ترسلين عليه ما تشائين من نصائح، فالوصول إلى القلب مهارة لا بد منها في الدعوة إلى الله، ولئن يهدي الله بك والدتك خير لك من الدنيا وما فيها مصداقا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأوصيك ببعض النصائح التي أرجو أن تكون نافعة في تعاملك معها وهي :
* عليك أن تأخذي بيدها ولا تفضحيها فمن ستر مسلما ستره الله .
* أحضري لها الشرائط والكتيبات بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
* تحدثي أمامها عن أمهات المؤمنين، وعن الأخوات الملتزمات وكأنك لا تعرفين شيئا مما يحدث.
* اصبري كثيرا في نهيها عن المنكر فقد قال الله تعالى على لسان لقمان الحكيم: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(لقمان:31). فجاء بالصبر بعد النهي عن المنكر لما له من عواقب تستدعي الصبر وقوة العزيمة.(33/362)
* صلي لله ركعتين بجوف الليل، وادعي الله كي يهديها، ارفعي يديك إلى الله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}(النمل:62).
* أكثري من الطاعات ، و تقربي إلى الله كي يهدي لك والدتك فما ذلك على الله بعزيز.
* فإن لم تستجب لك فانظري أقرب خالاتك لها أو أخوالك وعرضي لهم بالأمر فربما يؤثرون عليها
* أظهري مقاطعتك لها إن أبت الإقلاع عما هي فيه، ولكن بكل أدب واحترام مع مراعاة حق الأمومة.
* ولا داعي لإخبار والدك بهذا الأمر؛ لأن الإخبار لن يجدي إلا المضرة فهو أمام احتمالين: إما أن ينهار وهو مريض كما قلت، وإما أن يضطر إلى تطليقها وكلا الأمرين مر.
وأخيرا.. اصبري يا أختاه وصابري واستعيني بالله ولا تعجزي فالله نعم المعين وهو خيرا حافظا وهو أرحم الراحمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..وندعو الله أن يصلح لك والدتك ويعينك على طاعته.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري، باحث دكتوراه بكلية دار العلوم، باحث شرعي بإسلام أون لاين:
الأخت الفاضلة :
شكر الله تعالى لك .
ولن أضيف كثيرا على ما قاله الأخ العزيز جمال، ولكن أقول لك :
الحب يصنع المعجزات، فيبدو أن علاقتك مع والدتك متوترة، وليس بينكما حوار أو صداقة، فإن استطعت أن تصلي إلى حب أمك، من خلال وسائل متعددة، من قيامك بخدمتها على الوجه الأكمل، ومن خلال بعض الهدايا، ومن خلال الجلوس معها والحوار فيما يهمهما من قضايا، اجعلي نفسك صديقة لها قبل أن تكون بنتها، فالإحسان يا أختي يقلب الأمور.
وصدق القائل :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم***ولطالما استعبد الإحسان إنسانا
وقد يكون من غير المقبول في المرحلة الأولى الحديث معها مباشرة، ولكن أشعريها بدون كلام، فالناس لا تحب النقد، ولكن إشعارهم بالخطأ أمر هام، ولهذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يشير إلى الفعل دون ذكر أصحابه، فيقول: "مال بال أقوام يفعلون كذا".
واعلمي كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه"، فترفقي بأمك، وانظري مفاتيح قلوبها، فإن فتح الله تعالى لك قلب أمك، فقد فتح لها طريقا للصلاح.
وهناك أمر أخير، وهو أننا دائما نركز في نظرتنا على الأشخاص بما يعلمون من سيئات، وما يتصفون به من أخلاق سيئة، أمك يا أختي ليست شيطانا، ولكنها إنسان يخطئ ويصيب، قد يكون الخطأ في هذه الفترة – حسب ما ذكرت – كثيرا، ولكنه(33/363)
ليس متأصلا فيها، فانظري لأمك بنظرة صادقة، شجعيها على الأخلاق الفاضلة، انظري محاسن أفعالها، واشكريها عليها، فإن إحدى وسائل محاربة الشر، تنمية الخير، فكلمنا كبرنا الخير في الناس، كلما ماتت فيهم نوازع الشر.
نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم. تابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
أريد أن أعوض عمري العنوان
أمراض القلوب الموضوع
كنت مسيحية وأسلمت عند عمر العاشرة. تربيت في بيئة لا تعلم قيمة الإسلام. فنشأت لا أحفاظ على الصلاة، وكثيرة الكذب، وأسرق أحيانا، وخنت الأمانة للنجاة من ورطة، وقمت مع خطيبي بمقدمات الزنا، وتزوجنا على سنه الله ورسوله.
أريد الآن أن أعوض عمري، وأن أتقرب إلى الله لكي يسامحني على جهلي. ماذا أفعل وكيف استرد نفسي في ظلمي لها. بالله عليك لا تتجاهل رسالتي.. بالله عليك دلني قبل أن يفوت الأوان أكثر من ذلك..
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يجيبالشيخ حامد العطار:
لن أكون ساذجا معك سذاجة خالد الوراق، فأطمئنك وأهون الأمر عليك، وأقول لك: لا عليك، فقد أتيت ما أتيت عن جهل وغفلة!
لا ، لن أكون مثل خالد الوراق فأحيلك على عفو الله، وأنسى وأنسيك أنه شديد العقاب كما أنه غافر الذنب.
فعن خالد الوراق أنه قال كانت لي جارية شديدة الاجتهاد فدخلت عليها يوما فأخبرتها برفق الله وقبوله يسير العمل فبكت. ثم قالت يا خالد إني لأؤمل من الله تعالى آمالا لو حملتها الجبال لأشفقت من حملها كما ضعفت عن حمل الأمانة. وإني لأعلم أن في كرم الله مستغاثا لكل مذنب، ولكن كيف لي بحسرة السباق؟
قال قلت: وما حسرة السباق؟ قالت: غداة الحشر، إذا بعثر ما في القبور وركب الأبرار نجائب الأعمال فاستبقوا إلى الصراط، وعزة سيدي لا يسبق مقصر مجتهدا أبدا ولو حبا المجد حبوا ، أم كيف لي بموت الحزن والكمد إذا رأيت القوم يتراكضون، وقد رفعت أعلام المحسنين وجاز الصراط المشتاقون، ووصل إلى الله المحبون، وخلفت مع المسيئين المذنبين.
ثم بكت وقالت يا خالد، انظر، لا يقطعك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال فإنه ليس بين الدارين دار يدرك فيها الخدام ما فاتهم من الخدمة، فويل لمن قصر عن خدمة سيده ومعه الآمال فهلا كانت الأعمال توقظه إذا نام البطالون.
وأنا أدرك من رسالتك أن لك همة كهمة هذه الجارية الشامخة، تتطلعين إلى أعلى درجات الجنان، وتتحسرين على عمر ضاع في غير هذا.(33/364)
وإنني أبدأ فأبشرك أن حسرتك هذه على ما فات من عمرك هي بداية طريق التوبة ونهاية طريق التيه.
ولا تستهيني بهذه الرغبة وتلك الرهبة، فإن رجلا قد أسرف على نفسه حتى قتل تسعة وتسعين نفسا، وهكذا ظل هادرا في غيه حتى قتل هذا العدد الكبير الذي فاق ما قتله المسلمون من الكفار في عزوة بدر..
غير أنه لما أحس بدنو أجله، شعر بأنه يجر خطاه إلى النار، ويوشك أن يحط رحاله فيها، فأفاق على هذه الصدمة العنيفة، التي زلزلت أركانه، وهدت كيانه، فأراد أن يستدرك ما فات، وأن يهرب إلى الجنة من النار، فاستفتى شيخا فأضله، فأخبره أنه إن لم يكن من أهل النار فمن يكون؟ فلما أدرك أنه من أهل النار لا محالة أراد أن يقضي على من بدد في وجه الآمال، وغلق في طريق أبواب الجنان، فقتله، وما القتل عليه بغريب!
واستسلم لمصيره المحتوم، وجعل يهيئ نفسه على أن يكون من أهل النار! ولكن كيف هذا وقد علم أنه لا يطيق لهيبها.. وهل يمكن لأحد أن يعد نفسه ليكون من أهل النار؟ ولأن الرغبة إلى الجنة قد عرفت طريقها إلى قلبه، ولأن الرهبة من النار قد أفسدت عليه حياته فراح تدفعه الرغبة وتسوقه الرهبة يستفتي من جديد: كيف السبيل إلى الجنة، وكيف المهرب من النار؟
حتى دله رجل من أهل الفقه على الطريق، نصحه بأن يهجر أرضه الأولى فهي أرض سوء ، وأن يأتي أرضا جديدة يبدأ فيها حياة التوبة، فما كاد يسمع إلا وارتحل هاربا من تلك قاصدا هذه. إلا أن المنية كانت أعجل من رغبته، فعاجلته المنية وهو يسرع الخطى عله يدرك؛ فمات في وسط الطريق لا هو هنا ولا هو هناك.
واختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل يريد أن يأخذه، فملائكة العذاب تعرفه قاتلا عاصيا عربيدا مجرما، والله يقول: " إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى" (طه : 74 ) وملائكة الرحمة تعرفه تائبا نادما باكيا يريد الله. وكان الحكم أن يقيسوا مكان موته إلى أي المدينتين أقرب فيكون من أهلها، وآه على وقع هذا الحكم عليه لو كان يسمعه!
فلما قاسوا وجدوه بين المدينتين لا هو إلى هذه ولا هو إلى تلك، آه لو كانت المنية أرجأته خطوة .. لكان من الفائزين، لقد هرول وأسرع فهزمت المنية خطاه، لقد رغب وحاول فسبق عليه الكتاب إلا أن الله الرحيم، الغفور الرءوف ما كان يترك عبدا أقبل عليه، كيف وهو القائل: " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
لذلك أوحى الله إلى أرض الرحمة أن اقتربي فاقتربت، وإلى أرض السوء أن ابتعدي فابتعدت، بل تذكر بعض الروايات أنه نأى بصدره – وهو ميت- إلى أرض الرحمة فكان أقرب إليها من تلك بشبر، إنه شبر الرحمة وشبر النجاة.(33/365)
والشاهد أنه لم يقدم إلا الرهبة والرغبة، والخوف والرجاء فكان العفو والصفح، بل والتأييد والعون، ألم أقل لك: " لا تستهيني بهذه الرغبة وتلك الرهبة" فهذه بداية الطريق.
ولا تنسي قول الله: " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا".
وقد ذهب المفسرون إلى أن المراد بالجهالة هنا هو نسيان العاقبة وقت الذنب، أي الغفلة عنه، ولم يذهبوا إلى أن المراد الجهل بالعقوبة، يقول العلامة ابن عاشور: "لو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنّها معصية لم يكن آثماً ولا يجب عليه إلاّ أن يتعلّم ذلك ويجتنّبه".
عليك بمعالي الأمور
لقد تأخر إسلام سهيل بن عمرو عن أقرانه سنوات طوالا، فمرت عليه سنوات البعثة في المدينة ( ثلاث عشرة سنة ) ونحو من عشر سنوات من الهجرة دون أن يسلم، وسبقه في الإسلام أقران كثيرون.
وقد أدرك سهيل شؤم تأخره هذا، ففي كتب السير أن الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو جاءا إلى عمر بن الخطاب فجلسا وهو بينهما. فجعل المهاجرون الأولون يأتون عمر، فيقول: ههنا يا سهيل ههنا يا حارث فينحيهما عنه، فجعل الأنصار يأتون فينحيهما عنه، كذلك حتى صارا في آخر الناس.
فلما خرجا من عند عمر قال الحارث بن هشام لسهيل بن عمرو: ألم تر ما صنع بنا؟ فقال له: سهيل إن الرجل لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا، دعي القوم فأسرعوا، ودعينا فأبطأنا.
فلما قاموا من عند عمر أتياه فقالا له: يا أمير المؤمنين قد رأينا ما فعلت بنا اليوم وعلمنا أنا أتينا من قبل أنفسنا فهل من شيء نستدرك به ما فاتنا من الفضل؟ فقال: لا أعلم إلا هذا الوجه - وأشار لهما إلى ثغر الروم. فخرجا إلى الشام فماتا بها.
ويبلغ الاجتهاد بسهيل مداه، فيقول: والله لا أدع موقفاً وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت على المسلمين مثلها لعل أمري أن يتلو بعضه بعضاً.
وأوقف نفسه للرباط، فلما سئل في ذلك قال، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مقام أحدكم في سبيل الله ساعة من عمره خير من عمله عمره في أهله" . قال سهيل: فإنما أرابط حتى أموت ولا أرجع إلى مكة ، فلم يزل مقيماً بالشام حتى مات في طاعون عمواس.
فهمة كهمة سهيل، واجتهادا كاجتهاده تصلين بإذن الله.
وليكن شعارك قول الشاعر:
إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار فإن الوقت ضاق على الصغار
ولهذه المعالي شارات ومعالم، فإليك بعضها:(33/366)
1. في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئتي ألف صلاة فيما سواه". أي أن صلاتك ركعتين في المسجد الحرام تساوي مائتي ركعة، وصلاتك هناك مائة ركعة تساوي عشرة ملايين ركعة.
2. وفي الحديث الصحيح: "من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة".
3. وفي الحديث الصحيح: "من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا".
4. وفي الحديث الصحيح: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته".
5. وفي الحديث الصحيح: "عمرة في رمضان كحجة معي".
6. وفي الحديث الصحيح: "من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفا".
7. وفي الحديث الصحيح: "ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا".
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أخشى أن يستجاب دعائي !! العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله:
و جزاكم الله كل الخير على ما تقدمونه، مشكلتي بدأت بعد طلاقي؛ حيث أني وقبل زواجي كنت أدعو الله كثيرا لأي أمر أرغب به من صلاح الدنيا و الآخرة، ومنها الزوج الصالح.
وعندما تزوجت شعرت بأن الله استجاب دعائي خصوصا أني صليت الاستخارة أكثر من مرة، ثم كان الطلاق بعد الزواج بأشهر قليلة، وكان قدر ربي.
مشكلتي أني لم أعد أدعو الله لأمر في الدنيا وكأني أخشى أن يستجاب دعائي فيكون فيه ألم لي، لا أستطيع أن أقول شر لي، لأني حتى الآن لا أعلم إن كان زواجي وطلاقي خير لي أم لا ؟
وأشعر كذلك بأن هذا خطأ وبعد عن الله، وقنوط من رحمة الله، فماذا افعل؟ و كيف أدعو؟
خصوصا أني في الفترة الأخيرة أصبحت أدعو فقط لخير الآخرة، وكأني لا أرغب بشيء من هذه الدنيا !
و جزاكم الله خيرا.
السؤال
الأستاذة نجلاء محفوظ المستشار
الرد(33/367)
أختي العزيزة : إيمان
لمست من خلال رسالتك القصيرة قدرا هائلا من الألم (المكبوت)، وأدعو الرحمن أن يخفف عنك معاناتك، وأن يلهمك الأخذ بالأسباب، ثم التوكل على العزيز الحكيم، ليرزقك السكينة والرضا (الحقيقي)، وهو الذي سينساب داخل نفسك المتعبة، ويربت عليها ويزيل الأوجاع ويحل محلها الطمأنينة وراحة البال والتسليم (الجميل) بما حدث.
وأوصيك بترديد عبارة (إنا لله و إنا إليه راجعون)، من نفس راضية مطمئنة حسنة الظن بخالقها تثق أنه سبحانه وتعالى ليس بظلام للعبيد، وتطمئن عند قراءة الذكر الحكيم ومنه الآية الكريمة (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
واسمحي لنا أن نهمس لك بأن طلاقك قبل الإنجاب أفضل من وجود أطفال قد يتحملون معك تبعات الطلاق فضلا عن تحملك وحدك لعبء تربيتهم أو اضطرارك للتخلي عنهم بعد زواجك من غير أبيهم. فهوني على نفسك، فالطلاق وإن كان أبغض الحلال فهو ليس شرا وإلا لما أباحه الخالق.
لذا نرجو أن تطردي فورا كل (توابع) وتداعيات الطلاق السلبية من داخل كل من عقلك وقلبك وان تحلي محلها فورا اليقين بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وبأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وبأن أمر المؤمن كله خير، فإن أصابه خير شكر، وإن أصابه ضر صبر، كما أخبرنا بذلك حبيبنا ورسولنا صلوات الله وسلامه عليه.
ونتمنى الآن أن تكون قد هدأت بعض الشيء، ونود أن تتذكري أن استمرار الزواج ونجاحه لا يقوم على الدعاء وحده، وأن الحبيب صلوات الله وسلامه عليه قال: اعقلها وتوكل.. أي أن تأخذي بالأسباب ثم تتوكلي على الله، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالدعاء لتوصيل رسالة ربه بل تحمل مشقة الأخذ بالأسباب، وفي هذا درس بالغ الأهمية لنا حيث قيل – عن حق- أن ترك الأخذ بالأسباب معصية، والاعتقاد بها (فقط) دون غيرها، شرك.
كما أن النجاح في الزواج لابد وأن يبنى على معرفة الطرف الآخر معرفة جيدة قبل الزواج والتأكد من القدرة الواقعية على أفضل تعامل ممكن مع عيوبه بعد الزواج وعدم خداع النفس بتوهم تغييره، فلا أحد يغير الإنسان سوى نفسه، أو توهم أنه سيتغير من تلقاء نفسه بعد الزواج، أو أن الأيام ستهدئ من طباعه غير الحميدة، وما إلى ذلك من الأخطاء الشائعة التي تؤذي صاحبها أبلغ الأذى وتحرمه من الفرص الجيدة للفوز بزواج سعيد.
أيضا لابد أن نقبل وجود بعض الاختلافات بين الزوجين وعدم التعامل معها وكأنها وليدة سوء الاختيار أو فشل الزواج مع ضرورة تحمل صعوبات البداية، والوصول إلى أرضية مشتركة، والسعي لزيادة التفاهم ما أمكن ذلك مع حسن التعامل مع الزوج وأهله، وعدم إفشاء أسراره حتى لأهل الزوجة، وجعل بيت الزوجية واحة وسكنا يفيض بالمودة والرحمة.
والكف عن طلب الحد الأقصى من الزواج، والتعامل مع الزواج على أنه أحد المباهج المشروعة في الحياة، لا على أنه المصدر الوحيد للبهجة، كما أنه من وسائل السعادة(33/368)
وليس غاية في حد ذاتها، والتنبه إلى أن الزواج يحتاج لكي ينجح ويستمر إلى جهود متواصلة من الطرفين لإثراء التفاهم ونبذ التباغض وتحقيق أكبر قدر من الانسجام العاطفي والجسدي أيضا.
من كل ما سبق يتضح أن الدعاء وحده لا يكفي، ولذا نتمنى أن تعودي إلى الدعاء وبكثافة وبيقين الاستجابة أيضا وبحسن الظن بالرحمن، وأن تطلبي دائما من العزيز الحكيم أن يرزقك خيري الدنيا والدين، وهو ما ندعو لك به، ونطلب من الجميع مشاركتنا في هذا الدعاء لك ولكل نساء المسلمين في كل مكان بل ولرجال المسلمين أيضا.
كما ندعو بأن يحميك الله من منافذ الشيطان الرجيم التي تدفعك إلى الخوف من الدعاء وتنسيك أن الدعاء والقدر يتصارعان كما أخبرنا حبيبنا ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ويحرمك من فرصك الرائعة في الفوز بأفضل حياة ممكنة.
واحذري أن تكوني من عبيد العاطفة أي الذين يخضعون لعواطفهم فتجلب لهم –لا قدر الله- التعاسة والعذاب، وتهدر سنوات العمر الغالية في شقاء، يمكن تجنبه بتذكر أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن المؤمن كيس فطن يتعلم من أخطائه ولا يكررها.
والثابت أن الطلاق يتحمله الطرفان بنسب متفاوتة، ولو كان خطأ أحدهما يتمثل في سوء الاختيار أو عدم التأكد من جدارة الطرف الآخر بتحمل مسؤولية الزواج وما شابه ذلك، ويمكنك إرسال رسالة أخرى بها معلومات أكثر عن ظروف طلاقك – إن شئت طبعا- فربما استطعنا إفادتك بصورة أفضل وتقديم المساندة التي تؤدينها.
ونود أن ترفعي رأسك عاليا وأن ترفضي تماما – وبهدوء ودون حدة- الحديث عن أسباب طلاقك مع الآخرين، فهذا من شئونك الخاصة، ولا تذكري عيوب طليقك ولا تتحدثي عنه بسوء، ففي ذلك كل الخير الديني والدنيوي لك فمن ستر مؤمنا ستره الله يوم القيامة، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، كما أخبرنا بذلك المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
ومن الناحية الدنيوية ستكسبين احترام الناس ويحترمون حياة الخاصة ويتخلون عن فضولهم ويكفون عن التطفل عليك – ولو بعد حين- كما ستتم لك النجاة من أن تتحولي إلى مادة للقيل والقال وأن ينقل أحدهم ذكرك ما يسوء طليقك إليه وإلى أسرته ليردوا لكي الصاع صاعين وغير ذلك من الأمور السيئة التي عايشتها بنفسي في ظروف مشابهة للكثير من المطلقات فاحذري من هذا الفخ اللعين الذي تقع فيه – مع بالغ الأسف- لهن ولما يفعلنه بأنفسهن.
كما نود أن تحذري النفس المهلكة و الأمارة بالسوء والتي قد تدفعك إلى الرثاء على الذات وإلى التحسر على حالك ففي ذلك أبلغ الأذى الديني والدنيوي، فقد يوصلك هذا لا قدر الله إلى السخط على نصيبك ويحرمك من الرضا بقضاء الله وقدره، وهو من شروط الإيمان، كما قال ابن القيم (الرضا هو جنة الدنيا ومستراح العابدين، ومن لم يذقه في الدنيا لن يذقه في الآخرة) فتنبهي إلى ذلك.
كما أن عدم الرضا يسلبك القدرة على مواجهة الواقع بأفضل طاقات إيمانية ونفسية وجسدية أيضا ويسرق منك هذه الطاقة ويبددها في معاناة تجهدك على كافة(33/369)
المستويات وتجعل الكآبة تستقر – لا قدر الله- بداخلك وتنفر منك الجميع وتقلل من فرصك في استعادة عافيتك بعد الطلاق وهو ما ندعوك (للقتال) للفوز بها بأسرع وقت ممكن.
أختي العزيزة :
أكثري من الدعاء للدين والدنيا معا ولا تنسي القول المأثور (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)، ورددي بقلبك الآية الكريمة (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وتوجهي إلى الله بالدعاء التالي: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
واهدئي بالا وقري عينا واسمحي للإشراق الداخلي أن يغزو حياتك وتعاملي مع الدنيا بنفس راضية وقلب متوكل وعقل يجيد التفرقة بين الجيد و الرديء من الأفكار والأشخاص على حد سواء، فيرحب بالأول ويطرد الثاني، دون تردد ولا يستغرق كثيرا فيما يؤلمه بل يستبدله بما يفيده فكل يوم هو حياة في حد ذاتها وهو نعمة من الرحمن وعلينا ملؤها بكل ما هو مفيد و مبهج في حدود ما أحله الله وهو كثير.
وينتظر انضمامك إلى قائمة السعداء والراضين فلا تتأخري أبدا وأزيلي كل ذكرياتك السلبية عن الطلاق، واستبدليها بتحسين جوانب حياتك الدينية والدنيوية، على حد سواء، وتمهلي قبل الإقدام على الزواج ثانية، وتذكري أن الحلم و الأناة صفتان يحبهما الله كما اخبرنا بذلك الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
أسأل الله أن يريك الخير خيراًَ وأن يرزقك اتباعه، وأن يريك الشر شرا ويرزقك اجتنابه، مع دعائنا لك بأن يمتعك الرحمن بالعفو والعافية والسعادة في الدنيا ولآخرة .. وفقك الله
ـــــــــــــــــــ
كيف أثني على ربي ؟ العنوان
غذاء الروح الموضوع
أحب أن أثنى على الله تعالى، غير أني لا أعرف كيف أثني عليه سبحانه وتعالى؟، وما الذي يمكن أن أقوله أو أفعله حتى أقدم شيئا جميلا في الثناء على الله تعالى؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ عبد الحميد الكبتي، الداعية الليبي المقيم بسويسرا:
بسم الله المتفضل بكمال الجلال، المتعالي عن الوصف والمثال، سبحانه جل وعلا من رب كريم منان. والصلاة والسلام على خير من أثنى على ربه، وتقرب إلى لطفه، معدن الخير والكمال الإنساني سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم الشكر للأخت الفضلى خديجة على هذا السؤال الجميل، الذي حرك معاني الأشواق لرؤية الرب الكريم، والتنعم بنور وجهه سبحانه وتعالى، في يوم تبلى فيه(33/370)
السرائر، ويكشف عن مخبوء النفوس، وما تستره من طقوس، فنسأل الله لكِ ولنا الستر والسداد، والعتق يوم التغابن من نار تلظى.
الثناء من قبل العبد على الله تعالى يحوي معان هي: المدح، والشكر، والحمد، وبين هذه الألفاظ عموم وخصوص، فالحمد والشكر، يقول فيهما العلامة الشنقيطي:
فالحمد بالثناء مطلقا بدا *** كان جزاء نعمة أو ابتدا
والشكر ما كان جزاء للنعم*** فالحمد من ذا الوجه وحده أعم
والشكر يأتي عند كل شارح***بالقلب واللسان والجوارح
والحمد باللسان لا غير وسم***فالشكر من ذا الوجه وحده أعم
فالحمد هو الثناء والمديح المطلق لله عز وجل، سواء كان المدح أو الثناء جزاء نعم الله على العبد، أو هو الشكر ابتداء من غير ارتباطه بنعمة محددة. والشكر مرتبط دائما بنعم الله على العبد، كما أن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، من حيث امتثال الأخيرة لأوامر الله تعالى. والحمد يكون باللسان فقط، والشكر كما مضى أعمل وأشمل.
يأتي الثناء ها هنا ليكون هو تاج العارفين الذي يحوي الشكر والحمد معا، وهو يتميز كونه من اللسان، لكنه ذو صلة بالقلب، بل هو من القلب ينبع، وعلى قدر الثناء وما يتلفظ به العبد لله تعالى من ألفاظ حِسان يكون هو حال القلب ومدى تعلقه بالرب الكريم المتعال.
والثناء يكون بقدر عظم مكانة الرب في قلب العبد، ومدى معرفته بجلاله وكماله، ومدى حياة القلب بجمال الله تعالى، وأسمائه وصفاته. لذا يبرز هنا أمر مهم، وهو: مدى معرفة العبد بربه وما يتصف به، كي تخرج تلك المعاني القلبية، إلى ألفاظ مبنية فيكون ثمة الإبداع في مبدع الكون سبحانه وتعالى.
فلا غرو أن نجد النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة) .
وهذا الإحصاء لأسماء الله تعالى ليس المراد به الحفظ اللساني والقلبي عن ظهر غيب، دون التمعن والتدبر في معاني هذه الأسماء، بل دون التحرك بها في واقع الحياة، وصناعة الأمور، فكل اسم لله تعالى له معنى، يراد للعبد أن يتحقق به، في قلبه حتى يتشربه، فيكون منه التأثر بدرجات، فيكون ثمة الحمد، ويكون الشكر، ويكون أبرزها الثناء على ذي الجلال والكمال.
فكما أن معاني أسماء الله وصفاته لها أثر في كيفية المدح وألفاظه، فإن غزارة المعاني القلبية في قلب العبد لها أثرها الكبير أيضا، من حب وخوف ورجاء وتوكل، ونحو ذلك ، فمن كانت هذه المعاني في نفسه باهتة وغير متفاعل معها، أنا له بمدح الله تعالى، إلا وهو مفرغ المضمون.
إضافة لغزارة المادة التعبيرية، فمن كان دائم الاطلاع على كتب الرقائق، تجدينه يأخذ منها ويصطاد المعاني الطيبة، ويسجلها ويدونها، ويرددها، بل ويعيش معها، فتكون بعد فترة- بحسب الحال- هي معانيه وهي ألفاظه.
وهو أمر من توفيق الله تعالى، يوفق له بعض عباده الصالحين، لأنه من أعظم القرب وأجلّها عند الله تعالى، ومهما يوفق العبد لأبواب الثناء على الله تعالى، لا يقدر على(33/371)
إيفاء الرب الكريم حقه من المدح وعبارات ومعاني الثناء، للعجز عن إدراك الله تعالى.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) وهو عليه الصلاة والسلام أعبد الخلق لله، قال الغزالي في الإحياء: "ليس المراد أني عاجز عن التعبير عما أدركته بل معناه الاعتراف بالقصور عن إدراك كنه جلاله، وعلى هذا فيرجع المعنى إلى الثناء على الله بأتم الصفات وأكملها التي ارتضاها لنفسه واستأثر بها فهي لا تليق إلا بجلاله".
لا نحصي ثناء عليك أي لا نطيقه ولا نبلغه ولا تنتهي غايته، ومنه قوله تعالى:{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: من الآية20] أي لن تطيقوه، أنت كما أثنيت على نفسك، اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، ورد ذلك إلى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفضيلا، فكما أنه تعالى لا نهاية لسلطانه وعظمته فكذلك لا نهاية للثناء عليه لأنه تابع لسلطانه وعظمته فكذلك لا نهاية للثناء عليه.
وفي يوم القيامة عند الكرب، وعند الشفاعة، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيلهمني الله من الثناء عليه ما لم يلهمه لأحد من قبلي..) فكون المقام صعب وموقف كرب، وموقف شفاعة يكون الإلهام للثناء الذي لم يعطه أحد من البشر، فيكون ثمة قبول لشفاعة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فينا.
وخير من يدرك الألفاظ ويعطيها قيمتها هو حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام، فعن أنس رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بأعرابي وهو يدعو في صلاته وهو يقول: يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، ولا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه.
فوكّل النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلاً فقال: إذا صلى فأتني به، فلما صلى أتاه، وقد كان أهدي له ذهب من بعض المعادن، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال: ممن أنت يا أعرابي؟، قال: من بني عامر بن صعصعة، قال: هل تدري لم وهبت لك الذهب؟، قال: للرحم بيننا وبينك، قال: إن للرحم حقاً، ولكن وهبت لك الذهب (بحسن ثنائك على الله تعالى) [أخرجه الطبراني في الأوسط كذا مجمع الزوائد10/15].
فهو الذهب أخيتي، ذهب من فم أعرابي، يقابله ذهب من النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أعلم الخلق بالله، وما ذلك إلا تقديرا للثناء على الله تعالى.
وتعليما للأمة كيف تتعامل مع ربها وتثني عليه، وكيف يكون جزاء الإبداع الإيماني ذهبا خالصا، يستحق أن يكافأ عليه أعرابي يصلي ركعتين، فيستحق الذهب من خير البرية عليه الصلاة والسلام.
إن هذا الحديث يعلمنا أن الإبداع الإيماني- المقيد بالشرع- هو مطلب نبوي عالي الحث، وهو سمت لأهل الصلاح والحال مع الله، إذ حياة القلوب هي التي تفيض بمثل هذا الإبداع، ولن تتذوق القلوب هذه المعاني، ولا تنطق ثنايا الفم بكلام عذب، إلا(33/372)
برصيد إيماني ومعرفي ولغوي، تخرج منه الكلمات من بعد حياتها في القلب، كمثل نثرات الذهب، فيكون ثمة ذهاب الغم، وإقبال الحال المرضي مع الرب الرزاق.
من أجل ذلك: يكون الثناء على الله تعالى باستحضار: جلال الرب الكريم سبحانه بأسمائه وصفاته، و تذكر نعم الله على العبد، وشكره عليها.
لكن .. كيف يكون ذلك ؟
* بالتمعن الراقٍي في أسماء الله وصفاته، وحفظها، والعيش معها.
* حفظ أعذب الكلام اللائق بالممدوح سبحانه وتعالى.
* تعميق معاني الإيمان في القلب وتقليبها بين الفينة والفينة.
نماذج :
انظري مثلا :
* اللهم لك أذل، وبك أعز، وإليك أشتاق، ومنك أفرق، وتوحيدك أعتقد، وعليك أعتمد، ورضاك أبتغي، وُسخطك أخاف، ونقمتك أستشعر، و مزيدك أمتري، وعفوك أرجو، وفيك أتحير، ومعك أطمأن، وإياك أعبد، وإياك أستعين، لا رغبة إلا ما نِيط بك، ولا عمل إلا ما ُزكي لوجهك، ولا طاعة إلا ما قابله ثوابك، ولا سالم إلا ما أحاط به لطفك، ولا هالك إلا من قعد عنه توفيقك، ولا مغبوط إلا من سبقت له الحسنى منك.
* سبحان من لا يموت، سبحان من تكفل بالقوت، سبحان من صوّر الأجنة، سبحان من له المنة، سبحان من وهب النور في الأبصار، وسكب الضياء في النهار، وقصَّر بالموت الأعمار، وأفنى بالهلاك الديار، جل في علاه، تقدس عن الأشباه، لا إله إلا إياه، لا نعبد سواه، غالب فلا يقهر، وشاء فلا يجبر، أغنى وأقنى، وأضحك وأبكى، ظهرت آياته، بهرت بيناته، حسنت صفاته، تباركت ذاته.
* لا إله إلا الله عدد ما خطت الأقلام.
* لا إله إلا الله كلما سجع الحمام، وهطل الغمام، وقوضت مني الخيام.
* لا إله إلا الله كلما برق الصباح، وهبت الرياح، وكلما تعاقبت الأتراح والأفراح.
* لا إله إلا الله كلما ازدحمت الأنفاس، وحل السرور والإيناس، وانتقل الضر والبأس، وزال القنوط واليأس.
* لا إله إلا الله ترضيه، لا إله إلا الله بها نلاقيه، لا إله إلا الله تملأ الكون وما فيه، لا إله إلا الله كلما دجى الليل، وكلما انكشف الهول والويل، وكلما انعقد السحاب وجرى السيل.
* لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله يُبدئ ويعيد، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، لا إله إلا الله ندخرها ليوم الوعيد، ونتقي بها عذاب جهنم الأكيد.
* لا إله إلا الله كلما ترعرع ورد وأزهر، وكلما لمع بارق وأمطر، وكلما تنفس صبح وأسفر.
* لا إله إلا الله كلما زمجرت الرعود، وخفقت البنود، وجرى الماء في العود.
والنتيجة القريبة البعيدة : (قصة حب)(33/373)
فعندما يوفق العبد للثناء على الله تعالى، ويعيش بمعاني أسمائه وصفاته، تزرع في قلبه محبة الله، وتقبل روحه هائمة تقول: هل من مزيد، وتكبر وردة الحب البيضاء الجميلة في قلب العبد، فيكون بهذا الحب كأنه ولد من جديد، وأعيدت له روح كان يبحث عنها، فالحب ماء الحياة، وغذاء الروح، وقوت النفس، بالحب تشرق الوجوه، وتبتسم الشفاه، وتتألق العيون.
بالحب تكون النار بردا وسلاما على إبراهيم، وبالحب انفلق البحر لموسى، وبالحب حن الجذع لمحمد، وانشق له القمر، وبالحب كان بطن الحوت ليونس محرابا، وبالحب كان الكهف للفتية فراشا. وبالحب تشرق معاني الحب الصادق في قلب العبد، فيرى الوجود كله بنظرة أخرى تماما، هي نظرة المحب لله رب العالمين.
أتمنى أن أكون كتبت كلاما يفيد، ومعاني تجيد، وأوصلت مفهوما للثناء على الله، فهو موضوع عميق، ويكفي مني بذل الجهد في إيصال المراد، والله الموفق لكل عبد أواب.
وليس عندي ذهب أعطيه نظير سؤال ذكي، لكني أهدي رمزا يحوي كنوزا عدة، أتمنى أن يدرك.
ـــــــــــــــــــ
الاستخارة للزواج.. مُعْلِمة لا ملزمة العنوان
العبادات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته:
تقدم لي شاب راغباً الزواج، وهو إنسان جيد من نواح كثيرة، والمشكلة أن شكله لا يعجبني، كما أنه ليس من نفس البلد التي أعيش فيها، وقد تقدم لي أكثر من مرة، وهو ما دفعني لعمل استخارة، فقمت بصلاة الاستخارة.
وفي أول مرة أصليها لم أسترح للأمر تماماً، ثم صليتها مرة ثانية ووجدت حلماً ولكني لم أتذكر هذا الحلم، ثم صليتها مرة ثالثة فوجدت راحة كبيرة تجاه هذا الشاب عندما تحدثت معه، وأيضا وجدت تسير أشياء كثيرة للزواج منه.
المشكلة أنى مترددة، فأنا أريده ولا أريده !!؛ أريده لأني أرى فيه بعض الصفات الطيبة، ولا أريده لأنه ليس به كل المواصفات التي أتمناها في شريك حياتي، فضلاً عن أنه سيبعدني عن أهلي.
فماذا أفعل؟، وهل الاستخارة كانت دليلاً على القبول؟، وإذا كانت كذلك فلماذا لم أقبل به؟، أنا لم أفهم حدود هذه الاستخارة هل أوافق أم لا؟، وهل معنى الاستخارة أنه سيرتبط بي حتى لو أنني لا أريده؟، أم أنها فقط دليل على أن الموضوع خير وأنا التي سأقرر إن كنت سأرتبط به أم لا؟، وإذا لم أوافق على هذا الشاب هل يكون علي عقاب من الله لأني لم التزم بالاستخارة.
أرجو الرد والإفادة. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/374)
تقول الداعية الأستاذة فاطمة النجار، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بالمغرب :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسال الله أن يرزقك ما فيه خير الدنيا والآخرة، وأن يلهمك مَرَاشِدَ الأمور.
الاستخارة – أختي- هي التجاء إلى الله عز وجل، ودعاء إليه سبحانه، أن يهدينا في اختيارنا، وأن يختار لنا، وييسر لنا سبيل الأمر، إن كان فيه خير لنا، وأن يصرفه عنا إن كان فيه شر لنا.
ونحن حينما نستخير ربنا فمن منطلق إيماننا بالله القادر سبحانه، مدبر الأمور، ومن إيماننا بقصورنا وعجزنا عن الإحاطة بالأمر من كل جوانبه. وأننا قاصرون عن أن ندرك كل الخبايا والخفايا والعواقب التي تحيط بالأمر.
فمن هنا نستعين بربنا و نستهديه في مشوارنا، ثم إننا نؤمن بما طلبه منا إسلامنا من أن نأخذ بأسباب الدعاء والرجاء والضراعة والتعلق بالله الواحد الأحد، ثم نزاوج ذلك بالأخذ بأسباب الأرض من مشورة وترو، فما خاب من استشار ذوي العقول وذوي الخبرة الذين يضيفون عقولهم وتجاربهم إلى تجاربنا، فإذا تعلق القلب بالله دعاءً ورجاءً، وأخذنا بالأسباب حبكا ودقة، توكلنا بعدها على الله (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
وليس معنى الاستخارة أن نقف عند حدود انطباعات قد تتقلب من الصباح إلى المساء، بل امضي في استكمال خطوات الأمر، وأنت مطمئنة في النهاية إلى أن الأمر لن يكون إلا خيراً بإذن الله.
وخطوات الأمر:
أن تستشيري أولي أمرك، والعقلاء من أهلك، فإذا اجتمعوا معك أن ما فيه من مميزات تفوق الجانب الشكلي، وإذا بدأت نفسك تتجاوز هذه العقدة (الشكل) وبدأ الميل القلبي والقناعة العقلية فامضي إلى أمرك متوكلة على الله.
أما إذا كان الأمر الشكلي ضاغط ومقلق ومأزق، لم تستطيعي تجاوزه، بل تزداد هذه الإعاقة في قلبك وعقلك، وتجدين نفسك تغالبين هذه المشاعر، وتقهرين النفس على القبول، فلا عليك أن تتراجعي دون الإحساس بالذنب وقد استخرت. لأن بعد الاستخارة أن يهديك الله في اختيارك وان يكون معك في مسارك إلى النهاية. فإن تيسر الأمر فهو خير، وان تعسر وقد استكملت الواجب من استخارة واستشارة وتقليب الأمر فهو خير أيضا.
أختي الحبيبة :
نصيحتي لك كشابة في موضوع "الشكل" في الزواج، أن الجمال إلف وإحساس جميل يتعدى الأشكال، فإذا رأيت حسن التدين، ورجاحة العقل، وسلامة الفكر، والرغبة فيك، والإقبال عليك فاقبلي فبعد قليل سيصبح الشكل جميل، لان الجوهر أجمل.
وبعد قليل ستسعدين في الرغبة فيك وستنتقل هذه الرغبة إلى فرحة وإلى قرة عين تجعل هذا الذي أمامك أجمل إنسان في حياتك. فلا تتركي من يقبل عليك ويرغب فيك وفيه من الصفات الجيدة إلى من لا يرغب فيك وليس له منك إلا شكلك.(33/375)
أما البعد عن الوطن فأرض الله وطن، ووطنك حيث تستقر عواطفك وأحاسيسك وتجدين السكن مع شريك العمر. أسأل الله أن يسعدك وييسر أمورك وان يقر عينك بما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الدعاء سلاح "ذو حديْن" العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته :
أنا فتاة أبلغ من العمر الخامسة والعشرين، متعلمة وعلى قدر من الجمال، عندما كنت في الثالثة عشر تقدم لي الكثير من الخطاب، إلى أن وصلت إلى العشرين، حيث كنت أرفض الزواج في هذا الوقت، وكان أهلي يعترضون على رفضي، مما جعلني أدعو الله على نفسي ألا أتزوج، إلا وأنا في السابعة والعشرين.
والآن ندمت على هذا الدعاء، الذي كنت أدعو به على نفسي، فلم أكن أدري وقتها أن الأفضل للبنت أن تتزوج في سن مبكر ومناسب، ووجدت أن الله قد استجاب دعائي، لكن الآن أنا لا أعلم ماذا أفعل ؟، وأنا أدعو الله أن أتزوج الآن قبل الغد.
فهل يقبل الله الدعاء على النفس بهذا الشكل؟، أنا ندمت أشد الندم على هذا الدعاء، فكيف أكفر عن هذا الأمر؟، وهل يقبل الله دعائي وييسر لي أمر الزواج؟، علماً بأنني الآن شديدة الإحباط، أرجو العفو من الله.. وسرعة الرد منكم.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الكاتبة الأستاذة سمية رمضان عبد الفتاح، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الحبيبة: يا ابنة الخمس والعشرين ربيعًا، سعدت برسالتك، وأشكرك لثقتك في إخوانك بإسلام أون لاين، كما أشكرك أيضًا لأنك آثرت موضوعًا في غاية الأهمية، وهو الدعاء.
والدعاء يا فتاتي هو سلاح المؤمن، ولكنه سلاح ذو حدين، ولذلك يجب علينا استعماله الاستعمال الصحيح، وإلا لتحول من أداة للدفاع عنا، إلى أداة لتدميرنا، والكثير منا قد يرى الخير في أمرٍ ما، ويلح في دعائه إلى الله بهذا الأمر، ولكن ربما كان هذا الأمر شرًّا ولا ندري: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً}، ولذلك فمن أفضل الأدعية، اللهم يسر لي الخير حيث كان، لأن الخير يعلمه الله وحده.
احذري هذا الدعاء!!(33/376)
ولأن الدعاء سلاح ذو حدين، فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من استخدامه بشكل ضار، فنهانا عن الدعاء على أنفسنا وأولادنا وأموالنا، فربما صادف دعاؤنا ساعة إجابة، فنندم في وقت لا ينفع فيه الندم، فعن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم:"لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ" [مسلم].
ولكن.. لا تحزني حبيبتي الفتاة، لا تشعري بتأنيب الضمير، ولا تظني أن سبب تأخر زواجكِ حتى الآن هو الدعاء، فالله قد كتب أقدارنا قبل أن تولدي، بل قبل أن نُخلقَ بآلاف السنين، والتي منها موعد زواجك، واسم الزوج. وربما صادف دعاؤك القدر، فظننتِ أن تأخر زواجك عقاب من الله؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: "كَتَبَ اللّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَىَ الْمَاءِ" [مسلم].
ولا تحزني لتأخر زواجكِ حتى الآن، فربما كان تأخر زواجكِ فيه خير لك، فماذا لو كنتِ تزوجتِ بزوجٍ غير صالح؟ بالتأكيد كنتِ ستلاقين معه العنت والمشقة، وكنتِ ستندمين على أنكِ تزوجتي في ذلك الحين، ولهذا علينا الرضا التام بقضاء الله؛ فالرضا ركن من أركان الإيمان، ودليل العرفان بنعم الله عز وجل.
ولم تحزني؟! والله قد هيأنا الآن لندعو لكِ بظهر الغيب كي يرزقك الله زوجًا صالحًا "إن أحبكِ أكرمك، وإن كرهكِ لم يظلمكِ"، فهنيئًا لكِ خير القدر من الله، والدعاء منا. ولماذا الحزن وأنت تملكين نفس السلاح، فتضرعي إلى الله بقلب يملؤه الرجاء في رحمته وعفوه وكرمه؟!
وما أجمل أن نتدرب سويًّا على استخدام هذا السلاح جيدًا؛ فننتفع به دون ضرر، وما أحلى أن ترددي دعاء عباد الرحمن، الذي ورد في القرآن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].
الدعاء هو العبادة
والآن إليك منحة عظيمة من الله يا فتاتي، بل منح كثيرة، لا تعد ولا تحصى، نجنيها من الدعاء، فالدعاء ينفعنا في الدنيا، فيكون وسيلة لقضاء حوائجنا، كما أننا نثاب عليه؛ لأن الدعاء من أسمى العبادات، بل هو العبادة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاءُ هُوَ العبادةُ" [أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيّ].
والله تبارك وتعالى يقولُ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60]؛ فالله تعالى قال {يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} ولم يقلْ يستكبرون عن دعائي.. نعم؛ لأنّ الدعاءُ هو العبادةُ، والعبادةُ هي الدعاءُ؛ فالداعون متوجهونَ إلَى اللهِ عزّ وجلّ فِي كلّ أحوالِهم وأوقاتِهم.
وأخيرًا: أرجو ألا تقلقي، فقد مر خمس وعشرون عامًا، ولم يبقَ سوى عامان اثنان فقط إذا كان قد استجاب الله دعاءكِ، فتبسمي يا أختي، ولا تنزعجي فأقدار الله كلها خير، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأكِ لم يكن ليصيبك.(33/377)
وفقك الله لما فيه الخير، ورزقكِ سعادة الدارين، وشرح صدرك بالإيمان والرضا، ورزقك الزوج الصالح؛ ليكون قرة عينك، ورزقك بالأبناء الصالحين.. اللهم إنا ندعوك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
هل الدموع دليل على الخشوع ؟ العنوان
غذاء الروح الموضوع
أنا شاب أبلغ من العمر 25 عاماً، أعيش في وسط أسري مشحون دوماً بالمشاكل، بسبب أبي الذي لا يهنأ معه أحد لمدة شهر كامل، ليست هذه مشكلتي، لأني تعودت على هذا الوسط، وفقدان حنان الأب، ومع هذا أدعو له بالمغفرة والرزق، والتوجه إلى الله، لأنه لا يصلي ولا ركعة.
مشكلتي أني مواظب على الصلاة، وكل الأفعال الخيرية، والحمد لله، ولكن لا أجد الخشوع مع الله، نعم أقر وأعترف وأفخر بأن الإيمان يتملكني، وأخاف من الله في كل الأحوال، ولكن مشكلتي هي مع نفسي، حيث لا أعرف كيف أجعلها تخشع يقشعر بدني عند تلاوة القرآن، ولكن لا أذرف الدموع، وهذا ما يحزنني، ويجعلني أشك بأني مسود القلب وبأن الله غاضبٌ علي.
علماً بأني أتوكل على الله في كل الأمور، وأولها أني وعدت فتاة- ليست من جنسيتي- بالزواج، وقلت لها أني لست متوكلاً على أبي، ولا على أي شخص، لأن إيماني بالله واتكالي عليه، فهو أدرى بحالي، وبصفاء نيتي، وكما أحب ربي وأنوي رضاه فلا أظن أن الله سيخذلني في طلبي لتكون هذه الفتاة من نصيبي.
ولكن أحياناً الأصدقاء والأهل يحبطونني، ويحطمون معنوياتي، بقولهم إن الزواج من فتاة ليست من جنسيتي أكبر المشاكل، وأني سأواجه عدة حروب حتى أحظى بهذه الفتاة. فلم أعد قادراً على التفكير جيداً، وحاولت الابتعاد عنهم وأن أتحاشاهم أحياناً حتى أهلي عندما يسألون عنها لا أرد وأضيع الموضوع. لأني لا أريد أن ينطفئ الأمل في قلبي، فأملي بأن الله سيسهل طريقي يجعلني أعمل بجد أكثر وأكثر من الصلاة والاستغفار وعبادة الله وهذا شيء نفسي تحبه برغم الظروف والحمد لله على كل شيء.
لا أرجو منكم إلا مساعدتي في كبح نفسي، عن تلك الأفكار التي أمر بها الآن، والأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى، . أدعو الله ألا أكون قد أطلت برسالتي عليكم، وأسأله سبحانه أن يكتب لكم بكل حرف في هذا الموقع ألف حسنة، ويمسح عنكم ألف سيئة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ أكرم كساب:(33/378)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الحبيب " المهتدي" إن شاء الله لا "المحتار"
أسأل الله تعالى أن يقدر لك الهداية، ويجنبك الغواية، ويهديك الصراط المستقيم.
أخي الحبيب لنا مع استشارتك هذه وقفات:
الأولى: تتعلق بالجو المشحون الذي تعيش فيه، وأنت تزعم أخي الحبيب أنه بسبب والدك، ولئن كان الأمر كما ذكرت، فأرجو ألا يكون هذا سببا لعصيانه من قريب أو من بعيد، وهذه أخي الحبيب سنة الحياة، فإن الحياة لم تخلق للراحة ولا للدعة، وصدق الشاعر حين قال:
جبلت على قدر وأنت تريدها***صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها***متطلب في الماء جذوة نار
ومن هنا فأوصيك أخي الحبيب بالصبر والاحتساب، والمواظبة على الدعاء لوالدك بالهداية، وهذا من أسباب الخشوع التي سأحدثك عنها إن شاء الله، ولا مانع من أن تدعوه للصلاة، أو تدعو أحد المقربين إليه ليدعوه للصلاة، فلا خير في تارك لفريضة الله تعالى.
الثانية: إن افتخارك بإيمانك أمر مطلوب، وأسأل الله لك الثبات والقبول، وهذا ديدن كل مسلم، ولله در الشاعر:
ومما زادني فخرا وتيها***وكدت بقدمي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي***وأن جعلت احمد لي نبيا
ولكن أخي الحبيب إياك والعجب، ففرق بينه وبين الافتخار، فافرح بإيمانك، ولا تعجب به، وما أروع ما قاله ابن القيم في هذا المقام: ما أقرب المدل ـ المنان بعمله ـ من مقت الله, فذنب تدل به لديه, أحب إلى الله من طاعة تدل بها عليه.
وإنك أن تبيت نائماً وتصبح نادماً, خير من أن تبيت قائماً وتصبح معجباً, فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك أن تضحك وأنت معترِف, خير من أن تبكي وأنت مدل. وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدلين. (تهذيب مدارج السالكين/ ص120). وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك.
الثالثة : وهي توكلك على الله تعالى وهو أمر محمود لك، وهل هناك أفضل من التوكل عليه سبحانه ؟
ولكنك أخي الحبيب لم تحسن التدليل على توكلك على الله جل وعلا، حيث دللت على ذلك بوعدك فتاة بالزواج، وهنا أسألك : كيف وعدتها؟ وهل هذه خطبة يعلم بها ولي أمرها؟ أم مجرد كلام بين شاب وفتاة؟ أم ماذا؟
أخي الحبيب :
إن كانت هذه خطبة، فاستعن بالله، والله معينك، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف" رواه أحمد والترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي(1352).(33/379)
وأما إن لم يكن هذا الأمر خطبة بالطريقة المشروعة، كما هو متعارف بين شباب اليوم، فأوصيك بالبعد عن هذه الفتاة، وسل الله أن يرزقها خيرا منك، وأن يعوضك خيرا منها، وحيث إنك لم تستطع بعد الزواج ولم تقدر على مؤنته فعليك بالصيام فقد قال صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.." رواه البخاري في النكاح (5065) ومسلم في النكاح (1400).
الرابعة: وهي تتعلق بالخشوع وهو لب الموضوع، فاعلم أخي الحبيب أن الخشوع توفيق من الله وهو ضراعة القلب، وطمأنينة فيه، وسكونه لله جل وعلا، وانكساره بين يديه، ذلاّ وافتقاراً. ولا يوفق إليه إلا الصادقون من خلقه.
واعلم أخي الحبيب أن محل الخشوع: القلب، وأن ثمرته تظهر على الجوارح، وقد قيل: إذا ضرع القلب، خشعت الجوارح، وذلك أن القلب مَلِك البدن، وأمير الأعضاء، تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". رواه البخاري في الإيمان (52) ومسلم في المساقاة ( 1599).
وقد لام الله صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعاتب من لم يبلغ هذه الدرجة فقال سبحانه: (أََلَمْ يَاًنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16] .
والمتأمل لحياة النبي صلى الله عليه وسلم يرى أنه بلغ الذروة من الخشوع، وكان من خشوعه أن يرى في صلاته وفي صدره "أزيز كأزيز الرحى ـ أي الطاحون ـ من البكاء" رواه أبو داود، (904) وذكره الألباني في صحيح أبي داود(799).
وربما بكى صلى الله عليه وسلم " فبلّ حِجْرَه، ولحيته، والأرض تحته" رواه ابن حبان (620) وصحح محققه إسناده.
ومن السلف من كان يقوم في الصلاة كأنه عمود تقع الطيور على رأسه من شدة سكونه وإطالته، ولهم في ذلك أحوال يطول منها عجبنا؛ لأننا لا نرى ذلك في واقع حياتنا.
ويمكن تحصيل الخشوع بالأمور الآتية :
1. الإقبال على كتاب الله الكريم تلاوة وفهما، وتدبرا وعملا.
2. إدامة النظر في ملكوت الله، وطول التأمل وكثرة التدبر فيما خلق.
3. المسارعة في الطاعات، واستباق الخيرات.
وأحسب أنك على الطريق إن شاء الله، فقد قلت أخي الحبيب: (إنني يقشعر بدني عند تلاوة القرآن) وهذه القشعريرة ـ أسأل الله أن يديمها عليك ـ هي أثر عظيم من آثار الخشوع، وقد قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) (الزمر: 23).
أما البكاء خوفا من الله فحرصك عليه أمر محمود، فنعمة البكاء خوفا من الله يحسد عليها أصحابها، وكيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم:"عينان لا تمسهما النار: عين(33/380)
بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي( 1639) وذكره الألباني في صحيح الترمذي (1338).
وقال:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه"متفق رواه البخاري في الأذان ( 660) ومسلم في الزكاة (1031).
ولكن أيها الأخ الحبيب إن لم تصل إلى درجة البكاء، فعليك بالتباكي، وهو محاولة البكاء تصنع هذا البكاء إن كنت منفردا، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم:" إن هذا القرآن نزل بحزن و كآبة، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" رواه ابن ماجه وذكره الألباني في ضعيف ابن ماجه (2025).
واعلم أخي الحبيب أن الخشوع مأمور به في الصلاة، قال تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) المؤمنون:1،2. ولذلك إذا ذكر الخشوع انصرف الذهن إلى الخشوع في الصلاة، والسبب في ذلك يرجع لكون أعمال الصلاة تتضمن الذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والركوع، والسجود، وهي مواطن الخضوع والبكاء والخشية و التخشع.
ويقصد بالخشوع في الصلاة: حضور القلب وسكون الأطراف، وتحقيق الخشوع أمر يسعى إليه المخلصون من عباد الله، وهو يتطلب جهداً كبيرا وعزيمة أكيدة، وهمة عالية، فابذل أخي الحبيب على قدر وسعك يخشع قلبك بأمر الله.
ولكي يخشع قلبك في الصلاة أخي الحبيب عليك بالآتي :
أولاً: استشعار عظمة الله: فاستشعار عظمة الله يثمر في القلب الذل لله، كما يورث الخوف والحياء من الله سبحانه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإحسان :" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" رواه مسلم في الإيمان (8) عن عمر بن الخطاب.
واعلم أنك ستقف بين يدي الله عز وجل، وأنّ الله تبارك وتعالى ينظر إليك، فاحذر أن ينظر الله إليك وأنت لاه عنه، لذا قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإنّ الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يتلفت" رواه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي (2298).
ولما سُئِل حاتم الأصم عن صلاته قال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، ومَلَك الموت ورائي وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين يدي الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقُبلت مني أم لا؟ فانظر أخي الحبيب حال حاتم وتأمل!
وهذا علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟، فيقول: "أتدرون بين يدي من أقوم؟(33/381)
ثانيا: سل الله دائما في دعائك أن تكون من الخاشعين، وقد كان إمام الخاشعين صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:"اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع."رواه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي (2769). وكان يقول " رب اجعلني لك شَكَّاراً، لك ذكّاراً، لك رَهّاباً، لك مِطواعاً، إليك مُخبِتاً أوّاهاً مُنيباً" رواه ابن ماجه الترمذي وذكره الألباني في صحيح الترمذي (2816).
ثالثا: تجنب الذنوب والمعاصي، فصاحب المعصية لا بد أنه فاقد للخشوع، وهي سدٌ منيع يقف أمام خشوع العبد في صلاة، وقد كان عبد الله بن عباس يقول: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.
وقال ابن القيم وهو يعدد آثار المعاصي : ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله، لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلا، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام. (الداء والدواء /35).
رابعا: الإكثار من الطاعات، فكما أن المعصية تدل على أختها فالطاعة تدل على أختها، ذكر ابن القيم في "الداء والدواء": أن المعاصي تزرع أمثالها حتى يعز على العبد مفارقتها, والخروج منها.
وقال بعض السلف : إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها ولا يزال العبد يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه أزاً (الداء والدواء / ص 47).
وقد كان من كلام السلف : علامة قبول الطاعة الطاعة بعدها. فإن وفقت لطاعة فهذه علامة قبول حجك. وقد قال ربنا: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) [ مريم: 76].
ويقول ابن عطاء الله : من وجد ثمرة عمله عاجلاً فهو دليل على وجود القبول آجلاً.
ومن أعظم هذه الطاعات قراءة القرآن الكريم. والطاعات بعامة تزيد الصلاة خشوعاً، وتزيد العبد إقبالا على الله تعالى، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك: ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلين قلبك، وتدرك حاجتك" رواه الطبراني في الكبير وذكره الألباني في الصحيحة (854).
خامسا: إعطاء الصلاة قدرها الحقيقي: وهذا يعني عدة أمور، أهمها:
* التبكير للصلاة، وانتظارك لها، فهذا أدعى للخشوع؛ بل هو رباط في سبيل الله، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم:" ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا : بلى. يا رسول الله! قال "إسباغ الوضوء على المكاره. وكثرة الخطا إلى المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط". رواه مسلم في الطهارة (251).
* إحسان الوضوء.
* صلاة النافلة قبلها وكذلك بعدها.(33/382)
* تعلّم أركان الصلاة وسننها واعمل بذلك. تدبر أذكار الصلاة، فإذا كبّرت فكن على يقين بأن الله أكبر من كل شيء، وحين تسمّع (سمع الله) فاستشعر قدرة الله على سماعه لكل مخلوقاته وهكذا.
* تدبر آيات القرآن في الصلاة.
سادسا: تذكّر الموت في الصلاة، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "اذكر الموت في صلاتك، فإنّ الرجل إذا ذكر الموت في صلاته، لحريّ أن يحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها" رواه الديلمي وذكره الألباني في الصحيحة، (1421).
وختاماً؛ أسأل الله سبحانه أن يقدر لك الخير، وأن يهديك طريقا مستقيما. وتابعنا بأخبارك..
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الحب في الله .. ألف باء الإيمان العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, و جزاكم الله عنا وعن سائر المسلمين كل الخير.
أرجو إلقاء الضوء بشيء من التفصيل علي معني "الحب في الله"، وبيان كيف يحب المسلم أخاه المسلم في الله؟، وهل لهذا الأمر من شروط أو دلالات تثبت أو تنفي تحققه؟ بمعني كيف أعلم إن كنت أحب فلاناً في الله أم لا ؟. وهل هذا الأمر سهل التحقق أم أنه يقتصر علي ذوي الإيمان الحق فقط ؟، وما هو ثواب الحب في الله، عند الله سبحانه وتعالي.
ولكم خالص الشكر.
السؤال
الأستاذة سلمى عبده المستشار
الرد
بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ..
ابنتي الحبيبة / منة
كم أسرتني رقتك، فعندما قرأت رسالتك أحسست بنسمة رقيقة تلامس شغاف قلبي، وتمنيت أن أكون أختا لك في الله نتبادل الحب فيه سبحانه وتعالى، فسؤالك ينم عن إيمان جميل.
فهذا والله – يا ابنتي- حال المؤمن، يسأل نفسه دائما : ماذا أردت بأكلتي؟، ماذا أردت بكلمتي؟، ماذا أردت بحديث نفسي؟
هل أحب في الله؟، هل أبغض في الله؟
واعلمي يا ابنتي أن الأخوة في الله نعمة الله المضاعفة في الدنيا والآخرة، فأعباء الدنيا كثيرة، والمتاعب بها عظيمة، والفتن مهلكة، والإنسان وحده أضعف من أن يقف طويلا أمام هذه الشدائد.. فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والمسلم يا ابنتي بحكم(33/383)
إيمانه بالله لا يحب إذا أحب إلا في الله، ولا يبغض إذا أبغض إلا في الله؛ لأنه لا يحب إلا ما أحب الله ورسوله، ولا يكره إلا ما يكره الله ورسوله، وتعالي بنا نفصل الأمر كما أردتي.
ولنبدأ بسؤالك الأخير: ما هو ثواب الحب في الله؟
يا الله لو تعلمي مقدار ما تفيضه الأخوة عليك من خير وبر.. في الدنيا والآخرة لما ترددت لحظة في مد جسور الأخوة مع كل مسلم ومسلمة على هذه الأرض.
صحيح أن المسلم يحب جميع عباد الله الصالحين، ويبغض جميع عباد الله الفاسقين، ولكن الفطرة تميل لاختصاص بعض الإخوان والأصدقاء بمزيد من المحبة والمودة، وقد علم الله- عز وجل- منها ذلك، وأثابها عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن من عباد الله ناسا، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله.
قالوا : يا رسول فخبرنا : من هم؟
قال : قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فو الله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
والمتحابون في الله كتلة من نور في يوم شديد الظلمة، آمنون في يوم الرعب العظيم وهذه واحدة. قال صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل "المتحابون بجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي" .
والثانية أن المتحابين يحميهم الله من حر يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله. قال صلى الله عليه وسلم: "حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وحقت محبتي للذين يتناصرون من أجلي".
والثالثة – ما أعظمها- تحقق محبة الله للعبد . قال صلى الله عليه وسلم : " إن رجلا زار أخا له في الله، فأوجد الله له ملكا فقال أين تريد.؟
قال: أريد أن أزور أخي فلانا.
فقال: لحاجة لك عنده؟
قال : لا
قال: فيم .. قال : أحبه في الله.
قال: فإن الله أرسلني إليك أخبرك بأنه يحبك لحبك إياه وقد أوجب لك الجنة".
وما أهنأ الرابعة فهي توجب الجنة بضمان الله عز وجل أرأيت ؟! .. ممكن أن تنال محبة الله وأمنه ورضاه بل وتضمن الجنة بحب صادق لأتقياء أمة محمد صلى الله عليه وسلم
إذن ما هو الحب في الله ؟
معنى الحب في الله : أن تكون المحبة خالصة لله لا يراد بها إلا وجهه الكريم، حب خالٍ من أي غرض، خال من شوائب الدنيا، حب لا يقوم على الإعجاب بشخص لموهبة عظيمة أو هيئة جميلة أو حديث ممتع أو مصلحة قائمة، بل يقوم على التقوى والصلاح، ويولد ويكبر في طريق الإيمان والإحسان، فبحب الله ورسوله نحب، وببغض الله ورسوله نبغض.(33/384)
وهذا يسلمنا لسؤال ثالث: كيف يحب المسلم أخاه في الله؟
أولا: صفات الاختيار
1- عليه أن يختار من يستحق حبه فيختار بعين الله، يتحرى أن يكون من يختاره عاقلا غير أحمق، إذ قد يضر الأحمق صاحبه حيث يريد نفعه.
2- حسن الخلق، فيختار التقي، لأن الفاسق لا يؤمن جانبه.
3- معين على الطاعة بقوله وعمله وسمته فهو الجليس الصالح الذي حثنا الرسول الكريم على ملازمته، ويقال في الأثر: الجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه نفسك، ويطمئن به فؤادك، وتنتعش به روحك.. تطرب لحديثه، وتنعم بمجالسته، وتسعد بصحبته.. إنه عدة في الرخاء، وزينة في الشدة، وبلسم للفؤاد، وراحة للنفس.
وكما يقولون "من جالس جانس"؛ لأن النفس تقتبس الخير أو الشر من الجلساء، ولهذا أمر الباري تبارك وتعالى بصحبة الصالحين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
وحذرنا من صحبة الفاسقين، فوصف حال من يتخذهم أخلاء يوم القيامة، فقال سبحانه:
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً).
ثانيا : مراعاة حقوق الأخوة
أن يقوم تجاه من يحب بحقوق الصداقة والأخوة، ليستبقي مودتهم في الدنيا والآخرة، وهذه الحقوق هي:
1- أن يكون عونا لصاحبه يقضي حاجته ويتفقد أحواله ويؤثره على نفسه.
2- أن يكف عنه لسانه إلا بخير، فلا يذكر له عيبا في غيبته أو حضوره، ولا يكشف أسراره.
3- أن يعطيه من لسانه ما يحبه منه، ويدعوه بأحب أسمائه إليه، وينصحه سرا ولا يفضحه، كما قال الإمام الشافعي- رحمه الله- : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
4- أن يعفو عن زلاته ويتغاضى عن هفواته، فيستر عيوبه ويحسن به ظنونه.
5- أن يفي له في الأخوة؛ فيثبت عليها ويديم عهدها؛ لأن قطعها يحبط أجرها.
6- أن لا يكلفه ما يشق عليه ولا يحمله ما لا يرتاح له.
7- ألا يتكلف ولا يتحفظ معه، فقد قال أحد الصالحين : من سقطت كلفته؛ دامت مودته".
8- أن يخبره أنه يحبه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه".
9- أن يفعل ما أجمله الأثر "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهم ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته". "حق المؤمن على أخيه أن يبين له الحق إذا احتاجه، ويشد عزمه إذا أصاب، وأن يشكر له إذا أحسن، ويذكره إذا نسي، ويرشده إذا ذل، و يصحح له إذا أخطأ، ولا يجامله في الحق، ولا يسايره على الباطل، ويكون له هاديا ودليلا ومعينا وأمينا.(33/385)
10- أن يدعو له ولأهله يدعو له حاضر أو غائبا، حيا أو ميتا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين، ولك بمثلٍ". وقد قال أحد الصالحين : "إن أهل الرجل إذا مات يقسمون ميراثه ويتمتعون بما خلف، والأخ الصالح ينفرد بالحزن مهتما بما قدم أخوه وما صار إليه، يدعو له في ظلمة الليل ويستغفر له وهو تحت الثري".
واعلمي يا ابنتي
أنه إذا نشأت صداقة لله فلن تبقى إلا بطاعته، ولن تزكو إلا ببعد الصديقين معا عن النفاق والفساد، فإذا تسربت المعصية إلى أحدهما تغيرت القلوب وذهب الحب. ففي الحديث " والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما" . وعن أبي الدر داء أنه قال: حذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال أتدري ما هذا.؟ قلت لا قال: عبد يخلو بمعاصي الله عز وجل فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين".
من أجل ذلك كان الرجلان من أصحاب رسول الله إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر.. لقد كانا يتعاهدان على الإيمان والصلاح يتعاهدان على التواصي بالحق والتواصي بالصبر
فهل للحب في الله دلائل وعلامات؟
نعم.
أولها : أن يستشعر المؤمن روح الإيمان الحي من المشاعر الرقيقة التي يكنها المسلم لإخوانه حتى إنه ليحيا مهم ، وبهم.
ثانيها: أن يشعر أن عاطفته يحكمها سلطان العقيدة: وعلامة ذلك أنه يجد في قلبه حبا عظيما لكل تقي نقي صالح، حتى وإن لم يره أو لم يكن في زمانه أصلا، فعن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله : الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل عملهم؟ قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت.
وأنشأ الإمام الشافعي ضاربا مثلا جميلا للحب في الله :
أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أنال بهم شفاعة
وأبغض من تجارته المعاصي*** ولو كنا سواء في البضاعة
ثالثها: الإحساس والشعور بالأخوة :فيشعر الأخ بالتألم والحزن لما يصيب أخاه من ألم ونصب، وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
رابعها: سلامة الصدر: فيحافظ على سلامة صدره تجاه إخوانه، فيحيا ناصع الصفحة، قلبه مشرق فياض، فالأخوة الحقة هي التي تقوم على عواطف الحب والود والتعاون المتبادل والمجاملات الرقيقة، بل هي كما وصفها القرآن: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
وقد يتبادر لأذهاننا سؤال : وماذا عن من تهفوا إليهم قلوبنا، وتميل إليهم أرواحنا، ونرى في أعمالهم معاصي وزلات وبعدا عن طريق الله؟(33/386)
إن من ارتكب معصية سرا أو علانية من المسلمين فليس علينا أن نقطع مودته تماما و نهمل أخوته، بل ننتظر توبته وأوبته، فإن أصر على ذنوبه فلنا أن نقاطعه وننبذه، أو نبقى على شيء من الود لإسداء النصيحة ومواصلة الموعظة رجاء أن يتوب، فيتوب الله عليه.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه، فلا تدعه لذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى.
وسؤالك الأخير: هل الأمر سهل التحقيق أم أنه يقتصر على أهل الإيمان فقط ؟
وهل يتحراه يا ابنتي سوى أهل الإيمان؟
هل يحب في الله ويبغض في الله إلا من يحب الله ويمتلئ قلبه بالإيمان به؟
فتعلمي يا ابنتي أن العلاقة بين الإيمان والحب في الله علاقة طردية متلازمة، فإذا وجد الإيمان كان الحب في الله والبغض فيه.
وإن كان هناك حب في الله وجد المسلم حلاوة الإيمان في جوفه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .. وأن يحب في الله ويبغض في الله .. وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يشرك بالله شيئا".
وقال صلى الله عليه وسلم : إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله، وتبغض في الله، أرأيت حين تعقد عقدة ويحكم شدها كيف تكون متينة ثابتة، فإن أحببت في الله المؤمنين وأبغضت في الله الفاسقين، فذلك أشد وأوثق رابطة محكمة ثابتة في إيمانك.
ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا :"من أحب لله، وأبغض وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان".
والمسلم يا ابنتي إذا رسخ في فؤاده اليقين، وخالطت بشاشة الإيمان قلبه، وأحس بحلاوته في مذاقه، تراه ينظر لمن حوله بعين الله، فهو يحب لمبدأ ويكره لمبدأ، يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله.
فاستعيني بالله وجاهدي فيه لترتقي بإيمانك وتعرفي الله حق معرفتهن حتى تصلى لمحبته سبحانه، فتقطفين ثمرة الحب في الله التي من شأنها سعادة الدنيا والآخرة.. ورددي دعاء داوود عليه السلام : اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك.
اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد على الظمأ.
واحفظي دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك".
واجعلي لي نصيبا من صالح دعائك. وتابعينا بأخبارك، لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
"انقلاب" على نظام "حياتي"!! العنوان
السلوكيات الموضوع
الإخوة الأفاضل اسمحوا لي أن أعرض مشكلتي..(33/387)
فأنا فتاة في الثامنة عشر من عمري، بالطبع أنا مسلمة، لكن اسما فقط, من فضلك دون أي تأنيب منك، فسوف أقول ما أنا عليه من حال، ولا أريد تأنيب أو توبيخ، لأنني- رغم صغر سني- إنسانة عاقلة، أستطيع تحديد دربي بنفسي، وهذه في الحقيقة هي أول مرة افتح فيها موقعاً إسلامياً، أو أتصفح أي شيء يخص الإسلام.
والآن إليك ما أنا عليه :
أنا لا أصلى إلا أحياناً، ثم سريعاً ما أنقطع عن الصلاة، وغالباً تكون الصلاة فقط في شهر رمضان، بل أيضا إنني انقطع تدريجياً بدءا من منتصف الشهر, هذا أولاً
أما ثانياً : فانا لست محجبة بالرغم من أني مقتنعة تماما بالحجاب, بل إن الله حباني بقدرة كبيرة على الإقناع أستطيع بها أن أقنع أي إنسان بالحجاب حتى وان غير مسلم وحتى وأنا نفسي غير محجبة, وهذا ثانياً
أما ثالثاً: فانا لا أقرأ القران الكريم إلا نادراً، ولا أحفظ منه سوى اثنين أو ثلاثة فقط من قصار السور.
أنا على علم، أنك مذهول، وربما تود لو أكون أمامك الآن حتى تخنقني، بعد أن تصرخ في وجهي، وربما لا تكون كذلك في الواقع، فأنا لا أعرفك، وكل ما أرجوه هو أن تفهمني، وتشجعني على ما أريده، وأن تستوعب كل ما هو محيط بي، أما إذا كنت لن تفعل ذلك فهذا أمر بينك وبين الله.
أما عن ما هو محيط بي:
أنا من أسرة ليست قوية الإيمان، وإن كانت تتحلى بالأخلاق، وبعضاً من الإيمان، ومن فضلك لا تقل في نفسك : كيف تكون أسرة عندها أخلاق من غير إيمان قوى، ولكن هذا هو الواقع بالفعل.
وهذه الأسرة مقتنعة بشيء مهم، وهو أنها لا يمكن أن تجبرني على شيء لا دينياً ولا ثقافياً، ولا في أي شيء إلا إذا قررت أن أنحرف - معاذ الله- وعلى ذلك فأمر الحجاب والصلاة والقرآن وأي شيء متروك لي أنا وحدي, نعم؛ أمي أحيانا تجعلني أشعر بالحرج تجاه الصلاة فقط، ولكن أنا من ذوات الطبع العنيد، بمعنى إذا أنا لم أقرر الشيء فلن أنفذه أبداً.
كما أن عماتي و والدي ليس لديهم أدنى مانع تجاه بقائي من دون حجاب, باختصار هم منفتحين- وليسوا متفتحين- وهذه مشكلتي أنى لا اقتنع بهذا الانفتاح, بالرغم من أنني عشت في غيبوبته من يوم مولدي, بل إنني أنا وبنات عماتي كنا دائما ما نتنافس في أشياء تافهة وخارجة مثل (من تستطيع أن ترقص أفضل من الأخرى، من أجمل من الأخرى, من تتمتع بالقبول أكثر من الأخرى, من تحفظ أغاني أكثر من الأخرى, بل وأيضا من تحسن الدفاع عن مطربها المفضل أكثر من الأخريات!!).
أعرف أنك مذهول وأنك تقول الآن: ما هذه الثرثارة؟، ولكن لا يهم فان الداعي الوحيد الذي جعلني أكتب لك هو أن أثرثر, ..أتحدث وكأنني إنسانة أخرى تتحدث عني.
المهم, أن مثل هذه المنافسات التافهة جعلت كل بنات عماتي تقريباً يكرهنني، والله أنا لست بارعة الجمال, بل إنني أرى أغلبهن أجمل وأذكى منى, وأنا أصلا لا أهتم بذلك إلا بقدر معقول وسوى ولكن ماذا تقول في عقول تافهة؟ !! الله يهديهم .(33/388)
كما أنني لا أجيد اختيار أصدقائي- للأسف- مما أدى إلى انتشار القيل والقال عنى، بسبب أصحابي، على أساس أن المرء على دين خليله، وبصراحة كل من قال شيئاً فهو محق في رأيه، ليس لأنني فعلا مثل ما قالوا عنى، ولكن لما رأوه من أخداني، هذا غير أن لي أصدقاء كثيرين من الأولاد - كان هذا حتى الأسبوع الماضي- وأشياء أخرى كثيرة فاسدة وسيئة في حياتي هذا بعض منها.
ولكن أصعب شيء أن تفكر أنت بمبدأ وأهلك بمبدأ آخر الأمر صعب أليس كذلك؟
المهم أنني قررت أن أقلب موازين حياتي، مهما كلفني الأمر، ومهما واجهت من عقبات، فقد قررت أن أكون- فعلاً- فتاة مسلمة، بمعنى الكلمة، وليس فقط بالقول، وأريد أن أجد الأشخاص الذين ينظرون إلىّ بكل احترام وتقدير، أريد أن أجد ضالتي، ولكن ليس هنالك من يشجعني، حتى والدي لن يشجعني أبداً على ذلك أنا باختصار شديد لا أريد سوى أشخاص يشجعونني.
أريد أن أجد صديقات لي كثيرات، يعرفن معنى الدين المعتدل، ويأخذن بيدي، ويشجعنني على ما أنا مقدمة عليه، ويجعلنني أشعر أنني بالرغم من كل الذي سأخسره أنني لن أخسر شيئاً، ويعوضنني بسماحتهن عن كل معارفي وأصدقائي هذا كل شيء.. وعندك بريدي الإلكتروني إن وجدت لي أصدقاء.
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
أختنا الفاضلة / ليلى أحمد
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:-
فكم أنا سعيد برسالتك، و والله الذي لا إله إلا هو، ويعلم الله أنني صادق، لقد أخذتني رسالتك من كل اهتماماتي اليومية، ومشاغلي الكثيرة، ربما للدرجة العالية من الصدق التي لمستها من كلماتك، وربما لأنك بالفعل تبت توبة صادقة مخلصة لله عز وجل، وأبشرك يا ابنتي – واسمحي لي بأن أناديك بكلمة ابنتي- فأنا في مقام والدك وعمرك في عمر ابني الأكبر– وأود بداية أن أشير إلى النقاط التالية :
* رغم أنني فرغت للتو من الإجابة عن سؤالك الأول الذي جاءني تحت عنوان (سؤال محيرني) والذي كنت تسألين فيه عن علاقة الولد بالبنت، وحدودها في الإسلام، إلا أنني لم أتردد لحظة في الرد على رسالتك الثانية أيضاً لما شعرت به أولا من صدق وإخلاص، وثانياً استشعاراً منا نحن جنود شبكة إسلام أون لاين لواجبنا تجاه الأمة وفي المقدمة منها شبابها.
* رسالتك فاضت بالمعاني الجميلة، والكلمات التي تفيض صدقاً وإخلاصاً، والتي تعبر عن رغبة شديدة في العودة إلى الله، فأهلا ومرحباً بك في رحاب دينك(33/389)
الإسلامي المعتدل السمح الجميل، واعلمي أن باب التوبة مفتوح، وعلاقة العبد هي بربه دون واسطة من بشر ولا نبي.
* أراك – رغم صغر سنك- على درجة كبيرة من الوعي والنضج والوضوح، وهي صفات حميدة، وخلال فريدة، قل أن تجتمع في شخص واحد، فاحمدي الله عليها، واشكريه على فضله الذي حباك به، وأفضل الشكر أن تطيعينه فلا تعصينه وأن تفرين إليه لا منه.
* أما عن قولك (أريد أن أجد صديقات لي كثيرات يعرفون معنى الدين المعتدل يأخذوا بيدي و يشجعوني لما أنا مقدمة عليه)، فكنا نود لو ذكرت لنا في رسالتك من أي بلاد الله أنت، ليسهل علينا إرشادك إلى الصالحات والمؤمنات من الفتيات المسلمات اللائي نرشحهن لك كصديقات، وعلى أي الأحوال فإننا – حسب طلبك في رسالتك- سنعطي عنوان بريدك الإلكتروني لعدد من الفتيات المسلمات اللاتي نثق في دينهن وفهمهن واعتدالهن لكي يتواصلن معك.
* أؤكد لك أنني قرأت رسالتك أكثر من مرة، و باهتمام شديد، ولم ينتابني للحظة واحدة أي شعور مما ذكرت في رسالتك (أنا على علم تماما من انك مذهول وربما تود ولو أكون أمامك الآن حتى تخنقني بعد أن تصرخ في وجهي)، لا والله .. بل تملكني إعجاب شديد بصراحتك وصدقك وشجاعتك في مواجهة نفسك، وإصرارك على تصحيح موقفك، ولو كنت واقفة أمامي لصفقت لك لأنك إنسانة محترمة وعملة نادرة في زمن انصرف الناس فيه عن دينهم.
* كونك تستشعرين أنك على خطأ، وترغبين في العلاج، وتصحيح موقفك، هذا يحمد لك، بل إنها نعمة من الله أن رزقك قلباً يستشعر الذنب، فكم من الفتيات المسلمات، يعشن بلا هدف، ويقعن في المعاصي، دون أن ينتبهن إلى خطورة النار التي يعشن فيها، أقصد نار المعاصي، والبعد عن الله.
* أحمد الله أن أول ما وقع عليه عينك من المواقع الإسلامية هو موقع "إسلام أون لاين.نت"، فهو أول وأهم موقع للمسلمين على شبكة الإنترنت، ويعلم الله أنني لا أقول ذلك انطلاقاً من أنني أحد الذين يشرفون بالعمل به، ولكنني أقولها متجرداً لله، فهو – إسلام أون لاين- بحق مرجعية للمسلمين في شتى بقاع المعمورة، يجد فيه المسلم ضالته في كل فرع من فروع الإسلام، بل ومناحي الحياة جميعاً، منذ أن أكرمنا الله بافتتاحه في الأول من شهر أكتوبر عام 1999م، على يد وتحت إشراف العلامة الإسلامي الكبير الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله من كل مكروه، وأطال في عمره، نفع به وبعلمه المسلمين.. اللهم آمين.
* أما عن قولك لا أصلي ولا أقرا القرآن إلا قليلاً، فهذا أمر يتم تداركه بإذن الله، فطبيعة المرحلة التي تعيشينها، والجو المحيط بك- الذي ذكرته بالتفصيل في رسالتك- لم يكن ليسمح لك بالانتباه إلى أهمية وفضل الصلاة، وقراءة القرآن، واعتقد انك في غنى عن أن أوضح لك أن الصلاة فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن قراءة القرآن ومطالعته وتلاوته وتعلم أحكامه من الأهمية بمكان بالنسبة لكل مسلم.
* وأنصحك بقراءة الموضوعات التالية فستجدين فيها الخير الكثير إن شاء الله:
13 وسيلة للحفاظ على الصلاة(33/390)
ويمنعني الشيطان من الصلاة
الالتزام وحفظ القرآن.. وسائل وضوابط
أسس وقواعد تعين على حفظ القرآن
* وأما عن الحجاب؛ فقد سرني إقرارك بفرضيته، ومعرفتك بلزومه للمسلمة، وأنه فرض على كل مسلمة بالغة، رغم اعترافك بأنك غير محجبة، وأسأل الله أن يحببه إليك، وأن يهد قلبك إلى ارتدائه، فهو عفة ووقار، فضلا عن كونه عبادة وائتمار.
* يبدو من رسالتك ومن شرحك لطبيعة أسرتك، أنك ذا شخصية قوية، وأن مقاليد أمرك بيدك، وهذا يلقي عليك بتبعة العودة والرجوع إلى الله، ويجعل القرار – قرار العودة – في يدك أنت، فهيا أسرعي وبادري بالعودة إلى ربك، وأقبلي عليه بالطاعات يقبل عليك برحمته.
* وأما عن بنات عمك وبناتك عماتك، وما كان يحدث بينكما من منافسات، وصفتيها في رسالتك بـ(المنافسات التافهة) فإنني أنصحك بمسح هذه الفترة من ذاكرتك، وأن تجعلينها حافزا لك على التغير ودافعاً على التغيير، وأن تركزي في هذه المرحلة على نفسك إيمانياً، كما أنصحك بان تعودي على بنات عمك بالنصح وأن تأخذي بأيديهن إلى أبواب الطاعة، ولكن ليس الآن، حتى لا يكن سبباً في نكوصك عن التوبة، و تفتير عزمك عن السير في طريق العودة إلى الله.
* ثقي أنك لن تخسرين شيئاً، بل أنت إن شاء الله الرابحة، وسيبدلك الله حياتاً خيراً من حياتك، وصحب خيراً من صحبك، وإيماناً تجدين حلاوته في قلبك، وبقدر ثباتك على الطاعات يكون أجرك إن شاء الله.
* هنيئاً لك هذه النية الصالحة وهذه العزيمة الصادقة التي استشعرتها من كلماتك التي تقولين فيها (قررت اقلب موازين حياتي، مهما كلفني الأمر، ومهما واجهت من عقبات، قررت أن أكون فعلاً فتاة مسلمة، ليس فقط بالقول).
* أوصيك بالثبات ثم الثبات ثم الثبات على التوبة والطاعات، فلن يتركك شياطين الإنس والجن تهنئين بحلاوة الطاعة والقرب من الله، سيحاول الشيطان أن يعيدك إلى حظيرة المعاصي، وسيسلط عليك بعضاً من أعوانه من شياطين الإنس، ممن يتكلمون بألسنتنا ويرتدون مثل ثيابنا، ولكنهم – للأسف- أعوان للشيطان، يستخدمهم كأسلحة لرد الطائعين، وتشكيك السائرين في طريق الإيمان. وخاصة في تلك (الفترة الانتقالية) من حياتك، والتي يكون فيها العبد التائب أقرب ما يكون كالذي خرج للتو من غرفة العمليات، بعدما أجريت له جراحة كبيرة، استؤصلت له فيها "زائد المعاصي"، أو "سرطان الذنوب"، ومن ثم فإن جراحه مازلت منفتحة، ويخشى على قلب التائب في هذه الفترة من التلوث بـ "جراثيم" و"ميكروبات" المعاصي والذنوب.. نسأل الله لنا ولك الشفاء من المعاصي والذنوب.
وقبل الختام،
يطيب لي أن استنطق لك ما حكاه القرآن لنا جانباً من هذا الكيد والمكر على لسان أمير الشياطين، إبليس اللعين، عندما قال : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ).(33/391)
وقال أيضاً كاشفاً عن خططه الشيطانية لتضليل عباد الله (لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا* يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً).
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
أدرس بالغرب.. فكيف أنجو من الفتنة؟ العنوان
الأخلاق الموضوع
السلام عليكم أحبتي في الله
إخوتي: أعرض عليكم مشكلتي، متمنياً من الله أن تعينوني في حلها، أنا شاب مسلم، عمري 24 عاماً، أدرس في إحدى الدول الأوروبية، أصر على التمسك بالتزامي وبديني، برغم قوة التيار من حولي، خمس سنوات عشتها في هذه البلد بعيداً عن معصية الله، جل ما أرجوه في هذه الحياة أن يملأ الله قلبي بحبه، أمنيتي أن يوفقني الله وأنهي دراستي وأعود إلى وطني.
ما زال لي في هذه البلاد بضع سنين، وقد بدأ الصبر يخفت في قلبي، أحس بفراغ عاطفي كبير، أصبحت أشعر بضرورة كبيرة إلى الشق الآخر، إلى الجنس الآخر، أصبح هذا الموضوع يؤثر كثيرا على حياتي؛ تحصيلي الدراسي لم يعد كما كان، أعاني من انقباض في الصدر وغيرها من تلك المشاعر السلبية، وحتى لا أقع في الحرام- وما أسهله في هذه البلاد- أفكر في الزواج، فهل أتزوج من وطني؟؟
أنا ما زلت طالباً، وليس لدي الإمكانية، عائلتي بسيطة، وأسال الله أن يعينها على توفير الحاجات الأساسية لي ولإخوتي، ولا أرى أن لديها القدرة على التكفل بزواجي حالياً، إضافة إلى صعوبة إحضار هذه الزوجة إلى هذه البلاد، وكثرة التكاليف المادية وغيرها، أم أتزوج من أجنبية مسلمة من هذه البلاد؟.
لكنني أخاف من المشاكل فيما بعد، وأخشى ألا أستطيع التكفل بتكاليف الزواج فيما بعد (لا أقصد المهر؛ فهنا لا يوجد هذا التعقيد الذي نجده في بلادنا العربية، ولكن أقصد تكاليف الحياة لهذه الأسرة) فأنا طالب على قد حالي ومصروفي الشهري بصعوبة يكفيني بمفردي؛ فكيف لي أن أنشئ أسرة؟ فبماذا تنصحونني إخوتي؟.. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار(33/392)
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
أهلا بك أخي الشاب المسلم، ونسأل الله تعالى أن يعينك على غربتك وأن يثبتك في مواجهة الفتن، وأن يجعلك سفيراً للإسلام في أوطان أحوج ما تكون لمن يأخذ بأيديها إلى طريق الله رب العالمين.
بداية.. أذكرك يا أخي بإخلاص النية في طلب العلم لله رب العالمين، وهنيئا لك خروجك في سبيل الله؛ فقد أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" (رواه الترمذي)، ويدل على شرف المهمة التي أنت في سبيلها قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع" (رواه أحمد في مسنده، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك).
إذن يا أخي فأنت في مهمة عظيمة، ورحلة جليلة، تحتاج إلى نفس مجاهدة، وعزيمة صادقة، وهمة وثابة، منطلقة نحو المعالي، وهاأنت قد حققت ذلك وصبرت لمدة خمس سنوات رغم قوة التيار من حولك كما تقول، وهذا شيء محمود لك، ويدل على أنك على خير كبير، فاستمر فيه، واعلم أن طلبك الزواج أمر طيب، بل محمود لك، ولكن لا نريد أن نتعجل، ولا تحصر حياتك كلها في الشهوة والجنس الآخر، فمجالات الحياة كثيرة، فاختر منها ما يناسبك، وابدأ في التفكير فيه.
وتعال يا أخي نقف معا بعض الوقفات :
أولا- يجب أن نقر أنك على خير كبير، وأنك من أنظف الشباب المسلم، فمع كل ما أنت فيه ما عصيت الله، وحافظت على نفسك، فكن مسلما نافعا لمجتمعه، ولا تحصر نفسك في الشهوة، وحافظ على هذا الإيمان الراسخ فيك، وإياك أن تغبره بالشوائب، فحافظ عليه نظيفا كما هو.
فمشكلة شبابنا أنهم حين يذهبون إلى بلاد الغرب فإنهم ينبهرون بزخرفها وبريقها ولمعانها، فينكبون عليه ظانين أن فيها المتعة الحقيقية، ولكنهم سرعان ما تتكشف لهم الحقائق؛ فيصدمون بأن هذه المتعة ما هي إلا سراب يستحيل تحصيله، وقليل منهم من يشغل باله بالاستفادة من هذه الفرصة وتوصيل دعوة الله لهؤلاء القوم المتعطشين إلى هذه القيم الروحية والمثل العليا.
إذن يا أخي احرص على أن تكون فاعلاً ومؤثراً وإيجابياً بدل أن تكون مفعولاً بك، ومتأثرا وسلبياً، وقاوم هذا التيار الشديد برد فعلي إيجابي أكثر شدة وتأثيراً.
ثانيا- من الملاحظ عند الشباب أنه إذا ذكرت المعصية والفتن فإن الذهن ينصرف مباشرة إلى الأمور الجنسية ومشاكلها، وكأن المعاصي كلها قد انحصرت في هذا الأمر. وهذا ليس تهوينا من هذه المعصية ولا تقليلا من آثارها المدمرة على النفس والمجتمع، ولكنه احتراز من انشغال الناس بهذه المعصية ونسيان باقي المعاصي التي لا يقل خطرها عنها وربما يزيد، خاصة في بلاد لا يؤثر فيها وازع من دين ولا(33/393)
يردعها راع من ضمير؛ فتتعدد ألوان المعاصي في معظم مجالاتها ومعاملاتها وإن لم يتنبه المسلم لذلك فإنه سينغرس في وحلها دون أن يشعر.
إذن يا أخي عليك أن تراقب نفسك في كل حركة و سكنة في هذه البلاد في تعاملاتك المادية والاجتماعية وسلوكك مع الأفراد؛ فتضبطها بمضبطة الشرع الحنيف فخذ منها ما توافق معه، واترك ما تعارض. وقدر الأمور قدرها جيدا، واحرص على التعرف على فقه الأقليات الإسلامية في الغرب.
ثالثا- احذر يا أخي أن يزين لك الشيطان أن وجودك في أوربا مبرر لارتكاب المعاصي بحكم الفتن المحيطة بكم، واعلم أنه لا يوجد مكان الآن يخلو من هذه الفتن، خاصة في عصر الانفتاح الإعلامي؛ فالوقوع في المعصية سهلة جدا الآن لأي أحد وفي أي مكان، ولذلك كانت وصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"؛ فتقوى الله ومراقبته يجب أن تكون سلاح المؤمن لمواجهة الشيطان والمعاصي في أي مكان؛ لأنه بدون هذا السلاح سيسهل الوقوع في المعاصي.
واعلم يا أخي أنه لم يخلُ عصر من العصور من الفتن والرذائل؛ فمثلا حينما جاء الإسلام كانت هناك صاحبات الرايات الحمر، ومع ذلك تخرج فيه من الشباب والفتية من تجاوزا هذه الأمور وطمحوا للمعالي؛ فكان منهم مصعب بن عمير وأسامة بن زيد وعقبة بن عامر.
وأخيرا أخي الحبيب إليك بعض التوصيات والنصائح العملية التي نرجو الله أن يثبت بها فؤادك ويقوي بها إيمانك:
1-استحضر مراقبة الله دائما أمامك، وثق أن الله مطلع عليك، وضع أمامك دائما "الله معي الله ناظري الله شاهدي"، ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، واعلم أن التقوى هي طريق تحصيل العلم النافع كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}.
2- ثق أنه بقدر صبرك على أسباب المعصية مع توفرها يكون أجرك عظيما؛ فمثلا لا يستوي أجر من منع نفسه عن المعصية وهو في بلد إسلامي ومن منعها في بلد تتوفر فيه أسباب المعصية، وتعتبرا أمرا عاديا.
3- إليك وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم لمعشر الشباب لمن لا يستطيع منهم الزواج: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" (صحيح مسلم). فاستعن على شهوتك بالصوم، واعلم أنك إن لم تستطع حملها على الصوم فلن تستطيع مجاهدتها في المعصية.
4- الزم الصحبة الصالحة التي تعينك على الطاعة وتبعدك عن المعصية. فاحرص على التعرف على بعض الشباب المسلمين سواء من الأوربيين أو العرب ليعين بعضكم الآخر على طاعة الله.
5-اشغل نفسك بالأنشطة الاجتماعية والدعوية المفيدة، ويمكنك الذهاب إلى أقرب مركز إسلامي، واطلب منهم المشاركة في هذه الأنشطة.(33/394)
6- احذر أن يكون الفراغ العاطفي سببا في أخذ خطوة غير محسوبة في موضوع الزواج، تندم عليها بعد ذلك؛ فمثلا لا تتسرع وتتزوج فتاة أوربية وتفاجأ بعد ذلك بعدم قبولها للعيش في بلدك الأصلي أو عدم تقبل أهلك لها.
7- الجأ إلى الله تعالى بالدعاء وتضرع إليه أن يثبتك على طريق الحق، وأن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان.
وفي النهاية؛
أخي الحبيب أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يجعلنا نخشاه كأننا نراه. وتابعنا بأخبارك لعلنا نكون عونا لك على الطاعة.
ـــــــــــــــــــ
الشوق لرؤية الخالق.. كيف السبيل؟ العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد : فلا املك سوى أن أدعو الله أن يجزيكم خيراً على ما تبذلونه من وقت وجهد وعلم لأجل تبصير هذه الأمة بأمور دينها.
وسؤالي الأول هو : أريد أن أعرف ماذا علي أن افعل، حتى أكون ممن يرون وجه الله الكريم يوم القيامة؟ لأني أدعو بعد كل أذان أن يجعلني ممن يرون وجهه الكريم، وممن يرافقون رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم في أعلى جنات الخلد.
أما سؤالي الثاني فهو: أنني عندما أكون في ضيق، أو تكون لدي حاجة، أريد من الله أن يقضيها لي، فإنني أدعو الله وألح في الدعاء، في كل وقت من الأوقات المفضلة للإجابة، وأكون على يقين بأن الله سيستجيب دعائي أو يؤخر أو يدفع عني من المصائب بقدر الشيء.
في الوقت نفسه أشعر بالقلق، وتأتيني بعض الوساوس من أن الله لن يستجيب لي.
أعرف أن من أركان الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر.. وأعرف أن هذا لا يمنع أن أدعو، وأطمع فيما عند الله للدنيا والآخرة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن الله سوف ينصره على الكفار ومع هذا كان يدعو الله كثيرا قبل غزواته, لكن ما أريد أن أعرفه هل انتظار نتيجة الدعاء والقلق بشأنه من ضعف الثقة في الله أم أنه أمر طبيعي.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الدكتور باسم خليل المدرس بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة فرع الفيوم :
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فعن السؤال الأول، أستعين بالله وأقول :
فإن رؤية الله – عز وجل– يوم القيامة أحب شيء إلى المؤمن، فنفسه في اشتياق دائم إليها، ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة درجة عليا ومنزلة عظمى تتعلق بها القلوب. فقد ورد في تفسير قول الله – سبحانه- : " لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ(33/395)
" (يونس: 26) عن قتادة وعكرمة أن الحسنى: الجنة، والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم.
وجاء في السنة المطهرة : عن عبد الرحمن بن مهدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نودوا يا أهل الجنة إن لكم ثم الله موعدا قالوا ما هو ألم تبيض وجوهنا وتثقل موازيننا وتدخلنا الجنة وتنجنا من النار فيكشف الحجاب فيتجلى لهم فو الله ما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه
وجاء في سبب نزول قوله – تعالى - : " وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً " (النساء : 69) أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن فقال له : يا ثوبان ما غير لونك ؟ فقال : يا رسول الله ما بي ضر ولا وجع غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأنى إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا فأنزل الله هذه الآية.
وهذه الدرجة وتلك المنزلة لا يرقى إليها إلا من هو جدير بها ويستحقها، وذلك لا يتأتى بالدعاء فحسب، وإنما يكون بطريقين :
الأول : ويتمثل في سلوكيات المؤمن التي ينبغي أن يتمثلها، ومن أهمها :
أ – حسن الخلق: عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا : يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال : المتكبرون". والثرثار هو الكثير الكلام، والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام .(سنن الترمذي).
ب – الأعمال الصالحة: عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا : بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطأ إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ". (صحيح مسلم).
جـ- التزام الصراط المستقيم: فقد ورد في تفسير قوله – تعالى- : " وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً" (النساء: 68) يعنى بذلك جل ثناؤه ومن يطع الله والرسول بالتسليم لأمرهما وإخلاص الرضا بحكمهما والانتهاء إلى أمرهما والابتعاد عما نهيا عنه من معصية الله فهو مع الذين أنعم الله عليهم بهدايته والتوفيق لطاعته في الدنيا من أنبيائه وفى الآخرة إذا دخل الجنة .
الطريق الثاني : ويتمثل في الابتلاءات التي تصيب الإنسان، وهى تمحص المؤمن وتحط من خطاياه، وترفع من درجته إن هو قابل هذا الابتلاء برضا نفسه والصبر عليه ويدلنا على ذلك أحاديث منها :(33/396)
عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء؟، قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة".(سنن الترمذي).
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها : اتقى الله واصبري فقالت : وما تبالي بمصيبتي فلما ذهب، قيل لها : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين، فقالت : يا رسول الله لم أعرفك فقال : إنما الصبر عند أول صدمة أو قال : عند أول الصدمة (صحيح مسلم).
أما عن السؤال الثاني فأقول :
قد ورد في صحيح البخاري : عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار".
ونص الإمام ابن حجر في شرحه فتح البارئ على أنه يستحب أن يجتمع الرجاء والخوف في قلب المؤمن فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف ولا في الخوف عن الرجاء لئلا يفضى في الأول إلى المكر، وفى الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم، والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها.
وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور، وما أحسن قول أبى عثمان الجيزى: من علامة السعادة : أن تطيع، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاء أن تعصى، وترجو أن تنجو.
وجاء في سنن الترمذي : عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك قال : والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف".
ـــــــــــــــــــ
سبل النجاة من ضمة القبر العنوان
العقيدة الموضوع
الأفاضل في شبكة إسلام أون لاين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد :
فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ضغطة القبر، فهل هناك بالفعل عذاب في القبر؟، وما هي الأسباب التي توجب عذاب القبر؟، وكيف يمكننا النجاة من ضمة القبر؟
رجاء التكرم بالرد على أسئلتي و جزاكم الله خيراً.
السؤال
الأستاذ جمال عبد الناصر المستشار(33/397)
الرد
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وبعد..
أخانا الفاضل عبد الله أهلا بك ومرحبا، وحياك الله وأعانك على طاعته وهداه، ومرحبا بك على موقعنا إسلام أون لاين..
أما عن سؤالك أخي الحبيب عن عذاب القبر وضغطته فهذا أمر ثابت بالكتاب والسنة، ويدور الكلام فيه حول عدة نقاط كالآتي:
1. ثبوت عذاب القبر وضمته بالكتاب والسنة.
2. من أسباب عذاب القبر.
3. المنجيات من عذاب القبر.
أولا: ثبوت عذاب القبر وضمته بالكتاب والسنة:
يقول ربنا عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [سورة غافر: 46].
اعلم أخي الكريم أن من مقتضيات الإيمان أن يصدق الإنسان بعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين منكر ونكير عليهما السلام، فمن أنكر عذاب القبر كذب بالقرآن ومن كذب به فقد كفر والعياذ بالله، فهذه الآية فيها إثبات عذاب القبر وهي صريحة؛ لأن الله تعالى قال: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.
قال ابن كثير: "وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبر. حيث أثبت سبحانه لآل فرعون عذابا في الليل والنهار ويوم تقوم الساعة ينتقلون إلى العذاب الأكبر في جهنم".
ومعنى الآية أن آل فرعون الذين اتبعوه في الكفر والشرك يعرضون على النار في البرزخ أي في مدة القبر، والبرزخ ما بين الموت إلى البعث، ويعرضون على النار عرضاً من غير أن يدخلوها حتى يمتلئوا رعباً وقت الغداة (من الصبح إلى الضحى) ووقت العشي (من العصر لآخر النهار) ويوم تقوم الساعة أي يقال للملائكة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب.
وهناك آية أخرى تثبت عذاب القبر قال ربنا عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]. ففي أحد تفسيرات هذه الآية أن من أعرض عن الإيمان بالله تعالى إذا مات يتعذب في قبره.
وفي الحديث الذي رواه ابن حبان مرفوعًا قال الرسول الكريم: "هل تدرون في ماذا أنزلت؟ {فإن له معيشة ضنكا}؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره".
وهذا دليل أيضاً على أن الميت في القبر يكون له إحساس بالعذاب بعد عودة الروح إليه إن كان من أهل الكفر أو المعاصي. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة" (رواه الترمذي).(33/398)
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه فلا يكلمه شيء إلا قبره ويقول: ويحك ابن آدم أليس قد حذرتني وحذرت ضيقي ونتني ودودي فماذا أعددت لي؟".
ويقول: "للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ" وفي رواية: "هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهد له سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه".
هذان الحديثان يدلان دلالة واضحة على ثبوت عذاب القبر وضمته نسأل الله العفو والعافية وأن ينجينا من عذاب القبر، فهذا سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن لا ينجو من ضمة القبر فما بالنا نحن المقصرون!!!.
ولقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسأل بعد موته قُبر أم لم يُقبر فلو أكلته السباع أو صار رمادا لسئل عن أعماله وحوسب وفي الحديث: "إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله قال: فيقول: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، وأما الكافر والمنافق فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة فيسمعها من عليها غير الثقلين".
ثانيا: من أسباب عذاب القبر:
1- إهمال الطهارة وإتيان النميمة ففي الحديث: "إن النبي مر على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة" (رواه البخاري). والنميمة هي نقل الكلام للإفساد بين الناس، والتنزه هو الاستبراء والتطهر. وفي الحديث: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" (رواه الدارقطني).
2- الإهمال والتهاون في الوضوء وترك مناصرة المظلوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمر بعبد من عبيد الله أن يجلد في قبره مائة جلدة فما زال يسأل الله عز وجل حتى صارت جلده فلما ضرب اشتعل عليه قبره نارًا فلما أفاق قال: علام جلدتموني؟ فقيل له: إنك صليت صلاة من غير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره" (رواه الطبراني). وكثير من المسلمين يقع في هذا الإثم فكم من مستصرخ أو مستنجد تستباح أرضهم وأعراضهم وأمة الإسلام لاهية تائهة في عبثها غيها ولهوها!!!
3- اقتراف جريمة السرقة والعياذ بالله ففي الحديث: "كان رجل يقال له كركرة على متاع رسوله فمات فقال النبي: "هو في النار وإن الشملة تشتعل عليه نارًا في قبره" فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها"(رواه البخاري)، أي أنه دخل النار بعباءة قد سرقها.
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "الروح":(33/399)
"فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات".
ثالثا: المنجيات من عذاب القبر:
1- الموت في سبيل الله: فنسأل الله أن يبلغنا إياها وقد سئل رسول الله: "ما بال الشهداء لا يفتنون في قبورهم؟ فقال: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة".
ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه" (رواه الطبراني).
2- قراءة سورة الملك والمداومة عليها ففي الحديث: "إن في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له" (رواه الترمذي).
3- فعل الصالحات يقول النبي الكريم: "إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل" (رواه ابن حبان).
4- الموت يوم الجمعة أو ليلتها لحديث: "من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء" (رواه أحمد).
5- المرابطة في سبيل الله ففي الحديث: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان" (رواه مسلم).
6- محاسبة العبد نفسه وتجديد التوبة قبل النوم، يقول ابن القيم رحمه الله: "ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ثم يجدد له توبة نصوحا، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته تلك مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته" (كتاب الروح). ولا سيما إذا أعقب ذلك فعل السنن عند النوم.
7- الدعاء لمن مات والاستغفار له والصدقة عنه ووفاء الدين وقضاء الحج فإنه ينفعه ففي الحديث: "كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل"(رواه أبو داود).
وفي حديث آخر "أن رجلا أتى النبي فقال: "يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم" (رواه الشيخان) فأمره بالصدقة على روح أمه.(33/400)
نسأل الله عز وجل أن ينجينا وإياك من عذاب القبر، ويدخلنا الجنة مع رسوله صلى الله عليه وسلم، ويسقينا من يده الشريفة شَرْبَة لا نظمأ بعدها أبدا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة على الهادي الأمين، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الوسائل العشر للاحتفال بسيد البشر العنوان
العبادات الموضوع
الأفاضل في شبكة إسلام أون لاين : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد :
بمناسبة الاحتفال بمولد الهاجي صلى الله عليه وسلم، أود أن أعرف : هل محبة النبي صلى الله عليه وسلم أمر فطري ألقاه الله في قلوب المؤمنين؛ أم أنه تربية روحية تحتاج إلى جهد من المسلم؟.
وما هي الوسائل العملية التي يمكننا من خلالها أن نعلن عن محبتنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم . و جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر:
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ، ثم أما بعد :
فإن من سنن الله الثابتة، ومن فطرته في خلقه، أن الإنسان يحب الأشياء النبيلة العالية، ويكره الأشياء البغيضة السافلة.
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى، البشري، في كماله، وصفاته، وهو ذروة عليا في الأخلاق والشمائل، وقد مدحه الله تعالى فقال : "وإنك لعلى خلق عظيم"، وهذا النوع من البشر تحبه النفوس بفطرتها، وتميل إليه بطبيعتها، ولذلك فحبه من هذا الجانب هو فطرة إنسانية تجذب إليه نفوس كل عنصر صالح في البشر.
كما أن حب النبي صلى الله عليه وسلم، خلق تربوي، ينشأ عليه الناس، إذا طالعوا صفاته، وسمعوا شمائله، أو عايشوها ورأوها رأي العين، فهو من حيث الفطرة السليمة يُحَبُ ويُكَرمُ، وهو من حيث التربية والتعود يُحَبُ ويُكَرمُ.
وهناك جانب آخر أهم من هذا وذاك وهو الأمر الإلهي بحب النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه رحمة للعالمين، ولأنه بُعِثَ هادياً ومعلماً للناس، وصبر على الأذى والمتاعب، ليبلغ رسالة الله إلى الناس، فهو من هذا الجانب الديني الإلهي رمز للتضحية والفداء والإخلاص للناس جميعاً.
ويجب على المسلم أن يستحضر في نفسه عظمة الهداية الإسلامية للناس، وكيف وصلت إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، عبر صبره الجميل، وبلاغه المبين، وجهاده الموصول، في سبيل الله عز وجل وهذا يدفع المسلم إلى حب النبي صلى الله عليه وسلم حباً جارفاً، و تفديته بالنفس والمال.(33/401)
فحب النبي صلى الله عليه وسلم ناشئ في نفس المسلم عن النعمة الكبرى التي أوصلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسان
ولذلك نجد حب المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حباً جليلاً يقوم على الشعور بعظمة النعمة التي أسداها لنا الله سبحانه وتعالى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة الرسول تكون بالقلب وباللسان وبالأعمال.
أما القلب فهو عملية فطرية، قائمة على الشعور بالنعمة العظيمة التي أهداها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما باللسان: فترجمتها كثرة الصلاة عليه، كما قال تعالى "يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "، أما بالإعمال : فيكون من خلال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله والعمل بسنته، ومتابعته في الفضائل العليا التي كان يتمتع بها صلى الله عليه وسلم من الصدق والأمانة والصبر والمواساة والرحمة والمودة، وغير ذلك من ضروب النبل الأخلاقي النبوي الذي يبلغ ذروة الكمال.
الرسول صلى الله عليه وسلم، لم ببعث للناس، ولم يصبر على الأذى والمشقات، إلا ليعلمنا الحق الإلهي، من الصدق، والأمانة، وإتقان العمل، وتوحيد الله، وتعظيم القرآن، ومحبة المسلمين جميعًا، وتبليغ الدعوة للناس جميعًا، وغير ذلك من الفضائل العليا التي كانت من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
أما عن الخطوات العملية التي يمكننا القيام بها للاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، فهي كثيرة ومنها :-
1- التأسي به:
أول خطوة عملية هي إلزام النفس بالأسوة الحسنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يعمل الإنسان كما كان يعمل، ولو اختلفت الدرجة؛ أي يصلى كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي، ويصوم كما كان يصوم.
2- التعريف به:
أيضًا يشرح للناس، على قدر استطاعته العظمة الإلهية التي تمثلت في بعثته صلى الله عليه وسلم.
3- الامتنان له :
لكونه صلى الله عليه وسلم، سبباً لإنقاذنا من النار، فقد ابتعثه الله لينقذ العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فنحن نشكره أن كان سبباً في هدايتنا ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
4- تربية النشء على حبه:
وأيضًا تربية الأبناء والأسرة جميعاً على هذه المعاني، وصدق الله حين يقول:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".
5- دراسة سيرته:(33/402)
ومن الوسائل العملية أيضًا قراءة السيرة النبوية قراءة جيدة، ويعلمها لأبنائه وأحفاده وزوجته، وغيرها، فقد كان الصحابة يحرصون على هذا غاية الحرص. يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لأبنائه وأحفاده بعد أن علمهم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بني احفظوها فهي شرفكم وشرف آبائكم).
6- الاعتزاز بسيرته:
كما ينبغي أن نعتز بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نعلم أنه كان على خلق عظيم؛ فلا نخجل من أي شيء يروى عنه بسند صحيح، بل نفاخر الدنيا بسيرته صلى الله عليه وسلم؛ فهو الأسوة الحسنة لنا، والرحمة المهداة للناس جميعاً، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه.
7- اتباع هديه :
ومن الوسائل العملية أيضا المتابعة والإتباع ، لقوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، فعلى الإنسان أن يتحرى العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
8- التخلق بخلقه:
ومن الوسائل العملية أيضا أن يتخلق المسلم بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة في أمور الدعوة والبلاغ فإن الأوروبيين من خلال إساءتهم للإسلام هو تقصيرنا في تبليغ الدين الإسلامي للناس وهم لذلك يجهلون ومن جهل شيء عاده.
9- الصفح عن الخصوم:
ومن الوسائل العملية أيضاً، الصفح عن الخصوم، إذا كان ذلك مما يساهم في فهمهم للإسلام. وقد كان الناس والأعراب يغلظون القول للنبي صلى الله عليه وسلم، في حياته، فكان يعاملهم بالرحمة والمودة والعفو ولكن بلا ضعف ولا تخاذل، كان اللين من صفاته العظيمة التي تحبب الناس فيه، وقد ذكاه الله في كتابه الكريم فقال جل شأنه : "فبما رحمة من الله لنت لهم .".
10- التعريف برسالته وتوصيلها للعالم:
ومن الوسائل العملية أيضاً، إرسال الرسائل عبر البريد الإليكتروني، والمقالات الصحفية، والقصص النبوية الصحيحة، إلى الناس حتى يفهموا عظمة الأخلاق النبوية المحمدية، وهذا خير دعاية للإسلام، لأن الأخلاق الحسنة تؤثر في الناس، ولو لم يردوا، وتكون قدوة عملية تقطع الجدل والخصام، وصدق الله تعالى حين يقول "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا".
ـــــــــــــــــــ
الاسم
سنة أولى "التزام" العنوان
العبادات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد معرفة ما هو الالتزام الحقيقي؟(33/403)
أنا أحاول الالتزام وأسير في هذا الطريق، ولكن تأتى لحظات أشعر بالروتين والملل، فما هو السبيل إلى الطريق الصحيح؟ ولا أجد من يشجعني فماذا أفعل؟ وإن جميع أصدقائي في بداية الالتزام أو بعضهم غير ملتزم، وأجدهم غير جادين، وبذلك لا أجد من يشجعني، أريد معرفة ما يجب أن أفعله في بداية الالتزام وكيف أستطيع التواصل؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ علي موسى محمد، عضو فريق الاستشارات الإيمانية :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
أختنا الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنها لنعمة عظيمة، ومنة من الله كبيرة، أن ينشغل الإنسان بأمر دينه، وأن يهتم لهذا الأمر، وأن يبحث دائماً عن الأفضل في علاقته بربه سبحانه وتعالى. وإن سؤالك عن معنى الالتزام الحقيقي ليثير في نفس كل منا شجون وتساؤلات.. ويجعله يسأل نفسه سؤالاً مباشراً : هل أنا ملتزم؟، وما هو الالتزام؟، وما هي علاماته؟
إن الالتزام الحقيقي- أختي الفاضلة- ما هو إلا تحقيق لمعنى الإسلام الذي نلتزم به، وإن من أعظم معانيه الاستسلام لله عز وجل.. الاستسلام الكامل في كل شئون الحياة، فلا يجدنا إلا حيث أمرنا، ولا يرانا حيث نهانا.. فالمسلم الملتزم مستسلم لأمر ربه؛ في عقيدته، وعبادته، وسلوكه، ومعاملاته بين الناس، والأمة الملتزمة مستسلمة لأمر ربها في شرعها و حكمها و علاقتها بسائر الأمم.
فالالتزام الحقيقي هو تحقيق قول الله عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ). هو تحقيق رسالة الإنسان في هذه الحياة والمتمثلة في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). هو الاستسلام الكامل لأمر الله ورسوله صلى الله عليه و سلم كما أخبرنا رب العزة سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا).
ومن علامات هذا الالتزام الاستسلام لأمر الله عز وجل في الظاهر و الباطن.. ففي الباطن، يلتزم المسلم بتوحيد الله عز وجل وبتقوى الله عز وجل، والخوف منه، والرجاء في رحمته .. إلخ، وفي الظاهر، يلتزم المسلم بأداء ما افترضه الله عز وجل عليه من صلاة وصيام وزكاة.. وحجاب للمرأة المسلمة .. إلخ.
وعلى هذا، فمن أظهر للناس صلاحاً وهو غير ذلك في خلوته فالتزامه ناقص.. ومن أظهرت للناس صلاة وصياماً للنوافل وهي غير مرتدية للحجاب الشرعي فالتزامها(33/404)
ناقص.. ومن أظهر للناس ذهاباً وإياباً للمساجد ولسانه غير منضبط فتارة يغتاب وأخرى ينم، وثالثة يكذب. فالتزامه ناقص.
لكن هذا الالتزام لا يأتي في يوم وليلة، بل يحتاج إلى صبر ومجاهدة ومحاولة تلو المحاولة، وقد يصادفه فشل لكن بفضل الله يعقبه نجاحات، وعلى قدر إخلاص الإنسان، وعلى قدر إرادته وعزمه وبذله يترقى في مقامات الالتزام بدين الله عز وجل.
وأثناء هذه المحاولات المتتالية، يعتري الإنسان شيء من الفتور والإحساس بالملل، وهذا شعور طبيعي ليس بغريب، فقد أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح، ومن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر".
ففي بداية الالتزام تكون "الشرة" والعنفوان والقوة كإنسان ظامئ وجد الماء أمامه فشرع ينهل منه الكثير والكثير، ثم يعقب هذا "الفترة" وهي الفتور والشعور بالكسل والملل. والواجب علينا كما أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا نجعل فترات الفتور تصل بنا إلى المعصية، أي أن نجعل لأنفسنا حداً أدنى من العلاقة مع ربنا عز وجل، فلا ننزل عن هذا الحد أبداً قد نعلو عنه في أوقات "الشرة" لكن لا ننزل عن هذا الحد أبداً في أوقات "الفترة".
وعلى طريق الالتزام، وحين يتملك من الإنسان الفتور يحتاج الإنسان أعواناً على الخير، ويكون في أشد الاحتياج إلى صاحب يقوي من عزمه، ويشد من أزره، و يذكره بربه، ولذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحبة الصالحة فقال لنا :" المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
فلابد من مصاحبة الأخيار الأطهار، الذين يعينون على طاعة الله عز وجل، والبعد عن مصاحبة الفجار الذين ينسى الإنسان معهم دينه، وخلقه، فالصاحب ساحب. فالمصاحبة تكون للأخيار الأطهار الملتزمين بدينهم، أما غيرهم من غير الملتزمين فالواجب جذبهم إلى طريق الالتزام لا الانجذاب معهم إلى طريق المعصية.
فديننا يأمرنا ألا يكون أحدنا إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن علينا أن نوطن أنفسنا إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أن نجتنب إساءتهم.
فاستعيني بالله –أختاه- واسلكي طريق التزامك بدينك، مستعينة بالله، مخلصة له، ملتزمة بالحجاب في ظاهرك وباطنك، واعلمي أن من أدمن طرق باب ربه فيوشك أن يفتح له بابه سبحانه، قال تعالى:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
ـــــــــــــــــــ
الاسم
تساؤلات "عقلية" وردود "منطقية" العنوان
العقيدة الموضوع
أنا شاب مغربي، عمري 19 سنة، مسلم، ومن عائلة متدينة، ثقافتي لا بأس بها، أجدني مشدوداً إلى كل ما هو منطقي و نوعا ما ملموساً، لكن بعيدا عن المادية(33/405)
وفلسفتها، وأيضا إلى كل ما هو علمي و رياضي..، كنت دائما أطرح تساؤلات بشأن ديانتي لكن سرعان ما أتجاهلها أو أقمع نفسي لتجاهلها، لكنني الآن أريد أن أعرف الحقيقة وأن يطمئن قلبي.
هل وجود الإله ضرورة كونية؟، وإذا كان الإجابة.. نعم، فما هي تجلياتها ومظاهرها في هذا الكون؟، ولماذا لم تشمل الرسالة كل الناس؟، فكل الرسل بعثوا خاصة أي إلى البعض دون باقي الناس وحتى الرسالة المحمدية التي هي عامة لا تشمل الآن جميع الناس، وإنما الثلث على الأكثر؟، فأغلب غير المسلمين لا يعرفون عن الإسلام إلا الاسم؟ فأين عمومية هذه الرسالة؟، وما حكمهم إذا كنا لا نستطيع إدخالهم في أهل الفترة لأنهم الآن في عهد الرسالة؟.
ولماذا لا يكون الإسلام نتاجاً لبحث الإنسان الدائم عن قوة تحميه من الأخطار المحيطة به؟، وعن تفسيرات لظواهر ما وراء ما وراء الطبيعة كما هو شأن باقي الديانات؟، وهل الآخرة ضرورة كونية؟، إذا كانت الإجابة نعم فما هي مظاهر هذه الضرورة ؟.
وفي موضوع آخر في سورة الكهف {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة } كيف يبلغ مغرب الشمس و نحن نعرف الآن موقع الأرض من الشمس فإذا سرنا إلى المشرق فلن ننتهي إلا إلى نقطة تسمى نهاية المشرق لأن الأرض كروية؟، وأيضا كيف وجدها تغرب في عين حمئة والشمس لا تفارق مدارها ؟.
وفي السنة هناك حديث (لا عدوى و لا طيرة) والتجربة تؤكد أن العدوى حقيقة واضحة؟، وأخيرا كيف أستيقن ويطمئن قلبي بأنني بكوني مسلما فأنا على الطريق الصحيح؟..أرجو أن تكون الإجابة علمية ومنطقية والسلام
السؤال
الدكتور متولي منصور المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
الأخ عبد الله
إن اسمك بحمد الله فيه دليل على وجود الله؛ لأنك مضاف إلى الذات العلية الذي قال في حق نفسه (فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًّا)، ثم إن وجود الله حقيقة كونية تدل عليها تلك الآثار من الخلائق الموجودة الملموسة آناء الليل وأطراف النهار من شمس وقمر ونجوم وكواكب وأفلاك وأرض وجبال وماء وصحارى وقفار.
كما أن وجود الله حقيقة كونية تلمسها في ذاتك أنت، في ذلك يقول الله عز وجل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)، وآيات القرآن الكريم تُسائل هؤلاء المجادلين في وجود الله في أكثر من موضع، منها مثلاً قوله تعالى "أمن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم"، وفي أكثر من موضع من سورة المؤمنون (أإله مع الله).(33/406)
فإذا نظر الإنسان إلى ذات نفسه بغض النظر عن دينه أو لغته أو قوميته، وجرّد نفسه من سيطرة العقل المضل أو النزوة الزائفة ونظر إلى جسده وإلى هذا التنسيق الذي يتناثر بين جوارح الإنسان، ظاهرة وبين أعضائه الداخلية لأيقن أن هناك قوة لا يمكن أن تكون من قوى البشر هي التي خلقت هذا الإنسان وابتدعته وجعلته كما قال خالقه تبارك وتعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين).
وقديمًا قالها هذا الأعرابي وهو يمشى في الصحراء "إذا كانت البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، أفسماوات ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل كل ذلك على وجود اللطيف الخبير".
نقِّ نفسك يا أخي من أدرانها، وحارب أعداء النفس البشرية ومنهم الشيطان والنفس والدنيا والهوى، وأقبل بقلب نقي وعقل متفتح على قراءة القرآن والسنة لتهتدي بإذن الله إلى الطريق المستقيم، ولتوقن بوجود الخالق العظيم.
وأوصيك أن تقرأ في كتاب تفسير "في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب، فقد عني بالآيات الكونية الدالة على وجود الله، وربط بين القديم والحديث، وفيه إجابة شافية لتساؤلاتك عن وجود الله، وستهدأ نفسك بين صفحات الظلال، واقرأ أيضاً كتاب "الله يتجلى في عصر العلم" ففيه فائدة عظيمة للإجابة عن سؤالك.
ولا شك أن وجود الله ضرورة كونية ولا بد أن يكون إلهًا واحدًا؛ لأن القرآن الكريم بين ذلك بجلاء فقال جل شأنه في محكم التنزيل:(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)، وإلا فهل نتخيل هذا الكون الفسيح من أقصاه إلى أقصاه يمكن أن يكون مُسَيَّرًا هكذا دون وجود قوة عظمى تسيره؟!، وهل يمكن أن نتخيل وجود هذه الخلائق بمختلف أنماطها دون وجود رازق يرزقها ومدبر يدبر لها أمرها ؟!
أما آثارها فهي بادية لكل ذي عينين، ويكفي أن تتأمل - أيها السائل الكريم- في نومك ويقظتك، ففي النوم تسلب الروح سلبًا يجعلها متصلة بالجسد بطريقة ما لا يعلمها إلا الله، فإذا ما أراد الله لمن نام أن يستيقظ مرة أخرى فإنه يرد إليه روحه وتتصل بجسده اتصالاً طبيعيًّا، كما نلاحظ ذلك في نومنا ويقظتنا، ويكفي هذا دليلاً وأثرًا على وجود الله عز وجل.
ثم من قال - يا أخي- إن الرسالة الإسلامية ليست رسالة عامة للناس أجمعين؟!، إن هذه حقيقة مقررة في عقيدتنا الإسلامية؛ لأن الرسالات السماوية السابقة كانت خاصة، كل رسالة تنزل على رسول لقوم معينين، فلما أراد الله أن يختم جميع الرسالات أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، مهيمنة على جميع الشرائع السابقة؛ لأنها جمعت بين الجانبين المادي والروحي، والإنسان جسد وروح، ويكفي أن تقرأ معنا قول الله تعالى مخاطبًا رسول صلى الله عليه وسلم : (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
وإذا كان هناك من لا يدينون بدين الإسلام فإن هذا يدل على رحابة صدر الإسلام، وعلى أنه ليس دين جبر وقسر، بدليل أنه لم يجبر أحداً على الدخول فيه، إنه فقط يعرضه على الآخر فإن قبله كان بها، وإلا فليظل على دينه الذي يقتنع به بالشروط الذي استنبطها الفقهاء من شرعنا الإسلامي، والآية الواضحة في بيان ذلك هي قوله(33/407)
تبارك وتعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم).
والعيب يا أخي ليس في الإسلام، ولكن في بعض ضعاف المسلمين الذين لا يعرفون من هذا الدين إلا اسمه كما تقول، كما أن العيب أيضًا فيمن يقصرون في حمل رسالة الإسلام، وإفهامها الآخر، في عصر التقدم العلمي والانفجار المعرفي، فنحن بالتأكيد مقصرون في حق ديننا، ولكن يجب أن نفهم هذا الدين أولاً، وأن نحسن عرضه ثانيًا، ثم نطبقه في أرض الواقع ثالثاً، ثم نبلغه للعالمين رابعاً، وتلك رسالة كل مسلم موحِّد ينضوي تحت لواء هذا الدين.
وأقول لك - يا أخي- إن أهل الفترة انتهى وقتهم؛ لأن الفترة تكون بين بعثة رسول ورسول، وأهل الفترة عندنا هم الذين كانوا بين نبي الله عيسى ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبمجيء رسالة الإسلام ينتهي ما يسمى أهل الفترة وواجبنا الآن ليس أن ندخل هؤلاء في أهل الفترة، وقد مضى أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، ولكن أن نعرض عليهم الإسلام وأن ندعوهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نريهم الإسلام في أخلاقنا وعبادتنا وسلوكياتنا وآدابنا وتعاملاتنا مع من لا يدينون بديننا.
إن الإنسان مركب من عقل وشهوة، العقل ليفكر به، والشهوة لإيجاد النوع الإنساني، ولأن العقل قد يضل كان لا بد من وجود الرسالات السماوية، فالرسالات السماوية ليست نتاجًا للعقل أو لبحث الإنسان المادي، ولكنها منحة جاءت من الخالق سبحانه من أجل هداية هذا الإنسان.
وإذا كنت ترى أن الإسلام يمكن أن يكون نتاجًا لبحث الإنسان المادي فيما وراء الطبيعة، فيما يسمى "بالميتافيزيقا" فإن عقل الإنسان قاصر في الوصول إلى هذه الغاية؛ ولذا كان من أول صفات المؤمنين في ثاني سورة في القرآن الكريم بعد سورة الحمد وهي سورة البقرة قول الله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب)، فألف باء الإيمان أن تكون مؤمنًا بالغيب.
وهذا الغيب لا يمكن لعقل أن يصل إليه، ولا لفكر أن يهتدي إليه، إذن لا بد من وجود آخر يستطيع أن يحدثني عن هذا الغيب، فكان هذا الآخر هم الكتيبة المباركة من الأنبياء والمرسلين، وخاتمهم جميعاً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء برسالة تجعل الإيمان بالغيب قمة الإيمان.
وفيما يتصل بآية سورة الكهف وما حدث من ذي القرنين؛ فإن هذا يُعَدّ تحديًا علميًّا وإعجازًا من قبل الله عز وجل، حيث خص واحدًا من عباده بهذه الخاصية من أجل أن يقضي على هؤلاء الذين كانوا يكفرون بآيات الله عز وجل، ومغرب الشمس ومشرقه في هذه الآية الكريمة إنما سيق دليلاً على مقدار إدراك البشر مخاطبة خالق البشر لخلقه بما درجوا عليه.
وليس هناك محل للسؤال: أين مغرب الشمس الذي بلغه؟، وأين مشرق الشمس الذي بلغه؟؛ لأن الذي أقدره على فعل ذلك لا يسأل عن أينيته؛ لأنه وصف نفسه بقوله (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). فالأمر يدخل في نطاق طلاقة قدرة الله عز وجل، وأوصيك أن تقرأ كتاب "إعجاز الله في خلق الكون".(33/408)
أما الحديث الشريف "لا عدوى ولا طيرة"؛ فإن هذا رد على هؤلاء الذين كانوا يعتقدون أن العدوى هي الفاعل الحقيقي، وأن الطيرة هي الفاعل الحقيقي، أي أن الذي يضر وينفع هو العدوى والطيرة، فجاء نهي الرسول صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة، أي إذا كانت العدوى سببًا ظاهريًّا فإن المسبب الحقيقي لأي أمر هو الله، وبأن الطيرة- وهي التشاؤم- لا قيمة لها ولا وزن في الإسلام، فلا يبني المسلم مستقبله على عدوى أو طيرة، ولكن ليأخذ بجميع الأسباب ثم بعد ذلك يكل الأمور إلى مسبب الأسباب الحقيقي وهو الله عز وجل.
ولكي يطمئن قلبك بالإسلام - يا أخي- عليك أن توطد علاقتك بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي كلمة واحدة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الإسلام وقال له يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، فقال له صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله، ثم استقم"، ومعنى هذا أنك لا بد أن تعتقد أولاً اعتقادًا جازمًا صحيحًا، فإذا ما فهمت عقيدتك من منابعها الأصيلة، ثم استقمت على الجادة، وعلى الطريق المستقيم، عندئذ تكون قد أسلمت الوجه لله رب العالمين
وختاماً؛
أسأل الله لك الهداية والرشاد، وأسأله سبحانه أن يهدي قلبك وعقلك إلى خالقه ورازقه ومدبر شئونه، الله الذي لا إله إلا هو، وأن يصرف عنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أخاف على إيماني من "تأخير الزواج" العنوان
الأخلاق الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا طالب جامعي في السنة ما قبل الأخيرة، كنت على قدر بسيط من الاستقامة، أسكن حاليا بشقة صغيرة في المدينة التي أدرس بها، حيث إنها ليست في نفس مدينة سكن الأسرة، وأنا أعاني من مشكلة الرغبة الجنسية الملحة أو الشهوة، ولكي أسير على النهج الصحيح في حل هذه المشكلة فقد حدثت والدتي، وكان هذا في السنة الثانية من دراستي الجامعية، وكان الجواب الطبيعي في مجتمعنا هو الصبر حتى إنهاء المرحلة الجامعية.
ولكن الشهوة عادت إلى أقوى من قبل، وبالكاد صبرت سنة ونصف، ولم أستطع الصبر حتى فاتحت الوالدة للمرة الثانية، والجواب لم يكن مختلفا كثيراً، ولكن هذه المرة كان مصحوبا بالحجج غير المقنعة مثل: (إكمال الدراسة)، (عدم القدرة المادية)، فالزواج لا يعرقل الحياة الدراسة بل العكس، وبإمكاني العمل لتوفير المادة، علما بأني أعمل سنوياً بأعمال موسمية بالإضافة إلى الصيف وعندي ما يكفي من الخبرة بحال سوق العمل. وكان الجواب بعدم الموافقة.(33/409)
والقصة بدأت هنا بالتحديد، حيث لم أعد أرغب في شيء أبدا وتدنى مستواي الدراسي إلى أدنى حد، ولم أعد حتى أشعر بلذة في العبادة وساءت حالتي النفسية جداً، وأصبحت مبذرا جدا حتى أن المكافأة الجامعية تنفد في نصف الشهر فأتصل بالوالدة وأكذب عليها بأن المكافأة تأخرت.
وأصبح الجنس هو هاجسي الوحيد، دخلت المواقع الإباحية كدت أن أقع في الزنا مرتين ولكن (ربك ستر)، تهاونت لدرجة غير معقولة في الصلاة، جربت الصوم والعودة إلى التدين ولكن في كل يوم أصوم أعود عن قراري بعد مضي نصف اليوم وكلما حاولت العودة إلى التدين وحلقات التحفيظ تعاودني الشهوة فأخرج ذلك الأذى بيدي رغم علمي بتحريم بعض العلماء لذلك.
فكرت بالزواج السري و زواج المسيار دون علم أحد، وسجلت في مواقع الزواج ولكن كل الطرق مسدودة، لم أقدر على التحمل حتى أني أحيانا تنتابني حالة نفسية وأقوم بحمل كرسي صغير ورميه على الأرض، وجعلت ذلك الكرسي بلاستيكي لصعوبة كسره.
أنا الآن كالغريق المتمسك بقشة، هل أجد عندكم شيئا من العلاج أو "تصبيرة"، أم أنك لن ترد على الاستشارة، مع العلم أني لم أبالغ في كل ما قلته، كل ما قلته لا يتعدى حقيقة ما أعيشه الآن بشبر واحد، لم يبق شيء لم أجربه سوى تعاطي السموم، وأسأل الله ألا يبتلي مسلماً بما ابتلاني به إنه سميع مجيب، وصلى الله على الحبيب وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران المستشار
الرد
أخي الحبيب / حسن
ولم لا نرد على رسالتك ؟!، أ لأنك تصارحنا بكل ما تشعر به، ولا تزيد عليه بشبر واحد، كما تقول. هل خشيت أن تتهم عندنا بطيش أو شهوانية؟.. هون عليك يا أخي فالأمر يسير على من يسره الله عليه.
أتدري لماذا خاطبتك بالحبيب، لأنك ختمت كلماتك الشاكية بعبارتك الجميلة الرقيقة "وصلى الله على الحبيب وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين"، ونحن لا يسعنا إلا أن نحب من أحب الحبيب، وأنا أردد معك: اللهم صل على الحبيب وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا ما نبدأ به كلامنا، ونختمه به، مع حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، عسى الله أن يبارك فيما بينهما.
صديقي حسن
لا تحسب أن ما تشكو منه بِدْعٌ من طبيعة الشباب؛ كلا، فلو لم تكن هكذا لخشيت عليك، ولو لم ترسل إلينا شاكيا مستنصحا لخشيت عليك أيضا. من أوهمك أنك من طينة غير طينة البشر؟! ولكن.. هذه هي الحياة يا صديقي، وهذا هو الشباب: فورة وعنفوان وجموح ورغبة لا يكاد يردها شيء إلا الاستعصام بحبل الله المتين، والذي(33/410)
يمتد إليك عبر كتاب الله تعالى أولا، وسنة الرسول العظيم، والرسل أجمعين صلوات الله عليهم.
هل قرأت سورة في القرآن كاملة سميت باسم نبي من آل يعقوب، لُقب بالصديق، وكان أيضا في عنفوان شبابه وعافيته، وهيئت له كافة الظروف، وأُمنت له كل المسارب، وضُمن له أن تستر فعلته بستار من فولاذ، فلا يصل إليها ولا يكتشفها حتى الملك (الحاكم) نفسه.. وقد وجد نفسه أمام فاتنة عاشقة متذللة له، تفرش نفسها بين يديه، وتدعوه لها، ليفعل ما يريد، فلا عازل ولا رقيب؛ فالأبواب مغلقة والستائر مسدلة ولا داعي للاسترسال في الوصف، لأن كل إنسان يعرف تفاصيل مثل هذه الأمور، حتى ولو من خيالاته.. ومع ذلك.. (استعصم).
نعم، استعصم، وليس له إلا هذا الاستعصام. فما هو الاستعصام؟
استعصى- امتنع- بذل جهدا في التمنع والتحكم في نفسه، ولم يترك لها مجالا لأن تجمح به إلى الهلاك) هذا بعض ما ورد في التفاسير.
وإذا أمعنت معي النظر قليلا في هذه الكلمة وجدت مَن أوتي شطر الحسن وكمال الفحولة والرجولة، يوسف عليه السلام، قد طلب حينها العصمة من الله تعالى. ألا ترى إلى كلمة (استغفر) أنها بمعنى طلب المغفرة، وكلمة (استنصر) أي طلب النصرة. إذن فيوسف عليه السلام طلب من الله العصمة فعصمه الله.
ما رأيك في طلب العصمة من الله تعالى؟
أليس الأنبياء قدوة لنا؟.. نعم هم أنبياء ومصطفَون، ولكنهم قدوة لنا، وقد كان على مر الزمان من صحابتهم وحوارييهم وتابعيهم بإحسان من امتثل بهذه القدوة خير امتثال.. ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف. وكان شابٌٌّ في عصره قد احتالت عليه فتاة فتانة واستعصم بالله منها.
صديقي الحبيب
نعلم جميعا أن الناس قد بلغوا في هذا الزمان حدا من عبادة الشهوة والإعلان بها جهارا نهارا، حتى زخوها زخا عبر الفضائيات، وضخوها ضخا عبر خيوط الشبكات العنكبوتية، وتاجروا بلحم الأنثى (المسكينة) وعرضها حتى دنست حيوانيتهم كل بيت ولطخت جبين شعوب بأكملها، إلا من رحم الله.
لقد اجتمع في هذا الزمان خلفاء قوم لوط، وأصحاب الرايات الحمر، وزادوا في فجورهم أنهم ضغطوا على الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان لسن القوانين التي تضمن لهم "حرية" شذوذهم!.
ومع ذلك لا تبقى للشاب المسلم إلا سنة يوسف عليه السلام (فاستعصم)، وسنة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء).
أعلم أن الكلام النظري سهل ميسور.. ومدار الأمر كله عندك وعليك أولا و آخراً.
لقد تحدثت مع والدتك من أجل زواجك.. ولكنك لم تصل إلى نتيجة.. فما رأيك في أن تجتهد في بعض الأعمال التي تقول إنك تحسنها، سواء كانت موسمية أو مستديمة على مدار العام، والمستديمة عندي أفضل.. فهذا يحقق لك غرضين:(33/411)
أولهما : فهو أنك ستحصل على المزيد من المال الذي سيكون عونا لك على التقدم خطوة نحو زواجك، كأن تدبر مثلا مصاريف الخطبة والشبكة خلال شهور قليلة.
وثانيهما : فهو أنك ستصرف جهدك وطاقتك إلى ما يأخذ بتفكيرك بعيدا عن هذه الأفكار التي أرهقتك وتكاثرت عليك تكاثر الظباء على (خراش).
ويجب أن تعلم يا صديقي أنك في مرحلة مراهقة عنيفة، وهذه المرحلة تتسم بالتقلبات النفسية والجموح العاطفي والنزوع إلى الاستئثار بالرأي دون الآخرين.. فإذا علمت هذا من نفسك ففكر في تهذيبها، ولا أقول كبتها وتعذيبها، ولتكن وسيلتك في هذا عدة أمور:
* أكثر من مثل هذا الدعاء: (أعوذ بالله وألجأ إلى الله وأحتمي بالله وأستعصم بالله)، كلما سرت في طريقك، أو جلست إلى طعامك، أو خلدت إلى النوم.
* أكثر من الذكر والاستغفار وادخل إلى الله من باب المذلة.. (اللهم أنت العزيز ونحن الأذلاء بين يديك).
* اصرف همتك وهمك ونشاطك وفتوتك في كل أمر نافع مفيد: مارس الرياضة، ولو رياضة المشي، أو امكث بالمسجد بين المغرب والعشاء، وزد من قراءتك واطلاعك على أخبار العالم والمسلمين من حولك، واختر طريقا يناسبك تشارك به في صناعة الحياة ولو بجهد قليل.
* اسأل الله أن يرفع همتك، ويمنحك الثبات، والعزيمة والصبر والحكمة، وأن ييسر لك الزواج بتيسير أسبابه، فـ"يمين الله ملأى لا يغيضها شيء الليل والنهار" كما في الحديث الشريف.
* اعلم أن "كل ما هو آت قريب"، وأن مقياس الزمان عند الله تعالى مختلف عما هو عندنا، فما بين عشية وضحاها يغير الله من حال إلى حال، ولكن لا يحدث في هذا الكون شيء صدفة، فلا بد لك من الإعداد والاستعداد، وبذل الوسع والاجتهاد، كما أشرت عليك من قبل.
* وانظر إلى عمرك الذي جاوز الآن العشرين، كم تساوي عندك عشرون سنة مرت؟ إنها تمر على مخيلتك في لحظات، فما كان فيها من طاعة فقد حفظها الله لك، وما كان فيها من معصية فقد كتبها الحفظة عليك.. ذهبت لذتها وبقي عقابها المنتظر.
* لا تؤدِّ عبادة معينة على سبيل التجربة، فأنت تقول: "جربت الصوم والعودة إلى التدين ولكن في كل يوم أصوم أعود عن قراري بعد مضي نصف اليوم".. ولكن أد عبادتك وأنت موقن بأن الله تعالى سيغير من حالك إلى ما هو أفضل (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).. لأن الله تعالى لا يُختبر. وإذا فشِلت ذات مرة فكرر المحاولة مرة أخرى، وثانية وثالثة، ولا تترك للشيطان عليك سبيلا.. وبعد عدد من المحاولات ستستقيم إليك نفسك لا أشك في هذا.
* اترك الكذبأيها الصديق الحبيب، فهو لن يزيدك إلا شقاء وعذابا.
* عليك بالصحبة الصحبة.. قل لي من صاحبك أقل لك من أنت. فالصاحب ساحب.. هلا سعيت إلى صحبة صديق صدوق وفيٍّ أمين كريم يعينك على الطاعة إذا تذكرت ويذكرك بها إذا نسيت؟.(33/412)
* داوم على ركعتي الحاجة، قدر استطاعتك، ويمكنك أن تنوي مثلا في سنة الظهر أنها أيضا صلاة الحاجة، وهذا مشهور عند الفقهاء في النافلة (أعني عقد أكثر من نية للصلاة الواحدة النافلة).
* اعذر والديك ولا تلق باللوم عليهما، فربما كانا حقا غير مستعدين، وبدلا من ذلك ابدأ حوارات هادئة هادفة متقطعة على مدى بعيد مع والدتك، وبعدها أو خلالها مع والدك أيضا إذا تمكنت من ذلك، واستعن بالله في هذا، واجعل هدفك في هذه الحوارات هو التوصل - في هدوء وسكينة، بلا عنت أو تحيز للرأي- إلى قناعات مفادها أن تزويج الشباب (عموما) هو ضرورة في هذه الأيام وتلك الظروف، وأن الله تعالى يجزل العطاء للأسرة التي تهيئ لأبنائها أسباب العفة والاستقرار، بقدر ما هو متاح لديها من إمكانات، ولتكن في تحاورك معهما ذا ثغر باسمٍ ووجه وضاء وحجة تنساب على لسانك كما تتوالى أمواج البحيرة الهادئة إلى شواطئها، ولا تتعمد تخطئتهما، وتغافل عن زلاتهما وإصرارهما على أمور أنت لا توافقهما عليها.. ولا تنس أن تخبرني بحصيلة هذا الحوار في متابعتك معنا، والله معك.
وصلى الله وسلم وبارك على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين. وتابعنا بأخبارك لنطمئن عليك..
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأخوة" في الإسلام العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نشكر القائمين على هذا الموقع على ما يقدمونه من خدمات للمسلمين في أنحاء العالم. وأود منكم أن تذكرونا بحقوق الأخوة والجوار كما أرساها الإسلام، وكما فعلها الرسول الكريم وصحابته الكرام من بعده.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأهلا وسهلا بك أخي السائل على موقع إسلام أون لاين، وأهلا بإخواننا في أرض الرافدين؛ أرض العراق الحبيب، ونسأل الله أن يوحد صفوف أبنائه ويجمع بين قلوبهم، ويجعلهم يدا على من سواهم.
وحول حقوق الأخوة في الإسلام يقول فضيلة الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي حفظه الله :
من لوازم الإخاء في الإسلام : التعاون والتراحم و التناصر؛ إذ ما قيمة الأخوة إذا لم تعاون أخاك عند الحاجة، وتنصره عند الشدة، وترحمه عند الضعف؟
لقد صور الرسول الكريم مبلغ التعاون والترابط بين أبناء المجتمع المسلم بعضه وبعض هذا التصوير البليغ المعبر حين قال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا" [متفق عليه عن أبي موسى] وشبَّك بين أصابعه.(33/413)
فاللبنة وحدها ضعيفة مهما تكن متانتها، وآلاف اللبنات المبعثرة المتناثرة لا تصنع شيئًا، ولا تكون بناء. إنما يتكون البناء القوي من اللبنات المتماسكة المتراصة في صفوف منتظمة، وفق قانون معلوم، عندئذ يتكون من اللبنات جدار متين، ومن مجموع الجدر بيت مكين، يصعب أن تنال منه أيدي الهدامين.
كما صور مبلغ تراحم المجتمع وتكامله، وتعاطف بعضه مع بعض بقوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر" [رواه مسلم عن النعمان بن بشير]؛ فهو ترابط عضوي، لا يستغني فيه جزء عن آخر، ولا ينفصل عنه، ولا يحيا بدونه، فلا يستغني الجهاز التنفسي عن الجهاز الهضمي، أو كلاهما عن الجهاز الدموي أو العصبي، فكل جزء متمم للآخر، وبتعاون الأجزاء وتلاحمها يحيا الكل، ويستمر نماؤه وعطاؤه.
ويقول: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على مَن سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومسرعهم على قاعدهم" [رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو بإسناد حسن].
ويُدخِل في نصرة المسلم للمسلم عنصرًا جديدًا حين يقول: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، قيل: ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا يا رسول الله؟ قال: "تأخذ فوق يديه، أو تمنعه من الظلم فذلك نصر له" [رواه البخاري عن أنس].
والقرآن الكريم يوجب التعاون، ويأمر به بشرط أن يكون تعاونًا على البر والتقوى، ويحرمه وينهى عنه إذا كان على الإثم والعدوان. يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
ويجعل المؤمنين أولياء بعضهم على بعض بمقتضى عقد الإيمان، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]، وهذا في مقابلة وصف مجتمع المنافقين بقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67].
كما وصف مجتمع الصحابة بأنهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]؛ فالتراحم سمة أولى من سمات المجتمع المسلم.
ومقتضى ذلك أن يشد القوي أزر الضعيف، وأن يأخذ الغني بيد الفقير، وأن يُنير العالم الطريق للجاهل، وأن يرحم الكبير الصغير، كما يوقر الصغير الكبير، ويعرف الجاهل للعالم حقه، وأن يقف الجميع صفًا واحدًا في الشدائد والمعارك العسكرية والسلمية، كما قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4]
وفي قصص القرآن صور حية للتعاون المثمر البناء:
من ذلك صورة التعاون بين موسى وأخيه هارون، وقد سأل الله أن يشد به أزره في قيامه برسالته: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: 29 - 35]. وكان الجواب الإلهي: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا(33/414)
سُلْطَانًا} [القصص: 35]. وبهذا كان هارون يعاون أخاه موسى في حضرته، ويخلفه على قومه في غيبته.
ومن صور التعاون ما قصَّه علينا القرآن من إقامة سد ذي القرنين العظيم، ليقف حاجزًا ضد هجمات يأجوج ومأجوج المفسدين في الأرض. وكان ثمرة للتعاون بين الحاكم الصالح والشعب الخائف من بغي الأقوياء عليه: {قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 94 - 97].
تكافل مادي وأدبي
ومن مظاهر هذا التعاون والتراحم والتناصر: التكافل بين أبناء المجتمع المسلم، وهو تكافل مادي ومعنوي، اقتصادي وسياسي، عسكري ومدني، اجتماعي وثقافي.
يبدأ هذا التكافل بين الأقارب بعضهم وبعض، كما يفصل ذلك نظام النفقات في شريعة الإسلام. فالقريب الموسر ينفق على قريبه المعسر وفق شروط وأحكام مفصلة في الفقه الإسلامي، كما قاله الله تعالى: {الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} [الأنفال: 75].
ثم تتسع دائرة هذا التكافل لتشمل الجيران وأبناء الحي الواحد في البلد الواحد، بمقتضى حق الجوار، الذي أكده الإسلام، وفي الحديث: "ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جنبه جائع" [رواه الطبراني وأبو يعلي ورواته ثقات عن ابن عباس، ورواه الحاكم من حديث عائشة بنحوه وصححه ووافقه الذهبي].
وفي الحديث الآخر: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" [رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم].
ثم تتسع أكثر وأكثر بحيث تشمل الإقليم عن طريق الزكاة التي أمر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن تؤخذ من أغنياء كل إقليم لترد على فقرائه؛ فوضع بذلك أساس التوزيع المحلي، على عكس ما كان يصنع في الحضارات السابقة على الإسلام؛ فقد كانت الضرائب تؤخذ من مزارعي ومحترفي الأقاليم النائية والقرى البعيدة، لتوزع في المدن الكبيرة، ولا سيما عاصمة الملك أو الإمبراطور.
ثم تزداد اتساعًا ليشمل التكافل المجتمع كله، ومنذ فجر الدعوة إلى الإسلام في مكة والمسلمون أفراد معدودون مضطهدون، ليس لهم كيان ولا سلطان، كان القرآن يدعو بقوة إلى هذا التكافل بجعل المجتمع كالأسرة الواحدة، يصب الواجد فيه على المحروم، ويحمل فيه الغني الفقير.
ولم يجعل القرآن ذلك شيئًا من نوافل الدين، يقوم به من ترقى في درجات الإيمان والإحسان، ولا يطالب به الشخص العادي من الناس. بل اعتبره القرآن أمرًا أساسيًا من دعائم الدين، لا يحظى برضا الله من لم يقم به، ولا ينجو من عذابه من فرط فيه.
اقرأ في السور المكية مثل هذه الآيات: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 11 - - 17].(33/415)
وقوله تعالى في سورة أخرى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 38 - 44].
فجعل مصيرهم النار؛ لأنهم أضاعوا حق الله بإضاعة الصلاة، وأضاعوا حق عباده؛ إذ لم يطعموا المسكين.
وإطعام المسكين كناية عن رعاية ضروراته وحاجاته؛ إذ لا معنى لأن نطعم المسكين وندعه مشردًا بلا مأوى، أو عريانًا بلا كسوة، أو مريضًا بلا علاج.
ولم يكتف القرآن بإيجاب إطعام المسكين، بل زاد على ذلك فأوجب الحض على إطعامه، والحث على رعايته، وجعل إهمال ذلك من دلائل الكفر والتكذيب بالدين: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1 - 3].
ويجعل ذلك مع الكفر بالله من موجبات العذاب الأليم، واصطلاء الجحيم. فيقول في شأن أصحاب الشمال ممن أطغاه ماله وسلطانه، فلم يغن عنه من الله شيئًا: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 30 - 33]، ثم يذكر أسباب هذا الحكم الشديد، فيقول: {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 33 - 34].
ويزيد على ذلك فيوجب في المال حقًا معلومًا، ليس بصدقة تطوعية، ولا بإحسان اختياري، من شاء أداه ومن شاء تركه، بل "حق" -أي "دين"- في عنق المكلفين، وحق معلوم غير مجهول، كما في قوله تعالى في وصف المتقين: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
وفي سورة أخرى يصف الحق بالمعلومية فيقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24 - 25].
وفي الحديث عن الزروع والثمار، والجنات المعروشات وغير المعروشات، يقول سبحانه: {كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وهذا الحق هو الزكاة التي فرضت في مكة غير محددة ولا مفصلة.
كل هذا في القرآن المكي؛ فلما أصبح للمسلمين دولة وسلطان، حددت أنصبة الزكاة ومقاديرها بوضوح، وبعث السعاة ليجمعوها من أهلها ويصرفوها في محلها. وهم الذين سماهم القرآن: "العاملين عليها"، وجعل لهم نصيبًا من حصيلة الزكاة نفسها، ضمانًا لحسن تحصيلها وتوزيعها.
ووصل الإسلام بهذه الفريضة المالية إلى أعلى درجات الإلزام الخلقي والتشريعي فجعلها ثالث أركان الإسلام، وأوجب أخذها كرهًا، إن لم تدفع طوعًا، ولم يتردد في قتال من منعوها إذا كانوا ذوي شوكة وقوة.
وهذا التكافل المادي أو المعيشي ليس هو كل ما طلبه الإسلام في هذا المجال، بل هناك أنواع أخرى من التكافل، ذكرها العلامة الفقيه الداعية الدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله- وجعلها بالتكافل المعيشي عشرة كاملة.
ـــــــــــــــــــ
الاسم(33/416)
أريد أن "أطلق" أبي "البيولوجي"!! العنوان
السلوكيات الموضوع
بعد السلام والتحية والدعاء
باختصار .. فانه في نظري وضمن رؤيتي وتحليلي لظروفي، وأحوال العائلة "الكريمة" فان الحياة مع هذا "الشخص" وصلت إلى مرحلة استحالة الإصلاح .. أو عدم جدوى إهدار الوقت والجهد في رأب صدع طال واتسع ..
قرأت فضائل بر الوالدين، وأعلم وخيم مآل العقوق.. ولا أريد أن ادخل في حوار مفصل ماذا فعل أبي وماذا فعلت أنا، وأسبابه، و"أجزاء الصور غير المكتملة"، و"نريد أن نسمع من الطرف الآخر"، و "القدوة الحسنة في إبراهيم عليه السلام"، و"محاولة إشراك طرف ثالث" ، و"حتى لو كان كافرا .." و و و .. إلى أخر هذه الأمور..
سؤالي المباشر .. لماذا لا يمكن أن أترك أبي .. لا أريد أن أعقه ولكن أيضا ليس لدي الوقت والجهد النفسي للإصلاح أو "مجاهدة" كهل لا يربطه بي إلا انه القاني في رحم امرأة ساعة شهوة.. فليعف الله عنه أو يرفعه إلى منازل الشهداء أو يلقي به إلى مهاوي الجحيم .. فان الأمر لا يعنيني .. لدي أهداف ومشاريع وأمور تحتاج مني التركيز والبذل ..
الترك اكبر العقوق .. كلا .. ليس الأمر كذلك ) على الأقل في حالتي) .. من بري له (غير المباشر) إنني أتركه.. فلو لم أتركه لتحولت حياتنا (أنا وهو إلى جحيم ومهاترات وضياع، .. فهجره يبعده عن عقوقي (ليس هذا تهديدا ولكنه إخبار بالواقع ) ويريحني من إثم العقوق .. و من بري لنفسي أن اتركه ، فلو لم أتركه لن أنجز شيئا لآخرتي ولا لدنياي ..
فالأمر ليس بين البر والعقوق و لكن بين العقوق المباشر والبر غير المباشر أو إن شئت قلت بين عقوق الفعل (الايجابي ) وعقوق الترك (السلبي) ..
إذا كان "الميثاق الغليظ" يحل بالطلاق (حتى لو كان أبغض الحلال).. فلماذا لا استطيع أن أطلق أبي. فليكن كأي رجل آخر في المجتمع". هو في حاله وأنا في حالي" .. الم يشرع الطلاق ليكون الملاذ الأخير في حالة" أن خافا ألا يقيما حدود الله"..
ألا أستطيع أن أطلق أبي إن خفت ألا أقيم حدود الله ..!! وسيغني الله كلا منّ سعته ..
لماذا استمر في هذا "العناء" النفسي من أجل رجل واحد كائنا من كان .. وكأن الأرض لا تنصلح إلا بانصلاحه ، وبالتالي يجب ألا انفك إطلاقا عن المحاولة إلى أن يموت أو أموت .. لا بل ابره بعد موته بالدعاء له ! فليرحمه ربه أو يلعنه فله الأمر من قبل ومن بعد وهو الحكم العدل .. لماذا يجب أن أكون مشغول البال به !
لن اطرده ولن اسبه أو أؤذيه أو ولكنني انتقلت إلى بيت آخر وأعيش بعيدا صارفا عنه شري وخيري .. لا اكلمه ولا أنوي أن أفعل .. لا أزوره ولا أنوي أن افعل .. كما قلت سابقا هو بالنسبة لي الآن كأي رجل غريب آخر في المجتمع .. أي ضرر في ذلك ؟! لماذا ينبغي أن اقنع نفسي قسرا أن الكتابة على رمل الشاطئ يمكن أن تدوم أكثر من سويعات ..(33/417)
أعتذر لما يمكن أن يكون قد صدر مني من سوء أدب أو وقحة .. ولكن يأكلني "أنت ومالك لأبيك", و قولكم "هو بوابتك إلى الجنة" .. لماذا ينبغي أن أضيع حياتي عند أعتاب شخص قدر الله انه "أبي البيولوجي"! لماذا استعبد نفسي له لان الله لن يدخلني الجنة إلا عن طريقه!
لا أعتقد أن القراءات العمومية لأدب بر الوالدين يمكن أن تنطبق على كل الناس !
أنا لا ستدر عطفكم "لتتفهموا " حالي ولكنني أعتقد أننا نبالغ أحيانا في إعطاء بعض "الأغبياء" حقوقا لا يفهموها ولا يستحقوها !
أذا كان السفيه يؤخذ على يده في المعاملات المالية.. فلم نترك أجيالا كاملة "راضخة تحت تصرف أباء سفهاء" ونستعبدهم ونسحق شخصياتهم وآمالهم من باب "بر الوالدين " !
لكم المحبة والشكر والتقدير .. والمعذرة كل المعذرة .. والسلام
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
الأخ الحبيب
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
قرأت رسالتك "المتميزة"، والحق أنك أثرت قضية على درجة عالية من الأهمية، وطالما أنك بهذه الدرجة من الوعي والوضوح، سأسعى جاهداً أن أكون معك أكثر وعياً وأكثر وضوحاً، ولأنك- كما بدا لي من رسالتك- تعرف التكييف الشرعي للمسألة، بل وتدرك فضائل بر الوالدين، وتعلم وخيم مآل العقوق، فأعدك ألا أحدثك بالآية والحديث، بل تعال نتكلم بمنطق مادي بحت، ونتفق بداية على أدوات النقاش وطريقته، بعيداً عن العناوين التي تزعجك.
عقل محض !!
وحتى نكون منصفين وواقعيين ولا نتعامل مع الموضوع بأسلوب "تهدئة الخواطر"، أو "دغدغة المشاعر"، فإنني أضع أمامك عدداً من النقاط الجديرة – في تقديري- بالتفكير فيها، وإعمال النظر وهي :
* دعك من كون هذا "الرجل" أباً لك، ولننظر فقط إلى كونه "أب بيولوجي" – كما تحب أن تسميه- ألا يستحق هذا منك أن تعامله بالمثل، فتكون له "ابناً بيولوجياً"، أليس له عليك "حقوقاً بيولوجية"، فقد كان سبب وجودك "بيولوجياً" في هذه الحياة،(33/418)
حتى وإن كان- كما عبرت أنت- "لا يربطه بي إلا أنه القاني في رحم امرأة ساعة شهوة"، كما منحك اسمه لتتعامل به!!
* دعك من كون هذا "الرجل" أباً لك، ولننظر فقط إلى كونه "دائناً"، نعم فأنت مدين له بـ" حقوق مادية" كثيرة فقد ظل طوال 30 عاماً، يسدد عنك فواتير "الطعام، و"الشراب"، و"الدواء"، و"الكساء"، و"الدراسة"، و"الحراسة"، و .. إلخ !!
* دعك من كون هذا "الرجل" أباً لك، ولننظر فقط إلى كونه "إنساناً"، بغض النظر عن دينه، أفلا يرتب ذلكم له عليك "الحقوق الإنسانية العامة"، كالرحمة به، واللين معه، وعدم الإساءة إليه، ودفع الأذى عنه !!
* دعك من كون هذا "الرجل" أباً لك، ولننظر فقط إلى كونه "جاراً"، بغض النظر عن دينه، أفلا يرتب له ذلك عليك "حقوق الجار"، فتحفظ غيبته، وتصون عرضه، وتحافظ على ماله، وتكرم حضوره، وتنصره، وتعينه، وألا تتبع عورته، وأن تستر سوءته، وتقف بجانبه إذا نزلت به شدة أو ألمت به كارثة، وتساعده فيما نزل به، وألا تحسده إذا انعم الله عليه نعمة، وان تقل عثراته، وتغفر زلاته، وتحلم عنه إذا بدرت منه بادرة سوء، وألا تقابله بالمثل، وأن تصد من يشتمه أو يذكره بسوء، وألا تصدق من ينقل عنه كلمة السوء ليلقي بينكما العداوة والبغضاء !!!
* دعك من كون هذا "الرجل" أباً لك، ولننظر فقط إلى كونه "مسلماً"، أفلا يرتب ذلك له عليك "حقوق الإسلام"، كأن ترد تحيته، وتستر عورته، وتغفر زلته، وتقل عثرته، وتصون حرمته، وتقبل معذرته، وترد غيبته، وتديم نصحه، وتحفظ خلته، وترعى ذمته، وتجيب دعوته، وتقبل هديته، وتشكر نعمته، وتحسن نصرته، وتتبع جنازته، وتقضي حاجته، وتشفع مسألته، وتشمت عطسته، وترد ضالته، وألا تعاديه، وتنصره على ظالمه، وتكفه عن ظلمه غيره، ولا تسلمه، ولا تخذله، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك !!!!
* دعك من كون هذا "الرجل" أباً لك، ولننظر فقط إلى كونه "رحماً"، أفلا يرتب له ذلك "حقوق الرحم"، كالبر به، والسؤال عنه، والصفح عنه، والصبر عليه، والتواضع له، والرفق والرحمة به !!!
الحد الأدنى للبر
أخي الحبيب، أنا أرصد لك كل هذه الحقوق – وأنت بها عليم- لا لأستدر عطفك على أبيك، ولا لأسرق منك برك به، ولكن فقط – كما اتفقنا- من باب الوقوف مع النفس، ورد الحقوق لأصحابها، فأنا لا أرضى لك أن يصفك المجتمع الذي تعيش فيه بأنك "مضيع للحقوق"، أو أن يتهمك بأنك "قاطع للرحم"، أو أن يشكو منك بأنك ترفض سداد ديونك !!
واعلم أخي الحبيب أن البر بران، "بر أدنى" و"بر أعلى"، وأنا وإن كنت أتمنى لك "البر الأعلى"، فلا أرضى لك أن تضييع "البر الأدنى". وأدنى درجات البر – أخي الفاضل- إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تعطه فلا تحرمه، وإن لم تسره فلا تحزنه، وإن لم ترحه فلا تتعبه، وإن لم تأخذ بيده فلا تضربه بها، وإن لم تداوه فلا تمرضه، و..إلخ .(33/419)
وللحق فإنني أتفق معك في جانب مهم مما ذكرته، وهو أن هناك من الآباء آباء هم أكثر عقوقاً لأبنائهم، وأكثر تضييعاً لحقوق أبنائهم؛ فلم يحسنوا بداية اختيار أمهات أبنائهم، ولم يعلموا أبناءهم شيئاً من القرآن، ولم يربوهم على مبادئ الإسلام، ولم يعلموهم منذ الصغر آداب الإسلام في المأكل والمشرب والممشى والكلام والمنام .، فلم يعلموهم صغاراً، ولم يؤدبوهم غلماناً، ولم يؤاخوهم شباباً، ثم يأتون اليوم يطالبونهم بالبر، هيهات هيهات لما توعدون !!!
قواعد عامة
يهمني- قبل النهاية- أن أقف معك على عدد من الأمور وهي :
* وجوب الإيمان والتصديق بكل آية قرآنية، أو حديث نبوي صحيح، جاء في سياق الأمر ببر الوالدين، وبيان وجوب طاعتهم، فلا نقع في تلبيس إبليس، فننكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو نكذب بصريح القرآن أو صحيح السنة، أو نأتي قولاً أو فعلاً أو تقريراً لا يحمل وجهاً من وجوه اللغة أو التأويل إلا الكفر.
* الحذر من التعميم وإطلاق الأحكام الإجمالية، فليس كل الآباء بارين بأبنائهم، وإن كان الأصل أن يكونا – الأب والأم- باريّن، لكن لكل قاعدة شواذها، وإذا كان هناك ابن عاق، فهناك أيضا أب عاق وأم عاقة.
* على المسلم أن يلتزم بالحد الأدنى للبر، وما لا يدرك كله فلا يترك جله، ومن منعه مانع مقبول من القيام بواجب البر الأعلى، فلا يضيع الحد الأدنى للبر.
* مراجعة النفس واتهامها بالتقصير، فلا يخفى عليك أن النفس أمارة بالسوء، وأنه لا يسلم منها إلا من زكاها، أوقفها عند حدودها، وألجمها بحدود الله (أوامره ونواهيه).
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
الاسم
هل الحياء غير الخجل ؟! العنوان
الأخلاق الموضوع
أريد أن أسألكم عن الحياء الذي يعتبر خلق الإسلام، فأنا شديد الخجل، كما أريد أن أسألكم كيف يمكن للشخص من أن تكون له هيبته وشخصيته الإسلامية؟، وما هو مدى التواضع المطلوب من المسلم؟ وهل يعني التواضع أن تكون مستضعفا؟
و جزاكم الله خيرا..
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد(33/420)
يقول الأستاذ عبد الله الشيباني، مدير مدرسة التدريب القيادي بجماعة العدل والإحسان بالمغرب:
حبيبي وابني علي أصلحك الله ورزقك من فضله العميم
يوميا ألتقي شبابا وشابات أمثالكم بحكم مهنتي (التدريس) في السلك الثانوي، وأتطرق معهم لكثير من الهموم التي يشترك الشباب فيها منها الخجل.
لكن اسمح لي باستعمال الأدوات المنهجية، في طرح أسئلة أساسية في معالجتنا لهذا الموضوع مثل :
عن أي شباب نتكلم؟، من هو؟، ما غايته؟، وما أهدافه من هذه الحياة؟، ما هو المحيط الذي نبت وترعرع فيه؟، وأية تربية تلقى؟، وأي تعليم؟، ما هو المحيط الثقافي والسياسي الذي نشأ فيه؟، ما هو وضع الشباب وواقعه اليوم؟، هل هو ضحية أم مسئول عن حاله؟
فالجواب عن الأسئلة بشكل منفصل لن يجدي إن لم نجب عن الأسئلة الأساسية ومنها نصل إلى الأسئلة الفرعية.
فلا شك أننا نتكلم مع شباب مسلم مؤمن جلس أو يجب أن يجلس مع نفسه، بعيدا عن الضوضاء والمشتتات، لكي يسألها السؤال الأساسي: من أنا؟ وماذا أريد؟ لعله يتعذر عليك الجواب بوضوح كاف عن هذا السؤال بمفردك، فاستعن برجل مؤمن مبارك واستعن به في ذلك، فسيقول لك أننا في هذه الدنيا نزرع للآخرة ويجب أن نحرص على رضا ربنا وكسب محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والسير نحو هذه الغاية العظمى يتطلب تجنداً وانتفاضاً واستعداداً لبلوغ أعلى ما يمكن منها، فأنا مسلم أطمح أن أكون مؤمناً وأنا مؤمن ضعيف الإيمان أطمح في تقويته حتى يصبح يقينا، ويقيني أرجو أن يصبح إحسانا، أعبد الله فيه كأنني أراه وإن لم أكن أراه فإنه يراني.
فالحافز الذي ينتج عن هذا الطلب العظيم هو الذي يحركني للنهوض للقيام بأعمال الخير من صلاة وذكر ونوافل وصيام وأعمال صالحة أخرى.. تزيد من قوة إيماني وتقربني من رضا ربي سبحانه.
الحياء شعبة من الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه خلاف الخجل، الذي هو نقص في الثقة بالنفس التي ورثناها من مجتمع ظلم شبابنا؛ إذ لم يوفر له فرص التربية الصحيحة والتعلم، يجب أن نفهم هذا. أن نفهم أننا تربينا في محيط متخلف تربويا وثقافيا وسياسيا سنفصل في الرواسب التي تركها هذا المحيط في نفوس شبابنا وشاباتنا.
فابحث عن صحبة طيبة من شباب أمثالك واصحبهم بصدق واستفد من معاشرتهم وابذل مجهودا معهم في تجاوز ما تشعر به.
لكن أهم ما يسبب النقص في الثقة بالنفس هو عدم وضوح النية والأهداف الذي يترك في العقل ضبابية وفي السلوك تلكؤ.
ويقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان من علماء المملكة العربية السعودية:(33/421)
إن الحياء خلق حميد، يمنع صاحبه عن الوقوع فيما لا يليق، وحبيبنا صلى الله عليه وسلم أخبر أنه شعبة من شعب الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) .
ومما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله: (.. حقيقة الحياء أنه خُلق يبعث على ترك القبائح، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق، والحياء يكون بين العبد وبين ربه عز وجل فيستحي العبد من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، ويكون بين العبد وبين الناس).
فالحياء بين العبد وربه، هو ما يفهم من الحديث الذي جاء في سنن الترمذي مرفوعاً أن النبي قال: { استحيوا من الله حق الحياء }. قالوا: إنا نستحي يا رسول الله. قال: { ليس ذلكم. ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى. ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء }.
وقد بيّن الحديث علامات الحياء من الله عز وجل أنها تكون بحفظ الجوارح عن معاصي الله، وبتذكر الموت، وتقصير الأمل في الدنيا، وعدم الانشغال عن الآخرة بملاذ الشهوات والانسياق وراء الدنيا.
والحياء بين العبد وبين الناس، هو الذي يكف العبد عن فعل ما لا يليق به، فيكره أن يطلع الناس منه على عيب ومذمة فيكفه الحياء عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق. فالذي يستحي من الله يجتنب ما نهاه عنه في كل حالاته، في حال حضوره مع الناس وفي حال غيبته عنهم.
وهذا حياء العبودية والخوف والخشية من الله عز وجل وهو الحياء المكتسب من معرفة الله، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهذا الحياء من أعلى خصال الإيمان، بل هو من أعلى درجات الإحسان. كما في الحديث: { الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك } والذي يستحي من الناس لا بد أن يكون مبتعداً عما يذم من قبيح الخصال وسيء الأعمال والأفعال، فلا يكون سباباً، ولا نماماً أو مغتاباً، ولا يكون فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجاهر بمعصية، ولا يتظاهر بقبيح.
فحياؤه من الله يمنعه من فساد الباطن، وحياؤه من الناس يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، وصار كأنه لا إيمان له. كما قال النبي : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت } [ رواه البخاري].
ومعناه إن لم يستح صنع ما شاء من القبائح والنقائص، فإن المانع له من ذلك هو الحياء وهو غير موجود، ومن لم يكن له حياء انهمك في كل فحشاء ومنكر.
وعن سلمان الفارسي قال: ( إن الله إذا أراد بعبده هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً. فإذا كان مقيتاً ممقتاً نزع منه الأمانة، فلم تلقه إلا خائناً مخوناً. فإذا كان خائناً مخوناً نزع منه الرحمة، فلم تلقه إلا فظاً غليظاً. فإذا كان فظاً غليظاً نزع ربقة الإيمان من عنقه، فإذا نزع ربقة الإيمان من عنقه، لم تلقه إلا(33/422)
شيطاناً لعيناً ملعناً ). وعن ابن عباس قال: ( الحياء والإيمان في قرن، فإذا نزع الحياء تبعه الآخر ).
وقد دل الحديث وهذان الأثران على أن من فقد الحياء لم يبق ما يمنعه من فعل القبائح، فلا يتورع عن الحرام. ولا يخاف من الآثام، ولا يكف لسانه عن قبيح الكلام. ولهذا لما قل الحياء في هذا الزمان أو انعدم عند بعض الناس كثرت المنكرات، وظهرت العورات، وجاهروا بالفضائح، واستحسنوا القبائح. وقلت الغيرة على المحارم أو انعدمت عند كثير من الناس، بل صارت القبائح والرذائل عند بعض الناس فضائل، وافتخروا بها.
ـــــــــــــــــــ
مادية الغرب" خطر يهدد إيماني العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
منذ 4 سنوات وأنا أدرس للحصول على درجة الدكتوراه في دولة أجنبية، بأحد أعرق مراكز البحث، ولله الحمد، لكنني ابتليت في إيماني. فأنا أعمل مع أشخاص لا يؤمنون إلا بالمادة و فلسفتها، يعتبرون أن تطور البشر من القرود من المُسَلَمَات و أن وعينا مجرد صدفة. كل شيء يفسر بالسببية، و لا مجال لخلاف ذلك، مما يعتبرونه خرافات، أو مجرد وسائل تحكم بالشعوب.
تأثرت كثيراً من هذا المنهاج في التفكير، ومسني غباره، حتى أثر على بصيرتي ويقيني، فقد كنت أعبد الله على طمأنينة وكأنني أراه، لكن الفلسفة المادية تسللت إلى عقلي وراودتني الشكوك، فأصبحت صلواتي بلا روح و لم تعد ذكرا للمولى عز وجل، وبعدها مرضت بالاكتئاب و أصبحت الدنيا لا معنى لها.
شككت في ديني وفي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى أنني كدت أن أكفر أو ربما كفرت لأنني أشركت بالله الأسباب، أصبحت السببية والعلم المادي ربا جديدا! حاولت أن أستعيذ بالله من هذه الأفكار و محاربتها و تمكنت من التخلص من بعضها كنظرية التطور التي بدا لي بطلانها بعد دراستها لكونها مبنية على الظن فقط.
بالمناسبة بعد مناقشتي لزملائي لهذه النظرية تعجبت من تعصبهم الشديد لها رغم الحجج ضدها، حتى أنني طلبت تفاصيلها من أحد أشد المؤمنين بها من حولي فوجدت أنني أعرفها أحسن منه! عندها قلت في نفسي: يا عجبا، يؤمنون بأمر ظني وأنا أشك بأصل ديني! وعرفت أن المسألة فيها جهل و مصلحة.
بقي سؤال يحيرني ويعيقني وأتألم منه بشدة : كيف أننا مسئولون عن أفعالنا ؟، الفلسفة المادية تقول إن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها مثل : المورثات التي تخطط للأعصاب قبل الولادة، والبيئة، والتربية، فمن أين تأتي المسؤولية؟ أي أنه في وضع معين، ما الذي يجعلني أختار أمرا عوضا عن أمر آخر؟ فإذا كانت المورثات فأنا ورثتها عن والدي، والبيئة لم أخترها والتربية كذلك. حتى إن كانت الشخصية فهي تعود للأمور السابقة.(33/423)
لا أظن أن الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية و إلا لأصبح الأمر جبرا، ثم إن الله لا يظلم مثقال ذرة. الحل الوحيد الذي أتصوره هو أن تكون لنا قدرة على الاختيار لا تعود لأسباب مادية وإنما تعود لعالم الغيب (هل تلك هي الروح ؟). أتصور اختيارا لا يفسر بالمادة، اختيارا لا يعود إلى الأسباب السابقة (المورثات، البيئة و التربية) وإنما يقترن بها. عندها يحاسبنا الله حسب اختيارنا النابع من تلك الخاصية الغيبية وتبقى الأسباب الأخرى مجرد ظروف و معطيات من أجل الامتحان، فلا أحاسب لأنني ولدت مسلما ولكن يعتبر ذلك أمرا في صالحي، وأختبر حسب ذلك.
سؤالي هو : هل من إجابة مقنعة من العقيدة ؟، هل هذا هو سر الروح ؟، هل من وسيلة لتصحيح فهمي؟، فدون إجابة مقنعة ودقيقة أبقى في شكوكي. يقول الله تعالى: " اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، والله إني لأتألم و لا أجد من حولي عالما أثق به و يطمئن له قلبي لأسأله.
أسألكم بالله أن تفكوا علي كربتي في الدنيا وليفك الله عنكم كرب يوم القيامة. أرجو من الله أن يجعل منكم أحد أسباب شفائي و يعيد إلي الإيمان الفطري.
السؤال
الدكتورة دعاء أبو بكر الصديق المستشار
الرد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين..
أشكرك بداية يا أخي الكريم على ثقتك الغالية وندعو الله عز وجل أن نكون عند حسن ظنك بنا ..
أبدأ إجابتي على سؤالك الذي طرحته في آخر الرسالة، وهو هل من إجابة مقنعة في العقيدة ؟ نعم هناك بإذن الله إجابة مقنعة في العقيدة ولكن دعني في البداية أحيي فيك اهتمامك ووعيك وحرصك للوصول وإدراك كل الأحداث المحيطة بك وتفسيرها تفسيرا يرضى عقلك وقلبك حتى تزول كل شائبة قد تعكر عليك صفو إيمانك وعقيدتك وحسن ظنك بالله تعالى.
دعني في البداية أوضح لك ما هي وظيفة العقيدة ومكانتها في قلب المؤمن؟
أن الإنسان محدود بطبيعته ومحدد بوظيفته لرب العالمين (وظيفة العبادة في الأرض لتحقيق جميع معاني العبادة لله) وهو بفطرته لا يرضى أن يبقى كذرة ضائعة تائهة فلذلك كان لابد له من عقيدة ربانية تفسر ما حوله وتحدد له مكانه وتضبط وظيفته وترسم له الطريق المستقيم الموصل للسعادة الدنيوية والأخروية.
وهذه العقيدة هي النور الصافي بما يتفرع عنها من أحكام تشريع لتضبط سلوك الإنسان وتوصله إلى الأمن والاستقرار والهدى والنور وإلى الفوز والنجاح، ومن هنا كانت العقيدة هي الآصرة التي تجتمع عليها البشرية جميعا.(33/424)
أما عن المشكلة التي تواجهها في مجتمعك ألا وهي مشكلة الفلسفة المادية فدعنا نتأمل معا أول صفة وصف الله بها المؤمنين في سورة البقرة إذ قال تعالى "الذين يؤمنون بالغيب"، إن الإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدود الذي تدركه الحواس فليس يا سيدي الكريم من يعيش في الكون الصغير الذي تدركه الحواس كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهيته وبصيرته وأعماقه.
ولذلك كان الإيمان بالغيب حتى تصان الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له ، فالطاقة الفكرية التي وهبها الله للإنسان وهبها له ليقوم بالخلافة في الأرض وحتى يعمل في هذه الحياة ويتعمق ويتقصى جوانبها ويعمل وينتج وينمى هذه الحياة ويكون سنده الطاقة الروحية المستمدة من الإيمان بالغيب.
لذلك كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطرق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمية ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان يرجعون كل شيء إلى السببية، والعلم المادي فهم بذلك يرجعون بالإنسان إلى الوراء وإلى عالم البهيمية الذي لا وجود فيه لغير المحسوس، ويسمون ذلك تقدمية وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين إياها، فجعل صفتهم المميزة (الذين يؤمنون بالغيب).
أما عن سؤالك يا أخي الكريم (كيف أننا مسئولون عن أفعالنا حيث إن الفلسفة المادية تقول: إن أفعالنا تعتمد على عقولنا التي بدورها تعود إلى عوامل لا نختارها، منها الموروثات والبيئة . إلخ؟؟) .. فلنتأمل معا صفة من صفاته وقدراته (أنه منفرد سبحانه بخلق حركات العباد وأفعالهم، ولكن ذلك لا ينفي عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب.
بل إن المولى عز وجل خلق (القدرة والمقدور) وخلق الاختيار والمختار، كما أنه عز وجل كما كتب المسببات كتب الأسباب، وكما قدر النتائج قدر المقدمات، فهو مثلا لا يكتب لطالب النجاح فحسب بحيث يصل إلى هذه النتيجة بأي وسيلة، ولكن يكتب له النجاح بوسائله من جد وحرص وانتباه ووعي وصبر وجلد إلى آخر هذه الأسباب، فهذا مقدر مكتوب، وهذا مقدر مكتوب، وهذا معناه أن العمل والأخذ بالأسباب لا ينافي القدر، بل إنه من القدر أيضا.
كذلك دعني أرد على سؤال لك : هل الله سيحاسبنا على أمر يعتمد على السببية المادية فقط؟، فتأمل معي - أخي الفاضل- قوله تعالى"وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونََ".
إن بداية هذه الآية هو مشهد للذرية جمعاء وهي في عالم الغيب السحيق منذ أن كانت في ظهور بني آدم قبل أن تظهر للعالم، إنه مشهد رباني رائع وعجيب يوضح لنا أن في كل خلية استعداد كامن للوحدانية والعبودية.(33/425)
وبعد أربعة عشر قرنا من الزمان يأتي العلم الحديث ليفسر لنا في علوم الجينات والوراثة وليقرر أن خلايا البشر خلقت على التوحيد، وأن الله تعالى أودع هذا التوحيد في فطرتهم، فلا يميل عنها إلا أن يفسد فطرتَها عاملٌ خارجي عنها أو عامل يستغل الاستعداد البشري للهدى والضلال.
ولكن الله رحيم بعبادة، وهو سبحانه يعلم عنهم استعدادهم أن يضلوا إذا أضلوا، وأن فطرتهم هذه قد تتعرض لعوامل الانحراف كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا يحدث بفعل شياطين الإنس والجن الذين يعتمدون على ما في التكوين البشري من نقاط ضعف :
فكان تعالى رحيما بهم حين قدر ألا يحاسبهم على عهد الفطرة هذا فقط، كما أنه قرر ألا يحاسبهم على ما أعطاهم من عقل يميزون به – حتى يرسل إليهم الرسل ويفصل لهم الآيات لينقذ فطرتهم من الركام والتعطل والانحراف وينقذ عقولهم من الهوى والضعف والشهوات.
ولو كان الله يعلم أن الفطرة السليمة والعقل وحدهما كافيين لهداية الإنسان دون رسل أو كتب سماوية أو تذكير لأخذ الله عباده بها، ولكنه رحمهم بعلمه وجعل عليهم الحجة فقال"وكذلك نفضل الآيات ولعلهم يرجعون".
انظر معي- أخي الكريم- إلى هذه الآية الكريمة "ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا" إن هذا النص القرآني الرائع يقرر أن الله تعالى لو شاء سبحانه لخلق الناس جميعا باستعداد واحد للهدى، أو لقهرهم على الهدى ولكنه سبحانه وتعالى شاء أن يخلقهم كما خلقهم مستعدين للهدى والضلال ولم يشأ أن يقهرهم على الهدى ولا أن يقهرهم على الضلال، إنما جعل مشيئته بهم تجري من خلال استجابتهم أو عدم استجابتهم لدلائل الهدى وموجبات الإيمان.
من هنا كانت مشيئة الله في هذا الكون تتحقق من حركة الإنسان نفسه؛ لأنه تعالى القائل في كتابه الكريم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
فإذا استجابوا لربهم وغيروا ما بأنفسهم فإن الله يريد بهم الخير والحسنى في الدنيا والآخرة، وإن لم يستجيبوا لربهم أراد بهم السوء وكان لهم السوء في الدنيا والآخرة ، فالاستجابة أو عدم الاستجابة راجعة إلى تحرك الإنسان ورغبته الأكيدة في الهدى أو الضلال، وأن مشيئة الله تتحقق من خلال هذه الحركة والرغبة.
وفي النهاية دعائي لك- أخي الكريم - بالهداية والتوفيق، وأن يشرح الله صدرك لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أبكي من خشية الله..وأعود للذنب!! العنوان
غذاء الروح الموضوع
إخواني الأفاضل في شبكة "إسلام أون لاين.نت":
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
هناك أمر أود أن أستفسر منكم عنه، وهو: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه لا تدخل النار عين بكت من خشية الله، وأنا- ولله الحمد- كثيراً ما أبكي من خشية(33/426)
الله، غير أني أحياناً أعود لارتكاب بعض الذنوب، فهل هذه الذنوب تحول بيني وبين النجاة من النار؟.. أفيدوني مشكورين و جزاكم الله خيراً .
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
أخانا في الله / علي
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالعين الدامعة التي تحرم على النار المقصود منها الإنسان الذي يستقيم على طريق الله ، ويكون دائم الخشية من الله ، ولو ارتكب بعض الذنوب ، لكنه دائم التوبة .
وقد وردت أحاديث كثيرة ، تدل على فضيلة البكاء من خشية الله ، ومن ذلك :
قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البيهقي :" سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله، ورجل غض عينه عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله". وروى أحمد والنسائي والحاكم والترمذي عن أبي ريحانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم :" حرمت النار على عين بكت من خشية الله".
وفي حديث أبي يعلى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لا يلج النار رجل بكى من خشية الله"، وروى الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" "عَيْنَانِ لا تَمسّهُمَا النّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحرُسُ في سبيلِ الله".
والعين الباكية التي تكون سببا لنجاة صاحبها من النار، فالمقصود ليس البكاء وحده، ولكن البكاء دليل على ثبوت القلب على الإيمان بالله، وثبوت الجوارح على طاعة الله، ومن كان هذا شأنه من الاستقامة على أمر الله، فإن المرجو من رحمة الله، ألا يعذبه الله.
قال الطيبي من أئمة الشافعية في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم (عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله) : كناية عن العالم العابد المجاهد مع نفسه لقوله تعالى: {إنما يخشى اللّه من عباده العلماء} حيث وقع حصر الخشية فيهم غير متجاوزة عنهم فحصلت النسبة بين العينين : عين مجاهدة مع النفس والشيطان، وعين مجاهدة مع الكفار، والخوف والخشية متلازمان. قال في الإحياء: الخوف سوط اللّه يسوق به عباده إلى المواظبة إلى العلم والعمل.
وقال الإمام المناوي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم :(وعين بكت من خشية الله): وليس المراد بالبكاء من خشية اللّه بكاء النساء ورقتهن فتبكي ساعة ثم تترك العمل وإنما المراد خوف يسكن القلب حتى تدمع منه العين قهراً ويمنع صاحبه عن مقارفة الذنوب وتحثه على ملازمة الطاعات فهذا هو البكاء المقصود وهذه هي الخشية المطلوبة لا خشية الحمقاء الذين إذا سمعوا ما يقتضي الخوف لم يزيدوا على أن يبكوا(33/427)
ويقولوا يا رب سلم نعوذ باللّه وهم مع ذلك مصرون على القبائح والشيطان يسخر بهم كما تسخر أنت بمن رأيته وقد قصده سبع ضاري وهو إلى جانب حصن منيع بابه مفتوح إليه فلم يفزع وإنما اقتصر على رب سلم حتى جاء السبع فأكله).انتهى
ولا يشترط في العين الباكية ألا تكون مقترفة لصغائر الذنوب، ولكن يكفيها التوبة الدائمة، مع الاستقامة، وذلك أن اقتراف صغائر الذنوب غير معصوم منه أحد، قال تعالى: "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم"، فدل على وقوعها من بني البشر، ومغفرة الله تعالى لهذه الصغائر، وأنها ليست قادحة في دين العبد، بل شرعت التوبة لوقوع الناس في الصغائر والكبائر.
قال الإمام المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي في العين الباكية من خشية الله وعصمتها من النار: وهي مرتبة المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم. انتهى
وليس في الإسلام عمل يقوم به المرء مرة واحدة ، فيكون سببا لنجاته من النار، وذلك أن الإسلام أمر أتباعه أن يكونوا على وجل دائم ،وأن يأتوا الأعمال الصالحة خائفين ألا يتقبل منهم ، فكيف يأمنون على أنفسهم من عذاب الله، قال تعالى :"والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون".
وينقض أن يكون الإنسان مبشرا بالجنة وهو في الدنيا غير من بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم من صاحبته، ولو كانت عينه دمعت أحايين تأثرا بما يقال، ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث ابن مسعود: "فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة".
على أنه من الإيمان الصادق أن يحسن العبد الظن بالله، ولكنه يكون دائما بين خوف ورجاء، خوف من عقاب الله ،ورجاء في رحمة الله، فهما كجناحي الطائر بالنسبة للمسلم. وعليه، فالمقصود بالنجاة من النار من العين الدامعة البكاءة من خشية الله ، استقامة الحال على الطاعة والإيمان.
حفظك الله تعالى من شر المعاصي والذنوب ، وأتم عليك نعمة الإيمان، وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
الاسم
صديقتي و"الفزع".. الإيمان خير علاج العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أعاني من مشكلة وأتمنى أن تتفضلوا مأجورين ومشكورين بإذن الله بمساعدتي لحلها..
المشكلة في صديقتي، فهي غالية علي جدا وأعتبرها أكثر من أخت، فهي فتاة ملتزمة ولله الحمد، تقرأ القرآن، وتحاول جاهدة تعلم أحكامه، وكل ما يتعلق به من تفسير(33/428)
وغيره.. وتأمر بالمعروف -ولله الحمد- وتنهى عن المنكر.. المهم هذه الفتاة ملتزمة بما فرضه الله علينا.. ولكن بعد فترة بدأت تشعر بالخوف بين الحين والآخر.
حاولت في بداية الأمر أن تتماسك نفسها ولكن دون جدوى.. بدأت تصرخ في إحدى المرات حتى تجمعت عليها العائلة.. ولكن الغريب أكثر في الأمر أنها كانت في ذلك الوقت لا تريد أن ترى أمها (والدتها) وتخاف منها، وكأن شيئا في داخلها يفزعها من أمها فتصرخ عليها: "ابتعدي لا أريدك".. وكذلك تشعر بنفس الوقت بالرغبة بالقيء وآلام بالمعدة وأسفل الظهر.
وبعد فترة توجهت لإحدى دور القرآن لتتعلم المزيد.. ولكنها وجدت نفسها لا تريد تعلم القرآن وكأن شيئا في داخلها يحاول أن يكرهها بالقرآن.. وهي تحاول أن تجاهد ذلك الشيء بالأدعية.. وأيضا مما قالته لي إنها تشعر أحيانا بان شخصا يقول لها : اخرجي من البيت.. لا تسكنوا بيتكم هذا.. هذا كل ما يحدث لصديقتي الغالية.. وهي تعاني كثيرا من ذلك.
أتمنى مساعدتي في تعيين حالتها وما العلاج لها؟.. جزاكم الله خيرا ..
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أهلا بك أختي السائلة على صفحات موقع "إسلام أون لاين.نت". ونشكر لك اهتمامك بأختك وتفقدك لأحوالها وحرصك على حل مشاكلها، وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة بين المؤمن وأخيه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ولكن مع ذلك كنا نتمنى أن تتركي أختك تكتب هي عن نفسها لتشخص لنا حالتها كما تشعر بها؛ فليس من يعاني كمن سمع. يضاف إلى ذلك قلة المعلومات التي ذكرتها عنها والتي كانت ستعيننا كثيرا في تشخيص حالتها والرد عليها.
ولكن نتعامل مع ما أرسلتِه إلينا من معلومات حتى توافينا بالمزيد، فنقول بصورة عامة:
يمكن تقسيم الأمراض إلى أنواع ثلاثة:
1-أمراض عضوية ويكون علاجها عند الطبيب البشري.
2-أمراض نفسية ويكون علاجها عند الطبيب النفسي.
3-أمراض روحية ويكون علاجها بالقرآن والرقية الشرعية.
وأنا أرى أن صديقتك ربما تحتاج للأنواع الثلاثة من العلاج؛ فمسألة الخوف، ونفورها من أمها، وصراخها في وجهها بأن تبتعد عنها، والصوت الذي كانت تسمعه يأمرها بالخروج من البيت يشير إلى أن وراء هذه الأشياء أسبابا اجتماعية معينة كنا نتمنى أن تتواصل معنا هي حتى توضحها لنا، خاصة أنك لم تذكري أي خلفيات عن حياتها الاجتماعية وطريقة تربية أهلها لها.(33/429)
وكيف كانت علاقة أمها بها؟ ومتى بدأت هذه الحالة معها؟ هل هي قديمة معها منذ فترة من الزمن أم هي طارئة على حياتها؟ وهل جاءتها مرة واحدة أم كانت متكررة معها؟ كل هذه الخلفيات ضرورية للتعامل مع هذه الحالة، ولو أنها ذهبت بنفسها لطبيب نفسي وتحدثت معه في كل هذه الأمور فإنه إن شاء الله سيدلها على ما يفيدها في ذلك من علاجات نفسية وسلوكية.
أما بالنسبة لآلام المعدة والظهر؛ فلم توضحي لنا هل قامت بالكشف الطبي أم لا؟ فإذا لم تكن قد قامت فعليها أن تبادر بالذهاب للطبيب وإجراء الكشوفات والتحاليل اللازمة لتشخيص الحالة والعلاج المناسب لها.
ثم نأتي إلى النوع الثالث من العلاج، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "العلاج الروحي"، وأقصد به ذلك العلاج المعتمد على القرآن والأذكار المأثورة والرقية الشرعية، وهي أمور سهلة وميسورة، ويمكن أن يقوم أي شخص بعلاج نفسه بنفسه، فالله عز جل أنزل القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين، فيتعبد المؤمن لربه بتلاوته فيكون شفاء لأمراضه النفسية والروحية.
وأنصح صديقتك في هذا الجانب بما يأتي:
1. أن تحذر المشعوذين والدجالين؛ فأخشى ما أخشاه أن تقع فريسة سهلة لأحدهم فيوهمها بأن ما تعاني منه هو سحر أو حسد أو مس، وعلاجه الوحيد عنده هو فقط؛ فيستنزف مالها، ويزيد مرضها.
2. أن تعلم أن ما هي فيه ربما يكون ابتلاء وتمحيصا لها من الله عز وجل، والمرء يبتلى على قدر دينه؛ فعليها أن تصبر وتحمد الله، وأن تستمر في طريق التزامها وقربها من الله عز وجل، ولا تعطي للشيطان فرصة للتسلل إليها لتيئيسها وإحباطها؛ بحجة أن التزامها هو السبب فيما تعاني منه.
3. أن تكثر من دعاء الله عز وجل واللجوء إليه والثقة فيه؛ فهو وحده القادر على دفع ما بها من ضر، ولتثق أن ما يحدث لها هو لحكمة يعلمها الله عز وجل، يغفر به ذنوبها ويكفر من سيئاتها فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" (متفق عليه).
4. بالنسبة لما تلاقيه من صعوبات داخلية تجاه حفظ القرآن فلتعلم أن الشيطان أخذ العهود والمواثيق على نفسه لصد الإنسان عن فعل الطاعات، وأي طاعة أعظم من حفظ كتاب الله عز وجل؟ إذن فلتدفع هذا الشيطان بالاستعاذة بالله منه، وعليها بمجاهدته ومجاهدة نفسها وحملها على الحفظ؛ ففي أول الأمر سيكون الأمر شاقا عليها، ولكن بعد ذلك سييأس منها الشيطان ويتركها، وستأتي إلى دار حفظ القرآن وهي متشوقة ومتلهفة لحفظ كلام الله عز وجل.
5. أن تعيش مع القرآن الكريم بروحها وعقلها وقلبها؛ فلتتبع قراءتها لتفسير الآيات بتتدبر وتفكر؛ فهذا أدعى للتحبيب في القرآن، ودفع الملل عن النفس.
6. أن تكثر من الاستماع للقرآن الكريم، فأثناء قيامها بأعمال المنزل مثلا يمكنها أن تقوم بتشغيل القرآن عن طريق الكاسيت أو الكمبيوتر؛ فهذا سيعينها على الحفظ ويدفع عنها وعن بيتها الشيطان.(33/430)
7. أن تحرص على أن تكون دائما على وضوء وأن تنام على وضوء فقد قال عمر رضي الله عنه: "إن الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان"، وقال مجاهد: "من استطاع أن لا يبيت إلا طاهرا ذاكرا مستغفرا فليفعل؛ فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه".
8. أن تحرص على الأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء والأحوال، وأن تحرص أن يكون لسانها دائما رطبا بذكر الله تعالى؛ فهي إذا ذكرت الله كانت في معية الله وفي رحابه، ولن يمسها أذى وهي في رحاب الله.
9. أن تلزم الصحبة الصالحة التي تقربها من الله وتعينها على طريق الالتزام والقرآن.
10. أن لا تعطي الفرصة لنفسها للجلوس منفردة فترة طويلة ولكن تحرص على مخالطة الناس، والقيام بما يشغلها من أنشطة دعوية واجتماعية مفيدة.
وختاما؛
أوصيك بأن تحرصي على أن تكوني قريبة من صديقتك، وأعينيها على ما هي فيه بالنصح والإرشاد؛ لتستمر على طريق الالتزام و الهداية.واعلمي أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، فهي أشد ما تكون في حاجة إليك في مثل هذه الظروف.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الهداية والتوفيق.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
زوجة وأم وأعمل.. وأين إيماني؟! العنوان
غذاء الروح, غذاء الروح الموضوع
كيف يمكنني التوفيق بين كوني زوجة وأم وأعمل بوظيفة، وبين كوني مسلمة يلزمها الحرص على فعل الطاعات والتقرب إلى الله ؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر:
أيتها الأخت المسلمة أم عبد الرحمن..
لا تتصوري أنك أنت الوحيدة بين النساء التي تواجه في حياتها عبأ العمل ورعاية الأسرة، وفي الوقت نفسه تحمل في نفسها الشوق لطاعة الله، فالتوفيق بين رعاية الأسرة والعمل، وبين طاعة الله قد فعلته نساء كثيرات قبلك.
وعليك أن تعلمي أن عملك ورعايتك لأسرتك هو نوع من العبادة التي تتقربين بها إلى الله عز وجل، فبالعمل تؤدين خدمة لمجتمعك وأمتك، كما أنه بحصولك على مرتب من هذا العمل تؤدين خدمة لأسرتك حيث ترفعين من مستواها المادي، وفي(33/431)
النهاية فأنت الوحيدة التي تقدرين على التوفيق بين ما ترغبين في فعله من الطاعات للتقرب من الله، وبين ما تؤدينه من واجبات تجاه عملك وأسرتك.
وأقول لك أيتها السائلة..
إن خدمة المجتمع، وخدمة الأسرة هي من الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله، المهم في المر هو أن تجعلي نيتك في عملك ورعايتك لسرتك في سبيل الله، وبذلك يصبح يومك كاملا في طاعة الله.
كما عليك أن تقدري الأمر في حياتك، بحيث تجعلين طاعة الله ثم رعايتك لأسرتك في المرتبة الأولى، ثم عليك أن تقيسي مدى احتياجك للعمل وأثره على الجانبين السابقين، فإذا كان العمل يؤثر تأثيرا سلبيا على رعايتك لزوجك وأسرتك مثلا فعليك أن تشركي زوجك في المر، وتستشيريه واضعة في اعتبارك أن طاعتك لله ثُم لزوجك مقدمين على أي شيء آخر.
و كي تشعري بالرضا في التوفيق بين عملك ورعايتك لأسرتك، وبين طاعتك لله، فإنني أنصحك بالآتي:-
* الحرص على أداء الفرائض في أوقاتها.
* إخلاص النية لله في أداء العمل، ورعاية الأسرة.
* إعطاء العمل حقه، والأسرة حقها مع التنظيم بينهما.
* الإقدام على فعل الخيرات، ومساعدة المحتاجين قدر الاستطاعة.
ويقول الدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة والقانون بالقاهرة:
إن العمل ورعاية الأسرة لا يمكن أن يكونا سببا للخلل في طاعة الله، فالمسلمة في قدرتها أن تؤدي عملها وتطيع زوجها وترعى أسرتها، وفي نفس الوقت تؤدي حقوق الله عليها من فرائض وطاعات إذا ما نظمت وقتها، وجعلت إرضاء الله هو هدفها في كل ما تقدم عليه من أعمال.
ويجب أن تعلمي أيتها السائلة..
أن ما تشعرين به من الإحساس من عدم المقدرة على التوفيق بين الطاعة ورعاية الأسرة وأداء العمل إنما هو راجع لإحساس بداخلك أنت نتيجة عدم التنظيم في حياتك مثلا، ومن ثم فعليك أن تبحثي عن السبب الذي يجعلك تشعرين بذلك وتعالجينه.
وأعلمي أن أداء حقوق الزوج والأسرة هو أمر واجب وفي حد ذاته تقرب وطاعة لله، أما العمل إن تعارض مع حق الله أو حق الزوج، ولم تستطيعي التنسيق بينهم فعليك ترك العمل فورا.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أولادي و"الإنترنت".. "الانتقاء" لا "المنع" العنوان
الأخلاق الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم..
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، وبعد(33/432)
فأنا أب لثمانية، أكبرهم عمره أربع وثلاثون عاما وأصغره ثلاثة عشر عاما. وهم بفضل الله جميعا متعلمين وبوظائف محترمة سواء أكان البنات أو الأولاد. وهم جميعا بفضل الله يتمتعون بأخلاق عالية وسمعة طيبة. وملتزمون بالعبادات.
أما الموضوع الذي أودّ أخذ رأي سماحتكم به: فهو أنني في أحد الأيام عدت إلى البيت في وقت لم أعتد العودة به. ولم يكن في البيت سوى أصغر الأولاد، وعندما فتحت الباب ودخلت إلى البيت، حيث كان معي مفتاح.
فوجئت بولدي الصغير ابن الثانية عشرة وقد جلس على جلس أمام جهاز الكمبيوتر وقد دخل على الإنترنت ويتصفح أحد المواقع الإباحية. فضبط أعصابي، وعرفت منه اسم زميله الذي أعطاه اسم الموقع.
وفصلت سلك الهاتف المتصل مع جهاز الكمبيوتر، حتى لا يدخل على الإنترنت ثانية، وقد أتاني بعد ما عدت من عملي في المساء معتذرا وهو يقول لي إنني أستحق أقسى العقاب، واتفقت معه أن ما عمله يتنافى مع خلق الشاب المسلم الذي يصلي وسامحته على ألا يتعامل بتاتا مع زميله الذي أعطاه اسم الموقع.
ولكنني من ذلك اليوم وأنا متأثر لما حصل وكلما أتذكر أن ولدي وفي مثل هذا السن شاهد مثل تلك المناظر الفاضحة يصيبني غثيان وهم شديد. علما أنه قد مر على هذه الحادثة حوالي ثماني أشهر أرجو إفادتي كيف يمكن أن أغسل دماغه من هذه الصور أو كيف أتأكد من أنها لا ولام ولن تؤثر عليه..
السؤال
الأستاذ همام عبد المعبود المستشار
الرد
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب، والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
الأخ الحبيب / أبو محمد من الأردن الشقيق..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فدعني أولا أحيي فيك استشعارك للمسئولية، وتقديرك للأمر، وحسن تعاملك مع ولدك، فللأسف الشديد فإن ما تشكو منه يشكو منه آلاف الآباء، وما وقع فيه ولدك يقع فيه ملايين الأبناء، وهذا يا أخي مما ابتلينا به في آخر الزمان من الأمراض والأوباء، وهذا مما يصيبنا من شرر عولمتهم وقانا الله شر هذه الفتنة الدهماء، فهي يا أخي كالحية الرقطاء.
وقد أصبت إذ دخلت على ولدك في غير الوقت الذي اعتاده منك، ودون أن يشعر بك، وليت كل الآباء يرقى عندهم هذا الحس لهذه الدرجة، فكم من أب بجلب الرزق(33/433)
مشغول، ويحسب أنه بذلك قد بلغ المأمول، وان مهمته تنحصر في توفير غذاء الجسد دون غذاء العقول.
ولكي يمكنك غسل دماغ ولدك مما أصابه فإنني أوصيك بالآتي :
1- اجلس معه جلسة صداقة ومصارحة، واطلب منه أن يكتب لك في ورقة أسماء أصحابه المقربين وأصدقائه القريبين، ومعلومة مختصرة ( في سطرين مثلا عن كل منهم).
2- أعلمه أن كل ما رآه وشاهده من مناظر قبيحة هي من صنع أعداء الإسلام، ممن يستهدفون الأمة في أعز ما تملك، شبابها وبناتها.
3- اجعل الكومبيوتر في مكان مكشوف بالبيت، ويفضل في الصالة أو غرفة المعيشة، ولا تضعه في غرفة نوم أي أحد من أبنائك، وإياك أن تمنعهم من الدخول على النت، لا بل أتح لهم ذلك وعرفهم أن سلاح ذو حدين، فيه النافع المفيد وهو كثير، وفيه الضار والمفسد وهو أيضا كثير، ولكن علمهم الانتقاء والتمييز.
4- حصنهم بالإيمان، اجعلهم يحافظون على الصلوات في المساجد، وتابع هذا الأمر، بنفسك أو من خلال تقرير يومي من الوالدة. عودهم على صوم النوافل ( الاثنين والخميس من كل أسبوع- الثالث عش والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري -.)، حببهم في قراءة القرآن ورتب لهم وردا يوميا ( كل حسب طاقته ووقته) إلخ.
5- اربطهم ببعض الصالحين في المساجد من شباب الحي الذي يعيشون فيه، فالصاحب ساحب كما يقولون.
6- أعلم الأم في البيت بأن عليها دور مهم جدا في إصلاحهم وتقويم أخلاقهم.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول.. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك وأخبار أولادك.
ـــــــــــــــــــ
الوساوس والعبادات.. صراع مستمر العنوان
العبادات الموضوع
في الحقيقة أنا إنسانة أثق بالله كثيراً، ولذلك فأنا أرفض أي نوع من اللجوء إلى أحد حتى في مسألة التداوي، والرقية الشرعية، ومع ذلك فإني أعاني من الوسواس القهري في أعمالي كلها، وخاصة عباداتي، فماذا أفعل؟ السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول فضيلة الدكتور مبروك عطية:(33/434)
إن الثقة في الله تعالى لا تعني أبدًا عدم التداوي إذا مرض المسلم، ولا عدم قبول الرقية الشرعية، حيث أمرنا صلى الله عليه وسلم بالتداوي في قوله: "تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داءً إلا أنزل معه الدواء".. بل إن الأخذ بالأسباب بطريقة صحيحة هو الثقة في الله.
وإذا أردت أن أزيد سطرًا من النور قلت لك إن الإنسان يشعر بالجوع فكيف يعالج هذا الشعور، هل ينتظر ملكًا ينزل من السماء بطعام وشراب أو يفتح فمه فيجد طعامًا قد نزل أو ينام فيصحو على شبع؟! هذا ضرب من الخبل، ونوع من الجنون، والعبث بكتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم.
فالله عز وجل مع أنه اصطفى مريم وطهرها وجعلها وابنها آية قال لها في سورة سماها باسمها (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)، وأمر عباده فقال في سورة الأعراف: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)، وأنزل من السماء ماءً ليحيي به الأرض بعد موتها.
وقال في سورة ق: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ)، فهل أنت من العباد أم لست منهم؟ إذا كنت من العباد فأنت تثقين في الله بأنه قال هذا الكلام لك، وأنه لفت نظرك وأخذ بقلبك إلى أمر لا بد أن تنظري إليه.
وما تشعرين به ويشعر به كثير من الناس غيرك من أن الثقة في الله تعني ألا نتعامل مع أحد وألا نأخذ شيئًا من أحد فهو مرض، عليك أن تعالجي نفسك منه فورًا إن أردت السلامة لدينك ودنياك وأخراك، ولقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث جاءه رجل وقال له: ادع الله لي أن يغنيني عن الناس! فقال له ابن عباس: "إن حاجة الناس موصولة بعضها ببعض، ولا غنى للإنسان عن بعض أجزاء جسده ولكن قل: اللهم اغنني عن شرار الناس".
وفي هذا من الهدي ما ينتفع به المسلمون؛ لأن رب الناس هو الذي جعلهم يحتاج بعضهم إلى بعض، وينصر بعضهم بعضًا، ويزور بعضهم بعضًا، وهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"، وذلك في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم ولن يتم ذلك بالقطيعة، وباغتناء بعضهم عن بعض، وبانعزال بعضهم عن بعض.
ثم إنك لا شك تحبين أن يرضى الله عنك، فلو نظرت إلى سبل الرضا لوجدت معظمها متعلقًا بالناس! فحسن العلاقة بين الجيران سبيل من سبل رضوان الله وقد قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب"، والآيات كثيرة وكذا الأحاديث التي تؤكد أن سبيل الحصول على رضا الله إنما يكون بمعاملة الناس أخذاً وعطاءً نفعا وتعاونًا على البر والتقوى.
أما علاج ما تسمينه بالوسواس فأكثري من قراءة المعوذتين والتي فيهما قول الله تعالى: "قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس"، ومعنى الخناس الذي يتراجع عند ذكر الله تعالى، لكن الذكر لا يتم باللسان وحده وإلا(33/435)
كان كلامًا في الهواء وإنما يصدر من القلب إلى اللسان؛ فاصدقي الله يصدقك واستعيني بالله يعنك، وهناك طريقة عملية لطرد هذا الوسواس والعلاج من الوسوسة هي أداء العمل على أكمل وجه بحسب حسن الظن وعدم العودة إلى الوراء للتفكير فيه.
وعن الوسواس القهري، تقول د.فيروز عمر :
أختي السائلة :
أولاً: وقبل كل شيء أريد أن أتفق معك على مبدأ هام ربما فيه نصف الحل، وهو أن الوساوس والظنون إنما هي من صلب عمل الشيطان، والانقياد وراءها ليس ورعًا، ولا تقوى كما يتوهم البعض، وإنما هو نجاح يسعد به الشيطان كثيرًا.
وعليك أن تعلمي أن الوسوسة هي السلاح الوحيد الذي يملكه الشيطان حيث لا سلطان له علينا، وهو يدرس مداخل قلوبنا؛ فيوسوس لكل واحد منا بالطريقة المناسبة لبنائه النفسي، فأنتِ مثلاً شخصية تميل للدقة، وتحري الصواب والتدين؛ فَتَدُق الوساوس على هذا الوتر، فيبدأ التشكيك في طهارتكِ حتى تصِلي إلى الشك في عبادتك مثلا.
فتشعرين مع الوقت أن العبادات غير مقبولة، ثم تصبح العبادات ثقيلة، وربما ينتهي الأمر مع كثرة المشاغل ـ بعد الزواج مثلاً ـ إلى ترك العبادات نهائيًّا، أو تظلين مدى العمر منشغلة بالموضوع بهذا الشكل على حساب اهتمامات أخرى ترضي الله، وهي أكثر أهمية غالبًا.
أنا أقول لكِ أنكِ يمكنكِ ترويض نفسك شيئًا فشيئًا، لدرء تلك الوساوس نهائيًّا إذا التزمتِ بالضوابط التي وضعها الشرع، فالشرع يضبط كل شيء بميزان.
اسمحي لي أن أذكر لك مثالاً واحدًا يعبر عن تعامل الشرع ببساطة مع الظنون :
الشخص الذي يشك هل هو متوضأ أم أنه أحدث هل يعيد وضوءه ؟!
الجواب العملي هو أن يتبع ببساطة ما هو متأكد منه، فإن كان متأكدًا من أنه توضأ ويشك هل أحدث بعدها فلا يتوضأ، وإن كان متأكدًا أنه أحدث ويشك هل توضأ بعدها فليتوضأ، هذا مجرد مثال أمرنا فيه الشرع بالبناء على اليقين لا الظن
ـــــــــــــــــــ
الاسم
محتار بين رزقي وزوجتي !! العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم، أنا شاب متزوج منذ أشهر، وأعمل خارج بلدي، حيث تقيم زوجتي، التي لا أستطيع أن أصحبها معي؛ لأن عملي كمهندس في مجال أنابيب النفط، التي غالبا ما تكون في الصحراء، تمنعني منعاً باتاً من اصطحابها معي.
وأنا - ولله الحمد- ملتزم، وعندي من علم الدين ما أحمد الله عليه، ومشكلتي أني منذ سافرت بعيداً عن زوجتي تملك الشوق إليها من قلبي، حتى باتت لا تغيب عن فكري، وما عدت أشعر بأي طعم للحياة، وحتى أثناء أدائي للصلاة وكافة عباداتي، ودعوتي في سبيل الله، بت لا أشعر بلذة، كتلك التي كنت أشعر بها وأنا في بلدي مع زوجتي(33/436)
الملتزمة بفضل الله. باختصار فإنني أشعر بضيق شديد وتعب نفسي، كثيرا ما يمنعني عن إتقان عبادتي.
وأنا أحول أن أتقي الله ما استطعت، وأثق بأن ربي لن يتركني، إذا ما رجعت إلى بلدي، وأنه سيرزقني رغم ضيق الرزق في بلدي؛ لأن الله يقول :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". علما بأن زوجتي تعاني مثلي وأكثر، فماذا تفعل لو كنت مكاني؟، بارك الله فيكم.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ عبد العظيم بدران :
أخي المهندس العريس :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير.
لقد أثرت فيَّ كلماتك، وخاصة أنك حديث عهد بالزواج، وقد اضطرتك ظروف عملك إلى الاغتراب عن عروسك التي تعاني مثلك من ألم الفراق. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهيئ لكما من أمركما رشدا.
أخي الحبيب:
شممت من بين ثنايا كلماتك أنك تفكر في ترك هذا العمل الشاق، الذي يضطرك إلى الاغتراب عن زوجتك، لتعود إلى حيث تسكن هي، ولأنك تتقي الله في أعمالك فإن الله سيجعل لك من أمرك مخرجا.
وإذا عرضتَ كلماتك هذه على المنطق والعقل فربما كانت صحيحة ومتناسقة ومنطقية، ولكن يجب أيضا أن تُعرض على الواقع الذي يفرض علينا أموراً لا يتحاشاها الشرع، ولا تعارضها تقوى الله، بل إن الشرع والتقوى ما كانا إلا ليتعاملا مع الواقع.
إنني في إجابتي عليك سأتطرق معك إلى بعض الجوانب التي قد تكون غائبة أو مغيبة عنك، في غمرة الألم الذي تشعر به، والحنين الذي يتملكك. وبالطبع أنا أعذرك في هذا كثيرا، وأسأل الله أن أكون لك ناصحا أمينا.
أخي مهندس البترول:
هل تعلم أن كثيرا من الشبان يحسدونك – أو يغبطونك – على ما أنت فيه؛ لأنهم لا يجدون الوظيفة المناسبة التي تلبي احتياجاتهم المادية، أو التي تناسب مؤهلاتهم التعليمية الجامعية، أو التي لا تتفق مع ميولهم ورغباتهم النفسية والاجتماعية. بالطبع لا يخفى عليك هذا، خاصة في عالمنا العربي الذي تضج فيه المجتمعات بالبطالة، وتكتوي بنارها صباح مساء.
ومن دون شك، فإن الشركة التي تعمل بها تتيح لك في كل شهر إجازة كافية للإقامة مع أهلك، وحسب علمي فإن الأعمال التي تشبه ما أنت فيه تعطي إجازات معقولة، لا(33/437)
تقل عن أسبوع كامل في الشهر، وقد تصل إلى أسبوعين، فهل يمكنك أن تستكفي بهذا حتى يهيئ الله تعالى لك مما أنت رشدا ومخرجا.
إذا نظرت أخي الحبيب إلى أمورك من عدة نواح، فستجد أن كفة العطاء عندك راجحة على كفة الحرمان.. أليس كذلك؟. نعم، الشوق صعب ومرير، ولا يمكن لغيرك أن يشعر بحرارة ما تجده بين جوانحك؛ كيف والشاعر يقول، وهو صادق فيما قال:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده *** ولا الصبابة إلا من يعانيها
لقد من الله عليك بأن تخرجت مهندسا، ثم زوجك الله فتاة تحبها وتحبك، وتشتاق إليها وتشتاق إليك، ورزقك وظيفة من أفضل الوظائف، على ما فيها من صعوبة، ومنَّ عليك بالتدين والالتزام، أسأل الله العظيم أن يزيدك والمسلمين أجمعين من فضله العظيم، ثم شاء الله أن يختبرك في العواطف، اختبارا يسيرا، هينا، مؤقتا، حيث تهيج عواطفك وينشغل فكرك، وتزاحم الأشواق أوقات عبادتك وأعمال دعوتك.. ولهذا تريد أن تُسكت هذه الأشواق، وتقطع أسبابها، والحل – كما تفكر أنت – أن تترك ما أنت فيه، وتعود لتقيم مع أهلك إقامة كاملة، ولأنك تتقي الله فسيجعل الله لك مخرجا، ولن يتخلى عنك.
ما رأيك في هذا التصور الذي أعيد طرحه عليك .. إنه تصورك أنت؟!.
إنني أتساءل معك الآن : هل تعني تقوى الله أن يقصر الإنسان في طلب الرزق، ويتأخر عنه لمجرد أنه يجد مشقة من نوع ما؟. اعتمادا منه على أن الله سيجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ؟!.
لعلي لست في حاجة إلى توضيح أن طلب الرزق والاستغناء عن الناس، بل وطلب المال والغنى من أجل التوسعة على النفس والأهل والأرحام والفقراء والمساكين والمشاريع الخيرية، والتقوِّى بهذا المال لكافة أنواع العبادات، من أداء مناسك الحج والعمرة، وإنفاقه في كافة وجوه الخير التي لا حدود لها.. كل هذا يا أخي يعد من تقوى الله حقا، إذا صحت فيه نيتك، وصدق توجهك وإخلاصك.
نعم.. يجب أن نصحح هذا المفهوم الذي يلبسه علينا إبليس وهو ألا نسعى لتملك المال، طلبا للزهد والاستغناء بالقليل. إن من الأنبياء من ضاقت بأموالهم الوديان، ومنهم خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، ومن الأنبياء من كانوا ملوكا، ومنهم داود وسليمان، ومن الصحابة من امتلكوا من الثروات الطائلة والهائلة ما أدهش الجميع، والسيرة والتاريخ خير منبئ عن كل هذا.
أخي المهندس الحبيب :
اصبر، ولن يطول صبرك طويلا، استأنس بذكر الله، ولا تنزعج من مزاحمة الشوق لك في أوقات عبادتك ودعوتك، لا بأس في هذا إذا كنت تجتهد في دفعه في هذه الأوقات، والتمس لنفسك من الوسائل ما يخفف عنك هذا، من وسائل اتصال، أو مراسلات، أو ما شابه ذلك، واطلب من زوجتك أن تحتسب هذا معك في سبيل الله، وفي سبيل الاستغناء عن السؤال، ولتعلم أنه "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، كما قال الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وانظر لحالك إذا فعلت ما أقدمت عليه، ثم لم تتح لك ظروف عمل مناسبة، هل ستكون حالك أفضل؟!.(33/438)
لقد ذكرتني رسالتك هذه بسيدنا بلال بن أبي رباح، رضي الله عنه، حينما اشتاق إلى مكة، بعيد هجرته إلى المدينة، فقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة *** بوادٍ وحولي إذخِر وجليلُ
وهل أردن يوما مياه مجنة *** وهل يبدون لي شامةٌ وطفيلُ
وحين بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وقال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد". فما رأيك بمثل هذا الدعاء، وأن تداوم على صلاة الحاجة حتى يهيئ الله لك من أمرك رشدا، ويجمع شملك مع أهلك. أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد، وتابع معنا.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري :
شكر الله تعالى لأخي الحبيب عبد العظيم بدران ما كتبه لك، وليسمح لي أن أضيف بعض السطور القليلة، ابتغاء الأجر والثواب.
أخي الفاضل:
مشكلتك فيها شقان :
1- شق عاطفي اجتماعي، وهو الشوق والحنين الذي بينك وبين زوجك، وهذا شيء فطري جميل، و ياليت كل الأزواج مثلكما شوقا وحنينا، ونرجو أن تستمر هذه العاطفة الجميلة بينكما دائما إن شاء الله.
2- شق مادي، وهو الذي يختلف موقف كل إنسان منه، فمن الناس من لا يستغني عن مستوى معين من المعيشة، ولا يمكن أن يتنازل عنه، ومنهم من يقدم الشوق والحنين واللقاء عن هذه المادة، وأنها ليست كل شيء في الحياة، وقد يكون من التفكير الصبر سنة أو اثنتين حتى تستقر الأمور، أو غيرها من الأطروحات التي يجب أن تفكر فيها جيداً مع زوجتك، وأن تطرحوا هذه الأفكار كلها، وأن تنظروا الأصوب منها، نظرا إلى المصالح والمفاسد، وما غلبت مصلحته على مفسدته قدم، وقد يكون الأولى درء المفاسد فيقدم على جلب المصالح، وهذا يختلف من إنسان لآخر.
ولكن لا أفهم، ألا يمكن لك أن تعيش في مسكن قد يكون بعيدا شيئا ما عن موقعك الذي تعمل فيه، بحيث تكون زوجتك معك، حتى لو كان يبعد عن المدينة التي أنت فيها عددا من الكيلومترات، لكن أن تكون معك في البلد الذي تعيش فيه، أو تكون الزيارات التي تنزلها إلى أهلك بنسبة أكبر، وأحسب أن المسافة بين البلدين ليست مثلها كالبلاد الأخرى، فقد تنزل كل شهرين أو ثلاثة، قد تنزل ثلاث مرات أو أربع في السنة، وقد تتنازل عن بعض الأشياء المادية مقابل هذا النزول.
وقد يكون مع هذا أيضا وسائل اتصال حديثة، وما أكثرها، إن كانت مجدية، وإن رأيت أنك مضرور ولا طاقة لك على الصبر، ولا يمكن لك أن تجعل زوجتك قريبة منك، ويمكن لك أن تعيش بمستوى أقل، حتى تجد مكانا آخر قريبا، أو مكانا يمكن أن تكون زوجتك معه، ففكر في تركه، والمستشار ليس شرطا أن يعطي من استشاره رأيا واحدا، بل إن فتح الخيارات أمام الإنسان أولى، ومشاركة صاحب الأمر واتخاذه القرار الأنسب له أهم، لأنه أدرى الناس بحاجة وحاجته، وإنما مشورتنا خطوة وسعي لتبصير الطريق لك، لتختار الأوفق لنفسك، والأهدأ لبالك، والأنفع لحياتك، ولا تنس أن ستستخير الله تعالى، عسى أن يهديك سواء السبيل.(33/439)
وفقك الله لما يحب ويرضى، وقدر لك ما يصلح شأن دينك ودنياك، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
عقوق وترك صلاة و"عادة سرية" !! العنوان
العبادات الموضوع
الأخوة الأفاضل .. سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته ..
أود أن أعرض عليكم بعض من مشاكلي الإيمانية .. لعلي أصلح من نفسي الآن ..
أولا أعرفكم بنفسي.. أنا فتاة في الحادية والعشرين من عمري ووالداي متدينان، وأحفظ القرآن، ورفقتي صالحة ومتدينة، فكل ما حولي يدعو للالتزام والإيمان في هذا السن ، ولكن لم يكن الأمر كذلك وأنا صغيرة.
المهم أنا ولله الحمد أستغفر الله كثيرا وأتوب إليه دائما وخاصة قبل النوم، إلا أنني ومع الأسف لا أؤدي الصلوات في أوقاتها وبصفة مستمرة.. بل أصلي يوما وأتركها أياما ثم أعود واستغفر وأدعو الله أن يعينني ، كما إنني عندما أصلي لا أكون في خشوع ويكون ذهني مليء بالأفكار والهواجس، كما أنني أؤدي النوافل إلا أمام الناس خوفا من أن أسقط من أعينهم ، والأفظع من ذلك أنني أكثر جدا من الاغتياب، وخاصة في حق أساتذتي، لدرجة أن بعض الزميلات.
كما إنني في بعض الأحيان عندما أغضب من والدي أتلفظ بكلمات لا تليق في حقهم، وإذا رأيت ما لا يعجبني بهم تكلمت معهم بأسلوب غير لائق تماما، خاصة أنهم أخطئوا في حقي وأنا صغيرة كثيرا، ودائما أذكرهم بما فعلوه ، وربما قلت لهم : أنتم لم تربوني ، وإنما ربتني الحياة ومن حولي.
كما أني أمارس العادة السرية في كثير من الأحيان، وأتمنى أن أرفع من إيماني بالله والخشية منه، وأحافظ على شرائع الإسلام كمسلمة متدينة، وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
أرجوكم أعينوني ووجهوني بخطوات عملية وفعالة.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ وصفي عاشور أبو زيد :
الأخت العزيزة..
أهلا وسهلا بك ، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق..أما بعد.
فمن خلال كلامك نلاحظ أنه توفر لك منذ النشأة ما لم يتوفر لكثيرين غيرك من البيئة الإيمانية، والوالدان المتدينان، والرفقة الصالحة، وكل هذه عوامل تحمل الإنسان على الالتزام وإن لم يكن ملتزما، فكيف الحال لك وأنت تحفظين كتاب الله .
وأعلمي يا أختي أن كثيرا من الناس ينشأ في بيئة سيئة، وفي محيط غير ملتزم، ولكنه مع ذلك يحاول مجاهدة نفسه وحملها على الجادة، والسير بها إلى الطريق المستقيم.(33/440)
لقد قلت أنك تحفظين كتاب الله، فعليك إذا أن تعلمي أن الكلمات التي تحفظينها في صدرك هي أغلى وأعظم كلام نزل من السماء إلى الأرض، وإنه من الواجب عليك أن تكرمي هذا الكلام وتقدريه حق قدره بالعمل الصالح.
أما ما ذكرتينه من قيامك بالاستغفار والتوبة إلى الله ، إلا أنك لا تحافظين على الصلاة يعد أمرا مناقضا، فلا يتصور أبدا أن يقوم إنسان بالنوافل من ذكر وقيام واستغفار ودعاء وهو مقصر في أعظم أركان الإسلام وهي الصلاة.. تلك الفريضة التي بها قيام الإسلام، فهي عموده وركنه الأكبر، ولا حظ في الإسلام لمن ضيعها.
إن المشكلة عندك ـ يا أختنا الكريمة ـ تكمن في خفوت شعلة الإيمان في قلبك، وضعف وجود الله في حياتك، وإلا لما كان حالك أن تصلي النوافل مخافة أن تسقطي في أعين الناس.. ألم تفكري في أنك ستسقطين من عين الله؟! وكم تساوي الحياة؟ وبكم تقدر الدنيا إذا ترك الله عبدا من عينه، وخلاه بعيدا عن عنايته ورعايته وتوفيقه عز وجل؟!
وعليك أختي السائلة..
ألا تعلقي أخطائك على تقصير أبويك في تربيتك، خاصة وأنك ذكرت أنهما متدينان ـ المهم ماذا قدمت أنت؟، وماذا أخذت من خطوات لدينك وأمتك؟، فإذا كان أبواك سيحاسبان على تقصيرهما في تربيتك ـ إن قصرا حقا ـ فإنك ستسألين أنت وحدك عن ما قدمت، وما أخرت.
ولا أريد أن أضع يدك على قيمة الوالدين ومكانتهما في الدين، لأنك بالتأكيد تعرفينها، حتى ولو كانا الأبوين على غير دين الإسلام حيث يقول الله عز وجل:( وصاحبهما في الدنيا معروفا) (وقل لهما قولا كريما).
فلابد وأن تعيدي النظر في حياتك، وأن توقني أنك ستسألين أمام الله وحدك (كل نفس بما كسبت رهينة) ( وكلكم آتيه يوم القيامة فردا ) ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة )، فمتى استشعرت هذه المسئولية وملأت قلبك بحب الله وخشيته في السر والعلن، فلن تجحدي تقصيرا في الفرائض.. بل ستجدين دافعا قويا نحو النوافل من ذكر وتسبيح وتهليل وقيام وغير ذلك من الطاعات، ولسوف يتغير أسلوبك مع والديك الملتزمين لا سيما وكل ما حولك يدعو للالتزام، ويشجع عليه.
ويضيف الأستاذ عبد العظيم بدران :
أختنا الكريمة والعزيزة.. سلام الله عليك ورحمته وبركاته
أحمد الله الذي منَّ عليك بكل هذه النعم، الجليلة، والعظيمة حقا: فتاة في عنفوان شبابها، تحفظ كامل القرآن، أسرتها متدينة، تدرس في تخصص شرعي، رفقتها صالحة، نشيطة في الدعوة إلى الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ولا يقل أهمية عما ذكرتُه قبل قليل أنك تبصرين جيدا جوانب نفسك من الداخل، تميزين مواضع العطب، وتحددين أماكن الضعف، وتصفين المشكلة كما لا يستطيع أحد أن يصفها.. نعم، هذا أيضا شيء جيد، ومهم في حالتك، وكما يقولون: تشخيص الداء هو نصف الدواء.
أختنا الكريمة..(33/441)
لقد تواصل فضل الله عليكِ بعد كل هذا، ومع كل ما أنت عليه.. ذلك لأن الله تعالى ما زال يريد لك الخير، على ما كان منك، ولهذا وفقك إلى إرسال هذا السؤال الذي تتمنين فيه رفع إيمانك بالله، وترجين التوجيه بخطوات عملية وفعالة لتتغيري قبل أن تتزوجي.
وقبل أن أغوص في شيء من التفاصيل، فإنني ألوم عليك في شيء ذكرته أنت، وهو أنك تداومين التأنيب والتقريع والتعنيف، الذي توجهينه لأبويك؛ لأنهما – كما تذكرين – أخطئوا في حقك وأنت صغيرة!.
ليكن ما تقولينه حقا، فهل من المناسب لك أن تداومي تعنيفهما على شيء مضى وانتهى؟ ومن من الناس لا يخطئ؟! إنهما أبواك على كل حال، وبرهما حق عليك وفرض ذكره الله تعالى بعد توحيده، وأنت تحفظين قول الله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}.
لن أقف عند هذه طويلا، ويكفيني فيها الإشارة؛ لأنه يبدو لي أنك غير راضية عن تصرفك تجاههما، ولكني قبل أن أغادر هذه النقطة أنبهك بأن تتلفتي وتبحثي عن الأشياء الجميلة واللطيفة والنعم العظيمة التي تجدينها بالقرب من أبويك، والتي يفتقدها كثيرون على وجه البسيطة، وذكري نفسك بقول الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد أدرك أبويه أو أحدهما على الكبر ولم يدخلاه الجنة".
أختنا العزيزة ..
إن بين جوانحك نفسا لوامة، وهي التي أقسم بها رب العزة في قرآنه، لمكانتها العظيمة، نعم، هي لوامة لأنك تشكين في سؤالك ما تشكين.
من أجل هذا أدعوك ألا تدعي هذه الفرصة التي هيأها الله لك، بل صممي على التغيير إلى الأفضل، ولن يقوم بهذا التغيير إلا أنت، ولعل الله تعالى يجعل منا لك خير ناصح أمين.
إذا شئت التفصيل فيما أرسلته إلينا فسأحتاج لكل نقطة رسالة، تطول أو تقصر، ولكني أحاول أن أجمل وأشير، واللبيب تكفيه الإشارة :
• ابدئي بالتوجه الخالص إلى الله تعالى أن يعينك على تغيير حالك.
• حدثي نفسك بصوت مسموع، في خلوة من خلواتك، قولي لها وكرري: الله رقيب علي والله ناظر إليَّ، ولمن خاف مقام ربه جنتان، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
• صافحي أبويك عندما تعودين، واطبعي على كفيهما قبلة الندم والمحبة والصفح الجميل، وليكن حالك معهما {عفا الله عما سلف}.
• توجهي إلى الله تعالى بهذا الدعاء: "اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور" ولتكن نيتك في هذا أن يحببك الله إلى أبويك.
• اطلبي من أحد صديقاتك الجادات أن تتابعك في أداء الفرائض، وليكن ذلك عن طريق جدول محاسبة مبسط.(33/442)
• تذكري عندما يحدثك شيطانك، أو تغالبك نفسك على ترك صلاة مفروضة، بأن الموت يأتي بغتة، وأسمعي نفسك هذه العبارة: الموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل.
• إذا سمعت الأذان فأسرعي، ودعي كل ما أنت عليه، ولا تؤجليها، فالصلاة خير وصلاح وفلاح، والله أكبر من كل شيء.
• توضئي وأسبغي الوضوء، ولتسبق الفريضة منك نافلة، عسى أن يعينك هذا على الخشوع في صلاة الفريضة.
• أخبري نفسك بأن الرياء شرك، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: "من عمل عملا أشرك فيه غيري ذهب وعمله"، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة: شهيد، وحامل للقرآن، ومنفق.. وما ذلك إلا بسبب الرياء، أعاذنا الله وإياك منه.
• لا تنفردي بنفسك دون حاجة، واشغلي نفسك بأعمال الخير دائما، ولا تعرضي نفسك للنظر إلى المحرمات والمناظر الخليعة المستفزة، عسى أن يبعدك هذا العادة السرية.
• داومي على المطالعة والدراسة والحوارات البناءة، والاتصال المدروس، واجعلي لنفسك هدفا في الحياة هو: خدمة الإسلام على درب رسول الإسلام. وفقك الله يا أم عمر، و جزاك الله خيرا. وتابعي معنا.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الحب والإيمان.. وجهان لعملة واحدة العنوان
العقيدة الموضوع
شكرا على جهدكم الملحوظ في خدمة الإسلام والمسلمين، وسؤالي هو : ما العلاقة بين الحب والإيمان ؟، وهل هناك تناقض بينهما؟..
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الدكتور عبد الرازق محمد فضل وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر:
بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
الصلة بين الحب والإيمان هي صلة النتيجة بالمُقدمة، فمَن كان مؤمنًا كان مُحبًّا، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تَدْخُلُوا الجنة حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تَحابُّوا، ألَا أدُلُّكمْ على أمرٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السلامَ بيْنكمْ". بل لعلِّي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن الحب والإيمان وجهان لعملةٍ واحدة، فكلاهما مَنْبَعُهُ القلب وأثره ظاهر مُنتشر يتضوَّع بأريحية الحياة والأحياء.
والمُتأمل في كلمة الحب وهي مُكونة مِن حرفينِ، يجد في حَرْفَيْهَا هذينِ: الحاء والباء صدْق ما ذكرتُ، فالحاء حرفٌ مَخْرَجُه الحلْق، والباء حرف مخرجه الشفتينِ. فكأن(33/443)
البداية تنشأ مِن الأعماق، وكأن المجال يشمل كل ما تزخر به حياة الناطق، وربما ذهبت إلى أعمق مِن هذا فقُلت: إن كلمة الحب في اللغة تدلُّ على البياض والصفاء والعُلوِّ والظهور واللزوم والثبات واللُّباب والحفْظ والإمساك. وليست هذه المعاني ببعيدة عن الإيمان.
الحب شيء تمتلئ به النفس وتفيض على ما عداها، أي وبعبارة أخرى هو شيء داخلي المَنشأ في الإنسان فإذا ما جاوز منشأه اتَّجه إلى مَساراتٍ مُتعدِّدة بمعنى أن مَحبوبات الإنسان مُتعددة، وأعلى المحبوبات الإنسانية حبُّ الله ـ عز وجل ـ لأن الإنسان إذا أحب الله أطاعه، وإذا أطاع الله أحبَّ في طاعته كل خيرٍ.
لأن الله ـ عز وجل ـ لا يأمر بالفحشاء، وإنما أمَر ربِّي بالقِسْط وأقيموا وُجوهكم عند كل مسجدٍ يَلِيه حُبّ رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك لأن الرسول هو المبلغ، فحُبُّه مِن حُبِّ الله، وطاعته طاعة لله قال ـ تعالى ـ على لسان نبيِّه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِ يُحْبِبْكُمُ اللهُ).
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سِواهما، وأنْ يحب المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكُفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يُقذف في النار".
وبحب الله وحب رسوله يحب الإنسان الخير بجميع صُنوفه، يحب أخاه في الله، ويحب أخاه في الإنسانية، يحب بني جِلْدته، ويحب غير بني جلْدته، يحب الخير للناس، ولذلك وجدنا سيدنا رسول الله الذي هو كَنْزُ الحب يقول مُجِيبًا جبريل لمَّا قال الله: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك لو أمرتني أن أُطبق عليهم ـ على المشركين الذين آذوه ـ لو أمرتني أن أُطبق عليهم الأخشبينِ "الجبلين" لفعلتُ فقال النبيُّ: "اللهمْ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون".
إن المؤمن يحب في الله،و يحب لله، وأمارة حبه الله وحبه لله وحبه في الله أن يكون طائعًا لله، والله هو الذي شرع الجهاد في سبيله، يُقاتل المؤمنونَ أعداء الله الذين يَبْغُونَ عليهم ويُريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم. فمَن ناصَبَ المسلمين العَداء كان مُقتضى حبهم لله أن يُقاتلوهم في الله، وأن يَكرهوهم في الله.
أيَحشُد لي جحافل شرِّه وأقول له: تعالَ فإني أُحِبُّك، قال ـ تعالى: (وأَعِدُّوا لهمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِبَاطِ الخيلِ تُرْهِبُونَ بهِ عدوَّ اللهِ وعَدوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعلمُهمْ ومَا تُنْفِقُوا مِن شيءٍ في سبيلِ اللهِ يُوَفَّ إليكمْ وأنتمْ لا تُظلمون).
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أصلح الله حالنا وحالك، وملء قلوبنا بالحب والإيمان وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
أخلاق الشباب".. استقامة أم اضطراب؟ العنوان
الأخلاق الموضوع(33/444)
أخلاق الشباب تتجه إلى الاضطراب، هذه هي الإجابة على عنوان الحوار.. فالشاب يجتهد في الالتزام، يصلي الفرائض والسنن، يصوم رمضان ويتطوع أحيانا، يجتهد قدر استطاعته في حفظ القران.
ونجده في أوقات أخرى يضيع وقته على النت، ولا مانع عنده من الشات مع صديقته، والبنت لا مانع عندها أن تتحدث مع زميلها أو صديقها، ولكل منا احتياجاته، فتنطلق الشهوات في اتجاه العادة التي لم تعد سرية.
بالله عليكم كيف يمكننا نحن الشباب والفتيات التخلص من هذا الاضطراب.. وشكرا..
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الكاتبة الأستاذة سمية رمضان عبد الفتاح، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
عزيزتي الفتاة ..
شكرًا لكِ على إثارة مثل هذا السؤال الهام، لنبدأ معًا في تحليل المشكلة..
مشكلة أخلاق الشباب تبدأ من أنهم لا يدرون الهدف من الحياة أساسًا، فهم يولدون ويأكلون ويشربون وينامون، ويفعلون كل شيء بحكم العادة، ولو علموا أن الهدف من خلقنا جميعًا هو العبادة، لما فعلوا ذلك، فحياتنا كلها يجب أن تكون عبادة لله، حتى الأكل والشرب، حتى اللعب والمزاح، حتى المذاكرة والعمل، فنحن خلقنا للعبادة، وهذا هو دورنا في الحياة. قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
وإذا تفكر كل شاب وفتاة في كل تصرف بتصرفه، هل هذا التصرف يفعله من منظور العبادة لله أم لا لاسترحنا جميعًا من كل آفات المجتمع. فالشباب الذين يرتادون المواقع الإباحية على النت مثلاً، لو فكروا في هذا التصرف هل هو عبادة أم لا، فحتمًا لن يفعلوه، لأن تقوى الله ستمنعهم من ذلك.
الشباب الذين يمارسون بعض العادات السيئة، والتي منها ما أسميته أنتِ العادة "غير السرية" لو استشعروا معية الله، وجعلوا من طاعة الله ومراقبته في السر والعلن شعارًا لهم، لانتهت كل هذه العادات التي تخرب مجتمعنا المسلم.
ونحن نعلم أن الشباب يجد المثيرات حوله في كل مكان، في الإعلام، وفي الجامعة وفي المدرسة وفي الشارع، ولكنه يجب أن يكون أقوى من كل هذه المثيرات؛ لأن هدفه هو إرضاء الله تعالى، وما أسماه من هدف، هدفه الجنة التي هي أسمى من أي متعة زائفة ستنهي سريعًا، ويبقى الوزر والإثم، ويبقى أيضًا الشعور بالذنب.
وسأطرح سؤالاً واحدًا أرجو أن يجيب عليه كل شاب وكل فتاة تمارس العادة السرية أو غيرها من العادات السيئة، سؤالاً واحدًا، ولكن أرجوا أن تجيبوا عليه بصراحة وصدق، بلا خوف من أحد إلا الله تعالى : هل تحب أن يراك أحدٌ من البشر وأنت تمارس هذه العادة؟! هل تحب أن يراك أبوك أو أمك أو أخوتك أو أصدقاؤك وأنت تفعل ذلك؟!(33/445)
فإذا كانت الإجابة لا.. فلما رضيت أن تفعل ذلك أمام الله، فالله يراك، فلا تجعله أهون الناظرين إليك، استشعر معيته في كل وقتٍ وحين، وإني لأتذكر الآن مقولة سهل التستري لابن أخته، حينما أراد أن يعلمه الأخلاق الصالحة كلها، فطلب منه أن يردد كل يوم: الله شاهدي، الله ناظري، الله مطلع علي.
وبدأ الطفل الصغير يردد ذلك القول في كل وقتٍ وحين، حتى أصبح يقينًا راسخًا في نفسه، وبهذا أصبح يستشعر معية الله في كل وقتٍ وحين، فإن أقدم على فعل معصية تراجع خوفًا من الله الذي يستشعر معيته، وإذا أقبل على الطاعة ضاعف منها، وأتقنها، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وهكذا حتى أصبح مثالاً للتمسك بالأخلاق الفاضلة.
فلماذا لا نكون كلنا مثل هذا الغلام، ونستشعر معية الله في كل وقتٍ وحين، حتى نسمو بأخلاقنا وسلوكنا، فأخلاقنا وسلوكنا سر بقائنا في الحياة، وكما يقول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت*** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والآن أنصحك أنتِ وكل مسلم ومسلمة ببعض النصائح التي أرجو أن تكون عونًا لكم إن شاء الله على التمسك بأخلاق الإسلام السامية، والبعد عن الأخلاق التي لا نرتضيها لشبابنا المسلم، الذي هو عماد المجتمع وأساسه، راجية من الله تعالى أن ينفعكم بها :
1- اختر الصديق الصالح، فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، ولهذا فالصحبة الصالحة ستعينكم على الطاعة.
2- تجنبوا أصدقاء السوء، فإنهم مثل نقطة الحبر إذا سقطت في كوب من اللبن، فأفسدته كله.
3- اجعلوا تقوى الله شعاركم في السر والعلن، فالتقوى طريق النجاة من النار، وهي طريق الجنة إن شاء الله.
4- اشغلوا وقت الفراغ بشيء مفيد، مثل هواية مفيدة، أو تعلم لغة، أو تعلم حرفة أو مهنة، أو نشاط رياضي، فاستثمروا أوقات فراغكم فيما هو نافع ومفيد، والوقت نعمة فلا تجعله في معصية الله، فلا يصح أن يعطيك الله نعمة، فتقابل تلك النعمة بالجحود والعصيان.
5- اجعل من نفسك رقيبًا عليك، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وعندما تجد في نفسك بعض الآفات والعيوب، استغفر الله، وحاول عدم العودة إلى تلك التصرفات مرة أخرى.
6- أقبل على الله بقلب يملؤه الخوف والرجاء، واستشعر عظمة الله، تهون في عينك الدنيا بما فيها.
7- لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من ترتكب في حقه الذنب، إنه الله العظيم.
8- عليكم باتباع ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدًا، كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
9- اجعل من كل حياتك طاعة، ومن عاداتك طاعة، حتى يبارك الله في عملك في الدنيا والآخرة.(33/446)
10- اجتهد في دراستك، وأتقن العمل والمذاكرة، فانشغالك بالمذاكرة هو طريق التفوق والنجاح، كما إنه طريق البعد عن تلك الآفات والسلوكيات.
11- ما رأيك لو بدأت بإصلاح نفسك، وأصبحت قدوة لغيرك، فتأخذ ثوابًا مضاعفًا.
وأخيرًا؛
أدعو الله لجميع شباب المسلمين أن يوفقهم لما يحب ويرضى، وأن يصلح لنا شبابنا الذين هم عماد أمتنا، وأن يصلح بهم دنيانا، وأن يوفقهم لحسن ثواب الآخرة، إنه نعم المولى ونعم المجيب وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
الصلاة في المسجد أو "بر الوالدين"!! العنوان
السلوكيات الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أنا شاب مغربي في الرابعة والعشرين من عمري، أحاول المواظبة على الصلاة في المسجد ما أمكنني، ولكن والدي يعارضان ذهابي للمسجد في صلاة الفجر، خوفا عليّ من مخاطر الطريق.
فماذا أفعل؟، هل أذهب رغم معارضتهما؟، وهل مخالفة أمر الوالدين في هذا الأمر تعد نوعاً من العقوق؟.. أفيدوني و جزاكم الله خيرا جزاكم .
السؤال
الأستاذ عبد العظيم بدران المستشار
الرد
أحمد إليك الله يا أخي أن زرع فيك هذه الغيرة والحرص على صلاة الفجر بالمسجد، نعم، فالصلاة خير من النوم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأحمد إليك الله أيضا أن زرع فيك هذا الحرص على بر الوالدين وطاعتهما، والذي دفع بك إلى إرسال هذا السؤال من أجل عدم تخطي حدود الله معهما، نعم، {وبالوالدين إحسانا}.
أخي هشام:
وجب عليك الآن أن تشكر لأبويك هذا الحرص منهما عليك، فهما يخشيان عليك من مخاطر الطريق، ويبدو لي من سياق حديثك أن المسجد الذي تقصده بعيد إلى حد ما عن بيتكم، وربما أيضا يفصل بينكما مساحة أو فراغ لا عمران فيه، أو لا حركة فيه ولا أنيس.
وعلى أية حال، فنحن نحتاج هنا إلى أمرين، أولهما: بيان حكم الشرع فيما تسأل عنه، والآخر: كيفية تطبيق هذا الحكم في حالتك هذه.
أما حكم الشرع في حالتك أنت: المسلم البالغ العاقل القادر، فهو أداء الصلاة في المسجد إلا لعذر، والفقهاء يقولون عن العذر إما أن يكون خوفا أو مطرا. وقصة الصحابي الضرير الذي كان يسكن بأطراف المدينة وأتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بمنزله، ولم يأذن له النبي لأنه يسمع النداء، معروفة.(33/447)
هذه واحدة.. أما الأخرى، فالحال التي تحكيها عن تخوف والديك من نزولك إلى صلاة الفجر تستدعي في تفكيري عدة أمور، منها:
• أنه ربما حدث فيما سبق بعض الأمور التي جعلت والديك يتخوفان أن تسير وحدك في وقت مبكر كهذا.
• أو ربما كنت وحيد أبويك، أو الذكر الوحيد بين أخواتك، وهذا أيضا يزيد عندهما الخوف عليك.
• أو ربما حدثت بعض الحوادث قريبا من الطريق المؤدية للمسجد، في أوقات معينة زادت لديهم المخاوف عليك.
• أو ربما أمر آخر، ولكن المخاوف في النهاية موجودة.
فما الذي يجب عليك إذن؟ هل تتنكر لمخاوفهما وتنطلق إلى المسجد لا تلوي على شيء، ملبيا نداء الصلاة؛ لأنه لا يحق لهما أن يثنياك عن هذا؟ أم تستجيب لرغبتهما والله تعالى مطلع على نيتك؟.
لقد حيرني يا هشام تخوف والديك عليك.. فأنت في الرابعة والعشرين، يعني هذا أنك شاب في ريعان شبابك وفتوتك، وكان من هم مثلك، أو حتى أصغر منك، يقودون الجيوش إلى الفتوح والغزو، فلم الخوف إذن؟
وأنت كذلك لست في بلد مضطرب يعج بالحروب والثورات، لكنك شاب مغربي كما أشرت في سؤالك.
إن هذا التخوف ربما كان في محله إذا كنت في بلد كالعراق مثلا أو فلسطين أو جنوب السودان، أو غيرها، نسأل الله تعالى أن يؤمن المسلمين أجمعين في كل مكان.
ولكن، مع ذلك، فأنا لا أشجعك على مخالفة أوامر أبويك، على الأقل في الوقت الحالي، وخاصة إذا كان من الواضح لك أنهما سيصران على هذا، وسيؤدي هذا بينكم إلى تنازع وشقاق.
لكني أرجو منك يا هشام أن تخطو معهما عدة خطوات، كالتالي:
• اكتسب ثقتهما فيك، ونمِّها، وذلك بالقيام بالمزيد من أداء الخدمات لهما، حتى وإن لم يطلبا منك هذا.
• أشعرهما أنك تبرُّهما وتطيعهما لأن الإسلام أمرك بهذا.
• ليكن التعامل بينكما تعامل الأصدقاء المحترمين الودودين، ولا تكتف بأن تكون العلاقة بينكما علاقة الابن بأبيه وأمه.
• أثبت لهما بين الحين والآخر أنك على قدر كبير لتحمل المسئولية، حتى ولو كنت منفردا، وذلك بالمسارعة إلى قضاء بعض حوائج العائلة من مشاوير قريبة وبعيدة وتسوق ومشاركة في أعباء يبدو لهما أنك ما زلت غير قادر على تحملها، ومشاركة في الحوارات بالرأي ثم بالتنفيذ، دون تعصب لرأيك، وهذا بالطبع دون تهور ولا استباق غير مدروس حتى لا تأتي النتائج عكسية.
• صحح نيتك في كل هذا، بل قبله، بأنك: تبر والديك، وترضي ربك، وتنفع نفسك وعائلتك ومجتمعك ودينك.. فـ"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير". والقوة في كافة الجوانب: في الرأي والتدبير والجسم والعلم.. إلخ، واسأل الله تعالى أن يعينك على كل هذا.(33/448)
• إذا كان من الممكن يا هشام أن تقوم بالتنسيق مع بعض زملائك أو جيرانك الذين يصلون معك الفجر في هذا المسجد البعيد، على أن يمر عليك بعضهم، وتخبر بهذا والديك، لتنزع من قلبيهما الخوف عليك، فافعل.
• إذا كان خوفهما عليك ناشئا من شيء يمكن التغلب عليه، كالكلاب مثلا، فإن عليك أن تعمل على إزالة خوفهما بأن تحمل معك عصاك لتتوكأ عليها، وتدفع بها عن نفسك، وأن تتفق مع بعض جيرانك أو أصدقائك المصلين حتى تسيروا جميعا إلى الصلاة.
• صارحهما بثغر باسم ووجه مشرق، بعد أن تقبل يد كل منهما، سائلا إياهما: هل تريدان أن يكون ابنكما هشام شجاعا في غير تهور، ونشيطا في غير معصية، ومؤمنا يقيم الصلاة كما يحب له الله، أم تريدان له أن يكون ضعيفا ومستكينا وجبانا وسلبيا وكسلان؟! وأخبرني يا هشام في متابعتك بما يجيبانك به. وفقك الله و سددك.
ـــــــــــــــــــ
النظر إلى النساء".. مرض ووباء العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أحب زوجتي كثيرا، لكنني أحب أن أنظر إلى النساء، لدرجة أنني أسأل زوجتي عن النساء التي تعرفهم، وعن جمالهن لكنها تمتنع عن الإجابة، كما أنني أشاهد الأفلام الإباحية، فمشكلتي عموما هي أنني أحب النساء بشكل عام، وأحب أن أسمع أصواتهن، وأذوب عند سماع صوت أي امرأة، حتى صارت امرأتي لا تملأ عيني رغم جمالها، وذلك بسبب النظر الزائد للنساء، حتى صرت لا أعاشر امرأتي، وألجأ إلى العادة السرية.
وقد نتج عن ذلك أن الغيرة ماتت في قلبي، فإذا رأيت امرأة أقول لزوجتي: هذه أجمل منك، وكانت في البداية تقول (عيب عليك هذا الكلام، وحرام النظر للنساء الأجانب عنك)، ولكن مع مرور الأيام تبلد إحساسها وصارت هي أيضاً تقول: هذا الرجل أجمل منك، فصرنا لا ننكر على بعضنا البعض الكلام في مغازلة الرجال والنساء، وتطور هذا الأمر حتى صرت أكلم بعضا من النساء وأتبادل معهم عبارات الحب والعشق، لكن الحمد لله إلى هذه اللحظة لم أرتكب فاحشة الزنى.
وكلما ألوم نفسي، وأقطع علاقتي مع النساء، سرعان ما أرجع إليهن، وكذلك الحال مع مشاهدة أفلام الجنس، مع العلم أن امرأتي لا تدري شيئا عن علاقاتي والأفلام التي أشاهدها، لكنها تعلم أني أحب النظر إلى النساء، بل وأعشقهن، حتى لو لم أرهن. و سؤالي هو: ما المخرج من هذا المأزق ؟ فرغم دعائي وابتهالي إلى الله لم أستطع البعد عن حب النساء، ومشاهدة الأفلام الإباحية.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر:(33/449)
عجبا لك أيها السائل، تناقض نفسك فتقول : أحب زوجتي، مع أن كلمة حب ليست بالكلمة الهينة، فالمحب لمن يحب مطيع، كما أن الزوجة هي السكن الذي امتن الله على الإنسان ليفرغ معها شحنات الحب والمودة الذي خلقها الله كفطرة في الرجل للمرأة، فقال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).
وعليك أن تعلم أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، وكما تنظر إلى نساء الآخرين، فإن الآخرين ينظرون إلى نسائك، ولقد صدق الشاعر حين قال:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
يا هاتكا حرم الرجال وتابعا *** طرق الفساد تعيش غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم *** في أهله يُزنَى بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا أقرضته *** كان الوَفَا من أهل بيتك فاعلم
ويجب أن تعرف أن العين تزني وزناها النظر، وإذا كنت تأتي زوجتك وتتخيل أمامك إحدى النساء التي شاهدها فأنت في هذه تتشبه بمن يزني، كما عليك أن تعلم أن ما تشكو منه من تبلد الإحساس وعدم الغيرة على زوجتك عندما تجاريك وتتحدث عن الرجال سببه أنت لأنه من شدة شغفك بالنساء ماتت مشاعرك، وأصبحت لا تغير.
ولكي تنتهي عما أنت فيه عليك أن تتقي الله في نفسك وزوجتك، ولا تزيد من النظر في النساء، وعليك أن تقلع عن مشاهدة الأفلام الإباحية لأنك إذا داومت على ذلك أصبت بالخسران، وعليك أن توقن في نفسك أن أي امرأة تنظر إليها لا تزيد عن امرأتك في شيء، فإن مع امرأتك مثل ما معها.
ويقول الأستاذ مسعود صبري:
في الحقيقة أنا حائر معك أيها السائل، فلا أدري بأي خطاب أكلمك، أبلهجة الذم أم بلهجة الشفقة، ولكني سأتجاوز عن الذم لفعلك، لأنك تعلم أنه مذموم، فمسكين أنت أيها الرجل الذي أوقعت نفسك في شباك الشهوة ، حيث أضحيت لا ترى في حياتك إلا ما يشبع شهوتك المحرمة، وبعد أن جعلك الله تعالى حراً، جعلت نفسك عبداً، وحريتك أن تكون عبدا لله، لا عبدا لهواك.
وقد جعل الله تعالى الضلال الكبير في اتباع الهوى، فقال تعالى:" ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله"، وقد أوضح الإمام علي كرم الله وجهه طبيعة الهوى، حتى وصف الناس لاتباعه بأنهم يعبدونه، وما تحمل هذه الكلمة من معنى خطير، فقال: "الهوى شر إله عُبِدَ".
أيها الزوج، استشعر نعمة الله تعالى عليك قبل أن تسلب منك، فزوجتك، وإن وصلت هي الأخرى إلى هذه الحالة، لكنها قد لا تطيق هذا إن ذكرت بخير، وقد تطلب الطلاق منك، فاتق الله تعالى، حتى لا تضيع منك زوجتك، فساعتها تندم وقت لا ينفع الندم، فكم من الناس معهم نعم لا يشعرون إلا بعد فقدها.
فكر– أخي- في نفسك ما الذي تأخذه من النظر إلى الحرام، إن الإنسان قد يخطئ مرة، ولكن أن يستمر، فهذا يعني موت القلب، وإذا مات القلب مات الإنسان، ولو كان له عين يرى بها، وأذنان يسمع بهما، ورجلان يمشي عليهما، فالميت ميت الأحياء.(33/450)
ولهذا فقد جعل الله تعالى القرآن غذاء الأموات من الأحياء، قال تعالى :"أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نوراًُ يمشي به في الناس كمن مَثَلُه في الظلمات ليس بخارج منها"، وإن كان الإنسان قد سمح لنفسه بالمرض، فمن العقل ألا يسمح لنفسه بالموت.
انظر كم حرمت من الطاعة، فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية؟، وانظر كم فاتك من الخير من الله تعالى، وحرم البركة في أمور دنياك قبل أن تحرم طاعة مولاك.
أعد الغيرة إلى قلبك، فلا أدري كيف يقبل رجل، بعيداً عن أي معتقد أو تدين أن تقول له زوجته: هذا الرجل أجمل منك أو ما شاب هذا من الكلمات؟، إن العرب الجاهليين كان منهم من يترفع هذا وما يقبله أبداً، لكنك أمت كل نخوة ورجولة فيك، وقبلت على أهلك المعصية، فكان إثمك إثمين، إثما لنفسك، وإثما لأجل أهلك، فبأي وجه تقابل الله تعالى؟.
ماذا تقول لربك حين يسألك عن هذا؟ إنه يخاطب عباده المؤمنين فيقول: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"، فحاول أن تستعيد رجولتك أيها الرجل، وأن تكون قيما على أهلك امتثالاً لقول حبيبك صلى الله ليه وسلم: "فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته".
أخي، لا أحب أن أطيل عليك، ولكن أفق من غفلتك، واجلس بعيدا عن الناس أولا، اذهب إلى بيت الله، صل، واترك الناس يرحلون، واجلس أنت مع ربك، اشكه نفسك الظالمة، اطلب منه أن يرزقك الهداية والرشاد، وتذلل إليه حتى يرزقك التوبة الصادقة، وعاهد ربك في بيته ألا تعود لمثل هذا أبدا.
وبعد أن تجد أنك صدقت الله تعالى في النية إلى التوبة الصادقة، اجلس مع زوجك، واحك معها كيف حالها؟؟، وقيما سوياً الفترة السوداء الماضية، وأزيلا عنها السواد بالتعاون على التوبة، وتصحيح حياتكما، وابتعدا سويا عن المعصية، وكما كنت سببا في أن تكون عاصية، كن سببا في توبتها إلى الله تعالى، وصحح ما وقعت فيه من خطأ.
واجتهد أن تتعبدا لله كثيرا، اجلسا للقرآن مرة أو مرتين في الأسبوع، داوما على أذكار الصباح والمساء سويا، أدرسا كتاباً كـ"رياض الصالحين"، صلا الرحم معا، تصدقا سويا، احضرا درس علم معا، املآ حياتكما طاعة، حتى تطرق السعادة بابكما، واهتم بحياتك الاجتماعية مع زوجتك كثيرا، واخرجا من هذا السجن الذي حبستما فيه نفسيكما، إلى جنة طاعة الرحمن.
ساعتها ستجد أن العادة السرية تلاشت من حياتك، لأنك تفعلها من باب الإثارة لا أكثر، وعندك زوجتك التي نسأل الله أن يبارك لك فيها، فاقض معها وطرك، وأسعدها وأسعد نفسك بما تنال به الثواب من الله تعالى.
ويقول ماهر الحداد من علماء الأزهر الشريف:
أخي السائل :
إن ما أنت فيه راجع إلى النظر لما حرمه الله من النظر للنساء، ورؤية الأفلام الجنسية( فكل الحوادث مبداها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر)، ولقد(33/451)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه : إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه).
وفي رواية أخرى (إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه)، ولذلك أمرنا الله تعالى بغض البصر في قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
أيها السائل:
قف مع نفسك لحظة تأمل، وتفكر كيف يصل بك الحال وبزوجتك إلى أن تتبلد أحاسيسكما إلى هذا الحد؟، واعلم أنك السبب في ذلك هو سؤالك لزوجتك عن النساء الأخريات اللاتي لا يتميزن عن زوجتك بشيء، خاصة وأنك تصفها بالجمال.. ثم إن ما تفعله يعد خيانة لا تليق بالرجولة.
وأنصحك أخي المسلم ـ هداك الله ـ بما يلي :
*غض بصرك، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم كلما وقع بصرك على امرأة.
*أكثر من ذكر الله، وداوم على الاستغفار.
*أكثر من صيام التطوع فإنه يكسر حدة الشهوة.
*حافظ على أسرتك وكن رجلا ذا مروءة.
* لا تشاهد الأفلام الإباحية، واعلم أنها مدعاة لكل ما أنت فيه من ممارسة للعادة السرية.
*فكر في مستقبل أولادك وأسرتك, واسأل نفسك: هل تحب أن يكون ولدك أو زوجتك في هذه الصورة المهينة التي أوقعت نفسك فيها؟، لأن دوام التفكر في هذا يكسر من حدة شهوتك ونظرك للنساء.
* تصور نفسك لو حرمك الله من نعمة الزواج، فستتيقن النعمة التي منحها الله لك، ولن تقابله بالجحود والإنكار.
* قف دائما بين يدي الله في محراب الصلاة، مناجيا إياه أن يهديك ويعفو ويصفح عنك.
وختاما؛
اعلم أن ما تصوره نفسك من الاستمتاع بالمعاصي سيصير بك إلى الندم لأنها أيام وستموت فيك هذه الرغبة وساعتها ستندم ولا ينفعك الندم، فعليك بالعودة إلى الله وإصلاح ما بينك وبين زوجتك حتى لا ينفلت الأمر من يديك، كما يجب أن تواجه نفسك في الإقلاع عن ممارسة العادة السرية وممارسة حياتك الطبيعية مع زوجتك، هداك الله وأصلح حالك وحال زوجك.
ـــــــــــــــــــ
أسئلة في الإيمان ولذة العبادة العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛(33/452)
بداية أشكركم شكراً جزيلاً و جزاكم الله خيراً وأعانكم على فعل الخير وجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم وفرج عنكم كل ضائقة وكربة وأعتذر لكم مسبقا عن سوء التعبير وركاكة الأسلوب فأنا في حالة لا يعلمها إلا الله.
أسئلتي :
1- كيف يكون الصبر على أقدار الله المؤلمة .
2- كيف يقوي العبد إيمانه .
3- كيف يستشعر العبد حلاوة الإيمان، أو بمعنى آخر كيف يتلذذ العبد في عبادة الله وفي إرضائه وفي استشعار الخوف منه جل وعلا.
فقد توفيت والدتي- رحمها الله- منذ 3 أشهر، وتعلمون طبعاً كيف يكون حال أهل المتوفى من حزن وبكاء وضيق، إلا أنني في بداية الأمر لم أبك بل كنت أردد قول (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وكانوا يقولون لي أنت صابرة من الصدمة الأولى ولله الحمد وكنت أقول في نفسي بل إنها صدمة وليست صبر.
لكني في الأيام الأولى كنت أكثر من الأذكار، وقراءة القرآن، والذهاب إلى الحرم المكي، وحتى قيام الليل، وكنت أعيش حينها- بالرغم من الحزن والبكاء – في استشعار لحلاوة العبادة، والمناجاة، والرجاء، وعظمة الله وقدرته ومنه على عباده، حيث توفيت والدتي بخاتمة حسنه ولله الحمد، فكنت أشكره وأحمده أن منّ على والدتي بهذه الخاتمة.
لكن مع مرور الأيام أصبحت في حالة لا أعرف كيف أصفها؛ قد تكون تبلد الإحساس أو التيه والحيرة، وقلت قراءتي للقرآن، وقيام الليل، والذكر والمناجاة، الخوف والرجاء، حتى أني لو قرأت أو.، فأحس بأنها سطحية لا تتجاوز لساني والعياذ بالله، فليس لقلبي نصيب من هذا الشعور وهذا الإحساس، مع بكاء دائم وشعور بالفراغ والروتين المهيمن على حالي، شوق وحنين.
أتذكر الموت، القيامة، الجنة والنار، الجزاء والعقاب، إلا أني أقف ساكنة لا أستطيع أن أحرك نفسي، أو أن أنقذها مما هي فيه، أفكار ووساوس تراوداني بكثرة هذه الأيام، وساوس في العقيدة، في ذات الله، في حقيقة الموت والحياة، فهي أفكار ووساوس لو تكلمت عنها لكفرت والعياذ بالله، فعلى الرغم من أنني حافظة للقرآن، ومعلمة إلا أنني أحس بأني لست أهلا له، وأن القرآن سوف يكون حجة علي وليس لي، فرب حافظ للقرآن والقرآن يلعنه.
فماذا أعمل – جزاكم الله خيراً – حتى أخلص نفسي مما أنا فيه، حتى استشعر حلاوة العبادة، أرجوكم أنقذوني، فليس لي بعد الله إلا نصائحكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ عبد الرحمن يحي زكريا الباحث الشرعي بشبكة "إسلام أون.نت" :(33/453)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فمن فضل الله على والدتك رحمها الله أن رزقها حسن الخاتمة، ونسأل الله أن يغفر لها، وأن يرزقك الصبر والسلوان، كما نسأله تعالى أن يلحقك بها في الجنة باجتهادك في طاعة الله وسعيك لنيل رضاه، ومن مات فقد أفضى إلى ما قدم، أما نحن فمازلنا في دار الاختبار، وما زالت الحرب بيننا وبين الشيطان على أشدّها ينال منا وننال منه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ثم من فضل الله عليك أن رزقك الصبر على مصابك، فاستبشري بأجر الصابرين ومنزلتهم، وما كانت المصيبة التي صبرتِ عليها إلا (صدمة) بنص كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيث قال : "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"، كما أنه باسترجاعك كنتِ أهلا لبشارة الله سبحانه حيث قال : "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
وإذا كان الله قد وصف الموت بأنه مصيبة، إلا أن ابتلاء المسلم بالمصائب لا يخلو من فوائد، حيث القرب من الله واللجوء إليه، والبعد عن المعاصي والذنوب، فالإنسان بطبعه يلجأ لربه عند الشدائد، وكلما اشتد الكرب زاد من الله القرب، وما حدث لك من زيادة إقبال على الله أمر طبيعيّ، والوصول إلى هذا المستوى في حال الرخاء صعب المنال، والأهم منه الحفاظ على هذا المستوى ومجاهدة النفس على ذلك أطول وقت ممكن.
ومما لا شك فيه أن المسلم لطبيعته البشرية يعتريه النشاط والفتور في صلته بالله، فالإيمان يزيد وينقص، لكن ذلك لا يكون داعيا لترك النفس حتى تهلك، فالنفس إذا لم تؤخذ بالعزيمة استسلمت للراحة و تفلتت من الطاعة، وإذا كنا نحتاج إلى الله عند المصائب، فلا بد من حسن الصلة بالله دائما، فمن تعرف إلى الله في الرخاء كان معه في الشدة.
والمسلم عندما تضعف عزيمته وتفتر همته، عليه الاستمساك بالأركان الأساسية، والفرائض التعبدية، والواجبات الشرعية، حتى لا تضيع الثوابت و ينهدم البنيان، يؤكد ذلك ما ورد في الحديث: " ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجال يجتهدون في العبادة اجتهادا شديدا، فقال : تلك ضراوة الإسلام وشِرّتُه، ولكل ضراوة شِرّة، ولكل شِرّة فَتْرة، فمن كانت فترتُه إلى اقتصادٍ وسُنّة، فلأَمّ ما هو (أي قصد الصواب)، ومن كانت فترته إلى المعاصي، فذلك الهالك "رواه أحمد.
والشعور بالتقصير أمر محمود لأنه يجعل المسلم دائما ينشد الكمال، ولا يرضى عن حاله، بينما المسلم الذي لا يشعر بالتقصير قد يغتر بطاعته، أو يتوقف عن مجاهدة نفسه، فيعميه ذلك عن أخطائه وعيوبه، وينشغل بعيوب غيره، ويصعب عليه تقبل النصيحة من أحد، لأنه يظن أنه على خير، أما من أحس بأنه مفرط في حق الله، سيكون أكثر إقبالا عليه، وأشد افتقارا إليه، وأكثر استعدادا لتغيير نفسه.
وإذا أردت حلاوة الإيمان، فإنها وإن كنت شعرت بها أياماً، لكنها ليست بالأمر الهين، فلذة الطاعة لا تأتي إلا بعد إحسان العبادة، وحلاوة الإيمان هبة من الله تعالى لا(33/454)
يذوقها كل مؤمن، وإن كانت من عاجل بشرى المؤمن، والوصول إليها يكون بكثرة جهاد النفس، وتربيتها على طول العبادة، وعدم التعلق بالدنيا، ولزوم ذكر الله.
أما الوساوس التي تشكين منها، فهي من الشيطان الذي أخذ على عاتقه مهمة إضلال البشر " وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ"،وعلاج تلك الوساوس بأحد أمرين: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ومرافقة القرآن فإنه: "مَوْعِظَةٌ مِن ربّكُم وشِفَاءٌ لمَا فِي الصّدُورِ وهُدًى ورحْمَة للمُؤمِنِين".
ـــــــــــــــــــ
أضيق بزوجي.. فصبرُُ جميل العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم .. استفساري حول موضوع الصبر. أرجو أن تساعدوني على فهم بعض الأشياء تبدو لي مربكة. يضيق بي الحال بسبب بعض المشاكل مع زوجي، وأصبر لأن ذلك واجب عليّ.
لكن الذي يحيرني: هل الصبر هنا معناه أن يكون داخلي راض بالوضع؟ إذ أكون راضية من الظاهر، وفي أعماقي أتألم! وما هو أجر المسلم إذا صبر؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تجيب الأستاذة فاطمة النجار – داعية مغربية:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
الأخت زهرة الله سبحانه وتعالى طلب منا الصبر وقال سبحانه: { اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } وقال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }.
والصبر هو حبس النفس أن يؤثر فيها الجزع، وأن يطيش بها الألم، وأن تصل إلى أن تطوقها الأزمات، فتجرها عن صوابها. والصبر ليس معناه ألا تتألم النفس، فالألم حقيقة يعيشها الإنسان، ولكن الصبر رجاء ما عند الله عز وجل، رجاء لأفرج، ورجاء المثوبة.
ولذلك ذكر الله عز وجل أن الصحابة كانوا يتأملون: { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } . فالصبر هنا جاء لينفس عنك مشاكلك الداخلية حتى يعينك على تحمل ما يمكن تحمله، وما يجب تحمله.
فأحيانا تكون بعض المشاكل في الحياة الزوجية مما هو ناشئ عن طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل، وتراكم المسؤوليات والواجبات الملقاة على كليهما. وهنا وجب الصبر لتستمر سفينة الحياة.
ولا يتنافى الصبر مع عدم الرضا بما قد يصدر عن الطرف الآخر من مضايقات ومظالم. فالإسلام لم يطلب منا أن نرضى بالظلم أو نرضى بالأذى، ولكن قد نقبل بعض الأذى ونتجاوز عن بعض الظلم مقابل مكاسب دنيوية وأخروية كثيرة.(33/455)
فاصبري أختي ومزيدا من الصبر والصبر هو حبس النفس ساعة، وغدا تفرحين بصبرك ونتائجه الطيبة عليك وعلى بيتك. وأنقل لكِ في السطور التالية، قول الشيخ عبد العزيز بن باز في فضل الصبر على البلاء:
الأحاديث الواردة في الصبر على البلاء فهي كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل.." ( حديث صحيح). ومنها قوله صلى الله عليه وسلم مثلا: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له" (رواه الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب بن سنان رضي الله عنه).
وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
لا يخفى على أحدٍ أنَّ الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأنَّ كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ عرضة لكثيرٍ منها: فمرة يُبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تُقلَّب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم.
ونجد أحيانا أن البلاء يشتد على أهل الإيمان أكثر مما يحصل لغيرهم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زللُه أكبر من صوابه، ولا سيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفُجاءَتها - عياذاً بالله.
ولابد للمسلم أن يستشعر الحكمة من البلاء لأن الله سبحانه وتعالى لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا. وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء- سواءً كان فقداناً للمال أو الصحة أو الأحبة- من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه:
أولاً: امتحان وابتلاء:
نعم امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة نُمْتحن فيها كل يوم فما هذه الدنيا إلا دار بلاء واختبار والآخرة هي دار الجزاء ، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله.
وقال جل ذكره: {أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَاذِبِينَ}. [ العنكبوت: 2-3 ]. وليس في هذه الدنيا من لا يمتحن.
ثانياً: هذا البلاء قسمة وقدر:
إنَّ الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا} [الزخرف: 32 ]. فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم. فارضَ بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء.
وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه. وهيهات هيهات.
ثالثاً: أن هذا البلاء خير ونعمة بشرط:(33/456)
وأياً كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، والصبر على البلاء. وفي الحديث الصحيح: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" [ رواه مسلم ].
وما أصدق الشاعر إذ يقول:
قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ... ... . ويبتلي الله بعض القوم بالنعم.
وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: { فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَيَجعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً. [النساء:1] وقوله: { وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لكُم وَعَسَى أَن تُحِبوا شَيئًا وَهُوَ شَر لكُم وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ}.
لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنَّما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك. وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب، والله يعلم وأنت لا تعلم.
يقول بعض السلف: "إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة. وإن نزلت بك ولم تصبر، فقد أُصبت بمصيبتين: فقدان المحبوب، وفقدان الثواب".
رابعاً: أن هذا البلاء محطة تمحيص وتكفير:
نعم، الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحاتّ منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يُثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النَصَب والوَصَب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها.
وفي الحديث: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ - وهما المرض والتعب - ولا همٍ ولا حزنٍ ولا غمٍ ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه" [متفق عليه].
خامساً: أن هذا البلاء رفعةٌ للدرجات:
إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه - بإذن الله- أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنباً مخطئاً - وكل ابن آدم خطَّاء كما مرَّ معك - وإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوِّئه أعلى المنازل في الجنة.
وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: "قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيت الحمد" [ رواه أحمد وحسنه الألباني ]. ويقول سبحانه في الحديث القدسي: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صَفِيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة" [ رواه البخاري ].
سادساً: أن هذا البلاء علامة حب ورأفة:
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مراً إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح: "إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [ رواه الترمذي وصححه الألباني ].(33/457)
يقول ابن القيم: "إنَّ ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة ... " إلى آخر ما قال.
ويكفي الخير الذي في البلاء أنه يرفع درجات المؤمن الصابر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة" [ رواه الترمذي وصححه الألباني ].
وأخيراً أسوق لك هدية وبشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها".
ـــــــــــــــــــ
أحبني وتزوج صديقتي !! (مشاركة) العنوان
السلوكيات الموضوع
كنا قد نشرنا 29 /12/2005م، استشارة إيمانية بعنوان : أحبني وتزوج صديقتي.. فهل أدعوعليهما؟ ، أجاب عليها فضيلة الدكتور محمد داود، ووصلتنا مشاركة من الكاتبة الصحفية الأستاذة نجلاء محفوظ، فنحن ننشرها تماماً للفائدة.
السؤال
الأستاذة نجلاء محفوظ المستشار
الرد
أختي الكريمة،
تقولين أن خطيبك تركك وعقد قرانه على صديقتك دون مقدمات، والحقيقة أنه لابد أن تكون قد حدثت بعض العلامات التي تشير إلى حدوث تقارب ما بينهما، وأنت لم تعطيها حق قدرها من الاهتمام، أو ربما تجاهلتها لثقتك الزائدة في صديقتك، ولا تنسي أن المؤمن كيس فطن، ويجب أن ننتبه إلى ما يدور حولنا حتى لا نفاجأ بما يؤذينا، كما نرجو أن تتعلمي من هذا الدرس عدم السماح بالاختلاط الزائد بين خطيبك أو زوجك في المستقبل وبين صديقاتك، حتى لا يدخل الشيطان بينهم، مستغلا الضعف البشري.
ونحن نتعاطف معك ونحترم معاناتك، ولكننا رغبنا في ذكر ما سبق حتى لا تكررين هذه التجربة ثانية.. وندعو الرحمن عز وجل بأن يغفر لك شدة غضبك من خطيبك وكثرة دعائك عليه، ونفضل في مثل هذه الحالة الركون إلى الإيمان بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وحسن الظن بالخالق عز وجل، والثقة بأنه سبحانه وتعالى يختار لك الأفضل في أحسن توقيت، فهذا الخطيب الذي تركك لغيرك نتمنى أن تستبدلي البكاء عليه بالاحتفال بنجاتك منه، فلا شك أنه غير مخلص ويسهل عليه الخيانة، فاسعدي بأنه تركك قبل الزواج، فهذا أهون الأضرار..(33/458)
وهذا يقودنا إلى سؤالك الخاص بالدعاء إلى الرحمن بكل اجتهاد حتى يعيده إليك، مما يدفعنا إلى التساؤل المخلص، ولماذا تريدين عودته بكل هذا الإلحاح؟ هل ترغبين في رد الاعتبار لنفسك أم في استعادة الثقة بها، أم للانتقام من صديقتك؟ أم لأنك تعتبرينه فرصتك الأخيرة في الزواج؟ أم لأنك تحبينه؟..
فإذا كنت تريدين رد الاعتبار فإنك تحملين نفسك أعباء ثقيلة بدون أي جدوى وتحرمين نفسك من فرص التعافي من هذه الأزمة القاسية، ونطالبك بإعطاء نفسك حقها كما جاء في الحديث الشريف، بأن تصونيها من مثل هذا التفكير وأن تثقي أن الخالق عز وجل قد كرمك ويكفيك هذا التكريم الإلهي ويصونك من محاولة التدني والحصول على ما يمنحك الاعتزاز من غيره عز وجل..
ونربأ بك أن تكوني ترغبين في الانتقام من صديقتك، ونحترم دعائك بألا يكون في قلبك غلا لها، ونحب ألا تتعاملين معه على أنه فرصتك الأخيرة وأن تتذكري دائما الآية الكريمة (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) وليس صحيحا ما تقولينه بأنك أحق به، فالخالق عز وجل هو مقسم الأرزاق وهو وحده الذي يختص بكتابة هذه الأرزاق ومن ضمنها الزواج، ونرجو أن تغلقي أمام الشيطان كل المنافذ وألا تهزمي نفسك بها.
والقول بأنها أصغر وأجمل، فكم من الفتيات الصغيرات الجميلات لم يتزوجن، أو تزوجن وعشن حياة تعسة، وكم من فتيات تجاوزن الثلاثين ورزقهن الخالق بزيجات ناجحة لأنهن أحسن الظن به عز وجل، وصدقن في التوكل عليه وحده، واعتزت كل واحدة منهن بصفاتها الخلقية وقامت بتنمية إيمانها وحسنت من نفسها ولم تتعامل مع نفسها على أنها سلعة تباع وتشترى، وأن الجمال وصغر السن من الشروط التي تضمن لها أفضل العروض..
وهذا بالطبع لا يتنافى مع ضرورة تنمية جمالك الخارجي أيضا، بما يتناسب مع الشرع، كما جاء في الحديث الشريف أن الله جميل يحب الجمال، واعلمي أن الخالق عز وجل منحنا الجمال بنسب متفاوتة، وأن الفتاة الذكية هي التي ترضى بنصيبها من الجمال مما يمنحها جمالا إضافيا وينير وجهها بالاطمئنان إلى قضاء الرحمن الرحيم، والثقة في رحمته والركون إلى محبته واليقين أنها ستنال نصيبها المقدور في الزواج في الوقت المناسب وأن تتذكر أن الزواج هو أحد المباهج المشروعة في الحياة ولكنه ليس كلها، أو أهمها، فلا تتهافت عليه، حتى لا تسيء إلى نفسها وتحسن التعامل مع من يتقدم لخطبتها.
ونتمنى أن تغلقي هذه الصفحة نهائيا من حياتك وأن تكفي عن انتظار عودته، وأن تتشاغلي بتحسين حياتك، وألا تتذكري شيئا عن هذه الخطيب أو الصديقة، لتفوزي بالثواب الديني والدنيوي أيضا حيث تتسامين عن الانتقام منها بالتشهير وتزداد فرصك في الزواج، ونرجو ألا تخبري الخاطب الجديد بأن خطيبك تركك لصديقتك وأن تكتفي بالإشارة إلى أنه لم يحدث نصيب، فهذا أفضل لك، مع دعائنا بالتوفيق..
ـــــــــــــــــــ
الاستمناء"..الحل بالزواج أو "الاستعلاء" العنوان
الأخلاق الموضوع(33/459)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أعاني من المداومة على ذنب، وهو العادة السرية، وحاولت التوبة منه عدة مرات ولكني أعود إليه ثانية. أريد أن تعينوني بطريقة عملية تطبيقية للخلاص من هذا الأمر، وحبذا لو تضمنت سير ومراجع للسلف الصالح تعصمني من العودة في الذنب علما بأني دعوت في الحج أن يعينني الله على تركه. و جزاكم الله خير..
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الدكتور فتحي يكن :
أخي الكريم رعاك الله، وهيَّأ لك من لدنه فرجاً ومخرجا.
أعلم أنه قد يرتكب أحدنا معصيةً ما وهو كاره لها، فإذا استُدرِج إليها وأتاها أخذته الحسرة والندامة وأقبل على التوبة، راجياً العفو والمغفرة، وقد يرتكب آخر المعصية نفسها وهو محبٌّ لها وسعيدٌ بها، ولا يكاد يفرغ منها حتى يندفع إلى غيرها، إلى أن يسترسل في غيِّه وقد انعدم لديه أيُّ شعورٍ بعقدة الذنب ونار الخطيئة، وأنت لست من هذا الصنف بحمد الله.
من هنا جاء الخطاب القرآنيُّ مؤكِّداً رعاية الله لعباده المؤمنين من خلال دفعهم إلى حبِّ الطاعة وكراهية المعصية، حيث يقول جلَّ في علاه: "ولكنَّ الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم، وكرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون".
أخي الكريم :
هناك أمور كثيرةٌ يمكن تلمُّسها والأخذ بها بين يدي معالجة الحالة التي تعاني منها، و يعاني منها الكثيرون، من أهمها:
- الزواج باعتباره العلاج النبويّ:
ليس لنا أن نتقدَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وصف من علاجٍ لمشاكلنا وأمراضنا، كما إنَّه ليس لنا أن نختار بعد اختياره صلى الله عليه وسلم، وصدق الله تعالى حيث يقول: "وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرة من أمرهم".
والرسول صلى الله عليه وسلم اختار الزواج حلاًّ جذريًّا لمثل الحالة التي نحن بصددها، ولا أظنُّ أنَّني سآتي بجديدٍ حين أذكِّر بقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنَّه له وجاء"رواه البخاريُّ ومسلم.
- الصوم كعلاجٌ وقائيٌّ مؤقَّت:
ومطلوبٌ منَّا أن لا نقلِّل من أهمِّيَّة الصوم في معالجة مشاكلنا الجنسيَّة، وبخاصَّةٍ أنَّها وصفةٌ نبويَّةٌ ناجعةٌ لا تحتمل الشكّ، والصوم النبويُّ المطلوب هو إمساك النفس عن كلِّ المباحات الجسديَّة، فكيف بالمحرَّمات منها؟(33/460)
إنَّه الصوم عن مقاربة وملامسة الأسباب المهيِّجة للغريزة، وما أكثرها وأخطرها في هذا الزمان، وبخاصَّةٍ ما يُقدَّم على شاشات التلفزة، أو يُعَرض في مواقع الإنترنت، أو يُروَّج له ويباع عبر الكاسيت والمجلَّة والكتاب إلخ.
وحول بعض خطوات العلاج العملية الأخرى في هذا الأمر، يقول د.عمرو أبو خليل:
إن الأمر يأخذ جهداً ووقتاً، وكما حدث الأمر في بداية المعصية تدريجياً سيكون العلاج إذن وسنحتاج إلى جهد ووقت وخطوات عملية أهمها وضع برنامج يومي يساعدك على ملء كل أوقات الفراغ، فعليك أن تبرمج ما يتبقى في الوقت من فراغ في أن تقوم بأنشطة فريدة ممتعة، فالوحدة خير من جليس السوء.
واقترح عليك نموذج برنامج يومي يتلخص في الآتي :
* أبدأ "اليوم" باسم الله.
* تخلص من أدوات "النشاط المرضي": الصور، المهيجات، اشتراك الإنترنت: إذا كانت الأدوات "متاحة" ستفشل حتماً.
* سيكون عليك المجاهدة كل يوم: ملء الفراغات، مقاومة المقدمات، استثمار الوحدة.
* خذ وقتاً كافياً في التوجه إلى الله سبحانه ، وسؤاله العون والتوفيق.
* اعلم أن الله سيوفقك إن علم صدق نيتك، ورأى بداية جهدك.
* تعلم أن تجعل الصلة بالله ركناً أساسيًّا، ومكوناً رئيسيًّا في شخصيتك، ونفسيتك، وحياتك.
* إذا كنت قد رجعت في توبتك قبل ذلك، لِيرَ منك الله هذه المرة إصراراً أكبر، وخطة أحكم تحبه أن يباركها.
* تحدث إلى الله بكلامك أنت، ولغتك أنت علاوة على الأدعية المأثورة، تحدث معه بكلماتك العامية المعبرة البسيطة، واعرض أمامه المشكلة التي يعرفها، وعزمك الذي يراه، وحاجتك التي تريدها منه.
* احسب كم من المال يمكن أن تعطي لنفسك عن كل يوم تنجح فيه، وسوف تدخر أموال "الجوائز" لمكافأة كبيرة.
* هدفك المرحلي أن تتوقف عن الفعل المرضي لمدة "مائة يوم" تكافأ نفسك بعدها ـ بالأموال المدخرة ـ برحلة طويلة أو غير ذلك مما تحب.
* بعدها ستجمع مالاً " عن كل يوم" لتكافأ نفسك عن النجاح لمدة 250 يوماً بمكافأة أكبر تقوم بها.
* ستكافأ نفسك بعد ذلك في ذكرى مرور عام على آخر مرة مارست فيها النشاط المرضي.
* بعد ذلك ستحصل على مكافأتك لنفسك كل عام.
* اجعل للأموال صندوقاً معيناً، ثم ضعها شهريًّا في أي وعاء ادخاري: حساب مصرفي مثلاً "خارج المنزل"، وفي موعد المكافأة اسحب المال، وتمتع بالمكافأة المادية، وبفضل الله عليك.
* قبل أن تودع المبلغ في المصرف ضعه أمامك لتشاهد علامات نجاحك أولاً بأول، وتحمد الله على نعمته.(33/461)
* ماذا تفعل لو فشلت مرة: مع مراعاة ما ذكرناه في بند "التعامل مع الشعور بالذنب".
تبرع بالأموال التي ادخرتها لنشاط خيري نافع، وسيكون عليك أن تبدأ من جديد:
* توجه إلى الله سبحانه، وأسأله العون كما فعلت من قبل وأكثر.
* راجع خطتك لتدرس نقطة الخلل وتتلافاها هذه المرة.
* حدد مقدار مكافأتك المالية.
* كافئ نفسك عن كل يوم بالادخار لمدة مائة يوم.
* في نهاية المائة يوم نفِّذ المكافأة.
* إذا فشلت تبرع بالمال، وإذا نجحت واصل لمدة 250 يوماً.
* كافئ نفسك ثم واصل لنهاية العام.
* كافئ نفسك في نهاية كل عام من النجاح.
وستنجح حتماً، وتصبح حياتك أكثر انتظاماً في كل نواحيها، وستكون أسعد بإذن الله مع زوجتك، ومع أصحابك، وفي عملك، وفي علاقتك بالله سبحانه.
نسأل الله لك التوفيق، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أبي "شاذ جنسياً"..فهل يستحق البر؟! العنوان
السلوكيات الموضوع
خلال أولى سنوات مراهقتي قام أبي بملامسات شاّذة عند سن 13 الى 14 كنت على إثرها أحاول تجنبه في المنزل، ثم عند سن الخامسة عشرة انتهز فرصة غياب أمي عن المنزل، وقام بملامستي بطريقة شاذة أمام أخي الصغير، ثم طلب مني أن أنام معه لكي يريني كيفية ممارسة العلاقات الجنسية, طبعا رفضت وحرصت على الابتعاد عنه إلى أن غادرت المنزل للدراسة, ولم أحدث أمي ولا أخوتي بهذا الأمر حينذاك.
وحين بلغت 22 عاماً، أصبت باضطرابات نفسية مهمة, على أثرها وبعد استشارة طبيب نفسي قررت مواجهة أبي أمام أمي وأخي الكبير. واستطعت بعد هذه المواجهة أن أتغلب على اضطراباتي تدريجيا ( بعد 5 سنوات من التحليل النفسي).
بعد هذه المواجهة هدأ الأب، ولكنه لم يعترف صراحة بما فعله أمام الآخرين،بل ولم تبد عليه علامات التوبة والندم, فهو لا يزال يتناول الخمر، بل و يبدو أنه يكثر منه, كما يرفض الذهاب إلى طبيب نفسي، وهو يتعامل كأن شيئاً لم يكن.
واليوم وإن كنت أحاول أن أعيش بطريقة طبيعية، ولكنني لا أرتاح لمقابلته، ولا حتى لمكالمته هاتفياً, فأنا أحس بضيق شديد أثناء أو بعد مكالمته، وهذا يؤثر على توازني النفسي، فحين اتصل به للسؤال عنه، أتجاهل ما قام به, وأعتبر كأن شيئا لم يكن.
وسؤالي هو : هل إذا جافيته وقاطعته ولم أتصل به، أو أسأل عنه أعتبر قاطعة رحم وعاقة ؟
ملاحظة : أبي كان يحظى بمرتبة اجتماعية وثقافية محترمة, وهو غير متدين نهائياً، وكان يشرب الخمر كل يوم دون أن تبدو عليه آثار السكر.(33/462)
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تقول الأستاذة فاطمة النجار :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا هند قولي : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك، وأصلح لي شأني كله.
يا هند عند مطلع كل فجر وميلاد كل يوم، ابدئي يومك بقلب متطلع إلى الله تعالى ضارع إليه وقولي : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" ثلاث مرات.
ثم امكثي قليلا تذكرين الله، وتشكرينه، وتستغفرينه، متطلعة إلى أن يكون يومك هذا يوماً صافياً من مشوشات الماضي، لعل الله يستجيب داءك ويلبي رجاءك، فإنه سبحانه على كل شيء قدير.
يا هند أكثري من حمد الله على أن لطف بك في هذا المصاب، نعم احمدي الله أن قصتك انتهت بيقظتك، وأن الوزر ليس وزرك، وأن ما صدر من أبيك صدر بدافع أم الخبائث وتحت ضغط الخمر، وما تسببه من تشوهات في نفسية وعقلية المتعاطي. واحمدي الله تعالى أنك فتاة عاقلة تنشد الحل والاطمئنان، ومن ينشد الحل يجده ومن يطلب شيئا سيصل إليه بإذن الله.
وعليك أختي الحبيبة بملء داخلك عما يسكنه بما يشغله، عليك بهم جديد يسيطر عليك :
* هم ارتقاء هند في علاقتها بربها الكريم عبادة وذكرا وشكرا.
* هم ارتقاء هند بثقافتها وبمعرفتها بدينها وبإسلامها بفعالية مرحلة عمرها.
إن هذا هم سليم يدفعك لطلب إعمار الداخل بما يجدي وينفع، فانفتحي على القنوات النافعة، وعلى الفضائيات المفيدة، وواظبي باستمرار على ما هو مجد ونافع، ولتكن لك قضية في حياتك يا هند، تملأ عليك أقطار نفسك، ومعروف تقدمينه، وخير تسدينه، ومشكل لغيرك تحلينه.
يا هند انفتحي على الدنيا ستجدين عالم الناس مليء بالأسرار، مصائب أكثر من مصيبتك، فهناك أناس محتاجون إليك، وقاصرات ينتظرن نصحك. فلا تعطلي طاقة أودعها الله فيك، باجترار مأساة الماضي. فاجترارها يعمقها، ويولد معها أخوات وأحزان، ومدافعتها ردمها وطمرها.
فاملئي يا هند حياتك بأنشطة تفيد قلبك، ذكرا، وأنصحك بقراءة كتاب "فن الذكر والدعاء عند خاتم الانبياء" للشيخ محمد الغزالي، والقيام أنشطة تفيد عقلك وعيا وفهما، كما أنصحك بقراءة سلسلة "النجاح لهادي المدرسي"، ففيه أنشطة تفيد(33/463)
جسمك، وأشغال البيت، رياضة، تمارين، أنشطة تفيد فعاليتك، وعمل خيري، واجتماعي.
ما أجمل الحياة يا هند إذا اجتزت عقبة أحزان الماضي، وسيسهلها الله عليك. إن شاء الله، بضراعة خاشعة لله سبحانه، وبتمرس على السيطرة على تسرب خيوط الماضي المظلم، وقولي يارب يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك. يارب يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى محبتك.
دمت على خير، وهدانا الله وإياك. وأسعدك في دنياك وأخراك، وهدى الوالد وتجاوز عنه وعنا.
ويضيف الدكتور لطفي الحضري، أستاذ علم النفس بمركز التوجيه والتخطيط التربوي بالرباط :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابنتي الفاضلة، الحمد لله أنك تجاوزت الاضطرابات النفسية، وأنك حاليا تعيشين بصورة طبيعية، إلا أنه وكما تذكرين في رسالتك فإن علاقتك مع أبيك مازالت تسبب لك ضيق النفس.
من وجهة اختصاصي سأحاول أن أجيبك عن هذه الحالة النفسية وكيف يمكن تجاوزها. أما سؤالك هل أنت عاقة؟ فسيقوم أخصائي شرعي بجوابك.
أقول أن زنى المحارم يؤثر سلبيا على التوازن النفسي، وأنت في هذه الحالة من "السلامة" نفسية جيدة. يبقى في نظري مشكل كيف تتعاملين مع أبيك حاليا.
أرى أن تتبعي الخطوات التالية:
1- لا بد من أن تضعي مسؤولية ما حدث عليه وحده.
2- أن تتجاوزي إحساسك بالذنب انطلاقا من تحمليه المسؤولية.
3- في تجاوزك الإحساس بالذنب تستطيعين أن تمري إلى مرحلة أخرى قد تبدوا لك من أول وهلة صعبة و هي النقطة الرابعة.
4- حاولي أن "تسامحينه" وأن تغفري له. وهنا عليك أن تحولي الهدف، وأقصد بتحويل الهدف من الصراع النفسي بينك وبينه إلى حالة من "الغفران" كدليل ديني. بحيث تتقربين بعفوك عنه إلى الله. وليكن عملك النفسي وفق المفهوم التالي "إن الله عفو يحب العفو" ففي عفوك تتجاوزين الصراع النفسي وتبلغين مستوى الإحساس برضا الله.
بهذه الطريقة تستطيعين أن تجمعي بين اعتبار ما فعله بك أباك "شيء دنيء"، و بين العفو. إن العفو لا يعني اعتبار ما وقع شيء عادي، ولكن هي القدرة على الجمع بين اعتبار ما وقع شيء .. ولكن تجدين في رضا الله قدرة على المسامحة، بهذه الطريقة النفسية تدفعي عقلك إلى وضع الأشياء في مستواها الصحيح اعترافا بخطورة ما وقع وتجاوزه في نفس الوقت تقربا إلى الله و بحثا عن رضاه.
إن تحويل الهدف يساعدك على تجاوز الضيق النفسي بحيث أنك تضعين المشكلة في يد الله. و تسحبينها من نفسك ومنه أيضا.
إذن عمليا ابنتي عليك بالآتي :(33/464)
1- كرري مفهوم 'إن الله يحب عفو يحب العفو". مرات متعددة عبر طريقة التسميع النفسي (monologue).
2- وأنت في تنفس عميق ومتوازن وبوثيرة هادئة حاولي تخيل أباك.
3- حينما تحصرين صورة أباك على المستوى الذهني، كرري هذه المقولة و قولي : ما فعته أنت كان شيئا دنيئا ولكني أسامحك لأن الله يعطيني الأجر على سلوكي المسامح. إن الله عفو يحب العفو"، إن الله عفو يحب العفو، إن الله عفو يحب العفو، إن الله عفو يحب العفو، إن الله عفو يحب العفو، إن الله عفو يحب العفو.
وأعانك الله على مسيرتك والسلام
ـــــــــــــــــــ
الحب بالمحمول".. ارتباط بالمجهول العنوان
الأخلاق الموضوع
أنا شاب في العشرين من عمري، ومن أسرة متوسطة الحال، ولي في محيط العائلة أقارب شباب وشابات، ونتيجة وجود الموبايل نقوم بإرسال رسائل فيما بيننا، إلا أن والدي حينما رأى الرسائل أخذ يلومني، وقال لي: كيف تسمح لنفسك بإرسال رسائل لبنات العائلة فيها كلمات غزل كأي شخص غريب؟.
مع إنني أرسل هذه الرسائل بحسن نية بعد أن تأتيني من أصحابي ولكن والدي سألني : هل تستطيع أن تقول لبنت من بنات العائلة هذه الرسالة مباشرة وجها لوجه؟.. وبصراحة قلت له : لا أستطيع، فقال: إذا أنت تشعر أن فيها شيء زيادة من الجرأة أو وصف المشاعر وأنا يا ابني أريد أن أقفل ذرائع الشيطان. أرجو نصحي في ذلك.. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ رمضان فوزي بديني :
أيها الأخ السائل :
إن العلاقة بين الجنسين لها ضوابط تحكمها، سواء كانت هذه العلاقة بصورة مباشرة، أو غير مباشرة عن طريق الإنترنت أو الموبايل أم غيره من هذه الوسائل الحديثة، وسواء كانت هناك صلة قرابة تربط بينهما أم لا، إلا أن يكون محرما لها (أي من محارمها).
ومن أهم هذه الضوابط :
1- ألا يحدث بينهما اختلاء في مكان مغلق، يصعب على الناس رؤيتهما فيه.
2- أن تكون العلاقة في حدود الضرورة، خاصة إذا كانا في سن الشباب التي لا يؤمن معها الفتنة عليهما.
3- أن تخلو الكلمات من أي لفظ مثير أو جارح.
4- أن تكون ملتزمة بالحجاب الشرعي .(33/465)
وأنت يا أخي سامر يُفهم من سؤالك أن هذه الرسائل كانت غزلية، وهو ما لا يجوز لك فعله، سواء كن من بنات العائلة أم غير العائلة؛ فما لا ترضاه لأختك في النسب لا ترضه لأختك في الإسلام. ولا أدري ما هو حسن النية الذي كنت تقصده في ذلك؟!
إذن يا أخي فأبوك كان محقا في نصيحته لك، فاتق الله واحذر ذرائع الشيطان وحبائله؛ فالله تعالى أمرنا فقال: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}؛ فالأمر يبدأ بكلمة أو نظرة ثم ينتهي إلى ما هو أكبر من ذلك.
وفقك الله لما فيه الهداية والتوفيق.
ويضيف الأستاذ صبحي مجاهد من فريق الاستشارات الإيمانية :
أيها الأخ السائل:
أعلم أن ما تفعله من إرسال رسائل لبعض فتيات العائلة أمر يخالف ما أقره الإسلام في العلاقة بين الجنسين، ولا يمكن هنا التعلل بأن من ترسل إليهم هذه الرسائل من أقاربك، حيث لا فرق بين إرسالك لفتاة ليست من العائلة، وأخرى من العائلة، مادامت تحل لك، خاصة وأن الرسالة التي تقوم بإرسالها لا يمكن أن تحدد أبعادها في نفسية الفتاة التي استقبلت الرسالة.
فرسائل المحمول، والتي غالبا ما تكون غزلية، من الأمور التي لا يسلم فيها رد الفعل لأنها قد تتعلق بالمشاعر، حيث تأتي في البداية على أنها نوع من المداعبة العادية البرية، ثم تنتهي بالتعود في طريقة العلاقة بين الطرفين، وهو أمر يحذرنا منه الإسلام.
وعليك أخي الكريم أن تستمع لنصائح والدك، فإنه يمتلك من الخبرة ما يجعله أهلا لتقديم النصح لك، كما انك تعلم ان ديننا الحنيف يأمرنا باتقاء الشبهات، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" رواه الترمذيُّ والحاكم، وقالا: هذا حديثٌ صحيح. ثم أذكرك يا أخي بقولة الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جاءه يستأذنه في الزنا " أترضاه لأمك .. أترضاه لأختك " فانظر واعتبر.
وختاما؛
فإن الابتعاد عن مواطن الشبهات أمر يجعل المسلم متحليا بالنقاء وحسن التصرف، فرغم البساطة التي ألمحها من كلامك، ورغم نقائك وحسن ظنك – كما تقول في رسالتك- فعليك أيضا ألا تضع نفسك موضع الريبة والشبهة، خاصة وأنك اعترفت بأنك لا تستطيع قول هذه الكلمات التي ترسلها عبر المحمول مواجهة أمام فتيات من العائلة، فإذا كان المسلم مطالبٌ بحسن الظنِّ بأخيه، فإنَّ هذا الأخ مطالبٌ أيضاً ألا يضع نفسه موضع الشكٍّ و الريبة.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل، وأن يغفر لنا و لك ما مضى وان يحفظنا فيما بقى .. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
إلى "بقايا إنسان".. عودي للحياة بالإيمان!! العنوان
السلوكيات الموضوع(33/466)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الماضي أخطأت مع إنسان، كنت أحبه، ولكن كل ما حدث كان بغير رضى منى، لأني كنت أعمل معه، واستغل ضعفي وحبي له، رغم مقاومتي له، إلا أنني أضعف رغم مقاومتي لحبي له، واشتياقي إليه، سامحني الله وعفا عنى، ولقد أخذ عقابه من الله، حيث اتهم في عدة قضايا، وظلم كثيراً، لكنه تاب الآن، وهو لا يزال رهن التحقيقات.
وسبحان الله، ففي كل مره يزداد عذابه، وتؤجل قضيته، وربما يريد الله أن يطهره أو يعذبه، وهو يطلب مني أن نرتبط مع العلم أنه متزوج ولديه طفل، ولكن زوجته لم تقف بجانبه، بينما وقفت أنا بجانبه، لأني أحبه، فهل أقبل زواجي منه أم أنني سأعيش في عذاب لو تزوجته؟، وهل سأنسى ما فعله بي؟، وأنسى أخطاءه، وذله لي، وأنه تزوج و تركني، ورغم كل ذلك أحبه.
وقد يعاقبني الله على ذلك، وعلى خطئي الذي معه ارتكبته بدون قصد ، فأنا الآن أصبحت إنسانة محطمة، لا أشعر بمعنى للحياة، أخشى الموت، وليسامحني ربي، و ليتني كنت ساعتها أخشى الله مثلما أخشى الموت الآن، فأنا الآن أصلى واستمع للقرآن كثيرا كما أستمع للأحاديث، وقد ندمت ندماً شديداً على تفريطي، وعلى عدم رفضى إهانتي منه لأني كنت كالعمياء.
فهل اقبله زوجا، أم لا؟، أم أنهيه من حياتي تماما؟، ولكن قلبي يتعلق به كتعلق الطفل بأمه، رغم بعاده عنى الان اكثر من سنتين.
ولدي مشكله أخرى، وهى أنني في الصغر قد تعرضت لاغتصاب من قريب لي، عاقبه الله، فأنا لا أسامحه بل أكرهه جدا، ورغم ذلك لم أترك الطريق لمن أحببت لكي يصل إلي، ولا أدري ماذا أفعل هل أصرح لمن أتزوجه بحالي أم لا؟، وهل لو تزوجت من أحبه أصرح له أم لا؟.
ولكنى أخشى عقاب الله لي، ولا أدري ماذا أفعل؟، فأنا أصبحت كالغريق في بحر هائج أمواجه، يواجه صراعه مع نفسه، وكثيراً ما لجأت لربى بالدعاء والصلاة كي يخفف عني حدة توتري وخوفي وعذاباتي، فماذا أفعل وقد أصبحت بقايا إنسان؟.
أعتذر لكم على إطالتي، فلا أجد أمامي سوى صدركم الرحب كي ألقي بهمومي به، ولا أجد من أشعر بالأمان على سري معه، سواكم. أرجو إفادتي بما يرضي الله. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الكاتبة الأستاذة سمية رمضان عبد الفتاح، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي همسة(33/467)
شكرًا لكِ ثقتَكِ في إخوانك في إسلام أون لاين، وأرجو من الله أن يرشدنا وإياكِ إلى الصواب، وإلى اتّباع طريقه المستقيم، إنّه نعم المولَى ونعم النصير. وأود أن أخبرك بأني أحبك في الله، كما أهنئكِ على الرجوع إلى الله، والتوبة إليه، واتباع طريقه المستقيم، فهذه هي البداية الصحيحة، فبشراكِ يا أختاه، فإن الله فرح بعودتك إليه.
اعلمي يا حبيبتي أنكِ لو أحسنتِ التوبة، فستحظين بشَرَفِ محبة الله، وأن الله سبحانه {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48]، وقد بَشَّرنا الله تعالى بقَبول التوبة، فلا تيأسي من رحمة الله فقد كتب الله على نفسه الرحمة، وأمرنا بالتراحم فيما بيننا، فلا تقنطي مِنْ رحمة الله، وأحسنِي الظَّنَّ به، فإنه يغفر الذنوب جميعًا.
وها أنتِ اعترفتِ بذنبكِ يا همستي، وأقلعتِ عن الذنب، وبدأتِ حياة نظيفة أصلها الطاعة، فهنيئًا لكِ مغفرة الله تعالى؛ فإني لأستشعر مدى الندم الذي يملأ جوانحكِ حتى أصبح الموت أحب إليك من الذنب، وجميل أنْ يستشعر الإنسان عِظَم الذنب الذي اقترفه، ولكنْ مِن المهم ألا تجعلي الشيطان ينغّص عليكِ حياتكِ الجديدة في ظل الطاعة. ولا تحزني على الماضي، فلن تستطيعي تغييره، وأقبلِي على الطاعة بقلب يملؤه الثقة في رحمة الله، فإن الله يُبَشّر عباده التائبين بالمغفرة والرحمة.
همسة إلى همسة:
ولكنْ لي عتاب عليكِ يا همستي، كيف تستمرين في هذه العَلاقة حتى الآن؟! تقولين أنكِ تقفين بجانبه، بأي حقٍّ بالله عليكِ؟! إنه إنسان غريبٌ عنك، فنحن محاسَبون عن كل كلمة، وكل نظرة، وكل لمسة، سنحاسَب على مقدار الذَّرَّة يا همستي، ولن ينفعَك يوم القيامة أحد سوى عملك، فأقرب المقرَّبين إليكِ سيفرُّون منكِ قائلين: نفسي نفسي، فلا تبيعي الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة.
كيف ترتضين لنفسك الضعف والهوان؟! تقولين: إنّ علاقتك به مثل الطفل المتعلِّق بأمه، لماذا يا فتاتي؟ الطِّفل يتعلَّق بأمه لأنها مصدر الأمن والأمان له، أمَّا مثل هذا الشخص فهو مصدر الوحشة والخوف في الدنيا والآخرة، فإياك أنْ تضعفي أمامه، وإياكِ أنْ تسمِّي ما كان يحدث بينكما حبًّا، فالحب أسمى وأعلى.
فالحب الحقيقي أصله العفاف وليس الإباحيّة، فالحب يجعل المرء في عالم مثالِي، فتجد الحبيب يُؤْثر حبيبه على نفسه، ويُؤثر هَوَى حبيبه على هواه، ولو كان هذا الشخص يحبُّك فعلاً لما استباح جسدك لاهيًا بك، فالحب أطهر من كل هذه الممارسات الدنيئة.. إنها المتعة الحرام، وسرقة أعراض الناس باسم الحب، والحب والله بريء من كل هذه التصرفات.
فيا كل فتاة تفرط في نفسها!
ويا كل شاب لا يخشى الله في بنات الناس!
اتقِ الله، ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك..
استشعر معية الله، تخيل أن الله يراك الآن وأنت تستبيح محارمه، فماذا أنت فاعل، هل تستمر؟!
الحب الحلال:(33/468)
وأهمس في أذنيكِ يا همستي: لا تعودي إلى مثل هذا السلوك مرة أخرى، فأنتِ فتاة الإسلام، التي لا ترضى لنفسها إلا الرفعة السمو، وتأبى الذلة والمهانة، وإن كنتِ أخطأتِ بالأمس، فاحذري العودة إلى الخطأ مرة أخرى حتى يقبل الله توبتك إن شاء الله، فمن شروط التوبة الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى.
فلا تفرِّطي في نفسك تحت مسمَّى الحب أو أي مسمى آخر، فهناك فرق حبيبتي بين الحب الحلال المبني على المودة والرحمة بين الزوجين، وتلك العلاقة المشينة التي لا يرضاها لنا الإسلام، فالإسلام لم يحرم الحب، بل قنَّنه، وجعله في إطار شرعي، وهذا إعلاء لمكانة الفتاة المسلمة.
والآن يا فتاتي، أول ما أنصحك به هو الابتعاد كلّ البعد عن هذا الشاب، فأنا لا أرضى لكِ أن تكونِي مثل الدمية في يدي الطفل، يلهو بها وقتما شاء، وحينما يملّ يلقى بها في أي ركن من حجرته لا يعبأ بها، فأنتِ أعلى قدرًا وأسمى منزلةً، أتدرين لماذا؟ لأنكِ الفتاة المسلمة، التي يجب عليها أن يكون الإيمان بالله، ومراقبتُه في السرِّ والعَلَن أساس حياتها.
ألا تتعجبين مَعِي من موقف زوجته، فهذه الزوجة والأم لا تقف بجانبه في وقت شدته، أتدرين لماذا؟ لأنها متأكدة أنّه إنسان غير جدير بالاحترام والتضحية، ولأنها عرفتْه عن قُرْب، فلم هذه المغامرة؟!
ورود وأشواك:
والفتاة المسلمة يا همستي كالوردة اليانعة التي يتطلّع إليها الجميع ويتمناها، ولكنها تُحَصّن نفسها بأشواكها، فإذا أراد أن يلمسها أحدٌ جرحتْه أشواكها، ولكنّ ألا تريْن أنّ الذي يأتي للمسئول عن هذا البستان ويطلب منه تلك الوردة، يرحّب به، بل ويقدمها له في ورق سلوفان، فيستمتع بها لأنّها أصبحتْ من حقه، فيسقيها ويعتني بها..
وهكذا الزوج الصالح صاحب الدين يا فتاتي، سيأتي إليكِ لتبدئِي معه حياة سعيدة، تملؤها الفرحة والسعادة، ولكن في إطار شرعي، وساعتها تكونين أنت زهرة البيت ونورته.
أنتِ البداية:
واعلمي أنكِ أنتِ البداية، فلو أحسنتِ ما بينكِ وبين الله، وما بينكِ وبين الناس، فحتمًا ستستحقين مثل هذا الزوج الكريم الطيب، وسأحكِي لك حكاية حدثتْ مع صديقتي، حينما كان يتنافس عليها الخطَّاب لأخلاقها وسلوكها، وحينما سألتُها عن سِرّ هذه الأخلاق الجميلة أجابت قائلة: لقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26].
فو الله إنّي لأحبُّ أنْ يرزقني الله بزوج طيب متديِّن يخشى الله، ويكون عونًا لي على الطاعة، لنحظى بالهدف الأسمى، وهو الجنة، وأنا أعلم عِلْم اليقين أن الله لن يرزقني بمثل هذا الزوج إلا إذا كنت كفئًا له، وإني لواثقة أنّ الله يدَّخر لي زوجًا صالحًا إنْ أحبني أكرمني، وإن كرهني لم يظلمني.
إنه الدِّين يا صديقتي، الذي يرتفع بسلوكنا وأخلاقنا، وأنا لا أعتبر الزواج هدفًا في حدِّ ذاته، بل هو وسيلة ورسالة، نعم وسيلة للعفاف في الدنيا، والبعد عن الحرام، ووسيلة(33/469)
لأسمى غاية وهي الجنة، كما أنه رسالة.. نعم رسالة إنشاء المجتمع المسلم المثالي الذي نحلم به.
أرأيتِ يا همستي نظرة صديقتي للزواج، وصدقتْ والله صديقتي، فإنَّا خُلقنا للعبادة، ولذلك يجب أن تكون حياتنا كلها عبادة، حتى الزواج يجب أن يكون عبادة، ولي سؤال أرجو أن تجيبي عنه بكل صراحة: هل زواجك بزميلك هذا يعتبر عبادة؟!
الإجابة طبعًا: لا.. لأنه زواجٌ قائم على الخداع والغش والتجاوز في حق الله تعالى وفي حق نفسك، فهذا الشخص لن يكون أمينًا عليكِ بأية حال من الأحوال؛ ولن يكون عونًا لك على الطاعة، بل ربما كان سببًا في كثير من المشكلات التي أنتِ في غنًى عنها.
اخرجي يا أختي من هذه الدائرة، وانسي زميلك هذا، ولا تفكري فيه أبدًا، واعتبريه صفحة مطوية من حياتك، لا تحاولي فتحها مرة أخرى، وكفاك من المعاصي والآثام، وهلمِّي إلى طاعة الله بنفس تملؤها الثقة في رحمة الله وعفوه وتوبته، ولكنْ بعد أن تقطعي كل ما يربطك بهذا الشخص.
إياكِ والمعصيةَ:
أما بخصوص حادث الاغتصاب التي تعرضتِ لها وأنتِ طفلة، فلا تجعليها ذريعة للتفريط في نفسك، فربما كانت هذه التجربة المؤلمة منذ الصغر، لها تأثيرها على ثقتك بنفسك وأنتِ لا تشعرين، فجعلتْكِ تفرِّطين بعض الشيء، فإياكِ والمعصيةَ. كما أنكِ كنتِ مكرَهة، وقد رفع الله عنا النسيان والخطأ وما استكرهنا عليه.
وعليكِ بالدعاء يا حبيبتي، فإنه سلاح المؤمن، تقربي إلى الله بقلب يملؤه الرجاء والخوف، وابدئي حياة جديدة تملؤها الطمأنينة النابعة من الإحساس بمعية الله، وستشعرين بلذة لم تشعري بها من قبل.. إنها لذة قُرب الله، وستنعمين بواحة الأمن والطُّمأنينة إنْ شاء الله في ظِلّ الطاعة والإيمان.
وأنصحكِ أنْ تذهبي إلى طبيبةٍ مسلمةٍ ثقةٍ، لتكشف عليكِ لتتأكَّد من وجود غشاء البكارة من عدمه، فإنْ كان موجودًا فقد سترك الله فلا تفضحي نفسك، أما إذا لم يكن موجودًا، فاسألي الطبيبة عن الوسيلة التي يمكن بها إثبات واقعة الاغتصاب التي تعرضتِ لها وأنتِ ما تزالين طفلة، والطبُّ الشرعي يستطيع أن يُثبت إن كان الغشاء تم فضه نتيجة لعلاقة جنسية ناتجة عن إرادة الفتاة ورغبتها أم هو اغتصاب، وستحصلين على شهادة تثبت اغتصابك وأنتِ ما زلتِ صغيرة، احتفظِي بهذه الشهادة معكِ.
وحين يتقدم إليك صاحب الدين الذي ترتضينه زوجًا لكِ، اطلعيه على هذه الشهادة، واطلبي منه أن يقرر منذ البداية هل يوافق على الاستمرار في الارتباط بكِ أم لا، وإياكِ يا حبيبتي أن تبدأي حياتك بالخداع، فالزواج من أسمى الروابط الإنسانية إنه الرباط المقدس، واعلمي أنه { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 1-2].
فاتقِ الله، واعلمي أن الله سيكونُ عونًا لكِ لأنكِ لم تخشيْ سواه، فالمهم يا حبيبتي هو رضا الله عنا، وليس رضا الناس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه مَنْ أرضاه في(33/470)
سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه، حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه" [الطبراني].
لا تفضحي نفسك:
أما عن علاقتك بهذا الزميل، فلا تخبري أحدًا بها، فقد سترك الله، فلا تفضحي نفسك، ولا تكوني من المجاهرين بالذنوب، فعلاقتك معه لم تصل إلى حدّ الكبيرة كما ذكرتِ، ويكفّرها الندم والتوبة والاستغفار وعمل الصالحات.
وما رأيك يا فتاتي لو استبدلتِ بحبكِ هذا حب الله، وما أعظمه من حب، فقفي بين يديه جل شأنه بقلب مملوء بحبه، وأكثري من صلاة النافلة، ومن قيام الليل، ومن الأعمال الصالحة، ومن الصدقة، فإنّ الحسنات يُذهبن السيئات، وقلوبنا بين يدي الله يقلبها حيث يشاء. وما أحلى حياة القلوب بين يدي الله! هيا يا همستي، هلمي إلى الله، استجيبي لندائه.
اجعلي هواك تابعًا لما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به"، أرأيتِ يا همستي؛ فهل هواك وحبك لهذا الشخص يوافق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟! فإن كان لا.. فلا أهلاً ولا مرحبًا بما ينتقِص إيماننا، إنه الإيمان يا حبيبتي..
الإيمان، أغلى ما نملك في دنيانا وأخرانا، إنه سرُّ بقائنا، إنه زادنا في الدنيا وفي الآخرة، ولنْ نفرِّط فيه أبدًا مهما كان الثمن غاليًا، فحياتنا تهون رخيصة في سبيل الإيمان، ومَنْ يضحي بحياته في سبيل الإيمان لن تهون عليه التضحية بهواه، ألستِ معي يا فتاتي؟!
نصائح من القلب:
وأودُّ أن أنصحك ببعض الأمور التي أرجو أن تكون عونًا لك لاجتياز هذه الأزمة:
* الإكثار من الذكر، والمداومة على الاستغفار، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
* كما يمكنك ممارسة بعض الأعمال الاجتماعية التي تشغل وقتك، وتضيف إلى رصيد حسناتك إن شاء الله.
* استشعري معية الله في كل الأوقات، ويمكن أن تُردِّدي: "الله معي.. الله شاهدي.. الله ناظري.. الله مطلع علي"، حتى تصبح يقينًا راسخًا في نفسك، ووقتها فقط ستشعرين بأعظم لذة وأكبر نعمة، إنها معية الله يا فتاتي.
* كما يمكنك استغلال الوقت الذي تفكرين فيه في مثل هذا الشخص في عمل مفيد، كاكتساب مهارة جديدة، أو حفظ كتاب الله، والمداومة على قراءته.
* الزمي الصُّحبة الصالحة التي تعينك على الطاعة والتقرب لله، فإنما يأكل الذئب القاصية من الغنم.
* حاولي أن تفيدي بتجربتك غيرك من الفتيات اللائي قد يقعْنَ فريسة لأحد الذئاب البشرية باسم الحب، فالحب أسمى من هذه الممارسات غير المسئولة التي قد تودي بمستقبل الفتاة.
وأخيرًا..(33/471)
أدعو الله أن يصلح حالك أنتِ وجميع فتياتنا المسلمات، وأن يسترنا الله وإياكِ في الدنيا والآخرة، وأن ييسر لك الزوج الصالح الذي يكون عونًا لكِ على الطاعة، وأن يصلح لك دنياكِ التي فيها معاشك، وآخرتك التي إليها معادك، إنه نعم المولى ونعم النصير.. ووافينا بأخبارك، لأني اشتقتُ للاطمئنان عليك، فإذا كان الله أشد فرحًا بتوبة عبده، فكيف بي لا أحبك يا عزيزتي!! .. وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
المواقع "المخلة" خطر يهدد إيماني! العنوان
الأخلاق الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.. ثم أما بعد :
سأحاول أن أشرح لفضيلتكم مشكلتي باختصار، فأنا شاب حاصل على مؤهل جامعي، أعمل في مركز للإنترنت وكتابة الرسائل العلمية، حيث يتردد على المركز العديد من الشباب الجامعي ليستخدموا الإنترنت، وطبيعة عملي تقتضي رعاية المكان والأجهزة، ولكن وللأسف فقد اكتشفت أن معظم هؤلاء الشباب يستخدمون الإنترنت فقط لكي يدخلوا إلى المواقع المخلة، وقد علمت بذلك عن طريق الصدفة، خاصة وأن جميع الأجهزة متصلة بالجهاز الرئيسي الذي أعمل عليه عن طريق شبكة داخلية (نت وورك) فأستطيع أن أرى ما يقوم الشاب بتحميله على الجهاز الخاص به.
وأنا دائما أقوم بغلق الجهاز أمام العميل عندما يدخل على هذه المواقع دون أن يعرف، وذلك حتى لا أحرجه وأيضا حتى لا أتسبب في خسارة للمركز بسبب طرد العملاء، ولكني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أمنع نفسي من النظر إلى هذه المواقع التي يدخل عليها العملاء.
والآن أنا أخاف من الله عز وجل بأن أكون علي وزر لأنني أعمل في هذا العمل، ولكني لا أريد أن أترك العمل لأنني قد تعلمت كثيرا من الأشياء في مجال الكمبيوتر والإنترنت، وذلك ما دفعني أساسا لأن أعمل في هذا المركز.
أرجو من فضيلتكم أن تدلني ماذا افعل؟ فأنا أخشى على إيماني، فهل أستمر في هذا العمل، وأنا أعلم أن هؤلاء الشباب يدخلون على المواقع المخلة.. أم أتركه بعدما تعلمت منه الكثير عن برامج الكمبيوتر؟. ولكم جزيل الشكر..
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش، الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف :
أيها الأخ الكريم..
جزاك الله خيرا لحرصك على طاعة الله عز وجل، والخوف منه..(33/472)
وأبدأ حديثي لك بتوضيح أن الإنترنت مثله مثل أي شيء آخر من الممكن استعماله فيما فيه نفع، ومن الممكن استعماله فيما فيه ضرر، فإذا ما استعمله الشخص فيما ينفع فله الأجر والثواب من الله، أما إذا استعمله فيما يضر عوقب عليه من الله عز وجل.
واعلم يا أخي أن إقدامك على غلق جهاز الكمبيوتر أمام العميل المستخدم له ـ إذا لاحظت دخوله على المواقع المخلة ـ هو عمل سيجازيك الله عنه خيرا؛ لأنك بذلك طبقت أمر الله تعالى في النهي عن المنكر، أما كونك أصبحت تلتفت إلى المواقع التي قد يدخل عليها العميل، فهذا بالطبع من طبيعة البشر، ولكنك لم تتخذ الحذر في الأمر حيث إنك ومع منعك لأي إنسان الدخول على هذه المواقع فقد طاوعت نفسك ونظرت إلى تلك المواقع، لدرجة أنك قلت (لكني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أمنع نفسي من النظر إلى هذه المواقع التي يدخل عليها العملاء).
وهذا بالطبع أمر خطير حيث استطاع الشيطان أن يوسوس لك في هذا الأمر ونجح في بعض الأوقات، وعليك في هذا أن تتذكر قول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)، وأن تلزم فعل الطاعات دائما، والتقرب إلى الله.
كما عليك أن تعلم أنك مادامت محافظا على صلتك بالله فإن الله سيوفقك في عملك، وسيبارك لك فيما تكتسبه من أموال، حيث إن القاعدة في الإسلام أن كل عمل لا يترتب عليه فعل منكر أو المشاركة فيه هو عمل حلال والمال الناتج عنه حلال، وكونك تحرص على ألا ينظر المترددون على مركز الإنترنت إلى المواقع المخلة، ومنعت نفسك أيضا ـ وهو المهم ـ عن هذه المواقع، أو النظر إليها فاعلم أنه لا أثم عليك في استمرارك في هذا العمل ومالك حلال، أما إذا استمرئت فعل المعصية، حتى وإن منعت الآخرين عنها فهذا أمر لا يرضاه الله ورسوله.
ولك أن تستمر في عملك كما شئت، على أن تلزم العمل النافع مع الحرص على تعلم الأمور المفيدة لك سواء في عملك، أو لرفع مستواك المعرفي، ومنع نفسك عن مجرد الالتفات إلى ما يعرض في المواقع الإباحية، كما عليك أن تستمر في منع المترددين على مركز الإنترنت من الدخول على المواقع الإباحية لأنك بذلك تقوم بتنفيذ ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فمن لم يستطع فليغيره بلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان).
فأنت بمنعك العملاء عن مشاهدة هذه المواقع قد قمت بأقوى أنواع الإيمان في منع المنكر، ولكن يجب أن يكون منعك أيضا بالقلب حتى تستطيع السيطرة على نفسك في منعها عن مشاهدة ما منع العملاء عنه.
ويحسن بك – أخي الكريم- أن تعلق لافتة مثلا تنبه فيها الناس إلى عدم استخدام المواقع الإباحية أو المواقع التي تظهر الأغاني التي تظهر فيها العورات أو ما شابه ذلك من الأمور المحرمة.
ولا تنس أن تربط نفسك بالقرآن، وتحرص على الصلاة فإنها خير شفاء لأمراض القلوب، وتبعدك عنك الشيطان، ولا تجد فيها إلا الراحة والسكينة، وهو علاج لكثير من الأمراض النفسية والاضطرابات وغيرها، وإن لم تكن متزوجا، فسارع بالزواج،(33/473)
فإنه حصن لك من الاطلاع على هذه الموبقات، فطبيعتك الجيدة ستجعل من الزواج لك وقاية من الوقوع في الرذائل.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
دور "العبادات" في تهذيب "الأخلاقيات" العنوان
الأخلاق الموضوع
أعجب لمسلم يؤدي جميع فرائض الإسلام، ومع ذلك لا يتورع عن الكذب فهل يعتبر هذا من الصالحين؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
الأخ الحبيب/ يوسف
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فيقول الدكتور رجب أبو مليح :
لقد فرض الله العبادات عامة للارتقاء بالأخلاق وتهذيب السلوك، فقال سبحانه وتعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45).
وقال تعالى عن الصلاة: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت: 45).
وقال تعالى في شأن الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} (التوبة: 103).
وقال تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (البقرة: 263)، وقال في شأن الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
وقال تعالى في شأن الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ} (البقرة: 197).
ومن هذا يتبين أن الغاية العظمى من تشريع العبادات هو تحقيق كمال العبودية لله عز وجل ولا بد أن يظهر هذا في أخلاق المسلم فقد حصر وقصر النبي صلى الله عليه وسلم رسالته على إتمام مكارم الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".(33/474)
ويقول الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي:
الكذب خلق سيئ ليس من أخلاق الصالحين ولا المؤمنين، وإنما هو من أخلاق المنافقين كما قال النبي- صلى الله عليه وسلم: " آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (رواه الشيخان). وفي رواية أخرى: " أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن، ففيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما).
فالكذب ليس من خصال المؤمنين، وإنما هو من خصال المنافقين، الذين يكذبون دائمًا، ويؤكدون كذبهم بالحلف، حتى في يوم القيامة يكذبون أمام الله ويحلفون له كما كانوا يحلفون للمسلمين في الدنيا، ويحسبون أنهم على شيء، ألا إنهم هم الكاذبون . وقد جاء في القرآن الكريم " (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون) (النحل: 105). وقد سئل النبي- صلى الله عليه وسلم- : " أيكون المؤمن جبانًا ؟ قال: نعم . قيل: أيكون بخيلاً ؟ قال: نعم. قيل: أيكون كذابًا؟ قال : لا". (رواه مالك مرسلاً عن صفوان بن سليم).
من الناس من يكونون ضعفاء النفوس، يتصفون بالجبن وشدة الفزع. ومن الناس من يكونون بخلاء، يتصفون بالشح وقبض اليد. هاتان الصفتان قد تكونان في الجبلة والطبع.
ولكن الكذب لا يكون إلا مكتسبًا، وهذا الذي يحاسب عليه الإسلام ويشدد فيه أبلغ ما يكون التشديد. وقد قال- صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا". (متفق عليه من حديث ابن مسعود).
فالصدق عادة تكتسب بالتحري، وبالمجاهدة وبالرياضة وبالتعود، وعلى المسلم أن يعود أبناءه منذ نعومة أظافرهم على الصدق، وينهاهم عن الكذب. حتى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سمع أحد الآباء يقول لابنه مرة : سأعطيك كذا وكذا. فقال له: هل تنوي أن تعطيه ؟ قال: لا. قال: إما أن تعطيه وإما أن تصدقه. فإن الله نهى عن الكذب.
قال: يا رسول الله، أهذا من الكذب؟ قال: نعم. إن كل شيء يكتب. الكذبة تكتب كذبة، و الكذيبة تكتب كذيبة" (رواه أحمد وابن أبي الدنيا عن حديث الزهري عن أبي هريرة ولم يسمع منه). والكذب يتفاوت قطعًا، فكلما كان ضرره أشد كان النهي عنه أعظم والإثم فيه أكبر . هناك كذب يعتبر من الصغائر، وكذب يعتبر من الكبائر.
يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر". (رواه مسلم). هؤلاء المذكورون في الحديث يرتكبون المعصية دون حاجة إليها، فالملك أو الرئيس الكذاب(33/475)
الذي يدجل على الناس - والمفروض فيه أن يكون قدوة حسنة إثمه عظيم. والذي يزني بعد أن تجاوز طيش الشباب إلى حكمة الشيخوخة.
والعائل المستكبر فقير لا حيلة له ومع ذلك يتكبر أن يسمع الموعظة، أو النصيحة، أو غير ذلك مما فيه إرشاد له وتوجيه إلى الخير . هؤلاء الثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
الحب بالـ"شات" وهم و"شتات" العنوان
السلوكيات الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عيكم ورحمة الله وبركاته..
إخوتي الأعزاء، أشكر لكم أن سمحتم لي بقص مشكلتي في هذا الوقت المتأخر الذي كادت رأسي أن تنفجر فيه من كثرة التفكير.
تعرفت على شاب عبر الشات، ولم يكن لي حديث كثير على الشات مع الشباب، لكنه القدر. وأعجب بي إعجابا شديدا، وأراد رؤيتي، فجعلته يراني في إحدى مناسبات العائلة من بعيد ودون أن يحدثني، وقرر أن يتقدم لي بعد أن عرض لي بالخطبة.
وجاء هو وأهله، وكانت الأمور على ما يرام؛ فهناك توافق واضح بين الأسرتين، لكن والده لم يعطنا الرد القاطع، تظاهر بالموافقة لكنه لم يتكلم في شيء، وأخذ يماطل في الرد، وفي هذه الفترة كنت أتحدث مع خطيبي هذا -باعتبار ما سوف يكون-، وتعلقت به تعلقا شديدا، وهو كذلك.
وبعد كل هذا التعلق صارحنا أبوه برفضه التام لإتمام هذا الزواج ودون إبداء أي أسباب سوى أننا قد تعارفنا عبر الشات. وبذل هو كل المحاولات لإقناع أبيه غير أنها باءت بالفشل، وفي أثناء تلك المحاولات كان تعلقنا ببعضنا قد ازداد لدرجة غير معقولة.
وبينما كنا نفكر في الانفصال أو الصبر حتى يأتي الله بأمره، مرضت بنت خالي وصاحبتي الصالحة، وأختي في الله، مرضا مفاجئا وشديدا، وصاحبتها في رحلة مرضها انتقالا من مستشفى لآخر. فأجلنا فكرة الانفصال لأن حالتي كانت سيئة للغاية، وكانت مواساته لي تشد من أزري، في مصيبتي.
وظللنا هكذا حتى توفيت بنت خالي، فزاد بنا الحال- أنا وهو- سوءا، حتى اقتربنا من الزنا، لكننا تبنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وصمنا وجاهدنا أنفسنا، وتركنا بعض(33/476)
لمدة، لكنا عدنا في شوق أكثر، وهو الآن يحاول إقناع أهله لكن الأمر قد يطول لا نعلم إلى متى؟.
والمشكلة أن أهلي لا ينظرون إلى أمر عفتي باكتراث؛ فهم يرفضون من يتقدم لي دون سؤال عنه؛ وبحجج واهية، لأنهم مثلا مشغولون، أو لا وقت عندهم لمقابلته، فهم لا يهتمون بي، تزوجت أو لا!
وأنا الآن أخشى على نفسي بشدة من الوقوع في الزنا أو حتى مقدماته، ويعلم الله تعالى أنى أخشاه وأخافه، ولا أرضى أن يكون عليّ غاضبا، ولو كنت أستطيع أن أعف نفسي بأي زواج غير من أحب قلبي إرضاءً لربي وعفةً لنفسي لفعلت، وتركت حب العبد من أجل حب الرب.
وللأمانة فقد فكرة في الزواج العرفي الموثق، كما فكرنا بالذهاب لأي بلد عربي للعمل والزواج هناك، ووضع أهلنا أمام الأمر الواقع.ونحن في حيرة شديدة، ولا ندري ماذا نفعل. أريد منكم النصح جزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تقول الأستاذة أسماء سلام، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي الكريمة،
أهلا ومرحبا بك في موقعك "إسلام أون لاين.نت"، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله أن نكون أهلا لهذه الثقة، ونحن نرحب بك أختاً وصديقة فنحن بك ومعك سعداء في طريق العودة إلى الله.
أختي، الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور متشابهات، وما اشتبه والتبس علينا فنسأل الله أن يهدينا لأهل الذكر كي يوضحوا لنا الأمور.
أختي إن رسالتك هامة، واسمحي لي أن أتناولها معك في أربعة محاور:
أولا- ضوابط التحدث عبر الإنترنت بين الجنسين:
إن نعم الله علينا كثيرة، ومن أعظم هذه النعم العقل البشري الذي وهبه الله لنا لنهتدي به إلى وسائل عديدة لتسهيل الحياة وتسهيل الحصول على معلومات، والمحادثات عن بعد بين العلماء بعضهم البعض، والأهل بعضهم البعض، لكن ما نراه من سوء استخدام للإنترنت إنما هو تحويل النعمة إلى نقمة؛ فالإنسان بيده تصبح النعم نقما، ولمعرفة ضوابط التحدث عبر النت بين الجنسين أنصحك بقراءة الرابطين التاليين:
* الصداقات عن طريق الشات.
* الهاتف والشات وسائل اتصال لا تواصل.
ثانيا- موقفك من أهلك :
أختي حديثك عن الأهل يتضح منه أمور متناقضة؛ فكيف يرفضون من يطلب يدك بحجة الانشغال وبدون أسباب سوى أنهم مشغولون، وفي نفس الوقت يستقبلون هذا(33/477)
الشاب الذي تعرفت عليه عبر الإنترنت؟! فلو أنهم كانوا كما تقولين غير عابئين بك لرفضوا مقابلة هذا الشاب العابث.
ثالثا- موقف والد الشاب:
أختي تعلمين والكثير منا يعلم خطوات الشيطان، وأنت تركت نفسك فريسة للشيطان، والشيطان يعرف كيف يخرج الإنسان من جنة الطاعة إلى نار المعصية، وكيف يمكر في الاصطياد، ويتعامل وفق خطة تدريجية خبيثة، فيوقع الضحية في شباكه الخانقة؛ حيث الهواء الأسود والصحراء الموحشة؛ فأنت لم تجدي من علاقتك الخاطئة إلا رفض أبيه لك.
واسمحي لي يا أختي أن أقول لك: إن والد هذا الشاب لا لوم عليه في رفضه لك، فكيف يضمن أنك لم ولن تكلمي أحدا سوى ابنه؟ وكيف تركت الشيطان يلعب بك حتى رآك ابنه؟ وحتى كانت العلاقة بينكما مقدمات زنا؟.
إنه يرى -وأنا معه في رأيه هذا- أن من لعب الشيطان بها مرة يستطيع اللعب بها مرة بل ومرات، وستكون الأسباب في المرة الثانية قوية، والظروف أقوى، وهكذا.. حتى يقع المحذور.
رابعا- موقف الشاب العابث:
أختي، من يدريك أن هذا الشاب أمين أن يحفظك زوجة؟ ومن يدريك أنه سوف يتزوجك أصلا؟ ومن يدريك أنه لم يفعل مثل ما فعل معك مع أخريات أو يزيد؟.
أختي، اتركي هذا الشاب، وعودي إلى الله -سبحانه وتعالى- الذي يقبلنا حين يرفضنا الآخرون، والذي يعطي حين يمنع الآخرون، ولتكن هذه وسائل لمساعدتك على النجاة من فخ الشيطان الذي أوقعك فيه هذا الشاب ونفسك:
عليك بمراقبة الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
عليك بمصاحبة الصالحين:
فقد قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}. واعلمي أن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، ولأنك كنت وحدك وقعت فريسة سهلة لهذا الذئب البشري، ولأنك لم يكن جليسك القرآن ولم تكن سيرة العفيفات جليسك استطاع الشيطان التحكم فيك.
عليك بلزوم مجالس العلم في المساجد:
واسمعي قول أحد العلماء في فضل المسجد: "من لزم المسجد استفاد آية محكمة، وأخا صادقا، وتوبة نصوحة"؛ فاحرصي على هذه الأمور الثلاثة من خلال المسجد.
اتركي هذا الشاب:
واذكري قول الله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ}. وتذكري أن هذه العلاقة آثمة، ومن ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منها؛ فاتركيه لله.
عليك بالدعاء:(33/478)
اذكري قول الله: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ}.
توكلي على الله:
وخذي بالأسباب؛ غيري الإيميل، ولا تتحدثي معه على الهاتف. وتخلقي بالحياء، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا".
انشغلي بحبك لله ورسوله:
واعملي على الوصول إلى حب الله، فإذا أحبك الله كانت النتيجة حب الناس لك.
أختي هذا ما كان مني، أما من الله فهو كثير، واعلمي أن الله كفيل أن يحل مشاكلك، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن عليك البداية {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
ويضيف الأستاذ رمضان بديني :
اسمحي لي -أختي السائلة- أن أقف معك بعض الوقفات إضافة لما ذكرته الأستاذة أسماء :
أولى هذه الوقفات:
أنني أشعر فيك بروح إيمانية عالية تحتاج إلى استثمار لتتحول إلى طاقة فاعلة وعاصمة عن المعاصي، تتضح هذه الروح في قولك: "ويعلم الله تعالى أنى أخشاه وأخافه، ولا أرضى أن يكون علي غاضبا، ولو كنت أستطيع أن أعف نفسي بأي زواج غير من أحب قلبي إرضاء لربى وعفة لنفسي لفعلت، وتركت حب العبد من أجل حب الرب".
فما أسمى أن يسعى الإنسان لتحصيل حب ربه حتى ولو كان هذا على حساب كل الدنيا، ولله در القائل:
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
ولكن اعلمي أختي أن محبة الله عز وجل تتحصل بالائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، ومن أوامره عز وجل أن جعل للعلاقة بين الجنسين ضوابط وحدودا، ومن حكمته سبحانه أن جعل بين الجنسين ميولا عاطفية وجسدية، وعلى قدر الصبر على هذه الميول وضبطها بضوابط الإسلام يكون الأجر من الله عز وجل؛ فكيف تثبت محبة الله في قلب العبد دون أن يختبر هذا الحب؟. وصدق من قال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
أختي، اعلمي أنك تجاوزت هذه الضوابط الإسلامية في علاقتك بهذا الشاب، حين سمحت لنفسك أن تحدثيه على الشات؛ فهذه خلوة -حتى وإن كانت عن بعد- ربما تفوق في بعض الأحيان الخلوة الحقيقية في المكان، ثم أنت تحاولين تسويغ ما حدث وتبريره لنفسك حينما ألقيته على شماعة القدر فقلت: "ولم يكن لي حديث كثير على الشات مع الشباب.. لكنه القدر"!!.(33/479)
هل القدر هو السبب في كل معاصينا وما اقترفته أيدينا؟ اقرئي إن شئت قول الله عز وجل: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
ثم تتمادين في العلاقة معه وتعطين لنفسك المبرر مرة أخرى بأنك زوجة المستقبل!! حتى تعلقت به تعلقا شديدا، وهو كذلك، على حد قولك.
ثم تتركين لنفسك العنان، وتتحللين من كثير من الضوابط حتى اقتربتما من الزنا، وتبررين ذلك أيضا بسوء حالتك بعد وفاة ابنة خالتك، وكأن الله عز وجل أنزل البلاء لنعصيه ونتخذه مسوغا لاقتراف السيئات؟!
إن الإنسان وهو في حالات الضيق والبلاء يكون أشد قربا ولجوءا إلى الله عز وجل، فضلا عن أنه أوجد لك فرصة للاتعاظ والعودة إليه وهو وفاة ابنة خالك الحبيبة إليك.
عليك أختي أن تثبتي حبك لله -عز وجل- بأن توقفي علاقتك بهذا الشاب، وأن تلجئي إلى الله تعالى وتدعيه قائلة: "اللهم ما رزقتني مما أحب؛ فاجعله قوة لي فيما تحب".
الوقفة الثانية:
احذري أختي أن تسوغ لك نفسك التمادي في هذه العلاقة، والإقدام على ما فكرتما فيه مما سميته أنت "الزواج العرفي الموثق"!! أو الهروب إلى بلد آخر للزواج هناك على غرار ما يحدث في الأفلام السينمائية.
واعلمي أنك إن فعلت هذا فسوف تفقدين كل شيء؛ وأول شيء هو احترامك وتقديرك لنفسك، ثم أهلك وتعاملهم معك، ثم أهل زوجك ونظرتهم لك على أنك "خطفت" ابنهم منهم، ثم نظرة المجتمع الذي لا يرحم، وأخيرا -وهذا هو المهم- نظرة زوجك لك بأنك ضحيت بأهلك، حتى وإن كان به هو، وتعامله معك بعد ذلك الذي سيكون مشوبا بالتذكير بهذا الفعل في كل نقاش أو خلاف بينكما.. فهل تقبلين بهذا وأنت المسلمة المثقفة الحاصلة على الماجستير؟.
الوقفة الثالثة:
أراك الآن تتساءلين، وماذا لو أننا فعلا تبنا وابتعدنا عن بعضنا أنا وهذا الشاب؛ ألم يفتح الله عز وجل باب التوبة لعباده؟ أليس من حقنا أن نتزوج كأي اثنين آخرين؟ . أقول لك: إن باب التوبة مفتوح من الله عز وجل؛ فهو سبحانه يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويمحو ما كان.
ولكن الإنسان إذا فتح باب التوبة لأخيه الإنسان فإنه يكون مشوبا بتلوثات الماضي؛ فإذا تزوجت هذا الشاب فاعلمي أن حياتكما ستكون مربوطة دائما بماضيكما معا؛ فنفسه وشيطانه سيحدثانه دائما بأن من سمحت لنفسها بأن تقيم علاقة معه ستسمح لها بان تقيم علاقات مع آخرين، وستطارده هذه الهواجس بعد ذلك كلما رآك جالسة على النت، أو تتحدثين مع أحد، وسيضع كل تصرفاتك تحت المجهر دائما.. فهل ستطيقين ذلك؟!.
الوقفة الرابعة والأخيرة:
يجب أن يضع الإنسان دائما أمامه كل الاحتمالات الممكنة ويفكر فيها؛ فاسمحي لي أن أطرح عليك سؤالا ربما يكون قاسيا عليك بعض الشيء وهو: لماذا تثقين كل هذه الثقة في حب هذا الشاب وإخلاصه لك؟!. ألم يتطرق إلى تفكيرك أنه كما فعل معك(33/480)
هذا فربما تكون له علاقة مع أخريات؟ حتى وإن كان من باب "التسلية" كما هو حال كثير من شبابنا اليوم؟.
ومن باب الاحتمالات أيضا، يطاردني تساؤل عن والده: لماذا وافق من البداية على المجيء إليكم وهو يعلم بطبيعة علاقتكما "الشاتية"، ثم تراجع بعد ذلك؟! ألا يوجد احتمال أن هناك شيئا آخر جعله يتراجع واتخذ موضوع الشات ذريعة لذلك؟. وأترك لك التفكير في هذه التساؤلات بينك وبين نفسك.
وأخيرا أختي؛
وأوصيك بتقوى الله عز وجل؛ فهي ملاك الأمر وهي الطريق لكل خير، الجئي لربك وادعيه أن يقدر لك الخير حيث كلن ثم يرضيك به، وألحّي عليه دائما {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.
ـــــــــــــــــــ
الأمومة" بين علم النفس والشريعة العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بعد الشكر والتحية التي يعجز الكلام عن إبلاغ معناها، أود أن أستشيركم، فلدي مشكلة كبيرة، ولكن قبل عرضها أريد أن أزودكم بمعلومات عن شخصيتي، فأنا فتاة متعلمة، وملتزمة، وأخلاقي عالية والحمد لله.
أما مشكلتي فهي أني أريد أن أرى ابني، ولكن لا يوجد لي ابن!، كما أنني غير متزوجة!!، إلا أنه يراودني شعور دائم بأن لي ابناً لطالما أحلم برؤيته، هذا إضافة إلى أنني أرى ابني في أحلامي وفي يقظتي، وأشعر رغبة شديدة في أن أضمه إلى صدري، وأعطيه كل حناني.
وما يزيد من عنائي، أني كلما سمعت أنشودة عن الابن و"الضنى" أبكي وتزداد عواطفي تجاه ابني المفقود، وتتدفق، وكلما جلست وحدي أتمنى أن أراه، وأتمتع بحضنه، وأشعر أني بحاجة إلى إرضاعه، وأتساءل أين هو ابني الحبيب، ومتى سأراه؟ ساعدوني أثابكم الله.
وأريد أن أعرف ما هي الطاعات التي أقوم بها لأخفف هذا الشعور؟، حيث يراودني شعور بأنها حالة نفسية تراود كل فتاة في مثل هذا العمر، ولكن أشعر بنسبة أكبر أنه ليس كذلك وأن هذا الشعور ملكي وحدي. فما هو الحل من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وأي الاحتمالين صحيح؟.. أريد حلاً إيمانياً .. و جزاكم الله عنا كل خير.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
أختنا الفضلى:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن(33/481)
يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظا،آمين ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، باهتمام شديد، وقد أحلناها إلى ثلاثة من مستشارينا في تخصصات متنوعة، تجمع بين الرؤية الشرعية، والتحليل النفسي، وإليك ما أشار به مستشارونا الكرام:
يقول الدكتور محمد داود :
أيتها الأخت السائلة..
إن الأمومة عاطفة فطر الله النساء عليها، وهذه العاطفة امتياز للمرأة لم يحظَ به الرجل، و به نالت المرأة المقدمة في وصية النبي صلى الله عليه وسلم للأبناء للبر بها، وما أنت فيه أيتها الأخت المسلمة من مشاعر، وعواطف جياشة تجاه الأمومة، وحلمك بوجود طفل لك هي أمور لا يصادرها الإسلام، ولكنه يأمر بحفظها حتى تأتي في مكانها الصحيح، وتثاب عليها المرأة في المستقبل عند وجود أبناء.
واعلمي أن هذا الأمر ليس حالة نفسية، ولا مرضا، وإنما هي فطرة حميدة، وأنصحك بأن تكثري في هذا الوقت من العطف على اليتامى والمساكين، والأطفال التي في حالات مرضية، وذلك حتى تجدي متسعا لعواطف الأمومة في هذه الجوانب الخيرية، وبذلك تكونين قد وجهت عاطفتك إلى فعل الخير إلى أن يكرمك الله بزوج صالح، ويرزقك منه بالذرية الصالحة التي توجهين إليها عاطفتك.
ويقول الدكتور منيع عبد الحليم محمود، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة :
اعلمي يا ابنتي:
أن غريزة الأمومة متغلبة عليك تماما، وتستحوذ على جانب كبير من تفكيرك، ويتحرك عقلك الباطن ليريك هذه الرؤى المتتالية التي تحلمين فيها بوجود الابن ورعايتك إياه، وهذا أمر لا ينبغي أن يسبب لك قلقا؛ لأنه أمر طبيعي لكن تتفاوت نسبته من فتاة لأخرى، وهى طبيعة فطر الله المرأة عليها، المهم ألا تجعلي هذه العاطفة سبيلا إلى الحزن أو الانطواء، فلابد وأن تدعمي أملك في الله بأنه سيرزقك بمن يحقق لك هذه الأمنية، فلا تتعجلي حيث إن الأمر ليس ببعيد عن الله.
وأنصحك بأن تمارسي بعض الهوايات التي تشغلك عن قوة غريزة الأمومة في هذه المرحلة التي لم تتزوجي فيها بعد، وعليك أيضا أن تتقربي من الله، وأن تلزمي الدعاء له بأن يحقق لك أمنيتك بزواجك من زوج صالح، ويرزقك بالذرية الصالحة، كما عليك عندما يراودك هذا الشعور أن تكثري من ذكر الله فإنه طمأنة للقلب، وبالاستغفار؛ فبه تصفو النفس وتهدأ، وستجدين من أخلاقك والتزامك الذي ذكرتينه عونا لك على ذلك.
وتقول الدكتورة سحر طلعت :
ابنتي الحبيبة:
إن الرغبة في الأمومة هي فطرة غرست في قلب وعقل كل فتاة، وهي حلم يداعب براءتها منذ نعومة أظفارها في منامها ويقظتها، نلمحها تهدهد دميتها .. تطعمها.. تحتضنها.. مشاهد تحدثنا عن عمق هذه الفطرة في عقل وقلب الفتاة، ولولا هذه(33/482)
الفطرة التي فطر الله الناس عليها ما تحملت أم وهن الحمل وآلام المخاض و مشاق تربية الصغار والسهر على رعايتهم وحمايتهم.
فمن الواضح أن الحلم طبيعي، ولكن متى يكون الوضع مقلقا؟ الوضع يجب أن يقلقنا عندما تتحول حياتنا التي نعيشها إلى حلم ووهم كبير، لابد أن نقلق وأن نلتمس المعونة إذا استحوذ الحلم على كل حياتنا ومنعنا من أن نحياها كما يجب.
ورسالتك يغيب عنها الكثير من التفاصيل فقد ذكرت أنك فتاة متعلمة.. ولكن هل أنهيت دراستك أم أنك ما زلت تدرسين؟، فإذا كنت قد انتهيت من دراستك.. فهل تعملين أم أنك تكتفين بالجلوس في المنزل بدون أي نشاط ؟، ومتى بدأت هذه الأحلام؟، وهل هي مستمرة معك منذ فترة طويلة أم أنها بدأت بعد انتهاء دراستك؟.
ثم ألا ترين أنك تحتاجين لوقفة مع نفسك، تقيمين فيها حياتك وتعيدين النظر فيها؛ لأنه من الضروري أن تبحثي لك عن مجال اهتمام، ومن المهم أن يكون لك دور يساهم في نهضة مجتمعك، وعموما نود أن نوضح لك أن الفيصل بين الأحلام الطبيعية وغير الطبيعية التي تحتاج مساعدة الأخصائي النفسي هو تأثر الحياة وحجم الإنجاز فيها بهذه الأحلام.
بنيتي الحبيبة :
الأمومة رائعة وجميل أن نحلم بها، ولكن الأجمل أن نعيشها على أرض الواقع، نعيشها مع ضحكة طفل يتيم يحتاج حنو الأم، فجربي هذا الإحساس، واستمتعي به، حتى يرزقك الله من فضله.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وان يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن، وأن يزقك السكينة النفسية والرضا القلبي، إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وتابعينا بأخبارك وتواصلي معنا لنطمئن عليك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
حياتي حرام × حرام !! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم..
المسألة مسألة حياة أو موت، فلدي مشكلة عويصة، ولا أعرف من أين أبدأ ؟!، فأنا بنت على قدر من الجمال والحمد لله، وحكايتي أن أمي سافرت وأنا صغيرة, وتركتني لوالدي بحكم أنها تزوجت من ثانٍ بعد طلاقها من أبي، وكان عمري وقتها سنة واحدة, وكان أبي كل عام يأتي بزوجة جديدة خاصة وأن حالته المادية جيدة. المهم أنني كبرت وتزوجت، وأنجبت بنتا ثم طلقت وتزوجت بعد ذلك، وهكذا حتى تزوجت ثلاث مرات، وكانت كل زواجاتي فاشلة، ولكن أقسم لكم أنني لم أكن أبداً السبب في الطلاق.(33/483)
ومشكلتي أن مشيي بطال لأبعد الحدود، وسيء للغاية، فكل شيء باطل فعلته، وما زلت أفعله للأسف، حيث أعتمد في رزقي على الحرام، فكل أمر في حياتي يعني "حرام في حرام" (مسكني، وزادي، وملبسي)، والذي يذبحني هو أن ضميري حي، ويؤنبني في كل كبيرة وصغيرة، ففي قلبي إيمان كبير وعميق، لدرجة أن الأذان يبكيني، وذكر كلمة الله على لساني تهز كياني.
كما أنني حلمت بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ علي، ووجهه أمام عيني كل ساعة وكل دقيقة، فأنا باختصار أملك إيمانا غير طبيعي بمعنى الكلمة, وأقسم أن سيري البطال بالحرام يؤنبني، لكن رزقي – للأسف- معتمد عليه، ولولاه أموت من الجوع، ومع ذلك أدعو ربي باستمرار بأن أتزوج ولكن دون جدوى.
وعندما حاولت الذهاب إلى الحج لم أوفق لأنه ليس لدي محرم، فوالدي يشرب الخمر، ويزني، وصدقني حاولت أن أتوب مرات ومرات، ولكن تفاجئني دائما الفواتير والديون، وأرجع مرة ثانية للحرام، فلقد دعوت الله كثيرا دون جدوى، وحاولت كثيراً لكن من غير فائدة، وكلما جمعت مالاً كي أنشئ مشروعاً أعيش منه يذهب المال هباءً في سداد الإيجار والفواتير والديون، فماذا أفعل.. أريد أن يدلني أحد؟.
أرغب في التوبة، وأتعذب كثيراً، وقلبي يموت ألف مرة ومرة، أقسم بالله أني أكتب هذه الرسالة وأنا أموت من البكاء، فقلبي يبكي بحرقة، فأنا أشعر أن الله سبحانه يحبني، ولذلك أريد التوبة، لدرجة أني أريد الذهاب للصحراء كي أعيش فيها، وأعبد ربي، من غير إيجار أو مصاريف تثقل كاهلي، ولكني كيف ؟!، وتطرح على بالي ألف فكرة وفكرة، لدرجة أنني في أوقات كثيرة أفكر في الانتحار، ولكن هناك من يقولون لي الانتحار حرام.
أنا أعلم أنه حرام، لكنني أفكر فيه حتى لا تزيد ذنوبي، وعندما تحدثت مع أحد الأشخاص في الأوقاف، وشرحت له قصتي، وقلت له إنني بحاجة للمساعدة، رد علي قائلاً: (يا عاصية .. يا فاجرة اللعنة عليك)، وتساءلت متعجبة : لماذا سد الطرق بوجهي؟!.
إنني أعاني كثيرا، فدلوني وأنقذوني.. لا تهملوا رسالتي، فساعدوني إن ذنبي برقبتكم لأنكم آخر أمل لطريق توبتي، ومن بعد ذلك أنساها لأن الله لن يستجيب لي، فليس لدي أب ولا أم ولا صديق به خير.. دلوني ولكم الثواب، فالله يجعلكم من أهل الجنة، ويبارك فيكم، ويرضى عنكم.. لا تهملوا رسالتي.. انتظر الرد.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول فضيلة الشيخ فوزي الزفزاف وكيل الأزهر السابق :
أيتها الأخت السائلة..(33/484)
أود أولا أن أنبهك إلى أمر هام وهو أن الحاجة لا تبرر الانحراف ولا يقبل الدين هذا الانحراف لأي ظرف من الظروف، فما تقومين به هو من الكبائر، وإذا كان مبررك أن لك حاجة ولا تجدين ما يعينك على معيشتك، فعليك أن تعلمي أن هناك أبوابا كثيرة مفتوحة من الجمعيات الخيرية، وهى متوافرة بكثرة في الكويت.
وبالإمكان أن تقدم لك العون الذي يكفيك متطلبات العيش، فلا تخجلي أيتها العائدة إلى الله من اللجوء إلى هذه الجمعيات لتأخذي منها ما يعينك على معيشتك حاليا لأن ذلك أفضل بكثير من الانحراف وارتكاب الكبائر لمواجهة متطلبات الحياة، فإذا عرضت مشكلتك على أحد الجمعيات لمعاونتك فستجدي إن شاء الله العون المطلوب.
أما مسألة التوبة فعليك أن تعلمي أن باب التوبة دائما مفتوح مهما عظمت الذنوب، والآثام التي يعتقد الإنسان أنها أمور لا يمكن لعقل أن يتصور بأن الله سيغفرها للعبد، فرحمة الله واسعة وهى أعظم من الذنوب التي يرتكبها العباد، المهم في الأمر هو إخلاص النية وعقد العزم على التوبة.
ويكفي قول الله تعالى:( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)، فلا تأخري توبتك لله، وأعلمي أن الله يقبل العبد العاصي إذا رجع إليه تائبا نادما على ما فعل مهما عظمت ذنوبه.
وأعلمي أختي السائلة أن الإسلام لا يقبل أبدا أن ينهر أحد أي إنسان جاء إليه ليسترشد طريق التوبة إلى الله، وما تذكرينه من قدومك لأحد الأشخاص فردك، ووصفك بالعصيان والفجور، فعليك أن تتأكدي أن هذا الإنسان لا يمثل روح الإسلام في شيء؛ لأن الإسلام يأمر أتباعه بمساعدة من هم في مثل حالتك حيث إنك تريدين العودة والصلح مع رب العزة، وهو صلح يربح فيه العبد ويبدل الله فيه سيئات العبد التائب حسنات.
ويكفي في الأمر أن ضميرك قد استيقظ للعودة إلى الله، الذي يغفر للعبد لأبعد الحدود، وهو ما يدل عليه الحديث القدسي الذي روته كتب السنة، الذي جاء فيه: ( أذنب عبدي ذنبا فقال: اللهم اغفر لي، فعرف أن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوب، ثم عاد فأذنب، فقال: اللهم اغفر لي، فعرف أن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوب، ثم عاد فأذنب، فقال: اللهم اغفر لي، فعرف أن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوب.. افعل ما شئت فقد غفرت لك).
فهذا الحديث يدل على عظمة الله وسعة رحمته، ولكن ليس معنى ذلك أنه سمح بالعودة للذنوب بعد التوبة، أما قوله عز وجل في الحديث القدسي (افعل ما شئت فقد غفرت لك) إنما هو تأكيد على أن باب التوبة مفتوح، وأن الله يقبل التوبة ممن يرتكب الذنوب، ولا يغلق باب رحمته أمام أحد.
أما ما يخص توجهك بالدعاء، وعدم الشعور بالإجابة من الله، فسببه أنك تدعين الله بالتوبة وفي نفسك اتجاه لارتكاب المعصية، فلا تحبسي توبتك مقابل حصولك على ما يكفي متطلبات حياتك، فامتنعي عن المعصية، واطلبي بإخلاص التوبة من الله.
وأقول لك أختي التائبة:(33/485)
اطمئني، ويكفي أن ضميرك يعذبك على معصية الله، ولديك الرغبة في العودة إلى الله، ولكن عليك بالتعجيل بالتوبة الحقيقية والابتعاد عن المعاصي، واعلمي أنه عليك التوبة فقط، ولا تحملي هموم الحياة ومتطلباتها، وتجعلينها سببا للمعصية لأن الله سيفتح لك بتوبتك إليه أبوابا كثيرة يكفيك بها عن مصائب الدنيا.
وختاماً؛
أؤكد لك مرة ثانية على ضرورة الإسراع بالتوبة، وعليك السعي في البحث عن عمل شريف تستطيعين به العيش من مال حلال، وسيساعدك الله على ذلك لأنك أصبحت متوكلة عليه وتائبة إليه، فلن يردك عن بابه، ولن يخذلك وهو يعلم بصدق توبتك وإخلاصك له.
ـــــــــــــــــــ
الشذوذ والبنات.. الإيمان وشغل الأوقات العنوان
السلوكيات الموضوع
أريد أن أكتب لكم مشكلتي لأني تعبت منها كثيراً، وضميري يؤلمني. فعندما كنت في الخامسة عشر من عمري مارست الشذوذ مع بنت مثلي، فقط كنت أقبلها لا أكثر، لكنني بعد سنه رسبت في المدرسة، فعلمت أن الله يعاقبني على ذنبي، ثم تركت هذه العادة وتوجهت إلى الله وتبت والتزمت بجميع الصلوات وقراءة القرآن، فهل الله سوف يعاقبني على هذا الذنب الذي اقترفته؟، فأنا خائفة جدا من عذاب الله.
وذات يوم كنت جالسه وأنا حزينة، فجاءت إحدى المعلمات، فسألتني: ما بك؟، وأصرت أن تعرف، فحكيت لها مشكلتي؛ وهي أنني أمارس العادة السرية، وطلبت منها أن ترشدني إلى الحل لكي أترك هذه العادة السيئة، فكانت توجهني وتنصحني، فكانت تعانقني. وفي يوم من الأيام عانقتني وقبلتني في فمي، وكانت تقبلني بشكل مخيف. فخفت كثيراً وابتعد عنها. فهل هي شاذة أم ماذا؟ وهل هي استغلت ضعفي وممارستي للعادة؟.
علما أنني تركت العادة السرية من عدة أسابيع والحمد الله، لكن هل الله سوف يعاقبني عن الذي سبق؟، أفيدوني من خبرتكم. فأنا خائفة جداً.
السؤال
الأستاذة نجلاء محفوظ المستشار
الرد
ابنتي العزيزة:
ندعو لك بأن يتحول الخوف من عقاب الخالق عز وجل إلى أقوى رادع يمنعك من مجرد التفكير، وليس الاقتراب، من أي معصية، وأن يقودك - هذا الخوف- إلى الانكسار الدائم بين يدي الرحمن، والسعي بكل طاقتك إلى التكفير عن ذنوبك ومجاهدة نفسك أولاً بأول وطرد وساوس الشيطان ومعرفة أن أي معصية تبدأ بفكرة تدور في الذهن ونستسلم لها ونوهم أنفسنا أنها ستقودنا إلى نوع من المتعة.(33/486)
أرجو أن تنتبهي لذلك، فإذا ما خاطبتك نفسك بمعصية أو وسوس لك الشيطان بها، وزينها لك، فاستعيذي بالرحمن فوراً، واطرديها، وتذكري أن الشيطان لا ينصحنا إلا بالمتع الزائلة، والمسمومة، التي تهدد إيماننا في مقتل، وقد تدعونا - لا قدر الله- إلى الاستهانة بالمعصية، والتمادي بها، أو المجاهرة، ففي المعاصي درجات يتنبه الأذكياء فقط إلى ضرورة عدم اتخاذ أي خطوة نحوها، ويتذكرون دائما أن الهبوط أسهل من الصعود، وأنه كلما هبطنا كلما تسارع معدل الانحدار.
ابنتي العزيزة:
لا تيأسي، أبداً، من رحمة الله، وتذكري أنه سبحانه الغفور، والتواب، والرحمن، والرحيم، واللطيف بعباده، واصدقي التوبة له عز وجل، واغتسلي بنية التوبة، ثم صلي ركعتين للتوبة، وكرري ذلك كثيراً، وخاصة عندما تشعرين بألم المعصية وحاربي وساوس الشيطان، الذي قد يدفعك إلى اليأس من رحمة الخالق، وتذكري ما قاله الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، بأن كل بني آدم خطاءون وخير الخطاءين التوابون، واطلبي من الرحمن أن يستبدل سيئاتك حسنات، وأبكي بين يديه خوفاً وندماً وحباً أيضاً.
ونرجو أن تتعلمي ألا تفضحي نفسك ثانية، فلم تكوني موفقة عندما صارحت المعلمة بممارسة هذه العادة، فنحن مطالبون بالستر على أنفسنا، ومن ستره الله فلا يفضح نفسه، وكان يمكنك التوجه إلى أحد مواقع الإنترنت وطلب النصيحة كما فعلت الآن.
وبالطبع فإن هذه المعلمة شاذة، وقد استغلت ضعفك، وممارستك للعادة السرية، وحسنا فعلت بابتعادك عنها، ونرجو ألا تذكري ما حدث لأحد، من قبيل الستر على نفسك، وعلى المعلمة أيضا، وأدعي لها بالهداية. كما نهنئك على الإقلاع عنالعادة السرية.
ونذكرك بأهمية شغل وقت فراغك فيما يفيد، لأن الشيطان يستغل الفراغ، ويشغله بالمعصية، ويحرض عليها، وزيدي من مناعتك الدينية، واقتربي أكثر وأكثر من الخالق عز وجل، وضاعفي من الطاعات، واستمتعي بالعبادات، فهي نعمة لم نتعامل معها– جميعا- بما تستحق من الشكر والعرفان.
واطردي التفكير في الأمور الجنسية، حتى لا تقعي في المعصية، سواء أكانت بالشذوذ، أو بالعادة السرية، أو بعلاقة مع شباب، وإذا ما أحسست بنداء الغريزة قومي بتهذيبه، فوراً ورتلي ما تحفظينه من القرآن، ومارسي نوعاً من الأنشطة الرياضية، أو صلي ركعتين لله، لتزيد مقاومتك للغريزة.
وانعمي بالهدوء والأدب، مع الخالق عز وجل، وحسن الظن بالله، واليقين بأنه سيرزقك الزوج الصالح، في أفضل توقيت، وتذكري دوما قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). كتبنا الله وإياك من المتقين، ومن المتطهرين، ومن التوابين، ومن المتعففين، اللهم آمين وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليك دائما، وكوني على اتصال بنا.
ـــــــــــــــــــ
المؤمن القوي".. أمل يحتاج إلى عمل العنوان
أمراض القلوب الموضوع(33/487)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
ماذا يجب عليّ أن أفعل لأكون مسلماً صالحاً ومؤمناً كما كنت في السابق. فمنذ حوالي السنة كان إيماني جيداً نسبياً، ولكنني الآن لست على ما يرام. أعرف أن الله سبحانه وتعالى يرانا، وأنه سبحانه سوف يحاسبنا على ما نفعل في حياتنا كلها. لم أعد أستطيع أن أنام في الليل، بينما أنام في النهار وقتاً طويلاً، مما يسبب لي بعض المشاكل وأهمها أنني لا أتمكن من أداء الصلوات في وقتها. أنا أعلم الكثير عن الدين، ولكني أعمل القليل. أشعر بالتعب الشديد، والفقر الشديد لعلوم الدين.
وأود أن تنصحوني، وما هو الحل لمشاكلي الإيمانية ؟، فأنا أشعر بعيد عن التوبة النصوح، وأود أن أهاجر في سبيل الله، وأعود لبلدي الأصلي، على الرغم من ولادتي هنا، ولكني لا أملك المال الذي يكفيني. فما هي الطرق التي أستطيع من خلالها أن يكون إيماني قوياً، و وأكون قادراً على مواجهة المشاكل الحياتية. وهل من الصعوبة بمكان أن يكون المرء مؤمناً صالحاً؟
و جزاكم الله خيرا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ عصام الشعار :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه إلى يوم الدين.. وبعد،
أخي الحبيب:
بداية أسوق إليك هذه البشرى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن". رواه الترمذي، وصححه الألباني. فمن أبصر عيوب نفسه، وجاهد نفسه في كبح هواها، فليحمد الله على نعمة الإيمان، ولير الله من نفسه خيرا، حتى يكون أهلا لمعيته "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
وسأنطلق معك أخي الكريم من نقطتين، وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.. آمين
أولا- الإيمان يزيد وينقص:
ثبت بالكتاب والسنة، وتواطأت أقوال الصحابة والتابعين على أن الإيمان يزيد وينقص، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال الإمام البخاري في باب قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ }، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ { فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} إلى آخر ما استشهد به من الآيات، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ إِنَّ لِلْإِيمَانِ(33/488)
فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنْ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ الْإِيمَانَ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية )الإيمان مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق). اهـ.
ثانيا- احذر أن يوردك الفتور موارد الهلكة:
نفسك التي بين جنبيك لها إقبال وإدبار فتارة تكون في سمو وإشراق وعندها يجد العبد لذة الطاعة، وتغمره السكينة والطمأنينة، وتارة يخفت هذا النور ويقل هذا الإشراق، فتضعف همته ويقل نشاطه، وهذا أمر فطري لا دخل للمرء فيه، فليس عجبا أن ترى من نفسك التقصير في إقبالك على الطاعة، ولكن لزاما عليك أن تضع نصب عينيك قول الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- (إن لكل عمل شرّة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك) رواه البيهقي في شعب الإيمان وهو صحيح.
والحديث يدل على المرء تارة تعلو همته فينشط للطاعة، وتارة يصيبه الفتور والضعف فيكسل عن الطاعة، وهذا الضعف إما أن يكون إلى سنة وخير وهذا يكون بالمحافظة على الفرائض وترك المنكرات، فلا ينقطع عن العبادة بالكلية، فمن كان هذا حاله فهو على خير، وتارة يصل الفتور بالعبد إلى درجة تورده موارد الهلاك فيكون التقصير في الفرائض والاجتراء على المنكرات، ومن كان هذا حاله فهو على خطر عظيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فقد هلك".
فاحذر أن يفتقدك الله تعالى حيث أمرك، أو يجدك حيث نهاك، بل كن وقافا عند حدوده، سبحانه، مؤديا فرائضه، ومن أشد الناس بعدا عن كل ما يجلب عليك مقته وعذابه.
وأنصحك أخي الحبيب، بما أنصح به نفسي، فأقول لك :
استعن بالله ولا تعجز:
السبيل إلى الاستقامة والثبات على هذا الدين أن تستعين بالله سبحانه وتعالى "إياك نعبد وإياك نستعين"، أي نخصك وحدك بالعبادة والاستقامة، فلا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك، وذكره للاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"[1]، والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة و الباطنة.
والاستعانة هي: الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك، والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية[2]. فاجعل شعارك "إياك نعبد وإياك نستعين" وترجمها إلى واقع عملي تسلم وتغنم.
فتش عن الصحبة الصالحة:(33/489)
الصحبة التي تعينك إذا تذكرت وتذكرك إذا نسيت، فالزم الأخيار الأتقياء، الذين وطنوا نفسهم على الطاعة والتزموا منهج الله عز وجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم" : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"[3]، وقال صلى الله عليه وسلم" مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير". [4]
اجعل لنفسك وردا يوميا للمحاسبة:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر { بومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } .
اعرف واجب الوقت:
فاحرص على أن تحدد واجباتك اليومية وحدد أولوياتك ، ولا تفرط في شيء على حساب غيره " فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا".
لا تكن عاصيا بنومك:
قال تعالى "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا" فالليل والنهار نعمتان للبشر مختلفتان في الأسباب والآثار؛ فنعمة الليل راجعة إلى الراحة والهدوء ، ونعمة النهار راجعة إلى العمل والسعي ، ولا تغمض عينيك وتخلد إلى النوم إلا وأنت عازم على أداء ما فرضه الله عليك ، وخذ من الأسباب ما يعينك على ذلك، أما أن تنام ولا تعزم على الاستيقاظ لفريضة الصلاة ولا تتخذ الأسباب التي تعينك على ذلك ففي هذه الحالة تأثم بنيتك وتكون عاصيا بنومك. واعلم أن بقاءك في المكان الذي أنت فيه مرهون باستقامتك على دينك وإلا كانت الهجرة واجبة.
طالع فتوى : شروط الإقامة في بلاد الغرب.
أكثر من ذكر الموت والدار الآخرة :
فإن من شغل بعمل الدنيا انصرف عن هم الآخرة، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على تذكر الآخرة وزيارة القبور، ففي سنن الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حق الحياء. قلنا: يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله. قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا. فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
وختاماً؛
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الاستقامة على طاعته والثبات على دينه. وتابعنا بأخبارك أخي الحبيب.
طالع أيضاً :
في الغربة.. ضاع مني إيماني!
أعينوني على ترميم إيماني!
أفتقد "لذَّة الإيمان".. اهزم الشيطان
[1] - رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين.(33/490)
[2] - تفسير العلامة عبد الرحمن السعدي المسمى: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
[3] - رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
[4] - رواه مسلم.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أشكو الفراغ.. "الواجبات أكثر من الأوقات" العنوان
غذاء الروح الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله : أشكر لكم الجهد الكبير المبذول في الاستشارات الإيمانية، ومشكلتي أن عندي وقت فراغ كبير، وللأسف لا أعرف كيف استطيع قضاء وقت فراغي؟، وما الأعمال التي يثاب عليها المسلم؟ أفيدوني و جزاكم الله خيرا
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي :
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول الله عز وجل: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم): ما العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟ فأجاب - رحمه الله- عن ذلك إجابة مبسوطة مفصلة تضمنتها رسالته المعروفة باسم "العبودية" وقد بدأها بقوله :
"العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين، والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة".
"وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله".
وهكذا نجد أن للعبادة - كما شرحها ابن تيمية- أفقا رحبا، ودائرة واسعة، فهي تشمل الفرائض والأركان الشعائرية من الصلاة والصيام والزكاة والحج، وهي تشمل ما زاد على الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر وتلاوة ودعاء واستغفار، وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد.
وهي تشمل حسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد، كبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان لليتيم والمسكين وابن السبيل، والرحمة بالضعفاء، والرفق بالحيوان.(33/491)
وتشمل الأخلاق والفضائل الإنسانية كلها، من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.
كما تشمل ما نسميه بـ "الأخلاق الربانية" من حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه. وتشمل الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج ذلك كله وملاكه وهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله.
بل تشمل العبادة أمرا له أهميته وخطره في الحياة المادية للناس، ذكره ابن تيمية في موضع آخر من رسالته، وهو الأخذ بالأسباب، ومراعاة السنن التي أقام الله عليها الكون قال: "فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة".
وأكثر من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله: أن الدين كله داخل في العبادة؛ إذ الدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: دنته فدان، أي: أذللته فذل، ويقال: يدين الله ويدين لله، أي يعبد الله ويطيعه ويخضع له، فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة أصل معناها الذل أيضا. انتهى كلام الشيخ.
ويضيف الدكتور رجب أبو مليح :
أخي/ أحمد
بعد انتهاء كلام فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، يطيب ليّ أن ألخص لك الأمر فأقول :
الواجبات أكثر من الأوقات، لكن المشكلة أننا لا نفهم العبادة بمفهومها الصحيح فيستطيع المسلم أن يحوِّل كل عمل يعمله إلى عبادة يأخذ عليها الثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى، فعليك – أخي في الله - أن تنفق وقتك هذا فيما يلي، وهذا على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: أداء الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى، وأداء ما تيسر لك من السنن والنوافل.
ثانيا: حفظ ما تيسر لك من القرآن ومحاولة إتمام حفظ القرآن في أقرب وقت، وأن تستعين على ذلك بأحد الشيوخ الذين يجيدون حفظ القرآن ومعرفة أحكام التلاوة الصحيحة.
ثالثا: قراءة ما تيسر لك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بحر واسع لا يشبع منه.
رابعا: الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب ما تستطيع.
خامسا: السعي في قضاء حوائج إخوانك المسلمين، فتساعد المحتاج، وتزور المريض، وتصل الرحم، وغير ذلك.
سادسا: القراءة في كتب العلم سواء كان علما شرعيا يهتم بالعبادات والمعاملات أو غيرها أو علما يهتم بالاكتشافات الحديثة والعلوم الكونية وغيرها، وكل هذه الكتب تقرِّب الإنسان من الله سبحانه وتعالى.
سابعا: الاهتمام بعملك وتخصصك الدقيق الذي تحصل منه على قوتك.(33/492)
ثامنا: الاهتمام بالتربية الرياضية لجسمك، واعلم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وكل هذا عبادة يثاب المرء عليها ما دام يخلص النية إلى الله سبحانه وتعالى.
وختاما؛
نقول لك- أخي الحبيب- إذا كان عندك فضل وقت بعد هذا كله فأخبرنا، وسنزيدك إن شاء الله نسأل الله لنا و لك التوفيق والقبول والسداد. وتابعنا بأخبارك .
-ـــــــــــــــــــ
الاسم
19 وسيلة لغض البصر العنوان
الأخلاق الموضوع
سؤالي يتعلق بمسألة معقدة، وهي أنني أعيش في بلد يعاني نقصا في الأخلاق، معظم الناس فيه- خصوصا النساء- لا يرتدين شيئا تقريبا . مشكلتي هي أنني لا أستطيع التوقف عن النظر إلى النساء، أعلم أن الزواج فرض عليّ، فهل أجد عندكم من النصائح ما يساعدني في التعامل مع هذه المشكلة؟ و جزاكم الله خيرا .
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
هذا الواقع ( الذي ذكرته في رسالتك) يؤدي إلى محرمات وكبائر ومنها : المخالطة و المماسة والزنا، وكل ذلك مبدؤه النظر، لذا جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الطرق التي تؤدي للفاحشة، ومنها : النظر إلى الأجنبية :
قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (النور/30). قال الإمام ابن كثير : هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع بصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً . تفسير ابن كثير (3/282) .
ويقول تعالى: { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن } (الأحزاب/53).
وعن جرير بن عبد الله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري .
رواه مسلم ( 2159 ) .
قال النووي: معنى "نظر الفجأة": أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره مع قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم }.(33/493)
ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما ونحو ذلك وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد. "شرح مسلم" (14/ 139) .
وهناك – أخي الفاضل- وسائل معينة على غض البصر، نسأل الله أن يعينك على تحقيقها ومنها :
1 - استحضار اطلاع الله عليك، ومراقبة الله لك، فإنه يراك وهو محيط بك، فقد تكون نظرة خائنةً، جارك لا يعلمها؛ لكنَّ الله يعلمها. قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور} (غافر/19) .
2- الاستعانة بالله والمثول بين يديه ودعائه، قال تعالى: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } (غافر/60) .
3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله تعالى، وهي تحتاج منك إلى شكر، فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟، قال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل/53).
4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك، والبعد عن اليأس، قال تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } العنكبوت / 69 . وقال صلى الله عليه وسلم" ... ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله ... " رواه البخاري ( 1400 ).
5 – اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر إذا كان له عنها مندوحة، ومن ذلك الذهاب إلى الأسواق والجلوس في الطرقات ... قال – صلى الله عليه وسلم – " إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا : مالنا بدٌّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال : فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها، قالوا : وما حق الطريق، قال : غض البصر، وكف الأذى ... " رواه البخاري ( 2333 ) ومسلم ( 2121 ) .
6 – أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما دعاك داعي السوء، ومهما تحركت في قلبك العواطف والعواصف، فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة، وليس لك أن تحتج مثلاً بفساد الواقع ولا تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة، قال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً } (الأحزاب/36).
7- الإكثار من نوافل العبادات، فإن الإكثار منها مع المحافظة على القيام بالفرائض، سببٌ في حفظ جوارح العبد، قال الله تعالى في الحديث القدسي" ... وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ... " البخاري ( 6137 ) . وصحبة الأخيار، فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين، والمرء على دين خليله ، والصاحب ساحب .(33/494)
8– تذكر شهادة الأرض التي تمارس عليها المعصية، قال تعالى : { يومئذ تحدث أخبارها } (الزلزلة/4) .
9- تذكر الملائكة الذين يحصون عليك أعمالك، قال تعالى : { وإن عليكم لحافظين . كراماً كاتبين . يعلمون ما تفعلون } (الانفطار/ 10 –12) .
10- استحضار بعض النصوص الناهية عن إطلاق البصر، مثل قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} (النور/ 30 ).
11– البعد عن فضول النظر، فلا تنظر إلا إلى ما تحتاج إليه، ولا تطلق بصرك يميناً وشمالاً ، فتقع فيما لا تستطيع سرعة التخلص منه من تأثير النظر إلى ما فيه فتنة .
12– الزواج، وهو من أنفع العلاج ، قال – صلى الله عليه وسلم– " من استطاع الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " أخرجه البخاري ( 1806 ) ومسلم ( 1400 ) .
13– أداء المأمورات كما أمر الله، ومنها : الصلاة قال تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ..} (العنكبوت/45) .
14– تذكر الحور العين ، ليكون حادياً لك على الصبر عن ما حرم الله طلباً لوصال الحور ، قال تعالى : { وكواعب أترابا } (النبأ/33) . وقال – صلى الله عليه وسلم - " ... ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحاً، و لنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها " رواه البخاري ( 2643 ) .
15– استحضار ما في المنظور إليه من النقص وما يحمله من الأذى والقاذورات في أحشائه ... ؟!
16– محاسبة النفس بين الحين والآخر، ومجاهدتها على غض البصر، واعلم أن لكل جوادٍ كبوة.
17– تذكر الألم والحسرة التي تعقب هذه النظرة، وتقدمت آثار إطلاق البصر.
18- إصلاح الأقارب، ونصحهم بعدم لبس ما يثير النظر ويظهر المحاسن مثل : طريقة اللبس و الألوان الزاهية و طريقة المشي والتميع في الكلام ونحوه .
19– دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً، ثم تنتقل إلى مرحلة الفعل، فمن غض بصره عند أول نظرةٍ سَلِمَ من آفات لا تحصى ، فإذا كرر النظر فلا يأمن أن يُزرعَ في قلبه زرعٌ يصعبُ قلعه .
وختاما؛
أعلم أخي الفاضل أن نعمة البصر من النعم التي يمتن الله بها على عباده ليؤدوا شكرها وهي كثيرة لا تحصى، وشكر النعمة لا يكون باللسان فقط بل باستخدام هذه النعمة في ما أحلَّ الله، وحفظها عما حرم الله، وإطلاق البصر إلى المحرمات له أضرار عديدة يكفي أنها تجعل صاحبها من المقصرين، ويكفي في زجر النفس عنها أن يُعلم أن الله سبحانه مطلع على هذه الخيانة من العين يقول تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
حفظنا الله وإياك من الفتن ما ظهر منها وما بطن وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ(33/495)
الاسم
سفينة الراحة ترسو على "شاطئ النوم" العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أود أن أشكركم على موقعكم الذي يعالج قضايا الشباب.
لأبدأ في مشكلتي:
بدأت تراودني شكوك غريبة حول بعض معاني القرآن الكريم، أكثرها وأولها تفسير الآية (42) من سورة الزمر، وكذلك الآية (60) من سورة الأنعام، اللتان تعطيان نفس المعنى، وهو بخصوص أن الله يتوفى الأنفس في منامها.
فكل العلماء الذين قرأت لهم كتب التفسير يقولون إن الله يسلب الأرواح أثناء نومها ثم يبعثها عند الاستيقاظ، هل هذا صحيح أم لا؟، خصوصا أن كل علماء التفسير الذين قرأت لهم يقولون نفس هذا التفسير بداية بالشيخ ابن عثيمين – يرحمه الله- وانتهاء بالشيخ طنطاوي.
فهل هذا صحيح؟، وإذا كان صحيحاً فكيف يقال : إن القرآن يهدي إلى طمأنة النفس واستقرارها، وهذه الآية تشعرني بالتشتت والخوف والضياع وعدم الثقة بالنفس، فكيف أشعر بالطمأنينة، وأنا كلما نمت يسلب مني جزء من كياني، خاصة وأنهم يقولون بأن الروح المقصود بها هو كل الكيان النفسي للإنسان، فقد بدأت أعراض الوسواس القهري تنتابني من جراء تفسير هذه الآية الغريب جداً المتعارض مع العقل والشعور بالاستقرار، فهناك أيضا حديث نبوي متعلق بالنوم يعطي نفس المعنى، فلماذا يعطي الإسلام هذه النظرة المخيفة حول النوم؟
السؤال
الأستاذ مسعود صبري المستشار
الرد
الأخ الفاضل/ أنس
أنا سعيد جداً لبوحك بتلك الشبهة؛ خوفاً على دينك، وأكرر دائما أنه يجب علينا أن نُخْرِج ما في قلوبنا وصدورنا، وألا نتخوف، لأنه ليس عندنا في الإسلام "عورة فكرية" يجب أن نسترها، في الأسئلة والخواطر والشكوك، بل يجب إدارة الحوار حولها بشكل علمي منضبط بالثوابت الشرعية، آخذاً من التفسيرات المتغيرة والمتنوعة ما يناسب الحال والزمان والمكان.
ولهذا فإني أدعو كل مسلم يجد في نفسه شيئا تجاه الإسلام أن يخبر به دون أن يجد في نفسه أي مأثم شرعي، مادامت النية هي الاستفسار والاستعلام والسعي للوصول إلى الفهم، ونحن في هذا نقتدي بسنة ملائكية، حين استفسرت ملائكة الله تعالى عن خلق آدم، فقالوا "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح وبحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون"، فمع كون الملائكة طائعة لله في كل صغيرة وكبيرة، فما منعها هذا أن تسأل وأن تستفسر من رب العالمين، وما خدش هذا إيمانها.(33/496)
ومن المعيب على عدد من الشيوخ أن ينهر من يجد في نفسه شبهة، وأن يسعى لأن تدفن في نفسه متهما من عنده شبهة بضعف الإيمان، والحقيقة أن من أجابه هو ضعيف العلم، ولكنه أحب أن يخفي ضعفه العلمي، فيوقع الناس في الشك أكثر من شكهم، والأولى أن يعترف أنه لا علم عنده، ويمكن أن يسأل من هو أعلم منه، امتثالا لأمر الله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وقوله سبحانه: "وفوق كل ذي علم عليم".
وفيما يخص الشبهات التي تساورك من النوم، فيجب أن نفهمها في إطارها الكلي، وهي أن النوم آية من آيات الله تعالى، وتنظيم لحياة الإنسان، قال تعالى :"ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله"، فالنوم نعمة من نعم الله تعالى على بني البشر، وهو أمر جبلي لا يمكن أن يستغني عنه إنسان في الوجود، بل هو لازمة من لوازم الإنسان ليمكن له أن يستمر في دورة الحياة، والنوم كآية من آيات الله له فوائد عظيمة، من الحكمة أن يستشعرها الإنسان عند التفكير فيها.
ومزيداً من الفائدة، أسوق لك جانباً من كلام الدكتور عبد الباسط سيد الأستاذ بالمركز القومي للبحوث في مقال له منشور بموقع الإعجاز العلمي، إذ يقول : "فالليل سكن وغشاء، والنوم سكينة وهدوء وأمن، يغشى الإنسان عينيه وتقل حدة سمعه فكأن على سمعه وبصره غشاء، وحجاب يمنع استقبال المؤثرات العادية من صوت وضوء، حتى لو أبعدنا جفنيه أحدهما عن الآخر، فلن يرى بعينيه المفتوحتين وهو نائم، وتهدأ أعضاء النائم وأجهزته، فترتخي عضلاته الإرادية، ويهدأ القلب فيبطئ النبض، وينخفض مستوى ضغط الدم الشرياني، وتهدأ الدورة الدموية، ويهدأ التنفس ويبطئ وينظم، وينخفض استهلاك الأعضاء والأنسجة للأكسجين والمواد الغذائية الأخرى، ويقل نشاط معظم الغدد، ويهدأ الجهاز العصبي، وتستمر حالة السكون هذه إلى أن يحين موعد الاستيقاظ فتنشط أجهزة الجسم تباعاً، وتزداد حيوية الأعضاء والأنسجة تلقائياً، وتعود الحواس إلى حالتها الطبيعية والعضلات على حركاتها الإرادية، ليبدأ الجسم مرحلة جديدة من النشاط، ويكمل دورته البيولوجية اليومية إلى آخر النهار، ليعود بعد ذلك عند حلول الظلام فيغلبه النوم، وتتكرر الدورة من جديد فيما هو عليه العلماء ( النظام اليومي ) (Circadian rhythm)" ا.هـ
أما فيما يخص القول بأن النوم وفاة، وهذا يجلب نوعا من القلق، مع كون الإسلام يرزق المرء سكينة، فإن علينا أن نراجع أقوال المفسرين في تفسير آيات النوم وحقيقته، وهل بالفعل هو موت أم لا؟
ففي حالة النوم لم يجمع العلماء على أن الروح تقبض، بل اختلف المفسرون في ذلك، فمنهم من رأى قبض الروح، ومنهم من رأى عدم قبضها وبقائها، ومنهم من فرق بين الروح والجسد، وهذا يعني أن المفهوم الذي تسأل عنه ليس واحدا، وبهذا تبطل الشبهة إن أخذنا ببعض الآراء الأخرى.
وقد قسم العلماء الوفاة إلى ثلاثة أحوال، كما قال الحسن البصري رضي الله عنه : الوفاة في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه :(33/497)
وفاة النوم : قال الله تعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل" [الأنعام: 60] يعني الذي ينيمكم.
وفاة الموت : وذلك قوله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" [الزمر: 42] يعني وقت انقضاء أجلها.
وفاة الرفع : قال الله تعالى: "يا عيسى إني متوفيك" [آل عمران: 55].
وينقل لنا الإمام القرطبي (صاحب الجامع لأحكام القرآن) رأي بعض من يرى أن الروح باقية وقت النوم، وأن المقصود هو منع النفس عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها "فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها.
وفرق بعض العلماء بين النفس والروح في هذا المقام ، فيقول ابن عباس: (في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والتحريك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه).
وقال القشيري أبو نصر، أحد أئمة السلف: وفي هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحال شيء واحد ولهذا قال: "فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" فإذاً يقبض الله الروح في حالين في حالة النوم وحالة الموت، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض، وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة.
وقوله: "ويرسل الأخرى" أي يزيل الحابس عنه فيعود كما كان. فتوفي الأنفس في حال النوم بإزالة الحس وخلق الغفلة والآفة في محل الإدراك. وتوفيها في حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحس بالكلية. "فيمسك التي قضى عليها الموت".
ويؤيد التفرقة بين الأمرين ما قاله الأصمعي: سمعت معتمرا يقول : روح الإنسان مثل كبة الغزل، فترسل الروح، فتمضي ثم تمضي ثم تطوى فتجيء فتدخل فمعنى الآية أنه يرسل من الروح شيء في حال النوم ومعظمها في البدن متصل بما يخرج منها اتصالا خفيا، فإذا استيقظ المرء جذب معظم روحه ما انبسط منها فعاد.
وفرق الإمام المناوي بين قبض الموت وقبل النوم، فالقبض في الموت مجاز عن سلب الحس والحركة الإرادية لأن النائم كمقبوض الروح في سلبها عنه ، ولا يلزم من قبض الروح الموت فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهراً وباطناً والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط.
أما طبيعة السلب في حال النوم، ففيه حكم عظيمة، وهي كما يقول الدكتور عبد الباسط سيد أن " صلة الروح بالجسد أثناء المنام تختلف تماماً عن حالة اليقظة، فالله يتوفى الروح أو يقبضها في المنام وبذلك تتحرر الروح وتخرج من قيود الجسد التي تحد من قدرتها وإمكانيتها لتدخل حالة التوفي وهي حالة خاصة يظهر فيها من وقت لآخر ما لتلك الروح من قدرات يختفي معها حاجز الزمن وحاجز المكان، فهي تستطيع أن تستقبل ما لا يدركه الإنسان بحواسه المعروفة ضيقة المدى وإدراكه المحدود بإمكانية البشرية حبيسة الزمان والمكان، فالروح جوهر يخالف في مادته عن جوهر البدن الأرضي الترابي، ولذلك يمكنها أن تتلقى من الأحاديث، وتظل(33/498)
الروح على اتصال بجسم النائم بصورة لا يعلمها إلا الله، فتنقل إليه كل ما تلقاه، ولكن بصورة رمزية قد يصعب تأويلها في كثيرٍ من الأحيان."ا.هـ
والنوم ليس نقيض الموت، فنقيض الموت الحياة، أما النوم فهو حالة خاصة من حالات الإنسان، كالطعام والشراب ،فهو احتياج بشري لا يمكن الاستغناء عنه، ويكون الجسد فيه حيا وقت النوم، وفيه تظهر تجليات النفس التي يمكن أن تستقبل من رموز الغيب ما لا يمكن له أن يدركه في حال الاستيقاظ ، فهو إبراز لإمكانات الروح في حالة التوفي في المنام، ليدرك أن الإنسان يعيش عالما آخر غير الذي يعيشه في اليقظة، ويبقى النوم سرا من أسرار الله تعالى في خلقه.
أما عن التفكير من أنك وقت النوم يسلب جزءا من كيانك، فهذا غير مسلم به، بل إن النومه الذي يعطي الطمأنينة، كما قال تعالى "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه"، والنعاس نوع من أنواع النوم، كما أن النفس لله تعالى، يفعل فيها ما يشاء، والله تعالى لا يقدر لعبده الشر أبدا، بل هو دائما مصدر الطمأنينة والأمان للإنسان، والله تعالى يعلم الإنسان أن ينشغل بما يجب عليه، وقد تكفل هو سبحانه بما له، ليضمن تماما أنه سيصل إليه.
فإن كان لب مشكلتك أن تقول : إن النوم هو موت وسلب لروح الإنسان، فهذا كلام غير مسلم به، وفرق بين الموت والنوم، فالميت جثة هامدة لا تتحرك، أما النوم فهو يمكن أن نطلق عليها حياة من نوع خاص، لا يعلم كنهها إلا الله تعالى، كما أنها لا تؤثر سلبا أبدا على حياة الإنسان ومعاشه ومشاريعه في الحياة ومستقبله، لأن الموت لله تعالى، فقبض الروح حق له سبحانه، قد يكون في أي وقت، ومع علم الإنسان أنه قد يموت في أي لحظة، غير أن هذا لا يمنعه من الإنجاز في الحياة، ولكنها تضبط سلوكه من كونه سيسأل عن أفعاله عند الله.
أرجو أن تجد شيئا نافعا في الكلمات التي سطرتها لك، فإن كان من مناقشات أخرى، فأنا في انتظارك. وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
والدي يعقني.. فهل أبره؟! العنوان
الأخلاق الموضوع
والدي إنسان قاسي الطباع، ومتزوج من أخرى، فتاة من سني، ولا يقوم بالإنفاق علينا، ولا يلبي احتياجاتنا مع أن لديه المال، هذا بالإضافة إلى أنه يسب الدين كثيراً، ولا يصلي، ويتعامل معنا بطريقة تجعلنا في غاية الضجر منه. فما هو الحل؟..
علما بأنني أخاف من غضب الله، وضغوط الحياة عليّ كثيرة، منها مصاريف دراستي التي يمتنع عنها، علاوة علي أنني أعمل وأساعد بدخلي كله في المنزل، فكيف تكون المعاملة معه وهو علي هذا السلوك؟، وهل يعد ضجري منه عقوقاً ؟.
أتمنى أن يصلني ردكم قريباً، بإذن الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال
الدكتور مبروك عطية المستشار
الرد(33/499)
أيتها الابنة الفاضلة..
سأبدأ حديثي إليك بقول الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ)، والأسوة في إبراهيم ترجعنا إلى سورة مريم في ثنايا حواره مع أبيه الذي كان يعبد الأصنام، ونأى عن التوحيد فقال له: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا)، وظل يكرر يا أبت حتى قال له: (لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، ومع ذلك رد عليه إبراهيم قائلا: (سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا)، وكأنه يبعث في نفس أبيه الطمأنينة بأن الله سيغفر له.
وفي سورة لقمان يقول ربنا تعالى عن الوالدين: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، والمعروف هو ما حكم به الشارع، الذي قال في الآية الكريمة: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، فليس مع كلمة الوالدين من صفة أو قيد، ولكن مع ذلك لا يجوز للابن، أو البنت أن يردا إساءة أبيهما بالإساءة، أو أن يضجرا بأحد الأبوين إذا ما قسى عليهما، حيث يقول الله تعالى: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، ثم يمثل التصوير القرآني الإنسان أمام والديه بطائر مخفوض الجناح في قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وفي الحديث الشريف: (لا يدخل الجنة عاق)، ويقول الإمام الشافعي: ( الأب سبب في وجود ابنه فلا يكن الابن سببا في عدم أبيه).
ومن خلال ما سبق فإننا ننصح الابنة الحريصة على رضا ربها فنقول لها :
كلما زادت إساءة أبيك لك، وزاد إحسانك عليه ارتقيت مكانة، وعلوت منزلة عند الله عز وجل، وبشرت في المستقبل إن شاء الله بأولاد يرحمونك في الكبر كما رحمت أباك، فـ(كما تدين تدان) . وما دمت قادرة على الكسب والعمل فهذا من فضل الله عليك، ويقتضي منك الشكر، ومن الشكر أن تشكري من رباك، وعالك وأنت طفلة صغيرة لا صنعة في يديك، ولا فكر في عقلك.
وأعلمي أن هذا الوالد مطية لك لدخول جنة ربك، فلا تنظري إليه نظرة من يحاسبه، ولكن أنظري إليه نظرة من يرحمه، فالراحمون يرحمهم الرحمن، و اسألي الله تعالى له الهداية، والرشاد لأنه ليس عدوا لله.
وأنصحك ألا تنظري إلى أبيك على أنه تلميذك الذي تودين أن تضربينه على يديه، وتعاقبينه على سوء فعلته، فقد حزن أحد الصحابة على مقتل أبيه في غزوة بدر، وكان أبوه مشركا فوافاه النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله: أحزنت لقتله، فأجابه الصحابي: لا يا رسول الله فما كنت أشك أنه مقتول، ولكن أبي كان ذا عقل وحكمة، وكنت أود أن يهديه عقله إلى الإسلام.
فعليك أيتها الابنة البارة أن تبتهلي إلى الله، وتتضرعين إليه، تسألينه لأبيك الهداية مثلما تودين ذلك لنفسك، فإن وجدت فرصة يكون فيها مستعدا لنصحك، فانصحيه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبطريقة غير مباشرة حتى لا تؤذين مشاعره، ولا تدفعينه إلى الضجر منك فلا يتحقق هدفك.(33/500)
وأعلمي يا ابنتي أن الله تعالى قد أمرنا بأن نشكره، وأن نشكر والدينا، فقال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، وليس من الشكر أن نضع صورة مذمومة في عقولنا، وبغضا شديدا في قلوبنا، كما يجب عليك أن تتأكدي من أن صبرك عليه سيكون له أجر عظيم عند الله عز وجل.
والله تعالى نسأل أن يهدينا جميعا إلى سواء السبيل وتابعينا بأخبارك وأخبار والدك ..
ـــــــــــــــــــ
المشكلة: فتن وابتلاء.. الحل: صبر ودعاء العنوان
العقيدة الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
مشكلتي تكمن في أني أتعرض للبلاء، ولله الحمد من قبل ومن بعد، وفي كل مرة كنت أبتلى كنت ألتزم الصبر، إلا مؤخرا زاد الأمر، فوجدت نفسي في حالة من عدم التأدب مع الله في هدا الابتلاء، وأنا الآن أعيش في قلق نفسي، واكتئاب، ووسوسة، وفقدان الأصدقاء.
وبدأت أبتعد عن الدعاء، ورغم أني أخذت بكل الأسباب، إلا أنه قد اختلط الحابل بالنابل، ولا أجد حلا. كما ينتابني خوف عند الدعاء، من أن أكون من الذين يقول الله فيهم : صبوا علي عبدي البلاء صبا.
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ خياط النمس، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
بسم الله، والحمد لله، الصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه من والاه :
أخي الحبيب/ محمد:
قرأت رسالتك، وسعدت بها وبك كثيرًا، فأما سعادتي بالرسالة، فالباعث على ذلك ما تحمله من صدق صاحبها، ومراجعته الحقيقية للنفس، وأما سعادتي بك، فترجع إلى أنك بما أنت عليه من ابتلاء، قد أصبحت من الصالحين من عباد الله، المقربين إليه.
نعم يا أخي الحبيب.. فبقدر ما يشتد عليك البلاء، يزداد قربك من زمرة الصالحين من عباد الله، فلتفرح يا أخي الحبيب بذلك، فكلما ازداد إيمانك وصلاحك، زيد عليك في الابتلاء؛ فعن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاءً؟. قال: "الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس. يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقّة، خُفف عنه، فلا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ليست عليه خطيئة" [أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].(33/501)
ألا يَسُرُّك يا أخي الحبيب أن تكون شبيهًا بنبيك الكريم، وبغيره من أنبياء الله ورسله؟!، فلتصبر على ما أنت فيه من الابتلاء؛ فذاك ممّا كَتَبَه الله عليك، ولْتفرح بما أعده الله لك من الثواب العظيم، إذا أنت صبرت على قدر الله النافذ فيك، بل إن الله يضاعف لك الأجر والثواب على ذلك.
فعن أبي سعيد الخدري، قال: وضعت يدي على النبي (صلى الله عليه وسلم) فوجدت الحُمّى عليه شديدة من فوق الثوب، فقلت: يا رسول الله! إنها عليك لشديدة، فقال: "إنّا كذلك معاشر الأنبياء، يُضاعف علينا البلاء، كما يضاعف الأجر". قلت: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاءً؟. قال: "الأنبياء". قلت: ثم من؟. قال: ثم الصالحون، وإن كان أحدهم ليُبتلى حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها، وإن كان أحدهم ليُبتلى بالقُمَّل، وإن كان أحدهم لَيَفْرح بالبلاء يصيبه، كما يفرح أحدكم بالغائب، أو الرخاء" [ رواه ابن ماجة].
أخي الحبيب:
إن لك في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة، فقد ابْتُلي في المال، والأهل، والولد، والبدن، فصبر على ذلك كله.. كَفَرَ به قومُه، فصبر، حتى نصره الله على الكفر وأهله.. جَرّدوه من ماله، وأخرجوه من وطنه، فصبر، إلى أن عاد إليه فاتحًا منتصرًا.. مات ولده الوحيد إبراهيم، فصبر، واحتسبه عند الله.
اشتد عليه المرض، فصبر على ذلك راضيًا محتسبًا؛ فعن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت الوجع على أحدٍ أشد منه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). [البخاري]، وعن عبد الله قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يوعك وعكًا شديدًا. قال: "إني أوعك وعك رَجُلِيْنِ منكم" . قلت: ذاك بأن لك أجرين. [البخاري ومسلم]
هنيئًا لك- أخي الحبيب- بما يكفّره الله لك من الذنوب؛ جزاء صبرك على ما ابتُليت به؛ فقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "ما من مسلم يصيبه أذًى من مرض فما فوقه، إلا حط الله خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها. [حديث صحيح].
وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مرض، أو وجع، يصيب المؤمن، إلا كان كفارة لذنبه حتى الشوكة", وعنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "ما من مسلم يُشاك بشوكة فما فوقها، إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة" [مسلم]
اصبر يا أخي على البلاء، ويكفيك أن يحبك الله جزاء صبرك، وهل ينشد العبد بعد محبة الله له شيئًا آخر؟، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن عِظَم الجزاء من عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" [ الترمذي وابن ماجة].
أخي الحبيب:
إن صبرك على البلاء يجعلك مؤمن حقًّا، و به تصبح بريئًا من النفاق؛ فعن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "مَثَلُ المؤمن مَثَلُ خامة الزرع، لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومَثَلُ المنافق كمَثَلِ شجر الأرْز، لا تهتز حتى تُستحصد" [حديث صحيح].(33/502)
اصبر على البلاء، أيًّا كان نوعه، فجزاء الصبر الجميل هو الجنة ونعيمها المقيم. جاء في الحديث، أن امرأة أتت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: يا رسول الله! أدع الله أن يشفيني. قال: "إن شئت دعوت الله عز وجل فشفاكِ، وإن شئتِ فاصبري، ولا حساب عليكِ". قالت: أصبر، ولا حساب علي. [رواه أحمد].
عليك بالدعاء، فلا تهجره أبدًا؛ لأنه مفتاح رحمة الله الواسعة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فُتح له منكم باب الدعاء، فتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل الله شيئًَا يُعطى أحب إليه من أن يُسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء" [أخرجه الترمذي].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا يُغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة" [أخرجه الطبراني]
وختامًا،
أدعو الله يا أخي الحبيب، أن يرفع عنك ما أنت فيه من البلاء، وأن يُعينك عليه بالصبر الجميل. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الطالب المحب.. ألجم عاطفتك بعقلك العنوان
الأخلاق الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أنا طالب جامعي مؤمن بالله عز وجل، ملتزم بأوامر الله تبارك وتعالى، والحمد لله رب العالمين.. أريد أن أبني مستقبلي وفق الأسس التي يرضاها الله لي، وأن أتابع دراستي حتى إكمال الماجستير، والوضع الاقتصادي لعائلتي متدنٍ، وقبل خمس سنوات أحببت إنسانة مؤمنة متدينة ذات أخلاق وأريد أن أتزوجها.
والمشكلة أنني أمتلك الإرادة المعنوية ولا أمتلك الإرادة المالية، وأريد متابعة دراستي؛ علما بأنني في (سنة ثالثة جامعة). وأريد أن أعرف رأيها، وأخاف أن أسألها لأني أخاف الله عز وجل، وكذلك أخاف أن تضيع مني، كما أنني لا أستطيع أن أتقدم لها؛ لأنني لا أمتلك القدرة المالية للخطوبة. ماذا أفعل؟ . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
الأستاذ جمال عبد الناصر المستشار
الرد
أخي الحبيب، مرحبا بك على موقعك "إسلام أون لاين.نت"، و وفقك الله لما يحب ويرضى، وأعانك على التفوق والنجاح في دراستك، أما عن استشارتك..
فلقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج، وحثهم على ذلك، فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن(33/503)
للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". فالباءة تعني القدرة المادية والمعنوية على الزواج من تحمل مسئولية نفقات أسرة وما شابهه.
ولكن اعلم أن الإنسان– في حياته- يمر بمراحل عدة أثناء حياته، ولا بد من التعرف على طبيعة كل مرحلة وسماتها وكيفية التعامل معها، وأنت الآن في طريقك إلى مرحلة النضج والرجولة، وهذه المرحلة - أخي الكريم- تتميز برغبة كل شاب في التأكد من تحقق الذات، وإثبات أنه أصبح كبيرا وله رأي ومكان، وأنه لم يعد طفلا يتحكم فيهم الكبار. والمشكلة ليست في هذه السمات والتغيرات، ولكن في كيفية التعامل مع هذه التغيرات.
ومرحلة المراهقة مرحلة لا بد من التكيف معها، واستغلالها استغلالا حسنا، ففيها يحدث اختلاف كبير في النمو والتطور الجسدي والعقلي، ويتطلع الشاب أو الفتاة إلى آفاق عالية، وتكون له طموحات خيالية فمن أحسن الاستغلال، واستثمر هذه المرحلة، وسوف تمر بخير وسلامة بإذن الله، ومن أهمل نفسه فلن يجني إلا ما يسوءه والعياذ بالله.
ويبدو أنك من الشباب الجاد الذي لا يحب اللهو، ولا يريد أن يرتكب إثما، إذن لن يمكنك الارتباط بتلك الفتاة نظرا لظروفك المادية والدراسية، ولن يمكنك تطوير العلاقة بدون ارتباط؛ لأن التزامك الديني والأخلاقي يمنعك من هذا، وهذا الالتزام يستوجب منا كل تشجيع ودعم وتحية، ولا يوجد داع أو مبرر الآن لإخبارها إلا أنك تريد أن تحجزها لتكون لك عندما تنتهي من دراستك وتصبح أمورك ميسرة، ولكن ماذا تفعل لو صادفتك قدرًا فتاة أخرى أفضل منها، ووجدت قلبك يتعلق بها ويعزف عن هذه الفتاة ؟!!
أخي الكريم.. إن ما تشعر به ليس حبًّا، ولكنه إعجاب، ما من شاب إلا وشعر به ومر به في هذه السنوات الغضة البريئة، نتصوره حبا، ولكنه لا يتعدى الإعجاب النابع من الميل الفطري للتواصل مع الجنس الآخر، ومع مرور سنوات العمر ستكتشف أنه لم يكن حبا بالمعنى الحقيقي، وسيصادفك حب أكثر نضجًا منه.
ويبدو أنك غير عازم على الزواج، وظروفك لا تسمح الآن بأي ارتباط رسمي، وما تريده هو أن تصرح لها بمشاعرك نحوها، ولكن أقول لك: وماذا تفعل بعد هذا التصريح؟
ستعرف حقيقة شعورها نحوك، فإما أن تجدها لا تحمل لك نفس المشاعر، وهذا سوف يصيبك ببعض الألم الذي سيشغلك عن دراستك وكليتك، وأنت في السنة الثالثة من المرحلة الجامعية. وإما أنها لا تدري أو لم تحدد بالضبط حقيقة مشاعرها تجاهك، وهنا ستدخل في دوامة أخرى من التساؤلات العديدة لتقنعها بالموافقة عليك. والاحتمال الثالث أن تجدها تشعر بك وتبادلك نفس الشعور، فماذا تود أن تفعل بعد؟ هل تود حجزها لنفسك؟
وماذا لو حدث وتغيرت مشاعرك تجاهها؟ هل ستتركها بعد أن تعلقت بك؟ أم ستتزوجها شفقة عليها، كي لا تكسر بخاطرها كما يقولون؟
والأهم من ذلك: هل تصريحك بحبك لها (وأنت لست قادرا ماديا على التقدم لها رسميا الآن) سيحل لك المشكلة الآن؟. إن الإجابة ستكون بالنفي في كل الأحوال،(33/504)
ومن الأفضل لك ولها الآن أن تتمهل، وأن تعلم أن تحقيق الحلم مرهون بالانتهاء من الدراسة والتفوق فيها وتحقيق ما تصبو إليه؛ فاجتهد وقو عزمك وإرادتك ووجه كل تفكيرك الآن فيما تقوم به حتى تحقق جل أهدافك.
وحتى تتمكن من الابتعاد عن هذا الأمر فمن الأفضل أن تبتعد عن هذه الفتاة قدر المستطاع، وأن يكون الحديث بينكما في حدود الضروري واللازم والأفضل أن تتجنبها كلية. وسوف يكون ذلك فرصة لمراجعة اختيارك واستخارة مولاك عز وجل، والتأكد من حقيقة مشاعرك نحوها، وكذلك التأكد من أنها اختيار العقل أيضا.
أخي الحبيب إنك الآن في مرحلة مهمة من حياتك ومن دراستك الجامعية، وعندك الكثير مما يجب أن تتعلمه وتكتسبه من مهارات لتعينك على أن تكون الشاب الناجح والمثقف.
ولا بد من شغل وقت الفراغ، وعدم ترك النفس نهبا للفراغ، فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتْكَ بالباطل؛ ولذا يقول رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- لرجل، وهو يعظه: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
فاشغل نفسك بطاعة الله، وعليك بالاجتهاد في العبادة، فاقرأ القرآن واجعل لك وردا تقرؤه كل يوم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، "يقال لقارئ القرآن .. اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا"، ويقول الله تبارك وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا}.
وعليك باتباع الآتي:
- اتخاذ الصحبة الطيبة التي تعينك على طاعة الله.
- حضور دروس العلم.
- الاستماع للشرائط والخطب الدينية.
- قراءة الكتب المفيدة التي تثقل مواهبك وتنمي ثقافتك.
- الحرص على حضور الصلاة في جماعة بالمسجد.
ولا تحرم نفسك من هذا الخير الكثير، ولا تعرض عن ذكر الله فتشقي {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.
فصلِّ لله بالليل، واقرأ القرآن، وأكثر من الدعاء فسيفرج الله كربك إن شاء الله.. وعندما تأنس بمعية الله تعالى تشعر بسعادة لا تعدلها سعادة ورحم الله رابعة العدوية إذ قالت :
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إن صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب(33/505)
وبما أنك تود مواصلة الدراسة حتى الماجستير، فهيا اجتهد ولا تضيع جهد سنوات طويلة بسبب العواطف، واترك كل شيء لأوانه، واجعل لعقلك سلطانا على عواطفك، وعليك في أن تلجأ إلى ربك وتسأله أن يمدك بالقوة والعون والتوفيق، وهو سبحانه جدير بالإجابة ولن يخذلك.
فكن دائما على صلة بالله، وصل بالليل بنية أن يقضي الله حوائجك ويقدر لك الخير، وعندما تنتهي من دراستك وتحصل على عمل تقتات منه تقدم لفتاتك.
وأخيرا..
أذكر نفسي وإياك بطاعة الله عز وجل، ودعوته، والتودد إليه آناء الليل وأطراف النهار ولا تمل من كثرة الدعاء، وساعة أن يمتلئ قلبك بذكر الله وترتوي روحك بالأنس بمولاها ساعتها لن تجد ما تجده الآن من هيمنة هذا الحب عليك وإشغاله إياك، وأسأل لك الثبات والنجاح والتوفيق، وتابعنا بأخبارك
-ـــــــــــــــــــ
الاسم
إيماني ضائع وأفكاري مشتَّتة ! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
في داخلي بركان ثورة حزمٍ وإقدامٍ، في داخلي أملٌ تقتله الجدران، في عينيَّ حلمٌ تطفئه الأيَّامأمَّا بعد، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاةٌ سوريٌّة درست في ثانويَّةٍ رائعةٍ بمكَّة المكرَّمة، كنت أمتلك أستاذاتٍ رائعات، وقد هداني ربِّي هناك وامتلأ قلبي حبًّا لله، فقد كانت التربية الدينيَّة الروحانيَّة في قمَّتها، جزاهنَّ الله عنِّي كلَّ خير.
أمَّا عن أحلامي فقد كنت أرغب دائماً أن أتعلَّم وأنهل من بحر التجارب والعلوم، وأجاهد في سبيل ذلك عسى الله أن يهديني سبيل رشدٍ وصحبة خيرٍ أرفع معهم الإسلام، كنت دائماً أذكر قوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا".
عندما أنهيت الثانويَّة العامَّة حصلت على 98%، ومع ذلك أردت في البداية أن أدرس الشريعة، ولمَّا قرأت في "بروتوكولات حكماء صهيون" أنَّ أصعب بنودهم وأشدَّها عليهم هو الاقتصاد، اخترته فعلاً وبدأت بدراسته في سوريا بعيداً عن أهلي الذين كانوا في مكَّة، مع العلم أنِّي كنت قد حفظت القرآن خلال عامين تقريبا.
وأشعر الآن أنَّني بدأت أنساه لبعدي عنه، فمع الأيام بدأت أشعر بإيماني يضعف، وبدأت الدنيا تأخذني هنا وهناك، غير أنِّي بقيت أحتفظ بأحلامي التي أتيت لتحقيقها والبحث عن ظروفٍ أفضل تعينني على نقلها إلى أرض الواقع، لكنَّ الحقيقة أنَّني ما أبعدني.. لكنِّي لم أيأس بعد غياب الموجِّه، بينما كانت الدنيا أمامي تضيع وسط ازدحام آمالي وتتشتُّت أفكاري.
وحين أخلو بنفسي أشعر بحقدٍ كبيرٍ على كلِّ من حولي، لا أجد من يرشدني.. يأخذ بيدي فيوجِّهني، مع أنِّي أرى الهدف، لكنِّي لا أجد من يرشدني إلى الطريق، أمتلك في داخلي بركانا، وعندي من الهوايات ما لو استُغِلَّ لأنتج، ثمَّ بعد ذلك أبحث عن إيماني أجده ضائعا، عن أفكاري أراها مشتَّتة، لا تسخروا منِّي، فلو تعلمون كم أنا الآن متعبة.(33/506)
فإن كان لديكم حلٌ فأرشدوني، ولا تتأخَّروا أدام الله عليكم إيمانكم و جزاكم عنِّي كلَّ خير.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة تقوى سيف الحقِّ، من فريق الاستشارات الإيمانية :
أخيَّتي الحبيبة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حيَّاك الله بتحيَّةٍ مباركةٍ من عنده، وشرح صدرك وسدَّد خطاك وجعلك من عباده العالمين العاملين.. اللهم آمين.
أختي الكريمة،
لقد وقفت هنيهةً أمام كلماتك القويَّة الرنَّانة، شاعرةً بتلك العاطفة المتأجِّجة التي تخرج منها وبذلك الصمت الحائر المختبئ خلفها، شعرت بالألم الذي يعتصر الفؤاد، ذلك الفؤاد الكثير اللوم ... حينها تذكَّرت كلماتٍ خالدةٍ لسيِّد قطب رحمه الله تعالى حين قال: "فهذه النَّفس اللوامة المتيقِّظة التقيَّة الخائفة المتوجِّسة التي تحاسب نفسها، وتتلفَّت حولها، وتتبيَّن حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها هي النفس الكريمة على الله، حتى إنَّه ليذكرها مع القيامة".
فالمؤمن يصاب بفتورٍ في بعض الأحيان ولكن هذا الفتور يجب ألاَّ يستغرق وقتاً يُذكر.. فالمؤمن بطبيعته حريصٌ على الوقت والاستفادة منه وتسييره حتى يكون في سبيل الله حتى في لحظة سكونه ... فهو تماماً كالسيَّارة الواقفة في طريقٍ صاعدةٍ كجبل، فعندما تبدأ السيَّارة بالحركة تجدين أنَّها قد عادت إلى الوراء قليلاً ثم انطلقت بقوَّة.
وهذه هي طبيعة الإنسان المؤمن، لربَّما تعرَّض في حياته إلى نوعٍ من الفتور، ولكنَّه لا يترك له المجال للنيل من نفسه فيتحرَّك بعدها بقوةٍ وعزم.. ولا يترك للشيطان باباً إلا ويسدُّه بوجهه، فالنَّفس الإنسانيَّة – أخيَّتي- تحاول إبعاد الإنسان عن الطريق الحقّ.. لذا وجب جهادها والوقوف في طريق شهواتها ولذَّاتها.. وهذا أيضاً ما تفعله الدنيا بفتنها، ولكن ينبغي أن نذكر أنَّ "لذَّةً في لحظة معصيةٍ ننال منها عذاباً أليماً أمد الحياة.. أو مشقَّةً في لحظة طاعةٍ ننال منها نعيماً مقيماً أمد الخلود".
ولكن لا هذه النفس ولا ذاك الشيطان بقادرين على إبعاد الإنسان المؤمن المتوكِّل على الله عن سبيل الله العلي القدير، فهو دائم العودة ودائم التوبة إليه سبحانه وتعالى.
فأنت– أخيَّتي الكريمة- عندما تتحدَّثين عن ضعفٍ إيمانيٍّ قد ألَّم بك، عليك أن تستعرضي يومك أو أيَّامك الماضية إن أمكن وابدئي منها خطوةً خطوة، وسارعي بإيجاد الحلول لتلك التقصيرات التي قد تكون قد حصلت، فمثلاً تقولين – أخيَّتي- أنَّك قد حفظت القرآن فبارك الله بك.(33/507)
ولكن بالله عليك كيف تسمحين لهذا النور الأزليّ، كيف تسمحين له بالتفلُّت منك؟؟؟ إنَّه حقٌ لك أن تدافعي عنه وذلك بكثرة الاستغفار كي يعينك الله عزَّ وجلَّ على معاودة الحفظ مرَّةً أخرى، وثقي –أخيَّتي- أنَّك عندما تبدئين سوف تُحَلُّ جميع المشاكل التي تعانين منها، فأنت تعرفين وتحفظين :"والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا وإنَّ الله لمع المحسنين".
وأوصيك بالعودة إلى القرآن الكريم ففيه الخير كلُّ الخير لك بإذن الله تعالى، ولست بحاجةٍ إلى أن أذكِّرك بأحاديث نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في ذلك، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقّ، له أجران"رواه مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"رواه البخاري، فاحرصي على أن تداومي على حفظ القرآن الكريم.
وتقولين- أخيتي- أنَّ عندك "من الهوايات ما لو استُغلَّ لأنتج" فلماذا تجعلينها في نفسك هكذا؟ هناك أخٌ لنا في الله عزَّ وجلَّ تحدَّث إلينا عن بداية مسيرته الدعويَّة فقال: "في البداية لم يتنبه إليَّ أحد، كنت أحاول أن أقول للمشرفين على العمل في أحد المساجد، أنَّ خطي جميلٌ وأنا مستعدٌّ للمساعدة، ولكن لم يتنبه أحدٌ إلى هذا الأمر أيضا، فما كان منِّي إلاَّ أن كتبت آيةً قرآنيَّةً بأحسن خطٍّ عندي على جدار المسجد فما كان من القيِّمين إلا أن كتبوا بجانب هذه الآية: "على صاحب هذا الخط مراجعة فلانٍ أو فلان"، ويقول: بدأت حينها في العمل في سبيل الله ليس في مجال الخطِّ وحده، بل إنَّ العمل والأخوَّة قد صنعا منِّي إنساناً آخر لدرجة أنَّني اكتشفت الكثير من الأمور التي أستطيع عملها مع العلم أنَّني كنت أظنُّ أنَّني لا أملك من المواهب شيئا".
هذه قصة بسيطة –أخيَّتي- أكتبها لك آملةً من المولى عزَّ وجلَّ أن يمنَّ عليك بأخواتٍ داعياتٍ يفهمن دعوتهنَّ ويعملن من أجلها.
كلُّ ما أريد قوله – أخيَّتي- أنَّك يجب أن تقرعي الباب أوَّلا،. ويمكنك ذلك عن طريق التعرُّف إلى بعض الأخوات وإذا لم يكنَّ موجودات – وهذا احتمالٌ ضئيلٌ جدّا– فاحرصي على كثرة الدعاء بأن يجمعك الله تعالى بهنّ، وثقي بأنَّ دعوةً مخلصةً في جوف الليل لقادرةٌ على تغيير هذه الدنيا بأسرها بإذن الله.
واحرصي كذلك على أن تكثري من سماع الخطب وقراءة الكتب وأذكر لك منها:
في الرقائق : مختصر منهاج القاصدين للإمام ابن قدامة، والزهد والرقائق للإمام ابن المبارك، و رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي بتحقيق الدكتور عبد الفتَّاح أبو غدَّة، والفتح الربَّني لشيخ زهَّاد بغداد عبد القادر الكيلاني، وكتب الإمام ابن القيِّم في الرقائق.
وفي الهمَّة : كتاب "ماذا يعني انتمائي للإسلام؟" للدكتور فتحي يكن، وكتب الأستاذ محمَّد أحمد الراشد، والأستاذ جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين، والشيخ عبد الحميد البلالي، وأشرطة الدكتور طارق السويدان، وهذه الكتب والأشرطة هي غيضٌ من فيض، ولكنَّها على الأقل سوف تجعلك على بيِّنة، وأسأل الله تعالى أن يمنَّ عليك بالتوفيق.. اللهمَّ آمين.(33/508)
أخيراً أقول لأختي الحبيبة،
عيشي لإسلامك وكوني له قلباً وقالبا، وإذا لم تجدي من تسندي إليها ظهرك من أخوات فاصنعي واحدة". نسأل الله لك التوفيق والسداد.. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
يصادرون حقي في الأمل والألم! العنوان
السلوكيات الموضوع
بسم الله الرحمن الرحيم
الأفاضل القائمين على الموقع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد :
أنا فتاة منذ 18عام أعاني من الوسواس القهري والسرطان ومشاكل كثيرة، كنت جدًّا طموحه ومتفوقة ونشيطة ومحبة للحياة، لم يكن أحد في عائلتنا يماثلني في صبري وقوتي ونشاطي، وكنت حتى أيام مرضي مضرب المثل للشخصية الناجحة المؤمنة، حيث إنني لم استسلم للمرض أبدًا.
وعندما يشتد المرض والألم بي وأصل إلى الموت، أجد والدي يبكيان من الألم، أنا التي أصبرهم وأعزيهم، بل وأضحك معهم أيضًا، لم يشعروا يومًا بعجزي وضعفي، وذلك من شدة خوفي عليهما، وحرصي ألا يذوقا ما ذقت من ألم، حتى إنني وسط مرضي أكملت تعليمي الثانوي والجامعي بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، ولكن مضت إلى الآن خمس سنوات لم أجد فيها عمل أو أي شي أقضي فيه وقتي.
وأصبحت أتألم على عمري الضائع بمعنى الكلمة، فالوسواس أفقدني إحساسي بأنني مؤمنة وأصبحت لا أرى في نفسي إلا كافرة أثيمة، وذلك لأن وسواسي في الصلاة والطهارة وكل ما يتعلق بالدين، فلا أؤدي صلاتي إلا بكل مشقة وتعب إلى درجة أنني أتركها من قلة حيلتي وتعبي وهذا سوط يجلدني طوال اليوم والليلة والآخر عمري الضائع.
فجميع البنات حولي أكملن تعليمهن بسهولة وفي الوقت المناسب وليس مثلي تأخرت إلى درجة عندما كنت في الثانوي بعد إكمال دراستي بعد المرض الفارق بيني وبين البنات 10سنوات وعندما أكملت الجامعة لم أجد العمل والبنات في عائلتنا توظفن ووصلن المرتبة السابعة وأيضا تزوجن وأنجبن أصغرهن لديها طفلة عمرها أربع سنوات.
وأيضا أهلي الذين لم أكن أشكو لهم من خوفي عليهم أصبحوا يعتقدون أنني بلا إحساس ولم يسألوني مرة ماذا تريدين أو ماذا تتمنين، بل إنهم لا يلتفتون لي بتاتا، لو أقضي الشهر الكامل لا أكلم أحدًا منهم لا يسأل ما بك وما لم أتوسل إليهم لأخرج من البيت للنزهة لا يبادرون أبدا، ولو قضيت سنة في البيت، إنهم لا يهتمون بي أبدًا، بل يعاملونني كأنني ميتة لقد أقنعوا أنفسهم بموتي وانتهى الأمر لأن الأمراض تفتك بي من كل جانب لذا جهزوا كفني وانتهى الأمر.
الأمر الأكثر خطورة هو أنني كلما فكرت أنه سوف يأتي يوم وتفرج تأتيني فكرة ولماذا تفرج علي أنا بالذات وأتذكر أناس في محيط عائلتنا أصيبوا بمشاكل منذ وقت(33/509)
أكثر من مشكلتي ولم تحل مشاكلهم وأقول لنفسي هل رأيتي لا تفرج أبدًا وليس قلة ثقة في الله ولكن لماذا أنا بالذات هذا هو السبب.
وعندما أبكي من ألمي وحزني لضياع عمري وديني وطموحاتي تأتيني فكرة أن هناك من هو أكثر منك ألم ومصائب والكلام هذا صحيح ولكنني تعبت جدا بمعنى مصادرة حقي في الأمل وحقي في الألم وهذا هو القصد وهذه السياط التي تضربني ليلي ونهاري حتى مللت حياتي.. أرشدوني بارك الله فيكم.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ منصور عرابي، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بداية أبشر الأخت الكريمة بما لها من ثواب عظيم عند الله عز وجل، نظير ما ابتلاها به من مرض، فقد جاءت الأحاديث مصرحة بأن المرض يكفر السيئات ويمحو الذنوب، فقد روى البخاري ومسلم عن عطاء بن رباح عن ابن عباس قال: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. فقال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي. فقال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك؟" فقالت: أصبر، ثم قالت: إني أتكشف، فادع الله تعالى لي أن لا أتكشف فدعا لها.
وروي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يصب منه". وقال صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
ولكن كي يستحق المؤمن المريض هذا العطاء العظيم والثواب الجزيل فعليه أن يصبر على ما ينزل به من ضر، فما أعطي العبد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، وقد روى مسلم عن صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن- إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
ويجوز للمريض أن يشكو للطبيب والصديق ما يجده من الألم والمرض، ما لم يكن ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع، فقد شكت عائشة فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وارأساه. فقال صلى الله عليه وسلم: "بل أنا، وارأساه". وقال عبد الله بن الزبير لأسماء – وهي وجعة: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة.
وأحب أن أنبه الأخت على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض المرضى، ويجب أن تحذرها، وهي في جملتها تحوي الإفادة لكثير مما تستفسر عنه الأخت الكريمة، فمن ذلك أن بعض المرضى يقع في معصية ترك الصلاة، قال عبد الله بن شقيق رضي الله عنه: "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة" [رواه الترمذي].(33/510)
وقال ابن القيم:"لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة". والمريض ما دام عاقلاً لا يجوز له ترك الصلاة، بل الواجب عليه أن يصلي بحسب استطاعته.
ويجب على الأخت المريضة أن تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم أيمن عند الإمام أحمد: "لا تترك الصلاة متعمدًا، فإنه من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله". قال ابن الأثير رحمه الله: قوله "فقد برئت منه ذمة الله" أي: أن لكل أحد من الله عهدًا بالحفظ، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة، أو فعل ما حُرِّمَ عليه، أو خالف ما أمر به، خذلته ذمة الله تعالى".
ولاشك أن المريض أحوج الناس إلى حفظ الله ورعايته. وقال الإمام ابن باز رحمه الله: ولا يجوز ترك الصلاة بأي حال من الأحوال، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته. فلا يجوز ترك المفروضة حتى يفوت وقتها ولو كان مريضاً مادام عقله ثابتًا، بل يؤديها في وقتها على حسب استطاعته.
كذلك أختي الكريمة يجب على المريض أن يتطهر لكل صلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طُهور"، فإن كان المريض لا يستطيع الوضوء يتيمم بالتراب، فإن كان لا يستطيع صلى على حاله ولا شيء عليه، ولا يترك الصلاة.
أما أهم ما أحب أن أنبهك عليه حتى لا تقعي فيه، فهو البعد عن الجزع والقنوط من رحمة الله تعالى، فبعض المرضى إذا استمر بهم المرض جزع وقنط من رحمة الله تعالى، وفي هذا مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه عز وجل" [رواه مسلم].
قال العلماء: هذا تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، ومعنى حسن الظن بالله أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، فعلى المريض أن يحذر كل الحذر من القنوط واليأس من رحمة الله تعالى.
فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله عز وجل بردائه، فإن رداءه الكبرياء، وإزاره العز، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله" [رواه أحمد وابن حبان] وصححه الألباني.
فالقنوط من رحمة الله هو اليأس منها، وشعور المرء أن ما فيه من مصائب لن يرفعها عنه الله أبدًا، أو أنه صائر لا محالة إلى غضب الله وعذابه، لا تنفعه توبة ولا تقربه طاعة، ونحو ذلك من الوساوس. قال تعالى: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله. قال الحكيم الترمذي: من ساء ظنه بالله انقطع عن الله، وتعلق بخلقه، واستعاذ بالحيل، ولا يلجأ إلى ربه.(33/511)
وأما علاجه فهو أن يعيش المرء بين طرفي الخوف والرجاء، فلا يقنط من رحمة الله وعفوه، ولا يتكل عليها فيترك العمل.
كذلك أختي الكريمة يجب أن تبتعدي عن التسخط وعدم الصبر على أقدار الله المؤلمة، فإن الواجب على المريض – تجاه ما أصابه من مرض هو الصبر على هذا البلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: "واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا" [رواه أحمد].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: الصبر على المصائب واجب باتفاق أئمة الدين. وقال تلميذه ابن القيم: الصبر واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر.
وأخيرًا،
أحث الأخت الكريمة أن تظل متحلية بالصبر، مع الأخذ بأسباب الشفاء والعلاج، فلاشك أن المسلم مطالب بالأخذ بالأسباب، وهذا لا ينافي الصبر والتوكل، قال الإمام ابن القيم: "وأما إخبار المخلوق بالحال، فإن كان للاستعانة بإرشاده أو معاونته والتوصل إلى زوال ضرره لم يقدح ذلك في العبد، كإخبار المريض الطبيب بشكايته". فلا حرج أبداً على المريض في التداوي، وبذل الأسباب التي تؤدي إلى الشفاء بإذن الله من البحث عن الطبيب الماهر ونحو ذلك.
ولكن يجب على المريض أن يعلق قلبه ورجاؤه بالله تعالى، وأن يعلم أن الطبيب والدواء مجرد سبب للشفاء، والشافي حقيقةً هو الله جل جلاله، قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء:80]. قال الإمام ابن كثير في معنى الآية: أي إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره، بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه.
وعليكِ أختي المسلمة بكثرة الدعاء، فلا تتركي الدعاء والتضرع لله تعالى، فالدعاء سلاح المؤمن، روى الترمذي بسند حسنه الألباني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل. نسأل الله العظيم أن يشفيكِ وجميع مرضى المسلمين. وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أعينوني على ترميم إيماني! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
مشكلتي يا سيدي بصراحة أنني دائم الوسوسة، أشك فيمن حولي وأسيء الظن بهم دائما، علاقاتي مع الناس حولي محدودة، وإن وجدت علاقة مع بعضهم فسرعان ما ينتابها التوتر.
في الشهور الأخيرة أخذت الوساوس تأخذ منحا خطيراً، فأصبحت تأتيني نوبات الوسوسة أثناء تأدية عباداتي وصلواتي، تشككني في الله وترسم لي خيالات بأن له(33/512)
صفات كصفاتنا، أقسم بالله أنني أحدثك بما يهيأ لي فعلا دون مبالغة، أعلم بأن هذا التفكير هو قمة الكفر الذي ليس بعده شيء، لكن هذا هو الذي يحدث، أصبح اغتسالي ووضوئي يمتد من 5 دقائق إلى ساعة!!!، وأصبحت العبادات بالنسبة لي شيئا صعبا إلا أنني والحمد لله مواظب على صلواتي جميعا (إلا الفجر) في المسجد.
الطامة أن من حولي مفتونون بالتزامي وأخلاقي، تصور أن أحدهم قال لي ذات مرة أنه يشم دائما رائحة عطر طيبة مني ثم أطرى مازحا بأنها من رائحة الحسنات!!، صدقني أصبحت تلك اللحظة ألعن نفسي وأسبها، تمنيت لو أقول له إنني معقد و مجنون وربما خارج عن الملة نعم يا سيدي.. هذا ما أنا الآن فيه.
إلا أنني أريد أن أدرج سببين أعتقد أن لهما الدور الكبير لمرضي وهما :
أولا: ممارستي العادة السرية منذ أن بلغت الحلم، أي قبل 6 سنوات، وأنا الآن أمارسها للأسف، ولكن مرة أو مرتين في الأسبوع أو ربما ترتفع إلى 3 مرات.
ثانيا: أنني في إحدى الجامعات الأمريكية، و لك أن تتخيل ما فيها من مظاهر السفور في اللباس، مع أنها من أقوى الجامعات أكاديميا. قد تحس في كلامي برودا، ولكن هذا البرود بسبب تراكمات من اليأس، فهل هناك إمكانية لترميم إيماني في قلبي القذر!
هل تعلم بأني وصلت إلى درجة كبيرة من اليأس، ثقتي بنفسي أصبحت صفرا، والحقيقة أنني لم أتمتع بثقة بالنفس في أي يوم من الأيام، أنا الآن في سنتي الأولى، وإني لأرى بوادر الفشل لائحة في الأفق، مع أني حصلت على نسبة 97.7% في الثانوية، و على (A) في الدورة التحضيرية.
أرجوكم أن تقدموا ليّ حلا جذريا لمشكلتي، وألا تحولني إلى جواب سابق لكم، فإنني أقرؤها ولكن دون جدوى. والسلام عليكم ورحمة الله
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
تقول الأستاذة سلمى عبده، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصبحه وسلم
أخي في الله لقد كانت لرسالتك أثر كبير في نفسي تألم لها قلبي وشعرت بضرورة وقوفي بجانبك بعد الله سبحانه وتعالى لكي نستطيع معا تخطي هذه المرحلة على خير بإذن الله.
بداية أقول لك: إن ما أنت فيه من ابتلاء شديد معرض له كل مسلم على وجه الأرض فالوسواس الخناس منذ أن أعلن إعلانه الأول أمام الله بالقعود لكل مسلم لم يلق سلاحه، ولم يمل طول الحرب حتى ينسينا ذكر الله ويبعدنا عن طريقه وهو ينجح فقط إذ يشككنا في إيماننا فيجب أن نكون أكثر فطنة منه.
أخي لؤي :(33/513)
رغم أن رسالتك توحي بيأس كاتبها إلا أني عندما عاودت قراءتها استبشرت خيرا كثيرا لما وجدت فيها من إيجابية وفطرة سليمة فأنت تدرك حقيقة مرضك وترفض واقعك وبعد ذلك لم تقف مكتوف الأيدي بل طلبت العون وسعيت إليه فعسى الله أن ينفعك بما سنتبادله من نصائح وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنك بي.
أخي الكريم بداية أود أن ألفت انتباهك إلى بعض النقاط الهامة :
أولا: يجب أن تفهم أن ما يحدث لك هو في الأساس ابتلاء من الله والابتلاء لا يكون بالضرورة نتيجة لذنب بعينه وإلا لما ابتلي الله الأنبياء وبالأخص في أمر الوسواس ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان تفلت علي البارحة فأراد أن يقطع علي صلاتي" وأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه ما أرسل من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. فإذا كان هذا حاله مع الرسل عليهم السلام فكيف بغيرهم؟
وكلما كان فعل العبد أصلح وأقرب إلى الله كان اعتراض الشيطان له أكبر، فالشيطان بالمرصاد للإنسان على طريق الخير وهو يدخل للعبد الصالح من مداخل كثيرة وهذا دليل صلاح وإمارة إيمان ومن أعظم مداخله:
- التشكيك في الله والخوض في صفاته.
- سوء الظن والنزع بين المسلمين.
- غرس اليأس والقنوط من رحمة الله.
- الوسوسة.
ثانيا: لابد أن توقن أن الشيطان لا يقدر إلا على أولئك الذين استولى عليهم فأنساهم ذكر الله. أما أصحاب الحق فإنه ينسيهم أحيانا ذكر الله ولكنه لا يقدر عليهم لأنهم سرعان ما يخذلونه ويعودون إلى الله تائبين مستغفرين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ).
ثالثا: كونك محافظا على الصلاة فأنت لم يضع منك شيء ولم ينل منك الشيطان قيد أنملة فالصلاة هي حجر الزاوية وهي الفيصل في سم هذا الصراع.
أخي الكريم أرجو أن تدع عنك اليأس والحزن، وتعال نتعاون معا على البر والتقوى، ونرى كيف نعالج هذا الأمر؟.
إن الله سبحانه وتعالى وجهنا للطريق السهل اليسير لردع كيد الشيطان الرجيم فأخبرنا أنه لن يجدي معه شيء مثل الذكر، فبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان.
وقال بعض السلف: إنه إذا تمكن الذكر من القلب فإنه إن دنا منه الشيطان صرعه فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟، فيقال : قد مسه الإنسي.
وفي صحيح مسلم عن ابن العلاء : أن عثمان بن أبي العاص أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه و اتفل على يسارك ثلاثا". قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.(33/514)
وكما ترى يا لؤي فبرغم بساطة العلاج ولكنه أتى بثماره وذلك لثقة الصحابي الجليل الشديدة في الله عز وجل ومعرفته بمدى قدرته سبحانه ونصرته لعبده المؤمن المستعيذ به اللاجئ إليه.
وهناك طريقة للعلاج أوصى بها شيخنا الفاضل "إسماعيل صادق العدوي"، لمن يجد في نفسه هذا الأمر، وهي أن يقرأ ما يلي بعد كل صلاة :
سورة الفاتحة 7 مرات.
آية الكرسي 7 مرات.
سورة الإخلاص مرة.
سورة الفلق مرة.
سورة الناس مرة.
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاثا.
يقرأ ذلك وهو على يقين بأن الله سبحانه وتعالى سيشفي صدره ويفرج كربه فهو الكريم القائل في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي بي".
ولنلخص الأمر في نقاط :
إذا أحسست بالوسوسة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم و اتفل عن يسارك ثلاثا.
اجعل لسانك رطبا بذكر الله في كل وقت.
داوم على أذكار الصباح والمساء وخاصة خواتيم سورة البقرة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".وقيل في معنى كفتاه : من الشيطان ومن الآفات.
اقرأ وصية الشيخ إسماعيل بعد صلواتك المفروضة.
استجلب رحمة الله بصلاة الحاجة وسجود الشكر.
املأ قلبك بالثقة بالله وحسن الظن به واليقين في نصرته لك.
فلتستعد يا أخي ثقتك بنفسك وبإيمانك ولتأخذ بالأسباب التي تعينك على الإقلاع عن الذنب الذي يؤرقك من غض للبصر وكثرة صيام وتوبة نصوح واستغفار آناء الليل وأطراف النهار وصبر جميل ولا تلعن نفسك فإن كرهك لمدح الآخرين لك لهو دليل على حياة قلبك، والأحرى بك حينها أن ترفع ناظريك إلى السماء وتدعو بدعوة الصديق عليه رضوان الله "اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون.
وأخيرا دعائي لك وللمسلمين. اللهم ارزقنا حسن النظر فيما يرضيك عنا. اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفه عين أبدا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ويضيفالأستاذ همام عبد المعبود:
الأخ الكريم..
شكر الله لك ثناءك على موقعك وموقع المسلمين في العالم أجمع "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله أن يتقبل من العاملين به أعمالهم، وأن يحسبه لهم جهادا وأن يجازيهم عليه خيرا.. آمين وبعد:(33/515)
فلاشك أن الوسوسة مرض يحتاج إلى علاج، غير أن له بعدين: أحدهما نفسي والآخر إيماني، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: "(وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشيطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللهِ إنَّه هوَ السميعُ العليمُ)، فعلاج الوَسوسة والتخلص منها يكون بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وذِكْرِ الله كثيرًا.
وكذلك بألا يشغل المسلم عقله ولا قلبه بأيِّ عمل يُخالف الذي هو عليه، فلو كان يتوضأ فعليه أن يستعِيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم ينوي الوضوء ويَقرأ البسملة ويعمل كل فرض من فرائض الوضوء وسُننه، ولا يَشغل باله وعقله وقلبه بأيِّ عمل خلاف الوضوء في وقته حتى يتأكد أنه توضأ، وهكذا في كل عمل يعمله.
أما بخصوص ثناء الناس عليك، فنسأل الله أن تكون عند حسن ظنهم بك، ولعل هذا مدعاة؛ لأن تحسن صلتك بربك، وأن ترجع نفسك وأن تحملها على فعل الخير، وقل دائما "اللهم اجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون"، أما عن موضوع العادة السرية فإنني أحيلك إلى هذه الاستشارة فإن فيها الخير الكثير:
وصفة عملية لعلاج العادة السرية "
وأما عن السبب الثاني وهو أنك تدرس في إحدى الجامعات الأمريكية، حيث مظاهر السفور في اللباس، وغيره، فإن هذا ليس مبررا لك لتنساق في المعاصي بهذه الحجة، فكم من شباب يدرسون في الجامعات الأمريكية – نعرف بعضهم– لكنك تراهم صوامين قوامين، ولله طائعين، وعن المعاصي والذنوب منصرفين وعلى الطاعات وأفعال الخير مقبلين.. فدع عنك الوسواس، واستعن بالله ولا تعجز، واتق الله في نفسك، وعد إلى ربك فإنه منك قريب، بل إنه سبحانه أقرب إليك من نفسك إلى نفسك.
وختاما..
أقول لك ثق بنفسك وثق بربك، ودع عنك وساوس الشيطان فإنه يريد أن يصرفك عن الله، وأن يبعدك عن طريق الطاعة.. ونسأل الله أن يأخذ بيدك إلى بر الأمان.. وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
نصف زوجة أو الطلاق..أحلاهما مر!! العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الفاضل؛
أرجو إفادتي برأيك في موضوع تعدد الزوجات، دون سبب أو مبرر لذلك، غير بعض الأسباب الواهية، مثل الرغبة في استخدام حق، أو حب النساء، علما يا سيدي أن زواج الزوج بأخرى عندنا كمصريات يعد عيبا و خزيا للزوجة الأولى، وأن الأولاد يتضررون كثيرا نظرا لمشاكل العصر، والحاجة لوجود الأب أكبر وقت ممكن، وأنا يا سيدي امرأة متعلمة، وعلي قدر من الثقافة الدينية، والحمد لله، رغم صغر سني (27)، ولكنني لا أطيق مجرد النقاش في فكرة تعدد الزوجات، مادام الزوج يحب زوجته، ولديه أولاد منها، إلا أني أخاف أن أكون آثمة بذلك.(33/516)
وأود أن أوضح أنني منذ أن تزوجته فقد أخلصت له، بينما كانت لدي الفرصة لأتزوج ممن هو أفضل منه، وما يغضبني أنه رغم كل هذا، وبعد كل هذه السنين، يصارحني برغبته في أن تشاركني أخري فيه!، و الأغرب أنه يجعل ليّ الاختيار، إما أن أبقى كنصف زوجة أو أحرم من أولادي وأبدأ من جديد؟، فهل هذا هو العدل؟! ألم يرفض الرسول صلي الله عليه و سلم زواج الإمام علي كرم الله وجهه علي ابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها؟، أرجو إفادتي حتى لا أفتن في ديني.
و جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ مسعود صبري :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخت الفاضلة/ رشا
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يرزق زوجك ما فيه الخير لدينك ولدينه.
هالني ما قلته في آخر استشارتك من أنك تخشين الفتنة على دينك بزواج زوجك من زوجة أخرى، وسأناقش معك هذه النقطة، وجانبا آخر من الاستشارة دون الدخول في التفاصيل.
كل مؤمن بالله تعالى صادق في إيمانه لا يزحزح إيمانه شيء، لأن هذا الإيمان بينه وبين الله تعالى، فلا دخل لزواج زوجك بقضية إيمانك، وهل تفقد أمة الله عبوديتها لله لأجل أن زوجها تزوج؟
إن المسلم يمسك على دينه كالقابض على الجمر، وإن كان من صفات عباد الله تعالى أنهم لا يفتنون في دينهم وإن أوذوا وعذبوا واضطهدوا غير أن هذا لا يضعف إيمانهم، لأن ثروة المسلم هي في إيمانه، وتعلقه بالله تعالى، وهذا الذي يقابل الله تعالى به لا غيره، فأول ما أقوله لك: دعي إيمانك جانبا، تحافظين عليه، مهما كانت العواصف في حياتك، ومهما قابلك من أمور تكرهينها أو تودين ألا تحدث في حياتك، وإلا فإيمانك يا أختي ضعيف، والإيمان يزيد وينقص، ولكن هذا لا يعني أن يكون هشا تذروه الرياح، أو تهوي به في مكان سحيق، ولكن المقصود أنه لا يكون على حال واحدة، فهو إن نقص، غير أنه لا يغيب، ولا يمس الثوابت أبدا.
أما عن زواج زوجك، فيجب أولا أن تجلسي مع زوجك، وتناقشين الأمر بحيدة تامة، وليكن الدين هو الأساس الأول، فإن رأيت أن زوجك يحتاج للزواج حفاظا على دينه، فتنازلي، وارضي بشرع الله تعالى، وإن رأيت فيه بعض التنغيص عليك، ولكن الحفاظ على دين زوجك أولى وأرضى لله، وإن كنت ترين أن في زواج زوجك ضررا عليك، ويمكن له أن يتنازل عن هذا الحق الذي أعطاه الله تعالى إياه، فليترجح عدم زواجك، وليكن الأمر شورى بينكما.(33/517)
ولكن لا يمكن للزوجة أن تمنع زوجها من حق وهبه الله تعالى إياه، ولنوقن أن شرع الله تعالى خير، وحاشا لله أن يشرع شيئا فيه ضرر على الناس، وإن رأى الناس أن فيه ضررا لهم، وقد جعل الله تعالى الرضا بقضائه وقدره من علامات الإيمان، بل هو من أسسه وأركانه كما جاء في الحديث عن الإيمان: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر، خيره وشره"، والقدر ليس فيه شر، ولكن عبر بشره، أي ما يراه الناس شرا، أو ما قد يكون شرا بصنع الناس، ومادمت قد أخذت بالأسباب، ولكن لم يقدر الله تعالى لك ما تحبين، فارضي بقضاء الله تعالى وقدره.
وقد قال تعالى:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"، وقال تعالى:" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ، والله لا يهدي القوم الفاسقين". فمطلوب من كل مسلم ومسلمة أن يقدم أمر الله على أمر هواه ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به".
ثم إن تعدد الزوجات شئنا أم أبينا جزء من شرع الله تعالى، والله تعالى لا يشرع شيئا فيه ضرر للناس، وسبحانه لا يشرع إلا لحكمة علمها من علمها، وغابت عمن غابت عنه، فالله تعالى منزه عن كل نقص وعبث، وقد جعل الإسلام الزواج بإفراده وتعدده في أصله مندوبا إليه، ولكنه قد يحرم إن كان فيه ضرر، وقد يوجب إن كان لدفع ضرر، وعلى الناس أن تنظر في أمورها جيدا، وأن تختار الحالة التي تناسبها، مع التسليم والإذعان لأمر الله تعالى، إذ هو مما يحب الله تعالى ويرضى عنه، وقد امتدح الله تعالى إبراهيم حين قال :" إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين".
فتشاورا سويا، وارضي بقضاء الله تعالى، وأكثري من الدعاء أن يلهم الله تعالى زوجك الرشد في الأمر.
ويضيف الأستاذ فتحي عبد الستار:
أختي الفاضلة رشا؛
مرحبا بك، وأشكرك على الكتابة إلينا بهذه الصراحة، ونعدك أن نكون عند حسن ظنك، مقدرين تلك الصراحة، وبعد..
فلا أريد الدخول في دهاليز الأحكام الشرعية المرتبطة بتعدد الزوجات، حيث أظن أنك استمعت أو اطلعت على قدر ليس بالقليل منها، ولا أريد الدخول في جدلية: هل التعدد هو الأصل – كما يقول البعض – أم هو الاستثناء؟.
ولكن ما أريد أن أناقشه معك بناء على ما وصلني من مشاعر وأفكار من ثنايا كلامك، هو:
هل الرجل مطالب بأن تكون له أسباب واضحة للجميع ومقنعة للجميع حتى يعدد؟، وبصياغة أخرى: هل الرجل مطالب بأن يعلن لكل من هبَّ ودبَّ الأسباب التي دعته للزواج بأخرى حتى يظهر موقفه سليما أمام المجتمع بغض النظر عما قد يصيب مشاعر الزوجة الأولى، وما قد تتعرض إليه من إهانة وتجريح؟.(33/518)
سيدتي، إن النساء يفهمن النساء، ولعالمهن أسرار واحتياجات قد تعرف بينهن دون مصارحة أو حديث، ولكن قد لا يفهمها أو يتفهمها كثير من الرجال، وكذلك الرجال يفهمون الرجال، ولعالمهم أسرار قد تعرف بينهم دون مصارحة أو حديث، ولكن لا يعلمها النساء.
إن الرجل قد تكون له أسباب ليست ظاهرة ولا يطلع عليها أحد، وما ينبغي أن يطلع عليها أحد، ولا ينبغي أن يطالبه أحد بالإفصاح عنها، وعلى عكس ما يتصور كثير من الناس فإن الزوج – في رأيي- يجب أن يحترم لموقفه ذلك، حيث إنه يريد أن يحافظ على حرمة بيته من أن تنتهك، وأن تكون علكا تلوكه أفواه الناس بحسن نية أو بخبثها .
إن معظم الناس ينظرون للزوج نظرة اتهام إذا تزوج مرة أخرى، وهو- فيما يرون- لا ينقصه شيء، ولا يجدون في زوجته عيبا ظاهرا، فهم يرون زوجته جميلة، ومطيعة، ومتدينة، ورُزق منها بالبنين والبنات، فما الذي يجعله يتزوج عليها!!، يا أختي، إن العلاقات الزوجية مبنية على الستر، وهل يجب في رأيك أن يفضح الزوج زوجته، ويهتك ستر بيته، حتى يبرر للناس زواجه الثاني؟!!
لقد اعتبرت يا سيدتي مسألة "حب النساء" سببا واهيا للزواج الثاني، ولا ألومك على ذلك، فأنت وغيرك من النساء قد لا يفهمن أحاسيس الرجال وفطرهم، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلاَثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ"، ولكن لتعلمي أنه سبب جد قوي من أجله أباح الله عز وجل للرجل الزواج بأكثر من امرأة، ليحمي الفضائل في المجتمع، ويحمي الأعراض، ويحمي دين الناس من أن يخدش بالفواحش، ويحل بعض المشكلات المستشرية كالعنوسة مثلا.
إني أرى المشكلة مشكلة ثقافة محلية، وهذا واضح في كلامك، حيث قلت: "زواج الزوج بأخرى عندنا كمصريات يعد عيبا وخزيا للزوجة الأولى.. إلخ"، وهذه الثقافة المصنوعة يجب ألا تتحول لشريعة نحاكم الناس بها، خاصة أن العلل التي سقتِها أختي للرفض ليست حتمية الحدوث، والكثير من التجارب الواقعية تؤيدني.
وعلى أية حال أختي الكريمة، فإن كل حالة تقدر بقدرها، فقد يكون الزواج الثاني حلا لمشكلات كثيرة، وقد يكون ضررا وبيلا وجلبا لمزيد من المشكلات، فلا نستطيع أن نعطي حكما واحدا لكل الحالات. هو أمر أباحه الله عز وجل لمن يحتاجه، وتجري عليه جميع الأحكام الشرعية، فقد يكون واجبا في حالة، ومندوبا في ثانية، ومباحا في ثالثة، ومكروها في رابعة، بل وحراما في خامسة.
أما مسألة رفض الرسول صلى الله عليه وسلم زواج الإمام علي كرم الله وجهه على ابنته السيدة فاطمة، فحاشا لله أن يحرم الرسول ما أحل الله، أو أن يجد في صدره حرجا لأمر أباحه المولى عز وجل، وإنما كان الرفض ليس لمطلق فكرة الزواج، ولكن- فيما أعلم – أنه رفض لأن المرأة التي كان سيتزوجها على ابنته السيدة فاطمة كانت ابنة أبي جهل عدو الله ورسوله ، فاعترض النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السبب، وقال: " إنه لا يجمع بين بنت رسول الله وبين ابنة عدو الله"، والحديث في مجمع الطبراني الكبير.(33/519)
ما أريدك أن تعلميه يا سيدتي:
أن الزواج بأخرى لا يعني دائما أن الزوج يكره زوجته الأولى، بل على العكس فإن احتفاظه بها قد يكون دليلا على حبه لها، وعدم رغبته في مفارقتها، والرجل غير المرأة، قد يسع قلبه أكثر من واحدة، فليس بمستغرب أن يحب الزوجتين ويعطي لكل منهما حقوقها .
وليست قاعدة أبدا أنه يترتب على الزواج الثاني خراب البيت الأول، ففي يد الزوج وزوجاته – إن أرادوا – أن تعيش البيوت جميعا وأفرادها جنبا إلى جنب، في ظل قواعد وآداب الشرع الحكيم.
وفقك الله أختي، وطمأن قلبك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
رغم التوبة.. تعب ووساوس ونكد!! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بعد ما بلغت بفترة، كنت ما أصلي، وأسمع أغاني عاطفية، وأشوف صور، وأفلام تتنافى مع الدين، لكن في هذه الأيام، الحمد لله تبت، لكن كنت من قبل مرتاحة أكتر، والآن صرت أحس أني بدي أموت، أو بحس أن هناك أحد معي في الغرفة، لكن عندما أكون وحدي. وما بعرف شو أعمل صارت حياتي كلها نكد ياريت تساعدوني. و جزاكم الله ألف خير.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة نسيبة حسين حلاوة، من فريق الاستشارات الإيمانية بـ"إسلام أون لاين.نت":
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
حياك الله أختي منار، بداية أحمد الله على توبتك، وعودتك، فقد أرد بك الله خيراً كثيراً، فكم من أناس يمضي بهم العمر- طال أم قصر- وهم في لهو وانشغال بالدنيا، وبعد عن الله، حتى يأتيهم الموت بغتة فيطلبون أن يؤخرهم الله عز وجل، ومنهم من يفيق وقت حضور الموت، حيث لا تنفع توبة ولا ندم، كما قال الله تعالي في كتابه الكريم : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ) (النساء- 18).
فأنتِ- أخيتي- في نعمة كبيرة ولله الحمد، تستحق منك الحمد. أما عن قولك براحتك السابقة فما هي إلا تزيين يزينه الشيطان لأتباعه ليستمروا في معصية الله سبحانه وتعالي حتى يأتي يوم القيامة فيتبرأ منهم، وقد سجل الله لنا هذا المشهد في الدستور الخالد– القرآن الكريم- فقال تعالى:( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ(33/520)
لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
واعلمي أن القرب من الله طريق طويل يحتاج جهد وصبر، فعلى قدر المكافأة يكون الجهد، تخيلي معي- أخيتي الحبيبة- أن هناك مسابقة كبيرة، مرصود لها جائزة قيمة، غير أن هناك مراحل شاقة وعقبات كبيرة في سبيل الفوز بالجائزة، فماذا يجب على المتسابقين؟، وماذا سيفعل الراغب في الفوز بالجائزة؟، حتماً سيفعل ما بوسعه وسيتحمل كل المشقات للوصول إلي النهاية، بأي ثمن، وبأي مجهود.
فما بالك لو كانت الجائزة هي الجنة؟!، وماذا لو كان المقابل النظر في وجه الله عز وجل؟!! ، يا الله. الجائزة الجنة؟!!، نعم الجنة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،بربك – أختاه- ألا تستحق الجائزة منا هذا المجهود وهذا التعب، وبذل كل غال ونفيس، في سبيلها، وتخطي كل العقبات، وتحمل كل المشاق؟!
أما بالنسبة لشعورك بالموت – أختي الحبيبة- فمن الرائع أن نضع الموت نصب أعيننا، عملاً بالحكمة القائلة: (أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا)، وأن نحوله لشيء ايجابي ولنجعله دافع لنا لمزيد من العمل والطاعة والقرب من الله سبحانه وتعالي لا ليثبط عزيمتنا ويوهن عزمنا ويبعد عنا رغبتنا في الحياة والسعادة.
وأما عن إحساسك بوجود أحد معك في الغرفة، فما هي إلا وسوسة من الشيطان اللعين، وحديث نفس ليلهيك عن طاعة ربك، وعن حياتك، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالي بالاستعاذة منه، قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* من شر الوسواس الخناس* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (سورة الناس)، فلا تلتفتي له، ولا تهتمي به، بل عليك بكثرة الاستعاذة منه، والبعد عن المعاصي، كما قال تعالي (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (فصلت:36)
كما أوصيك ونفسي بالآتي:
* استحضار النية، وتجديدها، عند كل عمل تقومين به، سواء كان صغيراً أو كبيراً.
* مداومة ذكر الله سبحانه وتعالي، والإكثار منه، قال تعالى: ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ).
قراءة سورة البقرة، أو تشغيلها في مسجل، أو حتى قراءه آية الكرسي، والآية التي تليها، لما ورد في حديث النبي صلي الله عليه وسلم، في صحيح البخاري، عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:( الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه).
* لزوم الصحبة الصالحة، فهي خير وقاية في هذا الزمان، وقد روى البخاري ومسلم، من حديث أبى موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة".(33/521)
* حضور جلسات العلم، فهي مما يرقي بالنفس والروح، فقد روي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم|، أنه قال : "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء".
وختاماًً؛
أسال الله تعالي لي و لكِ، الثبات والإخلاص، في القول والعمل، وليكن شعارنا دوماً، عن الدنيا سنرتحل .. يرافق سيرنا العمل.. فإما روضة تشدو وإما القبر يشتعل".
ـــــــــــــــــــ
كيف الوصول للتقوى؟..الهمة والحذر العنوان
العقيدة الموضوع
قرأت في القرآن الكريم قوله تعالى : "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكَّل على الله فهو حسبه"، وإن شاء الله تكونوا من المأجورين.
وسؤالي هو: كيف تتحقَّق تقوى الله؟ وما الشروط التي يجب أن أتَّبعها كي أصبح تقيَّة، ويجعل الله لي مخرجا؟ وما التوكُّل على الله؟ وكيف يكون؟
لي سؤالٌ أخيرٌ أيضا: كيف أصبر على مصائب الدهر؟ كيف أشعر باليقين حين أتَّجه إلى الله بالدعاء، حيث إنَّني قرأت قولاً منسوباً إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيه :(أنا لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم الدعاء)، أي أن المشكلة هي في ضرورة توفر اليقين بأن الله هو الذي يجيب الدعاء؟
أرجو أن أجد لديكم الجواب الشافي الذي يثلج صدري.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الشيخ عبد الحميد البلالي:
ابنتي عبلة،
زادك الله حرصاً على تعلُّم دينك، لقد سألت عن خمس مسائل، كلِّ واحدةٍ منها تحتاج إلى مجلَّدات، ولذلك فسوف أركِّز في إجابتي على أهمِّ هذه الأسئلة، ألا وهو سؤالك عن التقوى وشروطها، حيث إنَّ الآية المشهورة في سورة الطلاق تحتوي على قاعدةٍ إيمانيَّةٍ كبيرة، إنَّها قاعدةٌ ربَّانيَّةٌ لا تخطئ أبدا، فإذا ما تحقَّق شرطها الأوَّل تحقَّق الثاني دون إبطاء، حيث يقول الحقُّ فيها: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب".
فما التقوى؟
التقوى هي الحماية، والحماية إمَّا أن تكون من الأخطار الخارجيَّة أو الداخليَّة، والأخطار كثيرةٌ ومتنوِّعة، وأشدُّها خطراً تلك التي تمنع الإنسان من دخول الجنَّة، وتكون سبباً لدخوله النار، وأَولى أجزاء الإنسان بالحماية هو قلبه، حيث إنَّه إذا صلح(33/522)
وسلم من الأخطار صلح وسلم سائر الجسد، حيث يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"متَّفقٌ عليه.
يقول حجَّة الإسلام الغزالي: "العبادة شطران، اكتساب: وهو فعل الطاعات، واجتناب: وهو تجنُّب السيِّئات، وهو التقوى، وشطر الاجتناب أصلح وأفضل وأشرف للعبد من الاكتساب، يصومون نهارهم ويقومون ليلهم، واشتغل المنتبهون أولو البصائر بالاجتناب، إنَّما همَّتهم حفظ القلوب عن الميل لغيره تعالى، والبطون عن الفضول، والألسنة عن اللغو، والأعين عن النظر إلى ما لا يعنيهم".
مراتب التقوى:
وحماية القلب والجوارح له ثلاث درجات، أو ما يطلق عليه الإمام ابن القيِّم بمراتب التقوى الثلاث، حيث يقول: "التقوى ثلاث مراتب:
إحداها: حمية القلب والجوارح من الآثام والمحرَّمات.
الثانية: حميتها عن المكروهات.
الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني.
فالأولى: تعطي العبد حياته، والثانية تفيد صحَّته وقوَّته، والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته".
الخطر الأكبر:
ومن حمى نفسه من هذه الأخطار، فقد حمى نفسه من الخطر الأكبر، وهو النار التي أمر الله تعالى في كتابه الكريم المؤمنين بالحماية من شرِّها حيث قال: "يا أيُّها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وَقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون".
وكذلك نتَّقي هذا الخطر الأكبر بالعمل الصالح، فهو السبب الرئيسيّ -بعد رحمة الله، وحماية القلب والجوارح من المعصية– في دخول الجنَّة، والابتعاد عن النار، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرة"رواه البخاري، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا"رواه البخاريُّ ومسلم.
صفات المتَّقين:
إنَّ للمتَّقين صفاتٌ كثيرةٌ تحميهم من نار جهنَّم، يجاهدون أنفسهم للاتِّصاف بها طيلة بقائهم في هذه الحياة الدنيا، وتتكامل هذه الصفات، وتزداد عمقاً يوماً بعد يومٍ كلَّما تقرَّبوا إلى ربِّهم، ومن أبرز هذه الصفات:
1- استواء الظاهر مع الباطن:
أو هو الإخلاص في أحد صوره الجميلة، فالمخلص الذي يريد وجه الله لا يفرِّق في ذلك عندما يكون خالياً أو أمام الناس، حيث يستوي عنده الظاهر والباطن، أمَّا أولئك الذين يتظاهرون بالتقوى أمام الناس، وإذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها، فأولئك يفضحهم الله في الدنيا والآخرة، ويسلبهم الله نور الإيمان الذي يظهر جليًّا على وجوه أولئك المخلصين، ويكون أثره كالمغناطيس يجذب القلوب إليهم، بينما يتباعد الناس عن أولئك المتظاهرين، وينادي الإمام ابن القيِّم هذا المتظاهر بالتقوى متعجِّبا:(33/523)
"سبحان الله، ظاهرك متجمِّلٌ بلباس التقوى، وباطنك باطيةٌ لخمر الهوى، فكلَّما طيَّبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون، وانحاز إليك الفاسقون" (الباطية هو الإناء الذي تشرب فيه الخمر).
إنَّهم يتظاهرون بالتقوى ولكنَّ قلوبهم مملوءةٌ بحبِّ غير الله، وقد اتَّخذوا أهواءهم آلهةً من دون الله، وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح.
2- تقديم العمل على المظاهر:
إنَّهم يعلمون حقَّ العلم بأنَّه ما من آيةٍ في القرآن الكريم ذكرت الإيمان إلا وقرنته بالعمل، ويعلمون بأنَّه لن يُنجِي العلم من غير عمل، ولا المظاهر من غير عمل، فإنَّ الله لا ينظر إلى القلوب، وإذا عمرت القلوب بحبِّ الله دفعها للعمل، وإذا ما عمل الإنسان طفح أثر العمل على الجوارح، وكان إمام التابعين الحسن البصريِّ يؤذيه رؤية ذلك الصنف من الناس الذين يهتمُّون بمظاهرهم على العمل، ويظنُّون أنَّ ذلك من التقوى، فقد رأى يوماً فرقد السنجيَّ وعليه جبَّة صوف، فأخذ بجبَّته ثمَّ قال: "يا بن فرقد -مرَّتين أو ثلاثة– إنَّ التقوى ليست في الكساء، إنَّما التقوى ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل والفعل".
3- الاهتمام بتقوية القلب:
إنَّهم يتَّجهون أوَّلاً لتقوية القلوب، فالقلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، ولا يصلح الظاهر حتى يصلح الباطن، وما أجمل ما كان يقول الواعظ يحيى بن معاذ: "عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثمَّ تطمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، أنت سكرانٌ بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلَّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو بادرت هواك".
فما كمال العقل إلا بمعرفة أهمِّيَّة الوقت، والمبادرة قبل انقضائه بقيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعته فيما لا يرتفع إلى السماء.
4- الاهتمام بالعلم والعمل:
فالتقوى هي العاصمة من كل قاصمة، ومن كلِّ فتنةٍ عاصفة، ولا يمكن أن تثبت حقيقة التقوى من غير علمٍ وعملٍ وإخلاص، وقد نصح التابعيُّ الجليل والزاهد البصريُّ الكبير طلق بن حبيب أتباعه باتِّقاء الفتن بالتقوى فقال: "اتَّقوها بالتقوى"، فقيل له: صف لنا التقوى، فقال: "العمل بطاعة الله، على نورٍ من الله، رجاء ثواب الله، وترك معاصي الله على نورٍ من الله، مخافة عذاب الله".
ونور الله هو العلم، ورجاء ثواب الله أي ابتغاء وجه الله بالعمل، والإخلاص له، دون رجاء الثواب من غيره من المخلوقين، وترك المعاصي بالعلم مخافة عذاب الله وليس مخافة البشر أو بانتظار ثنائهم.
ومن اتَّصف بهذه الصفة، وهذا العمل المكمِّل للعمل، وابتغاء وجه الله في ذلك فإنَّه يكون في مأمنٍ من الفتن، وإنَّما يقع في الفتنة من جهل، وقلَّت مخافته من الله تعالى، وابتغى غير وجه الله في عمله.
5- تنقية الطمع والغضب:
وهي من أبرز صفات المتَّقين، حيث إنَّهم يمارسون التوحيد الخالص لله تعالى، ولا يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره، كما قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وجعلها(33/524)
رسولنا صلى الله عليه وسلم سنَّةً في افتتاح كلِّ صلاة، عندما رغَّبنا بأن نقول: "قل إنَّ صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين".
وبالتالي يكون كلُّ ما يقومون به نقيًّا إلا من الله تعالى، سلوكهم وقلوبهم ومعاملاتهم، وممَّا يذكره بكر بن عبد الله المُزنيِّ عن المؤمن أنَّه: "لا يكون تقيًّا حتى يكون نقيَّ الطمع نقيَّ الغضب".
فلا يغضب إلا لله تعالى، ولا يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا، وإنَّما يقصر طمعه لما عند الله من النعيم، فكلَّما رأى من جواذب الدنيا شيئاً تذكر أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وكلَّما أغضبه شيءٌ من أمور الدنيا، تذكَّر أنها لا تستحق أن يغضب لها وهي زائلة، فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه وسلوكه ومعاملاته، حتى يبقى على التوحيد الخالص لله تعالى.
6- محاسبة النفس:
يقول التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران: "لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبةً من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
فهو امتدادٌ لصفة التنقية للطمع والسلوك والغضب، ذلك لأنَّ المحاسبة هي أحد الضمانات بعدم تراكم الأخطاء، ومراجعة الأعمال التي لم يكن فيها النقاء كما ينبغي، والمحاسبة صفةُ عظيمةٌ أقسم الله سبحانه بها فقال: "ولا أقسم بالنفس اللوَّامة"، وهي تلك التي تلوم صاحبها على كلامه وأفعاله، لينقِّيها ممَّا شابها من أدران المعاصي، وابتغاء غير وجهه سبحانه، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر".
7- كراهية الثناء:
فالمتَّقي لله تعالى، لا يبتغي وجهاً سواه، ولا يطمع بشيءٍ سوى ما عنده من الجنَّة و الرضى والأجر العظيم، وكلُّ ما دون ذلك لا يساوي في عينيه شيئاً مهما قيل عنه وأثني عليه، فهو أعلم الناس بنفسه، وبالتالي تراه لا يحرص على ثناء الآخرين، ويتضايق منه لأنَّه يخشى أن يسبب له انتفاخاً ينسيه فضل الله عليه، وأن يكله إلى نفسه.
وكان التابعيُّ الجليل ميمون بن مهران من هذا الصنف من المتَّقين الذين يكرهون الثناء خوفاً على أنفسهم، فقد جاء رجلٌ وقال له: يا أبا أيُّوب، ما يزال الناس بخيرٍ ما أبقاك الله لهم، فردَّ عليه حالا: "أقبِل على شأنك، ما يزال الناس بخيرٍ ما اتَّقوا ربَّهم".
ولذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الثناء، وأمرنا بحثو الرمل في وجوه المدَّاحين، إلا إذا أمنت من انتعاش الممدوح، وكان الهدف من ذلك تشجيعاً على بعض أخلاقه، أو تثبيت ذلك الخلق في نفسه، كما مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وغيرهما ممَّن يعلم أنَّ المدح لا يؤثِّر فيهم.
يجعل له مخرجا:
فإذا ما حقَّق المؤمن الشرط الأوَّل للمعادلة بتحقيق التقوى في نفسه، حقَّق له الشطر الثاني من المعادلة، بأن يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
يقول الإمام ابن الجوزيّ: "تأمَّلت قوله تعالى: "فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى"،قال المفسِّرون: "هداي": رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابي، فوجدتُّه(33/525)
على الحقيقة أنَّ كلَّ من اتَّبع القرآن والسنَّة وعمل بما فيهما، فقد سلم من الضلال بلا شكّ، وارتفع في حقِّه شقاء الآخرة بلا شكّ، إذا مات على ذلك، وكذلك شقاء الدنيا، فلا يشقى أصلا، وبيَّن هذا قوله تعالى: "ومن يتَّقِ الله يجعل له مخرجا" فإن رأيته في شدَّة، فله من اليقين بالجزاء ما يصير الصابَ عنده عسلا، وإلا غلب طيش العيش في كلِّ حال، والغالب أنَّه لا ينزل به شدَّة، إلا إذا انحرف عن جادَّة الصواب، فأمَّا الملازم لطريق التقوى فلا آفة تطرقه، ولا بليَّة تنزل به، هذا هو الأغلب، فإن ندر من تطرقه البلايا مع التقوى فذلك في الأغلب لتقدُّم ذنبٍ يجازى عليه، فإن قدَّرنا عدم الذنب، فذاك لإدخال ذهب صبره كير البلاء، حتى يخرج تِبْرًا أحمر".
وصايا النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
والوصيَّة لا تخرج إلا من حريص، والرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على أمَّته، ولذلك جاءت وصاياه بما ينجي أمَّته، ويجعلهم في أعلى علِّيِّين يوم القيامة.
ومن هذه الوصايا ما كان يخصُّ التقوى، حيث قال في الحديث: "أوصيك بتقوى الله تعالى فإنَّه رأس كلِّ شيء"رواه الإمام أحمد، ورجاله ثقات.
يقول الإمام المناوي: "إذ التقوى وإن -قلَّ لفظها- جامعةٌ لحقِّ الحقِّ والخلق، وشاملةٌ لخير الدارين، إذ هي تجنُّب كلِّ منهيّ، وفعل كلِّ مأمور".
والوصيَّة عندما تصدر من محبّ، فهي أَولى بالاتِّباع، فكيف إذا ما صدرت من محبّ، ومن أتقى الأتقياء، وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
ما المخرج؟
تعدَّدت أقوال أهل التفاسير في هذا المخرج، وإن كانت جميعها تحتمل معاني المخرج الكثيرة، التي يستحقُّها من اتَّقى الله تعالى، ومنها:
أ- النجاة من الكربين، وهو ما رواه ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بقوله: "ينجيه من كلَِّ كربٍ في الدنيا والآخرة".
ب- القناعة، وهو ما قاله عليُّ بن صالح: "المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه".
ج- النجاة من النار إلى الجنَّة، قاله القلبيّ.
د- مخرجاً من النهى: قاله الحسن البصريّ.
هـ- من كلِّ شدَّة، وما قاله ابن خيثم: "من كلِّ شيءٍ ضاق على الناس".
و- من العقوبة.
ز- من شبهات الدنيا.
ح- الكرب عند الموت.
ط- الفرح يوم القيامة.
نراها في حياتنا:
إنَّنا نرى بأعيننا من غير رواية، تلك الشدائد العظيمة التي تنقشع واحدةً تلو الأخرى لأولئك الشباب المدمن عندما يرجعون إلى الله تعالى ويسلكون طريق التقوى، إنَّ أحدهم يصاب بعد تركه للمخدِّر بأعراضٍ انسحابيَّة، من صداع، وإسهال، وآلامٍ في جميع أنحاء جسده، وترجُّع، وأرَق، وآلامٍ في المفاصل، وعَرَق، وبرد، إضافةً إلى تراكم الديون، وقضايا المحاكم الكثيرة، وخلافاتٍ بينه وبين فلانٍ أو علاَّن.
التوكُّل:(33/526)
أمَّا التوكُّل على الله، فهو تفويض أمر العبد كلِّه لله، مع يقينه بأنَّ الله هو المتصرِّف بالأمور كلِّها، والاعتقاد الجازم بذلك، بشرط أن يبذل الأسباب المطلوبة منه كبشر، ولكن لا يركن إليها، ولا يربط التوفيق والنجاح بها، وينسى صاحب الأسباب وميسِّرها.
والفرق بين التوكُّل والتواكل، أنَّ المتوكِّل هو الذي يبذل الأسباب ثمَّ يتوجَّه إلى الله بالمساعدة والتوفيق، وهو معتقدٌّ مستيقنٌ بأنَّ الله سيقضي حاجته، ولا يسند الفضل إلا لله.
بينما المتواكل لا يبذل من الأسباب شيئا، ويريد قضاء حاجته من الله.
أمَّا الأمور المعينة على الصبر فهي:
1- أن تعتقدي بأنَّ ما أصابك مقدَّرٌ من الله.
2- وأنَّ الله له حكمة في ذلك.
3- وأنَّك تؤجرين عن هذه المصيبة.
4- ويكفِّر من سيِّئاتك.
5- ويرفع درجاتك.
6- وأنَّ العبد ليس له أن يعترض على سيِّده.
7- أن تتذكَّري بأنَّ وراء هذه المصيبة خير، وذلك بتذكُّرك قول الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم"
8- إنَّه تحذيرٌ من الله، سببه معصيةٌ أو تقصير، ولأنَّ الله يحبُّك فإنَّه يبتليك كي تكتشفي خطأك ومعصيتك.
9- الابتلاء علامةٌ من علامات حبِّ الله للعبد.
10- أن تتذكَّري بأنَّ هناك من هو أكثر منك بلاء.
11- أن تتذكَّري أنَّ الله صرف عنك بلاءً أعظم ممَّا أنت فيه.
12- أن تتذكَّري بأنَّ الله أبقى لك من النعم أكثر ممَّا أخذ منك، ويكفي أنَّه أبقى لك العقل والسمع والبصر والشمَّ وبقيَّة الجوارح.
اليقين بالدعاء:
وبالنسبة لليقين بالدعاء، فإنَّه مطلوبٌ من كلِّ مسلمٍ أن يستيقن بأنَّ الله سيجيب دعاءه، حيث قال في كتابه الكريم: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، وقال: "وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان"، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيّ: "ادعوا الله، وأنتم موقنون بالإجابة"، وقال صلى الله عليه وسلم بأنَّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل في السماء الأولى، ويقول: "من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟"متَّفقٌ عليه.
فالشعور باليقين عند الدعاء جزءٌ من الإيمان بقدرة الله، وأنَّه لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وهو الذي بيده ملكوت السماوات وما بينهما.
أمَّا بالنسبة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فالمشهور عنه أنَّه قال: "لا أحمل همَّ الإجابة، بل أحمل همَّ الدعاء، فإذا فتح الله عليَّ بالدعاء، جاءت الإجابة".
والله أعلم.(33/527)
أسأل الله أن يفتح عليك في الدنيا والآخرة. وتابعنا بأخبارك
ـــــــــــــــــــ
نفسي تسوقني للمعصية.. سقها للطاعة العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أنا طالب في كلية الهندسة أريد أن أكون مسلما صالحا، بدأت بالفعل ولكن نفسي تسوقني في بعض الأحيان إلى المعصية ماذا أفعل؟
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة وسام كمال، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بشبكة " إسلام أون لاين.نت" :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي مهندس الغد بإذن الله :
إنه لفخر لبلادنا وديننا أن يعزم أولو التفوق من أبنائها على الهداية والصلاح .. لاسيما شباب اليوم الذين هم عدة الغد .. خاصة وأن هناك سبعة يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله .. منهم شاب نشأ في طاعة الله .. وأنت الآن في فرصة أشعر بأنك تود استغلالها لولا قيد النفس وغواية الشيطان ..
أفضل ما ينبغي فعله في بداية الالتزام هو تحديد الإنسان لمستواه دون مساندة من آخرين .. فعلى الإنسان أن يحدد درجة قربه من الله عز وجل .. وما يخطأ فيه دوما وما يصيب لأن تحديد الموقف مع النفس أولى درجات الإصلاح.. وأحسبك أخي قد قررت أن تعقد مع الله صفقة رابحة .. ولكن يتضح من سؤالك أنك لم تحدد بعد ما ملامح شخصك الآن وما الصورة التي تود أن تكون عليها في غد قريب ..
ولكن مع ملاحظة أن الصورة التي ترسمها لنفسك.. والتي ستجعل منها حلمك الذي تلح على تحقيقه يجب أن تتسم بما يلي:
1 – يجب أن تتدرج في رسم حلم إنساني تكون عليه في الغد .. فيجب أن تعتبر من نفسك مشروعك الذي لن تتنازل عن نجاحه.. ولكن في نفس الوقت هذا المشروع يحتاج لتصورات مرحلية بمعنى أن هناك تخطيطا قصير المدى .. وآخر طويل المدى .. فلا تسع لأن تكون على الصورة المثالية في البداية .. ولكن ابدأ بإصلاح نفسك على خطوات .. فلا تشدوا على أنفسكم فيشدد عليكم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو داود في سننه :" لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والأديرة رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم."
2 – صاحب حلمك بأن تكون إنسانا أفضل، ولا تبخل عليه بالصبر و الجلد .. فإن أجمل الأشياء والمعاني التي يبذل فيها الإنسان من جهده وصبره ..، وقد روى الطبراني عن الحسن علي قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى يحب(33/528)
معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها "، وقال تعالى :" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، و إن الله لمع المحسنين ". وعن ابن مسعود قال: إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا آخرة
3 – صادق من يستطيع أن يعينك على التغيير ويشد من أزرك ويخفف عنك عناء الطريق .. فكما يصف الرسول صلى الله عليه وسلم الصحبة الصالحة إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية..
4 – مهم جدا أن تحسم في حياتك أشياء كثيرة استمرارها يؤدى إلى تعطيل تدينك وثباتك .. فمثلا لو كنت تصاحب فتاة و لك معها علاقة غير شرعية - على أي مستوى- فدعني أحذرك أن أية محاولة لك للالتزام والتقرب من الله ستبوء بالفشل حتما.. لأن المضي في طريق الله يلزمه التخلي عن أسباب نوازل الشيطان وبؤر ومواطن تفوقه عليك.. فاحذر يا أخي من أن تمد لله يدك اليمنى في الوقت الذي قد تركت فيه يسراك للشيطان ولهواك؛ لأن الله أغنى الأغنياء عن الشرك.
5 – عليك بصدق الدعاء ويقين الإجابة .. فإن الله أفرح بعودة عبده إليه من الرجل الذي شردت دابته في الصحراء حتى قال عندما وجدها:" اللهم أنت عبدي وأنا ربك"..!- أخطأ من شدة الفرح- ، فألحَّ عليه بالرجاء أن يقبلك .. ويدخلك في عباده الصالحين .. اشكُ إليه ضعف حالك وقلة حيلتك وهوانك على الناس .. وكن واثقا من كرمه واطمع في مزيد عفوه واستشعر معيته .. وكن دوما حذرا في تصرفاتك .. وقل لنفسك في كل خطوة تخطوها : " الله معي .. الله ناظر إليّ .. الله شاهد عليّ" ..
6 – مهم جدا أن تحاسب نفسك أولا بأول لتقف على مدى تقدمك في مشروعك .. وإذا وجدت في نفسك صلاحا وإنجازا في طريق الخير . فلا تتردد في مكافأة نفسك بما يرضى الله .. وإذا ضللت طريقه يوما فلا تجلد نفسك .. وثق في أن رحمته ومغفرته سبقت عذابه وبأنه ما أحلى الرجوع إليه..
وفقك الله إلى رضوانه .. ورزقك الإخلاص في القول والعمل .. و جزاك الله كل الخير على دأبك في المضي إليه. وتابعنا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
الاسم
تعدد الحليلات أولى من تعدد الخليلات!! العنوان
السلوكيات الموضوع
فضيلة الشيخ :
حفظكم الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو من فضيلتكم إعطاء رسالتي بعضاً من وقتكم، وسوف أحاول اختصار المشكلة قدر المستطاع.
قبل حوالي 6 سنوات تقدم زميلي في العمل لخطبتي، وهو شاب على خلق عالي ودين، ولكنة متزوج وعنده أربعة أطفال. أهلي رفضوا لهذا السبب برغم من موافقتي. حاول هذا الشاب عدة مرات ولكن بدون فائدة، وأخيرا وافق أهلي على هذا(33/529)
الشاب (بعد تصميم مني، ومشاكل وتجريح من أهلي)، ولكن بشرط أن يكون لدية بيت ملك وموافقة زوجته (وهذه شروط تعجيزية).
فرحنا بهذا النتيجة، وظننا الأمر سهل. في تلك الفترة قررت ترك العمل، لإرضاء أهلي، ولا أخفيكم بأننا كنا على تواصل، بعد تركي للعمل، لمعرفة آخر الأخبار، ومحاولة حل المشاكل، المهم اتفقنا على أن يبني بيتاً، ويختصر في البناء، يعني لا يبني بدروم، لأنة مكلف جداً، وذلك حتى يستطيع أن يبني دورين، دور لي، ودور آخر لزوجته الأولى.
في تلك الفترة، بدء بعمل مشروع تجاري، وإنشاء شركة، ودخل في عالم المال والأعمال، وزادت مشاكله الخاصة. وكنت كلما أحاول أن أتكلم معه أحس أنه يتضايق ويقول أنا مشغول، أو يقول ممكن بعدين، عندي مشاكل كثيرة.
وبعد كل سنوات الانتظار، أخبرني أن لدية مشروعاً جديداً، وهو الهجرة للعمل في دبي، وقال أعتقد أن أهلك لن يعترضوا، ولن يصروا على حكاية البيت، لأنة كما قال سوف يأخذني معه، فرحت وقلت الحمد لله، أسهل من البناء.
في هذه الفترة أخبرني أنه بني دوراً واحداً وبدروماً، بمعنى أن البيت لأسرة واحدة فقط، وعندما علمت انهرت وتعبت نفسياً، وأحسست أنه طوال هذه الفترة كان يخدعني، خاصة بعد أن قال لي بالحرف الواحد (هم أيضا منتظرين للبيت، وأنه لازم يعدل، وقال هل ممكن أخفي بيت؟!).
ولما سألته عن البيت، لماذا لم يخبرني؟، قال وأقسم بالله إنه لم يكن ينوي بناء بدروم، ولكن المهندس وأخوة، بعد الحفر نصحوه أن يعمل السقف فقط، ويعتبر كأنة بدروم، وفي الأساس هو دور أول وقال إنه لن يخبرني خوفاً من أن أغضب أو أفهم الأمر خطاء. المهم مشروع السفر قوبل بالرفض لعدة مرات، وهو كما يقول لا يزال يحاول.
ومنذ تلك الفترة، وهو ساكت لا ينطق، وأنا منتظرة أن يعمل خطوة إيجابية، ولكنه مشغول بمشاكله، وخاصة بعد مرض والده، مؤخراً، بمرض خبيث، وكذلك انتظاره لموضوع السفر. وأنا الآن لا أعرف ماذا ينوي أن يفعل؟، لأنة لم يعد هناك أي تواصل بيننا من حوالي 4 شهور.
أود أن أحيطكم علماً - يا شيخ- أن عمري الآن 33 سنة!، وأنا مثل أي فتاة أتمنى أن يكون لي عائلة وبيت، وقلبي يحترق من هذا الموضوع.
أرجوكم أنقذوني، فقد تعبت. ماذا أفعل الآن، وكيف أتصرف؟، وأرجو أيضا أن تقول له أيضاً، أي نصيحة أو رأي حتى يحس بالمسئولية، لأني بكل صدق أحس أني ظلمت منه، ومن أهلي، ومن نفسي، أرجو النصح والتوجيه، لي، وللشاب، لأني سوف أعطيه نسخة من ردكم.
وللعلم يا شيخ، أنا إنسانه مؤمنة، وأخاف الله، وكان غرضي من كل هذه الحكاية الستر و والله أني فتاة خجولة ولم أتوقع أن يحدث لي مثل هذه المشكلة. أرجو أن تساعدوني في حل مشكلتي، فانا معتمدة على الله ثم عليكم، ومنتظرة ردكم بأسرع وقت، وأملي فيكم بعد الله كبير. ودعواتكم.
السؤال(33/530)
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الأستاذ أكرم كساب من فريق الاستشارات الإيمانية بقطر:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
فأسأل الله العلي القدير- بداية- أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الزوج الصالح والحياة الطيبة.
ولا شك - أيتها الأخت الكريمة- أن الزواج سنة كونية، وغريزة فطرية، وطبيعة بشرية، وضرورة إنسانية، وسنة نبوية. وقد شاء الله سبحانة أن يجعل هذه الغريزة سبباً في بقاء الجنس البشري، ورأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الزواج. ولم يأنف المسلم في القرون الأولى أن يطلب لابنته الزوج الصالح كما فعل الفاروق عمر رضي الله عنه.
بل لم يعب الشرع أن تعرض المرأة نفسها على صاحب الدين والخلق، الذي لا يُعَيّر ولا يفضح، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوسا فجأته امرأة تعرض نفسها عليه فخفض فيها النظر ورفعه فلم يرِدْها. فقال رجل من أصحابه زوجنيها يا رسول الله قال: " أعندك من شيء؟ قال: ما عندي من شي قال: "ولا خاتما من حديد" قال: ولا خاتم من حديد ولكن أشق بردتي هذه لأعطيها النصف وآخذ النصف قال: " هل معك من القرآن شيء". قال: نعم قال:" اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن"[1].
وكم كان الإسلام حريصاً كل الحرص على اشتراط الصلاح والتُقى ومكارم الأخلاق في كلا الطرفين كما تضافرت بذلك الأحاديث ومنها:
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"[2].
2- عن أبي هريره رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" تُنْكَح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"[3].
ولم ير الإسلام - عيبا صغيرا ولا كبيراً- في زواج المرأة من رجل له زوجة وأولاد، بل هذا يعد مفخرة من مفاخر الإسلام لو أحسنا عرضها، وكم يصاب المرء بالدهشة حين يرى المجتمعات التي تدعي التحضر لا تبرح تعادي تعدد الزوجات الحليلات، ولا تستحي من تعدد الخليلات، ولكن تذهب الدهشة حين يدوي في الأفق قول النبي صلى الله عليه وسلم:( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)[4].
ولكن الحق الذي ينبغي العض عليه بالنواجذ: أن الإسلام لم يجعل أمر التعدد دون تقيد؛ إنما قيده بقيود، وضبطه بضوابط، وحدده بشروط، وقد تحدث الفقهاء من القديم في هذه الشروط وجعلها في أمرين :
الأول: القدرة على الإنفاق.(33/531)
الثاني: العدل بين الزوجات.
وما قام به أهلك أيتها الأخت الكريمة في بادىء الأمر من رفض هذا الأخ المتقدم بسب زواجه الأول؛ إنما هو جهل توارثته الأمة منذ فترات الانحطاط والتخلف، ينبغي أن يُرفع من ثقافة هذه الأمة.
وقد لاحظت أيتها الأخت الكريمة أن هذا الرجل قد تقدم لخطبتك منذ (6) سنوات، ولا أدري كم هي مدة الخطوبة ؟ هل هي (6) سنوات؟ أم أكثر أم أقل؟
وعلى كل فأرى أن طول فطرة الخطوبة- كالحالة التي معنا- ليس من الأمور المحمودة، لما يترتب على طول هذه المدة من وعود قد تخلف، وطلبات قد تقل أو تكثر، أو مستجدات قد تزيد الأمر شدة وعسرة، وهذا ما حدث بالفعل.
وأما ما حدث من بنائه بيته على غير المتفق عليه، فمن الممكن أن يغفر له الأمر ويقبل منه العذر، خصوصا وأنه وعد ببناء دور آخر، ولكن الذي أراه الآن أن فترة الخطوبة تزداد يوماً بعد يوماً، وتتعقد معها الأمور أكثر وأكثر، وتجد مشكلات لم تكن في الحسبان؛ فاليوم – كما تقولين- يتعلل بسفره، وغداً يتعذر بمرض والده ، وبعد غد أمر آخر..وهكذا.
الذي ينبغي فعله الآن أختنا الكريمة: أن تكون مع الأخ الخاطب وقفة صارمة (حسب مدة الخطوبة، فيزداد الموقف بطول المدة) وتوضع من خلال هذه الوقفة النقاط على الحروف، وتكون هذه الوقفة من خلال أهلك بحيث ينظر فيما فعله فيما اشطرته على نفسه أو اشطرته أهلك عليه (ما لم تكن شروط تعجيز) ثم يضرب أجل محدد للدخول وإتمام الزواج؛ وإلا تم العدول عن الخطبة، وكان فسخها، ويقدر الله لك وله الخير حيث كان.
أما نصيحتي التي طلبتيها للأخ الخاطب؛ فأقولوبالله التوفيق:
أولاً: أقول للأخ الكريم إن تصدق الله يصدقك الله، واعلم أن الله كتب على نفسه ـ كما في الحديث ـ أن يعين ثلاثة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)[5].
ثانيا:إن كان في مقدور الأخ الكريم أن يجعل هذه الخطبة زواجاً فليعجل؛ وإن كانت الريح جاءت بما لا تشتهى السفن، ولم يستطع الآن الوفاء بما وعد فليفصح عن وضعه وحاله، والله المستعان في الأولى والآخرة.
وأما أنت أيتها الأخت الكريمة، فاصبري واحتسبي، وأكثري من الدعاء والاستغفار، واعلمي أن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم وغم فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لم يحتسب .
والله أسأل أن يقدر لك الخير حيث كان، وهو نعم المولى ونعم النصير.
طالعي أيضاً :
أحبها.. ولا أستطيع زواجها!!
كيف أحذر صديقتي من خطيبها "الذئب"؟
عريس يريد الصلاح.. أفلح إن صدق
________________________(33/532)
[1]- رواه البخاري في كتاب النكاح(5120).
[2]- رواه الترمذي في كتاب النكاح(1084) عن أبي هريرة، وابن ماجه في النكاح ( 1967) وذكره الألباني في صحيح ابن ماجه ( 1601)
[3] - رواه البخاري في كتاب النكاح(4082).
[4] - رواه البخاري في كتاب الأدب(6120) عن أبي مسعود.
[5] - رواه الترمذي عن أبي هريرة في كتاب فضائل الجهاد(1655) قال أبو عيسى هذا حديث حسن، وذكره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 1917) .
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أبي ينكر القرآن..أيستحق البر؟! العنوان
العقيدة الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نشكر لكم جهودكم القيمة في هذا الموقع المتميز..
لا أريد أن أطيل الكلام عليكم، ومشكلتي تكمن في علاقاتي مع أبي، بكل أسف، أبي رجل يؤمن بوجود الله، ولكنه لا يؤمن بالقرآن والرسول واليوم الآخر، ويكتب كل ذلك هراء، وعلاقتي معه علاقة رسمية بل مع كل أخواتي يتعامل معنا بجفاء ويهزأ مني بشكل مستمر لكن الخلاف الفكري بيني وبينه، وكثيرا ما ينعتني بالتخلف والرجعية، ودائما يتعمد التقليل من شأني.
مع العلم أنني أعمل مدرسة، ما أريد معرفته هو هل أنني محاسبة على شعوري نحوه بالجفاء؟، وبصراحة أكثر، أشعر أحيانا أنني لا أحبه بكل أسف، مع العلم أنني أنفذ له كل رغباته، ولا أعصيه، فهل أنا محاسبة على مشاعري هذه؟. والسلام.
السؤال
الأستاذ جمال عبد الناصر المستشار
الرد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد..
أختنا الفاضلة هالة، مرحبا بك معنا في الاستشارات الإيمانية، وأعانك الله على طاعة والدك، ويسر لك بره..
إجابتي على استشارتك تتبلور من خلال مناقشة النقاط الآتية:
1- عقيدة أبيك في الميزان.
2- بر والدك ولو كان كافرًا.
3-شعورك تجاه أبيك.
أولا: عقيدة أبيك في الميزان:
الإيمان بالله له أصول ستة ورد ذكرها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..(33/533)
يقول ربنا جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: 47]. ويقول سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285].
وقد روى البخاري، في صحيحه، عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث). قال: ما الإسلام؟ قال: (الإسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان). قال: ما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). قال: متى الساعة؟ قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها، وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان، في خمس لا يعلمهن إلا الله). ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله عنده علم الساعة} الآية، ثم أدبر، فقال: (ردوه): فلم يروا شيئا، فقال: (هذا جبريل، جاء يعلم الناس دينهم). قال أبو عبد الله: جعل ذلك كله من الإيمان.
ومن هنا تتضح أصول الإيمان الستة كالآتي:
1- الإيمان بالله.
2-الإيمان بالملائكة.
3- الإيمان بالرسل.
4-الإيمان بالكتب السماوية.
5-الإيمان باليوم الآخر.
6-الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره.
فمنكر واحدة من هذه الست (عامدًا متعمدًا عارفًا بذلك واعيًا غير غافل ولا جاهل ولا مكره) كافر والعياذ بالله.
فأنت تقولين عن أبيك:
"أبي رجل يؤمن بوجود الله، ولكنه لا يؤمن بالقرآن والرسول واليوم الآخر، ويكتب كل ذلك هراء" وبناء عليه فأبوك ينكر: القرآن، والرسل، واليوم الآخر. فهو بذلك منكر لثلاثة أصول من أصول الإيمان الستة.
وواضح أن أباك وقع أسيرا للفكر العلماني العفن، ذلك الفكر المعادي لكل ما هو إسلامي، وكل ما هو ديني ويروج لمثل هذا الفكر المنحط مَنْ تربوا في الغرب أو رضعوا الفكر التغريبي المعادي لدين الله عز وجل، فهم يكرهون المسلمين ويشككونهم في ثوابت دينهم ويخترعون الشبهات والملبسات كل يوم.
يقول عنهم ربنا تبارك وتعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ} [آل عمران: 7].
فهم مرة ينكرون البعث، ومرة ينكرون عذاب القبر، ومرة يطعنون في السنة، ومرة يشنون حملة على رواة الأحاديث وعلى رأسهم الإمام البخاري رحمه الله، وكثيرا ما يرفضون أداء الصلاة في وقت العمل، ويقولون لا تأخذوا من وقت العمل لحساب(33/534)
الجنة والنار – أشهد الله أني سمعت من أحدهم ذلك بنفسي-، ويقولون إن دعاة التدين يفعلون ما يفعلون ذلك لخداع البشر والحصول على امتيازات في المجتمع، ويقولون بأن الجنة والنار وَهْم، والصلاة وهم، المهم القلب !!!
فلا أدري أي قلب هذا الذي يتحدثون عنه؟!، إنه قلب خرب أسود، والعياذ بالله، وهم دائما ما يتفيهقون بالدعوة للعلم، نحن لسنا ضد العلم بل إن الإسلام هو من كرم العلم وأعلى شأن العلماء، وأنه هو المهم وليس الدين.
فيجب علينا دائما أن نتمسك بديننا كي نزيدهم همًّا على همهم وغيظًا على غيظهم {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 19].
ثانيا: بري والدك ولو كان كافرًا:
لطاعة الوالدين مكانة عالية في ديننا الحنيف، فإن الله عز وجل قد حثنا على طاعتهما وقرنها بتوحيده سبحانه فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أو كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:23).
ومهما كانت الظروف وحتى لو وصل الأمر بهما إلى الكفر {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت:8]، {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:15]، فلا بد من الأدب معهما في كل الأحوال حتى ولو وصل الحال بهما إلى الكفر والشرك فلهما حق البر والمصاحبة.
ولقد قرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقوق الوالدين بالشرك بالله حيث قال: "إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس؛ وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة" (أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن حبان في صحيحه).
ولنا في الخليل إبراهيم القدوة الحسنة إذ ابتلي في أبيه الذي كان يصنع الأصنام فماذا فعل معه؟ وكيف دعاه؟ فهل سخر منه واستهزأ به؟ هل سبه وشتمه وعيره بأنه جاهل كافر يعبد الأصنام؟!!..
تعالي إلى القرآن لننظر ماذا يقول الله عز وجل في كتابه عن هذا الموقف العصيب:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:41-47].(33/535)
هكذا ظل الخليل إبراهيم -عليه السلام- يدعو والده بكل أدب واحترام وود، واختار أفضل وأرق الأساليب {يَا أَبَتِ} كي يستميل قلب أبيه ويدعوه بالحسنى، ولكن أباه أبى واستكبر فماذا قال له: {سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}.
فيا له من أدب وخلق، ويا له من تحلٍّ بالأخلاق الحميدة، ويا له من صبر وتصبر في طريق الدعوة.
إن ما ينبغي عليكِ فعله يا أختاه تجاه ما ترين أنه خطأ يرتكبه والدك في حقك وحق دينك أن تشيري إلى هذه الأفعال المشينة من بعيد، ومن آن لآخر، دونما لوم أو تقريع، لعله يتراجع أو يتعلم.
ثم عليك أن تنطلقي في إكرام والدك بالاستماع إليه، والاقتراب منه، ورعاية شئونه، ووفري على نفسك وعليه الصدام حول القضايا والمشاكل والأشياء التي تختلفان فيها، واصنعي من الحب والود بينك وبينه رسولا ترسلين عليه نصائحك، فهذا الأسلوب من حسن المعاملة هو جوهر البر الذي يختلف بطبيعته عن المعاملة بندية، أو المعاملة بالمثل، أو ما يقترب من ذلك.
فلتجلسي مع والدك مصغية متأملة لا مناقشة أو مجادلة، ولا ناقدة أو متصيدة للخطأ متحفزة لإثارة الاختلافات، وستجدين الكثير من النقاط التي يمكنك الدخول إليها والتواصل معه فيها.
ومن الأساليب الناجحة في علاج تلك المشكلة أن تتجنبي مواجهته أو تجريحه، فهذا الأمر شديد القسوة على الأب والأم كذلك، وعليك أن تكثري من دعوته إلى الأمور الطيبة بدلا من النهي المباشر عن تلك الأفعال والأقوال وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة.
كما ينبغي أن تحرصي أيضا على إضفاء روح وجو إسلامي على البيت عن طريق:
* العبادات، والتعليقات الإسلامية، وصلاة السنن، والتحلي بحسن الخلق.
* توفير الشرائط التي تتحدث عن أخطاء العقيدة، وتصحيح المفاهيم، وتعلم الآداب الإسلامية وكيفية معاملة الأبناء واحترام آرائهم.
* محاولة إسداء النصح لوالدك بطريق غير مباشر عن طريق أحد الأقرباء أو الأصدقاء.
فهذه الأمور لها أبلغ الأثر في محاربة المفاسد وإصلاح كافة الأمور.
* صلي بالليل وادعي الله كي يهدي أباك ليرجع عن شبهه وضلاله.
ثالثا: شعورك تجاه أبيك:
فكونك تشعرين تجاه أبيك بعدم الحب وكذلك تشعرين بالجفاء فهذا طبيعي فقد قال الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]. فهذا أمر طبيعي لن يؤاخذك الله عليه فما هو مطلوب منك هو المصاحبة لأبيك حتى يرجع عن كفره وضلاله، أما الود فليس من حقه عليك، فله عليك حق المصاحبة فقط ما لم يرجع عما هو فيه.
وأخيرا..(33/536)
نتمنى من الله أن يحفظك ويوفقك لكل خير، ولا تنسي أن تتقربي من الله وتصلي له بالليل والناس نيام داعية إياها وهو سبحانه الجدير بالإجابة أن يهدي أباك لما فيه الخير عساه يهتدي ويرجع عن غيه، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين..
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أعترف : العلاقات المحرمة.. خراب! العنوان
الأخلاق الموضوع
أريد أن أبدأ الحديث وإن كان طويلا بالشكر لكل من قام بالجهد في هذا الموقع.
أما بعد.. فأنا من القراء المواظبين لهذا الموقع وصفحة مشاكل وحلول، ولأني شاب فإني مهتم أكثر بمشاكل الشباب، وقد لاحظت كثرة الرسائل المرسلة من الشباب يحكون فيها عن المشاكل الجنسية التي وقعوا فيها بمفردهم أو مع أشخاص آخرين مثل boyfernd or girlfren أو حتى الخطيب أو الخطيبة.
المهم أني قد وقعت في إحدى هذه المشاكل مرة في حياتي؛ حيث إني أحببت فتاة، وكنت ناويا أن أتزوجها، ولقربنا من بعض ولقوة العلاقة بيننا وكثرة اللقاءات والمكالمات وقعنا في المحظور إلا الزنا، والحمد لله على الحفاظ، إلا أني بعد أن تركت هذه الفتاة تأثرت جدا بما فعلته معها، وعاتبت نفسي عتابا لا يتصور، وقلت: كيف أفعل هذا وأنا الذي يصلي بانتظام، وأنا لي أخت أخاف أن يرد فيها.
وفكرت مليا كيف حدث هذا ولماذا يحدث أساسا مع أني أرفض الجنس الرخيص، وقد عرض علي تكرارا من أناس آخرين ولكنى رفضت وبدون تردد؛ فكيف إذن أقع في هذا؟ فوجدت أن هناك عدة عوامل، من أهم هذه العوامل الإعلام الإعلام، نعم أركز على هذه الكلمة؛ لأنها ليست مجرد كلمة ولكنها حياة نعيشها كل يوم وكل لحظة؛ فنحن محاصرون بالإعلام في كل مكان في المنزل والعمل والشوارع ووسائل المواصلات كل مكان من إعلان مرئي أو مسموع أو مقروء.
لقد وجدت أن الإعلام لا يقدم لنا إلا كل ما هو سيئ، نعم حتى لو قلنا: إنه يقدم البرامج الدينية فإذا قارنا المساحة الوقتية للإيمانيات وما دون هذا نجد أنها لا تتعدى 20% عن دراسة وليس افتراء، وكيف إذن بكوب من اللبن إذا وضعت فيه نقطة حبر، فإنه سوف يتعكر، وهذه ليس بنقطة ولكنها زجاجة كاملة من الحبر الملقى علينا وعلى قلوبنا حتى تغير المفاهيم والقيم، نعم أصبح من المعتاد أن يرتبط الشاب والفتاة بارتباط ليس له أي نوع من الشرعية، على أمل أن يتزوجوا، وهو طبعا ما أدخله الإعلام إلينا.
إني أصرخ من داخلي أصرخ صرخة أود أن يسمعها كل العالم وكل الناس لأن يفيقوا، وأن يروا الحقيقة وأن يروا كيف يتمزق قلب كل شاب وفتاة من جراء هذه العلاقات المحرمة والأغاني التي تركز على هذه العلاقات والتي تذاع في كل مكان، ولا يمكن التوقف عن الاستماع إليها؛ حتى أصبح من لا يستمع إلى الأغاني شخصا غريبا أو مريضا.
نعم لقد قيل لي -وأنا بفضل الله لا أسمع الأغاني- أني مريض.. تصوروا! أرجو منكم أن تصرخوا معي وأن تذيعوا هذه الرسالة على مقدمة الموقع وعلى مقدمة كل موقع،(33/537)
وأرجو عدم حذف أي شيء منها، وإذا أمكن إضافة معبرة صادقة من أخ يريد الخير لكل المسلمين المبعثرين والمنهمكين في علاج الخراب الناتج من جراء هذه العلاقات وهذا الإعلام الفاسد. آسف على الإطالة، ولكن الحديث أكبر من هذا بكثير.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
أهلا وسهلا بك أخ محمد على صفحات موقعنا، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله أن يجعلنا أهلا لهذا الثقة. كما نشكر فيك أخي إيجابيتك وحرصك على توصيل الخير لإخوانك المسلمين.
لقد وقفت أمام مشاركتك طويلا، واسمح لي أن أسميها مشاركة؛ ذلك لأنك عرضت فيها مشكلتك الخاصة وموقعها من منظومة المشاكل الاجتماعية والشبابية في مجتمعاتنا، ثم عرضت سبب هذه المشكلة وحصرته في الإعلام، وتريد توصيل رسالتك ونشرها عن طريق موقعنا. ونحن نرحب بهذه الإيجابية والحرص على نشر كلمة الخير وتوصيل رسالة الالتزام إلى كل المسلمين؛ عسى الله أن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال.
إضافتي على مشاركتك هي إعادة قراءتها معك وتصنيفها في محاور حتى تسهل قراءتها والاستفادة منها. وهي كالتالي:
أولا- الشباب والجنس المحرم:
وهو ما عبرت أنت عنه بـ"البوي فرند" و"الجيرل فرند"، وكما هو واضح من هذه التسمية فإننا وصلنا لدرجة من الانهزامية النفسية والتبعية للغرب في كل صغيرة وكبيرة، وحذونا حذوهم حذو القذة بالقذة؛ حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلناه وراءهم، وهو ما أخبر وحذر منه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. فلبسنا بذلك أقمصة لم تكن مصنوعة لنا فسرنا مسخا؛ فلا نحن حافظنا على هويتنا ولا نحن طبقنا ما استوردناه تطبيقا صحيحا، ولكننا –للأسف- أخذنا قبيحه وتركنا حسنه.
ويمكن يا أخي أن نحدد بعض الأسباب التي أوصلتنا لهذه الدرجة في:
• البعد عن منهج الله تعالى، واستعارة مناهج غربية وشرقية وتطبيقها في حياتنا؛ فابتعدنا عن فطرة الله التي فطر الناس عليها.
• عدم الحرص على التربية الذاتية وتنمية الدافع الإيماني لدى الأفراد وخاصة الشباب حتى يستطيعوا مواجهة موجة الفتن والتغريب التي تهب علينا.
• الغلاء والفقر اللذان سيطرا على مجتمعاتنا؛ حتى تعذر الزواج على الشباب والفتيات، فذهبوا ليقضوا شهواتهم خلف الأبواب المحرمة.
• ثقافة الإعلام وما ينشره من تزيين للرذيلة وتنفير من الفضيلة.
ثانيا: علاقتك أنت بفتاتك:(33/538)
إن ما حدث معك أخي الحبيب هو نموذج ومثال لما يحدث مع كثير من شبابنا هذه الأيام، ولكنك بحمد الله عرفت خطأك ورجعت وندمت بعد أن تركت هذه الفتاة، ولي مع ما حدث معكما عدة وقفات:
• ليست يا أخي الحبيب -وهذا الكلام موجه لكل شبابنا- نيتك للزواج مسوغا للقاءات الغرامية والاختلاء بالفتاة؛ فحتى لو تقدمت لخطبتها فأنت ما زلت أجنبيا عنها، فالخطبة ما هي إلا وعد بالزواج؛ فيحرم عليك ما يحرم على الغريب عن هذه الفتاة حتى ترتبطا بالعقد الشرعي.
• وهذه وقفة مع هذه الفتاة التي كنت تنوي الارتباط بها –وهذا الكلام موجه لكل فتياتنا أيضا- كيف يا أختي تسمحين لشخص غريب بأن يختلي بك ويهتك ستر عفتك وعفافك؟! ألم تسمعي عن آلاف القصص التي تحدث بين الشباب والفتيات والتي تكون أفضل نهاية لها أن يعقد عليهما في أقسام الشرطة والمحاكم، هذا إذا كان الشخص "ابن ناس" وعنده بقية من حياء واعترف بخطئه. ولكن كثيرا من هؤلاء الشباب يتركون الفتاة المسكينة تواجه الوعد المحتوم من المجتمع وأهلها ويتنصلون منها ويهربون. فيا أختي إذا جاءك من ترضين دينه وأمانته زوجا لك فاطلبي منه أن يأتي البيوت من أبوابها وأن يطلبك من أهلك، ثم لا تمكنيه من أي شيء من نفسك حتى يصير زوجا شرعيا لك، واحذري مداخل شياطين الإنس والجن وحبائلهم.
• تقول يا أخي: إنكما فعلتما كل شيء، وفعلتما المحظور إلا الزنا، ولم توضح لنا ما هو هذا المحظور؟ ولكن ما يهمنا أن ننبه أن الشيطان لا يأتي للإنسان ويقول له: تعال ازن مع فلانة، ولكنه يأخذ بيديه خطوة خطوة حتى يقع في هذه الجريمة وهو لا يدري، ولذلك حذرنا الله تعالى من كيد الشيطان فقال: {وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ}. فاحمد الله أن وقف بكما الأمر عند هتك ستر الله فقط ولم تهتك ستر فتاتك وفضحها أمام المجتمع الذي لا يرحم.
• بعد تركك لهذه الفتاة ندمت كثيرا على ما فعلت معها، ولم ندرِ هل ندمك جاء بعد فقدك لأسباب المعصية وعدم استطاعتك الوصول لها أم أنك رجعت إلى دينك وضميرك، وأنك لو أن هذه الفتاة استمرت معك كنت ستتركها وتتوب؟ المهم أنك تبت ونسأل الله أن يغفر لك. ولكن مما لفت نظري في كلامك أنك عاتبت نفسك وقلت: أليست لي أخت؟ وهنا تذكرت ما فعله الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- مع ذلك الشاب الذي جاءه وطلب منه أن يرخص له في الزنا فقال له المعصوم صلوات ربي وتسليماته عليه: "يا هذا أتحب أن يزني أحد بأمك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن تزني بأمّهاتهم، قال: أتحب أن يزني أحد بامرأتك؟ قال: لا. قال: فالناس لا يحبون أن يزنى بزوجاتهم، فقال الرجل: تبت إلى اللّه تعالى".
ثالثا: الإعلام ودوره في واقعنا:
أنا معك يا أخي فيما تراه من مسئولية للإعلام فيما نحن فيه من انحطاط؛ بسبب دعواته الصريحة إلى الرذائل والموبقات، وندرة ما فيه من دعوة للفضيلة والحث عليها، وهو له ما له من مقدرة على تزيين هذه الرذائل، خاصة أنه لا يوجد بيت الآن –إلا ما رحم ربي- يخلو من وسيلة إعلامية.(33/539)
ولكن هل فعلا المسئولية كلها تقع على الإعلام وحده، أم هو مظلوم في بعض الأمور؟
أنا أرى أنه من الظلم تحميل الإعلام المسئولية الكاملة عما نحن فيه؛ فالإعلام يا أخي كما فيه قنوات إباحية وماجنة فيه قنوات دعوية وهادفة، خاصة مع انتشار أطباق الدش والإنترنت، ولا يأتي أحد ويجبرنا على الدخول لقناة بعينها أو موقع بعينه، ولكن الواحد منا هو الذي يدخل بكامل إرادته إلى ما يريد.
إذن فالأمر يقع جزء منه على التربية الخاطئة والبعد عن منهج الله تعالى؛ فلو أننا ربينا أبناءنا تربية صحيحة على الإيمان بالله والبعد عن معاصيه فلن يضيرهم بعد ذلك أن تتركهم أمام التلفاز أو النت؛ فإن إيمانه وفطرته السليمة تمنعه من الوقوع في المعصية.
وأود أن ألفت نظرك هنا إلى أنه لا يخلو عصر من العصور من وسائل للإغراء وتزيين المعاصي. فإذا كنا نعاني من الإعلام الماجن فإن الإسلام حين جاء كانت هناك صاحبات الرايات الحمر اللواتي ينصبن أعلاما حمراء على خيامهن وبيوتهن كعلامة لكل من أراد المتعة المحرمة. وجاء الإسلام ودخل فيه الناس أفواجا من شيوخ وشباب وفتيات، ولكن هؤلاء الشباب الذين ملأ الإيمان قلوبهم ونور بصائرهم وأبصارهم عصمهم إيمانهم وتقواهم ومراقبته لله أن يلتفتوا إلى هذه المعوقات والفتن رغم أنهم كانوا حديثي عهد بها؛ فإذا كان لدينا الإعلام الفاسد فهم كان لديهم الأعلام الحمراء، ورغم ذلك خرج منهم الشاب علي بن أبي طالب الذي ضحى بنفسه وباعها لله فنام مكان الرسول ليلة الهجرة. وخرج منهم الشاب الفتيّ المدلل مصعب بن عمير الذي ترك الدنيا ومتاعها وملذاتها وآثر ما عند الله ورسوله. وخرج منهم أسامة بن زيد الذي قاد الجيوش وهو في سن الفتيان، وأمثال هؤلاء يا أخي كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ثم يا أخي إذا نظرنا في واقعنا وزماننا الحالي فإننا نرى نماذج مضيئة من شباب توفرت لهم أسباب المعاصي والمتع المحرمة ولكنهم ابتعدوا عنها ولم يرضخوا لإغراء الدنيا لهم وقالوا لها: "يا دنيا غري غيري". بل إن منهم من تواجد في بلاد الغرب المليئة بالفتن ما ظهر منها وما بطن وتجدهم أحرص على دينهم من كثير ممن تواجدوا في بلاد العرب والإسلام.
وأقول لك يا أخي:
إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الجنة حُفت بالمكاره وأن النار حُفت بالشهوات، وأن الله تعالى شاءت إرادته وحكمته أن يوجد هذه المغريات حتى يبتلينا أنصبر أم نضل ونهوى؟ فعلى قدر أولي العزم تأتي العزائم وعلى قدر صبر الشاب والفتاة على أسباب المعصية يكون الأجر والثواب.
وقبل النهاية:
هذه صرخة ونداء إلى الآباء والأمهات: اتقوا الله في أبنائكم، ربوا أبناءكم على الإيمان بالله، ربوهم على مراقبة النفس، اقتربوا منهم وتعرفوا على مشكلاتهم، صححوا لهم المفاهيم والحقائق ولا تتركوهم نهبا لذئاب الإنس والجن، أصلحوا ما(33/540)
فسد من قلوبكم وأعمالكم ينصلح حال أبنائكم، لا تشغلنكم أعمالكم عن أبنائكم؛ فهذه أمانة وسيسألكم الله عنها.
وهذا نداء لأولي الأمر:
اتقوا الله في شباب الإسلام؛ فهم عماد الأمة وسر نهضتها، وجهوا الإعلام لما فيه خير الأمة، حاربوا الموبقات وأسباب المعصية في الإعلام، يسروا لشبابنا سبل الزواج وأعينوهم عليه، اعلموا أن في رقبتكم أعظم مسئولية وأمانة وأنكم مسئولون عنها أمام الله؛ فأعدوا لهذا السؤال جوابا وللبلاء جلبابا.
وهذا نداء للشباب:
اتقوا الله في أنفسكم، راقبوا الله في كل سكناتكم وحركاتكم، لا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم، جددوا ذاتيتكم الإيمانية بأداء الفرائض والإكثار من النوافل، احذروا مداخل الشيطان وحبائله واستعينوا على ذلك بذكر الله فإنه حصن لكم من المعاصي، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، تعرفوا على أحكام دينكم وطبقوها في حياتكم، خذوا قدوتكم من نبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، اعلموا أنكم في فترة من أغلى فترات العمر وأن الله سائلكم عنها يوم القيامة مرتين.
وفي النهاية:
أخي الحبيب هاهو صوتي يصرخ وينضم مع صوتك، ونسأل الله أن يبلغ عنا وأن يخلص نياتنا، إنه نعم المولى ونعم النصير. وتابعنا بأخبارك ..
ـــــــــــــــــــ
حلول إيمانية للتوبة من العادة السرية العنوان
أمراض القلوب الموضوع
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حياكم الله بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أود أن أشكركم على هذا الموقع الجميل، وأتمنى أن تجيبوني على سؤالي هذا، فأنا مدمن علي كدح اليدين (العادة السرية)، وأنا غير راض عن نفسي، فماذا أفعل للتخلص من هذه العادة السيئة؟، أريد حلولاً إيمانية، انصحوني يرحمكم الله. و جزاكم الله خيراً.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يقول الدكتور عز الدين توفيق، أستاذ الدراسات الإسلامية بالمغرب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
أخي الكريم/ نسيم(33/541)
شكر الله لك سؤالك عن أمر دينك، وأسأل الله العظيم أن يصلح لك شأنك، وأن يرزقك الإيمان الصادق والفاعل الذي يعينك على التخلص مما تشكو منه، وحتى أكون عملياً، فإنني أقدم لك هذه الباقة من النصائح :
أولاً: أسرع بالزواج، إن استطعت، حتى لا يبقى هناك داع لفعل هذه العادة، فمما لا شك فيه أن الزواج إحصان وعفة، وهذا ما نبهنا إليه حبيبنا صلى الله عليه وسلم، في حديثه المشهور الذي رواه البخاري ومسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة الأسود على عبد الله، فقال عبد الله : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابا لا نجد فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).
ثانياً : اعلم أن هذه العادة عند طائفة من أهل العلم محرمة، وليس جميع العلماء يبيحها.
ثالثاً : أن جميع العلماء يرونها مخلة بالمروءة، ويستدلون على ذلك بأن صاحبها لا يمارسها إلا سراً.
رابعاً : أن تستحضر ما ذكره بعض الأطباء من أضرار هذه العادة.
خامساً : أن تتجنب المثيرات التي تهيج نفسك وتدفعك إلى ممارسة هذه العادة، مثل الأفلام والمسلسلات والمجلات الخليعة، والصور المثيرة للغرائز.
سادساً: أن تواظب على صوم النافلة حتى تنصرف عن هذه العادة يوم صومك وحتى تقوى إرادتك فتثبت على اجتنابها .
سابعاً : أن تملأ أوقاتك بالنافع والمفيد، حتى لا يبقى عندك فراغ يجرك إلى التفكير في الأمور الجنسية.
ثامناً : لا تأتي إلى فراش نومك إلا عندما تشعر بالحاجة إلى النوم، أن تنام، وإذا أخذت مضجعك فلا تنم على بطنك، ونم على جانبك الأيمن، واصرف ذهنك عن الخيالات المثيرة، واشغل لسانك بالذكر حتى تنام.
تاسعاً : مارس بعض الرياضيات وتجنب الأغذية التي تشعر أنها تهيج نفسك.
عاشراً: لا تيأس إذا عدت مرة أخرى وجدد المحاولة حتى تنتصر بإذن الله فإن تغيير العادات من الأمور الصعبة لكنها ليست بالمستحيلة.
وتوضح دراسة أعدها الباحث رامي خالد عبد الله الخضر، بعنوان (الانتصار على العادة السرية.. وسائل عملية للوقاية والعلاج منها) :" هناك آثار ملموسة وأخرى غير ملموسة، لممارسة العادة السرية، ومن الآثار الظاهرة والملموسة :
(1) العجز الجنسي (سرعة القذف، ضعف الانتصاب، فقدان الشهوة).
(2) الإنهاك والآلام والضعف .
(3) الشتات الذهني وضعف الذاكرة .
(4) استمرار ممارستها بعد الزواج .
(5) شعور الندم والحسرة .
(6) تعطيل القدرات .(33/542)
هذا عن الآثار الملموسة، أما عن الآثار غير الملموسة، والتي هي أضرار ليس من الممكن ملاحظتها على المدى القريب بل وقد لا يظهر للكثيرين أنها ناتجة بسبب العادة السرية إلا أن الواقع والدراسة اثبتا أن ممارستها تسبب ما يلي:
(1) إفساد خلايا المخ والذاكرة:
(2) سقوط المبادئ والقيم.
(3) زوال الحياء والعفة .
(4) زيادة معدل الطلاق وتعدد الزواج وشيوع الفواحش.
أما عن خطوات الوقاية والعلاج، فإنني ألخصها لك في النقاط التالية :
ا - التماس عون الله عز وجل لك وذلك :
* بالطهارة الدائمة من الجنابة وإتقان الوضوء
* بأداء الصلوات الخمس في المساجد ولا سيما الفجر والعصر
* بأداء النوافل قدر المستطاع
* بالدعاء والخضوع الدائم لله عز وجل
* بالاستغفار الدائم في حالة وقوع المعصية وعدم اليأس من رحمته تعالى
* بالإكثار من صلاة وصوم التطوع فهما خير معين على مقاومة الشهوات
2- توفير سبل مرافقة الملائكة وذلك :
* بإبعاد الصور والمجسمات من الغرفة والسيارة وأماكن التواجد.
* بعدم الانغماس في اللهو من غناء ورقص وأفلام وتدخين ومسكرات.
* بعدم التعرّي أو شبه التعرّي عند الانفراد في الغرفة ولا سيما للإناث.
* بطرد الشياطين من أماكن وجودهم بالأذكار الشرعية
* بالتواجد في بيئة الملائكة كمجالس الذكر والصلاة وبقراءة القرآن وذكر الله.
3- تنظيف وتطهير خلايا المخ من العفن المتراكم فيها وذلك:
* بعدم السماح للعقل بالتفكير في أي خيال جنسي أو أي أمر محرك للشهوة.
* باجتناب سماع الأغاني (المثيرة) وترديدها والرقص عليها.
* بالبعد عن مشاهدة الأفلام ( الماجنة) والصور الجنسية وكل محرك للشهوة .
* بالبدء في ملء حيز من الذاكرة لحفظ القرآن وغيره من المحفوظات النافعة ففي ذلك أجر وتطهير للذاكرة واستبدال للعفن المتراكم في الذاكرة بما هو نافع ومفيد.
* بالبدء في تخصيص جزء من العقل للتفكير في الأمور الهامة مثل واقع المسلمين في العالم والدعوة إلى الله ومساعدة الآخرين على الهداية ومحاربة المحرمات بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالتفكير في الفقراء والمساكين والأيتام ومشاركة الجمعيات الخيرية في أنشطتها واستغلال الوقت والفكر لمثل هذه الغايات السامية .
* بالذهاب للمقابر والمستشفيات والإطلاع والتدبر في واقع المرضى والموتى واستشعار نعمة الخالق وملأ التفكير بهذه المنبهات.
4 - مقاومة فتنة النساء :
ويقصد بذلك فتنة النساء للرجال وكذلك الفتن من عورات الرجال للنساء وذلك :(33/543)
* بالبعد عن أماكن التجمعات المختلطة كالأسواق وغيرها إلا للضرورة القصوى وان كان ولابد فليتحرّ الرجال الأوقات التي يقل فيها تواجد النساء في هذه التجمعات مثل الصباح أو بداية العصر وكذلك الأمر بالنسبة للنساء.
* إذا حدث وتم مصادفة ما يفتن ليس للمرء أن ينظر إلى هذه الفتنة ويحدّق النظر فيها حتى وان كانت المرأة سافرة متبرجة أو كان في الرجل ما يلفت النظر في اللباس أو السيارة وغير ذلك، يجب غض البصر فورا لكي يبدل الله هذه الفتنة بلذة إيمان يجدها العبد في قلبه (كما جاء في معنى الحديث ).
* بعدم السماح للمحيطين من أصدقاء أو أقارب بالحديث عن علاقاته الخاصة وكذا الأمر للفتيات سواء كانت هذه العلاقة شرعية أو محرمة وليطلب منهم وبشدة الكف عن ذلك وإلا فليتجنب مرافقتهم والحديث معهم.
* بتجنب النظر غير المباشر للنساء المتبرجات أو إلى مختلف عورات النساء والرجال المحرمة وذلك عبر التلفزيون أو المجلات ولا يتساهل الجميع في متابعة التلفاز و القنوات الفضائية.
* بالزواج ثم الزواج ثم الزواج بذات وذو الدين .
5 - عادات عند النوم، احرص على ما يلي:
* عدم النوم وحيدا في معزل عن الآخرين أو في غياب عن أعينهم ففي ذلك سبيل ومدخل للشيطان وباعث على الخيال والتهيّج.
* النوم على وضوء وبملابس طاهرة وعلى فراش طاهر والحذر من النوم على جنابة.
* قراءة المعوذتين (3) وآية الكرسي ودعاء النوم ثم النوم على الشق الأيمن .
* عدم النوم على البطن ( الانبطاح ) فقد يكون ذلك محركا ومهيجا وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأنها ضجعة يبغضها الله سبحانه وتعالى .
* عدم الاستلقاء على الفراش إذا لم يتم الشعور بنعاس أو لم تكن هناك رغبة في النوم
* النهوض سريعا عند الاستيقاظ وعدم التكاسل على الفراش حتى لا تتحرك الشهوة بعد النوم والراحة.
* عدم النوم عاريا أو شبه عاريا أو بملابس يسهل تعريّها .
* تجنب استخدام الأقمشة الحريرية أو الناعمة في الملابس والأغطية فكل ذلك قد يحرك الشهوة عند أقل احتكاك.
* تجنب احتضان بعض الأشياء آلتي اعتاد عليها البعض اليوم كالوسادة أو الدمى كبيرة الحجم وغير ذلك.
* النوم على الفطرة وذلك بالنوم ليلا مبكرا والاستيقاظ لصلاة الصبح وتجنب النوم بين المغرب والعشاء أو النوم الطويل الذي يضيع الفروض في أوقاتها.
* حفظ الأدعية المأثورة أو ما تيسر منها وترديده عند النوم
6 - عادات تتعلق بالطعام :
* من المعلوم أن امتلاء المعدة بالطعام من أهم الأمور المحركة للشهوة ، لذلك يجب الحرص على تلافي الشبع وامتلاء المعدة .(33/544)
* الحرص على صيام الاثنين والخميس أو صيام يوم بعد يوم والمداومة على ذلك وعدم التوقف سريعا بحجة عدم الاستفادة ، ففي ذلك أجر وتغلب على شهوة الطعام .
* لا يكن إفطار الصائم وسحوره من الوجبات الدسمة مما لذّ وطاب من الدهون والسكريات والنشويات واللحوم ولتكن وجبات خفيفة وقليلة من هذه الأصناف قدر المستطاع .
* التقليل من عدد الوجبات وليس هناك داع لثلاث أو أربع وجبات دسمة يوميا بل تنظّم الوجبات ويقلّل عددها .
* الابتعاد عن الأطعمة التي تتركز فيها الأملاح بشكل كبير مثل المأكولات البحرية ( السمك والجمبري ... الخ ) وكذلك المكسرات ( اللوز والفستق ... الخ )
* عدم الأكل إلا إذا تم الشعور بالجوع و ترك الطعام قبل أن يتم الشبع منه .
* تسمية الله قبل الأكل والأكل باليمين ومما يلي .
7 - عادات عند الاغتسال ( الاستحمام) :
* عدم نسيان دعاء الدخول إلى الحمام
* الحرص على الاستحمام بأسرع وقت ممكن وعدم قضاء وقتا طويلا غرقا في الصابون وفي الدعك والفرك وملامسة الأعضاء المحركة للشهوة .
* عدم الانجراف وراء أي فكرة جنسية يبدأها الشيطان .
* عدم غسل العضو بماء بارد فذلك قد يؤدي إلى زيادة التهيج والانتصاب وليستخدم الماء الفاتر.
* التنشيف سريعا بعد الانتهاء وارتداء الملابس والخروج فورا من الحمام .
8 - في استغلال الوقت :
* بدأ اليوم بالاستيقاظ لصلاة الصبح وتأديتها في جماعة للذكور ويستحب الاستيقاظ قبل ذلك بساعة لقيام الليل والدعاء والاستغفار للجميع.
* يلي ذلك قراءة ما تيسر من القرآن أو كتب الأدعية أو الكتب الهادفة.
* المضي إلى اليوم العملي ( مدرسة أو جامعة أو وظيفة أو أعمال منزلية).
* تجنب النوم بعد العصر إلى المغرب أو العشاء واستبداله بنومة خفيفة بعد صلاة الظهر( القيلولة) إن أمكن.
* استثمار وقت المساء المفيد مثل دورات تدريبية في اللغة الإنجليزية والكومبيوتر، أو حضور ندوات ومحاضرات ودروس نافعة ومجالس ذكر وعبادة مع رفقاء خير وصلاح والحذر كل الحذر من التسكّع أو الانشغال بالتفاهات.
* تناول عشاء ( خفيفا ) مع الأهل ومحاولة النوم حوالي العاشرة مبكراً ما استطعت.
* القيام بزيارة أسبوعية أو شهرية لبعض الحالات المرضيّة الصعبة في المستشفيات أو دور الأيتام والعجزة أو المعاقين وكذلك زيارة القبور فكل ذلك يذكر بنعمة الخالق.
9 - الأصدقاء :
الأصدقاء من أهم الأسلحة التي تؤثر في المرء وقد قالوا قديما " أن الصاحب ساحب " وقالوا كذلك " من صاحب المصلين صلّى ومن صاحب المغنين غنّى " وجاء في شعر العرب " عن المرء لا تسل وسل عن قرينه إن القرين إلى المقارن ينسب ".(33/545)
والأصدقاء إما أن يكونوا رفقاء سوء، وهؤلاء يجب البعد عنهم واستبدالهم بأصدقاء الخير والصلاح الذين يخافون الله .
10 - للمستقبل :
* عدم اليأس إذا وجدنا إن البداية صعبة أو إن النتائج غير مرضية ولنجعل التفاؤل والأمل هما الغالبان لأن من مداخل الشيطان على الإنسان اليأس .
* إذا قاوم صاحب المعاناة لفترة ثم هزم فلا يولد ذلك شعورا بأنه لا يستطيع للأبد بل ليعد وليبدأ الخطوات من جديد وما ذلك إلا دليل على أن الشيطان قد لمس فيه الصدق والصلاح فكرّس مجهوده ولا ننس دائما أن الله تعالى لم يخلقنا على الكمال لذلك كلما أخطأنا نعد ونستغفر ونطلب العون من الله عز وجل .
* عدم استعجال الشفاء فهو داء ليس سهلا ولا بأس من التدرج الصادق مع عدم إعطاء الشيطان فرصة لاستغلال هذا التدرج للدخول مرة ثانية من خلاله
ـــــــــــــــــــ
وسائل عملية للفرار إلى الله العنوان
غذاء الروح الموضوع
الإخوة الأحباب في إسلام أون لاين :
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
إخواني الأفاضل قد يكون سؤالي غريباً وقد يكون أسلوبي مشتتاً لتشتت أفكاري، بل قد أكون أضع سؤالي في المكان الخطأ، ولكن أرجو الصبر علىّ والدعاء ليَ .
إخواني الأحباب:
سؤالي حول النية في أعمالي، وذلك أن كثيراً من الأعمال الصالحة ذكر فيها القرآن أو الأحاديث فوائد دنيوية، ومنافع تتحقق في الحياة الدنيا، وقد أجد نفسي استغفر الله لأني أريد الخلاص من مشكلة معينة أو ورطة ما، أو أجد نفسي أغض بصري من أجل أن يرزقني الله الزوجة الصالحة، أو أحافظ على وردى حتى يرزقني الله القبول في قلوب الناس عامة والمدعوين خاصة، وهكذا في أعمال كثيرة إيمانية ودعوية دائما يذهب فكرى إلى العاجلة والأجر الدنيوي .
ومن أشد الأمثلة على نفسي، أني عندما أردت خطبة إحدى الأخوات كنت أستشعر عفة عجيبة لم أعهدها من نفسي قبل ذلك، فلما لم يقدّر الله الأمر عدت ناكصا على عقبىّ إلى كثير من الذنوب المتعلقة بالشهوة، فأصبحت كالتي نقضت غزلها، فهل يحبط عملي بهذه النوايا الدنيوية؟، وهل حبطت عفتي في فترة الخطبة هذه؟ وكيف أقوى في قلبي استشعار السعي إلى الآخرة (رجاء وسائل عملية) و جزاكم الله ألف خير.
ملحوظة: كنت قد وضعت سؤالي في صفحة استشارات دعوية فدلوني على صفحتكم وسعدت جداً عندما وجدت إمكانية الإرسال إليكم ولم يصدمني ( العداد) كعادة إسلام أون لاين!
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد(33/546)
تقول الأستاذة منى عبد الهادي هاشم عضو فريق الاستشارات:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
جزاك الله خيراً علي صدقك مع نفسك، وحرصك على تقوية إيمانك، وإخلاصك لربك الذي هو مطلع على قلبك، فهو يعلم السر وأخفى.. أما عن سؤالك
الأخ الكريم :
فإنه كثيرا ما يعرض للإنسان مثل تلك الأفكار التي عرضت لك، غير أن المؤمن الحق دائما يجاهد نفسه وينقي مقصده ويخلص نيته ويتوجه لله بعمله بين الخوف والرجاء، طامعاً أن يتقبل الله منه عمله وأن يسلم من تلبيس إبليس اللعين ومن مدافعة نفسه التي بين جنبيه، جاعلاً "رضا الله عز وجل" أسمى مطالبه، سائلاً الله تعالى أن يصلح دينه الذي هو عصمة أمره، ودنياه التي فيها معاشه، وآخرته التي إليها ميعاده .
ولعل من المناسب – أخي الكريم- أن نتعامل مع سؤالك من خلال العناصر التالية:
1. "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.."
2. طلب الدنيا بعمل الآخرة : هل يحبط العمل؟!
3. وسائل عملية "للسعي للآخرة"
أولاً: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.."
إن من عظمة دين الإسلام أنه دين واقعي يتعامل مع البشر ويرتفع بنفوسهم، ولكنه في الوقت ذاته لا يتجاهل بشريتهم، فالإسلام يدرك حاجة الناس للمأكل والمشرب والراحة وغير ذلك من متطلبات الفطرة، فأحل الإسلام للناس الطيبات وحرم عليهم الخبائث، فأباح للناس الطيب من المأكل والمشرب والزينة والملذات، قال تعالى :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه ِالَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} (الأعراف: 32) .
وإذا تأملنا القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة لرأينا كيف أن الإسلام يدرك طبيعة البشر وحاجاتهم، ومن ثم دعا الإسلام الناس للعمل على صلاح الدنيا والآخرة، ومن الإعجاز القرآني البليغ أن كلمة "دنيا" وردت في القرآن 115 مرة وكلمة "آخرة" وردت أيضاً 115 مرة ، وذلك يوحي بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام دين جاء لصلاح الدنيا والآخرة معاً وأنه دين جاء للبشر لا للملائكة المكرمين .
وفي السنة المطهرة نقرأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أناساً من أصحابه عن العزوف عن متطلبات النفس البشرية من أكل ونوم وإتيان شهوة، فقد روي البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه أن نفرا من أصحاب رسول صلي الله عليه وسلم، قال بعضهم لا أتزوج، وقال بعضهم أصلي ولا أنام، وقال بعضهم أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه فقال: " أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".(33/547)
إن المسلم يحرص على صلاح الآخرة ولكنه لا ينسى نصيبه من الدنيا جاعلاً نصب عينيه النصح القرآني { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا..} (القصص: 77) .
يقول صاحب ظلال القرآن- الشهيد سيد قطب- : "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنس َنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.." في هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم، المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة، بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها، لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها، فتنمو الحياة وتتجدد، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا ينحرفون عن طريقها، ولا ينشغلون بالمتاع عن تكاليفها، والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه وانتفاع بها، فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها بالحسنى، وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعة المتعادلة التي لا حرمان فيها ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة .
أخي الكريم:
إن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمه على عباده وأنهم يقلبون عطاياه ويسعدون بها شاكرين مخبتين له سبحانه وتعالى، وهذا في حد ذاته – كما أوضح صاحب الظلال- طاعة من الطاعات يجزي الله عليها بالحسنى، فلا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك، واحرص على صلاح دينك ودنياك، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة فهي الباقية، فحول عادتك وأعمالك الدنيوية إلى عبادات بصلاح نيتك وابتغاء مرضاة ربك والتزامك بشرع الله القويم.
ثانيا : طلب الدنيا بعمل الآخرة : هل يحبط العمل؟!
إن استغفارك – أخي السائل– تريد الخلوص من مشكلة معينة أو لتفريج كربة فهذا لن يحبط عملك بإذن الله طالما أنك بعيد عن الرياء و تخلص عملك لله عز وجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب". (سنن أبي داوود)
وفي القرآن الكريم نجد أن الاستغفار ذكر كسبب لنزول الغيث وسعة الرزق وكثرة الأولاد ، قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا. } (نوح: 10-12)
فهون عليك أخي الكريم فإن عملك لن يحبط بإذن الله عز وجل طالما أنه خالصاً لوجه الله تعالى، فإن الإسلام دائما يربط بين أعمال عبادية وتحصيل مصالح دنيوية، وذلك لا يعني أن الثواب من تلك العبادات سيضيع أو يذهب هباءً، ألا ترى أن هناك صلاة تسمى صلاة الحاجة يتوجه بها العبد لله عز وجل لقضاء حاجة دنيوية، وألا ترى أن كثيراً من الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضمن مطالب لقضاء(33/548)
حوائج دنيوية ومع ذلك فالدعاء "هو مخ العبادة" حتى وإن كان دعاءً لمصلحة أو حاجة دنيوية
وتأمل معي- أخي الكريم- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه" (صحيح البخاري) فصلة الأرحام من أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد لربه عز وجل ، ومع ذلك فقد ربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصالح دنيوية مراعاة لطبيعة البشر وفطرتهم.
وفي حديث نبوي أخر يرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دواء فريد لأسقامنا فيقول : "داووا مرضاكم بالصدقة" أليست الصدقة برهان على إيمان العبد وهي تطفئ غضب الرب وينال العبد من خلالها منزلة عظيمة طالما أنها خالصة لوجه الله الكريم وخالية من الرياء والمن والأذى.. غير أن العبد يجب أن يجعل مرضاة الله تعالى أكبر همه وأن يبتغي بعمله الدار الآخرة وسيصلح الله بفضله شأنه ويلم شمله ويصلح له أمر دنياه ويقضي له حوائجه.
أخي الكريم:
جاهد نفسك وشيطانك حينما تقرأ وردك اليومي أو تغض بصرك عما حرم الله أو تقوم بأي عمل إيماني ، وأخلص قصدك لله ولا تجعل الدنيا هي أكبر همك بل اجعل الآخرة ومرضاة الله غايتك الأولى ودائما جدد نيتك وقوي عزائمك حتى لا يلبس عليك الشيطان أعمالك ويخلط عليك أولوياتك ، ودائما سل الله عز وجل أن يرزقك حسن القصد وإخلاص النية ونقاء السريرة وقبول الأعمال وحسن الخاتمة.. وتوجه إلى الله بالدعاء بألا يجعل الدنيا أكبر همك ولا مبلغ علمك وأن يجعلها في يدك لا في قلبك.
إن ما حدث منك أثناء مشروع الخطبة التي لم يقدر الله له التمام من غض للبصر عما حرم الله هو مطلوب منك في جميع الأوقات ، فالمسلم مطالب بغض البصر لأن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس والقرآن الكريم يأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، من ثم فلا يجوز بحال من الأحوال أن تتمسك بتلك الفضيلة في وقت ما وتتخلى عنها في وقت آخر فهذا لا يليق بمسلم ، ولذا فعليك أن تستغفر الله تعالى وتعزم على التخلي عن جميع الآثام الذنوب – صغيرة كانت أم كبيرة– واعلم أنه لا صغيرة مع إصرار، فالإصرار على الصغائر يحولها إلى كبائر ولا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر لعظمة من تعصاه وليتك تسارع بالزواج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ويبعدك عن المعصية بإذن الله تعالي.
ثالثاُ: وسائل عملية للسعي للآخرة :
وفيما يلي بعض الوسائل العملية التي تعينك على السعي للآخرة والتقرب إلى الله عز وجل:
1. التوبة والرجوع إلي الله دائما والعزم على عدم العودة للذنب، فإن دوام التوبة توقظ المرء من غفلة الدنيا وترجعه إلي الطاعة والصراط المستقيم.
2. تذكر الموت، فالموت أكبر واعظ، والمرء مهما عاش فلابد من لقاء الله، وصدق من قال :
اعمل لدار غدا رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن بانيها(33/549)
أرض لها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها
3. عليك بحسن الخلق، فالدين المعاملة، وتصدق لأجل الله، وأمط الأذى عن الطريق، وابتسم في وجه الفقراء، وخالق الناس بخلق حسن تكن قريباً للحبيب محمد صلي الله عليه وسلم يوم القيامة.
4. المداومة على قراءة القرآن ومعرفة تفسيره فإن هذا يساعد على تدبر معانيه، واجعل لسانك دائما رطباً بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5. التقرب إلى الله بالنوافل كقيام الليل الذي هو شرف المؤمن، وصلاة الضحى وباقي السنن والإكثار من صيام النوافل.
6. زيارة المقابر و اتباع الجنائز، فهذا يرقق قلبك ويدفع بك إلى السعي للآخرة.
والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
أنا وزوجي وأبنائي لا نصلي !! (مشاركة) العنوان
العبادات الموضوع
هذه مشاركة وصلت لبريد نطاق الأخلاق والتزكية من الأستاذة/ سمية رمضان عبد الفتاح، إحدى مستشارات الصفحة، على سؤال تم نشره من قبل، بعنوان : أنا وزوجي وأبنائي لا نصلي!!، نحن ننشرها تماماً للفائدة.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الكاتبة والداعية الأستاذة سمية رمضان عبد الفتاح، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي الحبيبة .. الحائرة
حينما قرأتُ رسالتك بدأت أشعر بألم ممزوجٍ بفرحة، وستتعجبين حين أقول لكِ: إنّ مصدر فرحتي هو المشكلات والشائعات التي تزداد حولك.. أراكِ تتعجبين!.. لا تتعجبي، فهذه المشكلات قد تكون إحدى الرسائل الربانية التي ستكون سببًا في صحوتك إن شاء الله، فحين تضيق بنا الدنيا ولا نجد من البشر نصيرًا أو معينًا، ونفتقد العون والملاذ، فليس لنا ملاذ إلا الله يا حبيبتي، فمن لنا غيره؟ فإذا كنتِ تبحثين عن العزة والكرامة والمكانة المرموقة، فطريقها اتباع المنهج الإسلامي القويم، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فمن ابتغى العزة في غيره أذله الله).
والإسلام بناء متكامل، وعماد ذلك البناء الصلاة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ (أي: هو للدِّين بمنزلة الرأس من الجسد)، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ" [الترمذي]. فهيا حبيبتي، ولنبدأ من الآن، قومي وتوضئي وقفي بين(33/550)
يدي الله بنفس يملؤها الرجاء في عفو الله ورحمته، فالفرق بين المسلم والكافر الصلاة، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" [مُسلِم]. ولأنّ الصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين.
وهي أول ما يحاسب عنه المرء يوم القيامة فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله؛ فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك" [الترمذي والنسائي].
أسرار الصلاة
وللصلاة أسرار لا يعرفها كثيرٌ من الناس، وأول هذه الأسرار أنها لذة لا تعادلها لذة، ومتعة لا تساويها متعة؛ فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وجُعلت قرة عيني في الصلاة" [النسائي]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "أرحنا بها يا بلال" [أبو داود]، إنها متعة الصلة بالله، فقد سميت الصلاة صلاة؛ لأنها صلة بين العبد وربه، فلماذا تقطعين تلك الصلة يا حبيبتي؟! فإذا ضاقت بك الدنيا بأسرها فهلمي إلى صلاة خاشعة، ناجي الله بقلب يملؤه الحب والطمأنينة، فالصلاة ممحاة للهمِّ، مجلبة للخير، سعادة للقلب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}.
والصلاة من أعظم النعم، لأنها كفارة لذنوبنا؛ قَالَ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ. هَلْ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟" قَالُوا: لاَ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ. يَمْحُو الله بِهِنّ الْخَطَايَا" [البخاري ومسلم].
لماذا لا تصلين؟
فإذا كنتِ تتركين الصلاة تكاسلاً، فهيا انزعي عن نفسك ذلك الكسل، فالعمر قصير وعذاب الآخرة عسير، وإذا كنتِ تتركين الصلاة بسبب مشاغلك الأخرى، فهل يوجد في الدنيا ما هو أهمُّ من الصلاة؟! إن الله لا يبارك في عملٍ يُلهي عن الصلاة، فهلمي إلى الصلاة يا حبيبتي؛ حتى يبارك الله لكِ في دنياكِ وفي أخراكِ، والآن يا حبيبتي ماذا لو جاءك الموت الآن دون سابق إنذار؟ هل ستنفعك الدنيا بأسرها؟ هل سينفعكِ هؤلاء الناس الذين تهتمين بكلامهم؟ لن ينفعكِ إلا عملك الصالح، والصلاة أول ما تحاسبين عنه كما تقدّم، فإياكِ والتقصير فيها، فلقد أعد الله واديًا في جهنم اسمه (ويْل) للساهين عن الصلاة، الذين يأخرون الصلاة عن وقتها، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، فما بالك بمن لا يصلي أصلاً!
فاحرصي حبيبتي على الطاعات، واجتنبي المعاصي، حتى لا يمنعكِ الله نعمة الطاعة والقرب منه، فكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك المعاصي تمنع الطاعات، قال بعض الصالحين: كَمْ مِن أكْلة منعتْ قيام ليلة، وكم من نظرة منعتْ قراءة سورة، وإنّ العبد ليأكل أكلة، أو يفعل فعلة، فيُحرم بها قيام سنة، وكما أنّ(33/551)
الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات.
هيا يا حبيبتي، ابدئي من الآن، لا تفوِّتِي فرضًا، وحاولي الزيادة من النوافل بقدر المستطاع، تذوقي لذة القرب من الله، لذة مناجاة الله، لذة الوقوف بين يدي الله بنفس يملؤها الخوف الممزوج بالرجاء، ولم لا تجربين؟!
وإذا كنتِ تريدين سعادة الدارين الدنيا والآخرة، فالطريق سهل ميسور، إنه التقرب إلى الله بشتى أنواع الطاعات، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله تردُّدِي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته" [البخاري]، فصلاح الدنيا بصلاح الدين، فمن أصلح دينه، فسيصلح الله له دنياه، واعلمي يا حبيبتي أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحبَّ.
أما بخصوص أولادك الذين لا يصلون، فحل مشكلتهم في يدك أنتِ دونَ غيركِ، فالحل هو أن يروكِ تصلين قبل أن تأمريهم بالصلاة، فأنتِ قدوتهم، والقدوة العملية هي أهم أسباب نجاح التربية، وإذا كانت هذه الخطوة جاءت متأخرة سبع سنين، فابنك الأكبر عمره الآن أربع عشرة سنة، وكان يجب أن تبدئي في تعليمه وتدريبه عند تمام سبع سنوات، كما علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: "مُرُوا أَوْلاَدَكُم بالصّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْع سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنينَ، وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ" [أبو داود].
وهذا التقصير خلال الفترة الماضية سيتطلَّب منكِ بذل جهد مضاعف لإصلاح ما فسد، فهذا دوركِ الذي ستحاسَبين عليه يوم القيامة، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، ودورنا هو أن نتولّى أبناءنا بالرعاية والاهتمام والتنشئة الإسلامية الصحيحة، وغرس القيم والمبادئ الإسلامية داخل نفوسهم، هيا ابدئي من الآن حبيبتي، واستعيني بالله فإنه نعم المولى ونعم المعين، وأنا على ثقة أنكِ ستؤدين دورك على أكمل وجه، فأنت ابنة الإسلام التي لا ترضى لنفسها إلا النجاح والتفوق.
ولكنّ الأمر سيحتاج منكِ إلى جهدٍ غير عادي، وإلى إرادة قوية، فالتعليم من الصغر كالنقش على الحجر، والتعليم في الكبر كالنقش على الماء أو الهواء، ولكن الأهداف السامية يهون من أجلها كل غالٍ، وهذا هو أسمى وأغلى هدف، إنه تربية النشء المسلم، استعيني بالله، وعليكِ بالدعاء، فهو سلاح المؤمن، أصلح الله شأنك وشأن أولادك.
واعلمي أنّ عليكِ مسئولية كبيرة في إيقاظ همة زوجك، شجعِيهِ على الصلاة، وتعاوَنَا على الطاعة حتى تسعد حياتكما وتنعما بالثواب العظيم في الآخرة إن شاء الله.. جاهدي نفسك، وجاهدي الشيطان، وابدئي من الآن، ولكن ما لفت نظري حقًّا في(33/552)
مشكلة زوجك أنَّه يصلي يوم الجمعة فقط، وهذا أمر خطير؛ لأنّ العبادة عنده تحولتْ إلى عادة؛ حيث يرى الناس يذهبون إلى الصلاة يوم الجمعة فيذهب مثلهم.
ولكنّ المسلم- أختي الحبيبة- يحوّل العادات إلى عبادات وليس العكس، فما المانع أن يكون كل عمل نقوم به عبادة لله، حتى الأكل والشرب واللعب، وذلك بإحسان النية. إنّ الأمر خطيرٌ جدًّا، نحن خُلقنا للعبادة، فلا يجب أن تشغلنا عن العبادة أشياء أخرى، حبيبتي.. يا أيتها الأم المعذبة، ألا تسمعين صوت المؤذن ينادي: حي على الصلاة حي على الصلاة.. إنّها دعوة للراحة والخلاص من الهموم، أختاه.. ها هو الله يناديك فهل تلبين؟!
أما بخصوص الشائعات التي تحيط بك من أقرب المقرَّبين لك، فإنها حتمًا ستنتهي بإذن الله، فمن أصْلَحَ ما بينه وبين الله، أصلح الله له ما بينه وبين الناس كل الناس، بل ستستشعرين بسعادة لم تكوني تشعرين بها من قبل، فالإيمان يرتقي بالمرء إلى عالم نوراني، عالم تملؤه السعادة والطمأنينة، عالم مليء بالخير والحب والأمان، وستصبحين مثالاً يحتذَى به، ستصبحين كالشمس المشرقة؛ تعطي دفئها ونورها للجميع، ويرنو إليها كل من حولها، يستمدون منها الدفء والنور، ولكنهم لا يستطيعون لمسها أو مسها بسوء، فهي مرتفعة عالية سامية بعيدة المنال، فما أحلى الحياة في طاعة الله وفي قربه!
وأخيرًا يا حبيبتي، أدعو الله لكِ أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وأن يصلح لكِ زوجك وأبناءك، وأن يبعد عنك كيد الشيطان ووساوسه، وأن يجعل بيتكم بيت صلاح وتقوى، وأن يجمعنا الله بكِ في الفردوس الأعلى إن شاء الله، وأرجو أن تتابعينا بأخبارك، ولا تنسينا من فضل دعائك.
ـــــــــــــــــــ
أفتقد نعمة الأنس بالله العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم، حضرة المختصين الأفاضل، حفظكم الله، وبعد:
أشعر منذ فترة طويلة أنني لست كسابق عهدي في الشعور بحلاوة الطاعات، وروعة الأنس بالله سبحانه وتعالى، وأشعر بفقداني لكل ما كنت أتمتع به من هذا العطاء الذي ليس بعده عطاء، وهو كما ذكرت حلاوة العبادة والأنس به جل شأنه.
إن هذا الأمر يحزنني جدا، وأكثر من ذلك أنني متخوفة على نفسي، فأتساءل في داخلي: ماذا عساه ربي عز وجل يريد بي؟، وما حكمته يا ترى؟، وأول أمر مهم أعود إليه هو محاسبة نفسي على فقداني لتلك النعم؛ فأنا أعلم أن العبد عندما يفقد نعمة فإن ذلك يكون بسبب ذنب ما، فأبحث وأبحث فلا أجد ما أبحث حوله "طبعا لا أزكي نفسي".
وحتى أوضح الصورة لحضرتكم فكلنا خطاءون، ولكن ولله الحمد دائما أبحث عن رضا الله عز وجل، إنني حزينة للغاية لفقداني لأروع وأغلى جلسة كنت أجلسها عندما أخلو بربي عز وجل، وأتذلل بين يديه وأدعوه أو أقرأ القرآن الكريم. حتى الصلاة كنت عندما يحين وقتها أذهب إليها مستبشرة وفرحة، وفي نفس الوقت كانت تنتابني حالة من الرهبة لمجرد شعوري أنني سأقف بين يديه جل شأنه، والله إنني(33/553)
كنت أحيانا أرتجف خوفا وهيبة من جلاله وأنا في الصلاة، وكنت أنتظر الصلاة بشوق وسعادة، وقيام الليل كنت أشعر بقمة حلاوته، والآن عندما أقوم الليل أقومه وكأني أحمل جبلا على ظهري وبين كتفي.
يبدو أنني سأطيل على حضراتكم، عموما سأكتفي بهذا التوضيح، لعلي بإذن الله تعالى، أجد الجواب الشافي عندكم، وإنني لأرجو من الله السميع القريب المجيب أن يلهمكم ذلك لي ولكل سائل عن حاجته.
وللعلم، فإنني قد أرسلت استفساري هذا لأحد مواقع الفتوى فكان من ضمن إجابته حول أسباب فقداني لهذه النعم التي كنت فيها "وجودكِ في بلاد الكفر"، وأنا صراحة أتساءل وبدهشة: ما ذنب إنسان يعيش في بلاد الكفر أن يسلبه الله عز وجل حلاوة طاعته، خاصة أن ذلك الإنسان يحاول بكل جهده أن يكون قدوة حسنة لغيره من غير المسلمين هنالك ويحاول بل ويرجو من الله أن يهدي بعضهم على يده؟
أهذا ذنب حقا عليه لمجرد وجوده هنالك؟ صدقوني إنني وبحكم وجودي في بلاد الكفر لا أرى أن ذلك سببا لضعف إيمان المسلم أو بعده عن الله عز وجل، إنني أقول وبكل صدق أشعر بقربي من الله عز وجل وبالتزامي أكثر من وجودي في بلادي، طبعا هذا حالي، وربما يكون هذا الشعور خاصا بي، ولكن يبدو لي وبوضوح تام أن إيمان العبد وخشيته من الله ليس لها أي علاقة بأي مكان يعيش؛ فالله عز وجل موجود أينما نكون وهو يرانا ويسمعنا ويعلم بأحوالنا أينما قدر لنا العيش.
أرجو من الله تعالى أن يوفقكم ويسددكم وينير بصائركم، والسلام عليكم.
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يقول الأستاذ مكرم ربيع، الباحث اللغوي بكلية دار العلوم بالقاهرة، وعضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
الأخت الكريمة /نورا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أحييك على هذه الرسالة الجميلة التي تمس القلوب، وهي تعبر عن حال الكثير من الناس الذين يريدون أن يشعروا بحلاوة الطاعة والعبادة وبروعة الأنس بالله سبحانه وتعالى، وأود أن أقول لك بأن إحساسك هذا يا أختي يدل على الإيمان؛ فالمؤمن يلوم نفسه ويؤنبها على تقصيرها في حق الله عز وجل، وشعورك هذا ظاهرة صحية.
ونبدأ بموضوع الحكمة لما حدث معك، فإن الإنسان إذا حدث له ما يجعله يقصر في طاعة الله أحس بغيره من الناس والتمس لهم الأعذار، وسأروي لك موقفا حدث معي: وهو أنني كنت في المسجد يوما ويجلس معي صديق، ودخل رجل بعد انتهاء الصلاة، فقال صديقي: لماذا تأخر فلان هذا عن صلاة الجماعة؟ فقلت له : ربما كان عنده عذر. فقال صديقي: وأي عذر هذا يمنعه عن الصلاة في وقتها؟ فقلت: وما يدريك؛ فالأعذار كثيرة.(33/554)
وسبحان الله في نفس اليوم، وفي الصلاة التي تلت هذه الصلاة تأخر صديقي عن الجماعة؛ فقلت له ما أخرك عن الصلاة؟ فقال لي عذر، وحدث ذلك حتى أعذر الناس ولا ألومهم.
فربما ابتلي الإنسان بتقصير حتى لا يرى نفسه فوق البشر؛ وحتى يعذر الناس على تقصيرهم، ويساعد نفسه وغيره دائما على الارتقاء في طاعة الله عز وجل؛ وحتى لا يغتر بطاعته ويعلم أن الطاعة بتوفيق الله عز وجل وليس من نفسه.
الأمر الثاني الفرح والاستبشار من أجل الصلاة والرهبة والخشوع فيها، فإن الصلاة صلة بين العبد وربه، ولكن إذا تحولت إلى عادة يؤديها الإنسان في أوقاتها الخمسة أحس الإنسان بثقلها على نفسه وفقد حلاوتها، والإنسان لا بد ألا يحول العادة إلى عبادة بتجديد النية قبل كل صلاة.
وعلى المسلم أن يتذكر حال رسول الله في الصلاة، وحال الصحابة والسلف الصالح، وكثيرا ما أقف عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا بلال رضي الله عنه : "أرحنا بها يا بلال"، فكيف يرتاح المسلم بها وليس منها؟. وقد ذكرني هذا بحاتم الأصم عند دخوله في الصلاة، إذ يقول : كأن الكعبة أمامي، والجنة عن يميني، والنار عن يساري، وملك الموت خلفي، وبعد ذلك لا أعرف أقبلت صلاتي أم لا !!
فأين نحن من معنى الراحة بالصلاة، ومن حاتم الأصم في صلاته؛ فما أجمل القرب من الله، وأجمل الخشوع في الصلاة والإحساس أنك فعلا تصلي.
وأحب أن أشير إلى شيء ربما وقعت فيه، وهو تكليف نفسك بما لا تطيقين من العبادات والطاعات، وقد سُئِلَ النبي كما روت السيدة عائشة صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ عن أَيُّ الأعْمَالِ أَحَبُّ إلى اللهِ قَالَ أَدْوَمُهَا وَاِنْ قَلَّ، وَقَالَ اكْلَفُوا مِنْ الأعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، وكَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عَليه وسلم كما روت السيدة عائشة أيضا الذي يدوم عَليه صاحبه.
انظري، إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فهل تدوامين على عمل وإن قل خير أم تثقلين على نفسك بضعة أيام ثم تنقطعين؟.
لكن- أختاه- أين الصحبة الطيبة في حياتك؟ لم تحدثيني عن هذه الصحبة، سواء في بلدك أو في غربتك؛ فأين الصحبة التي تصحبك إلى الخير، وتقف بجوارك إذا تعثرت في طريق الإيمان، وتعينك على طاعة الله، ولا تجعل الشيطان يستحوذ عليك؟. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان كل واحد منهما نعم الأخ لأخيه؛ فأين الأخوة في حياتك؟ فالأخوة سياج للمرء من الوقوع في المعصية، ومعين على الطاعة.
واعلمي يا أختاه أن الإيمان يزيد وينقص، والإنسان لا يستطيع أن يسير على وتيرة واحدة، فسددي وقاربي، واسألي الله الثبات على الإيمان، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله الثبات على الدين، وأن يقلب الله قلبه على طاعته.
وأخيرا أنصحك بعدة أمور:
1- عليك بالصحبة الطيبة التي تعينك على طاعة الله.
2- استحضار عظمة الله دائما في قلبك، وعند الصلاة؛ لتعينك على الخشوع في الصلاة.(33/555)
3- عدم التكليف بما لا تطيقين؛ حتى لا تصابين بالسأم.
4- الترويح عن النفس في طاعة الله عز وجل يجدد نشاطك ويعطيك دافعا للاستمرار في الطاعة.
وأذكرك أختي الفاضلة بقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}، وبقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}، نسأل الله الاستقامة على طاعته، وأن نكون من الذين اهتدوا فزادهم هدى، ونسأل الله الثبات على الطاعة، ونسأله سبحانه حسن الخاتمة.
ويضيف الأستاذ مسعود صبري، الباحث الشرعي بكلية دار العلوم وشبكة "إسلام أون لاين.نت" :
الأخت الفاضلة ؛
جزاك الله تعالى خيرا على هذه الروح، وإن استحضارك لهذه الروح يعني أنها ستعود إليك يوما، وإن ربنا أكرم الأكرمين، إنه لا يرد من سأله في شئون الدنيا، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم، فكيف بمن يتمنى أن يكون أحسن حالا في طاعته لله سبحانه وتعالى؟!
وإني أستحضر في استشارتك قوله تعالى:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فالله تعالى لا يغير ما بحال العبد من الطاعة إلى المعصية، ومن لذة الوقوف بين يديه إلى أن يكون محروما من هذا النعيم الرباني، إلا إذا أتى ما يستوجب حرمانه من هذا الخير، حتى يستشعر ما كان فيه من النعمة، فإنه لا يشعر بالنعمة إلا من فقدها، ولو إلى حين.
وهذا يجرني إلى أن تراجعي مع نفسك معنى المعصية، فكثير منا يعصي، ولا يحسب نفسه عاصيا، أو أنه لا يتذكر المعصية التي ارتكبها.
وقد حكى لي بعض الناس أن شخصا قد رزقه الله تعالى سنة قيام الليل، حتى جلس مع صديق له، فتكلما في شئون الناس، وجر الحديث أن تحدثوا عن بعض الأشخاص، واغتابوهم، فإذا بهذا الشخص يحرم نعمة قيام الليل، وتعجب لم حرم، إنه لم يأت معصية – كما تصورت أنت-، ولكنه تذكر أنه جلس، فاغتاب الناس، فرفع عنه هذا الخير بما كسبت يداه، كما قال تعالى ، "بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، ففتشي في نفسك بما اقترفت من إثم، فستجدين أنك وقعت في شيء محظور.
ولا يعني هذا أن تجددي العهد مع الله تعالى، فالله تعالى يقبل عودة الإنسان من الكفر إلى الإيمان، فكيف لا يقبل توبة العصاة من المؤمنين، وهو سبحانه القائل "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده"، وقد أخبر عنه المعصوم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل".
وأنا معك أن الغرب في ذاته ليس سببا في فساد الإنسان، فكم من الناس تعيش في الغرب محافظة على إيمانها، وقد رأيت بعيني الجو الإيماني الذي يعيشه المسلمون في كنف المراكز الإسلامية، ورأيت في ذات الوقت كيف يؤثر المجتمع إن لم يكن فيه ما يساعد المرء على طاعة الله تعالى، وهنا يتداخل تأثير البيئة مع العوامل الإنسانية الأخرى، وربما يجد الإنسان فرصة في الحفاظ على الإيمان في بلد ربما لا(33/556)
تعد من ديار الإسلام، والمسلم مطالب بأن يحافظ على دينه بعيدا عن طبيعة الوقت والزمان.
فاجلسي مع نفسك، وفتشي فيها جيدا، واعرفي سبب حرمانك هذا الخير، وأصلحي نفسك، فإن الله تعالى سيعيد إليك ما حرمت، إنه سبحانه أكرم الأكرمين. وتابعينا بأخبارك .
ـــــــــــــــــــ
عريس يريد الصلاح.. أفلح إن صدق العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جزاكم الله خيراً، على ما تسدونه من خير، جعله الله في ميزان حسناتكم، وبعد :
فإنني في حيرة من أمري، فلقد تقدم لخطبتي شاب من جيراننا، والكل- بما فيهم إخوتي الذكور- يشهد له بحسن الخلق، إلا أن المشكلة هي أنه لا يصلي، وقد قال لي انه أراد الزواج من فتاة متدينة لتعينه على عبادة الله، ولقد التقيت به في بيتنا، وبحضور أهلي وأحسست برغبته في التغيير، وإصلاح نفسه.
و أطلب منكم النصيحة، فالأمر جد يشغلني، و جزاكم الله خيراً
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة نهال محمود مهدي، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر :
بسم الله، والحمد لله، وصلاة وسلاماً، على حبيبه، وشفيعنا يوم الدين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد .
أختي الحبية / نجاة
جزاكِ الله كل خير على حرصِك على شئون دينك، وتحريِّك في اختيار زوج صالح، تقر به عينك، وتقر بك عينه بإذن الله ومشيئته، ومن كانت مثلك فسيعينها الله بكل تأكيد على الوصول لما تريد، فقد أردتِ زوجاً صالحاً، وهي إحدى حوائج الدنيا التي لله عز وجل فيها رضا ولنا فيها صلاح، والتي ندعو الله عز وجل أن يقضيها وييسرها برحمته فهو أرحم الراحمين.
بداية وقبل الدخول في الإجابة عن سؤالك، دعيني أسألك أولاً :
قبل أن تنظري أختي إلى عيبه الوحيد، هل نظرت بعين فاحصة إلى باقي صفاته وشمائله؟، وهل لمست حقاً حسن خلقه، وحميد صفاته، التي شهد بها الجميع؟، وهل نظرت إليها من منظور شرعي متمثلة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، من حديث النبي– صلى الله عليه وسلم – (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)؟.(33/557)
إذا كنت كذلك صديقتي فسأحدثك في مشكلتك، أما إذا كانت نظرتك أنت وإخوتك لحسن الخلق جاءت على أسس دنيوية مادية فأتمنى أن تراجعي نفسك أولا وقبل أي شيء.
وعلى كل حال سأفترض حسن النوايا، وسأدع هذا التقييم المبدئي لقلبك وضميرك أنت، وليس أبلغ من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم– ( يا وابصة استفت قلبك، استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك ) (رواه أحمد والدا رمي).
أما بخصوص ظاهر مشكلتك، والتي تطلبين الرأي والنصيحة بشأنها، فأستعين بالله وأقول لك :
تقدم لك شاب، شهد الجميع بحسن خلقه، حتى إخوتك، إلا أن عيبه الوحيد هو تركه للصلاة، أو بالأحرى وهو ما أتوقعه هو أنه غير محافظ على أداء الصلوات، وليس تاركا لها كلية- إذا كان حقا بحسن الخلق الذي يشهد الجميع به- تقابلت معه، في منزلكم، وفي حضور الأهل، ولمست رغبته في اختيار زوجة صالحة، تعينه على طاعة الله عز وجل، وتقربه منه، ولمست أنت ذلك بنفسك.
وعليه فإن عدم محافظة من تقدم لخطبتك على الصلاة هو أمر مقلق طبعاً، ويجب أن توضع أسفله العديد من الخطوط الحمراء، ولكن ما أميل إليه هو أنه إن لم يكن صادقاً في نيته، و رغبته في تغيير حالته، وإصلاح نفسه، لما تقدم لفتاة في مثل التزامك وتدينك، فالشباب اللاهي يلهث غالباً وراء مثيلاته، هذه واحدة.
الأمر الثاني : يتعلق بك، وبشعورك نحوه، فقد شعرت بصدق حديثه، وبصحة طلبه، وأحسست بذلك، ولو كان الأمر بالعكس لربما كنت شعرت بذلك أيضاً، فاللقاء الأول دائما ما يحمل الكثير، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الكثير صادقاً تماماً. ومن هنا سأنطلق معك للنقطة الثالثة.
ليس من العدل أن تحكمين على هذا الشاب بالرفض بناءً على خلفية معلوماتك عنه– على اعتبار وضوح مفهوم حسن الخلق-، كما أنه ليس من الحكمة أن تطمئني لحديثه تمام الاطمئنان، فالأمر يحتاج لمزيج من التريث وبعد النظر، وهذان الأمران لا يتحققان إلا بفترة تختبرين فيها سلوكه، ومدى صدقه، ورغبته في التغيير.
ومن سماحة ديننا- حبيبتي- أن سمح بفترة يستكشف فيها كل من الشاب والفتاة خفايا الطرف الآخر، ليس هذا فحسب، بل جعل هذه الفترة تحت مظلة تؤمنها وتحميها وتقيها غمزات الناس ولمزاتهم؛ ألا وهي فترة الخطبة.
فاستشيري، واستخيري، ثم توكلي على الله، إن وجدت قبولا وراحة، ثم ضعي عينيك عليه في تلك الفترة – بحيادية شديدة أختي الفاضلة فدينك على المحك- وأعينيه وساعديه، فبالتأكيد سيكون لك تأثير مختلف عليه يساعده على إشعال ما خمد من مشاعره الإيمانية، فإن وجدت منه صلاحاً فأتمي الأمر، وستكون حياة هانئة مطمئنة بإذن الله، منيرة بنور الإيمان، وإن لم تجدي استجابة ولا تغييراً فسارعي أختي حفظك الله بإنهاء هذا الأمر، وتأكدي أن الله عز وجل سيرزقك بمن هو أفضل منه.
وفقك الله ورعاك أختي الفاضلة، ووضعك على الطريق القويم بإذنه ومشيئته.(33/558)
ـــــــــــــــــــ
كيف الخلاص من الرياء والوسوسة؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله، و جزاكم الله خيراً، على ما تقدمونه من جهد لخدمة الإسلام والمسلمين، وبعد :
لدي مشكلتان أريد الاستفسار عنهما، أولهما: أنني أحس أنني بالريبة في كل شيء، حتى في خدمة أمي، ولكنني استمعت مؤخرا لمحاضرة عن الرياء، وأصبحت أخفي أعمالي قدر المستطاع، و لكنني أحيانا أحس أن هذه الأفكار تسيطر علي، ولا أستطيع أن أخلص منها، حتى وإن كانت أعمالي خفية وتمنعني أحيانا من فعل بعض الأمور مع أنني أريد فعلها، ولكنني أخاف الرياء.
المشكلة الثانية: أن عندي وساوس في الوضوء، وكثيرا ما أعيد صلاتي، بل ويمكن أن أعيد الصلاة لخمس أو ست مرات، كما أشك أحيانا أشك أنني على جنابة. أريد أن أعرف ماذا أفعل ؟ وأحيانا أخدم أمي حتى تحبني أكثر من إخوتي، و لكنني أحاول أن أبعد هذا الإحساس عني، وأقول إن هذا واجب عليّ، وإنني أريد الجنة، وأبحث عن رضاء ربي، ولذلك أخدمها، وأجاهد نفسي كثيرا، أرجو الإفادة. و جزاكم الله كل خير.
السؤال
الأستاذ رمضان بديني المستشار
الرد
أختنا في الله / نور
أهلا وسهلا بك، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من عباده المخلصين..
أبدأ معك أختي بقاعدتين تدور في فلكهما الإجابة على استفسارك عن الرياء وهما :-
قول ابن عطاء الله: "ربما فتح لك باب الطاعة ولم يفتح لك باب القبول".
وقول الفضيل بن عياض: "العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".
فخوفك من الرياء والهرب منه شعور إيجابي يجب أن يكون لدى كل مسلم؛ لأن الرياء يحبط العمل، ويذهب به هباء، كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي : " أنا أغنى الأغنياء عن الشرك؛ فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فهو للذي أشرك". وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
وقد حدد العلماء شرطين أساسيين لا بد من توافرهما حتى يكون العمل متقبلا وهما : الإخلاص في العمل لله، وصحة العمل بموافقته منهج الله ورسوله. ولذلك يكون المؤمن دائما في حذر وخوف من تسلل الشرك أو الرياء إلى عمله فيحبطه.
ولكن هل معنى هذا أن يترك المؤمن العمل خوف الرياء؟، يجيب على ذلك قول الفضيل الذي ذكرناه آنفا؛ فلو أن كل إنسان خاف من الرياء ترك العمل، لما قام أحد بفعل خير على وجه الأرض!، ولكن حال المؤمن دائما أنه يؤدي ما عليه من تكليفات(33/559)
وواجبات، ثم بعد ذلك يكون حاله بين خوف من عدم القبول فيحاول الأخذ بأسباب القبول، ورجاء في رحمة ربه عز وجل؛ حتى يرزقه الله الإخلاص ويعافيه من العمل من أجل الناس وتركه من أجل الناس.
وقد قيل:" إذا علمت أنك مخلص فاعلم أن إخلاصك يحتاج إلى إخلاص". فلا أحد يا أختاه يعلم مدى إخلاصه وهل تقبل الله منه أما لا، ولكن هناك بعض الدلائل التي لو تحققت في الشخص فإنه إن شاء الله يكون من المخلصين :
1- أن يستوي عنده عمل العلن والخفاء؛ فلا ينشط أمام الناس ويتكاسل إذا كان منفردا.
2- - أن يكثر من أعمال السر؛ فلا بد أن يكون بين العبد وربه عمل لم يطلع عليه أحد من الناس.
3- أن يستوي لديه مدح الناس وذمهم؛ ذلك لأنه لا ينظر إلا لله عز وجل في عمله.
4- أن يشعر بسعادة بتفوق الآخرين في أعمالهم، ولا يبخل عليهم بكلمة ثناء وشكر.
5- أن يستشعر أن أي عمل يقوم به إنما هو من توفيق الله عز وجل.
وهناك أيضا بعض النصائح التي تساعد على تحقيق الإخلاص منها :
1- أن يجعل لكل عمل نية حتى وإن كان عملا صغيرا؛ فرب عمل عظيم تحقره نية، ورب عمل صغير تعظمه نية.
2- مراقبة النية وتجديدها أثناء أي عمل؛ حتى لا تحيد نيته فيفسد عمله.
3- أن يستشعر أن أي عمل يقوم به إنما هو من توفيق الله عز وجل.
4- أن يحذر أن يأتيه الرياء من حيث لا يراه الناس؛ بمعنى أنه إذا كان يقوم بعبادة في وقت خلوة فربما تحدثه نفسه بأنه لو رآه الناس الآن لعرفوا مدى إخلاصه.
5- أن يواظب على محاسبة نفسه بعد كل عمل لقياس مدى إخلاصه.
6- أن يدعو الله بعد كل عمل بالقبول، وليعلم أنه ربما فتح الله باب الطاعة ولكن لم يفتح له باب القبول.
7- ألا يغتر بأعماله الصالحة، ويضع نصب عينيه دائما أنه "رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورث عزا واستكبارا " كما قال ابن عطاء الله.
فأوصيك يا أختاه أن تستمري على ما أنت عليه من طاعات وأعمال بر وخير، وألا تعطي الفرصة للشيطان ليثبطك ويوقفك عن عمل الصالحات، و استمري في خدمة والدتك حتى تحبك ويحبك الله ويكون لك الجنة إن شاء الله، ولا تتوقفي عند حبها لك أو لإخوتك فهي أمكم جميعا ومطلوب منكم جميعا خدمتها والقيام على أمرها.
أما بالنسبة للوسوسة في الوضوء والصلاة والعبادة، فهذا يا أختي من وساوس الشيطان التي يحاول بها إفساد عمل المرء؛ فعليك إذا أردت الوضوء أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم عند دخولك إلى الخلاء، ثم أدي أركان الوضوء بترتيبها فإذا انتهيت فلا تفكري في صحة وضوئك من عدمه ما دمت قد أديت أركانه صحيحة.
ثم قفي للصلاة وأنت مستحضرة عظمة الله عز وجل في قلبك، وتخيلي الموقف الذي أنت فيه، وابدئي بتكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، ثم اقرئي سورة الفاتحة؛ فإذا قلت "الحمد لله رب العالمين"، فتخيلي رد العلي القدير "حمدني عبدي"، فإذا قلت(33/560)
"الرحمن الرحيم" فتخيلي أنه يرد عليك "أثنى علي عبدي"، وهكذا . إلى آخر السورة، ثم اقرئي سورة صغيرة، ثم اركعي، ثم . وهكذا إلى آخر صلاتك.
فإذا انتهيت منها صحيحة الأركان فاحمدي الله عز وجل ولا تعطي للشيطان فرصة لإفسادها عليك، فإذا شككت في ركن من أركانها فيكفيك أن تبني على ما تتيقني منه، ثم تسجدين سجدتي السهو. ولكن يا أختي إذا كان هذا الوسواس يراودك في كل أعمالك وعجزت عن التغلب عليه؛ فأنصحك باللجوء لطبيب نفسي.
وختاما؛
أسأل الله عز وجل أن يجعل عملك خالصا لوجهه الكريم وألا يجعل فيه لمخلوق حظا، وأن يصرف عنك وساوس الشيطان، وأن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، وأن يهدينا وإياك إلى سواء الصراط . وتابعينا بأخبارك ..
ـــــــــــــــــــ
أخطأت.. فلماذا لم يعصمني إيماني؟ العنوان
أمراض القلوب الموضوع
أنا شاب ملتزم، وأدعو إلى الله -ولله الحمد- وأبذل في سبيل ذلك كل ما أستطيع؛ إضافة إلى ما يصاحب ذلك من تربية إيمانية سواء مع إخواني، أو تربية ذاتية من خلال برنامجي الإيماني.
ولكن كانت في بيتنا خادمة لاحظت عليها ملاحظات سيئة، وفي يوم من لم يكن في البيت إلا أنا وهي، فوسوس لي الشيطان أن أمتحن معدنها؛ فكلمتها بكلام طيب وابتسامة عريضة وأنا أنظر إليها، ولكنني استمتعتً بذلك. وانتهت الجلسة دون أن نقع في الزنا، وتبت بعد ذلك وندمت أشد الندم، وعلمت أن هذا من خطوات الشيطان.
أنا الآن -كما كنت- لي برنامجي الإيماني، ولي وردي اليومي من القيام والقرآن. السؤال: ما أسباب عدم ثباتي ووقوعي في هذه الفتنة؟ وما دلالاتها؟ لماذا لم يعصمني إيماني؟ لماذا لم تسعفني أعمالي الصالحة بأن تمنعني من الوقوع في مثل هذا؟ والآن ضميري يؤنبني، كيف يقع هذا من مثلي؟ ويراودني خوف: هل مثلي سيثبت؟
السؤال
مجموعة مستشارين المستشار
الرد
يجيب الدكتور فتحي يكن:
أحمد الله تعالى أولا، أن جعلك من الشباب الذين نشأوا في طاعة الله، وأدعو الله أن يمنحنا المزيد من الإيمان والبر والتقوى، ويوفقك إلى تجديد ما لديك من خير، حيث إننا مطالبون دائما بتجديد إيماننا وحفز هممنا، خاصة وأننا في زمنٍ كثرت فيه المستهلكات الإيمانية، وحبائل الشيطان لا تعد ولا تحصى، وعادة الإيمان أنه يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " (صححه الألباني).(33/561)
إن حض الرسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم لدليل صارخ على أن في تجديد الإيمان تجديدا لأثر هذا الإيمان وفاعليته في النفوس، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام: "جددوا إيمانكم"، قيل: يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: "أكثروا من قول لا إله إلا الله" رواه أحمد.
ويجب أن لا يؤخذ الكلام هنا مأخذ الحصرية، فكل ما يذكِّر بالله هو من وسائل وطرق تجديد الإيمان، وما أكثر تلكم الوسائل والطرق. ثم إن مما يحتاج منا إلى عناية وتعهد أيها الأخ الكريم، ما يتصل من الإيمان بمراقبة الله تعالى. فالإيمان ليس بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل. ونحن في حاجة إلى تنمية هذا الجانب الرقابي في حياتنا، لأن ذبوله وضعفه يفتح ألف باب للشيطان!
وكما جاء في الأثر: "إذا أردت أمرا فتدبر عاقبته، فإن كان رشدا فأمضه، وإن كان غيا فانته عنه". وينبغي أن يكن ماثلا أمامنا دائما وباستمرار قوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7].
أخي الكريم؛
لقد سقت هذا الكلام بين يدي الاستشارة ليكن مدخلا إلى ما أود قوله، ويتلخص بالتالي:
أولا: إننا في صراع دائم مع الشيطان وأهوائنا وشهواتنا. ولا يقولن أحد -كائنا من كان- إنني بتُّ في عافية وإن الشيطان لن ينل مني، ثم يستكين. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول: "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم من الجسد" [متفق عليه].
ويذكر أن رجلا سأل الحسن رضي الله عنه؛ فقال: "أينام الشيطان؟" فتبسم وقال: "لو نام لاسترحنا"، ويؤكد علينا الخطاب القرآني في قوله تعالى: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) أن نكن في حالة استنفار دائم في مواجهة حبائل الشيطان.
ثانيا: أن تكن ملتزما، ولك برنامج إيماني وورد يومي، فإن كل ذلك وغيره لا يجعلك أو يجعل سواك في منجاة من الفتن وعصمة من الخطأ. فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. فآدم عليه السلام لم ينج من وسوسة إبليس واستدراجه، ويوسف عليه السلام وقع له مع امرأة العزيز ما وقع من التعرض للفتنة.
فإياك أن تيأس أو يتسلل إلى نفسك، ولا تستسلم لعدم الثقة في نفسك، ولا تظن أن خطأك يعني أنك غير قادر على الثبات، ولم يعصمك تدينك من الوقوع في نزوات البشر. بل اجعل مما حدث محركًا إيمانيا للتزود أكثر فأكثر، وللتسلح أكثر فأكثر في معركة النفس الأبدية.
وفي هذا أذكرك بقوله تعالى في مخاطبة المسرفين، وأنت بحمد الله لست منهم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].(33/562)
ثالثا: إن واقعية الإسلام في مواجهة المشكلة التي واجهتك وأمثالها، أن تأخذ بأسباب الوقاية، والوقاية خير من العلاج، بل إن درهم وقاية خير من قنطار علاج. ومن الوقاية: الزواج المبكر، والصيام، والبعد عن مواطن الخلوة، والمسارعة إلى التوبة، وتجديد الإيمان، وتذكر الموت.
ويقول الأستاذ هاني محمود، المستشار الإيماني لشبكة إسلام أون لاين. نت:
أخانا الكريم؛
نسأل الله أن يقيل عثرتك، ويغفر ذنبك، ويثبت على طريق الحق قدمك.. آمين.
ونشكر لفضيلة أستاذنا الدكتور فتحي يكن هذه الإجابة القيمة الوافية، ونود أن نشير –ولا نزعم أننا نقدم إضافة- إلى أن آفة الآفات أن يغفل المسلم المتدين عن طبيعته كإنسان، وينسى تحت أي ظرف من الظروف أو في ظل أية قناعة من القناعات أنه إنسان له نفس وشهوة كما للناس جميعًا؛ وهذه الغفلة تسوغ له أن يضع نفسه في مواضع هو في غنىً عنها، وهي من مواطن التهلكة وحبائل الشيطان.
أخي عبد الله؛
إن فكرة اختبار أي شيء للتحقق من صحته أو خطئه أمر لا يُقبل هكذا إطلاقا، فهل تقبل كداعية أن تضع لأحد مدعويك الخمر وترغبه فيها وبرز له محاسنها لتختبر صدق عزيمته في مقاومته لها وأنت تعرف به ميلا إليها؟!
يا أخي؛
إن كان من خطأ وقعت فيه وعليك فيه اللوم فهو أنك سوغت لنفسك أن تختلِ بامرأة دون محرم، مع أنهم قديمًا قالوا: "الحي لا تؤمن عليه الفتنة" وذلك مهما بلغ من العلم والتقى والصلاح. وانظر إلى ما حدث لك، ما كنت تريد اختبارها فيه سقطت أنت فيه! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لذا فإن نصيحتنا لك -بعدما تفضل به أستاذنا- أن تحتاط لنفسك، وتعرف قدرك، وتحذر من مصائد الشيطان التي ينصبها لعباد الله الصالحين لعله يفوز منهم بلحظة غفلة يجر فيها أقدامهم إلى معصية، يتبعها شعور بالإحباط والقنوط، ثم ينجرف بهم إلى تيار المهلكات. أعاذنا الله وإياك من الشيطان وخطواته ووساوسه. وأهلا بك دائما على صفحة "استشارات إيمانية"، وتابعنا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ
الاسم
لو كان قلبي بيدي لألقيته في البحر! العنوان
أمراض القلوب, السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه للجميع من نصائح، وأخذكم بأيديهم إلى الصلاح، والرجوع إلى الله بعد التهاون والغفلة التي تصيبهم.
أنا واحدة من هؤلاء؛ أتمنى أن تساعدوني، وتهونوا علي أمري. حكايتي بكل بساطة أنني فتاة وقعت في حب شاب بعد أن بادر هو في التعبير عن ذلك. وبدأت بيننا قصة حب بريئة. وتقدم لخطبتي، ولكن لم يحدث نصيب بيننا. وكان الرفض من طرفه هو!.(33/563)
ورغم هذا بقينا نحب بعضنا أكثر، وظروفنا ساعدتنا على استمرار هذه العلاقة؛ لأنه زميلي في العمل في نفس المكتب. فلم أستطع النسيان؛ إلى أن وسوس لنا الشيطان، وتملك منا نحن الاثنين لبعض الوقت.
وقعنا في أخطاء شرعية من لمس الأيادي والقُبلات، ثم امتنعت عن ذلك، وتبت.
وبعد فترة قصيرة خطب، ولم يزل زميلا في العمل. ثم تركت العمل بسبب مشكلة أخرى؛ فشعرت بالذنب؛ ورأيت في تركي للعمل عقابا من الله على عدم توبتي رغم أنه سترنا أكثر من مرة.
ولكن وبفضل الله كانت أمامي فرصة شهر رمضان وشهر شوال وأول أيام ذي الحجة، ثم وقفة عرفة. ويعلم الله كم دعوت أن يتقبل توبتي. وأخرجت في شهر رمضان صدقة للتكفير عن ذنوبي بقدر ما أستطيع من المال؛ تقربا من الله. ولا أترك فرصة إلا وأدعو الله أن يغفر لي وله؛ لأني حتى الآن أحبه جداً وأتمنى له السعادة مع من اختارها وتزوجها.
فهل ما فعلته يكفر لي خطيئتي؟ وهل تذكري لهذا الشاب يعيق مغفرة ربي لي؟ وأنتم تعلمون أن هذا الأمر ليس بيدي؛ فلو كان بيدي لرميت بقلبي لأعماق البحار. أفيدوني وادعوا لي بالمغفرة ونسيان هذا الشاب للأبد.
ملاحظة: ليس معنى حبي له حتى الآن أنه متى التقيت به سأعود كما كنت. لا والله؛ أريد مغفرة الله، ورضاه علي بأي طريقة كانت.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
يجيب الدكتور عمرو الشيخ – كاتب مصري مقيم بالسعودية:
أختنا التائبة، بداية نشكر لك دعاءك لنا وثقتك بنا؛ ونسأله سبحانه وتعالى أن نكون عند حسن الظن.
مباركٌ عليك توبتك؛ ثبَّتك الله وختم لك ولنا بالحسنى. وقبل أن نبدأ ما رأيك في أن نطوي معا هذه الصفحة، ونعتبرها ماضيا وانتهى، ولنعتبر بما فيه من عبر وعظات، ولنحمده سبحانه وتعالى على ستره الجميل لنا.
فهيا معا قبل أن نبدأ الصفحة الجديدة ذات الحياة السعيدة؛ نستلهم بعض العبر والعظات، ونقف عدة وقفات لتنير لنا طريق المستقبل؛ حتى لا نتعثر مرة أخرى، أو نقع في نفس الأخطاء.
أختنا التائبة.. إن استشعارك في نفسك الندم على ما اقترفته من سيِّئاتٍ وذنوبٍ ومعاص، بحيث تكرهين الذنب، ويؤلمك كلَّما تذكَّرته، وتشتعل في قلبك نار الخشية من عقاب الله عزَّ وجلّ لدليل على نقاء فطرتك وصدق توبتك.
ودعينا نستثمر هذه المشاعر، ونحافظ على توبتنا، ونعمل على تقويتها وذلك بالآتي:
* الحفاظ على حدٍّ معيَّنٍ من العبادات لا تهبطين عنه بأيِّ حالٍ من الأحوال، من نوافل وأذكار مختلفة.(33/564)
* الانقطاع تماماً عن الأماكن التي تزيِّن لك العودة إلى المعصية أو تذكِّرك بها، ومقاطعة كلِّ شخصٍ له علاقةٌ بها، وتخلصي من كلِّ الأشياء التي تعيد إليك الحنين إلى لذَّتها، ولله الفضل والمنة فقد أبعدك الله عنها بابتعادك عن العمل.
* التزام رفقةٍ صالحةٍ من الأخوات المتمسِّكات بدينهن فإنَّهن خير عونٍ لك، ووقايةٌ من العودة إلى المعصية.
* الاشتغال بالعلم النافع، واعملي على تطوير تخصُّصك الأكاديميِّ وأدائك المهنيّ.
* اشغلي عقلك بالقراءة النافعة في علوم الدنيا والآخرة، خاصَّةً كتب الرقائق وتزكية النفس.
* وإلى جانب ذلك عليك أن تجددي التوبة دائما ولا تيأسي من رحمة الله،
وأكثري من الدعاء واللجوء إلى ربك الكريم بأن يعينك وينصرك على نفسك ويهديك. وتأكدي أن من كان مع الله فلن يُخْذَل.
وما أجمل أن نصغي معا للرب التواب الرحيم وهو يقول :
- (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
- (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [التوبة: 102].
- ( فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة:39].
- (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [الأنعام: 54].
- ( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا) (الفرقان:70 )
أختنا التائبة، هل تعلمين أن الله فرح مسرور بتوبتك وعودتك إليه؟ فعن أنس – رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلان فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح".
ولا أريد أن أكشف لك زيف حبيبك القديم وخداعه لك؛ فليس هذا ما يعنينا الآن، وقد تعاهدنا على أن نطوي صفحة الماضي بكل ما فيها. ولكن كلي ثقة في الله، وأنه عز وجل سيرزقك الزوج الصالح الذي يعوضك وينسيك مرارة الأيام الماضية، وسيكون عونا لك على طاعته سبحانه وتعالى.
هيا أختي التائبة، اطوي هذه الصفحة من الماضي، وافتحي صفحة جديدة مفعمة بالأمل، مليئة بالتفاؤل، وليكن شعارك فيها: "نبدأ من جديد عهدا سعيدا"..
وتابعينا بأخبارك.
ـــــــــــــــــــ(33/565)
بيتنا "سجن انفرادي".. هل الطلاق حلاً؟ العنوان
السلوكيات الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي تتلخص في أنني فقدت والدي منذ الصغر، وعشت بعد ذلك حياة بائسة، عندما بلغت سن الرشد تقدم لخطبتي ابن عمتي، الذي يكبرني بـ17 عاماً، رفضته في بادئ الأمر، ولكن بعد إصرار أهلي عموما، وخالتي على وجه الخصوص، قبلت به، وبعد الزواج لاحظت انه لا يوجد شيء مشترك بيننا، فالطباع مختلفة، وكذلك المزاج، المهم قلت إن الأوضاع ستتحسن فيما بعد، خصوصاً بعد أن يرزقنا الله بطفل، ولكن قدر الله ألا يولد لنا طفل، بالرغم من عدم وجود مشكلة عند أي منا كما أقر بذلك الأطباء.
واليوم مر على زواجنا 12 عاماً، لم أر فيها تغييراً يُذكر، فزوجي دائما خارج البيت يخرج إلى الدوام منذ الصباح، ولا يعود إلا في المساء، بعد التاسعة، وعندما يعود يشاهد التلفاز، ثم ينام، ويعاملني كقطعة أثاث في المنزل، حاولت معه كثيراً ولكن دون جدوى، وأنا والحمد لله صائمة قائمة، أسأل الله أن يتقبل مني.
في هذا الفراغ الرهيب بحثت عن عمل، والحمد لله وجدت عملا بدوامين، فوجدت فيه حلا لمشكلتي نخرج أنا وزوجي في الصباح، ولا نلتقي إلا في المساء، وهكذا وأثناء جلوسنا في البيت لا يكون بيننا حديث كثيراً فبدأت أَمَلُ من هذه الحياة.
وفي خضم هذه الحياة، وعن طريق النت، جمعتني ظروف العمل بشاب، حيث كلفني أصحاب العمل للاتصال بجهة معينة لطلب بعض الأشياء، فقابلت هذا الشاب عن طريق الهاتف، وطلبت منه الأشياء فأخذ عنواني على النت لإرسالها عليه، وفعلا أرسل الأشياء، وبدأت في التعامل معه عبر النت لإرسال الملفات، المهم توطدت العلاقة بهذا الشاب وهي لم تخرج عن إطار الأخوة في الله.
ولكن بدأت أحس أن هنالك فرقاً شاسعاً، بين هذا الشاب و زوجي، حيث إنه شاب طموح مثقف نشط، دائما يدعو لي بصلاح زوجي، ويخبرني بالمواقع التي تتحدث عن إصلاح وتحسين العلاقات الأسرية، ويتهمني بالتقصير تجاه زوجي، وهو فوق كل هذا لم يراني ولم أره!
وفي يوم من الأيام ثار خلاف بيني وبين زوجي فطلبت منه الطلاق، حتى أضع حداً لهذه الحياة، وذهبت إلى بيت أختي، وجلست معها، وتفهم زوجي مشكلتي، وكان على وشك أن يطلقني، ولكن تدخل بعض الأهل ومنعوا ذلك، ورجعت إلى منزلي، الذي هو عبارة عن "سجن انفرادي" لا يوجد إلا أربعة جدران اقضي فيها كل يومي.
هذه حكايتي، أما سؤالي فهو : هل أجدد طلبي بالطلاق؟، علما بأن طلبي الأول للطلاق لم يحدث تغييراً في سلوك زوجي تجاهي، وإذا تم طلاقي وتقدم إلىّ ذلك الشاب فهل أقبل به زوجاً، علما بأن زوجي يعلم أن هذا الشاب يعمل متعاوناً مع المكان الذي أعمل به وقد التقى به عندما زار البلد الذي يقيم فيه الشاب، وعندما عاد وسألته عنه، وصفه بأنه شاب طيب.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار(33/566)
الرد
تقول الكاتبة الصحفية، الأستاذة نجلاء محفوظ، عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أختي العزيزة،
اسمحي لنا أن نبدأ معك منذ البداية، فقد احتفظت بداخلك بالألم الناتج عن فقدانك لوالدك وأنت صغيرة، وما أعقبها من حياة بائسة، وهو ما يشكل وحده حملاً نفسياً زائداً عليك، ويمنعك من التواصل الإيجابي مع الحياة، ويحول دون شعورك بالرضا، وهو أمر ضروري للغاية لصحتك النفسية، ولراحتك الدينية أيضا، ونرجو أن تتداركي الأمر سريعاً، وأن تطردي التفكير في الماضي لأنه ولى ولن يعود، كي لا تفسدي الحاضر وتحرمي نفسك من الفرص المتاحة أمامك لتحسين حياتك قدر الإمكان والاحتفال بأي تقدم ولو كان بسيطا بدلا من الاستسلام للأحزان.
كما أنك لم تكوني موفقة عندما قبلت بالزواج بسبب الإلحاح، فكان لابد أن تبحثي عن أسباب حقيقية تدعو للموافقة وعدم التعجل في الزواج أو الرضوخ لرغبة الأهل، فأنت التي ستعيشين معه وليس هم. وبعد الزواج كان يجب عليك بعد اكتشاف عدم وجود أشياء مشتركة، أن تسعين بكل قواك للتقرب إلى زوجك، وإيجاد بعض الأمور المشتركة، ولو كان بالتحبب إلى بعض هواياته أو أفكاره ومشاركته إياها بهدف تحقيق بعضاً من التقارب العاطفي وهو ما سيفيدك كثيرا.
ولكنك لم تفعلي ذلك، وانتظرت أن تتحسن الأوضاع من تلقاء نفسها، وهو ما لا يحدث أبداً، فلابد أن نفعل كل ما في وسعنا لنأخذ بالأسباب لتحسين حياتنا، قدر طاقتنا البشرية ثم نتوكل على الخالق عز وجل، والذي أمرنا بذلك، ولا ننسى أن ترك الأخذ بالأسباب معصية، كما أن التوكل على الأسباب شرك.. وتذكري قول الرحمن (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)..
وليس صحيحا أن الأوضاع تتحسن بين الزوجين المتباعدين بعد الإنجاب، فقد يأتي الأطفال ويستمرون في التنافر والابتعاد، فلابد من السعي لإذابة الجليد المتراكم بين الزوجين وعدم السماح له بالتنامي.
من ذلك كله يتضح أنك مسئولة إلى حد كبير عن عدم حدوث تغيير في زواجك، ونقول لك ذلك لأننا نحترم معاناتك، ونتمنى لك الخروج منها بأسرع ما يمكن، ولن حدث ذلك إلا إذا عرفت أنك تتحملين المسؤولية عما تعانين منه، وهذا لا يعني أن تلومي نفسك، أو أن تتألمي، ولكن يجب أن يدفعك ذلك إلى تقبل قيمك بالإصلاح بنفس راضية وبهمة عالية.
أما عن معاملة زوجك لك كقطعة أثاث، فقد يكون هذا لعدم الألفة بينكما، ولانتظارك بأن يقوم هو بتحسين الأمور، ونتمنى أن تكوني أكثر إيجابية، وأن تزيدي الاهتمام بجمالك داخل البيت، وتذكري الحديث الشريف (وإذا نظر إليها سرته)، وأن تهتمي بالاستماع إليه وتظهري الود والاحترام له.(33/567)
وقد سعدنا لحصولك على عمل مناسب، وندعو الرحمن أن يتقبل صيامك وقيامك، ونذكرك بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن سماحك لهذا الشاب على هذا النحو ليس مقبولا بأي حال من الناحية الدينية، وغير صحيح أنها أخوة في الله، فقد رحت تقارنين بينه وبين زوجك، كما سمحت لنفسك بالحديث معه في الأمور الشخصية، ونحذرك منه، فهو لا يتعامل معك بأمانة، فالرجل لا يحترم أبدا المرأة التي تفشي أسرارها الزوجية، وهو بالتأكيد لا يرضى لأخته أن تحادث شابا عبر الإنترنت في شئونها الخاصة.
ومن الطبيعي أن يبدأ بنصحك بتحسين العلاقة مع زوجك، ونحن لا نريد أن نظلمه، ولكننا عايشنا حالات مشابهة انتهت بانجذاب الزوجة عاطفيا إلى غير زوجها، وكانت – دون أن تدري- مجرد وسيلة لإرضاء غرور من اتجهت إليه وأحيانا إشباع بعض غرائزه، ودفعت الثمن غاليا دينيا واجتماعيا، ونرجو أن تحولي دون وصولك لهذا المصير.
ونتمنى أن تكفي عن طلب الطلاق دون مبرر كاف، وتذكري أن ديننا لا يشجع مثل هذه الدعوات، وأن المرأة التي تفعل ذلك تكون مخطئة، كما أن عدم رضاك عن زوجك ناتج عن مقارنته بهذا الشاب، وتوقعك لزواجه منك بعد طلاقك وهو أمر غير واقعي، فهذا الشاب الذي لم يراك يتعامل معك إما من قبل التسلية العاطفية، أو لإضاعة وقت الفراغ ولن يقبل بك زوجة، ولن يثق أنك لن تحادثين غيره، بدون علمه، كما أنه من غير المقبول أن تفكر المرأة في غير زوجها، وأن تعد للزواج من غيره قبل الطلاق منه، بل وقبل انتهاء مدة العدة أيضا، ونرجو أن تنتبهي لهذا وألا ترتكبي هذا الإثم أبدا.
ونصدقك القول بأن طلب الطلاق لا يحدث ما تتوقعينه من إسراع زوجك بتلبية كل ما تريدين، وإنما يحدث شرخاً جديداً في زواجك، ويشعره أنك غير حريصة على الاستمرار معه، وهو ما يتنافى بالتأكيد مع كون الزواج مودة ورحمة، ونود أن تكفي عن التفكير في طلب الطلاق، كوسيلة لتأديب زوجك، أو دفعه للتغيير قسرا، وأن تحاولي تحسين علاقتك بزوجك، والتجديد في كل جوانب حياتك الزوجية.
واعلمي أن حسن تبعل الزوجة لزوجها هو طريقها إلى الجنة، واحرصي على ذلك واستمتعي بزواجك وتذكري أنه نعمة كبيرة من الخالق الذي قال ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وأنك أفضل حالا من ملايين المطلقات والأرامل والبنات اللاتي لم يتزوجن، وأغلقي منافذ الشيطان التي تدفعك إلى السخط على حياتك، واقطعي علاقتك بهذا الشاب، لأن الشيطان هو الذي يغذي هذه العلاقة ليجعلك تخسرين الدين والدنيا معا، ويجعلك تفكرين في الزواج منه مما يوقعك في الإثم ويبعدك عن إنجاح زواجك، وتعلمي شغل وقتك أثناء غياب زوجك فيما يفيد.
ويمكنك حفظ القرآن الكريم، وإجادة تلاوته، والتطوع لمساعدة الأيتام أو كبار السن، وفي ذلك الثواب الكبير، والفائدة الدنيوية العظيمة، ولا تنسي أن الخالق عز وجل سيسألك يوم القيامة: فيما أفنيت عمرك وشبابك، وأنه لا يليق بك، ولا نرضى لك، أن تقولي أنك أضعت عمرك للتحسر على غياب زوجك عن البيت وأهدرت فرصاً لا تعوض للارتقاء الديني والدنيوي، وتناسيت أن الزواج هو جزء من حياتك وليس(33/568)
حياتك كلها، وأن العبادة الحقة لا تقتصر على الصيام والقيام ولكن لابد أن تشمل على اجتناب نواهي الخالق والعمل بأوامره، لذا عليك قطع علاقتك بهذا الشاب، والقيام بدور الزوجة بأفضل ما يكون وستلمسين تحسنا في حياتك متى أخلصت النية واستعنت بالرحمن الرحيم وأغلقت أبواب الآثام إلى الأبد
ـــــــــــــــــــ
الاسم
في الغربة.. ضاع مني إيماني! العنوان
أمراض القلوب الموضوع
السلام عليكم ورحمة الله،
لا أدري كيف أصف حالي، كنت قوي الإيمان، قوي الإرادة، عظيم الثقة في المنهج والطريق، كان الإسلام في دمي، كنت حافظا لكتاب الله، كنت أجعل الصلاة أكبر همي، كنت إذا رأيت ما يغضب الله ولو منظرا صغيرا أحس وكأنني اقترفت شيئا كبيرا، كنت أراجع كتاب الله دوما، كنت وكنت!!!! .
كل هذا حتى وصلت إلى أرض المهجر كندا، بقيت عاما أو ربما أكثر بهذا الإيمان القوي، عدت إلى بلدي، حدثت معي ظروف قاسية جدا، وبعون الله وحفظه عدت إلى كندا بعدما كادت أن تحدث مصيبة في بلدي تدمر مستقبلي، ولكن: لا أدري ماذا حصل بعد عودتي، صرت أكره الرجوع إلى بلدي، بلد الإسلام، لم أعد أراجع كتاب الله، قراءتي له صارت نادرة، ذنوبي كثرت.
ويا ليت الأمر توقف عن هذا الحد، بل دخلت أفكار شيطانية في رأسي، وصرت ماديا بحتا، كنت سلفيا قحا، وانتقلت إلى منهج عقلي بحت، لا أحب مخالفة الدليل بالطبع، لكن المشكلة أن شيئا ما في داخلي صار يشككني فيما أنا عليه سائر، لم أعد أصدق أن إيماني وثقتي في الله ضعفت إلى هذه الدرجة، فلا تجد مني سوى المحافظة على الصلاة، وترك المحرمات، مع عصيان الله قليلا، لا أعصي الله إلا في رؤية الحرام، لا أصف نفسي مدمنا، ولكني أقع في هذا المأزق أحيانا، ثم أستغفر الله، وأتوب إليه.
ونظرا لما وصلت إليه، لم أعد كما كنت من قبل، أكاد أجن أفكر جدياً في ترك المدينة التي أعيش فيها، و الانتقال إلى مدينة أخرى، حتى تخف علاقاتي الاجتماعية وأعطي وقتا لربي أكثر، ولكن رغم هذا، أريد حلا لمشكلتي، أريد حلا لهذا الإيمان الذي خبا بريقه، لكتاب الله الذي يضيع من صدري، فكرت في الزواج، ولكن سحقا لمجتمعي الذي يظن نفسه مسلما، رفض الكثيرون فكرتي، سواء على مستوى أهلي، أم غير أهلي.
تقدمت إلى أكثر من عائلة، ورفضت لهذا السبب، صغر سني، وأني ما زلت طالبا، رغم أني لو كنت متزوجا فإني بإذن الله قادر على فتح بيت وإدارته، سواء ماليا أو وقتيا، فالعيش هنا ميسر بحمد الله، أردت الزوجة، لتكون حفظا لي، ولتعينني على طاعة الرحمن، ومن اليأس الذي أصابني صرت أفكر في الزواج من مسلمة أجنبية، ولو لم أجد، صرت أفكر أحيانا وأطرد الأفكار من رأسي طبعا أن أتزوج نصرانية كندية.(33/569)
ذاك أنا من الداخل، أما من الخارج فأنا شاب متدين، محبوب من الجميع، الكل يحترمني، ويظن في أفضل مما أنا عليه، نرجو منكم الحل يا أساتذتنا، كيف أرجع إلى ما كنت عليه؟ و جزاكم الله خيرا.
السؤال
فريق الاستشارات الإيمانية المستشار
الرد
تقول الأستاذة شيرين الشيمي، من فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
أخي في الله،
لقد كان لرسالتك هذه كبير الأثر في نفسي. تألم قلبي وشعرت بضرورة وقوفي بجانبك، بعد الله سبحانه وتعالى، لكي نستطيع معًا تخطي هذه المرحلة على خير بإذن الله. وأسأل الله أن يجعلني سببًا في تفريج كربك وتفريح قلبك.
بداية، أقول لك أن ما أنت فيه هو ابتلاء، وليس أي ابتلاء بل ابتلاء شديد. فكلنا معرضون لمثل ما حدث لك، وأذكرك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" رواه مسلم وروى أبو داود والترمذي. فنسأل الله ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وألا يجعل مصيبتنا في ديننا.
وأود أن أطمئن قلبك وأبشرك خيرًا، فأنت أخي الكريم بشعورك بالذنب والندم قد تخطيت أول خطوة في طريق العلاج، فكما يقول الحسن البصري رحمه الله: "لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله"، لأن أول طرق العلاج العلم بأسباب المشكلة، بل تعدى ذلك إلى أن يكون نوعًا من العلاج، كما قال زاهد مكة وهيب بن ورد: "إن من صلاح نفسي علمي بفسادها"، فلنستعن بالله ولنبدأ ثاني خطوة في طريق العلاج بتقسيم المشكلة إلى ثلاثة عناصر رئيسية كما بينها الشيخ محمد صالح المنجد ونجملها في :
أولاً: مظاهر ضعف الإيمان :
أ) المعاصي وقسوة القلب.
2) عدم إتقان العبادات والتكاسل عن الطاعات.
3) ضيق الصدر وعدم التأثر بالقرآن.
4) التعلق بالدنيا.
ثانيًا: أسباب ضعف الإيمان:
1) الابتعاد عن الأجواء الإيمانية.
2) وجودك في وسط يعج بالمعاصي.
4) الإغراق في الاشتغال بالدنيا.
ثالثًا: علاج ضعف الإيمان:
1) الزاد اليومي:(33/570)
- تخصيص ورد يومي من القرآن للتلاوة مع التدبر؛ عش مع القرآن، تذكَّر أنه كلام الله تعالى، وأن الله يحادثك مباشرة، تذوَّق جماله اللفظي والبياني، تدبّر معانيه ودلالاته، اتله بصوتك واجتهد الالتزام بأحكام التجويد، فإن ذلك أحرى أن تستشعر جماله، وتفهم معانيه.
- كثرة الذكر والاستغفار، فهما سبيل اتصال القلب الدائم بالله سبحانه وتعالى.
- تحصين النفس من خلال المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- الدعاء في السجود وتحري أوقات الإجابة (الثلث الأخير من الليل، بين الأذان والإقامة، يوم الجمعة).
- الحرص على ركعتي سنة الفجر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه مسلم.
- قيام الليل وما له من أثر كبير، فأوصيك ونفسي به، فيا لروعة القيام والناس نيام، استشعر نزول الرحمن في الثلث الأخير نزولاً يليق بجلاله وهو ينادي: "هل من سائلٍ يُعطَى؟ هل من داعٍ يستجاب له؟ هل من مستغفرٍ يُغفَر له؟ حتى ينفجر الصبح" رواه البخاري ومسلم.
ويخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بفضل القيام فقال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" رواه أبو داود وابن حبان وابن خزيمة. والقائمون هم رجال الليل الذين اختصهم ربنا بالفضل العظيم.
- التصدق: كن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: "رجل تصدق حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" رواه البخاري.
- الالتزام بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم كما أوصى أبا هريرة "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام" متفق عليه.
2) ذكر ملاقاة الله :
- تخيل الوقوف بين يدي الله سبحانه يوم لا ينفع العبد إلا عمله الصالح.
- التفكر في الجنة ونعيمها والنار وعذابها.
- الشوق لرؤية وجه الله سبحانه وإنه لمن أكبر نِعَم أهل الجنة.
3) إيمان المعاملة:
استشعار أن كل ما تقوم به من عمل مهما بدا صغيرًا عبادة، فتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، أناقة المظهر دعوة، وإتقان العمل أمانة.
وأؤكد لك أخي الكريم أن أهم دور في العلاج هو دورك أنت. نعم دورك أنت. فعلى قدر عزيمتك وإصرارك على قدر جدوى العلاج وكما يقول المثل الإنجليزي : “If there's a will there's a way"، "إذا كان هناك عزم، فبالتأكيد هناك طريق".
انهض وأوقد شعلة الحماس تجد نور الإيمان يضئ حياتك.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وبعد ما عرضته عليك، ألم يطمئن قلبك قليلاً؟ حسناً لنكمل الحديث: لقد شعرت من خلال رسالتك أنك تفتقد الصحبة الصالحة، وللصحبة دور كبير في حياة الفرد،(33/571)