ترجعان فتملآنها" ووجود عائشة هنا وهي في العقد الثاني من عمرها يرد على الذين ادعوا أن الاشتراك في الغزوات والمعارك كان مقصورًا على العجائز والمتقدمات في السن، فهذا غير مسلّم.. وماذا تغني العجائز في مثل هذه المواقف التي تتطلب القدرة البدنية والنفسية معًا ؟.
وروى الإمام أحمد: أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر خيبر: يتناولن السهام، ويسقين السويق، ويداوين الجرحى، ويغزلن الشَّعر، ويعنّ في سبيل الله، وقد أعطاهن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصيبًا من الغنيمة.
بل صح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات والمعارك الإسلامية بحمل السلاح، عندما أتيحت لهن الفرصة.. ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم أحد، حتى قال عنها -صلى الله عليه وسلم- : " لمقامها خير من مقام فلان وفلان ".
وكذلك اتخذت أم سليم خنجرًا يوم حنين، تبقر به بطن من يقترب منها.
روى مسلم عن أنس ابنها: أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها، فرآها أبو طلحة زوجها فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر ! فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " ما هذا الخنجر" ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه ! فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك. (رواه مسلم برقم 1809).
وقد عقد البخاري بابًا في صحيحه في غزو النساء وقتالهن.
ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشاركة في الغزو عند المعارك المجاورة والقريبة في الأرض العربية كخيبر وحنين.. بل طمحن إلى ركوب البحار، والإسهام في فتح الأقطار البعيدة لإبلاغها رسالة الإسلام.
ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عند أم حرام بنت ملحان خالة أنس يومًا، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: " ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكًا على الأسرَّة، أو مثل الملوك على الأسرة "، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها (انظر الحديث (1912)(27/1923)
من صحيح مسلم)... فركبت أم حرام البحر في زمن عثمان، مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص، فصرعت عن دابتها هناك، فتوفيت ودفنت هناك، كما ذكر أهل السير والتاريخ.
وفي الحياة الاجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، كما قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..). (التوبة: 71).
ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في المسجد في قضية المهور، ورجوعه إلى رأيها علنًا، وقوله :" أصابت المرأة وأخطأ عمر ".وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النساء، وقال: إسنادها جيد.
وقد عين عمر في خلافته الشِّفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة على السوق.. والمتأمل في القرآن الكريم وحديثه عن المرأة في مختلف العصور، وفي حياة الرسل والأنبياء لا يشعر بهذا الستار الحديدي الذي وضعه بعض الناس بين الرجل والمرأة.
فنجد موسى وهو في ريعان شبابه وقوته يحادث الفتاتين ابنتي الشيخ الكبير، ويسألهما وتجيبانه بلا تأثم ولا حرج، ويعاونهما في شهامة ومروءة، وتأتيه إحداهما بعد ذلك مرسلة من أبيها تدعوه أن يذهب معها إلى والدها، ثم تقترح إحداهما على أبيها بعد ذلك أن يستخدمه عنده ؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة.
لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص : (ولما وَرَدَ ماء مَدْيَنَ وَجَدَ عليه أُمّةً من الناس يَسْقُون ووجد من دونهم امرأ تين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير.. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين.. قالت إحداهما يا أبتي استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين). (القصص: 23 -26).(27/1924)
وفي قصة مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب، ويسألها عن الرزق الذي يجده عندها :(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). (آل عمران: 37).
وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر سليمان: (قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون.. قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين.. قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعِزَّةَ أهلها أذِلَّةً وكذلك يفعلون). (النمل: 32 - 34).
وكذلك تحدثت مع سليمان -عليه السلام- وتحدث معها: (فلما جاءت قيل أهكذا عَرْشُكِ قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين.. وصَدَّهَا ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين.. قيل لها ادخلي الصَّرْحَ فلما رأته حسبته لُجَّةً وكَشَفَتْ عن ساقيها قال إنه صَرْحٌ مُمَرَّدٌ من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين). (النمل: 42 - 44).
ولا يقال: إن هذا شرع من قبلنا فلا يلزمنا ؛ فإن القرآن لم يذكره لنا إلا لأن فيه هداية وذكرى وعبرة لأولي الألباب، ولهذا كان القول الصحيح: أن شرع من قبلنا المذكور في القرآن والسنة هو شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه.. وقد قال تعالى لرسوله: (أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُداهم اقْتَدِه). (الأنعام :90).
إن إمساك المرأة في البيت، وإبقاءها بين جدرانه الأربعة لا تخرج منه اعتبره القرآن في مرحلة من مراحل تدرج التشريع قبل النص على حد الزنى المعروف عقوبة بالغة لمن ترتكب الفاحشة من نساء المسلمين، وفي هذا يقول تعالى في سورة النساء: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا). (النساء: 15).
وقد جعل الله لهن سبيلاً بعد ذلك حينما شرع الحد، وهو العقوبة المقدرة في الشرع حقًا لله تعالى، وهي الجلد الذي جاء به القرآن لغير المحصن، والرجم الذي جاءت به السنة للمحصن.(27/1925)
فكيف يستقيم في منطق القرآن والإسلام أن يجعل الحبس في البيت صفة ملازمة للمسلمة الملتزمة المحتشمة، كأننا بهذا نعاقبها عقوبة دائمة وهي لم تقترف إثمًا ؟.
والخلاصة:.
أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).(27/1926)
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.
6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ــــــــــــــ
حكم النقاب ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20874 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...(27/1927)
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يقول أحد المحسوبين على علماء المسلمين أن النقاب ليس واجبا، وأن هذا هو رأي الجمهور، وإجماع السلف الصالح. وقد بحثت بنفسي كثيرا في أمر النقاب فلم أجد لكلامه أصلا، بل وجدت عكس ذلك. فهل كلام هذا الرجل صحيح؟ أم أن الإسلام أصبح لقمة سائغة في أفواه من تشفعوا للأصنام، وأفتوا بجواز قتل المسلم الأمريكي للمسلم الأفغاني في الحرب الدائرة؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
أخوكم : زهير حسن حميدات – فلسطين.
نص الفتوى
أخي الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
لقد آثرت أن أنقل إليك كلام الرجل الذي تتحدث عنه حتى تراجعه مرة أخرى فما أحسبه من الذين يتقولون على العلماء بغير ما قالوا ثم هو من المجتهدين الذين وعدهم رسول الله بأجر أو أجرين إن هم أخطأوا أو أصابوا وإني لأعيب عليك أن تنعت عالما من صغار علماء المسلمين بما نعت به الشيخ الجليل فأين أنا وأنت وأمثالنا من الحكم على مثل هؤلاء الأشاوس. يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي
"نعلم أن الجدل في هذه القضايا الخلافية لن ينتهي بمقالة تدبج، أو بحث يحرر، أو بكتاب يؤلف. وما دامت أسباب الاختلاف قائمة، فلن يزول الاختلاف بين الناس وإن كانوا مسلمين متدينين مخلصين.
بل قد يكون التدين والإخلاص أحيانًا من أسباب حدة الخلاف ؛ حيث يتحمس كل طرف لرأيه الذي يعتقد أنه الحق، وأنه الدين الذي يحاسب عليه ثوابًا أو عقابًا.
سيظل الاختلاف قائمًا ما دامت النصوص نفسها التي تستنبط منها الأحكام قابلة للاختلاف في ثبوتها ودلالتها، وما دامت أفهام البشر متفاوتة في القدرة على(27/1928)
الاستنباط، ومدى الأخذ بظاهر النص، أو بفحواه، بالرخصة أو بالعزيمة،. بالأحوط أم بالأيسر.
سيظل الاختلاف قائمًا ما دام في الناس من يأخذ بشدائد ابن عمر، ومن يأخذ برخص ابن عباس، وما دام فيهم من يصلي العصر في الطريق، ومن لا يصليها إلا في بني قريظة.
ومن رحمة الله بنا أن هذا النوع من الاختلاف لا حرج فيه ولا إثم، والمخطئ فيه معذور، بل مأجور أجرًا واحدًا، بل هناك من يقول: لا مخطيء في هذه الاجتهادات الفرعية، بل كلٌّ مصيب.
وقد اختلف الصحابة ومن تبعهم بإحسان في فروع الدين، فما ضرهم ذلك، ووسع بعضهم بعضًا، وصلى بعضهم وراء بعض، دون نكير.
ومع إيماني بأن الخلاف سيظل قائمًا، لابد لي أن أستجيب إلى سؤالكم وأعيد القول في الموضوع، زيادة في البيان، لعل الله يوفقني فيه لكلمة سواء، تقطع النزاع، أو على الأقل تخفف من حدته، وتهون من شدته فتريح ضمائر أهل الحجاب وتسهل الأمر على دعاة النقاب.
كشف الوجه والكفين مذهب جمهور الفقهاء:.
وأود أن أبادر هنا، فأؤكد حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد ؛ لأنها عند أهل العلم معروفة غير منكرة، مشهورة غير مهجورة، وهي أن القول بعدم وجوب النقاب وبجواز كشف الوجه والكفين من المرأة المسلمة أمام الرجل الأجنبي غير المحرم لها، هو قول جمهور فقهاء الأئمة، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم.
فلا وجه إذن للضجة المفتعلة، والزوبعة المصطنعة، التي أثارها بعض المخلصين من غير أهل العلم، وبعض المتشددين من طلبة العلم، ضد ما قاله بعض دعاة الإسلام في بعض كتبه، أو بعض مقالاته، كأنما أتى ببدع من القول، أو جديد من الرأي، وما هو إلا قول الأئمة المعتبرين والفقهاء المعدودين.. كما سنبين بعد.. كما أنه القول الذي تعضده الأدلة والآثار، ويسنده النظر والاعتبار، ويؤكده الواقع في خير الأعصار.
مذهب الحنفية:.(27/1929)
ففي " الاختيار " من كتب الحنفية يقول:.
(ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية، إلا إلى الوجه والكفين، إن لم يخف الشهوة.. وعن أبي حنيفة: أنه زاد القدم، لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء، ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب، لإقامة معاشها ومعادها، لعدم من يقوم بأسباب معاشها.
قال: والأصل فيه قوله تعالى: (ولا يُبْدِين زِيَنَتَهُنَّ إلا ما ظَهَر منها) قال عامة الصحابة: الكحل والخاتم، والمراد موضعهما، كما بينا أن النظر إلى نفس الكحل والخاتم والحلي وأنواع الزينة حلال للأقارب والأجانب، فكان المراد موضع الزينة، بطريق حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.
قال: وأما القدم، فروي أنه ليس بعورة مطلقًا لأنها تحتاج إلى المشي فيبدو، ولأن الشهوة في الوجه واليد أكثر، فلأن يحل النظر إلى القدم كان أولى.
وفي رواية: القدم عورة في حق النظر دون الصلاة). (الاختيار لتعليل المختار، تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي 4/156).
مذهب المالكية:.
وفي الشرح الصغير للدردير المسمى " أقرب المسالك إلى مذهب مالك ":.
(وعورة الحرة مع رجل أجنبي منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين.. وأما هما فليسا بعورة).
وقال الصاوي في حاشيته معلقا: (أي فيجوز النظر لهما لا فرق بين ظاهرهما وباطنهما، بغير قصد لذة ولا وجدانها، وإلا حرم.
قال: وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها ؟.وهو الذي لابن مرزوق قائلا: وهو مشهور المذهب.
أو لا يجب عليها ذلك، وإنما على الرجل غض بصره ؟ وهو مقتضى نقل المواق عن عياض.
وفصل زرُّوق في شرح الوغليسية بين الجميلة، فيجب، وغيرها فيستحب). (حاشية الصاوي على الشرح الصغير بتعليق د. مصطفى كمال وصفي، ط دار المعارف بمصر، 1/289).
في مذهب الشافعية:.(27/1930)
وقال الشيرازي صاحب " المهذب " من الشافعية.
(وأما الحرة فجميع بدنها عورة، إلا الوجه والكفين (قال النووي: إلى الكوعين لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس: وجهها وكفيها (قال النووي " في المجموع ": هذا التفسير المذكور عن ابن عباس قد رواه البيهقي عنه وعن عائشة رضي الله عنهم)، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- " نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب " (الحديث في صحيح البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما : " لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين) ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء، فلم يجعل ذلك عورة).
وأضاف النووي في شرحه للمهذب " المجموع ": (إن من الشافعية من حكى قولاً أو وجها أن باطن قدميها ليس بعورة، وقال المزني: القدمان ليستا بعورة، والمذهب الأول). (المجموع 3/167، 168).
في مذهب الحنابلة:.
وفي مذهب الحنابلة نجد ابن قدامة في " المغنى" (المغني 1/1، 6، ط المنار).يقول (لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها، وفي الكفين روايتان:.
واختلف أهل العلم، فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه، وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة.
وقال أبو حنيفة: القدمان ليستا من العورة، لأنهما يظهران غالبًا فهما كالوجه.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكفين ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب، ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء.(27/1931)
وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة ؛ لأنه قد روي في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (المرأة عورة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح لكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيته من المشقة، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة لأنه مجمع المحاسن، وهذا قول أبي بكر الحارث بن هشام، قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها).ا هـ كلام المغني.
مذاهب أخرى:.
وذكر الإمام النووي في " المجموع " في بيان مذاهب العلماء في العورة: (أن عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وبه قال مع الشافعي مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وأبو ثور وطائفة، ورواية عن أحمد.
وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: قدماها أيضًا ليسا بعورة.
وقال أحمد: جميع بدنها إلا وجهها فقط...) إلخ. (المجموع للنووي 3/169).
وهو مذهب داود أيضًا كما في " نيل الأوطار". (نيل الأوطار 2/55 ط دار الجيل بيروت).
أما ابن حزم فيستثني الوجه والكفين جميعًا كما في " المحلى".
وسنذكر بعض ما استدل به في موضعه.
وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين كما هو واضح من تفسيرهم لمعنى: (ما ظهر منها) في سورة النور.
أدلة القائلين بجواز كشف الوجه والكفين:.
نستطيع أن نذكر أهم الأدلة الشرعية التي استند إليها القائلون بعدم وجوب النقاب وجواز كشف الوجه واليدين وهم جمهور الأئمة فيما يأتي، وفيها الكفاية إن شاء الله.
1ـ تفسير الصحابة لقوله: (إلا ما ظهر منها):.
إن جمهور العلماء من الصحابة ومن تبعهم بإحسان فسروا قوله تعالى في سورة النور: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بأنه الوجه والكفان، أو الكحل والخاتم وما في معناهما من الزينة.(27/1932)
وقد ذكر الحافظ السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور " جملة وفيرة من هذه الأقوال.
فأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: هو خضاب الكف، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: وجهها، وكفاها، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: رقعة الوجه، وباطن الكف.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والَفَتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الوجه وثغرة النحر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكف.
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الكفان والوجه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا إلى ها هنا ويقبض نصف الذراع.(27/1933)
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، عن المسور بن مخرمة في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: القلبين يعني السوار، والخاتم، والكحل.
وأخرج سعيد وابن جرير عن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الخاتم والمسكة، قال ابن جريج وقالت عائشة رضي الله عنها: "القلب، والفتخة".قالت عائشة: دخلت على ابنة أخي لأمي، عبد الله بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعرض.. فقالت عائشة رضي الله عنها: إنها ابنة أخي وجارية فقال : " إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى ا.هـ. (انظر: الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية 31 من سورة النور).
وقد خالف ابن مسعود هنا ابن عباس وعائشة وأنسًا رضي الله عنهم، فقال ما ظهر منها الثياب والجلباب.
ورأيي أن تفسير ابن عباس ومن وافقه هو الراجح ؛ لأن الاستثناء في الآية :(إلا ما ظهر منها)بعد النهي عن إبداء الزينة، يدل على نوع من الرخصة والتيسير، وظهور الرداء والجلباب وما شابهه من الثياب الخارجية ليس فيه شيء من الرخصة أو اليسر ورفع الحرج، لأن ظهورهما أمر ضروري وقسري ولا حيلة فيه.
ولهذا رجحه الطبري والقرطبي والرازي والبيضاوي وغيرهم، وهو قول الجمهور.
ورجح ذلك القرطبي بأنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما.
ويستأنس لذلك بالحديث الذي رواه أبو داود أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه.(27/1934)
والحديث لا تقوم به حجة وحده ؛ لما فيه من إرسال، وضعف الراوي عن عائشة كما هو معلوم، ولكن له شاهدًا من حديث أسماء بنت عميس، فيتقوى به، وبجريان عمل النساء عليه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته.. لهذا حسنه المحدِّث الألباني في كتبه :" حجاب المرأة المسلمة "، و" الإرواء " و " صحيح الجامع الصغير "، و " تخريج الحلال والحرام".
2 الأمر بضرب الخمار على الجيب لا على الوجه:.
قوله تعالى في شأن المؤمنات: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فالخمر جمع خمار، وهو غطاء الرأس، و الجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الصدر من القميص ونحوه، فأمر النساء المؤمنات أن يسدلن ويلقين بخمرهن وأغطية رؤوسهن بحيث تغطى النحور والصدور، ولا يدعنها مكشوفة كما كان نساء الجاهلية يفعلن.
فلو كان ستر الوجه واجبًا لصرحت به الآية، فأمرت بضرب الخمر على الوجوه، كما صرحت بضربها على الجيوب، ولهذا قال ابن حزم بعد ذكر الآية الكريمة: (فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه، لا يمكن غير ذلك أصلا). (المحلى 3/279).
3ـ أمر الرجال بغض الأبصار:.
أمر الرجال بغض أبصارهم في القرآن والسنة، كما قي قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون). (النور: 30).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اضمنوا لي ستًا أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وغضوا أبصاركم.." الحديث. (رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب عن عبادة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 1018).
وقوله لعلي: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن بريدة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 7953).(27/1935)
وقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج..." رواه الجماعة عن ابن مسعود.
فلو كانت الوجوه كلها مستورة، وكان كل النساء منقبات، فما وجه الحث على الغض من الأبصار؟ وماذا عسى أن تراه الأبصار إذا لم تكن الوجوه سافرة يمكن أن تجذب وتفتن؟ وما معنى أن الزواج أغض للبصر إذا كان البصر لا يرى شيئًا من النساء؟.
4ـ آية: (ولو أعجبك حُسْنُهن):.
يؤكد ذلك قوله تعالى لرسوله: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن). (الأحزاب: 52).
فمن أين يعجبه حسنهن، إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟.
5ـ حديث: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته":.
تدل النصوص والوقائع الكثيرة على أن عامة النساء في عصر النبوة لم يكن منقبات إلا ما ندر، بل كن سافرات الوجوه.
من ذلك: ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود، عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأعجبته، فأتى زينب - زوجه - وهي تمعس منيئة - أي تدبغ أديمًا - فقضى حاجته، وقال:.
"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن ذاك يرد ما في نفسه". (رواه مسلم في "النكاح" برقم 1403).
ورواه الدارمي عن ابن مسعود، وجعل الزوجة "سَوْدَة" وفيه قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه، فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها".
وروى أحمد القصة من حديث أبي كبشة الأنماري، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها. فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال". (ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 235).(27/1936)
فسبب الحديث يدل على أن الرسول الكريم رأى امرأة معينة، فوقع في قلبه شهوة النساء، بحكم بشريته ورجولته، ولا يمكن أن يكون هذا إلا إذا رأى وجهها الذي به تعرف فلانة من غيرها، ورؤيته هي التي تحرك الشهوة البشرية، كما أن قوله: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته" إلخ.. يدل على أن هذا أمر ميسور ومعتاد.
6ـ حديث: "فصعد فيها النظر وصوبه":.
ومن ذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصعد فيها النظر وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.
ولو لم تكن سافرة الوجه، ما استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينظر إليها، ويطيل فيها النظر تصعيدًا وتصويبًا.
ولم يرد أنها فعلت ذلك للخطبة، ثم غطت وجهها بعد ذلك، بل ورد أنها جلست كما جاءت، ورآها بعض الحضور من الصحابة، فطلب من الرسول الكريم أن يزوجها إياه.
7ـ حديث الخثعمية والفضل بن عباس:.
ما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وذكر الحديث وفيه "فأخذ الفضل يلتفت وكانت امرأة حسناء، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحول وجه الفضل من الشق الآخر". (لفظ النسائي "وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفضل فحول وجهه من الشق الآخر").
قال ابن حزم:.
فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها -عليه السلام- على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ فصح كل ما قلنا يقينا! والحمد لله كثيرًا.(27/1937)
وروى الترمذي هذه القصة من حديث علي رضي الله عنه، وفيه: ولوي - أي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما".
وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). (الحديث في أبواب الحج، ورقمه 885).
قال العلامة لشوكاني:.
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة، حيث لم يأمرها بتغطية وجهها، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل، ولو لم يكن ما فهمه جائزًا ما أقره عليه -صلى الله عليه وسلم-.
قال في "نيل الأوطار":.
(وهذا الحديث يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة يعني آية: (وإذا سألتموهن متاعًا فسئلوهن من وراء حجاب) بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن قصة الفضل في حجة الوداع، وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة..). (نيل الأوطار جـ 6. دار الجيل، بيروت).
8ـ أحاديث أخرى:.
ومن الأحاديث التي لها دلالتها هنا ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.. إلى أن قال: ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم"! فقامت امرأة من سطة (من سطة النساء: أي من خيارهن، والوسط: العدل والخيار). النساء سفعاء (السفعة - وزن غرفة - سواد مشرب بحمرة). الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة - الشكوى - وتكفرن العشير - أي الزوج- ". قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.
فمن أين لجابر - رضي الله عنه - أن يعرف أنها سفعاء الخدين إذا كان وجهها مغطى بالنقاب؟.
وروى البخاري قصة صلاة العيد عن ابن عباس أيضًا: أنه شهد العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه -عليه السلام- خطب بعد أن صلى، ثم أتى(27/1938)
النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، قال: "فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال".
قال ابن حزم: (فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة، والوجه، ليسا عورة). (المحلى 3/280).
وروى الحديث مسلم وأبو داود - واللفظ له - عن جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يوم الفطر، فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نزل، فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة، قال: تلقي المرأة فتخها، ويلقين ويلقين. (الحديث (1141) من سنن أبي داود، وأخرجه النسائي أيضًا).
قال أبو محمد بن حزم: (الفتخ خواتيم كبار كُنَّ يلبسنها في أصابعهن، فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ). (المحلى 11/221 مسألة رقم 1881).
ومنها ما جاء في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر، متلحفات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يُعرفن من الغَلَس".
وهو يدل بمفهومه على أنه يعرفن في غير حالة الغلس، وإنما يعرفن إذا كن سافرات الوجوه.
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه أن سُبَيْعة بنت الحارث كانت تحت سعد بن خولة وهو ممن شهد بدرًا، وقد توفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت - خرجت من نفاسها - تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك، وقال لها: "ما لي أراك متجملة؟ لعلك تريدين النكاح! إنك والله ما أنت بناكحة، حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر"، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسألته عن ذلك، فأفتاني أني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.(27/1939)
فدل هذا الحديث على أن سبيعة ظهرت متجملة أمام أبي السنابل، وهو ليس بمحرم لها، بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد. ولولا أنها سافرة ما عرف إن كانت متجملة أم لا.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: أن رجلاً مرت به امرأة فأحدق بصره إليها. فمر بجدار، فمرس وجهه، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجهه يسيل دمًا. فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل عقوبة ذنبه في الدنيا، وإذا أراد به غير ذلك أمهل عليه بذنوبه، حتى يوافي بها يوم القيامة، كأنه عَيْر". (أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/192، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. والعير: الحمار. وقد ذكر قبله عدة أحاديث بمعناه).
فدل هذا على أن النساء كن سافرات الوجوه، وكان منهن من تلفت بحسنها أنظار الرجال. إلى حد الاصطدام بالجدار، وحتى يسيل وجهه دمًا.
9ـ الصحابة يستغربون لبس النقاب:.
بل ثبت في السنة ما يدل على أن لبس المرأة للنقاب إذا وقع في بعض الأحيان، كان أمرًا غريبًا يلفت النظر، ويوجب السؤال والاستفهام.
روى أبو داود عن قيس بن شماس، رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقال لها: أم خلاد، وهي منتقبة (في بعض النسخ "متنقبة" والمعنى: أنها تلبس النقاب تغطي به وجهها).، تسأل عن ابنها، وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أُرْزَأَ ابني فلن أُرْزَأَ حيائي!.. الحديث. (رواه أبو داود في كتاب الجهاد من سننه برقم 2488).
ولو كان النقاب أمرًا معتادًا للنساء في ذلك الوقت ما كان هناك وجه لقول الراوي: أنها جاءت وهي منتقبة، وما كان ثمت معنى لاستغراب الصحابة وقولهم لها: "جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟".
ورد المرأة يدل على أن حياءها هو الذي دفعها إلى الانتقاب، وليس أمر الله ورسوله، ولو كان النقاب واجبًا شرعيًا، لأجابت بغير هذا الجواب، بل ما صدر(27/1940)
السؤال أصلاً، فالمسلم لا يسأل: لماذا أقام الصلاة، أو آتي الزكاة، وفي القواعد المقررة: ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته.
10ـ ضرورة التعامل توجب معرفة الشخصية:.
إن ضرورة تعامل المرأة مع الناس في أمور معاشها يوجب أن تكون شخصيتها معروفة للمتعاملين معها، بائعة أو مشترية، أو موكلة، أو وكيلة، أو شاهدة أو مشهودًا لها أو عليها، ومن ثم نجد أن الفقهاء مُجْمِعون على أن المرأة أن تكشف عن وجهها إذا مثلت أمام القضاء، حتى يتعرف القاضي والشهود والخصوم على شخصيتها. ولا يمكن التعرف على شخصيتها والحكم بأنها فلانة بنت فلان، ما لم يكن وجهها معروفًا للناس من قبل، وإلا فإن كشف وجهها في مجلس القضاء لا يفيد شيئًا.
أدلة القائلين بوجوب النقاب:.
تلك هي أبرز أدلة الجمهور، فما أدلة من خالفهم، وهم قلة؟.
الحق أني لم أجد للقائلين بوجوب لبس النقاب، ووجوب تغطية الوجه واليدين دليلاً شرعيًا صحيح الثبوت، صريح الدلالة، سالمًا من المعارضة، بحيث ينشرح له الصدر ويطمئن به القلب.
وكل ما معهم متشابهات من النصوص تردها المحكمات وتعارضها الأدلة الواضحات.
وأذكر هنا أقوى ما استدلوا به، وأردُّ عليه:.
أ- من ذلك: ما جاء عن بعض المفسرين في قوله تعالى في "آية الجلباب" في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى:(يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). (الأحزاب: 59).
فقد روي عن عدد من مفسري السلف تفسير إدناء الجلابيب عليهن، أنهن يسترن بها جميع وجوههن، بحيث لا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة يبصرن بها.
وممن روي عنه ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني وغيرهم، ولكن ليس هناك اتفاق على معنى" الجلباب" ولا على معنى "الإدناء" في الآية.(27/1941)
والعجب أن يروى هنا عن ابن عباس، ما روي عنه خلافه في تفسير آية سورة النور: (إلا ما ظهر منها)!.
وأعجب منه أن يروي بعض المفسرين هذا وذاك، ويختاروا في سورة الأحزاب ما رجحوا عكسه في سورة النور!.
وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم في حديث أم عطية في صلاة العيد: إحدانا لا يكون لها جلباب.. إلخ. قال: قال النضر بن شميل: الجلباب ثوب أقصر - وأعرض - من الخمار، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل: هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة والملحفة. وقيل: هو الإزار، وقيل: الخمار. (صحيح مسلم بشرح النووي 2/542، ط الشعب).
وعلى كل حال، فإن قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) لا يستلزم ستر الوجه لغة ولا عرفًا، ولم يرد باستلزامه ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وقول بعض المفسرين: إنه يستلزمه معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه. كما قال صاحب "أضواء البيان" رحمه الله.
وبهذا سقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
ب ما جاء عن ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أن ما ظهر منها هو الرداء والثياب الظاهرة.
وهذا التفسير يعارضه ما صح عن غيره من الصحابة: ابن عباس وابن عمر وعائشة وأنس رضي الله عنهم، وعن غيرهم من التابعين: أنه الكحل والخاتم، أو مواضعهما من الوجه والكفين، وقد ذكر ابن حزم أن ثبوت ذلك عن الصحابة في غاية الصحة.
ويؤيد هذا التفسير ما ذكره العلامة أحمد بن أحمد الشنقيطي في (مواهب الجليل من أدلة خليل) قال: (من يتشبث بتفسير ابن مسعود: (إلا ما ظهر منها) يعني الملاءة - يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي، قال تعالى: (ولا يضرن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (أي الخلخال ونحوه. وذلك في نفس الآية 31 من سورة النور). فتعين حمل زينة المرأة على حليها. (مواهب الجليل 1/148 ط إدارة إحياء التراث الإسلامي في قطر).(27/1942)
يؤكد ذلك ما ذكرناه من قبل: أن الاستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاءة ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير.
جـ ما ذكره صاحب أضواء البيان من الاستدلال بقوله تعالى في نساء النبي: (وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن). (الأحزاب: 53).
فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) قرينة واضحة على إرادة الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين أن غير أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.
ولكن المتأمل في الآية وسياقها، يجد أن "الأطهرية" المذكورة في التعليل ليست من الريبة المحتملة من هؤلاء وأولئك، فإن هذا النوع من الريبة بعيد عن هذا المقام. ولا يتصور من أمهات المؤمنين، ولا ممن يدخل عليهن من الصحابة دخول هذا اللون من الريبة على قلوبهم وقلوبهن، إنما الأطهرية هنا من مجرد التفكير في الزواج الحلال الذي قد يخطر ببال أحد الطرفين، بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأما استدلال بعضهم بنفس قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب) فلا وجه له لأنه خاص بنساء النبي كما هو واضح، وقول بعضهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - لا يرد هنا؛ إذ اللفظ في الآية ليس عامًا. وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي مردود، لأنه قياس مع الفارق، فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن، ولهذا قال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء). (الأحزاب: 32).
د ما رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللواتي لم يحرمن.(27/1943)
ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام، يلبسن النقاب والقفازين اختيارًا منهن، ولكن أين في هذا الدليل على أن هذا كان واجبًا؟؟ بل لو استدل بهذا على العكس لكان معقولاً، فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة، مثل لبس المخيط والطيب والصيد ونحوها، وليس منها شيء كان واجبًا ثم صار بالإحرام محظورًا.
ولهذا استدل كثير من الفقهاء - كما ذكرنا من قبل - بهذا الحديث نفسه: أن الوجه واليدين ليسا عورة، وإلا لما أوجب كشفهما.
هـ ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
والحديث لا حجة فيه لوجوه:.
1ـ أن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال. ولا يحتج في الأحكام بضعيف.
2ـ أن هذا الفعل من عائشة رضي الله عنها لا يدل على والوجوب، فإن فعل الرسول نفسه لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟.
3ـ ما عرف في الأصول: أن وقائع الأحوال، إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال.
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكمًا خاصًا بأمهات المؤمنين من جملة أحكام خاصة بهن، كحرمة نكاحهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما إلى ذلك. (مواهب الجليل من أدلة خليل 1/185).
وـ ما رواه الترمذي مرفوعًا: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" قال الترمذي: حسن صحيح. وأخذ منه بعض الشافعية والحنابلة: أن المرأة كلها عورة ولم يستثنوا منها وجهًا ولا كفًا ولا قدمًا.
والصحيح أن الحديث لا يفيد هذه "الكلية" التي ذكروها، بل يدل على أن الأصل في المرأة هو التصون والستر، لا التكشف والابتذال، ويكفي لإثبات هذا أن يكون(27/1944)
معظم بدنها عورة، ولو أخذ الحديث على ظاهره ما جاز كشف شيء منها في الصلاة، ولا في الحج، وهو خلاف الثابت بيقين.
وكيف يتصور أن يكون الوجه والكفان عورة، مع الاتفاق على كشفهما في الصلاة ووجوب كشفهما في الإحرام؟ وهل يعقل أن يأتي الشرع بتجويز كشف العورة في الصلاة، ووجوب كشفها في الإحرام؟.
زـ وهناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص، ذلكم هو سد الذريعة . فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا فُلَّتْ كل الأسلحة الأخرى.
وسد الذريعة يقصد به منع شيء مباح، خشية أن يوصل إلى الحرام، وهو أمر اختلف فيه الفقهاء ما بين مانع ومجوز، وموسع ومضيق، وأقام ابن القيم في "إعلام الموقعين" تسعة وتسعين دليلاً على مشروعيته.
ولكن من المقرر لدى المحققين من علماء الفقه والأصول: أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر الناس في دينهم ودنياهم، فإن المبالغة في سدها قد تضيع على الناس مصالح كثيرة أيضًا في معاشهم ومعادهم.
وإذا فتح الشارع شيئًا بنصوصه وقواعده، فلا ينبغي لنا أن نسده بآرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله، أو نشرع ما لم يأذن به الله.
وقد تشدد المسلمون في العصور الماضية تحت عنوان "سد الذريعة إلى الفتنة" فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد، وحرموها بذلك خيرًا كثيرًا، ولم يستطع أبواها ولا زوجها أن يعوضها ما يمنحها المسجد من علم ينفعها أو عظة تردعها، وكانت النتيجة أن كان كثير من النساء المسلمات يعشن ويمتن، ولم يركعن لله ركعة واحدة!.
هذا مع أن الحديث الصحيح الصريح يقول: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"! رواه مسلم.
وفي وقت من الأوقات دارت معارك جدلية بين بعض المسلمين وبعض حول جواز تعلم المرأة، وذهابها إلى المدارس والجامعات. وكانت حجة المانعين سد الذريعة، فالمرأة المتعلمة أقدر على المغازلة والمشاغلة بالمكاتبة والمراسلة، إلخ،(27/1945)
ثم انتهت المعركة بإقرار الجميع بأن تتعلم المرأة كل علم ينفعها، وينفع أسرتها ومجتمعاتها، من علوم الدين أو الدنيا، وأصبح هذا أمرًا سائدًا في جميع بلاد المسلمين، من غير نكير من أحد منهم، إلا ما كان من خروج على آداب الإسلام وأحكامه.
ويكفينا الأحكام والآداب التي قررها الشرع، لتسد الذرائع إلى الفساد والفتن، من فرض اللباس الشرعي، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة، وإيجاب الجد والوقار في الكلام والمشي والحركة. مع وجوب غض البصر من المؤمنين والمؤمنات، وفي هذا ما يغنينا عن التفكير في موانع أخرى من عند أنفسنا.
ح ومما يستدل به هنا كذلك العرف العام الذي جرى عليه المسلمون عدة قرون، بستر وجوه النساء بالبراقع والنُّقُب وغيرها.
وقد قال بعض الفقهاء:.
والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار.
وقد نقل النووي وغيره عن إمام الحرمين - في استدلاله على عدم جواز نظر المرأة إلى الرجل - اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات.
ونرد على هذه الدعوى بجملة أمور:.
1ـ أن هذا العرف مخالف للعرف الذي ساد في عصر النبوة، وعصر الصحابة وخير القرون، وهم الذين يقتدي بهم فيهتدي.
2ـ أنه لم يكن عرفًا عامًا، بل كان في بعض البلاد دون بعض، وفي المدن دون القرى والريف، كما هو معلوم.
3ـ أن فعل المعصوم وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب، بل على الجواز والمشروعية فقط، كما هو مقرر في الأصول، فكيف بفعل غيره؟.
ومن هنا لا يدل هذا العرف حتى لو سلمنا أنه عام على أكثر من أنهم استحسنوا ذلك، احتياطًا منهم، ولا يدل على أنهم أوجبوه دينًا.
4ـ أن هذا العرف يخالفه عرف حادث الآن، دعت إليه الحاجة، وأوجبته ظروف العصر، واقتضاه التطور في شئون الحياة ونظم المجتمع، وتغير حال المرأة من(27/1946)
الجهل إلى العلم، ومن الهمود إلى الحركة، ومن القعود في البيت إلى العمل في ميادين شتى.
وما بني من الأحكام على العرف في مكان ما، وزمان ما يتغير بتغيره.
شبهة أخيرة:.
وأخيرًا نعرض هنا لشبهة ذكرها بعض المتدينين الذين يميلون إلى التضييق على المرأة.
وخلاصتها: أننا نسلم بالأدلة التي أوردتموها بمشروعية كشف المرأة لوجهها كما نسلم بأن المرأة في العصر الأول عصر النبوة والراشدين كانت غير منقبة إلا في أحوال قليلة.
ولكن يجب أن نعلم أن ذلك العصر كان عصرًا مثاليًا، وفيه من النقاء الخلقي، والارتقاء الروحي، ما يؤمن معه أن تسفر المرأة عن وجهها، دون أن يؤذيها أحد. بخلاف عصرنا الذي انتشر فيه الفساد، وعم الانحلال، وأصبحت الفتنة تلاحق الناس في كل مكان فليس أولى من تغطية المرأة وجهها، حتى لا تفترسها الذئاب الجائعة التي تتربص بها في كل طريق.
وردي على هذه الشبهة بأمور:.
أولاً: أن العصر الأول وإن كان عصرًا مثاليًا حقًا، ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء، لم يكن إلا عصر بشر مهما كانوا، ففيهم ضعف البشر، وأهواء البشر، وأخطاء البشر، ولهذا كان فيهم من زنى، ومن أقيم عليه الحد، ومن ارتكب ما دون الزنى، وكان فيه الفُسَّاق والمُجَّان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف، وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلابيب عليهن، حتى يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين).
وقد نزلت آيات في سورة الأحزاب تهدد هؤلاء الفسقة والماجنين إذا لم يرتدعوا عن تصرفاتهم الشائنة، فقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قيلاً. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً). (الأحزاب: 60، 61).(27/1947)
ثانيًا: أن أدلة الشريعة - إذا ثبت صحتها وصراحتها - لها صفة العموم والخلود، فليست هي أدلة لعصر أو عصرين، ثم يتوقف الاستدلال بها. ولو صح هذا لكانت الشريعة مؤقتة لا دائمة، وهذا ينافي أنها الشريعة الخاتمة.
ثالثا: أننا لو فتحنا هذا الباب، لنسخنا الشريعة بآرائنا، فالمشددون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ميسرة بدعوى الورع والاحتياط، والمتسيبون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ضابطة، بدعوى مواكبة التطور، ونحوها.
والصواب أن الشريعة حاكمة لا محكومة، ومتبوعة لا تابعة، ويجب أن نخضع نحن لحكم الشريعة، لا أن تخضع الشريعة لحكمنا: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن). (المؤمنون: 71).
اعتبارات مرجحة لقول الجمهور:.
أعتقد أن الأمر قد اتضح بعد ما ذكرنا أدلة الفريقين، وتبين لنا أن رأي الجمهور أرجح دليلاً، وأقوم قيلاً، وأهدى سبيلاً.
ولكني أضيف هنا اعتبارات ترجيحية أخرى، تزيد رأي الجمهور قوة، وتريح ضمير كل مسلمة ملتزمة تأخذ به بلا حرج إن شاء الله.
لا تكليف ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح:.
أولاً: إن الأصل براءة الذمم من التكاليف، ولا تكليف إلا بنص ملزم، لذا كان موضوع الإيجاب والتحريم في الدين مما يجب أن يشدد فيه، ولا يتساهل في شأنه، حتى لا نلزم الناس بما لم يلزمهم الله به، أو نحرم عليهم ما أحل الله لهم، أو نحل لهم ما حرم الله عليهم، أو نشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى.
ولهذا كان أئمة السلف يتورعون من إطلاق كلمة حرام إلا فيما علم تحريمه جزمًا كما نقل ذلك الإمام ابن تيمية، وذكرته في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام".
والأصل في الأشياء والتصرفات العادية هو الإباحة، فما لم يوجد نص صحيح الثبوت، صريح الدلالة على التحريم، يبقى الأمر على أصل الإباحة، ولا يطالب المبيح بدليل، لأن ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته، إنما المُطالب بالدليل هو المحرم.(27/1948)
وفي موضوع كشف الوجه والكفين لا أرى نصًا صحيحًا صريحًا يدل على تحريم ذلك، ولو أراد الله تعالى أن يحرمه لحرمه بنص بين يقطع كل ريب، وقد قال سبحانه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الأنعام: 119)، ولم نجد هذا فيما فصله لنا جَلَّ شأنه، فليس لنا أن نشدد فيما يسر الله فيه، حتى لا يقال لنا ما قيل لقوم حرموا الحلال في المطعومات: (قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون). (يونس: 59).
تغير الفتوى بتغير الزمان:.
ثانيًا: إن المقرر الذي لا خلاف عليه كذلك: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال.
وأعتقد أن زماننا هذا الذي أعطى للمرأة ما أعطى، يجعلنا نتبنى الأقوال الميسرة، التي تدعم جانب المرأة، وتقوي شخصيتها.
فقد استغل خصوم الإسلام من المنصرين والماركسيين والعلمانيين وغيرهم سوء حال المرأة في كثير من أقطار المسلمين، ونسبوا ذلك إلى الإسلام نفسه، وحالوا تشويه أحكام الشريعة وتعاليمها حول المرأة، وصوروها تصويرًا غير مطابق للحقيقة التي جاء بها الإسلام.
ومن هنا أرى أن من مرجحات بعض الآراء على بعض في عصرنا: أن يكون الرأي في صف المرأة وإنصافها وتمكينها من مزاولة حقوقها الفطرية والشرعية، كما بينت ذلك في كتابي "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية".
عموم البلوى:.
وأفضل للمسلمة المشتغلة بالدعوة: ألا تنتقب؛ حتى لا تضع حاجزًا بينها وبين سائر المسلمات، ومصلحة الدعوة هنا أهم من الأخذ بما تراه أحوط.
ثالثًا: إن مما لا نزاع فيه: أن "عموم البلوى" من أسباب التخفيف والتيسير كما يعلم ذلك المشتغلون بالفقه وأصوله، ولهذا شواهد وأدلة كثيرة.
وقد عمت البلوى في هذا العصر، بخروج النساء إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل، والمستشفيات والأسواق وغيرها، ولم تعد المرأة حبيسة البيت كما كانت من(27/1949)
قبل. وهذا كله يحوجها إلى أن تكشف عن وجهها وكفيها، لضرورة الحركة والتعامل مع الحياة والأحياء، في الأخذ والعطاء والبيع والشراء، والفهم والإفهام.
وليت الأمر وقف عند المباح أو المختلف فيه من كشف الوجه والكفين، بل تجاوز ذلك إلى الحرام الصريح من كشف الذراعين والساقين، والرءوس والأعناق والنحور، وغزت نساء المسلمين تلك البدع الغربية "المودات" وغدونا نجد بين المسلمات الكاسيات العاريات، المميلات المائلات، اللائي وصفهن الحديث الصحيح أبلغ الوصف وأصدقه.
فكيف نشدد في هذا الأمر، وقد حدث هذا التسيب والتفلت أمام أعيننا؟ إن المعركة لم تعد حول "الوجه والكفين ": أيجوز كشفهما أم لا يجوز؟ بل المعركة الحقيقية مع أولئك الذين يريدون أن يجعلوا المرأة المسلمة صورة من المرأة الغربية، وأن يسلخوها من جلدها ويسلبوها هويتها الإسلامية، فتخرج كاسية عارية، مائلة مميلة.
فلا يجوز لأخواتنا وبناتنا " المنقبات " ولا إخواننا وأبنائنا من " دعاة النقاب " أن يوجهوا رماحهم وسهامهم إلى أخواتهم " المحجبات " ولا إلى إخوانهم من " دعاة الحجاب " ممن اقتنعوا برأي جمهور الأمة. وإنما يوجهونها إلى دعاة التكشف والعري والانسلاخ من آداب الإسلام. إن المسلمة التي التزمت الحجاب الشرعي كثيرًا ما تخوض معركة في بيئتها وأهلها ومجتمعها، حتى تنفذ أمر الله بالحجاب فكيف نقول لها: إنك آثمة عاصية، لأنك لم تلبسي النقاب؟.
المشقة تجلب التيسير:.
رابعا: إن إلزام المرأة المسلمة - وخصوصًا في عصرنا - بتغطية وجهها ويديها فيه من الحرج والعسر والتشديد ما فيه، والله تعالى قد نفى عن دينه الحرج والعسر والشدة، وأقامه على السماحة واليسر والتخفيف والرحمة، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج: 78)، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185). (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا). (النساء: 28).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " بعثت بحنيفية سمحة " (رواه الإمام أحمد في مسنده). فهي حنيفية في العقيدة، سمحة في الأحكام.(27/1950)
وقد قرر فقهاؤنا في قواعدهم: أن المشقة تجلب التيسير، وقد أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نيسر ولا نعسر، ونبشر ولا ننفر، وقد بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين.
تنبيهات:.
على أن بعض التنبيهات مهمة ينبغي أن نذكرها:.
1- أن كشف الوجه لا يعني أن تملأه المرأة بالأصباغ والمساحيق، وكشف اليدين لا يعني أن تطيل أظافرها، وتصبغها بما يسمونه (المانوكير) وإنما تخرج محتشمة غير متزينة ولا متبرجة، وكل ما أبيح لها هنا هو الزينة الخفيفة، كما جاء عن ابن عباس وغيره: الكحل في عينيها، والخاتم في يديها.
2- أن القول بعدم وجوب النقاب، لا يعني عدم جوازه، فمن أرادت أن تنتقب فلا حرج عليها، بل قد يستحب لها ذلك - في رأي بعض الناس ممن يميلون دائمًا إلى تغليب جانب الاحتياط - إذا كانت جميلة يخشى الافتتان بها، وخصوصًا إذا كان النقاب لا يعوقها ولا يجلب عليها القيل والقال. بل ذهب كثير من العلماء إلى وجوب ذلك عليها. ولكني لا أجد من الأدلة ما يوجب عليها تغطية الوجه عند خوف الفتنة؛ لأن هذا أ مر لا ينضبط، والجمال نفسه أمر ذاتي، ورب امرأة يعدها إنسان جميلة، وآخر يراها عادية، أو دون العادية.
وقد ذكر بعض المؤلفين أن على المرأة أن تستر وجهها إذا قصد الرجل اللذة بالرؤية أو وجدها!.
ومن أين للمرأة أن تعرف قصده للذة أو وجدانها؟؟.
وأولى من ستر الوجه أن تنسحب من مجال الفتنة وتبتعد عنه، إذا لاحظت ذلك.
3ـ أنه لا تلازم بين كشف الوجه وإباحة النظر إليه، فمن العلماء من جوز الكشف، ولم يجز النظر، إلا النظرة الأولى العابرة، ومنهم من أباح النظر إلى ما يباح كشفه لكن بغير شهوة فإذا وجد شهوة أو قصدها حرم النظر عليه وهو الذي أختار.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ــــــــــــــ(27/1951)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام النفقة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(28/1)
النَفَقَةُ
التَّعْرِيفُ :
ا - النَّفَقَةُ فِي اللُّغَةِ : اسْمٌ مِنَ الْمَصْدَرِ نَفَقَ ، يُقَال : نَفَقَتِ الدَّرَاهِمُ نَفَقًا : نَفِدَتْ ، وَجَمْعُ النَّفَقَةِ نِفَاقٌ مِثْل رَقَبَةٍ وَرِقَابٍ ، وَتُجْمَعُ عَلَى نَفَقَاتٍ وَيُقَال : نَفَقَ الشَّيْءُ نَفَقًا فَنِيَ ، وَأَنْفَقْتُهُ : أَفْنَيْتُهُ ، وَنَفَقَتِ السِّلْعَةُ وَالْمَرْأَةُ نِفَاقًا : كَثُرَ طُلاَّبُهَا وَخُطَّابُهَا (1) .
وَالنَّفَقَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ : مَا بِهِ قَوَّامٌ مُعْتَادٌ حَال الآْدَمِيِّ دُونَ سَرَفٍ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
الْعَطَاءُ :
2 - الْعَطَاءُ لُغَةً : الْمُنَاوَلَةُ وَمَا يُعْطَى ، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ الإِْعْطَاءِ ، وَجَمْعُهُ أَعْطِيَةٌ (3) .
---------------
(1) الْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ .
(2) حَاشِيَةُ الصَّاوِي عَلَى الشَّرْحِ الصَّغِيرِ 2 / 729 دَارُ الْمَعَارِفِ .
(3) الْقَامُوسُ الْمُحِيطُ ، وَالْمِصْبَاحُ الْمُنِيرُ .
وَاصْطِلاَحًا : اسْمٌ لِمَا يَفْرِضُهُ الإِْمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال لِلْمُسْتَحِقِّينَ (1) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْعَطَاءِ وَالنَّفَقَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ بِفَرْضِ الشَّرْعِ ، وَالْعَطَاءَ يَكُونُ بِفَرْضِ الإِْمَامِ .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :
3 - النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ لأَِصْنَافٍ بَيَّنَهَا الْفُقَهَاءُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَصْرِهَا وَفِي شُرُوطِ اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمْ لَهَا عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي .
أَسْبَابُ النَّفَقَةِ :
تَجِبُ النَّفَقَةُ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلاَثَةٍ هِيَ : النِّكَاحُ ، وَالْقَرَابَةُ ، وَالْمِلْكُ .
أَوَّلاً : النِّكَاحُ :
وَيَشْتَمِل عَلَى الْمَسَائِل الآْتِيَةِ :
حُكْمُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ :
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا بِالشُّرُوطِ الَّتِي بَيَّنُوهَا (2) .
---------------
(1) حَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ 5 / 411 .
(2) الْهِدَايَةُ بِأَعْلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ 3 / 321 ط التِّجَارِيَّةِ ، وَحَاشِيَةُ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ 3 / 572 ، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل 4 / 181 - 182 ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ 15 / 524 وَمَا بَعْدَهَا ، وَالإِْنْصَافُ 9 / 376 .
وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْمَعْقُول .(28/2)
أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (1) } .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) } .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) } .
فَهَذِهِ الآْيَاتُ وَاضِحَةُ الدَّلاَلَةِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَاتِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ : " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (4) ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الَّتِي بَيَّنَتْ وُجُوبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا .
---------------
(1) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 7
(2) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 231
(3) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 46 .
(4) حَدِيثُ : " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ . . . . ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ( 2 / 889 - 890 ط عِيسَى الْحَلَبِيِّ ) مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ .
وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ : فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ إِذَا مَكَّنَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْهَا وَكَانَتْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ عَنْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
يَقُول ابْنُ الْمُنْذِرِ : اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ إِذَا كَانُوا بَالِغِينَ إِلاَّ النَّاشِزَ مِنْهُنَّ (1) .
وَأَمَّا الْمَعْقُول : فَلأَِنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةُ الْمَنَافِعِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَمَمْنُوعَةٌ مِنَ التَّصَرُّفِ لِحَقِّهِ فِي الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا ، فَوَجَبَ لَهَا مُؤْنَتُهَا وَنَفَقَتُهَا ، كَمَا يُلْزَمُ الإِْمَامُ فِي بَيْتِ الْمَال نَفَقَاتِ أَهْل النَّفِيرِ ؛ لاِحْتِبَاسِ نُفُوسِهِمْ عَلَى الْجِهَادِ (2) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ جَزَاءَ الاِحْتِبَاسِ ، وَمَنْ كَانَ مَحْبُوسًا لِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ، قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِل فِي الصَّدَقَاتِ (3) .
سَبَبُ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ :
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سَبَبِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَهَل تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَحْدَهُ أَمْ بِهِ وَبِالتَّمْكِينِ وَالتَّسْلِيمِ التَّامِّ ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :
---------------
(1) الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ 9 / 231 .
(2) الْحَاوِي الْكَبِيرُ 15 / 524 وَمَا بَعْدَهَا .
(3) الْبَدَائِعُ 4 / 16 ، وَالْمُغْنِي 9 / 230 ، وَتَبْيِينُ الْحَقَائِقِ 3 / 51 .(28/3)
الْقَوْل الأَْوَّل : أَنَّ سَبَبِ وُجُوبِهَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ (1) ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (2) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ : فَلاَ نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ ؛ لاِنْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ ، وَكَذَا فِي عُدَّتِهِ (3) .
وَدَلِيل هَؤُلاَءِ عُمُومُ قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (4) } .
فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ دُونَ تَقْيِيدٍ بِوَقْتٍ ، فَدَل هَذَا عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهُنَّ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ .
وَكَذَلِكَ عُمُومُ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (5) ، وَهَذَا يُوجِبُ لَهُنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ .
وَلأَِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا
---------------
(1) فَتْحُ الْقَدِيرِ 4 / 192 ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ 2 / 644 ، وَالْبَدَائِعُ 4 / 16 .
(2) شَرْحُ جَلاَل الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ عَلَى مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ 4 / 77 مَعَ حَاشِيَةِ عُمَيْرَةَ .
(3) رَدُّ الْمُحْتَارِ 2 / 644 .
(4) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 7
(5) حَدِيثُ : " وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ . . " . تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ ف 4 .
بِسَبَبِ النِّكَاحِ مُؤَثِّرٌ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَيْهِ ؛ لأَِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الاِكْتِسَابِ بِحَقِّهِ ، فَكَانَ نَفْعُ حَبْسِهَا عَائِدًا إِلَيْهِ ، فَكَانَتْ كِفَايَتُهَا عَلَيْهِ (1) .
وَلأَِنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقِّ شَخْصٍ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَفَرُّغِهِ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ، كَالْقَاضِي وَالْوَالِي وَالْعَامِل فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُضَارِبِ إِذَا سَافَرَ بِمَال الْمُضَارَبَةِ (2) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ إِلاَّ بِالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ .
وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْمَالِكِيَّةُ (3) ، وَالْحَنَابِلَةُ (4) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (5) ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ (6) .
قَال صَاحِبُ الْكِفَايَةِ : قَال بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : إِذَا لَمْ تُزَفَّ إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا لاَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (7) .
---------------
(1) الْبَدَائِعُ 4 / 16 .
(2) تَبْيِينُ الْحَقَائِقِ 3 / 51 .
(3) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ 2 / 508 ، وَشَرْحُ الْخُرَشِيِّ 4 / 183 ، وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل 4 / 182 .
(4) الْمُغْنِي 9 / 230 .
(5) الْكِفَايَةُ عَلَى الْهِدَايَةِ 4 / 192 - 193 .
(6) حَاشِيَةُ عُمَيْرَةَ 477 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 435 .
(7) الْكِفَايَةُ عَلَى الْهِدَايَةِ 4 / 192 - 193 .(28/4)
وَقَال صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ : تَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُمَكِّنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ بِلاَ مَانِعٍ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَوْ وَكِيلُهَا لِلدُّخُول ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ ، وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَادَةً (1) .
وَقَال جَلاَل الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ : الْجَدِيدُ أَنَّهَا - أَيِ النَّفَقَةَ - تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا بِالتَّمْكِينِ لاَ بِالْعَقْدِ (2) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي : إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إِلَى الزَّوْجِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا فَلَهَا عَلَيْهِ جَمِيعُ حَاجَتِهَا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ وَمَسْكَنٍ (3) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ (4) وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ دَخَل بِهَا ، فَدَل - عَلَى ذَلِكَ - عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ لاَ بِالْعَقْدِ ، إِذْ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَهَا لَمَا مَنَعَهَا إِيَّاهَا ، وَلَوْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَنُقِل
---------------
(1) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ 2 / 508 - 509 .
(2) شَرْحُ جَلاَل الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ عَلَى مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ 4 / 77 .
(3) الْمُغْنِي 9 / 230 .
(4) حَدِيثُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ " . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ( فَتْحُ الْبَارِي 9 / 224 ) وَمُسْلِمٌ ( 2 / 1038 ط عِيسَى الْحَلَبِيِّ ) .
إِلَيْنَا ، وَلَمَّا لَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا ، دَل هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ (1) .
وَلأَِنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْمَهْرَ ، فَلاَ يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (2) .
كَمَا وَأَنَّ النَّفَقَةَ مَجْهُولَةٌ وَالْعَقْدَ لاَ يُوجِبُ مَالاً مَجْهُولاً ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لاَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَحْدَهُ .
وَلأَِنَّهَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الاِسْتِمْتَاعِ فِي عَقْدٍ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ، فَإِذَا وُجِدَ التَّسْلِيمُ وَجَبَ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْبَائِعِ إِذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ (3) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : وَهُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِالتَّمْكِينِ (4) .
شُرُوطُ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ :
6 - اشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - لاِسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَبِيرَةً أَوْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ ، وَأَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ مَتَى طَلَبَهَا إِلاَّ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ ، وَأَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لاَ فَاسِدًا ، فَلَوْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً
---------------
(1) حَاشِيَةُ عُمَيْرَةَ 4 / 77 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 435 .
(2) الْمَرْجِعَانِ السَّابِقَانِ .
(3) مُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 435 .
(4) الْقَلْيُوبِيُّ 4 / 77 .(28/5)
لاَ تُطِيقُ الْوَطْءَ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا . سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَنْزِل الزَّوْجِ أَوْ لَمْ تَكُنْ حَتَّى تَصِيرَ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي تُطِيقُ الْجِمَاعَ ؛ لأَِنَّ امْتِنَاعَ الاِسْتِمْتَاعِ إِنَّمَا لِمَعْنًى فِيهَا ، وَالاِحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ لِلنَّفَقَةِ هُوَ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٍّ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لأَِنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِلْجِمَاعِ لاَ تَصْلُحُ لِدَوَاعِيهِ ؛ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْجُمْهُورُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ، بَل تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الصَّغِيرِ مَتَى تَحَقَّقَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي تُوجِبُ النَّفَقَةَ فِي الزَّوْجَةِ (1) .
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْمَدْخُول بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا .
أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُول بِهَا فَتَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُمْكِنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ بِلاَ مَانِعٍ بَعْدَ أَنْ دَعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَوْ وَكِيلُهَا لِلدُّخُول - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ - وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَادَةً عَلَى الْبَالِغِ لاَ عَلَى صَغِيرٍ ، وَلَوْ دَخَل عَلَيْهَا بَالِغَةً وَافْتَضَّهَا ، وَلاَ لِغَيْرِ مُمْكِنَةٍ ، أَوْ لَمْ يَحْصُل مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا دُعَاءٌ ،
---------------
(1) الْعِنَايَةُ بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ 4 / 196 ، وَالْهِدَايَةُ بِأَعْلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ 4 / 196 ، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 58 ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرُ 15 / 30 ، وَالْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 9 / 231 ، 255 ، وَالإِْنْصَافُ 9 / 378 .
أَوْ حَصَل قَبْل مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَجَهَّزُ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا ، وَلاَ لِغَيْرِ مُطِيقَةٍ ، وَلاَ لِمُطِيقَةٍ بِهَا مَانِعٌ كَرَتْقٍ إِلاَّ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا عَالِمًا ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَيْ بَالِغًا السِّيَاقَ ، وَهُوَ الأَْخْذُ فِي النَّزْعِ .
وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا : فَلَمْ يَشْتَرِطُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .
يَقُول الدُّسُوقِيُّ : وَالْحَاصِل أَنَّهُ فِي التَّوْضِيحِ جَعَل السَّلاَمَةَ مِنَ الْمَرَضِ وَبُلُوغَ الزَّوْجِ وَإِطَاقَةَ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا الَّتِي دَعَتْ لِلدُّخُول ، فَإِنِ اخْتَل مِنْهَا شَرْطٌ فَلاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لَهَا ، وَأَمَّا الْمَدْخُول بِهَا فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ .
وَخَالَفَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ جَعَلُوا الأُْمُورَ الثَّلاَثَةَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطًا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمَرْأَةِ مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا ، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَدَعَتْ لِلدُّخُول (1) .
مَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا مِنَ الزَّوْجَاتِ :
7 - بَعْضُ الزَّوْجَاتِ لاَ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مَال زَوْجِهَا عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ .
قَال الْحَنَفِيَّةُ : لاَ نَفَقَةَ لِكُل امْرَأَةٍ جَاءَتِ
---------------
(1) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ 2 / 508 ، وَالزُّرْقَانِيُّ 4 / 244 - 245 .
الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا بِالأُْصُول أَوِ الْفُرُوعِ ، أَوْ تَقْبِيل ابْنِ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ ، وَكَذَا النُّشُوزُ (1) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ النَّفَقَةِ : النُّشُوزَ ، وَمَنْعَ الْوَطْءِ وَالاِسْتِمْتَاعِ ، وَيَعُدُّونَ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ نُشُوزًا مَانِعًا مِنَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ ؛ تَغْلِيبًا(28/6)
لِحَقِّ الاِسْتِمْتَاعِ فِي وُجُوبِهَا عَلَى حَقِّ الْعَقْدِ ، وَكَذَا الْعِدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ ، فَالْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا كَانَتْ حَائِلاً ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلاً فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا ، فَإِنْ مَاتَ انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهَا ، كَمَا لاَ نَفَقَةَ لِحَمْل مُلاَعَنَةٍ بِنَفْيِهِ ، وَلاَ لِحَمْل أَمَةٍ زَوْجُهَا حُرٌّ ؛ لأَِنَّهُ اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ مُوجِبَانِ مِنْ مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ : الْوِلاَدَةُ وَالْمِلْكُ ، فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَسَقَطَ الْمُوجِبُ الآْخَرُ .
وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَهُمْ : إِذَا اجْتَمَعَ مُوجِبَانِ مِنْ مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ لِشَخْصٍ أَخَذَ نَفَقَةً وَاحِدَةً بِأَقْوَى الْمُوجِبَيْنِ (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالنُّشُوزِ ، وَالصِّغَرِ ، وَبِالْخُرُوجِ لِلْعِبَادَةِ غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ ، أَوِ
---------------
(1) الْهِدَايَةُ مَعَ فَتْحِ الْقَدِيرِ 4 / 216 ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ 3 / 575 ، 576 .
(2) مَوَاهِبُ الْجَلِيل 4 / 191 ، وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ 2 / 514 - 515 .
الصَّوْمِ ، أَوْ الاِعْتِكَافِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَبِالطَّلاَقِ الْبَائِنِ مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلاً (1) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ لِلنَّفَقَةِ إِنْ لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا لِزَوْجِهَا أَوْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ ، أَوْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يُوطَأُ مِثْلُهَا لِصِغَرٍ لِعَدَمِ وُجُودِ التَّمْكِينِ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ مِنْ جِهَتِهَا ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِغَيْرِ وَاجِبٍ ، أَوِ انْتَقَلَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ لِخُرُوجِهَا مِنْ قَبْضَتِهِ وَطَاعَتِهِ ، فَأَشْبَهَتِ النَّاشِزَ (2) .
تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ :
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِكِفَايَتِهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (3) وَالْمَالِكِيَّةُ (4) وَبِهِ قَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (5) ، وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ (6) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل
---------------
(1) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 58 - 59 وَ 63 ، وَكِفَايَةُ الأَْخْيَارِ 2 / 147 - 148 .
(2) الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ 9 / 256 - 262 .
(3) الْبَدَائِعُ 4 / 23 ، وَالاِخْتِيَارُ 4 / 4 .
(4) حَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ 2 / 509 ، وَبِدَايَةُ الْمُجْتَهِدِ 2 / 59 .
(5) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 40 ، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 188 .
(6) الْمُغْنِي 9 / 231 ، وَالإِْنْصَافُ 9 / 352 .
{ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) } . مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل أَوْجَبَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ - وَهُوَ الزَّوْجُ - نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ ، فَيَكُونُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، كَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبِ (2) .
وَبِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ ، فَقَال : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (3) ، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ(28/7)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِنْدًا بِأَنْ تَأْخُذَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ مَال زَوْجِهَا بِالْمَعْرُوفِ دُونَ أَنْ يُقَدِّرَ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الْمُقَدَّرُ عُرْفًا بِالْكِفَايَةِ ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُقَدَّرَةٌ بِكِفَايَتِهَا لاَ بِالشَّرْعِ .
وَبِمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي
---------------
(1) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 233
(2) الْبَدَائِعُ 4 / 21 ، وَالْمُغْنِي 9 / 232 ، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 188 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 46 .
(3) حَدِيثُ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ( فَتْحُ الْبَارِي 9 / 507 ط السَّلَفِيَّةِ ) ، وَمُسْلِمٌ ( 3 / 1338 ) وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ .
حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَال : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ . . . . وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (1) .
فَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَيَّدَ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الأَْزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالْمَعْرُوفُ إِنَّمَا هُوَ الْكِفَايَةُ دُونَ غَيْرِهِ ؛ لأَِنَّ مَا نَقَصَ عَنِ الْكِفَايَةِ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ ، فَلاَ يُعَدُّ مَعْرُوفًا وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ سَرَفًا وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ ؛ لِكَوْنِ السَّرَفِ مَمْقُوتًا ، فَكَانَ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْكِفَايَةُ (2) .
وَبِقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ بِجَامِعِ أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِمِقْدَارٍ مُحَدَّدٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْكِفَايَةِ ، فَتَكُونُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ .
وَقَالُوا : إِنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مَمْنُوعَةً عَنِ الْكَسْبِ لِحَقِّهِ ، فَكَانَ وُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : إِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ مُحَدَّدٍ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ .
---------------
(1) حَدِيثُ : " وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ 4 .
(2) الْمُغْنِي 9 / 232 .
(3) الْبَدَائِعُ 4 / 23 .
وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيَّةُ : بِمُدَّيْنِ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا ، وَبِمُدٍّ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا ، وَبِمُدٍّ وَنِصْفِ الْمُدِّ إِذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا . وَقَال الْقَاضِي : الْوَاجِبُ رِطْلاَنِ مِنَ الْخُبْزِ فِي كُل يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ (1) .
وَاحْتَجُّوا لأَِصْل التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ بِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (2) } .
وَأَمَّا التَّقْدِيرُ فَبِقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ وَجَبَ بِالشَّرْعِ (3) .(28/8)
الْقَوْل الثَّالِثُ : إِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ عَادَةً أَمْثَال الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَحَال الْبَلَدِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ (4) .
الْقَوْل الرَّابِعُ : إِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يَفْرِضُهُ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُقَدِّرَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (5) .
---------------
(1) نِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 188 ، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 40 ، وَالْمُغْنِي 9 / 232 ، وَالْمُبْدِعُ 6 / 186 .
(2) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 7 .
(3) مُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 426 ، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 8 / 302 .
(4) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 40 ، وَالدُّسُوقِيُّ 2 / 509 ، وَبِدَايَةُ الْمُجْتَهِدِ 2 / 59 .
(5) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 40 .
مَا يُرَاعَى فِي النَّفَقَةِ :
9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلِلزَّوْجَةِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَلِلزَّوْجَةِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ (1) .
أَمَّا لَوِ اخْتَلَفَتْ حَالَةُ الزَّوْجَيْنِ يَسَارًا أَوْ إِعْسَارًا ، بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَالزَّوْجَةُ مُعْسِرَةً مَثَلاً ، أَوِ الْعَكْسُ ، وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى نَفَقَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُرَاعَى وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : الْمُعْتَبَرُ حَال الزَّوْجِ يَسَارًا أَوْ إِعْسَارًا . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (2) ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ (3) . مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (4) } مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ الإِْنْفَاقَ عَلَى الزَّوْجَةِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ ؛ لأَِنَّهَا هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِحَالِهِ (5) .
---------------
(1) الْبَدَائِعُ 4 / 24 ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ 2 / 645 ، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ 2 / 509 ، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 41 ، وَالإِْنْصَافُ 9 / 253 .
(2) الْبَدَائِعُ 4 / 24 ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ 2 / 645 ، 3 / 574 .
(3) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 9 / 40 .
(4) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 233
(5) تَكْمِلَةُ الْمَجْمُوعِ 18 / 250 .
وَإِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَل اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (1) } . فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ الأَْزْوَاجَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِمْ وَمِلْكِهِمْ دُونَ اعْتِبَارٍ لِحَال غَيْرِهِمْ (2) .(28/9)
الْقَوْل الثَّانِي : الْمُعْتَبَرُ حَال الزَّوْجَةِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ (3) مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (4) } مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ إِضَافَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَل لِلرِّزْقِ وَالْكُسْوَةِ إِلَى الزَّوْجَاتِ الْوَالِدَاتِ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِهَا إِنَّمَا هُوَ حَال الزَّوْجَاتِ دُونَ الأَْزْوَاجِ ، وَعَطْفَهُ سُبْحَانَهُ الْكُسْوَةَ عَلَى الرِّزْقِ لِيُبَيِّنَ تَسَاوِيَهُمَا ، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْكُسْوَةِ حَالَةَ الزَّوْجَةِ ، فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِي الرِّزْقِ حَالَهَا كَذَلِكَ (5) .
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (6) . فَأَسْنَدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
---------------
(1) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 7 .
(2) تَكْمِلَةُ الْمَجْمُوعِ 18 / 250 .
(3) رَدُّ الْمُحْتَارِ 3 / 574 .
(4) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 233 .
(5) فَتْحُ الْبَارِي 9 / 509 ، وَنَيْل الأَْوْطَارِ 6 / 323 .
(6) حَدِيثُ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " . سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ 8 .
الْكِفَايَةَ إِلَيْهَا ، دُونَ اعْتِبَارٍ لِحَال الزَّوْجِ ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ مُرَاعَاةُ حَال الزَّوْجَةِ دُونَ حَالَةِ الزَّوْجِ .
الْقَوْل الثَّالِثُ : الْمُعْتَبَرُ حَالُهُمَا مَعًا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ (1) ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (2) ، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ (3) مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل اللَّهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (4) } .
وَإِلَى قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (5) .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ الآْيَةَ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِ حَال الزَّوْجِ ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ دَل عَلَى اعْتِبَارِ حَال الزَّوْجَةِ ، فَكَانَ الْقَوْل بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا فِي تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ أَنْسَبَ ؛ إِعْمَالاً لِظَاهِرِهِمَا وَجَمْعًا بَيْنَهُمَا (6) .
وَلأَِنَّ الْقَوْل بِاعْتِبَارِ حَال الزَّوْجَيْنِ مَعًا فِيهِ
---------------
(1) فَتْحُ الْقَدِيرِ 3 / 194 - 195 .
(2) الشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ 2 / 508 - 509 ، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل 4 / 183 .
(3) الْمُغْنِي 9 / 239 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 460 .
(4) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 7
(5) حَدِيثُ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ . . " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ 8 .
(6) فَتْحُ الْبَارِي 9 / 509 .
نَظَرٌ ؛ لِحَال كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَهُوَ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ حَال أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ (1) .(28/10)
أَنْوَاعُ النَّفَقَةِ :
10 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا تَشْمَل الطَّعَامَ وَالْكُسْوَةَ وَالْمَسْكَنَ ، وَكُل مَا لاَ غِنَى لَهَا عَنْهُ ، وَنَفَقَةُ الطَّعَامِ هِيَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ كُل بَلَدٍ مِنَ الْخُبْزِ وَالسَّمْنِ أَوِ الزَّيْتِ وَالتَّمْرِ وَالأُْرْزِ وَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَالْقَدْرُ الْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ مَا فَصَّلَتْهُ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ ، وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ مَا أَوْرَدُوهُ فِي حَالاَتِ تَقْدِيرِ النَّفَقَةِ الَّذِي سَبَقَ تَفْصِيلُهُ .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْكُسْوَةِ لِلزَّوْجَةِ عَلَى النَّحْوِ الْمُفَصَّل فِي مُصْطَلَحِ ( كُسْوَةٌ ف 2 وَمَا بَعْدَهَا ) ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ سُكْنَاهَا وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( سُكْنَى ف 4 وَمَا بَعْدَهَا ) .
11 - وَلَيْسَ أَمْرُ النَّفَقَةِ قَاصِرًا عَلَى الأَْنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ ، بَل يَرَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وُجُوبَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَوَاءٍ وَأُجْرَةِ خَادِمٍ يَقُومُ عَلَى شُؤُونِ مِثْلِهَا عَادَةً وَثَمَنِ طِيبٍ وَآلاَتِ تَنْظِيفٍ وَكُل مَا هِيَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ مِمَّا سَيَرِدُ تَفْصِيلُهُ فِيمَا يَلِي :
---------------
(1) كَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 460 .
أَوَّلاً : عِلاَجُ الزَّوْجَةِ :
12 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ ثَمَنِ الدَّوَاءِ وَعَدَمِ وُجُوبِ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ عَلَى الزَّوْجِ (1) مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ (2) } .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل أَلْزَمَ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى زَوْجَتِهِ ، وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْعِلاَجِ دَاخِلَةٌ تَحْتَهَا ؛ لأَِنَّهَا مِنَ الأُْمُورِ الْعَارِضَةِ (3) .
وَلأَِنَّ شِرَاءَ الأَْدْوِيَةِ وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ إِنَّمَا تُرَادُ لإِِصْلاَحِ الْجِسْمِ ، فَلاَ تَلْزَمُ الزَّوْجَ (4) .
ثَانِيًا : آلاَتُ التَّنْظِيفِ وَأَدَوَاتُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ :
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُشْطِ وَالدُّهْنِ لِرَأْسِهَا وَالسِّدْرِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا تَغْسِل بِهِ رَأْسَهَا
---------------
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ 1 / 549 ، وَالْبَدَائِعُ 4 / 20 ، وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ لِلدَّرْدِيرِ 2 / 511 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 431 ، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 195 ، وَالْحَاوِي 15 / 19 ، وَالْمُغْنِي 9 / 235 .
(2) سُورَةُ الطَّلاَقِ / 7
(3) الْبَدَائِعُ 4 / 20 ، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ 2 / 511 .
(4) الْمُغْنِي 9 / 235 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 463 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 431 .
وَمَا يَعُودُ بِنَظَافَتِهَا مِنْ آلاَتِ التَّنْظِيفِ (1) .
وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا ثَمَنُ الطِّيبِ إِذَا كَانَ لِلتَّلَذُّذِ وَالاِسْتِمْتَاعِ ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ لَهُ ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ ، أَمَّا مَا يُرَادُ بِهِ قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ (2) .
ثَالِثًا : أُجْرَةُ الْخَادِمِ وَنَفَقَتُهُ :(28/11)
14 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَخْدِمُ نَفْسَهَا لِكَوْنِهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَْقْدَارِ ، أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا ، أَوْ لِكَوْنِهَا مَرِيضَةً : فَإِنَّهُ يُلْزَمُ الزَّوْجُ بِأَنْ يُهَيِّئَ لَهَا خَادِمًا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مَتَى كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ يَسَارُ الزَّوْجِ ، بَل يَرَوْنَ اسْتِوَاءَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لِمَنْ لاَ يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا .
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ نَفَقَةُ خَادِمٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ مِنَ النَّفَقَةِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَعَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ نَفَقَتُهُ ، وَإِنْ
---------------
(1) الْبَدَائِعُ 4 / 20 ، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ 2 / 511 ، وَالْمُغْنِي 9 / 235 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 463 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 431 .
(2) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ 1 / 549 ، وَالتَّاجُ وَالإِْكْلِيل 4 / 182 ، 183 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 430 ، 431 ، وَالْمُغْنِي 9 / 235 .
لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ فَلاَ تَلْزَمُهُ ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا خَادِمٌ عُلِمَ أَنَّهَا لاَ تَرْضَى بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا ، فَكَانَ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ دَل عَلَى أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا (1) .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ ( خِدْمَة ف 7 وَمَا بَعْدَهَا ) .
15 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِلْزَامِ الزَّوْجِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَال :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ يُلْزَمُ الزَّوْجُ بِأَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ (2) وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (3) ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ (4) ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (5) . لأَِنَّ الْخَادِمَ الْوَاحِدَ لاَ بُدَّ مِنْهُ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ يُقَدَّرُ بِهِ ، فَلاَ يَكُونُ اعْتِبَارُ الْخَادِمَيْنِ أَوْلَى مِنَ الثَّلاَثَةِ وَالأَْرْبَعَةِ ، فَيُقَدَّرُ بِالأَْقَل وَهُوَ الْوَاحِدُ .
وَلأَِنَّ الْمُسْتَحَقَّ خِدْمَةُ نَفْسِهَا ، وَيَحْصُل ذَلِكَ بِوَاحِدٍ ، وَالزِّيَادَةُ تُرَادُ لِحِفْظِ مِلْكِهَا أَوْ لِلتَّجَمُّل وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (6) .
---------------
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ 1 / 549 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 431 ، وَالْمُغْنِي 9 / 235 ، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 463 ، وَالْبَدَائِعُ 4 / 24 .
(2) الْبَدَائِعُ 4 / 24 .
(3) حَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ 2 / 510 .
(4) الْمُهَذَّبُ 2 / 162 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 432 ، 434 .
(5) الْمُغْنِي 9 / 237 .
(6) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ 4 / 24 .
الْقَوْل الثَّانِي : يَلْزَمُ الزَّوْجَ نَفَقَةُ خَادِمَيْنِ لِزَوْجَتِهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ (1) ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ (2) ، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ (3) .(28/12)
لأَِنَّ خِدْمَةَ الْمَرْأَةِ لاَ تَقُومُ بِخَادِمٍ وَاحِدٍ بَل تَقَعُ الْحَاجَةُ إِلَى خَادِمَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُعِينًا لِلآْخَرِ (4) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لأَِكْثَرَ مِنْ خَادِمَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، وَبِهَا أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (5) .
مَا يُشْتَرَطُ فِي خَادِمِ الزَّوْجَةِ :
16 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ خَادِمُ الزَّوْجَةِ امْرَأَةً أَوْ مِمَّنْ يَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا ، سَوَاءٌ كَانَ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مُرَاهِقًا أَوْ مَحْرَمًا أَوْ مَمْسُوحًا ، إِذَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ ، وَعَلَى هَذَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا وَلَوْ شَيْخًا لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ ، لأَِنَّ الْخَادِمَ يُخَالِطُ الْمَخْدُومَ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ ، فَلاَ يَسْلَمُ مِنَ النَّظَرِ (6) .
---------------
(1) البدائع 4 / 24 .
(2) حاشية الدسوقي 2 / 510 .
(3) المغني 9 / 273، وكشاف القناع 5 / 464 .
(4) البدائع 4 / 24 .
(5) البدائع 4 / 24 .
(6) الخرشي 4 / 186، ومغني المحتاج 3 / 432، والمغني 9 / 237، وكشاف القناع 5 / 464 .
أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ الظَّاهِرَةِ كَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ مِنَ الأَْسْوَاقِ فَالشَّافِعِيَّةُ يُجَوِّزُونَ خِدْمَةَ الْكَبِيرِ .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْخَادِمِ غَيْرَ مُسْلِمٍ ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( خِدْمَة ف 13 ) .
لُزُومُ قَبُول الزَّوْجَةِ خِدْمَةَ الزَّوْجِ لَهَا :
17 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُزُومِ قَبُول الزَّوْجَةِ خِدْمَةَ الزَّوْجِ لَهَا إِذَا عَرَضَ عَلَيْهَا ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ يَلْزَمُهَا قَبُول خِدْمَتِهِ لَهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (1) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (2) لأَِنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ وَتُعَيَّرُ بِهِ ، وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا لِكَوْنِ زَوْجِهَا خَادِمَهَا .
الْقَوْل الثَّانِي : يَلْزَمُ الزَّوْجَةَ قَبُول خِدْمَةِ الزَّوْجِ لَهَا ، وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (3) ، وَجَاءَ فِي تَوْجِيهِ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا بِنَفْسِهِ لاَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ خَادِمٍ أَصْلاً لأََنَّ الْكِفَايَةَ تَحْصُل بِهِ .
إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ بِخَادِمِهَا مَعَهَا :(28/13)
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ بِخَادِمِهَا مَعَهَا لِيَخْدُمَهَا .
---------------
(1) مغني المحتاج 3 / 433 .
(2) المغني 9 / 238 .
(3) بدائع الصنائع 4 / 24، والمغني 9 / 238 .
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ أَنَّ خَادِمَهَا يَخْدُمُهَا وَيَكُونُ عِنْدَهَا ، وَطَلَبَ الزَّوْجُ أَنْ يَخْدُمَهَا خَادِمُهُ ، فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهَا بِخَادِمِهَا ، لأَِنَّ الْخِدْمَةَ لَهَا ، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ .
وَقَيَّدَهُ ابْنُ شَاسٍ بِمَا إِذَا كَانَ خَادِمُهَا مَأْلُوفًا ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الدَّرْدِيرِ الْقَضَاءُ بِخَادِمِهَا سَوَاءٌ كَانَ مَأْلُوفًا أَوْ لاَ ، إِلاَّ لِرِيبَةٍ فِي خَادِمِهَا تَضُرُّ بِالزَّوْجِ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِنْ أَلِفَتْ خَادِمًا أَخْدَمَهَا الزَّوْجُ إِيَّاهُ ، أَوْ جَاءَتْ بِخَادِمٍ مَعَهَا وَأَرَادَ الزَّوْجُ إِبْدَالَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، لِتَضَرُّرِهَا بِقَطْعِ الْمَأْلُوفِ عَلَيْهَا ، إِلاَّ أَنْ تَظْهَرَ رِيبَةٌ أَوْ خِيَانَةٌ فَيَكُونُ لِلزَّوْجِ إِبْدَالُهُ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهَا خَادِمٌ فَرَضِيَتْ بِخِدْمَتِهِ لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ جَازَ .
وَإِنْ قَال الزَّوْجُ : لاَ أُعْطِيكِ أَجْرَ هَذَا وَلَكِنْ أَنَا آتِيكِ بِخَادِمٍ سِوَاهُ ، فَلَهُ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهَا بِمَنْ يَصْلُحُ لِخِدْمَتِهَا (3) .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ :
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ
---------------
(1) حاشية الدسوقي 2 / 511 .
(2) مغني المحتاج 3 / 432 .
(3) المغني 9 / 238، وكشاف القناع 5 / 463 .
الصَّغِيرَةِ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ وَطْؤُهَا . وَلاَ الاِسْتِمْتَاعُ بِهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ (1) ، وَبِهِ قَال الْمَالِكِيَّةُ (2) ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (3) ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (4) وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ (5) .
وَاسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى فِعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، حَيْثُ عَقَدَ عَلَيْهَا وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ (6) ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا فِي حَال صِغَرِهَا فَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهَا لَدَفَعَهُ إِلَيْهَا ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَنُقِل إِلَيْنَا ، لَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَدَل هَذَا عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الصَّغِيرَةِ النَّفَقَةَ (7) .
---------------
(1) الفتاوى الهندية 1 / 546، والبدائع 4 / 19 .
(2) مواهب الجليل 4 / 182، وشرح الخرشي 4 / 184 .(28/14)
(3) المهذب 2 / 159، مغني المحتاج 3 / 438 .
(4) كشاف القناع 5 / 471، والمغني 9 / 281، الإنصاف 9 / 377 .
(5) المغني 9 / 281 .
(6) حديث : " عقد على عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع . . " سبق تخريجه فقرة 5 .
(7) مغني المحتاج 3 / 438، والمغني 9 / 282 .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ وَلاَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لاَ يُجَامَعُ مِثْلُهَا ، لِقِيَامِ الْمَانِعِ فِي نَفْسِهَا مِنَ الْوَطْءِ وَالاِسْتِمْتَاعِ ، فَلَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا لِعَدَمِ قَبُول الْمَحَل لِذَلِكَ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : تَجِبُ لِلصَّغِيرَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا ، وَهَذَا هُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) ، وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (3) ، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ (4) .
وَاسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى عُمُومِ الآْيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ مِثْل قَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (5) } ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (6) } .
فَقَدْ أَوْجَبَتِ النَّفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ . وَإِلَى عُمُومِ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (7) .
---------------
(1) المغني 9 / 281، وبدائع الصنائع 4 / 19 .
(2) مغني المحتاج 3 / 438، والمهذب 2 / 159 .
(3) المغني 9 / 281، والإنصاف 9 / 377 .
(4) المغني 9 / 281 .
(5) سورة البقرة / 233
(6) سورة الطلاق / 7
(7) حديث : " ولهن عليكم رزقهن . . . " سبق تخريجه ف 6 .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ نَفَقَةَ الزَّوْجَاتِ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ .
وَإِلَى الْقِيَاسِ عَلَى الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لاَ تُوطَأُ مَعَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهُنَّ ، وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّتْقِ وَالْقَرْنِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ (1) .
وَلأَِنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِ الْوَطْءِ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهَا فَلَمْ يَمْنَعْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لَهَا كَالْمَرِيضَةِ (2) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : إِنْ أَمْسَكَهَا الزَّوْجُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ رَدَّهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا ، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (3) .
وَاسْتَدَل بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَحْتَمِل الْوَطْءَ لَمْ يُوجَدِ التَّسْلِيمُ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْقَبُول .(28/15)
فَإِنْ أَمْسَكَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ ، لأَِنَّهُ حَصَل لَهُ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ وَضَرْبٌ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ الْقَاصِرِ ، وَإِنْ رَدَّهَا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى يَجِيءَ حَالٌ يَقْدِرُ فِيهَا عَلَى جِمَاعِهَا ، لاِنْعِدَامِ التَّسْلِيمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِالتَّسْلِيمِ الْقَاصِرِ (4) .
---------------
(1) مغني المحتاج 3 / 438 .
(2) المغني 9 / 281 .
(3) بدائع الصنائع 4 / 19 .
(4) المرجع السابق .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ :
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا كَانَتْ مَرِيضَةً قَبْل الاِنْتِقَال إِلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَبَذَلَتْ لَهُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا تَسْلِيمًا كَامِلاً ، أَوْ بَذَل هَذَا التَّسْلِيمَ وَلِيُّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجَةُ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا ، وَتَسَلَّمَهَا الزَّوْجُ فِعْلاً ، أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً لَهَا عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِمَرَضِهَا (1) .
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَيْهِ إِذَا زُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ ثُمَّ مَرِضَتْ عِنْدَهُ ، لأَِنَّ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ مُمْكِنٌ وَلاَ تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا (2) ، وَلأَِنَّ الاِحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ ، وَالْمَانِعُ عَارِضٌ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ .
21 - وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرِيضَةِ الْمَدْخُول بِهَا مَرَضًا شَدِيدًا يَمْنَعُهَا مِنْ الاِنْتِقَال إِلَى مَنْزِل الزَّوْجِيَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (3) .
---------------
(1) البدائع 4 / 19، وحاشية الدسوقي 2 / 508، ومغني المحتاج 3 / 437، وشرح منتهى الإرادات 3 / 353 .
(2) شرح منتهى الإرادات 3 / 353، ومغني المحتاج 3 / 473 .
(3) البدائع 4 / 19، والمدونة 2 / 252، ومغني المحتاج 3 / 437، والمغني 9 / 284 .
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ وَلاَ تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنْ مُنِعَ مِنَ الْوَطْءِ .
وَلأَِنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنَ الْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ، فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ رَمَضَانَ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ نَفَقَةَ لَهَا قَبْل النُّقْلَةِ فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (2) .
فَقَدْ جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ : رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا قَبْل النُّقْلَةِ ، فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدِ التَّسْلِيمُ الَّذِي هُوَ تَخْلِيَةٌ وَتَمْكِينٌ ، وَلَنْ يَتَحَقَّقَ(28/16)
ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ ، وَهُوَ الْمَرَضُ ، فَلاَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لاَ تَحْتَمِل الْوَطْءَ .
وَلأَِنَّ التَّسْلِيمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ - وَهُوَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنُ مِنَ الْوَطْءِ - لَمَّا لَمْ يُوجَدْ كَانَ لَهُ أَنْ لاَ يَقْبَل التَّسْلِيمَ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ (3) .
---------------
(1) البدائع 4 / 19 .
(2) المرجع السابق، والمدونة 2 / 252 .
(3) البدائع 4 / 19 .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمَحْبُوسَةِ :
22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى اسْتِحْقَاقِ الزَّوْجَةِ لِلنَّفَقَةِ إِذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِسَبَبِ دَيْنٍ عَلَيْهَا دُونَ مُمَاطَلَةٍ مِنْهَا عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَتْ مَحْبُوسَةً ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ قَدْ بَطَل بِاعْتِرَاضِ حَبْسِ الدَّيْنِ ، لأَِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَحَقُّ بِحَبْسِهَا بِالدَّيْنِ (2) .
كَمَا وَقَدْ فَاتَ بِحَبْسِهَا التَّسْلِيمُ الْوَاجِبُ بِالنِّكَاحِ مِنْ قِبَلِهَا فَصَارَتْ كَالنَّاشِزِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا وَفِي سُقُوطِهَا .
الْقَوْل الثَّانِي : لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُمَاطِلَةً ، وَبِهِ قَال الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (3) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهَا فَلاَ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا ، لأَِنَّهَا حُبِسَتْ لإِِثْبَاتِ عُسْرِهَا لاَ لِمُمَاطَلَتِهَا (4) .
---------------
(1) الفتاوى الهندية 1 / 545، وفتح القدير 4 / 198، ومغني المحتاج 3 / 437، وكشاف القناع 4 / 198 .
(2) فتح القدير 4 / 198، البدائع 4 / 20 .
(3) الشرح الكبير للدردير 2 / 517، وفتح القدير 4 / 198 .
(4) الشرح الكبير للدردير 2 / 517 .
نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْغَائِبِ :
غِيَابُ الزَّوْجِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْل الدُّخُول أَوْ بَعْدَهُ .
أَوَّلاً : نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْغَائِبِ قَبْل الدُّخُول :
23 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي اسْتِحْقَاقِ زَوْجَةِ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ بِالنِّكَاحِ قَبْل الدُّخُول بَيْنَ مَا إِذَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا لَهُ حَال غَيْبَتِهِ وَبَيْنَ بَذْلِهَا لَهُ نَفْسَهَا قَبْل غَيْبَتِهِ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ فَإِنَّهُ لاَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ (1) .(28/17)
لأَِنَّهَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا فِي حَالٍ لاَ يُمْكِنُهُ التَّسَلُّمُ فِيهِ حَتَّى يُرَاسِلَهُ الْحَاكِمُ ، بِأَنْ يَكْتُبَ رِسَالَةً إِلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِيَسْتَدْعِيَهُ وَيُعْلِمَهُ بِرَغْبَةِ زَوْجَتِهِ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ نَفْسِهَا وَطَلَبِهَا لِلنَّفَقَةِ ، وَيَمْضِي عَلَى ذَلِكَ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَقْدُمَ فِي مِثْلِهِ .
فَإِذَا سَارَ الزَّوْجُ إِلَيْهَا أَوْ وَكَّل مَنْ يَتَسَلَّمَهَا لَهُ مِمَّنْ يَحِل لَهُ ذَلِكَ كَمَحْرَمِهَا ، فَوَصَل فَتَسَلَّمَهَا الزَّوْجُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ حِينَئِذٍ ، لأَِنَّ وُجُودَ الْبَذْل قَبْل ذَلِكَ كَعَدَمِهِ .
---------------
(1) البدائع 4 / 29، ورد المحتار 2 / 665، ومغني المحتاج 3 / 446، والمغني 9 / 286، والمبدع 8 / 202، وكشاف القناع 5 / 471، ومواهب الجليل 4 / 182 - 183 .
فَإِنْ لَمْ يَفْعَل مَا سَبَقَ ، فَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا مِنْ حِينِ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْوُصُول إِلَيْهَا وَتَسَلُّمُهَا فِيهِ ، لأَِنَّ الزَّوْجَ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا لإِِمْكَانِ ذَلِكَ وَبَذْلِهَا نَفْسَهَا لَهُ ، فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا ، وَلأَِنَّ الزَّوْجَ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْحُضُورِ لِتَسَلُّمِهَا يَكُونُ قَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ ، وَتَرْكُهُ لِحَقِّهِ لاَ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ لِزَوْجَتِهِ .
وَإِذَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ ثُمَّ غَابَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخِطَابِ : إِذَا سَافَرَ الزَّوْجُ قَبْل الدُّخُول فَطَلَبَتْ زَوْجَتُهُ النَّفَقَةَ فَلَهَا ذَلِكَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ ، وَقِيل : لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا كَانَ قَرِيبًا لأَِنَّهَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَدْعُوَهُ وَهِيَ لَمْ تَدْعُ قَبْل مَغِيبِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ إِمَّا أَنْ يَبْنِيَ أَوْ أَنْ يُنْفِقَ ، وَقِيل : لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ تَدْعُو إِلَى الْبِنَاءِ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى قُرْبٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا انْتِظَارُهُ وَهَذَا أَقْيَسُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إِذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ قُرْبٍ وَلاَ بُعْدٍ (1) .
---------------
(1) مواهب الجليل 4 / 182 - 183، والتاج والإكليل 4 / 200 ، وشرح الخرشي 4 / 199 .
ثَانِيًا : نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْغَائِبِ بَعْدَ الدُّخُول :
24 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا .
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ فِي مَالِهِ ، حَاضِرًا كَانَ الْمَال أَوْ غَائِبًا ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِفَرْضِ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ إِذَا طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ (1) . لِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ : خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (2) وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضًا لِلنَّفَقَةِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ غَائِبًا .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ :
الأَْوَّل : هُوَ أَنْ يَفْرِضَ الْقَاضِي لِلزَّوْجَةِ نَفَقَةً عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ بِشَرْطِ طَلَبِهَا ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الزَّوْجِ ، فَلاَ تُمْنَعُ النَّفَقَةُ عَنِ الزَّوْجَةِ ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلاً وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيِّ لِحَدِيثِ هِنْدَ السَّابِقِ .(28/18)
وَالْقَوْل الثَّانِي : لاَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَلَوْ طَلَبَتْ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ لأَِنَّ
---------------
(1) شرح الخرشي 4 / 199، والتاج والإكليل 4 / 200، ومغني المحتاج 3 / 436، وكشاف القناع 5 / 471 .
(2) حديث : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " سبق تخريجه ف 8 .
الْفَرْضَ مِنَ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ الآْخَرَ ، وَهُوَ قَوْل شُرَيْحٍ (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( غَيْبَة ف 4 وَمَا بَعْدَهَا ) .
25 - فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ فَسَأَلَتِ الْقَاضِيَ أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَتَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَيَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً عَلَى الْغَائِبِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ يَسْمَعُهَا الْقَاضِي وَلاَ يَفْرِضُ لَهَا ، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ (2) . لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْل الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُسْمَعُ إِلاَّ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ ، وَلاَ خَصْمَ فَلاَ تُسْمَعُ .
الْقَوْل الثَّانِي : يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهَا وَيَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً وَتَسْتَدِينُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ فِي وَجْهِهِ ، فَإِنْ فَعَلَتْ نَفَّذَ الْفَرْضَ وَصَحَّتْ الاِسْتِدَانَةُ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَمْ يُنَفِّذْ وَلَمْ يَصِحَّ ، وَبِهِ قَال زُفَرُ .
لأَِنَّ الْقَاضِيَ إِنَّمَا يَسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لاَ لإِِثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ ، بَل لِيَتَوَصَّل
---------------
(1) البدائع 4 / 26 .
(2) لبدائع 4 / 27 .
بِهَا إِلَى فَرْضِ النَّفَقَةِ ، إِذْ يَجُوزُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ ، كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى السَّرِقَةِ ، فَإِنَّهَا تُقْبَل فِي حَقِّ الْمَال ، وَلاَ تُقْبَل فِي حَقِّ الْقَطْعِ . كَذَا هَاهُنَا تُقْبَل هَذِهِ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْفَرْضِ ، لاَ فِي إِثْبَاتِ النِّكَاحِ .
فَإِذَا حَضَرَ وَأَنْكَرَ اسْتَعَادَ مِنْهَا الْبَيِّنَةَ ، فَإِنْ أَعَادَتْ نَفَّذَ الْفَرْضَ وَصَحَّتْ الاِسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ وَإِلاَّ فَلاَ . هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ (1) . فَإِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ : فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهَا .
فَإِذَا كَانَ الْمَال فِي يَدِهَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي (2) لِحَدِيثِ هِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ السَّابِقِ (3) .
وَإِنْ كَانَ الْمَال فِي يَدِ غَيْرِهَا وَهُوَ مِنْ جَنْسِ النَّفَقَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَخْذِ الزَّوْجَةِ نَفَقَتَهَا مِنْ مَال زَوْجِهَا الَّذِي بِيَدِ الآْخَرِينَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَال وَدِيعَةً أَمْ دَيْنًا بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلَيْنِ :
---------------
(1) البدائع 4 / 27 .
(2) البدائع 4 / 27 .
(3) سبق تخريجه ف 8 .(28/19)
الْقَوْل الأَْوَّل : إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ مُقِرًّا بِالْوَدِيعَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ ، أَوْ كَانَ الْمَدِينُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ وَالزَّوْجِيَّةِ ، أَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِذَلِكَ فَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْمَال نَفَقَتَهَا ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ (1) .
لأَِنَّ صَاحِبَ السَّيِّدِ - وَهُوَ الْمُودَعُ - إِذَا أَقَرَّ بِالْوَدِيعَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ ، أَوْ أَقَرَّ الْمَدْيُونُ بِالدَّيْنِ وَالزَّوْجِيَّةِ فَقَدْ أَقَرَّا أَنَّ لَهَا حَقَّ الأَْخْذِ ، لأَِنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَمُدَّ يَدَهَا إِلَى مَال زَوْجِهَا فَتَأْخُذَ كِفَايَتَهَا مِنْهُ لِحَدِيثِ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْرِضِ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فِي ذَلِكَ الْمَال أُضِيرَتْ ، فَكَانَ الْوَاجِبُ إِعَانَتَهَا عَلَى أَخْذِ حَقِّهَا وَاسْتِيفَاءِ نَفَقَتِهَا (2) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً ، وَبِهِ قَال زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ . لأَِنَّ هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ ، إِذِ الْمُودَعُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنِ الزَّوْجِ وَكَذَا الْمَدْيُونُ فَلاَ يَجُوزُ (3) .
هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ بِأَنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ ثِيَابًا مَنْ جَنْسِ كُسْوَتِهَا .
---------------
(1) البدائع 4 / 27
(2) المرجع السابق .
(3) البدائع 4 / 27 .
أَمَّا إِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَتْ عَقَارًا أَوْ عُرُوضًا فَبَيَانُ حُكْمِ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي :
أَوَّلاً : إِنْ كَانَتْ أَمْوَال الْغَائِبِ عَقَارًا :
26 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَفْرِضُ الْقَاضِي لِلزَّوْجَةِ فِي عَقَارِ الْغَائِبِ نَفَقَةً ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِيجَابُ النَّفَقَةِ فِي عَقَارِ الْغَائِبِ إِلاَّ بِالْبَيْعِ ، وَلاَ يُبَاعُ الْعَقَارُ عَلَى الْغَائِبِ فِي النَّفَقَةِ ، لأَِنَّ مَال الْمَدِينِ إِنَّمَا يُبَاعُ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الأَْدَاءِ وَلَمْ يَثْبُتِ امْتِنَاعُهُ فَلاَ يُبَاعُ عَلَيْهِ (1) .
ثَانِيًا : إِنْ كَانَ أَمْوَال الْغَائِبِ عُرُوضًا :
27 - أَمَّا إِذَا كَانَتْ أَمْوَالُهُ عُرُوضًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ فِيهَا لِلزَّوْجَةِ بِبَيْعِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلاَ تُبَاعُ فِي نَفَقَتِهَا ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ ، لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِيجَابُ النَّفَقَةِ فِيهِ إِلاَّ بِالْبَيْعِ ، وَمَال الْمَدِينِ إِنَّمَا يُبَاعُ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الأَْدَاءِ ، وَالْغَائِبُ لاَ يُعْلَمُ امْتِنَاعُهُ ، فَلاَ يُعْلَمُ ظُلْمُهُ ، فَلاَ يُبَاعُ عَلَيْهِ (2) .
الْقَوْل الثَّانِي : يَفْرِضُ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَتْ عُرُوضًا بِبَيْعِهِ ، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (3) .(28/20)
---------------
(1) البدائع 4 / 27 .
(2) البدائع 4 / 27 .
(3) البدائع 4 / 27 .
وَاسْتَنَدَا فِي ذَلِكَ : إِلَى مَا اسْتَنَدَا إِلَيْهِ فِي فَرْضِ نَفَقَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَمْوَالُهُ عَقَارًا مِنْ حَدِيثِ هِنْدَ .
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلاً فَطَلَبَتْ مِنَ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ فَعِنْدَنَا لاَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ لأَِنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَسْمَعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلاَ يَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَيُعْطِيهَا النَّفَقَةَ مِنْ مَال الزَّوْجِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالِكٌ أَمَرَهَا الْقَاضِي بِالاِسْتِدَانَةِ ، فَإِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كَلَّفَهَا الْقَاضِي إِعَادَةَ الْبَيِّنَةِ ، فَإِنْ لَمْ تُعِدْهَا أَمَرَهَا الْقَاضِي بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ ، وَمَا يَفْعَلُهُ الْقُضَاةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَبُول الْبَيِّنَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَفَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ إِنَّمَا يُنَفَّذُ لاَ لأَِنَّهُ قَوْل عُلَمَائِنَا الثَّلاَثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَإِنَّمَا يُنَفَّذُ لِكَوْنِهِ مُخْتَلَفًا فِيهِ إِمَّا مَعَ زُفَرَ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ (1) .
نَفَقَةُ زَوْجَةِ الَّذِي لاَ مَال لَهُ :
28 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِ نَفَقَةِ زَوْجَةِ الَّذِي لاَ مَال لَهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : إِنْ أَنْفَقَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ مَال غَيْرِهَا بِدُونِ
---------------
(1) البحر الرائق 4 / 214 .
قَضَاءٍ مِنَ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ أَوْ تَرَاضٍ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى مِقْدَارِ النَّفَقَةِ : لاَ تَكُونُ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ أَصْلاً إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي طَلَبَتِ الْحُكْمَ بِنَفَقَتِهَا أَقَل مِنْ شَهْرٍ ، فَيَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ لَهَا لِصُعُوبَةِ الاِحْتِرَازِ عَنْهَا .
لأَِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَهَا شَبَهَانِ : شَبَهٌ بِالْعِوَضِ وَآخَرُ بِالصِّلَةِ عَطَاءٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضِ ، فَهِيَ لَيْسَتْ عِوَضًا مِنْ كُل وَجْهٍ وَلَيْسَتْ صِلَةً مِنْ كُل وَجْهٍ .
أَمَّا شَبَهُهَا بِالْعِوَضِ فَلأَِنَّهَا جَزَاءُ احْتِبَاسِ الزَّوْجَةِ لِحَقِّ زَوْجِهَا وَقِيَامِهَا بِشُؤُونِ الْبَيْتِ وَرِعَايَةِ الأَْوْلاَدِ . وَأَمَّا شَبَهُهَا بِالصِّلَةِ فَلِكَوْنِ الْمَنَافِعِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الاِحْتِبَاسِ عَائِدَةً عَلَى كِلاَ الزَّوْجَيْنِ فَيَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلاَ تَسْتَحِقُّ بِهِ شَيْئًا عَلَى الزَّوْجِ .
فَنَظَرًا لِشَبَهِهَا بِالصِّلَةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلاَ تَرَاضٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ كَنَفَقَةِ الأَْقَارِبِ .
وَلِشَبَهِهَا بِالْعِوَضِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ بِهَا أَوِ التَّرَاضِي عَلَيْهَا .
وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَ تَرَاضِيهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ ، وَلَكِنْ قَبْل الإِْذْنِ بِالاِسْتِدَانَةِ مِنْهُ أَوْ مِنَ الْقَاضِي ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِأَدَاءِ الزَّوْجِ إِيَّاهَا لِلزَّوْجَةِ أَوْ(28/21)
وَكِيلِهَا ، أَوْ إِبْرَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا مِنْهَا ، أَوْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا .
وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالإِْذْنِ بِالاِسْتِدَانَةِ ، أَوْ بَعْدَ التَّرَاضِي مَعَ زَوْجِهَا وَالإِْذْنِ لَهَا بِالاِسْتِدَانَةِ - وَاسْتَدَانَتِ الزَّوْجَةُ بِالْفِعْل - كَانَتِ النَّفَقَةُ دَيْنًا صَحِيحًا ثَابِتًا عَلَى الزَّوْجِ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِالأَْدَاءِ إِلَيْهَا فِعْلاً أَوِ الإِْبْرَاءِ مِنْهَا ، وَفَائِدَةُ الإِْذْنِ ثُبُوتُ الْحَقِّ لِلْغَرِيمِ فِي مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ إِذَا أَحَالَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِ .
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ عَنْ أَدَائِهَا ، وَلاَ يَسْقُطُ هَذَا الدَّيْنُ عَنْهُ مُطْلَقًا إِلاَّ بِالأَْدَاءِ أَوِ الإِْبْرَاءِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ : سَوَاءٌ أَحَكَمَ بِهَا الْقَاضِي أَمْ تَرَاضَيَا عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا وَلَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهَا .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (2) وَالشَّافِعِيَّةُ (3) وَالْحَنَابِلَةُ (4) . مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى : مَا وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ ، إِمَّا
---------------
(1) بدائع الصنائع 4 / 28، تبيين الحقائق 3 / 55، 56 .
(2) شرح الخرشي 4 / 199 .
(3) مغني المحتاج 3 / 442 .
(4) المغني 9 / 247 .
أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِالنَّفَقَةِ ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ (1) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ يَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأُجْرَةِ الْعَقَارِ وَالدُّيُونِ (2) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ عِوَضٌ أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي مُقَابِل احْتِبَاسِ الزَّوْجَةِ لِمَنْفَعَةِ الزَّوْجِ وَقِيَامِهَا عَلَى شُؤُونِ الْبَيْتِ وَمَصَالِحِهِ ، وَإِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ عِوَضًا فَإِنَّهَا تَكُونُ دَيْنًا كَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنَ اسْتِحْقَاقِهَا كَمَا فِي كُل أُجْرَةٍ وَعِوَضٍ (3) .
تَنَازُعُ الزَّوْجَيْنِ فِي الإِْنْفَاقِ :
29 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إِعْطَاءَ زَوْجَتِهِ نَفَقَتَهَا أَوْ إِرْسَالَهَا لَهَا وَأَنْكَرَتْ هِيَ ذَلِكَ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْقَوْل قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا (4) .
---------------
(1) أثر عمر رضي الله عنه : كتب إلى أمراء الأجناد فيمن غاب عن نسائه . أخرجه الشافعي في المسند ( 2 / 65 بترتيب السندي ) وابن أبي شيبة في المصنف ( 5 / 214 ط الدار السلفية ) ، واللفظ لابن أبي شيبة .
(2) مغني المحتاج 3 / 442 .
(3) المغني 9 / 247 .
(4) البدائع 4 / 29، والمهذب 2 / 164، والمغني مع الشرح 9 / 253 .(28/22)
لأَِنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي قَضَاءَ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَهِيَ تُنْكِرُهُ ، فَيَكُونُ الْقَوْل قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " (1) ، وَلأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْقَبْضِ (2) .
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا : إِنْ كَانَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا فِي ذَلِكَ إِلَى الْحَاكِمِ فَلَمْ يَجِدْ لِزَوْجِهَا مَالاً أَبَاحَ لَهَا الإِْنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهَا ، وَأَذِنَ لَهَا فِي الاِقْتِرَاضِ وَالرُّجُوعِ بِذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا ، فَالْقَوْل قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ لاَ مِنْ يَوْمِ سَفَرِ الزَّوْجِ ، وَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُول أَوِ الْجِيرَانِ فَإِنَّ الْقَوْل قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ .
وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا لَمْ تَرْفَعْ أَصْلاً ، أَوْ رَفَعَتْ لِعُدُولٍ أَوْ لِلْجِيرَانِ ، أَوْ بِبَعْضِ الْمُدَّةِ وَسَكَتَتْ عَنْ بَعْضِهَا الآْخَرِ (3) .
نَفَقَةُ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ :
30 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ لَهَا نَفَقَةٌ مَا دَامَ لَمْ يَحْكُمِ الْحَاكِمُ بِمَوْتِهِ ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ إِلَى حِينِ اتِّضَاحِ
---------------
(1) حديث : " اليمين على المدعى عليه " أخرجه البخاري ( فتح الباري 8 / 213 ط السلفية ) ومسلم ( 3 / 1336 ط الحلبي ) من حديث ابن عباس .
(2) البدائع 4 / 29 .
(3) شرح الخرشي 4 / 200 - 201 .
أَمْرِهِ ، لأَِنَّهَا مَحْكُومٌ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا لَوْ عَلِمَتْ حَيَاتَهُ وَهِيَ مُسَلِّمَةٌ نَفْسَهَا إِلَيْهِ (1) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( مَفْقُود ف 4 - 10وما بَعْدَهَا ) .
وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْقَاقِهَا النَّفَقَةَ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ إِذَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْحَاكِمِ وَطَلَبَتِ الْفُرْقَةَ فَضَرَبَ لَهَا مُدَّةَ أَرْبَعِ سِنِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ .
قَال الْحَطَّابُ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، لأَِنَّ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ لَمْ يُحْكَمْ فِيهَا بِبَيْنُونَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَ مَا قَبْل الْمُدَّةِ ، وَلأَِنَّ امْرَأَةَ الْغَائِبِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ تَرَبُّصِهَا فَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ .
وَالْقَوْل الثَّانِي : لاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَ لَهَا قَبْل ذَلِكَ نَفَقَةً فَيَكُونُ سَبِيلُهَا فِي النَّفَقَةِ سَبِيل الْمَدْخُول بِهَا وَهُوَ قَوْل الْمُغِيرَةِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (2) .
---------------
(1) الاختيار 3 / 38، وروضة الطالبين 8 / 401، والمغنى 9 / 439، والمبدع 8 / 229 .
(2) المغني 9 / 439، والحطاب 4 / 183، وروضة الطالبين 8 / 402، والمهذب 2 / 166، وكشاف القناع 5 / 424 .(28/23)
فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَدَى اسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ .
الْقَوْل الثَّانِي : لَهَا النَّفَقَةُ .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( مَفْقُود ف 10 ) .
الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ :
31 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَبِ الزَّوْجَةِ كَفِيلاً بِالنَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى إِعْطَاءِ الْكَفِيل بِالنَّفَقَةِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ (1) ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيَّةُ (2) .
لأَِنَّ النَّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْحَال فَلاَ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، كَمَا أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّكَفُّل بِدَيْنٍ وَاجِبٍ فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى إِعْطَائِهِ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنْ بَابٍ أَوْلَى .
الْقَوْل الثَّانِي : يُسْتَحَبُّ أَخْذُ كَفِيلٍ لَهَا بِالنَّفَقَةِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (3) وَالْحَنَابِلَةُ (4)
---------------
(1) البدائع 4 / 28 .
(2) مغني المحتاج 2 / 200 .
(3) شرح الخرشي 4 / 199، ومواهب الجليل 4 / 200 .
(4) المغني 9 / 297 .
وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (1) ، وَذَلِكَ لِضَمَانِ حَقِّ الزَّوْجَةِ (2) .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ النَّاشِزِ :
32 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ نَفَقَةَ لَهَا بِنُشُوزِهَا (3) ، لِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (4) } ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (5) .
فَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَنْتَهِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ نَفَقَةٌ .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( نُشُوز ف 7 ) .
---------------
(1) البدائع 4 / 28 .(28/24)
(2) البدائع 4 / 28 .
(3) فتح القدير 3 / 335، والبدائع 4 / 19، والمبسوط 5 / 186، والشرح الكبير للدردير 2 / 524، ومغني المحتاج 3 / 435، وكشاف القناع 5 / 474 .
(4) سورة النساء / 34
(5) حديث : " فاتقوا الله في النساء . . . " تقدم تخريجه ف 4 .
نَفَقَةُ الْمُعْتَدَّةِ :
فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ ، وَكَذَا بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ :
أ - الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ :
33 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ طَعَامٍ وَكُسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ أَيَّامَ عِدَّتِهَا (1) .
لِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَل اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (2) } . فَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ الأَْزْوَاجَ عَنْ إِخْرَاجِ زَوْجَاتِهِمْ أَثْنَاءَ عِدَّتِهِنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ، وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ ، وَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مَحْبُوسَةً لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ السَّكَنِ ، فَعَلَيْهِ سَائِرُ أَنْوَاعِ النَّفَقَةِ ، لأَِنَّ مِمَّنْ حُبِسَ لِحَقِّ إِنْسَانٍ وَجَبَ عَلَى الْمَحْبُوسِ لَهُ النَّفَقَةُ كَامِلَةٌ ، وَلِقِيَامِ حَقِّ حَبْسِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلاَؤُهُ (3) .
---------------
(1) البدائع 4 / 16، وحاشية الدسوقي 2 / 515، والمغني 9 / 288، ونهاية المحتاج 7 / 211 .
(2) سورة الطلاق / 1
(3) البدائع 4 / 16، والمغني 9 / 290 .
ب - الْمُعْتَدَّةُ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ :
34 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمَبْتُوتَةِ الْحَامِل وَغَيْرِ الْحَامِل فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا بِأَنْوَاعِهَا أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ .
فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى مَتَى كَانَتْ حَامِلاً (1) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (2) } .
وَلأَِنَّهَا حَامِلٌ بِوَلَدِهِ وَهُوَ يَجِبُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَلاَ يُمْكِنُ الإِْنْفَاقُ عَلَى الْحَمْل إِلاَّ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أُمِّهِ ، فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى تِلْكَ الأُْمِّ ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الإِْرْضَاعِ (3) .
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :(28/25)
الْقَوْل الأَْوَّل : لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (4) ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ ،
---------------
(1) البدائع 4 / 16، وحاشية الدسوقي 2 / 515، والمغني 9 / 288، ونهاية المحتاج 7 / 211 .
(2) سورة الطلاق / 6
(3) المهذب 2 / 164، ونهاية المحتاج 7 / 211، والمغني 9 / 288 .
(4) البدائع 4 / 16 .
وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (1) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا اسْتَنَدُوا إِلَيْهِ فِي إِيجَابِهَا لِلْمُبَانَةِ الْحَامِل .
وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ - عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - قَال : كُنْتُ مَعَ الأَْسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الأَْعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ ، فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ " أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَل لَهَا سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةً " ، ثُمَّ أَخَذَ الأَْسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ فَقَال : وَيْلَكَ ! تُحَدِّثُ بِمِثْل هَذَا ؟ قَال عُمَرُ : لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْل امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ . قَال اللَّهُ عَزَّ وَجَل { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (2) } .
الْقَوْل الثَّانِي : لَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ : وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (3) وَالشَّافِعِيَّةُ (4) وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (5) .
---------------
(1) أحكام القرآن للجصاص 5 / 355، والمغني 9 / 289 .
(2) حديث أبي إسحاق - عمرو بن عبد الله - " كنت مع الأسود بن يزيد جالسا . . " أخرجه مسلم ( 2 / 1118 - 1119ط عيسى الحلبي ) . والآية من سورة الطلاق / 2 .
(3) حاشية الدسوقي 2 / 515، وشرح الخرشي 4 / 192 .
(4) المهذب 2 / 164 .
(5) المغني 9 / 288 .
لأَِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَال { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1) } . فَقَدْ أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ السُّكْنَى لِكُل مُطَلَّقَةٍ ، وَمِنْهَا الْبَائِنُ غَيْرُ الْحَامِل ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَقَدْ خَصَّ بِهَا الْحَامِل دُونَ الْحَائِل ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْبَائِنِ غَيْرِ الْحَامِل دُونَ النَّفَقَةِ .
الْقَوْل الثَّالِثُ : لاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلاَ سُكْنَى : وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (2) .
لِمَا وَرَدَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلَمْ يَجْعَل لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَقَةً وَلاَ سُكْنَى (3) .(28/26)
ج - الْمُعْتَدَّةُ مِنْ وَفَاةٍ :
35 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ وَفَاةٍ إِنْ كَانَتْ حَائِلاً لاَ نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ .
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِهَا لَهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلاً عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ نَفَقَةَ لَهَا مُدَّةَ عِدَّتِهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (4) وَالْمَالِكِيَّةُ (5)
---------------
(1) سورة الطلاق / 6
(2) الإنصاف 9 / 361 .
(3) حديث فاطمة بنت قيس سبق تخريجه ف 34 .
(4) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 3 / 61 .
(5) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 2 / 515 .
وَالشَّافِعِيَّةُ (1) وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (2) لأَِنَّ الْمَال قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ ، وَنَفَقَةُ الْحَامِل وَسُكْنَاهَا إِنَّمَا هُوَ لِلْحَمْل أَوْ مِنْ أَجْلِهِ ، وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مِيرَاثٌ فَنَفَقَةُ الْحَمْل مَنْ نَصِيبِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ لَمْ يَلْزَمْ وَارِثَ الْمَيِّتِ الإِْنْفَاقُ عَلَى حَمْل امْرَأَتِهِ كَمَا لاَ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ (3) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابِل التَّمْكِينِ مِنْ الاِسْتِمْتَاعِ ، وَقَدْ زَال التَّمْكِينُ بِالْمَوْتِ ، وَلَيْسَ لِلْحَمْل دَخْلٌ فِي وُجُوبِهَا ، فَلاَ تَسْتَحِقُّ بِسَبَبِهِ النَّفَقَةَ (4) .
وَلأَِنَّ الزَّوْجَةَ مَحْبُوسَةٌ مِنْ أَجْل الشَّرْعِ لاَ لِلزَّوْجِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا (5) .
الْقَوْل الثَّانِي : لَهَا النَّفَقَةُ ، وَهَذَا رِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ ، لأَِنَّهَا حَامِلٌ فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ كَالْمُفَارِقَةِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ (6) .
كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ :
---------------
(1) المهذب 2 / 165 .
(2) المغني 9 / 291 .
(3) المغني 9 / 291 .
(4) تبيين الحقائق 3 / 61، والمهذب 2 / 165 .
(5) تبيين الحقائق 3 / 61 .
(6) المغني 9 / 291 .
الْقَوْل الأَْوَّل : ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (1) وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) إِلَى أَنَّهُ لاَ سُكْنَى لَهَا مُطْلَقًا حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا كَانَتْ حَامِلاً (3) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لاَ سَبِيل إِلَى إِيجَابِ السُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ لاِنْتِهَاءِ الْمُكْنَةِ بِالْوَفَاةِ ، وَلاَ سَبِيل لإِِيجَابِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ لاِنْعِدَامِ الاِحْتِبَاسِ مِنْ أَجْلِهِمْ .
وَلأَِنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ فَلَمْ يَجِبْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالنَّفَقَةِ (4) .(28/27)
وَلأَِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ مِنْ أَجْل الشَّرْعِ لاَ لِلزَّوْجِ فَلاَ سُكْنَى لَهَا (5) .
الْقَوْل الثَّانِي : لَهَا السُّكْنَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (6) ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ (7) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَتْ حَامِلاً وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلاً (8) ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ
---------------
(1) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 3 / 61 .
(2) المهذب 2 / 165، ومغني المحتاج 3 / 402 .
(3) المغني 9 / 291، والإنصاف 9 / 369 .
(4) المهذب 2 / 165 .
(5) تبيين الحقائق 3 / 61 .
(6) التاج والإكليل 4 / 162 .
(7) المهذب 2 / 165، ومغني المحتاج 3 / 402 .
(8) المغني 9 / 291، والإنصاف 9 / 369 .
نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَوَجَبَ لَهَا السُّكْنَى كَالْمُطَلَّقَةِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( سُكْنَى ف 14 ) .
الْمُعْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ :
36 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِنْ كَانَتْ حَائِلاً ، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ السُّكْنَى فَقَالُوا : تَجِبُ لَهَا (2) .
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ حَامِلاً فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : تَجِبُ النَّفَقَةُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (3) ، وَالْحَنَابِلَةُ (4) وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (5) .
لأَِنَّ الْحَمْل يَلْزَمُهُ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَالرَّضَاعِ ، وَلاَ تَصِل النَّفَقَةُ إِلَى الْحَمْل إِلاَّ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ .
---------------
(1) المهذب 2 / 165 .
(2) البدائع 4 / 16، ومواهب الجليل 4 / 189، والمهذب 2 / 165، والمغني 9 / 293، والدسوقي 2 / 489، ومغني المحتاج 3 / 401، 441 .
(3) مواهب الجليل 4 / 189، والدسوقي 2 / 489 .
(4) كشف القناع 5 / 467 .
(5) المهذب 2 / 165، ومغني المحتاج 3 / 401، 441 .
وَلأَِنَّ الْحَمْل فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالْحَمْل فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِالزَّوْجِ وَالاِعْتِدَادِ (1) .(28/28)
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ( x662 ;) وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَْصَحِّ (3) .
لأَِنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ (4) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( سُكْنَى ف 15 ) .
الْمُعْتَدَّةُ مِنْ لِعَانٍ :
37 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ لِعَانٍ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لَهَا النَّفَقَةُ مُطْلَقًا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، لأَِنَّ الْفُرْقَةَ مُضَافَةٌ إِلَى الزَّوْجِ ، وَلأَِنَّ الْمُلاَعَنَةَ قَدْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا بِحَقٍّ وَذَلِكَ يُوجِبُ لَهَا النَّفَقَةَ (5) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ : إِنْ لاَعَنَهَا بَعْدَ الدُّخُول فَإِنْ لَمْ يَنْفِ الْحَمْل وَجَبَتِ النَّفَقَةُ (6) .
---------------
(1) مواهب الجليل 4 / 189، والمهذب 2 / 165، والدسوقي 2 / 489 .
(2) البدائع 4 / 16 .
(3) المهذب 2 / 165، وتحفة المحتاج 8 / 261، وكفاية الأخيار 2 / 82 .
(4) المهذب 2 / 165 .
(5) الاختيار 4 / 9، وتبيين الحقائق 3 / 12 .
(6) مواهب الجليل 4 / 198، والروضة 9 / 66 .
الْقَوْل الثَّانِي : لَهَا السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ إِذَا كَانَتْ حَائِلاً أَوْ حَامِلاً وَنُفِيَ الْحَمْل ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (1) وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) .
لأَِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لأَِجْلِهِ ، وَلأَِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ فُرْقَةٍ حَال الْحَيَاةِ فَوَجَبَتْ لَهَا السُّكْنَى كَالْمُطَلَّقَةِ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ عِنْدَهُمْ : إِنَّ السُّكْنَى لاَ تَجِبُ لِلْمُلاَعَنَةِ (4) .
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْمُلاَعَنَةِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لاَ بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلاَ قُوتَ ، مِنْ أَجْل أَنَّهُمَا يَتَفَرَّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلاَقٍ وَلاَ مُتَوَفَّى عَنْهَا " (5) .
وَلأَِنَّهَا لَمْ تُحْصِنْ مَاءَهُ فَلَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ سُكْنَاهَا (6) .
---------------
(1) مواهب الجليل 4 / 198 .
(2) المهذب 2 / 165، والروضة 9 / 66، وحاشية الجمل 4 / 460 .
(3) المهذب 4 / 460 .
(4) المهذب 2 / 165 .
(5) حديث ابن عباس : " قضى في الملاعنة أن لا بيت لها عليه . . . " أخرجه أحمد ( 1239، 245 ط الميمنية ) وأبو داود ( 2 / 690 ط حمص ) .
(6) روضة الطالبين 9 / 66 .(28/29)
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُلاَعَنَةَ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لأَِنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْل وَهُوَ وَلَدُهُ - وَلَوْ نَفَاهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ نَفْيِهِ - مَا دَامَ حَمْلاً ، فَإِنْ نَفَاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فَلاَ نَفَقَةَ فِي الْمُسْتَقْبَل لاِنْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُ .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ : إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْحَمْل يَنْتَفِي بِزَوَال الْفِرَاشِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلاَ سُكْنَى (1) .
و - نَفَقَةُ الْمُخْتَلِعَةِ :
38 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُخْتَلِعَةِ حَامِلاً وَبَيْنَ كَوْنِهَا غَيْرَ حَامِلٍ .
فَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى لَهَا مَا دَامَتْ حَامِلاً (2) .
لِعُمُومِ قَوْل اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) } ، وَلأَِنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمَائِهِ فَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِرَحِمِهَا فَصَارَ كَالاِسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَال الزَّوْجِيَّةِ ، إِذِ النَّسْل مَقْصُودٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ (4) .
---------------
(1) كشاف القناع 5 / 465، 466، والمغني 7 / 608 ( طبعة الرياض ) .
(2) فتح القدير 4 / 251، وحاشية الدسوقي 2 / 514، ومغني المحتاج 3 / 440، والمغني 9 / 294 .
(3) سورة الطلاق / 6
(4) المغني 9 / 294 .
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا إِنْ كَانَتْ حَائِلاً عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ نَفَقَةَ لَهَا وَلَهَا السُّكْنَى ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (1) وَالشَّافِعِيَّةُ (2) وَالْحَنَابِلَةُ (3) .
لأَِنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ زَالَتْ فَأَشْبَهَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (4) .
الْقَوْل الثَّانِي : تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لَهَا مُطْلَقًا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ .
لأَِنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلنَّفَقَةِ فِي أَصْل النِّكَاحِ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْحَقُّ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ (5) .
اسْتِحْقَاقُ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ حَال سَفَرِهَا :
39 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا .
فَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فَإِمَّا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا أَوْ لاَ .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( نُشُوز ف 6 - 7 ) .
---------------
(1) حاشية الدسوقي 2 / 514، ومواهب الجليل 4 / 189 .
(2) مغني المحتاج 3 / 440، وتحفة المحتاج 8 / 259 .
(3) المغني 9 / 288، 294 .(28/30)
(4) المرجع السابق .
(5) الهداية وفتح القدير 4 / 212، والبدائع 4 / 16، والاختيار 3 / 156 .
سَفَرُ الزَّوْجَةِ لِلْحَجِّ :
40 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا سَافَرَتْ لأَِدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ وَالزَّوْجُ مَعَهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ (1) .
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا فِي حَال عَدَمِ خُرُوجِ الزَّوْجِ مَعَهَا إِلَى الْحَجِّ ، مُوَضِّحِينَ الْفَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ السَّفَرِ لِتَأْدِيَةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ لِتَأْدِيَةِ غَيْرِهِ ، كَحَجِّ التَّطَوُّعِ أَوِ النَّذْرِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ .
أ - السَّفَرُ لأَِدَاءِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ :
41 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ فِيمَا لَوْ خَرَجَتْ لِتَأْدِيَةِ حَجِّ الْفَرِيضَةِ دُونَ سَفَرِ الزَّوْجِ مَعَهَا عَلَى أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ النَّفَقَةُ إِذَا خَرَجَتْ لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ دُونَ سَفَرِ الزَّوْجِ مَعَهَا . وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (2) ، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ (3) ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (4) .
---------------
(1) الهداية مع فتح القدير 4 / 198، والبدائع 4 / 21، وحاشية الدسوقي 2 / 517، وكشاف القناع 5 / 474، وروضة الطالبين 9 / 61، والمغنى 9 / 286 - 287 .
(2) الشرح الكبير للدردير 2 / 517، وشرح الخرشي 3 / 195 .
(3) والمغني 9 / 286، وكشاف القناع 5 / 473، والمبدع 8 / 203 - 205 .
(4) رد المحتار 2 / 648 .
لأَِنَّ الزَّوْجَةَ فَعَلَتِ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِأَصْل الشَّرْعِ فِي وَقْتِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا كَصِيَامِ رَمَضَانَ (1) .
وَلأَِنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ قَدْ حَصَل بِالاِنْتِقَال إِلَى مَنْزِل الزَّوْجِ ثُمَّ فَاتَ بِعَارِضِ أَدَاءِ فَرْضٍ ، وَهَذَا لاَ يُبْطِل النَّفَقَةَ كَمَا لَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَنْزِل زَوْجِهَا ثُمَّ لَزِمَهَا صَوْمُ رَمَضَانَ (2) .
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ مَا عَدَا رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ، لأَِنَّ فَوَاتَ الاِحْتِبَاسِ لاَ مِنْ قِبَلِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ النَّفَقَةِ (4) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ إِحْرَامَ الزَّوْجَةِ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ عُمْرَةٍ بِلاَ إِذْنٍ نُشُوزٌ وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا إِنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا وَذَلِكَ حَال إِحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ ، فَإِنْ مَلَكَ تَحْلِيلَهَا حَال إِحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى الأَْظْهَرِ فَلاَ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا(28/31)
لِلْحَجِّ ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا ، فَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الأَْظْهَرِ ، أَوْ
---------------
(1) المغني 9 / 286، وكشاف القناع 5 / 474 .
(2) البدائع 4 / 20 .
(3) رد المحتار 2 / 648 .
(4) فتح القدير 4 / 198، ورد المحتار 2 / 648 .
مَعَهُ اسْتَحَقَّتِ النَّفَقَةَ ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا (1)
ب - السَّفَرُ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ :
42 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ سَفَرِ الزَّوْجَةِ لِتَأْدِيَةِ الْحَجِّ غَيْرِ الْفَرْضِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ سَفَرِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ .
فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ إِنْ سَافَرَتْ لِحَجِّ تَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ الْمَنْذُورُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (2) .
لأَِنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسَافِرَةِ وَحْدَهَا فَلاَ تَكُونُ لَهَا نَفَقَةٌ (3) .
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ إِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ وَسَافَرَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ نَفَقَةَ لَهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، (4) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (5) ،
---------------
(1) مغني المحتاج 3 / 438 - 439 .
(2) الدر المختار 2 / 648 وحاشية الدسوقي 2 / 517 ، والمهذب 2 / 160 ، والمغني 9 / 286 .
(3) المغني 9 / 286 .
(4) الدر المختار 2 / 648 .
(5) المغني 9 / 286، وكشاف القناع 5 / 473، والمبدع 8 / 205 .
لأَِنَّهَا غَيْرُ مُمَكَّنَةٍ مِنْ نَفْسِهَا فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ إِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا ، وَبِهِ قَال الْمَالِكِيَّةُ (2) وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ (3) .
لأَِنَّهَا سَافَرَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَتْ فِي حَاجَةِ زَوْجِهَا (4) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : إِنْ أَحْرَمَتِ الزَّوْجَةُ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ بِإِذْنٍ مِنْ زَوْجِهَا فَفِي الأَْصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ لأَِنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ .
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِفَوَاتِ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا .
وَلَوْ خَرَجَتْ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا إِنْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا فَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ (5) .
امْتِنَاعُ الزَّوْجَةِ مِنَ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ :(28/32)
43 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ أَوْ عَدَمِ وُجُوبِهَا إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ السَّفَرِ مَعَ زَوْجِهَا وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا غَيْرَ مَخُوفٍ ، مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ غَيْرِ
---------------
(1) كشاف القناع 5 / 474 .
(2) حاشية الدسوقي 2 / 517 .
(3) المغني 9 / 286، وكشاف القناع 5 / 473 .
(4) المغني مع الشرح الكبير 9 / 286 .
(5) مغني المحتاج 3 / 439 .
الْمُحْتَمَلَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُذْرٌ يَمْنَعُهَا مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ سَائِرِ الشُّرُوطِ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ .
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ ، وَهُوَ قَوْل الشَّعْبِيِّ وَحَمَّادٍ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ إِذَا امْتَنَعَتْ عَنِ السَّفَرِ مَعَ زَوْجِهَا ، وَاعْتَبَرُوا الْمُمْتَنِعَةَ عَنِ السَّفَرِ مَعَ زَوْجِهَا دُونَ عُذْرٍ نَاشِزَةً .
لأَِنَّ الزَّوْجَةَ إِنَّمَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ بِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا إِلَى الزَّوْجِ فَتَسْقُطُ بِامْتِنَاعِهَا عَنِ السَّفَرِ مَعَهُ .
قَال الشَّافِعِيَّةُ : وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ (1) .
وَفِي قَوْلٍ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ : تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَلاَ تُعَدُّ نَاشِزًا إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ بِهَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا بِدُونِ رِضَاهَا (2) .
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمَسَافَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهُ جَبْرُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ كَانَتْ نَاشِزًا وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا .
---------------
(1) الدر المختار 2 / 646، 360، 361، والدسوقي 2 / 297، وجواهر الإكليل 1 / 207، ومغني المحتاج 3 / 436، والقليوبي 4 / 74، 77، وكشاف القناع 5 / 472، ومطالب أولي النهى 5 / 258 .
(2) رد المحتار 2 / 648، 361 .
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا يُتْرَكُ أَمْرُ ذَلِكَ إِلَى الْقَاضِي حَسَبَ مَا يَظْهَرُ لَهُ .
فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنَ السَّفَرِ الْكَيْدَ لِلُزُوجَةِ وَالإِْضْرَارَ بِهَا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهَا فِي هَذَا السَّفَرِ فَلاَ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالسَّفَرِ مَعَهُ ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ وَلاَ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا .
وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لَيْسَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا كَانَ لِغَرَضٍ مِنَ الأَْغْرَاضِ كَالتِّجَارَةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ مَأْمُونٌ عَلَيْهَا أَجَابَهُ الْقَاضِي إِلَى طَلَبِهِ ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَسَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي مُدَّةِ الاِمْتِنَاعِ (1) .
نَفَقَةُ زَوْجَةِ الصَّغِيرِ :
44 - إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ كَبِيرَةً - أَيْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا - وَالزَّوْجُ صَغِيرٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَتِ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا لَهُ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا الصَّغِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ :(28/33)
الْقَوْل الأَْوَّل : تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (2) وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (3) وَبِهِ
---------------
(1) العناية شرح الهداية 2 / 474، ورد المحتار 2 / 360، 361 .
(2) الفتاوى الهندية 1 / 546، والهداية مع فتح القدير 4 / 198 .
(3) مغني المحتاج 3 / 438، ونهاية المحتاج 7 / 208 ط مصطفى البابي الحلبي - مصر .
قَال الْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مُقَابِل الْمَشْهُورِ إِذَا كَانَ مَدْخُولاً بِهَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي التَّوْضِيحِ (1) .
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ بِأَنَّهَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا تَسْلِيمًا صَحِيحًا فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ ، كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيرًا (2) .
وَبِأَنَّ الاِسْتِمْتَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْوَطْءُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِمَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ .
وَلأَِنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ وَالْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهِ فَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَلَوْ دَخَل بِهَا وَافْتَضَّهَا (4) وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (5) .
لأَِنَّهُ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا لِسَبَبٍ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ غُرْمُ نَفَقَتِهَا .
---------------
(1) المغني 9 / 283 - 284، والدسوقي 2 / 508 والخرشي 4 / 184 .
(2) المغني 9 / 284 .
(3) مغني المحتاج 3 / 428 .
(4) حاشية الدسوقي 2 / 508، والخرشي 4 / 184 .
(5) مغني المحتاج 3 / 438، ونهاية المحتاج 7 / 208 .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُدَّةَ حَبْسِ الزَّوْجِ فِي دَيْنِ نَفَقَتِهَا :
45 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ إِنْ حَبَسَتْ زَوْجَهَا فِي سَدَادِ مَا عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَأْدِيَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (1) وَالْمَالِكِيَّةُ (2) ، وَالْحَنَابِلَةُ (3) لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لاَ مِنْهَا .
الْقَوْل الثَّانِي : لَيْسَ لَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَبْسِهِ وَلَوْ بِحَقٍّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (4) .
لأَِنَّ التَّمْكِينَ الْمُوجِبَ لِلنَّفَقَةِ قَدِ انْتَفَى بِسَبَبِ سَجْنِهِ فَلاَ تَجِبُ مَعَهُ النَّفَقَةُ .
وَهُوَ أَيْضًا قَوْل الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا لأَِنَّهَا ظَالِمَةٌ مَانِعَةٌ لَهُ مِنَ التَّمْكِينِ مِنْهَا (5) .(28/34)
طَلَبُ التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ عَدَمِ الإِْنْفَاقِ :
أ - إِذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا :
46 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا
---------------
(1) بدائع الصناع 4 / 29، وحاشية ابن عابدين 5 / 390 .
(2) حاشية الدسوقي 2 / 517، وجواهر الإكليل 1 / 404 .
(3) المغني 9 / 284 .
(4) نهاية المحتاج 7 / 205 .
(5) مطالب أولي النهى 5 / 634 .
كَانَ حَاضِرًا مُوسِرًا وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَسْتَوْفِيَ حَقَّهَا مِنْهُ وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ (1) .
كَمَا ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالنَّفَقَةِ وَرَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ فَلَهَا أَنْ تَبْقَى مَعَهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِالْبَقَاءِ مَعَهُ فِي حَقِّهَا فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لَيْسَ لَهَا طَلَبُ التَّفْرِيقِ ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ التَّكَسُّبِ كَيْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا ، وَبِهَذَا قَال ابْنُ شُبْرُمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَعَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (2) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمُومِ قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (3) } ، مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ يَسَارُهُ فَتَدْخُل الزَّوْجَةُ فِي عُمُومِ هَذِهِ الآْيَةِ ،
---------------
(1) البدائع 4 / 27، وشرح الخرشي 4 / 196، ومغني المحتاج 3 / 442، والمغني 9 / 243 .
(2) الدر المختار 2 / 656، ومغني المحتاج 3 / 442، والإنصاف 9 / 383 .
(3) سورة البقرة / 280
وَتَكُونُ مَأْمُورَةً بِإِنْظَارِ الزَّوْجِ ، وَلاَ يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلاَقِ (1) .
وَإِلَى مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال : " دَخَل أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ ، لَمْ يُؤْذَنْ لأَِحَدٍ مِنْهُمْ . قَال : فَأَذِنَ لأَِبِي بَكْرٍ فَدَخَل ، ثُمَّ أَقْبَل عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا ، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ ، وَاجِمًا سَاكِتًا . قَال فَقَال : لأََقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَال : يَا رَسُول اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا . فَضَحِكَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَال : " هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ " ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا ، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا ، كِلاَهُمَا يَقُول : تَسْأَلْنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، فَقُلْنَ : وَاللَّهِ لاَ نَسْأَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآْيَةُ : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل(28/35)
لأَِزْوَاجِكَ } ، حَتَّى بَلَغَ { لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا } . قَال : فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَال . " يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لاَ تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ " قَالَتْ : وَمَا هُوَ يَا رَسُول اللَّهِ ؟ ! ! فَتَلاَ عَلَيْهَا الآْيَةَ قَالَتْ : أَفِيكَ يَا رَسُول اللَّهِ ! أَسْتَشِيرُ أَبَوِيَّ ؟ بَل أَخْتَارُ اللَّهَ
---------------
(1) فتح القدير 3 / 330، ونهاية المحتاج 7 / 212 .
وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآْخِرَةَ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ . قَال : " لاَ تَسْأَلْنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلاَّ أَخْبَرْتُهَا . إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا ، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا " (1) . فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُل عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْأَل زَوْجَهَا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، فَلاَ يَكُونُ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالطَّلاَقِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَلاَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِعَجْزِهِ ، قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ فَسْخِهِ بِالدَّيْنِ (2) ، وَعَلَى الإِْعْسَارِ بِالصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُول (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : لِلْمَرْأَةِ حَقُّ طَلَبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا لِعَجْزِهِ عَنِ الإِْنْفَاقِ ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (4) وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (5) وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (6) ، وَهَذَا
---------------
(1) حديث : " دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . " أخرجه مسلم ( 2 / 1104 - 1105 ط عيسى الحلبي ) .
(2) المغني 9 / 243 .
(3) روضة الطالبين 9 / 72، ونهاية المحتاج 7 / 212 .
(4) مواهب الجليل 4 / 196، وشرح الخرشي 4 / 196 .
(5) نهاية المحتاج 7 / 212 .
(6) المغني 9 / 243، والإنصاف 9 / 384 .
التَّفْرِيقُ فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَطَلاَقٌ رَجْعِيٌّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ (1) .
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَل : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (2) } فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِإِمْسَاكِ الزَّوْجَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ ، وَعَدَمُ إِنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا تَفْوِيتٌ لِلإِْمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ ، فَيَتَعَيَّنُ الثَّانِي وَهُوَ التَّسْرِيحُ بِالإِْحْسَانِ (3) .
وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ إِمَّا أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا بِالنَّفَقَةِ ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ (4) .
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا الزِّنَادِ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُل لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ ، قَال : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، قَال أَبُو الزِّنَادِ : قُلْتُ : سَنَةً ؟ فَقَال : سَنَةً (5) .
---------------(28/36)
(1) المغني 9 / 243 .
(2) سورة البقرة / 229
(3) المغني 9 / 243، وكشاف القناع 5 / 476 .
(4) أثر : " أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد . . . " تقدم تخريجه ف 28 .
(5) أثر : " سعيد بن المسيب أن أبا الزناد سأله . . . " أخرجه الشافعي في مسنده ( 2 / 65 بترتيب السندي ) .
قَال الشَّافِعِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
وَلأَِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ الْفَسْخُ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوَطْءِ ، وَالضَّرَرُ فِيهِ أَقَل ، فَلأََنْ يَثْبُتَ بِالْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ الَّتِي لاَ يَقُومُ الْبَدَنُ إِلاَّ بِهَا أَوْلَى .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( طَلاَق ف 82 - 86 ) .
ب - إِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِيًّا :
47 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ طَلَبِ الْمَرْأَةِ التَّفْرِيقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْغَائِبِ ، إِذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا مَالاً لِتُنْفِقَ مِنْهُ وَلَمْ يُوَكِّل أَحَدًا بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا ، عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ التَّفْرِيقَ لِذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (2) وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (3) وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ تَسْتَطِعِ الاِسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ (4) .
---------------
(1) نهاية المحتاج 7 / 212، وكشاف القناع 5 / 476 .
(2) بداية المجتهد 2 / 44، ومواهب الجليل 4 / 196، وشرح الخرشي 4 / 199 .
(3) روضة الطالبين 9 / 72، ومغني المحتاج 3 / 442 .
(4) المغني 9 / 243، وكشاف القناع 5 / 423، والمبدع 8 / 233، والإنصاف 9 / 391 .
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِذَلِكَ : أَنْ تَثْبُتَ الزَّوْجِيَّةُ ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ قَدْ دَخَل بِهَا أَوْ دُعِيَ إِلَى الدُّخُول بِهَا ، وَأَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ بِحَيْثُ لاَ يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ ، أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يُمْكِنِ الإِْعْذَارُ إِلَيْهِ ، وَأَنْ تَشْهَدَ لَهَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهَا لاَ تَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلاَ كُسْوَةً وَلاَ شَيْئًا مِنْ مُؤْنَتِهَا ، وَلاَ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ وَصَل إِلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إِلَى هَذَا الْحِينِ .
ثُمَّ يَضْرِبُ الْقَاضِي لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَجَلاً حَسَبَ مَا يَرَاهُ : شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَقْدَمْ وَلَمْ يَبْعَثْ بِشَيْءٍ وَلاَ ظَهْرَ لَهُ مَالٌ وَدَعَتْ إِلَى النَّظَرِ لَهَا ، فَإِنَّهَا تَحْلِفُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ مَا رَجَعَ إِلَيْهَا زَوْجُهَا الْمَذْكُورُ مِنْ مَغِيبِهِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِلَى حِينِ حَلِفِهَا وَلاَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلاَ كُسْوَةً وَلاَ وَضَعَتْ ذَلِكَ عَنْهُ وَلاَ وَصَل إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ إِلَى الآْنَ ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي حَلِفُهَا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ ، أَوْ أَبَاحَ لَهَا التَّطْلِيقَ (1) .(28/37)
مُسْتَنِدِينَ فِي ذَلِكَ إِلَى : مَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ فِيمَنْ غَابَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ أَهْل الْمَدِينَةِ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى نِسَائِهِمْ ، إِمَّا أَنْ يُفَارِقُوا وَإِمَّا أَنْ يَبْعَثُوا
---------------
(1) مواهب الجليل 4 / 196 .
بِالنَّفَقَةِ ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ فَلْيَبْعَثْ بِنَفَقَةِ مَا تَرَكَ (1) .
وَلأَِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ بِالاِسْتِدَانَةِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ بِالْفَسْخِ كَحَال الإِْعْسَارِ (2) .
وَلأَِنَّ فِي عَدَمِ الإِْنْفَاقِ ضَرَرًا يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ بِالْفَسْخِ فَكَانَ لَهَا حَقُّ طَلَبِهِ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحَقُّ فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ (4) .
وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ (5) وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (6) وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ (7) . لأَِنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالإِْعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُ الزَّوْجِ لِغَيْبَتِهِ لِعَدَمِ تَبَيُّنِ حَالِهِ (8) .
---------------
(1) نهاية المحتاج 7 / 212، والمغني 9 / 243 وأثر عمر تقدم تخريجه ف 28 .
(2) كشاف القناع 5 / 423، والمبدع 8 / 133 .
(3) كشاف القناع 5 / 423 .
(4) رد المحتار 2 / 656 .
(5) مواهب الجليل 4 / 196، شرح الخرشي 3 / 199 .
(6) نهاية المحتاج 7 / 82، ومغني المحتاج 3 / 442، وروضة الطالبين 9 / 72 .
(7) كشاف القناع 5 / 423، والمبدع 8 / 133، والإنصاف 9 / 391 .
(8) مواهب الجليل 5 / 423، ومغني المحتاج 3 / 442 .
أَمَّا إِذَا ثَبَتَ الإِْعْسَارُ تَوَلَّى الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ أَمْرَ التَّفْرِيقِ بِطَلَبِهَا ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (1) ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَابِلَةِ (2) ، لأَِنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ مُجْتَهَدٌ فِيهَا فَافْتَقَرَتْ إِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ (3) .
فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ مِنْ سَفَرِهِ وَغَابَ مَالُهُ فَقَدْ فَصَّل الشَّافِعِيَّةُ الْقَوْل ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ غَائِبًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ كَانَ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخُ وَلاَ يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِنَحْوِ اسْتِدَانَةٍ ، وَإِلاَّ فَلاَ فَسْخَ ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَضَرِ وَيُؤْمَرُ بِالإِْحْضَارِ عَاجِلاً .
وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ مَدِينٌ غَائِبٌ مُوسِرٌ وَكَانَ لَهُ مَالٌ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَفِي حَقِّ طَلَبِ الْفَسْخِ لَهَا وَجْهَانِ ، أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الْفَسْخِ .
وَإِنْ كَانَ لَهُ مَدِينٌ حَاضِرٌ وَلَهُ مَالٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مَال الزَّوْجِ غَائِبًا (4) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِعَجْزِ الزَّوْجِ
---------------
(1) مغني المحتاج 3 / 442 .(28/38)
(2) كشاف القناع 5 / 480، والمغني 9 / 247، والمبدع 8 / 133 .
(3) كشاف القناع 5 / 480 .
(4) نهاية المحتاج 7 / 213، ومغني المحتاج 3 / 442، وروضة الطالبين 9 / 73 .
عَنِ النَّفَقَةِ غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا مُعْسِرًا كَانَ أَوْ مُوسِرًا (1) .
التَّبَرُّعُ بِالنَّفَقَةِ :
48 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَقِّ طَلَبِ الزَّوْجَةِ الْفَسْخَ وَعَدَمِ قَبُولِهَا النَّفَقَةَ إِذَا تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدٌ عَنِ الزَّوْجِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُول النَّفَقَةِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ طَلَبِ الْفَسْخِ .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلاَّ ابْنَ الْكَاتِبِ (2) ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تُجْبَرُ الزَّوْجَةُ عَلَى قَبُول النَّفَقَةِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ وَلَهَا حَقُّ طَلَبِ الْفَسْخِ .
وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ (4) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْكَاتِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (5) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا لِلزَّوْجِ وَهُوَ فِي وِلاَيَةِ أَيٍّ مِنْهُمَا فَيَلْزَمُهَا الْقَبُول لِدُخُولِهَا فِي
---------------
(1) رد المحتار 2 / 656 .
(2) مواهب الجليل 4 / 199 .
(3) نهاية المحتاج 7 / 213، ومغني المحتاج 3 / 443، وروضة الطالبين 9 / 73 .
(4) كشاف القناع 5 / 477 .
(5) مواهب الجليل 4 / 199 .
مِلْكِ الزَّوْجِ تَقْدِيرًا وَأَلْحَقَ بِهِمَا الأَْذْرَعِيُّ وَلَدَ الزَّوْجِ (1) .
لأَِنَّ فِي قَبُولِهَا مِنَ الْمُتَبَرِّعِ مِنَّةً عَلَيْهَا وَإِلْحَاقَ ضَرَرٍ بِهَا ، فَلاَ تُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهَا ، كَمَا لاَ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُول مِنَ الْمُتَبَرِّعِ سَدَادَ الدَّيْنِ الَّذِي لِلدَّائِنِ عَلَى غَيْرِهِ .
هَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا دَفَعَ الْمُتَبَرِّعُ النَّفَقَةَ إِلَى الزَّوْجِ أَوَّلاً ثُمَّ قَامَ الزَّوْجُ بِدَفْعِهَا إِلَيْهَا .
فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَوْ سَلَّمَ النَّفَقَةَ لِلزَّوْجِ ثُمَّ دَفَعَهَا الزَّوْجُ لَهَا أَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَكِيلُهُ فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُول مِنْهُ ، لأَِنَّ الْمِنَّةَ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ دُونَهَا (2) .
اعْتِبَارُ النَّفَقَةِ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ :
49 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النَّفَقَةِ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ عَلَى قَوْلَيْنِ :(28/39)
الْقَوْل الأَْوَّل : لاَ تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِي الزَّوْجَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَضَاءٌ وَلاَ تَرَاضٍ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ ، وَبِهَذَا قَال الْحَنَفِيَّةُ (3) لأَِنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ تَجْرِي مَجْرَى الصِّلَةِ وَإِنْ
---------------
(1) نهاية المحتاج 7 / 213، ومغني المحتاج 3 / 443، وروضة الطالبين 9 / 73 .
(2) نهاية المحتاج 7 / 213، ومغني المحتاج 3 / 443، وكشاف القناع 5 / 477 .
(3) البدائع 4 / 25 - 28 .
كَانَتْ تُشْبِهُ الأَْعْوَاضَ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ حَقِيقَةً ، لأَِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِوَضًا حَقِيقَةً لَكَانَتْ عِوَضًا عَنْ نَفْسِ الْمُتْعَةِ وَهِيَ الاِسْتِمْتَاعُ ، أَوْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَهِيَ الاِخْتِصَاصُ بِهَا وَلاَ سَبِيل إِلَى الأَْوَّل ، لأَِنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ مُتْعَتَهَا بِالْعَقْدِ فَكَانَ هُوَ بِالاِسْتِمْتَاعِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ، وَمَنْ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لاَ يَلْزَمُهُ عِوَضٌ لِغَيْرِهِ .
وَلاَ وَجْهَ لِلثَّانِي لأَِنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ قَدْ قُوبِل بِعِوَضٍ مَرَّةً فَلاَ يُقَابَل بِعِوَضٍ آخَرَ ، فَخَلَتِ النَّفَقَةُ عَنْ مُعَوَّضٍ ، فَلاَ يَكُونُ عِوَضًا حَقِيقَةً بَل كَانَتْ صِلَةً ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى رِزْقًا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) }
الْقَوْل الثَّانِي : تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إِذَا امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلاَ رِضَا الزَّوْجِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (2) ، وَالْحَنَابِلَةُ لِقَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) } ، مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ مُطْلَقًا دُونَ تَقَيُّدٍ بِزَمَانٍ دُونَ آخَرَ ، وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ قَدْ وَجَبَتْ ، وَالأَْصْل أَنَّ مَا وَجَبَ
---------------
(1) سورة البقرة / 233 .
(2) روضة الطالبين 9 / 76 .
(3) سورة البقرة / 233 .
عَلَى إِنْسَانٍ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِالْوَفَاءِ أَوِ الإِْبْرَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ (1) .
ثَانِيًا : الْقَرَابَةُ :
تَجِبُ النَّفَقَةُ - فِي الْجُمْلَةِ - بِالْقَرَابَةِ وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي :
الْقَرَابَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّفَقَةِ وَبَيَانُ دَرَجَاتِهَا :
50 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ :
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ : إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا هُمُ الآْبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا ، وَالأَْوْلاَدُ وَإِنْ سَفَلُوا ، وَالْحَوَاشِي ذَوُو الأَْرْحَامِ الْمُحَرَّمَةِ كَالْعَمِّ وَالأَْخِ وَابْنِ الأَْخِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَال وَالْخَالَةِ ،(28/40)
وَلاَ تَجِبُ لِغَيْرِهِمْ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْخَال وَبِنْتِ الْخَالَةِ ، وَلاَ لِلْمَحْرَمِ غَيْرِ ذِي الرَّحِمِ كَابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَخًا مَنَ الرَّضَاعِ ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُمْ فِي الدِّينِ فِيمَا عَدَا الزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلاَدِ فَلاَ تَجِبُ لأَِحَدٍ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ إِلاَّ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَقَرَابَةِ الْوِلاَدِ (2) .
أَمَّا الأَْوْلاَدُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) } ، وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ
---------------
(1) المغني 9 / 230، وبدائع الصنائع 4 / 25 - 28 .
(2) تبيين الحقائق للزيلعي 3 / 63 ط دار المعرفة - بيروت .
(3) سورة البقرة / 233
الأَْبُ ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لأَِجْل الأَْوْلاَدِ ، فَلأََنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الأَْوْلاَدِ بِالطَّرِيقِ الأَْوْلَى .
وَأَمَّا الأَْبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (1) } ، فَقَدْ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيل مَا قَبْلَهَا وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ وَلَيْسَ مِنَ الإِْحْسَانِ وَلاَ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا .
وَأَمَّا الأَْجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَكَالأَْبَوَيْنِ وَلِهَذَا يَقُومَانِ مَقَامَ الأَْبِ وَالأُْمِّ فِي الإِْرْثِ وَغَيْرِهِ ، وَلأَِنَّهُمْ تَسَبَّبُوا لإِِحْيَائِهِ فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الإِْحْيَاءَ كَالأَْبَوَيْنِ .
أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ اتِّحَادِ الدِّينِ فَلأَِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْوِلاَدِ مِنَ اتِّحَادِ الدِّينِ أَيْضًا فَلأَِنَّ الْمَنْفَيَّ عَلَيْهِ جُزْؤُهُ ، وَنَفَقَةُ الْجُزْءِ لاَ تَمْتَنِعُ بِالْكُفْرِ ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ (2) .
وَشَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ الْفَقْرَ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ مُفَرِّقِينَ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَائِلِينَ بِخِلاَفِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ حَيْثُ تَجِبُ مَعَ الْغِنَى ، لأَِنَّهَا تَجِبُ لأَِجْل الْحَبْسِ الدَّائِمِ كَرِزْقِ الْقَاضِي (3) .
---------------
(1) سورة لقمان / 15
(2) تبيين الحقائق 3 / 63 .
(3) تبيين الحقائق 3 / 63 .
وَفِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّمَا تَجِبُ لِكُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ بَالِغَةً صَحِيحَةً ، أَمَّا الذَّكَرُ الْبَالِغُ فَلاَ بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ بِخِلاَفِ الأَْبَوَيْنِ فَإِنَّهَا تَجِبُ لَهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ ، لأَِنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا تَعَبُ الْكَسْبِ ، وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا .
وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ ، لأَِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَارِثِ تَنْبِيهٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ ، وَلأَِنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَْوْلاَدِ الْمُبَاشِرِينَ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَلاَ يَشْتَرِطُونَ اتِّحَادَ الدِّينِ بَيْنَ الأَْصْل وَالْفَرْعِ ، أَيْ بَيْنَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَبَيْنَ مَنْ تَجِبُ لَهُ ، بَل يُوجِبُونَهَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَ دَيْنُهُ مَعَ الآْخَرِ ، مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا لَهَا ، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْرَ حَرْبِيٍّ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا هُمُ الآْبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالأَْوْلاَدُ وَإِنْ نَزَلُوا (3) .(28/41)
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلآْبَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
---------------
(1) حاشية رد المحتار 2 / 681 ط بولاق .
(2) حاشية الدسوقي 2 / 522، 523 ط عيسى الحلبي، ومواهب الجليل 4 / 209 ط دار الفكر، بيروت .
(3) المهذب للشيرازي 2 / 212 ط عيسى الحلبي، ومغني المحتاج 3 / 446، 447 ط مصطفى الحلبي .
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (1) } ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا ، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : " إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، وَإِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ " (2) .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِهَا لِلأَْوْلاَدِ وَإِنْ نَزَلُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) } فَإِيجَابُ الأُْجْرَةِ لإِِرْضَاعِ الأَْوْلاَدِ يَقْتَضِي إِيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ .
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (4) .
وَالأَْحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالأَْوْلاَدِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إِطْلاَقُ مَا تَقَدَّمَ .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ اتِّحَادَ الدِّينِ بَل يُوجِبُونَهَا مَعَ اخْتِلاَفِهِ . وَلَمْ يُوجِبْهَا الشَّافِعِيَّةُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْحَوَاشِي (5) .
---------------
(1) سورة لقمان / 15
(2) حديث : " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم . . . " . أخرجه الترمذي ( 3 / 603 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ، وقال : حديث حسن صحيح .
(3) سورة الطلاق / 6
(4) حديث : " خذي ما يكفيك وولدك . . . " . سبق تخريجه ف ( 8 ) .
(5) مغني المحتاج 3 / 446، 447 .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ : إِلَى اسْتِحْقَاقِهَا لِلآْبَاءِ وَإِنْ عَلَوْا وَلِلأَْوْلاَدِ وَإِنْ نَزَلُوا ، وَلِمَنْ يَرِثُهُمُ الْمُنْفِقُ دُونَ مِنْ سِوَاهُمْ ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِيرَاثُهُ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ أَمْ بِتَعْصِيبٍ ، وَإِنْ لَمْ يَرِثُوا مِنْهُ .
وَلاَ نَفَقَةَ عَلَى ذَوِي الأَْرْحَامِ مِنْ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ (1) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الدِّينِ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ ، لأَِنَّهَا مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيل الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ كَنَفَقَةِ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ ، وَلأَِنَّهُمَا غَيْرُ مُتَوَارِثَيْنِ ، فَلَمْ تَجِبْ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ نَفَقَتُهُ بِالْقَرَابَةِ (2) .
إِنْفَاقُ الْفُرُوعِ عَلَى الأُْصُول :
51 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ (3) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (4) } .
---------------
(1) الإنصاف للمرداوي 9 / 392 ، 393 ، 396 ، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت ، والمغني مع الشرح الكبير 9 / 259 .(28/42)
(2) المغني مع الشرح الكبير 9 / 259، والروض المربع 2 / 362 ط دار الكتب العلمية .
(3) تبيين الحقائق 3 / 62، وحاشية الدسوقي 2 / 522، ومغني المحتاج 3 / 446، والإنصاف 9 / 392 .
(4) سورة الإسراء / 23 .
وَمِنَ الإِْحْسَانِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا .
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (1) } ، وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ .
وَلِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال : يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ لِي مَالاً وَوَالِدًا ، وَإِنَّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالِيَ ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكِ ، إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مَنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلاَدِكُمْ " (2) . فَإِذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ يُعَدُّ مِنْ كَسْبِ الأَْبِ ، فَإِنَّ نَفَقَةَ الأَْبِ تَكُونُ وَاجِبَةً فِيهِ ، لأَِنَّ نَفَقَةَ الإِْنْسَانِ تَكُونُ مِنْ كَسْبِهِ .
وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِْجْمَاعَ فِي هَذَا فَقَال : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ كَسْبَ لَهُمَا وَلاَ مَال وَاجِبَةٌ فِي مَال الْوَلَدِ (3) .
أَمَّا الأَْجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ
---------------
(1) سورة لقمان / 15
(2) أخرجه أبو داود ( 3 / 801 ط حمص ) وابن ماجه ( 2 / 769 ط الحلبي ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . واللفظ لأبي داود ، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة ( 2 / 25 ط الجنان ) .
(3) مغني المحتاج 3 / 447، والمغني 11 / 373 ط هجر .
الْمَالِكِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لأَِحَدٍ مِنْهُمْ ، وَقَدْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِسَائِرِ الأُْصُول وَإِنْ عَلَوْا .
وَقَدِ احْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الأَْدِلَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ دُونَ سَائِرِ الأُْصُول ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا ، وَمِنْ ثَمَّ لاَ نَفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ لِجَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ (1) .
أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا : إِنَّ الأَْجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ مُلْحَقُونَ بِالأَْبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إِطْلاَقُ مَا تَقَدَّمَ ، كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي عَدَمِ الْقَوْدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَلأَِنَّ الأَْجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ يَقُومَانِ مَقَامَ الأَْبَوَيْنِ الْمُبَاشِرَيْنِ فِي الإِْرْثِ وَغَيْرِهِ .
وَلأَِنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي إِحْيَاءِ وَلَدِ الْوَلَدِ ، فَاسْتَوْجَبُوا عَلَيْهِ الإِْحْيَاءَ كَالأَْبَوَيْنِ (2) .
شُرُوطُ وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ عَلَى الأُْصُول :
52 - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الإِْنْفَاقِ عَلَى الأُْصُول مَا يَأْتِي :
أ - أَنْ يَكُونَ الأَْصْل فَقِيرًا أَوْ عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ ، فَلاَ يَجِبُ عَلَى الْفَرْعِ نَفَقَةُ أَصْلِهِ إِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَنِيًّا أَوْ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ ، لأَِنَّهَا
---------------
(1) حاشية الدسوقي 2 / 523 .(28/43)
(2) تبيين الحقائق 3 / 63، ومغني المحتاج 3 / 447، والمغني بأعلى الشرح الكبير 9 / 257 .
تَجِبُ عَلَى سَبِيل الْمُوَاسَاةِ وَالْبِرِّ ، وَالْقَادِرُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمُوسِرِ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْمُوَاسَاةِ .
وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ : إِنْ كَانَ الأَْصْل فَقِيرًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى فَرْعِهِ كَذَلِكَ ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالإِْحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ ، وَفِي إِلْزَامِ الآْبَاءِ التَّكَسُّبَ مَعَ غِنَى الأَْبْنَاءِ تَرْكٌ لِلإِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَإِيذَاءٌ لَهُمْ ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ (2) .
ب - أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُوسِرًا وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ، أَوْ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي جَزَمَ بِهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) ، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَالِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَضْلٌ
---------------
(1) منح الجليل 2 / 448، وحاشية الدسوقي 2 / 522، ومغني المحتاج 3 / 446 - 446، والإنصاف 9 / 392، والمغني بأعلى الشرح الكبير 9 / 256 .
(2) اللباب شرح الكتاب 3 / 104، وحاشية ابن عابدين 2 / 678، وحاشية الدسوقي 2 / 522، ومغني المحتاج 3 / 448 .
(3) تبيين الحقائق 3 / 64، وحاشية ابن عابدين 2 / 678، ومغني المحتاج 3 / 448، والإنصاف 9 / 392 والكافي 3 / 374، 375 ومطالب أولي النهى 5 / 644 .
عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَامْرَأَتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُل مِنْهُ شَيْءٌ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : لاَ يَجِبُ عَلَى الْفَرْعِ الْمُعْسِرِ التَّكَسُّبُ لِيُنْفِقَ عَلَى وَالِدَيْهِ ، وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَقَال الْحَلْوَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ : إِذَا كَانَ الاِبْنُ فَقِيرًا كَسُوبًا وَكَانَ الأَْبُ كَسُوبًا لاَ يُجْبَرُ الاِبْنُ عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلاَ ضَرُورَةَ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ (1) .
ج - اتِّحَادُ الدِّينِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ، لأَِنَّ النَّفَقَةَ مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيل الْبِرِّ وَالصِّلَةِ ، فَلَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ ، كَنَفَقَةِ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ ، وَلأَِنَّهُمَا غَيْرُ مُتَوَارِثَيْنِ فَلَمْ يَجِبْ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ نَفَقَةٌ بِالْقَرَابَةِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ : اتِّحَادُ الدِّينِ لَيْسَ شَرْطًا لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْصْل عَلَى الْفَرْعِ ، فَتَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَإِنِ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال فِي حَقِّ الأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا (3) } .
---------------
(1) حاشية الدسوقي 2 / 522، وتبيين الحقائق 3 / 64 .
(2) المغني بأعلى الشرح الكبير 9 / 259 .
(3) سورة لقمان / 15(28/44)
وَلأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الإِْحْسَانِ وَلاَ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَعِيشَ الإِْنْسَانُ فِي نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتْرُكَ أَبَوَيْهِ يَمُوتَانِ جُوعًا لِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةِ (1) .
مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الأُْصُول :
53 - تَجِبُ نَفَقَةُ الأُْصُول عَلَى الْوَلَدِ ، لأَِنَّ لِلأَْبَوَيْنِ تَأْوِيلاً فِي مَال الْوَلَدِ بِالنَّصِّ ، وَلأَِنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِمَا ، فَكَانَ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ نَفَقَتِهِمَا عَلَيْهِ .
وَهِيَ عِنْدُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الذُّكُورِ وَالإِْنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، لأَِنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُهُمَا (2) .
وَتَجِبُ أَيْضًا عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَل عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ ، فَلاَ تَجِبُ عِنْدَهُمْ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ ( ر : ف 50 ) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الأُْصُول إِنْ تَعَدَّدَتِ الْفُرُوعُ .
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إِنِ اتَّحَدَتْ دَرَجَةُ الْقَرَابَةِ
---------------
(1) حاشية رد المحتار 2 / 683 ط بولاق ، وتبيين الحقائق 3 / 63 ، وشرح منح الجليل 2 / 448 ، وحاشية الدسوقي 2 / 522 ، ومغني المحتاج 3 / 447 ، وحاشية الشرواني وابن القاسم على تحفة المحتاج 8 / 344 ، 345 ، والمغني بأعلى الشرح الكبير 9 / 259 .
(2) فتح القدير 4 / 417 ط دار الفكر .
كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ ، كَانَتِ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ بِالتَّسَاوِي ، لِلتَّسَاوِي فِي الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ دُونَ النَّظَرِ إِلَى الْمِيرَاثِ ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ شَقِيقٌ وَبِنْتُ بِنْتٍ ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ ، وَإِنْ كَانَ مِيرَاثُهُ لأَِخِيهِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دَرَجَةُ الْقَرَابَةِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الأَْقْرَبِ ، فَتَكُونُ عَلَى الْبِنْتِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا لِقُرْبِ الْبِنْتِ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْحُرِّ الْمُوسِرِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا ، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ، صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا لِلْوَالِدَيْنِ أَيِ الأُْمِّ وَالأَْبِ الْمُبَاشِرَيْنِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّفَقَةَ تُوَزَّعُ عَلَى الأَْوْلاَدِ الْمُوسِرِينَ بِقَدْرِ يَسَارِ كُلٍّ مِنْهُمْ (2) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنِ اسْتَوَى فَرْعَاهُ فِي قُرْبٍ وَإِرْثٍ أَوْ عَدَمِهِمَا أَنْفَقَا عَلَيْهِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَعَدَمِهَا كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ ، أَوِ ابْنٍ وَبِنْتٍ ، وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي قَدْرِ الْيَسَارِ ، أَوْ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَال وَالآْخَرِ بِالْكَسْبِ ، لأَِنَّ عِلَّةَ إِيجَابِ النَّفَقَةِ تَشْمَلُهُمَا ، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ قِسْطُهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إِنْ أَمْكَنَ ، وَإِلاَّ أَمَرَ
---------------
(1) فتح القدير 4 / 419 ط دار الفكر - بيروت .
(2) مواهب الجليل 4 / 209 ط دار الفكر، ومنح الجليل 2 / 448 .(28/45)
الْحَاكِمُ الْحَاضِرَ بِالإِْنْفَاقِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ مَالِهِ إِذَا وَجَدَهُ (1) وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْقُرْبِ ، فَالأَْصَحُّ أَقْرَبُهُمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ ، وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، لأَِنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالاِعْتِبَارِ (2) .
فَإِنِ اسْتَوَى قُرْبُهُمَا فَبِالإِْرْثِ تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ فِي الأَْصَحِّ لِقُوَّتِهِ .
وَإِنْ تَسَاوَى الْفَرْعَانِ فِي أَصْل الإِْرْثِ دُونَ غَيْرِهِ كَابْنٍ وَبِنْتٍ ، فَهَل يَسْتَوِيَانِ فِي قَدْرِ الإِْنْفَاقِ أَمْ يُوَزَّعُ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الإِْرْثِ ؟ وَجْهَانِ : وَجْهُ التَّوْزِيعِ : إِشْعَارُ زِيَادَةِ الإِْرْثِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْقُرْبِ ، وَوَجْهُ الاِسْتِوَاءِ فِي قَدْرِ الإِْنْفَاقِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الإِْرْثِ (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَتْ دَرَجَةُ الْقَرَابَةِ كَابْنٍ وَبِنْتٍ فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا كَالْمِيرَاثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْل ذَلِكَ (4) } .
فَإِنَّهُ رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الإِْرْثِ ، فَيَجِبُ أَنْ تَتَرَتَّبَ فِي الْمِقْدَارِ عَلَيْهِ .
---------------
(1) مغني المحتاج 3 / 450 .
(2) مغني المحتاج 3 / 451 .
(3) مغني المحتاج 3 / 450، 451 .
(4) سورة البقرة / 233
وَإِنِ اخْتَلَفَتْ دَرَجَةُ الْقَرَابَةِ كَبِنْتٍ وَابْنِ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا كَالْمِيرَاثِ (1) .
إِنْفَاقُ الأُْصُول عَلَى الْفُرُوعِ :
54 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى وُجُوبِ إِنْفَاقِ الأَْبِ عَلَى وَلَدِهِ الْمُبَاشِرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (2) . لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) } وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الأَْبُ ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ رِزْقَ النِّسَاءِ لأَِجْل الأَْوْلاَدِ ، فَلأََنْ تَجِبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الأَْوْلاَدِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى (4) .
وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (5) } . فَقَدْ أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أُجْرَةَ الرَّضَاعِ لِلأَْوْلاَدِ عَلَى آبَائِهِمْ ، وَإِيجَابُ الأُْجْرَةِ لإِِرْضَاعِ الأَْوْلاَدِ يَقْتَضِي إِيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ وَالإِْنْفَاقِ عَلَيْهِمْ (6) .
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لِهِنْدَ : " خُذِي
---------------
(1) المغني 7 / 591 نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة .
(2) تبيين الحقائق 3 / 62 ، ومواهب الجليل 4 / 209 ، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج بهامش شرواني وابن القاسم 8 / 344 ، والروض المربع 2 / 362 ط دار الكتب العلمية - بيروت .
(3) سورة البقرة / 233
(4) مغني المحتاج / 362 .
(5) سورة الطلاق / 2
(6) مغني المحتاج 3 / 446 .(28/46)
مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (1) . فَقَدْ أَبَاحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاِمْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ الأَْخْذَ مِنْ مَال زَوْجِهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا وَأَوْلاَدِهَا وَلَوْلاَ أَنَّ الإِْنْفَاقَ عَلَى الأَْوْلاَدِ وَالزَّوْجَاتِ حَقٌّ وَاجِبٌ لَمَا أَبَاحَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ مَال الْمُسْلِمِ .
وَلأَِنَّ وَلَدَ الإِْنْسَانِ بَعْضُهُ وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ ، فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ ، كَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى بَعْضِهِ (2) .
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةَ أَوْلاَدِهِ الأَْطْفَال الَّذِينَ لاَ مَال لَهُمْ (3) .
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ إِنْفَاقِهِ عَلَى أَوْلاَدِ الأَْوْلاَدِ وَفُرُوعِهِمْ .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِسَائِرِ الْفُرُوعِ ، وَإِنْ نَزَلُوا ، لأَِنَّ الْوَلَدَ يَشْمَل الْوَلَدَ الْمُبَاشِرَ وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهُ (4) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عِنْدَهُمْ بِالْجُزْئِيَّةِ لاَ بِالإِْرْثِ ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَإِنْ نَزَل بَعْضٌ مِنْ
---------------
(1) حديث : " خذي ما يكفيك وولدك . . . " . سبق تخريجه ف ( 8 ) .
(2) المغني 7 / 583 .
(3) المرجع السابق .
(4) العناية على الهداية بأسفل شرح فتح القدير 4 / 4140، 411، ومغني المحتاج 3 / 446، والمغني 7 / 583 .
جَدِّهِ ، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا مِنْهُ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لأَِوْلاَدِ الأَْوْلاَدِ عَلَى جَدِّهِمْ لِظَاهِرِ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) } .
فَهَذَا النَّصُّ يَدُل عَلَى وُجُوبِ الإِْنْفَاقِ عَلَى وَلَدِ الصُّلْبِ ، فَلاَ يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ (2) .
وَلأَِنَّ النَّفَقَةَ عِنْدَهُمْ تَجِبُ بِالإِْرْثِ لاَ بِالْجُزْئِيَّةِ .
شُرُوطُ وُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْوْلاَدِ :
55 - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْوْلاَدِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ :
الشَّرْطُ الأَْوَّل : أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ لاَ مَال لَهُمْ وَلاَ كَسْبَ يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنْ إِنْفَاقِ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ .
فَإِنْ كَانُوا مُوسِرِينَ بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ ، فَلاَ نَفَقَةَ لَهُمْ ، لأَِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيل الْمُوَاسَاةِ ، وَالْمُوسِرُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْمُوَاسَاةِ (3) .
الشَّرْطُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ مَا يُنْفِقُهُ الأَْصْل
---------------
(1) سورة البقرة / 233 .
(2) حاشية الدسوقي 2 / 523 .(28/47)
(3) الهداية شرح بداية المبتدى بأعلى شرح فتح القدير 4 / 414، وحاشية الدسوقي 2 / 522، والمهذب 2 / 166، والمغني 7 / 584 .
عَلَيْهِمْ فَاضِلاً عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ كَسْبِهِ .
فَالَّذِي لاَ يَفْضُل عَنْهُ شَيْءٌ ، لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَل شَيْءٌ فَلأَِهْلِكَ ، فَإِنْ فَضَل عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ " (1) .
وَلأَِنَّ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ مُوَاسَاةٌ فَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْتَاجِ كَالزَّكَاةِ (2) .
وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ : اتِّحَادُ الدِّينِ ، وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ ، فَلاَ تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعْتَمَدَةِ عِنْدَهُمْ ، وَلأَِنَّهَا مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيل الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فَلَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ ، كَنَفَقَةِ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ ، وَلأَِنَّهُمَا غَيْرُ مُتَوَارِثَيْنِ ، فَلَمْ يَجِبْ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ نَفَقَتُهُ بِالْقَرَابَةِ .
وَلاَ تُقَاسُ نَفَقَةُ الأَْوْلاَدِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ ، لأَِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عِوَضٌ يَجِبُ مَعَ
---------------
(1) حديث : " ابدأ بنفسك فتصدق عليها . . . " أخرجه مسلم ( 2 / 693 ط عيسى الحلبي ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .
(2) اللباب في شرح الكتاب 3 / 105، وحاشية العدوي على شرح الخرشي 4 / 204 ط بولاق مصر، ونهاية المحتاج 6 / 265 ط مصطفى الحلبي بمصر، والمغني 7 / 584 .
الإِْعْسَارِ ، فَلاَ يُنَافِيهَا اخْتِلاَفُ الدِّينِ كَالصَّدَاقِ وَالأُْجْرَةِ (1) .
خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوا هَذَا الشَّرْطَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) } ، فَهَذِهِ الآْيَةُ تَدُل عَلَى أَنَّ الْوِلاَدَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْوْلاَدِ عَلَى الآْبَاءِ . اتَّحَدَ الدِّينُ أَوِ اخْتَلَفَ .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ وَارِثًا ، وَبِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْل ذَلِكَ (3) } مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ بَيْنَ الْمُتَوَارِثِينَ قَرَابَةٌ تَقْتَضِي كَوْنَ الْوَارِثِ أَحَقَّ بِمَال الْمَوْرُوثِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِوُجُوبِ صِلَتِهِ بِالنَّفَقَةِ دُونَهُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ (4) .
تَعَدُّدُ الأُْصُول :
56 - إِذَا تَعَدَّدَتِ الأُْصُول ( الأَْبُ وَالأُْمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ ) فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْفُرُوعِ تَكُونُ وَاجِبَةً عَلَى الأَْبِ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا وَقَادِرًا عَلَى الإِْنْفَاقِ لاَ يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ (5) } ، فَالآْيَةُ
---------------
(1) المغني 7 / 585 .(28/48)
(2) سورة البقرة / 233
(3) سورة البقرة / 233
(4) الإنصاف 9 / 392 وما بعدها .
(5) سورة البقرة / 233
تَدُل عَلَى حَصْرِ النَّفَقَةِ فِي الأَْبِ دُونَ سِوَاهُ (1) .
وَاخْتَلَفُوا فِي حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الأَْبِ ، وَكَذَا إِذَا كَانَ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الإِْنْفَاقِ .
فَالْحَنَفِيَّةُ : يَرَوْنَ أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى الأُْصُول الْمَوْجُودَةِ ، فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا وَارِثِينَ ، فَهُمْ جَمِيعًا مُطَالَبُونَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى حَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ ، فَإِذَا وُجِدَ جَدٌّ لأَِبٍ مَعَ الأُْمِّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِنِسْبَةِ مِيرَاثِهِمَا ، فَيَكُونُ عَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ وَعَلَى الْجَدِّ الثُّلُثَانِ .
وَلَوْ وُجِدَتْ جَدَّةٌ لأُِمٍّ وَجَدَّةٌ لأَِبٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِالتَّسَاوِي ، لأَِنَّ مِيرَاثَهُمَا مُتَسَاوٍ .
وَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا غَيْرَ وَارِثِينَ ، بِأَنْ كَانُوا مِنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى أَقْرَبِهِمْ دَرَجَةً ، فَإِنِ اتَّحَدَتْ دَرَجَتُهُمْ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِالتَّسَاوِي .
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ وَارِثًا وَبَعْضُهُمْ غَيْرَ وَارِثٍ ، كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الأَْقْرَبِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا ، فَإِنِ اتَّحَدُوا فِي دَرَجَةِ الْقَرَابَةِ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ (2) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ : فَإِنَّ صُورَةَ تَعَدُّدِ الأُْصُول
---------------
(1) فتح القدير 4 / 410، وشرح الخرشي 4 / 204، والمهذب 2 / 166، والإنصاف 9 / 392 .
(2) فتح القدير 4 / 421 .
الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَةُ الْفُرُوعِ غَيْرُ وَارِدَةٍ عِنْدَهُمْ ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ النَّفَقَةَ لاَ تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الأُْصُول سِوَى الأَْبِ (1) .
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الأَْبُ ، أَوْ كَانَ عَاجِزًا ، وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأُْصُول الذُّكُورِ دُونَ الإِْنَاثِ ، فَمَثَلاً إِذَا وُجِدَ جَدٌّ لأُِمٍّ وَجَدَّةٌ لأَِبٍ ، أَوْ لأُِمٍّ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأُِمٍّ ، وَإِذَا تَعَدَّدَتِ الأُْصُول وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْنِهِمْ ذَكَرٌ بِأَنْ كَانُوا جَمِيعًا مِنَ الإِْنَاثِ ، كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الأَْقْرَبِ فِي الدَّرَجَةِ .
فَمَثَلاً إِذَا وُجِدَتْ أُمُّ الأَْبِ وَأُمُّ أَبِ الأَْبِ وَأُمُّ أُمِّ الأَْبِ ، كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى أُمِّ الأَْبِ ، لأَِنَّهَا أَقْرَبُ (2) .
وَأَمَّا عِنْدُ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمُعْتَمَدِ : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَارِثِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمَا مِنْهُ ، وَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مِنْهُ ، فَإِذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ فَعَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ ، لأَِنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْل ذَلِكَ (3) } وَالأُْمُّ وَارِثَةٌ ، فَكَانَ عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ .
---------------
(1) حاشية الدسوقي 2 / 523 .
(2) الشرواني وابن القاسم على تحفة المحتاج 8 / 352، ومغني المحتاج 3 / 451 .(28/49)
(3) سورة البقرة / 233
وَلأَِنَّ الإِْنْفَاقَ مَعْنًى يُسْتَحَقُّ بِالنَّسَبِ فَلَمْ يَخْتَصُّ بِهِ الْجَدُّ دُونَ الأُْمِّ كَالْوِرَاثَةِ .
وَإِنْ كَانَتْ جَدَّةً وَأَخًا فَعَلَى الْجَدَّةِ سُدُسُ النَّفَقَةِ وَالْبَاقِي عَلَى الأَْخِ .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ : أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَصَبَاتِ خَاصَّةً (1) .
مِقْدَارُ نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ :
57 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ قَدْرُ الْكِفَايَةِ مِنَ الْخُبْزِ وَالأُْدْمِ وَالْكُسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَالرَّضَاعِ إِنْ كَانَ رَضِيعًا ، لأَِنَّهَا وَجَبَتْ لِلْحَاجَةِ فَتُقَدَّرُ بِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ .
فَقَدْ قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (2) ، فَقَدَّرَ نَفَقَتَهَا وَنَفَقَةَ وَلَدِهَا بِالْكِفَايَةِ .
وَإِنِ احْتَاجَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ إِلَى خَادِمٍ ، فَعَلَى الْمُنْفِقِ إِخْدَامُهُ ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ كِفَايَتِهِ (3) .
---------------
(1) المغني 7 / 591،592 .
(2) حديث : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروفة " سبق تخريجه ف ( 8 ) .
(3) البدائع 4 / 38 ط الجمالية بمصر، وحاشية الدسوقي 2 / 523، ومغني المحتاج 3 / 448، والمغني 7 / 595 .
اجْتِمَاعُ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ :
58 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ لِلنَّفَقَةِ أُصُولٌ وَفُرُوعٌ :
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ : أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ الأُْصُول وَالْفُرُوعُ لِمُسْتَحِقِّ النَّفَقَةِ ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَابْنٌ : فَإِنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الاِبْنِ لاَ عَلَى الأَْبِ - وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ وَالْوِرَاثَةِ - لِتَرَجُّحِ الاِبْنِ بِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ ، لِكَوْنِهِ مِنْ كَسْبِ الأَْبِ (1) ، كَمَا يَدُل عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلاَدِكُمْ " (2) .
وَلأَِنَّ مَال الاِبْنِ مُضَافٌ إِلَى الأَْبِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : " أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ " (3) .
وَلاَ يُشَارِكُ الْوَلَدُ فِي نَفَقَةِ وَالِدِهِ أَحَدٌ مِنَ الأَْبِ أَوِ الأُْمِّ أَوِ الْجَدِّ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الاِبْنُ وَتَفَاوَتُوا فِي دَرَجَةِ الْقَرَابَةِ كَمَا لَوْ كَانَ لِمُسْتَحَقِّ النَّفَقَةِ أَبٌ وَابْنُ ابْنٍ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الأَْقْرَبِ ، فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الأَْبِ ، لأَِنَّهُ أَقْرَبُ دَرَجَةً .
وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي دَرَجَةِ الْقَرَابَةِ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ
---------------
(1) البدائع 4 / 32 .
(2) حديث : " إن أولادكم من أطيب كسبكم . . . " سبق تخريجه ف 15 .
(3) حديث : " أنت ومالك لوالدك " سبق تخريجه ف ( 51 ) .
عَلَى حَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَابْنُ ابْنٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا ، السُّدُسُ عَلَى الْجَدِّ ، وَالْبَاقِي عَلَى ابْنِ الاِبْنِ كَالْمِيرَاثِ (1) .(28/50)
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ لِمُسْتَحِقِّ النَّفَقَةِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ : أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْفَرْعِ وَإِنْ بَعُدَ كَأَبٍ وَابْنِ ابْنٍ ، لأَِنَّ عُصُوبَتَهُ أَقْوَى ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْقِيَامِ بِشَأْنِ أَبِيهِ لِعَظِمِ حُرْمَتِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا عَلَى الأَْصْل اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ لَهُ فِي الصِّغَرِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا ، لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ الْبَعْضِيَّةُ (2) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ : فَيَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ لِمُسْتَحَقِّ النَّفَقَةِ أَبٌ وَابْنٌ مِنْ أَهْل الإِْنْفَاقِ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الأَْبِ وَحْدَهُ ، وَلاَ تَجِبُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (3) } ، وَقَوْلِهِ : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (4) } ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (5) .
---------------
(1) فتح القدير 4 / 419، والبدائع 4 / 33 .
(2) مغني المحتاج 3 / 451 .
(3) سورة الطلاق / 6
(4) سورة البقرة / 233
(5) حديث : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " سبق تخريجه ف ( 8 ) .
فَهَذِهِ النُّصُوصُ جَعَلَتِ النَّفَقَةَ عَلَى الأَْبِ دُونَ غَيْرِهِ (1) ، فَوَجَبَ اتِّبَاعُ النَّصِّ ، وَتَرْكُ مَا عَدَاهُ .
فَإِذَا لَمْ يُوجَدُ الأَْبُ أُجْبِرَ وَارِثُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ بِقَدْرِ مِيرَاثِِهِ مِنْهُ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ جَدٌّ لأُِمٍّ وَابْنُ ابْنٍ كَانْتِ النَّفَقَةُ عَلَى ابْنِ الاِبْنِ لأَِنَّهُ الْوَارِثُ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْجَدِّ لأُِمٍّ لِعَدَمِ إِرْثِهِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَابْنٌ ، وَجَبَ عَلَى أُمِّهِ سُدُسُ نَفَقَتِهِ ، وَوَجَبَ عَلَى الاِبْنِ الْبَاقِي ، لأَِنَّ مِيرَاثَهُمَا كَذَلِكَ (2) .
وَإِذَا اجْتَمَعَ أَصْلٌ وَفَرْعٌ وَارِثَانِ ، وَكَانَ أَقْرَبُهُمَا مُعْسِرًا وَالأَْبْعَدُ مُوسِرًا ، وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُوسِرِ الأَْبْعَدِ ، لأَِنَّ الْمُعْسِرَ كَالْمَعْدُومِ ، فَمَثَلاً مَنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ كَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدَّةِ فَقَطْ (3) .
نَفَقَةُ الْحَوَاشِي :
59 - الْحَوَاشِي هُمُ الأَْقَارِبُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ ، كَالإِْخْوَةِ وَأَبْنَاءِ الإِْخْوَةِ وَالأَْخْوَال وَالْخَالاَتِ وَالأَْعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ (4) . وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَفَقَةِ الْحَوَاشِي .
فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ : أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ
---------------
(1) المغني 7 / 587 .
(2) المغني 7 / 589 .
(3) المصدر السابق 7593 .(28/51)
(4) المصباح المنير 7 / 593 .
لَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ (1) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (2) } ، وَقَوْلِهِ : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى (3) } .
فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَل حَقَّ ذِي الْقُرْبَى بَعْدَ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ ، وَأَمَرَ بِالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ كَمَا أَمَرَ بِهِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ ، وَمِنَ الإِْحْسَانِ إِلَيْهِمُ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِمْ .
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِيمَا رَوَاهُ طَارِقٌ الْمُحَارِبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُول : " يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " (4) .
وَبِمَا رَوَاهُ كُلَيْبُ بْنُ مَنْفَعَةَ الْحَنَفِيُّ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال : يَا رَسُول اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ ؟ قَال : " أُمَّكَ وَأَبَاكَ ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ، وَمَوْلاَكَ الَّذِي يَلِي ، ذَاكَ حَقٌّ
---------------
(1) البحر الرائق 4 / 228 ط دار المعرفة بيروت، والمغني 7 / 586 .
(2) سورة الإسراء / 36
(3) سورة النساء / 36
(4) حديث : " يد المعطي العليا ، وابدأ بمن تعول ، أمك وأباك . . . " أخرجه النسائي ( 5 / 61 ط التجارية الكبرى ) ، وصححه ابن حبان ( الإحسان 8 / 130 - 131 ط مؤسسة الرسالة ) .
وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ " (1) .
فَالرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى هَؤُلاَءِ الْمَذْكُورِينَ حَقٌّ وَاجِبٌ .
غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي تَعْيِينِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ مِنَ الْحَوَاشِي :
فَالْحَنَفِيَّةُ : يُوجِبُونَهَا لِكُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَال وَالْخَالَةِ وَالأَْخِ وَابْنِ الأَْخِ ، وَلاَ تَجِبُ عِنْدَهُمْ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمِّ ، وَلاَ تَجِبُ أَيْضًا لِمَحْرَمٍ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ كَالأَْخِ مِنَ الرَّضَاعِ (2) مُسْتَدِلِّينَ عَلَى وُجُوبِهَا لِكُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : ( وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْل ذَلِكَ ) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ : فَيُوجِبُونَهَا لِكُل قَرِيبٍ وَارِثٍ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ ، فَتَجِبُ عِنْدَهُمْ لِلأَْخِ الشَّقِيقِ أَوْ لأَِبٍ أَوْ لأُِمٍّ ، وَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ ، وَلاَ تَجِبُ لِلْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْخَال وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لاَ إِرْثَ لَهُمْ بِالْفَرْضِ أَوِ التَّعْصِيبِ ، وَذَلِكَ لأَِنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ ، فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ يَأْخُذُونَ مَالَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ .
---------------
(1) حديث " يا رسول الله من أبر ؟ قال : أمك وأباك ، وأختك وأخاك . . . " أخرجه أبو داود ( 5 / 531 ط حمص ) .
(2) فتح القدير 4 / 420، والبحر الرائق 4 / 228 .
وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ : إِنَّ النَّفَقَةَ تَلْزَمُ ذَوِي الأَْرْحَامِ الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ بِالْفَرْضِ أَوِ التَّعْصِيبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْفُرُوضِ ، لأَِنَّهُمْ وَارِثُونَ فِي تِلْكَ الْحَال (1) .(28/52)
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ نَفَقَةَ الْحَوَاشِي غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، فَلاَ نَفَقَةَ عِنْدَهُمْ لِمَنْ عَدَا الأُْصُول وَالْفُرُوعَ مِنَ الأَْقَارِبِ كَالإِْخْوَةِ وَالأَْخْوَال وَالأَْعْمَامِ ، وَذَلِكَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِإِيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ ، وَمَنْ سِوَاهُمَا لاَ يَلْحَقُ بِهِمْ فِي الْوِلاَدَةِ ، فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ (2) .
شُرُوطُ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَوَاشِي عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا :
60 - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَوَاشِي عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا الشُّرُوطُ الَّتِي يَجِبُ تَوَافُرُهَا فِي نَفَقَةِ الأَْوْلاَدِ وَهِيَ :
أ - أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ عَلَيْهِ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ ، بِسَبَبِ الصِّغَرِ أَوِ الأُْنُوثَةِ أَوِ الزَّمَانَةِ أَوِ الْعَمَى ، لأَِنَّهَا أَمَارَةُ الْحَاجَةِ وَلِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ .
ب - أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ وَاجِدًا مَا يُنْفِقُهُ فَاضِلاً عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَخَادِمِهِ .
---------------
(1) المغني 7 / 586، والإنصاف 9 / 395 .
(2) مواهب الجليل 4 / 209، 210 .
ج - اتِّحَادُ الدِّينِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ ، فَلاَ نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ لِعَدَمِ تَوَارُثِ مُخْتَلِفِي الدِّينِ .
وَيُلاَحَظُ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ هَذَا الشَّرْطَ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ عُمُومًا ، أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ هَذَا الشَّرْطَ إِلاَّ فِي نَفَقَةِ الْحَوَاشِي فَقَطْ (1) .
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلاَثَةُ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْحَوَاشِي وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (2) .
وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْهَا شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا :
الأَْوَّل : قَضَاءُ الْقَاضِي بِهَا ، فَلاَ تُسْتَحَقُّ قَبْلَهُ ، فَلَوْ ظَفِرَ أَحَدُهُمْ بِجِنْسِ حَقِّهِ قَبْل الْقَضَاءِ أَوِ الرِّضَا ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ ، لأَِنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الإِْحْيَاءِ لِعَدَمِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ ، بَل هِيَ صِلَةٌ مَحْضَةٌ ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَقَّفَ وُجُوبُهَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ، بِخِلاَفِ نَفَقَةِ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ فَهِيَ لاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي ، لأَِنَّهَا وَجَبَتْ - بِطَرِيقِ الإِْحْيَاءِ ، لِمَا فِيهَا مِنْ دَفْعِ الْهَلاَكِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَ الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ إِحْيَاءُ الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي (3) .
---------------
(1) الهداية بأعلى فتح الدير 4 / 416 .
(2) تبيين الحقائق 3 / 64، والمغني 7 / 584،585 .
(3) البدائع 4 / 37 .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْقَرِيبُ الْمُحْتَاجُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، لأَِنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ ، وَالْفَاصِل بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) } ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ : " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْل ذَلِكَ " (2) .(28/53)
اجْتِمَاعُ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي :
61 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَةِ الْحَوَاشِي ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الأَْصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ النَّفَقَةُ . فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِكُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ ، وَالأَْخِ وَالأُْخْتِ ، وَالْخَال وَالْخَالَةِ ، وَلاَ تَجِبُ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمِّ ، وَلاَ لِمَحْرَمٍ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ كَالأُْمِّ مِنَ الرَّضَاعِ .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِكُل قَرِيبٍ وَارِثٍ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ كَالأَْخِ مِنْ أَيِّ الْجِهَاتِ كَانَ ، وَلاَ تَجِبُ لِمَنْ لاَ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ .
---------------
(1) سورة البقرة / 233
(2) الهداية بأعلى فتح القدير 4 / 419، 420 .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلأُْصُول وَالْفُرُوعِ ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لاَ يُوجِبُونَهَا إِلاَّ لِلآْبَاءِ وَالأَْوْلاَدِ الْمُبَاشِرِينَ ، أَيِ الطَّبَقَةِ الأَْوْلَى مِنَ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ فَقَطْ (1) .
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ مَذْهَبَيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي .
أَوَّلاً : مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ :
62 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي فَالْحَال لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ :
إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا وَالآْخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا .
أ - فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا وَالآْخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الأُْصُول وَحْدَهُمْ تَرْجِيحًا لاِعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ .
وَلاَ يُطَالَبُ الأَْقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الْحَوَاشِي بِالنَّفَقَةِ وَلَوْ كَانُوا وَارِثِينَ ، لأَِنَّ الْقَرَابَةَ الْجُزْئِيَّةَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ جَدٌّ لأُِمٍّ وَعَمٍّ شَقِيقٍ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأُِمٍّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ ، لأَِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الأُْصُول فَيُقَدَّمُ
---------------
(1) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 208، وروضة الطالبين 9 / 83 .
تَرْجِيحًا لِلْجُزْئِيَّةِ ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْعَمِّ الشَّقِيقِ شَيْءٌ مَعَ أَنَّهُ وَارِثٌ ، لأَِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْحَوَاشِي .
وَكَذَلِكَ الْحَال لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ جَدٌّ لأَِبٍ ، وَأَخٌ شَقِيقٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ وَهُوَ وَارِثٌ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ الشَّقِيقِ تَرْجِيحًا لِلْجُزْئِيَّةِ .(28/54)
وَعِنْدَ تَعَدُّدِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي فَالْمُعْتَبَرُ الإِْرْثُ فِي النَّفَقَةِ ، فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ جَدٌّ لأَِبٍ وَجَدَّةٌ لأَِبٍ وَعَمٌّ شَقِيقٌ وَعَمٌّ لأَِبٍ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ وَالْجَدَّةِ لأَِبٍ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ : السُّدُسُ عَلَى الْجَدَّةِ لأَِبٍ ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَالْعَمِّ لأَِبٍ .
هَذَا هُوَ الْحُكْمُ إِنْ كَانَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا وَالآْخَرُ غَيْرَ وَارِثٍ (1) .
ب - أَمَّا إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ وَارِثًا ، فَالْعِبْرَةُ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ بِمِقْدَارِ الإِْرْثِ ، فَتُوَزَّعُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِنِسْبَةِ الإِْرْثِ .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَمٌّ وَعَمٌّ ، فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَيْهِمَا بِحَسَبِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ وَعَلَى الْعَمِّ الثُّلُثَانِ لأَِنَّ نَصِيبَ كُلٍّ فِي الْمِيرَاثِ كَذَلِكَ .
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا لَوِ
---------------
(1) رد المحتار لابن عابدين 2 / 679 طبعة بولاق .
اجْتَمَعَ مَعَ الْجَدِّ لأَِبٍ أُمٌّ وَعَاصِبٌ آخَرُ كَالأَْخِ أَوِ الْعَمِّ ، فَالنَّفَقَةُ كُلُّهَا عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ ، لأَِنَّهُ يَنْزِل مَنْزِلَةَ الأَْبِ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ .
وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أُمٌّ وَجَدٌّ لأَِبٍ وَأَخٌ شَقِيقٌ أَوِ ابْنُ أَخٍ أَوْ عُمٌّ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ ، لأَِنَّ الْجَدَّ يَحْجُبُ الأَْخَ وَابْنَهُ وَالْعَمَّ ، لِتَنْزِيلِهِ حِينَئِذٍ مَنْزِلَةَ الأَْبِ ، وَحَيْثُ تَحَقَّقَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الأَْبِ صَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الأَْبُ مَوْجُودًا حَقِيقَةً ، وَإِذَا كَانَ الأَْبُ مَوْجُودًا حَقِيقَةً لاَ تُشَارِكُهُ الأُْمُّ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ ، فَكَذَا الْحَال إِذَا كَانَ مَوْجُودًا حُكْمًا ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ (1) .
هَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَ الْجَدِّ لأَِبٍ وَالأُْمِّ عَاصِبٌ مِنَ الْحَوَاشِي .
فَلَوْ كَانَ لِلْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ أُمٌّ وَجَدٌّ لأَِبٍ فَقَطْ وَلاَ أَحَدَ مَعَهُمَا مِنَ الْعَصَبَاتِ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَفْقَ مِيرَاثِهِمَا ، لأَِنَّ الْجَدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَنْزِل مَنْزِلَةَ الأَْبِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا أَثْلاَثًا (2) .
ثَانِيًا : مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ :
63 - يَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الأُْصُول وَالْحَوَاشِي فَالْمُعْتَبَرُ
---------------
(1) رد المحتار 2 / 625 ط بولاق .
(2) رد المحتار على الدر المختار 2 / 679 طبعة بولاق .
الإِْرْثُ ، فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مِنَ الأَْقَارِبِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ مَنْ هُوَ وَارِثٌ وَآخَرُ غَيْرُ وَارِثٍ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ .
وَإِذَا تَعَدَّدَ الْوَرَثَةُ ، فَالنَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهِمْ بِحَسْبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أُمُّ أُمٍّ وَأَبُ أُمٍّ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى أُمِّ الأُْمِّ ، لأَِنَّهَا الْوَارِثَةُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى أَبِي الأُْمِّ لِعَدَمِ مِيرَاثِهِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ شَقِيقٌ وَجَدٌّ لأَِبٍ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ لأَِبٍ ، لأَِنَّهُ الْوَارِثُ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْعَمِّ ، لِعَدَمِ مِيرَاثِهِ .(28/55)
وَكَذَا الْحُكْمُ إِذَا اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أُمٌّ وَجَدٌّ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلاَثًا ، فَعَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ ، وَعَلَى الْجَدِّ الثُّلُثَانِ ، لأَِنَّهُمَا يَرِثَانِ كَذَلِكَ . وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ جَدَّةٌ وَأَخٌ ، فَعَلَى الْجَدَّةِ سُدُسُ النَّفَقَةِ ، وَعَلَى الأَْخِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُل مَا يُمَاثِل ذَلِكَ (1) .
هَذَا هُوَ الْحُكْمُ إِذَا كَانُوا وَارِثِينَ بِالْفِعْل .
أَمَّا إِذَا اجْتَمَعَ قَرِيبَانِ مُوسِرَانِ ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوبًا بِقَرِيبٍ فَقِيرٍ ، فَقَدْ فَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ ( الأُْصُول وَالْفُرُوعِ ) وَبَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا .
---------------
(1) الكافي لابن قدامة 3 / 376، 377 .
فَإِنْ كَانَ الْمَحْجُوبُ مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَبٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ ، وَكَانَ الأَْبُ مُعْسِرًا ، فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الأُْمِّ وَالْجَدِّ أَثْلاَثًا ، الثُّلُثُ عَلَى الأُْمِّ ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْجَدِّ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ عَمُودَيِ النَّسَبِ ، فَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَبٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ وَجَدٌّ ، وَكَانَ الأَْبُ مُعْسِرًا ، فَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخَوَيْنِ ، لأَِنَّهُمَا مَحْجُوبَانِ بِالأَْبِ ، وَلَيْسَا مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ ، وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الأُْمِّ وَالْجَدِّ أَثْلاَثًا (1) .
اجْتِمَاعُ الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي :
64 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، إِذْ يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي ، فَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفَقَةِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ دُونَ الإِْرْثِ ، وَعَلَى هَذَا فَالنَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى الْفُرُوعِ وَلَوْ كَانُوا مُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْحَوَاشِي وَلَوْ كَانُوا وَارِثِينَ .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ
---------------
(1) المغني والشرح الكبير 9 / 260، 261 .
بِنْتٌ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ ، تَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأُْخْتِ مَعَ أَنَّهَا تَرِثُ النِّصْفَ تَعْصِيبًا ، وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ أَخٌ مُسْلِمٌ وَابْنٌ نَصْرَانِيٌّ ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الاِبْنِ النَّصْرَانِيِّ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا ، لِتَرَجُّحِ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ .
وَكَذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ابْنُ بِنْتٍ وَأَخٌ شَقِيقٌ : فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى ابْنِ الْبِنْتِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ الشَّقِيقِ ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا ، لِتَرَجُّحِ قَرَابَتِهِ عَلَى غَيْرِهَا ، وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ لإِِدْلاَءِ كُلٍّ مِنْهَا بِوَاسِطَةٍ (1) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأَْقَارِبِ مِنْ جِهَتَيِ الْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَعِنْدَ تَعَدُّدِهِمْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ .(28/56)
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ابْنٌ وَأَخٌ لأُِمٍّ ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الاِبْنِ ، لأَِنَّهُ الْوَارِثُ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الأَْخِ لأُِمٍّ ، لأَِنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ .
وَإِنِ اجْتَمَعَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ ، أَوْ بِنْتٌ وَأَخٌ ، أَوْ بِنْتٌ وَعَصَبَةٌ ، فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ
---------------
(1) رد المحتار 2 / 679 ط بولاق .
فِي ذَلِكَ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رَدٌّ أَوْ عَوْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ .
وَكَذَلِكَ لَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ ابْنٌ يَهُودِيٌّ وَعَمٌّ مُسْلِمٌ ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَمِّ الْمُسْلِمِ ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الاِبْنِ الْيَهُودِيِّ ، لأَِنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ ، لاِخْتِلاَفِ الدِّينِ (1) .
اجْتِمَاعُ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي :
65 - عِنْدَ اجْتِمَاعِ الأُْصُول وَالْفُرُوعِ وَالْحَوَاشِي ، يَرَى الْحَنَفِيَّةُ : أَنَّ النَّفَقَةَ تَكُونُ عَلَى الأُْصُول وَالْفُرُوعِ دُونَ الْحَوَاشِي ، وَيُرَاعَى تَقْدِيمُ الأَْقْرَبِ دَرَجَةً ثُمَّ الْوَارِثِ ، فَيُقَدَّمُ الاِبْنُ عَلَى الأَْبِ ، وَالأَْبُ عَلَى الْجَدِّ وَهَكَذَا .
وَعِنْدَ الاِسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ وَالإِْرْثِ فَعَلَى حَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ : أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الأُْصُول وَالْفُرُوعِ فَقَطْ ، وَيُقَدَّمُ الْفَرْعُ عَلَى الأَْصْل ، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ يَكُونُ الاِعْتِبَارُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ وَالاِسْتِوَاءِ فِي الْقُرْبِ يَكُونُ الاِعْتِبَارُ بِالْمِيرَاثِ ، وَعِنْدَ التَّعَدُّدِ تُوَزَّعُ عَلَى حَسَبِ الأَْنْصِبَاءِ فِي الْمِيرَاثِ .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ : أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ
---------------
(1) الكافي لابن قدامة 3 / 374، 375، والمغني والشرح الكبير 9 / 265، 269، 270 .
الإِْرْثُ ، وَعِنْدَ تَعَدُّدِ الْوَرَثَةِ تَكُونُ النَّفَقَةُ بِحَسَبِ الأَْنْصِبَاءِ فِي الْمِيرَاثِ .
فَلَوِ اجْتَمَعَ لِشَخْصٍ يَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ بِنْتٌ وَجَدَّةٌ لأُِمٍّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ ، فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ، فَيَجِبُ عَلَى الْبِنْتِ نِصْفُ النَّفَقَةِ ، وَعَلَى الْجَدَّةِ لأُِمٍّ السُّدُسُ ، وَعَلَى الأُْخْتِ الشَّقِيقَةِ الثُّلُثُ ، لأَِنَّهَا تَرِثُ الْبَاقِيَ مَعَ الْبِنْتِ ، وَهَذَا عَلَى حَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي الْمِيرَاثِ ؛ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ يُوجِبُونَهَا عَلَى الْبِنْتِ فَقَطْ ؛ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ (1) .
النَّفَقَةُ عِنْدَ إِعْسَارِ بَعْضِ الأَْقَارِبِ :
66 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الأَْقَارِبِ إِلَى رَأْيَيْنِ :
أ - يَرَى الْجُمْهُورُ : ( الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
وَالْحَنَابِلَةُ ) أَنَّ حَدَّ الْيَسَارِ الْمُوجِبِ لِنَفَقَةِ الأَْقَارِبِ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُل عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ زَوْجَتِهِ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ .
فَمَنِ اكْتَسَبَ شَيْئًا فِي يَوْمِهِ وَأَنْفَقَ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَفَضَل عِنْدَهُ شَيْءٌ ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْقَرِيبِ الْمُحْتَاجِ (2) .(28/57)
---------------
(1) الكافي لابن قدامة 3 / 376، ومغني المحتاج 3 / 450 - 451، ورد المحتار 2 / 679 .
(2) رد المحتار 2 / 676 ط بولاق، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 522، وروضة الطالبين 9 / 83، والكافي لابن قدامة 3 / 375، والمغني والشرح الكبير 9 / 259، 270 .
ب - وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ مَا عَدَا مُحَمَّدًا أَنَّ حَدَّ الْيَسَارِ الْمُوجِبِ لِنَفَقَةِ الأَْقَارِبِ هُوَ يَسَارُ الْفُطْرَةِ : وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ الشَّخْصُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ ، وَهُوَ نِصَابٌ - وَلَوْ غَيْرُ نَامٍ - فَاضِلٌ عَنْ حَوَائِجِهِ الأَْصْلِيَّةِ .
فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِمِلْكِهِ النِّصَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْنْفَاقُ عَلَى قَرِيبِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَال فَاضِلاً عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ ، وَهَذَا هُوَ الأَْرْجَحُ وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ .
وَيَرَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي قَوْلٍ لَهُ : أَنَّ حَدَّ الْيَسَارِ الْمُوجِبِ لِنَفَقَةِ الأَْقَارِبِ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُل عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْغَلَّةِ ، عَلَى تَخْرِيجِ الزَّيْلَعِيِّ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُل عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُل يَوْمٍ ، لأَِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ، فَيَصْرِفُهَا إِلَى أَقَارِبِهِ ، وَهَذَا أَوْجَهُ (1) .
67 - وَلاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ أَبُوهُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا (2) .
---------------
(1) حاشية رد المحتار 2 / 676 ط بولاق، وبدائع الصنائع 3 / 447 .
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 676 ط بولاق ، وحاشية الدسوقي 2 / 522 ، وروضة الطالبين .
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بَعْدَ الأَْبِ إِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : إِنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ وَتُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقُرْبِ وَالْجُزْئِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمُرَاعَاةِ الإِْرْثِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
وَمَثَّلُوا لَهُ بِأَنْ لَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ مُعْسِرٌ وَجَدٌّ وَأُمٌّ : كَانَتِ النَّفَقَةُ : عَلَى الْجَدِّ الثُّلُثَانِ ، وَعَلَى الأُْمِّ الثُّلُثُ ، لأَِنَّ نَصِيبَهُمَا كَذَلِكَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (1) .
يَقُول ابْنُ الْهُمَامِ : إِذَا لَمْ يَفِ كَسْبُ الأَْبِ بِحَاجَةِ أَوْلاَدِهِ ، أَوْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمُ الْقَرِيبُ وَرَجَعَ عَلَى الأَْبِ إِذَا أَيْسَرَ ، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ : إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلأَْبِ مَالٌ وَالْجَدُّ أَوِ الأُْمُّ أَوِ الْخَال أَوِ الْعَمُّ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الصَّغِيرِ ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الأَْبِ إِذَا أَيْسَرَ ، وَكَذَا يُجْبَرُ الأَْبْعَدُ إِذَا غَابَ الأَْقْرَبُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ جَدٌّ وَأُمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (2) ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ لِجَعْلِهِ كَالأَْبِ .
---------------(28/58)
(1) فتح القدير 4 / 411، والكافي 3 / 377، والمغني والشرح الكبير 9 / 270 .
(2) فتح القدير 4 / 411 .
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ : إِنْ أَعْسَرَ الأَْبُ تَحَمَّلَتْهَا الأُْمُّ وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى الأَْبِ إِذَا أَيْسَرَ (1) .
وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْل ذَلِكَ (2) } .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى الأَْبِ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الأُْمِّ وَالْجَدِّ لأَِنَّهُمَا وَارِثَانِ ، فَيَجِبُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي تَحَمُّل نَفَقَاتِ مَنْ أُعْسِرَ أَبُوهُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى قَدْرِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مِيرَاثِهِ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الأُْمِّ وَلاَ عَلَى الْجَدِّ إِنْ أُعْسِرَ الأَْبُ بِالنَّفَقَةِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (4) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : إِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الأَْبِ ثُمَّ عَلَى آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا ، ثُمَّ تَنْتَقِل بَعْدَهُمْ إِلَى الأُْمِّ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (5) .
مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَدَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الأَْبِ ، فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ ، قَال تَعَالَى : {
---------------
(1) حاشية رد المحتار 2 / 672 ط بولاق .
(2) سورة البقرة / 233 .
(3) بدائع الصنائع 3 / 442 .
(4) مواهب الجليل 4 / 210، 211 .
(5) الحاوي الكبير للمارودي 15 / 78 .
يَا بَنِي آدَمَ (1) } فَسَمَّانَا أَبْنَاءَ ، وَسَمَّى آدَمَ أَبًا وَهُوَ لَيْسَ مُبَاشِرًا .
وَلأَِنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الأَْبِ فِي الْوِلاَيَةِ ، وَيَخْتَصُّ دُونَ الأُْمِّ بِالتَّعْصِيبِ فَوَجَبَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْتِزَامِ النَّفَقَةِ .
وَلأَِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَبًا وَإِنْ كَانَ جَدًّا بَعِيدًا ، قَال تَعَالَى : { مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ (2) } .
وَلِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (3) } .
فَلَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الأُْمِّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الأَْبُ مِنَ الرِّضَاعِ ، وَجَبَ عَلَيْهَا مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنَ النَّفَقَةِ .
وَلأَِنَّ الْبَعْضِيَّةَ فِيهَا مُتَحَقِّقَةٌ ، وَفِي الأَْبِ مَظْنُونَةٌ ، فَلَمَّا تَحَمَّلَتْ بِالْمَظْنُونَةِ كَانَ تَحَمُّلُهَا بِالْمُسْتَيْقَنَةِ أَوْلَى .
وَلأَِنَّ الْوَلَدَ لَمَّا تَحَمَّل نَفَقَةَ أَبَوَيْهِ ، وَجَبَ أَنْ يَتَحَمَّل أَبَوَاهُ نَفَقَتَهُ (4) .
دَيْنُ نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ :(28/59)
68 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ ، إِلاَّ إِذَا اعْتُبِرَ دَيْنًا فِي
---------------
(1) سورة الأعراف / 26 .
(2) سورة الحج / 78 .
(3) سورة البقرة / 233 .
(4) الحاوي الكبير 15 / 78 - 80 .
الأَْحْوَال الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا ، لأَِنَّهَا وَجَبَتْ سَدًّا لِلْخَلَّةِ وَكِفَايَةً لِلْحَاجَةِ ، وَقَدْ حَصَل ذَلِكَ فِي الْمَاضِي بِدُونِهَا ، بِخِلاَفِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَسَبَبُ وُجُوبِهَا الاِحْتِبَاسُ وَتَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ ، فَلاَ تَسْقُطُ بِسَدِّ الْخَلَّةِ فِيمَا مَضَى (1) .
وَاخْتَلَفُوا فِي صَيْرُورَتِهَا دَيْنًا عَلَى الْمُنْفِقِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :
الْقَوْل الأَْوَّل : لِلْحَنَفِيَّةِ . وَهُوَ أَنَّ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ لاَ تَصِيرُ دَيْنًا إِلاَّ إِذَا أَذِنَ الْقَاضِي لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ أَنْ يَسْتَدِينَ ، وَاسْتَدَانَ بِالْفِعْل ، أَوْ أَمَرَ الْمُنْفِقُ الْغَائِبُ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ بِالاِسْتِدَانَةِ .
لأَِنَّ إِذْنَ الْقَاضِي كَأَمْرِ الْغَائِبِ ، فَإِنَّهَا تُصْبِحُ دَيْنًا عَلَى الْمُنْفِقِ ، فَلاَ تَسْقُطُ إِلاَّ بِالأَْدَاءِ أَوِ الإِْبْرَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَدِنْ بِالْفِعْل لاَ تَصِيرُ دَيْنًا ، وَلاَ يَحِقُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُنْفِقِ فِيمَا مَضَى (2) .
وَكَذَا إِذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي وَمَضَتْ مُدَّةٌ تُقَدَّرُ بِشَهْرٍ فَأَكْثَرَ سَقَطَتْ وَلاَ تَصِيرُ دَيْنًا ، لأَِنَّ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ تَجِبُ لِلْحَاجَةِ ، فَلاَ تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ ، وَقَدْ حَصَلَتِ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ .
هَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي وَلَمْ
---------------
(1) رد المحتار 2 / 685، ومواهب الجليل 4 / 211، 212، ومغني المحتاج 3 / 449، والكافي 3 / 380 .
(2) الهداية مع فتح القدير 4 / 229، وحاشية ابن عابدين 2 / 685 .
يَمْضِ عَلَيْهَا سِوَى مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ، وَهِيَ مَا دُونَ الشَّهْرِ ، فَلاَ تَسْقُطُ وَتَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ .
وَكَذَا إِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ لِلصَّغِيرِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ ، أَوْ إِذَا أَمَرَ الأُْمَّ بِالاِقْتِرَاضِ عَلَى الْوَلَدِ ، وَالْحَال أَنَّ الأَْبَ غَائِبٌ وَتَرَكَهُمْ بِلاَ نَفَقَةٍ ، فَلاَ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ فِي هَذِهِ الأَْحْوَال كُلِّهَا وَتَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : لاَ تَصِيرُ دَيْنًا إِلاَّ فِي حَالَتَيْنِ :
الأُْولَى : إِذَا فَرَضَهَا الْحَاكِمُ عَلَى الْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ .
وَالثَّانِيَةُ : إِذَا قَامَ بِالإِْنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ أَوِ الْوَالِدَيْنِ شَخْصٌ لَمْ يَقْصِدْ مِنَ الإِْنْفَاقِ التَّبَرُّعَ ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ ، وَلاَ تَسْقُطُ وَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ ،(28/60)
وَبِهَذَا قَال الْمَالِكِيَّةُ ، وَقَال ابْنُ عَرَفَةَ : يَقْضِي لِلْمُنْفِقِ غَيْرِ الْمُتَبَرِّعِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا (2) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : لاَ تَصِيرُ النَّفَقَةُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إِلاَّ إِذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَائِبًا أَوْ مُمْتَنِعًا عَنْهَا بَعْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِهَا . أَوْ إِذَا أَذِنَ الْقَاضِي لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ بِالاِقْتِرَاضِ لِغَيْبَةٍ أَوِ امْتِنَاعٍ وَاقْتَرَضَ بِالْفِعْل .
---------------
(1) بدائع الصنائع 3 / 451، وفتح القدير 4 / 229، وحاشية ابن عابدين 2 / 685 .
(2) مواهب الجليل والتاج والإكليل 4 / 211 وما بعدها .
أَوْ إِذَا اقْتَرَضَهَا الْمُحْتَاجُ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ، لِعَدَمِ وُجُودِ قَاضٍ أَوْ لِعَدَمِ إِذْنِهِ ، وَحَصَل الاِقْتِرَاضُ بِالْفِعْل ، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ (1) .
الْقَوْل الرَّابِعُ : وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الإِْنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ ، أَطْلَقَهُ الأَْكْثَرُ - مِنَ الْحَنَابِلَةِ - وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُول ، وَقَال الْمَرْدَاوِيُّ : هَذَا الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ .
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ : إِلاَّ إِنْ فَرَضَهَا حَاكِمٌ لأَِنَّهَا تَأَكَّدَتْ بِفَرْضِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، أَوِ اسْتَدَانَ بِإِذْنِهِ ، قَال فِي الْمُحَرَّرِ : وَأَمَّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلاَ تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ فُرِضَتْ إِلاَّ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ (2) .
وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - بِأَنَّ مَنْ نَفَى حَمْل زَوْجَتِهِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فِيمَا مَضَى قَبْل الاِسْتِلْحَاقِ مُنْذُ الْحَمْل بِهِ ، وَتَرْجِعُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَتْهُ صَارَ دَيْنًا بِإِذْنِ الْقَاضِي ، نَظَرًا لِتَعَدِّي الأَْبِ بِنَفْيِهِ ، وَلأَِنَّهَا إِنَّمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ لِظَنِّهَا أَنَّهُ لاَ أَبَ لَهُ (3) .
---------------
(1) روضة الطالبين 9 / 85، ومغني المحتاج 3 / 449 .
(2) كشاف القناع 5 / 484، والإنصاف 9 / 403 .
(3) شرح الزرقاني على خليل 4 / 253، ومغني المحتاج 3 / 441، وكشاف القناع 5 / 405 .
فَرْضُ النَّفَقَةِ لِلْقَرِيبِ عَلَى الْغَائِبِ :
69 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ إِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ مِنَ الأَْقَارِبِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْقَوْل الأَْوَّل : عَدَمُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ إِلاَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَبِهِ قَال الْجُمْهُورُ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فَلَوْ كَانَ الأَْبُ غَائِبًا ، وَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لاِبْنِهِ ، وَالْجَدُّ حَاضِرٌ ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ بِأَمْرِ الْقَاضِي ، لِيَرْجِعَ عَلَى الأَْبِ بِمَا أَنْفَقَ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا .(28/61)
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لاَ يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ لِحَصْرِهِمْ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ الْمُبَاشِرِينَ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : لِلْحَنَفِيَّةِ ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهَا ، فَقَالُوا بِوُجُوبِهَا عَلَى الْغَائِبِ بِدُونِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ ، لأَِنَّ نَفَقَةَ هَؤُلاَءِ وَاجِبَةٌ قَبْل الْقَضَاءِ ، فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي إِعَانَةً عَلَى حُصُول النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُمْ .
---------------
(1) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 211، ومواهب الجليل 4 / 212، وروضة الطالبين 9 / 87، ومغني المحتاج 3 / 572، والمغني والشرح الكبير 9 / 271 .
وَعَدَمُ وُجُوبِهَا لِغَيْرِ هَؤُلاَءِ مِنْ كُل ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، إِلاَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ (1) .
ثَالِثًا : الْمِلْكُ :
فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَمْلُوكِ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُمَا .
نَفَقَةُ الرَّقِيقِ :
70 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الأَْرِقَّاءِ وَكِسْوَتِهِمْ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ مَنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ ، وَكِسْوَتُهُمْ مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ لأَِمْثَالِهِمْ مَعَ مُرَاعَاةِ حَالَةِ السَّيِّدِ فِي ذَلِكَ ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ : ( رق ف 24 وَمَا بَعْدَهَا ) .
نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ :
71 - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ عَلَى مَالِكِهِ ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالْكِفَايَةِ ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُحْتَرَمًا .
وَاسْتَدَل الْفُقَهَاءُ بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ : دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا ، فَلَمْ تُطْعِمْهَا ، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُل مِنْ خَشَاشِ الأَْرْضِ (2) .
---------------
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 665 ط بولاق .
(2) حديث : " دخلت امرأة النار في هرة ربطتها . . . " أخرجه البخاري ( فتح الباري 6 / 356 ط السلفية ) ومسلم ( 4 / 2022 ط عيسى الحلبي ) من حديث ابن عمر ، واللفظ للبخاري .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِفَايَةِ فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ وُصُولُهُ إِلَى أَوَّل الشِّبَعِ وَالرَّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا (1) .
امْتِنَاعُ مَالِكِ الْحَيَوَانِ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ :
72 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجْبَارِ مَالِكِ الْحَيَوَانِ عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ عَنِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَى الْحَيَوَانَاتِ ، لأَِنَّ فِي الإِْجْبَارِ نَوْعَ قَضَاءٍ ، وَالْقَضَاءُ يَعْتَمِدُ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَيَعْتَمِدُ أَهْلِيَّةَ(28/62)
الاِسْتِحْقَاقِ فِي الْمَقْضِيِّ لَهُ ، لَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ دِيَانَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَكُونُ آثِمًا وَمُعَاقَبًا بِحَبْسِهَا عَنِ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الإِْنْفَاقِ .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ (2) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ وَدَوَابِّهِ مِنْ بَقَرٍ وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ وَحَمِيرٍ وَغَيْرِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَرْعًى ، فَإِنْ أَبَى أَوْ عَجَزَ عَنِ الإِْنْفَاقِ أُخْرِجَ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ (3) .
---------------
(1) تبيين الحقائق 3 / 66، ومواهب الجليل 4 / 207، ومغني المحتاج 3 / 462، وكشاف القناع 5 / 493، والإنصاف 9 / 414 .
(2) فتح القدير 4 / 230 - 231 .
(3) الشرح الصغير للدردير 2 / 749 - 750 .
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ كَوْنِ الْحَيَوَانِ مَأْكُول اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُوْلِهِ .
فَقَرَّرُوا أَنَّ مَالِكَ الْحَيَوَانِ مَأْكُول اللَّحْمِ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ : بَيْعُهُ ، أَوْ عَلْفُهُ وَالإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ ، أَوْ ذَبْحُهُ ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَإِبْقَاءً لِمَلِكِهِ وَعَدَمِ إِضَاعَةِ مَالِهِ .
وَأَمَّا مَالِكُ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ فَيَلْزَمُهُ بَيْعُهُ أَوِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مَأْكُول اللَّحْمِ يَحْرُمُ ذَبْحُهُ .
فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ تَصَرَّفَ الْحَاكِمُ فِيمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً حَسَبَ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَال نِيَابَةً عَنْهُ مِنْ إِجَارَةِ الدَّابَّةِ أَوْ بَيْعِهَا ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَال ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ مَال الْمُسْلِمِينَ مِنَ الأَْمْوَال مَا يُنْفِقُ الْحَاكِمُ مِنْهَا عَلَيْهَا ، وَجَبَ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ كِفَايَتُهَا ، وَقَال الأَْذْرُعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : وَيُشْبِهُ أَلاَّ يُبَاعَ مَا أَمْكَنَ إِجَارَتُهُ ، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ مُقْتَضَى كَلاَمِ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ : إِنِ امْتَنَعَ مَالِكُ الْبَهِيمَةِ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ ، لأَِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ، فَإِنْ أَبَى
---------------
(1) المهذب 2 / 169، وروضة الطالبين 9 / 120، ومغني المحتاج 3 / 462 - 463، ونهاية المحتاج 7 / 241، 242 .
الإِْنْفَاقَ عَلَيْهَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ ذَبْحِ مَأْكُولٍ ، لأَِنَّ بَقَاءَهَا فِي يَدِهِ بِتَرْكِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا ظُلْمٌ ، وَالظُّلْمُ تَجِبُ إِزَالَتُهُ ، فَإِنْ أَبَى فَعَل الْحَاكِمُ الأَْصَحَّ مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ أَوِ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا ، كَمَا لَوِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ ، وَيَجِبُ عَلَى مُقْتَنِي الْكَلْبِ الْمُبَاحِ وَهُوَ كَلْبُ صَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ أَوْ يُرْسِلَهُ ، لأَِنَّ عَدَمَ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهُ ، وَلاَ يَحِل حَبْسُ شَيْءٍ مِنَ الْبَهَائِمِ لِتَهْلَكَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا (1) .
نَفَقَةُ الْعَارِيَةِ :
73 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ زَمَنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :(28/63)
الْقَوْل الأَْوَّل : إِنَّ نَفَقَةَ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ عَلَى مَالِكِهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ إِلَى : أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَكَانَ كِرَاءً ، وَرُبَّمَا كَانَ عَلَفُهَا أَكْثَرَ مِنَ الْكِرَاءِ ، فَتَخْرُجُ الْعَارِيَةُ إِلَى الْكِرَاءِ .
---------------
(1) كشاف القناع 5 / 594 - 595 .
(2) حاشية العدوي وشرح الخرشي 6 / 125، 129، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 5 / 273، ومغني المحتاج 2 / 267، وأسنى المطالب 2 / 329، ومعونة أولي النهى 5 / 235 .
وَلأَِنَّ الإِْنْفَاقَ عَلَى الْعَارِيَةِ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى مَالِكِهَا (1) .
وَلِقِيَاسِهَا عَلَى الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ لإِِبْقَائِهَا وَصِيَانَتِهَا عَلَى مَالِكِهَا (2) .
الْقَوْل الثَّانِي : إِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَبِهِ قَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (3) .
الْقَوْل الثَّالِثُ : إِنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ تَرْكِهَا ، فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى الإِْنْفَاقِ لأَِنَّهُ لاَ لُزُومَ فِي الْعَارِيَةِ ، وَلَكِنْ يُقَال لَهُ : أَنْتَ أَحَقُّ بِالْمَنَافِعِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَنْفِقْ لِيَحْصُل لَكَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَخَل يَدَكَ عَنْهَا ، أَمَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا فَلاَ .
وَبِهِ قَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ (4) .
الْقَوْل الرَّابِعُ : قَال بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنَ
---------------
(1) مغني المحتاج 2 / 267، وأسنى المطالب 2 / 329 .
(2) معونة أولي النهى 5 / 235 .
(3) الفتاوى الهندية 4 / 372، وشرح الخرشي 6 / 129، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 5 / 273، ومغني المحتاج 2 / 267، ومعونة أولي النهى 5 / 235 .
(4) الفتاوى الهندية 4 / 372، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 5 / 88 .
الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّ النَّفَقَةَ فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ، وَقِيل أَيْضًا فِي اللَّيْلَةِ وَاللَّيْلَتَيْنِ عَلَى رَبِّهَا ، وَأَمَّا فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالسَّفَرِ الْبَعِيدِ فَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُحْتَرَمِ ، وَكَأَنَّهُ أَقْيَسُ (1) .
نَفَقَةُ اللُّقَطَةِ :
74 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإِْنْفَاقِ عَلَى اللُّقَطَةِ ، وَفِيمَا يَلْزَمُهُ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهَا ، وَهَل يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي أَمْ لاَ ؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ :(28/64)
الْقَوْل الأَْوَّل : إِنْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ (2) .
وَذَلِكَ لأَِنَّ لِلْقَاضِي وِلاَيَةً فِي مَال الْغَائِبِ نَظَرًا لَهُ إِذْ هُوَ نُصِّبَ نَاظِرًا فَصَارَ أَمْرُهُ كَأَمْرِ الْمَالِكِ (3) .
وَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي فَيَنْظُرَ مَا يَأْمُرُ بِهِ .
فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُحْتَمَل الاِنْتِفَاعُ بِهَا بِالإِْجَارَةِ
---------------
(1) حاشية العدوي على شرح الخرشي 6 / 129، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 5 / 273 .
(2) البدائع 6 / 203 .
(3) تبيين الحقائق 3 / 305 .
أَمَرَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ أُجْرَتِهَا نَظَرًا لِلْمَالِكِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لاَ يَحْتَمِل الاِنْتِفَاعَ بِهَا بِطَرِيقِ الإِْجَارَةِ ، وَخَشِيَ أَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَغْرِقَ النَّفَقَةُ قِيمَتَهَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا مَقَامَهَا .
وَإِنْ رَأَى أَنَّ الأَْصْلَحَ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا بَل يُنْفِقَ عَلَيْهَا ، أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا شَرِيطَةَ أَنْ لاَ تَزِيدَ نَفَقَتُهَا عَلَى قِيمَتِهَا ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى صَاحِبِهَا حَتَّى إِذَا حَضَرَ أُخِذَ مِنْهُ النَّفَقَةُ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي : إِنْ أَنْفَقَ مُلْتَقِطُ اللُّقَطَةِ عَلَيْهَا ، خَيَّرَ رَبَّهَا إِذَا جَاءَ بَيْنَ أَنْ يَفُكَّهَا بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مُلْتَقِطُهَا ، أَوْ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمُلْتَقِطِهَا فِي نَظِيرِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الإِْنْفَاقُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (2)
الْقَوْل الثَّالِثُ : إِذَا أَمْسَكَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ وَتَبَرَّعَ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا ، فَذَاكَ ، وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا أَشْهَدَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (3) .
وَقَالُوا : إِذَا أَرَادَ الْبَيْعَ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا ، اسْتَقَل بِهِ ، وَإِنْ وَجَدَهُ فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ ، وَهَل يَجُوزُ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْهَا
---------------
(1) البدائع 6 / 203 ، وتبيين الحقائق 3 / 305 .
(2) حاشية الدسوقي على شرح الكبير 4 / 123 ، والمدونة 4 / 367 .
(3) روضة الطالبين 5 / 4043 .
لِنَفَقَةِ بَاقِيهَا ؟ قَال الإِْمَامُ : نَعَمْ كَمَا تُبَاعُ جَمِيعُهَا ، وَحَكَى احْتِمَالاً أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ ، لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ تَأْكُل نَفْسَهَا وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ ، قَال : وَلاَ يَسْتَقْرِضُ عَلَى الْمَال أَيْضًا ، لِهَذَا الْمَعْنَى (1) .(28/65)
الْقَوْل الرَّابِعُ : لِلْحَنَابِلَةِ ، وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يَبْقَى عَامًا أَوْ أَكْثَرَ ، وَمَا لاَ يَبْقَى عَامًا (2) .
فَإِنِ الْتَقَطَ مَا يَبْقَى عَامًا ، فَالْمُلْتَقِطُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ ثَلاَثَةِ أُمُورٍ :
أ - أَنْ يَأْكُل اللُّقَطَةَ فِي الْحَال إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْهَلاَكُ ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِصَاحِبِهَا ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ : هِيَ لَكَ أَوْ لأَِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ (3) .
فَقَدْ جَعَلَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي الْحَال وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ ، وَالذِّئْبُ لاَ يَسْتَأْذِنُ فِي أَكْلِهَا .
وَلأَِنَّ فِي أَكْلِهَا فِي الْحَال إِغْنَاءً عَنِ الإِْنْفَاقِ عَلَيْهَا وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهَا وَدَفْعًا لِغَرَامَةِ عَلَفِهَا ، فَكَانَ أَكْلُهَا أَوْلَى .
---------------
(1) روضة الطالبين 5 / 404 .
(2) المغني والشرح الكبير 6 / 364 - 367 .
(3) حديث : " هي لك أو لأخيك أو للذئب . . . " أخرجه البخاري ( فتح الباري 5 / 46 ط السلفية ) ومسلم ( 3 / 1348 ط الحلبي ) من حديث زيد بن خالد الجهني .
ب - أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَيُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ وَلاَ يَمْتَلِكَهَا .
فَإِنْ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مُحْتَسِبًا النَّفَقَةَ عَلَى مَالِكِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ، فَفِي الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ رِوَايَتَانِ .
الأُْولَى : لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ، لأَِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِيمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَجَاءَ رَبُّهَا بِأَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ مَا أَنْفَقَ ، لأَِنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِحِفْظِهَا ، فَكَانَ مِنْ مَال صَاحِبِهَا .
الثَّانِيَةُ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ لأَِنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ بَنَى دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْهُ .
ج - أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا وَأَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ، لأَِنَّهُ إِذَا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى .
وَإِنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا :
فَإِنْ كَانَ لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ ، كَالْبِطِّيخِ وَالْفَاكِهَةِ الَّتِي لاَ تُجَفَّفُ وَالْخَضْرَوَاتِ فَالْمُلْتَقِطُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَغَرْمِ قِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِبْقَاؤُهُ خَشْيَةَ تَلَفِهِ .
فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ ، لأَِنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ كَالْوَدِيعَةِ .
وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ ، فَإِنْ
كَانَ الْحَظُّ فِي عِلاَجِهِ بِالتَّجْفِيفِ أَوْ غَيْرِهِ عَالَجَهُ وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ ، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى غَرَامَةٍ لِتَجْفِيفِهِ وَإِبْقَائِهِ ، لأَِنَّهُ مَال غَيْرِهِ ، فَلَزِمَهُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ .(28/66)
وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ ، كَالطَّعَامِ وَالرُّطَبِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ : تَعَيَّنَ أَكْلُهُ ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ ، لأََنَّ الْحَظَّ فِيهِ (1) .
نَفَقَةُ الْوَدِيعَةِ :
75 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَدِيعَةِ إِنَّمَا تَلْزَمُ الْمُودِعَ ، وَهُوَ رَبُّهَا ، وَلاَ تَلْزَمُ الْمُودَعَ لَدَيْهِ ؛ لأَِنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِحِفْظِهَا وَلاَ تَعُودُ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ مِنْهَا (2) .
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( وَدِيعَة ) .
نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ :
76 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ .
لأَِنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ ، وَكُل مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ لاَ عَلَى
---------------
(1) المغني وشرح الكبير 6 / 364 - 367 .
(2) رد المحتار 4 / 501 ، وبداية المجتهد 2 / 340 ، وروضة الطالبين 6 / 332 ، والمغني 6 / 292 .
الْمُرْتَهِنِ (1) .
لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ ، لِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ (2) .
وَلأََنَّ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ .
وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتِهِ ، أَمَّا مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِحِفْظِ الْمَرْهُونِ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ : إِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لأَِنَّ حَبْسَ الْمَرْهُونِ لَهُ (3) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( رَهْن ف 19 ، 20 ) .
نَفَقَاتٌ أُخْرَى :
أ - نَفَقَةُ اللَّقِيطِ :
77 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ تَكُونُ فِي مَالِهِ إِنْ وُجِدَ مَعَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا فِي
---------------
(1) تبيين الحقائق 6 / 68 ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 5 / 23 ، والمهذب 1 / 314 ، والمغني 4 / 438 .
(2) حديث : " لا يغلق الرهن ، لصاحبه غنمه . . ) . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ( 6 / 39 ط دائرة المعارف ) وابن عبد البر في التمهيد ( 6 / 430 ط فضالة - المغرب ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقال ابن عبد البر : هذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل ، وإن كان قد وصل من جهات كثيرة ، فإنهم يعللونها .
(3) تبيين الحقائق 6 / 86 .(28/67)
مَالٍ عَامٍ ، كَالأَْمْوَال الْمَوْقُوفَةِ عَلَى اللُّقَطَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَال وَلاَ تَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ فِي الْجُمْلَةِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( لَقِيط ف 15 ، 16 ) .
ب - نَفَقَةُ الْيَتِيمِ :
78 - إِنْ كَانَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَهُ قَرَابَةٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا النَّفَقَةَ ، فَنَفَقَتُهُ عَلَى قَرَابَتِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ وَلاَ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَال . انْظُرْ مُصْطَلَحَ ( بَيْت الْمَال ف 12 ، يَتِيم ) .
ج - نَفَقَةُ الْعَاجِزِ الَّذِي لاَ عَائِل لَهُ :
79 - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ نَفَقَةَ الْعَاجِزِ الَّذِي لاَ عَائِل لَهُ وَلاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْبِ وَلاَ يَمْلِكُ مَالاً ، تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَال ، لأَِنَّهُ مُعَدٌّ لِلصَّرْفِ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ وَالْمُعْدَمِينَ وَمَنْ هُمْ فِي مِثْل حَالِهِ مِمَّنْ لاَ قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِمْ وَلاَ عَائِل لَهُمْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ .
وَلأَِنَّهُمْ أَجَازُوا دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّكَسُّبِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى
---------------
(1) بدائع الصنائع 6 / 498 ، وتبيين الحقائق 3 / 297 ، وبداية المجتهد 2 / 338 ، وروضة الطالبين 5 / 421 ، والمغني 6 / 379 .
تَحْقِيقِ كَسْبٍ يَكْفِيهِ ، وَاعْتَبَرُوا الْقُدْرَةَ بِغَيْرِ كَسْبٍ تَكْفِي لِحَاجَتِهِ كَعَدَمِهَا ، لأَِنَّهَا حِينَئِذٍ لاَ تَكْسُو مَنْ عُرْيٍ وَلاَ تُشْبِعُ مَنْ جُوعٍ .
وَلأَِنَّهُ بِحَالِهِ هَذَا يُعَدُّ فَقِيرًا ، وَالْفَقِيرُ تَجِبُ كِفَايَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال ، وَهَذِهِ الْكِفَايَةُ تَشْمَل سَائِرَ مَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَمَسْكَنٍ وَأُجْرَةِ خَادِمٍ وَنَفَقَتِهِ إِنْ كَانَ فِي حَاجَةٍ إِلَى خَادِمٍ بِأَنْ كَانَ مُسِنًّا أَوْ زَمِنًا لاَ يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِخِدْمَةِ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ عَلَى رِعَايَتِهِ وَخِدْمَتِهِ .
وَلأَِنَّ مِيرَاثَهُ يَؤُول إِلَى بَيْتِ الْمَال عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ وَارِثٍ لَهُ ، فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِيهِ عَمَلاً بِالْقَاعِدَةِ الَّتِي تَقُول : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ ، وَلأَِنَّ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ تَقْضِي بِتَأْثِيمِ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ ، وَلأَِنَّ تَرْكَهُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ نَفَقَةٍ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَال تُعَدُّ سَلْبًا لِحَقِّهِ الَّذِي هُوَ لَهُ فِيهِ ، لِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ " (1) .
---------------
(1) بدائع الصنائع 4 / 39 ، ومغني المحتاج 3 / 106 - 107 .
نَفْلٌ
التَّعْرِيفُ :
1 - مِنْ مَعَانِي النَّفْل - بِسُكُونِ الْفَاءِ وَقَدْ تُحَرَّكُ - فِي اللُّغَةِ : الزِّيَادَةُ ، وَالنَّفْل وَالنَّافِلَةُ : مَا يَفْعَلُهُ الإِْنْسَانُ مِمَّا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ (1) .(28/68)
قَال اللَّهُ تَعَالَى : { وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ (2) } .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ : فَقَدْ عَرَّفَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ الْحَنَفِيُّ بِأَنَّهُ : الْعِبَادَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَلاَ وَاجِبٍ ، فَهِيَ الْعِبَادَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى مَا هُوَ لاَزِمٌ ، فَتَعُمُّ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ وَالتَّطَوُّعَاتِ غَيْرَ الْمُؤَقَّتَةِ (3) .
وَقَال الدُّسُوقِيُّ : النَّفْل مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ ، أَيْ يَتْرُكُهُ فِي بَعْضِ الأَْحْيَانِ وَيَفْعَلُهُ فِي بَعْضِ الأَْحْيَانِ (4) .
---------------
(1) لسان العرب ، والمفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ، والمغرب .
(2) سورة الإسراء / 79 .
(3) غنية المتملي في شرح منية المصلي ص 383 .
(4) حاشية الدسوقي 1 / 312 ، والشرح الصغير 1 / 401 ط المعارف .
ـــــــــــــــــــ
حاجات الأولاد مقدمة على حج التطوع
المفتي
علام نصار .
7 سبتمبر 1950 م
المبادئ
مصالح وحاجات الأولاد من زواج ونفقة وتعليم مقدمة على التطوع بالحج
السؤال
من الأستاذ أ أ م على صفحات الأهرام قال 1 - سيدة سبق لها أن أدت فريضة الحج مرة، لكنها تريد أن تحج مرة أخرى، مع أن ظروف معيشتها تقتضى مراعاة العذارى من بناتها وهن فى سن الزواج، وهى تقتر عليهن فى الرزق، وتريد أن تضيع فى الحج ما ادخرته من ثمن جهازهن فما حكم الشرع فيها .
2 - سيدة سبق لها أن أدت فريضة الحج، وهى أم أولاد صغار فى سن التربية والتعليم قد يبلغون الثمانية أو العشرة، ومرتب زوجها لا يكاد يكفى لمعيشتهم الضرورية، فلا يمضى من الشهر أيام حتى يمدون أيديهم للاستدانة، وهى الآن تريد أن تحج مرة أخرى من ثمن نصف بيت لديها تبيعه لتدفع تكاليف الحج وتحرم أولادها معاشهم ورزقهم وتعليمهم فما حكم الشرع فيها
الجواب
إن الحج ليس فريضة عليهما بعد الحجة الأولى بل يكون تطوعا ونافلة فى التقرب إلى الله، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى فى توجيه عبادة إلى الخير على أساس تقديم الأهم والأنفع تقتضى بأن تقدم هاتان السيدتان وأمثالهما مصالح وحاجات بناتهما وأولادهما فى الزواج والنفقة والتعليم على التطوع بالحج فى المرة الثانية، وأن الله تعالى ينظر إلى نفقة الأولاد فى مثل هذه الحالة على أنها عبادة أفضل من التطوع بالحج فليس لله حاجة فى الطواف ببيته من شخص يترك أولاده فريسة للجهل والفقر وبناته بلا زواج يعفهن أسأل الله سبحانه أن يوفق المسلمين إلى فهم دينهم على الوجه الصحيح حتى تصلح أحوالهم(28/69)
نفقة وحضانة
المفتي
محمد عبده .
رجب 1317 هجرية
المبادئ
1- سفر الأم بالأولاد باذن الأب أو بغير إذنه لا يسقط حقها فى مطالبته باجر الحضانة والنفقة إذا كان سفره إلى بلد يؤمن فيه على عقائد الأولاد أو أمهم الدينية فاذا كان لا يؤمن ذلك سقطت حضانتها ونفقتهم عن الولد بمجرد الاستقرار فى ذلك البلد .
2- ليس للأم أن تطلب نفقة للمستقبل حتى ولو كان الأولاد فى سن الحضانة .
3- يسقط أجر الحضانة متى بلغ الغلام أو البنت أقصى سن الحضانة
السؤال
رجل فرض على نفسه نفقة لأولاده وهم قصر قدرا معينا كل شهر واذن لوالدتهم بالاستدانة والانفاق عليهم ثم توجهت لبلاد فرنسا بهم وهى بلدها بدون إذن من والدهم وأقامت بهم فى فرنسا وقد بلغ الولد من السن زيادة عن 15 سنة والبنت الكبيرة زيادة عن 18 سنة والبنت الثانية زيادة عن 17 سنة فهل فى هذه الحالة إذا طلبت الأم نفقة الأولاد يكون لها حق الطلب أولا ولها طلب نفقة لمدة مستقبلة على فرض أن الحضانة لم تنته أم لا وما سن حضانة الغلام والبنت وللزوج أن يبطل ما أمر به الزوجة من الإنفاق أو الاستدانة أم لا وهل هو ملزم بالانفاق على أولاده الغائبين مع والدتهم بدون إذن بعد سن الحضانة أم لا
الجواب
حق حضانة الأم للصبى ينتهى إذا بلغ تمام سبع سنين من سنة وحق حضانتها للبنت ينتهى متى أتمت تسع سنين ومتى جاوزا هذا السن لم يكن لأمهما حق الحضانة .
ولأبيهما أخذهما جبرا عنها وضمهما إليه وإذا استدانت الأم شيئا بعد الفرض من نفقة الأولاد ومضت المدة التى لها فيها حق الحضانة لم يسقط حق مطالبتها للأب بما استدانته لأنه حق لازم لذمة الأب مقابل تربية أولاده .
وسفر الأم بالأولاد بغير إذنه أو بإذنه لا يسقط حقها فى ذلك وليس لها أن تطلب نفقة للمستقبل فى أى حال من الأحوال حتى فى مدة الحضانة أما بعد أن يتجاوز الصبى سبع سنين والبنت تسع سنين فقد سقطت أجرة الحضانة .
وانقطع حق مطالبة الأم بما فرض لها الزوج من قبل وأما النفقة المفروضة للأولاد فإنما فرضت لهم وهم عند والدتهم فى مدة الحضانة .
والإذن لها بالاستدانة إنما هو على تقدير أنهم فى حضانتها فيقف فرض النفقة والأذن بالاستدانة لأجلها عند ذلك الحد فمتى انتهت مدة الحضانة لم يجز للأم أن تستدين للإنفاق على الأولاد إلا بإذن من الزوج جديد وللأب أن يأخذ بنتيه وينفق عليهما متى تمكن من ذلك ولا يجوز للأم أن تحجزهما عندها بعد مضى الحضانة وكذلك له ذلك فى الابن إلى أن يبلغ عاقلا ويستغنى عن أبيه فإذا بلغ الرشد واستغنى(28/70)
عن أبيه فله أن يعيش وحده ولا نفقة له على أبيه فى هذه الحالة ولا فى التى قبلها إذا لم يمكن الوالد من ضمه إليه .
هذا كله إذا لم يكن سفر الأم بالأولاد إلى بلد لا يؤمن فيه على عقائد الأولاد وآدابهم الدينية فإن كان السفر إلى بلد كذلك كما فى هذه الواقعة سقطت حضانتها ونفقتهم عن الوالد بمجرد الاستقرار فى ذلك البلد واللّه أعلم .
ملاحظة مدة الحضانة جعلها القانون 44 لسنة 1979 عشرة سنوات بالنسبة للغلام واثنتى عشر سنة بالنسبة للبنت وبعد ذلك فوض القانون القاضى فى إبقاء الغلام إلى سن خمسة عشر سنة والبنت إلى سن الزواج متى رأى المصلحة فى ذلك
عدم سقوط النفقة المفروضة بالتراضى أو بقضاء القاضى
المفتي
محمد عبده .
رجب 1318 هجرية
المبادئ
1- لا تسقط نفقة الأولاد فى المدة الماضية متى كانت مفروضة بالتراضى أو بقضاء القاضى .
2- لا تسقط أجرة الحاضنة متى كانت مستحقة لها
السؤال
امرأة تزوجت ورزقت بنتين وغلاما ثم طلقت ثلاثا ومكثت فى بيت والدتها عامين وطلبت نفقة وأجرة حضانة .
لأولادها الصغار وحصلت على تقرير من محكمة شرعية ولم يدفع لها الزوج شيئا مدة أربع سنوات من وقت التقرير وفى هذه المدة تزوجت بغيره وصارت حضانة أولادها لوالدتها ومكثت مع الزوج الأخير سنة ثم افترقا ولم علم زوجها الأول أنها تريد مطالبته بالفرض الماضى رأى أن يعيدها إلى عصمته واحتال عليها حتى أعادها لعصمته ولم يوافقا بعضهما وافترقا ثانيا .
فهل بها حق فى طلب النفقة المقررة سابقا وأجرة الحضانة
الجواب
للمرأة المذكور فى السؤال أن تطلب من زوجها ما قدر لها من أجرة الحضانة فى المدة الماضية من يوم التقديم بلا نزاع أما ما قدر من النفقة للأولاد فقد قيل إذا لم تؤمر المرأة بالاستدانة تسقط النفقة بمضى أكثر من شهر وقال الزيلعى لا تسقط نفقة الأولاد متى قدرت بالرضا أو القضاء وإن طال الزمن ورجح الأول بعضهم ورجح الثانى بعض آخر وأفتى به ثقاة المفتين وهو الموافق للعدل خصوصا فى هذه الأزمان التى عملت فيها مماطلة الرجال لنسائهم فى الوفاء بالنفقات فلا تزال المرأة تطلب وهو يماطلها حتى تمضى الشهور بل العوام فلو أخذ بالقول الأول وصحت أحكام القضاة وما يجرى بين أيديهم مما لا أثر له وعد ذلك كله لغوا فالقول الثانى هو الذى يجب أن يكون عليه العمل فلا تقسط نفقة الأولاد فى المدة الماضية أما أجرة الحضانة التى للأم المطالبة بها فهى عن المدة الماضية كذلك إلا فى الوقت(28/71)
الذى كانت فيه زوجة لغيره فإنها لم تكن حاضنة وفى الوقت الذى رجعت فيه لوالد الأولاد فإنها فى هذه الحالة مدة إقامة الأولاد تحت حضانتها لأن تقدير الأجرة أمام القاضى كان إلزاما للزوج بأن يدفع الأجرة المقدرة لمن يحضن الأولاد فيتعدى ذلك إلى الجدة بالضرورة على أن أجرة الحضانة كأجرة الرضاع تلزم بدون عقد كما صرحوا به واللّه أعلم
منزلة نفقة الصغار وأجور حضانتهم
المفتي
بكرى الصدفى .
ربيع أول 1325 هجرية
المبادئ
1- نفقة الأولاد وأجرة حضانتهم وإرضاعهم فى منزلة واحدة متساوية فلا تقديم لإحدهما على الآخرى
السؤال
بإفادة من نظارة الحقانية بتاريخ 20 أبريل سنة 1907 نمرة 6141 صورتها المرجو بعد الإحاطة بما ذكر فى خطاب الداخلية نمرة 94 المرافق بهذا بيان الحكم الشرعى فى منزلة نفقة بعض الأولاد مع أجرة الحضانة والرضاع للبعض الآخر هل هما متساويتان أم تقدم إحداهما على الأخرى إذا كان ما يجوز حجزه من مرتب الوالد المحكوم عليه بالنفقة والأجرة لا يفى بهما على ما هو مشروع فى الأوراق المرفقة بذلك الخطاب
الجواب
علم ما تضمنته إفادة سعادتكم الواردة لنا بتاريخ 20 أبريل 1907 نمرة 6141 من طلب الإفادة عما إذا كانت نفقة بعض الأولاد مساوية فى المنزلة لأجرة الحضانة والإرضاع للبعض الآخر أو إحداهما تقدم على الآخرى .
والإفادة عن ذلك أن الذى يؤخذ من كتب المذهب التساوى بين هذه الأشياء ففى رسالة الإبانة عن أخذ الجرة على الحضانة للعلامة ابن عابدين بعد كلامه ما نصه قلت وحيث قلنا إنها أى أجرة الحضانة كالإرضاع فتكون أجرة حضانته من جملة نفقته كما أن أجرة إرضاعه كذلك انتهى وبذا لزمت الإفادة والأوراق عائدة كما وردت واللّه أعلم
أولوية نفقة الزوجة
المفتي
محمد بخيت .
ربيع أول 1333 هجرية
المبادئ
نفقة الزوجة مقدمة فى التنفيذ على غيرها من نفقات الأقارب
السؤال(28/72)
رجل فرض عليه القاضى برضاه نفقة طعام لزوجته ونفقة لأولاده ثم حجزت الزوجة المذكورة على ربع ماهية الزوج .
ثم فرض لابنته الأخرى نفقة وتريد البنت مشاركة الزوجة وأخوتها لأبيها فيما فرض لهم .
فما الحكم إذا كان ربع ماهية الزوج لا تفى ذلك
الجواب
نفقة الزوجة أقوى من نفقة الأولاد والأقارب لأنها وجبت بالعقد جزاء الاحتباس وتجب على الزوج ولو فقيرا بخلاف غيرها فإنها تجب للحاجة بشرط اليسار وحيث ضاق المال عن نفقة الزوجة والأولاد فتقدم الزوجة على غيرها فتعطى أولا ما فرض لها القاضى فإذا بقى شىء أعطى للأولاد المذكورين واللّه أعلم .
نفقة الأولاد على أبيهم بحسب العرف
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1347 هجرية 13 ديسمبر 1928
المبادئ
1- يجب على الأب القيام بجميع ما تحتاج إليه بنته من نفقة طعام وكسوة بحسب العرف لأمثالها على مثله كما تجب عليه نفقة العلاج والدواء والمسكن الصحى لدفع حاجتها إذا كانت محتاجة لذلك .
2- ليس لخال البنت مع وجود أمها الرجوع على أبيها بما أنفقه وينفقه على البنت ما لم يأذن الأب بالإنفاق
السؤال
امرأة لها بنت من مطلقها وهى فى حضانتها ولها نفقة مقررة على أبيها بحكم شرعى مقابل طعام وكسوة البنت ولكن البنت مرضت ويلزمها ثمن الدواء وأجرة الأطباء ومصاريف العلاج لأنها بحالة خطيرة تستدعى ذلك .
ولكن أباها امتنع عن ذلك من دفع تكاليف العلاج والدواء رغم أنه موسر وأن أمها فقيرة واضطر خال البنت للإنفاق عليها .
فهل يلزم الأب بنفقة العلاج والدواء علاوة على نفقة الطعام والكسوة أولا .
وهل للخال أن يرجع على الأب فيما أنفقه نظير العلاج والدواء
الجواب
نفيد أولا بأنه يجب على الأب القيام بجميع ما تحتاج إليه البنت من نفقة طعام وكسوة وغير ذلك بحسب المعروف لأمثالها على مثله .
وإذن تجب عليه نفقة العلاج والدواء والمسكن الصحى لدفع حاجتها إذا كانت محتاجة إلى ذلك وثانيا ليس لخالها الرجوع على أبيها بما أنفقه وينفقه على البنت المذكورة فى سبيل ذلك ما لم يأذن الأب بالإنفاق فى هذا السبيل فيرجع عليه كما هو مقتضى قواعد الفقهاء واللّه أعلم(28/73)
الزيادة فى نفقة الأولاد على الأم الموسرة ولها الرجوع
المفتي
عبد المجيد سليم .
شوال 1347 هجرية 25 مارس 1929 م
المبادئ
نفقة الأولاد واجبة على الأب وحده وتلزم الأم بما لم يقدر عليه الأب من نفقة الأولاد حسب المعروف لأمثالهم على أن تكون دينا لها ترجع بها على الأب إذا أيسر لأنها أولى بالتحمل من سائر الأقارب
السؤال
رجل محدود الدخل وله زوجة موسرة رزق منها بأولاد يتعلمون بالمدارس ودخل والدهم لا يكفى مصاريف تعليمهم بالإضافة إلى مصاريف زوجته من مرضعة وأجر خادم فهل تلزم الزوجة شرعا بالنفقة الزائدة
الجواب
إذا كان الأمر كما ذكر بالسؤال فلا يجب على الأم شىء من نفقة الأولاد بل النفقة كلها واجبة على الأب .
نعم تلزم الأم بما لم يقدر عليه الأب من نفقة الأولاد حسب المعروف لأمثالهم على أن يكون دينا لها ترجع به على الأب إذا أيسر وهى أولى بالتحمل من سائر الأقارب واللّه أعلم
أولوية فى نفقة
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1349 هجرية 7 ديسمبر 1930 م
المبادئ
1- نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأولاد .
2- نفقة الأولاد الصغار مقدمة على نفقة الأولاد الكبار
السؤال
رجل تقررت عليه نفقة زوجية لزوجته وأولادها منه بحكم نهائى وتنفذ بها على ربع مرتبه وبعد ذلك تقررت عليه نفقة أخرى صلحا لبنتيه البالغتين من زوجة سابقة فحجزت البنتان على ربع مرتبة أيضا وأوقف الصرف للطرفين لعدم كفاية ربع المرتب لتنفيذ الحكمين معا .
فهل الزوجة وأولادها الصغار أحق وأفضل من بنتيه الكبيرتين الموسرتين وهل تكون نفقة الزوجة مقدمة على أولادها
الجواب
نفيد أولا بأننا لم نجد فى كتب فقهاء الحنفية نصا صريحا بأولوية نفقة الزوجة على نفقة الأولاد عند ضيق مال الزوج عنهما ولكن جرى بعض المفتين على تقديم نفقة(28/74)
الزوجة فى هذه الحالة على نفقة الأولاد ومنهم المغفور له استاذنا الإمام الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية سابقا فقد أفتى بتاريخ 24 شعبان سنة 1321 تحت 202 فتاوى بذلك إستنتاجا مما قاله الفقهاء فقد قال إن نفقة الزوجة تجب بالعقد وهى ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول ويحبس الزوج عليها متى كانت بالقضاء أو الرضا ولا تسقط بعد ذلك بمضى المدة على ما عليه العمل لأنها جزاء الاحتباس ولذلك تجب لها على الزوج ولو كانت غنية إلى أن قال ومنه يتبين أن منزلة نفقة الزوجة أرقى من منزلة نفقة الابن .
وما أفتى به الأستاذ الإمام وغيره من المفتين موافق لما نص عليه فى غير مذهب علمائنا الحنفية فينبغى الأخذ بهذا فى هذه الحالة .
وثانيا أن نفقة الأولاد الصغار مقدمة على نفقة الأولاد الكبار كما تفيده عبارة قاضيخان فى فتاواه ونصها ( رجل به زمانه أو به علة لا يقدر على الحرفة وله ابنة كبيرة فقيرة لا يجبر على نفقتها ويجبر على نفقة الأولاد الصغار ) .
ومن هذا كله يتبين أنه بعد استيفاء الزوجة لنفقتها تقدم نفقة الأولاد الصغار فيما يفضل ثم إن فضل منه شىء يكون للبنتين الكبيرتين إذا كانتا فقيرتين وإلا فلا تجب نفقتهما على والدهما .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر بالسؤال واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
نفقة المتوفى عنها زوجها ولها أولاد قصر موسرون
المفتي
حسن مأمون .
جمادى الثانية 1377 هجرية 2 يناير 1958 م
المبادئ
1 - المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها فى ماله المتروك عنه، وإنما نفقتها فى مالها الموروث عنه وغيره، فإذا لم يف هذا ولا ذاك بنفقتها تكون نفقتها فى مال أولادها القصر إذا كان فى فاضله ما يفى بنفقتها .
2 - يجوز أخذ نفقتها من مال أولادها القصر الذى تحت يدها بصفتها وصية بعد إذن المحكمة بذلك .
3 - وصى المال هو المسئول عن استغلاله والإشراف عليه بما فيه المصلحة للقصر والإنفاق عليهم منه
السؤال
من السيد/ بطلب تضمن أن والده توفى عن تركة، وعن أطفال صغار عينت أمهم وصية عليهم وسأل هل لزوجة المتوفى نفقة على الورثة غير نفقة الأولاد الصغار ومن الذى يستغل نصيب الأولاد وينفق عليهم
الجواب
إن المنصوص عليه شرعا أن الزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها عليه فى ماله المتروك عنه من تاريخ وفاته، وإنما تجب نفقتها فى مالها الموروث لها عنه وغير الموروث إن كان لها غيره، فإذا لم يف هذا المال بنفقتها وجبت تكملتها فى مال(28/75)
أولادها المذكورين المرزوقة بهم من زوجها المتوفى إن كان فيه فاضل عن نفقتهم يفى بها، وحينئذ يكون لها أن تأخذ من مالهم الذى تحت يدها بمقتضى الوصاية ما يكمل نفقتها بعد أخذ إذن من المحكمة الحسبية بذلك طبقا للمادة 39 من القانون رقم 119 سنة 1952، لأن نفقة الأصل الفقير أبا كان أو أما تجب شرعا على فرعه الموسر لا يشاركه فيها أحد .
هذا بالنسبة لنفقة الزوجة المسئول عنها وأما بالنسبة لنفقة أولاد المتوفى الصغار وأموالهم، فإن المنصوص عليه شرعا وقانونا طبقا لما جاء بأحكام القانون المذكور أن وصى المال هو المسئول عن استغلال أموال القصر والإشراف عليها بما فيه المصلحة لهم والإنفاق عليهم منها، ووصى المال هنا هى أمهم زوجة المتوفى كما جاء بالسؤال، فيجب عليها شرعا وقانونا إدارة شئون أموالهم، واستغلالها بما فيه المصلحة لهم بنفسها، أو بواسطة وكيل عنها والإنفاق عليهم منها بعد تقدير نفقتهم بواسطة المحكمة الحسبية المختصة وتستمر هذه الولاية لها عليهم إلى أن يبلغوا راشدين سن الحادية والعشرين، حيث تسلم لهم أموالهم ليتصرفوا فيها بما فيه صلاحهم .
والله أعلم
تقديم نفقة الزوجة والأولاد على غيرها من النفقات
المفتي
أحمد هريدى .
24 أبريل 1962م
المبادئ
1 - المقرر شرعا أن نفقة الزوجة ومثلها نفقة الصغار مقدمة على نفقة الأقارب، ونتيجة لذلك يقدم حكم نفقتهما فى التنفيذ على أحكام نفقة الأقارب .
2 - بعض الأحكام قد تصدر فى ظروف خاصة وباتفاق الطرفين بقصد تحقيق مصلحة أو دفع ضرر ن وهذه الأحكام لها عند التقدير والترجيح وزن خاص .
3 - إذا تراضى الطرفان على تنفيذ الحكمين معا قسم المبلغ الجائز الحجز عليه بنسبة ما هو محكوم به لكل منهما، وعند الاختلاف فى التنفيذ على المرتب أو المعاش تقدم نفقة الزوجة والأولاد الصغار فى التنفيذ على نفقات الأقارب ومنهم الأم
السؤال
طلبت مديرية أمن المنيا بكتابها رقم 1771 المتضمن أنه صدر حكم نفقة شرعية لصالح السيدة/ ضد ابنه السيد/ بمبلغ أربعين قرشا شهريا لنفقتها بنوعيها، وصدر حكم آخر لصالح زوجته بمبلغ مائة وعشرين قرشا شهريا لنفقتها بأنواعها الثلاثة، وأربعين قرشا شهريا لطعام وكسوة ابنهما وأن جملة ما يستحقه المحكوم عليه من معاش وإعانة غلاء هو ثلاثة جنيهات وثلاثمائة وثلاثون مليما وطلبت بيان نصيب كل من أم وزوجة المذكور، وأى الحكمين أولى بالتنفيذ فى معاشه
الجواب(28/76)
المقرر شرعا أن نفقة الزوجة ومثلها نفقة الأولاد الصغار مقدمة على نفقة الأقارب كالأم والأب والإخوة، ونتيجة لذلك يكون حكم نفقتها مقدم فى التنفيذ على أحكام نفقة الأقارب غير أن بعض الأحكام قد تصدر فى ظروف خاصة، وباتفاق الطرفين، بقصد تحقيق مصلحة أو دفع ضرر، ومثل هذه الأحكام لها عند التقدير والترجيح وزن خاص .
ومن ثم نجيب بأنه إذا تراضى الطرفان على تنفيذ الحكمين معا على المبلغ الجائز الحجز عليه قسم المبلغ بينهما بنسبة ما هو محكوم به لكل منهما، وإن لم يتراضيا وأذعنا لحكم الشرع فإن حكم الشرع يقضى بتقديم نفقة الزوجة والأولاد الصغار فى التنفيذ على حكم نفقة الأقارب ومنهم الأم، وإن لم يذعنا لذلك وجب استصدار حكم بالأولوية فى التنفيذ ، وعند صدور هذا الحكم يجب العمل بما يقضى بعه جبرا عليهما .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
الفتاوى الهندية - (ج 11 / ص 409)
وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ ، أَوْ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ امْرَأَتُهُ أَوْلَادًا لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُمُّهُمْ حُرَّةً ، أَوْ أَمَةً ، أَوْ مُدَبَّرَةً ، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ، أَوْ مُكَاتَبَةً فَفِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُكَاتَبَةً فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَيْهَا ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُدَبَّرَةً ، أَوْ أُمَّ وَلَدِهَا فَأَوْلَادُهَا بِمَنْزِلَتِهَا فَتَكُونُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَوْلَاهَا وَهُوَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ أَمَةً لِرَجُلٍ آخَرَ فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ ، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأُمِّ إنْ كَانَ لِلْأُمِّ مَالٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مَنْ يَرِثُ الْأَوْلَادَ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً ، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمَكَاتِبِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَى الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ فَقِيرًا ، أَوْ أَبُو الْأَوْلَادِ غَنِيًّا هَلْ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ ؟ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الْمَوْلَى كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةَ نَفْسِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ لَهُ وَلَدًا فَإِنَّ نَفَقَةَ ذَلِكَ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَةَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا ، وَلَمْ تَلِدْ حَتَّى اشْتَرَاهَا الْمُكَاتَبُ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْكِسْوَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ بِقَدْرِ مَا يَصْلُحُ لَهَا عَادَةً صَيْفًا وَشِتَاءً كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ .
الفتاوى الهندية - (ج 11 / ص 434)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ رَضِيعًا ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ فِي نِكَاحِ الْأَبِ وَالصَّغِيرُ يَأْخُذُ لَبَنَ غَيْرِهَا لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَلَدُ لَبَنَ غَيْرِهَا(28/77)
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُجْبَرُ أَيْضًا ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ : تُجْبَرُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْوَلَدِ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إرْضَاعُ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يُوجَدُ مَنْ تُرْضِعُهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ، وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ ، وَهَذَا إذَا مَا وَجَدَتْ مَنْ تُرْضِعُهُ أَمَّا إذَا لَمْ تُوجِدْ مَنْ تُرْضِعُهُ فَتُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ ، وَقِيلَ : لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَذَا فِي الْكَافِي وَلَيْسَ عَلَى الظِّئْرِ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْوَلَدِ فِي بَيْتِ أُمِّهِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَيَسْتَغْنِي الْوَلَدُ عَنْهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ، وَإِذَا أَبَتْ الظِّئْرُ أَنْ تُرْضِعَهُ عِنْدَ الْأُمِّ ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ
الْإِجَارَةِ الْإِرْضَاعُ عِنْدَ الْأُمِّ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ الْوَلَدَ فَتُرْضِعَهُ ، أَوْ تَقُولَ : أَخْرِجُوهُ فَأُرْضِعَهُ فِي فِنَاءِ دَارِ الْأُمِّ ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْوَلَدُ عِنْدَ الْأُمِّ ، وَإِنْ شَرَطُوا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الظِّئْرُ عِنْدَ الْأُمِّ يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِمَا شَرَطَتْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْقَاضِي خَانْ .
وَإِذَا وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يُجْبِرَهَا عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ لَبَنَهَا ، وَمَنَافِعُهَا لَهُ ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَلَدَ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ هِيَ إرْضَاعَهُ فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا لِلصَّبِيِّ شَهْرًا ، فَلَمَّا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أَبَتْ إرْضَاعَهُ ، وَهُوَ لَا يَأْخُذُ لَبَنَ غَيْرِهَا تُجْبَرُ عَلَى إبْقَاءِ الْإِجَارَةِ بِالْإِرْضَاعِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ .
ـــــــــــــــــــ
وَإِنْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَتِهِمْ ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ زِيَادَةً تَدْخُلُ تَحْتَ تَقْدِيرِ الْمُقَدِّرِينَ فِي مِقْدَارِ كِفَايَتِهِمْ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَفْوًا ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِحَيْثُ لَا تَدْخُلُ تَقْدِيرَ الْمُقَدِّرِينَ فَإِنَّهَا تُطْرَحُ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ نَفَقَتِهِمْ بِأَنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِمْ يَبْلُغُ إلَى مِقْدَارِ كِفَايَتِهِمْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .
وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ مَاتَ وَتَرَكَ أَمْوَالًا ، وَتَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا كَانَتْ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَكُونُ وَارِثًا فَنَفَقَتُهُ فِي نَصِيبِهِ ، وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْمَيِّتِ تَكُونُ نَفَقَتُهَا فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا بَعْدَ هَذَا يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَالْوَصِيُّ يُنْفِقُ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ أَنْصِبَائِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالْقَاضِي يَفْرِضُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّغَارِ فِي نَصِيبِهِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ سَعَةِ أَمْوَالِهِمْ وَضِيقِهَا وَيَشْتَرِي لِلصَّغِيرِ خَادِمًا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْخَادِمِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَصَالِحِهِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْمَصَالِحِ فَالْقَاضِي يَشْتَرِي ذَلِكَ لِلصَّغِيرِ مِنْ نَصِيبِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ ، وَلَهُ أَوْلَادٌ كِبَارٌ وَصِغَارٌ فَنَفَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَكُونُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا فِي مَالِهِ ،(28/78)
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضٍ فَأَنْفَقَ الْكِبَارُ عَلَى الصِّغَارِ مِنْ أَنْصِبَاءِ الصِّغَارِ كَانُوا ضَامِنِينَ فِي هَذِهِ النَّفَقَةِ ، وَهَذَا فِي الْحُكْمِ ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى - فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
تنقيح الفتاوى الحامدية - (ج 2 / ص 39)
ا هـ وَصَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ الْفَقِيرِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ زَمِنًا قُضِيَ بِنَفَقَةِ الصِّغَارِ عَلَى الْجَدِّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْجَدِّ فَكَذَا نَفَقَةُ الصِّغَارِ ا هـ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ زَمِنٍ تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْجَدِّ الْمُوسِرِ خِلَافًا لِلْقُدُورِيِّ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا زَمِنًا فَهِيَ عَلَى الْجَدِّ اتِّفَاقًا وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ خَاصًّا بِالْجَدِّ وَلَا بِكَوْنِ الْأَبِ زَمِنًا بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ فَقْرِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ وَلِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ قَوْلَهُمْ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ وَلِقَوْلِ الْخَانِيَّةِ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْإِنَاثِ الْمُعْسِرَاتِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ وَلَا تَسْقُطُ بِفَقْرِهِ ا هـ وَهَذَا الْإِشْكَالُ قَوِيٌّ جِدًّا يَعْسُرُ فِيهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَحْرِ تَعَرَّضَ لِإِشْكَالِهِ حَيْثُ نَقَلَ كَلَامًا طَوِيلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ جُمْلَتِهِ مَا مَرَّ نَقْلُهُ عَنْهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَبِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْفَقَتْ الْأُمُّ الْمُوسِرَةُ وَإِلَّا فَالْأَبُ كَالْمَيِّتِ وَالْوُجُوبُ عَلَى غَيْرِهِ لَوْ كَانَ مَيِّتًا لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى ا هـ كَلَامُ الْبَحْرِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ لَا يُشَارِكُ الْأَبَ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ أَحَدٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَكَانَ لِلْأَوْلَادِ أُمٌّ مُوسِرَةٌ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَإِنَّمَا تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ
مُوسِرًا وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْمَسْأَلَةِ أُمٌّ مُوسِرَةٌ بِأَنْ وُجِدَ فِيهَا الْجَدُّ الْمُوسِرُ مَثَلًا فَإِنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ بِلَا رُجُوعٍ عَلَى الْأَبِ بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ إلْحَاقِ الْأَبِ الْفَقِيرِ بِالْمَيِّتِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى غَيْرِ الْأَبِ مَعَ وُجُودِهِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَلَا بُدَّ مِنْ إصْلَاحِهَا وَذَلِكَ بِتَقْيِيدِهَا بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُتُونِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا لَكِنْ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي التَّعْمِيمِ وَأَجَابَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِقَوْلِهِ لَا حَاجَةَ لِإِصْلَاحِهَا لِأَنَّهَا وَارِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ اخْتَارَهَا أَهْلُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَأَثْبَتُوهَا فِي كُتُبِهِمْ مُقْتَصَرِينَ عَلَيْهَا ا هـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّهَا لَا تُفْرَضُ عَلَى الْجَدِّ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمِّ الْمُوسِرَةِ وَغَيْرِهَا كَالْجَدِّ مَثَلًا فِي أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ الْفَقِيرِ وَلَكِنْ تُؤْمَرُ الْأُمُّ أَوْ غَيْرُهَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَوْلَادِ لِتَكُونَ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ فَكَلَامُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مَاشٍ عَلَى رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ بِعَدَمِ جَعْلِ الْأَبِ الْفَقِيرِ كَالْمَيِّتِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ اخْتِيَارًا وَتَرْجِيحًا لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي
الذَّخِيرَةِ .(28/79)
وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ يَحُلُّ عُقْدَةَ الْإِشْكَالِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْأَبِ غَيْرِ زَمِنٍ إذْ لَوْ كَانَ زَمِنًا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْجَدِّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَبِ نَفْسِهِ وَاجِبَةٌ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَدِّ كَمَا مَرَّ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَارِجَةٌ عَنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِذَا عَلِمْت مَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْأَصْلِ الْمَارِّ إذَا كَانَ الْمُعْسِرُ يُحْرِزُ كُلَّ الْمِيرَاثِ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا سِوَى الْأَبِ الْغَيْرِ الزَّمِنِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ غَيْرَ زَمِنٍ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ الَّذِي يَفُوقُ الدُّرَّ النَّضِيدَ .
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 11 / ص 184)
(3332- فقير ووالده غني)
الحمد والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
فقد سئلت عن رجل مكفوف البصر وله دخل شهري قدره ثمانون ريالاً وعنده زوجة وله ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ أربع سنوات تقريباً، وله والد غني، فهل تجب نفقته عليه ؟
فأجبته بأن الأمر إذا كان ذكر فإن كان مما عند الوالد فاضلاً عن نفقته نفسه وزوجته فتجب، لعموم قوله تعالى: { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } (1). وكذلك نفقة الأولاد الصغار. وأما الزوجة فتجب نفقتها أيضاً، لأن من لزمه نفقة رجل لزمه إعفافه. والسلام عليكم.
(ص/ف 2230/1 في 17/4/1389) مفتي الديار السعودية.
هل يلزم الأب المطلق بنفقة ابنه؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 01/09/1426هـ
السؤال
أنا امرأة تزوجت في سن صغيرة، ولم أوفق في زواجي -والحمد لله على كل حال- تم الطلاق وأنا في سن العشرين ولدي ولد من هذا الزواج، توليت تربيته والإنفاق عليه حيث طلب مني زوجي أن أتنازل عن مصاريفه والإنفاق عليه مقابل الطلاق، وبعد عشر سنوات رزقني الله بالرجل الصالح -والحمد لله- زوجي ملتزم ومتعلم وذو خلق ودين ووضعه المادي جيد، وقد وافقت عليه لأخلاقه، ورغبة مني في الستر, إلا أن زوجي متزوج وزوجته الأولى متعلمة، إلا أنني بعد الزواج تفاجأت بالسلوك غير الحميد من ناحيتها، وبالاتصال علي والتلفظ بما لا يليق، وإرسال الرسائل التي تتهمني فيها بغش زوجها واستدراجه للزواج منه، والله هو العالم أنني لم أفعل ذلك -والحمد لله- الذي مكنني من ضبط مشاعري وعدم الرد عليها، بل ومراعاة ظروفها ووضعها النفسي، كما أنني ألاحظ عدم العدل من قبل زوجي من(28/80)
ناحية المعاملة، فمثلاً أجده يراعي وضعها النفسي، ويشفق عليها ويتحمل منها ما لا يتحمل مني، ولا أجد القبول منه بل أجد الانتقاد.
سؤالي الأول هو: هل يحق لزوجي السابق أن يشترط ألا ينفق على ابنه شرطاً للطلاق؟ وما الحل في هذا الموقف؟
السؤال الثاني: هل هناك حل شرعي لمن ترغب في الستر، سواء كانت أرملة أو مطلقة غير الزواج برجل متزوج. وإن كان العرف في هذا الزمن يعتبر الزواج من رجل متزوج جريمة وخراب ديار؟!
ثالثا: ما الموقف الذي أتخذه مع زوجي وزوجته؟
أخيراً: أنا لا أجد حلاً لما أنا فيه سوى الدعاء، إلا أنني غالباً أفكر في طلب الطلاق، وأجد أن زوجي لن يمانع في ذلك، لأنه غير متمسك بي، وهو رجل فاضل، إلا أنني لا أرى أن لي مكاناً عنده. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فنفقة الأولاد واجبة على والدهم بلا خلاف؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، رواه أحمد (6495) وأبو داود (1692) والنسائي في الكبرى (9177)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
ولكن لو طلق الرجل زوجته بناءً على طلبها مقابل تحملها نفقتهم صح ذلك، وعدَّه بعض العلماء خلعاً لا طلاقاً؛ لأن ركن الخلع أن يكون بعوض مالي والنفقة مال.
ويلاحظ أن الأخت السائلة لم تسأل عن ذلك إلا بعد مرور عشر سنوات من الطلاق، ورضاها بذلك طيلة الفترة الماضية لكونها موظفة تستطيع أن تنفق على نفسها وعلى ولدها.
والحل هنا إن كان يشق على الأخت السائلة النفقة أن توسط من تراه صالحاً من أهل العقل والدين لإقناع مطلقها بالنفقة على ولده منه وتذكيره بفضل هذه العبادة الجليلة، وفي حال عجز السائلة عن النفقة رجعت النفقة على والد الطفل حتماً حتى لا يتضرر.
أما الحل الشرعي لمن ترغب في الستر فهو الزواج، سواء برجل متزوج أو غير متزوج، وليست المرأة مجبرة على الزواج برجل متزوج، ولكنه خير من بقائها بلا زوج، خاصة أن الأخت السائلة تثني على زوجها، وأنه متعلم وذو خلق وأنه فاضل، فهذا مكسب عظيم إذ يعز وجود مثل ذلك.
أما ما ذكرته السائلة من أن الزواج من رجل متزوج جريمة وخراب ديار فهذا غير صحيح؛ فكثير من النساء الأبكار صغيرات السن -فضلاً عن المطلقات والأرامل- قد تزوجن برجال معددين وعشن حياة سعيدة وطيبة، ولو أن الزواج برجل متزوج جريمة وخراب ديار لما أقدم الناس عليه بهذه الصورة، بل هو أمر جائز شرعاً ومقبول عرفاً وواقع حساً، أما نظرة البعض القاصرة تجاه التعدد فهي مما لا قيمة له لمخالفته الأدلة الشرعية.
أما الموقف الذي تتخذينه مع زوجك فهو التقرب إليه والصبر على ما قد يصدر منه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(28/81)
عن خير النساء؟ قال: "التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله" رواه الطيالسي في مسنده (2325)، والنسائي في الكبرى (8961).
وأنت موعودة بأجر عظيم، فعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجا، قيل لها: أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد (1661)، ورواه ابن حبان (4163)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
واعلمي أنك في بداية الطريق، والألفة والمحبة تنمو وتزداد مع مضي الوقت، خاصة مع تقربك إليه وعدم إشعاره بما ذكرتيه هنا، وابتعدي عن وساوس الشيطان الذي يتمنى أن يفرح بطلاقك عاجلاً غير آجل، ولا تكوني عوناً له في طلاقك.
أما ما ذكرتيه من غيرة زوجته الأولى فهذا أمر طبعي لا يسلم منه أحد، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غارت أمكم" ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من التي هو في بيتها، فدفع الصحفة، الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. رواه البخاري (4927)، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 2 / ص 13)
أنا متزوجة وزوجي يعمل في محل ألبسة والمحل ملك لي ( من قبل أهلي ) وهو كمساعدة له ونحن لا نأخذ منه أجارةً ولا أي مقابل. فهل يجوز لي أن آخذ من المحل ما يلزم لنفقة الأولاد بالمعقول دون أي إسراف وما يكفينا فقط بدون علمه لأن ما يعطيني لا يكفي أبداً لحوائج المنزل؟
نعم يجوز لك الأخذ من مال الزوج الخاص أو من المحل التجاري الخاص به ، وإن سومح بالأجرة ، لحاجتك وحاجة أولادك بالمعروف أي بمقدار الحاجة فقط دون زيادة أو إسراف ولو بغير علمه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان : ( ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) ) .
ابن الزنا لا تجب له النفقة
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1424 / 14-05-2003
السؤال
صارحني أخ لي تائب وعائد وقال إنه وقع في الفاحشة مع إحدى الفتيات في هذه المدينة وحملت بولد وهو الآن في العام الثاني من عمره وآخر مرة رأى فيها صديقي ابنه (ابن الزنا ) كانت قبل عام ونصف، الآن الأم متزوجة وعندها بنت من الزوج الجديد صديقي يريد أن يأخذ ذلك الولد وهي رافضة والولد يربى عندها وعند(28/82)
أمها ولا يستطيع أن يعلم أبويه ولا أن يتزوج منها ، وهي تطالبه من حين لأخر أن يساعدها ماديا لابنه، وهو يخشى أن تكون مستغلة للموقف لتأخذ المال لها، وهو الآن يحترق ألما وهو بين مطرقة الوضع الذي وضع نفسه فيه وبين سندان أنه لا يزال طالبا يأخذ مصروفه من أهله، فماذا يجب عليه أن يفعل؟ أرجو التفصيل لأن الموضوع جد خطير. بارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك أن صاحبك قد ارتكب منكراً فظيعاً، فنسأل الله أن يتقبل توبته وأن يغفر ذنبه. أما عن ولده من الزنا، فإنه لا يمت إليه بصلة لأنه ولد غير شرعي، فليس بابن له ولا ينسب إليه ولا تجب عليه تجاهه نفقة ولا سكنى، وإنما ينسب لأمه وتتحمل هي نفقاته، فإن لم تستطع فمن بيت المال، لكن لا بأس عليه في أن يعطيها ما يشاء لهذا الولد من باب الإحسان والهبة، لا من باب الوجوب والالتزام، وليعلم أنه ليس له الحق في أخذ هذا الولد من أمه إذا كانت غير راضية بذلك، ولمزيد من التفاصيل تُراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9093، 6045، 28544. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من أحكام النفقة
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1424 / 27-03-2003
السؤال
كم تستمر الفترة الشرعية لنفقة الزوجة المطلقة؟ إذا تزوجت المطلقة من رجل آخر وكان لديها أطفال قصر هل تستمر النفقة؟ ما رأي المذهب المالكي فى هذا الشأن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فتجب النفقة للمطلقة طلاقاً رجعياً، كما تجب لها السكنى والكسوة وغير ذلك مما تحتاجه، وذلك لأنها مازالت زوجة ما دامت في فترة العدة، فإذا انقضت العدة ولم يراجعها زوجها فقد بانت منه بينونة صغرى وبذلك لا تلزمه لها نفقة ولا سكنى.
وأما المطلقة طلاقاً بائناً فلها حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون حاملاً فتجب لها النفقة والسكنى لقوله سبحانه: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6].
الحالة الثانية: ألا تكون حاملاً فلا نفقة لها ولا كسوة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "لا نفقه لك إلا أن تكوني حاملاً." رواه أبو داود.
وأما الأولاد فتجب لهم النفقة على أبيهم ويختلف هذا باختلاف حال الزوج من اليسار أو الإعسار، كما يختلف من بلد لآخر والعرف المعمول به في كل بلد، وتجب هذه النفقة للأولاد ما داموا فقراء عاجزين عن الكسب، وتتميماً للفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية
20270 295
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(28/83)
ـــــــــــــــــــ
حكم سرقة المال من الأخ لتغطية نفقات الدراسة
تاريخ الفتوى : ... 07 ربيع الأول 1428 / 26-03-2007
السؤال
في البدايه شكراً لكم على ما تقدمونه من فوائد للجميع... أما بعد: أنا فتاة جامعية وأحتاج إلى نقود كثيرة للمواصلات والأكل في الجامعة.. فكل ما أحتاجه ويكفيني لليوم الواحد 11 أو 12 شيكل، لكن بعد أن التحقت أختي الصغرى مني بالجامعة أصبحت المصاريف كثيرة ونحتاج أنا وهي إلى الكثير وأبي عندما نطلبه يعطينا فقط نحن الاثنتين 100 شيكل وبالكاد وأنا لوحدي كانت تكفيني فما بالكم باثنتين.... المهم ولب الموضوع لي أخ يملك سوبر ماركت فتحه أبي له كمشروع... أصبحنا أنا وأختي نأخذ منه نقودا عندما نحتاج ولكن دون علمه (علم أخي)، وأحيانا كثيرة نطلب منه لكن لا يعطينا... وحسبت ما أخدناه منه فكان كثيرا، هل يعتبر هذا سرقة، لا أستطيع أن أخبره بأنا كنا نأخذ منه وأنا أنوي إن شاء الله عندما يكون معي نقود سوف أردها له، ولكن على أساس أني أساعده في هذه النقود وليس على أساس أني أخذتها منه في السابق وأخاف أن يحاسبني الله عليها وتكون دينا في رقبتي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأخوك ليس ملزماً بصرف النقود في دراستك ولا في غيرها من الحاجات التي تخصك أو تخص أختك، وما ذكرته عنه من كونه يملك سوبر ماركت قد فتحه أبوك له كمشروع، لا يعطيكما الحق في أخذ شيء من النقود منه دون علمه، ولو افترضنا أن المال مال أبيكما، فإن الأب أيضاً ليس ملزماً بنفقات دراستكما، وعليه فما أخذته من المال يعتبر سرقة بدون شك.
والسرقة من الكبائر العظمى وقد رتب الله عليها قطع اليد، فقال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {المائدة:38}، وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن السرقة تدل على نقص الإيمان فقال: لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن... رواه البخاري ومسلم.
فالواجب أن تعقدي العزم أن لا تعودي إلى مثل ما كنت تمارسينه من السرقة، وأن تندمي عليه، ومتى ما تيسر لك قضاؤه وجب عليك ذلك، ولا يشترط لصحة توبتك من السرقة أن تخبريه بأنك كنت تسرقين من ماله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق المرأة بعد الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الأولى 1427 / 19-06-2006
السؤال
أطلب فتوى(28/84)
زوجتي تعاني من السحر منذ عام حاولت علاجها بطرق شرعية، بعد فترة ثلاثة أشهر بدأت تحاول الانتحار، كان أهلها دائمي سخرية من كل المعالجين ويعلمون أن الساحر عم والد زوجتي، وهم أخبروني بذلك أرجعتها إلى بيت والدها حتى أجد لها علاجا وطلبت منهم المساعدة لم يتحركوا حتى هددتهم بالطلاق، أحضروا معالجا قال بعد فترة إنها شفيت أرجعتها إلى البيت ولكن الحالة بقيت على ما هي عليها طلبت من جدها المساعدة فطلب أن أذهب إلى دجالين فرفضت فطلب أن أطلقها مدة شهرين مع العلم أن السحر من أجل عدم الإنجاب وطلاق قبل شهرين قلت لها تطلب مساعدة أهلها لكنها ذهبت إلى أهلها ولم ترجع إلى البيت توجهت إلى جدها فقال إنه لا وجود لسحر وأني أدعي هذا الموضوع لأغطي على أني امرأة ولا أنفع النساء مع العلم أني لا أعاني من أي ضعف وأن زوجتي ليست بكرا توجهت زوجتي الى المحكمة تطالب بالنفقة ومحاميها يقول إنه في حال الطلاق سيطلب نصف ما أملك فهل لها نفقة وفي حال طلاق هل يعطيها الشرع غير مؤخرها (لا يوجد لدينا أولاد)؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله الشفاء لزوجتك من كل الأمراض الظاهرة والباطنة، وجزاك الله خير الجزاء على امتناعك عن إتيان الدجالين الذين لا خير في إتيانهم إطلاقا، بل إن إتيانهم يجلب على المرء الشر كله، وقد يوقعه في الشرك والعياذ بالله تعالى، فعليك أن تبتعد عنهم كل البعد وتلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى وتعتمد عليه كل الاعتماد فهو الكافي الشافي، وعليك أن تأخذ بالأسباب المشروعة لحل السحر عن زوجتك، وقد بينا ذلك في فتاوى متقدمة، إليك بعض أرقامها :5433 / 2244 .
ثم إن أساس الحياة الزوجية هو المودة والرحمة والاحترام المتبادل، قال الله تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً { الروم:20}، فإذا فقدت هذه الأمور وصار كل من الزوجين أو أحدهما لا يطيق الآخر أو لا يستطيع القيام بحقوقه فالفراق هنا خير، فقد قال الله تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا { النساء :130}، وإذا حصل الطلاق فليس للزوجة أن تأخذ نصف ما تملك وإنما لها عليك مؤخر الصداق والمتعة والنفقة والمسكن خلال العدة، ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم:9746 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأخ على الأم والأخوات وواجبه نحوهن
تاريخ الفتوى : ... 15 محرم 1427 / 14-02-2006
السؤال
سؤالي عن كوني صاحب حق في القوامة على والدتي وأخواتي، حيث إن والدي غير مسؤول عن العائلة منذ أكثر من 20 سنة ولا يزور هذه العائلة منذ زمن، وأخي الأكبر في دولة أخرى، وأنا متزوج ولي أولاد، ولا يوجد رجل غيري حول(28/85)
والدتي وأخواتي، فهل تجب عليهم طاعتي وأنني مسؤول عنهم يوم الحساب، أم أكتفي بالنصح والإرشاد، وهل يجب علي السكن معهم، أم يمكن قيادتهم من منزلي على الرغم من صعوبة ذلك خصوصا وأنني بدأت بإعادة هيكلة حياتي بما يتناسب والشرع الإسلامي بعد أن كنت مسرفا ومقصرا نحو نفسي ونحو الله، وهم لا يعتقدون بضرورة سلك المسلك الذي اتخذته من نبذ لكل المحرمات (وخصوصا الربا) والتمسك بالحلال مهما شقت له الطريق.
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتجب نفقة الزوجة على الزوج، وتجب نفقة البنات الصغيرات اللاتي لا مال لهن على أبيهن إذا كان له ما ينفقه عليهن، وذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليهن حتى يتزوجن - وهو الأقرب – وتراجع الفتوى رقم:25339، فإذا غاب الأب أو تخلى عن واجبه، وكان له مال مقدور عليه،
أخذ من ماله بالمعروف ما يكفي من تجب نفقته عليه، وإن لم يكن له مال مقدور عليه وجبت نفقة الأولاد على أمهم، ثم رجعت بما أنفقت على أبيهم، وراجع الفتوى رقم:31691.
فإن لم يكن للوالدة مال فنفقتها ونفقة بناتها الفقيرات على وارثهن من أخ أو أخت أو غيرهما من يرثهم، كل بقدر إرثه، قاله ابن قدامة في الكافي، وتراجع الفتوى رقم :31315.
هذا بالنسبة للنفقة على الأم والأخوات، أما بالنسبة لحق القوامة وهي القيام عليهن رعاية وحماية وإصلاحا، وما يقتضيه من وجوب طاعتهن، فهذ حق للزوج والأب فقط، أما الأخ فليس عليه إلا النصح والإرشاد والتوجيه، وليس محاسبا على أفعالهن يوم القيامة إذا أدى ما عليه من نصح وإرشاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر حسب استطاعته، شأنه في ذلك شأن المسلم مع أخيه المسلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة على الزوجة والأم والأخوات
تاريخ الفتوى : ... 10 رمضان 1426 / 13-10-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
جزاكم الله خيرا على ما تقومون به من جهد قي سبيل إنارة الطريق لنا وتوجيهنا إلى الحق
سؤالي هو ماحق الزوجة في مال زوجها وما حق أهله فيه حيث إني متزوج منذ عشر سنوات وأقيم في شقة مخصصة لي في بيت أهلي الذي تعيش فيه والدتي(28/86)
وأخت لي غير متزوجة - وأنا مسافر لكني لا أطيل فترة غيبتي عن أسرتي على أربعة أشهر وبضعة أيام وعندما أعود أحمل بعض الهدايا لأخواتي وأمي مما يغضب زوجتي فتعترض من باب النصح بقولها انتبه لمالك وتغضب لأدني وأتفه الأسباب ونقضي معظم الإجازة في خصام ونصحتها كثيرا أن لا تتدخل في هذا الأمر لكن دون جدوى - ربما تقول لي خصص لها سكنا خارج البيت - لكن يا سيدي أنا اصطحبت زوجتي هذه لفترة معي في سفري ولكن بقى معها جزء كبير من مشاكلها حيث إنها لا تهتم كثيرا بشئون البيت وشكوت لأهلها لكن دون جدوى وأنا لا أقبل أن أمنع ما أقوم به تجاه أخواتي خاصة وأنا أخوهم الوحيد والوالد متوفى وكلما فكرت في أن أتزوج عليها يمنعني خوفي أن لا أعدل بين الزوجتين خاصة أن نفسي بدأت تضيق منها وأصبحت أكره الإجازة بسبب ما يحدث فيها وأكره أن أطلقها حرصا على مصلحة أولادي حيث إن لي منها ثلاثة أطفال وتحمل الرابع فانصحوني جزاكم الله خيرا واذكروا لي ما يجب لها من مالي هي وأولادها لأنها تقول لي عندما آمرها أن لا تتدخل، مال عيالي ويحب أن تحافظ عليه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته وضحناها في الفتوى رقم 50068، غاية التوضيح .
وأما حق المرأة في المسكن ، وما هو المراد بالمسكن المستقل فسبق في الفتوى رقم 51137 .
وأما حق أولاده فطعام يسد جوعهم ولباس يسترهم، ومسكن يؤيهم.
وليس للزوجة حق في منع زوجها من الصدقة والإنفاق على أمه وأخواته، بل ينبغي أن تشجعه على ذلك وأن تعينه عليه إن كانت فعلا تحبه وتحب له الخير ، فإن في إحسانه إلى أخواته صلاحا له في دينه ودنياه.
أما في دينه فإن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله تعالى، ففي الحديث عن رجل من خثعم قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فقلت أنت الذي تزعم أنك رسول الله قال نعم. قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله قال الإيمان بالله ، قال قلت يا رسول الله: ثم مه قال ثم صلة الرحم ، قال قلت يا رسول الله ثم مه قال ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أبغض إلى الله قال الإشراك بالله، قال قلت يا رسول الله: ثم مه. قال ثم قطيعة الرحم قال قلت يا رسول الله ثم مه قال ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف قال الإمام المنذري: رواه أبو يعلى بإسناد جيد.
وأما في دنياه فسعة الرزق وطول الأجل قال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه متفق عليه.
وأما زواجك بالثانية فمتى رأيت أنك قادر على النفقة والعشرة والعدل فلا حرج عليك فيه.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(28/87)
ـــــــــــــــــــ
حقوق الزوجة في حال الفسخ بسبب العيب
تاريخ الفتوى : ... 22 شعبان 1426 / 26-09-2005
السؤال
ماهي حقوق الزوجة إذا تم الطلاق بسبب عيوب في الزوجة :
1ـ عيوب خلقية كالبرص والجنون.
2ـ عيوب أخلاقية كسوء الخلق وكثرة السب والقذف المستمر للزوج وأهله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن العيوب الخلقية التي يفسخ بها النكاح البرص والجنون ، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم 19935 ، فإذا وجد الزوج بامرأته عيبا من هذه العيوب ، لم يبين له قبل العقد ولم يرض بذلك العيب ولم يستمتع بها بعد اكتشافه فله فسخ النكاح .
وأما سوء أخلاق الزوجة فلا يفسخ به النكاح وللزوج طلاقها إذا لم يحتمل ذلك.
وأما عن حقوقها ؛ ففي حال الفسخ فلا شيء لها من الصداق ولا غيره إذا لم يكن الزوج قد استمتع بها بعد علمه بالعيب ، وأما في حال الطلاق فمثل أي مطلقة ، وتقدمت حقوق المطلقة في الفتوى رقم 9746 ، والجدير بالملاحظة أن العيب الذي يوجب الخيار هو العيب السابق للعقد ، وأما العيب الحادث بعد العقد ففي الرد به خلاف بين أهل العلم . والذي نرجحه هو أنه لا يعطى الخيار للزوج في الفسخ وإنما له أن يطلق أو يمسك .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأب على الأبناء البالغين
تاريخ الفتوى : ... 04 شعبان 1426 / 08-09-2005
السؤال
هل يجب على الأب أن يكمل الإنفاق على أبنائه الذكور.... إن كان يقوم بتدريسهم في الجامعة لكنهم غير مجتهدين وهو يتحمل إنفاق المال الكثير عليهم لكنهم يتقدمون ببطء شديد، أليس أيضا يتحمل الأبناء إثما في ذلك؟
أرجو الإفادة جزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي نفقة الولد على أبيه بعد البلوغ ولا مال له ولا كسب خلاف بين العلماء، قال في سبل السلام: وإيجاب نفقة الولد على أبيه وإن كان كبيراً، قال ابن المنذر اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب، فأوجب طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالاً كانوا أو بالغين، إناثاً أو ذكراناً إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن الآباء.(28/88)
وذهب الجمهور إلى أن الواجب الإنفاق عليهم إلى أن يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى، ثم لا نفقة على الأب إلا إذا كانوا زمنى، فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب. انتهى
فيجب على الأب أن ينفق على أبنائه ما داموا صغاراً غير قادرين على الكسب، فإذا بلغوا وصاروا قادرين على الكسب فلا تجب عليه نفقتهم عند جمهور العلماء، وذهب الحنابلة إلى أن النفقة تجب لهم كباراً إذا كانوا فقراء، وتراجع الفتوى رقم: 27231.
وعليه، فلا يجب على الأب على قول الجمهور أن ينفق على الأبناء بعد البلوغ وإن كانوا مشتغلين بالدراسة، ولا تدخل نفقات الدراسة ضمن النفقة الواجبة، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 59707.
ويندب للأب أن ينفق على أبنائه في هذه الحال، ويحصل على أجر الصدقة والصلة، وفي الحديث: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. رواه الترمذي.
وينبغي للأبناء بذل الجهد الممكن في دراستهم، لما ورد في الحديث: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. رواه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني في الجامع الصغير.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة على الأخ غير المحتاج
تاريخ الفتوى : ... 25 رجب 1426 / 30-08-2005
السؤال
باختصار أنا مغترب أعيش في دولة خليجية بمستوى معيشة متوسط والحمد لله، والأهل في الوطن بوضع غير جيد ماليا، والمشكلة بوجود أخ لي في نفس الدولة التي أقيم بها يكبرني سنا ولن أقول كل ما في نفسي ألا أنني لا أتكلم معه على الإطلاق لأن الأهل أولى بمال أعطيه، يطلب مني في كل مرة يتم اللقاء فيه لا مقطوعة ولا ممنوعة علما أنه قبلي هنا بسنتين وبنفس مستوى الدخل تقريبا ورأيت بعيني كيف يذهب ماله على كل ما لا حاجة له، في وقت يحتاج الأهل فيه المساعدة فهل أنا مخطئ بعدم الاتصال نهائيا، أحيانا أحس بالذنب إلا أنني أستشيط غضبا وحنقا فلا سند إلا الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزمك شرعاً النفقة على أخيك إلا في حالة كونه فقيراً محتاجاً، فإذا كان أخوك عنده من الدخل ما يكفيه فلا يلزمك إعطاؤه من مالك، ولا شك أن الأهل الذين هم محتاجون لمساعدتك أولى بالمساعدة منه، غير أنه لا يجوز لك هجره ومقاطعته، بل عليك صلته وزيارته، وينبغي لك نصحه بعدم الإسراف، وبشكر نعمة المال، وتذكيره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل(28/89)
عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جمسه فيما أبلاه. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... نفقة زوجة وابنة المرتد
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الثانية 1426 / 11-07-2005
السؤال
مسلمة تزوجت من إيطالي بعدما اعتنق الإسلام وولدت معه بنتا كتب لها الثلث من ورشته التجارية ثم تحول وتغير بحيث ارتد عن الإسلام وعاد إلى الكفر فاستعملت معه كل المحاولات لعله يهتدي فلما رفض خيرته بين الإسلام وبين الطلاق فطلقها هل تطالبه بنفقة البنت التي أخذتها معها؟
هل تطالبه بقسمة الورشة التي أهداها لها وهو على الإسلام؟ وهل عليه نفقة الطلاق؟
جازاكم الله خيراً.
حاشية: السؤال مستعجل لو تكرمتم بالرد عليه في حدود الإمكان.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حق هذه المرأة حضانة ابنتها، ومن حقها كذلك المطالبة لأبيها بالنفقة عليها ومستلزماتها، وعلى الأب أن ينفق على ابنته حتى تبلغ وتتزوج ويدخل بها زوجها.
قال العلامة خليل المالكي في المختصر عاطفاً على ما يجب من النفقة: والأنثى حتى يدخل بها زوجها.
وأما نفقتها هي في العدة، فلا تجب عليه على الراجح وهو القول المشهور عند المالكية أن الردة ينفسخ بها النكاح بطلاق بائن.
قال في المختصر مع شرح الحطاب: لا ردة فبائنة. لأن ردة أحد الزوجين طلقة بائنة.
وأما ما وهبه لها من الورشة وغيرها، فإن كانت قبلته وحازته منه، فقد أصبح ملكاً لها ومن حقها أن تطالب به، لأن الهبة تملك بالقول.
قال خليل في المختصر مع شرحه: وأجبر الواهب على الحوز أي على تمكين الموهوب له حيث طلبه لأن الهبة تملك بالقبول على المشهور، فله طلبها منه حيث امتنع ولو عند حاكم لجبره على تمكين الموهوب له منها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام في ما يطلبه الوالد من مال ولده
تاريخ الفتوى : ... 30 جمادي الأولى 1426 / 07-07-2005
السؤال(28/90)
أنا سيدة مطلقة أعيش مع أسرتي أعمل و أتقاضى مرتبا لا بأس به و كنت أمنح ثلثيه لأبي لأجل إنفاقه على باقي أسرتي وأحتفظ بالثلث لإنفاقه على احتياجاتي الخاصة و احتياجات ابني مع العلم أن حالتنا ميسورة و لله الحمد والآن زادت حاجتي و ابني لمزيد من المال فأبلغت أبي أني سأمنحه مبلغا أقل من السابق فغضب علي و أخذ يسيئ معاملة ابني وينعتني بألفاظ يترفع اللسان عن ذكرها و هددني بتسليم ابني إلى والده و حرمانه مني و حرماني من العودة للعمل بسبب هذا الأمر مما حز في نفسي وأنا التي منذ بدأت العمل لم ابخل عليهم بأي مبلغ بل كنت أحل أزماتهم المالية و أنفق على إخوتي من المبلغ الذي كنت أستقطعه أستغفر الله لا أقول هذا منة عليهم و لكن ما كان من والدي أثار في النفس ما أثار .
سؤالي هل إذا كان لدي دخل يجب علي الإنفاق منه على أسرتي باعتباري أعيش و ابني في منزل والدي ؟ و كيف لي أن أواجه هذا الموقف مع والدي من دون أن أرتكب في حقه إثما أو ذنبا و أن أكسب رضاه ؟
أسأل الله لي و لكم الهداية
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن بر الوالد من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه جل وعلا، وذلك لأن رضاه في رضا الوالد وسخطه في سخطه، ففي الترمذي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الله في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد. وفي الترمذي أيضا عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه.
وعلى هذا، فعليك أن تبالغي في بر أبيك والإحسان إليه وكسب خاطره ما استطعت إلى ذلك سبيلا لتحوزي رضا ربك جل شأنه
هذا من حيث العموم.
أما بخصوص ما يطلب منك هذا الوالد من مال فإن كان في حاجة إليه للنفقة أو نحوها من الأمور الضرورية والمال زائد عن حاجتك فهذا يجب عليك إعطاؤه ما يكفيه لسد تلك الحاجة، لأن نفقته تجب عليك في هذه الحالة بالتقاسم مع إخوانك إذا كان عندهم مال.
أما إن كان ما يطلبه ليس زائدا على حاجتك أو كان غنيا عنه أو أراد أن يعطيه لأحد إخوانك أو غيرهم من الناس فلا يجب عليك في هذه الحالات أن تعطيه، وراجعي الفتوى رقم: 46692 والفتوى رقم: 33090.
هذا، وندعو والدك إلى أن يتقي الله تعالى فيك ويحسن معاملتك كما تقتضيه المروءة ويوجبه الدين، وليعلم أنه لا يجوز له التفريق بينك وبين ابنك مادامت الحضانة قائمة، كما لا يجوز له منعك من الخروج للعمل وأنت في حاجة للإنفاق منه على نفسك وولدك سيما إذا كان ذلك المنع لغرض.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(28/91)
نفقة الزوجة على أولادها من زوج آخر
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الأول 1426 / 27-04-2005
السؤال
زوجتي لديها أولاد من زوج سابق وتعمل للإنفاق عليهم، فهل من الحلال أن تشارك فى الإنفاق فى مصاريف المنزل بما يوازي تكاليف أولادها، أيضا هي شريكتي فى ملكية منزل لنا بالنصف، فهل طلبي لها أن تشارك بنصف مصاريف إنشاء المنزل حلال, علما بأني إذا دفعت كل هذه المصاريف دون مساهمة منها فأني أبخس من حق أولادي منها فى ميراثهم عني؟ شكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم الزوج بنفقة أبناء زوجته من غيره، ونفقتهم واجبة على أمهم في حال وفاة الأب أو وجود مانع كعدم قدرته، وبالتالي، فلا حرج على الزوج من مشاركة زوجته في مصاريف المنزل بما يعادل نفقة أولادها، ولا حرج عليه كذلك في مطالبتها بالمشاركة في تكاليف بناء المنزل بقدر حصتها، على غير وجه الإلزام، أما على وجه الإلزام فلا يجوز إلا إذا كانت هذه الأرض لا يمكن قسمتها ولا يمكن الانتفاع بها إلا إذا صارت منزلاً، فيجوز حينئذ إلزامها إما بالمشاركة في بناء المنزل أو بيع حصتها لمن يشارك في البناء. قال الخرشي عند قول خليل: وقضى على شريك فيما لا ينقسم أن يعمر أو يبيع. هذا شروع في الكلام على مسائل يقع فيها النزاع بين الشركاء، والمعنى: أن الشريكين إذا كان بينهما على سبيل الشركة عقار لا ينقسم كالحمام والبئر والحانوت ونحوها فاحتاج إلى الإصلاح وأبى أحدهما أن يصلح، فإنه يقضي عليه بأن يعمر أو يبيع ممن يعمر أي يبيع جميع نصيبه لا بقدر ما يعمر به، وإذا وقع البيع فأبى الثاني أن يعمر فإنه يقضي عليه بمثل ما قضى به على الأول.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الزوج على الزوجة والعيال إذا كان لهم مال
تاريخ الفتوى : ... 20 صفر 1426 / 31-03-2005
السؤال
السؤال الأول: أنا مقيمة بالخارج أنا وزوجي وأولادي وهي دولة أوروبية، وهنا يعطون الأطفال مبلغا كل شهر من سنة حتى 18 سنة، وأنا لا أعمل ولا يوجد عندي أي دخل غير مبلغ من الحكومه يعطوه للأم عندما تحمل بالمولود ومبلغ آخر عندما يتم الطفل سنة إلى ثلاث سنوات، وأنا كنت أصرف هذه المبالغ مع زوجي لكي أساعده بكل ما يدخل لي والعجيب أنه عندما يحصل أي خلاف بالنسبه للمصاريف وأقول له إنني لم أقصر وأني أصرف معاك وأشارك بكل مبلغ يدخل لي وبدل ما يشكرني يقول لي أنا ولي نعمتك وأنا أتألم جيدا لأنى أعرف أن الزوج المفروض أن ينفق على الزوجة والأولاد ،وللعلم عندما كان يقول هذه الكلمة أنا(28/92)
ولي نعمتك لأنه بعثني إلى هذه البلاد، سؤالي هل ينفق الزوج على الزوجة والأولاد أم لا لأنه فى بلد أوروبية و المصاريف غالية، هل له أن يأخد فلوس الأولاد ويصرفها ضمن المصاريف أم أني أستثمرها لهم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة الزوجة واجبة على الزوج وهي نفقة مقدرة سبق بيانها في الفتوى رقم: 50068.
فتستحق الزوجة هذه النفقة ولو كانت غنية، وليس للزوج أن ينفق على زوجته من مالها بدون رضاها ويأثم بذلك، ويجب عليه أن يرد إليها ما أخذه منها بدون رضاها ولو كان صرفه في النفقة عليها، إلا أن تكون قد سمحت نفسها بذلك فليس لها أن تطالبه بما مضى.
وأما نفقة الأقارب فهي نفقة إرفاق وليست مقدرة بقدر بل هي على قدر الحاجة، ومن الأقارب الأولاد فيجب على أبيهم إن كانوا صغاراً فقراء أن ينفق عليهم، أما إن كان لهم مال فهو ولي مالهم فينفق عليهم من مالهم بالمعروف، ولا يجب عليه أن ينفق عليهم من ماله، وله أن يتبرع بالنفقة ويكون ذلك منه إحساناً، وكذا تلزم الأب نفقة الابن إن كان عاجزاً عن الكسب، وتراجع الفتوى رقم: 19453.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الوالدين والأقارب
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1425 / 12-12-2004
السؤال
والدي يأخذ علي كثيرا أنني لا أنفق عليه وعلى العائلة ما ينبغي رغم أنني ذو عائلة كبيرة وأعيش في إحدى دول الخليج لي ثلاثة أولاد وعلي التزامات مالية وديون قاهرة وعلم الله أنني لم أضن عليهم بأي فلس أستطيع إنفاقه عليهم إلا فعلت فهل علي وزر من ذلك وهل أنا مجبر على الإنفاق على العائلة الكبيرة كلها -إخواني وأخواتي– أم على والدي فقط رغم قناعتي أن الإنفاق على إخوتي هو جزء كبير من المسئولية علي لأن الجميع يسكن في بيت واحد وبالتالي صعب التفريق بين الإخوة والوالدين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا خلاف بين الفقهاء في وجوب نفقة الوالدين المعسرين، وأما غيرهم من سائر الأقارب فهو محل اختلاف بينهم والراجح وجوبها في كل قريب وارث، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 44020.
ومحل الوجوب إذا توفرت شروط منها: أن يكون المنفق به، فاضلاً عن قوت الشخص نفسه وزوجته وأولاده الذين تجب نفقتهم لحديث جابر الذي أخرجه مسلم في صحيحه وفيه: إذ أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته. وفي رواية(28/93)
لأحمد وصححها الأرناؤوط: ....... إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، وإن كان فضلا فعلى عياله، وإن كان فضلا فعلى ذوي قرابته أو قال على ذي رحمه.
قال صاحب كشاف القناع ممزوجاً بمتن الإقناع: ويبدأ من لم يفضل عنه ما يكفي جميع من تجب نفقتهم (بالإنفاق على نفسه) فإن فضل عنه نفقة واحد فأكثر، بدأ بامرأته لأنها واجبة على سبيل المعاوضة فقدمت على المواساة، ثم رقيقه، ثم بالأقرب فالأقرب. انتهى.
ومنها: أن يكون المنفق عليه فقيرا لا مال له ولا كسب، وعلى هذا فلست مطالباً شرعاً بالإنفاق على أبويك وإخوتك، إلا إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب، وكان ما تنفق به عليهم فاضلا عن قوتك وقوت عيالك، فإن عجزت على الإنفاق على الجميع تقدم نفسك، ثم زوجتك وأولادك، ثم أبويك، ثم إخوتك وهكذا الأقرب ثم الأقرب. انظر كشاف القناع عند كلامه على النفقات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الرجل على زوجته وأولاده على حسب حالته من اليسر او الإعسار
تاريخ الفتوى : ... 03 شوال 1425 / 16-11-2004
السؤال
زوجي لديه ثلاثة أولاد بنتان وولد وراتبه خمسة آلاف أريد أن أعرف كم يكون المبلغ أو النفقة لهما علماً أن زوجي عليه ديون كثيرة ولا أريد أن يتهاون في موضوع النفقة على أولاده وأيضاً بنت زوجي عمرها الآن 17سنة وهي الآن عند والدتها تسكن مع زوج أمها الذي هو مربيها فما حكم ذلك علماً أنني اشترطت على زوجي بأن أولاده لا يسكنون عندي لأني أعرف بأنهم يكرهونني ويريدون التفرقة بيني وبين زوجي وهذا ما قالته ابنته أرجوكم أريد الحل ولكم جزيل الشكر.
وجزاكم عند المولى .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على الرجل أن ينفق على زوجته وأولاده الفقراء، وتقدر النفقة بحسب عرف البلد مع مراعاة حال المنفق من اليسر والتوسط والإعسار، وحال المنفق عليهم وقد مضى الكلام على هذا في الفتوى رقم 49823، والفتوى رقم 51574، أما بخصوص سكنى بنت زوجك مع أمها وبقائها تحت رعاية زوج أمها فهذا لا حرج فيه إذا لم يخش على البنت فساد من ذلك، لكن النفقة في كل الأحوال تبقى واجبة على الأب، أما مسألة اشتراطك على زوجك أن لا يساكنك أحد من أولاده من غيرك فهذا شرط وإن كان مقبولاً شرعاً لأحقيتك في سكن مستقل عن جميع أقارب الزوج كما بينا في الفتوى رقم 34802، إلا أن الذي ننصحك به هوالتخلي عن هذا الشرط ومحاولة التقريب بينك وبين أولاد زوجك، ولا تنسي أن في هذا إرضاء للزوج وتوطيد للعلاقة(28/94)
بينك وبين أفراد أسرة زوجك، ولا يخفى ما في هذا كله من الخصال الحميدة التي تضفي على الأسرة جميعاً جواً من السعادة والألفة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الوالد الفقير على حسب الحالة المادية للأولاد
تاريخ الفتوى : ... 26 رمضان 1425 / 09-11-2004
السؤال
أنا امرأة متزجة وعندي ثلاث أخوات في الإمارات وأخواتي لم يرسلوا لوالدتي أي نقود، كانت أخت متبرعة لها كل شهر 500 جنيه وبعد فترة قطعت هذا المبلغ وتقول إنها عندها ظروف رغم أنها لا يوجد عندها أي ظرف لأنها ليست متزوجة، ما حكم الإسلام فيها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفقة الأبناء على الوالدين الفقيرين واجبة بالإجماع، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى، وعليه فيجب عليك أن كنت ذات مال، وعلى أخواتك كذلك المتزوجة منكن وغير المتزوجة الإنفاق على أمك إذا كانت فقيرة لا كسب لها ولا مال.
قال في المدونة قال مالك: تلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين ولو كانا كافرين والولد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، كانت البنت متزوجة أم لا، وإن كره زوج الابنة. انتهى.
ويكون حصة كل واحدة منكن على حسب يسارها وحالتها المادية هذا هو الراجح من ثلاثة أقوال في المسألة لخصها صاحب الكفاف الشنقيطي بقوله:
وهل بحسب سيرهم أو العدد**** أو إرث الأطفال والأول أسد
وإنما كان هذا القول هو الأصوب لقوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ{الطلاق:7}، وعلى كل فلا يجوز لواحدة منكن أن تقطع ما يجب عليها من نفقة أمها مع قدرتها على ذلك، والذي يلزم أختك التي قطعت تبرعها المذكور حصتها بحسب ظروفها وحالتها المادية، ولا يجب عليها أكثر من حصتها ما دام غيرها من الأخوات أو الإخوان موسراً.
ويجب عليكن كذلك الإحسان إلى والدتكن وصلتها بالمعروف وإن لم تكن فقيرة، كما أمر الله تعالى بقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، وقال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}، ولتحذرن من التقصير في حقها وبرها، فإن رضي الله سبحانه من رضاها وسخطه في سخطها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.(28/95)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة على الزوجة والعيال هي أعظم النفقات أجرا
تاريخ الفتوى : ... 12 رمضان 1425 / 26-10-2004
السؤال
هل تعتبر النفقة على الزوجة والأولاد من الصدقات التي يثاب عليها إلى سبعمائة ضعف وإن كانت لا فما أجرها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنفاق على الزوجة والأولاد واجب على الرجل، لقول الله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:233}، وقوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق:7}، والنفقة على الأهل أعظم أجرا من جميع الصدقات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
قال المناوي في فيض القدير: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن أبي شيبة: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. مع أنه ذكر قبله النفقة في سبيل الله وفي العتق والصدقة ورجح النفقة على العيال على هذا كله لما ذكرناه. انتهى.
وعن أبي عبد الله ويقال له أبي عبد الرحمن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله. رواه مسلم.
قال في الفتح قال أبو قلابة: بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عياله يعفهم وينفعهم الله به. انتهى.
ولا ينقطع الأجر ما لم تنقطع النفقة، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بني فقال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم. متفق عليه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حديثه الطويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك. متفق عليه.
قال في المنتقى شرح الموطأ وقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله..... الحديث. يقتضي أن النفقة إذا أريد بها وجه الله والتعفف والتستر وأداء الحق(28/96)
والإحسان إلى الأهل وعونهم بذلك على الخير من أعمال البر التي يؤجر بها المنفق وإن كان ما يطعمه امرأته، وإن كان غالب الحال أن إنفاق الإنسان على أهله لا يهمله ولا يضيعه ولا يسعى إلا له مع كون الكثير منه واجباً عليه، وما ينفقه الإنسان على نفسه أيضاً يؤجر فيه إذا قصد بذلك التقوي على الطاعة والعبادة. انتهى.
فمما تقدم يتبين لنا عظم أجر الإنفاق على الزوجة والأولاد إذا ابتغي به وجه الله، وأما هل يضاعف هذا الأجر إلى سبعمائة ضعف فالأحاديث عامة في مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة ضعف، ومنها ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن علمها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به.
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: وقد قيل إن العمل الذي يضاعف إلى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار إليه قريبا رفعه من هم بحسنة فلم يعملها فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف، وتعقب بأنه صريح في أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة وليس فيه نفي ذلك عن غيرها صريحا ويدل على التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. الحديث. انتهى كلامه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أبوهم لا ينفق عليهم ويريد الزواج بأخرى
تاريخ الفتوى : ... 28 شعبان 1425 / 13-10-2004
السؤال
نحن أربع بنات وأربعة أولاد ووالدتنا ووالدنا والمشكلة أن والدنا يعمل ولكنه غير ملتزم بالإنفاق علينا وهو لا يعيل بالشكل المفروض عليه كأب، أخي الكبير يبلغ من العمر 18 عاماً وأختي 24 عاماً هم الذين يعيلون البيت أبي لا يهتم لأمر أولاده ولا زوجته، في الدرجة الأولى عنده يأتي والده ووالدته وعماتي والجديد أنه يريد الزواج من أخرى ما حكم الإسلام بذلك هل يجوز له أن يتزوج أخرى هل يجوز أن يتكفل الأخ بإخوته الصغار وأعمارهم (6-16) ووالدهم قادر على الإنفاق عليهم وأنا أعرف أن على الأب والزوج تأمين المسكن والمأكل والمشرب لزوجته وأولاده، أختي منذ أن بلغت 18 عاماً وهي تعمل وتنفق علينا وصلنا إلى حد أننا كرهنا وجوده في البيت لأنه وبالرغم من أنه لا ينفق علينا يطلب النقود من إخوتي(28/97)
وأمي أصبحت لا تطيق له وجوداً بالبيت، أرجو أن أجد عندكم الجواب الشافي؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الله تعالى للرجل القوامة على أهله لما حباه الله تعالى من صفات تؤهله لذلك، ولما يقوم به من الإنفاق عليهم، قال الله سبحانه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}، فالواجب على أبيكم أن ينفق بالمعروف على من تلزمه نفقته مثل أمك وإخوانك الصغار، ومن لم تتزوج من بناته، وإن كان الحال كما ذكرت من تفريطه في القيام بذلك من غير عذر فالواجب عليكم نصحه برفق ولين وبأسلوب طيب واستعينوا بالله أولاً ثم بكل من له تأثير عليه وخاصة أهل العلم والصلاح، ونوصيكم بالصبر عليه، فلعل الله تعالى يهديه ويقوم بواجبه، فإن فعل فالحمد لله وإلا جاز رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتلزمه بالواجب عليه نحو زوجته وأهله، وليس في ذلك نوع من العقوق، كما هو مبين في الفتوى رقم: 43086.
وأما أخوك فلا يلزمه الإنفاق عليكم ما دام أبوكم حياً وقادراً على القيام بذلك، ولكن إن فعل ذلك تبرعاً فأمر حسن يثاب عليه، وتراجع الفتوى رقم: 52621، وإن طلب منه أبوه مساعدته لحاجته وجبت عليه طاعته بالمعروف.
وأما زواج أبيكم من امرأة أخرى فجائز إذا أمكنه تحقيق شرطه وهو النفقة والعدل، وتراجع الفتوى رقم: 35756، وننبهكم إلى أن الواجب عليكم الإحسان إلى أبيكم وإن وقع في شيء من التقصير، فلا يحملنكم ذلك على عقوقه، وتراجع الفتوى رقم: 3459.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يحل للأخت من مال أخيها
تاريخ الفتوى : ... 01 جمادي الثانية 1425 / 19-07-2004
السؤال
أريد معرفة حق الأخت المتزوجة على أخيها وحقها في استخدام أغراض بيته كالتلفون والجوال والأشياء التي هي خاصة بالزوجة على أساس أنها من مال أخيها، كذلك حق الأخت غير المتزوجة وحق الأهل من مال الابن وإن أمكن عنوان بالحقوق.
جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحل للأخت متزوجة كانت أو غير متزوجة أن تأخذ شيئا من ممتلكات أخيها إلا بطيب نفس منه، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه".(28/98)
أخرجه الدار قطني وأحمد والبهيقي وغيرهم، وصححه الألباني.
والتلفون والجوال والأشياء الأخرى إذا كانت للأخ فهي كبقية ماله وإن كانت للزوجة فلا يجوز استعمالها أيضاً إلا برضاها، وإذن الزوج فيها غير معتبر ولو كانت أصلا من ماله، لأن إعطاءها للزوجة يصيرها ملكاً لها
إذا حازتها عنه.
والأخت غير المتزوجة إذا كانت فقيرة وأخوها موسر فحقها عليه أن ينفق عليها عند أكثر أهل العلم، وراجعي فيه الفتوى رقم: 478.
وإذا كان الوالدان معسرين والابن موسرا فنفقتهما واجبة عليه بالإجماع.
وراجعي فيه الفتوى رقم: 39229.
وراجعي فيما يباح للأب من مال ابنه الفتوى رقم:1889.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... التبذير تبديد للمال وتضييع له
تاريخ الفتوى : ... 07 ربيع الثاني 1425 / 27-05-2004
السؤال
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، هل يدخل في هذه الأشياء التي ليس لها ضرورة والتي ربما تدخل في باب التبذير؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن والسنة مليئان بالآيات والأحاديث التي تأمر بالإنفاق وتحث عليه وترغب فيه، مثل قول الله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، وقوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، وقال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار انفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
وكذلك الحديث الذي أشار إليه السائل، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة. متفق عليه.
ومعلوم أن الله نهى عن الإسراف والتبذير، وعليه فإن الأشياء الزائدة على الحاجة إذا أنفق الرجل فيها ماله لا يكون متصدقاً بل يكون مبدداً، لأن التبذير إنفاق المال في غير حقه، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [الإسراء:26]، قال القرطبي: وقوله تعالى: معنى لا تبذر أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق، قال الشافعي رضي الله عنه والتبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير، وهذا هو قول الجمهور إلى أن قال من أنفق ماله في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر، ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الأصل...(28/99)
فليس بمبذر، ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد. انتهى كلام القرطبي رحمه الله تعالى مع تصرف قليل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العمل لسد حاجة من تجب نفقته واجب
تاريخ الفتوى : ... 29 محرم 1425 / 21-03-2004
السؤال
أمي مريضة وهي في حاجة دائمة إلى نقود من أجل الفحوص الطبية، فهل يجوز لي أن ألتحق بمدرسة مهنية وأساعدها حسب المستطاع، أم يجب أن اشتغل في أي عمل حلال وأوفر لها كلما تريد، أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى الوالدين فقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [البقرة:83]، وقد قرر أهل العلم أن من الإحسان الواجب: النفقة على الوالدين الفقيرين فإذا كانت أمك فقيرة تعجز عن توفير ما تحتاجه من النفقة أو العلاج والفحوص الطبية ونحو ذلك من الحاجات، وأنت قادر على توفير ذلك من خلال العمل المباح فيجب عليك ذلك العمل، لأن العمل لسد حاجتك أو سد حاجة من تجب عليك نفقته -مثل والدتك- واجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 15710، والفتوى رقم: 21790.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذاهب الفقهاء في أحكام نفقة الأصول والفروع والأقارب
تاريخ الفتوى : ... 20 ذو الحجة 1424 / 12-02-2004
السؤال
ما هي الحالات التي يكون فيها الأخ ملزما بنفقة أخيه أو أخته أو أي شخص آخر ليس من الأصول أو الفروع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على وجوب نفقة الأصول والفروع عند الحاجة إلى ذلك، واختلفوا في سوى ذلك من القرابات كالإخوة والأعمام ونحوهما، حيث ذهب الحنفية إلى وجوب نفقة كل ذي رحم محرم كالعم والأخ وابن الأخ، قال صاحب بدائع الصنائع وهو حنفي: سبب نفقة الأقارب في الولادة وغيرها من الرحم هو القرابة المحرمة للقطع، لأنه إذا حرم قطعها يحرم كل سبب يفضي إلى القطع، إلى أن قال: وحاجة(28/100)
المنفق عليه تفضي إلى قطع الرحم فيحرم الترك، وإذا حرم الترك وجب الفعل ضرورة. انتهى.
وذهب الحنابلة إلى وجوب النفقة لكل قريب وارث بفرض أو تعصيب، قال ابن قدامة في المغني: وظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه، وذكر قبل هذا الموضع أن ذلك بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون فقيراً لا مال له ولا كسب، والثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليه فضلاً عن نفقة نفسه، إما من ماله أو من كسبه، والثالث: أن يكون المنفق وارثاً. انتهى.
وذهب الشافعية إلى قصر النفقة على الأصول والفروع فقط، قال زكريا الأنصاري وهو شافعي: وإنما تجب على ذي قرابة بعضية وتجب له، وهم الفروع وإن نزلوا والأصول وإن علوا فقط، أي دون سائر القرابات كالأخ والأخت والعم والعمة، ذكوراً وإناثاً وارثين وغير وارثين.
أما المالكية فقد بين خليل بن إسحاق المالكي مذهبهم وإليك نص كلامه ممزوجاً بكلام شرحه منح الجليل: ولا تجب بالقرابة نفقة جد من جهة أب أو أم، ولا تجب نفقة ولد ابن وأولى ولد بنت.
وعلى العموم فالذي نراه راجحا في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الإمام أحمد .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الزوج أن ينفق على أولاد زوجته
تاريخ الفتوى : ... 22 ذو القعدة 1424 / 15-01-2004
السؤال
هل يجوز للزوج أن ينفق على ابنة زوجته من رجل سابق مع العلم بأن الأب موجود و مقتدر ماليا ولكن الابنة تعيش مع والدتها؟
الفتوى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن نفقة الولد على أبيه لقوله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 233]. وعلى هذا، فلا يلزم الزوج أن ينفق على ابنة زوجته من غيره، لكن إن أنفق متبرعا، أثابه الله على ذلك، وإن أنفق عليها لامتناع أبيها عن النفقة عليها ونوى الرجوع عليه بالنفقة، كان له أن يرجع عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تجب نفقة الأب الفقير على البنت الموسرة
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الثاني 1424 / 03-06-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم(28/101)
أنا متزوجة وعندي أطفال أعمل وأرسل لوالدي ما ييسره الله لي وكذلك أخي الشقيق لحاجتهم مثل كل الصابرين في العراق فهل هذا يدخل ضمن الواجبات الشرعية أم تعتبر صدقات؟ وهل البنت ملزمة بوالديها مثل الولد أم لا؟ ولدي أخ غير شقيق وهو محتاج هل الله يحاسبني إن لم أكن قد ارسلت له مع تمكني سابقاً وليس الآن وكنت أقول بيتي أولى؟
أفيدوني أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وع لى آله وصحبه أما بعد: فإن كنت من أهل اليسار، وكان أبواك فقيرين أو أحدهم ا، فالواجب عليك في هذه الحالة الإنفاق، لأن ذلك يدخل ضمن حقوقهما في البر المطالب به شرعاً لهما، ولا فرق بين الذكر والأنثى في هذا. قال في نصب الراية: ولا يشارك الولد في نفقة أبويه أحد لأن لهما تاويلاً في مال الولد بالنص، وهي على الذكور والإناث بالسوية بينهما. وانظر الفتوى رقم: 689 أما نفقة الأخ أو غيره من الأ قارب، فهي محل اختلاف بين العلماء، فمنهم من جعلها واجبة في حال العسر، وبه قال الح نفية والحنابلة. قال في العناية: ولا تجب نفقة الأخ إلا على الموسر ، ولأن هذه قرابة توسطت بين بني الأعمام وقرابة الولاد. وقال في فتح القدير: ونفقة الأخ المعسر على الأخوا ت المتفرقات الموسرات أخماساً على قدر الميراث. بينما ذهب آخرون إلى عدم لزوم نفقة غير الأصول والف روع، وبه قال المالكية والشافعية. قال في المدونة: ولا يلزم نفقة أخ ولا ذي قرابة ول ا ذي رحم محرم منه. وقال الشافعي في الأم: أجبر الولد على نفقة الو الد، والوالد على نفقة الولد في الحين الذي لا غنى لواحد منهما عن صاحبه، ولم أجد م ن أجبر الأخ على نفقة أخيه. ولاشك أن الأحوط هو الإنفاق على الأخ لكثرة القائلي ن به من أهل العلم، وبه ننصح السائلة، وذلك للخروج من الخلاف، وفي نهاية الجواب ننب ه السائلة إلى مراجعة حكم عمل المرأة في الفتوى رقم: 9653
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجوز للشخص أن يمتنع عن النفقة لمن تجب لهم
تاريخ الفتوى : ... 26 ربيع الأول 1424 / 28-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي عندي شخص من عائلتنا حالته ممتازة جداً والحمد لله لكنه لا يصرف على نفسه ولا على عائلته مع العلم بأنه لا توجد عنده سيارة إلا من النوع القديم جداً ولا يأكل جيداً ولا يلبس جيداً وهو عقيم لا ينجب ما رأيكم أيها العلماء في هذا وهو تقي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن النفقة واجبة على الشخص لأصوله وفروعه وزوجاته، ولا يجوز له أن يمتنع عن ذلك عند القدرة، ولو أعطى من تجب لهم النفقة المقدار الواجب من السكنى والنفقة كفاهُ،(28/102)
لكن الأفضل أن يوسع عليهم قدر المستطاع فهو مأجور على ذلك، ومثل ذلك التوسعة على النفس، بل هي أفضل، وشرط ذلك كله ألا يصل إلى حد الإسراف. ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية: 25339، 30466، 27420، 15167. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجب على الزوج دفع قيمة اتصال الزوجة بأهلها
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الأول 1424 / 27-05-2003
السؤال
لي صديق متزوج وله أولاد ومشكلته أنه يعيش في الخارج مع زوجته وأولاده، وكل أسبوع يتصل بوالدته ليطمئن عليها، ويجعل زوجته تتصل بأهلها كل ثُلاث أسابيع وذلك بأنه يحس أن أهلها يريدون أن يجعلوا السيطرة لها وهي كذلك، تحاول ذلك وقد صنعت مشاجرة أخيرة بأنها لا بد أن تتصل بأهلها كل أسبوع كما يتصل هو بوالدته بحجة العدل وبحجة بر الوالدين، وهي عندما تناقش ترفع صوتها على زوجها ويمكن أن تصل إلى درجة الغلط إذا ما نفذ الزوج ما تطلبه، فماذا يفعل مع هذه الزوجة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجب على الزوج دفع قيمة اتصال الزوجة بأهلها لأن ذلك ليس من النفقة اللازمة لها عليه، ولكن لو تبرع بذلك فلا بأس وليس لها حق في مطالبته بالاتصال على أهلها من ماله كما يتصل هو على أهله، وإذا عملت له مشاكل فله تأديبها بالتي هي أحسن، فيبدأ بالنصيحة ويبين لها أن ما تطلبه منه ليس لازما له، فإن أصرت على ما هي عليه، فله تهديدها وزجرها، فإن أصرت هجرها في الفراش، فإن أصرت ضربها ضربا غير مبرح بأن لا يكسر لها عظما ولا يشين جارحة، ولا يذهب منفعة كالبصر، فإن أصرت فله إعطاؤها ما تريد، وله طلاقها، وله رفع أمرها للحاكم لينظر في القضية أو يبعث حكمين حكما من أهله وحكما من أهلها فينظرا في القضية ويحكما فيها بالجمع أو التفريق، حسب ما يظهر لهما.ويدل على هذا قول الله تبارك وتعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34]. (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) [النساء:35]. والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
وازن بين حق الله وحق الأهل وبين العلم والعبادة
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1423 / 09-05-2002(28/103)
السؤال
هل الذهاب إلى المساجد لسماع المحاضرات أو الدعوة و ترك الأهل دون امتلاك الأموال حلال أم حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنفاق على الأهل بقدر الكفاية واجب مقدم على سماع المحاضرات والدروس المستحبة ونحو ذلك، قال صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أحمد و أبو داود وصححه النووي و السيوطي .
وإذا كان عند الأهل كفايتهم من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، فإنه يستحب للمرء أن يحضر مجالس العلم والذكر ونحوها، وهي مقدمة على ما زاد عن الكفاية في النفقة على الأهل.
وعلى العموم فينبغي على المسلم أن يكون عنده توازن في حياته وفي الحقوق الواجبة عليه، فيوازن بين الدين والدنيا وبين الجسم والروح وبين حق الله وحق الأهل وحق النفس، وبين العلم والعبادة، وبين العلم والدعوة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من أحكام تصرف الزوجة في مال زوجها بدون إذنه
تاريخ الفتوى : ... 29 صفر 1428 / 19-03-2007
السؤال
امرأة تزوجت منذ سنوات ,زوجها كان يعمل ببلاد أجنبية يرجع إلى وطنه الأصلي نادرا ولأيام معدودات نظرا لارتباطته المهنية فهي استطاعت وبواسطة المال الذي كان يرسل لها وبواسطة ما كانت توفره من شغلها شراء بيت ببلد الزوج الأصلي لم تعلم زوجها بما فعلت لخوفها من عدم رضائه ولأنها كانت تخاف أن يبيع هذا البيت وبثمنه يستطيع بناء بيت آخر في موطن مسقط رأسه واستطاعت أن تخفي الحقيقة رغم شكوك زوجها في البيت وخاصة وأنها أصبحت تقطنه صحبة أبنائها الصغار شاء الله أن يتوفى زوجها ويرحل إلى الرفيق الأعلى سنة الله في خلقه هي الآن تشعر بخيبة ما فعلت ندمت على عدم إخبار الفقيد بالحقيقة تشعر وكأنها لم تكن وفية مع شريك حياتها الندم يلازمها حين تتذكر كيف تصرفت مع العلم وأن البيت إرادته لإيواء أسرتها فقط ولا غير وهي الآن تسأل هل من سبيل لتكفير الذنب؟ أفيدوها رحمكم الله ...وجزاكم الله خير الجزاء لما تقدمونه للإسلام وللمسلمين..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحق للزوجة أخذ شيء من مال زوجها دون علمه، إلا في حالة ما إذا قتَّر عليها وعلى أولادها، فلم يعطهم ما يكفيهم من النفقة، فلها حينئذ أن تأخذ من ماله بدون(28/104)
علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، ولا تزيد على ذلك، ولو كان غرضها ادخار هذا المال، وقد سبق تفصيل هذا في الفتوى رقم: 8534.
وعليه، فما قامت به تلك الزوجة من التصرف في مال زوجها دون إذن منه يعتبر تصرفا غير جائز، ولا يبرره ما أرادت به من المصلحة، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. أخرجه الدارقطني وأحمد والبيهقي وغيرهم، وصححه الألباني.
ولكن بما أنها قد ندمت على هذا الفعل ندما شديدا، فنرجو أن يكون ذلك توبة من عملها هذا، ويبقى عليها أن ترد المال إلى الورثة الشرعيين، وهي أحدهم، وتعقد العزم على أن لا تعود إلى مثل هذا الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إنفاق المرأة على بيتها من المال الحلال الذي تكسبه
تاريخ الفتوى : ... 23 صفر 1428 / 13-03-2007
السؤال
أنا زوجة عاملة(مدرسة) لزوج يعمل في بنك ربوي ونعلم أن العمل به حرام فبالتالي المال حرام لذلك:
هل يجوز لي أن اصرف على بيتي ونفسي وأولادي من طعام وشراب ولباس من مالي الخاص من غير الحاجة إلى زوجي.
السؤال الثاني:زوجي الآن هل يعتبر عملي دخلا له ولبيته فبالتالي تزداد الحرمة أم لا مع العلم أني مستعدة لإعطائه جميع الراتب إذا ترك عمله.
السؤال الثالث: الأرباح المحصول عليها من بنك إسلامي نتيجة وضع مال لي في حساب ( استثمار) والأرباح غير محددة .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من أن تقومي أنت بالإنفاق على نفسك وبيتك وأولادك، بل إن ذلك من الإحسان والخير.
وإذا أنفقتِ أنتِ من المال الحلال الذي تكسبينه فقد طهَّرْتُم أبدانكم من الحرام. ولا يعتبر ما تكسبينه من المال مالا لزوجك، بل هو مالٌ لك أنت، ليس له عليه سلطان، ولكن إذا كنت قادرة على أن تنفقي على نفسك وعليه وعلى الأولاد والبيت، وبذلت ذلك له فالظاهر والله أعلم أنه لا يجوز له الاستمرار في هذا العمل المحرم، لأن الضرورة غير متحققة، فيلزمه ترك العمل فوراً، والبحث الجاد عن عمل حلال.
وأما عن الأرباح التي تجنى من حساب الاستثمار في البنوك الإسلامية، ولا تحدد فيها نسبة الربح، بل هي خاضعة للربح والخسارة، فحلال إن شاء الله، ما دامت هذه البنوك ملتزمة التزاما تاما بأحكام الشريعة في ما تقوم به من معاملات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(28/105)
ـــــــــــــــــــ
النفقة على الزوجة المسافرة والمحبوسة والعاملة
تاريخ الفتوى : ... 11 صفر 1428 / 01-03-2007
السؤال
ما أحكام النفقة على المسافرة والمحبوسة والعاملة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على الزوج نفقة زوجته المدخول بها وكسوتها -ما لم تكن ناشزاً خارجة عن طاعته- فتجب نفقتها على كل حال في السفر والحضر والغيبة والحضور وفي الحبس، ولو كانت عاملة أو غنية قال ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام:
ويجب الإنفاق للزوجات **** في كل حال من الحالات
والحكم في الكسوة حكم النفقة**** ......
والمعتبر في ذلك حال الزوجين والبلد والسعر. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 71209، والفتوى رقم: 60510.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
شروط سكن المطلقة البائنة في بيت مطلقها
تاريخ الفتوى : ... 17 جمادي الثانية 1426 / 24-07-2005
السؤال
أنا مواطنة مغربية مطلقة طلاقا بائنا المشكلة تكمن في زوجي لأنه لا يريد أن يتخذ معي أي حل فأنا أم لسبعة أطفال لا يريد أن يترك البيت ويريدني أن أذهب معه إلى القاضي لأطلق نفسي حتى أبرئه من نفقة الطلاق مع العلم أنه جد ميسور ويعامل أطفاله معاملة سيئة ويريد إخراجي من البيت مع أطفاله مع العلم أنه ليس لي مكان آوي إليه لا زال معي في نفس البيت إلا أنه لا يراني كما أنه يخيرني بين أن أطلق نفسي عند القاضي لأنه بذهابي عنده أكون أنا من يطلب الطلاق وبذلك لن أحصل على حقوقي أو أذهب معه عند علماء الدين حتى يعطيني ما يريد أفيدوني جزاكم الله عن فتاواكم كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا من السؤال هل الطلاق البائن أوقعه الزوج أو لم يوقعه بعد، ويريد من الزوجة أن تخالعه، ولم يتضح لنا إذا كان الطلاق قد وقع، هل انتهت مدة العدة أو لم تنته بعد.
وعلى كل حال، فإن المطلقة طلاقاً بائناً لا يجوز لها أن تسكن مع مطلقها في بيت واحد، لأنها أجنبية عنه، ولما يترتب على ذلك من الاختلاط والنظر وغير ذلك من المحرمات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم. رواه مسلم في صحيحه.(28/106)
فعلى المطلقة طلاقا بائنا أن تسكن في بيت منفصل عن سكن مطلقها، فإذا لم يمكن ذلك وأمكنها أن تسكن في غرفة منفردة، فإنه يجوز لها ذلك بشرط ألا تكون المرافق مشتركة كالمطبخ والحمام ونحوها، قال في الموسوعة الفقهية: لو كانت دار المطلق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في غرفة منفردة وبينهما باب مغلق أي بمرافقها، وسكن الزوج في الباقي جاز، فإن لم يكن بينهما باب مغلق ووجد معها محرم تتحفظ به جاز، وإلا لم يجز.
وأما بخصوص النفقة بما فيها نفقة السكن، فإنها واجبة للأولاد على أبيهم. وهل يجب السكنى للحاضنة المطلقة؟ فقد قال ابن عابدين في حاشيته: القول بوجوب أجرة المسكن ليس مبنيا على وجوب الأجر على الحضانة بل على وجوب نفقة الولد، فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها أصلاً، بل تسكن عند غيرها، فكيف يلزمها أجرة مسكن لتحضن فيه الولد، بل الوجه لزومه على من تلزمه نفقته، فإن المسكن من النفقة. وراجعي الفتوى رقم: 24435.
وقد سبق لنا أن بينا تحريم الإضرار بالزوجة وإيذائها لتفتدي نفسها، وذلك لقوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ {النساء: 19}. وراجعي الفتوى رقم: 6655.
وإذا كان زوجك قد طلقك طلاقاً بائناً، ويريد أن يمنعك وأبناءك حقوقكم، فلك أن ترفعي الأمر إلى المحاكم الشرعية القريبة منكم، حتى تبت فيه وتعطي كل ذي حق حقه.
واعلمي أن ذهابك للمحكمة الشرعية ليس فيه ضياع لحقوقك، بل في ذلك حفاظ عليها من الضياع، ولا تذهبي مطالبة بالطلاق كما يريد مطلقك، بل طالبي المحكمة بحقك وحق أبنائك، وبإنصافك من مطلقك، واحرصي على أن يكون معك بينة -كشهود مثلا- على طلاقه لك.
نسأل الله تعالى أن يفرج كربك وأن ييسر أمرك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تنازل المطلقة عن النفقة والمتعة
تاريخ الفتوى : ... 19 جمادي الأولى 1426 / 26-06-2005
السؤال
سؤالى هو: امرأة مطلقة حكمت لها المحكمة بنفقة ومتعة لكنها لا تريد أخذ هذه النقود، فهل يجوز لها ذلك أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فللمطلقة حق النفقة والسكنى في العدة وخلال فترة الحمل إن كانت حاملاً، وبعد انقضاء العدة ووضع الحمل ليس لها سكنى ولا نفقة، وتقدم بيانه في فتاوى منها الفتوى رقم: 45034.(28/107)
فإن كان ما قضت به المحكمة من النفقة والمتعة من حق الزوجة بأن تكون في العدة أو كانت حاملاً فهذا حقها، ولها أخذه أو التنازل عنه، ولا يلزمها أخذه، وأما إن لم يكن من حق الزوجة، فلا يجوز لها أخذه، وكون القاضي قضى به فهذا لا يجعله حلالاً، فإن حكم القاضي لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ديانة بين العبد وربه، ففي صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار.
وعليه، فيجوز تنازلها عن ما قضت لها به المحكمة إن كان لها حق فيه ، ويجب التنازل إن لم يكن لها حق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو الحجة 1425 / 18-01-2005
السؤال
قمت من تلقاء نفسي بالتوسط بين زوجين لإصلاح ما بينهما من شقاق دون العلم بطبيعة المشكلة وعند محادثة الزوج فاجأني بأن زوجته اعترفت بأنها تقيم علاقة مع رجل عن طريق التليفون ولذا عزم على طلاقها وسألني إذا كان من حقها أن تأخذ من ماله (حقوقها الشرعية) فأجبت بأنني لا أوافقه على إعطائها من ماله لأنها خائنة فهل تصرفي صائب أم أنه جانبني الصواب، وماذا أفعل لدرء ما قد أكون قد سببته من خطأ.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد كان الأجدر بك أن تأمر هذا
الرجل بإصلاح شأن زوجته، وذلك عن طريق الموعظة الحسنة، ولو استدعى ذلك تأديبها فلا حرج ما دام ذلك في حدود الشرع. فإن تابت واستقامت فالأولى عدم فراقها، وذلك لأن التوبة تجب ما قبلها. أما إن علم إصرارها على فعلها فلا مانع حينئذ من أن يطلقها لأنه يخشى أن يتطور أمرها إلى ارتكاب الفاحشة.
وعلى كلٍ فإن وقع الطلاق فيجب لهذه المرأة من الحقوق ما يجب للمطلقة الرجعية من النفقة والكسوة وتوابعها إن كان الطلاقا رجعيا، أما إن كان بائنا فليس لها نفقة ولاسكنى ما لم تكن حاملا. أما الصداق فلازم على كل حال إن حصل الطلاق بعد الدخول؛ وإلا فنصفه.
أما أنت أيها السائل: فاعلم أن الإفتاء في أمور الشرع من غير بصيرة صاحبه على خطر عظيم، لقول الحق سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ {الاسراء: 36}. وقوله: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ(28/108)
الْكَذِبَ {النحل: 116}. فلتبادر إلى من أفتيته فإن كان لم يطلق فأرشده إلى ما قلنا، وإن وقع الطلاق فأخبره بحقوق المرأة عليه، وانظر الفتوى رقم:14585 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة المطلقة حال إعسار الزوج
تاريخ الفتوى : ... 05 شوال 1425 / 18-11-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أفتونا مأجورين فيما يلي: طالب علم كان يتقاضى مبلغ مائة دولار (كفالة طالب علم) وله راتب آخر، وكان قد التزم لمطلقته بمبلغ من المال منها ولعياله منها، غير أن هذه الكفالة قطعت، فأشعر المطلقة ووليها والمحكم بعجزه عن دفع قرش واحد كونه طالب علم، ولكن لم يجبه أحد، حتى مضت أشهر ثم جاؤوا يطالبونه بنفقة الأشهر مجتمعة، مع أنه عاجز عن نفقة شهر واحد فضلا عنها مجتمعة، أفتونا مأجورين، وفي أقرب وقت؟ والله يرعاكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك في أن نفقة الزوجة والأولاد واجبة على الزوج، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 19453.
وإذا كان الرجل فارق زوجته فلا يخلو حالها من أن يكون طلاقه لها رجعيا أو يكون بائنا، فإن كان رجعيا فهذه تجب لها النفقة وتوابعها من سكن وملبس ما دامت في العدة لأنها في حكم الزوجة، قال خليل بن إسحاق: والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع. انتهى.
وعليه؛ فلو ترك الزوج الإنفاق مدة كان ذلك دينا في ذمته لها، هذا إذا كان تركه مع عدم القدرة عليه، واختلف إن تركه عن إعسار، والظاهر أنه باق في ذمته يجب عليه قضاؤه متى ما قدر، قال ابن قدامة في المغني: ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدة لم يسقط بذلك وكان دينا في ذمته سواء تركها لعذر أوغير عذر في أظهر الروايتين... إلى أن قال: لأنها حق يجب مع اليسار والإعسار فلم يسقط بمضي الزمان، كأجرة العقار والديون. ويرى المالكية أن النفقة تسقط بعسر الزوج، وبالتالي لو أنفقت الزوجة على نفسها فترة إعساره فلا تستحق شيئاً، قال خليل بن إسحاق: وسقطت بالعسر. قال شارحه الخرشي: إذا سقطت فأنفقت على نفسها شيئا زمن إعساره فإنها لا ترجع عليه بشيء من ذلك لأنها ساقطة عنه في هذه الحالة، وسواء كان في حال الإنفاق حاضرا أو غائباً.
وإن كانت المطلقة بائناً فلا تستحق شيئاً من النفقة إلا إذا كانت حاملا، وانظر الفتوى رقم: 18329.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(28/109)
ـــــــــــــــــــ
ما يلزم من طلق ثلاثاً من غير سبب شرعي
تاريخ الفتوى : ... 11 جمادي الأولى 1425 / 29-06-2004
السؤال
أرجو من سماحتكم إفتائي : لي أخت تزوجت من مواطني الدولة ومدة زواجهم 01 أشهر فقد طلقها من دون سبب شرعي وعلما من أنه متزوج من امرأة أخرى
والسؤال : هل تحق لأختي المطالبة بمؤخر صداقها والنفقة عليها علما بأنها لا يوجد لها ولد منه وقد طلبت منه عدم الطلاق ولكنه لم يأبه لها ورمى في وجهها 3 طلقات وكما أنه لم يضفها بجوازها أو الجنسيه وزواجها على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أفيدونا. جزاكم الله خيرا
+ طلقها في منزلها الزوجية في دبي وعقد الزواج تم في الشارقه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الإسلام علاقة الزواج من أوثق العلائق وأمتنها، ولا أدل على ذلك من تسميته لها بالميثاق الغليظ، كما في قوله جل وعلا: [
وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا] (النساء: 21) . ومن هنا كان التسبب في إنهاء هذه الرابطة لغير سبب يقتضيه أمرا غير مرغوب شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال عند الله تعالى الطلاق. رواه أبو داود. وقد ضعفه بعض أهل العلم.
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في حكم إقدام الزوج على الطلاق من غير موجب شرعي يستدعي ذلك، فمنهم من قال بالكراهة وهو ما نص عليه ابن قدامة في المغني حين تعرضه لأقسام الطلاق وذكر منها: ومكروه وهو الطلاق من غير حاجة. وذهب آخرون إلى القول بالحرمة، لما فيه من الإضرار بالزوجة، وحجتهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
وعلى كلٍ.. فإذا أوقع الزوج الطلاق ترتبت عليه حقوق لزوجته من جملتها دفع مؤخر الصداق في الحال إذا كان لا يزال دينا في ذمته، ومنها كذلك المتعة، لقول الحق سبحانه: [وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ] (البقرة: 237) .
قال القرطبي: معناه أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن، وحمله ابن عمر وعلي بن أبي طالب ومزاحم على الوجوب، وحمله أبو عبيد ومالك بن أنس وأصحابه على الندب، إلى أن قال: والقول الأول أولى. اهـ.
وعلى هذا؛ فإنه يجب لأختك على هذا الرجل المذكور مؤخر الصداق والمتعة على الصحيح من أقوال العلماء، أما النفقة فليس لها فيها حق، لأن طلاقها بائن، والبائن لا نفقة لها عند جمهور أهل العلم إلا إذا كانت حاملا، قال صاحب مطالب أولي النهى: ولا نفقة لبائن غير حامل. اهـ.
وقال الخرشي: إن المطلقة بائنا بثلاث أو بخلع أو بفسخ أو إيقاع حاكم ونحوه لا نفقة لها إن لم تحمل. اهـ. والأصل في هذا حديث فاطمة بنت قيس: أن زوجها طلقها(28/110)
البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله مالك علينا منه شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. رواه مسلم.
وننبه إلى أنه في مثل هذه الأمور يفضل الرجوع إلى المحاكم الشرعية لأنها هي جهة الاختصاص في الفصل فيها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة المطلقة الرجعية والبائن
تاريخ الفتوى : ... 08 ربيع الأول 1425 / 28-04-2004
السؤال
أوجه لحضرتكم سؤالاً حول موضوع الإصلاحات في قانون النفقة بعد الطلاق، وهل يجوز للمرأة أن ترضع، (قانون الأردن، وقانون مصر، وقانون المعمول به في إسرائيل)، كما أريد أن ترشدوني إلى مصادر حول هذا الموضوع، كذلك مع ذكر رأي المذاهب الأربعة في هذا الموضوع؟ وبارك الله في جهودكم، وجزاكم الله عن الأمة الأسلامية خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على وجوب النفقة وتوابعها من كسوة وسكنى للمطلقة الرجعية لأنها في حكم الزوجة ، واختلفوا في المعتدة من طلاق بائن فمنهم من أوجب لها كل الحقوق كالرجعية والحامل، ومنهم من لم يوجب لها شيئاً وتوسطت طائفة فأوجبوا لها السكنى فقط لقول الحق سبحانه: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق:6]، وهذه نصوص المذاهب فيما قلنا بدءاً بمذهب الحنفية حيث يقول صاحب فتح القدير: وإذا طلق الرجل امرأته فلها النفقة والسكنى في عدتها رجعياً كان أو بائناً.
وقال المرداوي الحنبلي في كتابه الإنصاف: وعليه -يعني المطلق- نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها كالزوجة سواء، وأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى وإلا فلا شيء لها.
وقال النووي الشافعي في روضة الطالبين: المعتدة الرجعية تستحق النفقة والكسوة وسائر المؤن إلا آلة التنظيف سواء كانت أمة أو حرة حاملاً أو حائلاً. إلى أن قال: والبائن بخلع أو طلاق الثلاث لا نفقة لها ولا كسوة إن كانت حائلاً وإن كانت حاملا فعلى الزوج نفقتها وكسوتها.
وقال خليل بن إسحاق المالكي: والرجعية كالزوجة. وقال شارحه الخرشي: المعنى أن الرجعية حكمها حكم الزوجة في وجوب النفقة والكسوة.(28/111)
وفي شأن البائن يقول الخرشي: المطلقة بائنا بثلاث أو بخلع أو بفسخ أو إيقاع حاكم ونحوه لا نفقة لها إن لم تحمل، أما المعتدة من وفاة فليس لها شيء إذا كانت غير حامل.
وذهب بعض أهل العلم ومنهم الشافعية والمالكية إلى أن لها السكنى مدة العدة إلا أن المالكية خصوا ذلك بما إذا كان المسكن مملوكاً للزوج أو مستأجرا ودفع أجرته قبل الوفاة، قال في المدونة: قلت أرأيت المتوفى عنها زوجها أيكون لها النفقة والسكنى في العدة في قول مالك في مال الميت أم لا؟ قال مالك: لا نفقة لها في مال الميت ولها السكنى أن كانت الدار للميت، قلت: أرأيت أن كان الزوج قد نقد الكراء فمات وعليه دين من أولى بالسكنى المرأة أو الغرماء؟ قال: إذا نقد الكراء فالمرأة أولى بالسكنى من الغرماء، قال: هذا قول مالك. انتهى.
أما بخصوص رضاع الولد فأكثر أهل العلم على أنه لا يجب على الأم بل على الأب أن يسترضع لولده، قال ابن قدامة في المغني: رضاع الولد على الأب وحده وليس له إجبار أمه على رضاعه دنيئة كانت أو شريفة في حبال الزوج أو مطلقة.
وذهب المالكية إلى أنها إن كانت شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه، وإن كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه، وإن أرادت السائلة التعمق في هذه المسائل وغيرها عليها أن تراجع الكتب التالية (المغني لابن قدامة الحنبلي- حاشية الدسوقي في الفقه المالكي- فتح القدير في الفقه الحنفي- شروح المنهاج في فقه الشافعية)، هذا عن الحكم الشرعي في نفقة المطلقة وكسوتها وحكم الرضاعة، أما حكم ذلك في القوانين الخاصة فيسأل عنه أهل الاختصاص في تلك البلاد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسائل في حقوق المطلقة والحضانة
تاريخ الفتوى : ... 23 صفر 1425 / 14-04-2004
السؤال
ما هي الحقوق المقررة للمطلقة؟ وما هو مقدار نفقة العدة؟ وهل حقا أن نفقة المتعة هي ما يكفي لمعاشها مدة 12 شهرا بما يتفق مع المستوى المعيشي الذي اعتادته؟ وهل تجب نفقتها خلال فترة الحضانة لطفل تجاوز الرضاع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حقوق المطلقة في الفتوى رقم: 9746، والفتوى رقم: 20270.
وأما عن مقدار نفقة العدة فإنه راجع إلى العرف وحال الزوج إيساراً وإعساراً، وليس لذلك تحديد في الشرع.
وما ذكره السائل من أن المتعة هي ما يكفي للنفقة لمدة 12 شهراً.... إلخ. كلام غير صحيح، وليس عليه أثارة من علم، وقد تقدم الكلام عن مقدار المتعة في الفتوى رقم: 30160.(28/112)
وأما النفقة خلال فترة الحضانة فإنها غير واجبة سواء كان الطفل قد تجاوز الرضاع أو لم يتجاوز، نعم يجب على الرجل أن ينفق على ابنه خلال فترة الحضانة، ويجب عليه أجرة الرضاع والحضانة ومقدار ذلك راجع إلى العرف وحال الزوج، وراجع الفتوى رقم: 20672.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... نفقة الزوجة والأولاد في حال الفراق على عوض
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو القعدة 1424 / 01-01-2004
السؤال
زوجتي رفعت علي دعوى قانونية بغرض تطليقها بسبب الضرر النفسي لها من زواجي بزوجة أخرى، مع العلم بأنى تعهدت لها بأن لن أحيد عن تقوى الله في معاملتها، ولكن أهلها أفسدوها علي، فهى تريد الطلاق ونفقة للأولد ونفقة متعة، أنا لا أريد أن أطلقها ولكن الأحكام الوضعية في بلدنا ستمكنها من ذالك، فما تنصحوني أن أعمل وهل لها الحق في طلب نفقة المتعة لأنها هي التي تريد الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الرجل إذا تزوج بثانية، فقد فعل ما هو مأذون له فيه شرعاً ولا يلام عليه، وأما زوجته الأولى فإن قدرت على المقام معه بعد زواجه فهو المتعين، وإن لم تقدر وخافت أن لا تقوم بحقوقه، فلها أن تطلب الطلاق منه، فإن لم يستجب لطلبها وأصرت على الطلاق خالعته بعوض منها مال أو غيره، كما قال الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]. هذا؛ وعندما يكون الفراق على عوض فإنه لا نفقة ولا متعة ولا سكن للمرأة، وأما نفقة أولاد الزوج فتلزمه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... مطلقة تريد الزواج لنقص النفقة وتخشى على أولادها
تاريخ الفتوى : ... 15 شعبان 1424 / 12-10-2003
السؤال
أنا مطلقة وليس لي دخل والنفقة لا تكفي أأتزوج وأترك أولادي لأبيهم ولا إثم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز لك أن تتزوجي وتتركي الأولاد عند أبيهم ولو لم تكن هناك حاجة للزواج، فكيف وأنت تحتاجين للزواج من أجل النفقة على نفسك.
ولكن نرى أن الأولى إذا لم تكن بك حاجة للزواج إلا الحاجة إلى النفقة، وكان الأولاد صغاراً وخشيت من تركهم عند أبيهم أن تضيع حالهم، أن توسطي أحداً من أهل الخير يتفاهم مع أبيهم، فإن كان يمكن أن يزيد في النفقة بحيث تكفيك بالمعروف(28/113)
وتكفي أولادك فالحمد لله، وهذا خير من زواج لا تحتاجين إليه يترتب عليه تضييع الأولاد، وقد روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى، امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا.
وروى الطبراني في الكبير، والخرائطي واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا وامرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على بناتها حتى بانوا أو ماتوا في الجنة كهاتين.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما أبدت له أم هانئ عذرها بوجود عيال، وكان قد خطبها: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على طفل وأرعاه على زوج.
وإن كان لا يمكن أن يزيد في النفقة، فليس أمامك إلا أن تتركي له الأولاد، ومحل هذا إذا لم يمكن الجمع بين حضانة الأولاد والزواج، بحيث إذا تزوجت طالب الأب بأولاده، فإذا كان يمكن أن تتزوجي وتحتفظي بحضانتهم، بمعنى أن أبا الأولاد لا يطالب بهم ويرضى زوجك ببقائهم معك ورعايتك لهم، فهذا أفضل وأولى، لما في زواجك حينئذ من مصالح كثيرة خالية عما يعارضها من مفاسد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... للولد حق النفقة ولو اختار السكن مع أمه المطلقة
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو القعدة 1423 / 04-01-2003
السؤال
هل للولد الذي اختار العيش مع أمه المطلقة حق النفقة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا اختار الولد أن يعيش مع أمه فإنه يجب على والده أن ينفق عليه بالمعروف، وراجع الفتوى رقم: 20672 - والفتوى رقم: 20270.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من طلب من مطلقته إعفاءه من نفقة الطلاق فتبين أنه يملكها
تاريخ الفتوى : ... 20 شوال 1423 / 25-12-2002
السؤال
السلام عليكم
تحياتي لكم .. وهذا هو سؤالي:
طلق رجل امرأته واستاذنها في إعفائه من النفقتين: العدة والمتعة فسألته الزوجة إن كان فعلا لا يستطيع فقال لا فأعفته .. وبعد انقضاء عدتها راجع نفسه ووجد أنه كان يستطيع إعطائها نفقة العدة على الأقل فأراد ردها لها فهل يجوز ذلك ؟ وهل يجوز لها قبولها ؟؟ جزاكم الله كل خير وشكراً...(28/114)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمرأة أن تسامح بحقها كله أو بعضه، ولكن ما دامت المسامحة كانت بدعوى أن المطلق لا يملك فصدقته الزوجة ثم تبين له الحال فعليه أن يبين ذلك لوليها أو لها بالطريق المشروع الحقيقة، فإن سامحت فلا بأس، وإن أخذت فهو حقها، قال الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:237].
وإن كانت الآية في غير المدخول بها إلا إنها عامة، فللمرأة البالغة غير السفيهة أن تتنازل عن حقها، وأن تهب من مالها ما تشاء لمن تشاء، وقال الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما يلزم الزوج تجاه مطلقته قبل الدخول
تاريخ الفتوى : ... 28 رمضان 1423 / 03-12-2002
السؤال
أتتمت عقد القران قبل سنة ونصف ثم أردت أن أطلق زوجتي التي لم أدخل عليها، فهل يجب علي نفقة ومصاريف أخرى؟؟ وجزاكم الله خيراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن طلق زوجته قبل الدخول بها وجب عليه أن يسلم لها نصف المهر المسمى إن كان قد سمى مهراً في العقد، وإلا فلها المتعة بحسب حال الزوج.
قال ابن قدامة في المغني: فاختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه مثل قول الخرقي: أعلاها خادم.. هذا إذا كان موسراً وإن كان فقيراً متعها كسوتها درعاً وخماراً وثوباً تصلي فيه. انتهى.
وليس لها نفقة ولا سكنى بعد الطلاق.
وأما قبل الطلاق فإن النفقة لا تجب على الزوجة إلا إن مكنت الزوجة من نفسها، فإن كانت ممكنة من نفسها وكان الامتناع عن الدخول من قبلك فالواجب نفقة ما مر من الأيام.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... المطلقة البائن...والنفقة والسكنى
تاريخ الفتوى : ... 17 شعبان 1423 / 24-10-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(28/115)
ألقيت يمين الطلاق على زوجتي بقولي فلانة طالق ثلاثا ولكن في قمة غضبي منها وأخرجتها من البيت (إلى بيت أهلها).فهل تنطبق آيه الطلاق(لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة) ..جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن الغضب الذي يمنع وقوع الطلاق هو الذي يبلغ بصاحبه درجة لا يعي ما يقول، ولمزيد من الفائدة حول هذه المسألة راجع الفتوى رقم 12287 والفتوى رقم 15597
وعلى هذا.. فإذا لم يصل بك الأمر عند طلاقك لامرأتك إلى الحالة التي ذكرنا فإن امرأتك تكون قد طلقت ثلاثاً على قول الجمهور، ومن ثم فقد بانت منك بينونة كبرى، فإذا كانت حاملاً فلها النفقة والسكنى بالإجماع، ويجب عليك والحالة هذه أن تأذن لها بالعودة إلى منزلها، وتنفق عليها حتى تضع حملها.
وأما إذا كانت حائلاً - أي غير ذات حمل - فقد اختلف أهل العلم في حكمها على أقوال: أرجحها ما ذهب إليه أحمد -رحمه الله- وهو أنها لا نفقة لها ولا سكنى، وإنما رجحنا قول أحمد لموافقته للدليل قال ابن عبد البر: من طريق الحجة وما يلزم منها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأحج لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصاً صريحاً. انتهى نقله عنه ابن قدامة في المغني، وراجع الفتوى رقم 12274 ولمزيد فائدة حول عدة الطلاق راجع الفتوى رقم 6922
وإذا تقرر ما سبق.. فإذا كانت امرأتك حائلاً فليس لها نفقة ولا سكنى ولست ملزماً بإعادتها إلى مسكنها السابق، وأما قوله تعالى: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فهو مخصوص بالمطلقة الرجعية دون البائن. قال ابن سعدي في تفسيره: وهذا في المعتدة الرجعية، وأما البائن فليس لها سكنى واجبة لأن السكن تبع للنفقة، والنفقة تجب للرجعية دون البائن انتهى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... حقوق المطلقة على زوجها..من نقفة وسكنى وأثاث
تاريخ الفتوى : ... 02 رجب 1423 / 09-09-2002
السؤال
رجل طلق زوجته طلقة واحدة، ترك لها كل أثاث البيت من غرفة نوم وجلوس ومكيفات وثلاجة وغسالة والعفش الذي كان قد اشتراه هو ، ماذا يلزمه من نفقة علما بأن راتبه 1500 ريال سعودي ، وهو يعمل في السعودية وهي الآن في بيت أهلها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت المرأة المذكورة مطلقة طلاقاً رجعياً فتلزم لها على زوجها النفقة والسكنى ما دامت في عدتها، وكذلك إن كانت مطلقة طلاقا بائناً وهي حامل، أما من سوى(28/116)
ذلك فلا يلزم لها نفقة ولا سكنى، لقوله تعالى: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (الطلاق: من الآية6)، ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس -وكان زوجها قد طلقها تطليقة كانت قد بقيت لها-: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً" رواه أبو داود.
أما بخصوص ما ذكر من الأمتعة فلا يخلو حاله من واحد من أمرين:
أحدهما: أن يكون قد ملك للمطلقة وحازته، فهذا لا سبيل للزوج عليه.
ثانيهما: أن تكون الأمتعة مازالت في ملكه، فهذه لا مانع من أن يقومها على مطلقته إذا كانت راضية، ثم يحسبها عليها في مقابل تكاليف النفقة وأجرة السكن، وإن كانت المروءة تقضي بأن الإنسان يتخلى عن هذه الأمور لمطلقته.
وقد قال جل وعلا ( وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (البقرة: من الآية237).
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... والد الرضيع ينفق عليه وجوبا بواسطة أمه المطلقة
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الثانية 1423 / 13-08-2002
السؤال
أنا مطلقه عندي بنت عمرها عشر شهور هل يجوز أن أمنعها من الرضاعة الطبيعية قبل السنتين؟ ووالدها لا يصرف عليها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه:وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:233].
"ويرضعن أولادهن" خبر معناه الأمر، قيل: هو على الوجوب، وقيل: على الندب وهو الصحيح إذا لم يلحق الرضيع من ذلك ضرر، وإذا لحقه بذلك ضرر فلا تقطع عنه الرضاعة قبل الحولين، يدل عليه قوله تعالى:"لمن أراد أن يتم الرضاعة"
وعلى والد الرضيع الإنفاق عليه بواسطة أمه المطلقة التي ترضعه وتحضنه، قال تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .
قال القرطبي : وعلى الأب وجوباً نفقة الولد وأجرة المرضع والحاضنة إن كان له مال، وهي أحق بالحضانة ما دامت لم تتزوج.
والحاصل: أن الأفضل والأكمل أن ترضع الأخت السائلة ابنتها مدة سنتين كاملتين إذا لم يشق عليها ذلك أو يضر بها، ويجوز لها أن تفطمها قبل ذلك إذا لم يلحق ذلك ضررا بالبنت، ولها الحق الكامل في المطالبة بالنفقة من أبي البنت، وإذا لم يستجب فلها أن ترفع الأمر إلى القاضي لينصفها ويأخذ لها حقها.
والله أعلم.(28/117)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق المرأة المطلقة وأولادها
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1424 / 25-01-2004
السؤال
ماهي حقوق المرأة عند الطلاق ولها طفل.. من نفقة وخلافه الرجاء التوضيح بالتفصيل وعلى سبيل المثال رجل راتبه 1000 جنيه مصري ؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت المرأة المدخول بها مطلقة طلاقاً رجعياً فيجب لها على زوجها خلال فترة العدة السكنى والنفقة من مؤنة وملبس وغير ذلك بحسب حال الزوج كما لو لم تكن مطلقة، وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها وانحباسها تحت حكمه، حيث يمكنه أن يراجعها ما دامت العدة لم تنقض، فإن انقضت العدة ولم يراجعها فقد بانت منه بينونة صغرى، وبذلك لا يلزمه لها لا نفقة ولا سكنى.
وإن كانت مطلقة بائناً فلها حالتان لأنها إما أن تكون حاملاً وإما إن تكون حائلاً:
فالحامل يجب لها النفقة والسكنى، لقوله سبحانه:وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6].
وروى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس وكان زوجها قد طلقها تطليقة كانت بقيت لها: لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً.
أما إن كانت حائلاً فلا نفقة لها ولا سكنى، كما أن حقوق المطلقة المدخول بها مالياً تمام المهر المعجل والمؤجل، إن لم يكن دفعه إليها من قبل.
وأما ابنه فتجب له عليه النفقة وتوابعها، ومقدار النفقة يختلف باختلاف حال الزوج، وكذلك باختلاف البلدان، أو بحال المنفق عليها. فالضابط في ذلك حال الزوج والعرف، وإن وقع نزاع في ذلك فمرد الفصل فيه إلى القاضي الشرعي في بلدكم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم المتعة والنفقة للمطلقة
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الأولى 1423 / 13-07-2002
السؤال
تم طلاقي من زوجي السابق قبل عامين ولم يقدم لي أي نفقة متعة أو نفقة عدة ولم أطالبه بها رغم علمي أنها من حقي ورغم عدم تنازلي عنها .. والآن أنا متزوجة منذ عام هل لي أن أطالبه بحقوقي أم ماذا أفعل ؟؟؟؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الراجح من أقوال العلماء أن المطلقة طلاقاً بائناً لا تستحق النفقة والسكنى، وراجعي لذلك الفتوى رقم:(28/118)
12274 والفتوى رقم: 8845.
وفي حالة ما إذا كنت رجعية أو كنت حاملاً فلك النفقة على الزوج الموسر، وإذا لم يؤدها فلك المطالبة بها لأنها حق من حقوقك لم تسقطيه.
أما بالنسبة لمتعة المطلقة المدخول بها فإن أكثر أهل العلم على أن ذلك مستحب وليس بواجب. وراجعي الفتوى رقم:
9746.
والذي ننصحك به هو ألا تطالبي بشيء، فإن الله قد أغناك بزوج آخر، ونذكرك بقول الله:فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40].
واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النفقة والسكن للمطلقة رجعياً فرض على الزوج
تاريخ الفتوى : ... 17 ربيع الأول 1423 / 29-05-2002
السؤال
أنا زوجة وأم لطفلين عمري 27 عاماً زوجي رجل ثري حدث خلاف بيني وبينه والسبب أهل زوجي ويعلم الله أني مظلومة وطردوني من البيت رغماً عني بعد أن حلف زوجي بالطلاق علماً بأنها المرة الثانية ورفض بقائي في المنزل شهور العدة ما حكم الدين في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما قام به الزوج من طرد زوجته من البيت بعد طلاقها للمرة الثانية لا يحل له، وهو بهذا التصرف ارتكب ما حرمه الله ونهى عنه بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) [الطلاق:1].
فجعل الله للمطلقة المعتدة السكنى فرضاً واجباً لازماً لا يجوز للزوج أن يمسكه عنها، ولا يجوز لها أن تسقطه عن الزوج. ابن العربي
وفي كلمة: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) إضافة البيوت إليهن إضافة سكن وقرار فيها مدة العدة، فلا يجوز في الشرع ولا في الأخلاق وحسن العشرة أن تطرد المطلقة الرجعية وتخرج من بيتها، إلا إذا ارتكبت ما يستوجب إخراجها من فحش وبذاءة على من في البيت من زوج وأهله، أو إلا أن تخرج لحاجتها الضرورية ثم ترجع إليه، وفي بقائها في البيت مع زوجها فرصة للمراجعة وإصلاح ذات البين، ولهذا يقول الله: (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) . أي: يحدث رغبة للزوج بإرجاع زوجته، فإخراجها يقطع هذا الأمل ويضعفه، ويوسع فجوة الخلاف بحيث يصعب العلاج.(28/119)
وعلى الزوج أن يعلم أن الله فرض عليه في زوجته المطلقة طلاقاً رجعياً النفقة والسكن، وأنه لا يجوز له إخراجها من بيتها، فليتق الله ولا يتعد حدود الله؛ وإلا فهو الظالم ولا يلومن إلا نفسه، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
ويجب عليه -إن لم تكن العدة قد انقضت- أن يرجعها إلى بيتها وينفق عليها، عسى الله أن يؤلف بينهما ويصلح شأنهما.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... المطلقة التي تجب لها النفقة والسكنى
تاريخ الفتوى : ... 14 شوال 1422 / 30-12-2001
السؤال
رجل تزوج امرأة وعاش معها عشر سنين ثم طلقها لأنها لم تنجب له فهل لها الحق في النفقة والسكن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا الطلاق طلاقاً رجعياً لكونه الأول أو الثاني، ولم يكن مقابل عوض، فإن نفقة الزوجة وسكنها مدة عدتها على المطلق، لقوله تعالى في الرجعيات: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) [الطلاق:6]. وهذا محل اتفاق بين الفقهاء.
أما إذا كان هذا الطلاق بائنا، فقد اختلف العلماء فيما يجب للزوجة فيه من السكنى والنفقة، فمنهم من أوجب لها النفقة والسكنى، ومنهم من أوجب لها السكنى دون النفقة.
ومنهم من لم يوجب لها شيئاً، وهذا القول الأخير هو أظهر الأقوال، بدليل ما في الصحيحين عن فاطمة بنت قيس قالت: طلقني زوجي ثلاثاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي نفقة ولا سكنى، وفي بعض الروايات: "إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها الرجعة".
وفي مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً".
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة المادية
تاريخ الفتوى : ... 24 جمادي الأولى 1422 / 14-08-2001
السؤال
في حال طلبت الزوجة الطلاق ما هي حقوقها المادية في هذه الحالة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن حقوق الزوجة المادية على زوجها إذا طلقها تتلخص في أمور :(28/120)
الأول : المتعة وهي مبلغ من المال يدفعه الزوج لها على قدر وُسْعِه وطاقته، لقول الله سبحانه وتعالى ( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقا على المحسنين ) [ البقرة : 226] وقوله تعالى : ( وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ) [ البقرة : 241] .
الثاني : مؤخر الصداق إن كان لها مؤخر صداق عنده لأنه دين لها في ذمته فعليه أن يؤديه لها عند الفرقة .
الثالث : النفقة والمسكن في العدة إن كانت رجعية لأنها في تلك الفترة لها حكم الزوجة لإمكان ارتجاعه لها في أي حين ما دامت في عدتها الرجعية.
وكذلك إذا طلقت وهي حامل، سواء كانت رجعية أو بائنا، حتى تضع حملها، لقول الله تعالى ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) [الطلاق:6]
كما أن للمطلقة مدة الإرضاع أجرة الإرضاع، كما قال الله تعالى ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) [الطلاق:6]
ثم إن كان الطلاق بطلب من الزوجة اختيارا منها وليس بسبب ضرر يلحقها من الزوج، ففي هذه الحالة للزوج أن يشترط لطلاقها أن تسقط عنه هذه الحقوق كلا أو بعضا على سبيل المخالعة .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة وأولادها
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1424 / 25-01-2004
السؤال
ما حكم من لم يعط مطلقته حقها هي وابنتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة المطلقة رجعياً تستحق على مطلقها أن ينفق عليها: مؤنة وملبساً وغيرهما، سواء أكانت حاملاً أم كانت غير حامل، وذلك لأن الزوج يمكنه مراجعتها في العدة ولو كانت غير راضية، فهي بمثابة الزوجة.
والمطلقة طلاقاً بائناً لا تستحق النفقة إلا إذا كانت حاملاً، لقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (الطلاق:6)
وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها، وكان زوجها قد طلقها تطليقة كانت بقيت لها: " لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً" رواه أبو داود، وفي رواية مسلم: " لا نفقة لك ولا سكنى" وكذلك لا نفقة للمطلقة طلاقاً رجعياً إذا انتهت عدتها: حملاً، أو قروءاً، أوأشهراً.(28/121)
ومن حقوق المطلقة تمام المهر ( المعجل والمؤجل) إن كانت قد دخل بها، ونصف المهر لغير المدخول بها.
أما إذا انقضت العدة، وبانت المرأة من الزوج فلا حقوق لها عليه بعد ذلك، بل هي أجنبية عنه كأي امرأة أجنبية أخرى.
وأما البنت التي هي ابنته فواجب عليه نفقتها وسكناها حتى تموت أو تتزوج إذا كان موسراً، ومن وجبت عليه نفقة لزوجة أو ابن أو بنت أو غيرهما أجبره القاضي على دفعها.
ومما يجدر التنبه له أن على الأب أن يدفع لأم ولده المطلقة منه أجرة إرضاعها للولد بالمعروف، فإن لم تقبل منه أجرة الإرضاع بالمعروف فله أن يؤجر له مرضعاً أخرى أو يصرف له ثمن اللبن الصناعي لقوله تعالى: ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى). [الطلاق:6].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... متعة المطلقة بحسب حال المطلق إعسارا ويسارا
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الثاني 1422 / 26-06-2001
السؤال
شاب طال سجنه ولايعرف متى يخرج وأراد أن يطلق زوجته فهل عليه المتعة ومؤخر الصداق وهو لايملك شيئا- أرجو الافادة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مؤخر الصداق الذي قد تقرر في ذمة الزوج يعتبر دينا كسائر الديون لا يسقطه الإعسار، ولكن يجب على الزوجة إنظاره به لقوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) [البقرة: 280].
أما من كانت حالته على نحو ما ذكر السائل فليس مطالباً بالمتعة، لأن الله تبارك وتعالى قال: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) [البقرة: 237].
أي على كل من الغني والفقير أن يمتع مطلقته بقدر وسعه وطاقته، ومعلوم من حال من كان سجيناً ولا يملك شيئاً أنه ليس في وسعه دفع أي شيء لا قليل ولا كثير، وقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286].
وقال عز وجل: (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) [الطلاق: 7]. لكن ننصح أخانا السجين أن لا يتعجل أمر الطلاق إن كانت زوجته صابرة محتسبة، فلعل الله عز وجل أن يجعل له فرجاً قريباً ومخرجاً، فإنه لا يدري لعله يطلق اليوم ويخرج من السجن غداً، فيندم على ما فعل ويكون قد هدم بيتاً، ونسأل الله أن يفك أسر المظلومين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(28/122)
الفتوى : ... أخذ الولد من مال أبيه بدون علمه بين الجواز والحرمة
تاريخ الفتوى : ... 24 محرم 1428 / 12-02-2007
السؤال
هل يجوز للأب أن يأخذ من مال الابن ما يشاء رغم عدم الحاجة بحجة أنهم من طلقوا أمهم في قصة طويلة، وهل يجوز للابن أخذ المال من دون علم أبيه بقدر الحاجة فقط، لأنه لا يعطيه أي شيء إلا نادراً، رغم حاجة الابن ووجود المال لدى الأب ليس قليلا؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنت ومالك لأبيك. رواه ابن ماجه وأحمد، واللام في لفظة (لأبيك) لام إباحة لا تمليك، بمعنى أنه يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاجه؛ لا أنه يجتاجه ويضر بالولد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا يدل على أن للأب أن يأخذ من مال الابن ما لا يضر به. وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 38993.
وأما حكم أخذ الولد من مال نفسه الذي عند والده فلا مانع منه، لأن المال ماله سواء كان ذلك بعلم والده أم لا، وإن كان المقصود هو أخذ الولد من مال أبيه بدون علمه فذلك غير جائز؛ إلا أن يكون الوالد بخيلاً على ولده في نفقته الضرورية، كالمأكل والملبس، فله أن يأخذ ما يفي بحاجته إذا لم يك له مال يستغني به عنه. وراجع تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 31157.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقي
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة الواجبة للأم
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1427 / 15-01-2007
السؤال
السادة الأفاضل أشكركم على اهتمامكم وبارك الله فيكم
لقد سألت الأسبوع الماضي سؤالا حمل رقم 2136130 حول النفقة الواجبة للأم وقد أحلتموني إلى فتاوى سابقة وكما تعلمون حضراتكم فلكل حالة خصوصية ولكل سؤال بتفاصيله مجموعة حيثيات تحدد الإجابة ومع تقديري وتفهمي لجهودكم وسعيكم نحو الإفادة فاسمحوا لي أن أعيد طلب إجابة السؤال 2136130 بخصوصيته وتفاصيله ليتضح لي بشكل جلي حكم الشرع ومراعاته ؟
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على وجوب نفقة الأبوين على أبنائهم الموسرين إذا كان الأبوان معسرين، كما تجب نفقة غيرهما من القرابة الوارثة إذا كانوا معسرين على الراجح من أقوال أهل العلم، كما هو مبين في الفتوى رقم : 44020 ، وعلى ذلك فيجب(28/123)
على هذا الرجل وعلى إخوانه أن ينفقوا على والدتهم وأخواتهم ما فضل عن قوتهم العادي دون إسراف ولا تقتير إذا كن معسرات، أو يكملوا لهن ما نقص من النفقة إذا كان عندهن شيء لا يكفي، وإذا امتنع إخوانه القادرون فله الرجوع عليهم بما يجب عليهم ما لم يكن متبرعا به.
والنفقة تكون على القادرين كل حسب يسره واستطاعته، والقاعدة الشرعية في هذا هي قول الله تعالى : لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {الطلاق: 7 } وينبغي لهم أن يتنافسوا ويتسابقوا في ذلك، لأن هذا من أعمال الخير التي ينبغي التنافس فيها والتسابق إليها، وقد قال الله تعالى : فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {المائدة: 48} وأما كيفية أدائها فيمكن أن تؤدى إليهن طعاما أو نقودا وبأي وسيلة أو كيفية أخرى.
وأما رد إحسان هذا الرجل إلى أمه أو إهداؤه لها فهذا مما رغب فيه الشرع وحث عليه الإسلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : تهادوا تحابوا . رواه مالك في الموطأ ، وقال صلى الله عليه وسلم : من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه . رواه أبو داود وغيره .
وعلى زوجة هذا الرجل وغيرها أن يكونوا أعوانا على الطاعة وفعل الخير وصلة الرحم، ويتأكد ذلك بالنسبة للزوجة وخاصة إذا كان الرجل يريد أداء ما فرض الله عليه من بر والدته والنفقة عليها إذا كانت محتاجة ، وهذا من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله الله تعالى به في محكم كتابه، فقد قال الله تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتاوى : 21080 ، 54669 ، 54811 ، 56749 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل ينفق على أبيه إذا تزوج من امرأة أخرى
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1427 / 21-11-2006
السؤال
فضيلة الشيخ الكريم حفظك الله
قرر والدي الذي يقارب سن السبعين الزواج بعد وفاة والدتي رحمها الله بثلاثة شهور فقط من بكر فى العشرينيات، وطلب مني مساعدته ماليا "وقد قمت بالرغم من حزني الشديد بإعطائه المبلغ المطلوب لإعادة تجهيز مسكن الزوجية ونفقات الزواج، كما تنازلنا له جميعا" عن مصوغات أمي رحمها الله بناء على طلبه بإلحاح، وقد قام بتقديمها كشبكة للعروس، وكنت قد تعودت فى حياة أمي إرسال مبلغ شهري لوالدي لمقابلة مصروفات الحياة وخاصة لعلاج أمي بالرغم من وجود معاش كبير لوالدي، هل يجوز بعد إتمام الزواج إيقاف إرسال ذلك المبلغ أو على الأقل عدم دوريته، علما بأن والدي كما علمت قد أقنع أهل العروس بالموافقة على أساس أنه يمتلك مالاً كثيراً وأراضي وخلافه، وهذا غير صحيح أنا فى حيرة شديدة لحبي لوالدتي أشد الحب وكذلك لوالدي، أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.(28/124)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحق الوالد عظيم، خاصة عند الكبر، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}، فنوصيك ببر والدك، والحرص على طاعته، وعدم نسيان فضله عليك، فقد صرف عليك وضحى من أجلك بالشيء الكثير، فلا تستكثرن عليه ما أعطيته: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}.
وما أنفقته في زواجه عمل صالح تؤجر عليه إن شاء الله، وقد يكون واجباً عليك إذا كان محتاجاً للزواج وغير قادر على مؤنه المادية، وانظر الفتوى رقم: 53116.
ويلزمك أن تنفق على والدك إذا كان فقيراً محتاجاً بما يكفيه بالمعروف، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
وإن لم يكن محتاجاً فلا يلزمك النفقة عليه، وإنما عليك صلته والإحسان إليه بما تستطيع، واعلم أن مساعدتك لوالدك في أمر الزواج والتوسعة عليه في الإنفاق على زوجته الجديدة لا تتعارض مع حبك لوالدتك رحمها الله تعالى فلا داعي للحيرة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم إنفاق الأب على أولاده من ميراثهم
تاريخ الفتوى : ... 17 شوال 1427 / 09-11-2006
السؤال
توفيت زوجتي رحمها الله وبحكم أنها كانت عاملة فإن صندوق المعاشات يصرف لورثتها الذين هم: أنا (زوجها) ولدينا (ولد وبنت قصر)، فهل يجوز لي أن أصرف عليهما وعلى نفسي من مالهما، علما بأني أعمل لكن في بعض الأحيان راتبي الشهري لا يكفيني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز لك أن تصرف على أولادك من مالهم الخاص إذا كان لهم مال خاص بهم، وسواء كان ذلك من تركة أمهم أو من غيرها، لأن نفقتهم لا تجب عليك إن كان لهم مال، فقد اتفق أهل العلم على أن الوالد لا تلزمه نفقة أولاده إذا كان لهم مال يستغنون به ولو كانوا صغاراً، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 23776، والفتوى رقم: 25339 نرجو أن تطلع عليهما.
ولذلك فنفقتك على أبنائك من مالك الخاص تعتبر من باب البر والخير والإحسان المرغب فيه شرعاً ما دام لهم مال، وتؤجر على ذلك إن شاء الله تعالى، وإنما يكون وجوب نفقتهم عليك إذا لم يكن لهم مال ولا قدرة على الكسب، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 19453.(28/125)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم النفقة على الأب الغني
تاريخ الفتوى : ... 26 شعبان 1427 / 20-09-2006
السؤال
نحن ثلاث بنات وولد،لأبي زوجة ثانية يعيلها وأختها وابنة أختها أما نحن فأمنا من قامت بتربيتنا وتلبية جميع احتياجاتنا، بدون ذكر للظروف من وسط وأناس...مع ذلك نتصل بأبينا رغبة في الحصول على رضا الله لكنه يطالبنا بالمال ليس مباشرة لكن عن طريق أناس آخرين ونحن نصرف على أمنا وأخينا الصغير وإحدى أختي متزوجة فما العمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة الأب واجبة على الابن إذا لم يكن للأب ما يكفيه ، أما إذا كان الأب غنيا فلا يجب على الولد أن ينفق عليه شيئا ، وإن كان ذلك مندوبا قياما بحق البر والصلة ، وطمعا في الثواب والأجر وجلبا لمحبة الوالدين ورضاهما فقد قال صلى الله عليه وسلم : رضا الرب من رضا الوالد، وسخط الرب في سخطه . رواه الترمذي والحاكم وصححه .
وبناء عليه، فإن كان أبوكم فقيرا ولديكم ما تنفقونه عليه فيجب عليكم ذلك ولا يسقطه تقصيره معكم، وإن كان غنيا فينبغي بره وتلبية طلبه وحاجته ما أمكن، فمن بر الوالدين دفع المال لهما ولو كانا بغير حاجة له ، وراجعي الفتوى رقم : 54694 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم رفض المطلقة نفقة مطلقها لها ولولدها
تاريخ الفتوى : ... 19 شعبان 1427 / 13-09-2006
السؤال
في الطلاق هل يحق لي رفض النفقة التي تجب لي ولابني علما بأن عمره عام وثمانية أشهر أم يحق لي رفض النفقه الخاصة بي فقط ولا يحق لي رفض نفقة ابني ؟
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر -والله أعلم- أنه لا يحق لك رفض النفقة التي يجريها والد ابنك عليه؛ وذلك لأن الولد كغيره من البالغين له حق التملك، والهبة له نافذه إذا استكلمت شروط نفوذها .(28/126)
وقد نص أهل العلم على أنه ليس للوالد رد هبة وهبت لولده الصغير إذا كانت لها قيمة، وإذا كان هذا في حق الولي فأولى أن لا يكون لغيره الحق في رد ما وهب له، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بحق واجب له على والده ولا تلحقه به منة. أما نفقتك أنت فلا حرج عليك في رفضها؛ لأنها حق لك والمصلحة في قبولها أو ردها راجعة إليك .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إنفاق المرأة من مال زوجها أو مما يعطيها
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1427 / 12-09-2006
السؤال
لقد قمت بإرسال مبلغ صغير من المال لأمي لتعالج به نفسها دون علم زوجي، لأنني متأكدة من رفضه وقد وعدت نفسي أن أخبره يوما، مع العلم بأن والدي لا يعطي المال لأمي فهو لا يلتزم إلا بإطعامها دون كسوتها، وعليه فهي تأخذ منه المال دون علمه لتشتري ما يخصها فقط دون إسراف، وعليه ما حكم ما قمت به خاصة وأنني كلما أزورها أقدم لها القليل من المال، لأنها أمي وأريد أن أمنحها كل شيء وأنا ابنتها الوحيدة وأخي لا يعطيها شيئا وكل ما أعطيها إياه هو من مال زوجي الذي يقدمه لي كمصروف أو أن آخذ منه من دون أن يعلم، فما هو الحكم في هذه الحالة،
وبالنسبة لأمي ما حكم أخذها المال من أبي بدون علمه وأحيانا تخبره وأحيانا لا تخبره، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تأخذي شيئاً من مال زوجك دون علمه لتعطيه لأمك، وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. رواه الدارقطني وأحمد، وصححه الألباني.
أما ما يعطيه لك زوجك كمصروف فإن كان مصروفاً للنفقة في البيت والأولاد فأنت وكيلة عنه في ذلك، وهذا المال أمانة عندك، فلا يجوز لك التصرف فيه إلا فيما خصصه الزوج، اللهم إلا في الصدقة بالشيء اليسير الذي تقدم منه إذن عام فيه أو جرت العادة بالمسامحة فيه.
أما إذا كان مصروفاً شخصياً لك فهو ملك لك، ولك أن تتصرفي فيه كما شئت، فلك أن تعطي منه لأمك، كما لك أن تنفقي منه في حاجاتك، ولا يشترط إذن من زوجك في ذلك، ولأمك أن تأخذ من مال أبيك دون علمه ما يكفيها للكسوة والعلاج بالمعروف، ولا يجوز أن تأخذ شيئاً زائداً على ذلك، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. والمراد بالمعروف القدر الذي عرف(28/127)
بالعادة أنه الكفاية، وراجعي للأهمية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9457، 31100، 56667، 56114.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يلزم الأب الإنفاق على ولده البالغ المعسر
تاريخ الفتوى : ... 08 جمادي الثانية 1427 / 05-07-2006
السؤال
هل يجب على الأب الموسر أن ينفق على الابن المعسر، إذا كان إعساره بسبب إسراف زوجته الشديد وسوء تقديره للأمور حيث إنه يبلغ من العمر 40 عاماً وله طفلان صغيران ويعمل مهندسا منذ 15 عاماً، ولكنه بسبب إسراف زوجته ليس عنده أي مدخرات، فهل يجب على أبيه الموسر الإنفاق عليه وعلى زوجته وعلى أبنائه من مأكل وملبس ومشرب ومدارس خاصة... إلخ، وذلك في الأيام العادية وكذلك في حالة مرض الأب بمرض خطير حكم عليه الأطباء بأنه مرض الموت؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجب على الأب أن ينفق على ولده البالغ، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 66857.
وعلى الولد أن يُرشِّد إنفاقه، ويُحْسِن التصرف بالمال، ويحذر من التبذير والإسراف، فإن الله تعالى يقول: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا {الإسراء:27}، ويقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {الأعراف:31}، وإذا كان الأب لا يلزمه الإنفاق على ولده البالغ في حال صحته، فلا يلزمه في حال مرضه من باب أولى.
لكن إذا بذل الولد طاقته في البحث عن الرزق وعجز عن الوفاء بالنفقة الواجبة عليه تجاه أبنائه وزوجته فيلزم الأب الموسر أن يكمل له ما نقص من النفقة الواجبة، لأن النفقة على قسمين: نفقة واجبة، ونفقة زائدة على قدر الواجب، وأكثر أهل العلم على أن نفقة الدراسة لغير الواجبات الشرعية التي يلزم الأب أن يعلم ولده إياها لا تجب على الأب، وانظر الفتوى رقم: 66857، والفتوى رقم: 26426.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأبناء على الأب
تاريخ الفتوى : ... 07 جمادي الثانية 1427 / 04-07-2006
السؤال
إخواني الموضوع في غاية الأهمية، فأرجو منكم الرد، فما هو حكم الشرع في والد لا يتحمل مسؤولية أبنائه، وعندما يكبروا يتصرف تصرفات لا أعرف كيف أصفها، منها على سبيل المثال: أن يأخذ مهر ابنته ويسافر إلى زوجته الأخرى بعيداً عن(28/128)
أبنائه من زوجته الأولى وعندما تناقشه لا يرد عليها إلا بأني غير راض عنكم إلا في حالة أن تدخروا لي مبلغا شهرياً ويرسل له لينفق منه، ونحن يا أخي ثلاث بنات نعيش مع أمي ونرعى إخوتي من أمي وهم أيتام، فبالله عليكم كيف نتصرف معه، مع أننا كنا نرسل فيما سبق له ما نستطيع، فما العمل أفيدونا أفادكم الله، ونرجو الرد عاجلاً؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبمقتضى المسؤولية التي حملها الله سبحانه الوالد تجاه أبنائه، بقوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأب راع في بيته ومسؤول عن رعيته... الحديث متفق عليه، فإنه لا يجوز لوالدكم التخلي عنكم، في حال صغركم وحاجتكم إليه، ويجب عليه النفقة عليكم في هذه الحالة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطي والنووي وحسنه الألباني.
فيجب على هذا الوالد التوبة إلى الله من هذا الذنب الكبير، والإثم العظيم، وينبغي نصحه وبيان حكم الشرع في ما فعل، كل ذلك يكون بلطف وحكمة وموعظة حسنة، وعليه أن لا يجمع بين التخلي عن المسؤولية وبين ظلم بناته، بأخذه حقهن في المهر، فإنه لا حق للوالد في مهر ابنته، إلا ما طابت به نفسها، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 54622.
ومع ذلك كله، فإن الوالد يبقى له حق كبير على بناته وأبنائه في البر والصلة، وفي النفقة عليه إذا كان فقيراً محتاجاً، وأما إذا كان لديه ما يكفيه، فلا يجب عليهن النفقة عليه، ولا إعطاؤه ما يريد ما داموا بحاجة إليه، وللمزيد من الفائدة في هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم: 7490.
سائلين المولى عز وجل أن يصلح الوالد ويعين الأخوات على بره وكسب رضاه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الابن على أبيه
تاريخ الفتوى : ... 28 جمادي الأولى 1427 / 25-06-2006
السؤال
أنا شاب في الواحدة والثلاثين عاماً وأنا إلى الآن عازب وفي طور التجهيز لباءة الزواج، الباءةالمادية فهل يجب علىَّ الإنفاق على والدي مع العلم أن حالته المادية (مستورة) وقد زوج أخواتي الأربع ولم يفكر حتى مجرد تفكير في أن يزوجني أو يعينني بملبغ من المال لكي أكمل مشروع الزواج ،أفيدوني أثابكم الله ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم أن نفقة الوالد إنما تجب إذا كان محتاجا، أما إذا كان عنده ما يكفيه فلا يجب على الولد النفقة عليه، وانظر الفتوى رقم:56541 ، والفتوى رقم:69945.(28/129)
فإذا كان لوالدك مال ينفق منه على نفسه فلا يجب عليك النفقة عليه. وإن طلب منك شيئاً فلتعطه له براً به، ورداً لبعض جميل إحسانه إليك. وراجع الفتوى رقم : 1249 .
ولا يجب على والدك أن يزوجك على الراجح، وسبق بيانه في الفتوى رقم :23574 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... هل يجب على الأب دفع المصروفات الدراسية لابنته
تاريخ الفتوى : ... 15 جمادي الأولى 1427 / 12-06-2006
السؤال
ابنتي طالبة بإحدى الجامعات الخاصة وهي مخطوبة وتريد أن تتزوج وهي مازال أمامها عام دراسي، طلبت منها التريث لحين انتهاء دراستها غضبت غضباً شديداً لذلك، فقلت لها لعلمك إذا تزوجت الآن فأن مصروفاتك الجامعية ستكون مسؤولية زوجك، قالت: لا أنت المسؤول عن جميع مصروفاتي الدراسية، هل مصروفاتها الدراسية بعد زواجها مسؤوليتي أم مسؤولية زوجها، أفيدوني أفادكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المصروفات الدراسية الجامعية لا تدخل ضمن النفقة الواجبة، لا في حق الأب قبل زواج البنت ولا في حق الزوج بعد زواجه من البنت، إلا أن يدفعها من يدفعها على سبيل التبرع فله في ذلك الأجر العظيم، فلذلك فهي ليست من مسؤولية الأب الواجبة لا قبل الزواج ولا بعده، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 50068، والفتوى رقم: 59707.
وبقي أمر وهو ما إذا اشترطت المرأة على زوجها قبل العقد أو أثناءه دفع تكاليف هذه الدراسة، وقبل الزوج بهذا الشرط، فيلزمه الوفاء به، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 15475.
وننبه إلى أنه ينبغي المبادرة إلى الزواج ما أمكن وعدم تأخيره، لما في ذلك من المصالح الراجحة، ولا يجوز للولي أن يأمر موليته بتأخير الزواج بحجة إكمال الدراسة، ولا سيما إن رغبت في الزواج وخشيت على نفسها الضرر بتأخيره، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 18626.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النفقة الواجبة للزوجة والأولاد
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1427 / 15-05-2006
السؤال(28/130)
أنا فتاة من عائلة تتكون من 9 أشخاص أبي ظالم نوعا ما صرف على أربع إخوة فقط، وبعدها لم يصرف علينا لا يعطينا الملابس ولا الطعام ولا حتى الدراسة فقام أخي الذي درس الطب بالسفر إلى السعودية كي يصرف علينا لأننا نحن ندرس كلنا بالجامعات لقد كان أبي بخيلا علينا في كل شيء وهو يعامل أمي بكامل القسوة حوالي 35 سنة، ولكن أمي لم يبق لديها الصبر فقررت تركه بعدما كبرتنا وأصبحنا نعتمد على أنفسنا، وبعد ذلك راح أبي وتزوج من امرأة أخرى، وترك إخوتي من غير زواج فقد أصبح عمر أخي الطبيب 36 سنة، ونحن لا نملك النقود لكي نزوجه، ولكن أبي يملك الكثير من النقود فلديه بيتان و3 مليون في البنك وكل بيت يساوي حوالي 6 مليون ونحن الآن نكرهه إلى حد لا نستطيع أن ننظر إليه ولا نستطيع حتى أن نسلم عليه لقد دمر حياة إخوتي، فقد ذهب أخي الآخر إلى اليونان لكي يساعد أخي الطبيب في المصاريف ولكي يزوجه، قولوا لي ماذا نفعل هل معنا الحق أم معه، وقد نسيت أن أقول لكم بأنه فاضحنا في البلد في تصرفاته وكلامه، وكلما تكلمنا معه يزيد في أفعاله هذه ونحن يزيد كرهنا له في بعض الأحيان نتمنى له الموت، قولوا لي ماذا نفعل أرجوكم ردوا على رسالتي هذه، لأننا واقعون في حيرة من أمرنا وأمي ليس لها حول ولا قوة والحمد لله فقد ربتنا أحسن تربية كل العالم تمدح بأخلاقنا وبدراستنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على أبيكم أن ينفق بالمعروف على من تلزمه نفقته مثل أمك إن كانت لا تزال في عصمته غير ناشز، وإخوانك الصغار الذين لا مال لهم، ومن لم يتزوج من بناته، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 66857.
وإذا ترك الوالد النفقة على من تلزمه نفقته فإنه يأثم، وفي الحديث: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه أبو داود، وفي مسلم: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته.
وأما تزويج الأبناء فلا يلزم الوالد شرعاً، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 27231.
وقيل يلزمه زواج من تلزمه نفقته منهم، ويؤجر على ذلك، ويكون من رفقه برعيته، وفي الحديث: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم.
ويجب عليكم أن تصاحبوه بالمعروف، وأن تصلوه ولو قاطعكم، امتثالاً لأمر الله تعالى، حيث قال: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:14-15}.
ولعل صلتكم له مع دعوتكم له إلى الله تعالى تؤثر فيه فيؤوب إلى رشده، فإن فعل وإلا جاز رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتلزمه بالواجب عليه نحو زوجته وأهله، وليس في ذلك نوع من العقوق، كما هو مبين في الفتوى رقم: 43086.(28/131)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة على الوالدين المحتاجين واجبة على جميع الأبناء
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الثاني 1427 / 01-05-2006
السؤال
أنا شاب عقدت قراني بشابة متحجبة، مند عام ونصف أنفق على والدي مع العلم أنه لدي 3 إخوة متزوجين يعملون ولا يساهمون في النفقة لدرجة أنني أجلت حفل الزفاف لهذا السبب مع العلم أنني لا أنفق على زوجتي ولم أعطها الصداق بعد، وقد جامعتها، فماذا أفعل مع إخوتي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرى أن تجتمع بإخوتك وتبين لهم وجوب النفقة على الوالدين المحتاجين، وأن هذا الوجوب مخاطب به جميع الأبناء بدون استثناء ، بحسب يسار كل منهم ومقدرته ، وتنصحهم بعدم التخلي عن واجبهم ، وتبين لهم أن هذا ليس واجبك وحدك ، وأن عليك واجبات أخرى نحو زوجتك التي يجب عليك نفقتها ، ويلزمك الوفاء لها بصداقها كاملا لما ذكرت من أنك جامعتها ، فإذا تخلى الإخوة عن واجبهم ، فلا يجوز لك أن تتخلى عن واجبك نحو والديك ، كما لا يجوز لك التخلي عن نفقة زوجتك، فعليك أن تؤدي الحقين وتقوم بالواجبين بما تستطيع ، وبما آتاك الله من فضله، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ، ونسأله سبحانه أن يوسع عليك ويضاعف لك الأجر والمثوبة ويصلح إخوتك ، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى التالية : 21173/ 20338 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... التصرف في مال الغير لا يجوز إلا بإذنه
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الأول 1427 / 03-04-2006
السؤال
أبي حلف اليمين على أم أمي ( ستي ) على أن لا تدخل البيت ونحن نعطيها طعاما بدون علمه فهل هذا حرام أم حلال ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تنصحوا والدكم بعدم منع أم زوجته من الدخول إلى بيته وأن يكفر عن يمينه؛ لأن في ذلك إيغارا للصدور بينه وبينها وربما بينه وبين بنتها وأحفادها ما لم يكن هناك مبرر لمنعها ، ولا بد في الحالتين من التزامكم بعدم إدخالها بيته إلا بإذنه .(28/132)
وأما إعطاؤها للطعام فإن كان من مالكم فلا مانع منه ، وأما إن كان من ماله فلا بد من إذنه لأن التصرف في مال الغير لا يجوز إلا بإذنه, ولو كان المتصرف ولدا أو زوجة, وإنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تأخذ من ماله ما يكفيها لنفقتها وولدها بالمعروف ، أما أن تأخذ لغيره فلا يجوز إلا بإذن لفظي أو عرفي .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من أنفق على أخيه نفقة غير واجبة هل له أن يرجع بها
تاريخ الفتوى : ... 03 ربيع الأول 1427 / 02-04-2006
السؤال
بعد التحية والتقدير لشخصكم الكريم ، أود أن أطرح مشكلتي وكلي رجاء أن أجد الإجابة الكافية عن تساؤلاتي ، في البداية نحن عائلة مكونة من ستة أفراد، أبي وأمي وأنا أكبر الذكور وأخي الذي يصغرني ببضع سنوات وأختين بنات ، تكمن مشكلتي في أخي الذي يصغرني ببضع سنين حيث إن أبي رجل كبير في السن معتل الصحة ولا يستطيع أن يعمل بل هو بحاجة للعناية والانتباه وكذلك أمي وبالتالي يفترض أن نكون أنا وأخي المعيلان للأسرة ، وكنت قد اتفقت مع أخي أن أقوم بتحمل جميع الالتزامات خصوصاً المادية حتى يحصل على عمل ويستقر على أن يقوم بردًها لي لاحقاً حيث إني تكبدت المشقات وعانيت أشد العناء في توفيرها لأسرتي حيث إني أعمل في التجارة الحرة ودخلي ليس ثابتأ وليس فقط لأسرتي بل له هو شخصياً حيث ساهمت في تعديل وضعه وسرعته للاستقرار وتأهيله للحصول على وظيفة جيدة، وبعد أن وجد عملا جيدا واستقر ومرت فترة طويلة كفيلة باستقراره وأيضاً لم أبخل في هذه الفترة في مساعدته بكل الطرق ، قمت بالطلب منه باسترداد ما تكلفته طول هذه الفترة العصيبة التي مرت علي حيث إن التزاماتي كثيرة وفوجئت بالرفض من قبله، الأمر الذي فجعني ، حتى إني لم أطلب منه كامل ما تكلفته بل أي مبلغ يقرره هو حسب استطاعته ومقدرته ولكن رفض مما أذاني نفسياً، والأمر الثاني الذي زاد جراحي وجراح أسرتي وبالتحديد أبي وأمي الذي أتعبهم نفسياً وآذاهم أشد إيذاء هو تجاهله لمتطلباتهم ليست المادية البسيطة التي لا أستطيع أنا القيام بها جميعاً وأنا أقضي معظم وقتي في عملي لإيفاء احتياجاتهم حيث كما ذكرت سابقاً هم في أمس الحاجة إلى الرعاية وتلبية متطلباتهم وهي بسيطة ويستطيع أن يقوم بها مثل مراجعات الطبيب وإحضار بعض الأدوية وإحضار مؤن البيت وبعض الطلبات البسيطة ، حتى أني فكرت باسترداد بعض المبالغ منه لأستطيع توظيف شخص للقيام برعاية أمي وأبي . أعتذر عن الإطالة واستفساري هو : هل رده لي
يمكن أن يكون صحيحا بأي منظور كان ؟
وهل يوجد خطأ بتسجيل وإقرار دينه لي ، حيث إنه أخبرني أنه سأل بعض الشيوخ وأجابوا بالنفي،ـ وأخيراً ما رأي الشرع في إعالة الوالدين والأسرة ؟
الفتوى(28/133)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك هذا يتلخص في نقطتين هما:
• ما إذا كان من حقك أن تسترد من أخيك المبالغ التي كنت قد صرفتها عليه.
• وما إذا كان هو مطالبا بمساعدتك في رعاية أبويكما في مراجعات الطبيب وإحضار بعض الأدوية وإحضار مؤن البيت ونحو ذلك من الطلبات البسيطة.
وقبل أن نبدأ بالإجابة عما سألت عنه، نوصيك بأن تحرص على الإحسان إلى أبويك، عملا بقول الله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {البقرة: 83} والإحسان إليهما يكون بالحرص على ما يسرهما، والبعد عما يسوؤهما قولا وفعلا، ويتأكد هذا إذا كبرا. قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23-24}.
وفي الحديث: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. رواه مسلم وأحمد.
وذكر أخاك بما تحملته والدته من المشاق والمتاعب بسببه أيام الحمل والوضع والرضاعة والحضانة حتى كبر، وما تحمله أبوه من ذلك، أفما يحسن بمن تحمل منه أبواه هذه المعاناة كلها مع كمال الحب والعطف والرحمة والرفق والحرص على مصالحه أن يحرص بعد ضعفهما وكبرهما على الرفق بهما والإحسان إليهما والتلطف بهما والعناية والرحمة بهما والقيام بمصالحهما.
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك الأول، فإن من أنفق على شخص نفقة غير واجبة عليه شرعا، له أن يرجع بما أنفق إذا كان للمنفَق عليه مال يعلم به المنفِق، قال خليل في مختصره: وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف أنه أنفق ليرجع عليه... ومعناه أنه لو أنفق أجنبي على صغير له مال حين الإنفاق عليه، فله الرجوع في ماله ويحلف أنه أنفق ليرجع إلا أن يشهد على ذلك حين الإنفاق فلا يمين عليه حينئذ.
والذي يظهر من السؤال هو أن أخاك لم يكن له مال حين إنفاقك، وعليه فلا نرى أن لك الرجوع عليه بما أنفقت، إلا أنه كان ينبغي له أن يعترف بما كان لك عليه من الفضل، ويسعى في مكافأتك.
وأما القيام بشؤون أبويكما، فإن عليه منه مثل الذي عليك. وراجع في هذا فتوانا رقم: 43328.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يرجع الأخ على أخيه بما أنفقه على تعليمه
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1427 / 27-03-2006
السؤال
نحن عائلة كبيرة وفقيرة، تعلم أخي الأكبر في الجامعة بنفقة من والدي، وبعد ذلك قام أخي الأكبر بالإنفاق على تعليم إخوتي الذين يصغرونه، فتخرج منهم من تخرج(28/134)
، ثم أصبح هؤلاء ينفقون على الذين يصغرونهم، فقام أحدهم بالإنفاق على تعليمي في الجامعة، ولم يسجل وقتها أي سند دين أو لم يكن بيننا أي اتفاقية ولو شفهية مثل أن أقوم بتسديد ما أنفقه على تعليمي الجامعي. وإنني الآن وبعد أن تخرجت من الجامعة وتزوجت وصرت أعمل أشعر أحيانا أن في نظرات أخي وكأنه يريد استرداد فلوسه، مع أنه بخير من الله. وكذلك لم يصارحني في طلب تلك الفلوس، فهل له الحق في طلب فلوسه. وإذا ما طلبها ولم أعطه إياها فهل يلحقني إثم.
أرجو النصيحة ؟ وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا لم يكن لك مال حين إنفاق أخيك على تعليمك، فليس له أن يرجع عليك بما أنفق عليك. وإن كان لك مال حين إنفاقه، وهو عالم به، وادعى أنه إنما أنفق عليك ليرجع عليك بتلك النفقات، فله ذلك بشرط أن يحلف أنه لم ينفق عليك متبرعا، قال خليل في مختصره: وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق، وحلف أنه أنفق ليرجع عليه.
وقال الشيخ المواق في التاج والإكليل: ابن رشد: الولد إذا لم يكن له ولا لأبيه مال فهو كاليتيم, النفقة عليه احتسابا. وإن كان لليتيم أو له مال فللمنفق عليهما الرجوع عليهما في أموالهما بعد يمينه أنه إنما أنفق عليهما ليرجع في أموالهما لا على وجه الحسبة. وهذا إذا أنفق وهو يعلم مال اليتيم أو يسر الأب. ابن يونس: فيرجع في ماله ذلك, فإن تلف ذلك المال وكبر الصبي وأفاد مالا لم يرجع عليه بشيء.
والذي يتبادر من السؤال هو أنك لم يكن لك مال حين إنفاق أخيك عليك، وبالتالي فليس له الرجوع عليك بشيء، ولكن عليك أن تعلم أن عليك صلته، وتقدير إحسانه عليك.
وينبغي أن تلغي عنك الشعور بأن في نظراته أنه يريد استرداد فلوسه، فلا نرى إلا أنها وسوسة من الشيطان، يريد أن يغرس البغضاء بينك وبين أخيك.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... هل تسقط النفقة بمضي الوقت
تاريخ الفتوى : ... 27 محرم 1427 / 26-02-2006
السؤال
طلقت زوجتي وعندي ولد منها أخذته معها عندما كنت في العمل وعمره كان 3 سنوات وقد قدمت مصروفا له 300 ريال فرفضوها والآن هم يطالبون بها. وقد ربوه تربية غير صحيحة ولا يريدونه الآن. السؤال / هل تسقط مصاريف النفقة علما بأنهم رفضوها والآن عمره تقريبا 17 سنة وإذا لم تسقط فكم تكون النفقة ؟ وهل آخذه عندي ؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق في الفتوى رقم:37998،(28/135)
أن نفقة الولد تسقط بمضي الوقت إلا أن يفرضها القاضي، وعلى هذا فليس لمن أنفق على الولد المطالبة بنفقته في الفترة السابقة, إلا إذا نوى حال إنفاقه أن يرجع فيما بعد على الأب بما أنفق، ففي هذه الحالة يمكنه أن يطالبه بالنفقة، قال النووي رحمه الله في روضة الطالبين: ولو أنفقت عليه - يعني على طفلها - من مالها بقصد الرجوع وأشهدت رجعت، وإلا فوجهان. انتهى.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه المسألة كما في الفتاوى الكبرى: مسألة: في رجل ماتت زوجته, وخلفت له ثلاث بنات: فأعطاهم لحميه وحماته وقال: روحوا بهم إلى بلدكم, حتى أجيء إليهم ; فغاب عنهم ثلاث سنين فهل على والدهم نفقتهم وكسوتهم في هذه المدة أم لا ؟ . الجواب: ما أنفقوه عليهم بالمعروف بنية الرجوع به على والدهم فلهم الرجوع به عليه, إذا كان ممن تلزمه نفقتهم . والله أعلم. انتهى
وأما تقدير النفقة فتقدر بقدر الحاجة والكفاية بالمعروف، قال في المغني: والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية لأنها وجبت للحاجة، فتقدر بما تندفع به الحاجة. ا.هـ
وإذا اختلف في تقديرها فمرجع ذلك إلى القاضي الشرعي,
وعلى الأب أن يضم الولد إليه وتجب عليه نفقته وسكناه ما دام فقيرا غير قادر على الكسب .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تجب نفقة الخال على أبناء أخته
تاريخ الفتوى : ... 23 محرم 1427 / 22-02-2006
السؤال
لي أولاد خالة توفي عنهم والدهم فمن يتولى الإنفاق عليهم وإعانتهم في معيشتهم، مع العلم بأنهم صغار أي لم يصلوا لمرحلة البلوغ.... هل يقوم بذلك العم أم الخال وإن كان غير قادر.... أرجو إفادتنا والدعاء لهم بالصبر والثبات؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهؤلاء الأبناء المتوفى عنهم والدهم وهم دون سن البلوغ أيتام، ونفقة اليتيم إذا لم يكن له مال على الأم، فإن لم يكن لها مال فنفقتهم على من يرثهم، كل بقدر إرثه، على خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 31315.
فتجب النفقة على العم إذا لم يكن لهم وارث غيره، أما الخال فلا تجب عليه النفقة لأنه غير وارث.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الإنفاق على الوالدين أم على الزوجة والأبناء
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو الحجة 1426 / 07-01-2006
السؤال(28/136)
القصة هي أن هناك إنسانا ببلاد الغربة والحالة المادية ليست جيدة، يقوم أحيانا باستقراض المال من أجل أن يتم بناء بيته في وطنه الأم، فهو يرسل هذا المال للأهل للقيام بإتمام البناء، وكلما توفر معه يقوم بالسداد - القصة لهذا الحد مقبولة - كلما بعث هذا الشخص للأهل بالمال الخاص بالبناء( المال الذي قام باستقراضه )، فإنه يخص جزءا منه لأهله، وأخر مرةٍ خصص جزءا منه لتقوم أمه بشراء أضحية للعيد ، وجزءا هدية لأخته، والآخر لأبيه ، مع العلم أن هذا الشخص لا ينام الليل من الدين الذي عليه .
سؤالي : هل هذا عدل أن يقوم الابن بالاستدانة من أجل أضحية، أوهدية من أجل إرضاء الغير، وحتى لا يشعر أنه مقصر بأهله ؟ مع العلم أنه متزوج، وعنده 3 من الأطفال، ويسكن بالإيجار، وتكاليف الحياه في بلاد الغربة غالية جدا، وأهله عندهم أراضي ويشتغلون بالزراعة . ما هي نصيحتكم لهذا الإنسان ؟ وما رأي الدين ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على وجوب نفقة الوالدين المعسرين على ولدهما بما فضل عن قوته وقوت زوجته أو زوجاته . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على وجوب نفقة الوالدين اللذين لا كسب لهما ولا مال ، سواء أكان الوالدان مسلمين أو كافرين ، وسواء كان الفرع ذكرا أو أنثى ، لقوله تعالى : وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15} .
والذي يظهر من السؤال -إن كان الواقع كما ذُكر-: أن هذين الوالدين غير معسرين ، وأن لهما من المال ما ينفقانه على نفسيهما ، فلذا لا تجب نفقتهما على ولدهما ، إلا أن النفقة عليهما من تمام الإحسان إليهما ولو كانا غير محتاجين؛ لأن النفقة على الوالدين من أفضل النفقات وأعظمها أجراً عند الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أموال أولادكم من كسبكم ، فكلوا هنيئاً . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط .
وقد وصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين فقال سبحانه : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23} وما ذكر في السؤال من الإحسان إليهما.
فالذي نوصي به الابن هو الحرص على رضا الوالدين بكل ما أمكنه ، ولو أدى ذلك إلى أن يستدين بعض المال لهذا الغرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : رضا الرب في رضا الوالدين ، وسخطه في سخطهما . رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو ، وصححه الألباني .
وليس لزوجته حق في منعه من الصدقة والإنفاق على والديه وأخته ، بل ينبغي أن تشجعه على ذلك ، وأن تعينه عليه إن كانت فعلاً تحبه وتحب له الخير ، فإن في إحسانه لهم صلاحاً له في دينه ودنياه ؛
أما في دينه : فإن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله تعالى ، ففي الحديث عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في نفر من أصحابه ، فقلت : أنت الذي تزعم أنك رسول الله ؟ قال: نعم ، قال : قلت : يا رسول الله ! أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : الإيمان بالله ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال(28/137)
: ثم صلة الرحم ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : قلت : يا رسول الله ! أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال : الإشراك بالله ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم قطيعة الرحم ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف . قال الإمام المنذري : رواه أبو يعلى بإسناد جيد .
وأما في دنياه : فسعة الرزق وطول الأجل ؛ قال صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه . متفق عليه
هذا إن استطاع هذا الرجل الجمع بين العطاء لوالديه والنفقة الواجبة عليه لزوجته وأبنائه ، فإن لم يستطع فإن المقدم حينئذ هو نفقة الزوجة والأبناء ، لأن الفقهاء قد نصوا على ذلك ، فقد قال صاحب كشاف القناع ممزوجاً بمتن الإقناع : ويبدأ من لم يفضل عنه ما يكفي جميع من تجب نفقتهم بالإنفاق على نفسه ، فإن فضل عنه نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته ؛ لأنها واجبة على سبيل المعاوضة ؛ فقدمت على المواساة .
واستدلوا على ذلك بحديث جابر الذي أخرجه مسلم في صحيحه وفيه : إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته . وبحديث ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله . رواه مسلم
قال المناوي في فيض القدير : ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم : أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك . والنفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته وضحناها في الفتوى رقم : 50068 ، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم : 51137 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... نفقة الأم المطلقة على من تجب
تاريخ الفتوى : ... 26 ذو القعدة 1426 / 27-12-2005
السؤال
لدي تساؤل : في حالة وفاتي سأترك ولدا له نصف تركتي وابنتين يتقاسمان النصف الآخر بعد استبعاد الثمن الذي يخص زوجتي التي هي ليست أمهم من يكون كفيلا بنفقة والدة أولادي المطلقة التي لا ترث شيئا مني أهو ابنها الذكر فقط ؟ أم أن البنتين يشتركان معه بنسبة ميراث كل منهم ؟
أرجو إفادتي لتوضيح هذه النقطة لهم و شكرا جزاكم الله خيرا و أبقاكم ذخرا للمسلمين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة الأم إذا كانت فقيرة تجب على جميع أبنائها الذكور والإناث إن كانوا قادرين موسرين بإجماع العلماء ، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله : ويجبر الرجل على نفقة(28/138)
والديه وولده الذكور والإناث إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم. والأصل في وجوب نفقة الوالدين الكتاب والسنة والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23 } ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه . رواه أبو داود ، وأما الإجماع فحكاه ابن المنذر قال : أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ، ولا مال ، واجبة في مال الولد . انتهى من المغني.
فإذا احتاجت تلك الأم إلى المال وجب على أبنائها جميعاً أن ينفقوا عليها ، ويسدوا حاجتها ، ولكن العلماء اختلفوا في كيفية توزيع ذلك عليهم. هل يكون بحسب الإرث أو اليسار أو غيره، وقد بينا الخلاف في ذلك والراجح منه في الفتوى رقم : 20338 ، فنرجو مراجعتها والاطلاع عليها .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... نفقة اليتيم الذي لا مال له.. رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 04 ذو القعدة 1426 / 05-12-2005
السؤال
مات زوج أختي وعنده بنتان منها ولم يترك لها أي مال بل ظهر أنه مدين من فلان وفلان ولم يترك أي قطعة من المال، فهل يجوز أن نطالب والد المتوفى بنفقة للبنات ودفع مؤخر أختي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في من تجب عليه نفقة اليتيم الذي لا مال له، فعند الإمام الشافعي أن نفقته على أمه الموسرة، وعند الإمام أحمد أن نفقته على من يرثه، كلُ بقدر إرثه، قال ابن قدامة في الكافي: فإذا كان له أم وجد فعلى الأم ثلث النفقة وعلى الجد ثلثاها... إلى آخر كلامه.
وقد ذكر ابن كثير في تفسير قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) أن الجمهور فسروها بأنه يجب على الوارث مثل ما يجب على الأب من إنفاق على أم الرضيع وعدم الإضرار بها. وذكر أنه استدل بهذه الآية فقهاء الحنفية والحنابلة على وجوب نفقة الأقارب، وذكر أنه مذهب جمهور السلف.
وعليه؛ فيحق للأم مطالبة والد الزوج بنصيبه من نفقة البنات.
وأما مؤخر الصداق فهو دين على الزوج يحل بموته ويجب في تركته، فإن لم يكن له تركة، فيبقى في ذمته، ويندب لأقاربه أن يقضوا عنه الدين، ويندب للزوجة أن تسامحه وتعفو عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(28/139)
حكم صرف المال الحرام على الأم الفقيرة
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو القعدة 1426 / 04-12-2005
السؤال
أحتفظ ببعض النقود في البنك وآخذ بعض الفوائد من البنك وعلمت أنه لا يجوز شرعا ولكني قرأت هنا في بعض الفتاوي أنك من المستحب لك أن تتبرع بهذا المال لفقراء المسلمين ولكن أمي ولله الحمد فقيرة جدا ومريضة بالسكر وبعض الأمراض الأخرى وأبي على قيد الحياة ولكنه يحب المال حبا شديداً ولا ينفق على أمي إنها تريد علاجا وطعاما وأشياء أخرى أمي لا تملك أي شيء غير حب الله والرسول فقيرة جداً وأنا الآن خارج بلدي في غربة وأنا قلق على أمي وإني أكبر الأبناء فهل يجوز لي إعطاء أمي فوائد البنك والله هي محتاجة إليه جداً والأقربون أولى بالمعروف ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أنه لا يجوز لك الاحتفاظ بنقودك في البنك الربوي ويجب عليك سحبها ، وما حصلت عليه من فوائد يجب أن تتخلص منه ، وقولنا يجب يعني أنه إذا لم تفعل ذلك فأنت آثم ومتعرض للعقوبة الإلهية في ترك الواجب ، ولا ندري من أين لك أننا قلنا إنه يستحب ذلك ولا يجب؟! .
وأما صرف هذا المال إلى والدتك المحتاجة فلا، لأن نفقتها واجبة عليك إن أعسر والدك أو امتنع عن الإنفاق عليها وكنت موسراً فنفقتها واجبة عليك، فهي إذاً غنية بك وليست فقيرة يدفع إليها ذلك المال .
جاء في المدونة: فقلت لمالك: فالمرأة يكون لها الزوج وهو معسر ولها ابن موسر أيلزم الابن النفقة على أمه وهو يقول: لا أنفق عليها لأن لها زوجاً ؟ قال مالك: لا . ينفق عليها ولا حجة له في أن يقول: إنها تحت زوج ، ولا حجة له في أن قال فليفارقها هذا الزوج حتى أنفق عليها. فلها أن تقيم مع زوجها ويلزم ولدها نفقتها . اهـ
هذا.. وإذا كنت فقيراً جاز لك في هذه الحالة دفع هذا المال إلى أمك ، وراجع الفتوى رقم : 18727 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الأولاد الإنفاق على زوجة أبيهم
تاريخ الفتوى : ... 10 رمضان 1426 / 13-10-2005
السؤال
اطلعت على الفتوى من جانبكم ونسال الله أن يوفقنا للعمل
بها إن شاء الله، ورقم الفتوى : 67263، فقط أريد التوضيح في كيفيه معاملتنا لزوجة أبي بوضعها في مأساتنا كلها هل يجب علينا النفقة عليها أم هو فضل سعة(28/140)
إن تمت لا بأس بها أقصد ليس بواجب إن قمنا بها جزينا وإن لم نقم لا تثريب علينا ؟
الأمر الثاني في اتهامها في التعامل مع السحرة والشعوذة بدون دليل حصل لأخي شيء في تصرفاته أشبه بالجنون وبعد اتباع الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن كان يتحدث عنها وعن مساعدة أهلها وطريقة عمل السحر وفعلا وصف أمورا غريبة وأماكن لأوراق شعوذة وهو نائم تحت تأثير الرقية مع استمرار قراءة القرآن، عندما أفاق من النوم سئل عن أسماء ذكرها أكد أنه لا يعرف منها ولا أي أحد ،وفعلا الأسماء ظهرت صحيحة بعد التحري من وجودها لأننا فعلا لا نعرفهم والأوراق بمكانها وجدها من وجدها من الثقات وسلمناها لحفظة القرآن لإبطال سحرها هل هذا يعتبر دليلا أم لا ؟؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تعاملوا زوجة أبيكم بالتي هي أحسن امتثالا لأمر الله تعالى بحسن المعاملة مع المسلم، وبرا وإحسانا بأبيكم، فالله سبحانه وتعالى يقول:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34-35} ونرجو أن تطلع على الفتويين: 50453، 54560.
وأما النفقة عليها فهي تابعة للنفقة على أبيكم، فإن كان فقيرا يحتاج إلى النفقة فيجب عليكم نفقتها وما يتعلق بها. قال العلامة خليل المالكي في المختصر: وإعفافه (الأب) بزوجة واحدة. قال شراحه: ويجب على الولد نفقة الوالد لفقره، وعليه نفقة زوجته وخادمها.
واما اتهامها بالتعامل مع السحرة... فإنه لا يجوز أن يتهم المسلم بهذا النوع من الأعمال، وما ذكرت لا يمكن أن يأخذ به كدليل شرعي يحكم به على شخص بريء، والذي ننصحكم به بعد تقوى الله تعالى هو المحافظة على الأذكار والأدعية المأثورة في الصباح والمساء وخاصة فاتحة الكتاب وآية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين، وإذا كان في الابتعاد عن زوجة أبيكم قطع لهذه المشاكل وتقليل لأسباب الكراهية والبغضاء فلا شك أن ذلك أفضل. ونرجو أن تطلع على الفتويين: 26485، 51514. وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عنوان الفتوى : ... حكم رفع الابن قضية نفقة ضد أبيه
تاريخ الفتوى : ... 11 شعبان 1426 / 15-09-2005
السؤال
أبي منفصل عن أمي منذ 15 عاماً ولا ينفق علي وحاولت أن أتقرب له ولكنه كان يبعد عني كثيرا فهل يجوز أن أرفع عليه قضية نفقة؟
مع العلم أني أقدم على مرحلة جامعية.(28/141)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة القريب على قريبه نفقة إرفاق وليست نفقة مقدرة في مقابل حق، ولذا يفرق العلماء بين نفقة الأقارب ومن ذلك نفقة الأب على أولاده ذكوراً وإناثاً، ونفقة الزوجة من وجوه:
أولاً: نفقة الزوجة مقدرة ونفقة القريب بقدر الحاجة.
ثانياً: نفقة الزوجة في مقابل التمكين من نفسها والحبس على زوجها، ونفقة القريب لا في مقابل حق.
ثالثاً: نفقة الزوجة لا تسقط بالتقادم بخلاف نفقة القريب.
وقد أشار الإمام السيوطي رحمه الله تعالى إلى ذلك في الأشباه والنظائر فقال: نفقة الزوجة والقريب افترقا في أمور:
أحدهما: نفقة الزوجة مقدرة ونفقة القريب الكفاية.
الثاني: نفقتها لا تسقط بمضي الزمان بخلاف نفقة القريب.
الثالث: شرط نفقة القريب إعساره ويسار المنفق، ولا يشترط في نفقة الزوجة.
الرابع: يباع في نفقة الزوجة المسكن والخادم دون نفقة القريب على ما اختاره طائفة، وقد تقدم في مبحثهما. اهـ
وعليه، فلا يصح لك أن ترفع ضد أبيك قضية نفقة عن الزمن الماضي إلا أن يكون قد حكم بها في حينها حاكم، ولك أن تطالبه بالنفقة عن ما يستقبل إن كنت عاجزاً عن الكسب ولا مال لك، أما في غير هذه الحالات ففي مقاضاته جفاء، والواجب عليك أن تحسن إليه ولو أساء إليك.
أما أمك، فإن كانت مطلقة من أبيك وهذا هو الذي فهمناه من قولك: منفصل عن أمي، فليس لها أن تطالب إلا بنفقتها حين كانت زوجة أو معتدة غير ناشز.
أما إن كان انفصال أبيك عن أمك بغير طلاق ولم تكن أمك ناشزاً، فلها الحق أن تطالب بنفقة ما مضى من السنين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... النفقة على الأخ بين الوجوب والاستحباب
تاريخ الفتوى : ... 14 جمادي الثانية 1426 / 21-07-2005
السؤال
لي أخ وحيد و7 أخوات وكلهم متزوجون ظلمت من أخي لقيامه بأخذ حقي وعدم الاعتراف به وسيطرته على الوالد بأن لا يعطيني حقوقي أي الاموال المستثمرة لدى الوالد وبعد سنوات تغيرت الأحوال وأصبح أخي والوالد لايملكون الأموال وأخي الآن كلما تتأزم عنده الأمور يحضر لي وأقدم له مما أتاني من الله والآن أنا مسافر اتصل بي أهل بيتي بأن أخي محتاج لمال والموجود لدى أهل بيتي قليل فطلبت من أهل بيتي بتقسيم المبلغ إلى ثلاثة والدي وأخي وأهل بيتي وعملت بذلك كي يقوم الوالد بمنح المبلغ لأخي خوفاً من أهل بيتي يغضبوا ويدعوا بأنني أقوم(28/142)
بحرمانهم من هذه النعمة لأخي وأن تبقى في نفوسهم فهل عملت الخير بذلك. أفيدوني جزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نشكرك أولا على هذا التعامل الطيب والخلق الحسن مع أهلك. واعلم أخي أن المسلم يبلغ بالخلق الحسن درجة رفيعة عالية يوم القيامة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. وقال صلى الله عيله وسلم: إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات لله بحسن خلقه وكرم ضريبته. -طبيعته الحسنة- رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.
وأما بخصوص النفقة على الأهل، فإنها واجبة على الولد لوالديه إذا كانا محتاجين، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
وأما النفقة على إخوتك، فإن وجوبها محل خلاف بين أهل العلم، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم:44020. وبناءً على ما رجحناه في هذه الفتوى فلا تجب عليك إلا إذا كانوا فقراء، وكنت وارثا لهم، وأنت لست كذلك، لأن أباك يحجبك عن ميراثهم، فلا تجب عليك نفقتهم إذاً ، قال ابن قدامة في " المغني" : ولو كان الأخوان لأحدهما ابن، والآخر لا ولد له، فعلى أبي الابن نفقة أخيه، وليس له دفع زكاته إليه، والذي لا ولد له، له دفع زكاته إلى أخيه، ولا يلزمه نفقته، لأنه محجوب عن ميراثه. وقال ابن حزم في " المحلى" فإن حجب عن ميراثه الوارث، فلا شيء عليه من نفقاتهم. إلا أن صدقتك على أخيك المحتاج من أفضل الصدقات، فهي صدقة وصلة رحم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة . رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. ولهذا فإننا نوصيك أخي الكريم بمواصلة هذا الخلق الكريم، ولا يضرك إن كان أخوك قد ظلمك من قبل، فإن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن لي قرابة أصهلم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولايزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك. رواه مسلم. أضف إلى ذلك أن ظلم أخيك لك كان منذ مدة، فربما يكون قد ندم على صنيعه، لاسيما بعد إحسانك إليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ثلاثة شروط لوجوب النفقة على الأخ
تاريخ الفتوى : ... 10 جمادي الثانية 1426 / 17-07-2005
السؤال(28/143)
لي أخ لا يريد العمل وهو في الأربعينات من عمره تلح علي أمي دائما بأن أصرف عليه بعلم زوجي أو دون علمه إلى أن تعبت من كثرة مصاريفه وكراء منزله مع العلم فهو يعيش في علاقة غير شرعية مع فتاة ولا يشرب الخمر ما العمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن للمرأة الحرة الرشيدة حرية التصرف في مالها فيما أباحه الشرع، ولو من غير إذن زوجها، فراجعي لذلك الفتاوى التالية: 1618، 31928، 9116.
وسبق لنا بيان وجوب النفقة على الأخ بثلاثة شروط: الأول: أن يكون الأخ فقيراً لا مال له ولا كسب، والثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليه فاضلاً عن نفقة نفسه، والثالث: أن يكون المنفق وارثاً، ولمزيد من التفصيل راجعي الفتوى رقم: 44020.
فإذا كان أخوك لا مال له ولا كسب أي لا يقدر على الكسب، وكنت وارثة له، أي أنه لا وارث له يحجبك كأبيه أو أبنائه، وكنت قادرة على النفقة عليه، فإن نفقته واجبة عليك، وأما إن تخلف أحد هذه الشروط الثلاثة فلا تجب عليك نفقته.
أما إذا كان يصرف نفقتك في المحرمات، فيجب عليك أن تمنعي عنه من النفقة ما يصرفه في المحرمات، ومن ذلك إنفاقه على الزنا والعياذ بالله تعالى، فإن الزنا من أكبر الكبائر، ومن أعظم الفواحش، فقد قال الله تعالى عنه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32}.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب الإنفاق على الأبوين الموسرين
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1426 / 27-06-2005
السؤال
إخواني أنا شاب أبلغ من العمر 29عاماً وأعمل موظفا, وأريد الزواج، ولكن لا أستطيع لأن مالي يذهب لأبي وأمي المشكلة هي أنه لدى أبي من العقارات ما يكفي من المال ولا يريد أن يبيع من هذه العقارات ما ييسر زواجي، السؤال هو: هل يجوز أن لا أعطي والدي من مال وظيفتي وأن أتزوج به؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية نسأل الله تعالى لك تيسير الأمور، ثم اعلم أخي أنه إذا أمكنك الجمع بين تحصيل المال للزواج والإنفاق على أبويك أو دفع ما يرضيهما من المال إليهما، فهذا أمر طيب، فرضا الوالدين طاعة من أجلِّ الطاعات وقربة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فهما اللذان كانا السبب في وجودك في هذه الدنيا وتعبا في تربيتك، فليكن جزاؤهما منك الإحسان.(28/144)
فإن لم تستطع الجمع بين الأمرين فلا حرج عليك في ترك الإنفاق عليهما لأنهما في غير حاجة إلى إنفاق منك لأن نفقتهما ساقطة عنك لوجود أملاك لهما يستطيعان بيعها والإنفاق من ثمنها على نفسيهما، وراجع الفتوى رقم: 39229.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... التبذير وتضييع نفقة الأهل الواجبة
تاريخ الفتوى : ... 01 جمادي الأولى 1426 / 08-06-2005
السؤال
لي أب عديم المسؤولية وكان يملك المال الوفير ولكن تجارته خسرت الآن، ومازال يعيش بالأحلام ويتصرف بطريقة غيرمعقولة ويقول لا أستطيع أن أعيش من دون الملايين وأصرف بالآلاف وياليت علينا بل على الناس لكي لا يظنوا أنه لا يملك المال كالسابق ونحن نشعر بأن المال لا بركة فيه والدليل أصبح يبيع ما تبقى من بيوت ليصرف ويتباهى ونحن الضحية، ولكن أمي ذكرت لي حكاية من قبل عن أبي وهي أنه في بداية عمل أبي كان متفقا مع الكفيل على أنه يعطيه الشيكات مقابل أن يأخذ أبي البضاعة من التاجر كبداية لعمل وأخبره أنه سوف يعطيه نصف الأرباح سنويا، ولكن رغم ذلك كله لم يعمل الكفيل أي شيء ولا يتحمل الخسارة أيضا من هذه البضاعة، ولكنه بعد أن كبرت تجارة أبي وأصبح يملك المال قال لأمي أنه سوف يعطي فقط 1000 أو 2000 درهم كل سنة رغم أن الربح يكون أكثر من ذلك، ولكن أبي كان يخشى أن يطمع الكفيل بالمؤسسة ويطرد أبي لأنه لا توجد حقوق تحفظ لأبي حقه، ولكنه قال إذا بقيت معاملته جيدة للنهاية ولا أدري أية نهاية سيعطيه الأرباح وحقه كاملا، ولكن منذ سنوات حدثت مشاكل بينهما وأدت لخسارة أبي وتركه للدولة ولم يعطه ما وعده هل هذا حرام ويحاسب عليه وأن ما يحدث لنا بسبب هذا المال وأن أمي تتحمل هذا الذنب لصمتها على ذلك أم أنها غير مسؤولة عن تصرفاته، وأنه هو المسؤول عن العائلة والصرف عليها وهو يتحمل الذنب فقط أرجو الإجابة فورا فالأمر طارىء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن في السؤال إجمالا لا يمكن معه أن نجيب عليه جواباً وافياً، وعلى كل فإنه لا تخلو هذه المعاملة فيما يظهر من احتمالين:
الاحتمال الأول: أنهما اتفقا على أن يضارب (يستثمر) والدك بمال كفيله، مقابل نصف الأرباح، وأن لا يتحمل الخسارة وعلى هذا الاحتمال فالمضاربة فاسدة وهذه الصورة وحقيقتها قرض بفائدة وعليه فليس للكفيل إلا رأس ماله مع الأرباح ولوالدك أجرة مثله أي نظيره، وراجعي الفتوى رقم: 53270.
الاحتمال الثاني: أن لا يكون في حقيقة الأمر مضاربة وإنما كفالة فيشترط الكفيل على والدك نصف الأرباح مقابل كفالته وتكون تلك الشيكات التي أصدرها الكفيل(28/145)
كضمان لعمل والدك في السوق، وفي هذه الحالة لا يستحق الضمين شيئاً لأن أخذ المال على الضمان غير جائز، وراجعي الفتوى رقم: 54292
هذا وليعلم أن المرء يأثم إثماً عظيماً بتبذيره لأمواله وإضاعة أهله في نفقتهم الواجبة عليه، وفي الحديث: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد.
وأما بشأن أمك وهل هي آثمة بسكوتها على امتناع والدك عن دفع حق الكفيل، فنعم إن كانت المسألة مضاربة أو شراكة كما تقدم ذلك وعلمت بأن لكفيله حقاً إذ أن الواجب على من رأى منكراً أن يغيره حسب استطاعته، لحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه البخاري.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدم إنفاق الأب على بنته لا يسقط حقه عليها في الإنفاق عليه
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الثاني 1426 / 24-05-2005
السؤال
ما حكم إنفاق المرأة على والدها، علما بأن الوالد تخلى عن الإنفاق عليها منذ ولادتها وتركها تتربى في منزل من ليس من محارمها، بل واستولى على إرثها من والدتها وأنفقه على إخوتها من زوجة أخرى مع سوء المعاملة والظلم لها، علما بأنها الآن متزوجة ولها وظيفة تدخل عليها راتبا شهريا، فهل تجبر على الإنفاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الولد ذكراً كان أو أنثى الإنفاق على والده إذا كان الوالد فقيراً وكان الولد موسراً؛ لما بيناه في الفتوى رقم: 33090.
وأما ما ذكرته السائلة من سوء معاملة الوالد لابنته وعدم إنفاقه عليها وإهماله لتربيتها فذلك كله تقصير منه في حقها وسيسأل عنه يوم القيامة إذا لم تسامحه، ولكنه لا يسقط حقه عليها في حسن الصحبة والإحسان والصلة والإنفاق عليه إن احتاج، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري.
وننصح هذه البنت بتناسي ما سلف والعفو عما كان، فما يزيد الله عبداً بعفو إلا عزا، مع ما في رضى الوالدين من الأجر والمثوبة، فرضاهما سبب في رضى الله، كما أن سخطهما سبب في سخطه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف! قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. رواه مسلم، هذا ونسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يسلك بنا سبيل الرشاد إنه سميع مجيب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(28/146)
لا يجوز للأب أن يأخذ من مال ولده ليعطيه لولده الآخر
تاريخ الفتوى : ... 08 ربيع الثاني 1426 / 17-05-2005
السؤال
والدي يأخذ من أموالي ويعطيها لأخي ليعمل بها مشاريع مع العلم بأن أخي يفعل الفاحشة فهل يجوز لي أن أرفض؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للأب فعل ذلك، وإنما يجوز له أن يأخذ من مال ولده عند الحاجة لنفسه وانظر الفتوى رقم: 25339، ومن حقك أن ترفض طلب والدك، ولكن عليك بالرفق واللين وبيان الأمر لوالدك ويفضل أن تعرض عليه الفتوى المحال عليها أعلاه. وفقك لله لمرضاته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... نفقة الأب أولى أم قضاء الدين؟
تاريخ الفتوى : ... 11 ربيع الأول 1426 / 20-04-2005
السؤال
هل الدين مقدم على نفقة الأب المحتاج أم العكس؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الولد المليء تجب عليه نفقة والده المحتاج بالإجماع، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. وذكر ذلك أيضاً ابن نجيم وابن المنير وغيرهما.
ومستند هذا الإجماع هو ما رواه البيهقي في سننه وابن ماجه وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله؟ إن لي مالاً وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لأبيك. وفي رواية: إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم. قال السيوطي معقباً: وهذا يدل على أن النفقة واجبة على الموسر ولو صغيراً.
وقال الشوكاني: فيدل ذلك على أن الرجل مشارك لولده في ماله....
هذا في حالة ما إذا كان الولد موسراً، وأما إن كان معسراً وكسبه لا يفضل عن نفقته، وأبوه زَمِن فعليه أن يضمه إلى نفسه، ويطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس.
وكذا إذا كان له مال وعليه دين، فإن نفقة الأب المحتاج مقدمة على قضاء الدين، لأن الإنفاق لا يحتمل التأخير والتأجيل كالدين، قاله أبو يوسف، ولأنه حينئذ يكون في حكم المعسر فيجب إنظاره لميسرة، كما قال الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280}.(28/147)
إلا أنه يجب أن تكون نفقته حينئذ منضبطة في حدود الضروري والحاجي، وأما الكماليات والتحسينيات فلا، إذ هي نافلة (ولا يتنفل من عليه القضاء) كما يقول أهل العلم.
وإذا أنفق الولد على والده وترضاه فلعله أن يدعو له، ودعوة الوالد لولده لا ترد؛ لما أخرجه ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. حسنه الألباني.
فيفتح الله بسبب تلك الدعوة من رحماته وبركاته وألطافه ما يتيسر به الحال، ويذهب به الضيق والكلال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أخذ الأب مال ابنته
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1426 / 06-04-2005
السؤال
هل يجوز للأب أخذ كل مرتب ابنته وإعطائها مبلغا بسيطا، وفي هذه الحال هل يجوز للبنت أن تقوم باستخدام أشياء ملكا لوالدها دون إذنه وتبرر لنفسها ذلك بأخذه لأموالها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للأب أخذ مال بنته إلا إذا كان فقيراً فله أن يأخذ من مالها كفايته، فإن كانت غنية بمرتبها مثلا فلا يجب على الأب أن ينفق عليها من ماله، ولكن تنفق على نفسها أو ينفق عليها أبوها من مالها، وجواب سؤلك سبق في الفتوى رقم: 51310.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأب الفقير واجبة على الأبناء
تاريخ الفتوى : ... 26 صفر 1426 / 06-04-2005
السؤال
نحن ستة إخوة ثلاثة منهم عاجزون تماما والدي درس ثلاث سنوات في كلية الإمام الأوزاعي ببيروت ورث عن والده أرضا لكنه لا يعمل فيها فوالدتي هي التي تؤمن العمال للأرض وتدير كل شؤون الأرض وهي تختلط بالرجال بناء على ذلك والدي يقضي كل وقته أمام التلفاز وهو شديد الإسراف على الطعام والحلويات ويعلل إسرافه بالآيات التي تحض على الإنفاق وهو لا يطبق من الدين إلا ما يوافق رغباته فهو لا يصلي الصبح إلا عند شروق الشمس وكذلك بقية الأوقات لقد باع القسم الأكبر من الأرض بسبب الإسراف وأصبح علينا دين حوالي مليون ليرة سورية(28/148)
وهو يكره الدخول إلى المنزل بسبب وجود إخوتي العاجزين فيه وهو لم يعط زوجته حقها كزوجة كما أمر الشرع وهو دائما يفكر بالزواج عليها وبفضل الله تم وفاء الديون من قبل أخي الذي يعمل في التجارة ومن ريع الأرض التي تعمل بها والدتي حيث يقومون بالإنفاق على والدي أصبحنا على أبواب الزواج وبحاجة إلى مساكن لكن الأمر لا يعنيه ولا يكترث له أخبروني ماذا سأفعل وكيف نتصرف معه بحيث لا نغضب ربنا هل نترك له المنزل ونسكن بمنزل بالإيجار بعيدا عنه وهل نحن ملزمون بالنفقة عليه أرجو منكم البيان لأنني في حيرة من أمري وبأسرع وقت ممكن؟ وإذا تكرمتم علي وأرجو من فضيلتكم إرسال الجواب على بريدي لأنني لا أعرف كيف أجده بين الفتاوى وسدد الله خطاكم لما فيه نفع الأمة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الوالدين عظيم لا يتقدمه إلا حق الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{الإسراء: 23} وقال تعالىِ: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء: 36} وقد أكد القرآن الكريم على وجوب برهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين، فقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا {العنكبوت: 7}
فالواجب على الولد طاعة أبويه إلا إذا أمرا بمعصية فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، فالوالدان جعلهما الله تبارك وتعالى سببا في وجود الأبناء، ولهذا فرض عليهم برهما والإحسان إليهما، وليس ذلك من باب النوافل أو التطوع وإنما هو فرض من الله تعالى، والمؤمن يفعل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فالواجب عليكم المحافظة على بر أبيكم والإحسان إليه، كما يجب عليكم نصيحته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وخاصة فيما يتعلق بالصلاة وأدائها في وقتها مع الجماعة في المسجد، وليكن ذلك بطريقة ودية محترمة. ولا مانع من السكن في بيت آخر بالإيجار أو غيره خارجا عن محل سكنى الأبوين، ولكن ذلك لا يسقط حقهما في البر والإحسان ووجوب النفقة عليهما إذا كانا محتاجين
ولهذا، فإن نفقة أبيكم واجبة عليكم إذا كان فقيرا وأنتم مأجورون على ذلك وعلى نفقة إخوانكم العاجزين، وللمزيد من الفائدة فنرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 49048.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إنفاق الأخت على أمها وأخواتها أجره عند الله عظيم
تاريخ الفتوى : ... 10 صفر 1426 / 21-03-2005
السؤال
أقسم بالله أني أحبكم في الله حبا كبيرا احتراما لما وهبكم الله من العلم والفقه والأصول. أسأل الله أن يزيدكم من أفضاله الواسعة و ينير دربكم بالمزيد من العلم(28/149)
لتعطونا من المواعظ و الأحكام ما يفيدنا و يخرجنا من ظلمات أنفسنا و يثبتنا و إياكم على المحجة البيضاء -آمين، أخي في الله، أستسمحكم في الإطالة هذه : أنا سيدة متزوجة و أم لطفلة تبلغ من العمر سنة و3 أشهر. توفي والدي قبل زواجي و كنت و لازلت أعمل لكسب لقمة العيش لتأكل أخواتي الثلاث وأخي الصغير و والدتي. عملت بكد و جهد في شركة خاصة و كان راتبي مخصصا كليا لعائلتي هذه، و لم أبخل عليهم بقرش واحد إذ إن مدخولي الشهري كله أعطيه لأمي التي تتصرف فيه دون تدخل مني. ثم تزوجت و كان شرطي الوحيد هو أن أستمر في وظيفتي و أعيل أسرتي و أن لا أنفق و لو قرشا واحدا في بيت الزوجية. و بما أن زوجي يشتغل في مدينة بعيدة عن القرية التي تعيش فيها أسرتي و التي أشتغل فيها (يجب علي أن أقطع مسافة 90 كلم لمدة ساعة كاملة للالتحاق بزوجي ناهيك عن المصاريف )، فإنني استمررت كما في فترة قبل زواجي : أعمل (مكتبي يوجد على بعد أقل من 1 كلم ) و أعيش مع أمي و إخوتي، ثم إنهم هم الذين اقترحوا بل اشترطوا على زوجي أن أستمر في العيش معهم نظرا لما سبق ذكره و لأنهم حسب قولهم لا يطيقون العيش بعيدا عني بدليل أني في مقام الوالد و الأخ الأكبر بالنسبة لهم... استمررنا على هذا الحال ماشاء الله من الزمن، ثم خرجت ابنتي إلى النور و أصبحت ألاحظ مع توالي الأيام أني غير مرغوب في داخل الأسرة، و توالت بيني وبين إخوتي المشادات الكلامية حول موضوع ضرورة رحيلي من البيت - مع أن لي فيه النصيب الأكبر من التشييد و لي الحق في نصيبي من الإرث بعد وفاة والدنا رحمه الله، و رغم هذا كله كنت أصبر دائما و لا أملك غير الدموع أذرفها و الناس نيام و لا أنسى الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم. إلى أن جاء يوم اجتمعت
علي أخواتي بدون مبرر ليقلن لي و بالإجماع اخرجي من بيتنا لا نريدك بيننا و إلا رميناك و ابنتك خارجا و بالتحديد في المزبلة كما حاولت إحداهن قتل ابنتي خنقا. منذ تلك اللحظة أصبحت هذه التصرفات تتكرر بصفة تعمدية و عادية كأن عليهن لزاما طعني بالكلام الجارح وعلي أنا الرضوخ لهن أو الرحيل. أنا حائرة فزوجي محدود الدخل و لا يملك بيتا بل هو مضطر لكراء مسكن قريب من مكان عمله، و صابر على بعده عني و عن ابنته التي يحبها بجنون إكراما لأمي و إخوتي الأيتام. لكن باستطاعتي الإنفاق على نفسي و ببدخ لو شئت إلا أنني أخاف على عائلتي التي لا تقدم لي غير الكره و البغض من الجوع و التشرد. عقلي تائه و حياتي ملخبطة لا أعرف ما الذي علي فعله بالتحديد. أنا لحد الساعة صابرة جدا و أقول إن هذا من همزات الشيطان ، و أتذكر باستمرار وصية والدي لي بالاعتناء بهم و عدم التخلي عنهم. أنا لا أريد منهم جزاء و لا شكورا إنما أجري على الله. لكني أريد أن يطمئن قلبي بسماع نصيحتكم التي هي بالتأكيد ستكون مستوحاة من ديننا الحنيف
للإشارة فقط : كل أخواتي متدينات جدا و تواظبن على تتبع كل البرامج الدينية. و فوق هذا كله تكرهنني أشد من كرههن لشارون، صدقوني أنا أقصد تماما ما قلته مع أنني أقسم بالله العلي القدير لم أتصرف معهن بما يستحق كل هذا و لست من النوع الشرير بل أتفقد دائما مواضع احتياجهن و أحرص على مأكلهن و مشربهن و لم أقصر يوما في واجبي تجاههن بل لأجلهن أعمل و لأجلهن ابتعدت عن زوجي. و(28/150)
بالمقابل سمعت من إحداهن قذف زوجي بالزاني و قالت عني المتشردة العديمة المأوى. و آخر المستجدات اتفقن على ألا يغسلن الأواني التي تأكل فيها ابنتي، و عند عودتي من العمل أجد المطبخ مليء بأطباقها و قنينة الرضاعة و الملاعق و غيرها استخدموها لتأكل بها ابنتي التي فوضت أمري فيها لله سبحانه، ففي كل مرة أتوقع أن أدخل إلى البيت لأجدها ميتة أو أجدها مرمية بالخارج. اللهم ثبتني على الطريق المستقيم و ألهمني الصبر و الطاعة لك و لوالدتي التي تكاد تموت من المشاكل واهد أخواتي لما يرضيك و نور قلوبهن بالرحمة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنت على خير إن شاء الله، ونسأله سبحانه أن يجعل عملك هذا في ميزان حسناتك. ومن باب التذكير وليطمئن قلبك كما أردت وطلبت نقول: إن في إعالتك لأمك وأخواتك فضلا كبيرا وأجرا عظيما، ويمكنك أن تطلعي على بعض ما ورد في فضله وأجره في الفتوى رقم: 54907، ويتضاعف الأجر والثواب إن شاء الله بما ذكرت من أمور منها : 1-أنك برعايتك وإنفاقك على أمك وأخواتك تكونين ساعية على الأرملة وكافلة لليتيم وسبق في الفتوى رقم: 3152، ما في ذلك من الأجر والثواب 2ـ في رعايتك لهم تنفيذ لوصية والدك، وهذا من البر بالوالد بعد موته، ويرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 7893، 3ـ طلبك في كل ذلك الأجر من الله وعدم انتظار الجزاء منهم أو الشكر. 4ـ مقابلتهم ما قدمت لهم وما تقدمين بالجحد ونكران الجميل وصبرك على ذلك. 5ـ عدم مقابلة إساءتهم بالمثل وما فيه من عمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل يشكو إليه سوء معاملة أقاربه له قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال: لئن كنت كما قلت فإنما تسفهم المل( الرماد الحار) ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. رواه مسلم. ثم نقول لهؤلاء الأخوات فإن الأولى بكن والأحرى أن تعرفن لأختكن حقها وتقدرن لها قدرها، وتضحيتها فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. وأخيرا نقول للأخت فإن المؤمن كيس فطن، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، فاحرصي على ما ينفعك، وخذي بالأسباب ومنها: البحث عن سبب كرههن لك لا سيما وأنهن متدينات وأنت لم تسيئي إليهن، ونرى أن تجلسي معهن جلسة مصارحة وتسأليهن ماذا ينقمن منك؟ وتذكريهن بما تقدمينه من أجلهن أو توسطي بينك وبينهن أمك أو أحد أقاربك ليحل الخلاف بينكن، ثم لماذا لا يسعى زوجك في بناء مسكن يضمكما بحيث لا يكون لأحد عليكما منة، وتساعدينه في ذلك مع بقائك على رعاية أخواتك وأمك. ونسأل الله عز وجل أن يصلح
أحوالنا وأحوال المسلمين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الاستدانة للإنفاق على الوالد(28/151)
تاريخ الفتوى : ... 19 محرم 1426 / 28-02-2005
السؤال
أنني أم لأربعة أطفال وأعيش في غربة، وحاليا أنا و زوجي لا عمل لنا حيث إننا نعيش من إعانات الدولة وهي غير كافية لنا، والدي يصر ويلح علي كثيراً أن أرسل إليه مصروفا رغم علمه بظروفنا الصعبة، مع العلم بأن له الكثير من الأبناء والبنات غيري، كنت أضطر للاستدانة حتى لا أغضبه وفي الفترة الأخيرة توقفت نهائيا عن الإرسال لأنني أخاف أن أقابل ربي وعلي ديون مما أغضب والدي مني، فما رأيكم؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنفاق على الوالدين الفقيرين واجب على الأبناء كل على حسب وسعه ويساره، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 20338.
قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا {الطلاق:7}، فإن لم يكن لديك ما تنفقينه على والدك فلا يجب عليك الإنفاق عليه حينئذ، لقوله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا.
ويجب على إخوتك الموسرين النفقة عليه، هذا إذا لم يكن لدى والدك كسب ولا مال، فإن كان له مال وكسب وليس بفقير فلا تجب النفقة عليه، ولكن ينبغي إرضاؤه بشيء من المال من باب البر عند الاستطاعة، ولا يجب عليك الاستدانة لأجل ذلك وإن غضب منك، لأنك لم تمنعيه حقا، وليس له أن يغضب لذلك واجتهدي في استرضائه بالاعتذار.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يتبرأ الأب من أولاده التاركين للصلاة ولا ينفق عليهم
تاريخ الفتوى : ... 20 محرم 1426 / 01-03-2005
السؤال
أنا شخص ملتزم وأصلي جميع الفرائض ولله الحمد إلا أن أبنائي الكبار مع الأسف لا يصلون بالرغم من أنني أدعوهم بالرفق والنصيحة والموعظة الحسنة إلا أن جميع محاولاتي لم تأت بشيء! وأنا متضايق جدا من تصرفهم وأفكر بترك المنزل والعيش لوحدي! سؤالي: :هل يجوز لي أن أتبرأ من أولادي؟ أو أطردهم من المسكن؟ أو أوقف المصروف عنهم؟ س: هل علي ذنب بفعلهم طبقا للحديث الشريف " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيتة "
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(28/152)
فالواجب على الأب أن يأمر أبناءه بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وأن يضربهم عليها وهم أبناء عشر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مروا أولا دكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم وهم أبناء عشر. رواه أبو داود وغيره. فإذا أدى الوالد هذا الواجب فقد برأ من الاثم سواء صلى الأبناء أم لم يصلوا، وعلى الوالد أن يُديم النصح والتوجيه والإرشاد، وأن يستخدم من الوسائل المشروعة ما يكون حاملاً لأبنائه على أداء الصلوات في أوقاتها، وهذه الوسائل تختلف في حصول ثمرتها باختلاف الأحوال، فمن الأبناء من يجدي معه منع المال عنه، ومنهم من لا يصلحه إلا الهجر... وهكذا.
أما التبرؤ من أبنائك أو طردهم من البيت فلا يعد هذا حلاً للمشكلة مع مخالفته لمقصود إصلاحهم فضلا عن معارضته للشرع، فأبناؤك تجب نفقتهم عليك، ومن النفقة توفير المسكن الملائم لهم.
وإننا لنوصيك بأن تداوم على نصحهم والدعاء لهم، وأن تستعين على ذلك بأهل الخير والصلاح من علماء بلدك وأئمتها. وعليك أن تسلط عليهم الرفقاء الصالحين، وأن تحول بينهم وبين وسائل الفساد من قنوات فضائية وإنترنت ..وغير ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مدى وجوب إنفاق الولد على أبيه
تاريخ الفتوى : ... 07 محرم 1426 / 16-02-2005
السؤال
والدي صرف
المال ويطلب مني مالا ليصرفه ما العمل علما أنه يصرفه ولا يقول في أي جهة ويرفض الحديث في ذلك وعندما يعترف أجده غير صادق
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية يجب أن تعلم أن بر الوالدين والإحسان إليهما واجب شرعي، وسبيل عظيم لرضا الرب سبحانه، وفي الحديث: رضا الرب في رضا الوالد، وسخطه في سخط الوالد. رواه الترمذي.
وعليه، فالواجب عليك أن تبذل جهدا في إرضاء أبيك والإحسان إليه وطاعته في المعروف، هذا من حيث العموم.
أما بخصوص ما يأخذه منك والدك من مال فهذا يفصل فيه، فإن كان لحاجة إليه في النفقة وتوابعها ولا قدرة له على الكسب فهذا حق مشروع له، لأن الشرع أوجب له ذلك عليك، وإن كان لغير حاجة وليس في ما يأخذه مضرة مجحفة، فالأولى أن لا تحرمه من ذلك لأن فيه مبالغة في الإحسان إليه، وراجع الفتوى رقم: 22356 والفتوى رقم: 28965.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(28/153)
ـــــــــــــــــــ
عنوان الفتوى : ... الوالد أحق بالإنفاق عليه وإن فرط في تربية ولده
تاريخ الفتوى : ... 28 ذو الحجة 1425 / 08-02-2005
السؤال
هل الوالد الذي قام بالتربية أحق من الوالد الحقيقي الذي لم يقم بالتربية وترك الأطفال طوال 40 عاما وأيهم أحق بالصرف عليه من جانب الأبناء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حق الأب في البر والإحسان والنفقة إن احتاج إليها ثابت لا يسقط بحال من الأحوال سواء قام بالحق الواجب عليه اتجاه أبنائه أو ضيعه لسبب أو غيره.
وذلك لأن بر الوالد والقيام بحقه واجب لكونه أبا، لا في مقابلة إحسانه أو تربيته أو غير ذلك مما هو واجب عليه، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}، ومن الإحسان إليهما الإنفاق عليهما عند حاجتهما، قال ابن قدامة نقلا عن ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
ومن هذا يتبين للسائلة أن الواجب تقديم حق الوالد في النفقة وغيرها على غيره ولو كان ذلك الغير قام بالإنفاق والتربية، ولا يعني هذا أن ذلك المربي ليس له حق، بل إنه من باب المعروف والمجازاة بالإحسان ألا يترك وخاصة إذا كان في حاجة إلى ذلك، ويقدر من رباه على مساعدته أخذاً بقول الحق سبحانه: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}، وقوله صلى الله عليه وسلم: ..... من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أبو داود وصححه الألباني.
هذا، وننبه إلى أن هذا المنفق يمكنه الرجوع بالنفقة على أبي هؤلاء الأبناء لكن بشروط منها ألا يقصد بنفقته التبرع، وأن يكون الأب غنياً وقت الإنفاق وإلا فلا يمكنه المطالبة باسترداد ما أنفق، قال الدردير ممزوجاً بنص خليل بن إسحاق: (أو ينفق) على الولد خاصة شخص (غير متبرع) على الصغير فيرجع على أبيه لأن وجود الأب موسرا كالمال لا إن أنفق متبرع أو كان الأب معسرا فلا يرجع. انتهى.
وله أيضاً أن يرجع على الولد الذي أنفق عليه إذا كان للولد مال تعسر الإنفاق منه عليه علم به المنفق واستمر المال إلى حين رجوع المنفق، قال خليل في مختصره: وعلى الصغير إن كان له مال علمه المنفق وحلف أنه أنفق ليرجع عليه... معناه لو أنفق أجنبي على صغير له مال حين الإنفاق عليه... فله الرجوع في ماله ويحلف أنه أنفق ليرجع إلا أن يشهد على ذلك حين الإنفاق فلا يمين عليه حينئذ، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 7167.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(28/154)
هل للوالد حق في مال ابنه
تاريخ الفتوى : ... 28 ذو القعدة 1425 / 09-01-2005
السؤال
هل على الولد الذي يعمل أن يصرف على أهل بيته (أبيه وأمه) مع العلم أن والده مقتدر وميسور ماليا
هل يجب على الولد أن يصرف عليهم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد
أجمع العلماء على وجوب نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
فإن كانا غير محتاجين فالجمهور على أنه ليس لهم من مال ولدهم إلا بقدر حاجتهم، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أحد أحق بكسبه من والده وولده والناس أجمعين. رواه سعيد في "سننه". وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه. رواه الدارقطني.
ومذهب الحنابلة أن للأب والأم كذلك حقا في مال ولدهم مع حاجتهم ومع عدمها صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرط أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، واستدلوا بأدلة منها ما روت عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم, وإن أولادكم من كسبكم. أخرجه سعيد, والترمذي, وقال: حديث حسن. وروى عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي اجتاح مالي. فقال: أنت ومالك لأبيك. رواه الطبراني, في معجمه مطولا, ورواه غيره, وزاد: إن أولادكم من أطيب كسبكم, فكلوا من أموالهم. وروى محمد بن المنكدر, والمطلب بن حنطب, قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي مالا وعيالا, ولأبي مال وعيال, وأبي يريد أن يأخذ مالي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك
والراجح ما ذهب إليه الجمهور، ولكن يستحب له أن يعطيهم من ماله -لاسيما إذا طلبوا منه ذلك- ما تطيب به خواطرهم ويرضيهم به، فإن رضاهم سبب لرضا الله تعالى عنه وسخطهم سبب لسخط الله تعالى عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ولمزيد من الفائدة يرجى الإطلاع على الفتويين التاليتين: 689، 33090.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الابن أن ينفق على أبيه
تاريخ الفتوى : ... 09 ذو القعدة 1425 / 21-12-2004(28/155)
السؤال
جزاكم الله خيراً، وجعل عملكم هذا في ميزان حسناتكم، أبي رجل كبير في السن له مخبز صغير يعمل فيه أخي بالأجرة وهو من يقوم بالمسؤولية الكاملة عنه وأبي ليس لديه رأس مال ولكن بجهد أخي الذي يعمل وأبي من يمسك بالأمور المالية كلها وينفق علينا الذين لا نعمل وندرس بالجامعة ولي أخ كبير يعمل ويأخذ راتباً ممتازاً ولكنه يستغل طيبة أبي وحياءه ولا يدفع ما عليه من مستحقات مالية كالكهرباء والماء ولا يساعد في تعليمنا، مع العلم بأن أبي أنفق عليه آلاف الدولارات وزوجه ولم نستفد منه بمليم واحد، فهل ما يفعله من عدم تسديد ما عليه حرام أم حلال، هو يبرر لنفسه لأن أخي الذي يعمل مع أبي لا يلزمه أبي بشيء لأن أجره لا يتلائم مع ما يبذله من جهد؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة الأب واجبة على الابن إذا لم يكن للأب ما يكفيه، أما إذا كان الأب غنياً فلا يجب على الولد أن ينفق عليه شيئاً، وإن كان ذلك مندوباً قياماً بحق البر والصلة، وطمعاً في الثواب والأجر، وجلباً لمحبة الوالدين ورضاهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم: رضا الرب من رضا الوالد، وسخط الرب في سخطه. رواه الترمذي والحاكم وصححه.
وبناء على ذلك، فلا يجب على أخيك المذكور أن ينفق على أبيك شيئاً، فالظاهر من حاله الاستغناء عن ذلك، أما ما يدفعه أبوك من مستحقات مالية عن الكهرباء والماء، فالظاهر أنه على سبيل التبرع لأخيك المذكور، لأن نفقته غير واجبة على الأب لاستغنائه، فإذا أراد الأب الحصول على هذه المستحقات من ولده جاز له ذلك بقدر ما عليه من استهلاك للماء والكهرباء، وراجع الفتوى رقم: 54694.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الأخذ من مال الأب دون علمه بين الإباحة والحرمة
تاريخ الفتوى : ... 26 شوال 1425 / 09-12-2004
السؤال
طلبت من أبي مبلغ 200 جنيه كمصاريف كورس بالكلية...ثم وجدت أن هذا الكورس غير ضروري وعدد كبير من زميلاتي استرجعن نقودهن قبل أن يبدأ.... وبعد ذلك طلبت من أبي بعض المال كي أشتري ملابس للشتاء فكل مرة أطلب منه يقول لي سأعطيك ولم يعطني.... فهل يجوز لي أخذ مبلغ ال200 جنيه و أشتري به ما يلزمني؟؟
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(28/156)
فإذا كان أبوك قائما بما يجب عليه من النفقة عليك وكسوتك الكسوة الشرعية ونحو ذلك ولكنك تطلبين شيئا زائدا على هذا، فلا يجوز لك أن تأخذي من هذا المبلغ شيئا إلا بإذنه، لأنه لم يعطه لك إلا لغرض معين، فإذا لم ترغبي في صرف المبلغ في هذا الغرض تعين رد المبلغ إليه، أما إذا لم يكن قائما بما يجب عليه نحوك من النفقة أو الكسوة الشرعية، فلا حرج عليك في أن تأخذي من هذا المبلغ أو من غيره من ماله، بقدر ما يكفيك لذلك بالمعروف، ولا يجوز أن تأخذي شيئا زائدا على ذلك، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن هند بنت عتبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. قال الإمام ابن حجر في فتح الباري: قال القرطبي: قوله: خذي أمر إباحة بدليل قوله: لا حرج، والمراد بالمعروف القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية. وراجعي الفتوى رقم:
31157.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حق الزوجة التصرف في مالها ولو بغير إذن زوجها
تاريخ الفتوى : ... 27 رمضان 1425 / 10-11-2004
السؤال
أنا سيدة مقيمة في هولندا متزوجة، والدي ووالدتي مقيمان في مصر وهم في حاجة للمال وأنا أريد أن أبعث لهم مع أن زوجي لا يريد، وأنا والحمد لله كان دون علمه يدخل لي من البلد مبلغ من المال وعمري ما طالبته وكان يدخل في مصروف البيت وأنا لا أستجيز أن أبعث لهم دون علمه، أعلمكم أن المبلغ الذي ذكرته غير موجود في هذا الوقت، أرجو الإجابة علي في أقرب وقت؟ أختكم في الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان المال الذي تريدين إرساله إلى والديك ملكاً لك، فليس لزوجك الحق أن يعترض، وذلك أن للمرأة الحرة الرشيدة حرية التصرف في مالها فيما أباحه الله وأحله، ولو من غير إذن الزوج في قول جمهور أهل العلم، وانظري الفتوى: 9961.
وإذا كان والداك فقيرين، فإن نفقة الوالد الفقير واجبة على الولد الموسر، فتجب عليك النفقة عليهما إن كنت موسرة.
وأما إن لم يكن لك مال وأردت أن ترسلي لهما من مال زوجك، فلابد من إذنه ورضاه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، ويجمل بالزوج إن كان موسراً أن يبادر بالصدقة على أهل زوجته المعسرين، لأن ذلك من حسن العشرة لاسيما إذا كانت الزوجة تعينه أحياناً في النفقة وتكاليف الحياة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟.
والله أعلم.(28/157)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الابن تسليم راتبه لأبيه
تاريخ الفتوى : ... 18 شعبان 1425 / 03-10-2004
السؤال
تزوجت من فتاة باختياري وبرضى والدي (الوالدة متوفاة والأب أعاد الزواج) ذات خلق اسلامي. ولم يمض شهر واحد حتى استأذنت الواد بعمل زوجتي بعدما نجحت في مسابقة أجرتها قبل العرس بأيام، لكنه رفض رفضا مطلقا، رغم توسط بعض الأقارب حتى زوجته. وذلك بدعاوى مختلفة منها؛ أن زوجتي تبقى بالبيت (بيته حيث إنني لا أملك سكنا خاصا) وهوالذي يتكفل بمصاريفها، رغم أنني عامل وهو لا يعمل على الدوام. تريثت فترة حوالي عشرين يوما، ثم ذهبت إليه وزوجتي لمناقشته في الأمر، لكنه رفض دون نقاش، وفي حالة عملها لا يمكن لكم البقاء بالبيت مطلقا. قررنا الذهاب لأنه لا أمل لنا في تحسين ظروفنا المزرية سوى ذلك، مع عدم قطع الاتصال به.لكنه قاطعنا ومنع أخواتي الاتصال بي أو حتى قبول هديتي. وكلما مر الوقت إلا وازداد حنقا علينا، وزدات تبريراته لأفعاله اتجاهنا. ويحدث أصحابي بما خلاصته أنه تعب علي ولما اشتد ساعدي تركته يتخبط في مشاكله ولا أعينه ماديا. وأنا لا أملك بيتا ولا مالا ولا...سوى مواصلة دراستي والعمل لسد رمق ولداي وزوجتي، وإعانة أخواتي خفية ضد نوائب الدهر. وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير يوم زواج شقيقتي التي تليني مباشرة حيث عاثت زوجة أبي فسادا واختتمتها بالذهاب دون إتمام العرس إلى بيت أهلها، وكما ذهب جل من حضر قبل مغادرة أختي العروس إلى بيتها الجديد مما شكل لنا حرجا، لكن الله ألهمنا حسن التصرف.
وقد اتخذ قرارات فورية بأن آخذ حاجياتي من بيته فيمهله ثلاثة أيام وإلا أحرقها. فأخذتها درءا لأي مشكل قد يحدث. وأعاد الكرة بأن منعني من حضور زفاف شقيقتي الثانية ، وتوعد إن حضرت أنا وزوجتي فسوف يفعل الأفاعيل، وفي النهاية يكون على حساب عرس أختي، فأحجمت عن الذهاب .حاولت مرارا وتكرارا إصلاح ما بيننا، كما تدخل جدي (أبوه المتوفى مؤخرا رحمه الله)، وبعض معارفنا الذين يكبرونه سنا، لكنه يرفض في كل مرة، وقد قلت له مرة تعالى نتحاور مع أنني أنا المخطئ لنصل إلى نتيجة وننهي الموضوع، لكنه رفض ويشيح بوجهه عني في كل مرة. فوالدي، سامحه الله يتهم زوجتي بتغييري، لكن أقولها شهادة لله، أنه رماها بكلام بذيء رغم ذلك دائما تقول لي تحمل أفعاله لأنه والدك وسيأتي اليوم الذي يتغير فيه. والأمر المحير أنني كنت أفضل أبنائه وأحسنهم ، وبشهادته رغم هذا الخصام أنني لم أتعبه في صغري أبدا. كما أنه يتحدث إلى الناس أنه إذا كان وحيدا تحدثه نفسه بمسامحتي وأنه ظلمني وزوجتي، لكنه إذا رآني رأى سوادا بيني وبينه. أجيبوني يرحمكم الله، فإن الأمر ملأ علي حياتي بالتفكير وضميري يؤنبني دائما للبحث عن الحل وتهتز روحي في حالة وفاة أحدنا مخاصما للآخر بغض النظر عن من الظالم والمظلوم. ملاحظة: المشكلة الأساسية في الموضوع والدي يود أن أعمل(28/158)
وأعطيه ماهية الشهر وهو يتصرف فيها كما يحلو له. مع العلم أن الفارق بينه وبين زوجته الثانية 20سنة ويبلغ هو من العمر 57 سنة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك للخير وأن يؤلف بينك وبين والدك.
والذي ننصحك به أخي الكريم أن تواصل السعي لإصلاح ما بينك وبينه، ولا تيأس فيقودك اليأس إلى الإعراض عن أبيك فتهلك، وراجع الفتوى رقم: 7490. وأما طلبه أن تسلم له المال فليس ذلك واجبا عليك، ولكن إن فاض لك مال بعد الإنفاق على نفسك والنفقة الواجبة عليك لزوجتك وأولادك وكان هو محتاجا فيجب عليك أن تنفق عليه في هذه الحالة.
وليس من حق أبيك أن يمنع زوجتك من العمل لأنه لا ولاية له عليها والأمر في ذلك راجع إليك. وأما عمل المرأة فلا مانع منه شرعا إن انتفت المحاذير الشرعية كالفتنة والاختلاط المحرم وأذن به الزوج. ونرشدك أخي الكريم إلى أن تكثر لوالدك الدعاء بأن يوفقه الله للرضا عنك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى يجوز للوالد الأخذ من مال ولده
تاريخ الفتوى : ... 28 رجب 1425 / 13-09-2004
السؤال
ابنتي توظفت بعد أن تخرجت من الدراسة ، فهل يجوز لي أن آخذ راتبها كله أو جزءا منه مع العلم أنها غير متزوجة وتقيم معي ، وإلى أي حد يمكنني ذلك ، وهل هناك فرق بين رضاها وعدم رضاها ؟
أجيبوني وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 40383 أن الوالد إن كان فقيرا أو مسكينا وجبت نفقته على ولده الموسر، أما إن كان الوالد -أبا أو أما- غير فقير فلا تجب نفقته على ولده، ولا يجوز أن يأخذ الوالد شيئا من مال ولده إلا برضاه وبالضوابط المشار إليها في خاتمة الفتوى رقم: 51310.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الأخ الإنفاق على إخوته عند عجز الأب
تاريخ الفتوى : ... 12 رجب 1425 / 28-08-2004
السؤال(28/159)
سؤالي هو: أنه توجد عائلة مكونة من خمس بنات وأخ واحد والأب الآن لا يعمل والذي يعمل هو الأخ وقد أنعم الله عليه بعمل ممتاز وماديته ممتازة، ولكن المشكلة أن الوالد يقول بأن الابن غير مجبور أن يصرف على أخواته وإذا أعطاهم يعطيهم الزكاة وأنه يجب على البنات أن ينفقوا هم على أنفسهن وكذلك الأب يشح على بناته والابن كذلك لا يتذكر إلا بعد حين، وإذا أرسل يرسل كل 4 أشهر أو أكثر والأب لديه الآن قطعة أرض ويريد أن يكتبها لابنه دون البنات لأن الولد على رأي الوالد لا يجوز أن يصرف علينا ولا ريال وهذا بدل الذي أنفقه، مع العلم بأن البنات كلهن في سن التعليم وكذلك غير متزوجات، السؤال: على من تجب نفقة البنات وخصوصاً أن الأب أصيب بالجلطة في دماغه ولا يعمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن النفقة على العيال واجبة على الأب، فإذا كانت له أرض أو ممتلكات فعليه أن يبيعها وينفق منها على عياله، فإذا لم يكن له شيء وكان عاجزاً عن العمل وجب على ابنه النفقة عليه وعلى عياله، وما دام هذا الأب فقيراً وعاجزاً ومصاباً بالمرض فعلى الأخ المذكور النفقة على أبيه وأخواته ما دام موسراً قادراً على النفقة، هذا هوالراجح من أقوال أهل العلم، قال ابن قدامة وهو من علماء الحنابلة: وظاهر المذهب -يعني مذهب أحمد- أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه.
فإذا ترك النفقه عليهم في هذه الحالة فهو آثم، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. وللمزيد من التفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 44020.
وأما كون الأب يريد كتابة أرضه للابن دون البنات فهذا لا يجوز لأنه من تأثير بعض الأبناء على بعض إذا كان ذلك تبرعاً من الأب على ابنه، أما إذا كان ذلك عن طريق البيع فلا مانع منه لأننا قلنا إن الأب إذا كانت له ممتلكات فإن الابن لا تجب عليه النفقة، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 44034.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... مسائل تتعلق بنفقة الأولاد على والديهم وإخوانهم
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الثانية 1425 / 21-07-2004
السؤال
حضرة الأخ العزيز : أرجو أن آخذ من وقتكم في قراءة هذه الرسالة عارضا إياها على أهل العلم الثقات إن شاء الله وبارك الله فيكم .
بسم الله الرحمن الرحيم ..... وبعد ,
إن كان يغني الاختصار فالسؤال هو : ما هي الحدود التي تستطيع يدي أن تصلها من مال كل واحد من أولادي دون أن أظلم منهم أحدا ذكرا أو أنثى .
وإن كان لا بد من التفصيل فيها فهو :(28/160)
أنا رجل قاربت على الستين من العمر , عملت ثلاثين عاما في حقل التدريس ,أعطيت خلالها لزوجتي وأولادي ما يعطيه الآباء والأزواج وكنت حريصا أن لا أغل يدي إلى عنقي , وأن لا أبسطها أكثر مما أمر الله ,رزقني الله أربعة من الذكور وأربعة من الإناث كمايلي:
•بنت مواليد 1972 أكملت دراستها سنتين بعد الثانوية العامة وتزوجت وأنجبت.
•ولد مواليد 1974 أكمل دراسته الجامعية مهندس مكانيك عام 96 والماجستير عام 98(الجامعة الأردنية)
•ولد مواليد 1975 أكمل بكالوريوس محاسبة عام 96 والماجستير عام 98(الجامعة الأردنية)
•ولد مواليد 1977 أكمل بكالوريوس محاسبة عام 2001 (التطبيقية),وبدأ بدراسة الماجستير عام 2004
•بنت مواليد عام 1979 أكملت سنتين بعد الثانوية العامة ,وتزوجت برجل متوسط الحال
•بنت مواليد 1982 تدرس في السنة الأخيرة بكالوريوس لغة إنجليزية (الزرقاء الأهلية)وعلى حسابي
•بنت مواليد 1986 طالبة في الثانوية العامة لهذا العام 2004
•ولد مواليد 1994 طالب في الرابع الابتدائي في مدرسة خاصة
بدأ عمل الولد الأول "مهندس مكانيك" عام 96 ولا يزال .. وكان وضع الصرف أن يضع راتبه بتصرفي وأصرف منه على أمور البيت وتعليم الإخوة والأخوات وما امتاز به عن إخوته أنه حين سافر إلى السعودية حول لنا حوالي عشرين ألف دينار خلال ثلاث سنوات هناك.أما وهو معنا في عمان فكان كل ماله معي أنفق منه ,راتبه اليوم في السعودية 6000 ريال بالإضافة إلى سكن.
الولد الذي يليه وهو ماجستير المحاسبة ويعمل مدرسا في جامعة حكومية في الأردن,بدأ منذ عمله وحتى اليوم يضع راتبه أيضا تحت تصرفي وأنفق منه على تعليم إخوته وأخواته.
الولد الثالث بكالوريوس محاسبة أنفقت عليه خلال دراسته حوالي 12000 دينار أردني وبعد تخرجه من جامعة خاصة عمل حوالي سنتين كان يضع راتبه تحت تصرفي حتى انتسابه للماجستير فتركته له لتعليمه .
البنت التي تدرس إنجليزي أنفقت عليها حتى الآن ما يقارب 6000 دينار غير المصاريف , وبنت الثانوية العامة (التوجيهي) لا أدري إلى أين يكتب لها طريقا في حياتها وكذلك الطفل الصغير مع العلم أن تدريسه يكلف أقساطا بسيطة حوالي 30 دينارا شهريا .
ثمن الأرض ثلاثون ألفا من نقودي الخاصة أضيف لها نقود من ولديّّّ الذين يعملون في الأردن (الأستاذ والمحاسب) ما نسبته 4/30 أربعة إلى ثلاثين من ثمنها والتي اشتريتها حديثا كما أضيف إلى النقود ما نسبته 7/30 سبعة إلى ثلاثين من المهندس وكتبت الأرض باسمي لوحدي . حول بعدها المهندس حوالي 5000 خمسة آلاف(28/161)
دينار اشتريت بها أرضا للاستثمار البعيد واضطررت لكتابتها باسمي لعدم وجود ولدي في البلد.
تزوج المهندس أكبر أولادي حديثا ورزق بطفلة عمرها أشهر قليلة .
الالتزامات الحالية : فصل واحد للبنت التي تدرس إنجليزي بكلفة تقدر ب 800 (ثمانماية دينار) ومصروف البيت الشهري وأقساط مدرسة الطفل الصغير.
الالتزامات المتوقعة : تدريس البنت الأخيرة بعد الثانوية العامة لهذا العام وأقساط الصغير وما يفكر له الكبار من دراسة الدكتوراه في الوقت الذي يرونه مناسبا وزواج اثنين من الذكور بلغوا أكبر من سن الزواج فأعمارهم 29,27 سنة.
هناك أيضا تفكير في التصرف بشقتين نعيش فيهما ببيعهما وبناء مسكن حديث في الأرض أو بيع أرض قديمة غير التي اشتريناها حديثا يمكن بثمنها بناء بيت حديث علما أن ثمن الأرض القديمة كله مني حيث كان أطفالي حينها صغارا جدا.
أصدقاء العمر بعضهم يشير عليّ أن أكون أنا صندوق الجميع وأنا الذي ارسم لهم وأعطي وأنفق حسب تصوري لأن أمامهم الكثير لإنجازه ولا يستطيعون بدوني عمل ذلك,بمعنى أن لا يتصرفوا بأكثر من مصروفهم حتى تجهز لهم مسكنا وتعليما كاملا ويبنون حياتهم معا لا أن أعلمهم الانفصال عن العائلة والتخطيط المنفرد كل لنفسه فقط بعدها لن تستطيع جمعهم .
البعض الآخر يقول إنه لا يجوز أن ينفق من يعمل بالسعودية كل راتبه أسوة بمن هو جالس في الأردن مستريحا بقربك في جو العائلة , وعلى من يذوق ثمن غربته عن أهله أن يكون لذلك ثمن هو فرق الراتب وأن تشجعه على التوفير في الغربة فليس صحيحا أن يحول لك عمل ثلاث سنوات تنفق على البيت ويشترى بها أرضا من فلوسه وتسجل باسم الجميع ليكون له في الميراث ما لسواه من ذكر أو أنثى.
آخرون يقولون إن من عندك يعطونك كل ما معهم ولا يوفرون من رواتبهم شيئا لأنفسهم.وبعضهم يحثني على الاهتمام بالصغير والبنت أو البنات في التعليم المطلوب لينالوا من التعليم والرعاية ما ناله سواهم من مالك الخاص.
أحاول أن أرضي الله أولا في تصرفاتي وأن تكون ضمن ما أمر الله حتى لا أتجاوز حق ذكر أو أنثى ممن هم في حضني أو في أحضان أزواجهم.
فهل لي أن أعرف حكم الله في ذلك حتى أضع صاحب كل حق عند حقه علما أنني لا أطلب لنفسي منهم شيئا إذ أني أتقاضى راتبا تقاعديا يكفي فقط لمصروف البيت.
وجزاكم الله كل خير و متأسف للإطالة.
حامد عبد الهادي محمد رمضان
00962795451424
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك لك في أهلك ومالك وأن يصلح حالنا وحالك.
أما عن سؤالك فقد اشتمل على عدة مسائل:
المسألة الأولى: هي ما أنفقته على أولادك من أموال وهو قسمان:(28/162)
الأول: ما هو واجب عليك من النفقة كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن ونحو ذلك، فهذا لا يجوز الرجوع فيه ولا المطالبة بمقابله.
والثاني: ما ليس بواجب كالتعليم عند بعض أهل العلم، وبعض أهل العلم يوجب على الأب أن يعلم ابنه، فهذا يجوز لك الرجوع فيه والمطالبة بمقابله إذا كان على سبيل القرض وليس على سبيل الهبة والعطية.
والمسألة الثانية: هي ما أنفقه أبناؤك عليك وعلى إخوتهم من أموال وهي أيضا قسمان:
الأول: ما هو واجب عليهم كالنفقة عليك وعلى أمهم عند الحاجة، فهذا لا يجوز لهم الرجوع فيه ولا المطالبة بمقابله.
والثاني: ما ليس بواجب عليهم البناء الزائد عن الحاجة وتعليم إخوانهم وشراء الأراضي والأعمال التجارية ونحو ذلك، فهذا يجوز لهم الرجوع فيه والمطالبة به إذا كان على سبيل القرض، أما إذا كان على سبيل التبرع والهبة والعطية فلا يجوز لهم الرجوع.
والمسألة الثالثة: ما يتعلق بالنظام الاجتماعي في هذه المسألة، والحاصل في كثير من البلدان وهو أن الولد الكبير يعمل ويضع كل ما يكسبه بيد أبيه لينفقه على نفسه وإخوانه الصغار، ثم إذا حصلت القسمة كان نصيب الكبير الذي تعب السنين الطوال كنصيب الرضيع الذي لم يعمل قط.
ولا يخفى ما في هذا من الحيف، والذي ينبغي في ذلك هو أنه إذا كبر الولد وصار معتمدا على نفسه فإنه ينفصل ويبني نفسه وحياته، وعليه أن ينفق على والديه وإخوانه إذا احتاجوا لذلك وأن يساعد إخوانه بالمعروف عند كل مناسبة تقتضي المساعدة، سواء كانت تكاليف زواج أو رسوم دراسة أو علاجا من مرض أو غير ذلك.
والمسألة الرابعة: هي ما يجوز للوالد أن يأخذه من مال ولده:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. رواه أحمد وغيره. ومعناه: أن للأب أن يأخذ من مال ابنه عند الحاجة ولو بدون إذنه. قال ابن قدامة في المغني بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه لآخر بدون إذن منه وطيب نفس، نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعد.
وذلك أنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال الآخر أولى. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجب على الأب الإنفاق على ابنته التي لها مال
تاريخ الفتوى : ... 28 ربيع الثاني 1425 / 17-06-2004
السؤال(28/163)
أنا امرأة مطلقة لدى ابنتان وأنا أسكن مع ابنتي في شقة صغيرة هي ملك لأبي بجانب بيت أبي، وأنا أعمل مدرسة وأنفق على ابنتي، وبالنسبة لنفقة البنات فقد تنازلت عنها مع تنازلي عن المهر المعجل والمؤجل لأحصل على الطلاق، وأنا أنفق على ابنتي وعلى منزلي من راتبي ولكن تمديدات الماء والغاز لدي ليست منفصلة فهي مشتركة مع منزل أخي ووالدي هو الذي يدفع فاتورة الكهرباء وثمن الغاز، وهو لم يطالبني بثمن شيء، ولكنني لا أدري إن كان يريدني أن أدفع أم لا، وقد طلبت منه مرة أن يركب لي عداد الكهرباء ولم يرفض ولكنه لم يفعل، وكنت قد سألت أمي إن كان أبي راضياً عن عدم دفعي لثمن الكهرباء وطلبت منها أن تسأله ولكنها قالت لي ما دام لم يتكلم فلا داعي لذلك، ولا أدري إن كان علي أن أدفع له أم لا من ناحية شرعية فأنا لا أريد أن يكون لأحد في ذمتي حق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت فما دمت قادرة على دفع تكاليف الكهرباء والغاز، فإنه ينبغي لك أن تدفعي هذه التكاليف، إلا أن يسامح والدك فيها، لأن نفقتك لا تجب عليه، لأنك تعملين ولك مال، وكذلك لا تجب عليه نفقة ابنتيك لأن نفقتهما في الأصل إنما تجب على أبيهما، ولكن بما أنك تنازلت عنها مقابل حصولك على الطلاق، فقد لزمتك، وراجعي الفتوى رقم: 3118.
وعليه، فعليك أن تفاتحي والدك، وتطلبي منه أن تعرفي ا إذا كان راضياً بدفع تلك التكاليف أم لا؟ وفي حال عدم رضاه فعليك أن تركبي عداداً للكهرباء وعداداً للغاز خاصاً بك.
ونسأل الله أن يرزقك ويغنيك من فضله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يلزم الأب الإنفاق على ولده الكبير القادر على الكسب
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الثاني 1425 / 25-05-2004
السؤال
لدي مسألة وهي أب لديه ابن وهذا الابن متزوج وله أولاد فترك العمل نتيجة ظروف فهل الأب ملزم بالنفقة عليه وزوجته وأولاده ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يلزم الأب الإنفاق على ولده الكبير القادر على الكسب ولا على أولاد ولده لأن نفقتهم لازمة على أبيهم القريب، فلا يلزم الجد أن ينفق عليهم إلا إذا عجز والدهم لمرض ونحوه فيلزم الجد أن ينفق على ولده وولد ولده لا على زوجة الولد فنفقتها على زوجها، فإن عجز فلها أن تنفق على نفسها ولها أن تفسخ بسبب الإعسار بالنفقة وتعود نفقتها على أبيها إن كانت فقيرة غير قادرة على الكسب .(28/164)
قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى في أسنى المطالب : تجب النفقة , والكسوة لزوجة أصل – أي أب - تجب نفقته ) ; لأنهما من تمام الإعفاف ( لا ) لزوجة ( فرع ) – أي ولد - إذ لا يلزم الأصل إعفافه اهـ
وقد سبقت فتاوى ذكرنا فيها متى يلزم الأب الإنفاق على ولده ومتى لا يلزم ومن ذلك الفتاوى بالأرقام التالية 24713، و 25339، و 35641.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما عدا الزوجة والوالدين والأولاد لا تجب نفقتهم على الرجل
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الثاني 1425 / 25-05-2004
السؤال
أنا خاطب واحدة ملتزمة ولله الحمد وهي عندها ما شاء الله 6 أخوات
والدها توفاه الله ونحسبه في الجنة إن شاء الله هل الواجب علي أن أصرف على منزله بعد وفاته وللعلم إن والدة خطيبتي تكون عمتي أخت أبي فهل من الواجب علي أن أنفق على هذا المنزل أم أكتفي بمصاريف خطيبتي التي سوف تكون زوجتي في القريب إن شاء الله توفي والد خطيبتي من حوالي شهر تقريباً وفي خلال هذا الشهر أرسلت مصاريف لمنزلهم ومصاريف إلى والدي أيضا للعلم أنا أكبر إخوتي وعندي مصاريف لبيت الوالد فهل من الواجب أن أنفق على منزل عمتي التي هي أم خطيبتي وجزاكم الله كل الخير وشكراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجب عليك الانفاق على أهل المنزل المذكور، كما لا يجب عليك القيام بمصاريف خطيبتك، وإنما يجب على الرجل نفقة زوجته التي دخل بها أو سلمت له نفسها، ونفقة والديه الفقيرين وأولاده الفقراء الذين لا مال لهم.
قال في المغني عند قول الخرقي: وعلى الزوج نفقة الزوجة ما لا غنى لها عنه، وكسوتها. قال: وجملة ذلك أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها جميع حاجتها من مأكول ومشروب وملبوس، إلى أن قال: ويجبر الرجل على نفقة والديه وولده الذكور والإناث إذا كانوا فقراء وكان له ما ينفق عليهم منه. اهـ.
أما ما عدا الزوجة والوالدين والأولاد فلا تجب نفقتهم على الرجل، لكن الإنفاق والإحسان مطلوبان شرعا وأولى الناس بذلك القرابة، خصوصا إذا كان المنفق ذا مال، وهؤلاء أولاد عمتك ورحمك، فإن استطعت أن تنفق عليهم من مالك بما لا يؤثر على واجبك اتجاه والديك فلك عظيم الأجر في ذلك، وستجده عند الله إن شاء الله تعالى إذا أحسنت نيتك وقصدت الأجر والصلة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(28/165)
الفتوى : ... الواجب في نفقة الأبناء قدر الكفاية
تاريخ الفتوى : ... 01 صفر 1425 / 23-03-2004
السؤال
عند النفقة على الأبناءهل للذكرمثل حظ الأنثيين أم في الميراث فقط؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن النفقة التي أوجبها الله على الوالد لأولاده الفقراء تقدر بقدر الحاجة والكفاية بالمعروف، فلا علاقة لها بموضوع أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فقد تكون نفقة البنت أكثر من نفقة الولد حسب الحاجة، فلا بد من الإنفاق عليها، قال في المغني: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، إلى أن قال: والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية لأنها وجبت للحاجة، فتقدر بما تندفع به الحاجة. ا.هـ هذا عن النفقة الواجبة من أكل وشرب، وكسوة ومصاريف التعليم، أما النحل والعطايا فقد اختلف العلماء في جواز التفضيل فيها بين الأولاد، فلتراجع لها الفتوى رقم: 27543.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة القريب الواجبة مقدمة على الوفاء بالدين
تاريخ الفتوى : ... 04 محرم 1425 / 25-02-2004
السؤال
في ذمتي الآن دين من قرض ربوي ورهن حلي (ذهب)، وقد استطعت توفير مبلغ مالي لتسديد قسط مما في ذمتي من ديون للتخلص من التعامل بالربا بعد ما علمت بأن ما أقوم به محرم شرعا, ولكن حال دون تحقيق ذلك احتياجات كل من والدتي لترميم منزلها وديون عاجلة مستحقة على أخي, فالرجاء نصحي وإرشادي إلى ما فيه الخير؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنفقة على النفس وعلى من تلزم نفقتهم كالوالدين مقدمة على وفاء الدين ومن نفقتهم الواجبة توفير المسكن لهم، قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: ويباع فيها أي نفقة القريب ما يباع في الدين من عقار وغيره لأن نفقة القريب مقدمة على وفاء الدين. انتهى، ومن النفقة على القريب توفير مسكن ملائم له كما قال الخطيب أيضاً: تنبيه: في معنى القوت سائر الواجبات من مسكن وملبس....
وعليه فإذا كان بيت والدتك لا يصلح للسكن إلا بالترميم فترميمه مقدم على قضاء الدين، أما إذا كان يصلح للسكن وكان ترميمه للكمال والزينة، فقضاء الدين مقدم على ترميمه في هذه الحالة، وأما قضاء دين أخيك فلست ملزماً به وإنما أنت ملزم بقضاء دينك، فالواجب عليك قضاء دينك لا قضاء دين أخيك.
والله أعلم.(28/166)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... المراد بالقريب الذي تجب له النفقة عند الشافعية
تاريخ الفتوى : ... 16 ذو الحجة 1424 / 08-02-2004
السؤال
قرأت في كتاب للفقه الشافعي عبارة ( ويمنع الفقرَ والمسكنة كفايةُ الشخص بنفقة قريب أو زوج لانتفاء الحاجة عندئذ)، السؤال: هل عبارة بنفقة قريب تعني مطلق القريب أم أن هذا القريب هو من الأصول أو الفروع، أم العبارة تشمل فيما إذا كان مكفيٌا بنفقة أخ أو أخت أو عم أو مطلق القريب؟ ولكم الشكر، وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالمراد بالقريب هنا الفرع والأصل دون غيرهما من الأقارب. قال العجيلي في حاشية الجمل وهو شافعي عند شرحه لهذه الجملة: قوله بنفقة قريب -أي واجبة- وهي نفقة الأصل والفرع فخرج بها النفقة المتبرع بها على غير الأصل والفرع فلا تمنع الفقر والمسكنة.
وذلك أن الشافعية لا يوجبون إلا نفقة الأصول والفروع، وأما عداهم من سائر القرابات فلا نفقة واجبة لهم، قال صاحب روض الطالب: وإنما تجب -يعني النفقة- على ذي قرابة بَعْضِيَة وتجب له وهم الفروع وإن نزلوا والأصول وإن علوا فقط دون سائر القرابات كالأخ والأخت والعم والعمة ذكوراً كانوا أو إناثاً وارثين وغير وارثين. انتهى .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأب تجب إذا كان فقيرا محتاجا
تاريخ الفتوى : ... 28 رمضان 1424 / 23-11-2003
السؤال
أختي اشتغلت لمدة 10 أشهر قبل أن تتزوج ولم ينزل الراتب في تلك الفترة، وبعد أن تزوجت بسنة نزل الراتب (راتب 10 أشهر)، ولقد صرفت الراتب كله على نفسها وزوجها وابنها ولم تعط لوالدي منه، ولقد غضب والدي من ذلك وقال إني غير راضٍ عنها لأنني عندي نصيب في ذلك الراتب، هل صحيح أن للوالد نصيب من راتب ابنته، وماهو الحل، علما بأن أبي حالته المادية ميسورة والحمد لله ولكنه يحب المال؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الوالد المذكور إذا كان عنده ما يكفيه من المال لنفقته، فلا تجب نفقته على البنت المذكورة، وبالتالي فلا نصيب له من راتبها، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل(28/167)
العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
لكن الواجب على تلك البنت المذكورة الإحسان إلى أبيها، كما أمر الله تعالى بقوله: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23].
وقال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15].
كما يجب عليها البحث عن وسيلة لاسترضاء أبيها واستمالة قلبه، لأن رضاه سبب لرضا الله تعالى عنها وسخطه سبب لسخط الله تعالى عليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ويمكن الرجوع إلى الفتويين التاليتين: 689، 33090.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجوز للابن الأخذ من مال الأب إلا بإذنه
تاريخ الفتوى : ... 16 رمضان 1424 / 11-11-2003
السؤال
ما حكم الأخذ من مال الأب دون علمه، علما بأن الأب بخيل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجوز للابن أن يأخذ من مال أبيه إلا بإذنه، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الأب لا ينفق على الابن، وكان الابن صغيراً أو عاجزاً لا يستطيع الإنفاق على نفسه، وقد تقدمت التفاصيل في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31157، 13868، 27073. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النفقة على الوالدين واجبة في مال الولد
تاريخ الفتوى : ... 25 شعبان 1424 / 22-10-2003
السؤال
أناشاب أعمل منذ أربع سنوات، ولم أوفر من راتبي بسبب مصاريف البيت لإخواني ووالدتي، وأنا عازم على الزواج لأصون نفسي وأكمل نصف ديني. علما بأن الظروف العائلية صعبة. هل أقطع عليهم المصروف لأجل أن أجمع المال للزواج؟ أم ماذا أعمل؟ علما بأن الوالد عاطل عن العمل، والإخوة كذلك. أفيدوني جزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النفقة على الوالدين الفقيرين واجبة بالإجماع.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال، واجبة في مال الولد. اهـ.(28/168)
وعليه، فيحرم عليك قطع المصروف عن والديك، وعليك بالصبر، فإن مع العسر يسرا.
وحاول أن تسعى في تحسين ظروف عملك وزيادة راتبك، لعل الله تعالى أن يجعل بعد هذا الضيق فرجا ومخرجا.
ومن أراد الزواج ولم يستطع، فعليه بالصوم، كما قال صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. رواه البخاري .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا تهدي المرأة من مال زوجها إلا بإذنه
تاريخ الفتوى : ... 11 رجب 1424 / 08-09-2003
السؤال
امرأة أهدت إليها جارتها هدية من محل زوجها وهو لا يعلم، هل تقبل جارتها الهدية أم لا؟ وماذا تصنع إن كانت قد قبلت الهدية؟ علما بأن الزوج قد توفي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجوز للمرأة أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنه، وأجاز بعض أهل العلم الشيء اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه، وراجع التفاصيل في الفتاوى التالية: 9457، 31100، 33271، 17365، 22917. وعليه، فمن أعطته امرأة هدية من مال زوجها وهو يعلم أن ذلك بغير إذنه ، فلا يجوز له أخذ هذه الهدية، فإن كان قد أخذها فيجب عليه ردها، فإن كان الزوج قد توفي، فليرجعها للورثة، وعلى هذه المرأة ومن قبل منها الهدية التوبة إلى الله مما صنعوا، ومن التوبة رد الحقوق إلى أهلها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فليراع حق أولاده وليحسن لإخوانه
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الثانية 1424 / 26-08-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا سيدة ولدي تسعه أولاد وليس لدينا بيت ملك ولزوجي أخوان زوج أحد الأخوين بماله والآخر ساعده في شراء البيت والسيارة مع أن لديه بيتا ويبعث لهم الفلوس وكلما أكلمه يقول لي لا شأن لك إنها أموالي. وشكرا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك أن إحسان الزوج إلى أقاربه المحتاجين أمر مرغب فيه شرعاً، وكذا إنفاقه على زوجه وأولاده وتوفير المسكن لهم، وليجتهد في مراعاة الأمرين ما أمكنه ذلك، فإن لم(28/169)
يمكن الجمع بينهما، فإن حق أولاده أولى بالتقديم، ثم إننا ننبه هنا إلى أمرين: الأول: أن تكون الزوجة عوناً لزوجها في بره بأهله وصلته لهم وإحسانه إليهم، لأن ذلك أدعى لحسن العشرة، واستمرار الحياة الزوجية على أحسن حال. الثاني: الحرص على حل مثل هذه المشاكل بالتفاهم، واحترام كل من الزوجين للآخر، لا سيما وأن الهدف هو تحقيق مصلحة يستفيد منها الطرفان. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا تجب نفقة الولد القادر على الكسب على والده
تاريخ الفتوى : ... 30 جمادي الأولى 1424 / 30-07-2003
السؤال
السلام عليكم. عمري 18 عاما و مازلت في المدرسة، وأنا جيد في دراستي، يريد مني أن أعمل وهو لا يعطيني أية نقود لأسجل في دورات مختلفة، وحالته جيدة وحالتي سيئة، ماذا أفعل؟ وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالظاهر من سؤالك أن الذي يريدك أن تعمل هو أبوك، فإن كان كذلك فعليك طاعته وبرّه مادمت قادرًا على الكسب. فإن الولد إذا كان بالغًا قادرًا على الكسب، فلا تجب نفقته على والده ولو كان موسرًا، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 25339. وننصحك بالبحث عن عمل تستطيع معه إكمال دراستك ليلاً أو عن طريق الانتساب. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يجوز للوالد من مال ابنه إلا ما يحتاج إليه
تاريخ الفتوى : ... 27 جمادي الأولى 1424 / 27-07-2003
السؤال
أنا أمرأة متزوجة من رجل موظف وعندي ولدان موظفان متزوجان وساكنان معنا في البيت وزوجي ما زال يصرف عليهما من جهة المأكل وهما لا يساعدان أباهما حتى ولو طلب منهما ذلك ثم طلب مني أنا أن أكلمهما في مساعدته في المصروف ثم بعد ذلك أقنعتهما بأن يدفع لي كل واحد منهما ألف ريال في الشهر وقبلا بأن يدفعا لي كل شهر وأصبحت الآن أصرف جزءا منها في المأكل وجزءا أحتفظ به أو أساعد الفقراء وأولادي لا يعرفون ذلك مع العلم أن زوجي سمح لي إذا أقنعت الولدين بأن يدفعا كل شهر بأخذ نصف المبلغ لي فهل يجوز لي التصرف في نصف المال الذي أخذته من الولدين في أعمال خيرية؟ أفيدوني وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالظاهر - والله أعلم - أن الذي يجوز من مال الولد لأبيه هو ما كان الأب محتاجًا إليه، ولم يكن فيه إضرار بالابن، ولا تعلقت به حاجته، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتوى رقم:(28/170)
25339 فراجعها. وبناء على ذلك، فإن النصف التي تدخرينه من مال ولديك لا يباح لك التصرف فيه إلا برضاهما. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الابن المتفرغ للعلم هل تجب على أبيه
تاريخ الفتوى : ... 09 جمادي الأولى 1424 / 09-07-2003
السؤال
السلام عليكم ما هي الحالات التي تكون فيها نفقة الأب على أولاده لازمة؟ وهل تلزم الأب وجوبا النفقة على ابنه طالب العلم المتفرغ للطلب والتعليم أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فتجب على الأب نفقة أبنائه في حالة الصغر، أو عدم القدرة على الكسب إذا لم يكن لهم مال. وأما التفرغ لطلب العلم، فليس من أسباب وجوب النفقة إذا كان الولد قادراً على الكسب أو له مال، أما إذا كان عاجزاً عن الكسب، فتجب على أبيه النفقة عليه إذا كان يستطيع. ولمزيد من الفائدة والتفصيل والأدلة نحيلك إلى الفتوى رقم: 295. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
خذ ما يكفيك بالمعروف
تاريخ الفتوى : ... 08 جمادي الأولى 1424 / 08-07-2003
السؤال
السلام عليكم أبي يعطيني مصروفاً قليلاً جداً لدرجة انه لا يكفيني خلال أسبوع وأنا ناقشته في هذا الموضوع مراراً ولكنه مصمم على أنه يكفيني خلال الشهر فبدأت بأخذ شيء من أمواله في حدود ما يكفيني فهل هذا حرام؟ وإذا كان حرام فما يجب علي أن أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان أبوك موسرًا وقادرًا على أن يعطيك بقدر الواجب عليه من النفقة عليك، فلم يعطك ما يكفيك، جاز لك أن تأخذ من ماله بدون علمه بقدر ما يكفي بلا زيادة، إذ أن الأصل حرمة الأخذ من ماله إلا بطيب نفس منه. ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 23512، والفتوى رقم: 27073. وننبهك إلى أن محل الجواز هو في ما إذا كان إنفاقك في الحلال، وفي ما جرى عليه العرف دون إسراف. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الأولاد على أبيهم واجبة وإن كان كافرا
تاريخ الفتوى : ... 08 جمادي الأولى 1424 / 08-07-2003
السؤال(28/171)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع وبعد: فهل يجوز طلب المال من الأب إذا كان كافرا لاستعماله في التعليم والدعوة وأمور شخصية؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد أوجب الإسلام نفقة الأولاد على أبيهم وإن كان كافرًا، قال في بدائع الصنائع: ^فلا تجري النفقة بين المسلم والكافر في هذه القرابة. فأما في قرابة الولادة فاتحاد الدين فيهما ليس بشرط، فيجب على المسلم نفقة آبائه وأمهاته من أهل الذمة، ويجب على الذمي نفقة أولاده الصغار الذين أعطي لهم حكم الإسلام بإسلام أمهم، ونفقة أولاده الكبار من المسلمين الذين هم من أهل استحقاق النفقة.^^اهـ وإذا صح هذا في النفقة الواجبة، فلا شك أن جوازه في التبرعات من باب أولى كما أنه لا يوجد حرج في الشرع في قبول الهدية من الكافر أيًّا كان. وانظر الفتوى رقم: 18995. وبهذا تبين للسائل جواز طلب المال من أبيه وأخذه منه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المهم أن ترجع إليه أمواله
تاريخ الفتوى : ... 14 ربيع الثاني 1424 / 15-06-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. امرأة كانت تساعد أهلها بإعطائهم المال دون علم زوجها، ثم بعد معرفتها بأن هذا لا يجوز أحبت أن تعرف هل هناك من كفارة لذلك أم تخبر فقط زوجها وربما ستقع في مشكلة معه بسبب ذلك أم تكتفي بالتوبة وعدم الرجوع إلى هذا الأمر؟ أفيدونا جزاكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان هذا المال الذي تعطيه هذه المرأة لأهلها من مالها الخاص، فإن لها الحرية في التصرف فيه كيف تشاء، ولا يلزمها أن تخبر زوجها. أما إن كان من مال زوجها، فلا يجوز لها ذلك إلا بإذنه إلا في القدر اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه، كما بينا ذلك مفصلا في الفتوى رقم: 9457، . وعليه، فإن على هذه المرأة أن ترد هذه الأموال التي أخذتها من مال زوجها إليه متى أمكنها ذلك، ولا يلزم أن تخبره بقصتها، المهم أن ترجع له الأموال بطريقة أو بأخرى، بحيث لا تترتب عليها مفاسد، وفي نفس الوقت تبرئ ذمتها بإرجاع المال لصاحبه مع وجوب التوبة عليها في كل الأحوال. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... افعلي ما تقتضيه مصلحة اليتامى
تاريخ الفتوى : ... 24 ربيع الأول 1424 / 26-05-2003
السؤال(28/172)
أنا أرملة لدي خمس أطفال يصرف لهم راتب تقاعدي من عمل والدهم يرحمه الله المشكلة أننى قدأكون مسرفة أحيانافي شراء حاجات لهم رغبة في ان أساويهم بأبناء إخوتي الذين قد يكون دخلهم أكبر من دخلي خوفامن زيادة إحساسهم باليتم مع العلم أن ذلك لايعني الاقتراض بل قلة المال المدخر لهم عما أخطط له لذلك فأنا أحس بالذنب في الحالتين سواء اسرفت عليهم أحيانا أو بخلت عليهم فما رأي الدين في موقفي ؟ وهل علي من ذنب ؟ وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فعليك أن تتصرفي في أموال اليتامى حسبما تقتضية المصلحة لهم فتكون النفقة والكسوة وكل ما يلزم صرفه مع الوسط ليس فيه إسراف فيضر بهم، ولا تقتير فيضيق عليهم وهذا الطريق الوسط الذي أرشد الله تعالى إليه رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى"وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا" ولا شك أن المحافظة على الجانب النفسي لهؤلاء اليتامى ومراعاة مشاعرهم أمر مطلوب، لكن في حدود لا تضر بمصالحهم الجوهرية. فكون الإنفاق عليهم يكون مجاراة لغيرهم ممن هم أكثر يسرا سيضر بمالهم من رصيد مدخر قد يحقق مصالحهم في المستقبل، خاصة أن غيرهم ممن تطمحين إلى مساواتهم لهم قد يكون الإنفاق عليهم لا يخلو من إسراف، فتكونين أيضا قد وقعت فيه، والله تعالى يقول:"وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"فنصوص أهل العلم تؤكد على أن تصرف الوصي في مال اليتيم يكون بحسب المصلحة، والنفقة عليه تكون بالمعروف، مع أن التوسعة عليه مطلوبة في المناسبات التي تتطلب ذلك كالعيد، لما يترتب على ذلك من إدخال الفرح إلى قلبه. قال الإمام الشافعي في الأم:"يخرج الموصي من مال اليتيم كل ما لزم اليتيم من زكاة ماله وجنايته وما لا غنى به عنه من كسوته ونفقته بالمعروف" وقال في شأن مال اليتيم: "إنما نعطيه منه ما فيه الكفاية مما يخرج من الضيق. وقال الحطاب في مواهب الجليل: "قال مالك:وليوسع عليهم ولا يضيق، وربما قال: أن يشتري لهم بعض ما يُلهيهم به وذلك مما يُطَيِّب به نفوسهم" وقال محمد عليش في منح الجليل: "وله ما جرت العادة به من زيادة النفقة في ختنه وعرسه و وليمة زواجه وعيده لفطره أو أضحى" ثم قال: "إنما للوصي في مال اليتيم فعل ما يبقيه أو ينميه،" فالمطلوب منك إذن التصرف حسب ما تقتضيه
مصلحة اليتامى، دون الإسراف المذموم أوالتضييق الذي قد يضر بهم، وتحتسبي الأجر عند الله تعالى. ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 3152. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقوال الفقهاء في من تجب عليه نفقة اليتيم
تاريخ الفتوى : ... 25 صفر 1424 / 28-04-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(28/173)
نفقة الأبناء المتوفى أبوهم، على من تجب (الأم أم الأعمام أم الوارث) مع عدم وجود مال لهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه ينبغي لأقارب اليتيم وأمه أن يتنافسوا ويتسابقوا على إكرام اليتيم والإحسان إليه وإنفاقه ورعايته، فقد أمر الله تعالى بالإحسان إليه، وجعل إيتاءه المال من أعمال البر، فقال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء:36].
وقال الله تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [البقرة:177].
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم الأم والأقارب وغيرهم على ذلك فقال: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة... رواه مسلم.
وقد فسر الحديث الدمياطي في المتجر الرابح: بالأم أو الجد أو الأخ يكفلون يتيمهم، أو الأجنبي يكفل من ليس من أقاربه.
وفي الحديث: من ضم يتيماً من بين أبوين مسلمين إلى طعامه حتى يغنيه الله وجبت له الجنة. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
وفي الصحيحين أن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي من أجر في بني سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم إنما هم بني؟ قال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم.
إذا علمت هذا فاعلم أن الفقهاء اختلفوا في من تجب عليه نفقة اليتيم الذي لا مال له، فعند الإمام الشافعي أن نفقته على أمه الموسرة، وعند الإمام أحمد أن نفقته على من يرثه، كل بقدر إرثه، قاله ابن قدامة في الكافي، فإذا كان له أم وجدّ فعلى الأم ثلث النفقة وعلى الجد ثلثاها.. إلى آخر كلامه.
وقد ذكر ابن كثير في تفسير قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك: أن الجمهور فسروها بأنه يجب على الوارث مثل ما يجب على الأب من إنفاق على أم الرضيع وعدم الإضرار بها.
وذكر أنه استدل بهذه الآية فقهاء الحنفية والحنابلة على وجوب نفقة الأقارب، وذكر أنه مذهب جمهور السلف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... المرأة المتزوجة.. والإنفاق على أبويها
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1423 / 27-02-2003
السؤال(28/174)
أسكن في أوربا والدولة تدفع مساعدة للأطفال وطلبت من زوجي أن يعطيني هذا المال حتى أساعد به والدي لأنه شيخ لا يستطيع العمل، وأعرف أن زوجي يرسل المال إلى أمه شهرياً كيف أستطيع المكث معه وأنا على علم أن عائلتي لا تجد شيئاً للأكل وراتب زوجي ستة آلاف شهرياً ويملك أربعة بيوت، وكنت أدخر من المال الذي يعطيني زوجي لنفقات أولادي وكنت أرسله إلى عائلتي فقد كنت أعمل في السابق وكان يأخذ مالي فلم أكن أقل له شيئاً أريد أن أعرف هل محرم علي أن أعمل الآن أم لا؟ إذا كان محرماً فكيف يمكن لشيخ كبير أن يجد طعاماً ليسد به جوعه، وكيف أقبل أن يرسل زوجي المال إلى أمه ولا يرسل إلى عائلتي لأني امرأة؟ آمل الإجابة بالعربية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالنفقة واجبة على الزوج لزوجته غير الناشز، وأما أهلها فلا يلزمه النفقة عليهم، لكن ينبغي له أن يعاملهم بالبرِّ والإحسان والمعروف، وأن يقدمهم في صدقته ومعونته لمكان زوجته.
وأما المرأة فيجب عليها أن تبرَّ أبويها قبل زواجها وبعده، وأن تحسن إليهما، وإن احتاجا إلى نفقة وكانت ذات مال وجب عليها الإنفاق عليهما.
وأما عمل المرأة إن احتاجت إليه ولم يكن عملاً محرماً أو اشتمل على محرم كاختلاط محرم وخلوة وتبرج ونحو ذلك، فلا بأس به إن كان بإذن الزوج؛ لأن الشرع جعل من حق الزوج على زوجته ألاَّ تخرج من بيته إلا بإذنه.
وما تحصلت عليه الزوجة من مال فهو لها تتصرف فيه كيف شاءت، ولا يحق للزوج الاستيلاء عليه، وإن أخذه بغير رضاها لزمه رده إليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تقاضي البنت أباها إذا قصر في الإنفاق عليها
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو القعدة 1423 / 05-01-2003
السؤال
هل يجوز للابنة شرعا أن ترفع قضية على والدها بسبب النفقة التي لم يدفعها للأبناء أو الأم طوال فترة الطلاق علما أنه لا يتعرف عليهم بشيء طوال الفترة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأب ملزم شرعاً بالنفقة على أولاده، لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7].
ولقول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233].
وهو آثم بترك الإنفاق عليهم إذا كان موسرا وهم فقراء لقول، النبي صلى الله عليه وسلم: كفى للمرء من الإثم أن يضيع من يقوت. أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط.(28/175)
فإذا لم يؤد الوالد ما عليه بالمعروف فلا بأس أن يرفعه أبناؤه إلى القضاء ليلزمه بما عليه شرعاً، ويكون ذلك بعد نصحه وعرض الأمر على من لهم تأثير عليه من أهل الخير والصلاح أو من أقربائه وأصدقائه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مدى وجوب إنفاق الأب على أبنائه
تاريخ الفتوى : ... 04 شوال 1423 / 09-12-2002
السؤال
هل على الأب (وهو ميسور الحال) أن يلزم ابنته بأن تتحمل نفقات الأسرة بحجة أنه ينفق على أبنائه من زوجته الثانية وعلى أسرة أخيه؟ مع العلم أن أولاد أخيه ذكور وأحدهم يعمل بوظيفة ميسورة وأخبركم بأن أبي منفصل عن أمي ولي أخ شقيق وما زال في مراحل الدراسة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إنفاق الرجل على أولاده المحتاجين واجب بالإجماع، قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم؛ ولأن ولد الإنسان بعضُه،ُ وهو بعضً والدهِ، فكما يجب عليه أن يُنفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصلِه. اهـ المغني 8/171 .
والأصل في وجوب النفقة على الولد الكتابُ والسنة والإجماع، أما الإجماع فقد تقدم، وأما الكتاب فقول الله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]. فأوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233].
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ هند بنت عتبة : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. رواه البخاري ومسلم.
وعن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود.
فهذه النصوص الشرعية وغيرها تدل على وجوب أن ينفق الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم، فلا يجوز للوالد التقصير في النفقة على الأولاد ولا تضييعها، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل.
وقد اتفق العلماء على أن الوالد لا تلزمه نفقة ولده الذي له مال يستغني به ولو كان هذا الولد صغيراً، واختلفوا في لزوم النفقة على الوالد لابنه البالغ الفقير القادر على الكسب، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته لقدرته على الكسب.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن والد غني وله ولد معسر فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر؟(28/176)
فأجاب رحمه الله: نعم، عليه نفقةُ ولدِهِ بالمعروف إذا كان الولدُ فقيراً عاجزاً عن الكسب والوالدُ مُوسراً. اهـ مختصر من الفتاوى الكبرى 3/363، ومجموع الفتاوى 34/105 .
ومفهوم قول شيخ الإسلام: إذا كان الولد فقيراً عاجزاً عن الكسب أن غير العاجز عن الكسب - وهو القادر لا تجب نفقته.
واختلفوا أيضاً في البنت التي بلغت الحلم هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا ؟
فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج -وهو الأقرب والله أعلم- لعجزها عن التكسب، ولأن إلزامها بالتكسب يفضي إلى مفاسد عظيمة.
هذا مجمل ما يفهم من كلام العلماء من الحنفية في المبسوط 5/223، والمالكية في المدونة 2/263، والشافعية في الأم 8/340، والحنابلة في المغني 8/171 .
ولا يجوز للمسلم أن يضيّع النفقة على أولاده بحجة أنه ينفق على أولاد أخيه، قال صلى الله عليه وسلم: وابدأ بمن تعول. رواه مسلم.
ومن حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها حق العدل بين الأولاد، وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. رواه البخاري ومسلم فلا يجوز تفضيل أولاده من الزوجة الثانية بالإنفاق عليهم وحرمان أولاد الزوجة الأولى.
ومما قد يتعلق به البعض - في موضوع السؤال من قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم: أنت ومالُك لأبيك. رواه ابن ماجه، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري وله طرق وشواهد يصح بها. انظر فتح الباري 5/211، ونصب الراية 3/337.
فالجواب أن اللام في الحديث: ليست للملك بل للإباحة.
قال ابن القيم : واللام في الحديث ليست للملك قطعاً، ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث وإلا تعطلت فائدته ودلالته. إعلام الموقعين 1/116 .
ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكاً لوالده لم يأخذ المال غير الأب.
وليست الإباحة على إطلاقها، بل هي بشروط أربعة:
الشرط الأول: ألا يكون في أخذه ضرر على الابن، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه، فإن ذلك لا يجوز للأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
الشرط الثاني: أن لا تتعلق به حاجة الابن، فلو كان عند الابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها، فليس له أن يأخذها بأي حال.
الشرط الثالث: أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر؛ لأن ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء، ولأن فيه تفضيلاً لبعض الأبناء على بعض.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيراً كان الولدُ أو كبيراً، بشرطين: أحدهما: أن لا يُجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجتُهُ. الثاني:(28/177)
أن لا يأخذ من مال ولده فيُعطيه الآخر، نص عليه أحمد، وذلك لأنه ممنوعٌ من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يُمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
الشرط الرابع: أن تكون عند الأب حاجة للمال الذي يأخذه من ولده، وقد جاء مصرَّحاً بهذا الشرط في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم هبة الله لكم يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49]. فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها. رواه الحاكم والبيهقي.
والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم: 2564 وقال: وفي الحديث فائدة فقهية هامة وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور أنت ومالُك لأبيك. ليس على إطلاقه، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. والله أعلم.
وعلى ذلك لا يجوز للوالد - وهو ميسور الحال - أن يلزم بنته بالإنفاق على نفسها وأخيها، ولا أن يقدم على ذلك النفقة على أولاده من زوجته الثانية أو أولاد أخيه لما بينّاً.
وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد الحث على النفقة على الأهل، وأنها من الأعمال الصالحة عند الله تعالى، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت صدقة له. رواه البخاري.
وعن ابن عمر قال: إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقّاً كذلك لولدك عليك حقّاً. انظر الأدب المفرد: 94 .
فينبغي لهذا الأب أن يتقي الله تعالى وأن يعدل بين أبنائه، وأن ينفق عليهم مما أعطاه الله تعالى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... السفر من أجل الكد على أمه وأختيه قربة وبر وجهاد
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1423 / 25-11-2002
السؤال
أنا أعمل في الخارج وأعزب، ولي أم وأختان، وأنا في بلد وهم في بلد آخر، وسبب سفري هوالرزق، هل أنا مذنب بالخروج عن أهلي للعمل على العلم أن أمي تشجعني على البقاء في الخارج لصعوبة الحياة.
ماذا أفعل هل أنا آثم ببقائي بعيدا عن أمي والأختين، على العلم أن أبي متوفى وليس لي أخ . وأن لي عماً وخالاً هناك . وأخواتي كبيرات ولسن متزوجات ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(28/178)
فإن السعي في الأرض طلباً للرزق أمر مشروع بل إنه مطلوب؛ لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15].
وقال سبحانه: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل:20].
قال النسفي سوَّى سبحانه وتعالى في هذه الآية بين درجة المجاهد والمكتسب لأن كسب الحلال جهاد.
قال صاحب فتح البيان في تفسيره: قال ابن مسعود: أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء.
وقال طاووس: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.
وبهذا يعلم السائل أنه في جهاد ما دام الغرض من سفره هو الكد على أمه وأختيه، كما أن في ذلك قربة أخرى وهي بره بأمه وتلبيته لرغبتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الإنفاق على الأبوين الفقيرين واجب
تاريخ الفتوى : ... 12 رجب 1423 / 19-09-2002
السؤال
أنا موظفة ومرتبي عال بالنسبة للوضع الحالي الذي يعيش به شعبي ووالدي ووالدتي فقيران ويحتاجان لمساعدتي لأن لي أخاً وحيداً وعنده 10 أفراد ولكن زوجي لا يريدني أن أساعدهم وذلك لوجود مستلزمات وديون فماذا أفعل هل أعطي أهلي من شهريتي من وراء زوجي وهل هذا جائز في الإسلام أو أواجه زوجي وبذلك تبدأ المشاكل بيني وبينه ؟ ماذا عساي أن أفعل رجاءً أريد نصيحتكم ورأي الشريعة والحديث النبوي في ذلك وشكراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النفقات في بيت الزوجية هي من واجب الزوج وحده، وليس على الزوجة نفقة إلا أن تشاء.
ولها كامل الحق في التصرف في مالها، وتجب عليها النفقة على أبويها إن كانا فقيرين.
وعلى السائلة الكريمة أن تقنع زوجها بأن من حق والديها عليها الإحسان إليهما والنفقة عليهما.
وعليها ألا تنسى المودة والمساعدة لزوجها. قال تعالى: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237].
ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم:
12162
والله أعلم.(28/179)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ما تصرفه الزوجة من مال على أخيها وزوجها لا يعلم
تاريخ الفتوى : ... 16 جمادي الأولى 1423 / 26-07-2002
السؤال
أصرف ماليا على أخي دون علم زوجي وهو عاطل عن العمل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا المال الذي تعطينه لأخيك من مال زوجك فإنه لا يجوز لك ذلك إلا بإذنه. وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 9457.
وإذا كان من مالك الخاص فإن لك الحرية في التصرف فيه كيف شئت ولا يشترط في ذلك علم الزوج ولا إذنه ولكن يستحب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إنفاق المرأة على زوجها وأولادها من الخير والمعروف
تاريخ الفتوى : ... 05 جمادي الأولى 1423 / 15-07-2002
السؤال
هل يجوز للمرأة المساعدة بأموالها في البيت بعد أن علمت أن الزوج على علاقة بامرأة أخرى أفيدوني الله ينور عليكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجب على المرأة المتزوجة أن تنفق من مالها على زوجها، أو على بيته، وإن كانت غنية، وإن كان زوجها محسناً إليها لأن نفقتها ونفقة أولادها منه حق لهم واجب على الزوج.
وإذا انفقت المرأة على نفسها، وأولادها، وزوجها بطيب نفس منها، فلا شك أن ذلك من الخير والمعروف، خصوصاً إذا كان الزوج قليل ذات اليد، فعلى الأخت السائلة ألا تحرم نفسها من هذا الخير بسبب تقصير زوجها أو وجود علاقة له بامرأة أخرى.
لكن إن كانت هذه العلاقة المذكورة محرمة، فإنه لا يجوز لك السكوت عن هذا الأمر إن تأكدت منه فيجب عليك عمل كل ما بوسعك مما يردعه ويزجره عن ذلك. على وفق ما هو مبين في الفتوى رقم:
11505.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الذكور والإناث سواء في وجوب الإنفاق على والديهم(28/180)
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1423 / 24-06-2002
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تخرج زكاة المال لأبيها أو أخيها لأنها غير مكلفة بالنفقة عليهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز دفع الزكاة لأحد من الوالدين الفقيرين باتفاق الفقهاء، سواء كان ذلك الدافع رجلاً أو امرأة، وذلك لأن الوالد إذا كان فقيراً وجب على أولاده وبناته نفقته، فإذا أعطوه الزكاة فقد أغنوه عن نفقتهم عليه فيصير من فعل ذلك كأنه دفعها لنفسه، وهذا لا يجوز، وإن كان غنياً فليس أهلا للزكاة لأنها لا تعطى للأغنياء.
أما الأخ الفقير فالظاهر جواز دفع الزكاة له إذا كان يعول أسرة تخصه، أو لم يكن يعولها ولكنك غير قادرة على الإنفاق عليه من مالك الخاص، وراجعي الفتوى رقم:
478 والفتوى رقم:
829.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى
تاريخ الفتوى : ... 30 ربيع الأول 1423 / 11-06-2002
السؤال
لي قريب يحتاج لمساعدة مالية ويعيش في السعوديه وهو سوري قلت له أستطيع مساعدتك إن عدت إلى سوريا المساعدة هنا مكلفة لأن الحياة غالية هناك عندك بيتك فرفض لذلك امتنعت عن مساعدته ولا يوجد مانع من عودته ما الحكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا ينبغي لك الامتناع من مساعدة قريبك سواء امتثل ما عرضته عليه من الذهاب إلى بلده الأصلي أم لا، لأنك في الحقيقة إن ساعدته فإنما تقدر الخير لنفسك، ولكن إذا كانت مساعدتك له في السعودية مكلفة -كما قلت- فساعده على حسب طاقتك وقدرتك وظروفك، قال تعالى:وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22]، وقال:مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ [فصلت:46].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نفقة الزوجة على أهلها...حكمها...وفضلها
تاريخ الفتوى : ... 05 جمادي الثانية 1422 / 25-08-2001(28/181)
السؤال
زوجتي تعمل طبيبة في إحدى مستشفيات الدولة وراتبها بالكاد يكفي لمصروف البيت ومساعدة أهلها وتريد أن تتصدق فهل يجب عليها الصدقة أو الأولى الاكتفاء بمساعدة أهلها وهل تعتبر النفقة على أهلها واجبة أو إحدى أنواع الصدقة وتجزئ عنها؟
الفتوى
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فيجب أولا أن تعلم أن للمرأة الحرة الرشيدة حرية التصرف في مالها فيما أباحه الله وأحله ، ولو من غير إذن زوجها ، في قول جمهور أهل العلم.
وأما قولك هل يجب عليها الصدقة وراتبها بالكاد يفي بمصروف البيت ومساعدة أهلها؟ فالجواب عليه هو : أنه إذا كان المراد بالصدقة الزكاة فإنها لا تجب إلا بشرطين:
الأول: أن يبلغ المال نصاباً ، وهو ما يعادل قيمة 85جراماً من الذهب .
الثاني: أن يحول عليه الحول " سنة كاملة"
فإن توفر هذان الشرطان وجبت زكاته ، وإلا فلا.
أما سؤالك هل تعتبر النفقة على أهلها واجبة ؟ فنقول وبالله التوفيق: إن كان والداها من ذوي اليسار والغنى فلا يجب عليها النفقة عليهما ، وإن كان والداها فقيرين فالنفقة عليهما واجبة ، وانظر فتوانا في ذلك برقم:
689 مع تنبيهنا إياك على أن النفقة في بيت الزوجية هي من شأن الزوج لا الزوجة -ولو كانت ذات راتب- إلا أن تشاء ذلك.
وانظر فتوانا برقم 105
فإن رضيت بالإنفاق على زوجها وبنيه المحتاجين فلها في ذلك الثواب الجزيل والأجر العظيم ، وقد روى البخاري في صحيحه أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت يا نبي الله : إنك أمرت اليوم بالصدقة ، وكان عندي حلي لي ، فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه هو وولده أحق من تصدقت عليهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" صدق ابن مسعود ، زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم "
وقال صلى الله عليه وسلم: " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" رواه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح.
هذا هو الأفضل والأحسن ، فإن رغبت بعد في الصدقة على غيرهم فلا مانع ، إن كانت الصدقة بمال فائض عن نفقتهم هم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إنفاق المرأة من مال زوجها... ما يجوز وما يحرم
تاريخ الفتوى : ... 13 جمادي الأولى 1422 / 03-08-2001
السؤال(28/182)
أمي تنفق من مصروف البيت على الأهل والأقارب كمساعدات مالية بسخاء ولكن أبي يغضب من إسرافها في المساعدات ما رأي الدين؟ وهل تؤجر أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأموال الخاصة بالزوج لا يجوز للزوجة أن تتصرف في شيء منها إلا بإذنه، ولو كان التصرف صدقة.
فقد روى أبو داود والنسائي عن عبد لله بن عمرو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها". وروى الترمذي من حديث أبي امامة الباهلي في خطبة الوداع: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها".
ويستنثنى من ذلك الشيء اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه ، فهذا إن تصدقت المرأة به دون إذن من زوجها ، كان لها نصف الأجر ، ولزوجها النصف الآخر.
روى مسلم عن عائشة قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً".
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له"
قال النووي رحمه الله : (وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له ) فمعناه : من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين , ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره ، وذلك الإذن الذي قد أولناه سابقا إما بالصريح وإما بالعرف، ولا بد من هذا التأويل ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة ، وفي رواية أبي داود ( فلها نصف أجره ) ، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها ، بل عليها وزر ، فتعين تأويله . واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة ، فإن زاد على المتعارف لم يجز ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ) فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ، ونبه بالطعام أيضا على ذلك ؛ لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس ، وفي كثير من الأحوال . واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وابن سبيل ونحوهما ، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف . والله أعلم) انتهى كلام النووي.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تزويج الأم ابنها من مالها مستحب
تاريخ الفتوى : ... 12 ربيع الأول 1422 / 04-06-2001
السؤال(28/183)
هل على الأب تزويج ابنه أم يمكن أن تزوج الأم ابنها رغم وجود أموال لدى الأب وكيف إن كان عند الأب أموال ولكن يرغب بشراء بيت له لأنه لا يملك بيتا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا مانع شرعاً من أن تزوج الأم ولدها من مالها خصوصاً عند عجز الأب عن ذلك، أو انشغاله بضروريات أخرى ، كبناء مسكن له، أو غير ذلك، بل رغب الشارع في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من حق الولد على والده أن يعلمه الكتابة، وأن يحسن اسمه، وأن يزوجه إذا بلغ" رواه ابن النجار في التاريخ عن أبي هريرة بإسناد ضعيف، لكن له شاهد.
قال المناوي: فإنه بالتزويج يحفظ عليه شطر دينه، وقال عند قوله: "إن من حق الولد على والده"، ومثله: الجد، فإن فقد، فالأم وإن علت. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اسلك الطرق الشرعية لإيصال النفقة لابنك
تاريخ الفتوى : ... 20 صفر 1422 / 14-05-2001
السؤال
السلام عليكم لقد قمت بتطليق زوجتي قبل سنة لظروف تخص الزوجة وهي عدم صلاحيتها أن تكون زوجة ولي منها ابن في الرابعة من عمره ، وحسب الشرع والقانون والذي يفرض علي نفقة الطفل بالإضافة إلى أجرة المسكن والحضانة والتي تعادل 200 كل شهر ، ولكن مع بالغ الأسف والد الزوجة المطلقة يعلم عن النفقة ولا يعلم ابنته عن النفقة ولا يعطيها أي شيء من المبلغ ويقول لها إنني لا أدفع لها و يقوم بمعاملة ابني معاملة سيئة ، ولا أدري ما رأي الدين في مثل هذا الأمر مع ملاحظة أن القانون في بلادنا مثل الشريعة الإسلامية وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به هو أن تحاول علاج هذا الأمر بحكمة، كأن توسط رجلاً من أهل الخير والصلاح ممن له قبول عند والد مطلقتك ينصحه بالمعروف، ويبين له فساد ما يفعله. فإن استجاب فبها ونعمت والحمد لله، وإن امتنع فحاول الاتصال بمطلقتك في حدود الشرع والعرف المسموح به، بأن تبين لها جلية الحال لعلك أن تجد عندها سبيلاً ومخرجاً، ولئلا تظن بك تقصيراً في نفقة ولدك فتخبره بذلك، فينشأ مبغضاً لك ساخطاً عليك، ولعل هذا هو الحل الأمثل في مثل حالتك. وننصحك أن لا تلجأ إلى المحاكم طالما أنها محاكم غير شرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الأخ الموسر ملزم بالنفقة على أخيه الفقير
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999(28/184)
السؤال
هل يجوز إعطاء الزكاة للأخ الشقيق إذا كان ممن يستحق الزكاة وهل يلزم الأخ بالنفقة على أخيه؟ بينوا لنا ذلك مأجورين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
لا حرج في دفع الزكاة للأخ الفقير ، وكل ذي قرابة فقير ـ غير الوالدين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا لأن نفقتهم تلزم المنفق. ودفعها إلى القرابة أولى إن كانوا فقراء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة" [رواه الترمذي وحسنه].
هذا إن كان الأخ لا يعول أخاه، وأما إن كان يعول أخاه فلا يصح دفعها إليه لأن النفقة عليه واجبة.
ويكون الأخ ملزما بالنفقة على أخيه إن كان موسرا، وكان الأخ فقيرا، ولا فرق بين أن يكون الأخ وارثاً أو غير وارث. وهو قول أكثر أهل العلم. والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حق الزوجة في النفقة الملائمة لحالها وحال زوجها ... العنوان
أنا زوجة لرجل موسر، له عقارات ورصيد في البنوك، ولكنه مريض بالبخل، لا تخرج النقود من يده إلا بعد معاناة وجهد . وقد انعكس هذا على حياتي، فلا يعطيني لنفقة البيت إلا النزر اليسير، الذي لا يلائم حال رجل في مثل مركزه . ولهذا أرى بيوت كثير من الناس المحدودي الدخل خيرًا من بيتي، وأرى نساءهم أحسن مظهرًا مني: في الملابس والحلي وسائر ما تحتاج إليه المرأة في عصرنا . وأرى أولادهم أيضًا خيرًا من أولادي.
فهل يجيز الشرع لهذا الزوج أن يضيق علينا وقد وسع الله عليه، وآتاه من فضله الشيء الكثير؟
وماذا تصنع الزوجة إذا قتر عليها زوجها في النفقة، أترفع أمرها إلى المحكمة، وفي ذلك ما فيه من فضيحة اجتماعية، قد تهدم الحياة الزوجية من الأساس ؟ أم تأخذ من مال الزوج - إن استطاعت - بدون إذنه ولا علمه ؟ وهل تعد آثمة في هذه الحال لأنها أخذت مالاً بغير إذن مالكه ؟ وما الحل إذن ؟ . أفتونا مأجورين ... السؤال
06/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
مما يؤسف له أن نجد كثيرًا من الأزواج في هذه القضية على طرفي نقيض . فبينما نجد فريقًا يرخي العنان للزوجة، تبذر وتبعثر، وتنفق على نفسها كيف تشاء فيما ينفع وما لا ينفع، وما لا يحتاج إليه . المهم أن تشبع غرورها وترضي طموحها، في السباق المجنون على أحدث الأزياء، وأطرف ما ابتدعته أوروبا وأمريكا دون نظر(28/185)
إلى مصلحة عائلية أو وطنية أو قومية . ولا اعتبار لما يخبئه الغد من مفاجآت . . تجد مقابل هذا الفريق فريقًا آخر يقتر على الزوجة، ويضيق عليها الخناق، فلا يعطيها ما يكفيها، ويشبع حاجتها المعقولة بالمعروف.
مع أن الله تعالى أوجب في كتابه التوسط بين الإسراف والتقتير في الإنفاق، فقال سبحانه: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) الإسراء 29.
ووصف عباد الرحمن بقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا). الفرقان 67
ولم يحدد الشرع في النفقة على المرأة مقدارًا معينًا من الدراهم أو غيرها . بل الواجب هو تلبية حاجتها بالمعروف . والحاجة تختلف من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن وسط لآخر، ومن رجل لآخر .
فالمدنية غير الريفية، والحضرية غير البدوية، والمثقفة غير الأمية، والناشئة في بحبوحة النعيم غير الناشئة في خشونة الشظف، وزوجة الثري غير زوجة المتوسط غير زوجة الفقير . وقد أشار القرآن إلى شيء من ذلك . فقال: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا). (الطلاق: 7).
وفي متعة المطلقة نبه على هذا المعنى فقال: (لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ). (البقرة: 236).
وما أجمل ما ذكر الإمام الغزالي في " الإحياء " من آداب النكاح عن الاعتدال في النفقة حيث قال: فلا ينبغي أن يقتر عليهن في الإنفاق، ولا ينبغي أن يسرف، بل يقتصد قال تعالى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31) .. وقال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) (الإسراء: 29) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله " (أخرجه الترمذي من حديث عائشة وصححه) وقال صلى الله عليه وسلم: " دينار أنفقته في سبيل الله (أي في الجهاد) ودينار أنفقته في رقبة (أي في العتق) ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك " (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة) وقيل: كان لعلي أربع نسوة، فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحمًا بدرهم.
وقال ابن سيرين: يستحب للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة (نوعا من الحلوى) قال الغزالي: وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة.
ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب، فلا يطعمهم منه، فإن ذلك مما يوغر الصدور، ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان مزمعًا على ذلك، فليأكل بخفية، بحيث لا يعرف أهله ولا ينبغي أن يصف عندهم طعامًا ليس يريد إطعامهم إياه . وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته . . (إحياء علوم الدين، جـ 2، ص 47، ط. دار المعرفة - بيروت). . إلخ ".(28/186)
ولكن ما الذي يفرضه الشرع للزوجة من النفقة ومطالب المعيشة ؟.
لنسمع ما يقوله في ذلك الفقه المستند إلى الكتاب والسنة . ..
قال شيخ الإسلام ابن قدامة الحنبلي في كتابه " الكافي ":
(يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " (متفق عليه) ولأن الله قال: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (البقرة: 233) والمعروف: قدر الكفاية، لأنها واجبة لدفع الحاجة . فتقدرت بالكفاية كنفقة المملوك فإذا ثبت أنها غير مقدرة، فإنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم (أي القاضي) فيفرض لها قدر كفايتها من الخبز والأدم.
ويجب لها في القوت الخبز، لأنه المقتات في العادة.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: (}مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (المائدة: 89) الخبز والزيت . وعن ابن عمر: الخبز والسمن، والخبز والزيت، والخبز والتمر . ومن أفضل ما تطعمهم: الخبز واللحم.
ويجب لها من الأدم بقدر ما تحتاج إليه من أدم البلد: من الزيت والسيرج والسمن واللبن واللحم، وسائر ما يؤتدم به، لأن ذلك من النفقة بالمعروف، وقد أمر الله تعالى ورسوله به.
ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره، لقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (الطلاق: 7) وتعتبر حال المرأة أيضًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فيجب للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد وأدمه بما جرت به عادة مثلها ومثله، وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدمه على قدر عادتهما، وللمتوسطة تحت المتوسط.
وإذا كان أحدهما غنيًا والآخر فقيرًا ما بينهما كل على حسب عادته، لأن إيجاب نفقة الموسرين على المعسر، وإنفاق الموسر نفقة المعسرين، ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه.
وتجب الكسوة للآية والخبر، ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فلزمته كالنفقة ويجب للموسرة تحت الموسر من رفيع ما يلبس في البلد من الإبريسم والخز والقطن والكتان وللفقيرة تحت الفقير من غليظ القطن والكتان، وللمتوسطة تحت المتوسط، أو إذا كان أحدهما موسرًا، والآخر معسرًا، ما بينهما على حسب عوائدهم في الملبوس، كما قلنا في النفقة.
ويجب لها مسكن، لأنها لا تستغني عنه للإيواء، والاستتار عن العيون، للتصرف والاستمتاع ويكون ذلك على قدرهن، كما ذكرنا في النفقة.
وإن كانت ممن لا يخدم نفسها، لكونها من ذوات الأقدار، أو مريضة، وجب لها خادم، لقوله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وإخدامها من العشرة بالمعروف، ولا يجب لها أكثر من خادم، لأن المستحق خدمتها في نفسها، وذلك يحصل بخادم واحد، ولا يجوز أن يخدمها إلا امرأة، أو ذو رحم محرم، أو صغير). (الكافي لابن قدامة، جـ 2، ص 985 وما بعدها) ا هـ.(28/187)
وقال صاحب " الروضة الندية " في بيان ما يجب للزوجة على الزوج من النفقة:
(هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، فنفقة زمن الخصب، المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب.
ونفقة أهل البوادي، المعروف فيها ما هو الغالب عندهم، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن.
وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء، على اختلاف طبقاتهم، غير المعروف من نفقة الفقراء، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف، غير المعروف من نفقة أهل الوضاعات.
فليس المعروف المشار إليه في الحديث، هو شيء متحد، بل مختلف باختلاف الاعتبار) ا هـ.
قال الشوكاني: (والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير، لاختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص، فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض، وكذلك الأمكنة، فإن بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين، وفي بعضها ثلاثًا، وفي بعضها أربعًا . وكذلك الأحوال، فإن حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من المقدار الذي تستدعيه حالة الخصب . وكذلك الأشخاص، فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه، وبعضهم قد يأكل نصف صاع، وبعضهم دون ذلك.
وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام، ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلمًا وحيفًا.
ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط، بل كان صلى الله عليه وسلم يحيل على الكفاية مقيدًا لذلك بالمعروف، كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم: " أن هندًا قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم . فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
فهذا الحديث الصحيح، فيه الإحالة على الكفاية، مع التقييد بالمعروف، والمراد به الشيء الذي يعرف وهو خلاف الشيء الذي ينكر، وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئًا معينًا ولا المتعارف بين أهل جهة معينة، بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها، المتعارف بينهم.
ويعتبر في كل محل بعرف أهله، ولا يحل العدول عنه إلا مع التراضي وكذلك الحاكم، يجب عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، مع ملاحظة حال الزوج في اليسار والإعسار، لأن الله تعالى يقول: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) (البقرة: 236). وإذا تقرر لك أن الحق عدم وجود تقدير الطعام بمقدار معين، فكذلك لا يجوز تقدير الإدام بمقدار معين، بل المعتبر الكفاية بالمعروف.
وقد حكى صاحب البحر، أنه قدر في اليوم أوقيتان دهنًا من الموسر، ومن المعسر أوقية، ومن المتوسط أوقية ونصف). (الروضة الندية شرح الدرر البهية، جـ 2 ص 77).(28/188)
" وفي شرح الإرشاد أنه يعتبر الإدام تقدير القاضي باجتهاده عند التنازع، فيقدر في المد من الإدام ما يكفيه، ويقدر على الموسر ضعف ذلك، وعلى المتوسط بينهما، ويعتبر في اللحم عادة البلد للموسرين والمتوسطين كغيرهم ".
ثم الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " أن ذلك غير مختص بمجرد الطعام والشراب، بل يعم جميع ما يحتاج إليه، فيدخل تحته الفضلات (الكماليات) التي قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة، بحيث يحصل التعذر بمفارقتها أو التضجر أو التكدر . ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال، ويدخل فيه الأدوية ونحوها، وإليه يشير قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (البقرة: 233) فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقات إن الواجب على من عليه النفقة رزق من عليه إنفاقه، والرزق يشمل ما ذكرناه.
وبهذا البيان يتضح للأخت السائلة الجواب عن سؤالها بشقيه، وفي جوابه صلى الله عليه وسلم لهند في موقفها من زوجها أبي سفيان وشحه: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وفيما نقلناه من كلام العلماء حول المراد بـ (الكفاية) و(المعروف) ما ينير الطريق أمام صاحبة الاستفتاء هنا، كيف تتصرف مع زوجها البخيل عليها.
أجل فيما قدمنا من البيان ما يكفي ويشفي . ولله الحمد
أولاً وآخرًا.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل للزوجة حقوق معنوية على زوجها؟ ... العنوان
تزوجت رجلاً يكبرني بأكثر من عشرين عامًا، ولم أكن أعتبر فارق السن بيني وبينه حاجزًا يبعدني عنه، أو ينفرني منه، لو أنه أعطاني من وجهه ولسانه وقلبه ما ينسيني هذا الفارق، ولكنه - للأسف - حرمني من هذا كله: من الوجه البشوش، والكلام الحلو، والعاطفة الحية، التي تشعر المرأة بكيانها وأنوثتها، ومكانتها في قلب زوجها.
إنه لا يبخل علي بالنفقة ولا بالكسوة، كما أنه لا يؤذيني . ولكن ليس هذا كل ما تريده المرأة من رجلها . إني لا أرى نفسي بالنسبة إليه إلا مجرد طاهية طعام، أو معمل تفريخ للعيال، أو آلة للاستمتاع عندما يريد الاستمتاع . وهذا ما جعلني أمل وأسأم وأحس بالفراغ، وأضيق بنفسي وبحياتي . وخصوصًا عندما أنظر إلى نظيراتي وزميلاتي ممن يعشن مع أزواج يملئون عليهن الحياة بالحب والأنس والسعادة.
ولقد شكوت إليه مرة من هذه المعاملة، فقال: هل قصرت في حقك في شيء ؟ هل بخلت عليك بنفقة أو كساء ؟.
وهذا ما أريد أن أسأل عنه ليعرفه الأزواج والزوجات: هل المطالب المادية من الأكل والشرب واللبس والسكن هو كل ما على الزوج للزوجة شرعًا ؟ وهل الناحية النفسية لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية الغراء ؟.(28/189)
إنني بفطرتي وفي حدود ثقافتي المتواضعة لا أعتقد ذلك . لهذا أرجو أن توضحوا هذه الناحية في الحياة الزوجية، لما لها من أثر بالغ في سعادة الأسرة المسلمة واستقرارها.
والله يحفظكم. ... السؤال
19/02/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن المطالب المادية من مأكل وملبس ومسكن واجبة على الزوج لزوجته، ولكنها وحدها لا تكفي، بل لا بد أن يراعي الحقوق المعنوية ، فقد أمر الله تعالى بحسن العشرة بين الزوجين، وجعل من آياته السكن بينهما ووجود المودة، وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن خير الناس خيرهم لأهله، وكان يحب أهله ويداعبهن ويمازحهن ويتحمل الأذى منهن، وكان يخص السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ بمزيد من المداعبة لصغر سنها وحاجتها على المداعبة ، فعلى الزوج أن يراعي مشاعر زوجته وعواطفها فيتبسم في وجهها ويداعبها ويمازحها.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
ما أدركته الأخت صاحبة السؤال بفطرتها السليمة، وثقافتها المتواضعة هو الصواب الذي جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء.
فالشريعة أوجبت على الزوج أن يوفر لامرأته المطالب المادية من النفقة والكسوة والمسكن والعلاج ونحوها، بحسب حاله وحالها، أو كما قال القرآن " بالمعروف ".
ولكنها لم تغفل أبدًا الحاجات النفسية التي لا يكون الإنسان إنسانًا إلا بها . كما قال الشاعر قديمًا:
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
بل إن القرآن الكريم يذكر الزواج باعتباره آية من آيات الله في الكون ونعمة من نعمه تعالى على عباده . فيقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) . الروم 21
فتجد الآية الكريمة تجعل أهداف الحياة الزوجية أو مقوماتها هي السكون النفسي والمودة والرحمة بين الزوجين، فهي كلها مقومات نفسية، لا مادية ولا معنى للحياة الزوجية إذا تجردت من هذه المعاني وأصبحت مجرد أجسام متقاربة، وأرواح متباعدة.
ومن هنا يخطئ كثير من الأزواج - الطيبين في أنفسهم - حين يظنون أن كل ما عليهم لأزواجهم نفقة وكسوة ومبيت، ولا شيء وراء ذلك . ناسين أن المرأة كما تحتاج إلى الطعام والشراب واللباس وغيرها من مطالب الحياة المادية، تحتاج مثلها - بل أكثر منها - إلى الكلمة الطيبة، والبسمة المشرقة، واللمسة الحانية، والقبلة المؤنسة، والمعاملة الودودة، والمداعبة اللطيفة، التي تطيب بها النفس، ويذهب بها الهم، وتسعد بها الحياة.(28/190)
وقد ذكر الإمام الغزالي في حقوق الزوجية وآداب المعاشرة جملة منها لا تستقيم حياة الأسرة بدونها ، ومن هذه الآداب التي جاء بها القرآن والسنة:
حسن الخلق مع الزوجة، واحتمال الأذى منها . قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) وقال في تعظيم حقهن: (وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا) وقال: (والصاحب بالجنب) قيل: هي المرأة.
قال الغزالي: واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها . اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه يراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل.
وكان يقول لعائشة: " إني لأعرف غضبك من رضاك ! قالت: وكيف تعرفه ؟ قال: إذا رضيت قلت: لا، وإله محمد، وإذا غضبت قلت: لا وإله إبراهيم.
قالت: صدقت، إنما أهجر اسمك ! ".
ومن هذه الآداب التي ذكرها الغزالي: أن يزيد على احتمال الأذى منها، بالمداعبة والمزح والملاعبة، فهي التي تطيب قلوب النساء . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح معهن، وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق ، حتى روى أنه كان يسابق عائشة في العدو.
وكان عمر رضي الله عنه - مع خشونته يقول: ينبغي أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، فإذا التمسوا ما عنده وجدوا رجلاً.
وفي تفسير الحديث المروي " إن الله يبغض الجعظري الجواظ " قيل: هو الشديد على أهله، المتكبر في نفسه . وهو أحد ما قيل في معنى قوله تعالى: (عتل) قيل: هو الفظ اللسان، الغليظ القلب على أهله.
والمثل الأعلى في ذلك كله هو النبي صلى الله عليه وسلم فرغم همومه الكبيرة، ومشاغله الجمة، في نشر الدعوة، وإقامة الدين، وتربية الجماعة، وتوطيد دعائم الدولة في الداخل، وحمايتها من الأعداء المتربصين في الخارج . فضلاً عن تعلقه بربه، وحرصه على دوام عبادته بالصيام والقيام والتلاوة والذكر، حتى أنه كان يصلي بالليل حتى تتورم قدماه من طول القيام، ويبكي حتى تبلل دموعه لحيته.
أقول: برغم هذا كله، لم يغفل حق زوجاته عليه، ولم ينسه الجانب الرباني فيه، الجانب الإنساني فيهن، من تغذية العواطف والمشاعر التي لا يغني عنها تغذية البطون، وكسوة الأبدان.
يقول الإمام ابن القيم في بيان هديه صلى الله عليه وسلم مع أزواجه:
" وكانت سيرته مع أزواجه: حسن المعاشرة، وحسن الخلق، وكان يسرب إلى عائشة بنات الأنصار يلعبن معها . وكانت إذا هويت شيئًا لا محذور فيه تابعها عليه ، وكانت إذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه موضع فمها وشرب وكان إذا تعرقت عرقًا - وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها.
" وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها . وربما كانت حائضًا . وكان يأمرها وهي حائض فتتزر (تلبس الإزار، لتكون المباشرة من فوق الثياب) . ثم يباشرها . وكان يقبلها وهو صائم.(28/191)
" وكان من لطفه وحسن خلقه أنه يمكنها من اللعب ويريها الحبشة، وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر وسابقها في السير على الأقدام مرتين، وتدافعًا في خروجهما من المنزل مرة ".
" وكان يقول: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ".
" وكان إذا صلى العصر دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن . فإذا جاء الليل انقلب إلى صاحبة النوبة خصها بالليل . وقالت عائشة: كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم، وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها ". (زاد المعاد، جـ1، ص78، 79، ط. السنة المحمدية).
وإذا تأملنا ما نقلناه هنا من هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة نسائه، نجد أنه كان يهتم بهن جميعًا، ويسأل عنهن جميعًا، ويدنو منهن جميعًا ، ولكنه كان يخص عائشة بشيء زائد من الاهتمام، ولم يكن ذلك عبثًا ولا محاباة، بل رعاية لبكارتها، وحداثة سنها، فقد تزوجها بكرًا صغيرة لم تعرف رجلاً غيره عليه السلام .
وحاجة مثل هذه الفتاة ومطالبها من الرجل أكبر حتما من حاجة المرأة الثيب الكبيرة المجربة منه . ولا أعني بالحاجة هنا مجرد النفقة أو الكسوة أو حتى الصلة الجنسية ، بل حاجة النفس والمشاعر أهم وأعمق من ذلك كله .
ولا غرو أن رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ينتبه إلى ذلك الجانب ويعطيه حقه، ولا يغفل عنه، في زحمة أعبائه الضخمة، نحو سياسة الدعوة، وتكوين الأمة، وإقامة الدولة . (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) . الممتحنة 6
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم أخذ الوصي من أموال الأيتام
سؤال:
أنا الوكيل لورثة أخي وأقوم بمراجعة مستحقاتهم ومصالحهم كما أقوم بزيارتهم أسبوعيّاً وذلك لإسعاد أولاده مع أولادي ، والسؤال عن طلباتهم ( راتبهم 15000 ألف ، وحقوقهم 400000 ) وأنا لدي ديون مؤقتة 4 سنوات بسبب البنيان ، فأيهما أفضل أن أضغط على نفسي وأولادي قليلا أو أن آخذ من دون علمهم مصاريف البنزين وغيره ( بسبب العادات ) ؟.
الجواب:
الحمد لله
جعل الشرع أكل مال اليتيم بالباطل من السبع الموبقات المهلكات – كما روى ذلك البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : ولكونه أمانة عظيمة قد يعجز عنها كثيرون قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر – ضمن نصائح له – : ( ولا تولينَّ مال يتيم ) رواه مسلم ( 1826 ) .
وقد أوجب الشرع على من قام بالوصاية على الأيتام أن يحسن رعايتهم وتربيتهم ، وإذا كان لهم أموال أن يحسن حفظها وتنميتها ، وأن يؤدي زكاتها ، وإن كان غنيّاً(28/192)
فالأولى له أن يستعفف عن أموالهم ، وإن كان فقيراً أن يأكل بالمعروف ، وإن كان عاملاً بأموالهم أن يأخذ أجرة المثل ، هذه أحكام الشرع ، وهي غايةٌ في الحكمة والعدل .
قال الله تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) النساء /5،6 .
قال ابن كثير :
وقوله : ( ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ) ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية ( إسرافاً وبداراً ) أي : مبادرة قبل بلوغهم ، ثم قال تعالى : ( ومن كان غنيّاً فليستعفف ) عنه ولا يأكل منه شيئاً ، وقال الشعبي : هو عليه كالميتة والدم ، ( ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان محتاجاً أن يأكل منه ، عن عائشة قالت : أنزلت هذه الآية في والي اليتيم ( ومن كان غنيّاً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ) بقدر قيامه عليه .
قال الفقهاء : له أن يأكل من أقل الأمرين أجرة مثله أو قدر حاجته ، واختلفوا هل يرد إذا أيسر ؟ على قولين : أحدهما : لا ؛ لأنه أكل بأجرة عمله وكان فقيراً ، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي ؛ لأن الآية أباحت الأكل من غير بدل ... .
والثاني : نعم ؛ لأن مال اليتيم على الحظر ، وإنما أبيح للحاجة ، فيرد بدله كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة ... .
( ومن كان غنياً فليستعفف ) يعني : من الأولياء ، ( ومن كان فقيراً ) أي : منهم ، ( فليأكل بالمعروف ) أي : بالتي هي أحسن ، كما قال في الآية الأخرى : ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ) أي : لا تقربوه إلا مصلحين له ، فإن احتجتم إليه أكلتم منه بالمعروف .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 454 ، 455 ) باختصار .
وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني فقير ، ليس لي شيء ، ولي يتيم ، قال : كُل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل " .
رواه أبو داود ( 2872 ) والنسائي ( 3668 ) وابن ماجه ( 2718 ) . والحديث : حسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 4497 ) .
مباذر : مسرف للمال تبذيراً له .
متأثل : آخذ من أصل المال .
فإن أردت أن تأخذ مالا مقابل ما تعمله لهم ، من مراعاة مصالحهم ، وكان عملك هذا يستحق أجرة فلا حرج عليك في ذلك ، أما إن أردت أن تأخذ أجرة الزيارة فلا ، لأنه لم تجرِ العادة بجعل مصاريف زيارة الأيتام عليهم من أموالهم ، وهذا بخلاف ما تنفقه عليهم من لباس وأثاث وطعام لهم ، فإنه يكون من أموالهم .(28/193)
وحيث إنك في بلد يوجد بها قضاء شرعي فلا بد من مراجعة المحكمة الشرعية في ذلك ، حتى يحكم القاضي بما يراه من مصلحة الأيتام ، والله أعلم .
ونرجو منك التأمل كثيراً في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ( 1400 ) ومسلم ( 1053 ) : ( من يستعفف يعفَّه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يصبر يصبِّره الله وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر ) لتعلم أن الطريق إلى قضاء دينك هو الاستعفاف والاستغناء والصبر .
قال المباركفوري :
( ومن يستغن ) أي : يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس ، والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف .
( يغنه الله ) أي : يجعله غنيّاً أي : بالقلب ففي الحديث : ( ليس الغني عن كثرة العرَض إنما الغني غنى النفس ) ، أو يعطيه ما يغنيه عن الخلق .
( ومن يستعفف ) الاستعفاف : طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس , أي : من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها .
( يعفه الله ) : أي يجعله عفيفا ، فيحفظه عن الوقوع في المناهي ، يعني : من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز لا يفنى .
( ومن يتصبَّر ) أي : يطلب توفيق الصبر من الله ؛ لأنه قال تعالى : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) ، أو : يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه .
" يصبِّره الله " : أي يسهل عليه الصبر .
"تحفة الأحوذي" (6/143، 144) باختصار .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تتصدق من نفقة بيتها دون علم زوجها ؟
سؤال:
زوجي يعطيني مصروفاً لي ولبناتي كل شهر ، فأُخرج منه مبلغاً معيَّناً صدقة دون الرجوع إليه ، فهل يجوز هذا العمل أم يجب أن أرجع له وأسأله إن كان يوافق أن أخرج من هذا المال صدقة أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على المرأة أن تتصدق من مال زوجها إذا أذن لها بذلك ، وهذا الإذن قد يكون لفظياً ( بالكلام ) كما لو قال لها : لك أن تتصدقي من مالي بكذا أو بما شئت.
وقد يكون الإذن عرفياً ، بمعنى أنه قد جَرَت عادة الناس الرضى بهذا ، أو تعلم من خُلُق زوجها أنه يرضى بهذا ولا يمنعه .
فلا حرج عليها في هذه الحال أن تتصدق من مال زوجها ، ولها أجر الصدقة ، ولزوجها أيضاً .
أما إذا منعها ، أو كانت تعلم أنه لا يرضى بهذا فلا يجوز لها حينئذ الصدقة من ماله بشيء .(28/194)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" ( 4 / 301 ) :
"وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ , بِغَيْرِ إذْنِهِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ; إحْدَاهُمَا , الْجَوَازُ ; لأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا , غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , كَانَ لَهَا أَجْرُهَا , وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ) . وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا .
وَعَنْ أَسْمَاءَ , أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ ؟ فَقَالَ : ( ارْضَخِي مَا اسْتطَعْتِ ) والرضخ هو العطاء . وفي رواية للبخاري : قال : (تَصَدَّقِي) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَلأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ , وَطِيبُ النَّفْسِ , فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الإِذْنِ .
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة , لا يَجُوزُ . . . . وَالأَوَّلُ أَصَحُّ . . .
فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ , وَقَالَ : لا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ , وَلا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ , وَلا كَثِيرٍ . لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ اهـ بتصرف واختصار .
ويدل على عدم جواز تصدق المرأة من مال زوجها إلا بإذنه ما رواه أبو داود (3565) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهَا إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلا الطَّعَامَ ؟ قَالَ : ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
( إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا ) أي الإذن الصريح ، أو بدلالة الحال . قاله في عون المعبود .
وسئلت اللجنة الدائمة عن امرأة تتصدق من مال زوجها بدون إذنه
فأجابت : " الأصل أنه ليس للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذن منه، إلا ما كان يسيراً قد جرت العادة به ، كصلة الجيران والسائلين بشيء يسير لا يضر زوجها ، والأجر بينهما ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : .. ثم ذكرت حديث عائشة المتقدّم " اهـ .
فتاوى اللجنة الدائمة (10/81)
وسئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله : هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها لنفسها أو لأحد من أمواتها ؟
فأجاب : " من المعلوم أن مال الزوج للزوج ، ولا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد إلا بإذنه ، فإذا أذن الزوج لها أن تتصدق به لنفسها ، أو لمن شاءت من أمواتها فلا حرج عليها ، فإن لم يأذن فإنه لا يحل له أن تتصدق بشيء ، لأنه ماله ، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " اهـ .
مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/472)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
من يفضل الأم أم الزوجة ؟
سؤال:(28/195)
إنسان له زوجة وأم ، هل له تفضيل الزوجة على الأم في النفقة وغيرها من المؤن والكسوة ، وهل يأثم بذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يأثم بذلك إذا قام بكفاية الأم إن كانت ممن يلزمه كفايتها بالمعروف ، لكن الأفضل أن يستطيب قلب الأم ، وأن يفضلها ، وإن كان لا بد من ترجيح الزوجة فينبغي له أن يخفيه عن الأم . والله أعلم .
فتاوى الإمام النووي ص 212
ـــــــــــــــــــ
لا نفقة للزوجة إذا رفضت العودة إلى بيت زوجها
سؤال:
حصل خلاف بينه وبين زوجته فقالت : اذهب بي إلى أهلي لا أريد البقاء معك فذهب بها إلى أهلها فمكثت عندهم شهورا . فهل تجب عليه نفقتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
ليس عليه نفقتها لأن النفقة مقابل تمكينه من نفسها وقد فات بإصرارها على الذهاب وعدم البقاء معه .
الشيخ ابن جبرين
ـــــــــــــــــــ
هل يؤجر المسلم على ما ينفق في البنيان
سؤال:
هل يؤجر المرء على نفقة البناء ؟.
الجواب:
الحمد لله
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما إنَّ كل بناءٍ وبالٌ على صاحبه إلا ما لا ، إلا ما لا ، يعني : ما لا بد منه .
رواه أبو داود ( 5237 ) وابن ماجه ( 4161 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2830 ) .
عن خبَّاب بن الأرت قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب - أو قال : في البناء - .
رواه الترمذي ( 2483 ) وابن ماجه ( 4163 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2831 ) .
قال الشيخ الألباني :
واعلم أن المراد من هذا الحديث والذي قبله - والله أعلم - إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء وتشييده فوق حاجته ، وإن مما لا شكَّ فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلَّة وكثرة ، ومَن يكون مضيافاً ، ومن ليس كذلك ، فهو مِن(28/196)
هذه الحيثية يلتقي تماماً مع الحديث الصحيح " فراش للرجل ، وفراش لامرأته ، وفراش للضيف ، والرابع للشيطان " .
رواه مسلم ( 6 / 146 ) وغيره ، وهو مخرَّج في " صحيح أبي داود " .
ولذلك قال الحافظ بعد أن ساق حديث الترجمة وغيره :
" وهذا كله محمول على ما لا تمسّ الحاجة إليه مما لا بدَّ منه للتوطن ، وما يقي الحرَّ والبرد " .
ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أنَّ في البناء كله الإثم ! فعقَّب عليه الحافظ بقوله :
" وليس كذلك ، بل فيه التفصيل ، وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم .. فإن في بعض البناء ما يحصل به الأجر ، مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني ؛ فإنه يحصل للباني به الثواب ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم " .
" السلسلة الصحيحة " ( حديث رقم 2831 ).
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
أجر النفقة على الأهل والأولاد
سؤال:
ما هو أجر الإنسان إذا أنفق على أولاده ؟.
الجواب:
الحمد لله
ورد في الكتاب والسنة أدلة كثيرة تحث على النفقة على الأولاد وتبين فضلها ومن ذلك :
أولا : أدلة القرآن :
قال الله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )البقرة/233 . وقال سبحانه : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ً) الطلاق/7 . وقال تعالى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ/39.
ثانيا : السنة :
لقد تَظَافَرَتْ الْأَخْبَار عن النبي صلى الله عليه وسلمُ فِي فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْعِيَالِ لَا سِيَّمَا الْبَنَاتِ , فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( 995 )عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا :{ دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ , وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك , أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك }.
وعند مُسْلِمٍ (994 ) وغيره عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعًا { أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : بَدَأَ بِالْعِيَالِ . ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللَّهُ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ .(28/197)
وَفِي صحيح البخاري (1295) وصحيح مسلم (1628)ِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك } أَيْ فِي فَمِهَا .
وَفِي البخاري أيضا ( 55 ) ومسلم ( 1002 ) ( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً}. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ البخاري ( 1442 ) ومسلم ( 1010 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا , وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ البخاري ( 1418 ) ومسلم ( 2629 ) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها { قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتهَا إيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتِهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ , فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا فَأَخْبَرْته فَقَالَ مَنْ اُبْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ } .
وَفِي مُسْلِمٍ ( 2630 ) عَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ { جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً , وَرَفَعَتْ إلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلْهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْت الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ } .
وَفِيهِ ( 2631 ) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا , وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ } . وَفِي الْبَابِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . إ. هـ من غذاء الألباب (2/ 437) بتصرف
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ رحمه الله : يُنْفِق عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مُقَتِّرٍ عَمَّا يَجِبُ لَهُمْ وَلَا مُسْرِفٍ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } وَهَذِهِ النَّفَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَمِنْ جَمِيعِ النَّفَقَاتِ . طرح التثريب (2 /74)
والله أعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
نفقة الوالد على ولده إلى متى ؟
سؤال:
ابن أختي انتقل إلى السكن معي بعد أن كان يعيش في كنف أبيه ، وقبلت ذلك على أن يرسل مبلغاً شهريّاً وقدره 500 ريال ، وبعد فترة قطع إرسال المبلغ واحتج أن ابنه لا يقوم بخدمته بحكم البعد عنه وأن علينا أن نتكلف بجميع احتياجاته من أكل وشرب وملبس وزواج وسيارة ووو... وقد رفض والده أن يرسل ملف ابنه ليتعالج بالمجان على حساب الشركة التي يعمل بها ، فهل يحق لنا المطالبة شرعا بالنفقة على ابنه الذي يبلغ من العمر 16 عاما وهو يدرس بالمرحلة الثانوية ؟.(28/198)
الجواب:
الحمد لله
يجب على الرجل أن ينفق على والديه وأولاده إذا احتاجوا وكانوا فقراء .
قال الخرقي – رحمه الله -:
( ويجبر الرجل على نفقة والديه ، وولده ، الذكور والإناث ، إذا كانوا فقراء ، وكان له ما ينفق عليهم ) .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
الأصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والإجماع ؛ أما الكتاب فقول الله تعالى : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، أوجب أجر رضاع الولد على أبيه ، وقال سبحانه : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، وقال سبحانه : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) ، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما .
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) متفق عليه .
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه ) رواه أبو داود (3528) وصححه الألباني في إرواء الغليل .
وأما الإجماع : فحكى ابن المنذر قال : أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ، ولا مال ، واجبة في مال الولد ، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم .
" المغني " ( 8 / 169 ، 170 ) .
وهذه النفقة الواجبة على الأب لها شروط ، منها : أن يكون الابن محتاجاً إلى المال ولا يستطيع الاكتساب عاجزاً عن الكسب لصغره أو مرضه أو غير ذلك ، وأن يكون الأب قادراً على الإنفاق .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط :
أحدها : أن يكونوا فقراء , لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم ، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به : فلا نفقة لهم ؛ لأنها تجب على سبيل المواساة ، والموسر مستغن عن المواساة .
الثاني : أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم , فاضلا عن نفقة نفسه ، إما من ماله وإما من كسبه ، فأما من لا يفضل عنه شيء , فليس عليه شيء لما روى جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه , فإن فضل فعلى عياله فإن كان فضل , فعلى قرابته ) وفي لفظ : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) حديث صحيح ، وروى أبو هريرة ( أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله عندي دينار قال : تصدق به على نفسك ، قال : عندي آخر ، قال : تصدق به على ولدك ، قال : عندي آخر ، قال :(28/199)
تصدق به على زوجك ، قال : عندي آخر ، قال : تصدق به على خادمك ، قال : عندي آخر قال : أنت أبصر ) رواه أبو داود (1691) قال الشيخ الألباني : حسن في سنن أبي داود .
ولأنها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة .
الثالث : أن يكون المنفِق وارثا لقول الله تعالى : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) ؛ ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضى كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم .
" المغني " ( 8 / 168 ، 169 ) .
فالواجب على الأب أن ينفق على ابنه ما يحتاجه حتى يستغنى وقد نص العلماء رحمهم الله على أن من النفقة الواجبة للابن على أبيه أن يزوجه إذا احتاج إلى الزواج .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
قال أصحابنا : وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته , وكان محتاجا إلى إعفافه ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي .
" المغني " ( 8 / 172 ) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه ، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه : فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق ، أما مادام أنه صغير أو كبير ولكنه لم يستغن ولم يقدر على الاكتساب : فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه حتى يستغني ، وذلك بموجب القرابة .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 240 ) .
فالخلاصة : أنه يجب على الوالد أن يتقي الله فيما استرعاه من رعية ، فإن كان قادراً على نفقة ولده في التعليم والعلاج وغير ذلك مما يحتاجه الابن فلا يجوز له التقصير فيها .
والنصيحة لكم قبل رفع القضية إلى المحكمة أن توسطوا أهل الخير والصلاح ليقوموا بنصح الأب ووعظه ، والإصلاح بينه وبين ولده ، فبذله للنفقة عن طيب نفسي بعيداً عن المحاكم أقرب إلى سلامة قلب الأب ورضاه عن ولده .
والنصيحة كذلك للابن أن يبحث عن عمل يستغني به عن نفقة والده – لاسيما وقد بلغ الابن مبلغ الرجال – ويحاول الجمع بين العمل والدراسة ، وهو أمر يسير ، قد فعله من قبل كثيرون ، ومن يستغن يغنه الله .
فإن تعذر ذلك وأصر الأب على موقفه ، فلا بأس في هذه الحال من رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليقوم بإلزام الأب بما يجب عليه شرعاً . وكلما كان الأمر أبعد عن المحاكم والخصومات كان أولى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تجب طاعة زوجها إذا أمرها بالعمل خارج البيت(28/200)
سؤال:
أسلمت قبل 15 سنة بعد أن سمعت عن حقوق المرأة في الإسلام .
وسؤالي هو :
يجب على الرجال أن ينفقوا على زوجاتهم ، والمرأة ليست ممنوعة من بعض الأشياء المعينة إذا أذن زوجها ، فكيف للمرأة أن تحمي نفسها من أن تُستغل من قبل زوجها ؟
مثلا يريد منها أن تعمل في تجارته وأن ترعى الأطفال وأن تنجب أطفالاً أكثر وأن أحضر الرضيع معي للعمل بعد الولادة بأسبوع ، تكون مسئوليتي بيع الأشياء في البقالة وتوصيل الولد الأكبر للحضانة والعمل معه وتجهيز وجبات الأكل في البيت وتنظيف البيت ، يساعدني أحياناً ولكن لا يعمل دون أن يذكرني بأن هذا عملي وواجب علي فعله .
هل أستطيع أن أرفض الخروج للعمل وأن أبقى في البيت وأن يقوم هو بالإنفاق علي ؟ أم يجب أن أطيع زوجي بما أنه لم يطلب مني أن أفعل شيئاً محرماً ؟
تعبت من محاولة إقناعه بأن مكاني في البيت وأنه يجب أن يراعي احتياجاتي ولكنه دائما غير راض عن عملها.
آسف على الإطالة ، ولكن هذه مشكلة عامة عند كثير من الأخوات وهي سلبهم حقوقهم التي أعطاهم الله إياها ؟.
الجواب:
الحمد لله
جعل الله تعالى القِوامة للرجل على المرأة لأمرين : إحداهما موهبة من الله والآخر مكتسب من قِبَل الرجل ، قال الله تعالى : ( الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .
وتفضيل الله تعالى جنس الرجل على جنس المرأة بالعقل والتدبير والقوة مما لا يُجادل فيه ، وهو الأمر الوهبي ، وأما الكسبي فهو نفقة الزوج على الزوجة وهو من الواجبات ، وهو دليل على قوامته عليها.
عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .
قال النووي رحمه الله : فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها ، وذلك ثابت بالإجماع . " شرح مسلم " ( 8 / 184 ) .
ومن أسباب وجوب النفقة على الزوج أن الزوجة محبوسة عن التكسب بسبب ما عليها من واجبات تجاه زوجها وأولادها وبيتها .
قال البخاري رحمه الله : وجوب النفقة على الأهل والعيال .
وروى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " البخاري (1426) ومسلم (1034) .
قال الحافظ ابن حجر :(28/201)
الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة ... ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج ، وانعقد الإجماع على الوجوب . " الفتح " ( 9 / 625 ) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله ربه ، وأن يحافظ على من ائتمنه الله عليه من الزوجة والأبناء ، ولا يحل له أن يحمِّل زوجته ما لا طاقة لها به ، وليس عليها العمل والنفقة على البيت وعليه ، بل النفقة واجبة عليه هو حتى لو كانت غنية .
ودور المرأة في بيتها دور عظيم فهي التي تقوم على حفظه والعناية به ، وتقوم بحق الزوج من تجهيز البيت من حيث النظافة والترتيب ، وعمل الطعام ، والقيام على الأبناء وغير ذلك من الأعمال الكثيرة والكبيرة .
ولا يجب على المرأة العمل خارج البيت وخاصة إذا كان في خروجها تعريض لها للخلطة بالأجانب والتفريط أو التقصير في واجبات المنزل والأبناء .
فالنفقة واجبة بالإجماع – كما سبق – على الزوج ، فعليه أن يعلم هذا ، وأن يجعل المرأة مصونة محفوظة في بيتها لتقوم بما أوجبه الله تعالى عليها .
وانظري جواب السؤال رقم ( 5591 ) .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نفقة المطلقة ... الحكم والكيفية ... العنوان
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
هل تستحق المطلقة نفقة؟ وكيف تحسب؟ وإلى متى ينفق عليها ؟
... السؤال
21/08/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
المطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى باتفاق العلماء، وأما المطلقة البائن التي لا سبيل إلى رجعتها إلا إذا تزوجت زواجا صحيحا من رجل آخر ثم طلقت من غير تحايل فقد اختلف العلماء في وجوب النفقة والسكنى لها، واختارالشيخ القرضاوي وجوب نفقة المطلقة على زوجها سواء أكان الطلاق رجعيا أم بائنا، وسواء أكانت المطلقة حاملا أم حائلا ( أي غير حامل)
وهذه النفقة تستحقها المرأة طوال فترة العدة، وتقدر النفقة على حسب قدرة الزوج المالية وحالة المرأة الاجتماعية والمادية أيضا.
فإذا انتهت فترة العدة فإن لم يكن للمطلقة طفل فلا شيء لها بعد ذلك، وإذا كان معها طفل فنفقة الطفل على أبيه، وأما نفقة الزوجة أثناء فترة الحضانة فعلى أبيه أيضا حتى تنتهي فترة الحضانة، ويرجع في ذلك إلى القوانين الشخصية لكل دولة.
يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :-
المطلوب من المطلق تجاه زوجته المطلقة هذه الأشياء :-(28/202)
الأمر الأول:-نفقة العدة وهذا من حق كل مطلقة.
الأمر الثاني:- المتعة، "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، والمتعة تركها القرآن للمعروف، أي ما يتعارف عليه أهل الخير والمعروف، وتختلف متعة المرأة من بلد إلى بلد، ومن زمان إلى زمان، ومن حال إلى حال، كما قال تعالى: "وَعَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه ... ".
الأمر الثالث:-أن يدفع لها مؤخر مهرها إذا كان لها مهر متأخر، يدفعه لها. انتهى .
ويقول الشيخ سيد سابق– من علماء الأزهر -– رحمه الله-( في كتابه فقه السنة ) في النفقة أثناء فترة الحضانة :-
أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع، لا تستحقها الأم ما دامت زوجة، أو معتدة؛ لأن لها نفقة الزوجية، أو نفقة العدة إذا كانت زوجة أو معتدة.
قال الله تعالى : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
أما بعد اقضاء العدة فإنها تستحق الأجرة كما تستحق أجرة الرضاع لقول الله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى).
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة من وقت حضانتها مثل المرضع تستأجر لرضاع الصغير. وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة على الأب تجب عليه أجرة المسكن، أو إعداده إذا لم يكن للأم مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير .
وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره إذا احتاجت إلى خادم وكان الأب موسرا، وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعلاج ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يستغني عنها.
وهذه الأجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها ، وتكون دينا في ذمة الأب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
والله أعلم .
هل تجب طاعة زوجها إذا أمرها بالعمل خارج البيت
سؤال:
أسلمت قبل 15 سنة بعد أن سمعت عن حقوق المرأة في الإسلام .
وسؤالي هو :
يجب على الرجال أن ينفقوا على زوجاتهم ، والمرأة ليست ممنوعة من بعض الأشياء المعينة إذا أذن زوجها ، فكيف للمرأة أن تحمي نفسها من أن تُستغل من قبل زوجها ؟
مثلا يريد منها أن تعمل في تجارته وأن ترعى الأطفال وأن تنجب أطفالاً أكثر وأن أحضر الرضيع معي للعمل بعد الولادة بأسبوع ، تكون مسئوليتي بيع الأشياء في البقالة وتوصيل الولد الأكبر للحضانة والعمل معه وتجهيز وجبات الأكل في البيت وتنظيف البيت ، يساعدني أحياناً ولكن لا يعمل دون أن يذكرني بأن هذا عملي وواجب علي فعله .(28/203)
هل أستطيع أن أرفض الخروج للعمل وأن أبقى في البيت وأن يقوم هو بالإنفاق علي ؟ أم يجب أن أطيع زوجي بما أنه لم يطلب مني أن أفعل شيئاً محرماً ؟
تعبت من محاولة إقناعه بأن مكاني في البيت وأنه يجب أن يراعي احتياجاتي ولكنه دائما غير راض عن عملها.
آسف على الإطالة ، ولكن هذه مشكلة عامة عند كثير من الأخوات وهي سلبهم حقوقهم التي أعطاهم الله إياها ؟.
الجواب:
الحمد لله
جعل الله تعالى القِوامة للرجل على المرأة لأمرين : إحداهما موهبة من الله والآخر مكتسب من قِبَل الرجل ، قال الله تعالى : ( الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .
وتفضيل الله تعالى جنس الرجل على جنس المرأة بالعقل والتدبير والقوة مما لا يُجادل فيه ، وهو الأمر الوهبي ، وأما الكسبي فهو نفقة الزوج على الزوجة وهو من الواجبات ، وهو دليل على قوامته عليها.
عن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .
قال النووي رحمه الله : فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها ، وذلك ثابت بالإجماع . " شرح مسلم " ( 8 / 184 ) .
ومن أسباب وجوب النفقة على الزوج أن الزوجة محبوسة عن التكسب بسبب ما عليها من واجبات تجاه زوجها وأولادها وبيتها .
قال البخاري رحمه الله : وجوب النفقة على الأهل والعيال .
وروى حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " البخاري (1426) ومسلم (1034) .
قال الحافظ ابن حجر :
الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة ... ومن جهة المعنى أنها محبوسة عن التكسب لحق الزوج ، وانعقد الإجماع على الوجوب . " الفتح " ( 9 / 625 ) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله ربه ، وأن يحافظ على من ائتمنه الله عليه من الزوجة والأبناء ، ولا يحل له أن يحمِّل زوجته ما لا طاقة لها به ، وليس عليها العمل والنفقة على البيت وعليه ، بل النفقة واجبة عليه هو حتى لو كانت غنية .
ودور المرأة في بيتها دور عظيم فهي التي تقوم على حفظه والعناية به ، وتقوم بحق الزوج من تجهيز البيت من حيث النظافة والترتيب ، وعمل الطعام ، والقيام على الأبناء وغير ذلك من الأعمال الكثيرة والكبيرة .
ولا يجب على المرأة العمل خارج البيت وخاصة إذا كان في خروجها تعريض لها للخلطة بالأجانب والتفريط أو التقصير في واجبات المنزل والأبناء .(28/204)
فالنفقة واجبة بالإجماع – كما سبق – على الزوج ، فعليه أن يعلم هذا ، وأن يجعل المرأة مصونة محفوظة في بيتها لتقوم بما أوجبه الله تعالى عليها .
وانظري جواب السؤال رقم ( 5591 ) .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
هل تتبرع المرأة بشيء من مالها بدون إذن زوجها؟
سؤال:
أريد أن أساعد أهلي أبي وأمي وإخوتي بالمال ، فأنا أعمل وعندي أموال كثيرة والحمد لله وأستطيع أن أساعدهم ، ولكن زوجي يمنعني من ذلك بشدة ، فماذا أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إذا كان أهلك فقراء (أبوك وأمك وإخوتك) وتستطيعين أن تنفقي عليهم فيجب عليك ذلك ، ولا يجوز لك أن تطيعي زوجك في ترك النفقة عليهم .
انظر السؤال رقم (44995) .
ثانياً :
إذا كانت نفقتك على أهلك من باب التبرع أي أنهم غير محتاجين لهذه الأموال منك وإنما تريدين أنت الإحسان إليهم وصلتهم بهذه الأموال ، فقد اختلف أهل العلم في حكم تبرع المرأة بشيء من مالها بدون إذن زوجها .
فذهب جمهور العلماء إلى أنه لا تمنع الزوجة من التبرع من مالها ، فلها أن تتصرف فيه كما شاءت دون إذن زوجها . واستدلوا بعدة أدلة ، منها :
1- ما ثبت أَنَّ أم المؤمنين مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً (أي جارية) وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ : أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي ؟ قَالَ : أَوَفَعَلْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ. قَالَ : أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ . رواه البخاري (2592) ومسلم (999) .
قال النووي :
فِيهِ : جَوَاز تَبَرُّع الْمَرْأَة بِمَالِهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا اهـ .
2- وروى البخاري (978) ومسلم (885)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلالٍ وَبِلالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ . وفي رواية : ( قَالَ : فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ ) .
قال الحافظ :
فِي هَذَا الْحَدِيث صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا اهـ .(28/205)
وقال النووي :
فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا وَلا يَتَوَقَّف ذَلِكَ عَلَى ثُلُث مَالهَا , هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور , وَقَالَ مَالِك : لا يَجُوز الزِّيَادَة عَلَى ثُلُث مَالهَا إِلا بِرِضَاءِ زَوْجهَا . وَدَلِيلنَا مِنْ الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلهُنَّ أَسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجهنَّ فِي ذَلِكَ أَمْ لا ؟ وَهَلْ هُوَ خَارِج مِنْ الثُّلُث أَمْ لا ؟ وَلَوْ اِخْتَلَفَ الْحُكْم بِذَلِكَ لَسَأَلَ اهـ .
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوجة لا تتبرع بشيء من مالها إلا بإذن زوجها واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ) رواه الإمام أحمد في مسنده (6643) وأبو داود (3547) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وحمل جمهور العلماء هذا الحديث إما على السفيهة التي لا تحسن التصرف في المال ، أو أن استئذان المرأة زوجها في ذلك على سبيل الاستحباب لا الوجوب وهو من حسن العشرة .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
عِنْد أَكْثَرِ الْفُقَهَاء هَذَا عَلَى مَعْنَى حُسْن الْعِشْرَة وَاسْتِطَابَة نَفْس الزَّوْج بِذَلِكَ , إِلا أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي غَيْر الرَّشِيدَة . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ , فَجَعَلَتْ الْمَرْأَة تُلْقِي الْقُرْط وَالْخَاتَم وَبِلال يَتَلَقَّاهَا بِكِسَائِهِ , وَهَذِهِ عَطِيَّة بِغَيْرِ إِذْن أَزْوَاجهنَّ اهـ .
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/414) :
"وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ، ولو كانت رشيدة . وقد اختلف في ذلك ، فقال الليث : لا يجوز ذلك مطلقا ، لا في الثلث ولا فيما دونه ، إلا في الشيء التافه ، وقال طاوس ومالك : إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث ، لا فيما فوقه ، فلا يجوز إلا بإذنه ، وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة ، فإن كانت سفيهة لم يجز . قال في الفتح : وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة" اهـ .
وعلى هذا فلا تمنع المرأة من التصدق بشيء من مالها ولو لم يرض زوجها .
والأحسن في هذا أن تستأذنه تطييبا لخاطره ، ودفعا لما قد يحدث في نفسه من كراهة لتصرف زوجته ، وعليه أن يأذن لها ولا يكون مانعاً لزوجته من فعل الخير والإحسان إلى الناس .
والله تعالى أعلم .
انظر السؤال رقم (21684) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مطالبة الزوجة بأجرة إرضاع ولدها ... العنوان(28/206)
هل للزوجة أثناء قيام الزوجية الحق في مطالبة زوجها بأجر على إرضاع ولدها منه؟ أم أن هذا واجب عليها لا تستحق عليه أجر؟ نرجو تفصيل القول في هذه المسألة.
... السؤال
05/07/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الراجح والمعتمد عند جمهور الفقهاء هو وجوب إرضاع الولد على الأم أثناء قيام الزوجية ؛ لقول الله تعالى: ( والوالدات يرضعن أولادهن) وهو أمر في صيغة الخبر، غير أن الإمام مالك رضي الله عنه، استثنى من هذا الوجوب المرأة الشريفة إذا كان العرف أن مثلها لا يرضع، فيجب على الأب استجار مرضعة لولده ما دام قادرا على ذلك ووجدت مرضعة له.
ومع ذلك فقد اختلفوا في استحقاق الزوجة الأجر على إرضاع ولدها، فقال البعض بأن لها ذلك ، وقال البعض بأن ليس لها أجر لأنه واجب عليها.
وقال آخرون بعدم استحقاقها الأجر، ولكن لها الحق في زيادة النفقة الواجبة لها بمقدار ما يتطلبه الإرضاع، وهذا هو الرأي المتوسط والراجح .
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان ـ أستاذ الشريعة بجامعة الإمام باليمن ـ في كتابه " المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية " :
إذا قلنا إن الوالد يتحمل مؤونة أو أجرة إرضاع ولده بأن يستأجر له مرضعة، فهل يتحمل ذلك إذ أرضعته والدته في حال قيام النكاح أو بعد الفرقة؟ وهل يصح للوالد أن يستأجرها لإرضاع ولده منها؟ اختلاف وتفصيل عند الفقهاء نوجزه في الآتي في مختلف المذاهب.
أولا: مذهب الحنفية:
عندهم لا تستحق الأم أجرة على إرضاع ولدها في حال قيام النكاح أو إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، سواء اتفقت مع الأب (أي مع أبي الولد وهو زوجها) على إرضاعه بالأجرة أو أرضعته بدون اتفاق، ثم طالبته بالأجرة، وعللوا ذلك بأن إرضاعه واجب عليها ديانة، ولا أجرة على القيام بما هو واجب ديانة.
أما المعتدة من طلاق بائن ، فكذلك لا تستحق أجرة على إرضاع ولدها لبقاء النكاح في بعض الأحكام، وعلى الرواية الأخرى تستحق أجرة على الرضاع لزوال النكاح. أما إذا انقضت عدتها من الفرقة البائنة، فإنها تستحق أجرة الرضاع لزوال النكاح.
أما إذا انقضت عدتها من الفرقة البائنة، فإنها تستحق أجرة الرضاع لزوال النكاح بالكلية، ونذكر فيما يلي بعض أقوال الحنفية الدالة على ما قلناه عنهم.
جاء في "الفتاوي الهندية" في فقه الحنفية : "وإن استأجرها وهي زوجته أو معتدته عن طلاق رجعي لترضع ولدها لم يجز. والمعتدة عن طلاق بائن أو طلقات ثلاث(28/207)
في رواية ابن زياد تستحق أجرة الرضاع وعليه الفتوى. وإن مضت عدتها فاستأجرها لإرضاع ولدها جاز.
ثانيا: مذهب المالكية:
جاء في "الشرح الصغير" للدردير : "وعلى الأم المتزوجة بأبي الرضيع أو الرجعية (أي المطلقة طلاقا رجعيا) إرضاع ولدها من ذلك الزوج بلا أجر تأخذه من الأب، إلا لعلو قدر بأن كانت من أشراف الناس الذين شأنهم إرضاع نسائهم أولادهن فلا يلزمها رضاع، فإن أرضعت فلها الأجرة في مال الولد إن كان له مال، وإلا فعلى الأب، كالبائن لا يلزمها إرضاع فإن أرضعت فلها الأجرة إلا أن لا يقبل الولد غيرها فيلزمها رضاعه للضرورة ولها الأجرة، أو إلا أن يعدم الأب بأن يفتقر أو يموت ولا مال للصبي، فيلزمها إرضاعه، وإذا لزمها استأجرت بمالها من يرضعه إن لم ترضعه بنفسها ولا رجوع لها على الأب أو الولد إذا أيسر.
ويفهم من هذا بالقول أن الأم لا تستحق الأجرة على إرضاع ولدها إلا في الحالات المذكورة، وأنها إذا وجب عليها إرضاع الولد، وعدم الأب لفقره أو موته ولا مال للولد، فعلى الأم أن ترضعه مجانا، فإن لم تستطع إرضاعه، فعليها أن تستأجر له من يرضعه من مالها ولا رجوع لها على الأب ولا على الولد بما دفعته من أجرة إرضاعه.
ثالثا: مذهب الشافعية:
عندهم تستحق الأم أجرة الرضاع ولزوجها أن يستأجرها لإرضاع ولده منها في حال قيام النكاح وبعده فقد قالوا:
أ: على الأم إرضاع ولدها اللبأ ـ وهو اللبن الموجود في الثدي عقب الولادة ـ ولها أن تأخذ الأجرة إن كان لمثله أجرة.
ب: وبعد إرضاعه اللبأ إن لم يوجد من ترضعه إلا الأم وجب عليها إرضاعه، ولها طلب الأجرة من ماله إن كان له مال، وإلا فممن تلزمه نفقته.
جـ: إذا وجدت مرضعة غير الأم ، جاز للزوج أن يستأجر زوجته لإرضاع ولده منها في حال قيام النكاح وبعده
رابعا: مذهب الحنابلة:
وعندهم يصح استئجار الزوج لزوجته لإرضاع ولده منها حال قيام النكاح وبعد زواله، وعللوا ذلك بأنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذا أذن فيه، فجاز من الزوج كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة وإنما امتنعت إجارة نفسها لأجنبي بغير إذنه لما فيه من تفويت حقه في الاستمتاع بها في بعض الأوقات؛ ولهذا جازت بإذنه، وإذا أستأجرها فقد أذن لها في إجارة نفسها فصح كما يصح من الأجنبي
خامسا: مذهب الزيدية:
وعندهم يجوز للزوجة طلب الأجرة على إرضاع ولدها من زوجها حال قيام النكاح، وتكون الأجرة من مال الولد، فإن لم يكن له مال فمن مال الأب.. ولا أجرة لها على إرضاع ولدها اللبأ ومدة هذا الرضاع ثلاثة أيام بعد الولادة، وعللوا ذلك بأن اللبأ ضروري للطفل ولا يقوم غيره مقامه، فيكون إرضاعه اللبأ واجبا عليها، ولا أجرة على أداء الواجب ، كما أن في قطع اللبأ عنه إضرار مؤكدا بالطفل، والأم ممنوعة(28/208)
من الإضرار قال تعالى: "لا تضار والدة بولدها" وقال بعضهم: تستحق الأجرة على إرضاع ولدها اللبأ ومن الواضح أنها إذا كانت تستحق الأجرة على إرضاع ولدها حال قيام النكاح فبعده أولى.
سادسا : مذهب الجعفرية:
وعندهم في إرضاع الأم ولدها واستحقاقها الأجرة على ذلك التفصيل الآتي:
أ: يجب على الأم إرضاع ولدها اللبأ وقيده بعضهم بمدة ثلاثة أيام من وقت ولادته وتستحق الأجرة عليه.
ب: ولأم الطفل المطالبة بأجرة إرضاعه إن أرضعته، كما أن للأب استئجارها إذا كانت بائنا. أما استئجارها حال قيام الزوجية فقد قيل لا يصح والوجه جواز ذلك.
جـ: وللأم أن ترضع طفلها بنفسها أو بغيرها ولها الأجرة.
د: والأجرة للأم على إرضاع ولدها من ماله إن كان للولد مال، إلا فعلى الوالد إن كان له مال، فإن لم يكن لأحدهما مال فإن الأم ترضعه ولا أجرة لها لوجوب الإرضاع عليها في هذه الحالة، كما يجب عليها الإنفاق عليه لو كان الأب معسرا.
سابعا: مذهب الظاهرية:
وعندهم يجب على الوالدة أن ترضع ولدها من زوجها حال قيام النكاح ولا أجرة لها على إرضاعه وإنما لها نفقتها وكسوتها كما كان لها ذلك قبل أن تلد ولدها . وإن كانت مطلقة طلاقا بائنا فلها على الرضيع الأجرة على إرضاعه
ثامنا قول شيخ الإسلام ابن تيمية:
عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إرضاع الطفل واجب على الأم بشرط أن تكون مع الزوج أي في حال قيام الزوجية ولا تستحق أجرة المثل زيادة على نفقتها وكسوتها؛ لأن الله تعالى قال " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" فلم يوجب لهن إلا الكسوة والنفقة بالمعروف ، وهو الواجب بالزوجية وما عساه أن يكون من زيادة خاصة للمرتضع ـ الرضيع ـ ما قال تعالى في الحامل " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" فدخلت نفقة الولد في نفقة أمه؛ لأنه يتغذى بها وكذلك المرتضع وتكون النفقة هنا واجبة بسببين حتى لو سقط الوجوب بأحدهما ثبت بالآخر كما لو نشرت وأرضعت ولدها، فلها النفقة للإرضاع لا للزوجية. فإذا كانت بائنا وأرضعت له ولده فإنها تستحق أجرها بلا ريب؛ لأن الله تعالى قال " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" وهذا الأجر هو النفقة والكسوة.
القول الراجح:
والراجح أن الولادة لا تستحق أجرة من زوجها على إرضاع ولدها منه حال قيام الزوجية وإنما لها النفقة بأنواعها بسبب الزوجية، ولكن إن احتاجت إلى زيادة نفقة لكونها ترضعه استحقت ذلك على أبي الطفل (زوجها) فقد جاء في المغني: "وإن أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده – أي حال قيام الزوجية – فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله تعالى: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ولأنها تستحق على قدر كفايتها، فإذا زادت حاجتها زادت نفقة كفايتها
اعتراض، ودفعه:(28/209)
وقد يعترض على ما رجحناه بأن يقال إذا كانت الزوجة تستحق النفقة والكسوة، سواء أرضعت أو لم ترضع، فلماذا أوجبت الآية الكريمة لها الرزق والكسوة إذا أرضعت بقوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" ألا يدل ذلك على استحقاقها أجرة الرضاع زيادة على استحقاقها النفقة بسبب الزوجية؟
والجواب : إن الزوجة تستحق النفقة والكسوة مقابل تمكينها زوجها من الاستمتاع بها ، فإذا اشتغلت بالإرضاع لم يكمل بالتمكين، فقد يتوهم متوهم أن النفقة تسقط بسبب الإرضاع، فأزالت هذه الآية ذلك التوهم إذا جاء فيها "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن" أي على الزوج رزقهن وكسوتهن في حال الرضاع؛ لأنه اشتغال في مصالح الزوج ؛ لأن الرضيع ولده ، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن نفقتها لا تسقط بهذا السفر.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل تنفق على والديها الفقراء بدون رضى زوجها ؟
سؤال:
والدي بحاجة إلى مساعدة مالية لأن راتبه ضعيف ليصرف على نفسه وعلى والدتي ، وأنا أعمل ووضعي المادي جيد جدا وأستطيع أن أصرف وأساعد والدي . لكن زوجي يمنعني من مساعدتهم ماديا بحجة أن لي إخواناً ذكوراً ، وهم المسؤولون عن مصروف والديهم وليست مسؤولية البنات . علما بأن إخواني الثلاثة أوضاعهم المادية مستورة ولكنهم لا يستطيعون أن ينفقوا على والديّ . ونحن أربع بنات وأنا الوحيدة التي تعمل وتستطيع مساعدة أهلي ولكن زوجي يمنعني بشدة . ماذا علي أن أعمل هل أطيع زوجي وأسمع كلامه ؟ أم أطيع أهلي وأساعدهم حتى لو كان هذا من دون علم زوجي ؟ أرجو منكم أن تنصحوني ، وهل يجب علي الزوجة إن كانت تريد أن تصرف على أهلها أن تستأذن زوجها في ذلك؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب على الولد المستطيع – ذكراً كان أم أنثى – أن ينفق على والديه الفقراء المحتاجين لما يكفيهم .
قال الله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء/23. ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما .
وقال ابن المنذر رحمه الله :
أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد اهـ .
ووجود إخوة لك لا يمنع وجوب نفقة الوالدين عليك لأن إخوتك لا يستطيعون أن ينفقوا على والديك كما ذكرت .
انظر : "المغني" (11/375-376)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاختيارات" ص 487 :(28/210)
وعلى الولد الموسر (أي الغني ) أن ينفق على أبيه المعسر (أي الفقير) وزوجة أبيه ، وعلى إخوته الصغار اهـ .
وعلى هذا فقول زوجك إن ذلك مسؤولية إخوانك الذكور ليس بصحيح .
وإذا كانت نفقتك عليهم واجبة فلا يجوز لك أن تطيعي زوجك في هذا لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : ( لا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) . رواه البخاري (4340) ومسلم (1840) .
ومع ذلك . . فعليك أن تتلطفي مع زوجك وتحاولي إقناعه بذلك ، وأن ذلك أمر فرضه الله عليك ، وأن عليه أن يعينك على بر الوالدين والإحسان إليهما .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
منع الزوجة من الخروج للعمل ... العنوان
هل يجب على الزوجة إذا أرادت أن تعمل استئذان زوجها في ذلك ؟ وهل يجوز له منعها متى شاء ؟ وهل يجوز أن تشترط عليه قبل العقد أن تعمل ؟ وهل يعتبر هذا شرطا واجب النفاذ؟ وهل يجوز للزوج الرجوع عن موافقته بعد العقد؟
وهل يجوز للزوج أن يشترط عليها المساعدة في نفقة البيت جراء موافقته لها بالعمل؟ وهل تكون شريكته في البيت إذا ساعدته في تكوينه؟ أم أن ذلك يذهب سدى؟ وهل يحق له منعها من العمل بقصد الإضرار بها؟ وهل يجوز لها الاستمرار في العمل بقصد الإضرار به؟
... السؤال
23/04/2005 ... التاريخ
مجمع الفقه الإسلامي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
العلاقة بين الزوجين تقوم أول ما تقوم على المودة والرحمة والعشرة بالمعروف قبل أن تقوم على الحقوق والواجبات، وعلى الزوج أن يوفر لزوجته المسكن والغذاء والكسوة والدواء بحسب قدرته ويساره بالمعروف .
وعلى الزوجة – وقد توفر لها ذلك – أن تنهض لمهمتها الأساسية من حسن التبعل لزوجها، وحسن إعداد بيت الزوجية ليكون المرفأ الذي يستريح فيه الزوج -بعد كده وعنائه- مع زوجته التي اختارها ليسكن إليها، وتسكن إليه.
وللزوجة أن تشترط على زوجها مزاولة عمل لائق بالمرأة قبل العقد، فإن قبل فعليه الوفاء إلا إذا أضر عملها بمهمتها الرئيسة فله منعها ساعتئذ.
وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة عشرة هذا الموضوع ، وخرج بهذا القرار:-(28/211)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته السادسة عشرة بدبي ( دولة الإمارات العربية المتحدة ) من 30 صفر إلى 5 ربيع الأول 1426هـ ، الموافق 9 – 14 نيسان ( أبريل ) 2005م ،
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع اختلافات الزوج والزوجة الموظفة ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ،
قرر ما يأتي :
أولاً : انفصال الذمة المالية بين الزوجين :
للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة ، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع بما تكسبه من عملها ، ولها ثرواتها الخاصة ، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك ولا سلطان للزوج على مالها ، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها .
ثانياً : النفقة الزوجية :
تستحق الزوجة النفقة الكاملة المقررة بالمعروف ، وبحسب سعة الزوج وبما يتناسب مع الأعراف الصحيحة والتقاليد الاجتماعية المقبولة شرعاً ، ولا تسقط هذه النفقة إلا بالنشوز .
ثالثاً : عمل الزوجة خارج البيت :
(1) من المسؤوليات الأساسية للزوجة رعاية الأسرة وتربية النشء والعناية بجيل المستقبل ، ويحق لها عند الحاجة أن تمارس خارج البيت الأعمال التي تتناسب مع طبيعتها واختصاصها بمقتضى الأعراف المقبولة شرعاً مع طبيعتها واختصاصها بشرط الالتزام بالأحكام الدينية ، والآداب الشرعية ، ومراعاة مسؤوليتها الأساسية .
(2) إن خروج الزوجة للعمل لا يسقط نفقتها الواجبة على الزوج المقررة شرعاً ، وفق الضوابط الشرعية ، ما لم يتحقق في ذلك الخروج معنى النشوز المُسقط للنفقة .
رابعاً : مشاركة الزوجة في نفقات الأسرة :
(1) لا يجب على الزوجة شرعاً المشاركة في النفقات الواجبة على الزوج ابتداء ، ولا يجوز إلزامها بذلك .
(2) تطوع الزوجة بالمشاركة في نفقات الأسرة أمر مندوب إليه شرعاً لما يترتب عليه من تحقيق معنى التعاون والتآزر والتآلف بين الزوجين .
(3) يجوز أن يتم تفاهم الزوجين واتفاقهما الرضائي على مصير الراتب أو الأجر الذي تكسبه الزوجة .
(4) إذا ترتب على خروج الزوجة للعمل نفقات إضافية تخصها فإنها تتحمل تلك النفقات .
خامساً : اشتراط العمل :
(1) يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن تعمل خارج البيت فإن رضى الزوج بذلك ألزم به ، ويكون الاشتراط عند العقد صراحة .
(2) يجوز للزوج أن يطلب من الزوجة ترك العمل بعد إذنه به إذا كان الترك في مصلحة الأسرة والأولاد .(28/212)
(3) لا يجوز شرعاً ربط الإذن ( أو الاشتراط ) للزوجة بالعمل خارج البيت مقابل الاشتراك في النفقات الواجبة على الزوج ابتداء أو إعطائه جزءاً من راتبها وكسبها .
(4) ليس للزوج أن يُجبر الزوجة على العمل خارج البيت .
سادساً : اشتراك الزوجة في التملّك :
إذا أسهمت الزوجة فعلياً من مالها أو كسب عملها في تملك مسكن أو عقار أو مشروع تجاري فإن لها الحق في الاشتراك في ملكية ذلك المسكن أو المشروع بنسبة المال الذي أسهمت به .
سابعاً : إساءة استعمال الحق في مجال العمل :
(1) للزواج حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين ، وهي محددة شرعاً وينبغي أن تقوم العلاقة بين الزوجين على العدل والتكافل والتناصر والتراحم ، والخروج عليها تعدٍ محرم شرعاً .
(2) لا يجوز للزوج أن يسيء استعمال الحق بمنع الزوجة من العمل أو مطالبتها بتركه إذا كان بقصد الإضرار ، أو ترتب على ذلك مفسدة وضرر يربو على المصلحة المرتجاة .
ينطبق هذا على الزوجة إذا قصدت من البقاء في عملها الإضرار بالزوج أو الأسرة أو ترتب على عملها ضرر يربو على المصلحة المرتجاة منه .
والله أعلم .
هل تجب نفقة الابن على أبيه ولو كان غنياً
سؤال:
والد زوجي ساعد زوجي في الزواج ، ثم سافر زوجي للعمل في إحدى دول الخليج ، ولأن عليه ديوناً كثيرة يريد سدادها لم يرسل لوالده نقوداً .
الآن يطالبه والده بالنقود التي أنفقها على زواجه ، مع أن والد زوجي طبيب ودخله جيد بما فيه الكفاية .
سؤالي :
أليس من الواجب على الأب أن يزوج ابنه ، وما هو الواجب عمله في مثل هذه الظروف ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الوالد ملزم بتزويج ابنه إذا كان الوالد غنياً والابن فقيراً لا يستطيع الزواج ؛ لان الزواج من النفقة الواجبة لقوله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة / 233 ، فيجب على الأب أن يزوج أبناءه إذا كان مستطيعاً وهم لا قدرة لهم ، وأن ينفق عليهم فيما يتعلق بالطعام والشراب والدراسة ونحو ذلك لان النفقة واجبه على الأب .
ثانياً :(28/213)
لا يجب على الابن أن يُنفق على أبيه إلا إذا توفر شرطان :
1- أن يكون الولد غنيا . ( بأن يكون عنده ما يحتاج وزيادة )
2- أن يكون الأب فقيرا .
فإذا توفر هذان الشرطان فإنه يجب عليه أن ينفق على والده ؛ وهنا ذكرت السائلة أن والد زوجها طبيب وان دخله جيد ؛ فإذا كان كذلك فإنه لا يجب عليه أن ينفق عليه ، ولكن إذا طلب الوالد من ولده شيئا حتى لو كان غنياً ؛ وكان الابن لا يحتاج إلى هذا المال ولا يتضرر بإعطاء والده ؛ فإنه يعطي أباه لئلا يكون عاقاً لأبيه ؛ وأما إن كان الابن محتاجاً للمال فلا يلزمه أن يعطي والده ، وليبين لوالده ما يمرّ به من أزمة مالية ، وأنه بعد سداد ديونه واستقراره المادي فإن سيقوم بإرسال المال لوالده بقدر استطاعته ( ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الحقوق المتبادلة بين الأم وأولادها ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
لدي بعض الأسئلة عن الوالدين
ما حق الأم علي ؟
ما حقي على أمي ؟
ما الأشياء التي يمكن أن أعملها (المباحة طبعاً) دون أن يكون لأمي الحق من منعي ؟
متى يكون للأب القرار الأخير في الموضوع ؟
أنا أحب أمي جدا جدا وهي تريد حمايتي حتى أنني أشعر بعض الأحيان بأنني مقيد ، أعلم بأنها تفعل هذا من فرط حبها لي فكيف أخبرها بأنني أريد بعض الحرية في اختياراتي في الحياة ؟.
وجزاكم الله خيرا
... السؤال
21/03/2005 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
للأم فضل عظيم على الإنسان ، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن تحث الإنسان على البر بالأم خاصة وبالوالدين عامة ، ولو حدث سوء فهم فيمكن معالجته بهدوء مع التزام الأدب في حضرة الوالدين .
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :
للأم على ولدها حقوق كثيرة وكبيرة لا يحصيها المحصي ولكن نذكر منها :
أ - حبها وتوقيرها في النفس والقلب ما استطاع لأنها أحق الناس بحسن صحبته .(28/214)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك " . رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .
فهي التي جعلت بطنها لك وعاء وثديها لك سقاء ، فحبها لازم ولا بد ، والفطرة تدعو إليه ، بل إن حب الأولاد لأمهاتهم وحب الأمهات لأولادها فطر الله عليه البهائم والدواب ، فبنو البشر أولى بذلك والمسلمون أولى بذلك كله .
ب - الرعاية والقيام على شؤونها إن احتاجت إلى ذلك بل إن هذا ديْن في عنق ولدها . أليست قد رعته طفلاً صغيراً وسهرت عليه وكانت تصبر على أذاه .
قال تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً } ( الأحقاف / 15 ) . بل إن ذلك قد يقدّم على الجهاد إن تعارض معه .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحيٌّ والداك ؟ قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد . رواه البخاري ( 2842 ) ومسلم ( 2549 ) .
ت -عدم الأذية وإسماعها ما تكره من القول أو الفعل .
قال تعالى : { فلا تقل لهما أفٍ } ( الإسراء / 23 ) .
فإذا كان الله تعالى حرَّم قول " أف " للوالدين : فكيف بمن يضربهما ؟!! .
ث - النفقة عليها إن أعوزت ولم يكن لها زوج ينفق عليها أو كان زوجها معسراً بل إن النفقة عليها وإطعامها عند الصالحين أحب إليهم من أن يطعموا أبناءهم .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خرج ثلاثة يمشون فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة قال فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه فقال أحدهم اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب فآتي به أبوي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي فاحتبست ليلة فجئت فإذا هما نائمان قال فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون (( يبكون بصوت عالِ )) عند رجلي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء قال ففرج عنهم ... . " . رواه البخاري ( 2102 ) ومسلم ( 2743 ).
ج - الطاعة والائتمار بأمرها إن أمرت بمعروف ، أما إن أمرت بشرٍّ كالشرك : فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
قال تعالى :{ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } ( لقمان / 15 ) .
ح - أما بعد موتها فيسن قضاء ما عليها من كفارات والتصدق عنها والحج أو الاعتمار عنها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال :(28/215)
نعم حجي عنها ، أرأيتِ لو كان على أمك ديْن أكنتِ قاضيته ، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء". رواه البخاري ( 1754 ) .
خ - وكذلك بعد موتها يسنّ برها بصلة من كانت تصله وتحترمه كأقاربها وأصدقائها .
عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ ". رواه مسلم ( 2552 ) .
أما الواجبات على الأم فهي كثيرة أيضا نذكر منها:
أ - القيام على شأنك وأنت طفل وإرضاعك وحضانتك وهذا معلوم من فطرة الناس وهو متواتر عنهم من بدء الخليقة .
قال تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ... .. } (البقرة / 233 ) .
ب - أن تربيك تربيةً صالحةً وهي مسؤولة عنك يوم القيامة أمام الله لأنك من رعيتها وهي راعيتك .
عن عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته". رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
ما يحل صنعه دون تدخل الأم:
: ليس لها الحق في اختيار ما تحب من المباحات التي لا سلطة لها عليك بها كالطعام والشراب والملبس والمركب ونحو ذلك .
وكذلك باختيارك الزوجة التي تريد ـ إن كانت صالحة ـ ما دام أنك لم تعصِ الله في ذلك كله ، ومع ذلك فيُشرع لك أن ترضيها حتى في اختيار الزوجة إذا أشارت عليك بأمر ليس فيه ضرر عليك .
وأما التدخل في شؤونك من جهة خروجك ودخولك المنزل أو السهر في الليل مع الرفقة الذين تصحبهم : فيجب على الوالدين كليهما أن يراقبا أولادهما في ذلك ليضبطوا الأمر ولا يضيع الأولاد مع رفقة السوء ، فإن أكثر ما سبّب للشباب الفساد رفقة السوء ، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . رواه الترمذي ( 2387 ) وأبو داود ( 4833 ) .
والحديث حسَّنه الترمذي وصححه النووي كما في " تحفة الأحوذي " ( 7 / 42 ) .
وكذلك يراقبان ولدهما في وقت رجوعه إلى البيت وإلى أين يخرج لأنه لا يجوز لهما أن يتركا الحبل على غاربه للولد خصوصا إذا لم يكن صاحب استقامة .
وينبغي عليك أن تراعي منزلتهما وتوقيرهما وأخذهما بالصحبة الحسنة حتى وإن ضيقا عليك فيما أباح الله لك ، فإنه أمرنا أن نصحب آباءنا بالصحبة الحسنة حتى ولو كانوا كفاراً يدعوننا إلى الشرك فكيف وهما لا يدعوننا إلا إلى شيء يظنان كل الظن أن الخير لنا فيه وإن كان في بعض ما يأمران به تضييق عليك في بعض ما(28/216)
يباح لك . فالأحسن أن تطيعهما وأن تصنع ما يريدان وتنزل عند رغبتها وإن كان لا يجب عليك ولكن من باب التضحية والإيثار فإنهما أحق من يحسن إليهما وقد جعل الله تعالى طاعة الوالدين بعد عبادته مباشرة كما ذكر في كتابه وذلك بيانا لمنزلة بر الوالدين .
تدخل الأب:
يكون للأب القرار الأخير في كل ما هو داخل في مسئوليته تجاهك فهو الذي يقرر مثلا في أيّ مدرسة يدرس ولده الذي تحت نفقته وكذلك يكون للأب القرار في كل تصرّف يتعلّق بملكه مثل استعمالك لسيارته وأخذك من ماله وهكذا .
وأما الولد الكبير المستقل بنفسه ونفقته فإنّه يقرر لنفسه ما يريد مما أباحه الله ويُشرع له إرضاء أبيه ما لم يتعارض ذلك مع طاعة الله وعلى الولد أن يستمر في توقير أبيه مهما بلغ الولد من العمر وذلك من باب البر وحسن العشرة ، فقد روي عن ابن عمر أنه قال : " ما رقيت سطح منزل أبي تحته " .
وكذلك إذا أمر الأب ولده بمعروف أو بترك المباح فيُطاع ما لم يكن ضرر على الولد .
علاج الخلاف:
أما كيف تخبر أمك برغبتك في مزيد من الحرية فإنّ ذلك يكون بالقول والعمل .
أ - أما العمل : فيكون بعد أن تثبت عملا وواقعا لأمك بأنك لم تعد الصبي الذي تعهد وأنك أصبحت رجلاً قادراً على تحمل المسئولية وتتصرف أمامها تصرف الرجال في مواقفك فإن هي رأت منك ذلك مرارا فستثق بك وسيستقيم أمرك عندها ويكبر مقامك في نفس أمك .
ب - أما القول : فيكون بالحجة الواضحة والمناقشة الهادئة والقول اللين وضرب الأمثلة على مواقفك السليمة الصحيحة ، ولعل الله تعالى أن يشرح صدرها لتعاملك معاملة الرجل البالغ العاقل الراشد السوي ما دمت كذلك .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل يلزم الزوج نفقة حج زوجته
سؤال:
هل يجب على المسلم أن يرسل زوجته للحج إذا كان يملك من المال ما يكفي لذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجب على الزوج أن يتحمل عن زوجته نفقة الحج ولو كان غنياً ، وإنما ذلك مستحب يؤجر عليه ولا يأثم بتركه .
إذ لم يوجب ذلك كتاب ولا سنة ، والزوجة جعل الإسلام لها المهر حقّاً خالصاً لها ، وأباح لها التصرف في مالها .
وإنما أوجب الشرع على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف ، ولم يوجب عليه قضاء ديْنها ، ولا دفع الزكاة عنها ، ولا دفع ما تتكلفه في الحج وغيره .(28/217)
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين : هل يؤجر الزوج إذا وكل من يحج عن زوجته وقد توفيت ولم تحج ... ... .. ؟ .
فقال : الأفضل أن يقوم هو بالحج عنها من أجل أن يقوم بالنسك على الوجه الأكمل الذي يحب ... .. ثم قال : أما الوجوب فلا يجب عليه .
" اللقاء الشهري " ( 34 ) رقم السؤال ( 579 ) .
فما دام أنه لا يجب القضاء عنها بعد موتها فكذلك لا يجب عليه حجها في حياتها .
هذا من حيث الوجوب ، أما من حيث البر بها والعشرة بالمعروف : فإنه إن فعل فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، ويكتب الله تعالى له أجر حجها .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يجب على الزوج نفقة زوجته في حالة أن يتعمد إفساد حجها كمن أكرهها على الجماع قبل التحلل الأول – مثلاً - .
قال الشيخ عبد الكريم زيدان :
وليس من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحمل نفقة حجها ، أو يشاركها في هذه النفقة .
" المفصل في أحكام المرأة " ( 2 / 177 ) .
وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه المسألة بعينها فأجاب : أنه لا يجب على الزوج دفع نفقات حج زوجته . هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فإن كان عندها من الأموال ما يكفيها للحج وجب عليها الحج ، وإن لم يكن عندها لم يجب عليها الحج .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الاستفادة من مال الأب المرابي
سؤال:
أنا شاب مسلم والحمد لله ، أبي لديه مبلغ من المال وقد سمع فتوى الشيخ طنطاوي بتحليل فوائد البنك ووضع أمواله في البنك وبدأ يأخذ الفوائد ، وأنا مقتنع أن هذه الفوائد حرام ، وحاولت كثيراً إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة ولكن دون جدوى .
فهل علي وعلى إخوتي وأمي أي ذنب حيث أني قد استحلفت أبي قبل ذلك ألا ينفق علينا من هذا المال الذي هو من الفوائد ؟ وماذا يجب علينا أن نفعل ؟ وإذا عاد إلينا هذا المال ماذا يجب أن نفعل ؟ لقد رزقني الله بعمل في السعودية وقد دفع لي أبي تكاليف السفر ولا أعلم هل هذا المال من الفوائد أم لا ؟ فهل ما يرزقني به الله من هذا العمل حرام أم لا ؟ نرجو الإفادة .
الجواب:
الحمد لله
ليس على أولاد المرابي إثم إذا أكلوا من ماله الربوي البحت أو لبسوا منه أو سافروا به إذا لم يوجد لهم طريق آخر يتكسبون منه ، وعليهم نصح والدهم بالطريق التي يغلب على ظنهم نفعها ، فإذا تيسرت طرق أخرى للكسب أو لم يتحاجوا إلى هذا المال في ضروريات حياتها : وجب عليهم الاستغناء عنه .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :(28/218)
إذا كان مكسب الوالد حراماً ، فإن الواجب نصحه ، فإما أن تقوموا بنصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً ، أو تستعينوا بأهل العلم ممن يمكنهم إقناعه أو بأصحابه لعلهم يقنعونه حتى يتجنب هذا الكسب الحرام ، فإذا لم يتيسر ذلك فلكم أن تأكلوا بقدر الحاجة ولا إثم عليكم في هذه الحالة ، لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم للشبهة في جواز الأكل ممن كسبه حرام . ( فتاوى إسلامية 3/452 ) .
وإذا مات الوالد المرابي وجب على ورثته التخلص من المال الربوي بإرجاعه إلى أهله إن عرفوهم وإلا فعليهم التخلص منه بتوزيعه في المصارف العامة والخاصة ، فإن تعسر عليهم تحديد المبلغ الربوي في مال والدهم : قسموه نصفين فيأخذون النصف ويوزعون النصف الآخر .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مرابٍ خلف مالاً وولداً ، وهو يعلم بحاله ، فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث أم لا ؟
فأجاب : أما القدْر الذي يعلم الولد أنه ربا : فيخرجه ، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن ، وإلا تصدق به ، والباقي لا يحرم عليه ، لكن القدْر المشتبه يستحب له تركه إذا لم يجب صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال ، وإن كان الأب قبضه بالمعاملات الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء ، جاز للوارث الانتفاع به ، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما ، جعل ذلك نصفين . ( مجموع الفتاوى 29/307) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
إخراج زكاة الفطر عن الزوجة الناشز ... العنوان
هل يجب على الزَّوج أن يُخرج زكاة الفِطر عن زوجتِه الناشِز ؟ ... السؤال
26/10/2005 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فزكاة الفطر تابعة للنفقة، فكل من تجب له النفقة يجب إخراج زكاة الفطر عنه، والزوجة الناشز يسقط حقها في النفقة مادام النشوز قائما، وعلى هذا إذا استمر نشوز الزوجة إلى وقت وجوب زكاة الفطر، فلا يجب على الزوج أن يخرج الزكاة عن زوجته الناشز، ويجب على الزوجة الناشز أن تخرج الزكاة عن نفسها.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا-:
فقد قال جمهور الفقهاء : إن الزّوج يجب عليه أن يُخرج زكاة الفطر عن نفسِه وعمّن تجِب عليه نفقتهم ، ومنهم الزوجة ما دامت الزّوجيّة قائمة حقيقة أو حكمًا كالمُطلقة، وأبو حنيفة لا يوجِب هذه الزكاة على الزّوج، فهي التي تُخرج زكاتَها، لكن لو تبرّع هو بإخراجها عنها أجزأَتْ ولو كان ذلك بغَير إذْنِها .(28/219)
فإذا لم تكن الزّوجيّة قائمة بسبب الموت أو الفِراق فللنفقة أحكام مذكورة في مواضِعِها، لكن النّفقة تسقط بالنُّشُوز، الذي يتحقّق بأحد أمرين، امتناعها عن تمتُّع الزَّوج بها، وخروجها من منزل الزَّوجيّة بغير إذنه وبغير ضرورة .
وزكاة الفطر تابعة للنفقة وفي وجوبها خلاف فقد تجِب النفقة ولا تجب الزكاة لكنْ إذا سَقطتْ سَقطَتْ زكاة الفِطر إذا كان النُّشوز في وقت وجوب الزكاة، وهو آخر ليلة من رمضان أو أوّل يوم من شوال. وعلى الزوجة أن تُخرِج زكاتها هي عن نفسِها حينئذٍ.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تصرف الزوجة في مالها بدون علم زوجها
سؤال:
أختي تعمل في السعودية وتريد أن تستثمر جزءاً من راتبها في مشروع على أن هذا المال مالي أنا وتعطيني الربح ولها رأس المال على أساس أني اقترضت منها هذا المال واستثمرته ولكن بدون علم زوجها ، فهل هناك حرمة عليها أو علي ؟ نرجو الإفادة ..
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على أختك أن تعطيك مالاً قرضاً تستثمره وتستفيد من ناتجه على أن يبقى رأس المال لأختك ، لكن لو أرادت أختك أن تشاركك في الربح مع الحفاظ على رأس المال فلا يجوز ، لأن هذا يكون من باب " كل قرض جر نفعاً فهو ربا " ، ولا يشترط علم زوجها بإعطائك المال ، لأن المال مالها ولا يحل له منه شيء إلا عن طيب نفس منها ، قال تعالى : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ) النساء/4 ، لكن من باب العشرة بالمعروف ولكون الرجل أكثر خبرة وحنكة في أمور التجارة فإننا ننصح أن يكون الزوج على علم بما تفعله الزوجة من التصرف بمالها .
قال الشيخ عبد الله الجبرين :
تملك الزوجة مالها ، ولها حق التصرف فيه ، فتهدي منه وتتصدق وتبرئ غريمها ، وتتنازل عن حق لها كدين وميراث لمن تشاء من قريب أو من بعيد ، وليس لزوجها حق الاعتراض عليها إذا كانت رشيدة عاقلة ، ولا يملك زوجها حق التصرف في مالها إلا برضاها . ( فتاوى المرأة المسلمة 2/674 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز قضاء دين الولد المحتاج وعنده أولاد آخرون
سؤال:
اعرف أن العدل بين الأولاد واجب ولكن أحد أولادي فقير وعليه ديون ، هل يجوز أن أقضي بعض ديونه من أموالي ؟.(28/220)
الجواب:
الحمد لله
يجب العدل بين الأولاد انظر سؤال رقم 22169
ويجب العدل بين الأولاد في الهبة ويحرم التخصيص أو التفضيل ما لم يكن ثِمّ سبب موجب لذلك .
فإن كان هناك ما يدعو إلى التفضيل أو التخصيص فلا بأس كأن يكون أحدهم مريضاً أو أعمى أو زمناً ( ذو عاهة ) ، أو كان ذا أسرة كبيرة أو طالب علم ونحو ذلك من الأسباب فلا بأس بتفضيله لشيء من هذه المقاصد .
وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد بقوله _ في تخصيص بعضهم بالوقف _ : لا بأس إذا كان لحاجة ، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( والحديث والآثار تدل على وجوب العدل ... ثم هنا نوعان :
1- نوع يحتاجون إليه من النفقة في الصحة ، والمرض ، ونحو ذلك ، فالعدل فيه أن يُعطي كل واحد ما يحتاج إليه ، ولا فرق بين محتاج قليل أو كثير .
2- ونوع تشترك حاجتهم إليه ، من عطية أو نفقة أو تزويج فهذا لا ريب في تحريم التفاضل فيه .
وينشأ من بينهما نوع ثالث ، وهو أن ينفرد أحدهم بحاجة غير معتادة ، مثل أن يقضي عن أحدهم ديناً وجب عليه من أرش جناية ( وهي عقوبة مالية تدفع مقابل كل جناية بدنية ) أو يعطي عنه المهر ، أو يعطيه نفقة الزوجة ، ونحو ذلك ، ففي وجوب إعطاء الآخر مثل ذلك نظر ) ا.هـ من " الاختيارات .
تسير العلام شرح عمدة الأحكام ص 767
ـــــــــــــــــــ
ما هو الحد الذي ينتهي به وجوب النفقة على الأولاد ؟
سؤال:
ما حكم النفقة على الأبناء ، وما هو الحد الذي تنتهي عنده النفقة ؟.
الجواب:
الحمد لله
وبعد : فقد اتفق العلماء على أن الوالد تجب عليه نفقة أولاده الصغار الذين لا مال لهم حتى يبلغوا الحلم.
قال ابن المنذر رحمه الله : " وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةَ أَوْلادِهِ الأَطْفَالِ الَّذِينَ لا مَالَ لَهُمْ . وَلأَنَّ وَلَدَ الإِنْسَانِ بَعْضُهُ , وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ , فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ كَذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِه " المغني ( 8/171 )
والأَصْلُ فِي وُجُوبِ النَفَقَةِ على الولد الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ :
أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } الطلاق /6. فأَوْجَبَ أَجْرَ رَضَاعِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ , وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } البقرة/233 .(28/221)
وَمِنْ السُّنَّةِ { قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } . البخاري (5364 ) ومسلم (1714 ) .
وأما الإجماع فقد تقدمت حكايته .
واتفقوا على أن الوالد يلزمه نفقة أبنائه العجزة من الذكور والإناث حتى يستغنوا كبارا كانوا أو صغارا .
واتفقوا على أن الوالد لا تلزمه نفقة ولده الذي له مال يستغني به ولو كان هذا الولد صغيرا .
واتفقوا على أن الوالد لا تلزمه نفقة ابنه الذكر إذا بلغ الحلم وكان قادرا على التكسب .
واختلفوا في لزوم النفقة على الوالد لابنه البالغ الفقير القادر على الكسب ، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته ، لقدرته على الكسب .
وذهب بعضهم إلى أن الوالد يجب عليه نفقة ولده البالغ الفقير ولو كان قادرا على الكسب مستدلين بقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ : " خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ " لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا وَلا صَحِيحًا .
وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فَقِيرٌ , فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ عَلَى وَالِدِهِ الْغَنِيِّ , كَمَا لَوْ كَانَ زَمِنًا أَوْ مَكْفُوفًا "
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن والد غني وله ولد معسر فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر ؟
فأجاب رحمه اللهُ : نَعَمْ . عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَالْوَالِدُ مُوسِرًا . إ .هـ مختصراً من الفتاوى الكبرى (3 / 363 ) ومجموع الفتاوى (34 /105 ) .
واختلفوا أيضا في البنت التي بلغت الحلم هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا ؟
فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج .وهو الأقرب والله أعلم لعجزها عن الكسب .
هذا مجمل ما يفهم من كلام العلماء ، وتجد بعض نصوصهم مع ذكر أدلتهم التي استدلوا بها في الكتب التالية :
الحنفية :(َ في المبسوط 5 /223 ) ، المالكية : (في المدونة ( 2 /263 ) وانظر تبيين المسالك شرح تدريب السالك (3 / 244 ) ،الشافعية : (ُّ في الأم 8 /340 ) ،الحنابلة :
(في المغني : ( 8/171 ).
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
هل للوالدين حق في مال البنت المتزوجة
سؤال:
هل مال البنت يعود لوالديها كمال الولد؟ وهل يجب عليها أن تنفق على والديها بنفس الطريقة؟(28/222)
العديد من الناس يعتقدون بأنه بمجرد أن تتزوج الفتاة، فإنه لا يجب عليها أن تنفق على والديها إذا كان اخوتها يستطيعون الإنفاق عليهما. وهل للزوج حق في مال زوجته؟ ليس ليصرف على نفسه، لكن ليكون ذلك للزوجة تنفقه حيثما شاءت، وإذا رأى الزوج أن مال زوجته يجب ألا يصرف على والديها، فهل للزوجة أن تطيع زوجها في ذلك ؟
وإذا كان الوالدان فقيرين ولم يكن عند الزوجة مال يخصها، فهل على زوجها أن ينفق عليهما، حيث أنه يجوز لهما أخذ الزكاة من ابنتهما، لكن لا يجوز ذلك من الزوج لوالديه، لأنه يجب عليه أن ينفق على والديه؟.
الجواب:
الحمد لله
الأولاد اسم يعمّ الذكور والإناث ، والوالد له حقّ التصرف بأموال أولاده لقوله عليه الصلاة والسلام : " أنت ومالك لأبيك " ، فإذا أراد الوالد أن يأخذ من أموالهم فله ذلك على أن لا يكون فيه ضررٌ عليهم ، ولا يجوز أن يأخذ من مال أحدهم ويعطيه الآخر .
وإذا افتقر الوالدان وعند البنت مال زائد عن حاجتها فيلزمها أن تنفق على والديها قدر حاجتهما دون أن تنقص من حاجاتها . ونفقة المرأة على زوجها ، فيجب على الزوج أن يقوم بنفقتها الواجبة . وفي حالة إذا كان لها وظيفة فمالها لها ، ويختص بها ، إلا إذا اشترط الزوج الحصول على المال أو بعضه مقابل الخروج من البيت وفوات شيء من حقه ، وإذا توفر لها المال فتحتفظ به لحاجتها أو لحاجة أولادها أو والديها .
وإذا كان معها اخوة ذكور وإناث وقام أحدهم بالنفقة على الوالدين سقط ذلك الواجب عن الباقين وله الأجر أو أن يتفق الجميع على كل منهم مبلغ معين .
وأما زوج المرأة فلا يلزمه أن ينفق على والديها إلا من زكاة أمواله ، أما هي فلا تنفق عليهم من مال الزكاة لأنه واجب عليها فتعطيهم من غير مال الزكاة .
الشيخ عبد الله بن جبرين .
ـــــــــــــــــــ
هل تطلق الزوجة لعدم إنفاق الزوج ؟ ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هل يفرق بين الزوج زوجته في حالة إعساره، وعدم استطاعته النفقة؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
14/03/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... ،بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اختلف الفقهاء في فسخ عقد الزوجية بين الزوجة وزوجها المعسر، وما عليه الجمهور في حال تضرر الزوجة، هو إمهال الزوج فترة مناسبة من الزمن حتى تتحسن حالته، أو يفسخ العقد بينهما.(28/223)
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر - رحمه الله - :
جاء في كتاب "الفروق" للقرافي المالكي : المعسر يُفسخ عليه نِكاحه بطَلاق، في حق من ثبت لها الإنفاق، وقال أبو حنيفة لا يطلق عليه بالإعسار؛ لأن الله تعالى يقول في إنظار المعسر بالدَّين: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (البقرة: 280) فهاهنا أولى؛ لأن بقاء الزوجية مطلوب لصاحب الشرع، وقياسًا على النفقة في الزمان الماضي، فإنه لا يطلق بها إجماعًا، ولأن عجزه عن نفقة أم ولده لا يوجب بيعها ولا خروجها عن ملكه، فكذلك الزوجة.
واشترط الشافعية ثبوت الإعسار قبل الحكم بالفسخ فإذا أعسر الزوج فلا فسخ قبل ثبوت إعساره، بإقراره أو بينة عند قاضٍ، فيمهله ـ ولو بدون طلبه ـ ثلاثة ليتحقق إعساره .
وإذا أثبت القاضي إعسار الزوج أمهله ـ وإن لم يستمهله ـ ثلاثة أيام ليتحقق العجز، وإن لم يُرج فيها يسار، فإذا مضت رفعت إليه صبيحة اليوم الرابع ليفسخ، أو يأذن لها فيه
وإذا وجد نفقة امرأته يومًا بيوم، لم يُفرق بينهما، وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث، ولا يمنع المرأة في الثلاث أن تخرج فتعمل أو تسأل، فإن لم يجد نففتها خيِّرت بين المُقام معه وفراقه، فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث ـ ييسر يومًا ويعوز يومًا ـ خيِّرت، وإذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيِّرت في هذا الأمر.
وعارض ابن حزم مَن قالوا إن الزوج المعسر الممتنع عن الإنفاق على زوجته يُمهل شهرًا أو نحوه أو شهرين.
ثم ذكر أنه لا إمهال هنا ولا إرغام على التطليق؛ لأن الآية الكريمة تقول: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ مَا آَتَاهَا) (الطلاق: 7) والآية الكريمة تقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَها) (البقرة: 286).
وعن الحسن أنه قال في الرجل يَعجَز عن نفقة امرأته: تواسيه وتتّقي الله ـ عز وجل ـ وتصبر، وينفق عليها ما استطاع.
ومن قَدَر على بعض النفقة والكسوة، فسواء قلَّ ما يقدر عليه أو كثُر ـ الواجب أن يقضى عليه بما قدر. ويسقط عنه ما لا يقدر، فإن لم يقدر على شيء من ذلك سقط عنه، ولم يجب أن يقضي عليه بشيء.
فإن أيسر بعد ذلك قضي عليه من حين يوسر، ولا يقضي عليه بشيء مما أنفقتْه على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره، لقول الله ـ عز وجل ـ: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها) (البقرة: 286). وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آَتاهَا) (الطلاق: 7).
فصحَّ يقينًا أن ما ليس في وسعه، ولا آتاه الله تعالى إياه، فلم يكلفه الله ـ عز وجل ـ إياه، وما لم يُكلِّفْه الله تعالى فهو غير واجب عليه، وما لم يجب عليه فلا يجوز أن يقضي عليه به أبدًا: أيسر أو لم يوسر.(28/224)
وهذا بخلاف ما وجب لها من نفقة أو كسوة فمنعها إياها وهو قادر عليها، فهذا يؤخذ به أبدًا: أعسر بعد ذلك أو لم يعسر؛ لأنه قد كلفه الله تعالى إياه، فهو واجب عليه، فلا يسقطه عنه إعسارُه.
لكن يوجب الإعسار أن ينظر به إلى الميسرة فقط، لقوله ـ عز وجل ـ: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ). (البقرة: 280).
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
إذا كانت المرأة تعمل فهل يلزمها دفع مصاريف البيت
سؤال:
هل على المرأة الموظفة أن تتحمل مصاريف البيت لأن زوجها يقول إذا لم تدفعي مصاريف البيت فلا عمل لك مطلقا ؟ وهل لزوجها حق في مرتبها الذي تتقاضاه مقابل عملها، وإذا كان عليها أن تتحمل مصاريف البيت فما هي النسبة بينها وبين زوجها ؟
الجواب:
الحمد لله
فهذه المسألة وهي مصاريف البيت بين الزوج والزوجة الذين تغربا للعمل وطلب الرزق ينبغي فيها المصالحة بينهما وعدم النزاع .
أما من حيث الواجب فهذا يختلف وفيه تفصيل :
1- إن كان الزوج قد شرط عليك أن المصاريف بينك وبينه وإلا لم يسمح لك بالعمل فالمسلمون على شروطهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم { المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالا، أو أحل حراما} ويقول صلى الله عليه وسلم { إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج } فأنتما على شروطكما إن كان بينكما شروط .
2- أما إذا لم يكن بينكما شروط فالمصاريف كلها على الزوج، وليس على الزوجة مصاريف البيت، فهو الذي ينفق ؛ قال الله جل وعلا { لينفق ذو سعة من سعته } وقال النبي صلى الله عليه وسلم " وعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .
فالإنفاق على الزوج ، فهو الذي يقوم بحاجات البيت وشؤون البيت له ولزوجته وأولاده . ومعاشها لها وراتبها لها ؛ لأنه في مقابل عملها وتعبها ، وقد دخل على هذا ولم يشرط عليها أن المصاريف عليها أو نصفها أو نحو ذلك ، إلا إذا سمحت بشيء من الراتب عن طيب نفس قال تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } .
أما إن كان دخل على شيء مثل ما تقدم فالمسلمون على شروطهم.
وأنا أنصحك أن تسمحي ببعض الراتب لزوجك تطيبا لنفسه وحلاً للنزاع ، وإزالة للإشكال حتى تعيشا في هدوء وراحة وطمأنينة ، فاتفقا على شيء بينكما كنصف الراتب أو ثلثه أو ربعه أو نحو ذلك حتى تزول المشاكل وحتى يحل الوئام والراحة والطمأنينة محل النزاع ، أو يسمح هو وأن يرضى بما قسمه الله له ويقوم بالنفقة حسب طاقته ويسمح عن راتبك كله ويترفع عن ذلك ، أما إذا لم يتيسر ذلك فلا مانع(28/225)
من التحاكم إلى المحكمة في البلد التي أنتم فيها وفيما تراه المحكمة الشرعية كفاية إن شاء الله . وفق الله الجميع.
من فتاوى الشيخ عبد العزيز ابن باز .
ـــــــــــــــــــ
مخالعة الرجل زوجته على نفقة أولاده ... العنوان
امرأة اتفقت مع زوجها أن تختلع منه مقابل تنازلها عن كامل حقوقها بما في ذلك تقوم بالإنفاق على الأبناء بدلا عنه، وتم التنازل أمام الشهود، والسؤال هل يجوز لها بعد حصولها على الخلع المطالبة بنفقة الأولاد أم لا ؟؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا ووفقكم ... السؤال
18/02/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول محمد سعدي الباحث الشرعي:
أجاز العلماء صحة أن تختلع المرأة من الرجل بنفقة الأبناء؛ لأن العوض الذي يأخذه الزوج يجوز أن يكون مالا معينا أو موصوفا، كما يجوز أن يكون منفعة، وليس للزوجة أن تطالب بهذه النفقة التي التزمت بها، فإن مات الولد فللزوج أن يرجع على الزوجة المختلعة للمطالبة ببقية حقه.
جاء في المغني لابن قدامة المقدسي :
إن خالعها على كفالة ولده عشر سنين , صح , وإن لم يذكر مدة الرضاع منها , ولا قدر الطعام والأدم , ويرجع عند الإطلاق إلى نفقة مثله . وقال الشافعي لا يصح حتى يذكر مدة الرضاع , وقدر الطعام وجنسه , وقدر الإدام وجنسه , ويكون المبلغ معلوما مضبوطا بالصفة كالمسلم فيه , وما يحل منه كل يوم . ومبنى الخلاف على اشتراط الطعام للأجير مطلقا .. ولأن نفقة الزوجة مستحقة بطريق المعاوضة , وهي غير مقدرة , كذا هاهنا . وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة الصبي , وما يحتاج إليه ; لأنه بدل ثبت له في ذمتها , فله أن يستوفيه بنفسه وبغيره , فإن أحب أنفقه بعينه , وإن أحب أخذه لنفسه , وأنفق عليه غيره . وإن أذن لها في إنفاقه على الصبي , جاز فإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع , فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة. أهـ
جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية ـ رحمه الله :
وكما أن له أن يجعل العوض إسقاط ما كان ثابتا لها من الحقوق كالدين فله أن يجعله إسقاط ما ثبت لهما بالطلاق كما لو خالعها على نفقة الولد. وهذا قول قوي وهو داخل في النفقة من غيره. أهـ
وجاء في كشاف القناع للبهوتي:
وإن خالع حاملا على نفقة حملها صح ؛الخلع لأنها مستحقة عليه بسبب موجود فصح الخلع بها وإن لم يعلم قدرها كنفقة الصبي ( وسقطت ) النفقة ( نصا ) لأنها(28/226)
صارت مستحقة له ( ولو خالعها وأبرأته من نفقة حملها بأن جعلت ذلك عوضا في الخلع صح ) ذلك كما تقدم , وكذا لو خالعته على شيء ثم أبرأته من نفقة حملها ( ولا نفقة لها ولا للولد حتى تفطمه فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته ) لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة فإذا فطمته لم تكن النفقة لها فلها طلبها منه.
وجاء في الإنصاف للمرداوي:
( وإن خالعها على رضاع ولده عامين , أو سكنى دار : صح . فإن مات الولد , أو خربت الدار : رجع بأجرة باقي المدة ) . من أجرة الرضاع والدار . وهذا المذهب .
و قال ابن عابدين في الدر المحتار:
قال في الفتح: ولها أن تطالبه بكسوة الصبي إلا إذا اختلعت على نفقته وكسوته فليس لها وإن كانت الكسوة مجهولة، وسواء كان الولد رضيعا أو فطيما. ا هـ. ومثله في الخلاصة, وانظر ما فائدة التعميم في الولد. هذا, وقد تعورف الآن خلع المرأة على كفالتها للولد بمعنى قيامها بمصالحه كلها وعدم مطالبة أبيه بشيء منها إلى تمام المدة. والظاهر أنه يكفي عن التنصيص على الكسوة لأن المعروف كالمشروط ا.هـ .
والله أعلم.
تطالبه زوجته بملابس وذهب مثل الذي عند صاحباتها
سؤال:
زوجتي تحضر حفلات وترى ما تلبسه بقية النساء ثم تطالبني بملابس وذهب مثل التي رأتها ، ومدخولي الشهري ليس كمدخول أزواج أولئك النساء ، فماذا أفعل معها ؟.
الجواب:
الحمد لله
لقد جاء حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين هذا الأمر وأنه من أسباب الهلاك ، وفيما يلي نص الحديث لعلك تعظ زوجتك به ، روى الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها ، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة ، فذكر أن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ أو قال : من الصيغة ما تكلف امرأة الغني ...
السلسة الصحيحة للألباني رقم 591
وقال هذا إسناد صحيح على شرط مسلم
وعليك أخي المسلم أن تذكرها بأهمية القناعة والزهد في الدنيا وعِدها بأنك ستوسع عليها إذا وسع الله عليك ، وذكرها بقوله تعالى : ( لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله سيجعل الله بعد عسر يسراً ) الطلاق/7.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
نفقة علاج الزوجة ... العنوان(28/227)
قرأت فتوى لبعض العلماء تنص على أنه لا يجب على الزوج تحمل مصاريف علاج زوجته ولا يلزمه شراء الدواء لها فما قولكم في ذلك؟ ... السؤال
18/12/2004 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد انعقد الإجماع على وجوب إنفاق الزوج على زوجته، ودل على ذلك الكتاب والسنة، ولكن اختلف الفقهاء في أنواع هذه النفقة وهل نفقة العلاج تندرج في النفقة الواجبة للزوجة أم لا؟ فهناك من ذهب إلى القول بعدم وجوب نفقة العلاج على الزوج وهناك من قال إن نفقة العلاج تدخل في النفقة الواجبة على الزوج لزوجته، والمسألة ليس فيها نصوص خاصة، وإنما هي مسألة اجتهادية وللعرف فيها اعتبار ، ولا شك أن العرف قد استقر الآن على أن نفقة العلاج واجبة على الزوج وهذا ما جرى عليه العمل في محاكم الأحوال الشخصية وعليه تكون الفتوى ..
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
اتفق أهل العلم على وجوب إنفاق الزوج على زوجته وقد دل على ذلك نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فمنها قوله تعالى :( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة الآية 233 ، وقوله تعالى :( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا ) سورة الطلاق الآية 7 . وقوله تعالى :( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) سورة الطلاق الآية 6 .
وقوله صلى الله عليه وسلم :( أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن ) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/402 . وعن عائشة رضي الله عنها قالت :( إن هند بنت عتبة قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم . فقال صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) رواه البخاري ومسلم.
وعن حكيم بن معاوية رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تهجر إلا في البيت ) رواه أبو داود وقال الألباني حديث حسن صحيح . انظر صحيح سنن أبي داود 2/402 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ... ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا لهن في كسوتهن وطعامهن ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/274 . وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341 . وغير ذلك من النصوص
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي [ نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب ...] ثم ذكر النصوص الموجبة للنفقة من الكتاب والسنة ثم قال: [وفيه دلالة(28/228)
على وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم، وأن ذلك بالمعروف وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه.
وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن ، إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها...] المغني 8/195
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب : النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع ] فتح الباري 11/425 .
وبعد اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة على الزوج اختلفوا في أنواع النفقة الزوجية فأوجبوا على الزوج أن ينفق على زوجته فيما يتعلق بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن وذهب جمهور الفقهاء بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى عدم وجوب أجرة الطبيب ولا ثمن العلاج على الزوج وخالف آخرون فأوجبوا ذلك على الزوج.
ويجب أن يعلم أولاً أن المسألة ليس فيها نصوص خاصة، وإنما هي مسألة اجتهادية وللعرف فيها اعتبار وقال ابن عبد الحكم الفقيه المالكي بوجوب تحمل الزوج لنفقات علاج زوجته وهو قول الزيدية وهذا قول وجيه يؤيده عموم النصوص الواردة بالإنفاق على الزوجة بالمعروف وحسن معاشرتها بالمعروف أيضاً وقد مشت معظم قوانين الأحوال الشخصية على هذا الرأي وأفتى به جماعة كبيرة من أهل العلم المعاصرين.
ويحتج لهذا القول بالعمومات الواردة كما في قوله تعالى :{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } سورة النساء الآية 19
قال الإمام القرطبي: [قوله تعالى :(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى :( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها ، والعشرة : المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ...] تفسير القرطبي 5/97 .
ولا شك أن معالجة الزوجة إن مرضت وتأمين الدواء لها من المعاشرة بالمعروف وكذلك قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، فإن أجرة العلاج وثمن الدواء داخل في الرزق.(28/229)
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فهذا يشمل كل ما تحتاج إليه الزوجة وأولادها ويدخل فيه الأدوية وأجرة العلاج.
ولعل جمهور الفقهاء الذين قالوا بعدم وجوب أجرة العلاج على الزوج بنوا هذا الحكم على ما كان معروفاً في زمانهم وخاصة أن الناس كانوا يعتنون بصحتهم ويتعالجون بأدوية طبيعية غير مكلفة وأما في زماننا فقد اختلفت الأمور كثيراً وصار العلاج مكلفاً وكذا ما يترتب على ذلك من أجور المستشفيات ونحوها قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار.) رسائل العلامة ابن عابدين ج2 ص112.
ويجب أن يعلم أن هذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم :( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ) رواه مسلم.
وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم. وعن سعد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك ) رواه البخاري ومسلم .
وخلاصة الأمر أنه يلزم الزوج معالجة زوجته المريضة وعليه تحمل تكاليف علاجها ما دام مستطيعاً ويكون ذلك حسب العرف السائد في المجتمع.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ارتد زوجها فهل لها نفقة في وقت العدة
سؤال:
تزوجت شخصاً كان نصرانياً ثم ادَّعى الإسلام وصار يصلي فعشت معه فترة ثم خرج من الإسلام وترك الصلاة ففسخت النكاح وبدأت في العدة فهل أستحق نفقة منه في زمن العدة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم تستحقين النفقة وقت العدة لأن الفرقة إنما كانت بسبب الزوج لأنه ارتد عن الإسلام . قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم ج6 : " وإن ارتد هو ـ أي الزوج ـ أنفق عليها ـ أي على زوجته ـ في عدتها لأنها لم تبن منه إلا بمضي عدتها " أ.هـ
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
متى يجب على الإنسان أن ينفق على والديه ؟(28/230)
سؤال:
متى يجب على الإنسان أن ينفق على والديه ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأصل في النفقة على الأقارب - كالوالدين والأبناء - الكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) البقرة / 233 ، وقوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) الإسراء / 23 ، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما .
وأما الإجماع فقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد .
ويشترط لوجوب النفقة يسار المنفق ، وإعسار المنفق عليه ، واحتياجه إلى النفقة ، وهذا باتفاق في الجملة .
الموسوعة الفقهية - ج/39 ، ص 22 .
ـــــــــــــــــــ
لا يعمل وزوجته تنفق عليه فهل يعتبر دينا عليه
سؤال:
السؤال : إذا كان الزوج لا يعمل والزوجة تعمل وهي تنفق كل نفقات المنزل ، مثلا : ( تشتري الطعام ، تشتري الأشياء وتسدد الفواتير ) هل تكون هذه النفقات دين على الزوج إذا لم يكن هناك اتفاق على أنها صدقة ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله قائلا :
إذا لم يكن هناك اتفاق فتعتبر هبة وتبرعا فليس لها أن تطالبه بها وقد بذلته باختيارها ، أما إذا كان هناك شرط بالرجوع عليه فالمسلمون على شروطهم فلها مطالبته إذا أيْسر بكلّ ما أنفقت على بيته وعلى أولاده .
والله أعلم.
الشيخ عبد الله بن جبرين
ـــــــــــــــــــ
ماذا يفعل إذا طلب أبوه الكافر منه مالا
سؤال:
السؤال : (لقد أسلمت حديثا)، لكن بدأت أفكر لاحقا في العلاقة المالية بيني وبين والدي، فهل علي إعطائه ما أملك إذا طلب مني ذلك؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :(28/231)
أسلمت حديثا وأفكر في العلاقة المالية بيني وبين والدي ، هل يجب علي إعطاؤه لحديث أنت ومالك لأبيك ؟
فأجاب حفظه الله :
نفقة أم ماذا ؟
- يقول يطلب أشياء مختلفة ليست فقط نفقة ، ما يزيد عن النفقة .
جواب : ما يزيد عن النفقة لا يلزمه .
فلا يجب عليه إلا النفقة وأما الصدقة فليست مشكلة .
والله أعلم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
محتاج وأخوه يعمل في تلحين الأغاني
سؤال:
السؤال : أخي يشتغل ملحنا للأغاني وليس له مصدر إلا هذا العمل ، ولا أستطيع الكسب وأبي متوفى هل يجوز أن آكل من ماله ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله :
نعم يجوز أن تأكل من ماله مادمت في حاجة ، فهو يجب عليه أن ينفق عليك . انتهى
فأنت تأخذ بقدر حاجتك ولا تزيد ، وعليك أن تنصحه بترك هذا العمل المحرّم والبحث عن عمل آخر وتبيّن له حكم الشريعة في الغناء والموسيقى وحرمة التعاون والمشاركة في الإثم والعدوان والله أعلم .
الشيخ محمد صالح المنجد
حكم خلط مال الزوجة بمال زوجها ... العنوان
هل يجوز للزوجة الحق في فتح حساب خاص بها من دخلها من كسبها أو يلزمها أن تضع دخلها في وعاء مشترك مع دخل زوجها، يصرف منه على الأسرة؟
... السؤال
17/08/2004 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
من حق الزوجة أن تنتفع بمالها على الوجه الذي تحب في غير معصية، ولا يجوز لزوجها أن يحجر عليها فيه، ولا أن يقيدها في استخدامه، وخلط الزوجة مالها بأموال زوجها مدعاة لتسلطه عليه، ومدعاة لطمعه فيه، كما أنه يعرضه للدخول في(28/232)
التركة إذا مات الزوج، وعلى هذا فلا يجوز للزوج أن يجبر زوجته أن تخلط مالها بأمواله، والأفضل لها أن تحتفظ به في وعاء خاص بها .
وهذا خلاصة ما أفتى به الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وإليك نص فتواه :-
من الحقائق المسلمة:أن الإسلام أنصف المرأة من ظلم الجاهليات المختلفة، وأعطاها حقوقها دون أن تطالب بها، ومن ذلك الحقوق المالية، وعلى رأسها حق التملك للأموال، عقارات ومنقولات، فجعل لها الإسلام ذمة مالية مستقلة عن أبيها وزوجها. فمن حقها أن تملك وأن تتصرف في ملكها كما تشاء،كما يتصرف الرجل،تبيع وتشتري وتهب وتتصدق،كما يفعل الإنسان السوي الرشيد،ولا حرج ولا حجر عليها.قال تعالى:{للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}النساء:32.
ومن هنا نقول:إن للزوجة الحق كل الحق في فتح حساب لها في البنك باسمها، خاص بها، تضع فيه ما يأتيها من دخل، سواء أكان من كسبها أم من ميراث لها، أم من هبة من أب أو أم أو غير ذلك.
وليس للزوج أي حق في أن يفرض عليها أن تضع دخلها في حساب أو وعاء مشترك مع دخل زوجها، لينفق منه على الأسرة.إذ من المعلوم أن الإنفاق على الأسرة شرعا هو من واجب الزوج،كما قال الله تعالى:{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض،وبما أنفقوا من أموالهم}النساء:34.
وإنما تساعد المرأة زوجها في نفقة البيت، تبرعا منها ومن باب مكارم الأخلاق، وليس من باب الوجوب والإلزام، ولو كانت غنية بميراث أو كسب.
ولم يوجب أحد من أئمة الإسلام على الزوجة الغنية أن تنفق على زوجها الفقير، إلا الإمام الظاهري المعروف ابن حزم.
ولكننا نستحسن أن تساهم المرأة العاملة في نفقة البيت، ولا سيما إذا كانت وظيفتها أو عملها في الخارج يكلف البيت خادمة أو مربية للأطفال، أو مصاريف زائدة من أجل خروج المرأة ولبسها ومواصلاتها ونحو ذلك.
وأقصى ما يمكن أن تساهم به المرأة في ذلك هو الثلث، والثلثان على الزوج، فكما أن الرجل يرث ضعفها من التركة، فكذلك يجب أن يتحمل ضعفها من النفقة.
ونحن نؤيد أن يكون لكل من الزوجين حسابة الخاص، حتى لا يطمع بعض الأزواج في أموال زوجاتهم، فعلى الزوجة أن تحتاط لغدرات الزمان، وتقلبات الأزواج، ولا يحق لزوج أن يغضب من ذلك،إلا إذا كانت نيته سيئة،والحق أحق أن يتبع.
وإذا كنا نحبذ ألا يكون دخل الزوجين في وعاء مشترك أو حساب مشترك فمن باب أولى لا نحبذ على الإطلاق أن تضع الزوجة دخلها في حساب زوجها،ويكون كل شيء باسمه وعلى ملكه.ولا يجوز للزوج أن يطالبها بذلك،فكل إنسان أحق بماله.
وقد عرفنا أزواجا كانت زوجاتهم موظفات ووضعن رواتبهن وكل دخولهن بأسماء أزواجهن،وللأسف بعد مدة من الزمن ـ قصرت أو طالت ـ تغير الرجل على زوجته وأحب أخرى،وتزوجها بمال زوجته القديمة،التي خسرت زوجها ومالها جميعا.وقديما قال الناس في أمثالهم:المال السايب يعلّم السرقة.
والله أعلم .(28/233)
ـــــــــــــــــــ
هل يُلزم كل من الولد والوالد بنفقة حج الآخر
سؤال:
السؤال : هل يجب على الأب نفقة حج الفريضة لولده الفقير وهل يجب على الولد نفقة حج الفريضة لأبيه الفقير ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لقد عرضت هذا السؤال على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب بما يلي : لا يجب ، لأنّ العبادات مشروطة بالاستطاعة ، والاستطاعة لا تتأتّى من الغير ، فلا يجب على أي من الطرفين شيء في هذا للآخر ، لكن إن طلب الوالد من الولد القادر نفقة الحجّ كانت إجابته من باب البر المأمور به فيكون واجبا بهذا الاعتبار . والله أعلم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــ
نفقة المعقود عليها قبل البناء ... العنوان
هل يجب على الزوج نفقة زوجته قبل البناء وبعد العقد؟
... السؤال
31/07/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
الأصل أن عقد النكاح إذا تم بشروطه من الصداق، والشهود، والولي فإنه يترتب عليه آثار العقد الشرعية.
ومن هذه الآثار الشرعية وجوب نفقة الزوجة على زوجها، ولكن لما كان الزوج ممنوعا من الاستمتاع الكامل بالمعقود عليها بالعرف ، أو بالشرط فإن ذلك لا يوجب عليه النفقة.
فالنفقة لا تجب إلا إذا زفت الزوجة إلى زوجها في بيت الزوجية المتفق عليه، وأصبحت بين يديه سكنا ولباسا.
قال الخرقي الحنبلي - رحمه الله -: ( وإذا تزوج بامرأة مثلها يوطأ ، فلم تمنعه نفسها ، ولا منعه أولياؤها ، لزمته النفقة ) .
وقال ابن قدامة شارحا هذا الكلام، ومبينا آراء المذاهب:-
جملة ذلك أن المرأة تستحق النفقة على زوجها بشرطين :
أحدهما :-أن تكون كبيرة يمكن وطؤها ، فإن كانت صغيرة لا تحتمل الوطء ، فلا نفقة لها .(28/234)
الشرط الثاني :- أن تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها ، فأما إن منعت نفسها أو منعها أولياؤها ، أو تساكتا بعد العقد ، فلم تبذل ولم يطلب ، فلا نفقة لها ، وإن أقاما زمنا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة ودخلت عليه بعد سنتين ، ولم ينفق إلا بعد دخوله ، ولم يلتزم نفقتها لما مضى . ولأن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح ، فإذا وجد استحقت ، وإذا فقد لم تستحق شيئا .
ولو بذلت تسليما غير تام ، بأن تقول : أسلم إليك نفسي في منزلي دون غيره . أو في الموضع الفلاني دون غيره . لم تستحق شيئا ، إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد ; لأنها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد ، فلم تستحق النفقة ، كما لو قال البائع : أسلم إليك السلعة على أن تتركها في موضعها ، أو في مكان بعينه .
وإن شرطت دارها أو بلدها ، فسلمت نفسها في ذلك ، استحقت النفقة ; لأنها سلمت التسليم الواجب عليها .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
زوجها مقتدر ويأمرها بالعمل
سؤال:
السؤال :
تزوجت قبل 8 أشهر ، أحب زوجي وأحترمه كثيراً ، ولم أعصه أبداً ، قبل أن نتزوج أعطاني الخيار إذا كنت أريد الخروج للعمل أو لا.
بعد أن تزوجنا يعتقد الآن بأنني يجب أن أعمل وأحصل على المال ، أنا لا أريد أن أعمل ولسنا بحاجة للمال فهو يحصل على المال الكافي لنا ، لست أؤمن بأن المال هو الحل لكل شيء.
أرجو أن تساعدني ، كيف أتصرف في مثل هذه الحالة ؟ هل يجب أن أطيعه وأخرج للعمل ؟ نحن نعيش في الغرب وعملي سيتطلب الاختلاط بالعامة.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
إذا أمرها زوجها بالعمل خارج البيت في وظيفة لتحصل على راتب ، فهل يلزمها أن تطيعه ؟
فأجاب حفظه الله :
لا يلزمها ، لأن الإنفاق عليه هو ، (و) لا يلزمها أن تنفق على نفسها . انتهى
فكيف إذا كان هذا العمل يتضمّن أمرا محرّما وهو الاختلاط بالرجال ، فلا تطيعيه فيما يأمر به إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وذكّريه بأنّه هو الرجل وأنّه قوام عليك بما أنفق من ماله ، وأنّه لا يصحّ أن يحمله الطّمع في الدنيا وطلب المزيد من المال على أن يكلّف زوجته بعمل لا يجب عليها شرعا ويعرّضها للفتنة من أجل مزيد من متاع الدنيا الفاني ، نسأل الله له الهداية وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب(28/235)
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
حكم النفقة على الأقارب
سؤال:
السؤال :
والدي راتبه 10 آلاف ريال في الشهر ولا نصرف منه على أنفسنا إلا القليل وتدخر والدتي البقية لأن أختي لم تتزوج بعد وأنا وأخي لم نكمل دراستنا بعد ، جدتي أرملة وتعيش مع أحد أعمامي في بيت جدي مع عماتي الثلاث (أرملة واثنتان لم يتزوجا) ، تعيش في مستوى معيشة جيد كما نعيش نحن هنا ، والدي يدفع لهم معونة شهرية ، مزرعة والدي تحت رعاية عمي ويأخذون جميع المال الناتج منها ، أود أن أعرف كم يجب على والدي أن يدفع لهم شهرياً علماً بأنهم يعيشون حياة مرفهة وجميع أخواته وأمه لهم كمية معتبرة من الذهب وأملاك خاصة بكل منهم .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
النفقة على الأقارب تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يسمى بعمودي النسب وهم الأباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا فالنفقة تجب لهم عند شرطين :
الأول : أن يكون المنفَق عليه منهم فقيراً لا يملك شيئاً أولا يملك ما يكفيه ولا يقدر على التكسب .
الثاني : أن يكون المنفِق غنياً عنده ما يكفيه ويفضل عن قوته وقوت زوجته .
وشرط ثالث : أن يكون الدّين واحداً ( أي الكل مسلمون مثلاً ) .
القسم الثاني : بقية الأقارب غير عمودي النسب المذكورين ويشترط لوجوب الإنفاق عليهم زيادة على الشرطين السابقين شرط ثالث وهو أن يكون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه ، أي يمكن أن يرثه .
وبناء عليه فإذا كان أبوك وأعمامك قادرين على الإنفاق فالإنفاق على جدتك وعمتيك واجب عليهم جميعاً .
ولكن لا تنس باب الإحسان ، وأن الصدقة على القريب صدقة وصلة ففيها أجران ، ولا تنس قول الله عز وجل : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) فالإنفاق على القريب لا سيما الوالدة من أعظم أسباب الرزق ومن أعظم أسباب البركة فيه مع الثواب الجزيل عند الله عز وجل .
إذاً فيجب أن تفرح بإنفاق أبيك على والدته وأختيه وأن تشجعه على ذلك ، وأن تُسابق أعمامك على هذه الفضيلة .
وأما مقدار النفقة فهي بحسب قدرة المنفِق وحاجة المنفَق عليه ، قال تعالى : ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين بالمعروف حق على المتقين ) . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب(28/236)
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
حكم النفقة على الأقارب
سؤال:
السؤال :
والدي راتبه 10 آلاف ريال في الشهر ولا نصرف منه على أنفسنا إلا القليل وتدخر والدتي البقية لأن أختي لم تتزوج بعد وأنا وأخي لم نكمل دراستنا بعد ، جدتي أرملة وتعيش مع أحد أعمامي في بيت جدي مع عماتي الثلاث (أرملة واثنتان لم يتزوجا) ، تعيش في مستوى معيشة جيد كما نعيش نحن هنا ، والدي يدفع لهم معونة شهرية ، مزرعة والدي تحت رعاية عمي ويأخذون جميع المال الناتج منها ، أود أن أعرف كم يجب على والدي أن يدفع لهم شهرياً علماً بأنهم يعيشون حياة مرفهة وجميع أخواته وأمه لهم كمية معتبرة من الذهب وأملاك خاصة بكل منهم .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
النفقة على الأقارب تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يسمى بعمودي النسب وهم الأباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا فالنفقة تجب لهم عند شرطين :
الأول : أن يكون المنفَق عليه منهم فقيراً لا يملك شيئاً أولا يملك ما يكفيه ولا يقدر على التكسب .
الثاني : أن يكون المنفِق غنياً عنده ما يكفيه ويفضل عن قوته وقوت زوجته .
وشرط ثالث : أن يكون الدّين واحداً ( أي الكل مسلمون مثلاً ) .
القسم الثاني : بقية الأقارب غير عمودي النسب المذكورين ويشترط لوجوب الإنفاق عليهم زيادة على الشرطين السابقين شرط ثالث وهو أن يكون المنفِق وارثاً للمنفَق عليه ، أي يمكن أن يرثه .
وبناء عليه فإذا كان أبوك وأعمامك قادرين على الإنفاق فالإنفاق على جدتك وعمتيك واجب عليهم جميعاً .
ولكن لا تنس باب الإحسان ، وأن الصدقة على القريب صدقة وصلة ففيها أجران ، ولا تنس قول الله عز وجل : ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) فالإنفاق على القريب لا سيما الوالدة من أعظم أسباب الرزق ومن أعظم أسباب البركة فيه مع الثواب الجزيل عند الله عز وجل .
إذاً فيجب أن تفرح بإنفاق أبيك على والدته وأختيه وأن تشجعه على ذلك ، وأن تُسابق أعمامك على هذه الفضيلة .
وأما مقدار النفقة فهي بحسب قدرة المنفِق وحاجة المنفَق عليه ، قال تعالى : ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين بالمعروف حق على المتقين ) . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب(28/237)
الشيخ محمد صالح المنجد
ما يجوز للزوجة أخذه دون علم الزوج ... العنوان
لي طفلان، وزوجي لا ينفق على أولادي كما يحبون مثل أولاد عمي، فهل يجوز لي أن آخذ من نقود زوجي دون علمه لأحقق لأولادي ما يريدون؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
10/08/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإذا كان الزوج ينفق على أولاده ما يحتاجون إليه من المأكل والملبس ولا يقتر عليهم في النفقة ففي هذه الحالة لا يجوز للزوجة أن تأخذ من ماله دون إذنه، أما إن كان الزوج بخيلا ويقتر على زوجه وأولاده فيجوز للزوجة أن تأخذ ما يكفيها وبنيها بالمعروف دون إسراف أو تبذير.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
إن من ألزم حقوق الزوجة والأولاد على الأب النفقة والكسوة والسكنى، قال تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن..) وفيما رواه البخاري حديث: "استوصوا بالنساء خيرًا.." ولا شك أنه في رحاب الأسرة الهادئة المتماسكة تنمو الخلال الطيبة، ويتكون الرجال الذين يؤتمنون على أعظم الأمانات، وتخطب النساء اللائي يقمن على أعرق البيوت.
وإذا كان الإسلام قد جعل للوالدين حقوقًا على أبنائهم، فإنه قد فرض على الوالدين حقوقًا واجبة الأداء لأبنائهم كذلك، منها أن يختار الأب لولده الأم الصالحة التي تنشئه النشأة الصالحة "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء" وأن يختار له الاسم الحسن؛ حتى لا يكون موضع السخرية بين أقرانه، وأن يؤدبه الأدب الحسن النافع، ويرعاه الرعاية الفاضلة، وأن يرفق به ويرحمه وينبسط معه، ويكون قدوة حسنة له، وأن يطعمه حلالاً، وأن لا يبخل عليه من غير إسراف مهلك أو تقتير مضيع (لينفق ذو سَعَة من سعته ومن قُدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) ولا يجعله يتطلع إلى ما في أيدي الناس بقدر استطاعته وفي حدود المعقول.
وإني أقول للأخت: إذا كان زوجك ينفق على أولاده في حدود المعقول دون إلحاق ضرر بهم، فقد فعل الواجب عليه شرعًا، ولا حق لكِ غير هذا بالنسبة لسؤالك؛ لأن كثرة النقود مع الأولاد قد تفسدهم أحيانًا، وتبعدهم عن الصواب. أما إن كان يقتر عليهم لدرجة الحرمان والمضايقة بدافع البخل، فلا مانع أن تأخذي من ماله بدون علمه بقدر ما يكفيكِ وأولادكِ بالمعروف من غير إسراف ولا تبذير.
والله أعلم.
الابن صاحب عائلة وأبوه يرهقه بكثرة الطلبات المالية(28/238)
سؤال:
أبي يطلب مني مالا باستمرار ويرهقني بكثرة طلباته وأنا صاحب عائلة وعليّ التزامات فإلى أي حدّ يجب عليّ أن أعطيه وما معنى حديث ( أنت ومالك بأبيك )
الجواب:
الحمد لله
حديث أنت ومالك لأبيك رواه ابن ماجة رحمه الله تعالى في سننه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك . " سنن ابن ماجة رقم 2282 ، قال في الزوائد : إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري .
ومعنى قوله ( يجتاح ) أي يستأصله أي يصرفه في حوائجه بحيث لا يبقى شيء .
وقال الإمام عبد الرزاق رحمه الله في مصنفه باب :
فِي الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ , وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ } .
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ { رَجُلا خَاصَمَ أَبَاهُ فِي مَالٍ كَانَ أَصَابَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ } .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ , وَلا يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلا بِإِذْنِهِ . وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : يَأْكُلُ الْوَالِدُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ , وَلا يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إلا بِطِيبِ نَفْسِهِ .
وعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : كَانَ عَطَاءٌ لا يَرَى بَأْسًا بِأَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ .
ثم قال رحمه الله
مَنْ قَالَ : لا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلا بِإِذْنِهِ .
عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَبَرَّ وَالِدَهُ , وَكُلُّ إنْسَانٍ أَحَقُّ بِاَلَّذِي لَهُ
عَنْ سَالِمٍ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحَرَ جَزُورًا فَجَاءَ سَائِلٌ فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ , فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : مَا هِيَ لِي ؟ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ : يَا أَبَتَاهُ ، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ ، فَأَطْعِمْ مِنْهَا مَا شِئْتَ .
وقال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني شارحا هذه المسألة : وَلأَبٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ ، وَيَتَمَلَّكَهُ ، مَعَ حَاجَةِ الأَبِ إلَى مَا يَأْخُذُهُ ، وَمَعَ عَدَمِهَا ، صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبِيرًا ، بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لا يُجْحِفَ بِالابْنِ ، وَلا يَضُرَّ بِهِ ، وَلا يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ . الثَّانِي أَنْ لا يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَيُعْطِيَهُ الآخَرَ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .. وَذَلِكَ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، فَلأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الآخَرِ أَوْلَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إلا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ ; لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { : لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئِ مُسْلِمٍ إلا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ } . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَلأَنَّ مِلْكَ(28/239)
الابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسهِ فَلَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ كَاَلَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ . وَلَنَا ( أي ودليلنا ) مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { : إنَّ أَطْيَبِ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ , وَإِنَّ أَوْلادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ } . أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ , وَالتِّرْمِذِيُّ , وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ , قَالَ { : جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنَّ أَبِي اجتاح مَالِي . فَقَالَ : أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك } . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي " مُعْجَمِهِ " مُطَوَّلا , وَرَوَاهُ غَيْرُهُ , وَزَادَ { : إنَّ أَوْلادَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ , فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، وَالْمُطْلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ ، قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنَّ لِي مَالا وَعِيَالا ، وَلأَبِي مَالٌ وَعِيَالٌ ، وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِيَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك } . أَخْرُجَهُ سَعِيدٌ ، فِي " سُنَنِهِ " وَلأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَلَدَ مَوْهُوبًا
لأَبِيهِ , فَقَالَ : { وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } . وَقَالَ : { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } . وَقَالَ زَكَرِيَّا : { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّا } . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } . وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ ، كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ .. المغني ج5
وفي رسائل وفتاوى الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ما يلي :
يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنت مالك لأبيك ) أخرجه الخمسة وصححه الترمذي .وقوله : ( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم ) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة . ويشترط للأخذ من ماله ( ستة شروط ) : أحدهما : أن يأخذ ما لا يضر الوالد ولا يحتاجه . ( والثاني ) : أن لا يعطيه لولد آخر . ( والثالث ) : أن لا يكون في مرض موت أحدهما . ( والرابع ) : أن لا يكون الأب كافراً والابن مسلماً . ( والخامس ) : أن يكون عيناً موجوداً ، ( والسادس ) : تملكه ما يأخذه من مال الولد بقبض مع قول أو نية . هذا معنى كلام فقهائنا رحمهم الله . وعليه الفتوى . أ.هـ
فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ص : 220
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
نفقة الولد من كسب أبيه المحرم
سؤال:
السؤال :
إذا كنت صغيرا وأبواك يدخل عليهم أموال قد تكون حراما، مثلا يعملون في أعمال منها البارات ويتعاملون بالربا عند دفع تأمين على البيت الذي يستأجرونه . سؤالي هو : حسب علمي فإن هناك مجموعة من الأحاديث التي تذكر أن الله لا يقبل أدعية وصلوات الذين يتحصلون على أموالهم من مصادر محرمة . إذا كان قليل من المال من مصدر محرم وأنت مازلت صغيرا فهل ينطبق هذا الحديث عليك ؟
الجواب:(28/240)
الجواب:
الحمد لله
تجب النفقة للولد على أبيه شرعا فيما يحتاجه من مسكن وملبس ومطعم ومشرب ونحو ذلك وإذا احتاج الولد جاز له أن يأخذ نفقته الواجبة من مال الأب ولو كان كسبه حراما ولا يتأثّر دعاء الولد حينئذ لأنّه لا حول له ولا قوّة وعلى الولد أن يراعي في هذه الحالة ما يلي :
1- أن لا يتوسّع في الأخذ من مال أبيه المحرّم
2- أن يحاول إذا استطاع الاستغناء بكسب حلال يستقلّ به ويستغني عن نفقة أبيه
3- أن يسعى جاهدا في النصح والموعظة لعل الله أن يهدي والديه فيتوبا من الكسب الحرام . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
نفقة الزوجة إذا مات عنها زوجها ... العنوان
توفي رجل وترك امرأته حاملاً فهل تجب النفقة لها في مال زوجها المتوفى؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء. ... السؤال
12/01/2003 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فلا خلاف بين الفقهاء أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها حال حياته، أما بعد موته فقد اختلف الفقهاء في وجوب النفقة للزوجة من مال الزوج، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن النفقة تسقط بوفاة الزوج سواء كانت حاملا أو غير حامل؛ لأن النفقة تسقط عن الزوج بالإعسار فمن باب أولى سقوط النفقة بوفاته، فضلا عن أن النفقة واجبة في مال الزوج وبمجرد وفاته يكون لا مال له، وإنما تنتقل الملكية للورثة، ويكون للزوجة نصيبها من الميراث فحسب.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ
الأصل أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها لقوله تعالى :( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ ) سورة الطلاق الآية 7.
وقال تعالى :(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) سورة البقرة الآية 233.
وصح في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا الله في النساء فإنهن أعوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) رواه مسلم.(28/241)
هذا هو الأصل في أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها ولكن إذا مات الزوج فقد اختلف أهل العلم هل لزوجته نفقة أم لا ؟
والراجح من أقوال العلماء في المسألة أن النفقة تسقط بوفاة الزوج سواء كانت المرأة المتوفى عنها زوجها حاملاً أو غير حامل وتكتفي بنصيبها من ميراث زوجها، وكذلك الحال بالنسبة لجنينها فإن المعروف عند أهل العلم أن الجنين يرث، وعليه فإن هذه المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها لا تجب لها النفقة في مال زوجها المتوفى وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية وهو أصح القولين في مذهب أحمد، وهو المنقول عن ابن عباس وجابر وعطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم . قال القرطبي: (واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها فقالت طائفة: لا نفقة لها ، كذلك قال جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحق وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي.
وفيه قول ثان وهو أن لها النفقة من جميع المال وروي هذا القول عن علي وعبد الله، وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي، وجلاس بن عمرو وحماد ابن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد. قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول لأنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه.
وقال القاضي أبو محمد : لأن نفقة الحمل ليست بدين ثابت فتتعلق بماله بعد موته بدليل أنها تسقط عنه بالإعسار فبأن تسقط بالموت أولى وأحرى ] تفسير القرطبي 3/185 .
وروى عبد الرزاق الصنعاني بإسناده عن عطاء قال: (لا نفقة للمتوفى الحامل إلا من مال نفسها) وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا نفقة للمتوفى عنها الحامل ، وجبت المواريث).
وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :[ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث].
وروى عن سعيد بن المسيب في المتوفى عنها الحامل قال: [ليس لها نفقة].
وروى عن ابن جريح قال سئل ابن شهاب - الزهري - عن المتوفى عنها وهي حامل على من نفقتها ؟ قال: [كان ابن عمر يرى نفقتها إن كانت حاملاً أو غير حامل فيما ترك زوجها فأبى الأئمة ذلك وقضوا بأن لا نفقة لها] مصنف عبد الرزاق 7/36-39 .
ومما يدل على ذلك ما قاله الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ لأن المال قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هي للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك للورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة ] المغني 8/334.
ورد ابن حزم على من أوجب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها بقوله: [وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفى عنها زوجها ... فخطأ لا خفاء به؛ لأن مال(28/242)
الميت ليس له بل قد صار لغيره فلا يجوز أن ينفق على امرأته ... من مال الورثة أو مما أوصى به لغيرهما وهذا عين الظلم ] المحلى 10/89.
ويمكن أن يجاب عن استدلال من أوجبوا لها النفقة استناداً إلى قوله تعالى :( وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ) سورة الطلاق الآية 6، وأن الحامل المتوفى عنها زوجها داخلة في العموم يجاب عن ذلك بأن الخطاب في الآية للأزواج وقد سقط خطابهم بالوفاة فلم يعودوا من أهل التكليف لأن تكليفهم سقط بالموت.
والله أعلم .
نفقة زوجة الأب ... العنوان
رجل يعيش مع أبيه في منزل واحد ولكن منفصل عنه في الطعام والشراب وهذا الأب له زوجة أخرى وأنجب منها أولادا بالإضافة إلى أولاده من الأولى ولكنه بخيل فهل يجوز لهذا الرجل الذي يعيش في بيت أبيه أن يعطي الزكاة لزوجة أبيه ولإخوته سواء لأبيه وأمه أو لأبيه فقط؟ ... السؤال
07/11/2002 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
نفقة زوجة الأب تلزم الأب أو أولادها ، أما أولاد زوجها فلا يجب عليهم شيء، قال فضيلة الشيخ أحمد هريدي مفتي مصر الأسبق عن نفقة زوجة الأب :
أولاد الزوج لا يجب عليهم شيء من نفقتها لأنهم أجانب عنها، وليس بينهم وبينها من صلة القرابة ما يوجب نفقتها عليهم شرعا.أهـ ولهذا يجوز دفع الزكاة لها لأنها أجنبية بشرط ألا تكون الزوجة الوحيدة وألا يكون الأب فقيرا.
جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية بإشراف د عبد الله الفقيه :
لا يجوز صرف الزكاة للأب، وإن كان فقيراً؛ لأن الولد تلزمه نفقة الأب، ومن لزمته نفقته لم يصح دفع الزكاة إليه.
أما زوجة الأب والأولاد، فإن نفقتهم على الأب مادام قادراً عليها، وذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته" رواه مسلم من حديث خيثمة رضي الله عنه، فإن لم ينفق عليهم لبخله أو فقره، فيجوز دفع الزكاة إليهم، ويشترط في جواز دفع الزكاة إلى زوجة الأب أن لا تكون هي الزوجة الوحيدة، لأنه إن كانت الوحيدة، وكان الأب فقيراً وكنت موسراً لزمك نفقتها، وعند ذلك لا يجوز دفع الزكاة إليها.
كما أنها إذا كانت أماً لك ولو كانت زوجة ثانية أو ثالثة لا يجوز دفع الزكاة إليها بحال.
أهـ
والله أعلم .(28/243)
أكل الزوجة والأولاد من كسب أبيهم المحرّم
سؤال:
السؤال :
كثير من العائلات المسلمة يعمل رجالها في بيع الخمور والخنزير وما شابه ذلك ، وزوجاتهم وأولادهم كارهون لذلك علماً بأنهم يعيشون بمال الرجل ، فهل عليهم من حرج في ذلك ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقال عزّ وجلّ : ( لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها ) ، فللزوجة والأولاد غير القادرين على الكسب الحلال أن يأكلوا للضرورة من كسب الزوج المحرم شرعاً ، كبيع الخمر والخنزير وغيرهما من المكاسب الحرام بعد بذل الجهد في إقناعه بالكسب الحلال والبحث عن عمل آخر . فلهم أن يأخذوا النفقة الواجبة لهم على أبيهم وأن يكون ذلك بقدر الحاجة والكفاية دون توسّع والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
ميراث المطلقة رجعيا ... العنوان
طلقني زواجي طلقة واحد وقبل أن تنقضي العدة أصيب طليقى في حادث سيارة مات بسببه فهل لي حق أن أرث منه؟ ... السؤال
29/10/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالمطلقة رجعيا ما دامت في عدتها فهي زوجة لها كل حقوق الزوجة من النفقة والسكنى، ويرث كل منهما الآخر إن مات أثناء العدة، فإذا انقضت عدتها انقطعت الزوجية، وصار كل منهما أجنبيا عن صاحبه.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
من المعلوم عند أهل العلم أن الزوجية من أسباب التوارث، ويشترط لإثبات التوارث بين الزوجين أن تكون الزوجية صحيحة، وأن تكون الزوجية قائمة وقت الوفاة حقيقة، أو حكماً والمطلقة طلاقاً رجعياً تعتبر زوجة حكماً حيث إنها ما زالت في العدة، فحق التوارث ثابت لها ولا يملك أحد حرمانها منه شرعاً وهذا الحكم لا خلاف فيه بين أهل العلم فيما أعلم.(28/244)
قال ابن حزم الظاهري: [أما المطلقة طلاقاً رجعياً فهي زوجة للذي طلقها ما لم تنقض عدتها فيتوارثان ويلحقها طلاقة وإيلاؤه وظهاره ولعانه إن قذفها وعليه نفقتها وكسوتها وإسكانها فإذن هي زوجته حلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل أن يطلقها وأن يطأها إذ لم يأت نص يمنعه من شيء من ذلك وقد سماه الله تعالى بعلاً لها إذ يقول عز وجل: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ) ] المحلى 10/251 .
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [إذا طلق الرجل امرأته طلاقاً يملك رجعتها في عدتها لم يسقط التوارث بينهما ما دامت في العدة سواء كان في المرض أو الصحة بغير خلاف نعلمه وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها ولا ولي ولا شهود ولا صداق جديد ] المغني 6/394 . وخلاصة الأمر أن المطلقة رجعياً ترث زوجها ما دامت في العدة.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
والده يرفض تزويجه إلا بعد إكمال الدراسة
سؤال:
أنا شاب عمري 20 عاما أعمل وأدرس وحالتي المادية جيدة جدا والحمد لله وأريد الزواج ولكن والدي لا يريد مني أن أتزوج بحجة إكمال الدراسة ولا أدري ما أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يستحب التعجيل بالزواج لمن كان قادرا عليه ؛ لقوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ) النور/32 .
قال ابن كثير رحمه الله :
"هذا أمر بالتزويج ، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى وجوبه على كل من قدر عليه . واحتجوا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ) أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
وقد جاء في السنن من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تزوجوا توالدوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ) .
الأيامى : جمع أيِّم ، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها ، وللرجل الذي لا زوجة له ، سواء كان قد تزوج ثم فارق أو لم يتزوج واحد منهما " انتهى بتصرف .
ثانياً :
ينبغي للولد أن يصارح أباه برغبته في الزواج ، وينبغي للأب أن يقدّر ذلك ، وأن يعين ابنه عليه ، بل ذهب كثير من الفقهاء إلى أن ذلك واجب عليه عند القدرة .(28/245)
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال أصحابنا : وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته ، وكان محتاجا إلى إعفافه ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي " انتهى من "المغني" (8/172) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به ، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له : تزوج من عرق جبينك . وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه ، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/410) .
ومن الأخطاء الشائعة : إعراض الأب عن الاستماع إلى ابنه في هذه القضية ، وتجاهله لحاجة الولد ، وقد تكون حاجته إلى الزواج ملحّة ، مما يترتب على تأخير زواجه وقوعه في نوع من الانحراف ، ومعلوم أن الناس يتفاوتون في هذه الحاجة ، وفي مدى ضبط النفس تجاهها ، وقد يأثم الأب بامتناعه عن تزويج ابنه المحتاج لذلك ، كما سبق .
ومن الآباء من يقدم أمر الدراسة والوظيفة على الزواج مطلقا ، فليس لديه مجال للنظر أو التفكير في زواج ابنه قبل ذلك ، وهذا خطأ أيضا ، بل ينبغي أن يدرس الأمر ، وأن يقارن بين المصالح والمفاسد ، وأن يتعرف على مدى حاجة ابنه للزواج ، ومدى قدرته على الجمع بينه وبين الدراسة ، وأيهما أولى بالتقديم عند تعذر الجمع ، فإنّ حفظ الدين معتبر ، بل مقدم على حفظ البدن والمال ، ومن باب أولى يقدم على الدراسة .
ثالثا :
قد يكون الأب معذورا في رفضه تزويج ابنه قبل إكمال الدراسة ، إما لأنه يرى الابن غير منضبط في تصرفاته ، لا يتحمل مسئولية نفسه ، فضلا عن تحمل مسئولية غيره ، أو يراه مهملا في دراسته ، ويغلب على ظنه أنه بعد الزواج سيزداد إهمالا ، أو لا يرى حاجته الماسة للزواج ، وإنما هي مجرد رغبة عابرة ، أو تقليد لغيره ، فعلى الابن أن يلتمس العذر لأبيه ، وأن يسعى لإقناعه ، وأن يبين له مدى حاجته للزواج ، ومدى قدرته على رعاية أهله بعد ذلك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نفقة تجهيز الميت ... العنوان
كانت مجموعة من السيدات تقوم بواجب عزاء، في زميلة لنا لقيت ربها فثار جدال حول المراد بالتجهيز الشرعي للميت، وهل يلزم الزوج بتكاليف تجهيز زوجته المتوفاة خاصة إذا كانت موسرة،أم أن ذلك يكون من مالها ليسرها؟ وإذا كانت هناك(28/246)
زيادات على التجهيز الشرعي، فهل يلزم الزوج تلك الزيادات، أم تكون من مال الزوجة، ولم ينته الجدال إلى نتيجة مقنعة، فنرجو من فضيلتكم أن يفيدونا.
... السؤال
13/05/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه وبعد:
فإن تجهير كفن الزوجة بالقدر المشروع واجب على الزوج ، وأما ما خالف الشرع أو كان فيه إسراف فلا يلزم الزوج.
يقول الشيخ إبراهيم جلهوم ، شيخ المسجدالزينبي بالقاهرة:
فإن المراد بالتجهيز الشرعي للميت، هو ما يلزم من لحظة خروج روحه إلى بارئها إلى أن يوارى في قبره، من نفقات غسله، ومن تكفينه، ومن حمله إلى مقره الأخير، ومن دفنه في تربته، ونحو ذلك حسب المتعارف عليه عادة بغير إسراف ولا تقتير، وليس من ذلك ما ينفق للمآتم، وإقامة السرادقات ونحوها، مما يتباهى به الناس على حساب الورثة الشرعيين، وقد يكون من بينهم أطفال صغار، هم في مسيس الحاجة إلى ما يدفع في تلك المظاهر والاستقبالات من مصروفات ، لو أنفقت لصالح الصغار والصغيرات لكفتهم غوائل المشقات في مسيرات الحياة.
ثم إن تجهيز الزوجة المتوفاة حسب المعروف واجب على زوجها، حتى ولو كانت غنية، وذلك إذا كانت نفقتها في حياتها واجبة عليه، بأن لم يكن قد حدث سبب موجب لإسقاط تلك النفقة وهي على قيد الحياة من نشوز بخروج عن طاعة الزوج، أو نحو ذلك من أسباب مؤدية إلى إسقاط نفقتها.
وأما ما زاد على المعروف في تجهيز الميت فليس الزوج بملزم به إلا أنه إذا قام به كان متبرعا بتلك الزيادة، لكننا نوصي كلا من الزوج، وأهل الزوجة بأن تكون نفقات تجهيز المتوفى في حدودها الشرعية حتى لا يزهق البيوتات من كثرة المصروفات ورحم الله الخليفة الأول لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فإنه عندما حضرته الوفاة نظر إلى ثوب كان يمرض فيه، وقال: إذا أنا مت فاغسلوا لي ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين ـ وكفنوني في ثلاثة أثواب، تقول أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ فقلنا " لكي لا نجعلها جدادا كلها ، قال: لا " خرّجه البخاري، وفي رواية أنه قال: الحي أولى بالجديد .
والله أعلم.
نفقة الزوج وحق الاحتباس ... العنوان
هل تعني نفقة الزوج على زوجته أن له حق حبسها عن العمل؟ ... السؤال
06/04/2002 ... التاريخ
الشيخ محمد حسين عيسى ... المفتي
... ... الحل ...(28/247)
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يجيب فضيلة الشيخ محمد حسين عيسى - من علماء ودعاة مصر - بقوله :ـ
نفقة الزوج على زوجته واجب من الواجبات التي أقرها وطالب بها شرع الله عز وجل، وعلى الزوج أن ينفق على زوجته وعلى أولاده وعلى كل من تلزمه نفقته، وعلى الزوجة في مقابل ذلك أن تحتبس لتقوم بأداء واجباتها نحو زوجها، وهذا الاحتباس لأداء حقوق الزوج ليس حبسا بالمفهوم العرفي بما اصطلح عليه الناس، وليس منعا لها من الخروج، ولكن معناه أن تعطيه ما له من حقوق الزوجية، وفي مقدمتها الجماع عندما يجد الرغبة في ذلك، وليس معنى هذا أن يمنعها من الخروج أو يمنعها من العمل؛ فقد يكون العمل المطلوب منها فرضا كفائيا يجب عليها أن تقوم به، كأن تكون طبيبة للنساء أو ممرضة أو مصلحة اجتماعية أو مدرسة أو غير ذلك من المهن التي لا يقوم بها إلا امراة، فعند ذلك يتحتم عليها أن تقوم بهذا العمل، أما إذا كان العمل ليس فرضا كفائيا عليها، فيستحب أن يكون ذلك باتفاق مع الزوج، ولا تخرج بدون إذنه أو بدون موافقته إلى العمل؛ لأن عليها أن تطيعه خاصة إذا كان يكفيها في كل نفقاتها؛ فيكون خروجها عند ذلك لا معنى له إلا الرغبة فقط في العمل، الرغبة فقط في الخروج، ولا يكون ذلك لمصلحة شرعية شرعها الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حق الرجل في راتب زوجته ... العنوان
هل للزوج حق في راتب زوجته؟ ... السؤال
12/01/2002 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المفروض أن الزوج هو المسؤول عن الإنفاق على الأسرة، حتى ولو كانت الزوجة غنية، أو تملك الملايين فالزوج هو المسؤول عن النفقة، الله تعالى يقول (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) فالرجل هو الذي ينفق ويدفع المهر، هو الذي يكلَّف النفقة، إلا في حالة العجز فهناك بعض المذاهب تقول: إذا عجز الرجل والمرأة الغنية تنفق عليه لأن الحقوق متبادلة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) .
لكن إذا كان خروج المرأة للعمل كما في عصرنا المرأة موظفة وخروجها يكلِّف الزوج في هذه الحالة يمكن أن تساهم في نفقة البيت، أو كان الزوج محتاجا، ففي عصرنا في كثير من البلاد الزوج يتزوج الزوجة الموظفة ليتعاونا جميعاً في تكوين بيت مسلم، فلأن الرجل لا يستطيع وحده أن ينفق على الأسرة ولا الزوجة وحدها فهما يتفقان، إذا اتفقا من أول الأمر على شيء معين وأنا أرى في هذه الحالة أن(28/248)
المرأة يكون عليها الثلث والرجل يكون عليه الثلثان، لأن الإسلام جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فكذلك في الحقوق، وكذلك في الواجبات، يعني الغُنم بالغُرم والغُرم بالغُنم، فالمرأة يكون عليها الثلث والزوج الثلثان في حالة احتياج الزوج إلى هذا الأمر، أما قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) الآية تقرر أن الحقوق والواجبات متبادلة بين الطرفين، النساء لهن من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات (وللرجال عليهن درجة) لها تفسيران، تفسير الإمام الطبري يقول: أي أن الرجال مطالبون بالأعباء والتكاليف أكثر من المرأة، وتفسير آخر يقول: إن الدرجة المقصود بها هنا درجة القوامة على الأسرة، المسؤولية عن الأسرة، درجة الرجال يشير إليها قوله تعالى (الرجال قوَّامون على النساء)، فالرجل هو المسؤول عن الأسرة أي درجة المسؤولية عن الأسرة.
والله أعلم
حكم الناشز وحقها في النفقة ... العنوان
ما المقصود بنشوز الزوجة؟ وهل تجب النفقة على الرجل للزوجة الناشز ؟ وإذا كانت تسقط نفقتها ، فمتى تسقط ؟ وهل تأثم الزوجة بالنشوز؟ ... السؤال
11/07/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالنشوز هو امتناع الزوجة عن طاعة الزوج ـ في غير معصية ـ وعدم القيام بحقوقه الزوجية ، كأن تمتنع عن معاشرة زوجها مع رغبته دون عذر شرعي ، أو تخرج من بيته بدون إذنه ، أو تمتنع عن السفر معه إلى بلده التي يقيم فيها، أو إلى مسكنه الجديد المناسب .
وهذا النشوز محرم ، ويسقط حق الزوجة في النفقة ، وسقوط النفقة يبدأ من يوم النشوز الفعلي ؛ وإن ثبت بعده بمدة .
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
ونود الإشارة إلى أن كلمة ناشِز أو نشوز وردت في قوله تعالى: (واللاتي تَخافونَ نُشوزَهُنَّ فعِظُوهُنَّ واهْجُروهُنَّ في المَضاجعِ واضْرِبوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبيلًا إنَّ اللهَ كان عليًّا كبيرًا) (النساء: 34).
وأصل كلمة النُّشوز: الارتفاع، يُقال: مكان ناشز أي مُرتفع، فكأن الزوجة ترتفع عن طاعة الزوج وتتعالى عما أوجبه الله له عليها ولا تتواضع له؛ فلذلك سُمِّيَتْ ناشزًا.
وقد عَرَّفَ العلماء النشوز بأنه خروج المرأة عن طاعة زوجها في الحقوق والواجبات، فكل امرأة أَخَلَّتْ بحقوق الزوج وطاعته اعتُبِرَتْ ناشزًا من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، والنشوز حرام ويَستوجب اللعنة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ باتَتْ وزوجُها غاضبٌ عليها لَعَنَتْها الملائكةُ حتى تُصْبِح".(28/249)
ومن المقرر في الشريعة الإسلامية أن النفقة تُستَحق للمرأة إذا توافر سببها وهو الزواج لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللهَ في النساء فإنكم أَخَذْتُموهنَّ بأمانة الله واسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهنَّ بكلمة الله، لهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف".
مع توافر شرطها أيضًا وهو الاحتباس، أو الاستعداد له وهو الطاعة، فإذا سلَّمت المرأة نفسها إلى زوجها وتمكن من الاستمتاع بها ونقلها إلى حيث يريد وكانا من أهل الاستمتاع في نكاح صحيح ـ وجبت لها النفقة.
فإذا فَوَّتَت المرأة على الرجل حقَّ الاحتباس الشرعيّ بغير حق فلا نفقة لها وتُعَدُّ ناشزًا، ومن النشوز الامتناع عن الانتقال إلى منزل الزوجية بغير سبب شرعيّ، وقد دعاها إليه وقد أَعَدَّه إعدادًا كاملًا يَليق به، وكذلك إذا خرجت من منزله بغير إذنه، واستمرت ناشزة مدة طالت أو قَصُرت فإنه لا نفقةَ لها في هذه المدة.
فقد جاء في المُغْني لابن قُدامة (9 / 295): فمتى امتنعَتْ عن فراشه، أو خرَجَت من منزله بغير إذنه، أو امتنَعَت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سُكْنى في قول عامة أهل العلم، منهم الشعبيّ وحماد ومالك والأوزاعيّ والشافعيّ وأصحاب الرأي وأبو ثور. وقال الحَكَم: لها النفقة. وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا خالف هؤلاء إلا الحكم.
فإذا رفعت المرأة للقاضي تطالب بنفقتها فلابد أن تُثْبِتَ السبب والشرط، فإن قال الزوج: إنها ناشز؛ كان عليها أن تُثْبِتَ أنها تعيش معه وأنها مُحْتبِسة عليه، أو أنها خارجة عن بيته بسبب شرعيّ ، وعليها أيضًا أن تُثْبِتَ الزوجية والطاعة، بمعنى أن عليها أن تُثْبِتَ السبب وهو الزواج، والشرط وهو الاحتباس أو الاستعداد له.
وعمل بعض القضاة الشرعيين على أنها لا تُثْبِت إلا الزواجَ إنْ أنكره، فإن دفَع بالنشوز لا يُسمَع دفعه إلا إذا كان قد حُكِمَ له بالطاعة ولم تُنَفِّذ الحكم ؛ عملهم هذا خطأ.
يقول الإمام محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية ص 233: وهذا المنهاج لا يتفق مع الفقه والمصلحة؛ أما عن عدم اتفاقه مع الفقه فلأن شرط الاستحقاق للنفقة هو الطاعة، فالطاعة جزء من دعواها، لابد أن تُثْبِتَ أن خروجَها من المنزل بحق شرعيّ، ويكون حينئذٍ الدفع بالنشوز واجب النظر في دعوى النفقة، وأما أن مسلك القضاء لا مصلحة فيه فلأنه أدى إلى فصل حكم النفقة عن حكم الطاعة.
وعلى ذلك : فإن تفويت المرأة على الرجل حقَّ الاحتباس أو الاستعداد له بغير حق شرعيّ يُعَدُّ نشوزًا يُسْقِطُ نفقتَها الواجبة لها شرعًا على الزوج من تاريخ تفويت حق الاحتباس الكامل لحق زوجها، وامتناعها عنه من الناحية الفعلية ، وليس من تاريخ التحقق من هذا الامتناع ، وذلك لأن النفقة في مقابل حق الاحتباس الكامل لقوله تعالى: (الرجالُ قَوَّامونَ على النساءِ بما فَضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفَقوا مِن أموالِهم فالصالحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ للغيبِ بما حَفِظَ اللهُ واللاتي تَخافونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ واهْجُروهُنَّ في المضاجعِ واضْرِبُوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبيلًا) (النساء: 34) وقوله تعالى: (أسْكِنوهُنَّ مِن حيثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ ولا تُضَارُّوهُنَّ لتُضَيِّقوا عَلَيهِنَّ) (الطلاق: 6) وقوله تعالى: (ليُنْفِقْ ذو سَعَةٍ مِن سَعَتِه ومَن قُدِرَ عليه رزقُه فليُنْفِقْ مما آتاه الله) (الطلاق: 7).(28/250)
ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللهَ في النساء؛ فإنكم أخَذْتموهنَّ بأمانة الله واسْتَحْللتم فروجَهنَّ بكلمة الله، لهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف".
ولأن من المقرر شرعًا أن العقد شريعة المُتعاقدين، والحقوق متقابلة في العقد، وكل حق يقابله واجب، فإذا أخلَّ أحدُ الطرفين بما عليه من واجب سقط ما له من حق يقابله.
ولأن اعتبار النفقة من تاريخ التحقيق من هذا الامتناع قد يؤدي إلى تحايل في إطالة أمد الخصومة بما يؤدي إلى الإضرار بأحد الطرفين، والضرر يجب رَفْعُه شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضَرَرَ ولا ضِرار".
نسأل الله أن يُلْهِمَنا الصوابَ في القول والفعل والعمل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
نفقة حج المرأة على الزوج ... العنوان
هل من الواجب على الزوج القادر أن يدفع تكاليف الحج لزوجته أم له الحرية وفعله ذلك إنما يكون من سبيل الصدقة ؟
... السؤال
07/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
ليس من الواجب شرعا أن يدفع الرجل لزوجته مصاريف الحج،ولكن هذا من مكارم الأخلاق،وليس من الواجب شرعا.
فالواجب على الزوج النفقة والسكنى والعلاج وغيرها من الواجبات التي يقدر عليها .
يقول الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله تعالى :
المقرَّر في الشريعة الإسلامية أنَّ عقد الزواج سبب وجوب النفقة للزوجة على زوجها، وشرطُ وجوبها احتباسُها لحقِّه وقَصْر نفسِها عليه انتفاعًا بثمرات هذه الزواج، ووجوب نفقة الزوجة بشروطها على زوجها ثابت بأدِلّة منها قول الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ولاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) "من الآية رقم 6 من سورة الطلاق" فإذا وجبَت النفقة بهذه الآية للمطلَّقة، ومنها السُّكْنى على مطلِّقها مدّة عِدّتها، فوجوب هذه النَّفقة للزوجة حال الزوجيّة بطريق الأولى.
ويؤكِّد هذا ما رواه أبو داود والنسائى عن معاوية القشيري ـ رضي الله عنه ـ قلت: يا رسول الله، ما حقُّ زوجة أحدِنا عليه؟ قال: "تُطعمها إذا طَعِمْتَ، وتَكْسُوها إذا اكتَسَيْتَ، ولا تَضرِب الوجهَ ولا تُقَبِّح، ولا تهجُر إِلاّ في البيت" .
ولقد انعقد إجماع الأُمّة الإسلاميّة على وجوب نفقة الزَّوجة بشروطها، لم يمارِ في هذا أحد .(28/251)
ولأنَّ من القواعد المقرَّرة في فقه الشريعة الإسلامية أن (مَن حُبِسَ لحقٍّ مقصودٍ لِغَيْره كانت نفقتُه واجِبةً عليه) كالقاضِي والوالي وكُلّ صاحب وظيفة تفرَّغَ لها تجب نفقتُه على الدولة. وإذ كان الشأن في الزوجة الاحتباسَ لحقِّ الزوج وطاعته كانت نفقتها واجبة عليه.
فإذا سلَّمَت الزوجة نفسَها للزوج تسليمًا حقيقيًّا بالانتقال إلى بيته، أو تسليمًا حُكْمِيًّا باستعدادها للانتقال إلى بيته من غير مُمانَعة، وجبتْ لها النَّفقة والكِسوة والسُّكْنَى وسائر الأنواع في نطاق قُدرتِه. فمدار وجوب نفقه الزوجة احتباسُها في منزل الزوجيّة بالفعل أو بالقوّة، حقيقة أو حكمًا، أما إذا فات الاحتباس بسبَب من جهة الزوجة أو من أجنبيٍّ فلا تستحقُّ الزوجة نفقة على الزوج.انتهى
ولم يرد في كتاب الله ،ولا سنةرسوله صلى الله عليه وسلم ،ولم ينقل عن أحد من العلماء أنه قال بوجوب نفقة حج المرأة على زوجها ،بل ذلك من مكارم الأخلاق، إن شاء .
والله أعلم
وجوب النفقة على الأقارب ... العنوان
هل أوجب الإسلام النفقة على الأقارب ؟ ومن هم الأقارب الذين تجب لهم هذه النفقة ؟
... السؤال
14/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أوجبت الشريعة الإسلامية النفقة على الأقارب حسب درجة قرابتهم من المنفق شريطة أن يكون المنفق قادرا على هذه النفقة
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن.
بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة :
في زمنٍ طغت فيه المادة على سلوك الناس وعلاقاتهم، وضنَّ الناس فيه بما عندهم على ذويهم، وتنكَّر الناس فيه لذوي قَرابتهم، وشاعت الأنانية المُفرِطة، يثور التساؤل عن مدى التزام المرء بالإنفاق على ذوي قرابته، أصولًا كانوا أو فروعًا أو غيرهم، وقبل بيان حكم هذا وتتميمًا للفائدة، أشير إلى أن الفقهاء متفِقُون على وُجوب نفقة الزوجة على زوجها، إذا وُجِد سبب الوجوب، وهو عقد النكاح الصحيح، ووُجِد شرط الوجوب، وهو احتباس الزوجة لمصلحة الزوج أو استعدادها لذلك، كما قال بعض الفقهاء، أو تمكُّن الزوج من الاستمتاع بها، كما قال بعض آخر منهم، أو هما معًا كما قال فريق ثالث، ودليل وُجوبها على الزوج قول الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ من حيثُ سكنتُم من وُجْدِكُمْ ولا تُضارُّوهنَّ لِتُضَيِّقوا عليهنَّ وإنْ كنَّ أُولاتِ حملٍ فأنفِقُوا عليهنَّ حتى يضعْنَ حملَهُنَّ)، وقوله سبحانه: (وعلى المولودِ لهُ رِزْقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروفِ)، وحديث جابر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "اتقوا الله في(28/252)
النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهنَّ عليكم رزقُهُنَّ وكسوتهن بالمعروف".
وقد اتفق الفقهاء كذلك على وُجوب النفقة للزوجة التي تُطيق الوطء، صحيحةً كانت أو مريضة، إذا تحقَّق شرط الوُجوب السابق، ولا نفقة لها إذا نشزَت على زوجها، أو فوَّتت عليه حق التمتُّع بها، كما لو امتنعت من تمكينه أو حبست، أو احترفت عملًا خارج منزل الزوجية بدون موافقة الزوج، أو سافرت إلى غير بلد الزوج بدون موافقته أو مرافقته، ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسُّكْنَى، على أن يكون المسكن لائقًا بحال الزوج المالية، خاليًا من أهله، مشتملًا على ما يلزم لإعاشة الزوجة فيه، بين جيران صالحين، تأمن فيه على نفسها ومالها، كما تشمل وسائل التنظيف وأُجْرة الخادم، إن كانت الزوج ممَّن تُخدَم في بيت أهلها، وكان الزوج موسرًا، وهذه النفقة تجب كذلك للمطلَّقة طلاقًا رجعيًّا، والبائن إن كانت حاملًا باتفاق الفقهاء، فإن لم تكن حاملًا فلا نفقة لها على الراجح من أقوال الفقهاء، لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فاطمة بنت قيس وقد طلقت ثلاثًا "ليس لها سُكْنى ولا نفقة"، ولا نفقة لغير الحامل المتوفَّى عنها زوجُها باتفاق الفقهاء، ولا للحامل المتوفَّى عنها زوجها على الراجح، لحديث: "ليس للحامل المتوفَّى عنها زوجها نفقة".
فأما النفقة على الوالِدَيْنِ والمولودِين، أو النفقة على الأصول والفروع فلا خلاف في وجوبها كذلك، فتجب نفقة الوالِدَيْن على أولادهم ذكورًا كانوا أو إناثًا، كما تجب نفقة الأولاد ذكورًا أو إناثًا على والديهم، إذا كان المُستَحِق للنفقة لا مال له ولا كسْبَ يَستَغْنِي به عن إنفاق غيره، وكان للمُنفِق مال ينفق منه عليهم فاضلًا عن نفقته على نفسه، ودليل وجوب نفقة الأصول على فروعهم قول الحق سبحانه: (وبالوالدَيْنِ إحسانًا) وحديث عائشة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن أطيب ما أكلتُم من كسبِكم، وإن أولادَكم من كسبِكم"، ودليل وجوب نفقة الفروع على أصولهم، قول الله، تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لكُمْ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ)، وحديث هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك جُناح؟ فقال: خذي من ماله بالمعروف ما يَكفيك ويكفي بَنِيك".
وأما نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، كالإخوة والأخوات، ونحوهم من ذوي القُرْبى، فإن مذهب جمهور الفقهاء، وُجوب نفقتهم على قريبهم، بالشروط السابقة في نفقة الأصول والفروع، لحديث: "يد المعطي العليا وابدأ بمَن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك"، حيث ذكر ضمن المُعالين الإخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم بقَدْر الكفاية المأكل والمشرب والملبَس والمسكن، مراعًا في ذلك العُرْف وحال المُنفِق والمُنْفَق عليه: وظروف الزمان والمكان، ويرى جمهور الفقهاء أن هذه النفقة تجب على وجه لا تَصِير به دَيْنًا في ذمة المُنفِق، ومِن ثَمَّ فإنها تَسقُط بمُضِيِّ المُدَّة؛ لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجِزَة، على سبيل المُواسَاة لهؤلاء، فإذا مضت المدة دون دفعها زالت هذه الحاجة فتَسقُط، ويمتنع السقوط بمُضِيِّ المدة،(28/253)
إذا أنفق على القريب شخص غير متبرِّع أو فرضها القاضي على مَن وَجَبَت عليه، وكل هذا يُدَلِّل على عناية التشريع الإسلامي بالترابُط الأسْرِي، وصلة الرحم بين أفراد الأسرة، وشيوع التكافل بينهم، ليَنْصَلِح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسْرِه
ـــــــــــــــــــ
دفع الزكاة للمطلقة ... العنوان
امرأة مطلقة، ولها طفلان تعيش في بيت مع أمها وأخيها . هل يجوز لزوجها ـ الذي طلقها ـ أن يدفع لأمها كل شهر جزءا من الزكاة مع العلم بأنه يدفع كل شهر نفقة لولديه أيضا ؟
وما حكم إعطاء المطلقة من مال الزكاة ؟
وما حكم انتفاع الأولاد بها ؟ ... السؤال
24/02/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فالله سبحانه وتعالى قد حدد مصارف الزكاة ، وليس من ضمن هذه المصارف الزوجة فلا يجوز أن تدفع لها الزكاة بالإجماع ، ويذكر الشيخ القرضاوي العلة في ذلك الصنيع :
زوجة الإنسان جزء منه كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا) (الروم: 21) فزوجة الإنسان جزء منه ، وبيت الزوجية بيت لها ، ولهذا قال الله تعالى :(إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم، لا تخرجوهن من بيوتهن) (الطلاق: 1) فبيوتهن هي بيت الزوجية .. بيت المرأة، ومال الرجل هو مال المرأة، فإذا أعطاها فكأنما يعطي في الحقيقة نفسه، وهل يجوز للإنسان أن يعطي نفسه ؟ ولهذا اتفق العلماء على أنه لا يجوز للزوج أن يعطي زوجته من مال زكاته أبدًا ، وكذلك لا يجوز له أن يعطي أولاده فإنهم جزء منه أيضًا، كما جاء في الحديث " أولادكم من كسبكم " ...انتهى
هذا إذا كانت الزوجة ما زالت في عصمة الزوج أما لو طلقت من الزوج ، فإنها تصير أجنبية ، وكل ما تستحقه من كونها زوجة يرتفع عنها بطلاقها وخروجها من عدتها ؛ فتصير أجنبية عنه ، وينطبق عليها حكم النساء الأجنبيات ومن الأشياء التي كانت ممنوعة منها أخذها زكاة مال الزوج لما كانت زوجته ، أما والحال أنها مطلقة وكانت فقيرة فإنها تدخل في مستحقي الزكاة ، وكذلك أم المرأة المطلقة إن كانت فقيرة جاز له أن يدفع لها من مال الزكاة ، مع الأخذ في الاعتبار عدم انتفاع أولاده من مال الزكاة ؛ لأن نفقة أولاده واجبة عليه ، والزكاة حق الفقير فلا يجوز له أن يجور على مال الفقير ليطعم أولاده ، وعلى هذا فيجوز لك أن تدفع الزكاة للأم أو المطلقة لكونهما فقراء ، ولكن لا ينتفع منه أبناؤك ؛ لأنه يعد تحايلا على عدم دفع وإخراج الزكاة المستوجبة في مالك ، والله أعلم 0
المحرر(28/254)
مسئوليات الزوج تجاه زوجته ... العنوان
مامسئوليات الرجل تجاه زوجته ،ممايحقق السعادة في الأسرة المسلمة ؟
... السؤال
13/02/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله ،والصلاةوالسلام على رسول الله،وبعد:
اهتم الإسلام بالأسرة ؛لكونها اللبنة الأولى في المجتمع،وجعل لهاأسسًا من اختيار الزوج والزوجة،ووضع لكل من الزوجين حقوقًا وواجبات ،وأوضح دور كل منهما في اللبنة الأساسية للمجتمع،وقد أوضح الدكتور القرضاوي مسئوليات الزوج تجاه زوجته ،فقال :لقد فرضت الشريعة الإسلامية للزوجة حقوقًا تجاه زوجها تعتبر من التكاليف والمسئوليات التي بدونها لا تستقيم الحياة الزوجية، ومن أهمها ما يلي:
أولاً: مسئولية إعانة الزوجة على طاعة الله والتفقه في الدين:
من أهم المسئوليات المُلقاة على الزوج إعانة زوجته على عبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ والتفقه في الدين من خلال حضور مجالس العلم، والدعوة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا ما أشار الله ـ سبحانه وتعالى ـ إليه في العديد من الآيات منها قوله عز وجل: (فالصالحاتُ قانتاتٌ حافظاتٌ للغيبِ بِما حَفِظَ اللهُ..) (النساء: 34).
ولقد سمح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم للنساء ـ بالصلاة بالمساجد وحضور مجالس العلم بها. ودليل ذلك ما روته السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (كُنَّ ـ نساءَ المؤمناتِ ـ يَشهدْن مع رسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاةَ الفجرِ مُتَلَفِّعاتٍ بِمُروطِهن، ثم يَنقلبن إلى بُيُوتهن حين يقضينَ الصلاة، لا يَعْرفُهن أحدٌ مِن الغَلَس". (البخاري ومسلم) وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "الدنيا مَتاعٌ وخيرُ متاعِها المرأةُ الصالحة". والمرأة الصالحة تُعين زوجَها أيضًا على عبادة الله بجانب أن تُمَتعه في الدنيا.
ثانيًا: مسئولية حسن المعاشرة:
يجب على الزوج حسن معاشرة زوجته بالمعروف، ودليل ذلك من الكتاب قول الله ـ تبارك وتعالى ـ "ومِن آياتِه أنْ خَلَقَ لكم مِن أنفسِكم أزواجًا لتَسكنوا إليها وجَعَلَ بينَكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقومٍ يَتفكرون) (الروم:21) ويؤكد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حسن المعاشرة بقوله "أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لأهله". (رواه أحمد والترمذي). ولن تتحقق السكينة والمودة والرحمة بين الرجل وزوجته إلا من خلال المعروف وقد قيل عن أحد الصالحين إنه قال: "بِقَدر ما تُسعِدُ زوجتَك تُسعِدك، وبقدر ما تَزرع طَيبًا تَحصد طيبًا".
ثالثًا: مسئولية الإنفاق بالاعتدال:
لقد أوجبت الشريعة الإسلامية النفقة على الزوج لزوجته، ودليل ذلك من الكتاب قول الله ـ تبارك وتعالى ـ: "والوالداتُ يُرضِعْنَ أولادَهن حَوْلين كاملين لِمَن أرادَ أنْ(28/255)
يُتِمَّ الرَّضَاعةَ وعلى المولودِ له رِزْقُهن وكِسْوتُهن..) (البقرة: 233) ويقرر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك فيقول: "ولهنَّ عليكم رزقُهن وكِسْوتُهن بالمعروف" (البخاري) وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" إذا أنفقَ الرجلُ على أهلِه نفقةً يَحتسِبها فهي له صدقة" (البخاري) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وإنك لن تُنفقَ نفقةً تَبتغي بها وجهَ اللهِ إلا أُجِرتَ بها حتى ما تَجعلُ في فِي امرأتِك" (البخاري ومسلم) ومن ضوابط الإنفاق الاعتدال والوسطية بدون إسراف أو تبذير وفي حدود الاستطاعة.
رابعًا: مسئولية مباشرة الزوجة:
الإنجاب من مقاصد الشريعة الإسلامية، فلا يجوز لأحد الزوجين أن يَحْرِم الآخر حقَّه في المباشرة، وهذا الحق أوجبه الشرع، ودليل ذلك من الكتاب قول الله ـ تبارك تعالى ـ "نساؤُكُم حَرْثٌ لكم.." (البقرة:223) وقوله ـ عز وجل ـ: "فالآنَ باشروهن وابتغوا ما كَتَبَ اللهُ لكم" (البقرة: 187). ومن وصايا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:" تزوّجوا الودودَ الولودَ فإني مُكَاثِرٌ بكم الأمم". (رواه أحمد).
وخطأ ما يشاع جهلاً أن كثرة الأولاد تُسبب الفقر فإن الله ـ عز وجل ـ يرزق الجميع من فضله، وعلى الزوج أن يأخذ بالأسباب ويضرب في الأرض طَلَبًا للرزق الحلال الطيب.
خامسًا: مسئولية حفظ الكرامة والمشاعر:
من مسئولية الرجل تجاه زوجته أن يحافظ عليها من كل ما يَمَس شرفها أو فيه اعتداء على عِرْضِها أو يُقلل من عزتها كإنسانة، أو يُسيء إلى سمعتها ومشاعرها، أو الغدر بالميثاق الغليظ بينهما فقد سُئِل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "تُطعمها إذا طَعمتَ، وتَكسوها إذا اكتسيتَ ولا تضرب الوجه، ولا تُقبح، ولا تَهْجُر إلا في البيت" (أحمد وأبو داود والنسائي).
سادسًا: مسئولية الترويح عن الزوجة:
لقد أوجبت الشريعة الإسلامية على الرجل أن يُرَوِّح عن زوجته ويداعبَها ويمزحَ معها. وفي سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العديد من النماذج العملية. كما لهن حقُّ المشاركة في الاحتفالات مثل: الاحتفال بالعروس والأعياد والأنشطة الاجتماعية، فقد ورد عن أم عطية ـ رضي الله عنها ـ قالت "كنا نُؤمرُ أن نَخرجَ يومَ العيد حتى تَخرجَ البِكْرُ مِن خِدْرِها، وتخرج الحَيِّضُ فيكن خلف الناس فيُكَبِّرن تكبيرَهن ويدعون بدعائهن.." (البخاري ومسلم). وعن عائشة ـ رضي الله عنهاـ قالت "وكان يومُ العيد يلعب فيه السُّوْدَان بالدَرَق (ترس مصنوع من الجلد) والحرب،.. قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: تشتهين تَنظرين؟ قلت: نعم، فأقمني وراءه، خَدِّي على خَدِّه وهو يقول: دونَكم يا بني أرفدة حتى إذا مَلَلْتُ، قال: حَسْبُكِ، قلتُ: نعم، قال فاذهبي". (البخاري ومسلم).
ومن وصايا الصالحين: (الزوجةُ قارورة، فاملأ قارورتَك بما تُحبُّ أن تَشرب) ومنهم من قال: (المرأةُ تحتاج إلى أفضلِ مداراة ولطيفة من الحكمة وطَرف من المواساة، وباب من الملاحظة..) والكلمة الطيبة صدقة.
سابعًا: مسئولية الزوج معاونة الزوجة في مسئوليات البيت:(28/256)
أوجب الإسلام على الزوج أن يُعاون زوجته في مسئوليات البيت عندما تكون هناك ضرورة لذلك، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وتَعاونوا على البرِّ والتَّقوى..) (المائدة:2) ولقد سُئِلت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصنع في بيته؟ فقالت: كان في مِهْنة أهله. أي خدمة أهله. (رواه البخاري) وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ تقول عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كان يَخْصِف نَعلَه ويَخيط ثوبَه ويَعملُ في بيته كما يَعمل أحدُكم في بيته. (رواه أحمد). وقيام الزوج بهذه المسئولية يقوي رابطة الود والعطف والرحمة والحب بينهما، كما يُثاب الزوج على ذلك من الله عز وجل.
ثامنًا: مسئولية بر الوالدين:
على الزوج أن يَحُثَّ ويُعين زوجته على بر والديها والإحسان إليهما وأن تصل رحمها، وأن
لا يتعسف الرجل في مسألة القِوَامة والسمع والطاعة ويمنعها من ذلك، ولقد فرض الله على
المسلم الإحسان إلى والديه أحياءً والدعاء لهما بعد الموت. يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: (وقضى ربُّك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدينِ إحسانًا) (الإسراء:23) ويؤكد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك فيقول: "لقد خاب وخسر (ذكرها ثلاثًا) قالوا مَن يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أَدْرَك والديه عند الكِبَر أو أحدهما ولم يُدخِلاه الجنة" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يؤدي قيام الزوج بهذه المسئوليات إلى تحقيق الخيرية والبركة المعنوية في البيت المسلم من
حيث السكينة والأمن والود والمحبة والرحمة والعطف، ويجب أن يقابل ذلك قيام الزوجة
بمسئولياتها التي فرضها الله عليها
انتهى
فبهذه المسئوليات المتعددة تظهر حكمة التشريع في الحفاظ على البيت المسلم ،كما يتضح لنا مكانة المرأة في الإسلام ،وكيف اعتنى بها زوجة ،فوضع على كاهل الزوج مثل هذه المسئوليات الجسام
والله أعلم
أسباب النفقة الشرعية ... العنوان
ما هي أسباب النفقة التي أوجبها الشرع على المسلم ؟
... السؤال
29/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد(28/257)
النفقة لغة: هي ما ينفقه الإنسان من الأموال كما فى القاموس. واصطلاحًا: كفاية من يمونه خبزًا وإدامًا وكسوة ومسكنًا وتوابعها.
وأسباب النفقة هى:
1- العلاقة الزوجية، فقد أوجب الشارع على الزوج فى جميع الأحوال الإنفاق على زوجته ، غنيًا كان أو فقيرًا، ولم يوجب الإسلام على الزوجة أن تنفق على نفسها وإن كانت موسرة، أو أن تنفق على زوجها بالأولى من هذا المال وإن كان معسرًا ، ولم يوجب عليها أن تتكسب هذه النفقة بالعمل أو نحوه ،فالنفقة حق لها على زوجها بمقتضى عقد النكاح. ومن أدلة وجوبها قول الله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}البقرة:233 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: (اتقوا الله فى النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم.
ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسكنى، ووسائل النظافة، وتشمل أجر الخادم إن كانت الزوجة ممن تخدم فى بيت أهلها، وكان الزوج موسرًا، فيجب لها النفقة فى الوجوه السابقة مقدار كفايتها بالمعروف ،وهذا الحق الذى قرره الإسلام لها، يتحقق به صيانتها وحمايتها من التبذل والامتهان. بسبب اكتساب أسباب الحياة، حيث كفل الإسلام لها هذه الأسباب فى منزل الزوجية بدون تدخل منها ، لتتفرغ لأداء رسالتها المنوط بها فى الحياة.
2- علاقة القرابة ، فقد أوجب الشارع بها على المرء الإنفاق على والديه ، كما أوجب بها على الوالدين الإنفاق على أولادهما ذكورًا أو إناثًا ، إذا كان للمنفق مال يمكنه الإنفاق منه ،فاضلاً عن نفقته ، ولم يكن للمنفق عليه مال ولاكسب يكتفى به عن نفقة قريبه عليه.
ومن الأدلة علي وجوب نفقة الأصول على فروعهم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) (رواه الترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح).
ومن الأدلة على وجوب نفقة الفروع على أصولهم حديث هند زوج أبى سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين اشتكت إليه بخل أبى سفيان: (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك)متفق عليه.
كما أوجب الشارع بمقتضى القرابة نفقة القريب - غير الأصل والفرع - على قريبه بالشروط السابقة فى نفقة الأصول والفروع ، حيث يرى الحنفية وجوب النفقة لكل ذى رحم محرم للمنفق ، ويرى الحنابلة وجوبها لقريبه إن كان يجرى التوارث بينهما، أو كان من ذوى رحمه ، ومن الأدلة على ذلك ماروى عن طارق المحاربى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول ،أمك وأباك ، وأخاك ، ثم أدناك أدناك) رواه ابن حبان فى صحيحه حيث بين فى الحديث أن من المعالين الأخوة والأقرب من الأقارب ، فيجب لهم على أقاربهم المأكل والمشرب والملبس والساكنى ونحوها ، بقدر الكفاية، مراعاة فى ذلك العرف وحال المنفق والمنفق عليه ، وظروف الزمان والمكان. وإيجاب نفقة الأقارب الذين لامال لهم إذا عجزوا عن الكسب - على قريبهم الموسر، يحقق صلة الرحم ، ويقيم(28/258)
العلائق بين أفراد الأسرة على أساس من الترابط والتكافل ،فينصلح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسره.
والله أعلم
مصاريف علاج الزوجة والأولاد ... العنوان
علاج الزوجة والأولاد من أجرة طبيب وثمن أدوية وما إلى ذلك ؛على من تجب الزوج أو الزوجة ؟
... السؤال
08/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... جاء عن ابن عبد الحكم من فقهاء المالكية ( إن على الزوج أجرة الطبيب والمداواة للزوجة) وهو رأى وجيه نرى الأخذ والإفتاء به فنوجب على الزوج مصاريف علاج زوجته من ماله الخاص ولو كانت غنية .
وجاء في المذهب الحنفي أن مصاريف علاج الزوجة لا تجب على الزوج فقد جاء فى رد المحتار ( كما لا يلزمه مداواتها أى إتيانه لها بدواء المرض ولا أجرة الطبيب ولا الحجامة ) - انتهى - .
وهذا هو المعروف فى مذاهب الأئمة الثلاثة أيضا .
وعن مصاريف علاج الأولاد الذى يظهر لنا من قواعد الحنيفية السمحة أنه يدخل فى النفقة الواجبة على الأب الموسر لطفله الصغير الفقير جميع ما يحتاج إليه من وجبت له النفقة من طعام وكسوة وأجرة خادم وأجرة طبيب وثمن دواء وغير ذلك إذ قد تكون حاجة الإنسان المريض إلى أجرة الطبيب وثمن الدواء أشد من حاجته إلى خادم وأيضا قد نص الفقهاء فى باب صدقة الفطر على أنه تجب على الأب صدقة الفطر عن طفله الفقير لتحقق السبب وهو رأس يمونه ويلى عليه ونصوا على أنه يلزم أن تكون المؤنة كاملة مطلقة تشمل غير الرواتب نحو الأدوية وإلا لما وجب عليه صدقة الفطر عنه إذا كان فقيرًا وعلى ذلك يدخل فى النفقة الواجبة لطفله الفقير أجرة الطبيب وثمن الأدوية وقد صدرت بذلك الفتاوى فى حوادث مماثلة ؛ حتى أجرة القابلة(طبيبة الولادة) تكون واجبة على الأب سواء إذا استأجرها أو جاءت بدون استئجار - أو تكون الزوجة قد استأجرتها هى ؛وهذا الذى نفتى به ؛ لأنها كأجر الطبيب فتجب عليه أخذًا بقول ابن الحكم الذى رجحنا العمل به سابقًا فى صدر هذه الفتوى .
والله أعلم .
إكراه الزوجة على الإنفاق ... العنوان
هل يمكن أن تكون نفقة المرأة على زوجها القادر وعلى أبنائها منه ضمن زكاة المال في حالة امتناع الزوج أو إساءة معاملتها وافتعال المشاكل معها لتقوم بذلك؟(28/259)
وما حكم ما يحصل عليه الزوج من أموالها بهذه الطريقة رغم علمه بضيقها وعدم رضاها عن أخذه لأموالها: هل يعتبر مالا حراما؟ وإذا أنفق جزءا منه على الأبناء فما حكم الدين في هؤلاء الأبناء وهذا الزوج؟
وكيف يمكن للزوجة أن تشعر زوجها بضيقها من تصرفاته إذا كان الإسلام قد أعطى له الحق في تأديبها فما هو الحق المقابل للمرأة؟
... السؤال
أ.د ناصر الدين محمد الشاعر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا: ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحسن من خلق هذا الزوج، وأن يرفع من جبروته عليك. ثم إنني ألخص الإجابة في النقاط التالية:
أولا: الزوج آثم وفق وصفك للحال. الزوج آثم مائة بالمائة؛ لأنه لا يجوز أن يبتز الزوجة لأخذ أي مبلغ، سواء كان من أصل المهر أو من غيره؛ حيث إنه لا تُلزم المرأة بالنفقة على العيال ولا على الزوج. وإنما واجب النفقة على الزوج.
ثانيا: أي مبلغ يأخذه الزوج من زوجته إذا لم يكن عن طيب نفس فهو حرام حرام.
ثالثا: هذا التصرف من الزوج لا يدخل في إطار التأديب مطلقا، بل هو تصرف محرم. ولم يصدر عنك -حسب الوصف- ما يستدعي التأديب، بل العكس هو الصحيح، وبإمكان الجهات المختصة في حال رفع الشكوى إليها أن تلزمه بالنفقة على البيت من ماله الخاص.
رابعا: ما يؤخذ جبرا لا يعد من الزكاة، خاصة أن زوجك (القادر) ليس من مصارف الزكاة.
خامسا: لا نعلم إذا كنت تعملين خارج البيت، وأن ما تحصلينه هو نتيجة هذا العمل الذي قد يتسبب في غيابك عن البيت وحقوق الزوج، ولا ندري إن كان شرط بينكما على جعل راتبك على نسبة بينكما في الإنفاق على البيت. عندها تختلف الإجابة، ونحتكم لما كنتما قد اتفقتما عليه مسبقا.
أخيرا: نحن ننصحك بالعودة لأهل الخير والإصلاح لتسوية الأمر بينكما بالتي هي أحسن؛ حرصا على عش الزوجية وعلى الأطفال.
والله أعلم.
نفقات علاج الزوجة ... العنوان
هل تجب على الزوج نفقة علاج زوجته، أم أن النفقة عليها هي؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... قال الله تعالى: ( وعاشِروهُنَّ بالمَعروفِ ) (سورة النساء : 19) وقال ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ: " ولهُنَّ عليكم رِزقُهنّ وكسوتهُنّ بالمعروف " رواه مسلم ، وحذّر من التقصير في ذلك فقال " كفَى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع مَن يَقُوت " رواه أبو داود وروى(28/260)
مثله مسلم.
وقد فصَّل العلماء هذا المعاشرة المطلوبة وأنواع النفقة اللازمة، من غذاء وكساء ومسكن ومتعة وخدمة، وما يعتاد في المواسم والمناسبات" يراجع الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص203".
ومن جهة علاجِها قال الذين أوجبوا لها ما تطلبه الحامل أثناء الوحم، بوجوب علاجها من المرض، فإن المرض له دخل كبير في التأثير على تمتعه بها، وعلاجها هو من المعاشَرة بالمعروف، وللفقهاء اجتهاد في ذلك، وفقهاء الشافعية " الإقناع للخطيب ج2 ص191 " لا يوجِبون على الزوج ثم الدواء ولا أجر الطبيب، متعلِّلين بأن ذلك لفظ الأصل ولا صلة له به، وكيف يقال ذلك والمرض مانع أو منغِّص على الزوج متعتَه وما يلزمها وما تقوم به الزوجة من واجبات الأسرة؟ مثل الشافعيّة قال الحنابلة " معجم المغني ص970".
وفي القانون المصري للأحوال الشخصية رقم 44 لسنة 1979 م نصت المادة 2 / 4 على أن النفقة تشمل الغذاء والكساء والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك ممّا يقضي به العرف " الفتاوى الإسلامية ـ المجلد الرابع ص1387 ".
وتجهيزها من الموت إلى الدفن بدون إسراف ولا تبذير يكون على الزوج كما ذهب إليه أبو يوسف من الأحناف، وصدر به قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 " مادة 4 " الفتاوى الإسلامية ـ المجلد الخامس ص1938.
ـــــــــــــــــــ
حقوق المطلقة قبل الدخول ... العنوان
ماهى حقوق المطلقة قبل الدخول ؟ ... السؤال
06/03/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى عملا بالقانون رقم 44 سنة 1979 .
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فى فقه المذهب الحنفى الذى ينص على أن الهبة والهدية ترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .(28/261)
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة فى الفقه الحنفى والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
ـــــــــــــــــــ
حكم نفقة الزوج لزوجته ... العنوان
هل تعني نفقة الزوج على زوجته أن له حق حبسها عن العمل؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... نفقة الزوج على زوجته واجب من الواجبات التي أقرها وطاب بها شرع الله عز وجل، وعليه أن ينفق على زوجته وعلى أولاده وعلى كل من تلزمه نفقته، وعلى الزوجة في مقابل ذلك أن تحتبس لتقوم بأداء واجباتها نحو زوجها، وهذا الاحتباس لأداء حقوق الزوج ليس حبسا بالمفهوم العرفي بما اصطلح عليه الناس، وليس منعا لها من الخروج، ولكن معناه أن تعطيه ما له من حقوق الزوجية، وفي مقدمتها الجماع عندما يجد الرغبة في ذلك، وليس معنى هذا أن يمنعها من الخروج أو يمنعها من العمل؛ فقد يكون العمل المطلوب منها فرضا كفائيا يجب عليها أن تقوم به، كأن تكون طبيبة للنساء أو ممرضة أو مصلحة اجتماعية أو مدرسة أو غير ذلك من المهن التي لا يقوم بها إلا امراة، فعند ذلك يتحتم عليها أن تقوم بهذا العمل، أما إذا كان العمل ليس فرضا كفائيا عليها، فيستحب أن يكون ذلك باتفاق مع الزوج، ولا تخرج بدون إذنه أو بدون موافقته إلى العمل؛ لأن عليها أن تطيعه خاصة إذا كان يكفيها في كل نفقاتها؛ فيكون خروجها عند ذلك لا معنى له إلا الرغبة فقط في العمل، الرغبة فقط في الخروج، ولا يكون ذلك لمصلحة شرعية شرعها الله سبحانه وتعالى
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز إعطاء الأقارب الزكاة ... العنوان
سمعت أن إعطاء الزكاة للأقارب لا يجوز ، فهل هذا صحيح؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الأقارب هنا قسمانِ، قسم تجب على الإنسان نَفَقَتُهُ كالأبوين والأولاد والزوجة وقِسْمٌ لاتجب عليه نفقته، كالعم والخال والعمة والخالة.
وقد اتفق الفقهاء على جواز إعطاء الزكاة للقسم الثاني، بل هم أَوْلَى بها من غيرهم، لأنها تكون زكاة وصِلَةَ رَحِمٍ في وقت واحد كما رواه أحمد وابن ماجة والنسائي والترمذي وحَسَّنَهُ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "الصدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذى الرحم ثِنْتَانِ، صدقةٌ وصِلَةٌ".
أما القسم الأول: وهو من تجب عليه نفقته فالإجماع على أنه لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة، لأن المفروض في المُزَكِّي أن يُنفق عليهم النفقة الكافية التي لا تجعلهم فقراء(28/262)
ولا مساكين يستحقون الزكاة والمزكي عنده مال كثير زائد عن حاجته و حاجة مَنْ يعولهم فهم في غير حاجة إلى الزكاة. فالولدان لا يجوز إعطاء الزكاة لهما، وكذلك الأولاد الصغار أو البالغون إذا كانوا قادرين على الكسب، فإن قدروا على الكسب فلا تجوز الزكاة لهم.
وكذلك الزوجة نفقتها واجبة على الزوج فلا يُعطيها من زكاته، لأنه لو أعطى هؤلاء الذين تجب عليه نفقتهم فهو يعطي نفسه، لأن الزكاة ستخفف من عِبْءِ النفقة الواجبة عليه. رَوَى الأثرم في سننه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما قال: إذا كان ذو قرابَةٍ لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك، وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لِمَنْ تعول "نيل الأوطار للشوكاني ج 4 ص 189".
والشوكاني يرى جواز إعطاء الزكاة للقريب، بصرف النظرعن كون نفقته واجبة على المُزَكِّي أو غير واجبة، مستندًا إلى حديث البخاري ومسلم في شأن زينب امراة عبد الله بن مسعود الثقفي وشأن امرأةٍ معها، حيث سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم : أتجزى الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتامٍ فى حُجُورِهما؟ فقال "لهما أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة" وفي رواية البخاري عن أبي سعيد " زوجك وولدك أَحَقُّ مَنْ تصدقت عليهم".
يقول الشوكاني في وجه الاستدلال إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يستفصل عن الصدقة إن كانت واجبة أو تطوعًا، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال يَنزل منزلة العموم في المقال، والأصل عدم المانع، فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعانِ من إجراء الزكاة فعليه الدليل، ولا دليل.
وقد أجاز الشوكاني ذلك لأن الأم لا يلزمها أن تنفق على ابنها مع وجود أبيه، لكن قد يقال: إن الأيتام ربما لا يكونون أولادها فتصح الزكاة عليهم.
وقد روى عن مالك أن الممنوع من أخذ الزكاة هم الأب والأم والأولاد، أما الجَدُّ والجدة ومَنْ عَلا، بنو الْبَنِينَ ومَنْ نَزَلَ فيجوز صرف الزكاة إليهم، أما غير الأصول والفروع ممن تجب نفقتهم ـ كالزوج والزوجة ـ فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يجزئ صرف الزكاة إليهم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وأصحابه يجوز ويجزئ، وذلك لعموم الدليل في التصدق على الأقارب، حيث لم يفصل بين قرابة وقرابة، ولا بين وجوب النفقة وعدم وجوبها، كما وضحه الشوكاني.
وهذا كله في الصدقة الواجبة كالزكاة، أما صدقة التطوع فالأقارب بوجه عام أولى بها كما سبق ذكره، ومما يُرَغِّبُ في ذلك أيضًا حديث رواه مسلم "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ـ يعني تحرير رقبة من الرِّقِّ ـ ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك" وجاء في تفسير القرطبي " ج 8 ص 190" جواز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير بناءً على حديث زينب الثقفيَّة، حتى لوكان يستعين بها على النفقة عليها كما كان يفعل ابن حبيب، وقال أبو حنيفة لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا يجوز، وذهب الشافعي وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك إذا لم يصرفه إليها فيما يلزمه لها، وإنما يصرف ما يأخذه منها في نفقته وكسوته على نفسه ، وينفق عليها ماله(28/263)
وفي الفتاوى الإسلامية "مجلد 1 ص 115" لو دفع الزكاة إلى مَنْ تجب نفقته عليه جاز إذا لم يحسبها من النفقة، وذلك في غير الزوجة والأصول والفروع، كما وضحتها فتوى في المجلد الخامس ص 1799.
ـــــــــــــــــــ
حدود نفقة الزوجة على زوجها ... العنوان
هل يجب على الزوج راتب شهرى لزوجته إذا كان يقوم بكل احتياجاتها ؟ وإذا كان يصرف بدلا معينا من الجهة التى يعمل بها هل يجب عليه أن يعطى لزوجته هذا البدل ؟
... السؤال
05/07/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... يرأي الأحناف: أن النفقة غير مقدرة بالشرع، وأنه يجب على الزوج لزوجته قدر ما يكفيها من الطعام، والإدام، واللحم والخضر، والفاكهة، والزيت، والسمن.. وسائر ما لا بد منه للحياة حسب المتعارف.. وأن ذلك يختلف باختلاف الأمكنة، والأزمنة، والأحوال.
كما يجب عليه كسوتها صيفًا وشتاءً ورأوا تقدير نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج، يسرًا وعسرًا مهما تكن حالة الزوجة، لقول الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها، سيجعل الله بعد عسر يسرًا. وقوله سبحانه: (أسكنوهن من حيث سكنتم، من وجدكم).
مذهب الشافعية في تقدير النفقة:
والشافعية لم يتركوا تقدير النفقة إلى ما فيه الكفاية، بل قالوا: إنما هي مقدرة بالشرع، وإن اتفقوا مع الأحناف في اعتبار حال الزوج يسرًا وعسرًا، وأن على الزوج الموسر وهو الذي يقدر على النفقة بماله وكسبه –في كل يوم مدين.. وأن على المعسر الذي لا يقدر على النفقة بمال ولا كسب- مدًا في كل يوم.. وأن على المتوسط مدًا ونصفًا، واستدلوا لمذهبهم هذا بقول الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته. ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله).
قالوا: ففرق بين الموسر والمعسر، وأوجب على كل واحد منهما على قدر حاله، ولم يبين المقدار فوجب تقديره بالاجتهاد، وأشبه ما تقاس عليه النفقة، الطعام في الكفارة لأنه طعام يجب بالشرع لسد الجوعة، وأكثر ما يجب في الكفارة للمسكين مدًا، في فدية الأذى. وأقل ما يجب مد وهو في كفارة الجماع في رمضان. فإن كان متوسطًا لزمه مد ونصف، لأنه لا يمكن إلحاقه بالموسر، وهو دونه، ولا بالمعسر وهو فوقه. فجعل عليه مد ونصف.
قالوا: ولو فتح باب الكفاية للنساء من غير تقدير لوقع التنازع، لا إلى غاية. فتعين ذلك التقدير اللائق بالمعروف. وهذا خلاف ما لا بد منه في الطعام من الإدام واللحم، والفاكهة.(28/264)
وقالوا: يجب لها الكسوة مع مراعاة حال الزوج من اليسار والإعسار، فلزوجة الموسر من الكسوة، ما يلبس عادة في البدل من رفيع الثياب. ولامرأة المعسر الغليظ من القطن، والكتان، ونحوهما. ولامرأة المتوسط ما بينهما.
ويجب لها مسكن على قدر يساره، وإعساره، وتوسطه، مع تأثيث المسكن تأثيثًا يتناسب مع حالته. وقالوا: إذا كان الزوج معسرًا ينفق عليها أدنى ما يكفيها من الطعام، والإدام، بالمعروف. ومن الكسوة أدنى ما يكفيها من الصيفية والشتوية. وإن كان متوسطًا ينفق عليها أوسع من ذلك بالمعروف ومن الكسوة أرفع من ذلك كله بالمعروف. وإنما كانت النفقة والكسوة بالمعروف، لأن دفع الضرر عن الزوجة واجب، ولذلك بإيجاب الوسط من الكفاية وهو تفسير المعروف.
العمل في المحاكم الآن:
وما ذهب إليه الشافعية وبعض الأحناف من رعاية حال الزوج المالية، حين فرض النفقة، هو ما جرى به العمل الآن في المحاكم، تطبيقًا للمادة 16 من القانون رقم 25 لسنة 1929. ونصها: "تقدير نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسرًا وعسرًا، مهما كانت حالة الزوجة" وهذا هو العدل، لأنه يتفق مع الآيتين المتقدمتين.
تقدير النفقة عينًا أو نقدًا:
يصح أن يكون ما يفرض من النفقة من الخبز، والإدام والكسوة، أصنافًا معينة، كما يصح أن تفرض قيمتها نقدًا لتشتري به ما تحتاج إليه. ويصح أن تفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب ما هو ميسور للزوج.
والذي يسري عليه العمل الآن في المحاكم، هو فرض بدل طعام الزوجة شهريًا، وبدل كسوتها عن ستة شهور. باعتبار أنها تحتاج في السنة إلى كسوة للصيف، وأخرى للشتاء.
وبعض القضاة يفرض مبلغًا شهريًا للنفقة بأنواعها الثلاثة بدون تفصيل، مراعيًا أن يكون فيما يفرضه لها كفاية لطعامها، وكسوتها، وسكناها، حسب حالة الزوج عسرًا أو يسرًا.
انتهى
وبعد استعراض أقول الفهاء نقول للسائل إن الواجب على الزوج من
النفقة هو كفاية الزوجة م
ن الطعام أو الكسوة أو الاحتياجات الأخرى كل حسب طاقته وحسب غناه أو فقره ويمكن أن يكون ذلك عينيا أو نقديا حسب ظروفه أيضا أما مايأخذه من بدلات فليس للزوجة حق فى هذا إلا أن يشاء الزوج وليس لها أن تجمع بين نفقته عليها والقيام بحاجتها والراتب الشهرى والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
عناية الإسلام بالمطلقة ... العنوان
كيف ضيق الإسلام حدود الطلاق،وكيف اعتنى بالمطلقة؟ ... السؤال
25/05/2002 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...(28/265)
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
:
جعل الإسلام الطلاق أبغض الحلال إلى الله ،كما جعل استخدامه في نهاية المطاف إذا ضاقت سبل الإصلاح ،وحرم على المسلم الطلاق بدون داع،ودعا الأزواج إلى الصبر على الزوجات ، وأوضح منهج الإصلاح بين الزوجين في الخلافات،وجعل للمطلقة حقوقا كدفع الرجل مؤخر الصداق،والنفقة ،وأجرة الرضاع، والمتعة .
يقول الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة وعضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية :
من مفاخر الإسلام أن تعاليمه مبنية على الرحمة والرأفة، وتشريعاته تقوم على المواساة، وجبر الخاطر، وتفريج الكرب، وإيناس الوحشة، وعزاء المصاب وتهوين الفاجعة، ومصداق ذلك قول الله – تبارك وتعالى – في صفة نبيه – عليه الصلاة والسلام - : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)،[الأنبياء : 107].
ولذلك قيل – بحق وصدق – إن الإسلام دين الرحمة والشفقة والرأفة، ومن الأمثلة الواضحة على تحقيق هذه المعاني في تشريعات الإسلام، وضع نظام لحل المشكلات الزوجية، وعدم الإقدام على الطلاق، ولذلك فقد شرع الإرشادات والتوجيهات التي تكفل استقرار الحياة الزوجية، وعدم إيقاع الطلاق إلا في حالة الضرورة، ومن هذه الإرشادات والتوجيهات ما يلي:
أولاً: تنفير المسلمين من الطلاق، حيث اعتبره الشارع أبغض الحلال إلى الله، فقال عليه الصلاة والسلام: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
ثانياً: حث الأزواج على الصبر وتحمل ما يبدو من المرأة من قصور أو اعوجاج مادامت لا تمس الشرف والدين، فقال – تعالى -: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)، [النساء : 19]. وقال – صلى الله عليه وسلم -: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً سره منها آخر). النووي على مسلم، ج3، (ص: 657).
ثالثاً: رسم القرآن الكريم المنهج القويم لعلاج ما قد يطرأ بين الزوجين من خلاف، أو ينشأ من مشكلات في قوله – تعالى -: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن) فإذا زال الخلاف واستقامت الأحوال بهذه الأساليب صار الطلاق – حينئذٍ – ممنوعاً. حيث جاء في ختام الآية الكريمة ما يفيد منع الطلاق عند استقامة الأحوال، قال – تعالى -: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً)، [النساء: 34]. وقال – صلى الله عليه وسلم – (إن في طلاق أم أيوب حوباً – أي إثماً-) وجاء رجل إلى الخليفة الراشد عمر – رضي الله عنه – يريد طلاق امرأة، وعلل ذلك بأنه لا يحبها، فقال الخليفة الراشد: "ويحك هل كل البيوت تبني على الحب؟ أين التجمل والوفاء أين المروءة والحياء؟ إن الإنسان ينبغي أن يكون
في هذا تقياً".(28/266)
رابعاً: تولَّت الشريعة علاج ما قد ينشأ بين الزوجين من خصومة ونزاع، بطريقة تسهم فيها أسرة المرأة وأسرة الرجل، حيث قال الله – تعالى - : (فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفِّق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً)، [النساء : 35].
خامساً: رتب للمطلقة حقوقاً مالية كبيرة وكثيرة لدى الزوج، حتى تجعله يتريث ويفكر ملياً قبل إقدامه على إيقاع الطلاق، وهذه الحقوق هي:
(1) على الزوج أن يوفيها مؤخر الصداق.
(2) يلزمه نفقتها من مأكل وملبس ومسكن ودواء ما دامت في العدة.
(3) إلزام الرجل بدفع أجرة الرضاع. قال – تعالى -: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن)، [الطلاق:6].
(4) أجرة الحضانة حتى بلوغ الأطفال سن السابعة.
(5) وأيضاً فإن من الحقوق التي يرتبها الطلاق للمرأة على الرجل: المتعة.
وفي حقوق المطلقة يقول الشيخ القرضاوي:
المطلوب من المطلق أن يعطي زوجته ثلاثة أشياء:
نفقة العدة وهذا من حق كل مطلقة، والأمر الثاني: المتعة، "وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين"، والمتعة تركها القرآن للمعروف، أي ما يتعارف عليه أهل الخير والمعروف، وتختلف متعة المرأة من بلد إلى بلد، ومن زمان إلى زمان، ومن حال إلى حال، كما قال تعالى: "وَعَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه ... "، ثم عليه أن يدفع لها مؤخر مهرها إذا كان لها مهر متأخر، يدفعه لها، وإذا كان مهرها هو حجرة النوم كما اتفقا عليه وقدمها لها، وقبلت هذا المهر في المدة الماضية، فمعناها أنها استوفت حقها وأصبحت الحجرة هذه من أملاكها، وأفضل أن يعوّضها الرجل عن انتفاعه بهذه الحجرة طوال هذه المدة، فعليه أن يدفع لها شيئًا مقابل هذا الانتفاع مقابل مدة الحياة الزوجية التي كانت بينهما
والله أعلم
حقوق المطلقة قبل الدخول ... العنوان
تم عَقْد قَراني على زوجتي وقدمت لها مَهْرًا قدره عشرة آلاف من الجنيهات، منها خمسة آلاف مُقَدَّم وخمسة آلاف مُؤَخَّر صداق، كما قَدَّمْتُ لها شَبْكَة وهدايا ، ثم حدث خلاف بيننا، فحَصَلَتْ على الطلاق بحكم قضائيّ، وتريد إنهاءَ النزاع بالطريق الوديّ.
فأرجو بيانَ ما لهذه الزوجة من حقوق مادية قِبَلي علمًا بأن الطلاق وقع قبل الدخول.
... السؤال
02/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:(28/267)
فالطلاق قبل الدخول يقع بائنا ويوجب نصف المهر المسمى في عقد الزواج ، والنفقة من وقت العقد إلى وقت الطلاق ، ولا عدة فيه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلاً) ، وهذا إذا لم يحدث خلوة صحيحة بين الزوجين ، وهي التي يمكن فيها وقوع جماع بين الزوجين وإن لم يقع فعلا، فإذا كان الطلاق قبل الدخول بعد خلوة صحيحة وجب المهر كاملا والعدة والنفقة إلى نهاية العدة .
وأما الشبكة فإن كان الشرط أو العرف أنها من المهر فتأخذ حكمه ، وإلا فهي هدية ، والهدية إن كانت بعد العقد فلا يجوز الرجوع فيها ، لأن قيام الزوجية من موانع الرجوع في الهبة ، وإذا كانت قبل العقد فلا يرد منها إلا ما كان قائما .
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
إذا ما طَلَّقَ الزوج زوجتَه قبل الدخول وقبل الخَلوة فلها نصف المَهْر عاجلة وآجله لقوله تعالى: (وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ وقد فَرَضتم لهنَّ فَريضةً فنصفُ ما فَرَضتم إلا أن يَعْفُونَ أو يَعْفوَ الذي بيدِه عُقْدةُ النِّكاح) (البقرة: 237).
أما بالنسبة للنفقة الشرعية، فإذا كان الطلاق قبل الدخول وقبل الخَلوة فتستحق المطلقة نفقة شرعية من تاريخ عَقْد القِرَان إلى تاريخ الطلاق، وتُقَدَّر يُسرًا وعُسرًا على حسب حالة الزوج، وليس لها نفقة متعة؛ لأنها لا تجب إلا بالدخول الحقيقيّ، وليس عليها عِدَّة.
أما إذا كان الطلاق قبل الدخول وبعد الخَلوة الشرعية الصحيحة فإنه يجب لها المَهْر كله عاجله وآجله، وتجب لها النفقة الشرعية من تاريخ عَقْد قِرَانها إلى تاريخ انتهاء عدتها منه شرعًا؛ لأن الخَلوة الشرعية الصحيحة تشارك الدخولَ الحقيقيّ في تأكيد المَهْر كاملاً، وفي ثبوت النسب، وفي ثبوت العِدَّة. وليس لها نفقة متعة؛ لأنه لم يَدخل دخولاً حقيقيًّا.
أما الشبكة والهدايا التي قدَّمها الزوج في هذه الحالة لزوجته فقد صارت من حق الزوجة خالصًا لها لا ينازعها فيه أحد بمجرد العَقْد عليها؛ لأن الهدايا لا تُرَدُّ بين الزوجين، فعَقْد الزواج من موانع الرجوع في الهدايا بين الزوجين.
ومما ذُكِرَ يُعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي فتاوى دار الإفتاء بالأزهر :
المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى.
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .(28/268)
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة ، والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
والله أعلم .
أحكام المطلقة ... العنوان
ماذا يجب على المطلقة أن تفعله فور طلاقها ؟
... السؤال
24/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
للمطلقة في التشريع الإسلامي أحكام وتفصيل ؛ يقول أ.د: محمد رأفت عثمان - عميد كلية الشريعة والقانون بالقاهرة جامعة الأزهر:ـ
إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبيه عن زوجها؛ وإذا كان طلاقا بائنا بينونة صغري أو كبري فلا يحل لها أن يتمتع بها بأى نوع من أنواع التمتع بل يحرم عليه أن يختلي بها أو ينظر إلى غير وجهها وكفيها؛ أما إذا كان الطلاق رجعيا فله كل ذلك ما دامت في العدة لأنها في حكم الزوجة؛المرأة المطلقة تعتد في بيت زوجها؛
فإذا انتهت العدة دون مراجعة فلا حق لها في البيت ويجب أن تخرج إلى مكان آخر؛أو يخرج الزوج إلى مكان آخر ويتركها في البيت إذا كانت حاضنة كى ترعي أولادها الذين يجب أن يوفر الزوج لهم جميعا النفقة الكاملة ومنها المسكن اللائق .
فإذا لم يوجد مسكن لائق منفصل عن بيت الزوجية يقيم به الزوج أو تقيم به المرأة مع أولادها جاز لولى الأمر أن يمكنهم من الوجود في مسكن واحد للضرورة على أن يؤمن عدم الخروج على الآداب الشرعية التي يجب توافرها بين الرجل والمرأة الأجنبين من عدم الخلوة بينهما وعدم كشف ما أمر الله بستره وغير ذلك مما هو معروف.
والله أعلم
الحكمة من توريث الشريعة الإسلامية للعصبات ... العنوان
: أثار أحد الصحفيين المرموقين زوبعة من القيل والقال، حول حكم الشريعة الإسلامية الغراء في توريث العصبة وهم أقارب الأب من الإخوة وأبناء الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام ونحوهم مع بنات الميت من صلبه.(28/269)
وتساءل الكاتب عن الحكمة والمصلحة من وراء هذا التشريع، مع أن كثيرًا من هؤلاء العصبات من إخوة وأعمام، قد يكونون أبعد ما يكون عن الميت المورث من الناحية الواقعية، فلا مودة ولا صلة ولا تزاور، حتي إذا مات الرجل، وترك ابنة أو اثنتين أو ثلاثًا، ظهر هؤلاء العصبة بعد اختفاء، وقربوا بعد ابتعاد، وطالبوا بنصيبهم في التركة، فهل هذا يتفق مع حكمة الشريعة التي أقامت أحكامها علي أساس تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد؟
لقد أثار هذا الكلام بعض البلبلة لدي بعض الناس. لهذا نرجو بيان حكمة الشريعة في هذا الأمر. ولكم الأجر من الله والشكر من الناس.
... السؤال
16/03/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
من مزايا الشريعة الإسلامية أن أحكامها متماسكة متكاملة ومتناسقة يأخذ بعضها بحجز بعض، ولا ينفصل بعضها عن بعض، فهي وحدة لا تتجزأ، ولا يجوز أخذ بعضها معزولاً عن البعض الآخر، ومن هنا قال الله تعالي لرسوله ولكل من يحكم في الأمة من بعده : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) (المائدة: 49). وأنكر أشد الإنكار علي بني إسرائيل أخذهم ببعض الكتاب دون بعض، بقوله: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب) (البقرة: 85).
وعلي هذا الأساس كان تشريع ميراث (العصبة) في الإسلام.
وأصل هذا ثابت بالسنة الصحيحة المتفق عليها عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولي رجل ذكر ".
والفرائض هي المقادير والأنصبة التي فرضها الله وقدرها في كتابه لأصحابها من الثمن، والربع، والنصف، والسدس، والثلث، والثلثين، ومن المعلوم أن هذه الفرائض قد لا تستغرق التركة في بعض الأحوال، كما إذا ترك الميت بنات لا ذكور معهن، فكيف يوزع الباقي، الذي سكت عنه القرآن؟
هنا جاء الحديث الصحيح، وحدد طريقة التوزيع والاستحقاق، وأنه "لأولي رجل ذكر"، وأولي الرجال الذكور هؤلاء هم الذين نسميهم "العصبة" وهو الذي يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض من التركة، وينفرد بها إذا لم يوجد صاحب فرض.
ففي حالة ما إذا ترك الميت ابنتين أو ثلاثًا مثلاً، وأمّا وزوجة، فإن البنات لهن الثلثان والأم لها السدس والزوجة لها الثمن وهذه فرائض منصوص عليها في القرآن.(28/270)
فإذا افترضنا المقام (أربعة وعشرين)، فمجموع هذه الفرائض يساوي (23/24)، ويبقي من التركة (واحد) علي (أربعة وعشرين)، وإذا لم توجد أم للميت يصبح الباقي (خمسة) علي (أربعة وعشرين)، وإذا لم توجد أم ولا زوجة يصبح الباقي (ثمانية) علي (أربعة وعشرين)، وهذا الباقي قل أو كثر، هو من نصيب العصبة: أولي رجل ذكر، فأولي الناس بالميت هو أقربهم.
وسر توريث العصبة يرجع إلي فلسفة الإسلام في نظام الأسرة فهي ليست الأسرة الضيقة المحصورة في الزوجين وأولادهما، كما هو معروف عند الغربيين وغيرهم، بل هي الأسرة الممتدة، أو الموسعة، التي يدخل فيها الأقارب والأرحام.
ولهذا وجدنا القرآن والسنة حافلين بتأكيد حق ذوي القربي وإيجاب صلتهم، وتحريم قطيعتهم.
وحسبنا أن نقرأ مثل هذه الآيات: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربي ...). (النساء: 36).
(وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا........) إلي أن قال: (وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل). (الإسراء: 23 -26 ).
(يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامي والمساكين ....). (البقرة: 215 ).
(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقًا علي المتقين). (البقرة: 180).
(واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا). (النساء: 1 (
(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم). (محمد: 22، ( 23).
ولم يدع الإسلام الأمر وصايا أخلاقية، ودعوة قائمة علي الترغيب والترهيب فحسب، بل تدخل بالتشريع لحماية الوصايا وتنفيذها: فشرع عدة أنظمة، تكفل بقاء النظام واستمراره كما يحب الله ورسوله، منها:
-1 نظام النفقات:
فمن حق القريب الفقير الذي لا كسب له ولا مورد، أن ينفق عليه قريبه الموسر، بما يحقق له كفايته.
وهذا النظام من دعائم التكافل الاجتماعي في الإسلام، علي معني أن الأسرة فيما بينها تتكافل، قبل أن يطلب من الغرباء أو المجتمع أو الدولة. (انظر: كتابنا: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، فصل نفقات الأقارب ).
يقول تعالي: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلي الوارث مثل ذلك). (البقرة: 233 (.
ومعني: (وعلي الوارث مثل ذلك) أي علي القريب الذي يرث من المولود له وهو أب المولود إذا مات، رزق الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي النفقة عليهن في حالة الرضاع. فكما أنه يرث فيغنم ينفق فيغرم، والغنم بالغرم.
2 - نظام الميراث:(28/271)
فقد ورث الإسلام الأقارب بعضهم من بعض وفق نظام مرسوم وترتيب معلوم، يحجب الأقرب إلي الميت درجة من هو أبعد منه. يقول تعالي في سورة النساء التي بدأها بالوصية بتقوي الله والأرحام: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا). (النساء: 7(
والعدل يقتضي أن القريب الذي قد يكلف النفقة علي قريبه إذا عجز وأعسر، أن يكون له نصيب من ميراثه إذا مات ولا عاصب له، ليتقابل الغرم والغنم.
والبنت أو البنات اللاتي مات والدهن، وليس لهن إخوة في حاجة إلي ولاية العاصب وحمايته، إن كن ذوات مال، وإلي رعايته ونفقته إن لم يكن لهن مال. فاقتضت حكمة الشريعة أن يكون الرباط موصولاً وقويًا بين البنات وعمومتهم أو بني عمومتهم، لهذا السر.
3- نظام العاقلة:
وتأكيدًا لهذا الرباط بين أفراد الأسرة الموسعة، شرع الإسلام نظام العاقلة في الديات.
فمن قتل قتيلاً خطأ أو شبه عمد، فإن دية المقتول في مال عصبته موزعة علي ثلاث سنوات لا في مال الجاني وحده، وفي هذا عدة فوائد:
1 - ألا يضيع دم هدرًا إذا عجز مال الجاني عن دفع الدية.
2- مواساة الجاني والتخفيف عنه في تحمل آثار جريمة لم يتعمدها.
3 - اهتمام هذه الجماعات بتربية أبنائها ومراقبة سلوكهم حتي لا يتكرر منهم ارتكاب هذه الجرائم، ويكلفوهم ما لا يطيقون.
إن الذي جعل حكم ميراث العصبة مع البنات مستغربًا لدي بعض المسلمين، هو الواقع الرديء الذي نراه في الحياة الإسلامية اليوم بين الأقارب بعضهم وبعض، حتي إن الإخوة يعيشون في بلد واحد ولا يتواصلون. وربما تمر السنوات ولا يري بعضهم بعضًا، وقد يكون أحدهم غنيًا والآخر فقيرًا أو الآخرون فقراء، فلا يفكر فيهم، ولا ينالهم شيء من خيره.
وتنتقل هذه الجفوة أو القطيعة من الآباء إلي أولادهم، فلا يكادون يعرفون شيئًا عن أعمامهم أو أولاد أعمامهم، حتي إذا مات العم أبو البنات، وكان له تركة ومال يورث يظهر فجأة العم المختفي أو أولاد العم الذين لم يرهم أحد من قبل.
إن هذا الواقع مناقض لتعاليم الإسلام، وهو الذي جعل بعض الناس يتساءل: ما الذي جعل لهذا العم أو أبنائه حقًا، ولم يكن له أو لهم أي صلة بهم من قبل؟
إن سلوكنا نحن المسلمين كثيرًا ما يظلم به الإسلام. ولكن الحقيقة التي لا ريب فيها: أن الإسلام حجة علي المسلمين، وليس المسلمون حجة علي الإسلام.
هدانا الله جميعًا سواء السبيل.
والله أعلم
من ضوابط النفقة على الأقارب ... العنوان(28/272)
أرجو من السادة العلماء توضيح حدود النفقة لغير الوالدين أي الأخوة والأخوة والأقارب وهل هي واجبة علي المسلم كالنفقة على الوالدين أم أن النفقة عليهم تكون من باب الفضل فقط؟؟؟
وجزاكم الله خيرا ... السؤال
17/03/2005 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر:
فنفقة الأقارب غير الأصول والفروع، كالإخوة والأخوات، ونحوهم من ذوي القُرْبى، فإن مذهب جمهور الفقهاء، وُجوب نفقتهم على قريبهم، بشروط نفقة الأصول والفروع، لحديث: "يد المعطي العليا وابدأ بمَن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك"، حيث ذكر ضمن المُعالين الإخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم بقَدْر الكفاية المأكل والمشرب والملبَس والمسكن، مراعًا في ذلك العُرْف وحال المُنفِق والمُنْفَق عليه: وظروف الزمان والمكان.
ويرى جمهور الفقهاء أن هذه النفقة تجب على وجه لا تَصِير به دَيْنًا في ذمة المُنفِق، ومِن ثَمَّ فإنها تَسقُط بمُضِيِّ المُدَّة؛ لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجِزَة، على سبيل المُواسَاة لهؤلاء، فإذا مضت المدة دون دفعها زالت هذه الحاجة فتَسقُط، ويمتنع السقوط بمُضِيِّ المدة، إذا أنفق على القريب شخص غير متبرِّع أو فرضها القاضي على مَن وَجَبَت عليه، وكل هذا يُدَلِّل على عناية التشريع الإسلامي بالترابُط الأسْرِي، وصلة الرحم بين أفراد الأسرة، وشيوع التكافل بينهم، ليَنْصَلِح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسْرِه.
ويقول الأستاذ الدكتور سلمان بن فهد العودة من علماء المملكة العربية السعودية
النفقة على الأخوة وسائر القرابات: قيل: تلزم إن كان المنفق وارثاً لهم، لم يحجب عنهم. لقول الله تعالى : [وعلى الوارث مثل ذلك] وهو المشهور من مذهب الحنابلة. انظر الإنصاف (9/393)، وهو مذهب الحنفية إلا أن الحنفية يشترطون المحرمية بدلاً من التوارث، انظر بدائع الصنائع (4/31) .
وقال ابن حزم في المحلى (9/266): 1929 ـ : فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار والصغار أن يبدأ بما لا بد له منه، ولا غنى عنه به : من نفقة وكسوة، على حسب حاله وماله، ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه : من أبويه، وأجداده، وجداته، وإن علوا - وعلى البنين والبنات وبنيهم - وإن سفلوا - والإخوة والأخوات والزوجات - : كل هؤلاء يسوى بينهم في إيجاب النفقة عليهم، ولا يقدم منهم أحد على أحد - قل ما بيده بعد موته أو كثر - لكن يتواسون فيه، فإن لم يفضل له عن نفقة نفسه شيء : لم يكلف أن يشركه في ذلك أحد ممن ذكرنا، فإن فضل عن هؤلاء ـ بعد كسوتهم ونفقتهم ـ شيء أجبر على النفقة على ذوي رحمه المحرمة وموروثيه، إن كان من(28/273)
ذكرنا لا شيء لهم، ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه، وهم الأعمام، والعمات - وإن علوا - والأخوال والخالات - وإن علوا - وبنو الإخوة - وإن سفلوا.
والموروثون هم : من لا يحجبه أحد عن ميراثه إن مات، من عصبة أو مولى من أسفل، فإن حجب عن ميراثه لوارث فلا شيء عليه من نفقاتهم.
ومن مرض ممن ذكرنا كلف أن يقوم بهم وبمن يخدمهم، وكل هؤلاء فمن قدر منهم على معاش وتكسب - وإن خس - فلا نفقة لهم، إلا الأبوين والأجداد، والجدات، والزوجات فإنه يكلف أن يصونهم عن خسيس الكسب - إن قدر على ذلك .اهـ
وذهب مالك والشافعي إلى أن النفقة لا تجب على الإخوة، قال مالك كما في المدونة في الفقه المالكي (2/263): أرأيت إن كان لي والد معسر وأنا موسر ولوالدي أولاد صغار أنفق عليه وعلى إخوتي الصغار الذين في حجره من مالي وعلى كل جارية - من ولد أبي في حجره - بكر؟ قال : قال لي مالك : ينفق على الأب من مال الولد وعلى امرأته، ولا أرى أن تلزمه النفقة على إخوته إلا أن يشاء. اهـ
وقال الشافعي في الأم (5/97): ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقة امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم، وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت، ولا ينفق على أحد أقربائه غيرهم لا أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب منها، قال: وكل زوج حر مسلم وذمي ووثني عنده حرة من النساء في هذا كله سواء لا يختلفون. اهـ
ومذهب الحنابلة أقوى ؛ لأن الله أمر بصلة الرحم، وعدم النفقة عليهم موجب لقطعها، وقد قال تعالى: [وعلى الوارث مثل ذلك]
والله أعلم .
الوصية الواجبة وأولاد الابن المتوفي قبل أبيه ... العنوان
نعرض عليك مشكلة نرجوا أن نجد عندك حلها.
نحن إخوة ثلاثة أكبرنا في الرابعة عشرة من عمره . مات أبونا في حياة والده، أي في حياة جدنا ثم مات الجد، فاقتسم أعمامنا تركة الجد كلها، ولم يعطونا منها شيئًا، لا قليلاً ولا كثيرًا قائلين: إن الابن إذا مات في حياة أبيه لا يستحق أولاده نصيبه من تركة الجد بعد وفاته وأن هذا هو حكم الشرع . وعلى هذا صرنا - نحن - من تركة جدنا محرومين من كل شيء، وخرج أعمامنا بنصيب الأسد، مع أنهم أغنياء، ونحن يتامى وفقراء، وأصبح على أمنا المسكينة أن تكد وتسعى لتنفق علينا حتى نكبر ونتعلم، وأعمامنا لا ينفقون علينا، ولا يساعدوننا . فهل ما يقوله هؤلاء الأعمام صحيح، وأن الشرع لا يحكم لنا بشيء من تركة جدنا، مع أننا أبناء ابنه، وأن عبء نفقتنا يقع على أمنا وحدها نرجوا الجواب الشافي وبيان علاج هذه المشكلة من الناحية الشرعية.
(المحرومون الصغار) ... السؤال
06/02/2005 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي(28/274)
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
هذا من ناحية قواعد الميراث العامة صحيح غير أن الإسلام عالج هذا الأمر بعدة أمور؛ فإما أن يوصي الجد لأولاد الابن المتوفى في حياته، أو تكون هذه وصية واجبة بحكم القانون كما فعلت بعض البلاد الإسلامية، أو يتنازل الأعمام عن جزء من ميراثهم لأولاد أخيهم المتوفي حيث إن نفقتهم واجبة عليهم إن كانوا مقتدرين وأولاد أخيهم فقراء محتاجون .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
هذه مشكلة الابن حينما يتوفى في حياة أبيه وله أولاد وذرية من بعده . فحينما يتوفى الجد بعد ذلك، هنالك يرث الأعمام والعمات تركة الأب، وأبناء الابن لا شيء لهم.
هذا في الواقع من ناحية الميراث صحيح، وهو أن أولاد الابن لا يرثون جدهم مادام الأبناء أنفسهم موجودين، ذلك لأن الميراث قائم على قواعد معينة وهي أن الأقرب درجة يحجب الأبعد درجة، فهنا مات الأب وله أبناء وله أبناء أبناء، ففي هذه الحالة، يرث الأبناء، أما أبناء الأبناء فلا يرثون، لأن الأبناء درجتهم أقرب، فهي بدرجة واحدة وأما أبناء الأبناء فقرابتهم بدرجتين، أو بواسطة، فعندئذ لا يرث أبناء الابن.
كما لو مات الإنسان وله إخوة أشقاء وإخوة غير أشقاء، فالأشقاء يرثون وغير الأشقاء لا يرثون . . لماذا ؟ لأن الأشقاء أقرب، فهم يتصلون بالميت بواسطة الأب والأم، وأما غير الأشقاء فبواسطة الأب فقط . فالأقرب درجة، والأوثق صلة هو الذي يستحق الميراث ويحجب من دونه.
وهنا لا يرث الأحفاد من جدهم مادام أعمامهم يحجبونهم.
ولكن هل معنى هذا أن أولاد الابن المتوفي يخرجون من التركة ولا شيء لهم ؟ ! هنا يعالج الشرع هذه المسألة بعدة أمور:.
الأمر الأول:
كان على الجد أن يوصي لهؤلاء الأحفاد بشيء، وهذه الوصية واجبة ومفروضة ولازمة عند بعض فقهاء السلف . فهم يرون أن فرضًا على الإنسان الوصية لبعض الأقارب ولبعض جهات الخير وخصوصًا إذا كان هؤلاء الأقارب قريبين وليس لهم ميراث، فالشرط أن يكون الموصي له غير وارث . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " ولما أنزل الله آية المواريث (البقرة: 180)، لم يعد من حق الوارث أن يوصي له، إنما يمكن الوصية لغير الوارث، مثل ابن الابن مع وجود الابن، هنا تكون الوصية واجبة، كما جاء في القرآن الكريم بظاهر قوله تعالى: (كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، حقًا على المتقين) وكلمة " كُتب " تفيد الفرضية بل تأكيد الفرضية، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (البقرة: 316). وفي قوله تعالى: (يا أيها(28/275)
الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى) وفي قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم). (البقرة: 183).
فهنا، كتب الله الوصية على من ترك خيرًا أي مالاً يعتد به، لمن لا يرثون منه بالمعروف حقًا على المتقين.
فمن هنا ذهب بعض السلف إلى فرضية هذه الوصية.
وبعضهم قال بأنها سنة ومستحبة وليست لازمة.
ونحن نختار المذهب الذي يأخذ بظاهر الآية بدلاً من القول بنسخ الآية، لأنه يمكن فهم الآية على هذا النحو.
وعليه كان واجبًا على الجد أن يوصي لهؤلاء الأولاد، لأنهم أبناء ابنه، قرابة قريبة ولأنهم كما قالوا فقراء، ولأنهم يتامى " فقد اجتمع عليهم اليتم والفقر والحرمان، وقد كان على الجد أن يتدارك هذا أن يوصي لهم بشيء، في حدود الثلث . لأن الوصية في الشرع الإسلامي لا تزيد عن الثلث . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص حين سأله عما يوصي به من ماله فأجاب " الثلث - والثلث كثير ". (متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص).
هذا ما كان ينبغي أن يفعله الجد.
وبعض البلاد العربية اتخذت من هذه الآية، ومن هذا المذهب الذي يقول بها مبدأ لقانون في الأحوال الشخصية سموه " قانون الوصية الواجبة ".
مفاده بأن على الجد أن يوصي لأحفاده الذين لا يرثون بنصيب أبيهم بشرط ألا يزيد عن الثلث . . . أي أن لهم الحد الأدنى من الثلث أو نصيب الأب.
وألزم القانون الجد بهذا إلزامًا بحيث يصبح معمولاً به لأن كثيرًا من الأجداد لم يكونوا يراعون هذا، ولم يوصوا لأحفادهم، فاجتهد هؤلاء الفقهاء، اجتهادًا جيدًا، وقالوا بالوصية الواجبة التي بينتها.
هناك أمر آخر يتدارك الشرع به مثل هذا الموقف ، وهو أنه كان على الأعمام حين اقتسموا تركة أبيهم أن يعطوا شيئًا من هذه التركة لأولاد أخيهم وهذا ما نص عليه القرآن، حيث قال في سورة النساء التي ذكرت فيها المواريث (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفًا)
إذ كيف يحضر هؤلاء القسمة، والأموال توزع، وهم ينظرون، ولا يعطون شيئًا ؟ وقد قدم أولي القربى لأنهم أحق، فما بالك بأبناء الأخ اليتامى الذي كان أبوهم واحدًا منهم، فكان على الأعمام أن يعطوا هؤلاء شيئًا يتفق عليه الأعمام بحيث يكون كافيًا يكفل حاجتهم، وخاصة إذا كانت التركة كبيرة.
وإذا كان الجد مقصرًا، فقد كان على الأعمام أن يتداركوا هذا التقصير ويعطوا هؤلاء لأنهم من أقرب أولي القربى.
ثم هناك أمر ثالث يتدارك به الشرع هذا الموقف وهو: قانون النفقات في الإسلام.
إن الإسلام تميز عن سائر الشرائع بفرض النفقة على الموسر من أجل قريبه المعسر، وخاصة إذا كان من حق أحدهما أن يرث الآخر، كما هو المذهب الحنبلي، وكذلك إذا كان ذا رحم محرم كما هو المذهب الحنفي . وذلك مثل ابن الأخ.(28/276)
ففي هذه الحالة تكون النفقة واجبة، وتحكم بها المحكمة، إذا رفعت إليها قضية من هذا القبيل.
إنه لا ينبغي للعم أن يكون ذا بسطة وثروة، وعنده بنات أخيه أو أبناء أخيه وليس لديهم شيء ومع هذا يدعهم، ويدع أمهم المسكينة تكدح عليهم وهو من أهل اليسار والغنى . . . هذا لا يجوز في شرع الإسلام.
بهذا انفرد شرع الإسلام وتميز.
وقد قص علينا المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى قصة لطيفة حينما كان يدرس في فرنسا . قال:
كنا في بيت وكانت تخدمنا فيه فتاة يظهر على وجهها مخايل شرف الأصل، فهي متماسكة وعاقلة، ولا تتبذل، فسألوا عنها: فقالوا: إن عمها المليونير فلان الفلاني، فقال: لماذا لا ينفق عليها ألا تستطيع أن ترفع أمرها للمحكمة ؟ فقيل له:
بأنه ليس لديهم قانون ملزم بمثل هذا . ثم سئل هل لديكم أيها المسلمون قانون ينص على ذلك ؟ فقال: نعم، إن مثل هذا يجب أن ينفق على بنت أخيه، ولو رفعت دعوى إلى المحكمة لقضت لها أن تأخذ حقها منه، وألزمته بذلك إلزامًا، فقالت المرأة الفرنسية: لو كان لدينا قانون كهذا لما وجدت امرأة تخرج لتجهد في العمل، لأنها لو لم تفعل هذا لماتت جوعًا.
ولذا فإن قانون النفقة الواجبة انفرد به الإسلام دون سائر الشرائع والقوانين.
ويمكن لهؤلاء الصغار المحرومين أن يرفعوا قضيتهم للمحكمة إذا لم يعطهم الأعمام هذا الحق إلا بهذا السبيل.
والله أعلم.
قصر المواساة المالية على صندوق العائلة ... العنوان
ما الحكم في إنشاء الجمعيات الخيرية العشائرية التي تقتصر عضويتها على أبناء الأسرة،أو القبيلة الواحدة مع العلم بأان كل مجال نشاطها هو المجال الخيري ومساعدة المحتاجين، وهل يعتبر ذلك من أنواع العنصرية القبلية المنهي عنها؟
... السؤال
17/05/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
راعى الإسلام في توزيع الصدقات والزكوات نظاما يضمن به إغناء الفقراء ومواساتهم، وكان من التدابير التي وضعها الإسلام في ذلك أن جعل الزكاة توزع في البلد الذي تجبى فيه مراعاة لنفوس فقراء هذا البلد وهم يرون جمعها فتتطلع نفوسهم إليها من جهة.
ومن جهة أخرى لتنظيم الزكاة، ومن جهة أخرى لضمان إغناء جميع الفقراء ؛ لأن كل فرد إذا طلب منه توجيه زكاته إلى بلده حصل إغناء لمجموع الفقراء في الجملة(28/277)
بخلاف ما لو تركنا الأمر خاضعا لأهواء الناس فلربما ضاعت في زحمة اختيارات الناس بعض البلاد بمن فيها.
وللأمر نفسه وجه الإسلام المتصدق أن يبدأ بأقربائه فيغنيه، ثم ينظر من وراء ذلك، بل إن الإسلام فاضل بين الأقارب أنفسهم فأوجب على الإنسان أن يبدأ بمن يعول، فهل في هذا تحيز لأقرب الأقارب.
وياليت كل عائلة تبدأ بالبحث عن فقرائها فتغنيهم، وتسد خلتهم، ثم تعود بما فاض على من بقي من فقراء المسلمين.
ولكن الأمر الذي نحب أن ننبه إليه هنا أن إيثار الأقارب على غيرهم إنما يكون إذا قل المال فحينئذ نقول بالتفاضل لتزاحم أكثر من واحد على المال فلا بد أن يُعطى أناس ، ويُمنع آخرون عند التزاحم، والاختيار هنا يكون لأقرب الناس.
ولكن عند وفرة المال وكثرته فيعاد بفضله على الغريب بعد إعطاء القريب، ولا يدخر المال تحسبا لما يجد من ظروف للأقارب ويترك الأباعد بلا مال وهم يتضورون جوعا، ويتألمون من البرد.
يقول العلامة الجصاص في تفسيره:-
قد روي عن النبي عليه السلام أخبار في التبدئة بالأقرب في النفقة , فمنها حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : { اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ; أمك وأبوك وأختك وأخوك وأدناك فأدناك }
وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { دينار أعطيته في سبيل الله , ودينار أعطيته مسكينا , ودينار أعطيته في رقبة , ودينار أنفقته على أهلك , فإن الدينار الذي أنفقته على أهلك أعظمها أجرا } .انتهى.
وقال الإمام الشوكاني في تفسير الحديث الذي رواه الترمذي إذ يقول (وعن طارق المحاربي قال { : قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول : يد المعطي العليا , وابدأ بمن تعول : أمك وأباك , وأختك وأخاك , ثم أدناك أدناك } رواه النسائي ) .
يقول الإمام الشوكاني:-
(ثم أدناك أدناك ) هو مثل قوله : " ثم الأقرب فالأقرب " وفي ذلك دليل على أن القريب الأقرب أحق بالبر والإنفاق من القريب الأبعد وإن كانا جميعا فقيرين حيث لم يكن في مال المنفق إلا مقدار ما يكفي أحدهما فقط بعد كفايته.
والله أعلم .
هل تجب نفقة الصغير على عمه إذا كان أبوه فقيرا؟ ... العنوان
هل العم ملزم بنفقة ابن أخيه البالغ من العمر أقل من عشر سنوات مع وجود أب الولد القادر على الكسب ولكنه فقير ،ومع وجود أم الولد الموسرة ذات الملك أم لا ؟ ... السؤال
29/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...(28/278)
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فنفقة الصغير الفقير واجبة على والده شرعا متى كان قادرا على الكسب ولو معسرا . فلا تسقط النفقة عن الأب لمجرد إعساره ما دام قادرا على الكسب فإن أبى العمل والتكسب يجبر على ذلك ويحبس في نفقة ابنه ؛ وإذا كان كسبه قليلاً لا يفي بحاجة الولد أو كان تكسبه غير ميسر والأم غير موسرة يؤمر القريب للولد كالعم بالإنفاق عليه نيابةً عن والده ليرجع عليه بما أنفق عند اليسار .
أما إذا كانت الأم موسرة والأب معسرا ولا قدرة له على العمل أمرت هي بالإنفاق ثم ترجع على الأب عند اليسار ، فلا يلزم العم بالإنفاق على ابن أخيه مع وجود الأب القادر على الكسب والأم الموسرة .
جاء في فتاوى الأزهر ، لفضيلة الشيخ محمد بخيت :
نفيد أن المنصوص عليه شرعا أن الولد متى كان صغيرا حرا لم يبلغ حد الكسب وكان فقيراً لا مال له وله أب .وجبت نفقته على أبيه متى كان أبوه قادرا على الكسب بل يجب على الأب أن يكتسب وينفق على ولده بقدر الكفاية فإن أبى الأب مع قدرته على الاكتساب يجبر على ذلك ويحبس في نفقة ذلك الولد ، وإن كان كسبه لا يفي بحاجة الولد ، أو كان الأب لا يكتسب لعدم تيسير الكسب يؤمر القريب بالإنفاق على ذلك الولد نيابةً عن أبيه وليرجع على الأب بما أنفق عند الميسرة .
كما أن مقتضى النصوص أن الأم إذا كانت موسرة حال عسرة الأب هي أولى من سائر الأقارب بالإنفاق على ولدها الصغير الحر الذي لم يبلغ حد الكسب الفقير الذي لا مال له ، ويكون ما تنفقه ديناً على الأب المعسر ترجع به إذا أيسر .
وبناء على ذلك متى كان الابن فقيراً لا مال له ولم يبلغ حد الكسب كان الأب ملزماً بنفقة ذلك الابن إن كان موسراً فإن كان الأب معسراً وقادراً على الكسب يجبر على الإنفاق على الابن . فإن أبى يحبس .
وإن كان كسب الأب لا يفي بحاجة الولد أو لم يتيسر الكسب للأب تكون الأم ملزمة بالإنفاق على الابن إذا كانت موسرة وترجع بما تنفقه على أبيه إذا أيسر .
وعلى كل حال فالعم لا يلزم بنفقة ابن أخيه في هذه الحادثة لوجود الأب القادر على الكسب والأم الموسرة .
والله أعلم .
الزكاة للبنت المتزوجة ... العنوان
هل يجوز للأب أن يعطي ابنته المتزوجة العاطلة من زكاة ماله؟ ... السؤال
09/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
اتفقت نظرة الفقهاء إلى دفع الزكاة للقريب،إذا كان ممن لا تجب نفقته على المزكي ،بل هو أولى من غيره،وله في ذلك ثواب أعظم ،لأنه وصل بذلك رحمه ،بالإضافة(28/279)
إلى ثواب الزكاة ،واختلفوا فيمن تجب نفقته عليه ،فرأى قوم جواز ذلك ،بشرط ألا تحسب من النفقة ،ومنع ذلك آخرون ،وقيد البعض الإنفاق من مال الزكاة على من تجب عليه نفقته ،ألا تكون من سهم الفقراء والمساكين .
يقول فضيلة الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله :
ذهب الحنفية وأحمد في إحدى الروايتين عنه كما في "المغني" إلى جواز دفع الزكاة لغير الأصول والفروع من بَقِيَّة الأقارب؛ كالإخوة والأخوات والأَعْمَام والعمات والأخوال والخالات إذا كانوا فُقَرَاء، بل هم أولى بالإعطاء؛ لأنه صدقة وصلة رحم، كما رواه سلمان بن عامر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثِنْتَان ؛ صدقة وصلة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه.
وقيل:يبدأ في الصدقات بالأقارب، ثم الموالي، ثم الجيران، ولو دفع زكاته إلى من نفقته واجبة عليه من الأقارب جاز إذا لم يَحْتَسِبْها من النفقة ا.هـ أي: وبالأَوْلَى من لم تجب نفقته عليه من الأقارب.
وذهب الشافعية "كما في المجموع" إلى أنه يجوز دفع الزكاة للقريب الفقير الذي لا تجب نفقته عليه، ولا يجوز دفعها إليه مِن سَهْم الفقراء والمساكين إذا كانت نفقته واجبة عليه.
وفي نيل الأوطار: "وأمَّا غير الأصول والفروع من القرابة الذين تَلْزَم نفقتهم، فذهب الهادي والقاسم والناصر والمؤيَّد بالله ومالك والشافعي إلى أنه لا يُجْزِئ الصرف إليهم". وقال أبو حنيفة وأصحابه والإمام يحيى: يجوز ويُجْزِئ لعموم الأدلة المذكورة في الباب اهـ.
وعليه فيجوز لك أن تدفع الزكاة لابنتك المتزوجة ،لفقر زوجها،لأن ابنتك الآن لا تجب نفقتها عليك ،وإنما على زوجها .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
وجوب النفقة على الأقارب ... العنوان
هل أوجب الإسلام النفقة على الأقارب ؟ ومن هم الأقارب الذين تجب لهم هذه النفقة ؟
... السؤال
14/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أوجبت الشريعة الإسلامية النفقة على الأقارب حسب درجة قرابتهم من المنفق شريطة أن يكون المنفق قادرا على هذه النفقة
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن.
بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة :(28/280)
في زمنٍ طغت فيه المادة على سلوك الناس وعلاقاتهم، وضنَّ الناس فيه بما عندهم على ذويهم، وتنكَّر الناس فيه لذوي قَرابتهم، وشاعت الأنانية المُفرِطة، يثور التساؤل عن مدى التزام المرء بالإنفاق على ذوي قرابته، أصولًا كانوا أو فروعًا أو غيرهم، وقبل بيان حكم هذا وتتميمًا للفائدة، أشير إلى أن الفقهاء متفِقُون على وُجوب نفقة الزوجة على زوجها، إذا وُجِد سبب الوجوب، وهو عقد النكاح الصحيح، ووُجِد شرط الوجوب، وهو احتباس الزوجة لمصلحة الزوج أو استعدادها لذلك، كما قال بعض الفقهاء، أو تمكُّن الزوج من الاستمتاع بها، كما قال بعض آخر منهم، أو هما معًا كما قال فريق ثالث، ودليل وُجوبها على الزوج قول الله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ من حيثُ سكنتُم من وُجْدِكُمْ ولا تُضارُّوهنَّ لِتُضَيِّقوا عليهنَّ وإنْ كنَّ أُولاتِ حملٍ فأنفِقُوا عليهنَّ حتى يضعْنَ حملَهُنَّ)، وقوله سبحانه: (وعلى المولودِ لهُ رِزْقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروفِ)، وحديث جابر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهنَّ عليكم رزقُهُنَّ وكسوتهن بالمعروف".
وقد اتفق الفقهاء كذلك على وُجوب النفقة للزوجة التي تُطيق الوطء، صحيحةً كانت أو مريضة، إذا تحقَّق شرط الوُجوب السابق، ولا نفقة لها إذا نشزَت على زوجها، أو فوَّتت عليه حق التمتُّع بها، كما لو امتنعت من تمكينه أو حبست، أو احترفت عملًا خارج منزل الزوجية بدون موافقة الزوج، أو سافرت إلى غير بلد الزوج بدون موافقته أو مرافقته، ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسُّكْنَى، على أن يكون المسكن لائقًا بحال الزوج المالية، خاليًا من أهله، مشتملًا على ما يلزم لإعاشة الزوجة فيه، بين جيران صالحين، تأمن فيه على نفسها ومالها، كما تشمل وسائل التنظيف وأُجْرة الخادم، إن كانت الزوج ممَّن تُخدَم في بيت أهلها، وكان الزوج موسرًا، وهذه النفقة تجب كذلك للمطلَّقة طلاقًا رجعيًّا، والبائن إن كانت حاملًا باتفاق الفقهاء، فإن لم تكن حاملًا فلا نفقة لها على الراجح من أقوال الفقهاء، لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في فاطمة بنت قيس وقد طلقت ثلاثًا "ليس لها سُكْنى ولا نفقة"، ولا نفقة لغير الحامل المتوفَّى عنها زوجُها باتفاق الفقهاء، ولا للحامل المتوفَّى عنها زوجها على الراجح، لحديث: "ليس للحامل المتوفَّى عنها زوجها نفقة".
فأما النفقة على الوالِدَيْنِ والمولودِين، أو النفقة على الأصول والفروع فلا خلاف في وجوبها كذلك، فتجب نفقة الوالِدَيْن على أولادهم ذكورًا كانوا أو إناثًا، كما تجب نفقة الأولاد ذكورًا أو إناثًا على والديهم، إذا كان المُستَحِق للنفقة لا مال له ولا كسْبَ يَستَغْنِي به عن إنفاق غيره، وكان للمُنفِق مال ينفق منه عليهم فاضلًا عن نفقته على نفسه، ودليل وجوب نفقة الأصول على فروعهم قول الحق سبحانه: (وبالوالدَيْنِ إحسانًا) وحديث عائشة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن أطيب ما أكلتُم من كسبِكم، وإن أولادَكم من كسبِكم"، ودليل وجوب نفقة الفروع على أصولهم، قول الله، تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لكُمْ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ)، وحديث هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت: "يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني(28/281)
من النفقة ما يكفيني ويكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك جُناح؟ فقال: خذي من ماله بالمعروف ما يَكفيك ويكفي بَنِيك".
وأما نفقة الأقارب غير الأصول والفروع، كالإخوة والأخوات، ونحوهم من ذوي القُرْبى، فإن مذهب جمهور الفقهاء، وُجوب نفقتهم على قريبهم، بالشروط السابقة في نفقة الأصول والفروع، لحديث: "يد المعطي العليا وابدأ بمَن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك"، حيث ذكر ضمن المُعالين الإخوة والأقرب من الأقارب، فيجب لهم بقَدْر الكفاية المأكل والمشرب والملبَس والمسكن، مراعًا في ذلك العُرْف وحال المُنفِق والمُنْفَق عليه: وظروف الزمان والمكان، ويرى جمهور الفقهاء أن هذه النفقة تجب على وجه لا تَصِير به دَيْنًا في ذمة المُنفِق، ومِن ثَمَّ فإنها تَسقُط بمُضِيِّ المُدَّة؛ لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجِزَة، على سبيل المُواسَاة لهؤلاء، فإذا مضت المدة دون دفعها زالت هذه الحاجة فتَسقُط، ويمتنع السقوط بمُضِيِّ المدة، إذا أنفق على القريب شخص غير متبرِّع أو فرضها القاضي على مَن وَجَبَت عليه، وكل هذا يُدَلِّل على عناية التشريع الإسلامي بالترابُط الأسْرِي، وصلة الرحم بين أفراد الأسرة، وشيوع التكافل بينهم، ليَنْصَلِح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسْرِه.
أسباب النفقة الشرعية ... العنوان
ما هي أسباب النفقة التي أوجبها الشرع على المسلم ؟
... السؤال
29/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
النفقة لغة: هي ما ينفقه الإنسان من الأموال كما فى القاموس. واصطلاحًا: كفاية من يمونه خبزًا وإدامًا وكسوة ومسكنًا وتوابعها.
وأسباب النفقة هى:
1- العلاقة الزوجية، فقد أوجب الشارع على الزوج فى جميع الأحوال الإنفاق على زوجته ، غنيًا كان أو فقيرًا، ولم يوجب الإسلام على الزوجة أن تنفق على نفسها وإن كانت موسرة، أو أن تنفق على زوجها بالأولى من هذا المال وإن كان معسرًا ، ولم يوجب عليها أن تتكسب هذه النفقة بالعمل أو نحوه ،فالنفقة حق لها على زوجها بمقتضى عقد النكاح. ومن أدلة وجوبها قول الله تعالى {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}البقرة:233 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: (اتقوا الله فى النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) رواه مسلم.
ونفقة الزوجة تشمل الإطعام والكسوة والسكنى، ووسائل النظافة، وتشمل أجر الخادم إن كانت الزوجة ممن تخدم فى بيت أهلها، وكان الزوج موسرًا، فيجب لها(28/282)
النفقة فى الوجوه السابقة مقدار كفايتها بالمعروف ،وهذا الحق الذى قرره الإسلام لها، يتحقق به صيانتها وحمايتها من التبذل والامتهان. بسبب اكتساب أسباب الحياة، حيث كفل الإسلام لها هذه الأسباب فى منزل الزوجية بدون تدخل منها ، لتتفرغ لأداء رسالتها المنوط بها فى الحياة.
2- علاقة القرابة ، فقد أوجب الشارع بها على المرء الإنفاق على والديه ، كما أوجب بها على الوالدين الإنفاق على أولادهما ذكورًا أو إناثًا ، إذا كان للمنفق مال يمكنه الإنفاق منه ،فاضلاً عن نفقته ، ولم يكن للمنفق عليه مال ولاكسب يكتفى به عن نفقة قريبه عليه.
ومن الأدلة علي وجوب نفقة الأصول على فروعهم حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) (رواه الترمذى عن عائشة وقال: حسن صحيح).
ومن الأدلة على وجوب نفقة الفروع على أصولهم حديث هند زوج أبى سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها حين اشتكت إليه بخل أبى سفيان: (خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك)متفق عليه.
كما أوجب الشارع بمقتضى القرابة نفقة القريب - غير الأصل والفرع - على قريبه بالشروط السابقة فى نفقة الأصول والفروع ، حيث يرى الحنفية وجوب النفقة لكل ذى رحم محرم للمنفق ، ويرى الحنابلة وجوبها لقريبه إن كان يجرى التوارث بينهما، أو كان من ذوى رحمه ، ومن الأدلة على ذلك ماروى عن طارق المحاربى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول ،أمك وأباك ، وأخاك ، ثم أدناك أدناك) رواه ابن حبان فى صحيحه حيث بين فى الحديث أن من المعالين الأخوة والأقرب من الأقارب ، فيجب لهم على أقاربهم المأكل والمشرب والملبس والساكنى ونحوها ، بقدر الكفاية، مراعاة فى ذلك العرف وحال المنفق والمنفق عليه ، وظروف الزمان والمكان. وإيجاب نفقة الأقارب الذين لامال لهم إذا عجزوا عن الكسب - على قريبهم الموسر، يحقق صلة الرحم ، ويقيم العلائق بين أفراد الأسرة على أساس من الترابط والتكافل ،فينصلح حال الأسرة، وينصلح بصلاحها حال المجتمع بأسره.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الوصية الواجبة وحقوق أبناء المتوفى فى حياة أبيه ... العنوان
ترك جدي لأولاده بعض الأراضي و الأموال ولكن لي عمة ماتت قبل موت جدي وعند موتها لم يتعرف عليها أولادها (صغارا) ولا زوجها ولا أهل زوجها ولقد كانت مريضة وتكفل جدي بعلاجها و تكفل أيضاً بكل مصاريف المأتم (العزاء) و الآن يطالب أولادها بالميراث ما هو حكم الإسلام في ذلك؟ هل يكون لهم نصيب في أموال جدهم رحمة الله عليه؟
... السؤال
13/02/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...(28/283)
...
... بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
هذه مشكلة الابن حينما يتوفى في حياة أبيه وله أولاد وذرية من بعده . فحينما يتوفى الجد بعد ذلك، هنالك يرث الأعمام والعمات تركة الأب، وأبناء الابن لا شيء لهم.
هذا في الواقع من ناحية الميراث صحيح، وهو أن أولاد الابن لا يرثون جدهم مادام الأبناء أنفسهم موجودين، ذلك لأن الميراث قائم على قواعد معينة وهي أن الأقرب درجة يحجب الأبعد درجة، فهنا مات الأب وله أبناء وله أبناء أبناء، ففي هذه الحالة، يرث الأبناء، أما أبناء الأبناء فلا يرثون، لأن الأبناء درجتهم أقرب، فهي بدرجة واحدة وأما أبناء الأبناء فقرابتهم بدرجتين، أو بواسطة، فعندئذ لا يرث أبناء الابن.
كما لو مات الإنسان وله إخوة أشقاء وإخوة غير أشقاء، فالأشقاء يرثون وغير الأشقاء لا يرثون . . لماذا ؟ لأن الأشقاء أقرب، فهم يتصلون بالميت بواسطة الأب والأم، وأما غير الأشقاء فبواسطة الأب فقط . فالأقرب درجة، والأوثق صلة هو الذي يستحق الميراث ويحجب من دونه.
وهنا لا يرث الأحفاد من جدهم مادام أعمامهم يحجبونهم.
ولكن هل معنى هذا أن أولاد الابن المتوفي يخرجون من التركة ولا شيء لهم ؟ ! هنا يعالج الشرع هذه المسألة بعدة أمور.
الأمر الأول: كان على الجد أن يوصي لهؤلاء الأحفاد بشيء، وهذه الوصية واجبة ومفروضة ولازمة عند بعض فقهاء السلف . فهم يرون أن فرضًا على الإنسان الوصية لبعض الأقارب ولبعض جهات الخير وخصوصًا إذا كان هؤلاء الأقارب قريبين وليس لهم ميراث، فالشرط أن يكون الموصي له غير وارث . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " ولما أنزل الله آية المواريث (البقرة: 180)، لم يعد من حق الوارث أن يوصي له، إنما يمكن الوصية لغير الوارث، مثل ابن الابن مع وجود الابن، هنا تكون الوصية واجبة، كما جاء في القرآن الكريم بظاهر قوله تعالى: (كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، حقًا على المتقين) وكلمة " كُتب " تفيد الفرضية بل تأكيد الفرضية، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (البقرة: 316). وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى) وفي قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم). (البقرة: 183).
فهنا، كتب الله الوصية على من ترك خيرًا أي مالاً يعتد به، لمن لا يرثون منه بالمعروف حقًا على المتقين.
فمن هنا ذهب بعض السلف إلى فرضية هذه الوصية.
وبعضهم قال بأنها سنة ومستحبة وليست لازمة.
ونحن نختار المذهب الذي يأخذ بظاهر الآية بدلاً من القول بنسخ الآية، لأنه يمكن فهم الآية على هذا النحو.(28/284)
وعليه كان واجبًا على الجد أن يوصي لهؤلاء الأولاد، لأنهم أبناء ابنه، قرابة قريبة ولأنهم كما قالوا فقراء، ولأنهم يتامى " فقد اجتمع عليهم اليتم والفقر والحرمان، وقد كان على الجد أن يتدارك هذا أن يوصي لهم بشيء، في حدود الثلث . لأن الوصية في الشرع الإسلامي لا تزيد عن الثلث . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص حين سأله عما يوصي به من ماله فأجاب " الثلث - والثلث كثير ". (متفق عليه من حديث سعد بن أبي وقاص).
هذا ما كان ينبغي أن يفعله الجد.
وبعض البلاد العربية اتخذت من هذه الآية، ومن هذا المذهب الذي يقول بها مبدأ لقانون في الأحوال الشخصية سموه " قانون الوصية الواجبة ".
مفاده بأن على الجد أن يوصي لأحفاده الذين لا يرثون بنصيب أبيهم بشرط ألا يزيد عن الثلث . . . أي أن لهم الحد الأدنى من الثلث أو نصيب الأب.
وألزم القانون الجد بهذا إلزامًا بحيث يصبح معمولاً به لأن كثيرًا من الأجداد لم يكونوا يراعون هذا، ولم يوصوا لأحفادهم، فاجتهد هؤلاء الفقهاء، اجتهادًا جيدًا، وقالوا بالوصية الواجبة التي بينتها.
هناك أمر آخر يتدارك الشرع به مثل هذا الموقف، وهو أنه كان على الأعمام حين اقتسموا تركة أبيهم أن يعطوا شيئًا من هذه التركة لأولاد أخيهم وهذا ما نص عليه القرآن، حيث قال في سورة النساء التي ذكرت فيها المواريث (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفًا)
إذ كيف يحضر هؤلاء القسمة، والأموال توزع، وهم ينظرون، ولا يعطون شيئًا ؟ وقد قدم أولي القربى لأنهم أحق، فما بالك بأبناء الأخ اليتامى الذي كان أبوهم واحدًا منهم، فكان على الأعمام أن يعطوا هؤلاء شيئًا يتفق عليه الأعمام بحيث يكون كافيًا يكفل حاجتهم، وخاصة إذا كانت التركة كبيرة.
وإذا كان الجد مقصرًا، فقد كان على الأعمام أن يتداركوا هذا التقصير ويعطوا هؤلاء لأنهم من أقرب أولي القربى.
ثم هناك أمر ثالث يتدارك به الشرع هذا الموقف وهو: قانون النفقات في الإسلام.
إن الإسلام تميز عن سائر الشرائع بفرض النفقة على الموسر من أجل قريبه المعسر، وخاصة إذا كان من حق أحدهما أن يرث الآخر، كما هو المذهب الحنبلي، وكذلك إذا كان ذا رحم محرم كما هو المذهب الحنفي . وذلك مثل ابن الأخ.
ففي هذه الحالة تكون النفقة واجبة، وتحكم بها المحكمة، إذا رفعت إليها قضية من هذا القبيل.
إنه لا ينبغي للعم أن يكون ذا بسطة وثروة، وعنده بنات أخيه أو أبناء أخيه وليس لديهم شيء ومع هذا يدعهم، ويدع أمهم المسكينة تكدح عليهم وهو من أهل اليسار والغنى . . . هذا لا يجوز في شرع الإسلام.
بهذا انفرد شرع الإسلام وتميز.
وقد قص علينا المرحوم الدكتور محمد يوسف موسى قصة لطيفة حينما كان يدرس في فرنسا . قال:(28/285)
كنا في بيت وكانت تخدمنا فيه فتاة يظهر على وجهها مخايل شرف الأصل، فهي متماسكة وعاقلة، ولا تتبذل، فسألوا عنها: فقالوا: إن عمها المليونير فلان الفلاني، فقال: لماذا لا ينفق عليها ألا تستطيع أن ترفع أمرها للمحكمة ؟ فقيل له:
بأنه ليس لديهم قانون ملزم بمثل هذا . ثم سئل هل لديكم أيها المسلمون قانون ينص على ذلك ؟ فقال: نعم، إن مثل هذا يجب أن ينفق على بنت أخيه، ولو رفعت دعوى إلى المحكمة لقضت لها أن تأخذ حقها منه، وألزمته بذلك إلزامًا، فقالت المرأة الفرنسية: لو كان لدينا قانون كهذا لما وجدت امرأة تخرج لتجهد في العمل، لأنها لو لم تفعل هذا لماتت جوعًا.
ولذا فإن قانون النفقة الواجبة انفرد به الإسلام دون سائر الشرائع والقوانين.
ويمكن لهؤلاء الصغار المحرومين أن يرفعوا قضيتهم للمحكمة إذا لم يعطهم الأعمام هذا الحق إلا بهذا السبيل.
والله أعلم.
انتهى كلام الدكتور
ومن خلال هذه الفتوى نرى أن أولاد عمتك الذين ذكرت لاحق لهم فى الميراث فى الأصل ولكن لهم الحق عن طريق الوصية الواجبة ويجب علينا أن نفرق بين الود وبين حقوق الله فهؤلاءإن كان لهم الحق فى الميراث فلا يمنعه عقوقهم لأمهم من هذا الحق وحساب العقوق هذا عند الله سبحانه وتعالى
والله أعلم
حكم دفع الزكاة للأقارب ... العنوان
هل يجوز دفع الزكاة لعمتى مع العلم أن النفقة عليها عير ممكنة خلال السنة؟ ... السؤال
13/12/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... أما سائر الأقارب من أخ وأخت وعم وعمة وخال وخالة ..إلخ، فقد اختلف الفقهاء في دفع الزكاة إليهم بين الجواز والمنع اختلافًا كثيرًا. فمن مجوِز للدفع إلى الجميع، ومن مانع للجميع أو للبعض دون البعض.
والذين منعوا اختلفوا أيضًا في الأساس الذي يبنون عليه حكم المنع.
فمنهم من نظر إلى الضم العملي للقريب إلى الأسرة، فما دام قد ضم إلى عياله أصبح حكمه حكم زوجته وولده، فلم يجز دفع الزكاة إليه.
ومنهم من نظر إلى إجبار الحاكم على النفقة، فما لم يصدر حكم قضائي يلزمه بنفقة قريبه، فله أن يعطيه من زكاته.
ومنهم من نظر إلى لزوم النفقة شرعاً؛ فمن كانت تلزم المزكي نفقته شرعًا لا يجوز له دفع الزكاة إليه، ومن لا تلزم نفقته يجوز. والقائلون بهذا أيضًا اختلفوا فيمن هو القريب الذي تلزم نفقته فلا يجوز دفع الزكاة إليه؟(28/286)
روى أبو عبيد بسنده عن إبراهيم بن أبي حفصة قال: سألت سعيد بن جبير قلت: أعطي خالتي من الزكاة؟ قال نعم ما لم تُغْلِق عليها بابًا (انظر: الأموال ص 582 -583: يعني ما يضمها إلى أسرته وعياله): يعنى ما لم يضمها إلى أسرته وعياله .
وروي عن الحسن قال: يضع الرجل زكاته في قرابته ممن ليس في عياله (المرجع السابق).
ولم ير الشافعي وجوب النفقة إلا على الأصول وإن علوا، والفروع وإن نزلوا.
وأضيق منه في إيجاب النفقة مذهب مالك الذي لم يوجب النفقة إلا على الأب لأولاده من صلبه، الذكور حتى يبلغوا (ولهذا سئل الشيخ عليش المالكي عن طالب علم بالغ قادر على الكسب؛ هل يجزئ أباه إعطاؤه زكاة ماله؟ فأجاب بجواز ذلك. لسقوط نفقته عنه ببلوغه قادرًا عليه واستحقاقه أخذها. أي لاشتغاله بالعلم. (فتح العالي المالك: 129/1). والإناث حتى يتزوجن، ويدخل بهن أزواجهن، بخلاف ولد الولد فلا نفقة لهم على جدهم، كما لا تلزمهم النفقة على جدهم. وتلزم الولد النفقة على أبويه الفقيرين كما يلزم الزوج نفقة امرأته ونفقة خادم واحدة لها، ولا تلزم نفقة أخ ولا أخت ولا ذي قرابة ولا ذي رحم محرم منه (انظر المدونة الكبرى: 256/1 - المطبعة الخيرية - الطبعة الأولى سنة 1324هـ). وإذًا فمن عدا الوالدين الأولاد من الأقارب يجوز دفع الزكاة إليهم في مذهب مالك (المرجع السابق).
ـ المجوزون لإعطاء الزكاة للأقارب:
وذهب آخرون من العلماء إلى جواز دفع الزكاة إلى الأقارب - ما عدا من استثنينا من الوالدين والأولاد - فمنهم من بنى ذلك على أن النفقة لا تجب على القريب لقريبه، إلا من باب البر والصلة لا الإلزام والإجبار. ومنهم من رأى وجوب النفقة، ولم يرها - مع ذلك - مانعة من إعطاء الزكاة. وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والإمام يحيى، وهو الرواية الظاهرة عن أحمد. قال ابن قدامة: رواها عنه الجماعة. قال في رواية إسحاق بن إبراهيم، وإسحاق ابن منصور، وقد سأله: يعطي الأخ والأخت والخالة من الزكاة؟ قال يعطي كل القرابة إلا الأبوين والولد، وهذا قول أكثر أهل العلم. قال: أبو عبيد: هو القول عندي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة" (رواه الخمسة إلا أبا داود)، فلم يشترط نافلة ولا فريضة، ولم يفرِّق بين وارث وغيره. ولأنه ليس من عمودي نسبه، فأشبه الأجنبي (المغني: 648/2).
وقد روى ابن أبي شيبة وأبو عبيد هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين: فعن ابن عباس قال: يعطي الرجل قرابته من زكاته إذا كانوا محتاجين.
وعن إبراهيم: أن امرأة ابن مسعود سألته عن زكاة حلى لها (وكان يرى في الحلي الزكاة) فقالت: أعطيه بني أخ لي أيتام في حجري؟ قال: نعم.
وقال سعيد بن المسيب: إن أحق من دفعت إليه زكاتي يتيمي وذو قرابتي.
وسئل الحسن: أخي أأعطيه زكاة مالي؟ قال: نعم وحبًا.
وسئل إبراهيم: امرأة لها شيء أتعطي أختها من الزكاة؟ قال: نعم.
وعن الضحاك قال: إذا كان لك أقارب فقراء فهم أحق بزكاتك من غيرهم.(28/287)
وعن مجاهد قال: لا تُقبل ورحمه محتاجة (انظر هذه الأقوال في مصنف أبي شيبة: 47/4 - 48، الأموال: ص 581 - 582).
ـ موازنة وترجيح:
والذي نرجحه بعد ذكر هذه الأقوال والمذاهب هو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم منذ عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من جواز دفع الزكاة إلى القريب ما لم يكن ولدًا أو والدًا. وهو الذي رجحه أبو عبيد في الأموال.
وحُجَّتنا في ذلك:
أولاً: عموم النصوص التي جعلت صرف الزكاة للفقراء دون تمييز بين قريب وأجنبي مثل آية: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) .. وحديث: "تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" فإن هذه العموميات تشمل الأقارب، ولم يرد مخصص صحيح يخرجهم عنها، بخلاف الزوجة والوالدين والأولاد فقد خصصوا منها بالإجماع الذي ذكره ابن المنذر وأبو عبيد وصاحب البحر، وبالأدلة التي ذكرناها هناك.
وثانيًا: ما ورد في الأقارب خاصة من النصوص المرغبة في الصدقة عليهم، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الصدقة على المسكين صدقة، وهى على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة" (رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني، وحسنه الترمذي (نيل الأوطار: 189/4)، والصدقة تطلق على الزكاة كما عرفنا، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" (رواه أحمد والطبراني عن أبي أيوب ورويا نحوه عن حكيم بن حزام، ذكره في مجمع الزوائد وقال: إسناده حسن، وكذلك رواه الطبراني في الكبير عن أم كلثوم بنت عقبة ورجاله رجال الصحيح (الروض النضير: 422/2).والكاشح هو المضمر للعداوة. وكذلك ما رواه الطبراني والبزار عن عبد الله بن مسعود (في الحديث الذي ذكرناه من قبل من رواية الشيخين وأحمد) أن امرأته قالت لبلال: اقرأ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السلام من امرأة من المهاجرين ولا تبين له، وقل له: هل لها من أجر في زوجها من المهاجرين ليس له شيء وأيتام في حجرها. وبنو أخيها، أن تجعل صدقتها فيهم؟ فأتى بلال النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: نعم لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة" (رواه الطبراني في الأوسط، ورواه البزار بنحوه، وفيه حجاج بن نصر وثقه ابن حبان وغيره وفيه كلام، ورجال البزار رجال الصحيح، انظر مجمع الزوائد: 116/3 وهو أيضًا في صحيح ابن حبان. (انظر الروض النضير: 422/2). وقد ذكرنا أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل بمنزلة العموم في المقال، كما حقق علماء الأصول.
أما قولهم: إنه بالدفع يجلب إلى نفسه نفعًا، ويسقط عن نفسه فرضًا فهذا حق بالنسبة إلى الزوجة والأولاد والوالدين؛ لأن المنافع بينهم متصلة وهم شركاؤه في ماله، ونفقتهم واجبة عليه وجوبًا بيَّنًا بالكتاب والسنة.
أما بقية الأقارب، فالذي أختاره: أن نفقتهم إنما تلزم القريب إذا لم يكن هناك في مال المسلمين ما يغنيهم: من الزكاة والفيء والخُمس وسائر موارد بيت المال الأخرى، فهنا يُلزم القريب الموسر بالنفقة، ولا يدع قريبه يهلك جوعًا وعريًا. وكذلك إذا لم توجد الحكومة التي تجمع الزكاة، وتقوم بكفالة العيش للفقراء، فإن على القريب(28/288)
الغني أن يكفي قريبه الفقير، ولا يتركه فريسة للعوز والحاجة، ولا حرج عليه أن تتحقق هذه الكفاية كلها أو بعضها مما وجب عليه من زكاة.
لأن الواجب هو كفاية القريب، وسد حاجته، وتفريج كربته، صلة لرحمه، ووفاء بحقه، ولم يرد ما يمنع أن تكون الزكاة من موارد هذه الكفاية. كيف ولو كانت الحكومة هي التي تجبيها لتولت هي الإنفاق على هؤلاء الفقراء من مال الزكاة وغيرها؟ فكأن الفرد المسلم في هذه الحالة نائب عن الإمام أو الدولة في الإنفاق على أقاربه وكفايتهم، من الزكاة التي كان الأصل أن تتولى جمعها وتفريقها عليهم.
على أن من العلماء من لم ير تعارضًا بين لزوم نفقة القريب وإعطائه من الزكاة، فقالوا بوجوب النفقة للأقارب بشروط خاصة، ومع هذا أجازوا دفع الزكاة إليهم.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، فقد رأوا أن لزوم النفقة لا يمنع إعطاء الزكاة، وإنما المانع هو اتصال منافع الأملاك بين المؤدي والمؤدى إليه، فلا يتحقق التمليك الذي هو عندهم ركن الزكاة، ويكون المزكي كأنما دفع إلى نفسه قالوا: وهذا لا يتحقق إلا بين الإنسان وأولاده، وآبائه وأمهاته، ولهذا لا تجوز شهادة بعضهم لبعض بخلاف بقية الأقارب؛ فالدفع إليهم يتحقق به التمليك؛ لانقطاع منافع الأملاك بينهم، ولهذا تجوز شهادة بعضهم لبعض (انظر: بدائع الصنائع: 49/2 - 50).
وقال صاحب "الروض النضير" من متأخري الزيدية: "وما ذكروه من التعليل بأن فيه إسقاط ما يلزمه من النفقة المستقبلة، فمع كونه فاسد الاعتبار (لمصادمته الأحاديث التي رغبت في الصدقة على الأقارب) للمانع أن يقول: "صرفه للواجب في القريب لم يسقط شيئًا قد لزمه؛ لأن نفقة القريب إنما تجب وقتًا فوقتًا" (الروض النضير: 423/2).
وقال الشوكاني: الأصل عدم المانع، فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعان، فعليه الدليل، ولا دليل (نيل الأوطار: 189/4).
حكم التصدق بالمال على الأهل ... العنوان
ما حكم التصدق بالمال على الأهل إذا كان لهم فيه نصيب؟ ... السؤال
25/11/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... إذا كان القريب بعيد القرابة ممن لا تلزم صاحب الزكاة نفقته، فلا حرج في إعطائه من زكاة قريبه سواء إعطاء القريب نفسه، أم غيره من المزكين، أو الإمام أو نائبه، أعني إدارة توزيع الزكاة، وسواء أعطي من سهم الفقراء أو المساكين أم من غيرهما.
أما القريب الوثيق القرابة - كالوالدين والأولاد والإخوة والأخوات والأعمام والعمات ... إلخ ففي جواز إعطائهم من الزكاة تفصيل:
فإذا كان القريب يستحق الزكاة لأنه من العاملين عليها أو في الرقاب أو الغارمين أو في سبيل الله، فلقريبه أن يعطيه من زكاته ولا حرج؛ لأنه يستحق الزكاة هنا بوصف(28/289)
لا تأثير للقرابة فيه، ولا يجب على القريب - باسم القرابة - أن يؤدي عنه غُرمه، أو يتحمل عنه نفقة غزوه في سبيل الله، وما شابه ذلك.
وكذلك إذا كان ابن سبيل يجوز أن يعطيه مئونة السفر.
أما المؤلفة قلوبهم فليس إعطاؤهم من شأن الأفراد، بل من شأن أولي الأمر، كما بينَّا ذلك من قبل.
أما إذا كان القريب الوثيق القرابة فقيرًا أو مسكينًا فهل يعطي من سهم الفقراء والمساكين في الزكاة؟ وللإجابة على ذلك يجب أن نعرف من المعطي؟
فإذا كان الذي يوزع الزكاة ويعطيها هو الإمام أو نائبه، أو بتعبير عصرنا: إذا كانت الحكومة هي التي تتولى جباية الزكاة وصرفها، فلها أن تعطي ما تراه من أهل الحاجة والاستحقاق، ولو كان من تعطيه هو ولد المزكِّي، أو والده أو زوجه (انظر أحكام القرآن لابن العربي ص 965)؛ لأن صاحب الزكاة يدفعها إلى ولي الأمر المسلم، قد أبلغها محلها وبرئت ذمته منها، وأصبح أمر توزيعها منوطًا بالحكومة؛ إذ لم يعد لمال الزكاة بعد جبايته صلة ولا نسب بمالكه من قبل، إنما هو الآن مال الله أو مال المسلمين.
وإذا كان القريب فقيرًا أو مسكينًا وكان من يعطيه هو القريب نفسه، فلابد أن ننظر في درجة قرابته، ومن يكون هو لهذا القريب؟ فإن كان هذا الفقير أبًا للمزكي أو أمًا، أو ابنًا، أو بنتًا - وكان ممن يجبر على النفقة عليهم - بأن كان موسرًا - فلا يجوز الصرف إلى أحد منهم من زكاته.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يُجبر فيها الدافع إليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته، ويسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز، كما لو قضى بها دينه (انظر: المغني لابن قدامة: 2/647).
ولأن مال الولد مال لوالديه. ولهذا جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أنت ومالك لأبيك) (تفسير ابن كثير: 3/305، والحديث رواه أحمد في المسند من ثلاثة طرق - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وصححها الشيخ شاكر. انظر الأحاديث (6678) و (6902) و(7001) الجزء 11، 12). كما رواه ابن ماجه عن جابر، ورجاله ثقات، والطبراني عن سمرة وابن مسعود بإسناد ضعيف، كما في التيسير للمناوي: 1/378. كما اعتبر القرآن بيوت الأبناء بيوتًا للآباء؛ إذ قال تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) (النور: 61 ).أي بيوت أبنائكم (تفسري القرطبي: 12/ 314)لأنه لم ينص عليهم في الآية كبقية الأقارب، ولأن أكل الإنسان من بيته ليس في حاجة إلى نص في رفع الحرج عنه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة بإسناد حسنة الترمذي، وصححه أبو حاتم، كما في التيسير: 1/311، ورواه أحمد أيضًا بنحوه بسند صحيح، وهو جزء من حديث رقم (6678) و(7001).(28/290)
ومن هنا قال علماء الحنفية: إن منافع الأملاك متصلة بين الوالدين والأولاد، فلا يقع الأداء تمليكًا للفقير من كل وجه، بل يكون صرفًا إلى نفسه من وجه، ولقوة الصلة بينهم لم تجز شهادة بعضهم لبعض (انظر: بدائع الصنائع:2/49).
وكذلك لا يجوز دفع الزكاة إلى الأولاد؛ لأنهم جزء منه، والدفع إليهم كأنه دفع إلى نفسه. ولا يعكر على ذلك الحديث الذي رواه البخاري وأحمد عن معن بن يزيد قال: أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند المسجد، فجئت فأخذتها، فقال: والله ما إياك أردت، فجئت فخاصمته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن) إذ الظاهر من هذه الصدقة أنها صدقة تطوع - كما قال الشوكاني - وليست الزكاة المفروضة (انظر: نيل الأوطار:4/189).
ولم يخالف في ذلك إلا ما نقل عن محمد بن الحسن ورواية عن أبي العباس من الشيعة: أنها تجزئ في الآباء والأمهات، وأيد ذلك جماعة من متأخري الزيدية، فجوزوا صرفها في جميع القرابة من الأصول والفصول وسائر ذوي الرحم. واحتجوا بأن الأصل شمول العمومات لهم، ولا مخصص صحيح يخرجهم عنها (الروض النضير: 2/421). كما روي عن مالك: أنه يجوز الصرف في بني البنين وفيما فوق الجد والجدة (نيل الأوطار: 4/189). وكأن ابن المنذر وصاحب البحر -رحمهما الله- لم تصح عندهما هذه الروايات، إذا حكيا الإجماع على أنه لا يجوز صرف الزكاة في الأصول - من الآباء والأمهات والأجداد والجدات - والفصول - من الأولاد وأولاد الأولاد (انظر البحر الزخار: 2/186).
والحجة التي ذكرها ابن المنذر وغيره هي سند هذا الإجماع، وذلك "أن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه، ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه".
وقد قيد ابن المنذر نقل الإجماع على عدم جواز الدفع إلى الوالدين بالحال التي يجبر فيها الدافع إليهم على النفقة عليهم. فإذا لم تتحقق هذه الحال - بأن كان الولد معسرًا - وملك نصابًا وجبت فيه الزكاة - فقد قال النووي: إذا كان الولد أو الوالد فقيرًا أو مسكينًا وقلنا في بعض الأحوال: " لا تجب نفقته"، فيجوز لوالده وولده دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين، لأنه حينئذ كالأجنبي (المجموع: 6/229).
وقال ابن تيمية: يجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الوالد وإن سفل، إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم. أيد ذلك بوجود المقتضى للصرف (وهو الفقر والحاجة) السالم عن المعارض (أي لم يوجد مانع شرعي يعارض هذا المقتضى) قال ابن تيمية: وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وإذا كانت أم فقيرة، ولها أولاد صغار لهم مال، ونفقتها تضر بهم. أعطيت من زكاتهم (اختيارات ابن تيمية ص 61 - 62).
وما قيل في الوالدين والأولاد يقال في الزوجة أيضًا. ولهذا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة، وذلك لأن نفقتها واجبة عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها، كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها (انظر المغني: 2/649، ونيل الأوطار: 4/188).
ثم إن الزوجة من زوجها كأنه نفسه أو بعضه، كما قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا) (الروم: 21). وبيت زوجها هو بيتها كما قال الله تعالى: (لا(28/291)
تخرجوهن من بيوتهن) (الطلاق: 1 .. وهي بيوت الزوجية، التي هي ملك الأزواج عادة).
وما قاله بعضهم (انظر: المجموع: 6/229 - 230، ونيل الأوطار: 4/188، والروض النضير: 2/420). من جواز صرف الزوج من زكاته إلى زوجته فلا يعتد به؛ لأنه في الحقيقة إنما يعطي باليمين ليأخذ بالشمال.
انتهى كلام الشيخ
وبناء على هذه الفتوى لايجوز للسائل أن يعطى إخوته وأمه من هذا المال لأنهم أصحاب هذا المال ولهم فيه نصيب فلا يجوز لهم أن
يأخذوا منه والله أعلم
الزكاة للأقارب ... العنوان
هل يجوز إعطاء الزكاة للعمة؟ ... السؤال
07/11/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... قد جاء فى رد المحتار فى باب المصرف من الجزء الثانى ضمن كلام ما نصه - جواز دفع الزكاة لبقية الأقارب كالإخوة والأعمام والأخوال الفقراء بل هم أولى لأنه صلة وصدقة وفى الظهيرية ويبدأ فى الصدقات بالأقارب ثم الموالى ثم الجيران ولو دفع الزكاة إلى من نفقته واجبة عليه من الأقارب جاز إذا لم يحسبها من النفقة - انتهى - وبهذا علم أنه يجوز للسائل أن يدفع زكاة ماله إلى عمته
واللّه أعلم.
حكم الزكاة للوالدين ... العنوان
ماحكم إعطاء الزكاة للوالدين؟ ... السؤال
07/11/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يُجبر فيها الدافع إليهم على النفقة عليهم ولأن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته، ويسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز، كما لو قضى بها دينه (انظر: المغني لابن قدامة: 2/647).
ولأن مال الولد مال لوالديه. ولهذا جاء في المسند والسنن من غير وجه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أنت ومالك لأبيك) (تفسير ابن كثير: 3/305، والحديث رواه أحمد في المسند من ثلاثة طرق - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وصححها الشيخ شاكر. انظر الأحاديث (6678) و (6902) و(7001) الجزء 11، 12). كما رواه ابن ماجه عن جابر، ورجاله ثقات، والطبراني عن سمرة وابن مسعود بإسناد ضعيف، كما في التيسير للمناوي: 1/378. كما اعتبر(28/292)
القرآن بيوت الأبناء بيوتًا للآباء؛ إذ قال تعالى (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) (النور: 61 ).أي بيوت أبنائكم (تفسري القرطبي: 12/ 314)لأنه لم ينص عليهم في الآية كبقية الأقارب، ولأن أكل الإنسان من بيته ليس في حاجة إلى نص في رفع الحرج عنه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة بإسناد حسنة الترمذي، وصححه أو حاتم، كما في التيسير: 1/311، ورواه أحمد أيضًا بنحوه بسند صحيح، وهو جزء من حديث رقم (6678) و(7001).
ومن هنا قال علماء الحنفية: إن منافع الأملاك متصلة بين الوالدين والأولاد، فلا يقع الأداء تمليكًا للفقير من كل وجه، بل يكون صرفًا إلى نفسه من وجه، ولقوة الصلة بينهم لم تجز شهادة بعضهم لبعض (انظر: بدائع الصنائع:2/49).
وكذلك لا يجوز دفع الزكاة إلى الأولاد؛ لأنهم جزء منه، والدفع إليهم كأنه دفع إلى نفسه. ولا يعكر على ذلك الحديث الذي رواه البخاري وأحمد عن معن بن يزيد قال: أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند المسجد، فجئت فأخذتها، فقال: والله ما إياك أردت، فجئت فخاصمته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن) إذ الظاهر من هذه الصدقة أنها صدقة تطوع - كما قال الشوكاني - وليست الزكاة المفروضة (انظر: نيل الأوطار:4/189).
ولم يخالف في ذلك إلا ما نقل عن محمد بن الحسن ورواية عن أبي العباس من الشيعة: أنها تجزئ في الآباء والأمهات، وأيد ذلك جماعة من متأخري الزيدية، فجوزوا صرفها في جميع القرابة من الأصول والفصول وسائر ذوي الرحم. واحتجوا بأن الأصل شمول العمومات لهم، ولا مخصص صحيح يخرجهم عنها (الروض النضير: 2/421). كما روي عن مالك: أنه يجوز الصرف في بني البنين وفيما فوق الجد والجدة (نيل الأوطار: 4/189). وكأن ابن المنذر وصاحب البحر -رحمهما الله- لم تصح عندهما هذه الروايات، إذا حكيا الإجماع على أنه لا يجوز صرف الزكاة في الأصول - من الآباء والأمهات والأجداد والجدات - والفصول - من الأولاد وأولاد الأولاد (انظر البحر الزخار: 2/186).
والحجة التي ذكرها ابن المنذر وغيره هي سند هذا الإجماع، وذلك "أن دفع زكاته إليهم يغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه، ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه".
وقد قيد ابن المنذر نقل الإجماع على عدم جواز الدفع إلى الوالدين بالحال التي يجبر فيها الدافع إليهم على النفقة عليهم. فإذا لم تتحقق هذه الحال - بأن كان الولد معسرًا - وملك نصابًا وجبت فيه الزكاة - فقد قال النووي: إذا كان الولد أو الوالد فقيرًا أو مسكينًا وقلنا في بعض الأحوال: " لا تجب نفقته"، فيجوز لوالده وولده دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين، لأنه حينئذ كالأجنبي (المجموع: 6/229).
وقال ابن تيمية: يجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا، وإلى الوالد وإن سفل، إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم. أيد ذلك بوجود المقتضى للصرف (وهو الفقر والحاجة) السالم عن المعارض (أي لم يوجد مانع شرعي يعارض هذا المقتضى) قال ابن تيمية: وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وإذا كانت أم فقيرة، ولها أولاد(28/293)
صغار لهم مال، ونفقتها تضر بهم. أعطيت من زكاتهم (اختيارات ابن تيمية ص 61 - 62).
هل يجوز دفع الزكاة لنفقة زواج أحد الأقارب ... العنوان
هل يجوز أن أدفع جزءا من زكاة أموالي مساعدة في زواج أحد أقاربي أو إحدى قريباتي؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... : حدَّد الله سبحانه مَصارِف الزكاة في قوله تعالى: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعامِلِينَ عَلَيْها والْمُؤلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والغَارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللهِ وابنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (سورة التوبة : 60).
فلا يجوز دفعها لغير هؤلاء كما تفيده أداة الحصر وهي "إنما" وكل هذه الأصناف حددَّها العلماء دون خلاف بينهم يذكر، إلا في قوله تعالى: (وفِي سَبِيلِ اللهِ) ففسَّره الجمهور بالجهاد وفسَّره بعضهم بمُنقَطِعِي الحجيج، وجعله آخرون شاملاً لكل القُرُبات ومع ذلك لا يدخل التزويج فيه كما قال المحققِّون، فكما قالوا: لا يجوز صرف الزكاة للاستعانة بها على الحج لأن الله فَرَضَه على المستطيع فقط، قالوا: لا يجوز صرفها من أجل التزويج الذي نَدَب الله له من يستطيع أن يقوم بمسئولياته ، فقال: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الذينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (سورة النور : 33) وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " يا معشر الشباب مَنِ استطاع منكم الباءة فليتزوَّجْ، فإنه أغَضُّ للبصر وأحَصْنُ للفَرْج، ومن لم يَستَطِعْ فَعَلَيْه بالصوم فإنه له وِجَاءٌ" رواه البخاري ومسلم، والبَاءةُ هي تكاليف الزواج.
والزواج في هذه الأيام بالذات أخَذَ صورة مظهرية أكثر منها أدبية ودينية، سواء في المُهُور الغالية أو الأثاث الفاخر أو حفلات الزفاف وما إليها، فلا ينبغي أن توجه الزكاة إليها، وفي المجتمع حالات هي أحوج ما تكون إليها، روى مسلم أن رجلاً تزوَّج على صَدَاقٍ قدره أربع أواقٍ لا يستطيع دفْعها، ذهب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَستَعِينه، ومعلوم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حالته الخاصة لا يُمكِنُه أن يساعد بمثل هذا القدْر، وليس في مال المسلمين حق يُعِين هذا الرجل، فقال له مستنكرًا:"كأنما تَنْحِتُونَ الفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هذا الجَبَلِ، ما عندنا ما نُعْطِيكَ، لكنْ عسى أن نَبْعَثُكَ في بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ".
ولو تَعَيَّنَ الزواج عِصْمَة من المنكر للفتى أو الفتاة لا يُتَحَمَّلُ معها الانتظار إلى وقت اليَسَارِ وَجَبَ عليه أن يتزوج بقدر يُناسِب وَضْعَه الذي هو فيه، ما دام يَقصد الخير من العِفَّة والشرف. ولا يعدم أي مجتمع أن يكون فيه من يُحَقِّق له غرضه، فالخير موجود في المسلمين إلى يوم القيامة.
هذا، وإذا كانت للزكاة مصارف متعددة فينبغي مراعاة الأوْلوية فيها، والمسلمون كأمة واحدة يجب أن يتضامنوا في تحقيق الخير ودفْع الشر، وفيهم الآن من هم أشد الحاجة للعون الذي يَحفظ كرامتهم كآدميين ومسلمين، فأوْلى أن تُدفَع الزكاة إليهم ولو كان للزكاة جهاز منظم يشرف عليها بصدق وإخلاص جمعا وتوزيعًا لَظَهَر(28/294)
أثرها الذي شُرِعَت من أجله، سواء في الوطن الصغير أو في الوطن الإسلامي الكبير.
الخلوة الصحيحة ترتب آثارها الشرعية
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
9 أغسطس 1979 م
المبادئ
1 - ثبوت الخلوة الصحيحة بين الزوجين يستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيما عدا التوارث بينهما للطلاق البائن .
2 - الشبكة والهدايا فى هذه الحالة وبعد أن تم عقد الزواج .
لا حق للزوج فى استردادها . 3 - إذا اتفق على قدر المهر فى السر ثم ذكر فى العقد مهر أقل حكم بالمهر المتفق عليه فى السر .
4 - وثيقة الزواج ورقة رسمية فى خصوص الزواج فقط .
وتعتبر ورقة عرفية فيما عدا ذلك يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات .
5 - التعويض بمعناه المعروف فى القانون المدنى غير مقرر فى الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية
السؤال
بالطلب المقيد برقم 263 سنة 1978 المتضمن أن للسائل بنتا جامعية تقدم لخطبتها مهندس يعمل بالسعودية، وقدم لها شبكة من الذهب وبعض الهدايا - وعند الاتفاق على المهر خيره المهندس بين أن يدفع مهرا إلى بنته مهما كان كبيرا وبين أن يقوم هو بإعداد بيت الزوجية بتأثيث ثلاث غرف تليق بالزوجية وبمركز الأسرة الاجتماعى، على أن يحرر بهذا الجهاز قائمة لصالح الزوجة بأن جميع الأثاث ملك خالص لها .
وقد اختار السائل هذا الوضع الثانى على أن تكون قيمة الأثاث الذى يؤثثه لبيت الزوجية بمثابة المهر ، وتم الاتفاق بين السائل وخاطب ابنته على هذا الأساس ثم سافر هذا الخاطب إلى السعودية ومكث بها سنة، ثم عاد إلى مصر وطلب من السائل عقد القران على ابنته، وتم عقد القران فعلا بتاريخ 21/4/1977 وقد ذكر فى هذا العقد أن مقدم الصداق هو 25 قرشا ومؤخر الصداق هو 300 جنيه - على أساس أن الاتفاق بين الطرفين هو تأثيث بيت الزوجية من جانب الزوج هو المعمول به بدلا من مقدم الصداق الذى هو كرمز فقط بالعقد .
ثم سافر الزوج مرة أخرى إلى السعودية ثم حضر فى أواخر شهر مارس سنة 1978، وطوال هذه المدة لم يقم بالإنفاق على زوجته ثم مكث فترة مدعيا أنه يبحث عن شقة لتأثيث سكن الزوجية، وكان يحضر إلى زوجته أسبوعيا يوم الخميس ويعود إلى القاهرة يوم السبت، وقد حصلت خلوة شرعية بين الزوجين عدة مرات، ثم حضر إليهم مبديا رغبته فى إجراء الطلاق بدون أسباب ولا مبررات على شرط(28/295)
أن يسترد الشبكة والهدايا والمصاريف التى أنفقها فى حفل عقد القران، وبين لهم أن كل ما يلزمه هو أن يدفع لهم نصف مؤخر الصداق .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى حالة الطلاق قبل الدخول مع حدوث خلوة شرعية عدة مرات بين الزوجين وذلك بالنسبة للآتى : 1 - الشبكة التى قدمت للزوجة فى فترة الخطبة .
2 - الهدايا .
3 - مقدم الصداق وإمكان طلب تحليفه اليمين الحاسمة أمام القضاء لبيان حقيقة مقدم الصداق الذى تم الاتفاق عليه خلافا للثابت بوثيقة الزواج .
4 - النفقة الشرعية من تاريخ الزواج حتى تاريخ الطلاق أو التطليق .
5 - مؤخر الصداق .
6 - التعويض اللازم للزوجة لما أصابها من أضرار مادية وأدبية ونفسية ناتجة عن هجر الزوج لها، وطلب الطلاق قبل الدخول وبعد حدوث الخلوة الشرعية الصحيحة
الجواب
من المقرر فقها وقانونا أن نفقة الزوجة التى سلمت نفسها لزوجها ولو حكما تجب عليه من وقت امتناعه من الإنفاق عليها مع وجوبه دون توقف على قضاء أو رضاء ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء - وأن الخلوة الصحيحة بين الزوجين إذا ثبتت بالإقرار أو البينة تستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيتأكد بها جميع المهر عاجلة وآجله للزوجة وتجب عليها العدة إذا طلقت ولها النفقة مدة العدة شرعا أو إلى سنة من تاريخ الطلاق، ويحل لها مؤجل الصداق بالطلاق لأنه بائن - وأما عن الشبكة والهدايا فى موضوع السؤال وبعد أن تم عقد الزواج فلا حق للزوج فى استردادها ،لأنها وإن اعتبرت جزءا من المهر بالاتفاق أو جرى العرف باعتبارها جزءا منه أخذت حكم المهر - وإذا لم تكن كذلك أخذت حكم الهبة فتصبح حقا للزوجة لا يجوز للزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة شرعا .
وتعتبر باقى الهدايا من قبيل الهبة وتأخذ ذات الحكم .
وأما عن مقدم الصداق الثابت بالوثيقة ومقداره خمسة وعشرون قرشا، فإن الفقهاء قد تحدثوا فيما سموه بمهر السر ومهر العلن، وعلى هدى أقوال فقهاء المذهب الحنفى فإنه إذا اتفق على قدر المهر فى السر ثم ذكر فى العقد مهر أقل فإنه يحكم بالمهر المتفق عليه فى السر .
وفى واقعة السؤال إذا كان قد تم الاتفاق على أن يجهز الزوج ثلاث غرف تليق بالزوجة ومركز أسرتها ويحرر بها قائمة تمليك للزوجة كما جاء بالسؤال وثبت هذا الاتفاق بطريق من طرق الإثبات الشرعية، فإن هذا المتفق عليه يكون مقابل مقدم المهر .
هذا ووثيقة الزواج ليس لها صفة الرسمية فى مقدار المهر لأنها لم تعد لإثبات ذلك، فيجوز إثبات عكس ما جاء فيها بكافة طرق الإثبات ومنها يمين المدعى عليه ونكوله .(28/296)
أما التعويض بالمعنى المعروف فى القانون المدنى فهو غير مقرر فى الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية - أما الأضرار الأدبية فإن مؤجل الصداق ونفقة العدة إذا ثبتت الخلوة كل أولئك التزامات أوجبها الله ترضية للمطلقة وجبرا لما يكون قد لحقها .
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد به السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
الابراء إنما يكون من المنصوص عليه
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
9 أبريل 1979 م
المبادئ
إبراء الزوجة زوجها من كافة حقوق الزوجية وطلاقها فى نظير هذا مسقط للمهر والنفقة قبل الطلاق .
أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا شملها الإبراء صراحة
السؤال
بالطلب المتضمن أن زوج السائلة قد فوضها فى تطليق نفسها منه على الإبراء من كافة الحقوق الزوجية متى شاءت ويعتبر ذلك ملحقا بعقد الزواج الصادر بينهما .
وقد قضت المحكمة باثبات طلاقها منه طلقة بائنة فى 23/11/1978 فى نظير الإبراء من الحقوق الزوجية جميعها بالحكم الصادر من المحكمه والصادر هذا الطلاق منها بناء على تفويض زوجها إياها فيه على هذا الوصف .
وأودعت صورة ضوئية من هذا الحكم . وطلبت السائلة الإفادة عما إذا كان هذا الإبراء يتضمن الحقوق اللاحقة لهذا الطلاق وهى مؤخر الصداق ونفقة العدة .
والحقوق السابقة عليه حيث إنه امتنع عن الإنفاق عليها منذ أكثر من سنتين وبيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
تقضى المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 ببعض أحكام الأحوال الشخصية المأخوذة من فقه بعض المذاهب الإسلامية من غير فقه مذهب أبى حنيفة (بأن تعتبر نفقة الزوجة التى سلمت نفسها لزوجها ولو حكما دينا فى ذمته من وقت امتناع الزوج عن الإنفاق مع وجوبه بلا توقف على قضاء أو تراض منهما، ولا يسقط دينها إلا بالأداء أو الإبراء) وبهذا صارت نفقة الزوجة دينا صحيحا ثابتا فى ذمة زوجها من وقت الامتناع فيرد عليها الإبراء صحيحا .
وبما أنه تبين من الاطلاع على صورة الحكم المرقوم أن الطالبة قد طلقت نفسها من زوجها نظير الإبراء من كافة حقوق الزوجية بمقتضى تفويضه إياها فى الطلاق نظير هذا الإبراء، وأنه حضر أمام المحكمة وأقر بصحة كل ذلك .
وقضت المحكمة بإثبات الطلاق من 23/11/1978 طلقة بائنة نظير الإبراء من كافة حقوق الزوجية، وبما أن فقه المذهب الحنفى الذى يجرى عليه القضاء فى هذه(28/297)
الواقعة بالإعمال للمادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية يقضى بأن إبراء الزوجة من كافة حقوق الزوجية وطلاقها فى نظير هذا مسقط لحقها فى المهر والنفقة الزوجية المستحقة قبل وقوع هذا الطلاق .
أما نفقة العدة التى تبدأ بالطلاق فلا تسقط إلا إذا شملها الإبراء صراحة .
ولما كان الظاهر من السؤال وصورة الحكم المشار إليه أن الإبراء لم يشمل نفقة العدة وإنما كان من كافة حقوق الزوجية التى تنحصر فيما كان قائما من حقوق بسبب عقد الزواج وقت هذا الطلاق نظير الإبراء ومن ثم فإنه فى هذه الواقعة يسقط حق السائلة فى نفقة الزوجية المستحقة حتى 22/11/1978 وفى مؤجل الصداق إن كان .
وتستحق فقط نفقة العدة بجميع أنواعها من تاريخ هذا الطلاق 23/11/1978 حتى انقضائها شرعا أو إلى غايتها قانونا .
ومن هذا يعلم جواب السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
نشوز الزوجة
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ذو القعدة 1398 هجرية - 21 أكتوبر 1978 م
المبادئ
1 - نفقة الزوجة على زوجها مقابل قرارها فى منزل الزوجية وتفرغها لصالح الزوج .
2 - إذا اشتغلت بعمل خارج منزل الزوجية دون إذنه ورضاه ولو كان ضروريا للمجتمع كانت مفوتة حقه فتسقط نفقتها .
3 - لا يقدح هذا فى الحق المقرر لها فى العمل المشروع، لأن المشروعية لا تنافى المنع
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل تزوج بالسيدة / س م م سنة 1975 بعقد زواج رسمى، وأنه دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج، ولا تزال فى عصمته حتى الآن، وكانت وقت زواجها به لا تعمل، ثم فوجىء بأنها التحقت بعمل بالتليفزيون فى مجال الإخراج فى 1/1/1971 بدون علمه ولا إذنه، وقد أبى عليها هذا العمل حيث لا حاجة بها إليه لأنه موسر، وطلب منها أن تترك عملها وتمتثل لمنزل الزوجية فرفضت ذلك .
فأرسل لها إنذار على يد محضر بعد عملها بخمسة عشر يوما بأن تترك عملها بالتليفزيون وتمتثل لمنزل الزوجية وتحتبس فيه وإلا تعتبر ناشزا، ولا تستحق عليه نفقة ولا أى حق من الحقوق الشرعية .(28/298)
وطلب السائل الإفادة عما إذا كانت هذه الزوجة والحالة هذه تعتبر ناشزا وتسقط نفقتها بإصرارها على العمل وعدم امتثالها للاحتباس فى منزل الزوجية أم لا
الجواب
إن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو عقد الزواج الصحيح بشروط .
منها احتباسها لحقه وتفريغها نفسها له، فقد جاء فى كتاب المبسوط للإمام السرخسى ج - 5 ص 180 فى افتتاح باب النفقة ما يلى (اعلم أن نفقة الغير تجب بأسباب منها الزوجية) ثم استطرد إلى أن قال فى ص 181 فى تعليل هذا (لأنها محبوسة لحق الزوج ومفرغة نفسها له، فتستوجب الكفاية عليه فى ماله، كالعامل على الصدقات لما فرغ نفسه لعلم المساكين استوجب كفايته فى مالهم، والقاضى لما فرغ نفسه لعمله للمسلمين استوجب الكفاية فى مالهم) ونفى ص 185 (أن النفقة إنما تجب شيئا فشيئا) وفى ص 186 (وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت أن تتحول معه إلى منزله أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها لأنها ناشزة ولا نفقة للناشزة، فإن الله تعالى أمر فى حق الناشزة بمنع حظها فى الصحبة بقوله تعالى { واهجروهن فى المضاجع } النساء 34 ، فذلك دليل على أن تمنع كفايتها فى النفقة بطريق الأولى - لأن الحظ فى الصحبة لهما وفى النفقة لها خاصة، ولأنها إنما تستوجب النفقة بتسليمها نفسها إلى الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه، فإذا امتنعت من ذلك صارت ظالمة .
وقد فوتت ما كان يجب لها باعتباره فلا نفقة لها) وفى البحر الرائق شرح كنز الرقائق فى باب النفقة ج - 4 ص 195 ذكر المجتبى - (وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة لأن التسليم ناقص، وقالوا له أن يمنع امرأته من الغزل، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب، لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه) وفى حاشية منحة الخالق لابن عابدين على البحر الرائق ص 196 ج - 4 نقلا عن الشرنبلالية) أن للزوج أن يمنع زوجته من صوم النفل) وفى الدر المختار للحصكفى ج - 2 فى باب النفقة ص 999 (ولا نفقة لخارجة من بيته بغير حق وهى الناشزة حتى تعود ولو بعد سفره) ولقد تابع علماء الشريعة المحدثون هذه النصوص السابقة .
ففى كتاب الأحكام الشرعية فى الأحوال الشخصية لقدرى باشا فى المادة 169 .
أن الزوجة المحترفة التى تكون خارج البيت نهارا وعند الزوج ليلا إذا منعها من الخروج فعصته فلا نفقة لها مادامت خارجة، وحول هذا المعنى جاء شرح الأحكام الشرعية للمرحوم الشيخ محمد زيد الإبيانى ج - 1 ص 237، ونظام النفقات فى الشريعة الإسلامية للمرحوم الشيخ أحمد إبراهيم ص 11، وأحكام الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية للمرحوم الشيخ عبد الوهاب خلاف ص 109، وقد ذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه أحكام الزواج فى الشريعة الإسلامية ص 292 - أنه إذا كانت الزوجة من المحترفات اللائى لا يقررن فى البيت فلا نفقة لها إذا طلب منها القرار فلم تجب طلبه وذلك لأن الاحتباس فى هذه الحالة ناقص فله طلبه كاملا .(28/299)
فإذا امتنعت فهى ناشزة . ولم يفرق العلماء فى هذا بين حرفة وأخرى، وإنما كان الحكم شاملا لسائر الأعمال التى تخرج بسببها المرأة من منزل الزوجية وتفوت بهذا الخروج حق زوجها وتصبح ناشزة، والنشوز فى النكاح كما جاء فى بدائع الصنائع ج - 4 ص 122 (أن تمنع نفسها من الزوج بغير حق خارجة من منزله بأن خرجت بغير إذنه وغابت أو سافرت) كما جاء فى الجزء الرابع من حاشية الشيخ البجيرمى على شرح المنهاج فى فقه الشافعية ص 112، ص 113 ما نصه تجب المؤن على صغير لا لصغيرة بالتمكين لا بالعقد قوله بالتمكين أى التام، وخرج به ما لو مكنته ليلا فقط أو فى دار مخصوصة فلا نفقة لها كما جاء فى كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى خليل فى فقه المالكية ص 188 (من موانع النفقة النشوز، ومنع الوطء والاستمتاع نشوز، والخروج بدون إذنه نشوز) وقال الأبهرى وغيره (أجمعوا على أن الناشز لا نفقة لها) وفى كتابى المغنى والشرح الكبير لابن قدامة الحنبلى ج - 8 ص 154 ما نصه (مسألة) قال وإذا سافرت زوجته بإذنه فلا نفقة لها ولا قسم أى سافرت فى حاجتها، لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فتسقط، وفى هذا تنبيه على سقوطهما إذا سافرت بغير إذنه .
فإنه إذا سقط حقها من ذلك لعدم التمكين بأمر ليس فيه نشوز ولا معصية فلأن يسقط بالنشوز والمعصية أولى ولا يقدح هذا فى الحق المقرر لمرأى فى العمل المشروع وأن لها شخصيتها وذمتها المالية متى كانت بالغة عاقلة، لأن المشروعية لا تنافى المنع - إذ من المقرر شرعا أن للزوج أن يمنع زوجته من صلاة وصوم النوافل مع أنها عبادة مشروعة - وكما قرر فقهاء المذهب الحنفى أن الزوجة المحبوسة أو المغصوبة أو المسافرة للحج ولو مع محرم بدون إذن زوجها لا نفقة لها .
مع أن الحج عبادة والحبس والغصب كرها عنها، فإذا سقطت نفقتها فى هذه الأحوال باعتبارها ناشزة وهى مكرهة فمن باب أولى تسقط نفقتها إذا كان فوات احتباسها بإرادتها بسبب خروجها للعمل أيا كان نوعه .
ومن كل ما تقدم من النصوص، يظهر جليا أن نفقة الزوجة على زوجها مقابل قرارها فى منزل الزوجية وتفرغها لصالح الزوج، وأنها إذا اشتغلت بعمل خارج منزل الزوجية دون إذنه ورضاه ولو كان ذلك من الأعمال الضرورية للمجتمع كعمل القابلة والطبيبة كانت مفوتة حقه فيفوت حقها وتسقط نفقتها، لأن الحقوق المترتبة على العقد متقابلة .
ومما تقدم يعلم الجواب إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
كفالة بنفقة
المفتي
حسن مأمون .
جماد أول سنة 1375 هجرية - 8 يناير سنة 1956 م(28/300)
المبادئ
1 - الكفالة بالمال تصح ولو كان المال مجهولا متى كان دينا صحيحا .
2 - النفقة الزوجية لا تسقط إلا بأداء أو الابراء والكفالة بها صحيحة .
3 - إذا أدى الكفيل الدين رجع بما أداه على الأصيل .
4 - تبطل الكفالة بابطال الدائن لها أو بأداء المدين
السؤال
من السيد / د قال أنه كفل ابنه فى عقد زواجه دون أن يعلم بما يترتب على هذه الكفالة وان ابنه نفر منه وخرج مع زوجته وأقام بمنزل والد زوجته وأن زوجة ابنه رفعت دعوى نفقة لها ولأولادها عليه وحكمت لها محكمة جرجا الشرعية عليه بنفقة وكسوة بمقتضى عقد الكفالة فما هى السبيل للخلاص من هذه الكفالة شرعا وقانونا
الجواب
أن الكفالة شرعا ضم ذمة إلى ذمة فى المطالبة وحكمها لزوم المطالبة على الكفيل بما هو على الأصيل نفسا أو مالا، وفى الكفالة بالمال تصح الكفالة ولو كان المال مجهولا متى كان دينا صحيحا وهو ما لا يسقط إلا بأداء أو الابراء ونفقة الزوجة بمقتضى المادة رقم واحد من القانون 25 لسنة 1920 من الديون الصحيحة التى لا تسقط إلا بالأداء أو الابراء والكفالة بها صحيحة على القياس قولا واحد، وللمفروض لها النفقة ان تطالب بها الأصيل أو الكفيل أو هما معا ، وأيهما أدى لها النفقة برئ الآخر مما أستلمته منها ولم يكن لها مطالبته به ثانية واذا كان الذى أدى اليها النفقة الأصيل وهو الزوج برئ الكفيل مما أداه الأصيل وبطلت الكفالة فى القدر المؤدى وأن كان الذى أداءها اليها الكفيل رجع بما أدى على الأصيل وتبطل الكفالة نفسها بابطال الزوجة لها بأن تقول له أبطلت الكفالة أو نحو ذلك - وبناء على ما تقدم مادام عقد الكفالة باقيا ولم تبطلها الزوجة يكون لها الحق فى مطالبة كل من زوجها وكفيله السائل بما لها من النفقة فى ذمة زوجها .
وبهذا علم الجواب عن السؤال والله أعلم
نفقة زوجية
المفتي
أحمد هريدى .
التاريخ 4 يوليه سنة 1964 م
المبادئ
1 - لا تجب نفقة الزوجة على زوجها إلا بعقد صحيح .
2 - إذا زفت الزوجة إلى بيت زوجها وهى مريضة لا تسقط نفقتها ولو كان المرض شديدا لتحقق شرط وجوب النفقة بالتسليم .
3 - إذا نقلت الزوجة إلى بيت أبيها مريضة لا تسقط نفقتها الا إذا دعاها الزوج إلى منزله فامتنعت بغير حق
السؤال
من س .(28/301)
بالطلب المتضمن أن السائل تزوج بفتاة وقد زفت إليه ووجدها مريضة بمرض منفر ومعد وقد امتنع بسببه من معاشرتها وطلقها بعد مضى سنة من الزفاف لعدم شفائها .
وطلب بيان الحكم الشرعى هل تستحق الزوجة المذكورة عليه نفقة فى المدة السابقة على الطلاق أولا مع العلم بأنه لم يقربها وكانت فى تلك المدة بمنزل والدها
الجواب
نفقة الزوجة تجب بالعقد الصحيح .
وإذا مرضت وزفت إلى بيت الزوج وهى مريضة فلا تسقط نفقتها ولو كان المرض شديدا لثبوت الاستمتاع بأغلب ثمرات الزوجية لتحقق شرط وجوب النفقة بالتسليم ولأن وجودها فى بيت الزوج فيه نفع له على كل حال ثم إذا نقلت إلى بيت أبيها مريضة أو ذهبت إليه لبعض الشئون ولم تخرج من بيت الزوج ناشزة فلا تسقط نفقتها إلا إذا دعاها الزوج إلى منزله فامتنعت بغير حق وبدون عذر لأنها تكون حينئذ ناشزة .
أما إذا كان الامتناع بحق أو بعذر فلا تسقط نفقتها لأنها لا تعد ناشزة بذلك .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال
أولوية نفقة الزوجة
المفتي
محمد بخيت .
ربيع أول 1333 هجرية
المبادئ
نفقة الزوجة مقدمة فى التنفيذ على غيرها من نفقات الأقارب
السؤال
رجل فرض عليه القاضى برضاه نفقة طعام لزوجته ونفقة لأولاده ثم حجزت الزوجة المذكورة على ربع ماهية الزوج .
ثم فرض لابنته الأخرى نفقة وتريد البنت مشاركة الزوجة وأخوتها لأبيها فيما فرض لهم .
فما الحكم إذا كان ربع ماهية الزوج لا تفى ذلك
الجواب
نفقة الزوجة أقوى من نفقة الأولاد والأقارب لأنها وجبت بالعقد جزاء الاحتباس وتجب على الزوج ولو فقيرا بخلاف غيرها فإنها تجب للحاجة بشرط اليسار وحيث ضاق المال عن نفقة الزوجة والأولاد فتقدم الزوجة على غيرها فتعطى أولا ما فرض لها القاضى فإذا بقى شىء أعطى للأولاد المذكورين واللّه أعلم .
ـــــــــــــــــــ
متجمد نفقة الزوجة
المفتي
عبد الرحمن قراعة .(28/302)
جمادى الآخرة 1344 هجرية 28 ديسمبر 1925 م
المبادئ
1- متجمد النفقة قبل الوفاة حق للزوجة ويورث عنها شرعا ويوزع على ورثتها حسب أنصبتهم فى التركة عملا بالمادة 1 من القانون 25 سنة 1920 التى تقضى بأن نفقة الزوجة واجبة ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء .
2- تسقط نفقتها من تاريخ وفاتها
السؤال
بخطاب المحافظة رقم 22 نوفمبر سنة 1925 نمرة 2404 ورقم 23 سنة 1925 نمرة 2704 صورتهما ( الأول ) الحرمة س ع أ توفيت فى 24 يولية سنة 1925 ويستحق لها نفقة عن شهور مايو ويونيو ويوليو وأغسطس سنة 1925 بموجب أربع أذونات الصرف ضمن مرفقاته الواردة بكتاب مديرية قنا رقم 98 وبناء عليه اقتضى ترقيمه لفضيلتكم بأمل التكرم بالإفادة عمن تصرف إليه النفقة سواء كان لورثتها أم للمخصومة منه النفقة ( صورة الثانى ) ردا على المكاتبة نمرة 25 رقم 29 نوفمبر سنة 1925 نفيد بأن النفقة الخاصة بالحرمة السيدة عبد الحليم هى نفقة زوجية
الجواب
اطلعنا على خطابى المحافظة رقم 22 نوفمبر سنة 1925 نمرة 2404 ورقم 23 ديسمبر سنة 1925 نمرة 2704 المطلوب بهما الإفادة عمن تصرف إليه نفقة الزوجية المستحقة للحرمة س .
ع. إ .
عن شهور مايو ويونيو ويوليو وأغسطس سنة 1925 التى توفيت بتاريخ 24 يوليو سنة 1925 هل لورثتها أم للمخصوم منه النفقة ونفيد أن النفقة الواجبة للزوجة المذكورة لغاية تاريخ وفاتها 24 يوليو سنة 1925 هى حق لها فيرد لورثتها ويسلم إليهم حسب أنصبائهم الشرعية عملا بالمادة ( 1 ) من القانون نمرة 25 سنة 1920 من أن النفقة الواجبة للزوجة لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء وهو الذى عليه عمل المحاكم اليوم أما المدة من 24 يوليو سنة 1925 وما بعده فلا تستحق الزوجة فيها نفقة لوفاتها فيرد مبلغ هذه المدة للمخصوم منه والأوراق عائدة من طيه كما ورد وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
أولوية فى نفقة
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1349 هجرية 7 ديسمبر 1930 م
المبادئ
1- نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأولاد .
2- نفقة الأولاد الصغار مقدمة على نفقة الأولاد الكبار
السؤال(28/303)
رجل تقررت عليه نفقة زوجية لزوجته وأولادها منه بحكم نهائى وتنفذ بها على ربع مرتبه وبعد ذلك تقررت عليه نفقة أخرى صلحا لبنتيه البالغتين من زوجة سابقة فحجزت البنتان على ربع مرتبة أيضا وأوقف الصرف للطرفين لعدم كفاية ربع المرتب لتنفيذ الحكمين معا .
فهل الزوجة وأولادها الصغار أحق وأفضل من بنتيه الكبيرتين الموسرتين وهل تكون نفقة الزوجة مقدمة على أولادها
الجواب
نفيد أولا بأننا لم نجد فى كتب فقهاء الحنفية نصا صريحا بأولوية نفقة الزوجة على نفقة الأولاد عند ضيق مال الزوج عنهما ولكن جرى بعض المفتين على تقديم نفقة الزوجة فى هذه الحالة على نفقة الأولاد ومنهم المغفور له استاذنا الإمام الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية سابقا فقد أفتى بتاريخ 24 شعبان سنة 1321 تحت 202 فتاوى بذلك إستنتاجا مما قاله الفقهاء فقد قال إن نفقة الزوجة تجب بالعقد وهى ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول ويحبس الزوج عليها متى كانت بالقضاء أو الرضا ولا تسقط بعد ذلك بمضى المدة على ما عليه العمل لأنها جزاء الاحتباس ولذلك تجب لها على الزوج ولو كانت غنية إلى أن قال ومنه يتبين أن منزلة نفقة الزوجة أرقى من منزلة نفقة الابن .
وما أفتى به الأستاذ الإمام وغيره من المفتين موافق لما نص عليه فى غير مذهب علمائنا الحنفية فينبغى الأخذ بهذا فى هذه الحالة .
وثانيا أن نفقة الأولاد الصغار مقدمة على نفقة الأولاد الكبار كما تفيده عبارة قاضيخان فى فتاواه ونصها ( رجل به زمانه أو به علة لا يقدر على الحرفة وله ابنة كبيرة فقيرة لا يجبر على نفقتها ويجبر على نفقة الأولاد الصغار ) .
ومن هذا كله يتبين أنه بعد استيفاء الزوجة لنفقتها تقدم نفقة الأولاد الصغار فيما يفضل ثم إن فضل منه شىء يكون للبنتين الكبيرتين إذا كانتا فقيرتين وإلا فلا تجب نفقتهما على والدهما .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر بالسؤال واللّه أعلم
نفقة الزوجة مقدمة فى سائر الديون
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1352 هجرية 16 نوفمبر 1933 م
المبادئ
الإنفاق على زوجة المديون من ماله مقدم على حق الدائنين لأنه من حوائجه الأصلية
السؤال
رجل حكم عليه شرعا بنفقة لزوجته وهو مديون بدين مدنى لآخرين فهل نفقتها مقدمة على غيرها من أصحاب الديون أم ماذا يكون الحكم الشرعى
الجواب(28/304)
نفيد بأنه جاء فى صحيفة 200 من الجزء الخامس من شرح الزيلعى ما نصه وينفق على المدين المحجور وعلى زوجته وأولاده الصغار وذوى أرحامه من ماله لأن حاجته الأصلية مقدمة على حق الغرماء .
ومن هذا يعلم أن الإنفاق على زوجة المديون من ماله مقدم على حق الدائنين لأن الإنفاق على زوجته من حوائجه الأصلية المقدمة على حقهم .
واللّه تعالى أعلم
نفقات الأقارب
المفتي
حسن مأمون .
رجب 1374 هجرية 15 مارس 1955 م
المبادئ
1 - النفقة لا تجب للقريب على قريبه إلا إذا كان رحما محرما .
2 - المحرم الذى ليس بقريب كالأخ من الرضاع لا تجب نفقته .
3 - الرحم غير المحرم لا تجب نفقته كابن العم وإن كان وارثا
السؤال
من السيد/ قال يوجد أولاد صغار فقراء محتاجون للمساعدة، ويوجد لهم من الأقارب أولاد عمهم لأب، وأولاد عم أبيهم الشقيق، وأولاد ابن عم أبيهم الشقيق، وأن بنتا من الأولاد الفقراء تزوجت من ابن عمها وطلب بيان الحكم الشرعى فيمن تجب عليه نفقة هؤلاء الأولاد الفقراء وهل تستحق البنت المتزوجة النفقة أم لا
الجواب
اطلعنا على السؤال والجو اب أن المذكورين جميعا قرابتهم للأولاد الفقراء المحتاجين للانفاق قرابة رحم غير محرم، والنفقة لاتجب للقريب على قريبه إلا إذا كان رحما محرما .
قال فى الفتح ج 4 ص 209 والفاصل أن يكون ذا رحم محرم وقد قال الله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } ، وفى قراءة عبد الله ابن مسعود وعلى الوارث ذى الرحم المحرم مثل ذلك قيد بالقريب لأن المحرم الذى ليس بقريب كالأخ من الرضاع لا تجب نفقته، وقيد بالمحرم لأن الرحم غير المحرم لا تجب نفقته، كابن العم وإن كان وارثا، إلى أن قال فلو كان له خال وابن عم فالنفقة على الخال لمحرميته لا على ابن العم وإن كان وارث، لأن المراد من الوارث فى الآية من هو أهل للميراث لا كونه وارثا حقيقة ) .
وبذلك يظهر أن المذكورين جميعا لا تجب نفقة هؤلاء الأولاد عليهم، ولا على طائفة منهم ولا على أحدهم أما البنت التى تزوجت فنفقتها على زوجها إذا تحققت فيها شروط وجوب نفقة الزوجة على زوجها .
وبهذا يعلم الجواب عن السؤال والله تعالى أعلم
نفقة المتوفى عنها زوجها ولها أولاد قصر موسرون(28/305)
المفتي
حسن مأمون .
جمادى الثانية 1377 هجرية 2 يناير 1958 م
المبادئ
1 - المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها فى ماله المتروك عنه، وإنما نفقتها فى مالها الموروث عنه وغيره، فإذا لم يف هذا ولا ذاك بنفقتها تكون نفقتها فى مال أولادها القصر إذا كان فى فاضله ما يفى بنفقتها .
2 - يجوز أخذ نفقتها من مال أولادها القصر الذى تحت يدها بصفتها وصية بعد إذن المحكمة بذلك .
3 - وصى المال هو المسئول عن استغلاله والإشراف عليه بما فيه المصلحة للقصر والإنفاق عليهم منه
السؤال
من السيد/ بطلب تضمن أن والده توفى عن تركة، وعن أطفال صغار عينت أمهم وصية عليهم وسأل هل لزوجة المتوفى نفقة على الورثة غير نفقة الأولاد الصغار ومن الذى يستغل نصيب الأولاد وينفق عليهم
الجواب
إن المنصوص عليه شرعا أن الزوجة المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها عليه فى ماله المتروك عنه من تاريخ وفاته، وإنما تجب نفقتها فى مالها الموروث لها عنه وغير الموروث إن كان لها غيره، فإذا لم يف هذا المال بنفقتها وجبت تكملتها فى مال أولادها المذكورين المرزوقة بهم من زوجها المتوفى إن كان فيه فاضل عن نفقتهم يفى بها، وحينئذ يكون لها أن تأخذ من مالهم الذى تحت يدها بمقتضى الوصاية ما يكمل نفقتها بعد أخذ إذن من المحكمة الحسبية بذلك طبقا للمادة 39 من القانون رقم 119 سنة 1952، لأن نفقة الأصل الفقير أبا كان أو أما تجب شرعا على فرعه الموسر لا يشاركه فيها أحد .
هذا بالنسبة لنفقة الزوجة المسئول عنها وأما بالنسبة لنفقة أولاد المتوفى الصغار وأموالهم، فإن المنصوص عليه شرعا وقانونا طبقا لما جاء بأحكام القانون المذكور أن وصى المال هو المسئول عن استغلال أموال القصر والإشراف عليها بما فيه المصلحة لهم والإنفاق عليهم منها، ووصى المال هنا هى أمهم زوجة المتوفى كما جاء بالسؤال، فيجب عليها شرعا وقانونا إدارة شئون أموالهم، واستغلالها بما فيه المصلحة لهم بنفسها، أو بواسطة وكيل عنها والإنفاق عليهم منها بعد تقدير نفقتهم بواسطة المحكمة الحسبية المختصة وتستمر هذه الولاية لها عليهم إلى أن يبلغوا راشدين سن الحادية والعشرين، حيث تسلم لهم أموالهم ليتصرفوا فيها بما فيه صلاحهم .
والله أعلم
تقديم نفقة الزوجة والأولاد على غيرها من النفقات
المفتي(28/306)
أحمد هريدى .
24 أبريل 1962م
المبادئ
1 - المقرر شرعا أن نفقة الزوجة ومثلها نفقة الصغار مقدمة على نفقة الأقارب، ونتيجة لذلك يقدم حكم نفقتهما فى التنفيذ على أحكام نفقة الأقارب .
2 - بعض الأحكام قد تصدر فى ظروف خاصة وباتفاق الطرفين بقصد تحقيق مصلحة أو دفع ضرر ن وهذه الأحكام لها عند التقدير والترجيح وزن خاص .
3 - إذا تراضى الطرفان على تنفيذ الحكمين معا قسم المبلغ الجائز الحجز عليه بنسبة ما هو محكوم به لكل منهما، وعند الاختلاف فى التنفيذ على المرتب أو المعاش تقدم نفقة الزوجة والأولاد الصغار فى التنفيذ على نفقات الأقارب ومنهم الأم
السؤال
طلبت مديرية أمن المنيا بكتابها رقم 1771 المتضمن أنه صدر حكم نفقة شرعية لصالح السيدة/ ضد ابنه السيد/ بمبلغ أربعين قرشا شهريا لنفقتها بنوعيها، وصدر حكم آخر لصالح زوجته بمبلغ مائة وعشرين قرشا شهريا لنفقتها بأنواعها الثلاثة، وأربعين قرشا شهريا لطعام وكسوة ابنهما وأن جملة ما يستحقه المحكوم عليه من معاش وإعانة غلاء هو ثلاثة جنيهات وثلاثمائة وثلاثون مليما وطلبت بيان نصيب كل من أم وزوجة المذكور، وأى الحكمين أولى بالتنفيذ فى معاشه
الجواب
المقرر شرعا أن نفقة الزوجة ومثلها نفقة الأولاد الصغار مقدمة على نفقة الأقارب كالأم والأب والإخوة، ونتيجة لذلك يكون حكم نفقتها مقدم فى التنفيذ على أحكام نفقة الأقارب غير أن بعض الأحكام قد تصدر فى ظروف خاصة، وباتفاق الطرفين، بقصد تحقيق مصلحة أو دفع ضرر، ومثل هذه الأحكام لها عند التقدير والترجيح وزن خاص .
ومن ثم نجيب بأنه إذا تراضى الطرفان على تنفيذ الحكمين معا على المبلغ الجائز الحجز عليه قسم المبلغ بينهما بنسبة ما هو محكوم به لكل منهما، وإن لم يتراضيا وأذعنا لحكم الشرع فإن حكم الشرع يقضى بتقديم نفقة الزوجة والأولاد الصغار فى التنفيذ على حكم نفقة الأقارب ومنهم الأم، وإن لم يذعنا لذلك وجب استصدار حكم بالأولوية فى التنفيذ ، وعند صدور هذا الحكم يجب العمل بما يقضى بعه جبرا عليهما .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
نفقة المستحق وزوجته وعياله مقدمة على سائر الديون
المفتي
بكرى الصدفى .
صفر 1329 هجرية(28/307)
المبادئ
لا يختص أرباب الديون الثابتة على الزوج باستحقاق فى غلة الوقف بل يعطى لهم الباقى منه بعد نفقته ونفقة زوجته وعياله
السؤال
من صالح أفندى وكيل أشغال الست فاطمة هانم فيما إذا كان شخص مدينا لأشخاص آخرين ومحجوزا على استحقاقه فى ريع وقف تحت يد ناظره، وكان لا يملك شيئا غير استحقاقه فى غلة الوقف المذكور، وكان متزوجا من زوجته ببنتين، ولعدم الصرف على زوجته وبنتيها منه قد استصدرت حكما شرعيا بنفقة المأكل والمسكن والكسوة لها ولبنتيها .
وكان ناظر الوقف بسبب الحجوزات المتوقعة تحت يده بناء على أحكام صادرة لمصلحة أربابها ضد المدين ممتنعا عن الصرف فهل يسوغ شرعا تقديم دفع الديون مها كان نوعها على النفقة المقررة للزوجة وأولادها، أم أن نفقة الزوجة مقدم شرعا على كل ما سواها حتى على النفقة المقررة للوالدة نرجو الإفادة عن ذلك كما يقتضيه المنهج الشرعى
الجواب
فى تنقيح الحامدية ما نصه ( سئل ) فى فقير ذى عيال وحرفة يكتسب منها وينفق منها على عياله من كسبه ويفضل منه شئ وعليه دين لجماعة يكلفونه بلا وجه شرعى إلى دفع جميع كسبه من دينهم، فهل ليس لهم ذلك بل يأخذون فاضل كسبه الجواب نعم والمسألة فى الخيرية من القضاء ( سئل ) المرحوم العلامة شيخ الإسلام عماد الدين أفندى العمادى عفى عنه فيما إذا كان على رجل ديون ثابتة لجماعة ولا يملك شيئا وله قدر استحقاق فى وقف أهلي .
فهل يوزع ما يفضل من قدر استحقاقه المزبور عن نفقته بين أرباب الديون المزبورة بحسب ديونهم ( الجواب ) نعم انتهى - وفى الخيرية ما نصه وأما مسألة التقسيط إذا طلبه الخصم وكان معتملا ويفضل عنه وعن نفقة عياله شئ يصرفه إلى دنيه حاصله أن الغريم يأخذ فضل كسبه والله أعلم .
ومن ذلك يعلم أن أرباب الديون الثابتة المذكورة فى هذا السؤال لا يختصون باستحقاق الزوج المذكور فى غلة ذلك الوقف بل يعطى لهم الباقى منه بعد نفقته ونفقة زوجته وعياله على وجه ما ذكر .
والله تعالى أعلم
كفالة
المفتي
محمد عبده .
صفر 1320 هجرية
المبادئ
الكفالة بنفقة الزوجة جائزة شرعا مادامت الزوجية
السؤال(28/308)
رجل تزوج بامرأة وقد ضمن لها أبوه نفقتها وكفلها له بالكتابة لها بذلك، وقد دخل بها الزوج ثم امتنع من الإنفاق عليها لفقره .
فهل يكون ذلك الأب ملزما بتلك النفقة معاملة له بكفالته وضمانته
الجواب
المصرح به فى كتب المذهب .
أنه لو كفل لها رجل بالنفقة أبدا مادامت الزوجية جاز، بناء على أن صحة الكفالة بها مستثناة من شرط كون المكفول به دينا صحيحا .
وقالوا إن ذلك كقوله لامرأة الغير كفلت لك بالنفقة أبدا فإنه تلزمه النفقة أبدا ما دامت فى نكاحه .
كما فى رد المحتار وغيره . ومن هذا يتبين أن ذلك الأب تلزمه نفقة زوجة ابنه المذكورة مادامت الزوجية فإن، مثل هذه الكفالة لا يراد بها إلا التأبيد واللّه أعلم
متجمد نفقة الزوجة المتوفاة يورث عنها
المفتي
علام نصار .
شوال سنة 1370 هجرية - 12 من يوليو سنة 1951 م
المبادئ
المتجمد من النفقة الزوجية فى ذمة الزوج إذا لم يؤده لها أو تبرئه حتى ماتت فانه يعتبر تركة يرثه ورثتها ومنهم زوجها
السؤال
من محمد كنوز .
قال زوجة فرض لها على زوجها الغائب نفقة وكسوة بحكم وصار الحكم نهائيا وتجمد لها مبلغ من حساب هذه النفقة لم يؤدها الزوج - وقد توفيت الزوجة فى مايو سنة 1950 ولها هذا المتجمد بذمة زوجها فهل ورثة الزوجة لهم حق ميراث هذه المتجمد
الجواب
ان نفقة الزوجة المذكورة التى فرضت لها على زوجها دين فى ذمته لاتسقط إلا بالأداء أو الابراء طبقا للمادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 فاذا تجمدت النفقة المذكورة للزوجة على زوجها المذكور ولم يؤدها لها ولم تبرئه منها كان المتجمد تركه لها يرثه ورثتها عند موتها ومنهم زوجها والله أعلم
فتاوى يسألونك - (ج 3 / ص 45)
الزكاة
دفع الزكاة للأقارب
يقول السائل : هل يجوز دفع الزكاة للأقارب ؟
الجواب : من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد بين مصارف الزكاة في كتابه الكريم يقول تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ(28/309)
وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة /60.
وصرف الزكاة لأِقارب المزكي فيه تفصيل عند أهل العلم أبينه فيما يلي :
أولاً : لا يجوز صرف الزكاة للوالدين بإتفاق أهل العلم ، نقل الشيخ ابن قدامة المقدسي عن ابن المنذر قوله : " أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة ، ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه ، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه " المغني 2/282 .
ثانياً : لا يجوز صرف الزكاة للأولاد ذكوراً وإناثاً ، لأن أولاد الرجل جزء منه وهو ملزم بالإنفاق عليهم ، ومن يدفع الزكاة لأولاده يكون كمن دفع المال إلى نفسه ، انظر فقه الزكاة 2/781 .
ثالثاً : لا يجوز للزوج أن يصرف الزكاة إلى زوجته ، لأن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بإتفاق أهل العلم ، قال ابن رشد القرطبي المالكي: " واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على زوجها النفقة والكسوة ، لقوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة /233 ، ولما ثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام لهند زوجة أبي سفيان: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) بداية المجتهد 2/45 .
فإذا أعطى الزوج زكاة ماله لزوجته فقد دفع المال إلى نفسه .
رابعاً : يجوز للزوجة الغنية أن تدفع زكاة مالها الخاص بها لزوجها الفقير لأنه لا يجب على المرأة الإنفاق على زوجها الفقير .
ويدل على الجواز ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت :إنك رجل خفيف ذات اليد - أي فقير - وإن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة فاته فاسأله ، فإن كان ذلك يجزي عني ، وإلا صرفتها لغيركم ، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت ، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها ، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة ، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: إئت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن قالت: فدخل بلال فسأله فقال له: من هما ؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب فقال الرسول: أي الزيانب ؟ فقال امرأة عبد الله فقال - صلى الله عليه وسلم - لهما أجران ، أجر القرابة وأجر الصدقة ) متفق عليه .
وذهب إلى العمل بمقتضى هذا الحديث جمهور أهل العلم فقالوا: يجوز للزوجة أن تعطي زكاة مالها لزوجها .
قال الشيخ الشوكاني: " والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها ، أما أولاً: فلعدم المانع من ذلك ومن قال إنه لا يجوز فعليه الدليل ، وأما ثانياً: فلأن ترك(28/310)
استفصاله - صلى الله عليه وسلم - لها ينزل منزلة العموم ، فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب ، فكأنه قال: يجزي عنك فرضاً كان أو تطوعاً " نيل الأوطار 4/199 .
وقال القرطبي: " واختلفوا في إعطاء المرأة زكاتها لزوجها.... وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا: يجوز ، وهو الأصح لما ثبت أن زينب امرأة عبد الله أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - ثم ذكر الحديث السابق - ثم قال: والصدقة المطلقة هي الزكاة ولأنه لا نفقة للزوج عليها .... " القرطبي 8/190 .
وقال الشيخ ابن قدامة: " وليس في المنع نص ولا إجماع " المغني 2/485 .
خامساً : لا يجوز إعطاء الزكاة لبقية الأقارب الذين تجب نفقتهم على المزكي ، وهناك خلاف بين أهل العلم في النفقة على الأقارب غير الأصول والفروع والزوجة ، مثل الأخ أو الأخت والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم .
والقول الراجح في ذلك هو: إن النفقة تجب على ذي الرحم الوارث ، سواء ورث بفرض أو تعصيب أو برحم وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
وبناء على ذلك لا يجوز أن يعطي الرجل زكاة ماله لمن وجبت عليه نفقته ، فمثلاً أخرج المزكي زكاة ماله وله عمة وليس لها من ينفق عليها إلا المزكي المذكور ، فلا يجوز أن يعطيها من زكاة ماله .
وهذا الأساس الذي بني عليه الحكم في المنع من إعطاء الزكاة للأقارب إذا كانت النفقة واجبة على المزكي ، قال به جماعة من أهل العلم من السلف والخلف فمن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي حفصة قال: " سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة فقال: ما لم يغلق عليكم باباً " المصنف 3/192 ، - أي ما لم يضمها إلى عياله -.
وما رواه أيضاً بإسناده عن عبد الملك قال: قلت لعطاء: " أيجزي الرجل أن يضع زكاته في أقاربه ، قال: نعم إذا لم يكونوا في عياله " المصنف 3/192 .
وما رواه أيضاً عن سفيان الثوري أنه قال:" لا يعطيها من تجب عليه نفقته" المصنف 3/192
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا لم تعط منها أحداً تعوله فلا بأس " .
وقال أبو عبيد: قال لي عبد الرحمن: " إنما كرهوا ذلك لأن الرجل إذا ألزم نفسه نفقتهم وضمهم إليه ثم جعل ذلك بعده إلى الزكاة كان كأنه قد وقى ماله بزكاته" الأموال ص695
ورواه الأثرم في سننه بلفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا كان ذووا قرابة فأعطهم من زكاة مالك وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول " نيل الأوطار 4/200 .
سادساً : إن لم تكن نفقة القريب واجبة على المزكي ، فيجوز إعطاؤه من الزكاة ، فيجوز إعطاء عمك وخالك وعمتك وخالتك وأختك المتزوجة وأخيك وابن أخيك وابن أختك وزوج أختك ونحوهم إن كانوا فقراء ، ولم تكن ملزماً بالإنفاق عليهم ،(28/311)
بل هؤلاء الأقارب في هذه الحالة أولى بالزكاة من غيرهم ، وللمزكي إن أعطى الزكاة لأقاربه أجران أجر الصدقة وأجر الصلة ، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن ، ورواه الحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/387 .
وجاء في الفتاوى الهندية: " والأفضل في الزكاة والفطر والنذور والصرف أولاً إلى الأخوة والأخوات ، ثم إلى أولادهم ، ثم إلى الأعمام والعمات ، ثم إلى أولادهم ثم إلى الأخوال والخالات ، ثم إلى أولادهم ، ثم إلى ذوي الأرحام ثم إلى الجيران ثم إلى أهل حرفته ثم إلى أهل مصره أو قريته " الفتاوى الهندية 1/190 .
سابعاً : يجوز إعطاء الزكاة للبنت المتزوجة من فقير ، لأن نفقة البنت بعد زواجها واجبة على الزوج لا على أبيها .
ثامناً : يجوز قضاء ديون الأقارب من الزكاة ، حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي فيجوز قضاء دين الأب ودين والأم ودين الإبن ودين البنت وغيرهم من الأقارب ، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة على المزكي ، لأن ديون الأقارب بما فيها ديون الوالدين والأولاد لا يجب شرعاً على المرء أن يؤديها عنهم ، فيجوز قضاء الدين عنهم من الزكاة لأنهم يعتبرون هنا في هذه الحالة من الغارمين فهم يستحقون الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه .
قال الإمام النووي: " قال أصحابنا ويجوز أن يدفع إلى ولده ووالده من سهم العاملين والمكاتبين والغارمين والغزاة ، إذا كان بهذه الصفة ...." المجموع 6/229، وراجع فقه الزكاة للقَرَضَاوي 2/716 ، وفتاوى الصيام للشيخ ابن عثيمين ص48-49.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 6 / ص 188)
نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها
يقول السائل : توفي رجل وترك امرأته حاملاً فهل تجب النفقة لها في مال زوجها المتوفى أفيدونا ؟
الجواب : الأصل أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها لقوله تعالى :( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ ) سورة الطلاق الآية 7 .
وقال تعالى :( وَالْوَالدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة الآية 233 .
وصح في الحديث عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :( اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) رواه مسلم .
هذا هو الأصل في أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها ولكن إذا مات الزوج فقد اختلف أهل العلم هل لزوجته نفقة أم لا ؟ والراجح من أقوال العلماء في المسألة أن النفقة تسقط بوفاة الزوج سواء كانت المرأة المتوفى عنها زوجها حاملاً أو غير حامل وتكتفي بنصيبها من ميراث زوجها . وكذلك الحال بالنسبة لجنينها فإن(28/312)
المعروف عند أهل العلم أن الجنين يرث . وعليه فإن هذه المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها لا تجب لها النفقة في مال زوجها المتوفى وهذا قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية وهو أصح القولين في مذهب أحمد ونقل عن ابن عباس وجابر وعطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم .
قال القرطبي :[ واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها فقالت طائفة : لا نفقة لها ، كذلك قال جابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن وعكرمة وعبد الملك بن يعلى ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك وأحمد وإسحق وحكى أبو عبيد ذلك عن أصحاب الرأي . وفيه قول ثان وهو أن لها النفقة من جميع المال وروي هذا القول عن علي وعبد الله وبه قال ابن عمر وشريح وابن سيرين والشعبي وأبو العالية والنخعي وجلاس بن عمرو وحماد ابن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري وأبو عبيد . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول لأنهم أجمعوا على أن نفقة كل من كان يجبر على نفقته وهو حي مثل أولاده الأطفال وزوجته ووالديه تسقط عنه فكذلك تسقط عنه نفقة الحامل من أزواجه . وقال القاضي أبو محمد : لأن نفقة الحمل ليست بدين ثابت فتتعلق بماله بعد موته بدليل أنها تسقط عنه بالإعسار فبأن تسقط بالموت أولى وأحرى ] تفسير القرطبي 3/185 .
وروى عبد الرزاق الصنعاني بإسناده عن عطاء قال :[ لا نفقة للمتوفى الحامل إلا من مال نفسها ] وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :[ لا نفقة للمتوفى عنها الحامل ، وجبت المواريث ] .
وروى عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال :[ ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث ].
وروى عن سعيد بن المسيب في المتوفى عنها الحامل قال :[ ليس لها نفقة ].
وروى عن ابن جريح قال سئل ابن شهاب - الزهري - عن المتوفى عنها وهي حامل على من نفقتها ؟ قال :[ كان ابن عمر يرى نفقتها إن كانت حاملاً أو غير حامل فيما ترك زوجها فأبى الأئمة ذلك وقضوا بأن لا نفقة لها ] مصنف عبد الرزاق 7/36-39 .
ومما يدل على ذلك ما قاله الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ لأن المال قد صار للورثة ونفقة الحامل وسكناها إنما هي للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك للورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة ] المغني 8/334 .
ورد ابن حزم على من أوجب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها بقوله :[ وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتوفى عنها زوجها ... فخطأ لا خفاء به لأن مال الميت ليس له بل قد صار لغيره فلا يجوز أن ينفق على امرأته ... من مال الورثة أو مما أوصى به لغيرهما وهذا عين الظلم ] المحلى 10/89 .
ويمكن أن يجاب عن استدلال من أوجبوا لها النفقة استناداً إلى قوله تعالى :( وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ) سورة الطلاق الآية 6 . وأن الحامل المتوفى عنها(28/313)
زوجها داخلة في العموم يجاب عن ذلك بأن الخطاب في الآية للأزواج وقد سقط خطابهم بالوفاة فلم يعودوا من أهل التكليف لأن تكليفهم سقط بالموت .
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في بلادنا برأي جمهور أهل العلم فلم يوجب النفقة للحامل المتوفى عنها زوجها وقد نصت على ذلك المادة رقم 144 فقد جاء فيها : ( ليس للمرأة التي توفي زوجها سواء كانت حاملاً أو غير حامل نفقة عدة ) .
ـــــــــــــــــــ
مقدار نفقة الزوجة
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 20/12/1424هـ
السؤال
ما هو مقدار النفقة للزوجة؟ وهل تكون كل سنة مرتين بالنسبة للكسوة؟ وخصوصاً أن الزوج لا يسأل في كسوة أهله؟ وهل للمرأة أن تطلب النفقة مالاً تنفقه كيفما تريد؟ وإذا كان الزوج لا يعترف بكسوة زوجته كل سنة ما الحكم؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس للنفقة على الزوجة مقدار معين، وإنما يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، فيطعمها، ويكسوها، ويسكنها بالمعروف، وليس للمرأة أن تطلب مالاً لتنفقه، وإنما ينفق عليها هو بالمعروف، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته الكسوة، وإنما يجب عليه أن يكسوها بحسب ما تعارف عليه الناس، ولا يحدد ذلك بسنة أو أقل ولا أكثر، وإنما حسب العرف وحسب حال الزوج من فقر أو غنى.
أخذ المرأة من مال زوجها بغير علمه
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 06/09/1426هـ
السؤال
هل يحق للزوجة أن تأخذ مال زوجها بغير علمه؟ وهل يجوز لها أن تكذب عندما تحتاج المزيد من المال، إذا كان الزوج غير عادل، ولا يعطي زوجته ما يكفيها من المال؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:(28/314)
فيحق للزوجة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف بغير إذنه، إذا كان الزوج يقصر في نفقتها ونفقة أولادها؛ لما رواه البخاري (2211) ومسلم (1714) أن زوجة أبي سفيان -رضي الله عنها وعن زوجها- قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليَّ من جناح؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك". والله أعلم.
ينفق على إخوته ويحرم أبناءه
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبي يرسل ماله كله إلى أخته وإخوانه المتزوجين، ونحن الآن لا نملك حتى ثمن الخبز، وكل ما لدينا يأخذونه منا، وعندما نناقش والدي يقول: إخوتي وأمي قبلكم، مع العلم أنهم يشتغلون ومتزوجون، ولديهم الأولاد، إلا أخته غير متزوجة، ولكنها معيدة في الجامعة، ودخلها أكثر من دخلنا، فأستحلفكم بالله كيف لنا أن نعيش بدون المال، وكل ما لدينا في يدهم؟ وما الحل مع والدي الذي لا هم له في الدنيا سوى أهله؟ أما نحن فعلى الهامش، فمن يعولنا إن كان والدي هكذا؟. والسلام.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد اشتمل سؤال الأخت السائلة على مسائل متفرقة منها:
أولاً: حكم نفقة الزوجة والأولاد، وجوابها: أنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، كما يجب عليه أن ينفق على أولاده كذلك؛ لأدلة كثيرة منها ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أبو داود(1692)، وأحمد(2/160)، وصححه الحاكم(1/415)، والنفقة عليهم من أجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم(995) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وعن ثوبان - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله" رواه مسلم(994).
ثانياً: حكم النفقة على الوالدة والإخوة والأخوات: إن كانت الأم فقيرة ومحتاجة إلى النفقة وجب على أولادها أن ينفقوا عليها بالمعروف، والنفقة واجبة على القادر من الأولاد، فإن كانوا جميعهم قادرين وجبت عليهم بالتساوي.(28/315)
أما النفقة على الإخوة والأخوات: فنفقة القريب - عدا الوالدين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا - لا تجب إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون المنفق وارثاً لمن ينفق عليه؛ لقوله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك" [البقرة: من الآية 233].
الثاني: فقر المنفق عليه وعجزه عن التكسب، فإن كان أحدهم قادراً على التكسب وتركه سقطت نفقته لكون التفريط منه.
الثالث: غنى المنفق، فإن كان فقيراً فإنه لا تلزمه نفقتهم، ومن وجبت نفقته فالواجب قدر إرثه منهم، وباقي النفقة على باقي الورثة.
ثالثاً: لا يجوز للوالد أن يقصر في نفقة أولاده وزوجته الواجبة عليه لأجل الإحسان إلى غيرهم ممن لا تجب نفقتهم عليه.
رابعاً: يحرم على المرء أن يعتدي على مال غيره، وأن يأخذه بغير علم منه ورضا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه" رواه أحمد(5/72)، وأبو يعلى (1570)، والبيهقي في الخلافيات، وحسنه كما في (خلاصة البدر المنير2/88).
خامساً: دعوى أن والدك مسحور تحتاج إلى تثبت وتبين بأن يُعرض على أحد طلبة العلم الشرعي ممن يعرف المسحور من غيره، ولا يجوز عرضه على كاهن أو ساحر، أو عراف، أو غيرهم ممن لا يحل الذهاب إليهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" رواه مسلم(2230) عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن ثبت أنه مسحور فعليكم علاجه بالرقية الشرعية.
سادساً: لعل ما يصدر من والدكم نتيجة عكسية لأمر قد صدر منكم، سواء بعدم احترامه أو الإكثار عليه في الطلبات مما لا يجب عليه تأمينه أو عدم شكره والثناء على ما يقدمه لكم، لذا فإنه مع كل ما ذُكر يجب عليكم الإحسان إليه وبره، وعدم إظهار الضجر منه؛ لأن منزلة الوالدين عند الله -تعالى- عظيمة، قال -تعالى-: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً" [الإسراء: 23]، وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" [الأحقاف: 15]، ولا تجعلوا الدنيا سبباً لمعاداة والدكم؛ فعقوقكم له لا يقل إثماً عن تقصيره في النفقة عليكم.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حق المرأة في راتبها
المجيب أحمد بن موسى السهلي
رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الطائف
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /عمل المرأة
التاريخ 1/8/1424هـ
السؤال(28/316)
أنا موظفة براتب مرتفع، و زوجي يعتبر هذا الراتب من حقه و ليس لي حرية التصرف به، وعندما أخبره أنه من حقي يغضب جداً ويقول لا تعملي، مع العلم إنه لا يمكننا أن نعيش براتبه وحده؛ لأنه يعطيه كله لأهله، وأنا المسؤولة عن البيت ومصروفه أيضا، أريد أن أعرف ما رأي الشرع في هذا الوضع؟.
جزاكم الله خيراً.
الجواب
الشريعة الإسلامية قامت على العدل والإنصاف في كل شيء، ومن ذلك الحقوق الزوجية، ولا سيما الحقوق المالية فإنها بنيت على المشاحة والمطالبة في الدنيا والآخرة، فقد جعلت نفقة الزوجة المطيعة لزوجها واجبة على الزوج، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وهي مقدرة شرعاً حسب يسر الزوج وإعساره، قال تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا" [الطلاق: 7].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر - رضي الله عنه - .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم" أخرجه الترمذي (1163).
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" رواه الجماعة على اختلاف في الألفاظ انظر صحيح البخاري (2211)، وصحيح مسلم (1714).
وقوله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" [الطلاق: 6]، أي على قدر ما يجد أحدكم.
وعلى هذا يجب على زوجك أن ينفق عليك بشرط أن تتفرغي لمتعته والقيام بحقوقه الزوجية، وعدم خروجك للعمل ما لم تشترطي عليه في العقد.
وإذا لم يحصل بينك وبينه شرط للخروج للعمل، فهذا لا يعني أن سكوته ملزم له، لأن النفقة على الزوجة بشرط حبسها نفسها على متعته وخدمته، والحديث يقول: "الخراج بالضمان" انظر مسند الطيالسي (1567)، وجامع الترمذي (1285)، أما كون المرأة تعمل في النهار وتفوت على زوجها حقوقه فلا يلزم بالنفقة عليها ما لم تكن اشترطت عليه عند عقد الزواج أن تعمل، ووافق على الشرط ورضي به، فلا يجوز له أن يمنعها من العمل شريطة أن يكون عملها ملتزماً بالضوابط الشرعية من حجاب وعدم اختلاط بالرجال..إلخ.
أما أنه ملزم بالنفقة عليك فلما ذكر من النصوص السابقة الذكر، ولقول الله تعالى" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن(28/317)
واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا" [النساء: 34].
وعلى كل لا تجب النفقة عليك، بل يجب عليه هو أن ينفق عليك إذا أنت قمت بالحقوق الزوجية، لكن أقول لك: من باب التعاون مع الزوج، وقد أذن لك في العمل، إن كنت اشترطت عليه فحبذا لو كان هناك شيء من المساعدة تقديراً لموقفه وتعاونه معك.
أما إذا كان الزوج شرط عليك عند العقد أن يسمح لك بالعمل خارج المنزل بشرط أن تعطيه مثلاً ربع الراتب أو ثلثه، أو أن تدفعي راتب الخادمة وما شابه ذلك من أجل تفويتك عليه شيء من حقوق الاستمتاع في النهار والقيام بأعمال المنزل، ورضيت بذلك الشرط، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً، وهذا الشرط ليس من ذلك في شيء، كما أنه يجب على الزوج أن يتقي الله ولا يضايق زوجته ويسيء عشرتها من أجل أن تنفق عليه أو تعطيه راتبها أو شيئاً منه، فهذه خسة في الطبع ، ودناءة في الخلق، فليس ذلك من خلق المسلم الحقيقي الإسلام ؛ بل يجب عليه أن يترفع عن ذلك.
هذا والله أعلم. وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
العدل في النفقة على الزوجتين
س - أرجو إفتائي في شأن من له زوجتان إحداهما بالرياض وأخرى بالسودان فيما يتعلق بالنفقة عليها حيث أن الأولى التي تقيم بالرياض النفقة عليها رغم قلة أولادها تساوي ثلاثة أضعاف ما تنفقه الزوجة الثانية مع أولادها الأكثر عدداً بالسودان ، والسبب راجع إلى الحالة الاقتصادية ونظام العملة في كل بلد ، فالمقيمة بالرياض النفقة عليها حوالي 1500ريال ، والمقيمة في السودان 500 ريال . أفيدوني بكيفية العدل بينهما في النفقة وجزاكم الله خيراً ؟
ج- يجب على الزوج أن ينفق على كل واحدة من زوجاته في محل إقامتها بكفايتها عرفاً من الطعام والشراب والكساء وتوابع ذلك . وإذا كان لإحداهن أولاد زاد في نفقتها بقدر ذلك مع تحري العدل في كل شيء لقول الله - سبحانه وتعالى - " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " الآية من سورة البقرة ، وقوله النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، في خطبته في حجة الوداع يخاب الأزواج ، " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . والله ولي التوفيق .
الشيخ ابن باز
ـــــــــــــــــــ
سقوط نفقة الأقارب بمضى المدة
المفتي
بكرى الصدفى .
محرم 1329 هجرية
المبادئ(28/318)
المفروض لنفقة الأقارب يسقط بمضى شهر فأكثر ما لم يكن المفروض له مأذونا بالاستدانة على من وجبت عليه بإذن منه أو من القاضى
السؤال
فرض شخص لوالدته على نفسه مبلغا يدفعه إليها شهريا لنفقة طعامها ومبلغا آخر يدفعه عليها كل ستة أشهر بدل كسوتها .
وقد مضى على ذلك عدة سنين ولم يدفع لها شيئا ولم تكن مأمورة بالاستدانة من قبل القاضى .
فهل بمضى المدة المذكورة يسقط المتجمد أو لا يسقط
الجواب
فى التنوير وشرحه ما نصه ( قضى بنفقة غير الزوجة ) زاد الزيلعى والصغير ( ومضت مدة ) أى شهر فأكثر ( سقطت ) لحصول الاستغناء فيما مضى وأما ما دون شهر ونفقة المزوجة والصغير فتصير دينا بالقضاء ( إلا أن يستدين ) غير الزوجة ( بأمر قاض ) فلو لم يستدن بالفعل فلا رجوع انتهى وفى رد المحتار ما نصه ( وفى الهداية ولو قضى القاضى للولد والوالدين وذوى الأرحام بالنفقة فمضت مدة سقطت لأن نفقة هؤلاء تجب كفاية للحاجة حتى لا تجب مع اليسار وقد حصلت بمضى المدة ) انتهى المراد منه .
ومن ذلك يعلم سقوط المتجمد المذكور بمضى المدة فى حادثة هذا السؤال حيث كان المر كما ذكر فيه ولم توجد استدانة بأمر قاض .
واللّه تعالى أعلم
نفقة أقارب
المفتي
محمد بخيت .
رمضان 1338 هجرية مايو 1920 م
المبادئ
نفقة الأقارب تجب لكل ذى رحم محرم فقير على من يرثه من أقاربه بقدر إرثه منه بشرط اليسار
السؤال
بنت فقيرة لا مال لها وغير متزوجة تبلغ من العمر 17 سنة ولها من الأقارب أخ شقيق وأولاد عم من الأب وخال وأولاد عمة والجميع موسرون .
فعلى من من هؤلاء تجب نفقتها شرعا
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن المنصوص عليه شرعا أنه تجب النفقة لكل ذى رحم محرم فقير تحل له الصدقة على من يرثه من أقاربه ولو صغيرا بقدر إرثه منه ويجبر القريب عليها إن أبى وهو موسر .
وأنه لا تجب نفقته على رحم غير محرم مع وجود الرحم المرحم أو عدمه .(28/319)
وبناء على ذلك فنفقة البنت المذكورة والحال ما ذكر واجبة شرعا على أخيها الموسر دون الخال أو أولاد العم من الأب وأولاد العمة المذكورين لكونه ذا رحم محرم ومقدما فى الميراث على الخال الذى هو ذو رحم محرم أيضا أما أولاد العم لأب وأولاد العمة فإنهم ذو رحم غير محرم فلا تجب النفقة عليهم كما يؤخذ ذلك من مادتى 415، 417 من كتاب الأحوال الشخصية
نفقة أقارب
المفتي
عبد المجيد سليم .
رمضان 1352 هجرية يناير 1934 م
المبادئ
لا تجب نفقة الأقارب إلا على الذى يملك نصابا فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وسائر حوائجه الأصلية أو كان ذا كسب يزيد على نفقته ونفقة عياله
السؤال
التمس شخص الإعفاء من القرعة العسكرية بصفته المنفق على أخته شقيقته البكر فى حين أن لها أخا أكبر من والدها ( غير شقيق ) .
فهل فى حالة تجنيد الأخ الشقيق يكلف أخوها من والدها بالإنفاق عليها
الجواب
نفيد بأنه فى حالة تجنيد الأخ الشقيق وفقره تجب نفقة أخته الشقيقة على أخيها لأبيها إذا كان موسرا بأن كان مالكا لنصاب ( أى مائتى درهم أو ما قيمته ذلك وقدر مائتا الدرهم بمبلغ 7 م 445 ق ) فاضل عن نفقته ونفقة عياله وسائر حوائجه الأصلية أو كان ذا كسب يزيد على نفقته ونفقة عياله فإنه يعتبر موسرا بما فضل من كسبه عن نفقته ونفقة عياله .
أما إذا لم يكن موسرا بأن لم يكن مالكا للنصاب المذكور ولم يكن ذا كسب فاضل عن نفقته .
ونفقة عياله فلا تجب عليه نفقة أخته لأبيه لفقره حينئذ .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر ولم يكن لها قريب موسر تجب نفقتها عليه قبل الأخ لأب شرعا واللّه أعلم
احالة دين النفقة
المفتي
عبد المجيد سليم .
محرم 1355 هجرية 31 مارس 1936 م
المبادئ
1- لابد من رضا المحال عليه بالإحالة لأنه معنى الحوالة أنها إلزام بالدين ولا إلزام بلا التزام .(28/320)
2- ما قاله فقهاء الحنفية من جواز ذلك بلا رضا من المحال عليه فى نصوص دين النفقة ظاهره إذا كانت النفقة المحكوم بها قد أذن باستدانتها من القاضى أو من المحكوم عليه .
3- للمحكوم لها بنفقة الأقارب أن تحيل الداين على المحكوم عليه بمعنى التوكيل فقط فى قبض مالها من المحكوم عليه بشرط أن تكون النفقة لم تسقط بمسقط ما
السؤال
استصدرت أخت حكما بنفقة شهرية على أخيها وأذنت لها المحكمة بالاستدانة .
وكانت قد استدانت قبل صدور الحكم بدون إذن القاضى ولا بإذن المحكوم عليه وبعد صدور الحكم أحالت دائنها على أخيها المحكوم ضده بالنفقة ضمانا لدينه .
ولم يرض الأخ بهذه الحوالة مدعيا أن الاستدانة بدون إذن القاضى أو من المحال عليه فما الحكم الشرعى فى هذا
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده .
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأن الحوالة التى موجبها شرعا سقوط الدين والمطالبة من المحيل لابد فيها من رضاء المحال عليه لأنها إلزام الدين ولا لزوم بلا إلزام فإن قيل إنه نص الفقهاء على أنه إذا استدانت الزوجة النفقة بأمر القاضى فلها أن تحيل على الزوج بلا رضاه .
بل قالوا إن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من الزوج أو من المرأة ومقتضى هذا أن للأخت فى حالتنا هذه أن تحيل بما استدانته على أخيها بدون رضاه وأن للدائن أن يأخذ دينه منها أو من أخيها .
قلنا إن الظاهر من قول الفقهاء إنما هو فيما استدين بإذن القاضى لا فيما استدين بغير إذنه والخلاصه أنه فى حادثتنا لابد من رضاء الأخ بهذه الحوالة حتى تكون حوالة صحيحة مستتبعة لموجبها نعم للأخت أن تحيل دائنها على أخيها بمقتضى توكيلها إياه وتسليطها فى قبض مالها على أخيها من النفقة المحوم بها إذا لم تسقط بمسقط .
هذا ما ظهر لنا حيث كان الحال كما ذكر بالسؤال واللّه سبحانه وتعالى أعلم
لا تجب نفقة الأقارب إلا لذى رحم محرم
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1355 هجرية 24 سبتمبر 1936 م
المبادئ
نفقة الأقارب لا تجب بسبب القرابة فقط إلا لذى الرحم المحرم
السؤال
هل تجب على الإنسان النفقة شرعا لابن خاله أو بنت خاله إذا كان معسرا
الجواب(28/321)
لا تجب النفقة شرعا على الإنسان لابن خاله ولا لبنت خاله بسبب القرابة لأن كلا منهما وإن كان ذا رحم فهو غير محرم ونفقة القريب لا تجب بسبب القرابة إلا لذى الرحم المرحم واللّه أعلم
نفقة أقارب
المفتي
عبد المجيد سليم .
شوال 1359 هجرية 16 نوفمبر 1940 م
المبادئ
1- يعتبر الشخص موسرا بكونه قادرا على الإنفاق على قريبه ولو بفاصل كسبه .
2- إذا اجتمع عم وعمة موسران وجبت نفقة الولد على عمه دون عمته
السؤال
شاب يبلغ من العمر ستة عشر عاما طالب بالثانوى وسليم الجسم يمكنه أن يعمل نهارا ويدرس ليلا .
وهو فقير الحال . وله عم موسر يملك مائة فدان ولكن ريعها السنوى لا يكفى لمصاريف زوجته وأولاده الذين ينفق عليهم فى المدارس .
مما اضطره لبيع بعض أطيانه .
وله عمة شقيقة موسرة . فهل تكون نفقة هذا الولد فى كسبه أو على عمه لأبيه أو على عمته الشقيقة
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن المعول عليه والذى جرى عليه العمل أن الشخص يعتبر موسرا فى باب نفقة الأقارب بكونه قادرا على الإنفاق على قريبه ولو بفاضل كسبه سواء أحل هل أخذ الصدقة أم حرم عليه أخذها وحينئذ يعتبر هذا العم الذى يملك مائة فدان موسرا بما يملك وإن كانت غلة هذه الأطيان لا تزيد عن نفقته ونفقة عياله وأن ابن الخ المذكور يعتبر فقيرا عاجزا عن الكسب فتجب نفقته على هذا العم إذا كان لا يجد من يستأجره لو عمل أو كان يعير عن الكسب بطريق الأعمال والحرب التى لا تحتاج إلى تعلمه العلوم التى يتعلمها .
ومتى كان العم موسرا لا تجب النفقة على العمة وبهذا على الجواب عن السؤال واللّه أعلم
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 473)
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ " قَاعِدَةٌ فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ " فَصْلٌ : بَذْلُ الْمَنَافِعِ وَالْأَمْوَالِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعَوُّضِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ : وَوَاجِبُهَا يَنْقَسِمُ إلَى فَرْضٍ عَلَى الْعَيْنِ وَفَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ . فَأَمَّا مَا يَجِبُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ - مَالًا وَمَنْفَعَةً - فَلَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا . وَجِمَاعُ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ بِلَا عِوَضٍ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَذْكُورَةٌ فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ : { أَرْبَعٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدَ بَرِئَ مِنْ الْبُخْلِ : مَنْ آتَى الزَّكَاةَ وَقَرَى الضَّيْفَ وَوَصَلَ الرَّحِمَ وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ } . وَلِهَذَا كَانَ حَدُّ(28/322)
الْبَخِيلِ : مَنْ تَرَكَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَصْحَابِنَا اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ . فَالزَّكَاةُ هِيَ الْوَاجِبُ الرَّاتِبُ الَّتِي تَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَوُجُوبُهَا عَارِضٌ فَقَرْيُ الضَّيْفِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَحَمْلِ الْعَاقِلَةِ وَعِتْقِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ . وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ تَجِبُ صِلَتُهُ وَمَا مِقْدَارُ الصِّلَةِ الْوَاجِبَةِ . وَكَذَلِكَ الْإِعْطَاءُ فِي النَّائِبَةِ مِثْلَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِشْبَاعِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعَارِي . وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَدَقَ السَّائِلُ لَمَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ . وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ الْمَنْفَعِيَّةُ بِلَا عِوَضٍ : فَمِثْلُ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا . وَعَامَّةُ الْوَاجِبِ فِي مَنَافِعِ الْبَدَنِ وَيَدْخُلُ فِيهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا { عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ ابْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ } " . وَتَدْخُلُ أَيْضًا فِي مُطْلَقِ الزَّكَاةِ وَالنَّفَقَةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } كَمَا نُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ : الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } " وَيُرْوَى مَا تَصَدَّقَ عَبْدٌ بِصَدَقَةٍ أَعْظَمَ مِنْ مَوْعِظَةٍ يَعِظُ بِهَا أَصْحَابًا لَهُ ؛ فَيَتَفَرَّقُونَ وَقَدْ نَفَعَهُمْ اللَّهُ بِهَا وَدَلَائِلُ هَذَا كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الْمَالِيَّةُ وَهُوَ كَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَنْفَعَةِ مَالِ الْغَيْرِ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ يَسْتَقِي بِهِ مَاءً يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَثَوْبٍ يَسْتَدْفِئُ بِهِ مِنْ الْبَرْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَجِبُ بَذْلُهُ ؛ لَكِنْ هَلْ يَجِبُ بَذْلُهُ مَجَّانًا أَوْ بِطَرِيقِ التَّعَوُّضِ كَالْأَعْيَانِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ . وَحُجَّةُ التَّبَرُّعِ مُتَعَدِّدَةٌ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } فَفِي سُنَنِ أَبِي داود عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : كُنَّا نَعُدُّهُ عَارِيَةً الْقِدْرَ وَالدَّلْوَ وَالْفَأْسَ . وَكَذَلِكَ إيجَابُ بَذْلِ مَنْفَعَةِ الْحَائِطِ لِلْجَارِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ عَلَى أَصْلِنَا الْمُتَّبِعِ ؛ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ . فَفِي الْجُمْلَةِ مَا يَجِبُ إيتَاؤُهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ مَنْفَعَتُهُ أَوْ مَنْفَعَةُ
الْبَدَنِ بِلَا عِوَضٍ لَهُ تَفْصِيلٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَلَوْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ مُقَصِّرِينَ فِي عِلْمِهِ بِحَيْثُ قَدْ يَنْفُونَ وُجُوبَ مَا صَرَّحَتْ الشَّرِيعَةُ بِوُجُوبِهِ . وَيَعْتَقِدُ الغالط مِنْهُمْ { أَنْ لَا حَقَّ فِي الْمَالِ سِوَى الزَّكَاةِ } " أَنَّ هَذَا عَامٌّ ؛ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ { : إنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ } . وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ : أَرَادَ الْحَقَّ الْمَالِيَّ الَّذِي يَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ فَيَكُونُ رَاتِبًا وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ إيتَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي مَوَاضِعَ : مِثْلَ الْجِهَادِ بِالْمَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْحَجِّ بِالْمَالِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ . وَمِثْلَ مَا يَجِبُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدْيِ كَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَكَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهَا . وَمَا يَجِبُ مِنْ وَفَاءِ النُّذُورِ الْمَالِيَّةِ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ ؛ بَلْ الْمَالُ مُسْتَوْعَبٌ بِالْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْعَارِضَةِ بِسَبَبٍ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُ . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ . وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُنَا مَا يَجِبُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ : مِثْلَ الْمُبَايَعَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ . وَمِثْلَ الْمُشَارَكَاتِ : كَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِنَّ هَذَا كَثِيرًا مَا يَغْلَطُ فِيهِ الغالطون لِمَا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الظُّلْمَ حَرَامٌ(28/323)
وَأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي إلَّا فِي مَوَاضِعَ اسْتَثْنَاهَا الشَّارِعُ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا بِحَقِّ : صَارَ يَغْلَطُ فَرِيقَانِ : قَوْمٌ يَجْعَلُونَ الْإِكْرَاهَ عَلَى بَعْضِهَا إكْرَاهًا بِحَقِّ وَهُوَ إكْرَاهٌ بِبَاطِلِ . وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَهُ إكْرَاهًا بِبَاطِلِ وَهُوَ بِحَقِّ . وَفِيهَا مَا يَكُونُ إكْرَاهًا بِتَأْوِيلِ حَقٍّ فَيَدْخُلُ فِي قِسْمِ الْمُجْتَهِدَاتِ ؛ إمَّا الِاجْتِهَادَاتُ الْمَحْضَةُ أَوْ الْمَشُوبَةُ بِهَوًى وَكَذَلِكَ الْمُعَاوَضَاتُ . وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ إذَا كَانَ إيتَاءُ الْمَالِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ بِلَا عِوَضٍ وَاجِبًا بِالشَّرِيعَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا ؛ لِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ الْإِيجَابَ الشَّرْعِيَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ أَخْذُ حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَأَنْ يَكُونَ إيتَاءُ الْمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَاجِبًا فِي مَوَاضِعَ أَوْلَى وَأَحْرَى ؛ بَلْ إيجَابُ الْمُعَاوَضَاتِ أَكْثَرُ مِنْ إيجَابِ التَّبَرُّعَاتِ وَأَكْبَرُ . فَهُوَ أَوْسَعُ مِنْهُ قَدْرًا وَصِفَةً . وَلَعَلَّ مَنْ اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ إذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ يَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَتْ فَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَمَعَ حَاجَةِ رَبِّ الْمَالِ المكافية لِحَاجَةِ الْمُعْتَاضِ فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى ؛ فَإِنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَالرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . " وَابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ " . وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ حَسَنَةٌ مُنَاسِبَةٌ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ . وَأَنَا أَذْكُرُ
مِنْهَا بِتَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى . وَجِمَاعُ الْمُعَاوَضَاتِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالِ : كَالْبَيْعِ . وَبَذْلُ مَالٍ بِنَفْعٍ كَالْجَعَالَةِ . وَبَذْلُ مَنْفَعَةٍ بِمَالٍ كَالْإِجَارَةِ وَبَذْلُ نَفْعٍ بِنَفْعٍ كَالْمُشَارَكَاتِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ هَذَا بَذَلَ نَفْعَ بَدَنِهِ وَهَذَا بَذَلَ نَفْعَ مَالِهِ . وَكَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَبِالْجُمْلَةِ فَوُجُوبُ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ ضَرُورَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ؛ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يَنْفَرِدُ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَنِي جِنْسِهِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَى بَنِي آدَمَ أَنْ يَبْذُلَ هَذَا لِهَذَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذَا لِهَذَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَفَسَدَ النَّاسُ وَفَسَدَ أَمْرُ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ فَلَا تَتِمُّ مَصَالِحُهُمْ إلَّا بِالْمُعَاوَضَةِ وَصَلَاحُهَا بِالْعَدْلِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ لَهُ الْكُتُبَ وَبَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ . فَقَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } . وَلَا رَيْبَ أَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى بَذْلِ الْمُعَاوَضَةِ لِحَاجَتِهَا إلَيْهَا فَالشَّارِعُ إذَا بَذَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِلَا إكْرَاهٍ لَمْ يَشْرَعْ الْإِكْرَاهُ وَرَدُّ الْأَمْرِ إلَى التَّرَاضِي فِي أَصْلِ الْمُعَاوَضَةِ وَفِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ . وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْذُلْ فَقَدْ يُوجِبُ الْمُعَاوَضَةَ تَارَةً وَقَدْ يُوجِبُ عِوَضًا مُقَدَّرًا تَارَةً . وَقَدْ يُوجِبُهُمَا جَمِيعًا وَقَدْ يُوجِبُ التَّعْوِيضَ لِمُعَيَّنِ أُخْرَى . مِثَالُ الْأَوَّلِ : مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَطُولِبَ بِهِ وَلَيْسَ
لَهُ إلَّا عَرَضٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ لِيُوفِيَهُ الدَّيْنَ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْبَيْعِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى بَيْعِ الْعَرَضِ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ فَقَبِلَ النِّيَابَةَ فَقَامَ ذُو السُّلْطَانِ فِيهِمْ مَقَامَهُ كَمَا يَقُومُ فِي تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ وَتَزْوِيجِ الْأَيِّمِ مِنْ كُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا يَقْبِضُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ بِرِضَا الْغَرِيمِ كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَبَدَلِ قَرْضٍ أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ . وَمِنْ ذَلِكَ ضَمَانُ الْمَغْصُوبِ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ وَمِنْ الْمَغْصُوبِ الْأَمَانَاتُ إذَا خَانَ فِيهَا وَمِنْ الْأَمَانَاتِ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَالْعُمَّالِ عَلَى الْفَيْءِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَمَالِ الْمُوَكَّلِ كَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَنَحْوِهِمَا . وَمَالِ الْفَيْءِ إذَا خَانُوا فِيهَا . وَتَعَذَّرَ(28/324)
رَدُّ عَيْنِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَالِهِ لِأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ لِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَفْسِهِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ مَالٍ إذَا لَمْ يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ إلَّا بِالْبَيْعِ صَارَ الْبَيْعُ وَاجِبًا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَيُفْعَلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ . وَمِثَالُ الثَّانِي : الْمُضْطَرُّ إلَى طَعَامِ الْغَيْرِ إذَا بَذَلَهُ لَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ
بِقِيمَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَأَنْ يَكُونَ بَيْعُهُ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُمَا أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ بَذَلَ أَحَدُهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ . وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي " كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ " حَتَّى إنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ بَذْلِ الطَّعَامِ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَاتِلِ عَنْ نَفْسِهِ . وَلِهَذَا نُضَمِّنُهُمْ دِيَتَهُ لَوْ مَاتَ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَسْقَى قَوْمًا فَلَمْ يَسْقُوهُ حَتَّى مَاتَ فَضَمَّنَهُمْ عُمَرُ دِيَتَهُ وَأَخَذَ بِهِ أَحْمَد فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ بِلَا عِوَضٍ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ فَلَأَنْ يَجِبَ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَهَكَذَا إذَا اُضْطُرَّ النَّاسُ ضَرُورَةً عَامَّةً وَعِنْدَ أَقْوَامٍ فُضُولُ أَطْعِمَةٍ مَخْزُونَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَيْعُهَا وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَبِيعَهَا عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَيَجِبُ إلْزَامُهُمْ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ شَرْعًا وَهُوَ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ فَيَجِبُ اسْتِنْقَاذُهُ مِنْهُمْ . وَهَكَذَا كُلُّ مَا اُضْطُرَّ النَّاسُ إلَيْهِ : مِنْ لِبَاسٍ وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَغْنِي عَنْهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ بَذْلُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ . وَقَدْ كَتَبْت قَبْلَ هَذَا حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي صَاحِبِ النَّخْلَةِ لَمَّا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَذَكَرْت مَا فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الْمُعَاوَضَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُبْتَاعُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرِ الْبَائِعِ . وَلِهَذَا نَهَى الشَّارِعُ
عَنْ الِاحْتِكَارِ الَّذِي يَضُرُّ النَّاسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَغَيْرُ ذَلِكَ . وَالْمُحْتَكِرُ مُشْتَرٍ مُتَّجِرٌ ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّ النَّاسَ . وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي الْأَصْلِ جَائِزَانِ غَيْرُ وَاجِبَيْنِ ؛ لَكِنْ لِحَاجَةِ النَّاسِ يَجِبُ الْبَيْعُ تَارَةً وَيَحْرُمُ الشِّرَاءُ أُخْرَى . هَذَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ . وَأَمَّا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي إذَا تَوَكَّلَ الْحَاضِرُ لِلْقَادِمِ بِسِلْعَتِهِ فِي الْبَيْعِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ بَيْعِهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ } . وَهَكَذَا بَيْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فِي مَا لَا يَنْقَسِمُ ؛ فَإِنَّ الشَّرِيكَ مُحْتَاجٌ إلَى الْبَيْعِ ؛ لِيَأْخُذَ نَصِيبَهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ . وَكَذَلِكَ تَقْوِيمُهُ مِلْكَ الشَّرِيكِ إذَا أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ فَإِنَّ الْعِتْقَ يَحْتَاجُ إلَى تَكْمِيلٍ لِمَا فِي تَبْعِيضِ الْعِتْقِ مِنْ الضَّرَرِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْبَائِعِ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ دُونَ الْحَاجَةِ إلَى تَكْمِيلِ الْعِتْقِ . وَهَكَذَا فِيمَنْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغَيْرِ بِمَالِهِ كَمَنْ لَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَرَقٌ مُحْتَرَمٌ مِنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ بِئْرٍ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ وَالْبَائِعِ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ
الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ وَكَانَ الثَّمَنُ عَقَارًا وَكَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبْتَاعَ ذَلِكَ بِقِيمَتِهِ إذَا لَمْ يُقْلِعْهُ صَاحِبُهُ أَوْ يُبْقِيهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَكِلَاهُمَا مُعَاوَضَةٌ : إمَّا عَلَى الْعَيْنِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ أَرْضِهِ . وَكَذَلِكَ إجْبَارُنَا لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْكَرْيِ مَعَ الْآخَرِ أَوْ الْعِمَارَةِ مَعَهُ هُوَ إجْبَارٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ ؛ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ تَتَضَمَّنُ ابْتِيَاعَ أَعْيَانٍ وَاسْتِئْجَارَ عُمَّالٍ فَهِيَ إجْبَارٌ عَلَى شِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْبَاذِلِ فِي ذَلِكَ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُعَاوَضَةُ مَعَهُ . تَارَةً(28/325)
لِأَجْلِ الْقِسْمَةِ . وَتَارَةً لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ . وَعَلَى هَذَا فَإِذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى الصِّنَاعَاتِ : كَالْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَايَةِ : فَعَلَى أَهْلِهَا بَذْلُهَا لَهُمْ بِقِيمَتِهَا كَمَا عَلَيْهِمْ بَذْلُ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا بِقِيمَتِهَا ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَبَذْلِ الْمَنَافِعِ ؛ بَلْ بَذْلُ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَا يَضُرُّ بَذْلُهَا أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مُعَاوَضَةً وَيَكُونُ بَذْلُ هَذِهِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ . وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ أُصُولَ الصِّنَاعَاتِ كَالْفِلَاحَةِ وَالْحِيَاكَةِ وَالْبِنَايَةِ : فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ؛ وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَلَا تَجِبُ . وَهَذِهِ حَكَيْنَا بَيْعَهَا ؛ فَإِنَّ مَنْ يُوجِبُهَا إنَّمَا يُوجِبُهَا
بِالْمُعَاوَضَةِ ؛ لَا تَبَرُّعًا . فَهُوَ إيجَابُ صِنَاعَةٍ بِعِوَضٍ ؛ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا . وَقَوْلِي عِنْدَ الْحَاجَةِ . فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يَسْتَغْنُونَ عَنْ الصِّنَاعَةِ بِمَا يَجْلِبُونَهُ أَوْ يُجْلَبُ إلَيْهِمْ مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ . وَالْأَصْلُ أَنَّ إعَانَةَ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالسُّكْنَى أَمْرٌ وَاجِبٌ . وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْزِمَ بِذَلِكَ وَيُجْبِرَ عَلَيْهِ ؛ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا بَلْ إيجَابُ الشَّارِعِ لِلْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ الْمُخَاطَرَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ لِأَجْلِ هِدَايَةِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ : أَبْلَغُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ . فَإِذَا كَانَتْ الشَّجَاعَةُ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا وَالْكَرَمُ الَّذِي يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ وَاجِبًا فَكَيْفَ بِالْمُعَاوَضَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا . وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَفْعَلُونَ هَذَا بِحُكْمِ الْعَادَاتِ وَالطِّبَاعِ وَطَاعَةِ السُّلْطَانِ غَيْرَ مُسْتَشْعِرِينَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ فِيهِ . وَلِهَذَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ ظُلْمًا وَعَنَاءً وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ احْتَسَبُوا أَجْرَهُ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ عَلِمُوا الْوُجُوبَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَعُدُّوهُ ظُلْمًا . وَكَذَلِكَ إذَا احْتَاجُوا إلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَبَذَلُوا أَمْوَالًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ الْجِهَادَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَاطَرَةٌ بِالنَّفْسِ وَيُخَافُ فِيهِ الضَّرَرُ ؛ لَكِنَّهُ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ إذَا بُذِلَ لِلْإِنْسَانِ الْمَالُ ؛ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينِ لَا
تَتِمُّ إلَّا بِوُجُوبِهِ وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَالِ نَفْسِهِ فَإِذَا بُذِلَ لَهُ الْمَالُ كَانَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ . فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ صِنَاعَاتِ الْقِتَالِ : رَمْيًا وَضَرْبًا وَطَعْنًا وَرُكُوبًا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا . } وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهُ يَجِبُ عَيْنًا إذَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ وَكَذَلِكَ إذَا احْتَاجَ الْمُجَاهِدُونَ إلَى أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ كَصُنَّاعِ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالسِّلَاحِ وَمَصَالِحِ الْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَطُلِبَتْ مِنْهُمْ تِلْكَ الصِّنَاعَةُ بِعِوَضِهَا وَجَبَ بَذْلُهَا وَأُجْبِرُوا عَلَيْهَا . وَكَذَلِكَ التُّجَّارُ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجِهَادِ : عَلَيْهِمْ بَيْعُ ذَلِكَ وَإِذَا احْتَاجَ الْعَسْكَرُ إلَى خُرُوجِ قَوْمٍ تُجَّارٍ فِيهِ لِبَيْعِ مَا لَا يُمْكِنُ الْعَسْكَرُ حَمْلَهُ مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ وَسِلَاحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَالتِّجَارَةُ كَالصِّنَاعَةِ . وَالْعَسْكَرُ بِمَنْزِلَةِ قَوْمٍ فِي بَلَدٍ فَكَمَا يَجِبُ عَلَى بَعْضٍ إعَانَةُ بَعْضٍ عَلَى حَاجَاتِهِمْ بِالْمُعَاوَضَةِ الَّتِي لَا ضَرَرَ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْعَسْكَرِ . وَكَمَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُوجِبَ الْجِهَادَ عَلَى طَائِفَةٍ وَيَأْمُرَهُمْ بِالسَّفَرِ إلَى مَكَانٍ لِأَجْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْمُرَ قَوْمًا بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَيَأْمُرَ قَوْمًا بِالْوِلَايَاتِ . وَالْإِمَامُ الْعَدْلُ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَغَيْرُ الْعَدْلِ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ طَاعَةٌ كَالْجِهَادِ .(28/326)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الولاية على النفس
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(29/1)
ولاية النكاح لا يسقطها عدم النفقة
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1426 / 01-01-2006
السؤال
رجل ترك زوجته وابنتيه وتزوج بأخرى ولم ينفق عليهن منذ 9 سنوات ولم يقم حتى بزيارتهن طوال هذه المدة تحمل الأخ الأكبر المسؤولية وأنفق عليهن إلى جانب زوجته وأولاده والآن بعد أن كبرت البنتان تقدم لخطبة إحداهن شاب طيب علم الأب بذلك وهو الآن يريد أن يزوج البنت بمن يريد
السؤال هنا هل يجوز للبنت أن توكل أخاها لتزويجها وهل يحق للأب بعد تركهن طوال هذه المدة أن يتدخل؟
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن ترك هذا الرجل النفقة على بناته وزوجته إن كانت لا تزال في عصمته وقطع صلته بهن من الذنوب العظيمة قال تعالى:
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد 22-23).
وفي الحديث: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول. رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط، فيجب عليه التوبة إلى الله وأداء ما يجب عليه من حق.
أما بالنسبة لولاية الأب في النكاح، فإنها ثابتة ولا يسقطها عدم النفقة، فله ولاية النكاح على ابنته، ولا تنتقل الولاية عنه إلى غيره إلا في حالة العضل، فإذا تكرر رفضه للأكفاء المتقدمين لها دون سبب شرعي، فإنه يعتبر عاضلا لها، وللفتاة أو من توكله رفع الأمر إلى القاضي ليسقط ولايته وينقلها إلى من يليه من الأولياء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إجبار الأب ابنته على الزواج عند الحنابلة
تاريخ الفتوى : ... 10 شوال 1426 / 12-11-2005
السؤال
هل صحيح على المذهب الحنبلي أنه يجوز للولي أن يجبر ابنته على الزواج من شاب ولو كانت غير راغبة فيه، أم أن هذا يكون في البنت التي دون تسع سنين والمجنونة، كما قرأت في كتب الفقه الحنبلي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الثيب البالغة فلا تجبر بحال، لحديث ابن عباس مرفوعاً: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها. رواه أبو داود.
وأما البكر البالغة فقد اختلف أهل العلم في حكم إجبار الأب لها على الزواج، فالذي عليه الجمهور ومنهم الحنابلة هو أن له إجبارها على ذلك، وتقدم بيانه في الفتوى(29/2)
رقم: 34871، وهذا في الأب خاصة أو وصيه أما غيره من الأولياء فليس لهم إجبارها بحال، قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: (و) للأب (تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ) لحديث ابن عباس مرفوعا: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها. رواه أبو داود، فلما قسم النساء قسمين وأثبت الحق لأحدهما دل على نفيه عن الآخر وهي البكر فيكون وليها أحق منها بها ودل الحديث على أن الاستئمار هنا والاستئذان في حديثهم مستحب غير واجب. (و) للأب أيضاً تزويج (ثيب لها دون تسع سنين) لأنه لا إذن لها (بغير إذنهم) أي البنين الصغار والمجانين والبنت البكر والثيب التي لها دون تسع سنين لما تقدم (وليس ذلك) أي تزويج من ذكر (للجد) لعموم الحديث، ولأنه قاصر عن الأب، فلم يملك الإجبار كالعم. انتهى.
والمفتى به عندنا والمرجح هو أنه لا يحق للأب أن يجبر ابنته البالغة العاقلة على الزواج ممن لا ترغب فيه، كما في الفتوى رقم: 47089.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولاية الخال في الزواج
تاريخ الفتوى : ... 29 شعبان 1426 / 03-10-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
في عقد القران (الزواج) الشرعي، هل يشترط للزوجة حضور أبيها المطلق لأمها منذ خمسة عشرة سنة والذي لم يعد لأبنائه ولم ينفق عليهم ولم يرهم طيلة هذه الأعوام؟ وهل زواجها باطل إذا كان وليها خالها الذي أعال أهلها كل هذه السنوات؟
جزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الولاية شرط من شروط صحة النكاح على الراجح من أقوال أهل العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي. رواه أبو داود.
وأحق الأولياء بتزويج المرأة أبوها، فإذا وجد الأب وكان أهلاً للولاية، ولم يكن عاضلاً لابنته عن النكاح لم يكن لغيره تزويجها إلا بإذنه.
فإذا كان الأب بعيداً ولم يكن بإمكانه حضور مجلس العقد، فله أن يوكل غيره، سواء كان الموكل الخال أو غيره، وتقصير الأب في حق أولاده لا يسقط ولايته عليهم، وخال البنت ليس من أوليائها، فليس له أن يلي عقد نكاحها دون إذن من له الولاية عليها، وإلا كان النكاح باطلاً، وتراجع الفتوى رقم: 2843، والفتوى رقم: 34976.
وننبه إلى أن الواجب على الأولاد بر أبيهم والإحسان إليه على كل حال، فتفريطه في حقهم لا يسقط حقه عليهم وتراجع الفتوى رقم: 3459.
والله أعلم.(29/3)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تسقط ولاية الأب الساب لله ورسوله
تاريخ الفتوى : ... 27 رجب 1426 / 01-09-2005
السؤال
أقدمت على خطبة فتاة ملتزمة بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبفضل الله ثم هذه الفتاة وافق والدها، وأنا الآن مقبل على كتابة عقد النكاح الشرعي الذي تصبح فيه هذه الفتاة زوجة لي، لكن المشكلة والتي أخبرتني بها الفتاة هي أن ولاية والدها عليها ساقطة، وذلك لأنه عند أتفه المشاكل التي تحدث له في المنزل أو في خارجه فإنه يبدأ بسب الله والرسول وللأسف في كل مرة تقوم ابنته (التي أريد الزواج منها بإخباره أن ذلك يفضي به إلى الخروج من الإسلام فإنه لا يبالي بها بل ولا يشعر بأدنى ندم على ذلك، وعند ذلك أخبرتني بأن والد صديقتها رجل ملتزم بكتاب الله وسنة رسوله الكريم وحدثته بخبر والدها وسقوط ولايته عليها فما كان من والد صديقتها إلا أن قبل أن يكون وليها، علما بأن الزواج سيتم في بلدي الأصلي حيث لا يوجد حكم إسلامي فيها، أرجو شاكرا النصح والتوجيه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان ما نسب إلى والد هذه الفتاة صحيحاً فلا شك أنه قد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وذلك أن سب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم مخرج من الملة بالإجماع، وراجع الفتوى رقم: 133، والفتوى رقم: 12447.
وإذا تقرر كفر هذا الرجل فلا يصح ولايته على ابنته لسقوطها بكفره إلا أن يتوب إلى الله تعالى، وإنما تنتقل إلى من بعده من الأولياء كالأخ فإن لم يوجد فالعم فابن العم وهكذا، فإن لم يوجد لها قريب من عصبتها زوجها القاضي، أما والد صديقتها فلا يعد لها ولياً إذا لم يكن ابن عم لها.
هذا ويبقى نصح هذا الرجل بالتوبة قبل أن يحل به الأجل وهو متماد على كفره فيوبق نفسه ويخلدها في نار جهنم، نسأل الله تعالى العافية، علماً بأن فتوانا هذه لا تعني الحكم على هذا الرجل بعينه بأنه كافر وأنه سقطت ولايته لابنته، لأننا في الحقيقة لا نعلم يقيناً هل صدر منه هذا المكفر أم لا، والحكم على شخص بعينه بأنه كافر يعامل معاملة الكفار من خصوصية القاضي.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسألة حول الزواج بدون ولي
تاريخ الفتوى : ... 23 ذو القعدة 1425 / 04-01-2005
السؤال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
حدث لدي لبس في موضوع زواج يعني أسرد عليكم القصة وأخبروني بالحكم..(29/4)
باختصار..هناك فتاة والداها كافران الأم نصرانية والأب من النوع التارك للصلاة وأحيانا يسب الدين وما إلى ذلك المهم ليس هذا المهم أنني والفتاة اتفقنا على الزواج وليس لها ولي أمر يمكن الوصول إليه عمها في بلد بعيد ولا يمكننا الاتصال به لانعدام القدرة ولخلاف أبيها معه وهذا العم مسلم على ما نعلم.. فاتفقنا أن نتزوج في محكمة شرعية لكن وجدنا الإجراءات القانونية تتخذ طرق ملتفة وتضع العديد من العراقيل التي ليست لها أي سند شرعي أنا وهي أجنبيان عن الدولة ويضعون مثلا أنه يجب أن نكون مقيمين وأن هناك إجراءات قد تأخذ وقتا وما إلى ذلك فاتفقنا على أن نذهب لشيخ يعقد علينا ويكون هو وليها.. فذهبنا لشيخ على أساس أنه هو ولي أمرها وهو من سيزوجنيها.. ولكن في صيغة الزواج قال لها أن تقول لي (زوجتك نفسي) و نحن كنا نعتقد في حينها أن تلك هي الصياغة الشرعية وكنا نظن أنه هو تولى أمرها و قد علم بقصة كفر والديها وأنها ليس لها أولياء من ذوي العصبة.. ولكن نية الشيخ كانت أنه زوجنا على المذهب الحنفي أي أن الفتاة زوجتني نفسها بدون ولي.. وحينما خرجنا من عنده كنا نعتقد أنه كان هو وليها وأن زواجنا شرعي.. فما العمل في هذه الحالة؟ وخاصة أن لنا ظروفا خاصة يعني افترقنا أنا عدت لبلدي وهي عادت لبلدها وسنلتقي في الصيف إن شاء الله فهل نعتبر زناة؟؟!! مع العلم أنه عن غير قصد ولا علم بل ظنناه شرعيا أم أن زواجنا ينقصه ركن ويجب أن نتمه وأننا الآن متزوجان؟ أم الزواج أصلا باطل؟ وهل يمكننا أن نأخذ باجتهاد الإمام أبي حنيفة ومن قالوا بعدم اشتراط الولي؟ وكنت قرأت أن حديث عائشة رضي الله عنها فيه اضطراب في سنده الذي يوجب الولي وأن عليا رضي الله عنه لم يقل ببطلان نكاح من تزوجت بغير إذن وليها وأن ظاهر نصوص القرآن تفيد بأن للمرأة أن تكون حرة وأن الولي والله أعلم ليس شرطا انما أفضلية.. وأن امرأة أرادت أن تعود لزوجها فأراد وليها منعها فزجره
القرآن يعني لم يكن هناك اعتبار لرأي الولي الذي كان مخطئا وأخذت المرأة ما أرادت من عودة لزوجها.. وقد طرأ أمر وهو أن والدها أصبح يصلي وباختصار مرة قال إنه راض عن هذا الزواج.. فهل يعتبر هذا شرعيا؟
أرجو سرعة الرد وإن احتجتم أي معلومة إضافية..فالحيرة تكاد تقتلنا.. يعني المشكلة باختصار أننا كنا نعتقد أن الشيخ تولى أمرها وهو لم يفعل..وبنينا على ذلك..ثم اتصلت به وسألته هل كان وليها أجابني لا ولم يمكننا أن نلتقي به ثانية نظرا للسفر..فهل الفتاة زوجتي؟ وهناك شرط وهو الولي ينقص يجب أن نكمله..يعني الزواج صحيح ينقصه ركن أم لا يوجد هناك زواج أصلا؟ طيب وإن كان أبوها فيما بعد وافق عليه ألا نعد أكملنا هذا الشرط؟
و جزاكم الله خيراً..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي أن اشتراط الولي مسألة خلافية، وقد ذكرنا فيها الخلاف في فتاوى سابقة منها الفتاوى برقم: 47816، ورقم: 55613.(29/5)
ولا شك أن لكل قول من القولين دليله، وقد ذكرنا بعضها في الفتاوى المحال عليها، فإن عمل المستفتي بقول أبي حنيفة مقلداً له، فلا تثريب عليه.
ولكن الذي نفتي به نحن هو مذهب الجمهور، وهو الذي نراه راجحاً، وعليه فيكون النكاح باطلاً، وعليكم أن تجددوا عقد النكاح، ولا يكفي أن يرضى الولي بالعقد السابق، وما كان خلال العقد السابق من عشرة أو أولاد، فإنهم ينسبون إليك، لأنه وطء بشبهة حيث إنك تعتقد صحة ذلك العقد، وأما تولي عقد النكاح من قبل الأب الفاسق الذي لا يصلي فمحل خلاف بين العلماء طالعه في الفتوى رقم: 43004، والفتوى رقم: 31102.
وأما مناقشة مذهب الحنفية، فقد تناولتها كتب الفقهاء، وليس هذا موطن ذكرها حيث إن مقام الفتوى غير مقام النقاش العلمي، ولكل مقام مقال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... مآل الزواج الذي تم بغير ولي
تاريخ الفتوى : ... 16 ذو القعدة 1425 / 28-12-2004
السؤال
كنت قد سألت عن زواج المرأة لنفسها بنفسها ودون علم وليها كما حدث مع ( السؤال رقم 246930) وقد أجبتم عليه جزاكم الله عنا خيرا، بأن هذا الزواج غير صحيح وقد أنهيت علاقتي بها لكن سؤالي الآن هل لهذه المرأة حقوق علي بعد أن أنهيت علاقتي بها.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي عليه جمهور أهل العلم وتؤيده الأدلة من القرآن والسنة أن زواج المرأة من غير ولي يعد باطلا كما بينا في الفتوى رقم:5855. وخالف الإمام أبو حنيفة فأجازه من غير حاجة إلى الولي ما دامت المرأة عاقلة رشيدة، قال السرخسى في المبسوط وهو حنفي: بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة زوجت ابنتها برضاها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح، وفي هذا دليل على أن المرأة إذا زوجت نفسها أو أمرت غير الولي أن يزوجها جاز النكاح، وبه أخذ أبو حنيفة سواء كانت بكرا أو ثيبا. وبناء على رأي الجمهور فإن النكاح إذا تم من غير ولي فحكمه الفسخ أبدا، لكن نظرا لقول الأحناف فإن الفسخ يكون بطلاق، قال خليل بن إسحاق المالكي: وهو طلاق إن اختلف فيه. قال شارحه الخرشي: يعني أن الفسخ في النكاح المختلف في صحته وفساده ولو كان الخلاف خارج المذهب حيث كان قويا طلاقا بمعنى أن الفسخ نفسه طلاق. وقد ذكر أهل العلم أن هذا الطلاق يعتبر طلاقا بائنا، وعليه فتأخذ من فسخ نكاحها لعدم ولي فيه حكم المطلقة طلاقا بائنا، وتراجع لذلك الفتوى رقم:20270
. ونوصي الأخ بأنه إن كانت هذه المرأة مرضية في دينها وخلقها أن يتزوجها بعقد صحيح مستكمل الشروط والأركان. وفق الله الجميع.(29/6)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الأحق بولاية الأيتام وحكم التصرف في أموالهم
تاريخ الفتوى : ... 03 شوال 1425 / 16-11-2004
السؤال
توفي أخي وترك 4 أبناء وزوجة ويعيش الوالد والوالدة ونحن نعيش معا في منزل واحد بما في ذلك مصاريف الأكل وغيره، وترك أخي مبلغاً من المال ومازلنا معا، هل يترك هذا المبلغ للأبناء حتى يكبروا، وهل يجوز الصرف منه على العائلة جميعاً ومنها بعض المشاريع التي تدر ربحا للعائلة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الذين يرثون متروك أخيك هم أولاده وزوجته وأبوه وأمه وذلك على النحو التالي:
للزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ {النساء:12}، ولكل واحد من الأبوين السدس لوجود الأولاد، قال الله تعالى: وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ {النساء:11}، وباقي المال يكون للأولاد بالتساوي إن كانوا ذكوراً كلهم، أو للأنثى سهم وللذكر سهمان، إن كان فيهم إناث وذكور، قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ {النساء:11}.
ونفقة هؤلاء الأولاد تكون من مالهم طالما أنهم أغنياء، ولا يجوز أن يؤخذ من مالهم غير ما يصرف عليهم، ومن أكل من مالهم شيئاً بغير حق فقد اقترف إثما مبينا، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء:10}.
ثم الذي يتولى أمر هؤلاء الأولاد والتصرف في أموالهم هو جدهم إن كان رشيدا وقادرا على القيام بمصالحهم، وإلا فلا يجوز أن يتولى ذلك إلا السلطان أو نائبه كالقاضي الشرعي مثلا أو من يقيمه هذا الأخير ممن يصلح لذلك، مع أن ولاية الجد محل خلاف بين أهل العلم، فقد قال بها الأحناف والشافعية، قال صاحب رد المحتار على الدر المختار وهو حنفي: وليه أبوه ثم وصيه بعد موته ثم وصي وصيه كما في القهستاني عن العمادية ثم بعدهم جده...... وقال النووي في المنهاج، وهو شافعي: ولي الصبي أبوه ثم جده...
وأما المالكية والحنابلة فلا ولاية للجد عندهم، قال الشيخ الدردير وهو مالكي: والولي على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب... وقال البهوتي في كشاف القناع وهو حنبلي: والجد لا ولاية له لأنه لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فهو كالأخ...
والذي نراه أولى بالصواب في المسألة هو ما عليه الحنفية والشافعية لأن للجد من الشفقة على أبناء ابنه ما للأب أو قريبا منه، فهو أولى من غيره، والحاصل أن أباك(29/7)
جد هؤلاء الأيتام هو الذي له الولاية عليهم إن كان رشيدا وقادراً على شؤونهم كما قدمنا، وعليه النظر فيما هو الأصلح لهم من استثمار أموالهم في مشاريع إن كان ذلك مصلحة، قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ {البقرة:220}، ولا مانع للجد -أيضاً- من صرف شيء من أموال هؤلاء الأيتام على العائلة لكن بقدر ما ينوبهم من النفقة فقط لا أكثر من ذلك.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا ولاية للمعتوه في النكاح
تاريخ الفتوى : ... 06 شعبان 1425 / 21-09-2004
السؤال
نسألكم عن المسألة الآتي ذكرها ليتم لنا التصرف على ضوء إجابتكم: رجل له أكثر من عشر سنوات مصاب بمرض عقلي وهو ما يسمى في الفقه (العته) وفي الطب الحديث مرض نفسي، ولكن هذا الرجل يعي ما يقول ويجيب إذا سئل ولا يعبث بنفسه ولا بشيء للآخرين ويصلي في المسجد وإذا دعي باسمه أجاب ومن سلم عليه يرد السلام وعندما يكون في بيته بغرفته أو يخلو بنفسه يكلم نفسه ولا يسأل عمن يأتي أو يذهب وله بنت قد أدركت وتقدم لها خاطب للزواج والمريض له أب وله أبناء ذكور بالغون، فالهدف من السؤال أولاً: هل يصح عقد هذا الرجل لابنته إضافة إلى العقود الأخرى أم لا، وإذا لم تصح تصرفاته وقد سبق وأن عقد بإحدى بناته، فما حكم ذلك العقد، ثانياً: إذا لم يصح العقد منه فلمن تكون الولاية هل لوالده جد البنت أم لأحد أبنائه، ثالثاً: هل تنتقل الولاية فورا دون الرجوع إلى الحاكم أم لا؟ نرجو الإجابة الصحيحة ليتم التصرف على ضوئها وفقكم الله لما يحب ويرضاه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقال العبادي الحنفي في الجوهرة النيرة: قال في النوازل المعتوه من كان مختلط الكلام فاسد التدبير لكنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعله المجنون.
وقال العلامة الشبراملسي الشافعي في حاشيته على نهاية المحتاج: وفي المختار: المعتوه الناقص العقل، وقد عته فهو معتوه بيّن العته. انتهى، وعليه فيمكن حمل(29/8)
المجنون على من زال عقله بالكلية والمعتوه على من عنده أصل العقل لا كماله. انتهى.
والمعتوه لا ولاية له في النكاح ولا يصح عقده، قال العدوي في حاشيته على شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني المالكي: المجنون والمعتوه الضعيف العقل لا يصح عقد واحد منهما...
قال الإمام الجلال المحلي رحمه الله تعالى في شرح المنهاج: لا ولاية لرقيق لنقصه (وصبي) لسلب عبارته (ومجنون) أطبق جنونه لعدم تمييزه أو تقطع... (ومختل النظر بهرم أو خبل) أصلي أو عارض لعجزه عن البحث عن أحوال الأزواج ومعرفة الكفء منهم، وفي معناه من شغله عن ذلك الأسقام، والآلام (وكذا محجور عليه بسفه) بأن بذر في ماله (على المذهب)، لأنه لنقصه لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره... (ومتى كان الأقرب -متصفا- ببعض هذه الصفات، فالولاية للأبعد)، فيزوج مع وجود الأقرب. انتهى، وعليه فتكون الولاية لمن بعد الأب المعتوه وترتيب الأولياء مبين، في الفتوى رقم: 52874.
وأما العقد السابق على البنت الأولى فيجب تجديده لتصحيح النكاح ويقوم بتجديده جدها لأبيها، فإن لم يوجد فأخوها لأبويها، فإن لم يوجد فأخوها لأبيها، وهكذا حسب ما سبق في الفتوى المحال عليها، وما نتج عن العقد الأول من أولاد فإنهم ينسبون لأبيهم لأنهم ناشؤون عن وطء بشبهة، ومتى لم يكن الولي أهلا للولاية انتقلت إلى الذي يليه دون حاجة إلى إذن حاكم.
وأما حكم بقية العقود التي يجريها المعتوه من بيع وإجارة وغير ذلك فمحل خلاف بين العلماء، فمن العلماء من لم يعتبر تصرفاته مطلقا كالشافعية، ومن أهل العلم من فصل بين المعتوه الذي يعقل البيع والشراء فيصح موقوفا على إذن وليه وبين الذي لا يعقل البيع والشراء فلا يصح مطلقا وهذا مذهب الحنفية وجمع من العلماء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا سقطت ولاية الأب انتقلت الولاية لمن هوأولى بها بعده
تاريخ الفتوى : ... 24 رمضان 1424 / 19-11-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هل تسقط الولاية من الأب على ابنته إن كان لا يصلي، ومؤمن بأن القرآن محرف وأن المسلمين يعطون الرسول صلى الله عليه و سلم أكثر من حقه، وأن الإسراء والمعراج مجرد خرافات، وأنه يشرب الخمر وأنه كاد أن يطرد ابنته عندما تحجبت لولا أن تدخلت أمها؟ و إذا سقطت عنه الولاية فمن يكون الولي لها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما دام حال هذا الأب على ما ذكر في هذا السؤال، فليس أهلا لأن يكون وليا على ابنته، إذ أن من شروط الولي كونه مسلما، وما عليه هذا الأب من اعتقاد كون القرآن محرفا،(29/9)
وكون الإسراء والمعراج مجرد خرافات، بالإضافة إلى تركه الصلاة، كل هذا كفر مخرج عن ملة الإسلام، ولمعرفة الشروط التي يجب توفرها في الولي، تراجع الفتويان: 15009، 12779. وإذا سقطت ولاية هذا الأب انتقلت الولاية إلى من هو أولى بها بعده وهو الجد إن وجد، ثم من بعده حسب ترتيب الأولياء الذي ذكره الفقهاء، وانظر الفتوى رقم: 22277. وننبه إلى أن الواجب بذل النصح لهذا الأب وتذكيره بالله تعالى، والاستعانة في ذلك بأهل العلم، لعل الله تعالى أن يهديه إلى طريق الصواب. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تارك الصلاة هل تصح ولايته؟
تاريخ الفتوى : ... 02 ربيع الأول 1424 / 04-05-2003
السؤال
سأقوم بعقد قراني على فتاة وهذه الفتاة ملتزمة دينياً والحمد لله لكن والدها لا يصلي ولكنه موحِّد فهل عقد القران يكون صحيحاً في هذه الحالة؟ وماذا يترتب علي في هذه الحالة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كنت تقصد بقولك إن والدها لا يصلي أنه ليس مواظباً على الصلاة، بمعنى أنه يصلي حيناً ويترك الصلاة حيناً آخر فلا تسقط ولايته بذلك، ويكون عقد نكاحك صحيحاً إن شاء الله، لأنه والحالة هذه غاية أمره أن يكون فاسقاً وولاية الفاسق صحيحة، كما قررناه في الفتوى رقم: 15476 فلتراجع. أما إذا كان تاركاً للصلاة بالكلية فلا تصح ولايته، وتنتقل إلى الولي الأبعد، وإلا فالسلطان المسلم، أو من يقوم مقامه من جماعة المسلمين. وراجع الفتوى رقم: 29437 لمزيد من الفائدة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... المسؤول عن المرأة بعد وفاة زوجها هم أهلها
تاريخ الفتوى : ... 17 صفر 1423 / 30-04-2002
السؤال
السلام عليكم: من هو المسؤول الشرعي عن الزوجة بعد وفاة زوجها؟ هل أهل الزوج أم أهل الزوجة،علما بأن أهل الزوجة ما زالوا على قيد الحياة، ومقتدرين. أفيدونا أفادكم الله.وجزاكم الله عنا كل الخير؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المسؤول عن المرأة بعد وفاة زوجها هم أهلها، كأوليائها وكأبيها وإخوانها وأعمامها ونحوهم، وترتيبهم
كترتيب عصبات الإرث، وليس هم أهل الزوج لأنه لا تربطها بهن علاقة نسب(29/10)
أما بالنسبة لنفقتها فمن مالها إن كان لها مال من إرث أو غيره، وإن لم يكن لها مال فإن الأقرب إليها من أوليائها تلزمه نفقتها على ترتيبهم في القرب: ابنها ثم أبوها ثم أخوها وليس على أهل الزوج نفقة إلا من باب الإحسان والتطوع .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ولاية الأب على ابنته التي راودها عن نفسها
تاريخ الفتوى : ... 28 شوال 1426 / 30-11-2005
السؤال
هل تسقط ولاية رجل أراد أن يفاحش ابنته كرّتين من دون أن يكون سكران أو فاقدا لعقله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون وهو حسبنا ونعم الوكيل فيما آل إليه حال بعض الناس من انتكاس الفطر وانعدام القيم إلى مستوى البهيمية (أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلاً )، وإلا فكيف لأحد أن يراود ابنته عن نفسها ويواقعها مهما بلغ من الفجور، فهذه غاية الإسفاف والنذالة والتردي الخلقي ، وعلى تلك المسكينة ألا تستجيب لنزوات أبيها الشهوانية، وتصرفه عنها بما تستطيع، ولا تخلو به، وتسكن مع غيره من أقاربها على أن تصاحبه بمعروف ، فتصله وتبره وتحسن إليه، ومن ذلك أن تذكره بالله وتخوفه من عقابه بحكمة ولطف ولين، فإن ارتدع بذلك وقبل النصح فبها ونعمت، ولا تخبر حينئذ أحداً بما جري ستراً عليه ، وإن لم يرتدع فبإمكانها أن تكلم أقاربها في أمره لعله يرتدع عن نزغاته ونزواته ، وإذا لم يُجْدِ معه ذلك فلها أن ترفع أمره إلى أصحاب السلطة والقرار لتأديبه ومنعه ، وانظر الفتوى رقم : 47916 .
وأما هل تسقط ولا يته بذلك؟ فالجواب عنه أن العلماء قد اختلفوا في الفاسق هل تسقط ولايته بفسقه أم لا ؟ ومحل الكلام في الفاسق إذا لم يكن فسقه متعلقاً بخيانة من تحت يده؛ كما يدل عليه تعليلهم لذلك. فذهب الجمهور من الأئمة الثلاثة إلى أنها لا تسقط لأن الفسق لا ينافي الولاية، قال العز بن عبد السلام معللاً لأصحاب هذا الرأي: ولاية النكاح لا تشترط فيها العدالة على قول لأن العدالة إنما شرطت في الولايات لتزع الولي عن التقصير والخيانة ، وطبع الولي في النكاح يزعه عن التقصير والخيانة في حق وليته ، لأنه لو وضعها في غير كفء كان ذلك عاراً عليه وعليهم ، وطبعه يزعه عما يدخله على نفسه ووليته من الأضرار والعار.
وقال الزرقاني في شرحه على الموطأ: وأما الفسق فإنه لا ينافي ولاية النكاح، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: لا تصح من الفاسق ولاية في النكاح. والدليل على ما نقوله أن هذا حر مسلم فجاز أن يكون ولياً في النكاح. وكذا قال الكاساني في بدائع الصنائع . وقال ابن قدامة في المغني: العدالة في كونها شرطاً روايتان: إحداهما: هي شرط ... وهذا قول الشافعي، وذلك لما روي عن ابن عباس رضي(29/11)
الله عنهما أنه قال : لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد . قال أحمد : أصح شيء في هذا قول ابن عباس .. ولأنها ولاية نظرية ، فلا يستبد بها الفاسق ، كولاية المال . والرواية الأخرى ، ليست شرطا .. وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي ، لأنه يلي نكاح نفسه ، فتثبت له الولاية على غيره ، كالعدل ، ولأن سبب الولاية القرابة ، وشرطها النظر ، وهذا قريب ناظر ، فيلي كالعدل. وذهب الشافعي ورواية عن أحمد إلى اشتراط العدالة وسقوط الولاية بالفسق. قال العز بن عبد السلام معللاً لهذا الرأي: تصحيح ولاية الفاسق مفسدة ، لما يغلب عليه من الخيانة في الولاية. وسبق ذكر بعض ما استدل به أصحاب هذا الرأي .
ولعل الراجح منه أن الفسق لا تسقط به الولاية كما هو مذهب الجمهور وسبق التعليل له ، إلا إذا كان الفسق سببه خيانة المولى عليه كما هو الحال في السؤال، فإن الولاية تسقط به لأن الولي هنا لا غيرة له على عرضه ولا أمانة له، فهو مسلوب النظر فاسد التدبير، ولا يتحقق فيه أي معنى من تلك المعاني التي ذكرها العلماء لبقاء الولاية للفاسق .
فالذي نراه أنه لا ولاية لذلك الأب على ابنته التي راودها على فعل الفاحشة إلا إذا تاب من فسقه وخيانته لعرضه .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الابن مقدم على غيره من الأولياء
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الثانية 1426 / 27-07-2005
السؤال
أسكن أنا ووالدتي وزوجتي و ولدي في بيت والدي المتوفى ووالدتي لا تعمل وتحصل على نصف الراتب التقاعدي لوالدي رحمه الله شهريا، وأنا أقوم برعايتها وإدارة شؤونها و شؤون المنزل، و أرغب باستخراج بطاقة تأمين صحي عن طريق عملي و لكن العمل يطلب صك ولاية لإثبات أن والدتي تحت ولايتي.
فهل يجوز لي استخراج هذا الصك من المحكمة لهذا الغرض؟
وهل أنا فعلا ولي أمر والدتي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على الابن أن يقوم بشؤون أمه بعد وفاة أبيه وهو المقدم على غيره من جميع الأولياء ولو كان أبوها لا يزال حيا لأنه أولى الناس بها وأقربهم إليها. قال خليل المالكي في ترتيب الأولياء: وقدم ابن فابنه.. ولذلك فلا مانع شرعا من استخراج شهادة شرعية من المحكمة بأنك ولي أمر أمك والقائم على شؤونها.
وأما عن التأمين الصحي فهو كغيره من أنواع التأمين لا يجوز إلا إذا كان من باب التأمين التعاوني. ولتفاصيل ذلك وأدلته نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 1182، 3281، 7394.
والله أعلم.(29/12)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولاية الكافر على مسلم
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الثانية 1426 / 11-07-2005
السؤال
س: هل يجوز لغير المسلم أن يشهد على المسلم في الأحوال الشخصية
س: هل يجوز لغير المسلم أن يعيين وصيا شرعيا على طفل مسلم بالرغم من وجود أقارب صالحين للطفل
شكرا جزيلا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن الشاهد لا يكون إلا مسلما عدلا، لقول الله تعالى:
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2]. وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا {الحجرات: 6}.
ولا تقبل شهادة الكافر إلا عند تعذر غيره. قال خليل: وقبل للتعذر غير عدول وإن مشركين. وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 37693.
وأما تعيين وصي غير مسلم على طفل مسلم فإنه لا يجوز، لأن الكافر لا ولاية له على المسلم. قال ابن قدامة في المغني: تصح الوصية إلى الرجل العاقل المسلم الحر العدل إجماعا. ولا تصح إلى مجنون, ولا طفل, ولا وصية مسلم إلى كافر. بغير خلاف نعلمه; لأن المجنون والطفل ليسا من أهل التصرف في أموالهما, فلا يليان على غيرهما, والكافر ليس من أهل الولاية على مسلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تولي الأم عقد نكاح ابنتها
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1425 / 18-10-2004
السؤال
كتب رجل تفويضا لزوجته لتتولى هي تزويج ابنتهما ، فهل يصح تزويج المرأة نفسها أو تزويج غيرها؟ فإن كان يصح وقد كتب ذلك الرجل ذلك التفويض لامرأته ثم أنكر ذلك بعد فترة فما الحكم؟ الملاحظ أنه لم يشهد أحدا على ذلك التفويض . أفتونا مأجورين , وجزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتوكيل الزوج امرأته تزويج ابنتها إذا كان المقصود منه التمهيد لأسباب الزواج من الخطبة والاتفاق على الصداق والرضا ونحو ذلك فيجوز، وأما إذا كان المقصود منه مباشرة العقد فلا يصح، وقد روي عن عائشة أنها كانت تقرر أمر النكاح ثم تقول: اعقدوا، فإن النساء لا يعقدن النكاح، وهذا هو المعروف من أقوال الصحابة(29/13)
أن المرأة لا يصح أن تعقد نكاحا لنفسها ولا لامرأة غيرها، قاله صاحب المنتقى شرح الموطأ. وما روي: أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب فلما قدم غضب، ثم أجاز ذلك أخرجه مالك بإسناد صحيح. قال ابن عبد البر في الإستذكار: ليس على ظاهره ولم يرد بقوله زوجت حفصة ـ والله أعلم ـ إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ونحو ذلك دون العقد بدليل الحديث المأثور عنها أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة والصداق والرضا، قالت أنكحوا واعقدوا فإن النساء لا يعقدن. وأجاب البيهقي عن ذلك: بأن قوله في هذا الأثر زوجت أي مهدت أسباب التزويج لا أنها وليت عقدة النكاح، واستدل لتأويله هذا بما أسنده عن عبد الرحمن بن القاسم قال: كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح. ( الدراية في تخريج أحاديث الهداية) فإذا كان التوكيل على المعنى الأول وهو التمهيد لأسباب الزواج من الخطبة والصداق والرضا ونحو ذلك وأنكره الزوج فالأصل عدم حصول التوكيل إلا ببينة، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر، وأما إذا كان على المعنى الثاني وهو تولي عقدة النكاح فلا يحتاج الزوج إلى إنكاره بل له أن يتمسك ببطلانه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... كثرة التقدم للخطبة لا تبرر الزواج بغير ولي
تاريخ الفتوى : ... 11 شعبان 1425 / 26-09-2004
السؤال
سؤالي الأول هو: مثلا أحببت فتاة وهي تحبني وقررنا أن نتزوج وذهبت إلى بيتها، ولكن أبوها رفضني من دون أي عيب بي، فأنا أشتغل وعندي مستقبل جيد، أصلي وأنا مسلم ولا أدخن فسألت بعض أصحابي وقالوا إنه إذا ذهب الرجل إلى أبي البنت ثلاث مرات ورفض دون سبب حينها تستطيع أن تتزوجها من دون موافقة والدها، هذا كما قالوا هم أو سمعوا عند بعض الناس، والبنت مستعدة لتفعل ذلك فهل يجوز ذلك أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سمعته أخي الكريم غير صحيح، ولعل من أخبرك أراد أن الولي لو ثبت عضله للمرأة فإن لها الحق في أن ترفع أمرها إلى القضاء ويقوم الحاكم المسلم بتزويجها رغما عن وليها، كما في الفتوى رقم: 50233.
وأما أن تزوج المرأة نفسها بدون إذن وليها أو تسحب الولاية عنه بغير مبرر فهذا باطل، كما سبق في الفتوى رقم: 52825 ونحذرك أخي من إقامة أي علاقة ممنوعة شرعاً مع هذه الفتاة فاتق الله وحافظ على حدود ربك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(29/14)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... كثرة التقدم للخطبة لا تبرر الزواج بغير ولي
تاريخ الفتوى : ... 11 شعبان 1425 / 26-09-2004
السؤال
سؤالي الأول هو: مثلا أحببت فتاة وهي تحبني وقررنا أن نتزوج وذهبت إلى بيتها، ولكن أبوها رفضني من دون أي عيب بي، فأنا أشتغل وعندي مستقبل جيد، أصلي وأنا مسلم ولا أدخن فسألت بعض أصحابي وقالوا إنه إذا ذهب الرجل إلى أبي البنت ثلاث مرات ورفض دون سبب حينها تستطيع أن تتزوجها من دون موافقة والدها، هذا كما قالوا هم أو سمعوا عند بعض الناس، والبنت مستعدة لتفعل ذلك فهل يجوز ذلك أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما سمعته أخي الكريم غير صحيح، ولعل من أخبرك أراد أن الولي لو ثبت عضله للمرأة فإن لها الحق في أن ترفع أمرها إلى القضاء ويقوم الحاكم المسلم بتزويجها رغما عن وليها، كما في الفتوى رقم: 50233.
وأما أن تزوج المرأة نفسها بدون إذن وليها أو تسحب الولاية عنه بغير مبرر فهذا باطل، كما سبق في الفتوى رقم: 52825 ونحذرك أخي من إقامة أي علاقة ممنوعة شرعاً مع هذه الفتاة فاتق الله وحافظ على حدود ربك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يملك الأب إسقاط ولايته على أولاده
تاريخ الفتوى : ... 11 شعبان 1424 / 08-10-2003
السؤال
ابنتي في سن الزواج ـ كانت ترتدي النقاب ـ ثم كشفت عن وجهها وكفيها مرتدية الحجاب، بحجة أن كثيرا من العلماء الأفاضل أفتوا بجواز ذلك . أرغب في رفع ولايتي عنها طالما لاتطيعني، ولا تطبق الشريعة الإسلامية. * فهل يجوز لي ذلك؟ وماحكم الدين في هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فوجوب ستر المرأة لوجهها محل خلاف بين العلماء، والراجح عندنا هو وجوبه، كما تراه في الفتوى رقم: 4470.
لكن ينبغي التنبه إلى أن المسألة خلافية، فلا يجوز لمن أخذ بمذهب معين أن يفسق أو يطعن في من أخذ بالمذهب الآخر، فننصح بمحاولة إقناع الفتاة بوجوب ستر وجهها والاستعانة على ذلك بالله، ثم بالكتب التي ترجح ذلك وتعرض أدلته بالتفصيل، مثل كتاب "عودة الحجاب" الجزء الخاص بأدلة وجوب ستر الوجه، للشيخ محمد إسماعيل المقدم -حفظه الله-.(29/15)
ولا يجوز لهذه الفتاة أن تعصي والدها ولو أمرها بفعل مباح، فكيف وهو يأمرها بطاعة الله؟! فمن المعلوم أن العلماء لم يتنازعوا في كون ستر الوجه قربة وطاعة لله، إنما تنازعوا في وجوب ذلك.
أما إسقاط ولايتك عنها، فإن كنت تعني بذلك إسقاط ولايتك على مالها، فإن كانت بالغة عاقلة رشيدة، فلا ولاية لك على مالها على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 9116، والفتوى رقم: 33965.
وإن كنت تقصد إسقاط ولاية التزويج، فلا يصح إسقاطها باتفاق العلماء، لأن هذه الولاية ألزمك الله بها، فلا تسقط بإسقاطك. انظر (الأشباه والنظائر 155)
وإن كنت تقصد إسقاط إنفاقك عليها، فلا يجوز، كما بيناه ضمن الفتوى رقم: 25339.
ونسأل الله أن يهدي ابنتك وأن يعينك على توجيهها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
سقوط ولاية الأبوين.. رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 26 رجب 1424 / 23-09-2003
السؤال
هل يجوز خلع ولاية الوالدين على أبنائهما لعدم قيامهما بتربيتهما على الوجه الصحيح، وماهي الشروط اللازمة لجواز مسألة الخلع، ومن له الحق في خلع تلك الولاية ، جزاكم الله خيراً ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
وبعد فإنه يجب على الأبوين تربية أبنائهما تربية صحيحة موافقة لشرع الله، وذلك يشمل التربية الإيمانية والأخلاقية والجسمية والعقلية.
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ) (التحريم: من الآية6)، قال علي في تفسير هذه الآية: علموهم وأدبوهم. رواه الطبري في التفسير والبيهقي في الشعب. وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين. قال النووي في شرحه: عال: قام بالمؤنة والتربية.
وأما إذا لم يقوما بالتربية المطلوبة فينبغي نصحهما وبيان الحكم لهما وتذكيرهما بمسؤوليتهما، ففي الصحيحين:
ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ". وفي الصحيحين أيضاً " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها...(29/16)
قال ابن حجر في فتح الباري: رعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج .
وإن لم يقوما بالتربية فعليكم أن تنظروا في سبب عدم القيام بها، فإن كان لعجز فينبغي أن يتعاون معهم من تريدون تحويل الولاية إليه، ولا يحق لكم نزع الولاية من الأبوين لما يترتب على ذلك من النزاعات والشنآن، ولعدم ما يبرره شرعاً ما دام الأبوان عاقلين، وإن كان السبب عدم رشاد الأبوين أو فسقهما فإن الجمهور ذهبوا إلى عدم اشتراط الرشاد والعدالة في ولاية الأب على أبنائه. وروي عن أحمد والشافعي اشتراط العدالة والرشاد، واحتج له بحديث ابن عباس " لا نكاح إلا بولي مرشد " أخرجه الطبراني في الأوسط، وحسنه ابن حجر، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
وقد أفتى الشيخ عبد الرحمن السعدي وهو من علماء الحنابلة المحققين بأن القول بسقوط ولاية الفاسق مناقض للأدلة الشرعية، والصواب بقاء ولايته لأولاده على مالهم ونكاحهم وحضانتهم. اهـ. وقد صوب عدم اشتراط العدالة المرداوي في الإنصاف والنووي وابن الصلاح وكثير من متأخري الشافعية، وأجيب عن الحديث بحمل الرشاد على النظر في الأصلح للأولاد، ولا شك أن الأبوين أرحم بالأبناء من غيرهم مهما كان حالهما.
وليعلم أن المرأة لا يصح أن تزوج نفسها، ولا أن توكل غير أبيها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح نكاحها كما صرح به ابن قدامة في المغني، وعلى القول بسلب ولاية الفاسق فإنه لا يسلبها إلا أبو الأب أو السلطان. هذا ونوصي الأبناء بالحرص على البر بآبائهم، كما نوصي جميع أقاربهم بالتعاون معهم على تربية أبنائهم، وتعاون الجميع على البر والتقوى والحث على الاستقامة والإنابة إلى الله تعالى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذاهب العلماء في الولاية على القاصر
تاريخ الفتوى : ... 25 رجب 1424 / 22-09-2003
السؤال
لدي ثلاث بنات وولد عمره 13 توفي والدهم، فمن هو الولي الشرعي لهم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالولاية على القاصر كالصبي والمجنون والمعتوه ولايتان، ولاية على النفس، وولاية على المال، والولاية على النفس، معناها: الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من صيانة وحفظ وتأديب وتعليم.. الخ.
والولاية على المال هي: الإشراف على شؤون القاصر المالية من بيع وشراء وإجارة ونحو ذلك.(29/17)
فبالنسبة للولاية على النفس، مذهب الأحناف: أنها تثبت للعصبة بحسب ترتيبهم في الإرث، يعني البنوة فالأبوة، فالأخوّة فالعمومة، فإن لم يوجد أحد من العصبة، انتقلت ولاية النفس إلى الأم، ثم باقي ذوي الأرحام.
وذهب المالكية إلى أنها على الترتيب الآتي: البنوة، ثم الأبوة، ثم الوصاية، ثم الأخوّة، ثم الجدودة، ثم العمومة.
وأما الولاية على المال، فقد قال الحنفية: إنها تثبت للأب، ثم لوصيه، ثم للجد، ثم لوصيه، ثم للقاضي فوصيه.
وقالت المالكية والحنابلة: تثبت للأب ثم لوصيه، ثم للقاضي، أو من يقيمه.
وقالت الشافعية: تثبت للأب، ثم للجد، ثم لوصي الباقي منهما، ثم للقاضي أو من يقيمه.
ولا تثبت ولاية المال لغير هؤلاء، كالأخ والعم والأم إلا بوصاية من قبل الأب أو القاضي.
وذهب الحنابلة في رواية، والشافعية في قول، إلى أن للأم أن تلي حال ولدها الصغير بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما، كما نقلنا ذلك في الفتوى رقم: 28545.
انظر الفقه الإسلامي وأدلته د. الزحيلي (7328/10)
هذا، ويشترط في ولي النفس والمال كمال الأهلية، وذلك بالبلوغ والعقل..
وعليه، فإن هذا الولد الصغير لا يصلح لولاية النفس، لفقده شرطها، ولا يصلح لولاية المال، لأنه ليس من أهلها، فيكون وليُّه وولي أخواته أقرب عصبته أو القاضي أو مقدمه حسب ما تقدم ذكره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولاية الأخ الأكبر على إخوته
تاريخ الفتوى : ... 17 رجب 1424 / 14-09-2003
السؤال
هل للأخ الأكبر ولاية أو حقوق على إخوته في حال وجود والديه أو عدم وجودهما؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن قصدت بهذا الحق حق الأخ الأكبر على إخوانه في صلة رحمه وتوقيره ونحوهما من حق المسلم على أخيه المسلم، فذلك لازم له عليهم في كل وقت، سواء كان الأب حيا أو ميتا. أما إن قصدت بالحق الولاية ورعاية المصالح، فذلك يفرق فيه، فإن كان الأخ المذكور له أخت أوأخوات، فإن من حق هذا الأخ أن يتولى الولاية على أخواته في عقد النكاح، لكن بشرط موت الأب وعدم وجود الجد والابن. أما المال، فليس للأخ ولاية فيه على إخوته مطلقا، سواء في حياة الأب أو بعد موته، وإنما ذلك للأب أو وصيه، فإن مات من غير أن يوصي لأحد صارت الولاية للجد. قال في رد المحتار: ^الولاية في مال الصغير للأب، ثم وصيه، ثم وصيه ولو بعد، فلو مات(29/18)
الأب ولم يوص، فالولاية لأب الأب، ثم وصيه، فإن لم يكن، فللقاضي ومنصوبه.^^ اهـ. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الولاية في مال اليتيم وشراء الغسالة من ماله
تاريخ الفتوى : ... 01 ربيع الأول 1428 / 20-03-2007
السؤال
توفيت أختي وزوجها وتركا طفلين في مرحلة التعليم الإعدادي والابتدائي ولهم معاش شهري عن أبيهم ويقيمون حاليا مع جدهم عن أمهم وخالتهم الآنسة التي تقوم برعايتهم على أكمل وجه ومعاشهم الشهري يتم صرفه عليهم مع ادخار الباقي باسمهم في البنك وتقوم جمعية بالحي بإرسال مبلغ شهري كمساعدة لهم، فهل يمكن استخدام هذا المبلغ في شراء غسالة أوتوماتيك تساعد خالتهم على رعايتهم ورعاية جدهم، مع العلم بأن الحالة الاقتصادية لجدهم لا تسمح بشرائها؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالولاية على مال الصغير تكون لأبيه ثم جده وإن علا من جهة الأب ثم وصيهما ثم القاضي أو من يعينه القاضي، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: يلي أمر الصبي ومن به جنون ولو طرأ الأب ثم الجد، أبو الأب وإن علا كولاية النكاح (ثم وصيهما) أي وصي من تأخر موته منهما (ثم القاضي) لخبر {السلطان ولي من لا ولي له} رواه الترمذي وحسنه الحاكم وصححه، والمراد قاضي بلد المحجور عليه... قال الجرجاني: وإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين فعلى المسلمين النظر في حال محجورهم وتولي حفظه له.
وعليه فالواجب هو رفع الأمر إلى القاضي ليقوم برعاية مال هؤلاء أو ينيب من يقوم بذلك، ولا يصح أن يتصرف أحد في مالهم إلا بعد رفع الأمر إلى القاضي، فإن قدر أن ذلك تعسر أو خيف على ماله من القاضي فلا بأس بقيام أهل الخير والصلاح في البلد من إيكال التصرف في ماله إلى مرضي أمين، قال الشيخ سليمان الجمل وغيره: الولاية عند فقد الولي لصلحاء المسلمين.
وفي التجريد للبجيرمي قال: لكن للعصبة الإنفاق أي عند فقد الولي الخاص، وقضيته أنه له ذلك ولو مع وجود قاض وهو متجه إن خيف عليه منه، بل في هذه الحالة للعصبة وصلحاء بلده، بل عليهم كما هو ظاهر تولي سائر التصرف في ماله بالغبطة بأن يتفقوا على مرضي منهم يتولى ذلك ولو بأجرة. انتهى.
ولا يأخذ منه أو ينتفع به في هذه الحالة بل يعطى أجرة، ومن هنا نقول لا تستعمل الغسالة المذكورة في غير غسل ثياب هؤلاء الأولاد وهذا كله ما داموا غير بالغين، أما عند بلوغهم فلا بد من تسليم أموالهم إليهم بشرط أن يبلغوا راشدين في الدين وحسن التصرف في المال، لقول الله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ(29/19)
فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا {النساء:6}، وفي هذه الحالة لو أذنوا لجدهم وخالتهم في الغسل وغيره فلا حرج فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... حكم ادخار الأم مصروف أولادها لمصلحتهم
تاريخ الفتوى : ... 16 شوال 1427 / 08-11-2006
السؤال
مصروف الأولاد جمعته لهم واشتريت لهم قطعة ذهب دون علم زوجي وهي قطعة لأربعة أولاد ومصروفهم ليس من والدهم فقط من أهلي أيضا لأنه إذا علم بها يبيعها فورا ولا يدع لهم لوقت الحاجة شيئا وأعطيته يوم زفاف ابنتي سوارا ألبسها إياه يوم الزفاف ولم أقل له إنه لها قلت إنه من أختي لأنه إذا علم به من قبل باعه وإن علم أنه لها يسأل إن كان هناك غيره فأريد معرفة إن كان ما أفعله حراما أم لا؟، وقطعة الذهب هذه هل عليها زكاة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإعطاء الوالد مالا لولده الصغير وإذنه له في أن يشتري به ما يحتاجه في يومه وليلته مما جرت به العادة بين الأطفال في المدارس ونحوها جائز وهو سد لحاجته المعتادة، وليس لأم الصبي أن تأخذ ما أعطيه وتتصرف فيه ببيع ونحوه، وإنما لها أن ترشد نفقة ولدها وترد الزائد إلى الوالد لأنه الولي الشرعي على ماله ، ومن ذلك المال الذي يعطاه الأولاد من قبل أقاربهم أو غيرهم فالوالد هو الذي يقوم بحفظه وتنميته لهم، ولا مانع من أن يأخذ من مال ولده لا سيما إن احتاج لذلك، ولكن لو علمت الأم أن أباهم يأخذ أموالهم ويصرفها وهو غني عنها ولا يحفظها لهم فلها أن تحفظ الزائد عن حاجتهم حتى يرشدوا وتدفعه إليهم؛ لأن والدهم مفرط في حقوقهم بل معتد على حقوقهم، ولكن ليس لها حق التصرف فيه ببيع ونحوه، ففي الموسوعة الفقهية الكويتيه: يرى جمهور الفقهاء أنه لا ولاية للأم على مال الصغير لأن الولاية ثبتت بالشرع فلم ثبت للأم كولاية النكاح . اهـ .
وعليه.. فلا بد أن يكون تصرفك حسب ما ذكرناه آنفا، ولا يلزم إعلام الوالد بالمال الذي يعطاه الأولاد ما دام لا يحسن التصرف فيه بل يتصرف فيه تصرفا غير شرعي .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... القاصر إذا بلغ وكان له مال عند والده ولم يصرح له به
تاريخ الفتوى : ... 23 شعبان 1427 / 17-09-2006
السؤال(29/20)
ما حكم من أخد مال الدية ولم يصرح بها مع أن صاحبتها كانت في سن 7 والآن متزوجة وتبلغ من العمر 32سنة، والمال لا يزال بحوزة والدها مع العلم أنها محتاجة، أرجو المساعدة. وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود من السؤال أن للمرأة المذكورة حق مالي في الدية المشار إليها، وأن هذه الدية عند والدها منذ كان عمر البنت سبع سنوات وهي الآن محتاجة إلى مالها، فجواب هذا السؤال في نقاط:
الأولى: أن الولاية على مال القاصر للأب باتفاق الفقهاء؛ كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 28545.
الثانية: إذا بلغت هذه البنت راشدة فعلى والدها أن يدفع مالها إليها تتصرف فيه كيف تشاء على الوجه المشروع، لقوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء: 6} وذلك يقضي إطلاق التصرف وفك الحجر عنه فيتصرف في ماله كيف شاء.
الثالثة: أن للوالد أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه بشرط عدم الإسراف والإضرار، وراجعي في هذه الفتوى رقم: 46692.
الرابعة: إذا كان الوالد جاحدا لحق ابنته فلها أن تقاضيه ولا يكون ذلك منها عقوقا، وإن كان الأولى أن لا يصل الأمر إلى ذلك، ولتتنازل البنت عن حقها حفظا لود أبيها وأداء لبعض حقه عليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الولاية في مال من هو من ذوي الاحتياجات الخاصة
تاريخ الفتوى : ... 08 رجب 1427 / 03-08-2006
السؤال
ما هو دور القيم على أخيه من ذوي الحاجات الخاصة، وهل يضع نصيبه من الأموال الموروثة عن أبيه باسمه أم باسم القيم عليه، و له أم و إخوة وأخوات؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن المال ليس للأخ ولاية فيه على إخوته مطلقا، سواء في حياة الأب أو بعد موته، وإنما ذلك للأب أو وصيه، فإن مات من غير أن يوصي لأحد صارت الولاية للقاضي. قال في التاج والإكليل: ابن عرفة: ولي المولى عليه أبوه ثم وصيه ثم الحاكم.
وقال في رد المحتار: الولاية في مال الصغير للأب، ثم وصيه، ثم وصيه ولو بعد، فلو مات الأب ولم يوص، فالولاية لأب الأب، ثم وصيه، فإن لم يكن، فللقاضي ومنصوبه. اهـ.(29/21)
وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فالواجب على الأوصياء وأولياء الأيتام أن يتصرفوا في أموال اليتامى أو الموصى عليهم بما فيه المصلحة لهم، وإن أرادوا استثمارها لهم فيجب أن يكون ذلك وفق الشريعة الإسلامية بأن يستثمروها لهم في مؤسسات لا تتعامل بالربا والحرام، وأن يخرجوا منها الزكاة إذا بلغت النصاب. فقد روى مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه كان يقول لأولياء اليتامى: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة.
كما أن المال ينبغي أن يكتب باسم صاحبه، لأن ذلك أحوط في تجنب الشحناء إذا تقادم العهد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من شروط الوصاية على الأولاد
تاريخ الفتوى : ... 30 محرم 1427 / 01-03-2006
السؤال
توفي زوجي، وتوجد أموال خاصة به ولي أولاد غير قصر وترك لي أمر الوصاية عليهم بحكم أنهم مازالوا شبابا صغارا، فهل أستمر على ذلك أم أقوم بتوزيع نصيب كل واحد منهم مع العلم أنه لا يوجد ورثة غير أنا وولدان غير قصر ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الورثة إذا كانوا بالغين رشداء أنه لا تصح الوصاية عليهم لأن الوصاية لا تكون إلا على غير البالغ الرشيد. وإذا كان الولدان بالغين راشدين فالواجب هو تقسيم التركة ، إلا إذا اتفق الورثة على تأخير تقسيهما فلهم ذلك ،
ومتى طالب أحد الورثة بحقه فيجب دفعه إليه.
وأما إذا بلغوا غير راشدين - والرشد هو : الصلاح في المال عند الجمهور , وعند الشافعية الصلاح في المال والدين جميعا - فلا يدفع إليهم المال، فقد ذهب جمهور الفقهاء ومنهم صاحبا أبي حنيفة إلى استمرار الحجر على الصبي بمنعه من التصرف في ماله إذا بلغ وهو مبذر في المال، وفي هذه الحالة فبالإمكان تقسيم التركة ليتميز نصيب كل مع استمرار الحجر .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يأخذ البالغ الرشيد ماله يحفظ مال القاصر
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو الحجة 1426 / 24-01-2006
السؤال
أنشأت العائلة صندوقا لتوفير احتياجات أبناء عمي اليتماء (ولد وبنت) و تم إيداع المبلغ في أحد البنوك و صرف العائد عليهم شهريا و كبر الولد و تجاوز سن 21 سنة و أراد الزواج مع العلم أنه حصل على شهادة بكالوريوس و أنه يعمل فكيف يتم(29/22)
توزيع هذا المال بين الولد و البنت مع العلم أن البنت مازالت قاصرة ؟ و هل للأم نصيب في هذا المال ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المتبرعون بذلك المال قد شرطوا شروطا معينة لصرفه فيجب صرفه كما اشترطوا، وإذا لم يكونوا قد اشترطوا وإنما صرفوا المال تمليكا لليتيمين لسد حاجتهما
ونحوه، فقد قال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء: 6} فيعطى البالغ الرشيد نصيبه في ذلك المال، ويبقى نصيب من لم يبلغ ويؤنس منه الرشد. وأما كيفية توزيعه فإنه يقسم بينهما مناصفة لأنه ليس تركة وإنما هو عطية فوض فيها المعطي ولم يقسمها ولم يشترط فيدفع إلى الابن نصفه ويبقى للبنت نصفها. مع التنبيه إلى أنه لا يجوز إيداع المال بالبنك إذا كان ربويا، ويجب سحبه منه وصرف فوائده الربوية في مصالح المسلمين، وإنما يودع ببنك أو مصرف إسلامي، وإذا لم يتيسر فإن الوصي ينميه بالتجارة أو المضاربة ونحو ذلك من أنواع التنمية ولا يدعه تأكله الصدقة، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال وقد خطب الناس: إلا من ولي يتيما وله مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة. رواه الترمذي والبيهقي والدارقطني وغيرهم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ولاية الأخت على مال أخيها القاصر
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1426 / 23-10-2005
السؤال
يوجد رجل تزوج باثنتين ، الأولى أنجب منها عددا من الذكور وهم راشدون الآن ، وقد طلقها منذ فترة طويلة ، وأنجبت له المرأة الثانية عددا من الإناث إلاَّ واحدا يبلغ من العمر ست سنوات ، وقد توفي الرجل ، ثم توفيت زوجته الثانية .
الحاصل أن خلافا شديدا مستحكما قد نشب بين أبناء الزوجة الأولى وأبناء الزوجة الثانية ، وقد تشعب ذلك الخلاف حتى وصل إلى مرحلة اللدد في الخصومة ، كما كثرت الدعاوى القضائية بين الفريقين ، ولوجود الطفل القاصر اقتضى الحال أن يوجد عنده ولي ووصي ليمثله أمام القضاء ، فاستصدرت شقيقته الكبرى أمراً ولائياً بتعيينها وصية وولية عنه . إلاَّ أن إخوتها من جهة الأب وهم خصومها طعنوا في استحقاقها للولاية والوصاية وطلبوا أن يكون أحدهم وصياً وقيما على الطفل القاصر فهل يجوز شرعاً دفع دعواهم بعدم استحقاقهم للوصاية والولاية عن الطفل القاصر لأيلولة ذلك الحق لشقيقة القاصر الكبرى ، وهل يمنعون شرعاً من أن يكونوا أوصياء على الطفل لتحقق الخشية من وقوع الضرر بمصالح الطفل القاصر إذا ما آلت الوصاية والولاية لهم لاستحكام الخلاف العائلي الذي يخشى معه على مصالح القاصر ، وهل يوجد من علماء الشريعة من جوز أن تكون الولاية والوصاية للنساء(29/23)
مع وجود الرجال وهل يجوز للأخت الكبرى في هذه المسألة أن تختص باستحقاق تمثيل القاصر والقيام بأمره أمام المحاكم مع اقتصار حق الولاية للعصبة ؟
وبارك الله فيكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأخت لا تستحق الوصاية المالية على أخيها القاصر، ولا نعلم قائلاً بأنها تستحق ذلك ، والخلاف في الأم هل لها الوصاية بعد الأب والجد أم تنتقل الوصاية بعد فقد الجد أو وصيه إلى السلطان دون الأم، وهذا هو المرجح عند العلماء .
جاء في الموسوعة الكويتية : يرى جمهور الفقهاء أنه لا ولاية للأم على مال الصغير ، لأن الولاية ثبتت بالشرع فلم تثبت للأم كولاية النكاح ، لكن يجوز أن يوصى إليها فتصير وصية بالإيصاء .
وفي رأي للشافعية ــ خلاف الأصح ــ وهو قول ذكره القاضي والشيخ تقي الدين ابن تيمية من الحنابلة تكون لها الولاية بعد الأب والجد ، لأنها أكثر شفقة على الابن . اهـ
لكن إذا جعل لها الوصاية من له الحق وهو الأب، فإن فقد فالجد فإن فقد فالسلطان، كان لها الولاية إذ لا يشترط في الوصي أن يكون ذكرا، قال العلامة الشربيني في مغني المحتاج : (ولا تشترط الذكورة ) بالإجماع كما حكاه ابن المنذر، وقد أوصى سيدنا عمر رضي الله عنه إلى ابنته حفصة رضي الله عنها ، رواه أبو داود (وأم الأطفال أولى من غيرها )من النساء عند اجتماع الشروط السابقة لوفور شفقتها . اهـ
والإخوة لا يستحقون الوصاية على أخيهم ، وعليه فالحكم من القاضي بتعيين الأخت وصية على أخيها صحيح وليس لإخوتها نقضه إلا إذا كانت هي غير مؤهلة لرعاية الصبي، وانظري الفتوى رقم : 30186
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
السكن في بيت مملوك لليتيم
تاريخ الفتوى : ... 20 ربيع الثاني 1426 / 29-05-2005
السؤال
تزوجت من أرملة وعندها طفل عمره سنتين وترك أبوه شقة باسم الولد هل يجوز لي العيش فيها حتى وهو معي وأمه وان أبيع شقتي لتوسيع عملي وعند زواجه أجدد له الشقة بالكامل كما كانت وأحسن ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تسكن في هذه الشقة المملوكة لهذا اليتيم إلا بأجرة حتى وإن أذن لك وصيه بالسكنى، وذلك لأن الوصي مأمور شرعا بالتصرف بما هو الأصلح لليتيم، وليس من الأصلح تفويت أجرة هذه الشقة. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 9434 .(29/24)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الأحق بولاية البنت بعد موت أبيها
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1426 / 01-05-2005
السؤال
سؤالي هو: لي أخ متزوج وتوفاه الله، هل أنا مسؤول عن زوجة أخي بعد وفاته وله ابنة أرجو الرد علي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زوجة الأخ المتوفى عنها زوجها لها نصيبها من إرث زوجها، ولها السكنى في البيت الذي توفي عنها زوجها فيه حتى تنقضي عدتها، ولست مسؤولاً عنها، فالمسؤول عنها هو وليها من أب أو جد أو أخ.
أما بنت الأخ فالأحق بالولاية عليها بعد موت أبيها هو جدها إن وجد، فإن لم يوجد الجد فوصي أبيها أي من وصى به الأب قبل وفاته -فإن لم يكن وصي فالقاضي؛ لحديث: السلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، ونحيل على الفتوى رقم: 28545 لمزيد من التفصيل.
هذا في ولاية المال أي في من له حق الإشراف على شؤون القاصر المالية من بيع وشراء وإجارة ونحو ذلك. أما ولاية النفس وهي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية من صيانة وحفظ وتأديب وتعليم.... إلخ، فيقدم فيها الوصي ثم الجد ثم الأخ، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء فتكون للعم، وراجع الفتوى رقم: 37701.
وعليه؛ فلا ولاية لك على مال بنت أخيك إن كان لها مال -كما سبق- وأما ولاية النفس التي سبق بيانها فتكون للعم في حال عدم وجود الوصي والجد والأخ.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تصرف الوصي في أموال القاصرين مبني على المصلحة
تاريخ الفتوى : ... 16 رجب 1425 / 01-09-2004
السؤال
أملك محلا تجاريا أنا وشقيقي وكان لي شقيق قد توفي وله ملك من المحل في بعض الأحيان أقوم أنا أو شقيقي بتقديم الضيافة أو ما يلزم من حساب المحل وتحسب من مصاريف المحل علما بأن أولاد شقيقي المتوفى قصر ولا يعلمون بالأمر أرجو النصيحة.
وجزاكم الله خيراً .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الضيافة لا تخلو من حالتين :(29/25)
الحالة الأولى :
أن تكون في صالح المحل كأن تكون من باب الدعاية للمحل وذلك مثل أن تُضيِّف شخصيات معينة لو لم تُضيِّفها لما اشترت من المحل فلا حرج في ذلك حينئذ , ولكن لا بد من مراعاة كون الفائدة التي تعود على المحل تفوق ما يتم إنفاقه في الضيافة , وألا تكون هناك وسيلة أخرى بديلة أقل تكلفة للترويج والدعاية للمحل
والحالة الثانية :
أن تكون الضيافة في غير صالح المحل كأن يكون هؤلاء الضيوف هم ضيوفك أو ضيوف أخيك , فلا يجوز لكم أن تضيفوهم من أموال المحل حينئذ، ويدخل ذلك في أكل أموال اليتامى ظلما , إلا أن تحسبوا ذلك من نصيبكم دون نصيب القصر .
والخلاصة أن أموال القصر لا يجوز التصرف فيها إلا فيما هو من صالحهم لأن القاعدة في ذلك هي : (أن تصرف الوصي في أموال القاصرين مبني على المصلحة)
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولاية الأخ الأكبر على إخوته
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل للأخ الأكبر ولاية أو حقوق على إخوته في حال وجود والديه أو عدم وجودهما؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن قصدت بهذا الحق حق الأخ الأكبر على إخوانه في صلة رحمه وتوقيره ونحوهما من حق المسلم على أخيه المسلم، فذلك لازم له عليهم في كل وقت، سواء كان الأب حيا أو ميتا. أما إن قصدت بالحق الولاية ورعاية المصالح، فذلك يفرق فيه، فإن كان الأخ المذكور له أخت أوأخوات، فإن من حق هذا الأخ أن يتولى الولاية على أخواته في عقد النكاح، لكن بشرط موت الأب وعدم وجود الجد والابن. أما المال، فليس للأخ ولاية فيه على إخوته مطلقا، سواء في حياة الأب أو بعد موته، وإنما ذلك للأب أو وصيه، فإن مات من غير أن يوصي لأحد صارت الولاية للجد. قال في رد المحتار: ^الولاية في مال الصغير للأب، ثم وصيه، ثم وصيه ولو بعد، فلو مات الأب ولم يوص، فالولاية لأب الأب، ثم وصيه، فإن لم يكن، فللقاضي ومنصوبه.^^ اهـ. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... التصرف بمال اليتيم بما فيه مصلحته
تاريخ الفتوى : ... 17 رجب 1424 / 14-09-2003
السؤال
ماهو الحكم الشرعي في الحق في التصرف بمال اليتيم؟(29/26)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالواجب على من ولي مال يتيم أن يحافظ عليه، وأن يعمل بما فيه مصلحته، ويحرم عليه أن يأكل منه، إلا إذا كان محتاجا، فقد أباح الله لولي اليتيم المحتاج أن يأكل منه بالمعروف، فقال عز وجل: وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 6]. وقد بينا كثيرا من الضوابط والأحكام في شأن أموال الأيتام، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 32551، 3699، 6407، 6474، 8423. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الولي أباً أو غيره يتولى حفظ مال القُصَّر
تاريخ الفتوى : ... 05 رجب 1424 / 02-09-2003
السؤال
بالنسبة للفتوى رقم36473 الشرط الثالث: إذا كانت الأموال في صورة عينية كمنزل أو أرض وإذا كانت البنات قاصرات فكيف يتصرفن في إدارة هذه الأراضي أو المنازل وهن قاصرات والوالد موجود؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما دام أمر هؤلاء البنات على هذا الحال من صغر السن وعدم الرشد، فعلى الوالد وهو وليهن أن يحفظ لهن هذا المال، كما يحفظ لهن غيره مما هو من ملكهن، ولو أشهد على هذه الهبة، أو استكتب بذلك وثيقة من قبل المحكمة أو جهة معتبرة، لكان ذلك أولى وأقطع للنزاع في مستقبل الأزمان، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 9084. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... للإنسان التصرف في ملكه بالمعتاد وإن تضرر جاره
تاريخ الفتوى : ... 05 صفر 1424 / 08-04-2003
السؤال
رجل يريد أن يبني بيتاً في أرض له، ومنعه صاحب الأرض المجاورة لأرضه متذرعاً بأن ذلك يضر بأرضه ويؤثر على الزراعة فيها، ما حكم ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم -رحمهم الله تعالى- في الضرر الناتج عن تصرف الإنسان في ملكه الخاص بما يضر بجاره هل يعد ضرراً معتبراً فيمنع منه أم لا؟
وبعد البحث والنظر في آرائهم في المسألة رأينا أن الراجح من خلافاتهم هو قول من قال إن الإنسان له حق التصرف في ملكه بما لا يعد خارجاً عن العادة وإن تضرر جاره أو أدى ذلك إلى إتلاف ماله،(29/27)
فعليه ليس لأحد أن يمنع جاره من بناء معتاد في أرضه بحجة أن ذلك يؤثر على الزراعة في أرضه هو، وذلك لأمرين:
أولهما: أن الأصل جواز تصرف الإنسان في ملكه بما أذن الشارع فيه في الأصل فلا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل ظاهر،
الأمر الثاني: أن منع الإنسان من التصرف في ملكه بما يحتاج إليه لا ضرر أعظم منه، ومن القواعد المعروفة أن الضرر لا يزال بالضرر،
هذا بالإضافة إلى أن الإمام الشاطبي عليه رحمة الله عند كلامه على الضرر وتقسيمه له إلى أقسام عديدة قال ما مضمونه: أنه إذ لزم من استعمال الإنسان لحقه إضرار خاص بالغير دون قصد لهذا الضرر وكان صاحب الحق يلحقه ضرر بمنعه من حقه لأنه محتاج إليه كالدافع عن نفسه مظلمة يعلم أنها تقع على غيره فلا أثر لهذا الإضرار ولا يسوغ منع صاحب الحق من حقه، انتهى بمعناه من الموافقات للشاطبي ج2/ص348 فما بعدها،
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من يتولى أموال القاصرين والعاجزين
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1423 / 10-02-2003
السؤال
من هو الولي الشرعي على أموال القاصر والعاجز ؟ وجزاكم الله خيراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحق بالولاية على الصغير ومن في حكمه كالمجنون هو الأب لكمال شفقته على ولده وهذا باتفاق الفقهاء، وقد تنتزع ولاية الوالد على ولده في حالات يرجع إليها في كتب الفقهاء رحمهم الله تعالى.
ثم إن لم يكن أب فأبوه - أي الجد - وإن علا، فإن لم يكن فوصي - أي من وصى به الأب قبل وفاته - فإن لم يكن فقاضٍ لحديث: السلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.
والمراد بالقاضي قاضي بلد الصبي، فإن كان ببلد وماله بآخر فولي ماله قاضي بلد المال، ويلحق بالقاضي هنا الإدارات والهيئات التي تقيمها الدولة لرعاية شؤون القاصرين، وإذا لم يوجد قاضٍ فالولاية لأهل الصلاح من المسلمين.
ولا ولاية للأم والأقارب بلا وصاية.. لكن للعصبة الإنفاق من مال الصبي في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية؛ لأنه قليل فسُومح به قاله في المجموع ومثله المجنون ومن بلغ سفيهًا انظر حاشية البجيرمي 2/442 بتصرف.
وهذا مجمل مذهب الشافعية رضي الله عنهم ومن وافقهم، ومذهب الحنابلة والمالكية ما تقدم إلا أنهم ألحقوا الجد بالأم وسائر الأقارب، ففي كشاف القناع 3/448: إن الولاية تثبت بعد الأب لوصيه ولو كان بجعل وثَمّ متبرع بالولاية؛ لأنه نائب الأب أشبه وكيله في الحياة.(29/28)
إلى أن قال: والجد لا ولاية له؛ لأنه لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فهو كالأخ والأم. وسائر العصبات لا ولاية لهم؛ لأن المال محل الخيانة ومن عدا المذكورين أولاً قاصر عنهم غير مأمون على المال. انتهى
وعند الحنابلة: إذا لم يوجد حاكم بالصفات المقيدة فأمينٌ يقوم به أي باليتيم. سأل الأثرم الإمام أحمد رحمه الله عن رجل مات وله ورثة صغار كيف يصنع ؟ فقال: إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة تدفع إليها. انظر كشاف القناع في الموضع المتقدم.
وأما العاجز - المسؤول عنه - فإن كان العجز جنونًا أو سفهًا فالحكم كما تقدم. وأما إن كان عجزًا لم يُمنع معه العقل فهو راشد يتحكم في ماله كيف شاء إذا كان بالغًا عاقلاً، وإن كان صغيرًا فالأمر كما سبق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... من خلط مال الأيتام الذين في حجره بماله وصرف منه عليهم وعلى أولاده
تاريخ الفتوى : ... 29 رمضان 1421 / 26-12-2000
السؤال
توفي أخي وأخر ابنتين وأمهم، تزوجت أمهم وتركت البنتين عندي من عشرين سنة، ربيتهم وعلمتهم وزوجتهم والحمد لله سؤالي هو: كان يصرف لهم راتب تقاعدي، وكنت آخذه وأسجله في مذكرتي وأصرفه مع مرتبي في مصاريف البيت عليهم وعلى أولادي وكذلك في دفع الإيجار ونفقات تعليمهم ونقلهم جميعا لم أحسب مصاريفهم وحدهم، هل هذا الراتب يبقى ديناً علي أرشدونا والله يرعاكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب صرف هذا الراتب فيما تحتاجه البنتان من مأكل وملبس وسكن ومصاريف دراسة وغير ذلك، ويجوز للقائم عليهما أن يأكل من هذا المال بالمعروف إن كان فقيراً.
قال تعالى: (ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) [النساء: 6].
وإذا كنت قد قمت بهذا فلا شيء عليك، ولا يلزمك سداد شيء مقابل هذا الراتب.
أما إن كنت قد توسعت في الأخذ من مالهما للإنفاق على نفسك وأولادك لغير حاجة، فالواجب عليك التوبة إلى الله من ذلك، وأن ترد إليهما ما أخذته من مالهما بغير حق، وإن عجزت عن ضبطه فأخرج ما يغلب على الظن أنك تبرأ به.
قال تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً) [النساء: 10]. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(29/29)
سؤال عن حضانة الأطفال
سؤال:
أعلم أن الزوجين إذا تطلقا فإن المرأة لها الحق الأكبر في حضانة الأطفال الغير بالغين، ولكنها إذا تزوجت فإن حق الزوج يكون أكبر . سؤالي أن الأب إذا لم يؤد حق النفقة على أولاده فهل لا يزال له الحق بأن يأخذ الأولاد من أمهم ؟ أنا أتحدث عن رجل يقول بأنه قادر على النفقة ، تزوج امرأة أخرى وله منها ولد وهو ينفق على هذا الولد ولكنه لا ينفق على ولديه من زوجته الأولى . يقول لزوجته الأولى بأنها لو تزوجت مرة أخرى فإنه سيأخذ منها الأولاد ، هل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من المجمع عليه بين العلماء أن المرأة أحق بحضانة الطفل ما لم يبلغ سن التمييز، حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر بحاجة إلى الحنان ونوع من الرعاية لا يقدر عليها إلا النساء ، ولكن هذا الحق يسقط إذا تزوجت ، لأنها تنشغل بزوجها عن القيام بخدمة ولدها ، ولتعارض المصالح مصلحة المحضون ومصلحة الزوج، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على سقوط حق ا لأم في الحضانة بالزواج.
ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (1/296) ، "المغني" (8/194) .
ويدل على هذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) رواه أحمد (6707) وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/250) .
ثانياً:
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء ، سواء أمسك زوجته أو طلقها ، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية ، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب .
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد ، فإن نفقة الأولاد على أبيهم ، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل .
والنفقة على الأولاد ، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم .... وكل ما يحتاجون إليه ، وتقدر بالمعروف ، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وهذا يختلف من بلد لآخر ، ومن شخص لآخر .
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه ، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً ، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال ، قليلاً كان أو كثيراً ، فالأمر لهما ، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي .
ويجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء .(29/30)
قال ابن قدامة رحمه الله : " رضاع الولد على الأب وحده ، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف .
وقال أيضاً : " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به ، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347).
ثالثاً :
باعتبار أن الحضانة - كما عرفها جمعٌ من العلماء - " القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه" "روضة الطالبين " (9/98) ، وأن المقصود بها رعاية الصغير والقيام بشؤونه فالمراعى في الحضانة هو مصلحة المحضون ، لذا فإن الأب إذا امتنع عن القيام بهذا الواجب- ومنه النفقة - تجاه طفله فهو آثم بذلك ، ويسقط حقه في الحضانة، قال في الروض المربع " ولا يقر محضون بيد من لا يَصونه ويصلحه لفوات المقصود من الحضانة ". " الروض المربع " (3/251) .
وقال ابن قدامة المقدسي: " والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه" . " المغني" (8/190) ، وقال ابن القيم: " على أنا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل، ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأم في موضع حرزٍ وتحصين، أو كانَتْ غيرَ مرضية، فللأب أخذُ البنت منها، وكذلك الإِمامُ أحمد رحمه اللّه في الرواية المشهورة عنه، فإنه يعتبر قدرتَه على الحفظ والصيانة. فإن كان مهملاً لذلك ، أو عاجزاً عنه، أو غيرَ مرضي، أو ذا دِياثة والأم بخلافه، فهي أحقُّ بالبنتِ بلا ريب ، قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه اللّه عليه، فهو عاصٍ، ولا وِلاية له عليه، بل كُلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته ، فلا ولاية له ، بل إما أن تُرفع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه مَنْ يقومُ معه بالواجب ، إذ المقصودُ طاعةُ الله ورسوله بحسب الإِمكان..... فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة للأم قطعاً ". "زاد المعاد" (5/424) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " فأما إذا أهمل أحدها ما يجب عليه من حضانة ولده وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر". " الفتاوى السعدية " (ص 535) .
فعلى هذا ، إذا امتنع الأب من النفقة على أولاده سقط حقه في حضانتهم ، حتى ولو كان امتناعه من أجل الإضرار بالأم ، فهذا يدل على أنه غير مؤتمن على مصالح أولاده ، وللأم مطالبته عند القاضي بالنفقة على أولاده .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب(29/31)
ـــــــــــــــــــ
والدها يرفض زواجها من هذا الشخص وهي تحبه
سؤال:
أنا واقعة في مصيبة ، وأرجوا أن تقفوا بجانبي : تقدم لخطبتي شخص ذو خلق ودين ، وحالته المادية جيدة ، وبصراحة : أنا أحبه !! لكن والدي رافض لأسباب غير مقنعة ، يقول إنه لا يحب أهل البلد التي منها هذا الشاب !! وقد استخرت الله تعالى ، ولا أعرف ماذا أفعل ، أفيدوني أفادكم الله ؟
الجواب:
الحمد لله
لا بأس عليك أيتها السائلة الكريمة ، فكل مصيبة تهون إلا مصيبة الدين ؛ فاللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا !!
إن المسلم يعلم أن دار الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، وأنه متى تلقى المصائب والمحن بقبول حسن ؛ من الصبر الجميل ، والرضا بقضاء الله وقدره ؛ فإنها تصير في حقه هبات وعطايا من رب العالمين ؛ تُرفع بها الدرجات ، وتُكَفَّر بها الخطيئات :
روى الإمام أحمد (21833) وأبو داود (3090) عن أبي خالد السُّلَمي رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ زَائِرًا لِرَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِهِ ، فَبَلَغَهُ شَكَاتُهُ [ يعني : بلغه أنه مريض ] . قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَتَيْتُكَ زَائِرًا ، عَائِدًا وَمُبَشِّرًا !!
قَالَ : كَيْفَ جَمَعْتَ هَذَا كُلَّهُ ؟!!
قَالَ : خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ زِيَارَتَكَ ، فَبَلَغَتْنِي شَكَاتُكَ ، فَكَانَتْ عِيَادَةً ، وَأُبَشِّرُكَ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ، ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ ) صححه الألباني بشواهده في الصحيحة (2599) .
واعلمي أيتها الأخت المسلمة أن الله تعالى لما شرع لعباده ألا تزوج المرأة نفسها ، واشترط أن يكون وليها هو الذي يتولى تزويجها ، إنما شرع ذلك رحمة منه بعباده ، وحفاظا على مصالحهم العظيمة التي تضيع هدرا حينما يتهاون الناس في ذلك ؛ واسألي عن قصص الزيجات التي بنيت على ذلك ، وكيف تحولت عيشتهم إلى هم وندم ، هذا إن دامت بينهم عشرة .
على أننا لا نحتاج إلى التجربة لكي نطيع أمر ربنا عز وجل ، أو نعرف ما فيه من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية لنا ، فوظيفة المؤمن أمام أمر الله تعالى أن يقول : سمعنا وأطعنا!!
[ يمكن مراجعة السؤال (2127) (31119) حول اشتراط الولي في النكاح ] .
فالذي ننصحك به ـ أختنا الكريمة ـ ألا تستبدي بأمرك ، ولا تجعلي العاطفة هي مقياس الحكم على الأمور ، ولا تنظري إلى مشكلتك بعين واحدة ، بل استعيني بالناصح الأمين من أهلك والأقربين منك ، ممن يعرفكم ويعرفه ، ومن له ود عند أبيك ، وقبول في نفسه ، ويثق والدك في رأيه .(29/32)
ثم استخيري الله عز وجل ، واعلمي أنك متى استخرت ربك ، وأنت صادقة في اللجوء إليه ، والافتقار إلى عونه وتوفيقه ، فإن الله تعالى لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير ، وسواء كان ما قضاه موافقا لما تحبين وتطلبين أو مخالفا ؛ فإن أمر المؤمن كله خير ، فارضي حينئذ بما قدره الله ، وجعله من نصيبك .
ولك هنا أن تستعيني بمن يمكنه إقناع والدك بأن يزوجك ممن ترغبين ، إذا كان الحال على ما ذكرت من الدين والخلق .
ولكي تستفيدي من ذلك ، لا بد من ترك الفرصة للوالد في التفكير ، ولا تحاولي أن تحسمي الأمر معه مبكرا ، بمعنى أنني لا أنصحك بإبداء الإصرار الكبير من البداية على الزواج من هذا المتقدم ، ولا تحاولي أن تدخلي في جدال أو مشادة مع الوالد ، فيؤدي ذلك إلى تعنته وتشدده ، بل حاوريه بالحسنى فقط ، واستخدمي ألفاظ التفويض والولاية ، كأن تقولي له : أنت والدي وولي أمري وتعرف مصلحتي فأرجو أن تعيد التفكير وتقلبه ، ونحو ذلك من الأساليب التي تترك مجالا للحوار ، ولا تتعجلي الجواب من الوالد ، فكلما طال الأمر والانتظار اقترب الفرج إن شاء الله .
ثم قبل ذلك كله وبعده ، أرى أن معك حلا صائبا إن شاء الله ، هو بلا شك أنفع من كل ما سبق ، ولا أراه يخيب أبدا ، وهو الإلحاح على الله في الدعاء ، لا أقول الدعاء فقط ، بل الإلحاح والتذلل والانطراح على أبواب رحمة الله ، وسؤاله الخير والفرج والسعادة ، وإذا رأى الله منك صدق الدعاء ، أعطاك بإذنه سبحانه ما تحبين ، كيف لا وهو الجواد الكريم .
ولا نحب لك - أختنا الكريمة - وأنت في غمرة الشعور باللوم للوالد ، والنظر إليه على أنه متعنت في منعك من هذا الزواج ، واستعمال ولايته عليك ، لا نحب لك أن تنسي أن علاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه ، لا بد أنها لم تصل إلى تلك الدرجة من التعلق القلبي بينهما إلا بقدر كبير من التفريط في مراعاة حدود الله ، وحفظها وعدم تعديها ؛ من كلام ، ووعد ، ونظر ...
فعليك أختنا بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ، وإياك ومصيبة الدين ، فتلك هي المصيبة حقا ، وأما أن زوجا يذهب أو يجيء ، ومال يكتسب أو يضيع ... ، فكل ذلك يهون أمام المصاب في الدين :
من كل شيءٍ إذا ضيعته عوضٌ وليس في الله إن ضيعته عوضُ
فإذا كان قد صدر شيء من ذلك منكما فسارعا إلى التوبة منه ، فقد يكون الله تعالى قد أخر عنك قبول والدك حتى يرى صدقكما في الالتزام بأمره سبحانه ، ألم يقل الله تعالى في محكم كتابه : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3
والله أعلم .
ويمكنك مراجعة بعض النصائح والأحكام المتعلقة بمشكلتك في موقعنا في الإجابات التالية :
(6398) (10196) (23420) (36209)(29/33)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تعطي زوجها توكيلاً بأموالها وهو لا يحسن التصرف في الأموال؟
سؤال:
سؤالي عن أبي الذي كان يملك مالاً وفيراً ، وكنا نعيش حياة طبيعية ، أما الآن فلا يملك سوى الشقتين اللتين سجلهما باسم أمي ، وهو الآن أصبح عديم المسؤولية - للأسف - ومازال يحلم أو يعتقد أنه يمتلك المال ولا يفكر بالعمل أبداً ، وعمره 55 سنة ، وللأسف رغم اعتراضي لأمي لقد أعطته وكالة بالشقتين رغم أنها تعلم من هو أبي ، وعندما أقول لها لمَ فعلتِ ذلك ؟ تقول : " مالُه وهو حر به ، فماذا أفعل ؟ هل أقف في وجهه بعد أن وقف العالم كله من أهله والناس ضده وتركوه لأنه خسر الأموال ؟ فماذا يقول عني ؟ " معها حق ، لقد كان طيباً ولا يبخل عليها بشيء ولكن تقول " إن لم أفعل يطلقني ، كيف أقف في وجهه وهو من النوع العصبي ، صعب التفاهم معه " ما رأيكم هل أمي على صواب بهذا ؟ وهل عليها العمل وعدم الاعتماد عليه - رغم أنها لا تريد ، وتقول إنه سوف يعتمد عليها - ؟ والآن لقد باع إحداهما ويصرف المال يميناً وشمالاً على الناس وينسى أن له تسعة أبناء ، رغم أنها تذكره بنا لأنه يعيش ببلد ونعيش ببلد ، يتذكر للحظة ثم ينسى الهموم ويعود للأحلام ، بماذا تنصحون قبل أن يبيع الأخرى ونندم ؟ وهي وأبي الآن في شجارات قوية لتصرفاته اللامبالية ، وربما يؤدي للطلاق ، وأريد أن أعرف هل أبي مريض نفسيّاً أم ما حكايته ؟ وما العمل معه ؟ أنا محتارة ، ساعدوني ، فالأسرة تتدمر .
الجواب:
الحمد لله
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وصرفه في غير الوجه النافع .
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله كره لكم ثلاثاً : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال ) رواه البخاري ( 1407 ) ومسلم ( 593 ) .
وسوء التصرف في المال يعتبره أهل العلم فساداً , كما ترجم الإمام البخاري بابا في ذلك فقال : " باب ما يُنهى عن إضاعة المال , وقول الله تبارك وتعالى : ( والله لا يحب الفساد ) .
" فتح الباري " ( 5 / 68 ) .
وقد يكون الإنسان عاقلاً , ولكنه لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه وينفقه في غير منفعة , وهذا يسميه العلماء ( سفيهاً ) فلا يجوز إعطاؤه المال , بل يمنع من التصرف فيه , لقوله تعالى : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ) النساء/5 .
قال القرطبي رحمه الله :
" ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه ؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) وقال : ( فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً ) ،(29/34)
فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف ، وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير , ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ " انتهى .
" تفسير القرطبي " ( 5 / 30 ) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" قوله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ........ ) الآية ، قال الطبري - بعد أن حكى أقوال المفسرين في المراد بالسفهاء - : " الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه صغيراً كان أو كبيرا , ذكراً كان أو أنثى ، والسفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره " انتهى .
وقال - أيضاً - :
" والحَجر في الشرع : المنع من التصرف في المال ، فتارة يقع لمصلحة المحجور عليه ( الإنسان ) ، وتارة المحجور ( المال ) ، والجمهور على جواز الحجر على الكبير "انتهى .
" فتح الباري " ( 5 / 68 ) .
فإذا كان والدك لا يحسن التصرف في المال , بل يضيعه في غير منفعة فيجب الحجر عليه , ولا يجوز تمكينه من المال , وعلى أمك أن تلغي الوكالة التي أعطته إياها , حفاظاً على أموالكم من الضياع , وأنتم محتاجون إليها .
وعليكم بنصيحته وإعادته إلى رشده بالتذكرة والكلمة الطيبة والوعظ الذي يجعله يندم على ما فرط فيه من مال ، ويحافظ على ما بقي لديه منه .
وتذكيره بالأحاديث التي تزجره عن إضاعة المال , وتذكيره بأن الله حمَّله أمانة رعايتكم ، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ) رواه أبو داود ( 1692 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1965 ) .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي رحمه الله :
" قال الخطابي : يريد من يلزمه قوته ، والمعنى : كأنه قال للمتصدق : لا يتصدق بما لا فضل فيه عن قوت أهله يطلب به الأجر , فينقلب ذلك الأجر إثما إذا أنت ضيعتهم " انتهى .
" عون المعبود " ( 5 / 76 ) .
فإذا كان هذا في حق المتصدق فكيف بغيره ممن يضيع المال في غير منفعة .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
إذا عضلها الأولياء وعلمت أن القاضي لا يحكم في قضايا العضل
سؤال:
أنا فتاه أشرفت على بلوغ ال 25 عاما وبضاعتي في الجمال قليلة ، لم يتقدم لي إلى الآن أحد ممن أرجو خلقه ودينه ويكون كفئاً لي . تقدم لي شاب يبلغ من العمر 28 عاما على خلق ودين ، كفؤ لي من حيث المستوى العلمي والاجتماعي ، ولكن أهلي رفضوه لا لعيب فيه ، ولكن لأنه ليس من جنسيتي .(29/35)
أهلي يعضلوني وأنا أريد هذا الإنسان ، وتعلقت به ، فأرى فيه من يحفظني ويحفظ لي ديني في هذا الزمن المليء بالفتن .
وهنا في بلدي قضايا العضل لا تقبل ، وإن قبلها القاضي فإنه لا يحكم للفتاة ، لتجنب المشاكل ، وهذا عن علم ممن يعمل في القضاء .
لا يعلم بأمر هذا الخاطب إلا أمي وأختي ، واثنان من إخوتي الرجال الأربع ، أحدهما ضربني وأهانني بسبب طلبي هذا الأمر ، ويجبروني على أن أبدو أمام الناس طبيعية وإلا ضربت وأهنت مرة أخرى ، يطلبون مني ما لا أقوى عليه ، فأنا في كرب وهم وحزن شديد ، أبي متوفى ولي عم واحد واثنان من أبناء عمي وهم بنفس تفكير أهلي العاضلين لي وأشد ، ولا يعلمون بأمر هذا الخاطب وأستطيع أن أؤكد أنهم سوف يعضلوني إن علموا بالأمر ، ووصولي لهم وإبلاغهم صعب للغاية ، خاصة أبناء عمي ، فأنا ليس لي أي علاقة بهم ، ولا أعرف كيفية الوصول إليهم في ظل تحجر إخوتي معي ، وظلمهم الشديد لي ، والأذى الذي يقع علي منهم ، فهل عضل إخوتي لي وعلمي المسبق بعضل عمي وأبناء عمي مع الضرر الأكبر الذي قد يقع علي إن علموا يسقط ولايتهم علي أجمعين ، فأختار أنا ولياً صالحاً لي يزوجني مع عدم قدرتي على اللجوء للقضاء ، لأنه لا يطبق شرع الله ، وهل إن فعلت ذلك أكون عاقة لأهلي وأمي التي تعارض الزواج لنفس السبب ، مع العلم أنها من نفس جنسية هذا الخاطب !.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يصح النكاح إلا بولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل . . . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
ثانيا :
إذا منع الولي موليته من الزواج بكفء رضيتْ به ، فقد عضلها . وبعض أهل العلم يشترط لثبوت العضل أن يتكرر المنع ، فإذا تكرر منعها من الكفء ، فهو عاضل ، تنتقل الولاية لمن بعده من العصبة ، ثم إلى القاضي .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/383) : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتُك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل(29/36)
الله تعالى هذه الآية : ( فلا تعضلوهن ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
ثالثا :(29/37)
الذي يظهر من سؤالك أن إخوانك لم يمنعوك من كفء آخر ، وعليه فلا تتعجلي الأمر ، فقد يسوق الله إليك من ترضين دينه وخلقه ، ويرضى به إخوانك .
على أنه قد يكون إخوانك معذورين لرفضهم هذا الخاطب ، لأنه من غير جنسيتك ، وقد ثبت في الواقع حصول كثير من المشكلات بسبب مثل هذا الزواج .
فإذا تكرر منعهم من تزويجك ممن يكافئك ، كان لك الحق في الذهاب إلى القضاء ، فإن كان القاضي جباناً ، فلم يزوجك خوفاً من أوليائك ، فما بقي أمامك إلا أن تأخذي بقول الإمام أبي حنيفة رحمه الله : وتزوجي نفسك ، ويكون هذا موضع ضرورة .
والأولى لك أن تولي أمرك لرجل صالح من المسلمين يعقد لك النكاح .
هذا هو الحكم في مثل هذه الحالة .
إلا أننا لا نشير عليك أن تتزوجي بدون رضا أهلك ، لأن من تختار ذلك – في الغالب – قد خسرت أهلها إلى الأبد ، وعلى هذا ، فقبل الاختيار ، لا بد من المقارنة بين أمرين :
إما أن تتزوج بهذه الطريقة وتخسر أهلها ، وإما أن تصبر وتنتظر لعلها يأتيها من يرضاه أهلها ، ويكون مرضياً عندها أيضاً .
والمقارنة بين هذين الأمرين تختلف باختلاف الأحوال ، فقد يكون الخيار الأول مقبولاً عند من كبر سنها ، وتضاءلت أمامها فرص الزواج ، ويكون الخيار الثاني مقبولاً ، عند من دونها في السن ، وترجو إن هي انتظرت سنة أو سنتين أن يوفقها الله لزوج صالح ، ويزيل شكايتها .
وأخيرا . . الأمر كله بيد الله تعالى ، فعليك بالالتجاء إليه ، ودعاؤه أن يهدي أهلك ، ويرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة التي تقر بها عينك .
ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك ، ويفرج كربك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أبوها يرفض تزويجها بحجة إتمام الدراسة فهل تسقط ولايته
سؤال:
أنا فتاة عمري 17 سنة , أسلمت منذ سنة , أبي مسلم وأمي مسيحية . أبي لا يدعني أرتدي النقاب ويمنعني من الزواج بدعوى إتمام دراستي العليا لدرجة أني مرة فررت من المنزل , ولم أرجع إلا بتعهد أبي أمام إمام المسجد وبحضور شاهدين , أني أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي إلا أن أبي لم يف بعهده وهو يمنعني حتى الآن من الزواج . وأحيطكم علما أنه يصلي تارة و يدعها أخرى ، ويشرب أحينا الخمر.
الآن سؤالي : هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج وهناك من يخطبني ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :(29/38)
نهنئك ونبارك لك إسلامك ، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى .
ثانيا :
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب ، واجب في أصح قولي العلماء ، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (11774) .
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من ارتداء النقاب .
ثالثا :
إذا كان الأب متهاونا في الصلاة ويشرب الخمر أحيانا ، فهو فاسق ، وولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء ، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح ، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق ، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق . وينظر : "نهاية المحتاج" (6/238) ، "الإنصاف" (8/73) ، "حاشة ابن عابدين" (3/55) ، "حاشية الدسوقي" (2/230) ، "منح الجليل" (3/289) .
وعلى القول بعدم ولايته ، فإن الولاية تنتقل لمن بعده من العصبات . وأحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد ، ثم ابنها ، ثم الأخ الشقيق ، ثم الأخ لأب ، ثم أبناؤهم ، ثم الأعمام ، ثم أبناؤهم ، ثم عمومة الأب ، ثم السلطان (القاضي) .
انظر "المغني" (7/346).
رابعا :
من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه ، كان عاضلا لها ، تنتقل الولاية منه إلى من بعده .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه . قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( فلا تَعْضُلُوهُنَّ ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة ، ولم يقدح فيه الولي بما يُبعده عن أمثالها ويُثْبت ما يدعيه ، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها ، فإن امتنع عن ذلك نُبّه إلى وجوب مراعاة جانب موليته ، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله (10/97).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه ، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة ، الأَوْلى فالأولى ،(29/39)
فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته ، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير .
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أَكْفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج ، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوّجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها .
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه .
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون .
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً : " وليت أنَّا نصل إلى درجةٍ تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها : زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك ؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها ( أن تشكوه للقاضي ) وهذا حقٌ شرعي . فليتنا نصل إلى هذه الدرجة ، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك " انتهى نقلا عن "اللقاء الشهري" وينظر جواب السؤال رقم (10196) .
فإذا امتنع أبوك من تزويجك من الكفؤ الذي ترضينه ، فإنه يكون بذلك عاضلا ، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات حسب الترتيب الذي ذكرنا ، فإن امتنعوا من تزويجك أو لم يوجدوا ، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي ، وينوب عنه المركز الإسلامي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي .(29/40)
ولا يجوز بحالٍ أن تتزوجي من دون ولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
نسال الله لك الثبات والتوفيق ، ولوالدك الهداية والمغفرة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تعرَّف على فتاة في الانترنت ويرغب بالزواج منها وأبوها رافض
سؤال:
أنا شاب مسلم عربي ، تعرفت على فتاة مسلمة من أصل عربي تقيم في الخارج ، وذلك عن طريق الإنترنت ، وكانت ولا تزال علاقة في حدود شرع الله ؛ لأنني والحمد لله أخاف الله كثيراً ، ولقد أحببتها وأحبتني لكونها مسلمة ملتزمة ، وتخاف الله أيضاً ، فكان حبنا في الله إن شاء الله .
ولقد عرضتُ عليها الزواج ، فقبلت ووافقت ، فحمدت الله أن استجاب لدعائي بأن رزقني بزوجة صالحة تقية ، خصوصا أنني عازم على الزواج والاستقرار منذ عدة سنوات وقد أخبرتْ هي أمها الأجنبية ، ووافقت بشكل مبدئي ، حيث كان أبوها مختفياً عنهم لمدة ، وأخيراً رجع أبوها ، وفرحت بالأمر ، إلا انه جاء ليقول لابنته أن تستعد للزواج من رجل من بلد أبيها ، دون أن يأخذ رأي ابنته في العريس ، وهي خائفة منه ، لأنه يتعامل معها بالضرب أحيانا ، وهي تقول عنه أحياناً إنه مجنون هدانا الله وهداه .
وقالت لي بأنها لا تريد هذا العريس وأنها تريد الزواج مني ، وأنا قلت لها نفس الشيء ، فقالت لي : ما رأيك لو نتزوج في السر ، ثم نضع أباها في الواقع علماً بأنها فوق 18 عاما ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اعلم أيها الأخ الكريم ، سترنا الله وإياكما أن الله يراكما ويطلع عليكما : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) غافر/19 ، واعلم أيضاً أنكما فعلتما ما لا يحل لكما شرعاً ، وهو المراسلة والحديث بينكما ، وقد رأيتَ كيف تطورت العلاقات بينكما إلى أن أزلكما الشيطان وزيَّن لكما علاقتكما أنها " حب في الله "
ثانياً :
نعلم أن الحب أمر قلبي ، وأن الإنسان لا يلام على ما لا يملكه ، لكنه يلام كل اللوم على الأسباب التي أدت به إلى الوقوع في هذه العلاقة : من نظرة محرمة ، أو كلمة في السر خائنة ، عبر الهاتف أو الإنترنت ، أو غير ذلك من خطوات الشيطان التي(29/41)
يريد من العباد أن يتبعوها ، ليقع بهم في الفحشاء والمنكر ، كما قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21 ، ثم يلام أيضاً على الاسترسال في هذه الخطوات والتمادي في أمر أوله محرم ونهايته نكاح باطل .
أما وقد بلغتما هذا المبلغ ، وانتهت العلاقة بينكما إلى ما ذكرت ، فالأمر الآن عند الفتاة وأهلها ، فإذا استطاعت المرأة إقناع والدها بعدم تزويجها ممن تكره ، واستطاعت هي وأمها إقناعه بالزواج منك ، وكانت – كما ذكرت - أهلاً للزواج ، فلتسلك الطريق الشرعية بطلبها من والدها ، أو من يوكله للتزوج منها ، فإن رأيتما الطريق مغلقة عليكما فلا يحل لكما الاستمرار في هذه العلاقة ، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ، فقد يكون الخير لها الزواج من غيرك ، وقد يكون الخير لك الزواج من غيرها ، ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) البقرة/216
ولو قدّر أن هذه الفتاة صادقة فيما اتهمت به أباها من الجنون ، ولا نظنها كذلك (؟!) ونعني به الجنون الذي يسقط به حقه في الولاية الشرعية عليها ولا يجعله أهلاً لتولي شؤون موليته ، أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء ، وليس له عذر شرعي : انتقلت الولاية إلى الوليِّ الذي يليه ، فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً ، وتفاصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم (7193)
وأما التفكير في إتمام النكاح سراً ، بغير إذن وليها ، فتلك مصيبات بعضها فوق بعض ، عصمنا الله وإياكم من أسباب غضبه وعذابه .
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) رواه أبو داود (2083) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، فكيف تفكران في هذا الباطل الذي لا يرضاه الله ورسوله ، ثم تزعمان أن حبكما في الله ؟
ألم تعلما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بإعلان النكاح ، فقال : " ( أعلنوا النكاح ) رواه أحمد من حديث عبد الله بن الزبير وقال الألباني حسن .
وجعل هذا الإعلان علامة تميز النكاح الحلال من السِّفاح الحرام فقال : فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ ) رواه الترمذي (1088) وحسنه الألباني في صحيح أبي الترمذي .
قال الإمام الباجي رحمه الله في شرح الموطا : " لا خلاف أن الاستسرار بالنكاح ممنوع ، لمشابهة الزنا الذي يُتواطأ عليه سراً . .. , ولذلك شُرِع فيه ضرب من اللهو والوليمة ، لما في ذلك من الإعلان فيه "
وقال أيضاً : " وكل نكاح استكتمه شهوده ، فهو من نكاح السر ، وإن كثر الشهود "
فانظر يا عبد الله على أي شيء تعزمان ، أعلى النكاح الحلال ، كما شرع الله ورسوله ، أم هو الهوى والسفاح ، وخطوات الشيطان ؟؟
واحذرا قبل أن تزل بكما الأقدام ، وتبنيا حياتكما على شفا جرف هار ، أعاذنا الله وإياكما من نار جهنم .(29/42)
وأما أن أبا الفتاة يريد أن يزوجها رغماً عنها ، فمع أنه لا يحق للأب ، ولا لغيره من الأولياء من باب أولى ، أن يجبر ابنته على الزواج ممن تكرهه ، كما بينا ذلك في السؤال رقم (26852) ، (7193) ، (22760) ، إلا أن هذا الأمر ليس لك منه شيء ، ولست مسؤولاً عنه ، فدعها وأولياءها فيه ، ولعلها إن لم يقدر بينكما زواج ؛ وانسحبت أنت من حياتها ، كما هو الواجب عليك حينئذ لعلها أن ترى في هذا الخاطب أو غيره من يصلح لها ، والله يغنينا وإياكما من فضله .
والله الموفق .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
السبب في تفضيل الزوج وجعل القوامة بيده
سؤال:
أنا فتاة مسلمة والحمد لله وقرأت كثيرا وسمعت من العلماء عن حق الزوج على زوجته وكم هو عظيم سمعت أحاديث تشدد من عصيان المرأة لزوجها وإني لأمتثل لأمر الله ورسوله إذا تزوجت بإذن الله تعالى ولكن لدى استفسار إن جاز لي السؤال حيث هو استفسار يدور برأس الكثيرات ويخجلن من ذكره خوفا من اتهامهن بالجهل أو إنكار أمر الله ورسوله وهو ما هو فضل الزوج حتى يستحق كل هذا الحق علينا معشر النساء حتى إنه يفوق حق ؟.
الجواب:
الحمد لله
عظم حق الزوج على زوجته أمر قررته الشريعة ، كما في قوله سبحانه : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228
وقوله : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34
وقوله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه " رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ومعنى القتب : رحل صغير يوضع على البعير .
إلى غير ذلك من النصوص .
والحكمة بينها الله تعالى بقوله : ( بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) فهذا تفضيل قضاه الله عز وجل وحكم به ، لا يسأل سبحانه عما يفعل وهم يسألون ، ثم لما يقوم به الرجل من الإنفاق على أهله والسعي في طلب رزقهم .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/363) : ( وقوله : " وللرجال عليهن درجة " أي في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح(29/43)
والفضل في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " ) . اهـ.
وقال أيضا (1/653) : ( يقول تعالى : "الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت ، " بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال أفضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ، وكذا منصب القضاء وغير ذلك ، "وبما أنفقوا من أموالهم" أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، وله الفضل عليها والإفضال ، فناسب أن يكون قيما عليها ، كما قال الله تعالى : " وللرجال عليهن درجة" الآية ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "الرجال قوامون على النساء" يعني أمراء ، عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله ) اهـ.
وقال البغوي في تفسيره (2/206) : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ، يعني : الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية ، وقيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وقيل : بالجهاد ، وقيل : بالعبادات من الجمعة والجماعة ، وقيل : هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد ، وقيل : بأن الطلاق بيده ، وقيل : بالميراث ، وقيل : بالدية ، وقيل : بالنبوة ).
وقال البيضاوي في تفسيره (2/184): ( " الرجال قوامون على النساء " يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية ، وعلل ذلك بأمرين، وهبي وكسبي فقال : "بما فضل الله بعضهم على بعض" بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل وحسن التدبير ، ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ، ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر ، والشهادة في مجامع القضايا ، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها ، وزيادة السهم في الميراث وبأن الطلاق بيده . "وبما أنفقوا من أموالهم" في نكاحهن كالمهر والنفقة ) انتهى بتصرف يسير .
والحاصل أن الرجل أعطي القوامة لهذين السببين المذكورين في الآية ، وأحد السببين هبة من الله تعالى ، وهو تفضيل الله الرجال على النساء والآخر يناله الرجل بكسبه ، وهو إنفاقه المال على زوجته .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تجب طاعة أبي في اختيار الزوج وكيف أعدّل من أخلاقه
سؤال:
يظن والدي إن من سيتزوج ابنته يجب أن يكون من نفس جنسيتنا ، يحب والدي التحكم في جميع تصرفاتنا ، هل يمكن أن تعطيني دليلاً على أن الفتاة لها حق اختيار زوجها بغض النظر عن جنسيته ، ما دام متديناً ووضعه جيد ، يعتقد والدي(29/44)
بأن الفتاة ليس لها حق الاختيار وهذا الحق له هو وحده ، ولكنني أظن بأنه سيختار شخصاً لمركزه ولجنسيته ، فهل يجوز للفتاة أن تختار بنفسها إذا وجدت الشخص الكفء حتى لو كان والدها غير موافق عليه بسبب جنسيته ؟
كما أن والدي يختار من الدين ما يوافق هواه ، فهو يحب أن يري الناس ثروته وسلطته وقوة اسمه ، هل يمكن أن تعطيني أي دعاء أدعو به لتتحسن أخلاقه ويصبح شخصاً سهل المعاملة ؟ أرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اشتراط الولي شرط من شروط النكاح ، ولا يصح زواج المرأة بدون هذا الشرط ، وهذا هو الصحيح وهو قول جمهور العلماء . راجع سؤال رقم ( 2127 )
وأحق الناس بالولاية هو الأب ، لكن إن ثبتت عدم أهليته انتقلت الولاية إلى من يليه ، كالجد مثلا .
ويراجع في تفاصيل هذه المسألة وأدلتها السؤال رقم ( 7193 ) ورقم ( 31119 ) .
ثانيا :
أما الشروط والموصفات الشرعية التي ينبغي اعتبارها في الزوج ، فأهمها الدين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) أخرجه الترمذي (1005) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 1084 ) .
وراجع السؤال رقم ( 6942 ) و ( 5202 ) .
ثالثا :
أن من الشروط الشرعية رضا الزوجة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، قالوا : يا رسول الله ، وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت " أخرجه البخاري (4741) ، ومسلم (2543) .
فليس لأحد إجبارها على الزواج من شخص ما ، وفي الحين نفسه ليس لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها .
فوجود الولي شرط مهم لصحة النكاح ، وهي لا تُجبر على الزواج ممن لا ترغب في الزواج منه ، ولا تعتبر عاقةً بذلك ، قال شيخ الإسلام : " وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ، فإن امتنع لا يكون عاقاً ، كأكل ما لا يريد " الاختيارات ص 344 .
رابعا :
بالنسبة لوالدك وما هو عليه ، فننصحك بالتالي :
الأول : الدعاء له بظهر الغيب ، وليس هناك دعاء معين ، فادعي الله أن يصلحه ، وأن يفتح على قلبه .
ثانيا : الاستعانة ببعض زملاء الوالد أو الأقارب ممن يثق فيهم في محاولة إصلاحه .(29/45)
ثالثاً : توفير ما تستطيعين من كتيبات وأشرطة بلغتك يكون فيها ترغيب في حسن الخلق ، وترهيب من ضده وإهداؤها له بأسلوب لطيف عسى الله أن يجعله سبباً في صلاحه .
نسأل الله أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل للرجل ولي في النكاح ؟
سؤال:
هل يجب على الرجل أن يكون له ولي وقت عقد النكاح ؟ إذا كان الجواب نعم فهل يمكن أن يكون أي قريب له ولياً له ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجب على الرجل أن يكون له ولي وقت عقد النكاح ، إنما الرجل هو الذي يتولى عقد النكاح بنفسه ، أما المرأة هي التي تحتاج الى ولاية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة : ( أيما أمراة نكحت بلا ولي فنكاحها باطل باطل باطل ) رواه الترمذي ( 1102 ) وحسَّنه وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
إلا إذا كان الرجل مجنونا أو معتوها ، فهذا تكون عليه الولاية ،أما إذا كان رشيدًا فإنه لا ولاية عليه .
الشيخ خالد المشيقح
ـــــــــــــــــــ
هل تشتكي إلى القاضي لأن والدها يمنعها من الزواج
سؤال:
لي صديقة تبلغ من العمر 28 عاما وتقدم لها شاب لخطبتها وهو حسن الدين والخلق ومن عائلة محترمة بشهادة أهلها له لأنهم يعرفونه في السابق ، فوجئت صديقتي برفض والدها ووالدتها لهذا الخاطب مع إشادتهم بدينه وخلقه وعلة ذلك الرفض فقط لأنه ليس من القبيلة وهذا عيب عندهم ، صديقتي حاولت معهم لكي تقنعهم بكل الطرق ولكن دون جدوى فقد وسطت من يكلم أباها وذهب أبناء عمها الاثنين وسألوا عنه فوجدوه نعم الخاطب وتوجهوا إلى والدها ولكن دون جدوى قامت بتذكير أباها أنها أصبحت كبيرة في السن وقلت فرص زواجها وأخبرته بعقاب الله له ولكن دون جدوى لأنه يخضع لسلطة الوالدة التي لا تريد تزويجها ليس بسبب العادات والتقاليد ولكنها تطمح في أن تتوظف وتصبح مدرسة وتأخذ راتبها .. هذه هي المشكلة والسؤال هو هل تلجأ هذه الفتاة إلى المحكمة لكي يقوم القاضي بتزويجها لهذا الشاب وهل سيأخذ ذلك وقتا طويلا حتى يتم الزواج أي هل سيستدعي القاضي والدها وتطول الإجراءات فهذا يخوفها لأنها إن لجأت للمحكمة في المرة الأولى وحدد القاضي جلسة أخرى فاحتمال أنها تمنع من قبل أهلها من الحضور وتنتهي القضية بعدم حضورها أفيدنا في هذا الموضوع وجزاك الله خيراً .(29/46)
الجواب:
الحمد لله
تمسك الآباء بتزويج بناتهم من أبناء القبيلة ولو أدى ذلك لتأخير زواجهن ظلم كبير ، وخيانة للأمانة التي وضعها الله في أيديهم .
والمفاسد التي تترتب على حرمان المرأة من الزواج ، أو تأخيرها عنه لا يعلمها إلا الله تعالى ، والناظر في أحوال المجتمعات يرى ذلك واضحا جليا .
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه المفاسد بقوله : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي (1084) عن أبي حاتم المزني ، والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ومن منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه ، كان عاضلا لها ، تنتقل الولاية منه إلى من بعده.
قال ابن قدامة رحمه الله : ( ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه. قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لابأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( فلا تعضلوهن ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري.
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها .
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها ) المغني 9/383
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : ( متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة ، ولم يقدح فيه الولي بما يبعده عن أمثالها ويثبت ما يدعيه ، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها ، فإن امتنع عن ذلك نبه إلى وجوب مراعاة جانب موليته ، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة ) انتهى من فتاوى الشيخ رحمه الله 10/97
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأةَ الحاكمُ الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.(29/47)
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير .
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه .
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق) انتهى ، نقلا عن فتاوى إسلامية 3/148
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً :
وليت أنَّا نصل إلى درجة تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك ؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها ( أن تشكوه للقاضي ) وهذا حقٌ شرعي . فليتنا نصل إلى هذه الدرجة ، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك اهـ
راجع سؤال (10196) .
وأحق الناس بتزويج المرأة : أبوها ، ثم أبوه وإن علا ، ثم ابنها وابنه وإن سفل ، ثم أخوها لأبيها وأمها ، ثم أخوها لأبيها فقط ، ثم أولادهم وإن سفلوا ، ثم العمومة ، ثم أولادهم وإن سفلوا ، ثم عمومة الأب، ثم السلطان . ( المغني 9/355 )
ولا نعلم إن كانت إجراءات المحكمة ستأخذ وقتا طويلا أم لا ، مع إمكان تنبيه القاضي إلى احتمال منع الأب لابنته من الحضور إلى المحكمة مستقبلا . نسأل الله أن ييسر لك أمرك ويفرج لك كربك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
تزوج امرأة بدون ولي(29/48)
سؤال:
أعيش في بلد أجنبي وتزوجت فتاة نصرانية أجنبية عن هذا البلد أيضاً وليس لنا أي أقارب فتقدمت لها فقبلتني ثم تلونا صيغة الإيجاب والقبول ونسيت المهر ثم دفعت لها مبلغاً وليس لها وصي فهي بالغة ومستقلة ولم يكن هناك شهود
هل هذا زواج صحيح . فقد تزوجنا بغض النظر عن تقاليد المجتمع فقد كان هدفنا الله ورضاه . ولخشية أن لا يكون زواجنا صحيحاً فقد طلق بعضنا بعضاً فهل هذا صحيح . هل يجب أن أجري عقد الزواج مرة ثانية أمام شهود وأي ولي لها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك وأحمد مستدلين بأدلة منها :
قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } .
وقوله تعالى : { ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } .
وقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } .
ووجه الدلالة من الآيات واضح في اشتراط الولي في النكاح حيث خاطبه الله تعالى بعقد نكاح موليته ، ولو كان الأمر لها دونه لما احتيج لخطابه .
ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه بوَّب على هذه الآيات قوله : " باب من قال " لا نكاح إلا بولي " .
وعن أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .
رواه الترمذي ( 1101 ) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الترمذي " ( 1 / 318 ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له .
رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 1840 ) .
(اشتجروا ) : أي تنازعوا
ثانياً : فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً .
ثالثاً : فإن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها للحديث السابق ( ... فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) .
رابعاً : فإن عدم الولي والسلطان زوجها رجل له سلطان في مكانها ، ككبير القرية ، أو حاكم الولاية ما أشبه ذلك ، فإن لم يوجد فإنها توكل رجلاً مسلماً أميناً يزوجها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(29/49)
وإذا تعذر من له ولاية النكاح انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد ممن له نوع ولاية في غير النكاح كرئيس القرية وأمير القافلة ونحوه . الإختيارات ( ص : 350 ) .
وقال ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها . المغني ( 9 / 362 ) .
وقال الشيخ عمر الأشقر:
إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقا كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها ، وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم . " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " ( ص 70 ) .
ويجب أن يشهد على عقد النكاح رجلان مسلمان بالغان عاقلان . انظر سؤال رقم ( 2127 )
ولذا فإن زواجكما الأول باطل فعليك أن تعيد العقد ولابد من وجود ولي للمرأة كما سبق وشاهدين .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
لماذا تطيع المرأة زوجها
سؤال:
عندما يتزوج الناس ، فلماذا يكون على المرأة أن تنفذ ما يقوله زوجها ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المسلم حين يأتيه حكم شرعي أن يسلّم له ويؤمن به ولو لم يعرف الحكمة ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب/36 .
وهو يوقن أن أحكام الشرع كلها ذات حكم بليغة ، لكن قد تخفى عليه الحكمة ولا يفقهها ، فحينئذ يرى أن هذا من قصور علمه والعقل البشري لا يخلو ولا يسلم من القصور.
وحين يجمتع رجل وامرأة في قارب الحياة الزوجية ويعيشان معاً فلا يخلو أن يقع خلاف في الرأي بينهما ولا بد من طرف يحسم الأمر وإلا ستتضاعف الخلافات وتكثر النزاعات فلابد من قائد لهذا المركب وإلا غرق إذا اختلف الملاحون .
ومن ثم جعل الشرع القوامة والمسؤولية في البيت للزوج على زوجته لأنه أكمل منها عقلاً في الغالب ، وهذا يعني أنها يجب عليها أن تطيعه قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.
ومن أسباب ذلك :(29/50)
الأول : أن الرجال أقدر على تحمل هذه المسؤولية ، كما أن المرأة اقدر من الرجل على رعاية الأبناء وشؤون بيتها، فلكل منهما موقعه ومكانه الطبيعي .
الثاني : أن الرجل في الإسلام هو المكلف بالإنفاق على الزوجة ، فلا يجب على الزوجة أن تعمل ولا أن تكسب الرزق ، بل حتى لو كان لها دخل مستقل أو صارت ثرية وغنية فالواجب على الزوج أن ينفق عليها بالقدر الذي تحتاجه . وبما أنه يتحمل مسؤولية الإنفاق فقد صارت له القوامة والولاية.
ولذلك نرى الفوضى في المجتمعات التي تخالف ذلك ، فالرجل لا يتحمل مسؤولية الإنفاق على زوجته ، والمرأة غير ملزمة بطاعة زوجها ، وتخرج من بيتها متى شاءت وتترك عش الزوجية خالياً والأولاد في ضياع . وعليها أن تكد وتكدح ولو كان على حساب بيتها ومنزلها .
ومما ينبغي مراعاته هنا ما يأتي :
أولاً : أن المرأة تثاب على طاعتها لزوجها وتؤجر على ذلك عند الله تعالى .
ثانيا : أن هذه الطاعة في غير معصية الله تعالى فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
ثالثا : كما أن الزوج له حق الطاعة فقد أمره الشرع بحسن التعامل مع زوجته وحسن عشرتها ، قال تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف ...) البقرة/228. فلا يعسفها ويظلمها ويصدر إليها الأوامر الفظة ، وإنما يسوسها بالحكمة ويأمرها بما فيها صلاحها وصلاحه وصلاح البيت مع اللين والرفق .
وقال صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ".
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
زوَّجها أخوها من غير رضا الأب ثم وافق بعد سنة
سؤال:
تزوجت منذ عام ، وقد كان أخي وليا عني ، لأن أبي كان يعارض تزويجي . وبعد مرور عام ، قبل والدي زواجي وهو سعيد بذلك . لكني أتريب أحيانا بخصوص صحة نكاحي وشرعيته .
الجواب:
الحمد لله
أولاً : نوجه نصيحة للآباء .
الواجب على الآباء البِدَار بتزويج من لهم ولاية عليهم من النساء إذا تقدَّم لخطبتهن أحد ، وكان كفؤاً ورضيت المرأة بذلك ، ومن يخالف ذلك فإنما هو مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي ( النكاح/1004) وحسَّنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (865 ) ، ولا يجوز عضلهن لأي غرض من الأغراض التي لم يشرعها الله ورسوله .(29/51)
والعضل كما عرَّفه ابن قدامة قال : وَمَعْنَى الْعَضْلِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ بِكُفْئِهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ , وَرَغِبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ . انظر المغني ج/7 ص/24 ، فينبغي على الأولياء التعجيل في تزويج مولياتهم وذلك لأن فيه حفاظاً لهن عن الوقوع فيما حرّمه الله ، وحتى لا يقع الولي أيضاً فيما حرّمه الله من الإثم بالعضل . والأَصْلُ أَنَّ عَضْلَ الْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلايَةُ تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْئِهَا حَرَامٌ ; لأَنَّهُ ظُلْمٌ , وَإِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فِي مَنْعِهَا حَقَّهَا فِي التَّزْوِيجِ بِمِنْ تَرْضَاهُ , وَذَلِكَ لِنَهْيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ مُخَاطِبًا الأَوْلِيَاءَ : ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن َّ) البقرة/232
ثانيا :
الحكم في هذه المسألة له صورتان :
الصورة الأولى : إذا كان الوليّ الأقرب عاضلاً للمرأة ـ وتقدَّم تعريف العضل ـ فإنه يصح أن يزوِّج الولي الأبعد حتى مع وجود الأقرب لأنه يكون حينئذٍ لا ولاية له .
قال المرداوي : قَوْلُهُ ( وَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ زَوَّجَ الأَبْعَدُ ) . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ . وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ .. . وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله مِنْ صُوَرِ الْعَضْلِ : إذَا امْتَنَعَ الْخُطَّابُ مِنْ خِطْبَتِهَا , لِشِدَّةِ الْوَلِيِّ .
الإنصاف ج/5 ص/74
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَإِذَا رَضِيَتْ رَجُلا وَكَانَ كُفُؤًا لَهَا وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهَا كَالأَخِ ثُمَّ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ , فَإِنْ عَضَلَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا , زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ مِنْهُ ..
الفتاوى الكبرى ج/3 ص/83
قال ابن قدامة : إذَا عَضَلِهَا وَلِيُّهَا الأَقْرَبُ , انْتَقَلَتْ الْوِلايَةُ إلَى الأَبْعَدِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .. المغني لابن قدامة ج/7 ص/24
قال الشيخ ابن عثيمين : إذا منع الأب تزويج بنته لكفء فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى .
فتاوى إسلامية ج/3 ص/149
الصورة الثانية : إذا زوَّج الأبعد مع وجود الولي الأقرب ولم يكن الولي عاضلاً لها :
قال المرداوي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلأَقْرَبِ , أَوْ زَوَّجَ أَجْنَبِيٌّ : لَمْ يَصِحَّ ) الإنصاف ج/8 ص/82 .
وقال البهوتي : ( وَإِذَا زَوَّجَ الأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِلا قُرْبٍ ) لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ... لأَنَّ الأَبْعَدَ لا وِلايَةَ لَهُ مَعَ الأَقْرَبِ . كشَّاف القناع ج/5 ص/56 .
ويتفرَّع من هذه المسألة ، ما إذا أجاز الولي الأقرب هذا النكاح فما حكمه ؟
إن أجاز الوليّ الأقرب هذا النكاح هل تصحح إجازته النكاح أم لا ؟!
قال العلماء : مَسْأَلَةٌ : ( وَإِذَا زَوَّجَهَا مَنْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ , وَهُوَ حَاضِرٌ , وَلَمْ يَعْضُلْهَا , فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ) . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ ثَلاثَةٍ ; أَحَدُهَا , أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ الأَبْعَدُ , مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الأَقْرَبِ , فَأَجَابَتْهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ , لَمْ يَصِحَّ .(29/52)
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَصِحُّ ; لأَنَّ هَذَا وَلِيٌّ , فَصَحَّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا كَالأَقْرَبِ .
الْحُكْمُ الثَّانِي , أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ فَاسِدًا , لا يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ , وَلا يَصِيرُ بِالإِجَازَةِ صَحِيحًا , ...وَالنِّكَاحُ فِي هَذَا كُلِّهِ بَاطِلٌ , فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى , أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الإِجَازَةِ ; فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ , وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَسَدَ .
( إنْكَاحُ الْفُضُولِيِّ ) والفضولي :
وهو َفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ الْفُضُولِيُّ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِلا إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِكَوْنِ تَصَرُّفِهِ صَادِرًا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلا وَكَالَةٍ وَلا وِلايَةٍ . الموسوعة الفقهية ج/32 ص/171
وقد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إنْكَاحِ الْفُضُولِيِّ مِنْ غَيْرِ وِلايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ عَلَى أَقْوَالٍ منها :
لِلْحَنَابِلَةِ , وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ : هُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ لا تُؤَثِّرُ فِيهِ إجَازَةُ الْوَلِيِّ . ( أي لا بد من إعادة العقد من جديد ) .
وَالثَّانِي : لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ , وَأَبِي يُوسُفَ : وَهُوَ أَنَّ إنْكَاحَ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ , لَكِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ , فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ , وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ .
الموسوعة الفقهية ج/32 ص/175
والخلاصة : أن بعض العلماء قد قال بصحَّةِ العقد إذا أجازه الوليّ ـ كما رأيت ـ وإن كنتِ تريدين مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج من خلاف أهل العلم فأعيدوا عقد النكاح ، ولا يلزم لذلك إلا الإيجاب من ولِّيك ـ وهو الأب ـ والقبول من الزوج ، وشهادة رجلين مسلمين ، مع التوبة بما حصل قبل ذلك .
ونسأل الله لك التوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
الولاية على نكاح المرأة وأموالها
سؤال:
نعلم أنه إذا أرادت المرأة أن تتزوج فيجب أن يكون وليها هو من يعقد لها ، ولكن كيف لها أن تحدد الولي ؟ وهل يجب أن يقوم الولي بإتمام جميع معاملات المرأة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أسباب ولاية النكاح خمسة : المُلْك ، والقرابة ، والولاء ، والإمامة ، والوصاية .
الولي شرط في صحة النكاح ، ولا يجوز للمرأة أن تتولى نكاح نفسها أو غيرها بسبب من الأسباب ، لا أصالة ولا نيابة ولا وكالة ، لو باشرت العقد كان النكاح باطلاً .(29/53)
للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة أن تتولى مالها ، وتتصرف فيه كما تشاء بعوض أو بغير عوض كبيع أو شراء ، أو إجارة ، أو إقراض ، أو تصدق أو هبة كله أو جزء منه ، وليس لأحد أن يمنعها من ذلك ، ولا تحتاج إلى إذن أحد ، سواء كانت بكراً ذات أب ، أو غير ذات أب ، أو ذات زوج .
يجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره ، كما هو مسموح للرجل في مال أولاده ، ويجوز لها أن تتصرف وتأكل من مال أبويها بما هو مباح لها .
وللأم ولاية مال أولادها الصغار والمجنون ، لأنها أشفق على ولدها من غيرها .
ليس للمرأة أن تتصرف وتتصدق من مال زوجها إلا بإذنه ، سواء كان الإذن صريحاً أو مفهوماً من العادة والعرف .
ويجوز لها أن تكون وصية ، فلها ولاية المال بالوصاية إذا توفر فيها شروط الوصي ، سواء كانت أم الأطفال ، أو أجنبية عنهم .
يجوز للمرأة أن تكون ناظرة وقف ، وتكون لها ولاية النظر على الوقف والتصرف فيه باتفاق .
ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 691.
ـــــــــــــــــــ
اعترض الأب على الزواج فما الحلّ
سؤال:
السؤال :
عندي سؤال حول الزواج . إذا اعترض الأب على الزواج لأسباب عنصرية أو لأن المتقدم للزواج على منهج السلف ، ولا يوجد قاض شرعي في المنطقة ، مثل الكاريبي ، فماذا يستطيع الشخص أن يفعل وفقا للقرآن والسنة ؟
يتزوج أو لا يتزوج
من المهم جدا أن أحصل على إجابة عن هذا السؤال .
الجواب:
الجواب :
أولاً : لا يحل لرجل أن يتزوج امرأة من غير إذن وليها بكراً كانت أم ثيباً وذلك قول جمهور العلماء منهم الشافعي ومالك واحمد مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم :
" لا نكاح إلا بولي " . رواه الترمذي ( 1101) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله ( 6 / 235 ) .
وقوله " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها ، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له " . رواه الترمذي ( 1102 ) وحسَّنه وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) .
ثانياً : فإن منعها وليها من الزواج ممن تريد بغير عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً .(29/54)
ثالثاً : إن منعها الأولياء كلهم بغير عذر شرعي فإن السلطان يكون وليها لحديث " ... فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له " . والسلطان هو الحاكم الشرعي .
والولي ليس له أن يعضل ويمنع المرأة من الزواج لهواه دون عذر شرعي .
عن الحسن ، قال : حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال : زوَّجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوَّجتُك وفرشتُك وأكرمتُك فطلقتَها ، ثم جئتَ تخطبها لا والله لا تعود إليك أبداً ، وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية { فلا تعضلوهن } ، فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، قال : فزوجها إياه . رواه البخاري ( 4837 )
وفي رواية قال :
ففيّ نزلت هذه الآية : { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ } [ سورة البقرة /232 ] .
رابعاً : فإن عدم الولي والسلطان فيصير أمرها إلى الوالي أو من يقوم مقامه فإن عدم فإلى المحاكم الشرعية فإن عدمت فإلى رجل رئيس في قومه عدل في دينه . فإن عدم فأي رجل ثقة عدل يصلح أن يكون ولياً .
يقول ابن قدامة : فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أن يزوجها رجل عدل بإذنها . " المغني " 7 / 352 .
ويقول الشيخ عمر الأشقر : إذا زال سلطان المسلمين أو كانت المرأة في موضع ليس فيه للمسلمين سلطان ولا ولي لها مطلقاً كالمسلمين في أمريكا وغيرها فإن كان يوجد في تلك البلاد مؤسسات إسلامية تقوم على رعاية شؤون المسلمين فإنها تقوم بتزويجها . وكذلك إن وجد للمسلمين أمير مطاع أو مسؤول يرعى شؤونهم . " الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني " ( ص70 ) .
وكل ذلك يكون بشرط موافقه الفتاة وعدم ترتب مفاسد أعظم من منفعة زواجك منها وبشرط أن يكون سبب المنع غير شرعي كما أوضحت .
خامساً : ولا يحل للولي أن يرفض الزوج لأنه ليس على منهجه في الدعوة ! أو لأنه ليس من قبيلته أو أهل بلده ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتزويج أهل الدين وعدم رفضهم وإلا ترتب على ذلك المنع مفاسد وفتن .
فعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " . رواه الترمذي ( 1084 ) وابن ماجه ( 1967 ) وصححه الألباني رحمه الله في " السلسلة الصحيحة " ( 1022 ) .
سادساً : وكذلك لا يجوز للمرأة أن تسوغ لنفسها التزوج بمن تشاء بحجة أن هذا على منهجها في الدعوة ، فيكفيها أن يكون المتقدم لها صاحب دين وخلق .
وليراقب الجميع ربهم تبارك وتعالى .
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد(29/55)
ـــــــــــــــــــ
ولاية الأب الكافر وعدالة الشهود ... العنوان
مسلم تزوج امرأة روسية أسلمت، وتم عقد الزواج بحضور من كان سبباً في إسلامها، وكان هو الولي، وهو نفسه الشاهد الأول، وتبين أنه شاهد غير ثقة، والشاهد الثاني تبين أنه لم يكن يصلي وليس ملتزماً ولكنه الآن ملتزم والحمد لله، ولقد مر على الزواج خمس سنوات، فهل هذا الزواج صحيح، علماً بأن والد المرأة كافر، ولو علم فلن يوافق على زواجها؟ ... السؤال
17/09/2006 ... التاريخ
أ.د. عجيل النشمي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لا يجوز أن يكون الكافر وليا للمسلمة ولو كان أباها، وذلك لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ويجوز للمرأة على مذهب الأحناف أن توكل من ترى ليزوجها ما دام وليها الأصلي كافرا؛ لا يجوز أن يتولى زواجها.
وبالنسبة للشهود فعدالتهم وإن كانت شرطا إلا أن انعدامها لا يؤثر على صحة الزواج.
يقول الأستاذ الدكتور عجيل النشمي أستاذ الشريعة بالكويت:</<B>
أولا بالنسبة للولي، فالأصل أن يكون والدها، لكن لما كان الولي كافراً فإنه لا يصلح أن يكون ولياً على ابنته المسلمة، لأن شرط الولي في عقد الزواج في الولاية على النفس أن يتحد في الدين مع من هو ولي عليه، فلا ولاية لغير المسلم على المسلم، كما أنه لا ولاية للمسلم على غيره، ولأن عقد الزواج عقد شرعي ديني، فوجب أن يكون من يتولى إبرامه في الإيجاب والقبول على دين من هو عليه ولي؛ ولأن الولاية في الزواج تتبع التوريث بالتعصيب، ولا توجد ولاية ميراث بين المسلم وغيره.
وأما الشهود، فإذا كانوا فسقة، أو ليسوا ثقة بتعبير السؤال، فهذا لا يؤثر في صحة عقد الزواج، فشرطا صحة عقد الزواج هما:
حضور الشاهدين وأن تكون المرأة محلاً للعقد، وذلك بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة، وأن يكون الشاهدان حرين بالغين عاقلين، وأن يسمعا كلام العاقدين ويفهماه، وأما العدالة فإن أبا حنيفة لا يشترطها في شهود عقد النكاح، واشترطها الشافعي وأحمد في رواية عنه.
وقد استدل أبو حنيفة لرأيه: بأن الغرض من الشهادة هو الإعلان، وهو يتحقق بحضور الشاهدين ولو فاسقين، مثلما يتحقق بحضور العدول، كما أن الفاسق أهل لإنشاء عقد الزواج لنفسه، ولمن هو في ولايته، فمن باب أولى أن يشهد على عقد الزواج.
واستدل من اشترط العدالة بأدلة:(29/56)
أولها: </<B> قوله صلى الله عليه وسلم : "لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل"، فالعدالة شرط بالنص.
ثانيها:</<B> أن الشهادة في عقد النكاح من باب الكرامة لأهمية هذا العقد، ولا كرامة أو تكريم للفاسق.
وبناءً على تجويز العقد بالشهود الفسقة غير العدول في مذهب الإمام أبي حنيفة، فالعقد صحيح من هذا الجانب، ويلاحظ هنا أن المرأة وكلت شخصاً وكان هو الشاهد وإذا كان الولي هو أحد الشهود، فيكون نصاب الشهادة واحداً، ويمكن أن يتم العقد باعتبار أن حضور الزوجة يرفع الإشكال، فحضور المرأة يجعلها كالمباشرة، لعقد الزواج، ومن وكلته شاهد مع الشاهد الآخر، فيصح العقد على رأي الحنفية، وهذا كما لو حضر الولي بعد أن وكل شخصاً بعقد الزواج، فيعتبر الولي هو المنشئ لعقد الزواج، والوكيل شاهداً مع الآخر، فالعقد قد توافر فيه شاهدان فيكون صحيحاً.أ.هـ
ولاية الكتابي على ابنته في زواجها من المسلم
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
زواج المعاقين ذهنيا وبدنيا ... العنوان
رجل لديه ابن متخلف عقليا وأراد أن يزوج ابنه هذا بمن تستطيع مراعاة شؤونه الخاصة وتلبي رغباته بما في ذلك حاجته الجنسية، فما حكم هذا الزواج؟ وما هو موقف الشرع من زواج المعاقين بصفة عامة، وهل يحق لولي الأمر أن يمنع هذا الزواج؟
... السؤال
01/12/2005 ... التاريخ
الشيخ هاني بن عبد الله الجبير القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمعاق بدنيا لا فرق بينه وبين الصحيح فله أن يتزوج متى رضي الطرف الآخر بإعاقته، أما المجنون فيجوز تزويجه ولكن لا بد من مراعاة جملة ضوابط منها:
1-ألا يكون الطرف الآخر مجنونا مثله.
2-أن يكون الطرف الآخر على علم بمرضه وأن يرضى بذلك.
3-أن يكون سقيم العقل مأمونا شره وأذاه. أن يرضى أولياء المرأة بهذا الزواج.
وفي جميع الأحوال من حق ولي الأمر أن يمنع مثل هذا الزواج إذا ظهرت له مصلحة راجحة.
يقول فضيلة الشيخ هاني بن عبد الله الجبير - القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة-:
(1) يجوز زواج المعاقين والمتخلفين عقلياً، وسدُّ احتياجاتهم العضوية والنفسية حق مكفول لهم كغيرهم، وإن كان هذا ضمن ضوابطه التي ستأتي، وهذا من أصول(29/57)
رعاية المعاق ومساعدته على ممارسة حياته بأقرب صورة إلى الحالة الطبيعية للإنسان.
(2) الإعاقة أنواع متفاوتة، ولكن القول الجامع فيها أن كل إعاقة لا يكون العقل فيها زائلاً مثل الصمم، والبكم، وشلل اليد أو الرجل، فهذه يجوز لصاحبها الزواج، وحكمه حكم الصحيح سواء، إلا أنه يشترط أن يطلع الطرف الآخر على الإعاقة، ويرضى بها، حتى ولو كان مصاباً بمثل تلك الإعاقة، فإن إصابته بإعاقة مماثلة لا تكفي عن أخذ رأيه في الزواج من معاق.
ومن صحابة نبينا – عليه الصلاة والسلام- من كان أعمى، أو أصم، ولم تمنعه إعاقته من الزواج، أما المتخلف عقلياً وصاحب الإعاقة التي تزيل العقل، فالمصاب بها حكمه حكم المجنون، والمجنون يجوز له الزواج، لكن يشترط في زواجه مع شروط الزواج المعلومة شروط أخرى هي:
أ- اطلاع الطرف الآخر على حاله ومعرفته بوضعه تماماً فإن عدم اطلاعه غش له وخيانة محرمة.
ب- ألا يكون الطرف الآخر مجنوناً ولا زائل العقل، بل يتزوج المتخلف عقلياً امرأة سليمة العقل، وتتزوج المتخلفة عقلياً برجل سليم العقل، وسبب ذلك أن اجتماع زائلي العقل لا يحقق أي مصلحة، وهو مع ذلك سبب لضرر بينهما كما هو ظاهر.
ج- أن يكون سقيم العقل منهما مأموناً، أما الذي يتصف بالعدوانية بالضرب أو الإفساد فلا يجوز له الزواج؛ لأن زواجه سبب لحصول الضرر، والضرر مرفوع في الشريعة الإسلامية.
د- وآخر الشروط أن يرضى أولياء المرأة بهذا الزواج؛ لأن فيه ضرراً قد يلحقهم.
هذه شروط زواج المعاق المتخلف حسبما استقرأه الفقهاء من نصوص الشرع وقواعده، وهي -كما هو ظاهر- محققة للمصلحة، مانعة للمفسدة، يتضح بها تحقق الشرعية لمصالح العباد واحتياجاتهم. والله الموفق.
(3) في زواج المعاق أياً كانت نوعية إعاقته تحقيق لمصلحة مهمة، وهي أن يوجد للسقيم منهما من يعتني به، ويقوم بشؤونه، ويهتم به، فإن عقد النكاح في الإسلام يهدف إلى ما هو أكبر من مجرد الاستمتاع، الذي هو من مقاصد النكاح المهمة، بل يراد معه أيضاً تحقيق الرعاية والتكافل والتراحم بين الزوجين : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" [الروم: 21].
والذي يزوج سقيم العقل وليه؛ لأنه هو الراعي لمصلحته، وهذا من محاسن الشرع أن أسندت الولاية إلى بعض أقارب الصغير والمجنون، ومن في معناهم؛ لعدم قدرتهم على إدارة شئونهم، ولا تصريف أحوالهم، ورعاية المعاق فرض كفاية على المجتمع لمساعدته ليعود عضواً فعالاً في المجتمع، وليتخلص من الآثار النفسية التي قد تنشأ عنده.
(4) الأمراض والابتلاءات التي تصيب بعض العباد طريق للأجر إن صبر المبتلى بل ورد في بعض أنواع الإعاقات أجر عظيم جداً ففي الحديث الذي أخرجه البخاري (5653) عن أنس ابن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: إن الله قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوّضته(29/58)
منهما الجنة" يريد عينيه، وهذه الأمراض لا يمكن للإنسان دفعها؛ فهي من قدر الله الذي لا ينجي منه الحذر، كما هو معروف، ومع عدم رغبة الشرع في الذرية الضعيفة أو المريضة إلا أن الزواج الذي قد ينتج عند ذرية ضعيفة أو مريضة لم يأت نص من الشرع بمنعه وتحريمه؛ ولعل السبب في هذا أن الزواج هذا لا يتحتم أن يكون نتيجته ذرية مريضة، وهذا معلوم لمن قرأ علم الوراثة.
ولأن السلف لما لمحوا أثر الوراثة في حدوث الإعاقات فقد نقل عنهم عدة مقولات تحث على الزواج من غير الأقارب؛ لمنع حصول الذرية الضعيفة، ومن ذلك قولهم: اغتربوا ولا تضووا يعني: تزوجوا الأجنبيات غير الأقارب لئلا تكون ذريتكم ضعيفة.
ويمكن إعمالاً لمبدأ السياسة الشرعية أن يمنع ولي الأمر زواج من يكون الغالب عليه أن ينتج من زواجه المرضى، لكن هذا من باب السياسة التي تحقق المصلحة بمنع بعض المباح، وليس من باب الحكم بتحريم النكاح وفساده ، ومثل هذه المسألة تحتاج مزيداً من النظر الشرعي والواقعي؛ ليمكن الحكم فيها بالحكم الصواب.
(5) يُتعامل مع زواج المعاقين والمتخلفين عقلياً بالضوابط التي تقدمت، والنظرة التي سبق أن ذكرناها، وليراع من ينظر إليهم أن هذه الإعاقة لم تمتنع عن أحد من البشر مهما كان. والله الموفق.
والله أعلم .
نقلا عن موقع الإسلام اليوم
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأيتام على الأوصياء ... العنوان
ما هي حقوق اليتيم على وليه أو وصيه؟ وإذا كان الطفل اليتيم له مال فهل يطالب وليه بالإنفاق عليه؟ وعلى من تقع المسئولية عن الضرر الناشئ عن أفعال الصغير؟ ... السؤال
23/05/2005 ... التاريخ
المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالولي أو الوصي مسئول عن رعاية من هم تحت ولايته من تعليم، وتأديب، وتطبيب، وتزويج، وتعلم حرفة، أو صنعة ونحو ذلك، وهذا من مقتضيات الولاية على النفس، وولايته على المال تقتضي : الحفاظ على أموال القصّر والأيتام، وتنميتها بالطرق المشروعة، والحرص على تثميرها بنفسه، أو بأيد أمينة، والنفقة على القاصر تكون من ماله –إن كان له مال- وإلا فنفقته على من تجب عليه نفقته، ولا تقف المسئولية عند هذا الحد ولكن الولي أو الوصي مسئول عن تصرفات الصغير وما ينشأ عنها من أضرار تلحق بالآخرين، والمسئولية: تعني التزام الولي أو الوصي، بالتعويض عن ضرر يصيب الآخرين ضررًا ماليًّا واقعًا فعلاً، يمس المال أو النفس أو الأعضاء، بسبب فعل الذين تحت الولاية أو الوصاية.(29/59)
هذا خلاصة ما جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة وإليك نص القرار :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فنظرًا للأهمية الواضحة في ضرورة إعداد النشء الصالح، وجيل المستقبل، لتحمل أعباء الحياة، ومسئولياتها المتعددة، ولما للأولياء والأوصياء، من دور حيوي في هذا الإعداد، وبناء شخصية الولد، وصونه عن عوامل الضياع والخطأ، ولما نشاهده في الكثير من المجتمعات من تدهور الأخلاق، وحملة الأعداء على إفساد المسلمين في عقائدهم، وأخلاقهم، وإضعاف قوتهم. فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20من شعبان1415هـ 21/1/1995م، نظر في موضوع (مسئولية الأولياء والأوصياء، عمن تحت ولايتهم ورعايتهم، وعن تصرفات من تحت ولايتهم ورعايتهم) واتخذ القرار التالي:
تنقسم هذه المسئولية قسمين:
القسم الأول: مسئولية الولي أو الوصي نحو القُصّر، فيما يتعلق بتربيتهم وتوجيههم. وهذا الجانب الديني مهم جدًّا، فيجب على الأولياء والأوصياء، أن يولوه العناية الكاملة، عملاً بما ألزمهم به الله ورسوله، من واجبات، نحو إعداد التابعين لهم، في دينهم، وخلقهم، وسلوكهم، ورقابة تصرفاتهم، على المنهج الإسلامي الصحيح، وحمايتهم من التيارات الفكرية المعادية، ليكونوا ناشئة صالحة وقدوة حسنة، وجيلاً مؤمنًا حق الإيمان.
وهذا الواجب الإسلامي العام، إنما هو تنفيذ لواجب أمانة التكليف الإلهي، الملقى على عاتق الولي والوصي، وواجب الراعي المؤمن في قيادة رعيته، من أجل تحقيق واقع الاستقامة والصلاح، والاعتصام بالقرآن والسنة، واجتناب الفواحش والمنكرات، وكل وسائل الانحراف.
وهذا الواجب هو المعبر عنه فقهًا بالولاية بنوعيها:
(أ) الولاية على النفس: من تعليم، وتأديب، وتطبيب، وتزويج، وتعلم حرفة، أو صنعة، ونحو ذلك.
(ب) والولاية على المال: بالحفاظ على أموال القصّر والأيتام، وتنميتها بالطرق المشروعة، والحرص على تثميرها بنفسه، أو بأيد أمينة، ويظل الولي مطالبًا بالإنفاق بالمعروف على القاصر من ماله، حتى يؤنس منه الرشد، فإن لم يكن له مال، فعلى من تلزمه نفقته، ولا يسلم له ماله، حتى يبلغ ويثبت رشده، عملاً بقول الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء:6]. ويحذر الأولياء والأوصياء، من تمكين دعاة السوء، من الفئات المبتدعة الضالة، المنتسبة للإسلام وغيرهم، من تربية من تحت ولايتهم.
القسم الثاني: وهو المسئول عن أفعال القاصرين ونحوهم، وما ينشأ عنها من إضرار بالآخرين، وهذه مسئولية مالية، تدخل في اختصاص القضاء. والمسئولية: تعني التزام الولي أو الوصي، بالتعويض عن ضرر يصيب الآخرين ضررًا ماليًّا واقعًا فعلاً، يمس المال أو النفس أو الأعضاء، بسبب فعل الذين تحت الولاية أو الوصاية.(29/60)
وأساس هذه المسئولية: هو الخطأ الفعلي، ولا يسأل الأولياء والأوصياء شرعًا، عن الأضرار الواقعة من الصغار والمجانين ونحوهم، إلا في حال التقصير في الحفظ، أو بسبب الإغراء، أو التسليط على مال الآخرين، أو الأمر لمن كان دون البلوغ.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
تصرف الآدمي في أعضائه ... العنوان
هل يجوز تصرف الإنسان في أعضائه بالبيع أو التبرع ؟ ... السؤال
06/08/2006 ... التاريخ
أ.د. عبد الفتاح إدريس ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم تصرف الآدمي في أعضائه ، فمنهم من أجازه بشروطه ، مثل قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في نقل الأعضاء ، كذا الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في فتوى له عن نقل الأعضاء، وقد أجاز الشيخ القرضاوي التبرع بالأعضاء دون بيعها في فتوى عن التبرع بالأعضاء : حكمه وشروطه، وبعض العلماء منع التصرف في الأعضاء مطلقاً تبرعاً أو بيعاً ، ومنهم د. عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ، وهذا نص فتواه :
ثار الجدل بين كثير من الناس على اختلاف ثقافاتهم عن مدى شرعية تَصَرُّف الإنسان في أعضائه بمُعاوَضَة أو تبرُّع تصرفًا مضافًا إلى حال الحياة بالبيع أو الهِبَة أو نحوهما، أو تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت بالوصية، ووَصَف البعض آراءَ المجيزين بالشجاعة، ومواكَبة التقدُّم العلمي، والتطوُّر الحضاري، إلى غير ذلك من ألفاظ رنَّانة، ووصف آراء المانعين بضد ذلك.
وبعيدًا عن هذه الطنطنات التي لا طائل من ورائها، وعن الجرأة على مخالفة شرع الله تعالى لإرضاء طائفة من الناس هنا أو هناك نناقش هذه القضية بموضوعية وإيجاز شديدين في ضوء أحكام الشريعة الغَرَّاء؛ ليَهْلِكَ مَن هلك عن بينة، ويَحْيا مَن حَيَّ عن بينة.
وفي البداية نقرر قاعدة فقهية مضطردة وهي: أن صحة التصرف في الأشياء مدارها على ولاية المُتصرِّف على ما يتصرف فيه، سواء كانت هذه الولاية أساسها مِلْكيته لهذا الشيء، أو نيابته عن مالكه، أو ولايته أو وِصايته عليه، ومِن ثَمَّ فإن تصرف الآدمي في أعضائه بعِوَض أو بغير عِوَض تصرفًا مضافًا إلى حال الحياة بالبيع أو الصلح أو هبة الثواب أو الهبة المطلقة عن شرط الثواب، أو تصرفًا مضافًا إلى ما بعد الموت بالوصية يقتضي ملكية الآدمي لأعضائه، وهذه الأعضاء ليست ملكًا له، وإنما له حق الانتفاع بها بما لا يُلحِق بها ضررًا، بل المالك لها هو الحق سبحانه، ودليل هذا أن الشارع نهى المُكَلَّفين عن استعمال هذه الأعضاء فيما يُتلِفها،(29/61)
أو يُودِي بحياة مُستَعْمِلِها، فقال سبحانه: (ولا تُلْقوا بأيديكم إلى التَّهْلُكة..) وقال تعالى: (ولا تَقْتُلوا أنفسَكم إنَّ اللهَ كانَ بكم رحيمًا) ورُويَ عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "مَن تَرَدَّى من جبل فقتَلَ نفسَه فهو في نار جهنمَ يَتَرَدَّى فيها خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا، ومن تَحَسَّى سُمًّا فقتل نفسَه، فسُمُّه في يده يَتَحَسَّاه في نار جهنم خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا، ومَن قتل نفسَه بحديدة، فحديدتُه في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا".
وإذا كان الشارع قد حَرَّم على الإنسان أن ينتفع بأعضاء بدنه على نحو يَضُرُّ بها، وكان هذا الوعيد الشديد الوارد في الحديث على مًن يُتْلِف بدنَه، أو يُلْقي بنفسه إلى الهلاك، فإن هذا يدل على عدم مِلْكية الإنسان لأعضاء بدنه إذ لو كان مالكًا لها لَجاز له فيها كلَّ تصرف ولو كان بإتلافها، شأن كل تصرف للإنسان فيما يَملِك، لاسيما أن بدن الآدمي ليس من الأموال باتفاق الفقهاء، فلا يُعَدُّ إتلافه في هذه الحالة من قَبِيل إضاعة المال المَنْهي عنه، فمعاقبته على إتلاف هذا البدن دليل عدم ملكيته له، ومن ثَمَّ فإنه لا يجوز له أن يتصرف في أي عضو من أعضائه تصرفًا مضافًا إلى حال الحياة بعِوَض أو بغيره، وإن جاز أن يُستَأْجَر لمنفعة تُستَوْفَى منه، لا يترتَّب على استيفائها إتلاف نفسه أو الإضرار بها بما يكون سببًا إلى هذا الإتلاف كما في استئجار الظِّئْر للإرضاع، أو الأجير للعمل؛ للنصوص الكثيرة الواردة في ذلك، يضاف إلى هذا أن محل العقود مطلقًا سواء كانت معاوضةً أو تبرعًا لابد وأن يكون مالاً مُتَقَوَّمًا، وبدن الآدمي وأعضاؤه ليست مالاً باتفاق الفقهاء، فلا يُرَدُّ عليها عقد البتة سواءً كان معاوضة أو تبرعًا، ولابد كذلك أن يكون المحل قابلاً لحكم العقود الواردة عليه، وبدن الآدمي وأعضاؤه لا تَقبل أحكام العقود عامة، إذ لا تقبل الشروط التي اعتبرها الفقهاء لصحة العقود، ولا تقبل كذلك الآثار المترتِّبة على هذه العقود، ومِن ثَمَّ فإنها لا تَصْلُح أن تكون محلًّا لعقد مضاف إلى حال الحياة، وكذا لا تصلح لمَّا كان مضافًا إلى ما بعد الموت، وهو الوصية؛ لأن الفقهاء اشترطوا لصحة الوصية أن يكون المُوصَى به مالا مُتَقَوَّمًا، وأن يكون موجودًا في ملك الموصي عند إنشاء الوصية، إن كان المُوصَى به عينًا معينة بالذات، وأن يكون المُوصَى به مما يجري فيه الإرث، أو يصلُح أن يكون محلًّا للتعاقد حال حياة المُوصِي، ومما يدل على اعتبار
هذه الشروط في المُوصَى به قول الله تعالى: (كُتِبَ عليكم إذا حَضَرَ أحدَكم الموتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوصيةُ.. ) ورُوي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إنَّ اللهَ تَصَدَّق عليكم عند وفاتكم بثلُث أموالكم" وكل هذه الشروط مُفتَقَدة في حق من يُوصِي "يتبرع" بكل أعضائه أو بعضها بعد موته؛ لمُعالَجة المرضى بها بنقلها إلى أبدانهم، وذلك لأن هذه الأعضاء ليست محلاًّ للتعاقد كما سبق، وليست مما يجري فيه الإرث؛ لأنها ليست أعيانًا مالية، أو حقوقًا مالية شخصية أو عَيْنية، وليست مملوكةً للمُوصي، ولا تقبل التقويم بالمال، ولهذا فإن الوصية بها باطلة شرعًا باتفاق الفقهاء، ومن ثَمَّ فلا وجه لإيجاب تنفيذ الورثة أو غيرهم لهذه الوصية؛ لأن إلزامهم بتنفيذها فرع عن الحكم بصحتها، وهي وصية غير صحيحة باتفاق الفقهاء كما سبق.(29/62)
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
صاحب الحق في الطلاق ... العنوان
بعض الرِّجال يتزوَّجون في الغرب ، ثم يتركون زوجاتِهم لفترات طويلة قد تصل إلى ثلاث أو أربع سنوات، فهل يجوز للمركز الإسلامي أن يقوم بالتطليق على هؤلاء الأشخاص في حالتَي ما إذا تَمَّ الطلاق بالمحكَمة ولم يصدُر من الشخص ، أو كان الزواج إسلاميًّا "عرفيًّا" وكل ما يُراد هو الطَّلاق الإسلامي؟
... السؤال
17/05/2006 ... التاريخ
الشيخ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على سول الله ، وبعد:
فالطَّلاق مَنُوط شرعًا بالزوج ، ولا يقع من غيره إلا بالإنابة منه ، بطريق التفويض أو التوكيل ، ثُمَّ صاحب الولاية العامة : وهو القاضِي المسلم ، ولا يجوز لأي جهة أخرى بتطليق الزوجة من زوجها.
يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل:
إنّ الزواج رابطة وعَلاقة بين رجل وامرأة، قصد الشارع بها غَضَّ البصر والإحْصان وحِفظ الشَّرَف، والسَّكَن والمودّة، والرحمة بين الزوجين، وتعاونهما استبقاء للنوع الإنساني، وصيانة للمجتمع من همجيّة وفوضى الاختلاط المُضيِّع للنسل، والمُهدِر للأنساب، وحماية من الأمراض التناسليّة التي نشأت وتنشأ عن الاختلاط غير المشروع على نحو ما هو ذائع ومعروف. فشِرعة الزَّواج نعمة من الله على الإنسان، فيها العَفاف والطُّهر، وفيها السعادة والغِنَى، وفيها الارتباط الأُسَري المستقِرّ، غير أن هذه العَلاقة الزوجيّة قد تعتريها حالات تُفتقَد فيها المودّة والرحمة والسَّكَن والتعاون والقيام بحدود الله، كنُفور طبيعيّ بينهما بسبب تبايُن في أخلاقهما وتباعد في طباعهما وسلوكهما، وقد تنشأ أحداث تضطرِب بها حياتُهما، ويختَلُّ نظام معيشتِهما، فتَسُودُ الكراهيةُ ويعظُمُ الشِّقاق، ويبلغ حَدًّا لا ينفع فيه وعظ ولا نصح ولا صلح، فيكون الفراق أمرًا محتومًا؛ لأن رابطة الزواج حينئذٍ تُصبح هيكلًا بلا رُوح وغُلاًّ من غير رحمة ولا شفقة، ولا تُثمِر ثمرتَها، ولا تُؤتِي أُكُلَها، ولا تحقِّق ما أُريدَ منها، في نطاق أحكام الله ـ سبحانه ـ ويكون الإبقاء عليها في هذه الحال من أعظم الظُّلم، وأشد أنواع القَسوة، وسبيلًا للكيد من كل طرف إضرارًا بالآخر ، ودفعًا لهذه المَضارِّ شرع الله في القرآن الطلاق؛ حَلًّا لرابطة الزواج، متى ضاقت بالزوجين الحياة المشترَكة واشتدَّ الخُلْف بينهما، قال تعالى: (وإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) "الآية رقم 130 من سورة النساء".(29/63)
ومع شِرعة الطَّلاق ، وإنْ كان أبغضَ الحلال إلى الله، جعلَه الله بيدِ الرجل وحدَه، مُراعاة لِمَا طُبِعَ عليه كلٌّ من الرجل والمرأة : إذ الشأن في طبيعة المرأة والغالب في أحوالِها غَلَبة العاطفة على سلوكيّاتها، وبعض هذه العاطفة يكون محمودًا جيِّدًا كتربية الطِّفْل التي تقوم على العطف والحنان والشَّفقة البالغة التي تُحَبِّب إلى الأم الصبر والجَلَد في رعايتِه وإصلاحه ، وقد تكون العاطفة عاصفة بَغيضة وضَارّة في مواطِن أخرى، كمواطن الغضب التي لا تصفو منها العِشرة الزوجيّة، فقد يشتدُّ انفعالها ويحتَدُّ مِزاجُها وتندفع وراء عاطفتها الجارفة دون تَرَوٍّ ولا مُبالاة بالنتائج ضارّةً كانت أو نافعة، حسنة كانت أو سيئة، بل قد ترى النَّفع كله والحسن جميعه في تلبية داعي تلك العاطفة والاستجابة لمطالِبها العاجلة، دون أن تَترَيَّث وتتمهَّل إلى وقت تهدأ فيه ثورة نفسها ويحسُن فيه التفكُّر والتدبُّر في الأمر، والموازَنة بين داعي العقل وداعي العاطفة. وقد ترى المرأة في مواطن الرغبة أو تتخيَّل بارقة أمل في حياة أسعد وأهنأ من حياتها الزوجيّة، متأثِّرة بالعاطفة تأثُّرًا لا يَقِلُّ في عُنْفِه وقوّته عن تأثُّرها في مواطن الغضب. فلو أن أمر الطلاق إلى المرأة في هذه الحال لأساءَت استخدامَه ـ في الغالب ـ نزولًا على ما تخيَّلت وكانت عاقبة أمرِها خُسْرًا.
ولا يُغني هذا أن الرجل مجرّد من الانفعالات الضارّة ومعصوم من التأثُّر بنزعاتها؛ إذ في الرجال مَن هُمْ أسرعُ انفعالا وانسياقًا واندفاعًا، لكنْ ليس هذا هو الشأن والغالب في طبيعة الرَّجُل، بل يَغلِب عليه التريُّث والتمهُّل، والحرص كلَّ الحرص على دعم بناء العلاقة الزوجيّة التي أنفق في سبيلها من المال ما يحتاج إلى إنفاق مثله أو أكثر منه إذا طَلَّق وأراد عقْد زواج آخر، فهو لذلك وتقديرًا لالتزاماته التي تترتَّب على الطلاق كما ترتَّبت على الزواج يكون أصبرَ على ما يكرَه من المرأة، فلا يُبادِر إلى الطلاق لكلِّ غَضْبة يغضَبها، أو سيِّئة منها يشُقُّ عليه احتمالها، بل بحكم العقل والمصلحة، فإنْ رآها في الفِراق أقدمَ عليه، وإلا كفَّ عنه دون انسياق وراء الغضب؛ ولهذا لا يقع طلاق الصَّبِيّ والمجنون والغضبان الذي لا يُدرك ما يقول ولا ما يصدُر عنه؛ لفقدهم القُدرة على تقدير ومعرفة وجه المصلحة، أهي في البقاء والحفاظ على الرابطة الزوجية والعمل على إصلاحها، أم في حلِّها وإنهائها.
وإذا كان مُقتضى نصوص القرآن أن يكون الطَّلاق بيد الزوج حيث أسندَتْه إلى الرجل، وإطلاق إسناد فعل إلى فاعل يدُلُّ على الاختصاص به، قال تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْروفٍ ولاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ولاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ومَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الكِتَابِ والحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ واتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْروفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وأَطْهَرُ واللهُ يَعْلَمُ وأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) "الآيات رقم 230، 231، 232 من سورة البقرة"(29/64)
وقال سبحانه: (وإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ولاَ تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرٌ) "الآية 237 من سورة البقرة" ، وقال عزَّ وجَلَّ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدّتِهِنَّ.. ) "من الآية الأولى من سورة الطلاق" ، وقال جلَّ وعلا: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وأَبْكارًا) "من الآية 5 من سورة التحريم" ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمر في شأن ابنه عبد الله رضي الله عنهما: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها، أو ليطلِّقْها طاهرًا أو حاملًا" "رواه الجماعة إلا البخاري ـ نيل الأوطار للشوكاني جـ6 صـ221 ط. دار الحديث".
إلى غير هذا من الآيات والأحاديث الدّالّة على إسناد الطلاق إلى الرجل دون المرأة، الذي يشير دَلالة إلى اختصاصه به.
وإذا كانت حكمة الشَّريعة قد قضتْ بذلك؛ طلبًا لاستقرار الحياة الزوجيّة، فقد اقتضت عَدالتها أن يكون للزَّوجة حقُّ طلب التفريق بينها وبين زوجها : إذا وُجِدَ به عَيب من العيوب التي تفوت بها ثمرات الزواج أو تختَلُّ بها العِشرة والأُلفة، أو كان الزوج مُعْسِرًا بنفقتها، أو ممتنِعًا من الإنفاق عليها بغير حقٍّ، أو كان يُضارُّها ويُؤذيها، أو خافت على نفسها العَنَتَ والسُّقوط في مَهاوِي الرذيلة بسبب غَيبته أو حبسه، ووقع العنَت بينهما وتغيَّرت مَسيرتهما، ولم تُفلِح مساعِي الأهل والحكماء في إصلاح ذات بينهما، وأمسكَها الزوج إضرارًا بها وقسْرًا ـ كان لها أن ترفع أمرها إلى القضاء المسلم صاحب الولاية في هذا دون غيره؛ إذ ليس لغير المسلم ولاية على المسلم (ولَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنينَ سَبِيلًا) "من الآية 141من سورة النساء" وعلى القاضي المسلم متى عُرِضَ عليه النزاع أن يبادِر إلى عرض الصُّلْح، فإن أعرضَا أو أحدهما كان له أن يفرِّق بينها وبينه إذا ثبت لدَيه وقوع الإضرار من جانب الزَّوْج "انظر الآيات أرقام: 230،231، 231،232، 236،237، من سورة البقرة، الآية رقم: 49 من سورة الأحزاب والآية رقم: 1 من سورة الطلاق، والآية رقم: 5 من سورة التحريم".
لمّا كان ذلك وكانت نصوص القرآن والسُّنّة تقضي بأن الطلاق بيد الزوج دون الزوجة، يُباشِره بنفسه، وله أن يُنيبَ عنه غيره في إيقاعه إمّا بالتفويض أو بالتوكيل بالقيود التي يضعها هو لمَن يُنيبه إعمالًا للقاعدة العامة (إنَّ كل ما يجوز للإنسان التصرُّف فيه بنفسه جاز أن يوكِّل عنه فيه غيرَه وأن يكون وكيلًا فيه عن غيره، إلا ما استُثنِيَ) والطلاق مما تجوز فيه الوكالة والتفويض، وكان الظاهر من مُجْرَيات هذه الواقعة أن الزَّوج المعنيّ بالسؤال لم يوكِّل أحدًا في تطليق هذه الزوجة ولم يفوِّض غيره كذلك في الطلاق، فإنّه ليس لأحد أن يطلِّق عليه إلا القاضي المسلم بطريق الدعوَى القضائية.
وإذ كان ذلك فإنه لا يجوز للمركز الإسلامي ولا لأيِّ فرد أو جماعة أن يطلِّق على الزَّوج في غَيبته لأيِّ سبب من الأسباب تَدَّعِيه الزَّوجة؛ لأنَّه ليس سلطة قضائية ولا مفوَّضًا من قِبَل هؤلاء الأزواج، ولا وكيلًا عنهم، ولا حكَمًا ولا محكَّمًا من قِبَلِهما، سواء كان الزواج موثَّقًا رسمِيًّا أو استوفى شرائط العقد الصحيح دون توثيق، وهو(29/65)
ما يُطلَق عليه "عرفي". كما لا يجوز التقاضي أمام محكمة قاضيها غير مسلم؛ لأن طلاق القاضي غير المسلم على المسلم غير نافذ؛ إذ القاضي إنَّما يوقِع الطلاق على الغائب أو غيره بولايته العامة، ولا ولاية لغير المسلم على المسلم، لقوله تعالى: (ولَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنينَ سَبِيلًا) "من الآية 141من سورة النساء" ، وننصح الزوجة المسلمة التي تعثَّرت حياتُها الزوجيّة أن تسعى إلى الوِفاق مع زوجها على الطلاق بالأوجُه المشروعة التي شرحها الفقهاء أخذًا من نصوص القرآن والسُّنّة؛ كالطلاق خُلْعًا أو نظيرَ الإبراء من الحقوق الزوجيّة، ولها إنْ تَعذَّر الوِفاق مع الزوج على الطلاق أن ترفَع أمرها إلى قاضٍ مسلم بالإجراءات القضائيّة المقرَّرة في القوانين واللوائح، وفي أيِّ بلد فيه قضاء إسلامي في مسائل الأحوال الشخصيّة التي ألحقَها بعض الفقهاء بالعبادات دون التقيُّد بمَوطِن العقد.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الولاية على الصغير : أحكامها وضوابطها ... العنوان
من يملك الوصاية على الصغير؟ وإذا مات أبوه، وتولى الوصاية عليه أحد غيره فكيف ينفق عليه ؟
... السؤال
22/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأب أولى الناس بالولاية على ولده الصغير طالما كان حيا، فإذا مات الأب كان أولى الناس بالولاية عليه من عينه الأب وحدده لهذه المهمة، وإذا لم يعين الأب قبل وفاته وصيا على صغاره فإن الولاية تكون للجد والأم والحاكم.
وإذا كان الوصي فقيرا فله أن يأكل من مال الصغير بالمعروف، وأما النفقة على الصغير فإنها تكون من ماله على حسب حاله الاجتماعي والمادي.
يقول الشيخ سيد سابق –من علماء الأزهر- رحمه الله في كتابه ( فقه السنة):-
الولاية على الصغير والسفيه والمجنون تكون للأب. فإن لم يكن الأب موجودا انتقلت الولاية إلى الوصي لأنه نائبه. فإن لم يكن وصي انتقلت إلى الحاكم والجد والأم . وسائر العصبات لا ولاية لهم إلا بالوصية.
والواجب على الوصي أن يعمل في مال اليتيم والمحجور عليه بما ينميه ويزيد فيه.
وهل يجوز للولي أن يأكل من مال اليتيم؟
يقول الله تعالى (وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
أفادت هذه الآية أن الولي الغني لا حق له في مال اليتيم، وأن أجر ولايته مثوبة له من الله. فإن فرض له الحاكم شيئا حل له أكله.
أما إذا كان فقيرا فله أن يأخذ من ماله بالمعروف، أي المعروف في أجرة مثله لمثل العمل الذي يقوم به.(29/66)
قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها- في هذه الآية : نزلت في ولي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل بالمعروف. و عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم.
قال: فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرفٍ، ولا مبادر، ولا متأثِّلٍ"( المعنى أي لا تسارع إلى نهب أموالهم قبل البلوغ، ولا تجمع أموالهم لنفسك). والمراد النهي عن أخذ أكثر من أجرة المثل.
كيفية النفقة على الصغير؟
قال الله تعالى: (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)
قال القرطبي : (فالوصي ينفق على اليتيم على قدر ماله وحاله؛
فإن كان صغيرا وماله كثير اتخذ له ظئرا- أي مرضعا- وحواضن ووسع عليه في النفقة.
وإن كان كبيرا قدر له ناعم اللباس وشهي الطعام والخدم. وإن كان دون ذلك فبحسبه.
وإن كان ماله دون ذلك فخشن الطعام واللباس قدر الحاجة.
فإن كان اليتيم فقيرا لا مال له وجب على الإمام القيام به من بيت المال؛ فإن لم يفعل الإمام وجب ذلك على المسلمين الأخص به فالأخص. وأمه أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به. ولا ترجع عليه ولا على أحد.).
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
بين حضانة الأم وولاية الأب ... العنوان
إذا افترق الزوجان، واستحقت الأم الحضانة فهل يعني ذلك أنها أحق بالولاية على المحضونين من حيث السفر والتزويج وأخذ وثائق السفر والميلاد وما أشبه ذلك من أجل السفر، وفصلهم عن أبيهم، أم تقتصر حضانتها على التربية فقط؟ وإلى أي مدى تستمر الحضانة للأم؟ وجزاكم الله خيراً ... السؤال
04/06/2005 ... التاريخ
دائرة الشئون الإسلامية ـ دبي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
ولاية الأب قائمة على أولاده لا تزول باستحقاق المرأة للحضانة، أما انتقال الحاضنة بالصغير من وطنها ومحل العقد عليها إلى جهة بعيدة دون إذن الوالد يعد مسقطا لحقها في نفقته وأجر حضانته.
جاء في فتاوى دائرة الشئون الإسلامية - دبي الإمارات :
استحقاق الأم الحضانة لا يعني ولايتها على الأطفال المحضونين بحال؛ لأنَّ الحضانة معناها القيام بشئون الطفل وحفظه في بيته ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه(29/67)
وتنظيف جسمه، ونحو ذلك مما لا يقدر على القيام به الرجال عادة، بل هو من خصوصيات النساء، ولا يعني قيام الأم بهذه المهام أن تقوم بحق الولاية على الطفل من حيث التزويج أو السفر أو فصله عن أبيه أو نحو ذلك؛ لأن هذه من خصوصيات الأب إذِ الولاية له على أطفاله مادام موجوداً عاقلاً رشيداً.
فإن قامت الأم بفعل شيء من ذلك فهي متعدية على حق الأب، كما أن الولاية في النكاح خاصة بالرجال دون النساء، وإضافة الأولاد في جواز أبيهم أدعى لحفظ أنسابهم، والقيام بما تقتضيه الولاية من القيام بمالهم وحمايتهم، وكذا السفر بهم لا يجوز إلا برضا أبيهم حتى لا يضيعوا، وهو المسئول عنهم في ذلك أمام الله تعالى.
وعلى كل حال فليس للأم أكثر من القيام بما تقتضيه الحضانة مما تقدم ذكره، ما لم تتزوج أو يسافر أحدهما سفر انتقال لمسافة تزيد عن ستة برد وهي نحو مائة وثلاثة وثلاثين 133 كيلو تقريباً؛ فإن حضانتها حينئذ تسقط.
أما إلى متى تستمر الحضانة فإنها تستمر للبنت إلى أن تتزوج، ويدخل بها زوجها، وللولد إلى أن يبلغ قادراً على الكسب، كما هو مذهب السادة المالكية في المسألة.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حقوق الأيتام على الأوصياء ... العنوان
ما هي حقوق اليتيم على وليه أو وصيه؟ وإذا كان الطفل اليتيم له مال فهل يطالب وليه بالإنفاق عليه؟ وعلى من تقع المسئولية عن الضرر الناشئ عن أفعال الصغير؟ ... السؤال
23/05/2005 ... التاريخ
المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالولي أو الوصي مسئول عن رعاية من هم تحت ولايته من تعليم، وتأديب، وتطبيب، وتزويج، وتعلم حرفة، أو صنعة ونحو ذلك، وهذا من مقتضيات الولاية على النفس، وولايته على المال تقتضي : الحفاظ على أموال القصّر والأيتام، وتنميتها بالطرق المشروعة، والحرص على تثميرها بنفسه، أو بأيد أمينة، والنفقة على القاصر تكون من ماله –إن كان له مال- وإلا فنفقته على من تجب عليه نفقته، ولا تقف المسئولية عند هذا الحد ولكن الولي أو الوصي مسئول عن تصرفات الصغير وما ينشأ عنها من أضرار تلحق بالآخرين، والمسئولية: تعني التزام الولي أو الوصي، بالتعويض عن ضرر يصيب الآخرين ضررًا ماليًّا واقعًا فعلاً، يمس المال أو النفس أو الأعضاء، بسبب فعل الذين تحت الولاية أو الوصاية.
هذا خلاصة ما جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة وإليك نص القرار :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فنظرًا للأهمية الواضحة في ضرورة إعداد النشء الصالح، وجيل المستقبل، لتحمل أعباء الحياة، ومسئولياتها المتعددة، ولما للأولياء(29/68)
والأوصياء، من دور حيوي في هذا الإعداد، وبناء شخصية الولد، وصونه عن عوامل الضياع والخطأ، ولما نشاهده في الكثير من المجتمعات من تدهور الأخلاق، وحملة الأعداء على إفساد المسلمين في عقائدهم، وأخلاقهم، وإضعاف قوتهم. فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20من شعبان1415هـ 21/1/1995م، نظر في موضوع (مسئولية الأولياء والأوصياء، عمن تحت ولايتهم ورعايتهم، وعن تصرفات من تحت ولايتهم ورعايتهم) واتخذ القرار التالي:
تنقسم هذه المسئولية قسمين:
القسم الأول: مسئولية الولي أو الوصي نحو القُصّر، فيما يتعلق بتربيتهم وتوجيههم. وهذا الجانب الديني مهم جدًّا، فيجب على الأولياء والأوصياء، أن يولوه العناية الكاملة، عملاً بما ألزمهم به الله ورسوله، من واجبات، نحو إعداد التابعين لهم، في دينهم، وخلقهم، وسلوكهم، ورقابة تصرفاتهم، على المنهج الإسلامي الصحيح، وحمايتهم من التيارات الفكرية المعادية، ليكونوا ناشئة صالحة وقدوة حسنة، وجيلاً مؤمنًا حق الإيمان.
وهذا الواجب الإسلامي العام، إنما هو تنفيذ لواجب أمانة التكليف الإلهي، الملقى على عاتق الولي والوصي، وواجب الراعي المؤمن في قيادة رعيته، من أجل تحقيق واقع الاستقامة والصلاح، والاعتصام بالقرآن والسنة، واجتناب الفواحش والمنكرات، وكل وسائل الانحراف.
وهذا الواجب هو المعبر عنه فقهًا بالولاية بنوعيها:
(أ) الولاية على النفس: من تعليم، وتأديب، وتطبيب، وتزويج، وتعلم حرفة، أو صنعة، ونحو ذلك.
(ب) والولاية على المال: بالحفاظ على أموال القصّر والأيتام، وتنميتها بالطرق المشروعة، والحرص على تثميرها بنفسه، أو بأيد أمينة، ويظل الولي مطالبًا بالإنفاق بالمعروف على القاصر من ماله، حتى يؤنس منه الرشد، فإن لم يكن له مال، فعلى من تلزمه نفقته، ولا يسلم له ماله، حتى يبلغ ويثبت رشده، عملاً بقول الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء:6]. ويحذر الأولياء والأوصياء، من تمكين دعاة السوء، من الفئات المبتدعة الضالة، المنتسبة للإسلام وغيرهم، من تربية من تحت ولايتهم.
القسم الثاني: وهو المسئول عن أفعال القاصرين ونحوهم، وما ينشأ عنها من إضرار بالآخرين، وهذه مسئولية مالية، تدخل في اختصاص القضاء. والمسئولية: تعني التزام الولي أو الوصي، بالتعويض عن ضرر يصيب الآخرين ضررًا ماليًّا واقعًا فعلاً، يمس المال أو النفس أو الأعضاء، بسبب فعل الذين تحت الولاية أو الوصاية.
وأساس هذه المسئولية: هو الخطأ الفعلي، ولا يسأل الأولياء والأوصياء شرعًا، عن الأضرار الواقعة من الصغار والمجانين ونحوهم، إلا في حال التقصير في الحفظ، أو بسبب الإغراء، أو التسليط على مال الآخرين، أو الأمر لمن كان دون البلوغ.(29/69)
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
النكاح دون إذن الولي ... العنوان
هل يجوزأن تزو ج البكر نفسها بالكفؤ دون إذن وليها؟ ... السؤال
04/12/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
إن النكاح لا ينعقد عند المالكية بدون ولي للمرأة، لأن الولي من أركانه عندهم، وللولي إذا كان أباً تزويج ابنته البكر الكبيرة البالغة جبراً بدون إذنها ورضاها؛ سواء أكان الزوج كفؤا أو لا، وسواء أكان بمهر المثل أو لا، إلا أنه يشترط أن لا يزوجها لخصي أو عنين أو أبرص أو رقيق فليس له جبر في هذه الحالة، فإن فعل كان للمجبورة خيار الفسخ، ويستثنى من ذلك البكر البالغة التي بلغت رشدها ففي هذه الحالة لا يكون له عليها ولاية جبر ولا يصح زواجها إلا بإذنها، ويثبت رشدها بإقراره أو ببينة.
وإذا امتنع الولي المجبر (الأب) من تزويج من له الولاية عليها من الكفؤ الذي رضيت به جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليسأله عن سبب امتناعه فإن أظهر سببًا معقولاً ردها إليه وإلا أمره بتزويجها، فإن امتنع عن تزويجها بعد أمر الحاكم زوجها الحاكم.
ولا يعتبر الولي المجبر عاضلاً (مضيقًا عليها) ولو رد الكفؤ ردًا متكررًا، وإنما يعتبر عاضلاً إذا ثبت عليه أنه فعل ذلك قاصدًا المنع، لأن مجرد رد الخاطب لا يدل على العضل بل قد يكون لمصلحة يعلمها الولي وهو أشفق الناس على ابنته، فإن تحقق قصد الضرر ولو مرة أمره الحاكم بالتزويج ثم زوج إن لم ينفذ
وأما مذهب الحنفية فالولاية عندهم في النكاح نوعان؛ ولاية ندب واستحباب وهي الولاية على البالغة العاقلة بكرًا كانت أو ثيبًا، وولاية إجبار وهي الولاية على الصغيرة والمعتوهة والمرقوقة، فينعقد نكاح البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي بكرًا كانت أو ثيبًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر المذهب.
ورواية الحسن عن أبي حنيفة إن عقدت من كفؤ جاز ومع غيره لا يصح واختيرت للفتوى، وإن كنا نختار ظاهر المذهب؛ لأن الولاية عندهم على البالغة العاقلة ولاية استحباب فلا يتوقف صحة العقد معها على رضا الولي، فالعقد بدون إذنه ورضاه صحيح نافذ وهو لازم على الأولياء أيضًا متى كان الزوج كفؤًا وكان المهر مهر المثل
أما إذا كان الزوج غير كفؤ فالعقد لا يلزم الأولياء إلا إذا رضوا به فإذا لم يرضوا به فلهم حينئذ حق الاعتراض عليه وطلب فسخه وكذلك للأولياء حق الاعتراض إذا تزوجت بالكفؤ ونقص المهر عن مهر مثلها عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد(29/70)
ليس للأولياء الاعتراض إذا تزوجت بالكفؤ بأقل من مهر المثل ويخلص من ذلك أنه لا يصح للبكر البالغة أن تزوج نفسها بدون ولي عند المالكية، وللولي المجبر أن يزوجها بغير إذنها ورضاها إلا إذا رشدها الأب فلا يكون له عليها ولاية الجبر ولا بد حينئذ من رضاها، وأن الولي المجبر إذا منع الكفؤ بقصد الضرر وتحقق ذلك أمره الحاكم بتزويجها، فإن امتنع بعد أمر الحاكم زوجها الحاكم.
ويصح للبكر الحرة البالغة أن تزوج نفسها من الكفؤ بمهر المثل بدون ولي عند الحنفية، ويكون العقد صحيحًا نافذا لازما أما إذا زوجت نفسها من غير الكفؤ، وبأقل من مهر المثل فيكون للولي حق الاعتراض وطلب فسخ العقد على التفصيل السابق.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
أهمية الولاية فى الزواج ... العنوان
ما أهميه الولاية في الزواج في الغرب وآثارها ؟ ما أهم الكتب والمراجع في هّذا الموضوع ؟
... السؤال
10/06/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الولاية: الفقهاء اختلفوا في هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أو لا بد من وجود الولي؟ إذا كانت المرأة بالغة عاقلة رشيدة ، فالإمام أبو حنيفة ذهب إلى أنه يجوز للمرأة البالغة العاقلة الرشيدة سواء أكانت بكرا أم ثيبا أن تزوج نفسها، ولكن الأفضل عند مباشرة عقد الزواج أن يتولاه عنها عن طريق الوكالة شخص قريب لها؛ واستدل على ذلك ببعض آيات القرآن الكريم التي تضيف النكاح إلى المرأة مثل قوله تعالى: "ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" ومثل قوله تعالى : "حتى تنكح زوجا غيره" ففي الآيتين الكريمتين أسند فعل النكاح إلى المرأة، ويترتب على ذلك أنه يجوز لها أن تباشر العقد بنفسها أو بتوكيل من تشاء من أقاربها أو من المسلمين، والمذهب الثاني وهو مذهب جمهور الفقهاء يرى ان المرأة لا يجوز لها أن تزوج نفسها؛ لأن عقد الزواج عقد خاص له قداسته، ويتنافى مع حياء المرأة أن تتولى بنفسها العقد؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" وأنا أرى أن الذي يناسب الغرب ويناسب كثيرًا من البلاد الإسلامية في ظل التطور والمكانة التي وصلت إليها المرأة والخبرة التي حصلت عليها في الحياة، أقول: أرى أن مذهب الإمام أبي حنيفة أقرب إلى تحقيق هذا الغرض، لكن الإمام أبا حنيفة اشترط شرطين، وغرضه من هذين الشرطين أن يحافظ على حقوق أقارب الزوجة: الشرط الأول إذا زوجت المرأة البالغة العاقلة الرشيدة نفسها أن تزوج نفسها من الكفء، والشرط الثاني أن تزوج نفسها بمهر المثل. وأنا أرى أن الإمام أبا حنيفة لو كان حيًا بيننا الآن لتنازل عن هذين الشرطين؛ لأن الكفاءة الآن اختلفت مواصفاتها؛ ولأن المهر والنواحي المالية يمكن أن تقيمها المرأة، والمهر على كل حال ليس ركنا من أركان العقد، ولا شيئا أساسيا فيه، إنما هو أثر من آثار العقد.(29/71)
خصوصا وأن المرأة في الغرب وفي كثير من البلاد في العالم الآن أصبحت تعرف مصلحتها وتستطيع أن تقدر من هو الكفء
ومدى حاجتها إلى المهر. ويمكن الرجوع إلى كثير من كتب الفقه خصوصا الفقه الحنفي لمعرفة هذا الاتجاه، ومنها على سبيل المثال "فتح القدير" للكمال بن الهمام " ، ومنها كتاب "المبسوط" للسرخسي، ومنها حاشية "ابن عابدين" ومن الكتب المعاصرة كتاب "الزواج والطلاق" للشيخ محمد أبي زهرة "وأحكام الأسرة" للدكتور محمد بلتاجي، وكتاب "مكانة المرأة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور محمد بلتاجي.
وينبغي أن نضيف إلى ما سبق وجوب توثيق هذا العقد بالطرق القانونية المتبعة في كل بلد
ـــــــــــــــــــ
ولاية عقد النكاح تجوز للأم إذا لم يوجد عاصب
المفتي
محمد عبده .
شوال 1318 هجرية
المبادئ
1 - الولى فى النكاح هو البالغ العاقل الوارث ولو فاسقا ما لم يكن متهتكا أو سيىء الاختيار فسقا أو مجانة .
2 - يجوز ولاية الأم فى تزويج البنت القاصرة إذا لم يوجد عاصب
السؤال
بنات قاصرات مشمولات بوصاية أمهن فهل لها ولاية عقد زواج إحداهن متى شاءت مع وجود أخ عاصب فقط لهن ذى سمعة أو تكون الولاية أو للقاضى أو نائبة
الجواب
صرحوا بأن الولى فى النكاح هو البالغ العاقل الوارث ولو فاسقا على المذهب ما لم يكن متهتكا أو سيىء الاختيار فسقا أو مجانة قال فى الفتح وما فى البزازية من أن الأب أو الجد إذا كان فاسقا فللقاضى أن يزوج من الكفء غير معروف فى المذهب وفى القهستانى نقلا عن الكرمانى لو عرف سوء اختيار الب فسقا أو مجانة لم يجز عند الإمام وهو الصحيح، وحلموا كلام البزازى على كلام الكرمانى بأن يراد بالفاسق سيىء الاختيار وحملوا المذهب على ما إذا كان الفاسق غير سيىء الاختيار ولا متهتكا .
فأما شيىء الاختيار فتزويجه من غير كفء أو ينقص مهر باطل إجماعا .
وأما الفاسق المتهتك غير سىء الاختيار إذا زوج من غير كفء أو بنقص مهر فلا ينفذ تزويجه .
كذا قال علماؤنا ومنه يعلم أنه متى كان سوء سمعة الأخ العاصب المذكور فى السؤال بتهتكه أو سوء اختياره فسقا أو مجانة لا يجوز له أن يزوج واحدة من أخواته البنات المذكورات .
وحيث إن الولى فى النكاح العصبة على ترتيب الإرث .(29/72)
فإن لم يوجد عصبة فالولاية للأم وليس لهذا الأخ العاصب التزويج كما ذكر، ولم يوجد غيره من العصبة المقدم على الأم فيكون للأم ولاية تزويج بنتها القاصرة من كفء بمهر المثل واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
رجوع الولى عن تنازله عن الولاية جائز
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
صفر 1342 هجرية 23 سبتمبر 1923 م
المبادئ
للأب حق الرجوع عن تنازله عن ولاية ابنه القاصر
السؤال
تنازل والد عن ولايته الطبيعية على أولاده إلى زوجته أم أولاده المذكورين واستمر فى معاشرتها .
ثم ماتت الزوجة فأراد الوالد الرجوع إلى حقه الطبيعى فى ولايته على الأولاد القاصرين وإلغاء التنازل الذى صدر منه ولكن أم الزوجة جدة الأولاد تمسكت بهذا التنازل فهل يجوز شرعا الرجوع فى هذا التنازل واستمرار الوالد المذكور فى ولايته على أولاده
الجواب
قال صاحب الأشباه والنظائر فى قاعدة الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة بعد كلام ما نصه وظاهر كلام المشايخ رحمهم اللّه أن لها مراتب الأولى ولاية الأب والجد وهى وصف ذاتى لهما .
ونقل ابن السبكى الإجماع على أنهما لو عزلا أنفسهما لا ينعزلا انتهى .
ومنه يعلم جواب ما هو مسئول عنه واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
الولاية للجد عند عدم الايصاء
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
شعبان 1343 هجرية 5 من مارس 1925 م
المبادئ
بوفاة الأب دون إيصاء تكون الولاية إلى جد الصغير أب أبيه متى كان عدلا أمينا حسن التصرف
السؤال
إن ابن المرحوم سليمان أفندى يستحق فى تركة والده مبلغا فهل هذا المبلغ يودع تحت يد عمه شقيق والده أو يودع تحت يد جده والد والده بصفته وليا شرعيا أو يسلم لوالدته مع العلم بأن جميع من ذكروا حسنو السير والسيرة والأخلاق الحميدة بأكل الأوصاف المعتبرة شرعا مع العلم بأن القاصر المذكور لم يعين عليه وصى مطلقا لا أمه ولا غيرها والأب المتوفى لم يوص أفيدونا بالجواب(29/73)
الجواب
نص الفقهاء على أن الولاية فى مال الصغير إلى الأب ثم وصيه ثم وصى وصيه ثم إلى الجد أب الأب .
ومن ذلك يعلم أنه حيث مات الأب فى حادثة السؤال ولم يوص تكون الولاية إلى جد الصغير أب أبيه متى كان عدلا أمينا حسن التصرف واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 324)
فَصْلٌ عُمُومُ الْوِلَايَاتِ وَخُصُوصُهَا وَمَا يَسْتَفِيدُهُ الْمُتَوَلِّي بِالْوِلَايَةِ يَتَلَقَّى مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعُرْفِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ . فَقَدْ يَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْقُضَاةِ فِي بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ مَا يَدْخُلُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ فِي مَكَانٍ وَزَمَانٍ آخَرَ ؛ وَبِالْعَكْسِ . وَكَذَلِكَ الْحِسْبَةُ وَوِلَايَةُ الْمَالِ . وَجَمِيعُ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ هِيَ فِي الْأَصْلِ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَمَنَاصِبُ دِينِيَّةٌ فَأَيُّ مَنْ عَدَلَ فِي وِلَايَةٍ مِنْ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ فَسَاسَهَا بِعِلْمِ وَعَدْلٍ وَأَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَهُوَ مِنْ الْأَبْرَارِ الصَّالِحِينَ وَأَيُّ مَنْ ظَلَمَ وَعَمِلَ فِيهَا بِجَهْلِ فَهُوَ مِنْ الْفُجَّارِ الظَّالِمِينَ . إنَّمَا الضَّابِطُ قَوْله تَعَالَى { إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } { وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : فَوِلَايَةُ الْحَرْبِ فِي عُرْفِ هَذَا الزَّمَانِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ وَالْمِصْرِيَّةِ تَخْتَصُّ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الَّتِي فِيهَا إتْلَافٌ مِثْلَ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَعُقُوبَةِ الْمُحَارِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَدْ يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ الْعُقُوبَاتِ مَا لَيْسَ فِيهِ إتْلَافٌ ؛ كَجَلْدِ السَّارِقِ . وَيَدْخُلُ فِيهَا الْحُكْمُ فِي الْمُخَاصَمَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ ؛ وَدَوَاعِي التُّهَمِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا كِتَابٌ وَشُهُودٌ . كَمَا تَخْتَصُّ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ بِمَا فِيهِ كِتَابٌ وَشُهُودٌ وَكَمَا تَخْتَصُّ بِإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَالْحُكْمِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ؛ وَالنَّظَرِ فِي حَالِ نُظَّارِ الْوُقُوفِ وَأَوْصِيَاءِ الْيَتَامَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ .
وَفِي بِلَادٍ أُخْرَى كَبِلَادِ الْمَغْرِبِ : لَيْسَ لِوَالِي الْحَرْبِ حُكْمٌ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لِمَا يَأْمُرُ بِهِ مُتَوَلِّي الْقَضَاءِ ؛ وَهَذَا اتَّبَعَ السُّنَّةَ الْقَدِيمَةَ ؛ وَلِهَذَا أَسْبَابٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ وَالْعَادَاتِ مَذْكُورَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ خَلَّفَ وَلَدًا ذَكَرًا وَابْنَتَيْنِ غَيْرَ مُرْشِدَتَيْنِ وَأَنَّ الْبِنْتَ الْوَاحِدَةَ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجِ وَوَكَّلَتْ زَوْجَهَا فِي قَبْضِ مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنْ إرْثِ وَالِدِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ . فَهَلْ لِلْأَخِ الْمَذْكُورِ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا ؟ وَهَلْ يَطْلُبُ الزَّوْجُ بِمَا قَبَضَهُ وَمَا صَرَفَهُ لِمَصْلَحَةِ الْيَتِيمَةِ ؟ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : لِلْأَخِ الْوِلَايَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِذَا فَعَلَتْ مَا لَا يَحِلُّ لَهَا نَهَاهَا عَنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ سَفِيهَةً فَلِوَصِيِّهَا إنْ كَانَ لَهَا وَصِيٌّ الْحَجْرُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ يَحْجُرُ عَلَيْهَا وَلِأَخِيهَا أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ .
ـــــــــــــــــــ
الولاية في النكاح
س - أبلغ الأربعين ، قبل عامين ونصف العام التزمت بالتعاليم الدينية خطبت إلى شاب ، واستطاع بحيلة أن يختلي بي قائلاً أنت زوجتى والدليل أن بعض أهل العلم(29/74)
أباحوا الزواج بدون إشهار وأعلنوا الزواج فيما بعد ، وأيضا اعتماداً على مذهب الإمام مالك الذي قال " لا يرجم من تزوج بدون إشهار " فما الحكم ؟ خاصة وأني أقيم بمفردي وقد منعته من زيارتي لكنه يقول " أنت زوجتي كيف تمنعيني ؟ وعندما طالبته بأحضار شهود ووالدي أدعى أنه يبحث عن شاهدين يكتمان الخبر حاليا حتى لا تعلم زوجته لأنه يود إخبارها بنفسه فيما بعد ؟
ج- الزواج لا يصح إلا بولي ولاي مكن لأحد أن يتزوج امرأة بولي من عصباتها يقدم الأول فالأولى حسب الترتيب الشرعي ، والزواج بغير ولي زواج فاسد غير صحيح ، وذلك بدلالة الكتاب والسنة بقول الله - تعالى - " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " ففي الزوج قال لا تنكحوا المشركات ، وفي الزوجة قال لا تنكحوا المشركين ، فدل على أن الزوجة لا تستقل بنفسها في إنكاح نفسها .
وقال الله - تعالى - " وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمانكم " فقال " وأنكحوا " ووجه الخطاب إلى الأولياء في تزويج الأيامي .
وقال الله -تعالى- " ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " ولولا أن الولي شرط لم يكن لعضله أثر . وقال النبي ، - صلى الله عليه وسلم -، " لا نكاح إلا بولي " وقال ، - صلى الله عليه وسلم - ، " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن " وقالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال " أن تسكت " .
وعلى هذا فقول هذا الرجل الذي توصل بهذه الحيلة إلى الخلوة بالمرأة " أنت زوجتي " لا تكون بهذا القول زوجة له ، بل لابد من الولي ، وأما إشهار النكاح وإعلانه فقد اختلف فيه العلماء ، فذهب بعض أهل العلم أنه لابد من الإعلان ، وذهب آخرون إلى أن الإشهاد كاف عن الإعلان .
ومهما كان فإن دعوى هذا الرجل أن السائلة زوجته دعوى كاذبة لا أساس لها من الشرع ، والواجب أن تتصل هذه المرأة بأوليائها حتى يمنعوه منها .
الشيخ ابن عثيمين
ـــــــــــــــــــ
الأحق بالولاية في تزويج البنت
س - أنا شاب في العقد الثالث من عمري يتيمة الوالدين وليس لي من القرابة سوى ما يلي
1- ابن عم شقيق ( زوج أختي ) . ... 2- خال شقيق أمي . ...
3- أبناء أخواتي ، وهم بالغون . ... ... 4- أباء عمومة لأبي . فمن يكون المحرم من هؤلاء ومن له الحق في تزويجي منهم ؟
ج- الأحق بالولاية في تزويجك هو ابن عمك الشقيق لكونه أقرب عصبتك حسب ما ذكرت في السؤال ، أما خالك وأبناء أخواتك فليسوا أولياء في الزواج ، لأنهم ليسوا عصبة لكنهم محارم لك . أما أبناء عمومة أبيك فهم أولياء لك في النكاح بعد ابن العم الشقيق ، ولكنهم ليسوا محارم لك . لأنهم يجوز لكل واحد منهم أن يتزوجك إذا لم يكن هناك مانع من رضاع أو مصاهرة .
الشيخ ابن باز(29/75)
ـــــــــــــــــــ
مشروع الاتفاقية الدولية باختطاف الأطفال
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
15 ربيع الآخر 1400 هجرية - 2 مارس 1980 م
المبادئ
1 - ينتهى حق الحضانة ببلوغ الصغير سن العاشرة والصغيرة اثنتى عشرة سنة، ويجوز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة بدون أجر حضانة إذا اقتضت مصلحتهما ذلك طبقا للمادة رقم 20 ق 44 لسنة 1979 .
2 - لكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة اتفاقا .
وإذا تعذر ذلك نظم القاضى الرؤية، على أن تتم فى مكان لايضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا، ولا يجوز نقله إلى غير محل إقامة الحاضن إلا بموافقه أو انتهاء مدة الحضانة
السؤال
بالكتاب الوارد إلينا من السيد المستشار وكيل وزارة العدل لشئون التشريع المطلوب به رأى الشرع فى الأحكام الواردة فى مشروع الاتفاقية الخاصة بالنواحى المدنية لاختطاف الأطفال الذى كانت قد تمت الموافقة عليه فى 16 نوفمبر 1979 من اللجنة الخاصة بالاختطاف الدولى للأطفال بوساطة أحد الأبوين المنبثقة من مؤتمر لاهاى للقانون الدولى الخاص لاسيما ما حوته المادتان 4، 12 من هذا المشروع .
حضرة صاحب الفضيلة / مفتى جمهورية مصر العربية تحية طيبة وبعد، نتشرف بأن نبعث لسيادتكم رفق هذا نسخة مترجمة إلى اللغة العربية من مشروع الاتفاقية الخامسة بالنواحى المدنية لاختطاف الأطفال الذى تمت الموافقة عليه فى 16 نوفمبر 1979 من اللجنة الخاصة بالاختطاف الدولى للأطفال أحد الأبوين المنبثقة من مؤتمر لاهاى للقانون الدولى الخاص .
فنرجو التفضل بابداء الرأى الشرعى فى نصوص المشروع وبخاصة المادتين 4 و 12 منه حتى يتسنى الرد على كتاب وزارة الخارجية فى شأن ملائمة انضمام جمهورية مصر العربية الى الاتفاقية من عدمه وتفضلوا بقبول وافر الاحترام وكل وزارة العدل لشئون التشريع أحمد أبو العز المشروع الابتدائى للاتفاقية الخاصة بالنواحى المدنية للاختطاف الدولى للاطفال أقرته اللجنة الخاصة فى 16 نوفمبر 1979 الفصل الأول مجال تطبيق الاتفاقية المادة الأولى هذه الاتفاقية موضوعها (أ) ضمان الاعادة السريعة للاطفال المنقولين ظلما أو المحتجزين بطريقة غير مشروعه فى كل دولة من الدول المتعاقدة .
(ب) وأيضا ضمان الانتفاع الفعلى بحق الحضانة وبحق الزيارة فى كل دولة من الدولة المتعاقدة .
المادة الثانية تتخذ الدول المتعاقدة التدابير الملائمة لكى تضمن فى حدود أقاليمها تحقيق أهداف الاتفاقية .(29/76)
يتعين عليها أن تتخذ أسرع الإجراءات المتاحة لها .
المادة الثالثة نقل الطفل وعدم اعادته يعتبران غير مشروعين عندما يقعان انتهاكا لحق الحضانة التى يمارسها فعلا شخص (أو مؤسسة) منفردا أو منضما، ويكون مخولا بقانون دولة الاقامة المعتادة للطفل قبل نقله أو احتجازه مباشرة، سواء بحكم القانون، أو بقرار قضائى أو ادارى أو باتفاق له قوة القانون فى هذه الدولة .
المادة الرابعة تطبق الاتفاقية على لك طفل تقل سنه عن (16 سنة) كانت اقامته المعتادة فى دولة متعاقدة قبل الاعتداء على حقوق الحضانة أو الزيادة مباشرة .
المادة الخامسة يعنى فى تطبيق هذه الاتفاقية (أ) تعبير حق الحضانة يعنى حق العناية بشخص الطفل، وخاصة حق تحديد محل اقامته .
(ب) تعبير حق الزيارة يتضمن خاصة حق اصطحاب الطفل لفترة محددة لمكان آخر غير محل أقامته المعتادة .
الفصل الثانى السلطات المركزية المادة السادسة تعين كل دولة متعاقدة سلطة مركزية يناط بها القيام بالالتزامات التى تفرضها عليها الاتفاقية لكل دولة فيدرالية أو دولة نظم قانونية متعددة نافذة تعيين أكثر من سلطة مركزية وتحديد الامتداد الاقليمى لسلطات كل واحدة منها .
تعين الدولة التى تستعمل هذه الرخصة السلطة المركزية التى يمكن توجيه الطلبات اليها بقصد ارسالها إلى السلطة المركزية فى هذه الدولة .
المادة السابعة يجب على السلطات المركزية أن تتعاون فيما بينها وأن تشجع التعاون بين السلطات المختصة فى دولها ضمان الاعادة السريعة للاطفال، وتحقيق الاهداف الاخرى لهذه الاتفاقية .
وبصفة خاصة فانه يتعين عليها، اما مباشرة، واما بواسطة سلطات مختصة فى دولها (أ) اتخاذ الخطوات لاكتشاف مكان الطفل المنقول أوالمحتجز بطريقة غير مشروعة .
(ب) أن تتخذ بنفسها أو بواسطة غيرها كل تدبير مؤقت يفيد فى منع اخطار جديدة للطفل أو أضرار أخرى للاطراف ذات الشأن .
(ج) تبادل - اذا ثبت هذا انه نافع - المعلومات المتعلقة بالمركز الاجتماعى لطفل .
(د) تتخذ بنفسها أو بواسطة غيرها كل تدبير مناسب سواء لضمان اعادة الطفل الاختيارية، أو لتسهيل الحل الودى .
(هاء) اعطاء معلومات ذات طابع عام عن مضمون قانون دولتها فيما يتعلق بتطبيق الاتفاقية .
(و) اتخاذ أو تشجيع اتخاذ اجراء قضائى أو ادارى بقصد اعادة الطفل، وعند الاقتضاء، تحديد أو السماح بممارسة حق الحضانة أو حق الزيارة .
(ك) أن تمنح أو تسهل عند الاقتضاء، الحصول على المساعدة القضائية والقانونية وتشمل خدمات المحامى .
(ز) أن تتخذ الاجراءات الادارية اللازمة والملائمة بقصد ضمان اعادة الطفل سالما .(29/77)
الفصل الثالث اعادة الطفل المادة الثامنة كل شخص يدعى أن حقه فى الحضانة قد انتهك يجوز له لكى يضمن اعادة ان يبلغ السلطة المركزية لمحل الاقامة المعتادة للطفل أو سلطة أى دولة أخرى متعاقدة، وينبغى أن يتضمن الطلب (أ) التفاصيل المتعلقة بشخصية الطالب والطفل، والشخص الذى يدعى أنه نقل الطفل أو احتجزه .
(ب) تاريخ ميلاد الطفل .
(ج) الاسباب التى يستند عليها الطالب فى طلب اعادة الطفل .
(د) كل المعلومات الممكنة المتعلقة بمحل وجود الطفل وهوية الشخص الذى يدعى بوجود الطفل لديه .
(ج) الأسباب التى يستند عليها الطالب فى طلب اعادة الطفل .
(د) كل المعلومات الممكنة المتعلقة بمحل وجود الطفل وهوية الشخص الذى يدعى بوجود الطفل لديه .
يجوز أن يكون الطلب مصحوبا أو مكملا ب- - صورة طبق الاصل مصدق عليها من أى قرار يفيد فى هذا الشأن أو أى اتفاق له قوة القانون .
- شهادة أو اقرار مصدق عليه صادر من السلطة المختصة لدولة محل الاقامة المعتادة للطفل أو من أى شخص آخر ذى صفة بشأن النصوص التشريعية عن حق الحضانة فى هذه الدولة .
- أى مستند آخر خاص بهذا الشأن .
المادة التاسعة قبل اتخاذ أى اجراء قضائى أو ادارى تتخذ الجهة المركزية للدولة التى يوجد بها الطفل بنفسها أو بواسطة كل اجراء من شأنه ضمان تسلميه الاختيارى .
المادة العاشرة يجب على الجهات القضائية أو الادارية لكل دولة متعاقدة ان تبت على وجه السرعة فى طلبات اعادة الطفل، وإذا لم تفصل هذه الجهات فى خلال ستة أسابيع من تاريخ تسلمها الطلب فإنه يتعين على السلطة المركزية للدولة المطلوب منها أن تخطر الطالب والسلطة المركزية للدولة الطالبة مع اعطائها الاسباب .
ولا يقوم الالتزام المفروض على السلطة المركزية للدولة المطلوب منها بمقتضى هذه الفقرة إلا عندما تكون هذه السلطة قد أخطرت بالطلب المادة الحادية عشرة عند انتهاك حق الحضانة فى حكم المادة 3 وعندما تكون مدة تقل عن ستة أشهر من وقت تقديم الطلب قد انقضت ابتداء من تاريخ انتهاك حق الحضانة فغن السلطان القضائية أو الادارية للدولة التى يوجد بها الطفل تأمر بعودته الفورية .
غير أن السلطان القضائية عندما تكون إقامة الطفل مجهولة فان قترة الستة أشهر المشار إليها فى الفترة السابقة تبدأ منذ اكتشاف الطفل دون أن تجاوز سنة ابتداء من انتهاء حق الحضانة .
المادة الثانية عشرة ورغم نصوص المادة السابقة فان السلطان القضائية أو الادارية للدولة المطلوب منها ليست ملزمة بأن تأمر باعادة الطفل إذا أثبت الشخص الذى نقل الطفل أن ( أ ) أنه فى وقت انتهاك المدعى لم يكن الطالب يباشر فعلا أو يحسن نية حق الحضانة على الطفل .(29/78)
( ب ) أو أنه يوجد خطر جسيم فى حالة عودة الطفل ستعرضه للخطر الجسمانى أو النفسى أو أن هذه الحضانة ستضعه فى مركز لا يحتمل .
ويجوز أيضا للسلطات القضائية أو الادارية أن ترفض عودة الطفل اذا لاحظت أنه يعارض فى عودته وانه قد بلغ سنا ودرجة من النضج من المناسب أن يعتد فيها بوجهة نظره .
فى تقدير الظروف المشار إليها فى هذه المادة يتعين على السلطان القضائية أو الادارية أن تأخذ فى الحسبان المعلومات المقدمة من السلطة المركزية لدولة محل الاقامة المعتادة للطفل عن مركزه الاجتماعى .
المادة الثالثة عشرة عند الفصل فى طلب اعادة الطفل فان السلطان القضائية أو الادارية تأخذ فى الحسبان قانون دولة الاقامة المعتادة قبل نقله كما هو منصوص عليه فى المادة 3 .
المادة الرابعة عشرة يجوز للسلطات المركزية القضائية أو الادارية لدولة متعاقدة أن تطلب من سلطات دولة الاقامة المعتاد للطفل أن تتخذ جميع الخطوات العملية للحصول على قرار أو شهادة قضائية تثبت أن الطفل قد نقل أو احتجز، وأن، هذا النقل أو عدم اعادة الطفل كان أمرا غير مشروع فى حكم المادة 3 من هذه الاتفاقية .
المادة الخامسة عشرة نصوص هذا الباب لا تمنع سلطة الجهات القضائية أو الادارية أن تأمر باعادة الطفل بعد انتهاء المدة المشار إليها فى المادة 11 .
المادة السادسة عشرة ان القرار الخاص باعادة الطفل لا يسمى حق الحضانة .
الباب الرابع حق الزيارة المادة السابعة عشرة يجوز تقديم طلب بتحديد أو حماية ممارسة حق الزيارة الى السلطة المركزية لاحد الدول المتعاقدة طبقا لنفس الاوضاع الخاصة بطلب اعادة الطفل .
وتلتزم السلطات المركزية التعاون المنصوص عليه فى المادة 7 لضمان الممارسة الهادئة لحق الزيارة، وتوفير كل الشروط التى تخضع لها ممارسة هذا الحق والتغلب بقدر الامكان على العقبات التى من شأنها أن تعترض مباشرة هذه الحقوق .
ويجوز للسلطات المركزية أن تمارس مباشرة أو بواسطة السلطات المختصة فى دولتها أن تتخذ أو تساعد فى اتخاذ أجراء قانونى بقصد تحديد أو حماية حق الزيارة والشروط التى قد يخضع لها ممارسة هذا الحق .
الباب الخامس أحكام عامة المادة الثامنة عشرة لا يجوز فرض أى كفالة أو وديعة تحت أى اسم على الشخص الذى يقيم عادة فى دولة متعاقدة كشرط أولى لاتخاذ اجراءات قضائية تدخل فى نطاق الاتفاقية .
المادة التاسعة عشرة لا يطلب أى تصديق أو أى اجراء مماثل فى نطاق الاتفاقية .
المادة العشرون كل طلب وكل ابلاغ وأيضا كل المستندات موجهة إلى السلطة المركزية للدولة المطلوب فيها فى لغتها الاصلية مصحوبة بترجمة فى اللغة الرسمية أو احدى اللغات الرسمية لهذه الدولة .
فإذا تعذر ذلك فبترجمة فرنسية أو انجليزية .(29/79)
غير أن للدولة المتعاقدة أن تعترض على استعمال الفرنسية أو الانجليزية عملا بالتحفظ المنصوص عليه فى المادة العاشرة .
المادة الواحدة والعشرون لمواطنى الدولة المتعاقدة والأشخاص المقيمين عادة فى هذه الدولة الحق كل ما يتعلق بتطبيق الاتفاقية، فى المساعدة القضائية والقانونية فى جميع الدول المتعاقدة الاخرى كما لو أنهم من مواطنى الدولة الأخرى ويقيمون بها عادة .
المادة الثانية والعشرون تتحمل كل سلطة مركزية نفقاتها الخاصة عند تطبيق الاتفاقية ولا تفرض السلطة المركزية والسلطات الادارية الاخرى للدولة المتعاقدة أى أعباء فيما يتعلق بالطلبات المقدمة طبقا لهذه الاتفاقية .
ولكن يجوز ( أ ) طلب سداد كل النفقات التى لا يغطيها نظام المساعدة القضائية والتى قد تترتب على الاستعانة بالمحامين أو وكلاء الدعاوى .
( ب ) طلب دفع النفقات المترتبة على اعادة الطفل إلى وطنه .
المادة الثالثة والعشرون عندما يكون من الواضح عدم توافر الشروط التى تقتضيها الاتفاقية وأن الطلب لا أساس له فإن السلطة المركزية لا تكون ملتزمة بقبول الطلب .
وفى هذه الحالة تخطر السلطة المركزية فورا الطالبة أو السلطة المركزية التى أبلغتها الطلب باعتراضاتها .
المادة الرابعة والعشرون لكل سلطة مركزية أن تطلب أن يكون الطلب مصحوبا بتصريح يحولها سلطة العمل باسم الطالب أو تعيين شخص أو مؤسسة لهما صلاحية العمل باسمها .
المادة الخامسة والعشرون لا تحول هذه الاتفاقية دون تقديم الشخص الذى انتهك حقه فى الحضانة أو الزيارة من أن يخاطب مباشرة السلطات القضائية أو الادارية للدول المتعاقدة .
المادة السادسة والعشرون كل طلب مقدم للسلطان المركزية للدول المتعاقدة طبقا لأحكام الاتفاقية الحالية وأيضا كل المستندات والمعلومات التى قد ترفق أو تقدمها سلطة مركزية تكون مقبولة أمام محاكم الدول المتعاقدة .
المادة السابعة والعشرون بالنسبة إلى الدولة التى لها فى مادة حماية الاطفال نظامان قانونيان أو أكثر واجبة التطبيق فى وحدات أقليمية مختلفة ( أ ) كل احالة إلى مكان الاقامة المعتادة فى هذه الدولة تفسر على انه يحيل إلى الاقامة المعتادة فى وحدة اقليمية من هذه الدولة .
( ب ) كل اشارة إلى قانون دولة الاقامة المعتادة تفسر على أن المقصود بها هو قانون الوحدة الاقليمية التى بها أقامة الطفل المعتادة .
المادة الثامنة والعشرون فيما يتعلق بأحدى الدول المتعاقدة التى لها فى مادة حضانة الاطفال نظامان قانونيان أو أكثر واجبة التطبيق على فئات مختلفة من الاشخاص فان كل اشارة إلى قانون هذه الدولة يقصد بها النظام القانونى الذى يعينه قانونها .(29/80)
المادة التاسعة والعشرون لا تلتزم الدولة التى لوحداتها الاقليمية المختلفة قواعدها القانونية الخاصة فى مادة حضانة الاطفال بتطبيق هذه الاتفاقية عندما لا تكون الدولة ذات النظام القانونى الموحد غير ملتزمة بتطبيقها .
مادة العلامات بالاتفاقيات الأخرى تقررها الدورة الرابعة عشرة .
مادة التطبيق الانتقالى للاتفاقية تقرره الدورة الرابعة عشرة .
مادة ( التحفظات مقبولة ) .
مادة تدرج فى الشوط النهائية يجوز للدولة المتعاقدة التى تشمل وحدتين أو أكثر من الوحدات الاقليمية التى لها قواعدها القانونية الخاصة فى مادة حضانة الاطفال عند التوقيع أو التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام، أن تصرح أن الاتفاقية الحالية ستمتد إلى كل هذه الوحدات الاقليمية أو إلى واحدة أو أكثر من بينها، ويجوز لها فى كل وقت تعديل هذا التصريح بتقديم تصريح جديد .
تبلغ هذه التصريحات إلى وزارة خارجية مملكة هولندا، وتذكر صراحة الوحدات الاقليمية التى ينطبق عليها الاتفاقية
الجواب
أولا إن الإسلام نظم تربية الطفل منذ ولادته وحدد الولاية عليه فى ثلاث مراحل المرحلة الأولى ولاية تربيته، وهى فى الفترة التى يعجز فيها الطفل عن أن يقوم بحاجاته التى تتوقف عليها حياته بنفسه ، وتسمى مرحلة الحضانة، ويعرفها الفقهاء بأنها تربية الولد ( ذكرا كان أو أنثى ) والقيام على أمور طعامه ولباسه ونظافته وتعليمه وتطبيبه .
المرحلة الثانية الولاية على النفس .
ومهمتها الحفظ والتأديب وإحسان التوجيه إلى الطريق الذى يسلكه الولد فى حياته، وإكمال تعليمه بأن يكون عضوا نافعا فى مجتمعه يؤدى حقوق الله وحقوق العباد .
المرحلة الثالثة الولاية على المال لتدبير شئون أموال الصغير وإدارتها وتنميتها إن كان ذا مال حتى يبلغ رشده وأشده ويحسن التصرف فيها .
وجعل الإسلام المرحلة الأولى من حق الأم وواجبها أو من يليها من الحاضنات، وأناط المرحلتين الأخيرتين بالأب أو من يقوم مقامة من القصبة فى عمود النسب الأبوى .
وجرى التشريع المصرى فى نطاق أرجح الأقوال فى فقه المذهب الحنفى، فحدد أقصى سن حضانة النساء للصبى بتسع سنين قمرية، وأقصاها للبنت إحدى عشرة سنة قمرية ( المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ) .
ثم استبدلت هذه المادة بالمادة 20 من القانون رقم 44 لسنة 1979 ونصها ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتى عشرة سنة، ويجوز للقاضى بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة، والصغيرة حتى تتزوج فى يد الحاضنة بدون أجر حضانة إذا تبين أن مصلحتهما تقضتى ذلك .
ولكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين .(29/81)
وإذا تعذر تنظيم الرؤية اتفافا نظمها القاضى على أن تتم فى مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا .
لما كان ذلك وكانت الشريعة الإسلامية قد جرت أحكامها على توفير الاستقرار والأمان للطفل ببقائه فى يد صاحب الحق الشرعى فى حضانته ومنع نقله من مكانه إلى غير محل إقامة الحاضن إلا بموافقة، أو بانتهاء مدة الحضانة المقررة فى القانون إلى مرحلة أخرى من المراحل سالفة الذكر وكان مشروع الاتفاقية المعروض يهدف إلى ذلك فى الجملة يكون مقبولا شرعا بالتحفظات التالية إنه لا يجوز للأم وهى حاضنة لطفلها أن تسافر به إلى مكان يبعد عن محل إقامة الأب بعدا لا يمكنه من زيارته ورؤيته ثم العودة إلى مقره فى ذات اليوم بوسائل السفر المعتادة لمثله، فإن فعلت سقط حقها فى الحضانة، ومنعت جبرا من السفر به دون موافقة من أبيه، وكذلك الشأن بالنسبة للأب يمنع جبرا من أخذ الولد ( الذكر أو الأنثى ) وإخراجه من محل إقامة الحاضنة القائمة فعلا وصاحبة الحق فى حضانته بغير رضاها وموافقتها .
ثانيا عن المادة الرابعة من المشروع إن للتسمية فى اللغة العربية والشريعة معالم تنتهى إليها .
فلفظ طفل يطلق على المذكر وعلى المؤنث ويبقى هذا الاسم للولد ( ذكرا أو أنثى ) حتى يميز، ثم يقال له بعد ذلك صبى إن كان ذكرا وصبية إن كان أنثى .
وعند الفقهاء . الولد طفل ما لم يراهق الحلم ،أى ما لم يبلغ بالعلامات الطبيعية التى يتغير بها جسده، وهو الاحتلام والإحبال للذكر والحيض والحبل للأنثى .
وقد يكون البلوغ بهذه العلامات لشرعية قبيل سن العاشرة أو بعدها للبنت، وفى الثانية عشرة أو بعدها للصبى .
وجمهرة الفقهاء على أنه إذا لم تظهر تلك العلامات والتغيرات الجسدية على الصبى أو الصبية حتى بلغ أو بلغت سن الخامسة عشرة بالسنين القمرية كان بالغا بالسن ، ودخل بهذا فى نطاق التكاليف الشرعية، وصار مسئولا عن فروض ربه وواجبات دينه ومجتمعه .
وعلى هذا جرى نص المادة 20 بالقانون رقم 44 لسنة 1979 فى إنهاء حضانة الصبى ببلوغه سن الخامسة عشرة من العمر، حيث ترتفع يد والديه عن إجباره على الإقامة مع أى منهما، وإن كانت ولاية أبيه على نفسه نظرا ورعاية ونصحا وتوجيها لا ترتفع إلا بظهور رشده، وللأب إجباره على الإقامة معه - بحكم قضائى - إذا انحرف .
لما كان ذلك كان نص هذه المادة حين ارتفع بالسن الذى تنتهى به الطفولة إلى 16 سنة مخالفا للنصوص الشرعية .
وأقترح التحفظ على هذا النص بالمعيار الشرعى للبلوغ على النحو المتقدم، وبما يعطى للأب حق الاعتراض ومنع ولده من السفر إلى خارج بلده متى أثبت أن الولد فى حاجة لرعايته بسبب انحرافه عملا بقواعد الولاية الشرعية للأب على أولاده لاسيما إذا كان مسلما والأم غير مسلمة .(29/82)
ثالثا عن المادة الثانية عشرة أقترح التحفظ عليها بما يلى ( ا ) - إنه ليس للمحضون فى مدة الحضانة رأى، لأن القانون المصرى - أخذا بالفقه الحنفى والفقه المالكى فى التعديل الأخير بالقانون رقم 44 لسنة 1979 - قد أناط تقدير المصلحة بالقاضى عند اختلاف الأبوين مع أيهما يقيم الولد بعد انتهاء سن حضانة الأم له على ما هو مبين فى نص المادة 20 من هذا القانون، وقاضى الموضوع وهو يطبق هذا القانون عليه أن يتعرف المصلحة بكل الطرق الممكنة على أن تكون مصلحة مشروعة فى الإسلام مراعى فى تقديرها نشأة الولد محفوظا فى عقيدته ودينه وأخلاق الإسلام .
( ب ) - لا يرفع التحفظ السابق ما نوهت به المادة 13 من المشروع من أنه يؤخذ فى الحساب عند الفصل فى طلب إعادة الطفل قانون دولة الإقامة المعتادة قبل نقله كما هو منصوص فى المادة ( 3 ) .
إذ الاقتراح المطروح فى هذا التحفظ هو النص على وجوب الالتزام بالقانون المصرى تطبيقا للشريعة الإسلامية التى تحيط الأولاد بالرعاية والحفظ لينشئوا على الدين والخلق القويم .
رابعا - حق الزيارة هو ما عبر عنه القانون المصرى فى شأن الحضانة تبعا لأقوال فقهاء الإسلام بحق الرؤية، وهو وارد فى المادة 20 سالفة الذكر .
وتكملة لما جاء بها - وفقا لنصوص فقه المذهب الحنفى عملا بالمادة 280 من لائحة المحاكم الشرعية - فإن من بيده الطفل لا يكلف نقله إلى الطرف الآخر ليراه، بل عليه فقط ألا يمنعه من الرؤية، سواء بعدت المسافة أو قربت بين محل إقامة الحاضن الفعلى وبين محل إقامة الطرف الآخر الراغب فى الرؤية، وهذا لا يمنع من اتفاقهما على غير ذلك، ولكن لا يقضى بنقل المحضون إلى غير محل إقامة الحاضن بدون موافقته لأنه صاحب حق قائم دائم فعلا، أما الزيارة أو الرؤية فأمر طارىء موقوت ومن ثم كان على طالبها عبء الانتقال ما لم يرض صاحب اليد على الولد لأن هذا الحكم مقرر لصالحه يجوز له النزول عنه، وهذا ما لم يكن فى الانتقال إضرار بالمحضون، فإنه عندئذ يجب على القاضى رفض طلب النقل أو الزيارة، لأن المناط هو رعاية مصلحة الولد والقاضى هو القيم عليها .
هذا وإن كانت المادة 28 من التقنين المدنى تنص على أنه لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبى إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآدب فى مصر .
إلا أنى أقترح مع هذا التحفظ صراحة بعدم جواز تطبيق أحكام قانون أجنبى تخالف الشريعة الإسلامية .
والله سبحانه وتعالى أعلم . استدراك نشرت بعض المراجع فى المجلدات السابقة فى غير بابها وصحة ذلك كالآتى : 1 - قواعد الأحكام فى مصالح الأنام - للعز بن عبد السلام - نشر بالمجلد الأول ضمن كتب أصول الفقه وهو من كتب الفقه العام .
2 - جمع الجوامع شرح الجلال المحلى عليه - سبق نشره بالمجلد الرابع ضمن كتب الحديث والصحيح أنه من كتب أصول الفقه
ـــــــــــــــــــ
وصاية المسيحى على مسلمة مع وجود أبيها
المفتي(29/83)
حسن مأمون .
جمادى الثانية 1375 هجرية - 16 يناير 1956 م
المبادئ
1- لا يجوز ولاية المسيحى على المسلم نفسا أو مال .
2- لا وصاية مع الولاية الطبيعية إلا إذا عين الولى وصيا مختار على ابنته المسلمة وبشرط اتحاد الدين بين الوصى والموصى عليه
السؤال
بالطلب المقيد والمتضمن بيان الحكم الشرعى والقانونى فى جواز إقامة الشخص المسيحى وصيا على بنت مسلمة بلغت عشر سنوات من عمرها مع وجود أبيها المسلم الأمين العاقل العدل الذى تتوفر فيه كل الشروط الشرعية فى الولاية والوصاية
الجواب
أولا إن الولاية على هذه البنت المسلمة التى تبلغ سن الرشد وهو واحد وعشرون سنة تثبيت لأبيها المسلم ثبوتا طبيعيا وجبريا مادام قد توفرت فيه الأهلية اللازمة لمباشرة هذا الحق، ولا يجوز له أن يتنحى عن هذه الولاية إلا بإذن المحكمة المختصة طبقا للمادتين الأولى والثانية من القانون رقم 119 لسنة 1952 الخاص بأحكام الولاية على المال المعدل لأحكام قانون المحاكم الحسبية رقم 99 لسنة 1947 - لكن يجوز لهذا الأب طبقا للمادة 28 من هذا القانون أن يقيم وصيا مختارا لبنته المذكورة تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها فى المادة 27 من القانون المذكور التى منها اتحاد الدين .
ثانيا إن المنصوص عليه فقها أنه لا تجوز ولاية المسيحى على المسلم سواء أكانت هذه الولاية على النفس أو على المال - وقد نص فى الفقرة الأخيرة من المادة 27 المذكورة، أنه يجب على كل حال أن يكون الوصى من طائفة القاصر فإن لم يكن فمن أهل مذهبه وإلا فمن أهل دينه .
وهذا يدل على أن اتحاد الدين واجب بين الوصى والقاصر .
ومن هذا يتبين أن هذا الشخص المسيحى لا يجوز بأى حال تعيينه وصيا على البنت المسلمة المذكورة إذا وجد واحد من السببين المذكورين، ويتحقق كليهما يكون عد الجواز من باب أولى .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 3014)
«ب - ما يشترط لصحّته البلوغ»
26 - البلوغ شرط صحّةٍ في كلّ ما يشترط له تمام الأهليّة ، ومن ذلك : الولايات كلّها ، كالإمارة والقضاء والولاية على النّفس والشّهادة في الجملة.
ومن ذلك التّصرّفات المتمحّضة للضّرر كالهبة والعاريّة والوقف والكفالة.
ومن ذلك أيضاً : الطّلاق ، وما في معناه كالظّهار والإيلاء والخلع والعتق ، وكذلك النّذر.(29/84)
وينظر تفصيل كلّ ذلك في موطنه ، وفي مصطلح « صغر » .
«سابعاً - انتهاء الولاية على النّفس بالبلوغ»
43 - عند الحنفيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة لولاية الإنكاح في الحرّة بالتّكليف « البلوغ والعقل » فيصحّ نكاح حرّةٍ مكلّفةٍ بلا رضى وليٍّ ، وتترتّب الأحكام من طلاقٍ وتوارثٍ وغيرهما.
وتنتهي الحضانة للجارية البكر ببلوغها بما تبلغ به النّساء من الحيض ونحوه ، ويضمّها الأب إلى نفسه وإن لم يخف عليها الفساد ، لو كانت حديثة السّنّ ، والأخ والعمّ كذلك عند فقد الأب ما لم يخف عليها منهما ، فينظر القاضي امرأةً ثقةً فتسلّم إليها ، وتنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً ، واجتمع لها رأي ، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها ، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها ، فللأب والجدّ الضّمّ ، لا لغيرهما كما في الابتداء.
وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه ، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه ، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه ، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ ، وتأديبه إذا وقع منه شيء ، والجدّ بمنزلة الأب فيما ذكر من أحكام البكر والثّيّب والغلام.
وعند المالكيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ ، وهو بلوغ النّكاح ، فيذهب حيث شاء ، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً ، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً ، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه.
وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء ، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته ، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور.
وبالنّسبة للأنثى ، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج ، ويدخل بها الزّوج.
وعند الشّافعيّة : تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه.
وعند الحنابلة : لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه ، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه ، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه ، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها منه ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك.
«ثامناً : الولاية على المال»
44 - تنقضي الولاية على المال أيضاً ببلوغ الصّغير عاقلاً ، ذكراً كان أو أنثى ، وينفكّ الحجر عنه ، ولكن يشترط لذلك باتّفاق الفقهاء أن يكون رشيداً ، لقوله تعالى : «وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الحجر.
«ثالثاً : الحقوق الّتي لا تورث ولا تنقل بالخلافة»
36 - هي كلّ ما كان متعلّقًا بنفس المورث ، وينتهي بموته ، ولا يبقى له فيه حقّ بعد موته ، وذلك لأنّ الورثة لا يرثون فكر مورثهم ولا شهوته وغير ذلك ، ولذلك(29/85)
لا يرثون ما يتعلّق بهذه الأمور ، ضرورة أنّ ما لا يورث بذاته لا يورث ما يتعلّق به.
والحقوق الّتي لا تورث هي حقوق شخصيّة ، ارتبطت بالشّخص وحده دون غيره لصفات معيّنة فيه ، مثل : الولايات العامّة والخاصّة ، والولاية على النّفس ، والولاية على المال ، والمناصب والوظائف.
مثل : الأمانة والوكالة ، واختيار إحدى الأختين ، وكذلك اختيار الأربع من زوجاته ، وذلك إذا أسلم وهو متزوّج أختين أو أكثر من أربع ، فإذا مات قبل الاختيار لا ينتقل هذا الحقّ إلى الورثة.
«أ - الولاية على النّفس»
20 - يقوم الوليّ بمقتضاها بالإشراف على شؤون الصّغير الشّخصيّة ، مثل : التّأديب والتّعليم والتّطبيب إلى آخر ما يتعلّق بذلك من أمور ، وكذا تزويج الصّغير والصّغيرة ، فالتّزويج من باب الولاية على النّفس .
«ب - الولاية على المال»
21 - يقوم الوليّ بمقتضاها بالإشراف على شؤون الصّغير الماليّة : من إنفاق ، وإبرام عقود ، والعمل على حفظ ماله واستثماره وتنميته .
وللفقهاء خلاف وتفصيل في تقسيم الأولياء ومراتبهم ، ينظر في مصطلح : - ولاية - .
25 - الحقوق الشّخصيّة المحضة هي الّتي تثبت للإنسان باعتبار شخصه وذاته وما يتوفّر فيه من صفاتٍ ومعان تميِّزه عن غيره , مثل حقّ الحضانة , وحقّ الولاية على النّفس والمال , وحقّ المظاهر في العود , وحقّ الفيء بعد الإيلاء , وحقّ أرباب الوظائف في وظائفهم فإنّها تسقط بموت ذويها أو أصحابها ولا تورث عنهم .
ثانياً: الولاية الخاصة
43 ـ تطلق الولاية الخاصة في الاستعمال الفقهي على ثلاثة ضروب من السلطة، وهي:
أ ـ النيابة الجبرية التي يفوض فيها الشرع أو القضاء شخصاً كبيراً راشداً بأن يتصرف لمصلحة القاصر في تدبير شؤونه الشخصية والمالية.
وبمقتضاها يعتبر الولي هو الممثل الشرعي لذلك القاصر، فيقوم مقامه في جميع الحقوق التي تقبل النيابة من عقود وأفعال ومخاصمات في الحقوق ونحو ذلك.
وتكون تصرفاته نافذة عليه جبراً إذا كانت مستوفية لشرائطها الشرعية، بحيث لا يكون للقاصر بعد بلوغه راشداً الحق في نقض شيء منها (110).
-28-
وهذه الولاية تتضمن سلطة ذات فرعين:
أحدهما: سلطة على شؤون القاصر المتعلقة بشخصه ونفسه، كالتزويج والتأديب والتطبيب. وتسمى: الولاية على النفس.
والثاني: سلطة على شؤونه المالية من عقود وتصرفات وحفظ وإنفاق ونحو ذلك، وتسمى الولاية على المال.
النوع الثاني: الولاية على النفس(29/86)
64ـ الولاية على النفس عند الفقهاء: سلطة على شؤون القاصر ونحوه المتعلقة بشخصه ونفسه، كالتزويج والتعليم والتطبيب والتشغيل ونحو ذلك، تقتضي تنفيذ القول عليه شاء أم أبى (161).
وعلى ذلك قرر الفقهاء أن أسباب الولاية على النفس ثلاثة: الصغر، والجنون ـ ويلحق به العته ـ والأنوثة.
السبب الأول ـ الصغر
محور الولاية على نفس الصغير يدور على أمرين:
أحدهما: القيام على شؤونه بالتربية والتعليم والتأديب والتطبيب والتشغيل ونحو ذلك.
والآخر: ولاية التزويج.
-44-
الأمر الأول: ولاية التربية والتأديب
65ـ إن منشأ الولاية على تربية الصغار وتأديبهم ـ ذكوراً كانوا أو إناثاً ـ مسؤولية الأبوين عن القيام بأمرهم ورعاية حالهم في شؤونهم الدنيوية والأخروية، لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا) (162)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لولدك عليك حقا" (163). وقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته... والرجلُ راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم" (164).
قال النووي: إن على الأب تأديب ولده وتعليمه ما يحتاج إليه من وظائف الدين، وهذا التعليم واجب على الأب وسائر الأولياء قبل بلوغ الصبي والصبية (165).
فالطفل ـ كما قال الغزالي ـ أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، وقابل لكل ما يمال به إليه، فإن عُود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، يشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُود الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له (166).
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن" (167)، وقال ابن عمر رضي الله عنه: أدّب ابنك فإنك مسؤول عنه: ماذا أدبته، وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك (168) بل ذكر بعض العلماء أن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده (169).
-45-
ومن المعلوم بالنظر والاعتبار أنه ما أفسد الأبناء مثل إهمال الآباء في تأديبهم وتعليمهم ما يُصلح دنياهم وآخرتهم، وتفريطهم في حملهم على طاعة الله وزجرهم عن معصيته، وإعانتهم على شهواتهم، يَحْسَب الوالد أنه يكرمه بذلك وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخره (170).
66 ـ وقد أكد ثبوت هذه الولاية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم(29/87)
في المضاجع" (171). قال النووي: والاستدلال به واضح، لأنه يتناول الصبي والصبية في الأمر بالصلاة والضرب عليها (172).
وعلى ذلك نص الفقهاء على أنه يجب على الولي أمره بها لتمام سبع سنين، وتعليمه إياها، وضربه على تركها لعشر سنين، ليتخلق بفعلها ويعتادها ـ لا لافتراضها عليه ـ كما يلزمه كفه عن المفاسد كلها، لينشأ على الكمال وكريم الخلال (173).
ومن ثم ذهب جمهور الفقهاء إلى ثبوت ولاية الأب والأم والجد والوصي والقيم من جهة القاضي على تأديب الصغير، وذلك بأمره بفعل الطاعات كالصلاة والطهارة والصيام ونحوها، ونهيه عن اقتراف المحظورات، سواء أكانت لحق الله تعالى أم لحق العباد، وتأديبه على الإخلال بذلك تعويداً له على الخير والبر، ثم بزجره عن سيء الأخلاق وقبيح العادات ـ ولو لم يكن فيها معصية ـ استصلاحاً (174).
-46-
قال النووي: قال أصحابنا: ويأمره الولي بحضور الصلوات في الجماعة وبالسواك وسائر الوظائف الدينية، ويعرفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها. قال الرافعي: قال الأئمة: يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع بعد سبع سنين، وضربهم على تركها بعد عشر سنين. (175).
وعلة ذلك ـ كما قال ابن القيم ـ أن الصبي وإن لم يكن مكلفاً، فوليُّهُ مكلف، لا يحل له تمكينه من المحرم، فإنه يعتاده، ويعسر فطامه، وهذا أصح قولي العلماء. (176).
67ـ على أن تأديب الصغير إنما يبدأ بالقول، ثم بالوعيد، ثم بالتعنيف، ثم بالضرب. وهذا الترتيب تلزم مراعاته، فلا يُرقى إلى مرتبة إذا كان ما قبلها يفي بالغرض، وهو الإصلاح.
وفي ذلك يقول العز بن عبدالسلام: ومهما حصل التأديب بالأخف من الأفعال والأقوال، لم يُعْدَلْ إلى الأغلظ، إذ هو مفسدة لا فائدة فيه، لحصول الغرض بما دونه. (177).
كذلك يشترط في الضرب ـ عند مشروعية اللجوء إليه ـ أن يغلب على الظن تحقيقه للمصلحة المرجوة منه، وأن يكون غير مبرح ولا شاق، وأن يتوقى فيه الوجه والمواضع المهلكة. (178).
قال العز بن عبدالسلام: ومن أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها: ضرب الصبيان على ترك الصلاة والصيام وغير ذلك من المصالح. فإن قيل: إذا كان الصبي لا يصلحه إلا الضرب المبرح، فهل يجوز ضربه تحصيلاً لمصلحة تأديبه؟ قلنا: لا يجوز ذلك. بل لا يجوز أن يضربه ضرباً غير مبرح، لأن
-47-
الضرب الذي لا يبرح مفسدة، وإنما جاز لكونه وسيلة إلى مصلحة التأديب، فإذا لم يحصل التأديب به، سقط الضرب الخفيف كما يسقط الضرب الشديد، لأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد. (179).(29/88)
ثم إن الحنفية قيّدوا جواز ضرب الولد حيث لزم ضربه بأن يكون باليد فقط، فلا يضربه الولي بغيرها من سوْط أو عصا. ونص الحنابلة والحنفية على أنه ليس له أن يجاوز بضربه الثلاث. (180).
68ـ وإذا ضرب الأب أو الجد أو الوصي الصبي تأديباً، فهلك من ذلك، فقد اختلف الفقهاء في تضمينهم على أقوال (181).
وينظر في تفصيلها في مصطلح (تأديب ف9ـ11).
69ـ ومن موجبات ولاية تربية الصغار التي نص عليها الفقهاء: مداواة الصغير ورعايته الصحية، ونَظْمُهُ في سلك تعليم ما هو مستعد له من العلوم والمعارف أو الحرف والصنائع ـ ولو بأجرة من ماله، لأن ذلك من مصالحه، فأشبه ثمن مأكوله ـ وله أن يؤجر نفس الصبي المميز بالمعروف، وأن يأذن له في التجارة بماله بما يناسب حاله، من أجل تهيئته وتأهيله عند جمهور الفقهاء (182).
والتفصيل في (إجارة ف 24 ، وصغر ف 39).
الأمر الثاني: ولاية التزويج
70ـ ذهب الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن للأب ولاية تزويج ابنه الصغير وابنته الصغيرة، إلا ما روي عن ابن شبرمة وعثمان البتي.
-48-
وأما هل يزوج الولي ـ غيرُ الأب ـ الصغير أو الصغيرة؟
فيرى الحنفية أن لغير الأب والجد من الأولياء تزويجهما إلا أن لهما الخيار إذا بلغا، خلافاً لأبي يوسف، الذي يرى أنه لا خيار لهما لو زوجهما الأب والجد.
وإن زوجهما غير الأب والجد من غير كف أو بغبن فاحش، فقد قال ابن عابدين: لا يصح النكاح، وأجازه مالك للوصي.
وقال الشافعية: ليس لغير الأب والجد عند عدمه إنكاحهما.
وسبب اختلافهم: قياس غير الأب في ذلك على الأب، فَمَنْ رأى أن الاجتهاد الموجود فيه الذي جاز للأب به أن يزوج الصغير من ولده لا يوجد في غير الأب لم يجز ذلك، ومَنْ رأى أنه يوجد فيه أجاز ذلك.
وقال الحنابلة: ليس لغير الأب تزويج أولاده الصغار وبناته. (183). والتفصيل في (نكاح ف 81 ـ 85)
السبب الثاني ـ الجنون
71 ـ نص الفقهاء على أنه يلزم على ولي المجنون والمجنونة تدبير شئونه ورعاية أموره بما فيه حظ المجنون، وبما يحقق مصلحته، فينفق عليه في كل حوائجه من ماله بالمعروف، ويداويه ويرعى صحته، ويقيّده ويحجزه عن أن ينال الناس بالأذى أو ينالوه به إن خيف ذلك منه، صوناً له، وحفظاً للمجتمع من ضرره. (184).
72ـ ونص الفقهاء على أن لولي المجنون تزويجه إذا اقتضت مصلحته ذلك (185).
قال الشيرازي: وأما المجنون فإن كان له حال إفاقة لم يجز تزويجه
-49-(29/89)
بغير إذنه، لأنه يمكن استئذانه فلا يجوز الافتيات عليه، وإن لم يكن له حال إفاقة ورأى الولي تزويجه للعفة أو الخدمة زوّجه، لأن له فيه مصلحة.(186).
وللفقهاء في ذلك تفصيل، انظر مصطلح (نكاح ف 81 وما بعدها).
السبب الثالث ـ الأنوثة
73 ـ من أسباب الولاية على النفس: الأنوثة، من غير أن تكون مرتبطة بصغر أو آفة من آفات العقل، لقوله تعالى: (الرجال قوّامون على النساء) (187).
وتنحصر هذه الولاية في أمرين: في تزويج المرأة، وفي تأديب الزوجة عند النشوز.
الأمر الأول: ولاية التزويج
وهذه الولاية تنقسم عند الفقهاء إلى قسمين: ولاية إجبار، وولاية اختيار.
(أ) ولاية الإجبار:
74 ـ اختلف الفقهاء في علة ولاية الاختيار على قولين:
(الأول) للمالكية والشافعية والحنابلة في الراجح عندهم: وهو أن علة ولاية الإجبار هي البكارة، ولذلك يجوز للولي إجبار البكر البالغة العاقلة على النكاح، وتزويجها بغير إذنها كالصغيرة.
(الثاني) للحنفية: وهو أن علة الإجبار هي الصغر، ولذلك لا يجوز للولي إجبار البكر البالغة العاقلة، لأن الولاية على الصغير والصغيرة إنما ثبتت لقصور العقل، وبعد البلوغ يكمل العقل بدليل توجه الخطاب إليهما، وإلى ذلك ذهب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية. (188) (ر: نكاح ف 80 ـ 85)
-50-
(ب) ولاية الاختيار:
75ـ ولاية الاختيار هي ولاية الندب والاستحباب على الحرة البالغة العاقلة.
والتفصيل في (نكاح ف 86 ـ 90)
ولاية المرأة في تزويج نفسها:
76ـ اختلف الفقهاء في ولاية المرأة الحرة البالغة العاقلة العاملة في تزويج نفسها على ثلاثة أقوال:
الأول: ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة: إلى أنه لا يصح النكاح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح النكاح.
الثاني: ذهب أبو حنيفة إلى أن الولي ليس شرطاً لصحة نكاح الحرة البالغة العاقلة، فيجوز لها أن تتولى عقد نكاحها بنفسها، وأن توكل به من تشاء إذا كان حراً عاقلاً بالغاً، وهو صحيح نافذ بلا ولي.
الثالث: روي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد بن صالح وأبي يوسف: أنه لا يجوز لها ذلك بغير إذن الولي، فإن فعلت كان موقوفاً على إجازته.(189). (ر. نكاح ف 71)
عَضْل الولي:
77 ـ المراد بالعَضْل: منع الولي المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه.(29/90)
-51-
وموجبه انتقال الولاية من الولي العاضل إلى غيره.
والتفصيل في (عضل ف 2ـ5، ونكاح ف 96)
غيبة الولي:
78ـ اختلف الفقهاء في انتقال ولاية التزويج عند غيبة الولي.
والتفصيل في (نكاح ف 97ـ101).
ترتيب الأولياء:
79ـ اختلف الفقهاء في ترتيب الأولياء في النكاح.
والتفصيل في مصطلح (نكاح ف 91ـ95).
الأمر الثاني: ولاية الزوج التأديبية:
80 ـ ذهب أهل العلم إلى أن من أحكام عقد النكاح ولاية الزوج على تأديب زوجته إذا استعصت عليه وترفعت عن مطاوعته ومتابعته فيما يجب عليها من ذلك، لقوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً)(190).
فيعظها أولاً بالرفق واللين، لعلها تقبل الموعظة فتدع النشوز، فإن لم ينفع معها ذلك هجرها في المضجع، فإن أصرت على البغض والعصيان ضربها ضرباً غير مبرح بالقدر الذي يصلحها له ويحملها على توفية حقه.
ولاية على المال
التعريف:
1ـ سبق تعريف الولاية في اللغة والاصطلاح، في مصطلح (الولاية).
ويؤخذ من عبارات الفقهاء أن الولاية على المال عندهم هي: قدرة الشخص شرعاً على التصرف في ماله أو مال الغير (1).
الألفاظ ذات الصلة:
الولاية على النفس:
2ـ المراد بالولاية على النفس عند الفقهاء: قدرة الشخص على التصرف في الشئون المتعلقة بشخص المولى عليه ونفسه.
والصلة بين الولاية على المال والولاية على النفس أن كلتيهما تشتركان في تنفيذ القول على الغير.
-1-
سبب الولاية على المال:
3ـ يقول الكاساني: سبب هذا النوع من الولاية في التحقيق شيئان: أحدهما: الأبوة، والثاني: القضاء، لأن الجد من قبل الأب أب لكن بواسطة، ووصي الأب والجد استفاد الولاية منهما فكان ذلك ولاية الأبوة من حيث المعنى، ووصي القاضي يستفيد الولاية من القاضي فكان ذلك ولاية القضاء (2).
وللتفصيل في من يثبت عليه هذا النوع من الولاية، وترتيب الأولياء،وتصرفات الولي في مال المولى عليه وسائر الأحكام المتعلقة بالموضوع.
... انظر مصطلح (ولاية، ووصاية، وإيصاء ف 9 ـ 16، ونيابة)(29/91)
الولاية على النفس
التعريف:
1ـ سبق تعريف الولاية في اللغة والاصطلاح.
(ر: ولاية ف 1)
أما الولاية على النفس فيراد بها سلطة الإشراف على الشئون المتعلقة بشخص المُوَلّى عليه ونفسه (1).
أنواع الولاية على النفس:
2ـ تتنوع هذه الولاية إلى ثلاثة أنواع:
أ ـ ولاية الحصانة.
ب ـ الكفالة.
ج ـ ولاية التزويج.
ونتناول هذه الأنواع الثلاثة فيما يلي.
أولا: ولاية الحضانة:
3ـ الحضانة في الشرع: هي حفظ الولد في مبيته وذهابه ومجيئه والقيام بمصالحه من طعامه ولباسه وتنظيف جسمه وموضعه (2).
والحضانة واجبة شرعاً، لأن المحضون قد يهلك أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظه عن الهلاك.
-1-
وانظر تفصيل جميع الأحكام المتعلقة بالحضانة في مصطلح (حضانة ف 5 وما بعدها).
ثانياً: ولاية الكفالة:
4ـ إذا انتهت مدة الحضانة باستغناء الصغير أو الصغيرة عن الحاضنة، فإن مرحلة أخرى تلي مرحلة الحضانة، وهذه المرحلة سمّاها بعض الفقهاء "الكفالة". قال الشربيني الخطيب: الحضانة مأخوذة من الحضن فإن الحاضنة تَرُدُّ إليه المحضون، وتنتهي في الصغير بالتمييز، وأما بعده إلى البلوغ فتسمى كفالة. قاله الماوردي. وقال غيره تسمى "حضانة" أيضاً، وقال بعضهم: "ولاية الرجال" (3).
5ـ وقد اختلف الفقهاء في بداية هذه الولاية، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا بلغ الصبي المحضون سبع سنين عاقلاً خُيّر بين أبويه اللذين من أهل الحضانة، فيكون مع مَنْ اختاره منهما.
ويرى الحنفية أنه إذا بلغ الصبي سبع سنين مستغنياً عن أمه يأخذه الأب، على تفصيل لهم في ذلك بين الذكر والأنثى.
ويرى المالكية أن حضانة النساء تستمر إلى بلوغ الذكر، أما الأنثى فتستمر حضانتها حتى تتزوج ويدخل عليها زوجها.
والتفصيل في (حضانة ف 9، 10، 14، 19).
ثالثاً:شروط ثبوت ولاية الرجال:
6ـ قال الحنفية: يشترط لثبوت الحضانة للرجال ما يلي:
أولاً: العصوبة:(29/92)
-2-
يشترط لثبوت الحضانة للرجال العصوبة، فلا تثبت إلا للعصبة من الرجال، ويتقدم الأقرب فالأقرب: الأب ثم الجد أبوه وإن علا، ثم الأخ لأب وأم، ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم لأب وأم، ثم العم لأب، ثم ابن العم
لأب وأم، ثم ابن العم لأب إن كان الصبي غلاماً، وإن كان جارية فلا تسلم إليه لأنه ليس بمحرم منها، لأنه يجوز له نكاحها فلا يؤتمن عليها، وأما الغلام فإنه عصبة وأحق به ممن هو أبعد منه، ثم عم الأب لأب وأم، ثم عم الأب لأب، ثم عم الجد لأب وأم، ثم عم الجد لأب.
ولو كان لها ثلاثة أخوة كلهم على درجة واحدة بأن كانوا كلهم لأب وأم أو لأب أو ثلاثة أعمام كلهم على درجة واحدة فأفضلهم صلاحاً وورعاً أولى، فإن كانوا في ذلك سواء فأكبرهم سناً أولى بالحضانة.
فإن لم يكن للجارية من عصباتها غير ابن العم اختار لها القاضي أفضل المواضع، لأن الولاية في هذه الحالة إليه فيراعى الأصلح، فإن رآه أصلح ضمها إليه، وإلا فيضعها عند امرأة مسلمة أمينة.
وكل ذَكَرٍ مِنْ قبل النساء فلا حق له في الولد مثل الأخ لأم، والخال، وأبوالأم، لانعدام العصوبة.
وقال محمد إن كان للجارية ابن عم وخال وكلاهما لا بأس به في دينه جعلها القاضي عند الخال، لأنه محرم وابن العم ليس بمحرم فكان المحرم أولى، والأخ من الأب أحق من الخال لأنه عصبة وهو أيضاً أقرب لأنه من أولاد الأب والخال من أولاد الجد.
-3-
وذكر الحسن ابن زياد أن الصبي إذا لم يكن له قرابة من قبل النساء فالعم أولى به من الخال وأبي الأم، لأنه عصبته، والأخ لأب أولى من العم، وكذلك ابن الأخ لأنه أقرب، فإن لم تكن له قرابة أشفق من جهة أبيه من الرجال والنساء، فإن الأم أولى من الخال والأخ لأم، لأن لها ولاداً وهي أشفق ممن لا ولاد له من ذوي الأرحام.
ثانياً: الأمانة:
إذا كان الصغير جارية أن تكون يشترط عصبتها ممن يؤتمن عليها، فإن كان لا يؤتمن لفسقه ولخيانته لم يكن له فيها حق، لأن في كفالته لها ضرراً عليها، وهذه ولاية نظر، فلا تثبت مع الضرر حتى لو كانت الأخوة والأعمام غير مأمونين على نفسها ومالها لا تسلم إليهم، وينظر القاضي امرأة من المسلمين ثقة عدلة أمينة فيسلمها إليها إلى أن تبلغ فتترك حيث شاءت وإن كانت بكراً.
ثالثاً: اتحاد الدين:
يشترط اتحاد الدين بين الحاضن والمحضون، فلا حق للعصبة في الصبي إلا أن يكون على دينه، كذا ذكر محمد وقال: هذا قول أبي حنيفة وقياسه، لأن هذا الحق لا يثبت إلا للعصبة، واختلاف الدين يمنع التعصيب، وقد قالوا في الأخوين إذا كان أحدهما مسلماً والآخر يهودياً والصبي يهودي أن اليهودي أولى به لأنه عصبة لا المسلم (4).(29/93)
كفالة الخنثى المشكل:
7ـ ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الخنثى المشكل بعد البلوغ يعامل معاملة البنت البكر (5)، حسب تفصيل ينظر في (حضانة ف 19).
-4-
وأما الحنفية فقد بيّنوا بأن الخنثى المشكل كالأنثى في جميع الأحكام إلا في مسائل، ولم يذكروا مسألة كفالة الخنثى المشكل وحضانته ضمن هذه المسائل المستثناة (6).
ويرى المالكية أن كفالة الأم عن الخنثى المشكل لا تسقط ما دام مشكلاً (7).
حال الكفاية:
8ـ تأتي حال الكفاية بعد بلوغ الغلام والجارية، فتزول الكفالة عنهما (8).
ويختلف وقت زوال كفالة الأب عن ولده، إذا كان ذكراً عنه إذا كان أنثى.
والتفصيل في (حضانة ف 19).
9ـ وهناك حالات أخرى ذكرها الفقهاء، ويجعلون الغلام فيها تحت الكفالة وإن كان بالغاً، منها:
قال الحنفية: إذا لم يكن الغلام مأموناً على نفسه فلأبيه ضمه لدفع فتنة أو عار وتأديبه إذا وقع منه.
قال الزيلعي: الغلام إذا بلغ رشيداً فله أن ينفرد، إلا أن يكون مفسداً مخوفاً عليه (9).
ويرى المالكية أن للأب أن يضم إلى نفسه ابنه البالغ إذا خاف عليه سفهاً (10).
ونقل صاحب العدة الشافعي عن الأصحاب أن الغلام البالغ الرشيد إن كان أمرد أو خيف من انفراده فإنه يمنع من مفارقة الأبوين (11).
وقد نص الحنابلة على مثل ذلك (12).
-5-
ثالثاً: ولاية التزويج
10ـ الأصل أن ولاية التزويج هي ولاية نظر (13). وثبوت ولاية النظر للقادر على العاجز عن النظر أمر معقول مشروع، لأنه من باب الإعانة على البر، ومن باب الإحسان، ومن باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهفان، وكل ذلك حسن عقلاً وشرعاً (14).
وللفقهاء تفصيل في أنواع ولاية التزويج، وسبب ثبوت كل نوع، وشرط ثبوت كل نوع، ينظر في (نكاح ف 66 وما بعدها) و (ولاية ).
ـــــــــــــــــــ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 142)
-32 أنواع الولاية المتعدية وعلى من تثبت كل منهما:
التعريف بالولاية :
الولاية في اللغة مصدر ولي، يقال: ولي الشيء أو عليه يليه ولاية إذا ملك أمره وكان له حق القيام به، فهي إذاً سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء. ومنها أخذت كلمة الوالي لأنه صاحب سلطة ونفوذ على قطر معين.(29/94)
وفي اصطلاح الفقهاء عبارة عن سلطة تجعل لمن تثبتت له القدرة على إنشاء التصرفات والعقود وتنفيذها. فإن كانت متعلقة بشئونه كتزويجه نفسه أو التصرف في ماله فهي الولاية القاصرة.
وإن كانت متعلقة بشئون غيره كأن يزوج ابنته أو حفيدته أو يتصرف في ماله وأولاده فهي الولاية المتعدية، والولاية المتعديةنوعان:
ولاية على النفس: وهي التي تجعل لصاحبها القدرة على التصرف في الأمور المتعلقة بشخص المولى عليه كالتربية والتعليم والتزويج.
وولاية على المال: وهي التي تجعل لصاحبها القدرة على إنشاء العقود الخاصة بالأموال وتنفيذها.
وهما يختلفان بعد هذا من ناحية من تثبت له ومدة ثبوتها وليس بينهما تلازم، فقد توجد ولاية على النفس فقط، وأخرى على المال فقط، وثالثة عليهما.
وكلامنا هنا ينحصر في الولاية على النفس، وبعبارة أدق في الولاية في عقد الزواج، وهي السلطة التي يستطيع بها الشخص إنشاء عقد زواج نافذ لنفسه أو لغيره، فهي بدورها قاصرة ومتعدية ولكل منهما سبب يثبت به.
أما القاصرة فليس لها إلا سبب واحد وهو الرشد. فمتى كان الشخص بالغاً عاقلاً رشيداً ثبت له سلطة تزويج نفسه.
أما المتعدية فلها أكثر من سبب.
فقد يكون سببها الملك وهذه ولاية السيد على عبيده وإمائه.
وقد يكون سببها القرابة النسبية كولاية الأب على أولاده الصغار أو الكبار فاقدي العقل.
وقد يكون سببها الإمامة: وهي ولاية الحاكم رئيس الدولة ومن ينيبه من القضاة فهذه الولاية تجعل لهم سلطة تزويج من لا ولي لهم بصفتهم حكاماً، لا بصفتهم الشخصية. لأن القاعدة الشرعية المقررة تقول "الولاية الخاصة مقدمة على الولاية العامة عند تعلقهما بشيء واحد".
المبحث الأول
-29 في شروط الولي:
يشترط في الولي باتفاق الفقهاء شرطان:
الأول: أن يكون كامل الأهلية. بأن يكون حراً بالغاً عاقلاً. ففاقد الأهلية كالصغير غير المميز والمجنون لا ولاية له على نفسه، لأن عبارته ملغاة في نظر الشارع فأولى ألا تثبت له ولاية على غيره.
وناقص الأهلية كالصبي المميز وذي الغفلة لا يملك تزويج نفسه وحده بل يتوقف نفاذ عقده على إجازة وليه، وحينئذ لا تكون له ولاية على غيره.
الثاني: أن يكون متحداً في الدين مع المولى عليه، لأنهما باتحاد الدين تتفق وجهات نظرهما في تقدير المصلحة، ولأن عقد الزواج عقد ديني فيجب اتحاد الدين، ولأن الولاية في الزواج تتبع الإرث ولا إرث بين المختلفين ديناً.(29/95)
وقد استثنوا من هذا الشرط صاحب الولاية العامة كالقاضي، لأن ولايته مستعدة من ولاية الحاكم رئيس الدولة وولايته عامة على المسلمين وغيرهم. وهو ولي من لا ولي له.
هل يشترط في الولي العدالة بحيث لا يملك الفاسق أن يزوج غيره؟
ذهب الشافعي وأحمد في أحد قوليهما أنها شرط لحديث "لا نكاح إلا بولي مرشد" وفسروا المرشد بالرشيد والفاسق ليس برشيد.
وذهب أبو حنفية ومالك إلى أنها ليست شرطاً، ويوافقهما الشافعي وأحمد في القول الآخر. وعلى هذا يجوز للفاسق أن يتولى عقد الزواج لمن في ولايته، لأن الفاسق له ولاية كاملة على نفسه بحيث يزوج نفسه فلا مانع من أن يتولى أمر غيره، لأن عماد هذه الولاية هو الشفقة ورعاية المصلحة، وفسقه لا يمنع من شفقته بأولاده ولا يحول دون رعاية المصلحة لقريبه، فيستوي في ذلك مع العدل فتثبت له ولاية التزويج.
ولاحتمال تهاونه في تقدير المصلحة قالوا: إنه إن كان فاسقاً متهتكاً لا يبالي بقبح ما يصنع يشترط لتنفيذ عقد زواجه لابنته أن تتوافر فيه المصلحة بأن يكون الزواج من الكفء وبمهر المثل، فإن لم يكن كذلك لا ينفذ، ويكون حكمه في ذلك حكم الأب المعروف بسوء الرأي والاختيار وهو عدل فإنه لا تسلب ولايته على ابنته الصغيرة بسوء رأيه ولكن عقده لها مشروط بالمصلحة.
المبحث الثاني
-30 في الولاية القاصرة في الزواج ولمن تثبت:
قدمنا أن الولاية تتنوع إلى نوعين قاصرة ومتعدية.
أما الولاية القاصرة وهي التي يملك فيها الشخص تزويج نفسه فتثبت بالاتفاق للرجل البالغ العاقل. فيملك أن يزوج نفسه بأي امرأة سواء كانت مكافئة له أو أقل منه بمهر المثل أو بأكثر منه دون أن يكون لأحد الاعتراض عليه في ذلك.
وأما المرأة البالغة العاقلة بكراً كانت أو ثيباً فقد اختلف الفقهاء في ثبوت هذه الولاية لها. ومن ثم اختلفوا في صحة الزواج بعبارتها.
فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وابن حنبل في المشهور عنه إلى أنه لا يجوز لها أن تباشر عقد الزواج لنفسها ولا لغيرها، بل إذا وكلت رجلاً غير وليها بتزويجها لا يصح هذا الزواج، لأنها لا تملك تزويج نفسها فلا تستطيع تمليك غيرها ما لا تملكه.
وذهب الحنفية إلى جواز ذلك بصرف النظر عن اختلافهم في استقلالها بذلك أو لا، فيجوز لها أن تزوج نفسها وأن تكون وكيلة لغيرها إيجاباً وقبولاً وإن كانوا يقولون: يستحب لها أن تستأذن وليها فإن لم تفعل كان عملها مكروهاً.
المبحث الثالث
في من تثبت له الولاية المتعدية:
اتفق أصحاب المذاهب الأربعة على أن هذه الولاية تثبت للعصبة بالنفس من الأقارب. وهم كل قريب رجل يتصل بالمولى عليه اتصالاً لا ينفرد بالتوسط بينهما فيه أنثى. ويشمل ذلك أصوله من الأب والجد أبي الأب وإن علا، وفروعه وهم(29/96)
الأبناء وأبناؤهم وإن نزلوا، وفروع أبويه من الذكور وهم الاخوة سواء كانوا أشقاء أو لأب وأبناؤهم وإن نزلوا، وفروع الأجداد وهم الأعمام وأبناؤهم كذلك.
غير أن الشافعية لم يجعلوا للأبناء وأبنائهم ولاية إلا إذا وجدت صفة أخرى غير البنوة.
كما اتفقوا على أنها تثبت للحاكم أو نائبه إذا لم يوجد ولي من الأقارب، أو حصل عضل منه بالامتناع عن التزويج عند الحاجة.
واختلفوا في ثبوتها للوصي. فمنعها الحنفية والشافعية، وأثبتها المالكية مطلقاً والحنابلة في رواية. كما اختلفوا في ثبوتها لغير العصبة من الأقارب، فأثبتها أبو حنيفة : للأقرباء الورثة من أصحاب الفروض وذوي الأرحام، ولا تنتقل إلى الحاكم مع وجود واحد من هؤلاء.
ذهب الحنفية إلى أن الولاية في الزواج تثبت أولاً للعصبات النسبية بالترتيب الآتي:
فروع الشخص من الذكور كالابن وابن الابن وإن نزل، ثم أصوله. كالأب والجد لأب وإن علا، ثم فروع أبويه من الذكور كالاخوة الأشقاء والاخوة لأب وأبنائهم، ثم فروع الأجداد كذلك كالأعمام لأبوين أو لأب وأبناء الأعمام.
فإذا كان للقاصر عاصب واحد من هؤلاء تثبتت الولاية له، وإن كان له أكثر من عاصب فإن اختلفت جهتهم قدم من كان من فروعه على من كان من أصوله، ثم من كان من أصوله على من كان من فروع الأبوين، ثم من كان من فروع الأبوين على من كان من فروع الأجداد.
فالابن مثلاً يقدم على الأب، والجد على الأخ، والأخ على العم وهكذا.
وإن اتحدت الجهة فإن اختلفت الدرجة قدم الأقرب درجة، فالابن يقدم على ابن الابن، والأب على الجد، والأخ ولو كان لأب على ابن الأخ الشقيق وهكذا.
فإن اجتمع أخوان أحدهما شقيق والآخر لأب قدم الشقيق، وكذلك إذا اجتمع عمان أو ابنا أخوين، وإن اتحدت الجهة والدرجة وقوة القرابة كأخوين شقيقين أو لأب أو عمين شقيقين أو لأب تثبت الولاية لكل منهما كاملة لأنها ثبتت بسبب لا يتجزأ وهو القرابة، فتثبت لكل واحد من الأولياء المتساويين على الكمال كأنه ليس معه غيره.
فإذا زوج أحدهما القاصر صح ذلك، وإن زوجه كل منهما بدون علم الآخر صح السابق منهما إن علم، فإن لم يعلم السابق وكان المزوج ذكراً صح العقدان لعدم المانع، وإن كان أنثى أبطل العقدان لعدم المرجح لأحدهما على الآخر وهي لا يصح زواجها لأكثر من واحد في وقت واحد.
فإذا لم يوجد ولي عاصب هل تنتقل الولاية إلى الأقارب الوارثين من أصحاب الفروض وذوي الأرحام ثم من بعدهم إلى القاضي. أو تنتقل بعد العصبات إلى القاضي؟
ذهب أبو حنيفة أنها تنتقل إلى هؤلاء الأقارب قبل القاضي ولا تنتقل إليه إلا إذا لم يوجد واحد منهم.
فتثبت أولاً للأم ثم أم الأب ثم أم الأم ثم البنت ثم بنت الابن ثم بنت بنت البنت ثم الجد لأم ثم الأخت الشقيقة ثم الأخت لأب ثم الإخوة والأخوات لأم، ثم أولاد هؤلاء(29/97)
على الترتيب السابق، ثم للعمات مطلقاً والأعمام لأم ثم الأخوال والخالات ثم بنات الأعمام ثم أولادهم.
فإن لم يوجد أحد من هؤلاء انتقلت الولاية إلى القاضي.
غيبة الولي القريب وعضله:
إذا عرفنا الأولياء فكل واحد منهم إذا كان مستوفياً لشروط الولاية يحجب من بعده، فإذا تولى الولي البعيد العقد مع وجود القريب توقف العقد على إجازة من له الولاية كتزويج الأخ لأخته وأبوه حاضر، لكن قد يغيب الولي القريب أو يمتنع عن التزويج فهل تنتقل الولاية لمن بعده؟
إذا غاب الولي القريب وجاء الخاطب الكفء وهو لا ينتظر حضور الغائب أو معرفة رأيه، فإن الولاية تنتقل إلى من يليه خوفاً من فوات المصلحة، ولأن الولاية ثابتة للبعيد بأصل قرابته إلا أنها مؤخرة لكون القريب أوفر شفقة، فإذا تعذر قيام الولي بعقد العقد كان الحق للبعيد في هذه الحالة.
وعلى ذلك ليس للغائب إذا حضر أن يعترض على هذا العقد، لأنه اعتبر في حال غيبته كالمعدوم وهذا عند أبي حنيفة.
وإذا امتنع الولي صاحب الحق عن التزويج، فإذا كان امتناعه لسبب ظاهر كعدم كفاءة الزوج أو لأن المهر أقل من مهر المثل، أو لوجود خاطب آخر يفوق الأول في مزاياه لا يعد عاضلاً في هذه الحالة ولا تنتقل الولاية لغيره، فليس لمن بعده من الأولياء تولي العقد، كما لا يملك القاضي توليه لعدم الظلم في هذه الحالة.
أما إذا امتنع من غير سبب يبيح له ذلك كان في هذه الحالة عاضلاً أي ظالماً، وحينئذ لا تنتقل الولاية لمن بعده من الأولياء لعدم سقوط ولاية الممتنع بل تنتقل إلى القاضي فيتولى العقد نيابة عنه، لأن ما فعله ظلم يؤدي إلى تنازع الأولياء، وهو مكلف برفع الظلم.
ويعد الولي عاضلاً إذا امتنع عن التزويج عند حاجة المولى عليها إليه، كما إذا طلبت الحرة البالغة العاقلة الإنكاح من كفء موجود راغب فيها بمهر المثل، فإنه يجب عليه التزويج لأن امتناعه ظلم وهو منهي عنه، فإذا لم يفعل تولى القاضي نيابة عنه.
وكذلك تنتقل إلى القاضي فيما إذا وجد أولياء في درجة واحدة وتنازعوا وخيف أن يؤدي تنازعهم إلى فوات الخاطب الكفء.
المبحث الرابع
في أنواع الولاية المتعدية وعلى من تثبت كل منهما:
اتفق الفقهاء على أن هذه الولاية تتنوع إلى نوعين:
ولاية جبرية: وهي التي تُخَوِّلُ لصاحبها الاستقلال بإنشاء عقد الزواج دون أن يكون للمولى عليه دخل فيه، ولذا سماها بعض الفقهاء ولاية استبدادية لاستبداد الولي فيها إنشاء العقد دون مشاركة من المولى عليه.
وولاية لا جبر فيها: وهي التي تخول للولي تزويج المولى عليه بناء على اختياره ورغبته فلا يستقل بالعقد، ولكن الفقهاء اختلفوا في تسميتها، فالحنفية في الراجح من مذهبهم يسمونها ولاية ندب واستحباب. على معنى أنه يستحب للولي مباشرة العقد(29/98)
نيابة عن المولى عليه بعد أن يتم الاختيار من جهته، كما يستحب للمولى عليه أن يكل مباشرة العقد للولي، حيث يصح له أن يباشره بنفسه.
ويسميها المالكية ولاية اختيار حيث لا جبر فيها على المولى عليه.
ويسميها الشافعي ولاية شركة لاشتراك كل من الولي والمولى عليه في اختيار الزوج، فلا يتم العقد إلا بتلك المشاركة، ولا فرق بينهما إلا أن الشافعية يمنعون تولي المولى عليه العقد لأنه امرأة.
ولكل من الولايتين أحكام تخالف أحكام الأخرى: وإليك البيان:
أما الولاية التي لا جبر فيها "ولاية الندب والاستحباب" فتثبت لكل الأولياء عموماً لا فرق بين ولي وولي حسب الترتيب في كل مذهب كما قدمنا.
وتثبت هذه الولاية على المرأة البالغة العاقلة وإن كانت رشيدة، هذا القدر متفق عليه بين الأئمة في الجملة، لكنهم اختلفوا وراء ذلك في أنها هل تثبت على تلك المرأة مطلقاً بكراً كانت أو ثيباً، أو أنها مقيدة بقيد بحيث لو لم يوجد كانت الولاية إجبارية ؟.
فالحنفية لا يشترطون فيها شيئاً، ويوافقهم الحنابلة في إحدى الروايتين عندهم والشافعية يشترطون فيها الثيابة فإن كانت بكراً فالولاية عليها إجبارية. وهي رواية عند الحنابلة.
ويوافقهم المالكية في القول المشهور عندهم فإنه يقرر أن البكر البالغة تثبت عليها ولاية الإجبار ولو بلغت ستين سنة أو أكثر.
بم يكون الرضا؟
يتحقق الرضا من الثيب بالقول وبالفعل كمطالبتها بالمهر والنفقة، وتمكينها من نفسها لحديث "الثيب يُعرب عنها لسانها" والفعل يدل على ما يدل عليه القول. وقول رسول الله لبريرة "إن وطئك زوجك فلا خيار لك".
أما البكر فرضاها يتحقق بهذين الطريقين، وبأمر ثالث وهو السكوت لحديث "وأذنها صُماتها"، ولأنها تستحي من النطق بالإذن من النكاح لما فيه إظهار رغبتها في الرجال فتنسب إلى الوقاحة، فلم يجعل سكونها إذناً وُشرِط استنطاقها - وأنها لا تنطق عادة - لفاتت عليها مصالح الزواج مع حاجتها إلى ذلك وهذا لا يجوز، والسكوت وإن كان محتملاً للرضا وعدمه إلا أنه يترجح جانب الرضا، لأنها لو لم تكن راضية لردت، لأنها إن كانت تستحي من الإذن فلا تستحي من الرد فلما سكتت ولم ترد دل على أنها راضية.
ويقوم مقام السكوت كل فعل يدل على الرضا. كالتبسم أو الضحك من غير استهزاء، وقالوا: ومنه البكاء بدون صوت فإنه بكاء الفرح.
المراد بالبكر والثيب:
ليس المراد بالبكر والثيب هنا حقيقتهما اللغوية، لأن حقيقة البكارة بقاء العُذرة، وحقيقة الثيابة زوالها، والحكم هنا ليس مبيناً على ذلك بالإجماع، لأن أحكام الولاية لا تقف عند هذا المعنى، بل هناك صور ممن ذهبت عُذرتها تعامل معاملة البكر في الزواج وما يتعلق به من الولاية.(29/99)