ـــــــــــــــــــ
عقيقة الكبير عن نفسه والعقيقة عن الأبوين الميتين
تاريخ الفتوى : ... 29 رمضان 1426 / 01-11-2005
السؤال
2- ماهي العقيقة وما هو حكمها ، وكيف يتم توزيعها ,,, وإذا لم تذبح للفرد عند ولادته
من قبل الأهل ، فهل يجوز أن يفي هو ويذبحها في حياته وهو كبير ,,,وهل يجوز أن تذبح
عن الأم والأب بعد مماتهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم ، ويبدأ وقتها من اليوم السابع للمولود ، وقد سبق لنا تعريفها وذكر حكمها في فتاوى سابقة ، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم : 4907 ،
وطريقة توزيعها هي الطريقة التي توزع بها الأضحية ، فلا بأس بأن يأكل صاحبها منها ، ويعطي الجيران والأصدقاء والأقارب ويتصدق على الفقراء والمساكين من غير حد . وإذا لم يعق الأهل عن الشخص وبلغ عق عن نفسه . ولم نجد من أهل العلم من ذكر أن الإنسان يفعلها عن أبيه أو أمه بعد موتهما . ولكنه لو فعلها بنية الصدقة ، فلا نرى حرجاً في ذلك .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم صنع العقيقة من الهدايا المقدمة بمناسبة الولادة
تاريخ الفتوى : ... 24 رمضان 1426 / 27-10-2005
السؤال
أريد أن أستفسر عن عقيقة المولود، هل يجوز أن يأخذ أهل المولود مبلغا من الهدية التي قدمت للمولود وعمل عقيقة له، وهل هذه الأموال أو الهدية تكون خاصة بالمولود ولا يحق للأهل التصرف فيها أم هي ملك للأهل؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي تطلب منه العقيقة هو من تلزمه نفقة المولود ويؤديها من مال نفسه لا من مال المولود، وهذا هو مذهب الشافعية، وذكر المالكية أن المطالب بالعقيقة هو الأب، وصرح الحنابلة أنه لا يعق غير الأب إلا إن تعذر بموت أو امتناع، ولك أن تراجع في تفصيل ذلك فتوانا رقم: 2287.
وإذا علمت هذا، فاعلم أن الهبة إذا كانت قد تمت بشروطها بحيث كان الواهب مؤهلاً للتصرف وقت الهبة وتمت حيازتها من طرف الموهوب له حيازة تامة بحيث(21/134)
يصبح متصرفاً فيها تصرف المالك في ملكه، أو حيزت له إن لم يكن أهلاً للحيازة، ورفع الواهب عنها يده تماماً، وتم كل هذا قبل موت أحدهما أو فلس الواهب فإنها تمضي، وتصير ملكاً للموهوب له، قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحوز.
وعليه؛ فالهدايا التي تقدم بمناسبات الولادة والعقيقة إذا كان أصحابها يعطونها لمن هو مطالب بالعقيقة، فلا مانع من استعانته بها في نفقات العقيقة، وإذا كان المقصود بها هو المولود نفسه أو أمه أو غيرهما ممن ليس مخاطباً بالعقيقة، فلا يجوز صرف شيء منها في العقيقة إلا بإذن ممن هي مخصصة له، وبشرط أن يكون إذنه معتبراً، بأن كان بالغاً رشيداً.
ويمكن معرفة من هي مخصصة له من الواهب نفسه إذا صرح بذلك، أو من العرف الجاري في ذلك عند المجتمع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
التعجيل بذبح العقيقة عن المولود
تاريخ الفتوى : ... 03 رمضان 1426 / 06-10-2005
السؤال
لي ولد عمره ثلاث سنوات و أود ان أذبح عنه عقيقة و قد اقترب شهر رمضان فهل من المستحب تأخيرها إلي أثناء شهر رمضان أم تستوي فضلها في أثناء الشهر أو غيره؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن فاته ذبح العقيقة إلى ما بعد اليوم الحادي والعشرين من الولادة فإنه مخير بعد ذلك في ذبحها متى شاء .
قال صاحب الروض المربع: ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك فيعق في أي يوم أراد. اهـ
فيخير الأخ السائل بين ذبحها قبل رمضان أو في شهر رمضان . ولعل تعجيل ذبحها قبل رمضان أفضل لأنه أسرع في البر . ولهذا ذهب الفقهاء إلى حسبان يوم الولادة من الأيام السبعة في ذبح العقيقة قالوا: لأن المقصود منها تعجيل الخير فناسب حسبان يوم الولادة. اهـ من حاشية الجمل .
ثم إن الغلام إذا لم يعق عنه فإنه محبوس عن الشفاعة لوالديه أو محبوس عن خير يراد به على أحد التفسيرين لقوله صلى الله عليه وسلم : كل غلام رهينة بعقيقته. رواه أهل السنن . وعلى كلا القولين ينبغي التعجيل بفك الرهن عنه وتسريحه من حبسه . ولاسيما أنه ذهب جماعة من العلماء إلى وجوب العقيقة . كل ذلك يرجح استحباب تعجيلها على تأخيرها إلى رمضان . وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : 1383 ، والفتوى رقم : 2287 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(21/135)
ـــــــــــــــــــ
من كان عاجزاً عن العقيقة حين الولادة ثم أيسر
تاريخ الفتوى : ... 02 رمضان 1426 / 05-10-2005
السؤال
الجواب على السؤال كان غير مفهوم في الوقت الذي ازدادت الطفلة لم تكن عندي القدرة لذبيحة والآن أريد أن تعطوني الحل أنا الآن في حيرة الطفلة توفيت وعمرها 3.5سنة، جزاكم الله خيراً شيخنا الكريم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن ولد له مولود هو قادر على العقيقة في مدة النفاس طلب منه استحباباً فعلها وإلا فلا يستحب. قال الخطيب الشربيني رحمه الله: ولوكان الولي عاجزاً عن العقيقة حين الولادة ثم أيسر قبل تمام السابع استحب في حقه. وإن أيسر بها بعد السابع وبعد بقية مدة النفاس -أي أكثره كما قال بعضهم- لم يؤمر بها، وفيما إذا أيسر بها بعد السابع في مدة النفاس تردد للأصحاب، ومقتصى كلام الأنوار ترجيح مخاطبته بها وهو الظاهر. انتهى
وعليه؛ فإن كنت أيسرت في مدة النفاس وأكثرها ستون يوماً استحب لك أن تعق عن ابنتك وإلا فلا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من اشترى عقيقة فماتت قبل ذبحها وعجز عن بدلها
تاريخ الفتوى : ... 07 شعبان 1426 / 11-09-2005
السؤال
إذا اشترى شخص خروفا لعقيقة مولود ومات الخروف قبل ذبحه وحالته المادية ليست جيدة هل عليه شراء خروف آخر أو النية في الخروف الأول تجزئ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة وليست واجبة ، فمن اشترى عقيقة ثم ماتت قبل ذبحها وعجز عن شراء بدلها فنرجو الله تعالى أن يكتب له مثل أجر العقيقة، وأما سنة العقيقة فلا تسقط بموت الخروف، ومتى استطاع أن يعق عن ولده ولو بقرب بلوغ الولد سن التكليف استحب له أن يعق عنه، فإذا بلغ الولد عق عن نفسه .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة بعد البلوغ
تاريخ الفتوى : ... 30 رجب 1426 / 04-09-2005
السؤال(21/136)
أبي لم يخرج عند ولادتي العقيقة وهي كما أعلم واجبة هل أستطيع أن أخرجها الآن وأنا عمري 24 عاما؟
وإن أخرجتها هل يجب أن أجهر أمام الناس أنها عقيقتي؟ وكم هو مقدار هذه العقيقة من الأضاحي؟
هذا وجزاكم الله كل خير عن الأمة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة وليست واجبة، ويمكن لمن لم يعق عنه والده أن يعق عن نفسه بعد البلوغ، ومقدارها في حق الذكر شاتان وهذا هو الكمال، وتحصل أصل السنة بشاة واحدة، وانظر الفتوى رقم: 49799، والفتوى رقم: 30710، والفتوى رقم: 4907.
ففي هذه الفتاوى جميع ما طلبت وأما إعلام من يدعى إلى العقيقة فليس بلازم، بل بمجرد أن تجمع عليها الناس أو توزعها مع نية كونها عقيقة كاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الوكالة في العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 27 رجب 1426 / 01-09-2005
السؤال
هل يجوز لعائلة أهل أب الطفل أن بعقوا عنه(العقيقة) علما أن المال من الوالد والعقيقة ستكون بغير الدولة التي بها؟ وجزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فذبح أهل أبي الطفل للعقيقة عنه عندهم أو في أي مكان آخر غير المكان الذي ولد فيه الطفل لا مانع منه شرعا وهو مجزئ سواء كان ذلك تبرعا من أحدهم أو وكالة ممن عليه العقيقة شرعا.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى: 24308، 15671، 60837.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تلحين القرآن والذكر احتفالا بالمولود
تاريخ الفتوى : ... 19 رجب 1426 / 24-08-2005
السؤال
أريد أن أتأكد وأزيد من معلوماتي لا أكثر، هل المولد (العقيقة ومن ثم يتبعها القراءات وتلحين الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم) مسموح به؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى(21/137)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد ما يعمله الناس من الأمور المحدثة المبتدعة عند المولد النبوي من ولائم واحتفالات وغيرها، فقد بينا حكم ذلك في الفتوى رقم: 1888.
وإن كنت تقصد عقيقة المولود فقد بينا أحكام العقيقة مفصلة في الفتوى رقم: 2287، وتلحين الصوت بالذكر والقراءة كما ذكر السائل من الأمور المحدثة المبتدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عمل العقيقة من غير مال الأب
تاريخ الفتوى : ... 02 رجب 1426 / 07-08-2005
السؤال
هل يجوز عمل العقيقة من مال غير مال الأب أو من مال أعطي للأب على سبيل الهبة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما أعطي للأب من مال على سبيل الهبة، فيجوز عمل العقيقة منه لأنه ماله، ملكه بالهبة، وأما عملها من مال غير الأب، فإما أن يكون بإذن الأب فيجوز أيضاً، وأما أن يكون بغير إذنه ففي إجزائها خلاف سبق بيانه في الفتوى رقم: 15671.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا مانع من العق عن المولود قبل خروجه من المستشفى
تاريخ الفتوى : ... 18 جمادي الثانية 1426 / 25-07-2005
السؤال
رزقني الله بمولودة سميتها آية غير أنها دخلت الحضانة فور الولادة ولمدة غير محددة والسؤال هل أستخرج لها شهادة ميلاد وأعق عنها ؟
وأيضا ما حكم الدين في ثقب أذنها للزينة ولبس الذهب فيها هل هو جائز أم لا؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة موكدة كما عليه جمهور أهل العلم، وتسن يوم السابع للولادة، ولا مانع من العق عن المولود قبل خروجه من المستشفى (الحضانة) وكذلك بالنسبة لاستخراج شهادة الميلاد.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني وهو جواز ثقب أذن البنت فيجوز ذلك، وتقدم في الفتوى رقم: 23859.
والله أعلم.(21/138)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقوال العلماء في جعل العقيقة وليمة
تاريخ الفتوى : ... 10 جمادي الثانية 1426 / 17-07-2005
السؤال
أريد أن أعمل عقيقة لابنتي التي عمرها سنتان، ولا أريد أن أستدعي الأقارب تجنبا لمشاكل صارت لي سابقا في مناسبات كهذه مثال فلان أكل وفلان لم يأكل وفلانة أخذت وأخرى لا ، كيف أتصرف
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة مؤكدة ، ولا ينبغي تأخيرها عن وقتها وهو اليوم السابع للولادة كما بينا في الفتوى رقم: 2287وسبيلها سبيل الأضحية تطعم منها أهلك وتهدي للجيران والأصدقاء، وطبخها أفضل. قال ابن جريج: تطبخ وتهدى للجيران والصديق وسبيلها سبيل الأضحية.
وقد نص بعض العلماء على كراهة اتخاذها وليمة كوليمة العرس. قال خليل في مختصره: وكره عملها وليمة ونص عليه ابن عبد البر في التمهيد أيضا، وفي حاشية إعانة الطالبين: ويطبخ لحمها ويبعث به إلى الفقراء وهو أحب من ندائهم عند بيته، وذلك لقول عائشة إنه سنة. وفي الفواكه الدواني: ويكره جعلها وليمة ويدعو لها الناس كما يفعله الناس، وإنما كره لمخالفته لفعل السلف وخوف المباهاة والمفاخرة، بل المطلوب إطعام كل واحد في محله، ولو وقع عملها وليمة أجزأت.
فهذا هو الأولى أن تذبح ويطعم منها الأهل والجيران والأصدقاء والفقراء، كلُ يبعث إليه في محله على سبيل الهدية، وإن تصدق ببعضها فلا حرج. قال في المجموع: ويستحب أن يأكل منها ويتصدق ويهدي، وكذا في روضة المحبين.
وبهذا تنجو مما وقعت فيه سابقا وهو الأولى لك والأفضل، لأن الدعوة إليها نص البعض على كراهتها مع ما تسببه من الشحناء والبغضاء، وإن نص بعض العلماء على أنه لصاحبها أن يصنع فيها كيف شاء. قال ابن سيرين: اصنع بلحمها كيف شئت.
وفي المغني: وإن طبخها ودعا إخوانه فحسن، ولكن حيث لا يحدث ذلك فتنة وخصاما ويكون سبيلا للتفاخر والتحاسد، أما وقد حصل هذا، فإنه ينبغي أن يلتزم بما أثر عن السلف في ذلك، وللعلامة ابن القيم رحمه الله كتابا سماه تحفة المودود في أحكام المولود، ننصح باقتنائه وقراءته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تأخير ذبح العقيقة والاشتراك فيها
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1426 / 13-06-2005
السؤال(21/139)
رزقني الله بأنثى وذلك في يوم الأحد 10 أكتوبر 2004 ونويت عمل عقيقة لها وذلك بذبح خروف ولكن لظروف خارجة عن إرادتي تأجل الذبح حتى الآن فدلوني هل أستطيع أن أذبح الآن وهل أذبح في يوم سبت لأن أسبوع ابنتي كان يوم سبت وهل يجوز أن تكون العقيقة مشتركة في ذبح واحد مع قريب لي يريد أن يذبح بقرة لشفاء ابنه من المرض ويوزعها على الفقراء فهل يجوز لى أن أدفع مالا وأشترك في هذا الذبح ويكون ذلك عن عقيقة ابنتي أم يجب على أن أذبح ذبحا منفردا ليس فيه شريك آخر. أفيدوني أفادكم الله بسرعة الرد
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من ذبح العقيقة الآن، ولا يلزم أن تكون يوم سبت، بل اذبحها في أي يوم شئت، ولا مانع من الاشتراك مع قريبك بحيث يكون سبع البقرة عقيقة لك عن ابنتك والباقي لقريبك بأي نية أراد، وانظر الفتوى رقم:18630 عن الاشتراك في العقيقة ، والفتوى رقم 2287 لمعرفة الوقت الذي تذبح فيه العقيقة .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة والأضحية
تاريخ الفتوى : ... 30 ربيع الأول 1426 / 09-05-2005
السؤال
أنا أب عندي ابن وبنت وأريد
أن أعرف بالنسبة إلى الأضحية للأولاد
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تعق عن الولدين، ولمعرفة ما هي العقيقة وما هي أحكامها راجع الأجوبة التالية أرقامها: 2287، 3182، 1433.
وإذا كنت تسأل عن الأضحية التي هي الذبيحة من بهيمة الأنعام في وقتها المشروع من ذي الحجة فإن الأب يجزئه أضحية واحدة عن نفسه وعن أهل بيته من زوجة وأولاد وغيرهم، بشرط كونهم يسكنون معه، وينفق عليهم كما سبق في الفتوى رقم: 14090.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة عن ولد الغير بإذنه والتنازل عن ثمنها
تاريخ الفتوى : ... 27 صفر 1426 / 07-04-2005
السؤال
أنا سؤالي أنه لدي أخ يعيش في أمريكا وقبل فترة رزقه الله تعالى بمولود ذكر وكان الوضع المادي له ليس كثيرا وكان يريد أن يذبح عقيقة عن الولد وعندها أنا كان(21/140)
لدي المبلغ فأخبرته أني سوف أذبح العقيقة عنه وعندما يحصل على المبلغ يرسله لي ولكن أنا أريد أن أسامحه فهل هذ يجوز شرعا أم أنه يجب أن يرسل لي المبلغ.
وأشكركم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك ولا عليه في أن تسامحه بهذا المبلغ ما دام أنك عققت عن ولده بإذنه، فهو بمثابة دين أسقطته عنه، وإنما الخلاف في إجزاء العقيقة عن الغير بغير إذن من تلزمه نفقته وتقدم تفصيله في الفتوى رقم:15671.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... فساد لحم العقيقة والذبيحة المنذورة
تاريخ الفتوى : ... 18 محرم 1426 / 27-02-2005
السؤال
هل يحسب هذا النذر والعقيقة أم لا، والسؤال هو كالأتي:
أولاً أنني بيت النية أنا وزوجي لكي نعمل خروفين للعقيقة وخروفا للنذر وعملنا ذلك بالفعل وذبحنا، وبصراحة الوقت كان دقيقا لكي أفرقها، ولكني فرقت شيئا بسيطا جداً منها، وكلها تركتها في الفريزر، وعندما أخرجتها اليوم التالي وجدت أغلبيتها فاسدة، وقليل منها فرقته، فهل تحسب هذه الذبائح أم لا؟ وشكراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الجواب عن هذا السؤال في الفتوى رقم: 59094.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم العيب الطارئ على العقيقة والمنذورة بعد الذبح
تاريخ الفتوى : ... 08 محرم 1426 / 17-02-2005
السؤال
سؤالي عن العقيقة؛ عندما ذبحت ذبائح، وأردت تفريقها كانت قد فسدت هل تحسب أم لا؟ وهم ثلاث، بعض منها فرقته، والأكثر فسد كله، وقد كانت النية سليمة من الأب والأم. عفوا هم خروفان عقيقة وواحد نذر هل يحسب حسب النية أم يعاد كله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة وليست واجبة، وقد سبق أن ذكرنا حكمها في الفتوى رقم: 2287، ولم نجد من تكلم من أهل العلم عن إجزاء العقيقة أو عدم إجزائها في حالة ما إذا فسد لحمها بعد ذبحها؛ والظاهر - والله أعلم – أن فساد لحم العقيقة لا يمنع من إجزائها(21/141)
قياسا على الأضحية، فقد نص بعض أهل العلم على أن العيب الطارئ عليها بعد الذبح لا يمنع إجزاءها.
وأما المنذورة فيجب التصدق بها كاملة، فإن فسد لحمها لزم الناذر شراء اللحم بمقدار ما فسد، أو شراء بدل المنذورة، ولا يلزمه إعادة الذبح لأن إراقة الدم قد حدثت، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري : ( ولو ذبح المنذورة ) , ولو حكما ( في وقتها , ولم يفرق لحمها ففسد لزمه قيمته وتصدق بها دراهم ) , ولا يلزمه شراء أخرى لحصول إراقة الدم وكذا لو غصب اللحم غاصب وتلف عنده أو أتلفه متلف يأخذ القيمة ويتصدق بها كما صرح به أصله وما ذكره كأصله هنا من الاكتفاء بإخراج قيمة اللحم وجه مبني على أن اللحم متقوم والأصح بناؤه على المصحح من أنه مثلي أنه يلزمه شراء اللحم أو شراء بدل المنذورة كما قدمه في آخر باب الدماء .اهـ.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تجزئ شاة واحدة عن مولودين
تاريخ الفتوى : ... 15 ذو الحجة 1425 / 26-01-2005
السؤال
لي بنت عمرها 5 سنوات لم أعمل عقيقة عنها، ورزقت بطفلة أخرى منذ أيام
- هل يمكن أن أذبح شاة واحدة بنية العقيقة عن الاثنتين معاً
- وما هو الوقت المناسب لذبح العقيقة
- و ما هي مواصفات الشاة وعمرها
وجزاكم الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السنة أن يعق عن المولود في اليوم السابع من ولادته، فتذبح عن الولد شاتان، وعن البنت شاة واحدة، وإذا فات وقت الذبح لأي سبب فإنه يذبح في الرابع عشر، فإذا لم يمكن ففي الحادي والعشرين، فإن لم يمكن ففي أي وقت تيسر، وتراجع الفتوى رقم: 355.
وعلى ذلك، فإذا كنت مستطيعا فإن من السنة أن تذبح شاة عن بنتك التي لم تذبح عنها أصلا عندما يتيسر لك ذلك، ولا تنتظر ولادة المولود الآخر مادمت قادرا على أداء هذه السنة والشعيرة العظيمة.
ولا تجزئ شاة واحدة عن مولودين، لما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يعق عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة.
وأما مواصفات العقيقة فهي مواصفات الأضحية، فراجع فيها وفي المزيد من تفاصيل العقيقة الفتاوى التالية أرقامها: 2287، 13884، 28467، 4907، 49799.(21/142)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تشترط رؤية العقيقة وقت ذبحها
تاريخ الفتوى : ... 24 ذو القعدة 1425 / 05-01-2005
السؤال
نود أن نعمل عقيقة لابننا ونحن موجودان في بلد أوروبي وصعب أن نذبح في أي وقت فعيد الأضحى على الأبواب فنريد عندما نضحي نذبح شاتين أخريين بخلاف شاة الأضحى للعقيقة فهل يصح ذبح العقيقة في عيد الأضحى أو توصية شخص بذبحها وجلبها لنا دون أن نكون حاضرين وقت ذبحها. أفيدونا جزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الوقت المحدد من السنة قد فات وهو اليوم السابع من الولادة، فلا مانع شرعا من ذبح العقيقة في أي وقت أو أي مكان. فلا يشترط في صحة العقيقة أن يراها صاحبها وقت ذبحها. ولكن إذا كان ذبحها مع الأضحية يؤدي إلى فسادها وعدم استهلاكها فلا ينبغي لما فيه من تضييع المال. والعقيقة والأضحية يستحب التصدق منهما والهدية.. ولمزيد من الفائدة والتفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم:
4907.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عقيقة الجد عن حفيده
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو القعدة 1425 / 19-12-2004
السؤال
هل يجوز أن يعق أبي عن ابني حيث إننى لا أملك المال الكافي لكي أعق عن ابني إن شاء الله وهل هذا يكفي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقيقة عن المولود سنة مؤكدة على والد المولود إن كان قادرا عليها هذا هو الأصل، ولا مانع أن يعق عنه جده أو من تبرع له بذلك، وخاصة إذا كان والده عاجزا أو لا يملك المال الكافي للقيام بها، فبذلك تحصل السنة، ولا داعي للتغالي فيها، فمن السنة أن يذبح عن الولد شاتان وعن البنت شاة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الجمع بين نية الأضحية والعقيقة
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو القعدة 1425 / 14-12-2004(21/143)
السؤال
أنوي إن شاء الله ذبح أضحية عيد الأضحى ومعها نية العقيقة لمولود جديد إن شاء الله وهي عبارة عن كبشين وكما قرأت في فقه السنة أنه يجوز ذلك، ولكن أريد أن أشرك معي أحد الأقارب في ذبح بقرة هو بنية الأضحية وأنا بنية الأضحية والعقيقة، فهل يجوز لي جمع النيتين والاشتراك في الأضحية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمع بين العقيقة والأضحية مسألة خلاف بين أهل العلم، وكنا بينا ذلك في فتاوى سابقة، فراجع فيها فتوانا رقم: 885.
وأما الاشتراك في ثمن الأضحية إن كانت بدنة أو بقرة فإنه مجزئ عند جمهور العلماء، وخالف في إجزائه المالكية، والراجح ما عليه الجمهور لما صح في ذلك من السنة، وراجع فيه فتوانا رقم: 29438.
والذي ننصحك به هو أن تذبح الكبشين اللذين عندك، ويكون أحدهما عن العقيقة والآخر عن الأضحية خروجاً من الخلاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة والأضحية والعقيقة عن الميت وبلع الصائم البلغم
تاريخ الفتوى : ... 15 شوال 1425 / 28-11-2004
السؤال
أريد أن أضحي مع إخوتي ببقرة أنا لم يذبح عني عقيقة، فهل يجوز أن أدخل بحصتين في البقرة واحدة للعقيقة وأخرى للأضحية، هل من الواجب أن يعق عن المتوفى إذا لم يتم ذلك أثناء حياته، عانيت في شهر رمضان المبارك من حرقة وأحماض في معدتي وحصل أن خرجت هذه الأحماض من المعدة ووصلت فمي إثناء الصلاة ثم أعدت بلعها هل علي إعادة صيامي لهذه الأيام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في مسألة الجمع بين العقيقة والأضحية في ذبيحة واحدة، والذي نراه صوابا هو عدم صحة الجمع لاختلاف المقصود من كل منهما، وراجعي في هذا فتوانا رقم: 885.
وعليه فينبغي أن تذبحي عن عقيقتك شاة، وذلك هو السنة لما روى الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين.
والعقيقة سنة وليست بواجبة، فإذا رأى أهل الميت أن يعقوا عنه ولم يكن قد عق عنه في حياته فذلك حسن.(21/144)
والأحماض التي ذكرت هي ما يسميها أهل الطب بالبلغم، وقد اختلف العلماء في صحة وفساد صوم من ابتلعه عمدا، والمعتمد الصحة، وأما ابتلاعه سهوا أو غلبة فلا شيء فيه اتفاقاً، وراجعي فيه الفتوى رقم: 2787.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجزئ عمل وجبات إفطار للصائمين بدل العقيقة ؟
تاريخ الفتوى : ... 03 شوال 1425 / 16-11-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤالي هو عن العقيقة .هل من الممكن أن أعمل وجبة إفطار للصائمين في مسجد من مساجد ألمانيا بدلا عن ذبح شاتين لأن الذبح هنا فيه صعوبة شديدة .جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة
سنة وليست بواجبة، والأصل فيها ما رواه البخاري وغيره أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: مع الغلام عقيقة، فأهرقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى . وروى أصحاب السنن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى وعليه فإن إفطار الصائمين أمر حسن وفيه أجر كبير، ولكنه لا يقوم مقام العقيقة إذا لم يكن فيه ذبح، فإذا كان الأخ السائل يستطيع الذبح عن مولوده فهو السنة وهو المطلوب، وإن لم يستطع ذلك فلا حرج عليه في تركها إلى أن تحصل له الاستطاعة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ذبح العقيقة بعد العصر
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1425 / 18-10-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز ذبح أضحية العقيقة بعد العصر؟ وهل لها وقت محدد؟
وشكراً والسلام عليكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقيقة يجوز ذبحها بعد العصر، ووقتها الذي ندب إليه الشارع هو يوم السابع، ويدل لذلك ما في الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه واللفظ له من حديث سمرة عن(21/145)
النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع. ويحلق رأسه ويسمى. والحديث صححه الألباني.
ويشرع ذبحها طيلة اليوم كما في الضحية، وقد ذكر النووي في المجموع أن السنة ذبحها اليوم السابع.
وقال خليل في المختصر: وندب ذبح واحدة تجزئ ضحية في سابع الولادة نهارا.
وقد ذكر بعض شراح خليل أنه يندب أن تذبح بعد طلوع الشمس، ولكن لو أخر فذبحها بعد العصر أجزأه كما تقدم.
وراجع الفتوى رقم: 49306، والفتوى رقم: 2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
... مسائل حول العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 03 رمضان 1425 / 17-10-2004
السؤال
لدي 4 أطفال ذكور وثلاث بنات ولم أقم بعمل عقيقة لهم، هل يجوز الجمع في العقيقة بينهم بذبح بدنة بدلا من عدد من (الشياه) وتوزيعها على أهل الحي الذي اسكن فيه، هل يجوز أن أعق عن نفسي، مع العلم بأنني لا أعلم إذا كان الوالد رحمه الله كان قد ذبح عني عقيقة أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة وليست بواجبة، والأصل فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى. رواه البخاري وغيره، وروى الترمذي وأبو داود عن أم كرز الكعبية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة.
وهذه السنة تفعل في اليوم السابع من الولادة، وإذا تأخرت عنه في اليوم الرابع عشر، فإن تأخرت على ذلك ففي اليوم الحادي والعشرين فإن تأخرت عن ذلك فلا مانع من فعلها في أي زمن قادم، ولكنها قبل بلوغ الأبناء يفعلها الوالد عنهم أو من تلزمه النفقة وبعد بلوغهم تسقط عنه، ولا مانع من أن يفعلوها هم عن أنفسهم إن أرادوا ذلك، وراجع في هذا الفتوى رقم: 16868.
وإشراك جميع الأولاد في بدنة يعق عنهم بها جميعاً لم يرد به نص، لذا فإنا لا نراه مع أن بعض أهل العلم قال به، وراجع فيه الفتوى رقم: 2759.
ولا مانع من أن يعق الإنسان عن نفسه إذا كان لا يدري ما إذا كان والده عق عنه أو لم يعق، مع أنه لا حرج عليه في تركها ولو علم أن أباه لم يعق عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تجوز العقيقة من الشاة المهداة(21/146)
تاريخ الفتوى : ... 22 شعبان 1425 / 07-10-2004
السؤال
رزقت ولله الحمد بمولود ذكر وأريد أن أعمل له عقيقة وسؤالي هو:
1. هل هناك مدة أو موعد معين للعقيقة؟
2. أهداني قريب لي خروفا، هل يمكن أن أذبحه بنية العقيقة أم لا بد أن تكون من حر مالي؟.
3. هل لا بد أن أوزع العقيقة أو الذبيحة بالكامل أم يمكن أن أهدي منها؟.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الموعد الذي حدده الشارع للعقيقة هو يوم سابع الولادة، ويدل لذلك ما في الحديث: كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه. رواه أصحاب السنن.
ويجوز أن تذبح عنه الخروف الذي أهدي إليك، لأنه أصبح ملكاً لك، فاستوى مع مالك الأصيل، ويجوز لك كذلك أن تأكل لحم العقيقة، وتهدي للجيران والمساكين، وتدخر ما شئت، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 33951، 2287 ، 1383، 355، 4907، 9172.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم هبة العقيقة للأهل
تاريخ الفتوى : ... 06 شعبان 1425 / 21-09-2004
السؤال
بعد شهرين سأضع طفلا ذكرا، وسيكون له عقيقتان، واتفقنا أنا وزوجي أن ياخذ أهله ذبيحة ويوزعوها كيفما شاؤوا ولأهلي ذبيحة يوزعونها كيفما أرادوا، هل يجوز أن يأخذ أهلي كل الذبيحه لهم، فأنا أرغب بذلك وأقول إن أهلي أولى الناس هم ليسوا فقراء ولكن الحاله المادية متوسطة وسمعت مؤخراً أنهم من شهر ونصف لم يحضروا لحما لغلائه وأنهم يحضرون الدجاج بكثرة، قالت أختي هذا الكلام على سبيل الضحك وليس للشكوى فتأثرت كثيرا، فهل يجوز أن أعطي عقيقة ابني كلها لأهلي، علما بأنني قلت هذا الكلام لأختي فرفضت وقالت لا هنالك من أحق منا بهذه، وأنا أعلم أنه يمكن أن يعمل الشخص عزيمة للأصدقاء والأقارب فيها، فأنا أقول لماذا نعمل عزيمة لكل العائلة وأنا أستطيع أن أوفر على أهلي شراء لحم لمدة شهر أو شهرين فليأخذها أهلي كلها، ما رأيكم في هذا أرجو إجابتي بشكل محدد أفعل أم لا، بقي أن أقول أن عدد أسرتي 5 أفراد؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(21/147)
فقد سبق بيان كيفية توزيع العقيقة في الفتوى رقم: 9172، ويستحب أن توزع العقيقة كما توزع الأضحية، ولا مانع من هبتها لأهلك كلها أو بعضها، كما في الفتوى المحال عليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تُشترى العقيقة بالمال المقبوض من الجمعية؟
تاريخ الفتوى : ... 19 رجب 1425 / 04-09-2004
السؤال
أريد أن أقوم بعمل عقيقة لابنتي، والسؤال هو: أنا قمت بعمل جمعية وأريد أن اشتري العقيقة من هذا المال الذي قبضته من الجمعية، هل هذا يجوز، وهل يجوز أن اشتري العقيقة وأنا مدينة لأحد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصدين بالجمعية جمعية الموظفين التي يدفع كل شخص فيها قسطاً كل شهر ويعطونه لأحدهم ثم للثاني ثم للثالث، فإنه لا حرج في أخذ ثمن العقيقة منها، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1959، 40584، 4907، 35097.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا بأس بذبح عقيقة عن إخوتك تنفيذا لوصية الأب
تاريخ الفتوى : ... 24 جمادي الثانية 1425 / 11-08-2004
السؤال
أوصاني والدي قبل وفاته بأن أذبح عقيقة لإخوتي المتوفين وهم صغار أرشدوني جزاكم الله خيراً
كيف أفعل ذلك؟ كما أنه لدي أولاد ولم أذبح لهم عقيقة فهل يجوز الذبح الآن وبالتتابع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وقال الظاهرية بوجوبها وهو قول عند الإمام أحمد، روى أصحاب السنن من حديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى.
وكنا قد بينا أحكام العقيقة مفصلة في فتاوى سابقة، فراجع فيها الفتوى رقم: 2287.
وقد أوضحنا فيها أن من لم يتمكن من فعل العقيقة في اليوم السابع من الولادة أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين، فله أن يفعل ذلك متى تيسر له.
ثم إن إنفاذ وصية الوالد بعد موته من البر به، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان يبقى شيء من بر الوالدين بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما،(21/148)
والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
وبناء على جميع ما تقدم.. فلا بأس بأن تذبح عقيقة عن كل واحد من إخوتك الذين توفوا وهم صغار، إنفاذا لوصية أبيك، وأحرى من ذلك أن تذبحها -أيضاً- عن أولادك الذين لم تعق عنهم، ولا مانع من ذبح كل عقيقة في يوم بالتتابع أو بدونه، كما لا مانع من ذبح كل ذلك في يوم واحد، وإنما ينظر في ذلك ما هو أصلح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لديه ولد وبنت ويريد أن يعق عنهما
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1425 / 12-06-2004
السؤال
رزقني الله بطفل ذكر وهذا من سنتين ونصف السنة ولم أقم بعمل عقيقة وذلك لقصر ذات اليد وبعدها رزقني ربي رب العزة بمولودة أخري وأريد أن أولم عليهما وكما أخشي أن المبلغ المرصود لهذا لا يكفي لإحياء سنة النبي علية الصلاة والسلام وأريد الفتوي في هذا؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العقيقة غير واجبة عند الجمهور من الفقهاء منهم أئمة المذاهب الأربعة، بل هي سنة في قول عامة أهل العلم، فمن رزقه الله ولداً أو بنتاً سن له أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيعق عن الولد شاة، كما فعل صلى الله عليه وسلم أو شاتين كما أمر في الحديث الذي جاء عنه من رواية أبي داوود: العقيقة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة.
وقال النووي في المجموع: السنة أن يعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، فإذا عق عن الغلام شاة حصل أصل السنة ولو ولد له ولدان فذبح عنهما شاة لم تحصل العقيقة. انتهى
ولو ذبح عن الغلام شاة أجزأه ذلك. قال ابن قدامة في المغني: هذا قول أكثر القائلين بها، لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن شاة وعن الحسين شاة. رواه أبو داوود.
ووقت العقيقة الموافق للسنة أن يذبح يوم السابع، وقال في المغني: والعقيقة أفضل من التصدق بقيمتها نص عليه أحمد وقال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه إحياء للسنة. قال ابن المنذر: وصدق أحمد إحياء السنن واتباعها أفضل.
وأما ما يطلب منك الآن فهو أن تعق عن البنت المولودة، فإن كان المبلغ يفي لشراء شاتين شاة عنها وشاة عن الولد فعق عنهما، وإن كان المبلغ لا يفي إلا بشاة واحدة ولم تجد من يقرضك ثمن الشاة الثانية فعق عن البنت ودع عنك الولد، لأن فترة(21/149)
ولادته مرت عليك وأنت غير مستطيع مع أن قضاءها مختلف فيه هل هو مطلوب أم لا، ولا يكلف الله نفساً إلى وسعها، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 4907.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الحكمة من سنية العقيقة للذكر بشاتين
تاريخ الفتوى : ... 19 ربيع الثاني 1425 / 08-06-2004
السؤال
ما الحكمة من أن العقيقة للذكر شاتان والجارية شاه؟ وفي حالة أنني لم أستطع أن أعق عن ابني الذكر شاتين هل تصح شاه واحدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من حكم سنية العقيقة للذكر بشاتين تفضيل الذكر على الأنثى، وهذا من مظاهر هذا التفضيل، ومثل ذلك حقها في الإرث نصف حقه هو فيه، ثم إن هذا شرع الحكيم الخبير، وقد قال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
وقال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
ومن مظاهر هذا التفضيل أيضاً أن الرسل كلهم كانوا رجالاً.
هذا؛ واعلم أنه يجزئ العق عن الذكر بشاة واحدة؛ كما يدل له الحديث: مع الغلام عقيقة. رواه البخاري.
ويدل كذلك أنه صلى الله عليه وسلم عق عن كل من الحسن والحسين بشاة واحدة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة.. حكمها..شروطها.. وتوزيعها
تاريخ الفتوى : ... 11 ربيع الثاني 1425 / 31-05-2004
السؤال
ربنا رزقني بمولودة ووالدي كان لتوه متوفى منذ 40 يوما ولم أعمل لها عقيقة .
متى أعمل العقيقة؟ وماهي الفروض الواجب عملها
وهل كان يصح لي أن أعمل ووالدي متوفى؟
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعقيقة هي الذبيحة التي تذبح للمولود، وهي سنة مؤكدة كما ذهب إليه جمهور أهل العلم. لما رواه مالك في موطئه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل. وقال صلى الله عليه وسلم: الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه. رواه أحمد و أصحاب السنن عن سمرة مرفوعا وصححه الترمذي.(21/150)
ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لما رواه الترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم أن يعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة. ويسن أن تذبح يوم السابع للولادة، فإن لم يكن ففي الرابع عشر وإلا ففي الحادي والعشرين لما أخرجه البيهقي عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العقيقة تذبح لسبع أو لأربع عشر أو لإحدى وعشرين. فإن لم يتمكن في هذه الأوقات، لضيق الحال أو غير ذلك فله أن يعق بعد ذلك إذا تيسرت حاله، من غير تحديد بزمن معين. إلا أن المبادرة مع الإمكان أولى.
ولايجزئ فيها إلا ما يجزئ في الأضحية، فلا يجزئ فيها عوراء ولا عرجاء ولا جرباء، ولا مكسورة، ولا ناقصة، ولا يجز صوفها، ولا يباع جلدها ولا شيء من لحمها. ويأكل منها، ويتصدق، ويهدي. فسبيلها في جميع الوجوه سبيل الأضحية.
والسن المجزئ في الأضحية والعقيقة إذا كانت من الإبل أن تكون مسنة وهي ما لها خمس سنين، ومن البقر ماله سنتان، ومن المعز ماله سنة، ومن الضأن ماله ستة أشهر. ولا يجوز أن يكون سنها أقل مما ذكر.
ولا يشترط أن يرى الوالد دم العقيقة وليس على ذلك دليل.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يستحب طبخ العقيقة كلها حتى ما يتصدق به، وإن فرقها بدون طبخ جاز ذلك.
وكان عليك أن تعق عن ابنتك ما دمت قادرا، وليس في قرب العهد بوفاة والدك ما يمنع من العقيقة إذ هي لشكرك نعمة الولد، والشكر لا ينافي الحزن.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ضم نية الوليمة إلى نية العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 09 ربيع الأول 1425 / 29-04-2004
السؤال
انا معاقة ولاأستطيع الاستغناء عن السيارة لأني أعمل فاشتريت أنا وزوجي سيارة مستعملة من الجمارك وبقى جزء كبير من ثمنها لم يسد ولم أعمل عقيقة لولدي والذي يبلغ من العمر 3 سنوات و أريد عمل عقيقة واحدة بنيتين له و للسيارة هل يجوز ذلك و هل يجوز لي عملها قبل تسديد باقي ثمن السيارة علما بأن أبي سدده عني وأصبح الدين لوالدي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنرجو من السائلة الكريمة مراجعة الفتوى رقم 2287، للوقوف على معنى العقيقة وحكمها ووقتها ومن تلزمه، وهناك تعلمين أن العقيقة سنه مؤكدة وليست واجبة فإذا أمكن الجمع بينها وبين سداد الدين فذلك أفضل ، وإن لم يمكن الجمع فيقدم
سداد الدين عليها ، ولتعلم السائلة أن العقيقة عبادة والعبادة لاتصح إلا بنية, وقد نص الفقهاء على اشتراط النية في العقيقة قبل الذبح ، فإذا ذبحت بهذه النية فلا بأس بالجمع بينها وبين الوليمة بسبب شراء سيارة أونحو ذلك من حدوث نعمة ودفع نقمة(21/151)
، وقد ذكر العلماء أن ضم نية التبرد إلى نية الوضوء لا يضر لانه يحصل ضمناً، وكذلك هنا لا يضر ضم نية الوليمة إلى نية العقيقة لحصول الوليمة ضمناً
جاء في المنثور في القواعد:
ماحصل ضمناً إذا تعرض له لا يضر كما لوضم إلى نية رفع الحدث نية التبرد .
وجاء في الموسوعة الفقيهة : لا نعلم خلافاً بين الفقهاء في جواز تشريك مالا يحتاج إلى نية في نية العبادة اهـ, ومن المعلوم أن فعل وليمة بسبب حدوث نعمة شراء سيارة أمر لا يحتاج إلى نية . والله أعلم
2287
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا بأس بالجمع بين الوليمة والعقيقة
تاريخ الفتوى : ... 05 محرم 1425 / 26-02-2004
السؤال
نويت أن أعمل وليمة لأشخاص قاموا بأداء فريضة الحج هذا العام ولدي ولد أريد ان أعق عنه، فهل يجوز الجمع بين العقيقة والوليمة في آن واحد (نفس الذبيحة )؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بذلك، وراجع الفتوى رقم: 9172، والفتوى رقم: 25484.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يعق بالبقرة عن سبعة أفراد
تاريخ الفتوى : ... 06 ذو الحجة 1424 / 29-01-2004
السؤال
لم يعق عنا والدانا عندما كنا رضعا، لكن أمي وأبي ينويان الآن أن يذبحا بقرة تكون بمثابة عقيقة لنا كلنا، ونحن ولدان وبنتان، فهل هذا جائز ومجزٍ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن العقيقة تكون من الإبل والبقر كما تكون من الغنم، فإذا كانت العقيقة من البقر والإبل أجزأت عن سبعة، كما هو مذهب الشافعية قياساً على الهدي والأضحية، وبناء على ذلك فإن البقرة إذا استوفت شروط الأضحية جاز أن يعق بها عن سبعة أفراد، وراجع الفتوى رقم: 15288.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... فعل أم المولود العقيقة في حال امتناع الأب(21/152)
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
هل يمكن للأم عمل العقيقة للمولود في حالة رفض الأب ؟ وجزاكم الله عنا خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المطالب بالعقيقة هو من تلزمه نفقة المولود فيؤديها من ماله، ولا يفعلها من لا تلزمه النفقة إلا بإذن من تلزمه، وهذا مذهب الشافعية، وذكر المالكية أن المطالب بالعقيقة هو الأب، وصرح الحنابلة أن لا يعق غير الأب إلا إذا تعذر بموت أو امتناع، فإن فعلها غير الأب لم يكره.
وعليه؛ فنقول هنا إذا امتنع الأب عن العقيقة وأرادت الأم أن تعق هي فلتستأذن الأب، فإن أصر على الرفض فلها أن تعق مع رفضه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... البقرة تجزئ عن سبعة في العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو القعدة 1424 / 14-01-2004
السؤال
لقد أرسلت هذه الرسالة بالإنجليزية، وأريد أن أسأل عن جوازالعقيقة بذبح بقرة واحدة فقط عن أربعة أبناء (صبيين 26 عاما و 20 عاما, وفتاتين 22 عاما و 15 عاما) و جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فالسنة في العقيقة أن يذبح عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة، والصحيح من أقوال العلماء أن البقرة تجزي عن سبعة، وعليه فيجزئك ذبح البقرة عن أولادك المذكورين جميعا، وقد فصلنا هذا في الفتوى رقم: 15288.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
عدم الجمع بين العقيقة والأضحية أحوط
تاريخ الفتوى : ... 05 ذو القعدة 1424 / 29-12-2003
السؤال
لي ولد عمره يوافق سنة مع عيد الأضحى، هل يجوز الجمع بين نيتين (العقيقة والأضحية) إذا كانت الأضحية عجلا جاموسا، أفيدوني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الجمع بين العقيقة والأضحية مسألة خلاف بين أهل العلم، كما بينا في الفتوى رقم: 885. وعليه فنصيحتنا لك هي أن تذبح بدل العجل ثلاثة خراف من الضأن، على ألا يقل(21/153)
عمر الواحد منها عن ستة أشهر، فتذبح أحدها عن أضحيتك واثنين عقيقة عن ولدك، وبهذا تكون قد فعلت الأفضل من جهة الأجر والأخف من حيث التكلفة المادية. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... كيفية توزيع لحم الذبيحة
تاريخ الفتوى : ... 25 رمضان 1424 / 20-11-2003
السؤال
كيف توزع الذبيحة إذا كانت 1- عقيقة 2- عن أحد الأبناء بمناسبة شفائه 3- إذا كانت لله ورسوله 4- إذا كانت عن البيت الذي بنيته وهل يجوز أن تكون عن الأبناء وعن البيت وكيف توزع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فبالنسة للعقيقة وما يفعل بلحمها فتنظر بشأن ذلك الفتوى رقم: 9172 وأما الذبح شكراً لله تعالى لدفع ضر أو حصول نفع، كشفاء قريب مريض أو رجوع غائب أو بناء بيت أو نحو ذلك، فإن كان خرج مخرج النذر فإنه يلتزم فيه بحسب النذر في عدد المنذور به والجهة التي نذر لها، فيصرف إلى الجهة التي نذر إليها. وإن لم يحدد جهة فمصرفه مصرف الصدقة، وإن لم يك نذراً فالأمر فيه واسع، وانظر الفتوى رقم: 9124والفتوى رقم: 9406 وأما ذبحها لله ورسوله حسب ما ورد في السؤال، فإن كان المقصود الصدقة فهي للفقراء والمساكين أو على جهة البر التي قصدها الذابح. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة عن الطفل المتوفى قبل اليوم السابع
تاريخ الفتوى : ... 16 رمضان 1424 / 11-11-2003
السؤال
السلام عليكم وضعت زوجتى طفلة، وبعد ولادتها بدقائق توفيت، وذلك منذ حوالي 15 سنة، والآن أثناء تفحصي لمختلف فتاواكم وجدت أنه فى مثل حالتي يغسل الطفل ويكفن ويصلى عليه ويتم عمل عقيقة عنه، هذا وفى حينه قمت بكل هذا والحمد لله إلا العقيقة، أفتوني ماذا أفعل الآن؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن العقيقة غير واجبة عند جمهور أهل العلم، كما سبق في الفتوى رقم: 2287. وهي مشروعة في اليوم السابع، فإن توفي قبل ذلك، فقد ذهب إلى مشروعيتها الشافعية والحنابلة، وخالفهم الحنفية والمالكية، وقد سبق بيان ذلك وأن الأولى أن يعق عنه، وذلك في الفتوى رقم: 7830. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(21/154)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... وضع ثمن العقيقة في مصالح المسجد خلاف الأولى
تاريخ الفتوى : ... 02 رمضان 1424 / 28-10-2003
السؤال
هل يجوز وضع فلوس العقيقة في المسجد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالعقيقة سنة مؤكدة وذبحها أفضل من التصدق بقيمتها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 17205. وعلى هذا؛ فإن وضع ثمن العقيقة في مصالح المسجد أو غيره خلاف الأولى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم العقيقة عن السقط
تاريخ الفتوى : ... 17 شعبان 1424 / 14-10-2003
السؤال
مات لي سقط في الشهر التاسع، وقد غسلته وختنته قبل الدفن، ولكن لم يعق عنه، أي لم يذبح عنه، وأيضا لم يصل عليه، فهل تشرع العقيقة والصلاة عليه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء رحمهم الله في العقيقة عن السقط هل تشرع أم لا؟
فذهب بعضهم إلى عدم المشروعية.
وذهب آخرون إلى مشروعية العقيقة عن السقط إذا بلغ أربعة أشهر ونفخ فيه الروح، وعللوا ذلك بأنه حيٌّ يبعث يوم القيامة وينتفع بشفاعته لوالديه، فيشرع العق عنه، وأما الصلاة عليه، فإن كان بلغ أربعة أشهر، غُسِّل وصُلِّّي عليه، وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وإسحاق وصلى ابن عمر على ولد لابنته وُلِد ميتا -كما في المغني-.
ويؤيده ما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السقط يصلى عليه ويُدْعَى لوالديه بالمغفرة والرحمة.
وأما إذا دُفِن ولم يُصَلّ عليه، فتجوز الصلاة على قبره إلى شهر، فإن مضى الشهر ولم يصل عليه، فلا يصلى عليه بعده.
قال ابن قدامة في المغني: فإن دُفِنَتْ فله أن يصلى على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. اهـ
ونحب أن ننبه السائل إلى أن السقط لا يُخْتَن، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صبي مات وهو غير مختون، فهل يختن؟ فأجاب: لا يختن أحد بعد الموت.
وذهب الشافعية إلى أن من مات قبل الختان لا يختن لزوال التكليف عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(21/155)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة حق على الأب عن كل مولود
تاريخ الفتوى : ... 15 شعبان 1424 / 12-10-2003
السؤال
ما هي شروط العقيقة وهل يشترط أن يكون الوالدان قد عق عنهما ليعقا عن ولدهما، وعن كم شخصاً يجزى العجل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فراجع في الفتوى رقم: 2287 شروط العقيقة، وكونها حقا على الأب عن كل مولود من أولاده، وكون الشخص إذا لم تذبح عنه عقيقة عَقَّ عن نفسه، إضافة إلى أن العقيقة إذا كانت من البقر فلا بد أن تكون سنها سنتين.
ويجدر التنبيه إلى أن العقيقة يُطالب بها الأب ولو لم يُعق عنه من طرف والده لسبب ما، كعجز أو جهل أو غير ذلك.
ومن جهة أخرى، فإنه لا يجزئ ذبح عقيقة واحدة عن أكثر من مولود واحد، بدليل ما في سنن الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة.
وإن ذبح ما يجزئ من البقر أو الإبل، فقد اختلف أهل العلم هل تجزئ البدنة عن سبعة فيكون كل سبع منها عقيقة، أم أن البدنة لا تجزئ إلا عن واحد، ذهب الشافعية إلى الأول، وذهب المالكية والحنابلة إلى الثاني، وهو الأحوط.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تسن العقيقة في حق الولد دون البلوغ
تاريخ الفتوى : ... 27 رجب 1424 / 24-09-2003
السؤال
بسم الله لرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. علمت من أحد الزملاء أنه يجب حلق رأس الطفل المولود وعمل العقيقه له، عملا بما جاء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم, فأنا لم أعلم بهذه الأمور من قبل، ولدي ولدان وبنت في السن المدرسي , سؤالي: ما الدي يجب فعله الآن؟ أفيدونا وجزاكم الله عني خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبق أن بينا أن العقيقة سنة مؤكدة، وأن من لم يعق عنه حتى بلغ سن البلوغ، أنه تسقط المطالبة بعقيقته، وأن من كان دون ذلك يعق عنه، راجع في هذا الفتوى رقم: 16868. وبناء على هذا، فمن كان من أولادك دون سن البلوغ، فيسن في حقك أن تعق عنه، ومن كان منهم قد بلغ، فلا تعق عنه، وبخصوص حلق شعر المولود والتصدق بوزنه فضة، فهو سنة وليس بواجب، ولو قمت بفعله في حق من تريد أن(21/156)
تعق عنه، فهو أولى، وراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 3182، والفتوى رقم:. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... من باع جلد العقيقة فليتصدق بالثمن
تاريخ الفتوى : ... 18 رجب 1424 / 15-09-2003
السؤال
ما حكم بيع جلد العقيقة نسياناً مني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز بيع جلد العقيقة، لأنها ذبيحة لله، وإلى هذا ذهب المالكية والشافعية، وحيث إنك فعلت ذلك ناسياً، فلا إثم عليك لقول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:86].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه أبوداود وغيره.
لكن عليك أن تتصدق بهذا الثمن، وراجع الفتوى رقم: 17790.
ولمزيد من الفائدة عن العقيقة راجع الفتوى رقم: 2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ذبح الجدي في ا لعقيقة
تاريخ الفتوى : ... 02 ذو الحجة 1424 / 25-01-2004
السؤال
هل يجوز ذبح جدي فى العقيقة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الذي عليه جمهور أهل العلم أن الشاة التي يجزئ ذبحها في العقيقة هي التي تجزئ في الأضحية.
والأضحية يشترط فيها أن تكون ثنية، يعني سقطت ثنيتاها ونبت لها بدلهما، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تذبحوا إلا مُسِنَّة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن. رواه مسلم.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: والمسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها. انتهى.
ولا يجزئ في الأضحية أقل من مسنة بدليل ما ثبت في الصحيحين: أن رجلاً قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة، قال اذبحها ولا تفي عن أحد بعدك.(21/157)
والجمهور على أن العقيقة يطلب فيها ما يطلب في الأضحية، ومن الأمثلة من كلام أهل العلم على ذلك قول محمد بن أحمد الشربيني في مغني المحتاج: وجنسها وسنها وسلامتها من العيب والأفضل منها، والأكل وقدر المأخوذ منها والادخار والتصدق والإهداء، وتعيينها إذا عينت، وامتناع بيعها كالأضحية.
وعليه فإن ذبح الجدي لا يجزئ عنك في العقيقة، هذا إذا كنت تريد بالجدي مدلوله عند أهل اللغة أما إذا كنت تقصد ذكر المعز الذي تجاوز السنة فهو مجزئ ، وراجع الفتوى رقم: 15288.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة يفعل بها صاحبها ما يشاء
تاريخ الفتوى : ... 22 جمادي الثانية 1424 / 21-08-2003
السؤال
استفسار عن آداب سنة العقيقة: خالي يريد أن يقوم بسنة العقيقة عن ابنته. ولكنه يريد أن يتفق مع الجزار على ذبح شاة له في محل الجزارـ لضيق المسكن ـ ثم يقوم الجزار بتجهيزها، ثم يعطي من لحمها للأقارب والناس، لكنه يريد دعوة الإخوة والأخوات فقط إلى طعام العقيقة لضيق المسكن، ولن يستطيع دعوة الأقارب والناس إلى طعام العقيقة. فهل هذا ينافي آداب سنة العقيقة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في ذبح العقيقة عند الجزار لضيق المسكن أو لأي سبب لآخر. كما لا حرج في إعطاء الأقارب منها أو غيرهم، ولا في دعوة الإخوة والأخوات فقط، وليس في شيء من ذلك ما يخالف شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالعقيقة سنة مؤكدة يفعل بها صاحبها ما يشاء. والأصل فيها ما رواه أصحاب السنن وأحمد ، من حديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغلامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، يُذْبَحُ عنه يومَ السّابِعِ، ويُسَمّى، ويُحْلَقُ رَأْسُهُ ، وانظر الموضوع في الفتوى رقم: 9172.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أداء الدين أولى أم العقيقة عن المولود
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1424 / 20-07-2003
السؤال
جاءني مولود جديد، ويجب أن اعمل عقيقة، وأنا علي دين ولا أستطيع سداد الدين في الوقت الحاضر، هل أعمل العقيقة أم أؤجلها لغاية سداد الدين .
الفتوى(21/158)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالراجح من أقوال أهل العلم أن ذبح العقيقة عن المولود سنة فقط وليس بواجب. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 1383. وعلى هذا.. فإن كان بإمكان السائل الجمع بين قضاء دينه والعق عن ولده بشاة فذلك أفضل، وإن لم يمكنه الجمع بينهما، فلا شك أن تقديم الدين الذي هو حق للغير أوجب من ذبح العقيقة الذي هو سنة. وفي حالة حصول تقديم الدين فإنه لا مانع بعد ذلك إن حصل يسار للسائل أن يعق عن مولوده ما لم يبلغ، فإن بلغ كان ذلك على الولد نفسه وسقط عن وليه. وانظر الفتوى رقم: 4907. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أحكام تدور حول العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1424 / 06-07-2003
السؤال
أهلي لم يذبحوا أي عقيقة عند ولادتي هل يجوز أن أذبح عقيقة عن نفسي؟ وهل يجب أن أحضر عند ذبح العقيقة؟ ماذا يقال عند ذبح العقيقة؟ هل يجوز أن يستبدل نقداً (دفع نقود بدل الذبح)؟ هل يجوز أن أذبح وأنا بعمر 37؟ والدي أم أنا الذي يذبح؟ علماً بأني غير متزوجة لحد الآن وذلك لوجود سحر؟ ماذ يفعل بلحم العقيقة (هل يجوز أخذه لبيتنا)؟ ما الحكمة من ذبح العقيقة؟ وهل يضر إذا لم يذبح عنه؟ أي هل يوقف حياة الإنسان ويوفقه بعدم الزواج وغيره؟ أفيدوني يجزيكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن العقيقة سنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، ويبدأ وقتها من اليوم السابع للمولود، فإذا لم يعقَّ عنه وبلغ عقَّ عن نفسه، ويستحب طبخ العقيقة كلها حتى ما يتصدق به منها، وإن فرقت بدون طبخ فلا حرج. كما أنه لا بأس بالأكل منها والتصدق على الفقراء والمساكين. أما دفعها قيمة فلا يجوز، وقد ذكرنا هذه الأحكام جميعاً في الفتوى رقم: 2287، والفتوى رقم: 4907. وبهذا تبين للسائلة جواز العق عن نفسها مادام أهلها لم يفعلوا ذلك في السابق، ولتعلم أنه لا تأثير لعدم ذبح العقيقة على حياة الإنسان أو زواجه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اجعل لحم العقيقة كيف شئت
تاريخ الفتوى : ... 28 ربيع الثاني 1424 / 29-06-2003
السؤال
هل يجوز ذبح العقيقة عن المولود ، ثم توزيع لحمها على يومين مثلا ودعوة بعض الأهل للتناول منه في يوم ، والبعض الآخر في اليوم الثاني بسبب ضيق المكان، وكثرة الأقارب ، وجزاكم الله خيرا
الفتوى(21/159)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسنة أن تذبح العقيقة يوم السابع ويأكل منها أهل البيت والجيران، ويطعم الناس منها وهم في مواضعهم، ولا حرج في ادخارها لليوم الثاني أو بعده، قال في منح الجليل ... الفاكهاني والإطعام منها كالإطعام من الأضحية بلا حد، فيأكل منها ما يشاء، ويتصدق منها بما يشاء وهو أفضل من الدعوة إليها، ابن القاسم: وسئل مالك - رضي الله عنه - أيدخر لحم العقيقة؟ فقال: شأن الناس أكلها وما بذلك بأس ( 2 / 491) وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن سرين قال: اجعل لحم العقيقة كيف شئت ( 5/ 532).
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... نصف العقيقة في بلد ونصفها في بلد آخر
تاريخ الفتوى : ... 30 ربيع الأول 1424 / 01-06-2003
السؤال
أنا حامل وسوف تتم الولادة إن شاء الله الشهر القادم وزوجي مسافر، والسؤال عن العقيقة: هل يجوز أن أشتري وأذبح هنا نصفها وزوجي يفعل بالمثل هناك، أم يجب أن تكون في مكان واحد العقيقة كاملة؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان المقصود أنك ستذبحين العقيقة ثم ترسلين نصفها لزوجك فإنه لا بأس بذلك، أم ا إذا كنت تقصدين أنك ستشترين نصف شاة مذبوحة ويفعل زوجك مثل ذلكفإن ذلك لا ي جزئ، لكن إذا كان المولود غلاماً فلا بأس في أن تكون إحدى الشاتين في بلد والأخرى ف ي بلد آخر، وراجعي الفتوى رقم: 2287 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة عن المولود سنة مؤكدة
تاريخ الفتوى : ... 14 صفر 1424 / 17-04-2003
السؤال
السلام عليكم أريد السؤال عن معنى حلم حلمت به قبل نحو 10 أيام إذ حلمت في وقت الفجر لا أدري أهو قبله أم بعده بأني أضع ابنتي الوحيدة والتي تبلغ من العمر عاما واحد وبضعة أيام أني أضعها على الأرض وأنوي ذبحها فيأتي أحدهم والذي لا أذكر إن كان أنثى أو ذكرا ويسألني ماذا أفعل فأجيب أني سأذبحها فيقول لي مثل سيدنا ابراهيم عليه السلام عقي عنها أحسن وانتهى الحلم.
فقمت بالأمس بذبح سخل ( ماعز ) عنها بنفس شروط الأضحية أي عمره أكثر من عام وسليم معافى ذو شكل جميل ونظيف كما وقمت أنا أيضا بالتسمية عليه خوفا من أن ينسى الذابح وقمنا بتوزيع لحم السخل كما توزع الأضاحي .(21/160)
سؤالي هل قمت بعمل جيد في كل ذلك، مع العلم أني كنت منذ ولادتها أقول إني سأعق عنها عندما يتيسر الحال مع العلم بأني وزوجي موظفان مسكينان بالكاد نفي حاجتنا اليومية وبصعوبة
وشكرا لكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العقيقة عن المولود سنة مؤكدة في قول جمهور أهل العلم -وهو الراجح- والسنة أن تذبح عن المولود في اليوم السابع، فإن لم يتمكن ففي الرابع عشر، فإن لم يستطع ففي اليوم الحادي والعشرين، فإن فاته ذلك اليوم ففي أي وقت تيسر له جاز فعلها، أما إذا استطاع أن يفعلها في الوقت المحدد ثم قصر في ذلك، فله أن يفعلها وقتما يشاء، لكن ليس أجره كمن التزم كامل السنة، وما ذكرناه هنا مذهب الحنابلة، وقول عند المالكية، وهو مروي عن عائشة رضي الله عنها، وهي لا تقول ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ولتراجع الفتوى رقم: 1383
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
جمهور الفقهاء على استحباب طبخ العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 11 صفر 1424 / 14-04-2003
السؤال
أبي وأمي لم يعقا عنا والآن عمري 23 سنة وعمر أخي 25 سنة والآن يوجد عندنا مال كافٍ لكي نشتري ثلاث شياه، ولكن لا نعرف هل نطبخ ونطعم المساكين من العائلة أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب فقهاء الشافعية إلى أن الولد إذا لم يعق وليه عنه أنه يندب له أن يعق عن نفسه، قال صاحب مغني المحتاج: فإن بلغ سُنّ أن يعق عن نفسه، تداركاً لما فات.
وقد روى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما بعث نبياً. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2726.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يستحب طبخ العقيقة كلها حتى ما يتصدق به منها، وأنه إن فرقها بدون طبخ جاز ذلك، ولمزيد من الفائدة في ما يتعلق بأحكام العقيقة تراجع الفتوى رقم: 2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة مطلوبة شرعا ممن تلزمه نفقة المولود
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1424 / 12-04-2003(21/161)
السؤال
السؤال يتعلق بالعقيقة لو تفضلتم
طلقت من زوجي لأنه غير متحمل للمسؤولية ولا يقوم بالصرف علي أنا وابني تماما، أريد ذكر أنه لم يعق عن ابنه ولن يفعل، وأنا أريد القيام بذلك لله لأني أنا من أقوم بالصرف على الولد من عملي والسؤال هو هل يجوز ذلك أم هي سنة للرجل فقط وهل سيكون ثوابها عند الله لي أم سيؤول له، وهل ستعتبر تمت بإذن الله وأخيراً كيف تقسم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل في العقيقة أنها مطلوبة شرعاً ممن تلزمه نفقة المولود، فإذا فعلها أحد غيره دون إذنه، فقد اختلف أهل العلم هل تجزئ أم لا، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 15671.
فالأحوط أن تستأذني والده قبل أن تعقي عنه خروجاً من الخلاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من أحكام العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 27 محرم 1424 / 31-03-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة في الثلاثين من العمر سؤالي عن العقيقة لدي بنتان ذبحت عقيقتيهما ولي بعدهما ولد الآن عمره 7 سنوات ولم يخرج والده عقيقته إلى الآن ورزقت وبحمد الله الآن ببنت بعد الولد ولم يخرج زوجي عقيقتها لظروف عمله وأنه دائم السفر والآن نوى أن يخرج عقيقتيهما معا هل يجوز له الآن وكيف الطريقة وبأي نية يذبح العقيقتين هذا السؤال يحيرني كثيراً أرجو منكم الأسراع في إجابتي ولكم جزيل الشكر وجزاكم الله خيراً على ما تقدموه من خير.
اختكم في الله ندى
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا إثم في تأخير العقيقة ولكن الأولى المسارعة في ذبحها إن كان الأب قادراً عليها كما هو مبين في الفتوى رقم: 1383.
وللاطلاع على حكمها والكيفية التي تؤدي بها والأحكام المتصلة بذلك، انظري الفتوى رقم: 2287، والفتوى رقم: 4907، والفتوى رقم: 16868.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجزئ ازدواج النية في العقيقة(21/162)
تاريخ الفتوى : ... 25 ذو الحجة 1423 / 27-02-2003
السؤال
أنا أسأل هل أستطيع أن أعق عن ابني وعن نفسي في عقيقة واحدة مع العلم أن والدي لم يعق عني عندما كنت طفلا أي أزدواج النية؟ وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العقيقة سنة مؤكدة على مذهب أكثر العلماء، وهي سنة على الأب، فإن لم يعق عن ابنه فمات صغيرًا لم يشفع لأبيه على أحد التفسيرين لحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه. رواه أحمد وأصحاب السنن.
وكون الولد يعق عن نفسه بعد أن يبلغ خلاف السنة على قول الإمام أحمد ؛ لأن السنة على أبيه، وأجاز ذلك الإمام الشافعي رحمه الله.
وعلى كلٍ فالأولى ألا تعق عن نفسك، فإن أردت ذلك فلا تجزئك عقيقة ابنك، ولا بد من عقيقة مستقلة، ولا يجزئ فيها إلا ما يجزئ في الأُضحية على الأصح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فتاوى تتعلق بالعقيقة
تاريخ الفتوى : ... 22 ذو الحجة 1423 / 24-02-2003
السؤال
عندي ثلاثة أبناء ولم أعمل لهم عقيقة حيث أنني لم أكن أعلم بها وأيضا لضيق ذات اليد فما العمل الآن وما حكم العقيقة وكيف تؤدي أفيدوني أفادكم الله؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة سنة مؤكدة وسبق بيان أحكامها في الفتوى رقم: 18630، والفتوى رقم: 15288، والفتوى رقم: 16868.
وذكرنا في هذه الفتاوى أن الرأس من غير الإبل والبقر لا يجزئ إلا عن ولد واحد، وانظر الفتوى رقم: 2287 ففيها بيان ما احتواه سؤالك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... مسائل في العقيقة -نوعها- توزيعها- مكانها
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال(21/163)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أفيدكم بأنه لدي أخت وقد توفيت منذ حوالي ثلاثين سنة تقريبا ولم نقم بعمل العقيقة لها، هل يجوز لنا أن نعمل لها العقيقة الآن وما هو نوع العقيقة وكيف نقسمها وهل شرط أن تكون في مكةالمكرمة حيث إنه يقول بعض الناس إنه لا بد أن تكون في مكة علما بأنها ليست من مواليد مكة المكرمة علما بأن عمرها عندما توفيت أكثر من أسبوع بكثير؟ ولكم الشكر...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن العقيقة عن البنت في الفتوى رقم:
7830، وتقدم الكلام عن نوع العقيقة في الفتوى رقم:
15288، وتقدم الكلام عن توزيع العقيقة في الفتوى رقم:
9172 - والفتوى رقم: 2287.
أما عن اشتراط كون ذبح العقيقة أو توزيعها في مكة فلم يقل به أحد من أهل العلم فيما نعلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يحسب يوم الولادة من السبعة الأيام
تاريخ الفتوى : ... 13 ذو القعدة 1423 / 16-01-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رزقني الله مولوداً يوم الخميس بعد صلاة المغرب، ولقد قمت بالعقيقة يوم الأربعاء من الأسبوع التالي، فهل هذه العقيقة صحيحة أم لا وإذا كانت غير صحيحة فماذا علي؟ جزاكم الله كل خير....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة صحيحة إن شاء الله تعالى، فإن العلماء نصوا على أن العقيقة لو ذبحت بعد الولادة سواء قبل اليوم السابع أو بعده أجزأت، مع أن الأفضل ذبحها يوم السابع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه. صحيح رواه أصحاب السنن الأربعة.
وأما هل يحسب يوم الولادة من السبعة؟ ففي ذلك قولان للعلماء، والراجح أنه يحسب وهو مذهب الجمهور، فيذبح في السادس مما بعده، لظاهر الأحاديث، فقد ورد فيها أن العقيقة تذبح في اليوم السابع للمولود، وليس بعد انقضائه، وإذا ولد في الليل حُسب اليوم الذي يلي تلك الليلة بلا خلاف.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(21/164)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الموقف الشرعي من التصدق بثمن العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 23 شوال 1423 / 28-12-2002
السؤال
هل يجوز توزيع قيمة الذبائح في العقيقة على الفقراء والمساكين مالياً( فلوس) بدلا من الذبح؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجزئ إخراج قيمة العقيقة مالاً لأن الذبح في ذاته مطلوب شرعاً، والعقيقة سنة مؤكدة وشعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة التي يستحب إحياؤها، كما هو مبين في الفتوى رقم:
2287.
وقد نص الفقهاء على أن ذبح العقيقة أفضل من التصدق بثمنها؛ إلا إذا ألَمَّ بالمسلمين نائبة أو احتاج المسلمون إلى أموال لجهاد عدوهم فهنا يتحول العمل المفضول إلى فاضل فلا بأس حينئذ بالتصدق بثمنها، كما هو مبين في الفتوى رقم:
17205.
والله أعلم. الفتوى : ... فتاوى تتعلق بالعقيقة
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
ما شروط العقيقه (3 أطفال)؟
وهل يجوز عمل العقيقة لهم معا في نفس الوقت؟ جزاكم الله خيراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان أحكام العقيقة ومواقيتها في الفتاوى التالية أرقامها:
2287 -
4907 -
24467.
ولا مانع من عمل العقيقة للأطفال الثلاثة في وقت واحد، مع العلم بأن السنة هي فعلها في اليوم السابع، وهذا باتفاق العلماء، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
2759 - والفتوى رقم:
6323.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
وليمة العرس - العقيقة - وليمة الختان
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1423 / 09-11-2002(21/165)
السؤال
هل يوجد حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يحث ويحبب فى عمل وليمة لمناسبات معينة ؟؟؟؟
مثل الزواج والختان وما شابه ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما وليمة العرس فسنة مأمور بها، وذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة، لحديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أولم ولو بشاة. رواه البخاري.
وأما وليمة الختان فلم يرد فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، ومن العلماء من كرهها، ومنهم من رخص فيها بل استحبها، والصحيح أنها جائزة من شاء فعلها، ومن شاء تركها.
وكذلك وليمة الولادة جائزة، وهي التي تفعل عند ولادة المولود، وليست العقيقة، فإن العقيقة سنة، ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى.
واختلف أهل العلم هل يدعى الناس للعقيقة كما يفعل بسائر الولائم؟ أم يتصدق بلحمها ويأكل منها أهلها ويهدون للجيران والأصدقاء؟ فقال مالك والشافعي: يأكل أهلها منها، ويتصدقون، ويُطعم منها الجيران، ولا يدعى لها الناس كما يفعل بالوليمة، ذكره ابن عبد البر في الاستذكار.
ومذهب الحنابلة أنه لا بأس بالدعوة إليها، قال المرداوي في الإنصاف قال المصنف يعني ابن قدامة ومن تبعه: وإن طبخها ودعا إخوانه فحسن. . انتهى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيفية العق عن الخنثى المشكل
تاريخ الفتوى : ... 27 شعبان 1423 / 03-11-2002
السؤال
ما كيفية العقيقة عن الخنثى المشكل؟ جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يرد نص نبوي في كيفية العق عن الخنثى المشكل، ولذلك اختلف العلماء هل يعق عنه بشاة كالجارية؟ أو بشاتين كالغلام؟.
قال سليمان بن محمد البجيرمي في كتابه (التجديد لنفع العبيد): المعتمد أن الخنثى يلحق بالذكر في هذه -يعني العقيقة- احتياطاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(21/166)
هل يحسب يوم الولادة من السبعة؟
تاريخ الفتوى : ... 24 شعبان 1423 / 31-10-2002
السؤال
في حالة ما إذا ولد المولود بعد الفجر هل يحسب ذلك من أيام الأسبوع أم لا؟ أي اليوم السابع.
وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم القائلين بمشروعية العقيقة في دخول يوم الولادة في الأيام السبعة على قولين بعد اتفاقهم على استحباب كون العقيقة في اليوم السابع.
فجمهورهم على أن يوم الولادة يحسب من السبعة، ولا تحسب الليلة إن ولد ليلاً، وهذا هو الراجح لموافقته لظاهر الحديث.
قال النووي رحمه الله: السنة ذبح العقيقة يوم السابع من الولادة، وهل يحسب يوم الولادة من السبعة؟.
فيه وجهان حكاهما الشاشي وآخرون أصحهما يحسب، فيذبح في السادس مما بعده، والثاني لا يحسب، فيذبح في السابع مما بعده وهو المنصوص في البويطي، ولكن المذهب الأول وهو ظاهر الأحاديث. ا.هـ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تحديد لمكان ذبح العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 20 شعبان 1423 / 27-10-2002
السؤال
هل لابد من أن تذبح العقيقه في البلد التي يولد فيها المولود ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه تجزئ أن تذبح العقيقة في غير بلد المولود، كما تجزئ إذا ذبحت في البلد الذي هو فيه، ولكن الأولى فعلها في بلد العاق ( الوالد) كما ذهب إلى ذلك ابن حجر الهيتمي في فتاواه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقل ما يعق به عن الأنثى شاة
تاريخ الفتوى : ... 29 رجب 1423 / 06-10-2002
السؤال
إن العقيقة في الدين الإسلامي شاتان للذكر وشاة واحدة للأنثى فإن ذبحت شاة واحدة فقط للذكر فكيف يكون الأمر بالنسبة للأنثى ؟(21/167)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسنة أن يعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة، لما رواه النسائي وأبو داود وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة.
فإن عق عن الغلام شاة حصل أصل السنة -كما قال النووي رحمه الله- لما روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً. وصححه الألباني.
وأقل ما يعق به عن الأنثى شاة، ولمزيد من الفائدة حول أحكام العقيقة، راجع الفتوى رقم:
2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لابد من النية عند إرادة العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 04 جمادي الثانية 1423 / 13-08-2002
السؤال
هل يجوز شراء العقيقة مذبوحة علماً بأن البلد المقيميين فيها لا تسمح بالذبح ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة قربة يتقرب بها الذابح إلى الله تحقيقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والقُرَب لا بد لها من النية عند إرادتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" متفق عليه.
ولا شك أن اللحم المشترى من الملحمة أو المجلوب من الخارج قد ذبح بغير نية العقيقة.
وعليه؛ فلا يجزئ جعل هذا اللحم عقيقة.
وإذا كان البلد الذي تقيم فيه لا يسمح بالذبح، فلك أن تدفع ثمن العقيقة لمن يذبحها عنك في بلد آخر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... شراء لحم بدل العقيقة لا يجزئ
تاريخ الفتوى : ... 03 جمادي الثانية 1423 / 12-08-2002
السؤال
هل شراء اللحم من عند الجزار يساوي العقيقة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(21/168)
فشراء لحم بمقدار العقيقة من عند الجزار لا يجزئ عقيقة، لأن العقيقة تشرط لها النية المسبقة قبل الذبح، والجزار لم ينو عند الذبح أنها عقيقة، وإنما يذبحها بنية البيع، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
18630
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكمة وفوائد العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 28 جمادي الأولى 1423 / 07-08-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما الحكمة من عمل العقيقة غير أنها سنة؟ والسلام عليكم...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة يفعلها المسلم قربة إلى الله سبحانه، وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن فيها التوسعة على الأهل والجيران وإدخال السرور عليهم شكراً لله على نعمة المولود.
وذكر العلماء أيضاً أن فعلها سبب لشفاعة الولد لوالديه إن مات طفلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الغلام مرتهن بعقيقته. وراه أحمد وأصحاب السنن.
قال الخطابي : اختلف الناس في هذا.. وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذه الشفاعة. يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في أبويه. انتهى
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النهي عن كسر عظم العقيقة لا يثبت
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الأولى 1423 / 31-07-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد وزعت لحم العقيقة وفيه العظم مكسور ولم أكن أعلم بأن لحم العقيقة يجب أن لا يكسر فيه العظم ماذا يجب علي أن أفعله الآن ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحاديث الواردة في النهي عن كسر عظم العقيقة لا تثبت عند التحقيق، كما أشار إلى ذلك الإمام النووي في المجموع 8/407، والمحدث الألباني في إرواء الغليل 4/392.
ولهذا ذهب الإمام مالك وابن شهاب وغيرهما إلى أنه يكسر عظامها ويطعم منها الجيران، وقالوا: لم يصح في المنع من ذلك ولا في كراهته سنة يجب المصير إليها،(21/169)
وقد جرت العادة بكسر عظام اللحم، وفي ذلك مصلحة أكله وتمام الانتفاع به، ولا مصلحة تمنع من ذلك.
أفاد ذلك ابن القيم في تحفة المودود صـ86.
وعليه فما فعلته صحيح ولا يلزمك شيء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يصح ذبح إحدى العقيقتين متأخرة عن الأخرى
تاريخ الفتوى : ... 11 جمادي الأولى 1423 / 21-07-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله:
هل صحيح بأن الصبي الذكر يذبح في عقيقته كبشان وإذا كان صحيحاً هل يجوز ذبح كبش آخر حتى لو كبر الصبي وجزاكم الله خيراً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدمت أحكام العقيقة في الفتوى رقم:
2287 والفتوى رقم:
4907 ، وفيهما أن الذكر يذبح عنه شاتان.
وهي مستحبة فلا بأس في ذبح شاة واحدة في اليوم السابع، وتأخير ذبح الأخر إلى أن يكبر الصبي، إلا أن الأفضل هو الجمع بينهما في اليوم السابع. وراجع الفتوى رقم:
6323.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تشرع العقيقة ولو بعد سنين
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الثاني 1423 / 04-07-2002
السؤال
مضى على عمر المولود سنة و 10 شهور وحتى الآن لم تتم العقيقه نظرا لظروف والده الماديه، فهل تجوز الآن؟ وهل يجوز أن يقوم أحد من الأقرباء بالإنابة بهذا الموضوع؟ جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك في تأخير العقيقة وإن كنت قادراً عليها، فيشرع لك ذبحها ولو بعد سنين، وإن كان الأولى المسارعة في ذلك كما لا حرج في توكيل شخص في ذبحها سواء كان قريباً أو أجنبياً، وانظري الفتوى رقم: 17790.
والله أعلم.(21/170)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة عبادة والعبادة لا تصح إلا بنية
تاريخ الفتوى : ... 29 ذو القعدة 1424 / 22-01-2004
السؤال
أريد أن أذبح عقيقة للمولود ولكن عندما وجدت أن ثمنها باهظ نوعا ما وأنها لا تكفي لجميع الأقارب والأحباب فكرت بأن أشتري 30-40 كيلو لحم عجل بدل الذبيحة فهل هذا يجزئ أم لا ولكم جزيل الشكر الرجاء الإفادة في أقرب فرصة
أخوكم
سعيد
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يجزئ في العقيقة الجنس الذي يجزئ في الأضحية، وهو الأنعام من إبل وبقر وغنم. ولا يجزئ غيرها وهذا متفق عليه بين الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند المالكية. ومقابل الأرجح أنها لا تكون إلا من الغنم، وقال الشافعية يجزئ فيها المقدار الذي يجزئ في الأضحية وأقله شاة كاملة أو السبع من بدنة أو من بقرة، وقال المالكية والحنابلة: لا يجزئ في العقيقة إلا بدنة كاملة أو بقرة كاملة. انتهى من الموسوعة الفقهية
والراجح هو ما ذهب إليه الشافعية من إجزاء سبع البدنة أو البقرة في العقيقة لأنه يجزئ في الهدي وفي الأضحية، ولا دليل يمنع من إجزائه في العقيقة.
وعليه فإذا كان ما اشتريته من لحم العجل سبعاً فأكثر وقد بلغ العجل السن المعتبرة شرعاً وهي سنتان فأكثر فهو مجزئ والحمد لله ، هذا إذا كنت اشتريت اللحم من العجل وهو حي بمعنى أنك اشتريت جزءًا شائعا منه كنصفه أو ثلثه أو سبعه ، أما إذا كنت اشتريت اللحم بعدما ذبح العجل فلا يجزئك ذلك لوجوب نية العق قبل الذبح لأن العقيقة عبادة والعبادة لا تصح إلا بنية . وقد نص الفقهاء على اشتراط النية في الأضحية والهدي والعقيقة قبل الذبح وهو شامل لمن ذبح عقيقة كاملة أو كان مشتركاً مع غيره.
قال الإمام النووي في المجموع: ويشترط أن ينوي عند ذبحها أنها عقيقة كما قلنا في الأضحية، فإن كان جعلها عقيقة قبل ذلك فهل يحتاج إلى تجديد النية عند الذبح فيه الخلاف السابق في الأضحية والهدي، والأصح أنه يحتاج. انتهى
وننبه الى أمرين مهمين :
أولهما : أنه يجزئ سبع البدنة والبقرة في العقيقة عند الشافعية ولو كان بقية المشتركين لا يريدون القربة بأنصبائهم، فعدم نية الباقين بالقربة لا يقدح في قربة ناويها، ووافقهم على هذا الحنابلة في الأضحية والهدي، ومنعوه في العقيقة لأنهم لا يرون جواز الاشتراك في العقيقة أصلاً كما سبق.(21/171)
وأجازه الحنفية إذا كان قصد جميع المشتركين القربة وإن اختلفت وجهة القربة، كأن يكون أحدهم يريد بنصيبه هدياً والآخر أضحية والثالث عقيقة، وخالف زفر وجماعة من الحنفية فقالوا: لا بد أن تتحد جهة القربة في الجميع.
وأما المالكية فمنعوا الاشتراك في الهدي والأضحية كما نص عليه في مختصر خليل وغيره، وكذا في العقيقة لأنهم يشترطون بدنة كاملة أو بقرة كاملة كما سبق، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:
2287.
ثانيهما : أن شراء اللحم من البهيمة وهي حية لا يجوز ولا يصح إن كان الشراء على اللزوم للجهالة بصفته كما نص على ذلك أهل العلم ولكن يجوز الاشتراك فيها بشراء جزء شائعٍ منها كما قدمنا .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام متعلقة بالعقيقة عن المولود
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الثاني 1423 / 27-06-2002
السؤال
لي ثلاث بنات قد كبرن ولم أعق عنهن العقيقة ماذا علي أن أفعل بعد هذا التأخير وهل من شروط العقيقة الإحرام كما في الأضحية. وهل يعق للطفل الذي يتوفى وعمره يوم ومن أجهض بالشهر الثالث ولكم خالص الشكر...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالراجح من أقوال أهل العلم أن العقيقة سنة وليست واجبة، فلا إثم على من تركها، ولكنه قد فاته أجر كبير لتركه هذه السنة، كما أن الغلام سيفوته خير كثير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه ويسمَّى. رواه النسائي والترمذي وأبو داود وغيرهم.
والحديث دليل على أن العقيقة تذبح يوم السابع وهذا هو السنة، فإن أخرها عن ذلك جاز ذبحها بعد ذلك، فإذا بلغ الولد فقد استحب بعض أهل العلم له أن يعق عن نفسه.
وأما ما أشار إليه الأخ السائل من وجود الاحرام في العقيقة كالإحرام في الأضحية فهذا أمر لا يعرف، فليس هناك إحرام لا في الأضحية ولا في العقيقة ولكن الوارد في الحديث عند الإمام مسلم -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي. فدل الحديث على أن من كان يريد أن يضحي فيستحب له أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي.
وهذا خاص بالشعر والأظفار وليس إحراماً كاملاً، وهو من أحكام الأضحية خاصة ولا تشاركها فيه العقيقة.
وأما عن حكم العقيقة عن السقط والمولود الذي يتوفى عقب ولادته فقد سبق بيان ذلك في جواب سابق برقم:(21/172)
7830 فليراجع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام هامة تتعلق بالعقيقة
تاريخ الفتوى : ... 05 ربيع الثاني 1423 / 16-06-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي مجموعة أسئلة حول العقيقة لو تفضلتم:
1- هل يجوز تأخير العقيقة برغم أني قادر عليها وما هو الأفضل
2- هل يجوز التوكيل لأخي بعمل العقيقة في بلدي حيث أني مسافر لبلد عربي آخر وذوو الحاجة في بلدي أكثر حاجة لمثل ذلك
3- هل تجزئ الشاة الواحدة عن الولد وهل تجزئ الماعز؟
4- أرجو توضيح أفضل ما يصنع بالشاة من حيث النسك الصحيح مثل ما يصنع بلحمها ورأسها وجلدها ؟
5- أرجو النصح والموعظة حيث أن هذا هو ولدي البكر وان شاء الله توأم حيث حسب ما أخبرت الطبيبة وهل علينا إثم إن سميناهما قبل أن يأتيا بعبد الله وعبد الرحمن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج عليك في تأخير العقيقة وإن كنت قادراً عليها كما هو مبين في الفتوى رقم:.
1383.
ويجوز لك توكيل شخص آخر يذبحها عنك ولو في غير البلد الذي تقيم فيه، خاصة إذا كان لمصلحة معتبرة، مثل أن يكون أهل بلدك أشد فقراً وحاجة من أهل البلد الآخر.
والأفضل أن يعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية شاة ما دمت قادراً على ذلك، وإن ذبحت عن الغلام شاة أجزأك ذلك. قال ابن قدامة في المغني: هذا قول أكثر القائلين بها... لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:أنه عق عن الحسن شاة وعن الحسين شاة. انتهى.
لكن إذاوُلد لك ولدان فلا تجزئ الشاة الواحدة عنهما. قال النووي في المجموع: السنة أن يعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، فإن عق عن الغلام شاة حصل أصل السنة... ولو ولد له ولدان فذبح عنهما شاة لم تحصل العقيقة. انتهى.
وتجزئ العقيقة بالغنم سواء كانت ضأناً أم كانت معزا. كما هو مبين في الفتوى رقم:
10049.(21/173)
ولا يباع شيء من لحمها ولا جلدها لأنها ذبيحة لله كما هو مذهب الشافعية والمالكية، وقال الحنابلة يباع الجلد والرأس وسواقطها ويتصدق بثمنها، والراجح الأول.
وما يتعلق بالعقيقة من أحكام أخرى ينظر لها الفتوى رقم:
2287 والفتوى رقم: 9172 والفتوى رقم: 16492.
وأما عن تسمية المولود قبل ولادته فالمستحب هو أن يسمى المولود في اليوم السابع، لما رواه أصحاب السنن عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى. ويجوز تسميته بعد الولادة وقبل اليوم السابع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم. رواه مسلم وغيره.
ولما جاء أنس بن مالك بغلام ولد لحينه حنكه وسماه عبد الله، كما في الحديث المتفق عليه. وقد نص على هذا ابن قدامة رحمه الله.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ذبح العقيقة قبل اليوم السابع
تاريخ الفتوى : ... 01 ربيع الثاني 1423 / 12-06-2002
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل يجوز لي ذبح العقيقة قبل اليوم السابع مثلا في السادس لكي نتمكن من الذبح والطهي والتوزيع في اليوم السابع بسبب وجود العديد من الاقارب والزحام الشديد في اليوم السابع برجاء سرعة الرد و جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسنة أن تذبح العقيقه في اليوم السابع، هذا هو الذي عمله النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إن عق عن الولد قبل السابع فلا حرج لأنها فعلت بعد سببها الذي هو الولادة فأجزأت كتقديم الكفارة على الحنث، انظر الكافي لأبن قدامة ولبيان أحكام العقيقة وما ينبغي لها يراجع الفتوى رقم:
2287
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ذبح العقيقة يوم الولادة
تاريخ الفتوى : ... 04 ربيع الثاني 1423 / 15-06-2002
السؤال
ماحكم إخراج العقيقة في اليوم الأول للولادة وما الحكم إذا كان جد المولود هو الذي دفع قيمتها علما بأن والده قادر على إخراجها وجزاكم الله كل خير(21/174)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن العقيقة تذبح في اليوم السابع، كما رواه أصحاب السنن من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه.
فالذبح قبل السابع مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم، لكن إذا استعجل الشخص، وذبح قبله أجزأه ذلك لأنه ذبحها بعد وجود سببها وهو الولادة، فكانت مثل إخراج الكفارة قبل الحنث، ذكر هذا ابن قدامة في الكافي.
وأما بالنسبة لإجزاء عق غير الأب مع وجوده، فيراجع فيه الجواب رقم:
2287
والله اعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة تصبح واجبة بالنذر
تاريخ الفتوى : ... 23 ربيع الأول 1423 / 04-06-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الكرام فريق العمل المخلصين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....وبعد
لقد نذرت لله نذرا أن لو رزقني الله بالمولود الرابع لنا والولد الثاني لأذبحن عدد 2 خروف عقيقة وسؤالي هل يمكن استبدال ثمن هذين الخروفين وأقوم بتوزيع المبلغ نقدا على فقراء المسلمين أم ألتزم حرفيا بما نذرت به وأقوم بتوزيع نصيب الفقراء لحما وفي حالة ذبح الخروفين أو في حالة التوزيع النقدي ما هي الطريقة المثلى للتوزيع ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة سنة مؤكدة كما سبق بيانه في الفتوى رقم:
2287
ولكن ما دمت قد نذرتها فإنها تصير واجبة، وإذا تحقق لك ما علقتها عليه فيلزمك إخراجها كما نذرتها، فتذبح الخروفين وتوزعهما على الفقراء والمساكين. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم:2559
والفتوى رقم:2831
والله أعلم..
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... التصدق بثمن العقيقة للجهاد...نظرة شرعية
تاريخ الفتوى : ... 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004(21/175)
السؤال
رزقت بمولودة وأرغب في أن أعق عنها لكن أرى أن إخواني الفلسطينيين أحوج لمال العقيقة فهل أتبرع بمبلغ العقيقة أفضل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر العلماء أن ذبح العقيقة أفضل من التصدق بقيمتها إحياءً لهذه السنة المؤكدة، وخشية من نسيانها لو تتابع الناس على التصدق بقيمتها.
قال ابن قدامة في (المغني): والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمتها، نص عليه أحمد وقال: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه إحياء سنة.
قال ابن المنذر : صدق أحمد. إحياء السنن واتباعها أفضل، وقد ورد فيها من التأكيد من الأخبار التي رويناها ما لم يرو في غيرها، ولأنها ذبيحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، فكانت أولى كالوليمة والأضحية.
وقال النووي في (المجموع): فرع: فعل العقيقة أفضل عندنا من التصدق بثمنها.
ولكن نقول هنا: إنه قد يعرض من العوارض ما يجعل المفضول أولى للحاجة أو للمصلحة الراجحة، وحاجة إخواننا في فلسطين للمال مما لا يخفى على أحد، ووجوب مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم ظاهرٌ لكل مسلم، فهم الذين ينوبون عن الأمة في حماية مقدساتها والذود عن حرماتها، وإذا لم نستطع أن نكون معهم في خندق الرباط فلا أقل من أن نمدهم بالمال من الزكوات والصدقات والقربات بما فيها العقيقة والأضاحي وغيرها.
وقديماً قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نادباً المسلمين لجهاد التتار فيقول: فمن كان له مال وهو عاجز ببدنه فليغز بماله، ففي الصحيحين: "من جهزَّ غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا". ومن كان قادراً ببدنه وهو فقير، فليأخذ من أموال المسلمين ما يتجهز به، سواء كان المأخوذ زكاة أو صلة أو من بيت المال أو غير ذلك، حتى لو كان الرجل قد حصل بيده مال حرام، وقد تعذر رده إلى أصحابه لجهله بهم ونحو ذلك، أو كان بيده ودائع أو رهون أو عوارٍ قد تعذر معرفة أصحابها فلينفقها في سبيل الله، فإن ذلك مصرفها... ا.هـ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة عن الأولاد ثوابه شفاعتهم
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الأول 1423 / 27-05-2002
السؤال
امرأة أسقطت خمسة أطفال بعضهم في الشهر الخامس والبعض في الشهر السابع ويخرجون أمواتا
وقد ولدت مرتين أحياء في الشهر السابع أحدهما استمر بضع ساعات والآخر استمر بضعة أيام ثم توفاهما الله هل يجب على وليهم العقيقة وقد مضى على ذلك(21/176)
سنون عديدة؟ وهل يجوز دفعها إلى الجمعيات الخيرية لأنها سمعت أنهم لا يشفعون لها يوم القيامة إلا بالعقيفة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيستحب أن يعق عن السقط إن كان قد نفخ فيه الروح، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 7830.
والعقيقة عن الأبناء من أسباب نيل شفاعتهم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 5611، والفتوى رقم: 6343.
وقد بينا أنه لا يجزئ التصدق بثمن العقيقة عن ذبحها في الفتوى رقم: 2831، فإن كان دفعكم المال للجمعية الخيرية من باب أن توكلوها على ذبح العقيقة وتوزيعها فلا بأس بذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تلزم العقيقة الأب بعد بلوغ الأولاد
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الأول 1423 / 28-05-2002
السؤال
لدي أربعة أطفال: ولدان وبنتان ولم أعق عليهم حين الولادة.
هل تبقى العقيقة في عنقي وهل تجزئ واحدة عن الأربعة أولاد و شكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العقيقة سنه مؤكدة في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عباس و ابن عمر و عائشة وفقهاء التابعين وأئمة الأمصار، ولم يخالف في مشروعيتها إلا أصحاب الرأي الذين قالوا: إنها من عمل الجاهلية. وحجة الجمهور ما رواه مالك في موطئه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ولد له مولود فأحب أن يعق عنه فليفعل . والأمر هنا للاستحباب.
وقد درج الصحابة والتابعون على فعلها قال أبو الزناد: العقيقة من أمر الناس كانوا يكرهون تركها . وقد استحب بعض أهل العلم أن تذبح العقيقة في السابع، فإن لم يمكن ففي الرابع عشر، فإن لم يمكن ففي يوم واحد وعشرين، والأصل فيه حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه . قال الخطابي : اختلف الناس في معنى قوله: كل غلام رهينة بعقيقته، فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لأبويه. وقيل: المعنى أن العقيقة لازمة لابد منها، فشبهه لزومها بلزوم الرهن للمرتهن، وعلى هذا سار أهل الظاهر في وجوبها .
وإن ذبحت العقيقة قبل اليوم السابع أو بعده أجزأت لحصول المقصود، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لحديث أم كرز قالت:(21/177)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة. أخرجه أبو داود.
وإذا لم يعق عن المولود حتى بلغ وكسب فلا عقيقة عليه، وسئل الإمام أحمد عن هذه المسألة فقال: ذلك على الوالد، يعني: لا يعق عن نفسه، لأن السنة على غيره. وقال الشافعي: إن أخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه، لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل.
وبناء على هذا -أخي السائل الكريم- فإن كان من ذكرت من الأولاد لا يزالون تحت سن البلوغ فعليك أن تعق عن كل واحد منهم: الغلام شاتان والجارية شاة، وأما من كان منهم قد بلغ سن البلوغ فقد سقطت عنك المطالبة بعقيقته، ولا إثم عليك في تركها سواء كان ذلك لفاقة أو غيرها، وذلك في أرجح أقوال أهل العلم.
وإما سؤالك هل تجزئ الواحدة عن الأربعة فالجواب عليه: هو أنها لا تجزئ عن أكثر من واحد. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: لا يصح الاشتراك فيها، ولا يجزئ الرأس إلا عن الرأس. وعلل ذلك بأنه لما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود، كان المشروع فيها دما كاملا، لتكون نفس فداء نفس .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
سبيل العقيقة والأضحية كسبيل الهدي
تاريخ الفتوى : ... 01 ربيع الأول 1423 / 13-05-2002
السؤال
هل تطبخ العقيقة ويدعى لها الأصدقاء لأكلها أو توزع مع ذكر الأدلة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا فرق في إطعام العقيقة بين أن يكون اللحم نيئاً وبين أن يكون مطبوخاً، فكل ذلك جائز لأن الفقهاء نصوا على أن سبيلها في جميع الوجوه سبيل الأضحية، والأضحية سبيلها سبيل الهدي، والهدي قال الله فيه: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:28] .
فقول الله: (وَأَطْعِمُوا) يشمل عموم الإطعام نيئاً كان المطعوم أو مطبوخاً.
وانظر الجواب رقم: 2287، والجواب رقم: 9172.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تعفن شيء من العقيقة لا أثر له
تاريخ الفتوى : ... 17 صفر 1423 / 30-04-2002
السؤال(21/178)
قمت بذبح عقيقة عن ابنتي وتم توزيع ثلاثة أرباعها وقمت بحفظ الربع الباقى بالثلاجة وقد قطع التيار الكهربائي عن الثلاجة مما أدى إلى تعفن ما بها فما حكم الربع الباقي من العقيقة
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دام الربع المتبقي من العقيقة تعفن بدون قصد منكم، فإنه يرمى ولا شيء عليكم. والعقيقة مجزئة قطعاً. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم والفتوى رقم 13584 والفتوى رقم 9172
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قول الفقهاء فيمن عق عن مولود دون إذن من تلزمه نفقته
تاريخ الفتوى : ... 12 صفر 1423 / 25-04-2002
السؤال
رزقت بمولودة أنثى وعند أسبوعها لم يدعني أصدقائي أن أعق عقيقتها فذبحوا عني فهل تجوز هذه العقيقة .... وفقكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....أما بعد:
فالأصل في العقيقة أنها مطلوبة شرعاً ممن تلزمه نفقة المولود، وإذا فعلها أحد غيره دون إذنه فإنها لا تجزئ، فإن إذن له من لزمته أجزأته، هذا قول بعض الفقهاء كالشافعية والحنابلة، وذهب البعض إلى أنها تجزئ إذا ذبحت عنه دون نظر إلى الذابح، واستدلوا برواية أصحاب السنن وفيها "تذبح عنه يوم السابع .... آخر الحديث" قال بن حجر :" بالضم على البناء للمجهول، فيه أنه لا يتعين الذابح " أ . هـ ، واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين، لكن يحتمل كما قال النووي يرحمه الله :" أنه صلى الله عليه وسلم - أمر أباهما بذلك أو أعطاه ما عقّ به، أو أن أبويهما كانا عند ذلك معسرين فيكونان في نفقة جدهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أ.هـ المجموع .
وبهذا يتبين لنا أنك إن كنت أذنت لهم في ذلك، فالعقيقة مجزئة صحيحة لا ينبغي أن يختلف في ذلك، وإن لم تكن أذنت لهم فالأحوط إعادتها خروجاً من الخلاف، ولأن القول بعدم الإجزاء في هذه الحالة قول قوي لما ذكرنا، ولأنها عبادة تلزم من لزمته نفقة المولود فلا تصح الإنابة فيها إلا بإذنه .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا بد في العقيقة من الذبح
تاريخ الفتوى : ... 08 صفر 1423 / 21-04-2002
السؤال(21/179)
هل يجوزعمل العقيقة بدون ذبح؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلابد في العقيقة من الذبح، ولا يجزئ بدلا عنها فعل الوليمة بدون ذبح، وانظر أحكام العقيقة في الفتوى رقم: 2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... هل يشرع تكرار العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
1-ما حكم تأدية العقيقة وهل يصح أن يتم تأديه ذلك سنوياً بعد إكمال الطفل السنة
على سبيل المثال في إتمام كل سنة ، السنة الأولى الثانية وهكذا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....
أما بعد :
فالعقيقة عن المولود لا تشرع إلا مرة واحدة في العمر . وانظر حكمها في الجواب رقم :
4907 . والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة بغير الغنم... حكمها وعن كم تجزئ، وحكم تأخيرها
تاريخ الفتوى : ... 03 صفر 1423 / 16-04-2002
السؤال
لدي ولدان وبنت ولم أقم بعمل العقيقة لهما وكذلك لم يعمل والدي رحمه الله العقيقة لي وأيضاً لزوجتي والسؤال: هل من الممكن أن نستبدل الشاتين لكل ذكر بذبح بتلو وكم عمره؟
وللعلم نحن الآن في بلد عربي غير بلدنا فهل يجوز عمل العقيقة هنا أم ننتظر حتى نعود إلى بلدنا سواء في الإجازة أو العودة النهائية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في إجزاء غير الغنم في العقيقة:
- فذهب الجمهور إلى إجزاء ذلك.
- وذهبت الظاهرية إلى عدم إجزاء ذلك.
واستدل الجمهور على ذلك بما رواه أبو الشيخ ابن حبان - قال العراقي في طرح التثريب بإسناد حسن - عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولد له غلام، فليعق عنه من الإبل والبقر والغنم". ورواه الطبراني .(21/180)
وقد اختلف الجمهور - بعد اتفاقهم في الإجزاء في البقر والإبل - هل تجزئ عن واحد أم عن سبعة؟.
- فذهب الشافعية إلى أنها تجزئ عن سبعة قياساً على الأضحية والهدي.
- وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها تجزئ عن واحد، والظاهر هو الأول.
والجمهور متفقون على أنه يشترط في سن العقيقة ما يشترط في سن الأضحية.
أما فيما يتعلق بتأخير العقيقة، فإن العقيقة سنة، ويستحب لمن لم يعق عنه وليه أن يعق هو عن نفسه وقت ما يتيسر له ذلك، كما يستحب للولي الذي لم يكن عق عن ولده في السابع أن يعق عنه متى ما تيسر له ذلك هو الآخر، ولا بأس بعمل العقيقة في بلد غير بلد الشخص أو في غير مولده، والأمر في ذلك واسع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
السن المجزئ في العقيقة هو نفسه المجزئ في الأضحية
تاريخ الفتوى : ... 21 ذو الحجة 1422 / 06-03-2002
السؤال
رزقني الله بأول أولادي فذهبت لشراء اثنين من الماعز لهذا الغرض وكانت المرة الأولى التي أشتري وأذبح فيها وليس لدي سابق خبرة بهذا الأمر، وقد نصحني البائع أن اشتري الماعز صغير السن حيث هو سهل النضج وأطيب في الطعم، وقد فعلت.
والآن وأنا بصدد شراء أضحية العيد قرأت بوجوب أن يكون عمر الماعز المضحى به أكثر من عام وهو ما لم يتوفر في عقيقة ابني.
والسؤال: هل علي أن أعيد العقيقة مرة أخرى، أم أن السابقة تجزئ إن شاء الله لجهلي السابق بهذا الأمر؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن السن المجزئ في العقيقة كالسن المجزئ في الأضحية، وهو خمس سنين للإبل، وسنتان للبقر، وسنة للمعز، وستة أشهر للضأن، لا يجوز أن يكون سنها أقل من ذلك.
وعليه، فإن العقيقة عن ولدك بأقل من هذا السن غير مجزئة، لأنها لم تستوف الشرط المطلوب، ولمعرفة المزيد عن أحكام العقيقة، راجع الفتوى رقم: 2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يصح الاشتراك في العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1422 / 21-02-2002
السؤال(21/181)
هل يجوز اشتراك أربعة أشخاص في نحر ذبيحة واحدة (عجل أو جمل ) اثنان منهما بنية العقيقة لطفلتين والآخران بنية الأضحية. وذلك بدلا من أن ينحر كل منهم كبشا واحدا فقط .
جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أما بعد فإن السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة هي ذبح الشاة أو الشاتين عن الغلام، والشاة الواحدة عن الجارية، حث على ذلك ورغب فيه.
قالت عائشة رضي الله عنها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة، وعن الغلام شاتين. رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم: "الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه" رواه الترمذي. هذا هو الثابت من هديه صلى الله عليه وسلم في شأن العقيقة فينبغي أن يقتصر عليه. وأما الاشتراك فيها فلم يرد. وقد نص غير واحد من الفقهاء على أن العقيقة لا يجزئ فيها الاشتراك ولو كانت بدنة أو بقرة أما أن يعق عن المولود الواحد ببدنة فمذهب الجمهور جواز ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يشترط في صحة العقيقة أن يأكل منها أهل البيت
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
رزقت بطفل قبل الذهاب للحج فهل يجوز لي ذبح العقيقة له مع الأضحية في فترة الحج أم لابد أن تذبح لأهل البيت لأن أهل بيتي ليسوا معي في الحج طبعا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يشترط في صحة العقيقة أن تكون في البيت، أو أن يأكل منها الأهل، بل يصح لولي الصبي أن يعق عنه في المكان الذي هو به، مع أن السائل لو أناب أحداً من أهله أن يعق عن ولده بعده فلا بأس.
وإذا كان السائل يسأل عن حكم جمع العقيقة مع الأضحية بنية واحدة، فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين، وقد سبقت الإجابة على حكم الجمع المذكور برقم: 885.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كيف توزع العقيقة ؟
تاريخ الفتوى : ... 25 ربيع الثاني 1422 / 17-07-2001
السؤال(21/182)
هل يشترط في العقيقة أو الأضحية أن توزع على ثلاثة أقسام أم يجوز أن يبقيها كلها له أو يهديها كلها أو يعمل عليها وليمه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد استحب جماعة من الفقهاء تقسيم الأضحية والعقيقة إلى ثلاثة أثلاث.
قال الإمام أحمد: نحن نذهب إلى حديث عبد الله: "يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث". وبعض الفقهاء قال: تجعل نصفين: يأكل نصفاً، ويتصدق بنصف.
قال ابن قدامة: ولنا ما رُوي عن ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث" رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف، وقال: حديث حسن... إلخ. انظر:المغني (13/380).
هذا بخصوص الأضحية، أما العقيقة، فكما قال الخرقي: وسبيلها على ما تقدم، فلا يشترط أن توزع على ثلاثة أقسام، بل يجوز أن يوزعها أثلاثاً، أو نصفين، أو أن يأكلها كلها، أو أن يتصدق بها كلها، أو أن يعمل عليها وليمة.
لكل الأفضل أن يأكل منها ويتصدق، وقد سبق جواب مفصل بخصوص العقيقة نحيلك عليه للفائدة وهو برقم: 2287.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... ذبح العقيقة عن أكثر من ولد
تاريخ الفتوى : ... 09 ربيع الثاني 1422 / 01-07-2001
السؤال
فضيلة الشيخ لدي ثلاثة أولاد ذكر وأنثيان أكبرهم عمره ست سنوات ولم أذبح عقيقة عنهم حتى الآن وذلك لأسباب كثيرة وأريد أن أقوم بالعقيقة حالياً إن شاء الله لتدارك تقصيري . أرجو معرفة حكم ذلك بالتفصيل : - هل أذبح أربعة ذبائح مرة واحدة وأسمي عن كل منهم؟ - هل يوجد عمر معين للذبيحة( العقيقة )؟ - هل الأفضل أن أوزعها على الفقراء أو أطبخها وأولم عليها وهل لي أن أخلط لحمها جميعاً وأولم على قسم وأوزع القسم الباقي لحماً نيئاً للفقراء وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلك أن تذبح الذبائح الأربعة كلها في وقت واحد وتنوي أن اثنتين منها عن الولد وأن عن كل واحدة من البنتين شاة. وراجع الجواب رقم : 2287
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا ولد الطفل ميتاً هل يُعق عنه(21/183)
تاريخ الفتوى : ... 05 صفر 1422 / 29-04-2001
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الطفل المولود إذا توفي حين ولادته ماهي حقوقه على والديه وهل المدة ستة أشهر أو سبعة أو تسعة لها دور أثناء الحمل في الحقوق على والديه مثل العقيقة وغيرها من حقوق الميت على أولياء الأمور.
أفيدونا جزاكم الله خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم المولود الذي يولد ميتاً بعد أن نفخت فيه الروح، أو يموت بعد ولادته بيسير، سواء أكمل ستة أشهر أم لا.
فذهب بعض الفقهاء إلى أنه يعق عنه، لأنه نفخت فيه الروح، وسيبعث يوم القيامة، واستدلوا بحديث سمرة رضي الله عنه قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه ويسمى" رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي.
فقالوا: إن معنى "مرتهن بعقيقته" أي: إن تنشئته تنشئة صالحة، وحفظه حفظاً كاملاً كل ذلك مرهون بعقيقته، وقيل المعنى: لا يشفع لوالديه يوم القيامة إن لم يعق عنه.
وذهب إلى هذا القول الشافعية والحنابلة فقالوا: تبدأ العقيقة عن المولود من تمام انفصاله.
ويرى المالكية والحنفية أنه لا يعق عنه، لأن العقيقة إنما تشرع في اليوم السابع فقط، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "تذبح عنه يوم سابعه".
والأولى أن يعق عنه في هذه الحال، وإن كان استحباب العقيقة في مثل هذه الحالة ليس كاستحبابها فيما إذا بقي الطفل حتى بلغ سبعة أيام. والعلم عند الله.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الصغير الذي مات ولم يعق عنه لا يشفع لوالديه
تاريخ الفتوى : ... 27 رمضان 1421 / 24-12-2000
السؤال
الأطفال الذين يتوفون بعد الولاده بفترة أشهر ولم نعمل لهم عقيقه هل يشفعون لوالديهم أم يجب ان تعمل لهم ولو بعد الوفاة وشكراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما ذكر في السؤال قد ذكره العلماء نقلاً عن الإمام أحمد بن حنبل عند شرحهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل غلام رهينة بعقيقته" رواه أصحاب السنن. قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: معناه محبوس عن الشفاعة في أبويه. والرهن في اللغة الحبس، قال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) [المدثر: 38] وظاهر الحديث أنه رهينة في نفسه، ممنوع محبوس عن خير يراد به. ولا يلزم من ذلك أن يعاقب على ذلك في الآخرة. وإن حبس بترك أبويه العقيقة عما يناله من عقَّ عنه أبواه، وقد(21/184)
يفوت الولد خير بسبب تفريط الأبوين وإن لم يكن من كسبه، كما أن الجماع إذا سمى أبوه لم يضرَّ الشيطان ولده، وإذا ترك التسمية لم يحصل للولد هذا الحفظ. وأيضا فإن هذا إنما يدل على أنها لازمة لابد منها، فشبه لزومها وعدم انفكاك المولود عنها بالرهن".
فقد نقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي أنه قال: "اختلف الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه: ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذا في الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في أبويه، وقيل: معناه إن العقيقة لازمة لابد منها، فشبّه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن، وهذا يقوي قول من قال بالوجوب، وقيل: المعنى: إنه مرهون بأذى شعره، ولذلك جاء "فأميطوا عنه الأذى" انتهى.
قال الحافظ ابن حجر: والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخرساني، أسنده عنه البيهقي..إلخ.
كتاب العقيقة. ونُقل هذا الكلام أيضاً في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، وعون المعبود شرح سنن أبي دواد.
والحق أن العقيقة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء بمن فيهم الحنابلة في المذهب، وقيل واجبة في رواية عن الإمام أحمد. وممن قال بوجوب العقيقة الظاهرية.
وبناءً على ما تقدم فإنه يستحب للأب أن يعق عن أبنائه الثلاثة، إذا كان قادراً، لما في ذلك من الثواب والأجر العظيم، وخروجاً من الخلاف. قال النووي: لو مات المولود بعد اليوم السابع بعد التمكن من الذبح فوجهان حكاهما الرافعي، أصحهما: يستحب أن يعق عنه، والثاني يسقط بالموت. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم ذبح العقيقة عن الغلام مفرقة على شهرين مثلا
تاريخ الفتوى : ... 19 شوال 1421 / 15-01-2001
السؤال
رزقت بولد ذكر - ولله الحمد والمنة - وأريد أن أعق عنه فهل يجوز لي تفريق العقيقة بحيث أذبح واحدة في شهر والثانية في الشهر الذي يليه . وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسنة أن يعق عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع، ويسمَّى، ويحلق رأسه" رواه أحمد، وأصحاب السنن وصححه الترمذي. ولو فرق بينهما، فذبح واحدة في شهر والثانية في شهر آخر لم يكن بذلك بأس، والأولى الجمع بينهما لمن استطاع ذلك،. ولو اقتصر على واحدة كفت وأجزأت -إن شاء الله - لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه" إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ... " . والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(21/185)
من لم يعق عن أولاده وهو قادر
تاريخ الفتوى : ... 19 رمضان 1421 / 16-12-2000
السؤال
ما حكم من لديه سعة من المال ولم يذبح عقيقة لأبنائه ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء.
وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه" رواه أحمد وأصحاب السنن.
قال الخطابي رحمه الله: " اختلف الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه: ما ذهب إليه: أحمد بن حنبل قال: هذا الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في أبويه. وقيل: معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها، فشبه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن، وهذا يقوي قول من قال بالوجوب، وقيل: المعنى أنه مرهون بأذى شعره ولذلك جاء: " فأميطوا عنه الأذى" انتهى
وقيل: المعنى أن العقيقة سبب لانفكاكه من الشيطان الذي طعنه حال خروجه من بطن أمه.
فينبغي لمن لديه سعة أن يعق عن أبنائه، وأن يستدرك ما فاته فيعق عمن لم يبلغ منهم، أما من بلغ فإنه يعق عن نفسه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العقيقة عن الأبناء من أسباب نيل شفاعتهم.
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
امرأه توفي لها ثلاثة أبناء ولم يعق عنهم والدهم وقد قرأت أنهم لايشفعون لها إلا إذا ذبحت العقيقه فهل هذا صحيح أرجو التفصيل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما ذكر في السؤال صحيح، وقد ذكره العلماء نقلاً عن الإمام أحمد بن حنبل عند شرحهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود رهينة بعقيقته" رواه أصحاب السنن فقد نقل الحافظ ابن حجر عن الخطابي أنه قال: "اختلف الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه: ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذا في الشفاعة، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في أبويه، وقيل معناه إن العقيقة لازمة لابد منها، فشبّه المولود في لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن، وهذا يقوي قول من قال بالوجوب، وقيل: المعنى: إنه مرهون بأذى شعره، ولذلك جاء "فأميطوا عنه الأذى" انتهى.(21/186)
قال الحافظ ابن حجر: والذي نقل عن أحمد قاله عطاء الخرساني، أسنده عنه البيهقي..الخ.
انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/735) كتاب العقيقة. ونُقل هذا الكلام أيضاً: في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (كتاب الأضاحي باب العقيقة)، وعون المعبود شرح سنن أبي دواد (كتاب الأضاحي ـ باب العقيقة).
والحق أن العقيقة سنة مؤكدة عند جمهور العلماء بمن فيهم الحنابلة في المذهب، وقيل واجبة في رواية عن الإمام أحمد. انظر الإنصاف للمرداوي (4/80) باب الهدي والأضاحي. وممن قال بوجوب العقيقة الظاهرية . انظر بداية المجتهد لابن رشد كتاب العقيقة.
وبناءً على ما تقدم فإنه يستحب للأب أن يعق عن أبنائه الثلاثة، إذا كان قادراً، لما في ذلك من الثواب والأجر العظيم، وخروجاً من خلاف من أوجب ذلك، فقد عق الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما، ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم العقيقة ووقت إخراجها
تاريخ الفتوى : ... 04 ذو الحجة 1421 / 28-02-2001
السؤال
ما هي العقيقة، ومتى تجب وما مقدارها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فأصل العقيقة هو الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وتطلق على الشاة التي تذبح عن المولود، وسميت تلك الشاة عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث :" أميطوا عنه الأذى" رواه البخاري، والأذى هو الشعر الذي يحلق عن المولود. والعقيقة سنة مؤكدة على ولي المولود إن كان قادرا على ذلك، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه فضة أو ما يعادلها فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع ويسمّى ويحلق رأسه". رواه أحمد وأصحاب السنن عن سمرة مرفوعاً وصححه الترمذي.
ومعنى مرتهن بعقيقته: أي إن العقيقة سبب لانفكاكه من الشيطان الذي طعنه حال خروجه ـ فإن لم يكن في اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يفعل ففي اليوم الحادي والعشرين، فإن تأخر سُنَّ أن يذبح عنه وليه حتى يبلغ، فإن بلغ ولم يعق عنه ، عق هو عن نفسه ، ولا تخرج القيمة نقداً بدلاً من ذبح العقيقة .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(21/187)
عنوان الفتوى : ... لا يجزئ التصدق بمبلغ العقيقة بدلاَ من ذبحها
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1422 / 05-07-2001
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وبعد: لقد رزقني الله بمولود ذكر ومن السنة كما هو معلوم أن أعق عنه شاتين في اليوم السابع من ولادته ولكن نظراً لظروف معينة مثل سفري خارج الوطن وظروف أخرى لم أقم بذلك حتى الآن علماً بأن الولد الأن يبلغ من العمر ستة أشهر. السؤل:-1- هل يلحقني إثم في تأخير ذلك ؟ 2- -هل من الممكن أن أقوم بالتصدق بمبلغ العقيقة بدلاً من الوليمة؟ وجزاكم الله ألف خير وأعانكم على حمل هذة الأمانة .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فإن على الأخ الكريم أن يعلم أن تأخير العقيقة ليس إثماً لأن الراجح فيها عند أهل العلم أنها سنة وليست واجبة، على أنك أنت أخرتها وأنت معذور في التأخير إن شاء الله تعالى، والآن وقد حصل ما حصل فإن أردت أن تعق فعليك أن تعلم أمرين : الأول : أن من أهل العلم من قال إن وقت هذه العقيقة قد فات ومن هؤلاء من قال بفواته بغروب اليوم السابع، ومنهم من قال بفواته بنهاية اليوم الأخير من الأسبوع الرابع ومنهم من قال الأسبوع الخامس ومنهم من قال بعدم الفوات مطلقاً، ولاشك أن الأحوط لك أن تأخذ بالأخير. الثاني : أن العقيقة شعيرة من شعائر الإسلام كالأضحية والهدي ، فلا يجوز أن تخرج بالقيمة ، فالذي ينبغي فعله لمن أرادها هو أن يعق كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعق . والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أحكام العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
ماهي الكيفية التي تؤدى بها العقيقة بصورة أفضل ، وأهم الأحكام المتصلة بها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالعقيقة هي الذبيحة التي تذبح للمولود، وأصل العق الشق والقطع، وقيل للذبيحة عقيقة، لأنه يشق حلقها، ويقال عقيقة للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه.
وهي سنة مؤكدة كما عليه جمهور أهل العلم. لما رواه مالك في موطئه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل". وقد روى أصحاب السنن عن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويتصدق بوزن شعره فضة أو ما يعادلها ويسمى". ويذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لما رواه الترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم(21/188)
"أمرهم أن ُيعق عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة" ويسن أن تذبح يوم السابع للولادة فإن لم يكن ففي الرابع عشر وإلا ففي الحادي والعشرين لما أخرجه البيهقي عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العقيقة تذبح لسبع أو لأربع عشر أو لإحدى وعشرين". فإن لم يتمكن في هذه الأوقات، لضيق الحال أوغير ذلك فله أن يعق بعد ذلك إذا تيسرت حاله، من غير تحديد بزمن معين. إلا أن المبادرة مع الإمكان أبرأ للذمة.
والذى تطلب منه العقيقة هو: من تلزمه نفقة المولود فيؤديها من مال نفسه لامن مال المولود، ولايفعلها من لاتلزمه النفقه إلا بإذن من تلزمه وهو مذهب الشافعيه، وقالوا: إن عقّ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين محمول على أن نفقتهما كانت على الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنه عق عنهما بإذن أبيهما. واذا بلغ ولم يُعق عنه عق عن نفسه، وذكرالمالكيه أن المطالب بالعقيقة هو الأب، وصرح الحنابله أنه لايعق غير الأب إلا إن تعذر بموت أو امتناع، فإن فعلها غيرالأب لم تكره، وانما عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ولا يجزىء فيها إلا ما يجزئ في الأضحية، فلا يجزى فيها عوراء ولا عرجاء ولا جرباء، ولا مكسورة، ولا ناقصة، ولا يجز صوفها ولا يباع جلدها ولا شيء من لحمها. ويأكل منها، ويتصدق، ويهدي. فسبيلها في جميع الوجوه سبيل الأضحية، ولا حرج في كسر عظمها، ولا يلتفت إلى قول من قال إنه لا يكسر تفاؤلا بسلامة الصبي، إذ لا أصل له في كتاب ولا سنة صحيحة، وغاية ما احتجوا به هو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " السنة شاتان مكافئتان عن الغلام ، وعن الجارية شاة، تطبخ جدولاً، لا يكسر لهما عظم" أخرجه البيهقي، والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، لكن قال الإمام النووي رحمه الله ( وأما حديثها الآخر في طبخها جدولاً فغريب رواه البيهقي من كلام عطاء بن أبي رباح) المجموع (8/407) وعلى هذا فالحديث معلول لا يحتج به ، ويؤيد هذا الحكم ما قاله الألباني من أن ( ظاهر الإسناد الصحة، ولكن له عندي علتان: الأولى الانقطاع ... .والأخرى الشذوذ والإدراج. فقولها (تطبخ أو تقطع جدولاً لا يكسر لها عظم) هو من كلام عطاء موقوفاً عليه فهو مدرج في الحديث) انظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/395-392) للشيخ الألباني .
والسن المجزئ في الأضحية والعقيقة إذا كانت من الإبل أن تكون مسنة وهي ما لها خمس سنين، ومن البقر ماله سنتان. ومن المعز ماله سنة، ومن الضأن ماله ستة أشهر. لا يجوز أن يكون سنها أقل مما ذكر.
ولايشترط أن يرى الوالد دم العقيقة وليس على ذلك دليل.
وذهب جمهور الفقهاء الى أنه يستحب طبخ العقيقة كلها حتى مايتصدق به ، وإن فرقها بدون طبخ جاز ذلك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا يستحب أن تؤخر العقيقة عن وقتها
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999(21/189)
السؤال
ما حكم تأجيل العقيقة للمقتدر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الذي عليه أكثر أهل العلم أن العقيقة سنة وليست واجبة، وعلى هذا فمن أخرها عن وقتها لا يعد آثماً ولكن فاته خير كثير ، وذهب بعض العلماء إلى وجوبها ، وعلى هذا القول فمن أخرها قادراً يعتبر آثماً يلزمه أن يتوب إلى الله جل وعلا.
والراجح من هذين القولين القول الأول ، وهو أنه غير آثم . ثم إن من التأخير ما يمكن تداركه فمن فاته الذبح في السابع فليذبح في الرابع عشر ومن فاته في الرابع عشر فليذبح فى الحادي والعشرين. ولا ينبغي لأحد أن يسمح لنفسه بفوات هذا الخير الكثير وهو قادر على ألا يفوته . والله الموفق .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا تشترط الأيام في العقيقة
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل تصح العقيقة بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على الولادة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فالعقيقة سنة مؤكدة عن المولود ، لقوله : صلى الله عليه وسلم: ~الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويحلق ويسمى.~~[ رواه الترمذي وقال: حسن صحيح]. والسنة في ذبحها أن تذبح يوم السابع من ولادته فإن لم يكن ففي اليوم الرابع عشر ، فإن لم يكن ففي الحادي والعشرين فإن لم يكن ففي الثامن والعشرين وإلا فلا تشترط الأيام ، وإن ذبحها قبل السابع أو بعده فيصح ، لأن التأقيت سنة ، وانظر أخي الكريم الفتوى رقم: 1383 ونسأل الله أن يبارك لك فيما رزقك وأن يرزقك بر من وهبك .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العقيقة وحفلة الأسبوع ... العنوان
رزقني الله ثلاث بنات ،وولدًا،ولا أملك إلا ثمن عقيقة واحدة ،فماذا أفعل؟ ... السؤال
16/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
العقيقة سنة مؤكدة للقادر،فمن لم يقدر ،فإن الله لايكلف نفسًا إلا وسعها ،فإن قدرت أن تعق عن واحد فلا بأس عليك في باقي الأولاد،وإن لم تقدر أن تعق عن أي من الأولاد فإن الله لايكلف نفسها إلا وسعها.
يقول الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر:(21/190)
العقيقة هي الذبيحة التي تُذْبَح عن المولود، وهي من العَقِّ بمعنى القطع والشق، وقيل للذبيحة عقيقة؛ لأنه يشق حلقها، وأصل العقيقة هو الشعر الذي يكون على رأس الصبي حينما يُولد، وإنما سميت الشاة التي تُذْبح عنه في تلك الحَالة عقيقة؛ لأن شعره يُحلق عند الذبح، والحديث يقول في ذلك: "أميطوا عنه الأذى" ويُقصد بالأذى ذلك الشعر الذي يُحلق عنه، ويُقال: عَقَّ فلان عن وَلَدِه إذا ذَبَحَ عنه ذبيحة يوم أسبوعه، وأقول عن حفلة العقيقة - وهي التي تسميها العامة: حفلة الأسبوع للمولود ـ : "الفرح بالذرية غريزة أصيلة في نفس الإنسان، وكل غريزة تحتاج إلى ميدان تتنفس فيه، وتُعَبِّر عن ذاتها به، ومِن بين ذلك ما يقيمه أهل المولود في اليوم السابع لمولده من احتفال وابتهاج، وهذه الفرحة لا بأس بها، ولا تعارض بينها وبين الدِّين، إذا لم يكن فيها مُنكر أو فاحشة أو خبث يُحَرِّمْه الإسلام، أو أي شيء يكرهه الله تعالى ويَبْغضه.
وحَبّذَا لو اهتدى المسلمون في هذا الاحتفال بما جاء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففي السنة النبوية إشارة إلى "حفلة الأسبوع" ولكن السنة تُسميها باسم آخر هو "العقيقة" ويتلخص منهاج هذا الاحتفال في أن نحلق شعر المولود، ونتصدق بوزنه فضة على الفقراء والمحتاجين، ونُحَدِّد للمولود اسمه، ونذبح عنه شاة تُسَمَّى شاة "العقيقة" ونستطيع أن نأكل من لحم هذه الشاة، ونهدي منه، ونطعم ضيوفنا وأحباءنا، ونتصدق منها على الفقراء والمتحاجبين.
وقد رُوي في هذا الباب أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَقَّ عن الحسن شاة، أي: ذبح باسمه في حفلة العقيقة شاة. وقال: "يا فاطمة، احلقي رأسه، وتصدقي بِزِنَة شَعْرِهِ فِضَّة". فوزنوه فكان درهمًا أو بعض درهم. وهذه العقيقة حُكمها أنها سُنَّة، وبعض الفقهاء جعلها واجبة، والقول الأول أقرب إلى التيسير .
والله ـ تبارك وتعالى ـ أعلم.
ـــــــــــــــــــ
العقيقة عمن توفي من الأبناء ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 21401 ...
رقم الفتوى
... 14/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم العقيقة لطفل عمره سنة وشهرين لم تذبح له ومات الآن هل واجبة على الأهل بعد وفاته؟
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد(21/191)
فقد أفد فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي "إذا مات الولد بعد أسبوع فلا عقيقة له فالمفروض أن العقيقة تشرع بعد أسبوع وما دام قد مات فقد سقطت عقيقته.
والله تعالى أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
...
الموضوع الرئيسى
... العقيقة عن السقط، هل تجب؟! ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 21400 ...
رقم الفتوى
... 14/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
آمل إجابتي على هذه الفتوى .
زوجتي كانت حامل وخلال الشهر الخامس من الحمل
لم يشأ الله أن يعيش هذا الولد حيث أنها أسقطت هذا الولد مع العلم أنه ذكر وعندما خرج كان كاملا تقريبا فهل تجب علينا العقيقة لهذا الولد أفيدونا جزاكم الله عنا خيرا.
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
أفاد شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله أن العقيقة تجب على المولود إن استهل صارخا تذبح عنه يوم سابعه عن الفتاة شاة وعن الغلام شاتان، ولا تجب على السقط والله تعالى أعلى وأعلم ـــــــــــــــــــ
الاحتفال بالمولد: حكمه وضوابطه ...
عنوان الفتوى
... مجموعة علماء ...
اسم المفتى
... 22768 ...
رقم الفتوى
... 29/03/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(21/192)
هل المولد حرام؟ إذا لم يكن حرام فما هو حكم رقص بعض الشباب في المولد؟
أرجو أدلة من القرآن أو من الحديث الشريف؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز إذا انتفت المحرمات التي تصاحب هذا الاحتفال، وقد جاء في كتاب فضيلة الشيخ سعيد حوى ( أحد العلماء والدعاة المعاصرين بسوريا ) التفصيل في هذه المسألة.
مما استحدث خلال العصور الاحتفال بيوم ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتوضع حول هذا الموضوع عادات تختلف باختلاف البلدان، وقد تحدث ابن الحاج في مدخله عن كثير مما أنكره من عادات توضعت حول المولد، ووجدت بسبب من ذلك وبسبب من غيره ردود فعل كثيرة حول هذا الموضوع فمن محرم ومن مدافع، وقد رأينا أن لابن تيمية رحمه الله رأيا في غاية الإنصاف، فهو يرى أن أصل الاجتماع على المولد مما لم يفعله السلف ولكن الاجتماع على ذلك يحقق مقاصد شرعية.
والذي نقوله: أن يعتمد شهر المولد كمناسبة يذكر بها المسلمون بسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشمائله، فذلك لا حرج، وأن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذلك لا حرج فيه، وأن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذلك لا حرج فيه.
وأن مما ألف في بعض الجهات أن يكون الاجتماع على محاضرة وشعر أو إنشاد في مسجد أو في بيت بمناسبة شهر المولد، فذلك مما لا أرى حرجا على شرط أن يكون المعني الذي قال صحيحا.
إن أصل الاجتماع على صفحة من السيرة أو على قصيدة في مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جائز ونرجو أن يكون أهله مأجورين، فأن يخصص للسيرة شهر يتحدث عنها فيه بلغة الشعر والحب فلا حرج.
ألا ترى لو أن مدرسة فيها طلاب خصصت لكل نوع من أنواع الثقافة شهرا بعينه فهل هي آثمة، ما نظن أن الأمر يخرج عن ذلك
. بعض أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد.
1ـ رأي ابن الحاج ـ رحمه الله ـ في الاحتفال
من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين.
فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على(21/193)
أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الإثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه) فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه.
فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ولقوله عليه الصلاة والسلام: "آدم ومن دونه تحت لوائي".
وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني.
فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الإثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.
ألا ترى إلى ما رواه البخاري ـ رحمه الله تعالى: "كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان" فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.
2ـ رأي ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الاحتفال
معروفة شدة ابن تيمية وتشدده، ومع ذلك كان كلامه لينا في قضية المولد ومن كلامه في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": (وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع، وأكثر هؤلاء الناس الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن المقصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه.
واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا شر من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل شرا بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية، كحال المنافقين والفاسقين..
فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل للإمام أحمد عن أحد الأمراء أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك، فقال: دعه فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال.
3ـ رأي السيوطي ـ رحمه الله ـ في الاحتفال(21/194)
وللسيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوى " رسالة مطولة أسماها: "حسن المقصد في عمل المولد" وهذه بعض فقراتها: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف0
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة، أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة، والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا آخر كلام الشافعي.
وهو أي المولد وما يكون فيه من طعام من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثام إحسان فهو من البدع المندوبة كما في عبارة ابن عبد السلام.
وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا، قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: "يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى" فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعم، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.
وأما ما يعمل فيه: فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهد المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخر، وأما ما تبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال ما كان من ذلك مباحا، بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم ولا بأس بإلحاقه به، وكما كان حراما أو مكروها فيمنعه وكذا ما كان خلفا الأولى. انتهى.
قال السيوطي تعليقا على كلام ابن حجر: ـ (وقد ظهر لي تخريجه على أصل آخر وهو ما أخرجه البيهقي عن أنس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عق عن نفسه بعد النبوة، مع أنه قد ورد أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم لولادته، والعقيقة(21/195)
لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن الذي فعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إظهار للشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، وتشريع لأمته كما كان يصلى على نفسه لذلك، فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات، ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى عرف التعريف بالمولد الشريف ما نصه: قد رؤي أبو لهب بعد موته فقيل له ما حالك؟. قال في النار إلا أنه يخفف عني كلي ليلة إثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار لرأس أصبعه وإن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبإرضاعها له، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به ، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم.
انتهي ملخصا من كتاب السيرة بلغة الحب والشعر للشيخ سعيد حوى رحمه الله
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
توزيع لحم العقيقة ...
عنوان الفتوى
... عطية صقر ...
اسم المفتى
... 21542 ...
رقم الفتوى
... 30/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز توزيع جزء من لحم العقيقة نيئا؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فيجوز للذي لصاحب العقيقة أن يفرق بعض لحمها نيئا كما يجوز له أن يفرق بعضها مطبوخا ولا حرج في هذا ولا في ذاك وفي مجمل أحكام العقيقة نقول:
حكم لحم العقيقة كالضحايا، يؤكل من لحمها، ويتصدق منه، ولا يباع شيء منها. ويسن طبخها، ويأكل منها أهل البيت وغيرهم في بيوتهم، وكره عند المالكية عملها وليمة يدعو الناس إليها. ويجوز عند المالكية كسر عظامها، ولا يندب. وقال الشافعية والحنابلة: يجوز اتخاذ الوليمة، ولا يكره كسر العظام، إذ لم يثبت فيه نهي مقصود، بل هو خلاف الأولى، ويستحب أن تفصل أعضاؤها، ولا تكسر عظامها، تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود، لما روي عن عائشة، أنها قالت: "السنة شاتان مكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة تطبخ جدولاً[أي لا يكسر لها عظم ولكن(21/196)
تطبخ عضوا عضوا ]، ولا يكسر عظم، ويأكل ويطعم، ويتصدق، وذلك يوم السابع".
وأجاز الإمام أحمد في رواية عنه بيع الجلد والرأس والتصدق به. ويستحب إعطاء القابلة من العقيقة؛ لما في مراسيل أبي داود أن النبي قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: "أن يبعثوا إلى القابل برجل، وكلوا وأطعموا، ولا تكسروا منها عظمًا".
فيكون الفرق بين العقيقة والأضحية: أنه يسن طبخ العقيقة، ويستحب ألا تكسر عظامها، وأن تهدى القابلة رجل العقيقة نيئة غير مطبوخة؛ لأن فاطمة رضي الله عنها فعلت ذلك بأمر النبي
صلى الله عليه وسلم، كما روى الحاكم.
وحكمتها :شكر نعمة الله تعالى برزق الولد ، وتنمية فضيلة الجود والسخاء وتطييب قلوب الأهل والأقارب و الأصدقاء بجمعهم على الطعام ،فتشيع المحبة والمودة والألفة .
ويقو ل الشيخ عطية صقر في حكمتها :
حديث "الغلام مُرْتَهَنٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه" رواه أصحاب السنن من حديث سَمُرَةَ بن جندب، وصححه الترمذي ، ومنها حديث: أَمَرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتسمية المولود يوم سابعه، ووَضْعِ الأذى عنه، والْعُقِّ. رواه الترمذي أيضًا.
ومعنى: مرتهن بعقيقته أنه لا ينمو نمو مثله، ولا يُستبعد أن تكون سببًا في حسن نَبَاتِ المولود وحفظه من الشيطان فهي تخليص له من حبسه ومنعه عن السعي في مصالح آخرته. وقيل: إن المعنى إذا لم يَعُقّْ عنه والده لا يَشفع له كما قاله الإمام أحمد، لكن التفسير الأول أحسن.
ـــــــــــــــــــ
من أحكام العقيقة ...
عنوان الفتوى
... سيد سابق ...
اسم المفتى
... 21294 ...
رقم الفتوى
... 12/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أود السؤال عن الأطفال إذا لم تذبح لهم العقيقة إلى أن كبروا (4 بنات) وطفل مات بعد يوم من ولادته وهو ولد بالشهر السادس، وطفل مات في بطن أمه (سقط) وله ثلاثة أشهر. ماذا علي أن أفعل وهل العقيقة نفس الأضحية وهل علي أن أحرم(الإحرام) أثناء ذبحها مع خالص الشكر.(21/197)
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد
بالرجوع إلى كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق يمكننا استخلاص الأحكام التالية:
أما الطفل الذي توفي بعد ولادته والسقط فلا عقيقة عليهم إذ تكون العقيقة في السابع من عمر المولود، ولم يقل أحد بوجوب الإحرام عند العقيقة ولا الأضحية وإنما الإحرام للحاج فقط، والعقيقة تختلف عن الأضحية تماما، فالأضحية هي ما يذبح يوم عيد الأضحى وأيام التشريق بنية القربة إلى الله تعالى، أما العقيقة فهي ما يذبح للمولود يوم سابعه عملا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض العلماء جوز الجمع في الأضحية بين نية العقيقة والأضحية ومنع من ذلك آخرون، ويمكن أداء العقيقة في أي وقت من عمر المولود حتى قال بعض العلماء يجوز له أن يعق عن نفسه إن لم يعق عنه والده. ولمعرفة العقيقة يمكنك اسائر أحكام لرجوع إلى أرشيف الفتاوى والبحث عن كلمة عقيقة والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
مايستحب فعله للمولود ... العنوان
زوجتي على وشكِ الوضْع، ولا أدري ما يُستحَبُّ فعْله عند استقبال المولود، فأرجو أن تخبرني بإيجاز عمَّا ينبغي عليَّ فِعْله ولكم جزيل الشكر؟
... السؤال
17/04/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،و الصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
هناك أمور استحبها الإسلام أن يصنعها المرء إذا رزق بمولود ،من الأذان في أذنه اليمنى ،والإقامة في اليسرى،وحسن التسمية ،و العقيقة عنه ،وقص شعره والتصدق بوزنه فضة،وغير ذلك من الآداب والمستحبات .
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر :
يُستحَبُّ عقبَ وِلادة الطفل أن يَتناوله أبوه أو مَن يَقوم مَقامه مِن الصالحينَ، ويُؤذِّنَ له في أُذنِه اليُمنَى بصوت خافتٍ خاشع، ويُقيمَ الصلاةَ في أذُنِه اليُسرَى، لمَا رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم عن رافع ـ رضي الله عنه ـ قال: رأيتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذَّنَ في أُذُنِ الحسن بن عليٍّ حين وَلَدَتْهُ فاطمة.
والحِكمة في ذلك أن يكون الأذان والإقامة أولَ كلامٍ يَسمعه الطفل، فيَستقرّ في وِجْدانِه وحافظته ويُطبع على كلمة التوحيد وتَعظيم الله ـ تعالى ـ حتى إذا كبرَ وسمع الأذان قادَه الحَنِينُ إلى الصلاة لمَا استقرَّ في عقله ووِجدانه منذ وُلِدَ؛ لأنَّ في المُخِّ جهازَ تَسجيل يُسجِّل ما يَسمعه الطفل فيَحتفظ به، حتى إذا سمِعه مرة أخرى بعد وُصوله سنَّ الفهم والإدراك يجد نفسَه مَدفوعًا إلى مُحاكاته والانصياع إلى دعوة المُؤذِّن بقلبه وقالَبه.
كما أن الأذان والإقامة في أُذنَي الطفل ممَّا يَطْرُدُ عنه الشيطان فلا يُصيبه بأذًى. إلى غير ذلك مما نصَّ عليه الفقهاء في كُتبهم.(21/198)
هذا، ويُستحب أن يُسمِّيَه اسمًا حسَنًا يُناسب سِنَّه في الصغر والكبر، كما سيأتي بيانه في سؤال آخر.
ويُستحب أن يَعُقَّ عنه يومَ سابِعه؛ فيَذبح للبنت شاةً وللولَدِ شاتَينِ إن أمكن، وإلا ذبَح شاةً واحدة، كما سنُبيِّن أيضًا في سؤال آخر.
ويُستحبُّ أيضًا حلْقُ شَعره والتصدُّق بوَزنه فِضَّةً، لمَا رَوى مالِك في "مُوطَّئِه" عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: وَزنَتْ فاطمةُ شعرَ حسن وحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدَّقَت بزِنَةِ ذلك فِضَّةً. وهذا الحديث يُبيِّن أنْ حلْق الرأس والتصدُّق بزِنة شَعره ليس خاصًّا بالصبيِّ الذكَر وإنما هو عامٌّ في الذكَر والأنثَى، ويُؤيد ذلك ما رواه عبد الرزاق في "مُصنَّفه": أخبرنا ابن جريج قال: سمعت محمد بن عليٍّ يقول: كانت فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يُولدُ لها ولدٌ إلا أمرَتْ بحلْق رأسِه وتصدَّقَت بوَزن شعرِه وَرِقًا. أي فضَّة.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل عقيقة الجدة تكفي ...
عنوان الفتوى
... سيد سابق ...
اسم المفتى
... 21272 ...
رقم الفتوى
... 12/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
رزقنى الله بمولودة وكانت جدتها (أم أمها) قد نذرت أن تذبح لأول حفيد لها. ولم يكن لدي المال الكافي لعمل العقيقة فتكفلت الجدة بالعقيقة وفاء لنذرها فهل يجوز ذلك؟ أم لابد أن تكون من مالي الخاص. وهل أعتبر أن هذه التكلفة دين على يجب سداده أم لا؟
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
الإجابة عن سؤالكم ذات شقين:
الأول: الوفاء بالنذر وقد وفت به الجدة والحمد لله.
الثاني: العقيقة، وقد سقطت عنكم بفعل الجدة لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن الحسن والحسين وهما أحفاده ولا يعد ما دفعته الجدة دينا عليك، لأنها وفت به عن نذرها، وبورك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره والسلام
ـــــــــــــــــــ
التبرع بثمن العقيقة للمجاهدين ... العنوان(21/199)
هل يجوز التبرع بقيمة العقيقة الي المجاهدين في فلسطين ، وهل هذا يجزيء عنها ؟
... السؤال
10/12/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم
العقيقة هي ذبح كبش أو أكثر شكراً لله بمناسبة ولادة مولود جديد، وهي سنّة مؤكدة، شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا تكون هذه السنة إلا بهذه الكيفية، ولا يجزئ عنها التبرع بقيمتها إلى المجاهدين في فلسطين، إلاّ أنّ هذا التبرّع في هذه الأيام بالذات -أيام انتفاضة الأقصى المبارك- يكاد يأخذ حكم الوجوب الشرعي على المستطيع، وربما كان ثوابه عند الله أهمّ من ثواب العقيقة، رغم أنّ هذه السنّة تحقّق في المجتمع الإسلامي نوعًا من التكافل والتعاون ذي الأثر الواضح، لكن المسلم يتعاطى خارج الفرائض بالأولويات، فإذا كانت مساعدة المجاهدين في فلسطين أولى من العقيقة فلا بأس أن يرسل من المال إلى إخوانه هناك بمقدار العقيقة؛ فيحصل على ثواب مساعدة إخوانه في فلسطين، وقد يكون هذا الثواب يعادل أجر العقيقة أو أكثر من ذلك بحسب حاجة إخوانه هناك.. ولكن لا يمكن أن يقال: إنه أرسل ثمن العقيقة بمعنى أنه حقّق هذه السنّة المباركة، إنما حقّق أمراً مستحباً آخر، وقد يكون واجبًا وهو مساعدة إخوانه المجاهدين
ـــــــــــــــــــ
حكمة العقيقة وكيفية توزيع لحمها ... العنوان
ما الحكمة من العقيقة وكيف يوزع لحمها ؟
... السؤال
18/07/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... حكم لحم العقيقة كالضحايا، يؤكل من لحمها، ويتصدق منه، ولا يباع شيء منها. ويسن طبخها، ويأكل منها أهل البيت وغيرهم في بيوتهم، وكره عند المالكية عملها وليمة يدعو الناس إليها. ويجوز عند المالكية كسر عظامها، ولا يندب. وقال الشافعية والحنابلة: يجوز اتخاذ الوليمة، ولا يكره كسر العظام، إذ لم يثبت فيه نهي مقصود، بل هو خلاف الأولى، ويستحب أن تفصل أعضاؤها، ولا تكسر عظامها، تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود، لما روي عن عائشة، أنها قالت: "السنة شاتان مكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة تطبخ جدولاً[أي لا يكسر لها عظم ولكن تطبخ عضوا عضوا ]، ولا يكسر عظم، ويأكل ويطعم، ويتصدق، وذلك يوم السابع".
وأجاز الإمام أحمد في رواية عنه بيع الجلد والرأس والتصدق به. ويستحب إعطاء القابلة من العقيقة؛ لما في مراسيل أبي داود أن النبي قال في العقيقة التي عقتها(21/200)
فاطمة عن الحسن والحسين: "أن يبعثوا إلى القابل برجل، وكلوا وأطعموا، ولا تكسروا منها عظمًا".
فيكون الفرق بين العقيقة والأضحية: أنه يسن طبخ العقيقة، ويستحب ألا تكسر عظامها، وأن تهدى القابلة رجل العقيقة نيئة غير مطبوخة؛ لأن فاطمة رضي الله عنها فعلت ذلك بأمر النبي
صلى الله عليه وسلم، كما روى الحاكم.
وحكمتها :شكر نعمة الله تعالى برزق الولد ، وتنمية فضيلة الجود والسخاء وتطييب قلوب الأهل والأقارب و الأصدقاء بجمعهم على الطعام ،فتشيع المحبة والمودة والألفة .
ويقو ل الشيخ عطية صقر في حكمتها :
حديث "الغلام مُرْتَهَنٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه" رواه أصحاب السنن من حديث سَمُرَةَ بن جندب، وصححه الترمذي ، ومنها حديث: أَمَرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتسمية المولود يوم سابعه، ووَضْعِ الأذى عنه، والْعُقِّ. رواه الترمذي أيضًا.
ومعنى: مرتهن بعقيقته أنه لا ينمو نمو مثله، ولا يُستبعد أن تكون سببًا في حسن نَبَاتِ المولود وحفظه من الشيطان فهي تخليص له من حبسه ومنعه عن السعي في مصالح آخرته. وقيل: إن المعنى إذا لم يَعُقّْ عنه والده لا يَشفع له كما قاله الإمام أحمد، لكن التفسير الأول أحسن.
ـــــــــــــــــــ
حكم العقيقة وأحكامها ... العنوان
ما حكم العقيقة ؟ وما هى أحكامها بالتفصيل ؟ ... السؤال
13/03/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود.
قال صاحب مختار الصحاح: العقيقة والعقة بالكسر الشعر الذي يولد عليه كل مولود من الناس والبهائم، ومنه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه.
حكمها:
والعقيقة سنة مؤكدة ولو كان الأب معسرًا، فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وفعلها أصحابه، روى أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا، ويرى وجوبها الليث وداود الظاهري. ويجري فيها ما يجري في الأضحية من الأحكام، إلا أن العقيقة لا تجوز فيها المشاركة.
فضلها:
روى أصحاب السنن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
1 - "كل مولود رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى".(21/201)
2 - وعن سلمان بن عامر الضبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عليه دمًا، وأميطوا عنه الأذى" رواه الخمسة.
ما يذبح عن الغلام والبنت:
ومن الأفضل أن يذبح عن لولد شاتان متقاربتان شبهًا وسنًا، وعن البنت شاة فعن أم كرز الكعبية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عن الغلام شاتان متكافئتان وعن الجارية شاة".
ويجوز ذبح شاة واحدة عن الغلام لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك مع الحسن والحسين، رضي الله عنهما، كما تقدم في الحديث.
وقت الذبح:
والذبح يكون يوم السابع بعد الولادة إن تيسر، وإلا ففي اليوم الرابع عشر وإلا ففي اليوم الواحد والعشرين من يوم ولادته، فإن لم يتيسر ففي أي يوم من الأيام.
ففي حديث البيهقي: تذبح لسبع، ولأربع عشر، ولإحدى وعشرين.
اجتماع الأضحية والعقيقة:
قالت الحنابلة: وإذا اجتمع يوم النحر مع يوم العقيقة فإنه يمكن الاكتفاء بذبيحة واحدة عنهما، كما إذا اجتمع يوم عيد ويوم جمعة واغتسل لأحدهما.
ـــــــــــــــــــ
حكم العقيقة إن تأخرت ... العنوان
شخص بالغ تيقن أن والديه لم يذبحا عقيقة عنه عند ولادته ، فهل يعق عن نفسه الآن ؟
... السؤال
06/02/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... العقيقة سنة مؤكدة لولي الطفل إن كان قادرًا على ذلك، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه باليوم السابع، وباسم الله ) . رواه الترمذي، وأبو داوود – . فإن لم يكن في اليوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم تفعل ففي اليوم الحادي والعشرين فإن تأخر سُُنَّ أن يذبح عنه وليه حتى يبلغ، فإن بلغ ولم يعق عنه ، عق هو عن نفسه . والله اعلم
ـــــــــــــــــــ
الأضاحي والعقيقة ... العنوان
إذا تزامن وقت الأضحية مع العقيقة فأيهما يقدم على الآخر ؟ أفيدونا مأجورين ... السؤال
... ... الحل ...
...
...(21/202)
1- الأضحية : اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله تعالى
2- بعد طلوع الشمس من يوم العيد ، ويمر من الوقت قدر ما يصلي العيد
ويصح ذبحها بعد ذلك في أي يوم من الأيام الثلاثة في ليل أو نهار ، ويخرج الوقت بانقضاء هذه الأيام
3- العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود ووقتها يكون يوم السابع بعد الولادة إن تيسر وإلا ففي اليوم الرابع عشر ، وإلا ففي اليوم الواحد والعشرين من يوم ولادته ، فإن لم يتيسر ففي أي يوم من الأيام .
4- وعلى ضوء هذا فإذا تزامن وقت الأضحية مع العقيقة تقدم الأضحية لأن وقتها محدد ويخرج بانقضاء الأيام التي تؤدى فيها ،
أما العقيقة ففي وقتها متسع حتى إن لم يتيسر في أيامها السابع أو الرابع عشر أو الواحد والعشرين فيمكن أداؤها في أي يوم من الأيام
هذا وقالت الحنابلة : إذا اجتمع يوم النحر مع يوم العقيقة فإنه يمكن الاكتفاء بذبيحة واحدة عنها كما إذا اجتمع يوم عيد ويوم جمعة واغتسل لأحدهما
هذا والله أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
العقيقة ... العنوان
هل العقيقة واجبة أم سُنَّةٌ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... العقيقة هي الذبيحة عن المولود، وقد كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام، فكان إذا وُلِدَ لأحدهم غلام ذبح شَاةً ولَطَّخَ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام أمر بذبح الشاة وحَلْقِ رأس المولود وتلطيخه بالزعفران، كما روا أبو داود عن بُريدة، وسميت العقيقة باسم الشَّعْرِ الذي على رأس الصبي حين يُولد، لأنه يُحلق عند الذبح، وكذلك الحيوان حين يولد يُسَمَّى شَعْرُهُ عقيقة، واختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة أقوال:
(أ) فقيل: إنها مكروهة، وذلك لخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن العقيقة فقال: "لا أحب العُقوق". ولأنها من فعل أهل الكتاب وجاء في ذلك حديث البيهقي. أن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية، ولما رواه أحمد أن الحسن بن علي لما ولد أرادت فاطمة أن تَعُقُّ عنه بكبشين فقال لها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لا تَعُقِّي، ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الوَرِقِ ـ الفضة" ثم وُلِدَ الحسين فصنعت مثل ذلك.
وقد أُجيب على الحديث بأن النبي كَرِهَ اسمها ولم يكره فعلها، وعلى الحديث الثاني بأن النبي ما كره من اليهود إلا تفرقتهم بين الغلام والجارية، حيث لم يَعُقُّوا عنها، وعلى الحديث الثالث بأنه لا يَصِحُّ.
(ب) وقيل: إنها سُنَّةٌ، وبه قال أهل الحديث وجمهور الفقهاء، ولهم في ذلك عدة أحاديث، منها "الغلام مُرْتَهَنٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه" رواه(21/203)
أصحاب السنن من حديث سَمُرَةَ بن جندب، وصححه الترمذي ، ومنها حديث: أَمَرَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتسمية المولود يوم سابعه، ووَضْعِ الأذى عنه، والْعُقِّ. رواه الترمذي أيضًا.
ومعنى: مرتهن بعقيقته أنه لا ينمو نمو مثله، ولا يُستبعد أن تكون سببًا في حسن نَبَاتِ المولود وحفظه من الشيطان فهي تخليص له من حبسه ومنعه عن السعي في مصالح آخرته. وقيل: أن المعنى إذا لم يَعُقّْ عنه والده لا يَشفع لهن كما قاله الإمام أحمد، لكن التفسير الأول أحسن.
(جـ) وقيل: إنها واجبة، وبه قال الليث والحسن وأهل الظاهر.
والسُّنَّةُ أن يعق عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، وذلك لحديث عائشة الذي رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
قال العلماء: إن البنت كانت على النصف من الولد تشبيهًا للعقيقة بالدِّيَّةِ. وقالوا: إن أصل العقيقة يتأدى عن الغلام بشاة، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَقَّ عن الحسن، الذي وُلِدَ عام أُحد، وعن الحسين الذي ولد بعده بعام ، كبشًا كَبْشًا. والأكمل شاتان للولد، ففي موطأ الإمام مالك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "مَنْ أَحَبَّ منكم أن يُنْسَكَ عن ولده فَلْيفعل، عن الغلام شاتانِ، وعن الجارية شاةً".
والحكمة في مشروعيتها أنها قُرْبة إلى الله، يُرجى بها نفع المولود بدعاء الفقراء له عندما يَطعمون منها، وهي أيضًا شُكْرٌ لله على نعمة الولد، فالذُّرِّيَّة محبوبة طبعًا ومطلوبة شرعًا، بَشَّرَ الله بها إبراهيم وزكريا عليهما السلام، وفيها أيضًا: إشْهار للمولود لِيُعرف نَسَبُهُ وتُحفظ حقوقه، وهي كَفِدية عنه، تَشَبُّهًا بفداء إسماعيل الذبيح بالكبش.
هذا، ويشبه العقيقة بالأضحية، وفداء إسماعيل نُقِلَ عن الحنابلة : أنه لو اجْتَمَعَ يومُ النَّحْرِ مع يومِ القعيقة يمكن الاستغناء بذبيحة واحدة عنهما إذا اجتمع يوم عيد مع يوم جمعة فإنه يكفي غُسْلٌ واحد لهما.
ـــــــــــــــــــ
العقيقة ... العنوان
هل تجوز العقيقة بعجل عمره ستة أشهر مهجّن عن أربعة أطفال، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي نمر بها في فلسطين؟ ... السؤال
أ .د مصطفى ديب البُغآ ... المفتي
... ... الحل ...
...
... العقيقة سُنّة فإذا لم يعق الوالد عن أولاده فلا حرج عليه. الذي ورد في الشرع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يعق عن الأولاد بالشياه من الغنم أو المعز، وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما، هذا هو الأصل فأنت إذا لم تتهيأ لك الشياه ولم تتمكن من بيع هذا العجل وشراء شياه بدله فلا حرج أن تذبحه وتوزع لحمه على الفقراء كما يفعل بالعقيقة. والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجرك ويحفظ أولادك بفضله وكرمه.
ـــــــــــــــــــ(21/204)
التأخر في العقيقة ... العنوان
الشيخ الجليل، لقد تزوجت بفضل الله منذ أربع سنوات، ورزقني الله ولداً بعد الزواج بعام، وهو الآن في الثالثة، ثم رزقت بعده بولد آخر بعد عامين وعمره يقارب السنة، وعند ولادة الأول كانت ظروفي المالية لا تسمح بعمل عقيقة له، وأما الآخر فكانت ظروفي متيسرة، ولكن رغم ذلك لم أعمل عقيقة له.
وأنا أسأل الآن: هل يجوز أن أعمل لهذين الولدين عقيقة لكل واحد منهما؟ وما مقدارها؟
هناك من يشير علي بإخراج ثمن العقيقة للمجاهدين في فلسطين أو الأفغان؛ فهل ذلك يجزئ عن العقيقة؟
وهل إخراج العقيقة في هذا الوقت المتأخر -الذي أسال الله (عز وجل) أن يغفر لي تأخيري- مقبول؟ وجزاكم الله خيراً.
... السؤال
الشيخ عبد الرزاق بن علي القطان ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
العقيقة سنة مؤكدة لقوله (صلى الله عليه وسلم): "كل مولود مرتهن بعقيقته"، وتأخير فعلها لعذر جائز، ولا شيء في أن تعق الآن عن ولديك لكل واحد شاتان، فإن لم تجد أجزأت الشاتان عن الاثنين -إن شاء الله تعالى.
ولكون العقيقة في تعريف العلماء إهراق دم عن المولود قربة إلي الله فإن إخراج قيمتها يبعدها عن معناها، والأصلح أن يتصدق المرء بحاجات المسلمين الأخرى بصدقة غير العقيقة. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ(21/205)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام اللعان
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(22/1)
الخلاصة في أحكام اللعان
وفي الموسوعة الفقهية :
لِعان
التّعريف
1 - اللّعان مصدر لاعن , وفعله الثلاثي لعن مأخوذ من اللّعن , وهو الطّرد والإبعاد من الخير , وقيل : الطّرد والإبعاد من اللّه , ومن الخلق السّب .
والملاعنة بين الزّوجين : إذا قذف الرّجل امرأته أو رماها برجل أنّه زنى بها .
وعرّفه الحنفيّة والحنابلة بأنّه : شهادات تجري بين الزّوجين مؤكّدة بالأيمان مقرونة باللّعن من جانب الزّوج وبالغضب من جانب الزّوجة .
وعرّفه المالكيّة بأنّه : حلف زوجٍ مسلمٍ مكلّفٍ على زنا زوجته أو على نفي حملها منه , وحلفها على تكذيبه أربعاً من كلٍّ منهما بصيغة أشهد اللّه بحكم حاكمٍ .
وعرّفه الشّافعيّة بأنّه : كلمات معلومة جعلت حجّةً للمضطرّ إلى قذف من لطّخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولدٍ .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - السّب»
2 - السّب لغةً واصطلاحاً هو الشّتم : وهو كل كلامٍ قبيحٍ والسّب قد يوجب اللّعان أو لا يوجبه بحسب ما إذا كان فيه رمي للزّوجة بزناً أو لا .
«ب - القذف»
3 - القذف في اللغة : الرّمي مطلقاً .
واصطلاحاً عند جمهور الفقهاء هو : الرّمي بالزّنا .
وعرّفه الشّافعيّة بأنّه : الرّمي بالزّنا في معرض التّعيير .
والصّلة أنّ قذف الزّوج زوجته سبب من أسباب اللّعان .
«الحكم التّكليفي»
4 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ قذف الزّوج زوجته يوجب اللّعان لقول اللّه تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ » أي فليشهد أحدهم أربع شهاداتٍ باللّه .
جعل اللّه سبحانه وتعالى موجب قذف الزّوجات اللّعان .
وعند المالكيّة قال عليش : اللّعان يجب بثلاثة أوجهٍ : وجهان مجمع عليهما : وذلك أن يدّعي أنّه رآها تزني كالمرود في المكحلة ثمّ لم يطأ بعد ذلك , أو ينفي حملاً يدّعي استبراءً قبله , والوجه الثّالث : أن يقذفها بالزّنا ولا يدّعي رؤيةً ولا نفي حملٍ , وأكثر الرواة قالوا : يحد ولا يلاعن .
واللّعان عند الشّافعيّة حجّة ضروريّة لدفع حدّ قذف الزّوج زوجته أو نفي ولده منها , وله اللّعان , ولا يجب عليه إلا لنفي نسب ولدٍ أو حملٍ علم أنّه ليس منه , لأنّه لو سكت لكان بسكوته مستلحقاً لمن ليس منه وهو ممتنع .
وقال الحنابلة : إذا قذف الرّجل امرأته بالزّنا فله إسقاط الحدّ باللّعان , وحد القذف حق للزّوجة فإن لم تطلبه أو أبرأته من قذفها أو أسقطته أو أقام الزّوج البيّنة بزناها ثمّ أراد الزّوج لعانها فإن لم يكن هناك نسب يريد نفيه لم يكن له أن يلاعن , وإن(22/2)
كان هناك ولد يريد نفيه فقال القاضي : له أن يلاعن لنفيه , وقال بعضهم : يحتمل أن لا يشرع اللّعان في هذه الحالة كما لو قذفها فصدّقته .
«ركن اللّعان»
5 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن اللّعان هو الشّهادات الّتي تجري بين الزّوجين على الوجه المتقدّم في تعريفهم , فتكون ركناً له , لأنّ تحقق اللّعان يتوقّف على تحققها وهي داخلة في تكوينه .
ونصّ ابن جزيٍّ من المالكيّة على أنّ أركان اللّعان أربعة هي : الملاعن , والملاعنة , والسّبب , واللّفظ .
«شروط اللّعان عند الحنفيّة»
6 - عند الحنفيّة يشترط في اللّعان شروط مختلفة , بعضها يرجع إلى الرّجل , وبعضها يرجع إلى المرأة , وبعضها يرجع إلى الرّجل والمرأة معاً , وبعضها يرجع إلى المقذوف به, وتفصيل ذلك فيما يلي :
«أ - ما يرجع من الشروط إلى الزّوج»
7 - يشترط في الزّوج لإجراء اللّعان بينه وبين زوجته ألا يقيم البيّنة على صحّة قذفه , وذلك لأنّ اللّه تعالى شرط في اللّعان عدم إقامة البيّنة من الزّوج القاذف لزوجته في قوله جلّ شأنه : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ » , وعلى هذا لو اتّهم رجل زوجته بالزّنا , وأتى بأربعة رجالٍ عدولٍ وشهدوا بزنا الزّوجة لا يثبت اللّعان , ويقام على المرأة حد الزّنا , لأنّ زنا الزّوجة قد ظهر بشهادة الشهود فلا يحتاج إلى اللّعان .
«ب - ما يرجع من الشروط إلى الزّوجة»
8 - يشترط في الزّوجة لإجراء اللّعان شرطان :
الأوّل : إنكار الزّوجة وجود الزّنا منها حتّى لو أقرّت بذلك لا يجب اللّعان , ويلزمها حد الزّنا لظهور زناها بإقرارها .
الثّاني : عفّة الزّوجة من الزّنا فإن لم تكن عفيفةً لا يجب اللّعان بقذفها , لأنّه إذا لم تكن عفيفةً فقد صدّقته بفعلها , فصار كما لو صدّقته بقولها .
ومن الشروط الّتي ترجع إلى المرأة أيضاً : أن تطلب من القاضي إجراء اللّعان إذا قذفها زوجها بالزّنا أو نفى نسب الولد منه ، وإن لم تطلب من القاضي إجراء اللّعان بينها وبين زوجها لا يقام اللّعان بينهما , وذلك لأنّ اللّعان شرع لدفع العار عن الزّوجة فكان حقاً لها فلا يقام إلا بطلب منها كسائر حقوقها .
«ج - ما يرجع من الشروط إلى الرّجل والمرأة»
9 - يشترط في الرّجل والمرأة معاً لإجراء اللّعان بينهما قيام الزّوجيّة بين الرّجل والمرأة وقت القذف فإذا كان الزّواج قائماً بين الرّجل والمرأة وقت القذف وكان الزّواج صحيحاً - دخل الزّوج بالمرأة أو لم يدخل - أقيم اللّعان بينهما لقول اللّه تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ » فإنّه سبحانه خصّ اللّعان بالأزواج , فيدل ذلك على أنّ قيام الزّواج شرط لإجراء اللّعان بين الرّجل والمرأة .(22/3)
وإن كان الزّواج فاسداً وقذف الرّجل المرأة بالزّنا أو نفى نسب ولدها منه لا يثبت اللّعان بهذا القذف , لأنّ اللّه تعالى خصّ اللّعان بالأزواج , ولا يتحقّق ذلك إلا إذا كان الزّواج صحيحاً وإذا انتفى اللّعان ترتّب على القذف موجبه وهو الحد .
ويشترط كذلك في الرّجل والمرأة أن يكونا من أهل الشّهادة على المسلم , وذلك بأن يكون كل من الزّوجين مسلماً بالغاً عاقلاً حراً قادراً على النطق غير محدودٍ في قذفٍ ، وعلى هذا لو كان الزّوج مسلماً والزّوجة كتابيّةً لا يقام اللّعان بينهما , أو كان أحدهما أخرس لا يقام اللّعان بينهما , وإن كانت له إشارة مفهومة .
قال المرغينانيّ : إذا كان الزّوج عبداً أو كافراً أو محدوداً في قذفٍ فقذف امرأته فعليه الحد لأنّه تعذّر اللّعان لمعنىً من جهته فيصار إلى الموجب الأصليّ وهو الثّابت بقوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ » , واللّعان خلف عنه .
وإن كان الزّوج من أهل الشّهادة وهي أمة أو كافرة أو محدودة في قذفٍ , أو كانت ممّن لا يحد قاذفها بأن كانت صبيّةً أو مجنونةً أو زانيةً فلا حدّ عليه ولا لعان , لانعدام أهليّة الشّهادة وعدم الإحصان في جانبها وامتناع اللّعان لمعنىً من جهتها , فيسقط الحد كما إذا صدّقته .
ويشترط كذلك لفظ الشّهادة وحضرة الحاكم .
«د - ما يرجع من الشروط إلى المقذوف به»
10 - يشترط في المقذوف به لوجوب اللّعان أو جوازه عند الحنفيّة أن يكون قذفاً بالزّنا أو نفي النّسب .
«شروط اللّعان عند غير الحنفيّة»
11 - قال المالكيّة : يشترط لإجراء اللّعان ما يلي :
أوّلاً : قيام الزّوجيّة وأن يكون الزّوجان عاقلين بالغين , سواء كانا حرّين أو مملوكين , عدلين أو فاسقين , ويشترط الإسلام في الزّوج .
ثانياً : القذف برؤية الزّنا أو بنفي الحمل .
ثالثاً : تعجيل اللّعان بعد العلم لنفي الحمل أو الولد .
رابعاً : عدم الوطء بعد القذف .
خامساً : لفظ : أشهد في الأربع , واللّعن من الزّوج في الخامسة , والغضب من الزّوجة في الخامسة .
سادساً : بدء الزّوج بالحلف , فإن بدأت الزّوجة أعادت بعده .
سابعاً : حضور جماعةٍ للّعان أقلها أربعة من العدول .
وقال الشّافعيّة : يشترط لصحّة اللّعان :
أوّلاً : أن يكون الملاعن زوجاً يصح طلاقه وأهليّته لليمين , لأنّ اللّعان يمين مؤكّدة بلفظ الشّهادة , وذلك بأن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً , ويكفي أن يكون زوجاً باعتبار ما كان أو في الصورة , وينطبق ذلك على الحرّ والعبد والمسلم والذّمّيّ والرّشيد والسّفيه والسّكران والمحدود والمطلّق رجعياً وغيرهم .
ثانياً : أن يسبق اللّعان قذف للزّوجة .
ثالثاً : أن يأمر القاضي أو نائبه باللّعان .
رابعاً : أن يلقّن القاضي أو نائبه كلمات اللّعان للمتلاعنين .(22/4)
خامساً : أن يكون اللّعان بألفاظ الشّهادات الّتي جاء بها الشّرع .
سادساً : أن يتمّ المتلاعنان شهادات اللّعان .
سابعاً : الموالاة بين كلمات اللّعان .
ثامناً : أن يتأخّر لعان الزّوجة عن لعان الزّوج .
وقال الحنابلة : يشترط للّعان ثلاثة شروطٍ :
أحدها : كون اللّعان بين زوجين عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو ذمّيّين حرّين أو رقيقين عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذفٍ أو كان أحدهما كذلك .
الثّاني : أن يقذفها بالزّنا في القبل أو الدبر سواء في ذلك الأعمى والبصير .
الثّالث : أن تكذّبه الزّوجة في قذفه إيّاها ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللّعان .
«ما يثبت به اللّعان عند القاضي»
12 - يثبت اللّعان عند القاضي بواحد من أمرين :
الأمر الأوّل : الإقرار بالقذف من الزّوج أمام القاضي , فإذا قذف الرّجل زوجته بالزّنا فرفعت الزّوجة الأمر إلى القاضي , وطالبت باللّعان بينها وبين زوجها , وأقرّ الزّوج أنّه رماها بالزّنا حكم القاضي بإجراء اللّعان بينهما , متى توافرت شرائط وجوبه .
الأمر الثّاني : البيّنة , وذلك إذا ادّعت المرأة أنّ زوجها اتّهمها بالزّنا , وأنكر الزّوج ذلك فأقامت الزّوجة البيّنة على ما ادّعته , ففي هذه الحالة يحكم القاضي بإجراء اللّعان بينها وبين زوجها بناءً على ما شهدت به البيّنة .
والبيّنة الّتي يتثبّت القذف بها شهادة رجلين , ولا يقبل في إثبات القذف شهادة النّساء , لأنّ اللّعان قائم مقام حدّ القذف في حقّ الرّجل , وقائم مقام حدّ الزّنا في حقّ المرأة , وأسباب الحدود لا تثبت بشهادة النّساء , وذلك لوجود الشبهة في شهادتهنّ , والحدود تدرأ بالشبهات .
وعلى هذا فلو ادّعت المرأة أنّ زوجها رماها بالزّنا وأنكر الزّوج ما ادّعته زوجته , ولم تستطع الزّوجة إثبات ما ادّعته بالبيّنة فلا توجّه اليمين إلى الزّوج , ولا يجب الحد بامتناعه عن الحلف , وذلك لأنّ فائدة توجيه اليمين هي القضاء على من يوجّه إليه إذا نكل عن الحلف , والنكول ليس إقراراً صريحاً , وإنّما هو إقرار في المعنى , والإقرار في المعنى تكون فيه شبهة , والشبهة يندرئ الحد بها .
«كيفيّة اللّعان»
13 - يرى الحنفيّة في ظاهر الرّواية أنّه إذا كان المقذوف به في اللّعان هو الزّنا فينبغي للقاضي أن يقيم المتلاعنين بين يديه متماثلين , فيأمر الزّوج أوّلاً أن يقول أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه أنّي لمن الصّادقين فيما رميتها به من الزّنا , ويقول في الخامسة : لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا , ثمّ يأمر المرأة أن تقول أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه بأنّه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزّنا , وتقول في الخامسة : غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين فيما رماني به من الزّنا .
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يحتاج إلى لفظ المواجهة , فيقول الزّوج : فيما رميتك به من الزّنا , وتقول المرأة : فيما رميتني به من الزّنا , وهو قول زفر .(22/5)
وإن كان المقذوف به نفي نسب الولد فقد ذكر الكرخي أنّ الزّوج يقول في كلّ مرّةٍ : فيما رميتك به من نفي ولدك , وتقول المرأة : فيما رميتني به من نفي ولدي .
وذكر الطّحاويّ أنّ الزّوج يقول في كلّ مرّةٍ : فيما رميتها به من الزّنا في نفي ولدها , وتقول المرأة : فيما رماني به من الزّنا في نفي ولده .
14 - وقال المالكيّة : إن كان المقذوف به هو الزّنا يقول الزّوج أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه لرأيتها تزني إذا كان بصيراً , فإن كان أعمى يقول : لعلمتها تزني أو لتيقّنتها تزني , ثمّ يقول في الخامسة : لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين عليها , وتقول الزّوجة أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه ما زنيت أو ما رآني أزني , وتخمّس : غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين فيما رماني به .
وإن كان المقذوف به هو نفي الحمل فيقول الزّوج أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه ما هذا الحمل منّي , ويقول في الخامسة : لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين , وتقول المرأة أربع مرّاتٍ : ما زنيت , وتقول في الخامسة : غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين .
15 - وقال الشّافعيّة : اللّعان إمّا أن يكون لدرء حدّ قذف الزّوج زوجته فقط , أو يكون مع ذلك لنفي الولد , أو يكون لنفي الولد فقط .
فإن كان اللّعان لدرء حدّ القذف فقط فإنّ صفته من الرّجل أن يقول أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه - إن حضرت - أو زوجتي فلانةً بنت فلانٍ - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر وصفها بما يميّزها إن غابت - من الزّنا , ويقول في الخامسة : وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا .
وإن كان اللّعان لدرء الحدّ ونفي الولد فإنّه يشهد أربع شهاداتٍ باللّه يقول في كلٍّ منها : أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه إن حضرت - أو زوجتي فلانةً - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر وصفها بما يميّزها إن غابت - من الزّنا , وأنّ الولد الّذي ولدته - إن غاب - أو هذا الولد - إن حضر - من زناً وليس منّي , ويقول في الخامسة : وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا ومن نفي الولد .
وإن كان اللّعان لنفي ولدٍ وليس لدرء حدٍّ فيقول أربع مرّاتٍ : أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به زوجتي هذه - إن حضرت - أو زوجتي فلانةً بنت فلانٍ - ويسمّيها ويرفع نسبها أو يذكر صفتها بما يميّزها إن غابت - من إصابة غيري لها على فراشي وأنّ الولد منه لا منّي , ويقول في الخامسة : وعليّ لعنة اللّه إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي من نفي الولد , أمّا المرأة فإنّها لا تلاعن في الحالة الثّالثة , إذ لا حدّ عليها بلعان الرّجل .
أمّا في الحالتين الأوليين فصيغة لعان المرأة أن تقول - أربع مرّاتٍ - بعد لعانه أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماني به - وتشير إليه إن حضر وإلا ميّزته كما مرّ في لعان الرّجل- من الزّنا , ولا تحتاج إلى ذكر الولد لأنّه لا يتعلّق به في لعانها حكم , وتقول في الشّهادة الخامسة : وعليّ غضب اللّه إن كان من الصّادقين فيما رماني به من الزّنا .(22/6)
وقالوا : خصّ الغضب بها لأنّ جريمة زناها الّتي لاعنت لإسقاط حدّه أقبح من جريمة قذفه , والغضب وهو الانتقام بالعذاب أغلظ من اللّعن الّذي هو البعد عن الرّحمة .
ولا يثبت شيء من أحكام اللّعان إلا إذا تمّت الكلمات الخمس , ولو حكم حاكم بالفرقة بأكثر كلمات اللّعان لم ينفذ حكمه , لأنّ حكمه غير جائزٍ بالإجماع , فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة .
ولو قال بدل كلمة الشّهادة : أحلف باللّه , أو أقسم , أو أولي باللّه إنّي لمن الصّادقين , أو قال : باللّه إنّي لمن الصّادقين من غير زيادةٍ , أو أبدل لفظ اللّعن بالإبعاد , أو لفظ الغضب بالسّخط , أو الغضب باللّعن أو عكسه , لم يصحّ على الأصحّ في جميع ذلك , وقيل : لا يصح قطعاً في إبدال الغضب باللّعن , ولا في الاقتصار على : باللّه إنّي لمن الصّادقين , ويشترط تأخير لفظتي اللّعن والغضب عن الكلمات الأربع على الأصحّ , ويشترط الموالاة بين الكلمات الخمس على الأصحّ , فيؤثّر الفصل الطّويل .
ويشترط في لعان الرّجل والمرأة أن يأمر الحاكم به , فيقول للملاعن : قل : أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين . . إلى آخرها .
ويشترط كون لعانها بعد لعان الرّجل .
وإن لم يكن للأخرس إشارة مفهومة , ولا كتابة , لم يصحّ قذفه ولا لعانه , ولا سائر تصرفاته , وإن كان له إشارة مفهومة , أو كتابة , صحّ قذفه ولعانه , كالبيع والنّكاح والطّلاق وغيرها , وذكر المتولّي : أنّه إذا لاعن بالإشارة , أشار بكلمة الشّهادة أربع مرّاتٍ , ثمّ بكلمة اللّعن , وإن لاعن بالكتابة كتب كلمة الشّهادة وكلمة اللّعن , ويشير إلى كلمة الشّهادة أربع مرّاتٍ , ولا يكلّف أن يكتب أربع مرّاتٍ , ولو لاعن الأخرس بالإشارة , ثمّ عاد نطقه وقال : لم أرد اللّعان بإشارتي , قبل قوله فيما عليه , فيلحقه النّسب والحد , ولا يقبل فيما له , فلا ترتفع الفرقة والتّحريم المؤبّد , وله أن يلاعن في الحال لإسقاط الحدّ , وله اللّعان لنفي الولد إن لم يفت زمن النّفي , ولو قال : لم أرد القذف أصلاً , لم يقبل قوله .
ولو قذف ناطق , ثمّ عجز عن الكلام لمرض أو غيره , فإن لم يرج زوال ما به , فهو كالأخرس , وإن رجي , فثلاثة أوجهٍ :
أحدها : لا ينظر , بل يلاعن بالإشارة لحصول العجز , وربّما مات فلحقه نسب باطل . والثّاني : ينتظر وإن طالت مدّته .
وأصحها : ينتظر ثلاثة أيّامٍ فقط , ونقل الإمام أنّ الأئمّة صحّحوه . وعلى هذا , فالوجه أن يقال : إن كان يرجى زواله إلى ثلاثة أيّامٍ ينتظر , وإلا فلا ينتظر أصلاً .
ومن لا يحسن العربيّة , يلاعن بلسانه , ويراعى ترجمة الشّهادة واللّعن والغضب , فإن أحسن العربيّة , فهل يتعيّن اللّعان بها , أم له أن يلاعن بأيّ لسانٍ شاء ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثّاني .
وإذا لاعن بغير العربيّة , فإن كان القاضي يحسن تلك اللغة , فلا حاجة إلى مترجمٍ , ويستحب أن يحضره أربعة ممّن يحسنها , وإن لم يحسنها , فلا بدّ من مترجمين ,(22/7)
ويكفيان في جانب المرأة , فإنّها تلاعن لنفي الزّنا لا لإثباته , وفي جانب الرّجل طريقان :
أصحهما : القطع بالاكتفاء باثنين , وبه قال أبو إسحاق وابن سلمة .
والثّاني : على قولين : بناءً على الإقرار بالزّنا يثبت بشاهدين , أم يشترط أربعة ؟ والأظهر ثبوته بشاهدين .
16 - وصفة اللّعان عند الحنابلة أن يقول الزّوج بحضرة حاكمٍ أو نائبه , وكذا لو حكّم رجلاً أهلاً للحكم : أشهد باللّه إنّي لمن الصّادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزّنا مشيراً إليها إن كانت حاضرةً , وما دامت حاضرةً فلا يحتاج إلى تسميتها وبيان نسبها , وإن لم تكن حاضرةً بالمجلس سمّاها ونسبها بما تتميّز به حتّى تنتفي المشاركة بينها وبين غيرها , ويعيد قوله : أشهد باللّه . . . إلخ مرّةً بعد أخرى حتّى يكمل ذلك أربع مرّاتٍ , ولا يشترط حضورهما - المتلاعنين - معاً , بل لو كان أحدهما غائباً عن صاحبه جاز لعموم الأدلّة , ثمّ يقول في المرّة الخامسة : وإنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزّنا .
ثمّ تقول هي بعد ذلك : أشهد باللّه إنّ زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزّنا وتشير إليه إن كان حاضراً بالمجلس , وإن كان غائباً عن المجلس سمّته ونسبته , وتكرّر ذلك , فإذا كمّلت أربع مرّاتٍ تقول في الخامسة : وأنّ غضب اللّه عليها إن كان من الصّادقين , وتزيد استحباباً فيما رماني به من الزّنا خروجاً من خلاف من أوجبه , فإن نقص أحد المتلاعنين من الجمل الخمسة شيئاً لم يعتدّ به لأنّ اللّه تعالى علّق الحكم عليها , كما لا يعتد به إذا بدأت المرأة باللّعان قبله , أو تلاعنا بغير حضرة حاكمٍ , أو أبدل أحدهما لفظة : أشهد بأقسم أو أحلف أو أولي لم يعتدّ به , أو أبدل لفظة اللّعنة بالإبعاد أو بالغضب , أو أبدلت المرأة لفظة الغضب بالسّخط أو باللّعنة لم يعتدّ به , أو قدّم الرّجل اللّعنة قبل الخامسة لم يعتدّ به .
ولو علّق أحدهما اللّعان بشرط , أو لم يوال أحدهما بين الكلمات عرفاً , أو أتى باللّعان بغير العربيّة من يحسنها لم يعتدّ به .
وإن أتى الزّوج باللّعان قبل مطالبتها له بالحدّ مع عدم ولدٍ يريد نفيه لم يعتدّ به .
وإذا فهمت إشارة الأخرس منهما أو كتابته صحّ لعانه بها وإلا فلا .
17 - وقال الشّافعيّة والحنابلة والمالكيّة في القول الصّحيح : لو بدأ القاضي بلعان المرأة لا يعتد به , وعليه أن يعيد لعانها بعد لعان الرّجل , لأنّه أتى باللّعان على غير ما ورد به القرآن والسنّة فلا يكون صحيحاً , كما لو اقتصر على لفظةٍ واحدةٍ , ولأنّ لعان الرّجل لإثبات زنا المرأة ونفي ولدها , ولعان المرأة للإنكار , فقدّمت بيّنة الإثبات كتقديم الشهود على الأيمان , ولأنّ لعان المرأة لدرء العذاب عنها , ولا يتوجّه عليها العذاب إلا بلعان الرّجل , فإذا قدّم لعانها على لعانه كان تقديماً له على وقته فلا يكون صحيحاً كما لو قدّم على القذف .
18 - وعند الحنفيّة , والمالكيّة في أحد القولين أنّ وجوب البداءة بشهادة الرّجل في اللّعان لأنّه المدّعي , وفي الدّعاوى يبدأ بشهادة المدّعي , فلو حصل العكس وقدّم القاضي المرأة في اللّعان على الرّجل فقد أخطأ , وينبغي له أن يعيد لعان المرأة بعد الرّجل حتّى يقع اللّعان على التّرتيب الوارد في القرآن والسنّة .(22/8)
فإن لم يعد القاضي لعان المرأة وفرّق بين الزّوجين نفذ قضاؤُه بالفرقة لأنّه قضاء في محلٍّ مجتهدٍ فيه , والقضاء إذا صدر في محلٍّ مجتهدٍ فيه يكون نافذاً .
«ما يجب عند امتناع الزّوج عن اللّعان»
19 - قال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : إذا امتنع الزّوج عن اللّعان لا يحبس ولكن يحد حدّ القذف هذا في الجملة .
وقال المالكيّة : إن امتنع الزّوج عن اللّعان فعليه الحد إن كانت الزّوجة حرّةً مسلمةً , فإن كانت الزّوجة أمةً أو ذمّيّةً فعليه الأدب .
وقال الحنفيّة : إذا طلب القاضي من الزّوج الملاعنة فامتنع حبسه حتّى يلاعن أو تصدّقه المرأة فيما ادّعاه , أو يكذّب نفسه فيحد حدّ القذف .
وهذا الخلاف مبني على اختلافهم في الموجب الأصليّ لقذف الزّوج امرأته أهو اللّعان أو الحد واللّعان مسقط له ؟
فعند الجمهور الموجب الأصلي للقذف هو الحد , واللّعان مسقط له لقول اللّه تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً » فإنّه أوجب الحدّ على كلّ قاذفٍ سواء أكان زوجاً أم غيره , ثمّ جاء قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ » الآيات مبيّناً أنّ القاذف إن كان زوجاً فله أن يدفع الحدّ عنه باللّعان , فإذا امتنع عنه ثبت الموجب الأصلي وهو الحد .
وعند الحنفيّة الموجب الأصلي للقذف هو اللّعان , فإذا امتنع الزّوج عنه حبس حتّى يلاعن أو يكذّب نفسه فيحد حدّ القذف , وذلك لقول اللّه تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إََِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ » إلى قوله : « إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ » فإنّه تعالى جعل موجب قذف الزّوج لزوجته إذا لم يأت بأربعة يشهدون على صحّة قذفه اللّعان فقط , بعد أن كان موجبه الحدّ بمقتضى عموم الآية الّتي قبل هذه الآيات , وهي قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً » , وبذلك صارت آية القذف منسوخةً في حقّ الأزواج , بناءً على أنّ الأصل المقرّر عند الحنفيّة : أنّ الخاصّ إذا تأخّر وروده عن العامّ كان ناسخاً للعامّ فيما تعارضا فيه , وهو هنا الأزواج , فإنّ آية اللّعان , تأخّر نزولها عن آية القذف وإن كانت مذكورةً عقبها في المصحف , والدّليل على ذلك ما روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال : « إنّا ليلة الجمعة في المسجد , إذ جاء رجل من الأنصار فقال : لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً وتكلّم جلدتموه , أو قتل قتلتموه , وإن سكت سكت على غيظٍ , واللّه لأسألنّ عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فلمّا كان في الغد أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسأله , فقال : لو أنّ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلّم جلدتموه , أو قتل قتلتموه , أو سكت سكت على غيظٍ , فقال : اللّهمّ افتح ، وجعل يدعو فنزلت آية اللّعان » .
فإنّ قوله : « وإن تكلّم جلدتموه » يدل على أنّ موجب قذف الزّوجة كان الجلد قبل نزول آية اللّعان ثمّ صار بعد نزول الآية الخاصّة بالأزواج اللّعان , وبهذا كان الواجب بقذف الزّوج الزّوجة هو اللّعان , فإذا امتنع الزّوج عنه حبس حتّى يلاعن ,(22/9)
لامتناعه عن الواجب عليه , كما يحبس المدين إذا امتنع عن إيفاء ما عليه من الدّين .
«ما يجب إذا امتنعت المرأة عن اللّعان»
20 - إذا لاعن الزّوج وامتنعت المرأة عن اللّعان لا تحد حدّ الزّنا , ولكن تحبس حتّى تلاعن , أو تصدّق الزّوج فيما ادّعاه , فإن صدّقته خلّي سبيلها من غير حدٍّ , وهذا مذهب الحنفيّة , ووجهتهم في الحبس : أنّ اللّعان هو الموجب الأصلي للقذف في حقّ الزّوجين - كما تقدّم - فيكون واجباً على المرأة بعد لعان زوجها , فإذا امتنعت عنه أجبرت عليه بالحبس , كالمدين إذا امتنع عن إيفاء ما عليه من الدّين , فإنّه يحبس حتّى يوفّي ما عليه . ووجهتهم في إخلاء سبيلها بدون حدٍّ إذا صدّقت الزّوج : أنّ تصديقها ليس بإقرار قصداً يثبت به الحد ولو أعادت ذلك أربع مرّاتٍ في مجالس متفرّقةٍ . ولأنّ المرأة لو أقرّت بالزّنا , ثمّ رجعت عن إقرارها لم تحدّ , وامتناعها عن اللّعان أقل دلالةً على الزّنا من الإقرار الّذي رجعت عنه فلا يجب به الحد بالطّريق الأولى .
والحنابلة يوافقون الحنفيّة في أنّ المرأة لا تحد حدّ الزّنا إذا امتنعت عن اللّعان , ويخالفونهم فيما يصنع بها إذا امتنعت , ففي روايةٍ - وهي الأصح كما قال القاضي - تحبس حتّى تلاعن أو تقرّ أربع مرّاتٍ بالزّنا , فإن لاعنت سقط عنها الحد , وإن أقرّت أربع مرّاتٍ حدّت حدّ الزّنا , وفي روايةٍ ثانيةٍ : يخلّى سبيلها لأنّه لم يجب الحد عليها فيجب تخلية سبيلها , كما لو لم تكمل البيّنة .
وقال الحنابلة : إنّه إذا لم يتمّ التعانهما جميعاً فلا تزول الزّوجيّة ولا ينتفي نسب الولد .
وقال المالكيّة والشّافعيّة : إذا امتنعت المرأة عن اللّعان بعد لعان الزّوج حدّت حدّ الزّنا , وذلك لقوله تعالى : « وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ » . وأضاف المالكيّة : أنّ الحدّ عليها إن كانت مسلمةً , وإن كانت ذمّيّةً ففيها الأدب .
«آثار اللّعان»
«أوّلاً : آثار اللّعان في حقّ الزّوجين»
إذا تمّ اللّعان بين الزّوج وامرأته ترتّبت عليه آثار في حقّهما , منها :
21 - الأوّل : انتفاء الحدّ عن الزّوجين , فلا يقام حد القذف على الزّوج , ولا يقام حد الزّنا على المرأة , وذلك لأنّ الشّارع خفّف عن الزّوجين , فشرع لهما اللّعان لإسقاط الحدّ عنهما , فإذا أجري اللّعان بين الزّوجين سقط عن الزّوج حد القذف وسقط عن المرأة حد الزّنا .
22 - الثّاني : ذهب الحنفيّة إلى أنّ حكم اللّعان حرمة الوطء والاستمتاع ولكن لا تقع التّفرقة بنفس اللّعان .
وإن أكذب نفسه ولو دلالةً حدّ للقذف , وله بعد ما كذّب نفسه أن ينكحها : حُدّ أو لا .
وقال أبو يوسف : إذا افترق المتلاعنان فلا يجتمعان أبداً , فيثبت بينهما حرمة مؤبّدة كحرمة الرّضاع .(22/10)
ويرى المالكيّة والحنابلة أنّه بتمام لعان الزّوجين تتأبّد الحرمة بينهما , لقول عمر رضي الله عنه : « المتلاعنان إذا تلاعنا يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبداً » .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا لاعن الزّوج لدرء حدّ قذف الزّوجة بالزّنا عنه ثبتت الحرمة المؤبّدة بينهما بناءً على هذا اللّعان , فإن لاعن لنفي النّسب وحده لم ينقطع به نكاح ولم تسقط به عقوبة بأن كان أبانها أو عفت عن العقوبة أو أقام بيّنةً بزناها .
وقالوا : والحرمة المؤبّدة بينهما بناءً على لعان الزّوج لدرء حدّ قذفه زوجته تقتضي أنّه لا يحل له نكاحها بعد اللّعان , ولا وطؤُها بملك اليمين لو كانت أمةً واشتراها , لما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم فرّق بينهما ثمّ قال : « لا سبيل لك عليها » , ولقوله : « المتلاعنان إذا تفرّقا لا يجتمعان أبداً » .
وإن أكذب الزّوج نفسه فلا يفيده ذلك عود النّكاح ولا رفع تأبيد الحرمة لأنّهما حق له وقد بطلا فلا يتمكّن من عودهما , بخلاف الحدّ ولحوق النّسب فإنّهما يعودان لأنّهما حق عليه , وأمّا حدها ففي كلام الإمام ما يفهم سقوطه بإكذابه نفسه .
23 - الثّالث : حصول الفرقة بين الزّوجين . غير أنّ هذه الفرقة لا تتم إلا بتفريق القاضي عند الحنفيّة وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه فلو تمّ اللّعان بين الزّوجين ولم يحكم القاضي بالتّفريق بينهما فالزّوجيّة تعتبر قائمةً في حقّ بعض الأحكام كالميراث ووقوع الطّلاق , فلو مات أحد الزّوجين بعد اللّعان وقبل الحكم بالتّفريق ورثه الآخر , ولو طلّق الزّوج امرأته بعد اللّعان وقبل التّفريق وقع الطّلاق , ولو أكذب الزّوج نفسه حينئذٍ فإنّها تحل له من غير تجديد عقد الزّواج , وحجّتهم في ذلك , ما ورد في قصّة المتلاعنين من أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرّق بينهما ، فإنّه يدل على أنّ الفرقة لا تقع بلعان الزّوج ولا بلعان الزّوجة , إذ لو وقعت لما حصل التّفريق من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد وقوع الفرقة بينهما بنفس اللّعان , وما روي في حديث عويمرٍ العجلانيّ أنّه قال : « كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها , فطلّقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم » ، فإنّ هذا يقتضي إمكان إمساك المرأة بعد اللّعان وأنّه وقع طلاقه , ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك باللّعان لما وقع طلاقه ولا أمكنه إمساكها , وأيضاً فإنّ سبب هذه الفرقة يتوقّف على الحاكم فالفرقة المتعلّقة به لا تقع إلا بحكمه قياساً على الفرقة بالعنّة ونحوها .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب إلى أنّ الفرقة تقع بين الزّوجين بمجرّد اللّعان من غير توقفٍ على حكم القاضي , وقال الشّافعيّة : إنّ الفرقة متعلّقة بلعان الزّوج وإن لم تلاعن الزّوجة , وذلك لما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال : « المتلاعنان إذا تلاعنا يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبداً » .
ولأنّ اللّعان يقتضي التّحريم المؤبّد فلا يحتاج للتّفريق به إلى حكم الحاكم كالرّضاع , وأيضاً فإنّ الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم لساغ ترك التّفريق بين الزّوجين إذا كرها الفرقة بينهما ولم يرضيا بها , كالتّفريق للعيب والإعسار , وترك التّفريق بينهما لا يجوز رضيا بذلك أو لم يرضيا .
24 - واختلف الفقهاء في نوع الفرقة المترتّبة على اللّعان أهي طلاق أو فسخ ؟ وفي الحرمة المترتّبة على اللّعان أهي حرمة مؤبّدة فلا تحل المرأة للرّجل وإن أكذب نفسه ؟ أو هي حرمة مؤقّتة تنتهي إذا أكذب الرّجل نفسه ؟(22/11)
فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الفرقة باللّعان فسخ , وهي توجب التّحريم المؤبّد كحرمة الرّضاع , فلا يمكن أن يعود المتلاعنان إلى الزّواج بعد اللّعان أبداً ولو أكذب الزّوج نفسه أو خرج عن أهليّة الشّهادة أو صدّقته المرأة في قذفه , وذلك لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين : « لا يجتمعان أبداً » .
ولما روى سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال : « مضت السنّة بعد في المتلاعنين أن يفرّق بينهما ثمّ لا يجتمعان أبداً » .
ولأنّ اللّعان قد وجد , وهو سبب التّفريق , وتكذيب الزّوج نفسه أو خروج أحد الزّوجين عن أهليّة الشّهادة لا ينفي وجود السّبب , بل هو باقٍ فيبقى حكمه , وأيضاً فإنّ الرّجل إن كان صادقاً في قذف امرأته فلا ينبغي أن يعود إلى معاشرتها مع علمه بحالها حتّى لا يكون زوج بغيٍّ , وإن كان كاذباً في قذفها فلا ينبغي أن يمكّن من معاشرتها لإساءته إليها واتّهامها بهذه الفرية العظيمة وإحراق قلبها , ولا يمكن اعتبار الفرقة باللّعان طلاقاً لأنّه ليس بصريح في الطّلاق ولا نوى به الطّلاق , ولأنّه لو كان طلاقاً لوقع بلعان الزّوج دون لعان المرأة , والفرقة بين الزّوجين - عند غير الشّافعيّة - لا تقع إلا بلعانهما .
وقال أبو حنيفة ومحمّد بن الحسن : الفرقة بسبب اللّعان تكون طلاقاً بائناً لا فسخاً , لأنّها فرقة من جانب الزّوج , والقاضي قام بالتّفريق , نيابةً عنه , فيكون فعله منسوباً إليه , والفرقة متى كانت من جانب الزّوج وأمكن جعلها طلاقاً كانت طلاقاً لا فسخاً , وإنّما كانت طلاقاً بائناً , لتوقفها على القضاء , وكل فرقةٍ تتوقّف على القضاء تعتبر طلاقاً بائناً , وقالا: إنّ الحرمة المترتّبة على اللّعان تزول إذا أكذب الزّوج نفسه أو خرج عن أهليّة الشّهادة , أو خرجت هي عن أهليّتها للشّهادة , لأنّ الزّوج إذا أكذب نفسه أعتبر تكذيبه رجوعاً عن اللّعان , واللّعان شهادة في رأيهما , والشّهادة لا حكم لها بعد الرجوع عنها , وفي هذه الحالة يحد الرّجل حدّ القذف , ويثبت نسب الولد منه إن كان القذف نفي الولد .
وإذا خرج أحد الزّوجين عن أهليّته للشّهادة انتفى السّبب الّذي من أجله كان التّفريق وهو اللّعان , فيزول حكمه وهو التّحريم .
«ثانياً : آثار اللّعان في حقّ نسب الولد»
25 - إذا تمّ اللّعان بين الزّوجين وكان موضوعه نفي نسب الولد ترتّب عليه انتفاء نسب الولد عن الزّوج وألحق بأمّه , وذلك إذا توافرت الشروط الآتية :
«الشّرط الأوّل : الفوريّة»
26 - أن ينفي الزّوج الولد عند الولادة أو في مدّة التّهنئة بالمولود , وهذا عند أبي حنيفة, ولم يرو عنه في ظاهر الرّواية تقدير هذه المدّة بزمن معيّنٍ , بل جعل تقديرها مفوّضاً إلى رأي القاضي لأنّ نفي الولد أو عدم نفيه يحتاج إلى التّفكير والتّروّي قبل الإقدام عليه , إذ ربّما ينفي نسبه وهو منه , أو يعترف به وهو ليس منه , وكلاهما لا يحل شرعاً , وعلى هذا لا بدّ من إعطاء الزّوح مدّةً يفكّر فيها ويتروّى , وهذه المدّة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال , فلا يمكن تحديد زمنٍ يطبّق بالنّسبة لجميع الأفراد والحالات , فيجب تفويض ذلك إلى القاضي .(22/12)
وقال أبو يوسف ومحمّد بن الحسن : نفي الولد يتقدّر بأكثر مدّة النّفاس وهي أربعون يوماً , لأنّ النّفاس أثر الولادة , فيأخذ حكمها , فكما يكون للزّوج أن ينفي الولد عند الولادة يكون له أيضاً أن ينفيه ما دام أثرها باقياً .
وذهب المالكيّة والشّافعيّة في الجديد والحنابلة إلى أنّ التّعجيل شرط لنفي الحمل أو الولد عن الزّوج , فلو علم الزّوج بالحمل أو الولادة فسكت عن نفيه بعد علمه , ثمّ أراد أن ينفيه باللّعان , فإنّه لا يمكّن منه ويحد حدّ القذف , سواء طال زمن سكوته كالشّهر أو قصر كاليوم واليومين , إلا أن يكون سكوته لعذر .
وفي مغني المحتاج : والنّفي لنسب ولدٍ يكون على الفور في الأظهر الجديد , لأنّه شرع لدفع ضررٍ محقّقٍ فكان على الفور , كالرّدّ بالعيب وخيار الشفعة , ويعذر الزّوج في تأخير النّفي لعذر , كأن بلغه الخبر ليلاً فأخّر حتّى يصبح أو كان جائعاً فأكل أو عارياً فلبس , فإن كان محبوساً أو مريضاً أو خائفاً ضياع مالٍ أرسل إلى القاضي ليبعث إليه نائباً يلاعن عنده , أو ليعلمه أنّه مقيم على النّفي , فإن لم يفعل بطل حقه , فإن تعذّر عليه الإرسال أشهد إن أمكنه , فإن لم يشهد مع تمكنه منه بطل حقه .
وفي المغني لابن قدامة : إذا ولدت المرأة فسكت زوجها عن نفي ولدها مع إمكانه لزمه نسبه , ولم يكن له نفيه بعد ذلك , ولا يتقرّر ذلك بثلاثة أيّامٍ , بل هو على حسب ما جرت به العادة , إن كان ليلاً فحتّى يصبح وينتشر النّاس , وإن كان جائعاً أو ظمآن فحتّى يأكل أو يشرب , أو ينام إن كان ناعساً , أو يلبس ثيابه ويسرّج دابّته ويركب , ويصلّي إن حضرت الصّلاة ويحرّز ماله إن كان غير محرّزٍ , وأشباه ذلك من أشغاله , فإن أخّره بعد هذا كلّه لم يكن له نفيه .
«الشّرط الثّاني : عدم الإقرار»
27 - يشترط ألا يكون الزّوج أقرّ بالولد صراحةً أو دلالةً , مثال الإقرار صراحةً أن يقول الرّجل : هذا ولدي , أو هذا الولد منّي , ومثال الإقرار دلالةً أن يقبل التّهنئة بالمولود أو يسكت عند التّهنئة , ولا يردّ على المهنئ , لأنّ العاقل لا يسكت عادةً عند التّهنئة بولد ليس منه , فإذا سكت كان سكوته اعترافاً بالنّسب دلالةً .
وعلى هذا لو أقرّ الزّوج بالولد صراحةً أو دلالةً , أو سكت عن نفي نسبٍ حتّى مضت مدّة التّهنئة , أو أكثر مدّة النّفاس , أو حتّى مضت مدّة يمكنه النّفي فيها ولم ينفه ثمّ نفى نسبه لا ينتفي نسب الولد منه , لأنّ سكوته عن النّفي حتّى مضت هذه المدّة يعتبر إقراراً منه بالولد , والإقرار بالنّسب لا يصح الرجوع فيه .
وفي هذه الحالة يكون للمرأة عند الحنفيّة الحق في طلب اللّعان بينها وبين زوجها , لأنّه لمّا نفى نسب الولد منه كان متّهماً لها بالزّنا , فيكون لها أن تدفع العار عن نفسها باللّعان بينها وبينه , ولو تمّ اللّعان بينهما بناءً على طلب المرأة لا يترتّب عليه قطع نسب الولد عن الزّوج , لأنّ نسبه قد ثبت بالإقرار صراحةً أو دلالةً فلا يمكن نفيه بعد ذلك .
ونصّ المالكيّة على أنّ اللّعان إذا امتنع إجراؤُه بين الزّوجين لنفي نسب الولد , كأن وطئ الملاعن زوجته بعد رؤيتها تزني , أو بعد علمه بوضع أو حملٍ , أو أخّر اللّعان بعد علمه بوضع أو حمل اليوم واليومين بلا عذرٍ في التّأخير , ففي هذه(22/13)
الحالات يمتنع لعانه ويثبت نسب الولد وبقيت زوجةً , وإنّما يحد الزّوج حدّ القذف إن كانت الزّوجة مسلمةً .
«الشّرط الثّالث : حياة الولد»
28 - أن يكون الولد حياً عند اللّعان وعند الحكم بقطع نسبه وهذا عند الحنفيّة , فلو ولدت المرأة ولداً , ونفى الزّوح نسبه منه , ثمّ مات الولد قبل حصول اللّعان , أو مات بعد حصوله ولكن قبل الحكم بقطع نسبه من الزّوج لا ينتفي عنه , لأنّ النّسب يتقرّر بالموت , والشّيء إذا تقرّر لا يمكن نفيه , ولكن للزّوجة الحق في طلب إجراء اللّعان إن مات الولد قبل إجرائه لدفع عار الزّنا عنها .
والمالكيّة يوافقون الحنفيّة في ذلك , إلا أنّهم يقولون : إنّ للزّوج الحقّ في طلب اللّعان بعد موت الولد , وذلك لإسقاط حدّ القذف عنه .
وقال الشّافعيّة والحنابلة : حياة الولد عند اللّعان ليست شرطاً لنفي نسبه باللّعان , لأنّ نسبه لا ينقطع بالموت , بل يقال : مات ولد فلانٍ , وهذا قبر ولد فلانٍ , ويلزم الزّوج تجهيزه وتكفينه , فيكون له نفي نسبه وإسقاط مؤنته , كما لو كان حياً .
«أثر اللّعان من حيث جعل الولد المنفيّ نسبه أجنبياً»
الولد الّذي يقطع نسبه من الأبّ , ويلحق بأمّه بناءً على اللّعان يكون أجنبياً منه في بعض الأحكام , ولا يكون أجنبياً منه في بعضها :
29 - فيكون أجنبياً منه في الأحكام الآتية :
أ - الإرث : فلا توارث بين الملاعن وبين الولد الّذي نفى نسبه باللّعان وهذا باتّفاق , بمعنى أنّ قرابة الأبوّة لا تكون معتبرةً في الإرث , فلو مات الولد الّذي نفي نسبه باللّعان وترك مالاً فلا يرثه أحد بقرابة الأبوّة , وإنّما ترثه أمه وأقرباؤُه من جهتها .
ب - النّفقة : فلا تجب بين الملاعن وبين من نفى نسبه باللّعان نفقة الأبناء على الآباء , ولا نفقة الآباء على الأبناء , وهذا باتّفاق .
30 - ولا يكون الولد أجنبياً من الملاعن في الأحكام الآتية :
أ - الشّهادة : ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لا تقبل شهادة الأصل الواحد من فروعه , وبالعكس كذلك لا تقبل شهادة الملاعن وأصوله لمن نفى نسبه باللّعان , ولا شهادة من نفى نسبه وأحد فروعه لمن نفاه ولا لأصوله , وذلك لصحّة استلحاقه أي الولد الملاعن .
ب - القصاص : فلو قتل الملاعن الولد الّذي نفاه باللّعان لا يقتل فيه كما لو قتل الأب ولده . ج - الالتحاق بالغير : فلو ادّعى غير الملاعن الولد الّذي نفى نفسه باللّعان لا يصح ادّعاؤُه ولا يثبت نسبه منه , وذلك لاحتمال أن يكذّب الملاعن نفسه فيعود نسب الولد له , ومن أجل هذا قال الكمال بن الهمام من علماء الحنفيّة : إنّ الحكم بعدم ثبوت نسب الولد ممّن ادّعاه مشكل إذا كان ممّن يولد مثله لمثله وكان ادّعاؤُه بعد موت الملاعن لأنّ النّسب ممّا يحتاط في إثباته , والولد مقطوع النّسب من غير المدّعي ووقع اليأس من ثبوته من الملاعن , وثبوت النّسب من الأمّ لا ينافي ثبوته من المدّعي , لإمكان كونه وطأها بشبهة .
د - المحرميّة : فلو كان للملاعن بنت من امرأةٍ أخرى , وأراد أن يزوّجها لمن نفى نسبه باللّعان أو لابنه فلا يحل هذا الزّواج , لأنّ الولد يجوز أن يكون ابناً للملاعن ,(22/14)
خصوصاً وأنّ الفراش الّذي يثبت النّسب به كان موجوداً وقت ولادته , ومع هذا الاحتمال لا يحل الزّواج شرعاً .
ونصّ الشّافعيّة على أنّ المنفيّة باللّعان حكمها أنّها تحرم على نافيها ولو لم يدخل بأمّها , لأنّها لا تنتفي عنه قطعاً لدليل لحوقها به لو أكذب نفسه ولأنّها ربيبة في المدخول بها , وتتعدّى حرمتها إلى سائر محارمه , وفي وجوب القصاص عليه بقتله لها والحدّ بقذفه لها والقطع بسرقة مالها وقبول شهادته لها وجهان : أوجههما عدم الوجوب .
31 - ومن آثار اللّعان أيضاً عند الشّافعيّة :
أ - تشطير صداق الملاعنة قبل الدخول بها .
ب - سقوط حضانة المرأة إن لم تلاعن .
ج - استباحة نكاح أخت الملاعنة ومن يحرم جمعه معها أو أربعٍ سواها في عدّتها .
«تغليظ اللّعان»
32 - تغليظ اللّعان سنّة عند الشّافعيّة على المذهب , وكذلك عند الحنابلة في المذهب , وهو واجب عند المالكيّة وفي قولٍ عند الشّافعيّة , واختار القاضي من الحنابلة أنّه لا يسن التّغليظ بالمكان ولا بالزّمان .
والتّغليظ يكون بأحد أمورٍ هي :
«أ - التّغليظ بالزّمان»
33 - يغلّظ لعان المسلم بزمان وهو بعد صلاة عصر كلّ يومٍ إن كان طلب اللّعان حثيثاً , لأنّ اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبةً لخبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم ... » وعدّ منهم : « رجلاً حلف يميناً كاذبةً بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلمٍ » . فإن لم يكن طلب حثيث فبعد صلاة عصر يوم جمعةٍ أولى لأنّ ساعة الإجابة فيه .
وألحق بعضهم بعصر الجمعة الأوقات الشّريفة كشهر رجبٍ ورمضان ويومي العيد وعرفة وعاشوراء .
«ب - التّغليظ بالمكان»
34 - يغلّظ اللّعان بالمكان , بأن يكون في أشرف مواضع بلده , لأنّ في ذلك تأثيراً في الزّجر عن اليمين الفاجرة .
ففي مكّة يكون بين الركن الّذي فيه الحجر الأسود وبين مقام إبراهيم عليه السلام .
واللّعان في المدينة المنوّرة يكون عند المنبر ممّا يلي القبر الشّريف , وقال في الأمّ والمختصر : يكون في المنبر .
واللّعان في بيت المقدس يكون في المسجد عند الصّخرة , لأنّها أشرف بقاعه إذ هي قبلة الأنبياء , وقد ورد : « أنّها من الجنّة » .
والتّغليظ بالمساجد الثّلاثة لمن هو بها , فمن لم يكن بها لم يجز نقله إليها بغير اختياره . والتّغليظ في غير المساجد الثّلاثة عند منبر الجامع لأنّه المعظّم .
وتلاعن المرأة الحائض بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه .(22/15)
ويلاعن كتابي في بيعةٍ وكنيسةٍ ويقول اليهودي : أشهد باللّه الّذي أنزل التّوراة على موسى, ويقول النّصراني : أشهد باللّه الّذي أنزل الإنجيل على عيسى .
ويلاعن المجوسي في بيت نارهم في الأصحّ لأنّهم يعظّمونه , والمقصود الزّجر عن الكذب . أمّا تغليظ الكافر بالزّمان فيعتبر بأشرف الأوقات عندهم كما ذكره الماورديّ .
«ج - التّغليظ بحضور جمعٍ»
35 - يغلّظ اللّعان بحضور جمعٍ من عدولٍ أعيان بلد اللّعان وصلحائه فإنّ ذلك أعظم ولأنّ فيه ردعاً عن الكذب , وأقله أربعة لثبوت الزّنا بهم , فاستحبّ أن يحضر ذلك العدد إتيانه باللّعان , ولا بدّ من حضور الحاكم كما سبق .
«سنن اللّعان»
«أ - وعظ القاضي المتلاعنين»
36 - يسن للقاضي أو نائبه وعظ المتلاعنين بالتّخويف من عذاب اللّه تعالى , وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لهلال : « عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة » .
ويقرأ عليهما : « إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً » .
ويقول لهما : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين : « اللّه يعلم أنّ أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب » , وبعد الفراغ من الكلمات الأربع يبالغ القاضي ومن في حكمه في وعظهما عند الخامسة من لعانهما قبل شروعهما فيها .
«ب - قيام المتلاعنين»
37 - يسن للمتلاعنين أن يتلاعنا قائمين ليراهما النّاس ويشتهر أمرهما , فيقوم الرّجل عند لعانه والمرأة جالسةً , وتقوم المرأة عند لعانها ويجلس الرّجل , وإن كان أحدهما لا يقدر على القيام لاعن قاعداً أو مضّجعاً
ـــــــــــــــــــ
الروضة الندية - (ج 2 / ص 301)
باب اللعان
والأصل فيه أنه أيمان مؤكدة تبريء الزوج من حد القذف ، وتثبت اللوث عليها تحبس لأجله ويضيق عليها به ، فإن نكل ضرب الحد. وأيمان مؤكدة منها تبرئها فإن نكلت ضربت الحد . وبالجملة فلا أحسن فيما ليس فيه بينة وليس مما يهدر ولا يسمع من الإيمان المؤكدة
إذا رمى الرجل امرأته بالزنا حكم اللعان مذكور في الكتاب العزيز قال الله تعالى : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين واستفاض حديث عويمر العجلاني وهلال ابن أمية .
ولم تقر بذلك ولا رجع عن رميه لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يحث المتلاعنين على ذلك . ففي الصحيحين وغيرهما أنه وعظ الزوج وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم وعظ المرأة وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون(22/16)
من عذاب الآخرة فإذا أقرت المرأة كان عليها حد الزاني المحصن إذا لم يكن هناك شبهة ، وإذا أقر الرجل بالكذب كان عليه حد القذف .
لا عنها فيشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقد نطق بذلك الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة في ملاعنته صلى الله تعالى عليه وسلم بين عويمر العجلاني وامرأته ، وبين هلال بن أمية وامرأته .
ويفرق الحاكم بينهما وتحرم عليه أبداً لحديث سهل بن سعد عند أبي داود قال : مضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً وأخرج نحوه عنه أبو داود وفي الصحيحين وغيرهما أن عويمراً طلق امرأته ثلاث تطليقات قبل أن يأمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين .
ويلحق الولد بأمه فقط ومن رماها به فهو قاذف لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين أخرجه أحمد وفي إسناده محمد بن اسحق وبقية رجاله ثقات . ويؤيد هذا الحديث الأدلة الدالة على أن الولد للفراش ولا فراش هنا . والأدلة الدالة على وجوب حد القذف . والملاعنة داخلة في المحصنات لم يثبت عليها ما يخالف ذلك وهكذا من قذف ولدها فإنه كقذف أمه يجب الحد على القاذف *
ـــــــــــــــــــ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 270)
اللعان والإيلاء والظهار:
الفَصْل الأولْ
المبحث الأول
- التعريف به وكيفيته وشروطه والامتناع عنه:
اللعان في اللغة: هو مصدر لاعن من اللعن وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.
وفي الاصطلاح: اسم لما يجري بين الزوجين من الشهادات بالألفاظ المعروفة مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة.
وقد شرع الله الحد لمن يقذف امرأة محصنة بالزنى ولم يثبت دعواه بشهادة أربعة شهود زجراً له ولأمثاله عن انتهاك أعراض العفيفات. فيجلد ثمانون جلدة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [النور : 4].
وكان هذا هو الواجب في قذف كل محصنة ولو كانت زوجة، ولكن الله خفف عن الأزواج ورفع الحرج عنهم بشرعية اللعان في حق من قذف زوجته بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ(22/17)
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [النور: 6-9].
فلما نزلت هذه الآيات أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم اللعان بين زوجين اتهم الزوج زوجته بالزنى مع شخص معين بعد أن وعظهما وبين أن لهما عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة لأن أحدهما كذب بيقين، فصار ذلك هو الحكم المقرر فيما إذا أتهم الزوج زوجته بالزنى أو نفى نسب ولدها إليه ولم تكن له بينة على دعواه ولم تصدقه الزوجة وطلبت إقامة حد القذف عليه.
- كيفية اللعان:
طريقة اللعان بعد حدوث سببه كما جاء في الآيات السابقة أن يأمر القاضي الزوج بملاعنتها بأن يقول: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة هذه ويشير إليها إن كانت حاضرة، وإن لم تكن حاضرة بالمجلس سماها ونسبها بما تتميز به، ويكرر ذلك أربع مرات وفي الخامسة يقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى أو نفى الولد حسب موضوع الدعوى.
فإذا انتهى أمر الزوجة بملاعنته فتقول: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى أو نفي الولد حسبما جاء في دعواه، وتكرر ذلك أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به، ويكون ذلك بمحضر جماعة من الرجال أقلهم أربعة لأنه بينة على الزنى.
وإنما وجب الابتداء بالرجل لأنه المدعي فبينته بينة إثبات وبينتها بينة إنكار لأنها منكرة، وإنما كانت أربع شهادات لأن الزنى لا يثبت إلا إذا شهد عليه أربعة من الرجال أو أقرَّ به صاحبه أربع مرات، فكانت هذه الشهادات منه قائمة مقام شهادة الشهود الأربعة.
فإذا فعل ذلك سقط عنه حد القذف، وإذا عارضته بشهاداتها سقط عنها حد الزنى.
- حكم الامتناع عن الملاعنة بعد وجود سببها:
إذا امتنع الرجل عن الملاعنة بعد اتهامه زوجته بالزنى أو بنفي ولدها حبسه القاضي حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيقام عليه حد القذف بمجرد امتناعه.
وسبب هذا الاختلاف هو اختلافهم في الموجب الأصلي لقذف الزوج زوجته:
فذهب الحنفية إلى أن موجبه اللعان لأن قوله تعالى: {فشهادة أحدهم} معناه فالواجب شهادة أحدهم، وهذا يفيد أن الواجب في قذف الزوجات اللعان فلا يجب غيره إذا لم يوجد، ثم قالوا إن آيات اللعان نسخت آية القذف في حق الأزواج أو خصصتها بغير الأزواج.
وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أن الموجب الأصلي لقذف الزوجات هو حد القذف واللعان مسقط له، لأن آية القذف عامة في حكمها لكل قاذف زوجاً كان أو غير زوج وجاءت آيات اللعان مخففة عن الأزواج فجعلت لهم طريقاً لرفع الحد عنهم باللعان، فإذا امتنع عن اللعان ثبت الموجب الأصلي وهو الحد، ويدل لهذا أن الرسول قال لهلال بن أمية -لما قذف زوجته بالزنى مع شريك بن شحماء-: "البينة أو حد في ظهرك"، وعندما نزلت آية اللعان وجاء يلاعن قال له(22/18)
الرسول: "عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"، ولو لم تكن الحد بهذا القذف واجباً لما كان لهذا القول معنى.
ولأن الزوج لو أكذب نفسه أقيم عليه الحد بالاتفاق.
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه إذا امتنعت الزوجة عن اللعان بعد أن لاعنها الزوج حبست حتى تلاعن أو تصدق الزوج فيما ادعاه، فإن صدقته لا تحد حد الزنى حتى تقر به صريحاً أربع مرات، لأن تصديقها ليس إقراراً بالزنى قصداً، ولأنها لو أقرت بالزنى ثم رجعت عن إقرارها لم تحد.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنها إذا امتنعت عن اللعان يقام عليها حد الزنى وهو الرجم، لأن الواجب الأصلي هو الحد واللعان يدرأ عنها الحد لقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} فقد جعلت الشهادات وهي اللعان من جانبها دافعا عنها العذاب وهذا العذاب هو الحد المصرح به في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}.
شروط اللعان:
لا يجب اللعان إلا بعد قذف الزوج ومطالبة الزوجة بموجب القذف أمام القاضي وتوفرت الشروط الآتية:
-1 ذهب الحنفية إلى أن تكون الزوجية الصحيحة قائمة بينهما حقيقة أو حكماً عند القذف سواء أضاف الزوج الزنى إلى زمن الزوجية أو قبلها، لأن العبرة عندهم بالوقت الذي وقع فيه القذف سواء كان القذف قبل الدخول أو بعده.
وذهب الجمهور إلى أن الشرط أن يضيف القذف إلى زمن الزوجية فلو أضافه إلى ما قبل الزواج لا يلاعن ويقام عليه حد القذف، لأن العبرة عندهم بالوقت الذي يضيف إليه الزنى فلا بد أن يكون حال قيام الزوجية.
فلو كان الزواج فاسداً لا يلاعن لأن الزوجة فيه تعتبر كالأجنبية ويقام عليه حد القذف إذا كانت المقذوفة عفيفة.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يلاعن في الزواج الفاسد إذا كان القذف بنفي الولد لأن الرجل مضطر إلى نفي نسب هذا الولد ولا طريق له إلا باللعان.
-2 أن يكون كل من الزوجين أهلاً للشهادة على المسلم بأن يكون كل منهما مسلماً بالغاً عاقلاً حراً قادراً على النطق غير محدود في قذف، فإذا تخلف قيد من ذلك لا يقام بينهما اللعان. وهذا عند الحنفية، لأن اللعان عندهم شهادات مؤكدات بالأيمان. حيث سميت الآية الأزواج شهداء وسمت ملاعنتهم شهادات. وجعلها كشهادة الزنى في العدد.
وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أنها أيمان بلفظ الشهادة فيشترط فيه أن يكون كل منهما أهلاً لليمين والزوج أهلا للطلاق فصححوا اللعان من كل زوجين سواء كانا مسلمين أو كافرين، عدلين أو فاسقين محدودين في قذف أو لا ما دامت الزوجة محصنة يحد قاذفها، ودليلهم على ذلك أنه يذكر فيه اسم الله ويجب تكراره والمعروف في الشهادة أنها لا تكرر لكن القسم قد يكرر كما في القسامة، ولأنه يكون من الجانبين والشهادة تكون من جانب واحد، وتسميته شهادة باعتبار(22/19)
قول كل منهما أشهد، ولأن الرسول قال بعد أن ولدت امرأة هلال بن أمية: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن".
-3 ألا يقيم الزوج بينة على ما ادعاه بالاتفاق، فلو أقام بينة وجب عليها الحد ولا لعان، لأن اللعان حجة ضعيفة فلا تقاوم بالبينة.
-4 أن تكون الزوجة عفيفة عن الزنى.
-5 أن تنكر الزوجة ما رماها به زوجها.
المبحث الثاني
في الآثار المترتبة على اللعان:
إذا توفرت شروط اللعان ووقع أمام القاضي ترتب عليه الآثار الآتية:
-1 سقوط الحد عنهما.
-2 يحرم بمجرد اللعان استمتاع كل من الزوجين بالآخر حتى قبل تفريق القاضي بينهما.
-3 تقع الفرقة بين الزوجين بالإتفاق.
ولكن اختلف الفقهاء في وقوعها، هل تقع بمجرد اللعان ولا تتوقف على تفريق القاضي أو لا تقع إلا بتفريقه؟
فذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تقع إلا بتفريق القاضي، فلو تلاعنا وتأخر تفريق القاضي كانت الزوجية باقية بينهما في بعض الأحكام، فلو مات أحدهما ورثه الآخر، ولو طلقها وقع عليها الطلاق، ولو أكذب نفسه حلت له من غير تجديد عقد الزواج، واستدلوا بما روي عن ابن عباس في قصة المتلاعنين: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وهذا يفيد أن التفريق حصل بفعل رسول الله لا قبله.
وذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن الفرقة تقع بمجرد الملاعنة، وحكم القاضي منفذ لها، لأن سبب الفرقة هو اللعان وقد وجد ولولاه ما وقعت، وقول ابن عباس السابق ليس نصاً في إنشاء الفرقة بل يحتمل ذلك ويحتمل أنه إعلام لهما بها أو تنفيذها حساً بينهما، ومع الاحتمال لا يدل على توقف الفرقة على حكم القاضي.
وذهب أبو حنيفة إلى أنها إذا وقعت الفرقة بينهما اعتبرت طلاقاً بائناً تحتسب من عدد الطلقات لأن سبب الفرقة جاء من جانب الرجل لأنه المتسبب فيها، فلا يحل له أن يتزوجها قبل أن يكذب نفسه أو تصدقه في دعواه أو يكون من أحدهما ما يخرجه عن أهلية الشهادة، كأن يقذف أحدهما غيره فيحد به أو يرتد عن الإسلام، لأن تكذيبه لنفسه يعتبر رجوعاً عن الشهادة، والشهادة لا حكم لها بعد الرجوع عنها وحينئذ يحد حد القذف، ويثبت نسب الولد فيه إن كان القذف لنفيه، وبتصديقها له يرتفع سبب اللعان أيضاً، لكنها لا تحد حد الزنى إلا إذا أقرت أربع مرات.
وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنبلية- إلى أن الفرقة باللعان تكون فسخاً لا طلاقاً لأنها فرقة مؤبدة كحرمة الرضاع فلا يمكنها إعادة الزواج بينهما حتى ولو أكذب نفسه أو صدقته الزوجة لحديث "المتلاعنان لا يجتمعان أبداً".
ولأن سبب التفريق وهو اللعان قد وجد، وتكذيبه نفسه أو تصديقها له لا ينفي وجوده فيبقى حكمه، ولأنه لو كان صادقاً في اتهامه لها فلا ينبغي له أن يرجع إلى معاشرة(22/20)
زوج بغي، وإن كان كاذباً فقد أساء إليها إساءة بالغة فلا يمكن من معاشرتها بعد ذلك.
-3 إذا كان اللعان بنفي الولد ينتفي نسبه منه ويلحق بأمه فيكون أجنبياً في بعض الأحكام كالتورات والنفقة، فلا توارث بينهما إذا مات أحدهما، كما لا يرث الولد قرابة أبيه وإنما ترثه أمه وأقرباؤها، ولا تجب لأحدهما نفقة على الآخر، لأن كلاً منهما لا يثبت إلا بسبب متيقن.
وتبقى أحكام البنوة في الأحكام الأخرى التي يراعى فيها الاحتياط لاحتمال أنه ابنه حقيقة فلا يحل لأحدهما إعطاء زكاته للآخر، ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر.
ولا يقتل الأب به قصاصاً إذا قتله، كما لو قتل ابنه الثابت النسب.
وتثبت بينهما حرمة المصاهرة فلا يجوز أن يزوجه من أولاده، كما لا يجوز له أن يتزوج امرأته التي عقد عليها وبالعكس.
ولا يعتبر الولد بهذا النفي مجهول النسب، فلو ادعاه غير الملاعن لا يصح ولا يثبت نسبه منه لاحتمال أن يكذب الملاعن نفسه فيعود نسب الولد له.
ولهذا قيل لو ادعاه أجنبي بعد موت الملاعن صحت الدعوى وثبت نسبه من المدعي إذا توافرت شروط ثبوت النسب، وهذا عند الحنفية.
ـــــــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 82)
اللِّعَانُ
1943 - مَسْأَلَةٌ : صِفَةُ اللِّعَانِ : هُوَ أَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا هَكَذَا مُطْلَقًا , أَوْ بِإِنْسَانٍ سَمَّاهُ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَالآخَرُ حُرًّا أَوْ مُسْلِمَيْنِ , أَوْ هُوَ مُسْلِمٌ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ , أَوْ كَانَا كِتَابِيَّيْنِ , أَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ , أَوْ فِي زِنًى , أَوْ هِيَ كَذَلِكَ أَوْ كِلاَهُمَا , أَوْ أَحَدُهُمَا أَعْمَى أَوْ كِلاَهُمَا , أَوْ فَاسِقَيْنِ , أَوْ أَحَدُهُمَا ادَّعَى رُؤْيَةً أَوْ لَمْ يَدَّعِ : فَوَاجِبٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِي مَجْلِسِهِ طَلَبَتْ هِيَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ , طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ أَوْلَمَ يَطْلُبْهُ , لاَ رَأْيَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ. ثُمَّ يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا رَمَاهَا بِهِ فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةِ عُدُولٍ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ قِيلَ لَهُ : الْتَعِنْ فَيَقُولُ : بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ , بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ , بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ , بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ هَكَذَا يُكَرِّرُ. " بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى فِيهِ , وَيَقُولُ لَهُ : إنَّهَا مُوجِبَةٌ فَإِنْ أَبَى , فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فَإِذَا أَتَمَّ هَذَا الْكَلاَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لَهَا , وَاَلَّذِي رَمَاهَا بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ , فَإِذَا الْتَعَنَ كَمَا ذَكَرْنَا , قِيلَ لَهَا : إنْ الْتَعَنَتْ وَإِلَّا حُدَّتْ حَدَّ الزِّنَا , فَتَقُولُ : بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ , بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ , بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ , بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ تُكَرِّرُ " بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ تَقُولُ : وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَمِنْ الصَّادِقِينَ , وَيَأْمُرُ الْحَاكِمُ مَنْ يُوقِفُهَا عِنْدَ الْخَامِسَةِ , وَيُخْبِرُهَا بِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا , فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ بَرِئَتْ مِنْ الْحَدِّ , وَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ , وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدَ الآبِدِ لاَ تَحِلُّ لَهُ أَصْلاً لاَ بَعْدَ زَوْجٍ ، وَلاَ قَبْلَهُ ، وَلاَ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ , لَكِنْ إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ فَقَطْ.(22/21)
وَأَمَّا مَا لَمْ يُتِمَّ هُوَ اللِّعَانَ أَوْ تُتِمَّهُ هِيَ , فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا. فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ اللِّعَانِ لَتَوَارَثَا , وَلاَ مَعْنَى لِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا , أَوْ لِتَرْكِهِ , لَكِنْ بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ. فَإِنْ كَانَتْ هِيَ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ هُوَ حَدَّ الْقَذْفِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ لِعَانَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ هُوَ مَجْنُونًا حِينَ قَذَفَهَا فَلاَ حَدَّ ، وَلاَ لِعَانَ. وَيَتَلاَعَنُ الأَخْرَسَانِ كَمَا يَقْدِرَانِ بِالإِشَارَةِ. فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُلاَعَنَةُ حَامِلاً فَبِتَمَامِ الأَلْتِعَانِ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَنْتَفِي عَنْهُ الْحَمْلُ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ إِلاَّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَيَلْحَقَهُ ، وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ فِي قَذْفِهِ لَهَا مَعَ إقْرَارِهِ بِأَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ إذَا الْتَعَنَ. فَلَوْ صَدَّقَتْهُ هِيَ فِيمَا قَذَفَهَا بِهِ , وَفِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ حَدَثَ , وَلاَ يَنْتَفِي عَنْهُ مَا وَلَدَتْ , بَلْ هُوَ لاَحِقٌ بِهِ فَإِنْ لَمْ يُلاَعِنْهَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا فَلَهُ أَنْ يُلاَعِنَهَا لِدَرْءِ الْحَدِّ ، عَنْ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا مَا وَلَدَتْ فَلاَ يَنْتَفِي عَنْهُ بَعْدُ أَصْلاً. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَقَذَفَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ لاَعَنَهَا. فَلَوْ قَذَفَهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حُدَّ , وَلاَ تَلاَعُنَ , وَلاَ يَضُرُّهُ إمْسَاكُهَا وَوَطْؤُهَا بَعْدَ أَنْ قَذَفَهَا , بَلْ يُلاَعِنُهَا مَتَى شَاءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1944 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّ كُلَّ زَوْجٍ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُ يُلاَعِنُهَا إذْ ذَكَرْنَا صِفَةَ اللِّعَانِ , فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ فَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ , وَلاَ أَعْمَى مِنْ بَصِيرٍ , وَلاَ صَالِحًا مِنْ فَاسِقٍ , وَلاَ امْرَأَةً كَافِرَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ , وَلاَ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ , وَلاَ فَاسِقَةً مِنْ صَالِحَةٍ , وَلاَ مَحْدُودًا مِنْ غَيْرِ مَحْدُودٍ , وَلاَ مَحْدُودَةً مِنْ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ , وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
وقال أبو حنيفة : إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا فَلاَ لِعَانَ وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ , وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ.
فَإِنْ قَالُوا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ وَالْعَبْدُ لاَ شَهَادَةَ لَهُ
قلنا : بَاطِلٌ مَا قُلْتُمْ , بَلْ شَهَادَتُهُ كَشَهَادَةِ الْحُرِّ , وَأَنْتُمْ لاَ تُجِيزُونَ شَهَادَةَ الأَعْمَى , وَلاَ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ , وَتُوجِبُونَ اللِّعَانَ لَهُمَا.
وَرُوِّينَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : لاَ يُلاَعِنُ مَنْ لاَ شَهَادَةَ لَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فَاسِدَةٌ , لاَ يُصَحِّحُهَا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَاَللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ سَمَّاهَا شَهَادَةً , فَلَيْسَتْ مِنْ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي يُرَاعَى فِيهِ الْعَدْلُ مِنْ الْفَاسِقِ , لأََنَّ تِلْكَ الشَّهَادَاتِ لاَ يَحْلِفُ فِيهَا الشَّاهِدُ بِهَا , وَشَهَادَاتُ اللِّعَانِ أَيْمَانٌ , وَسَائِرُ الشَّهَادَاتِ لاَ يُقْبَلُ فِي أَكْثَرِهَا إِلاَّ اثْنَانِ , وَشَهَادَةُ اللِّعَانِ إنَّمَا هِيَ مِنْ وَاحِدٍ , وَسَائِرُ الشَّهَادَاتِ لاَ يُقْبَلُ فِيهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ , وَشَهَادَةُ اللِّعَانِ إنَّمَا هِيَ لِنَفْسِهِ لِيَدْرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ , وَلِيُوجِبَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ حُكْمَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ الْتَعَنَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِلَّا حُدَّتْ هِيَ : فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. وَقَوْلِهِ : إنَّهُ رَمَاهَا بِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَحَدٌّ وَاحِدٌ يُسْقِطُ التَّلاَعُنَ فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ : أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ بِامْرَأَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ , وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكِ يُكَرِّرُ(22/22)
ذَلِكَ مِرَارًا , فَقَالَ لَهُ هِلاَلٌ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُبْرِئُ بِهِ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ , فَدَعَا هِلاَلاً فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ. ثُمَّ دُعِيَتْ الْمَرْأَةُ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ , فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقِّفُوهَا فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ , فَتَلَكَّأَتْ حَتَّى مَا شَكَكْنَا أَنَّهَا سَتَعْتَرِفُ ثُمَّ قَالَتْ : لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ عَلَى الْيَمِينِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اُنْظُرُوهَا , فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قضيء الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ , وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ فَجَاءَتْ بِهِ آدَمَ جَعْدًا رَبْعًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْلاَ مَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ. وَلَيْسَ فِي الآيَةِ مَا يَزِيدُهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِ : الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ ، وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَزِيدَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , الَّذِي مَنْ قَالَهُ أُجِرَ , وَمَنْ تَرَكَهُ فِي يَمِينِهِ لَمْ يُحْرَجْ , وَإِنَّمَا يُقْضَى عَلَى النَّاسِ بِمَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ , لاَ بِمَا لاَ يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ , وَإِنْ كَانَ أَجْرًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى عَذَابٍ مَعْلُومٍ , لأََنَّهُ بِأَلِفِ التَّعْرِيفِ وَلاَمِهِ , وَلاَ نَعْلَمُ عَذَابًا فِي الزِّنَا إِلاَّ الْحَدَّ.
وَأَمَّا السِّجْنُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ : فَلاَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرَّقِّيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ بِاللِّعَانِ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ : إنَّهَا مُوجِبَةٌ. وَلاَ مَعْنَى لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ فِي يَمِينِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ أَنْ يَقُولَ هُوَ : إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا , وَأَنْ تَقُولَ هِيَ : إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَفَانَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ فِي الْقُرْآنِ ، عَنْ تَكَلُّفِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ : وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَكُلُّ رَأْيٍ زَادَنَا شَيْئًا فِي الدِّينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَنَحْنُ نَرْغَبُ ، عَنْ ذَلِكَ الرَّأْيِ وَنَقْذِفُهُ فِي الْحَشِّ ; لأََنَّهُ شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فَإِنْ قَالُوا : رُبَّمَا نَوَى أَنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِي شَهَادَتِهِ بِالتَّوْحِيدِ , وَنَوَتْ هِيَ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى
قلنا : هَبْكَ أَنَّهُمَا نَوَيَا ذَلِكَ , فَوَاَللَّهِ مَا يَنْتَفِعَانِ بِذَلِكَ , وَأَنَّ يَمِينَهُمَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُجَاهَرَةِ أَحَدِهِمَا فِيهِ بِالْبَاطِلِ مُوجِبٌ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ , وَعَلَيْهَا الْغَضَبَ , نَوَيَا مَا قُلْتُمْ أَوْ لَمْ يَنْوِيَا , وَلاَ يُمَوَّهُ عَلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ بِمِثْلِ هَذَا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد , وَالْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو دَاوُد : ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَقُولُ : سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ(22/23)
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ : حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا
قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ رَوَيْته ، عَنْ سُفْيَانَ , قَالَ سُفْيَانُ حَفِظْته مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : فَتَفْرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُغْنِي ، عَنْ تَفْرِيقِ كُلِّ حَاكِمٍ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا مَنَعَ مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا بِكُلِّ وَجْهٍ , وَلَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ بِنَصِّ الْخَبَرِ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ الْتِعَانِهِمَا جَمِيعًا , فَلاَ يَقَعُ التَّفْرِيقُ إِلاَّ حِينَئِذٍ. وَقَدْ
رُوِّينَا أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُوجِبْ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ.
وقال أبو حنيفة : لاَ يَقَعُ التَّفْرِيقُ بِتَمَامِ اللِّعَانِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ , وَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَكَانَ هَذَا عَجَبًا وَنَقُولُ لَهُمْ : فَإِنْ أَبَى الْحَاكِمُ مِنْ التَّفْرِيقِ أَيَبْقَيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا هَيْهَاتَ حَاكِمُ الْحُكَمَاءِ قَدْ فَرَّقَ , فَتَفْرِيقُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ تَرْكُهُ التَّفْرِيقَ نَبِيبُ تَيْسٍ مِنْ الْحَزْنِ سَوَاءٌ.
وقال الشافعي بِتَمَامِ الْتِعَانِ الرَّجُلِ يَقَعُ التَّفْرِيقُ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ وَهَذِهِ أَيْضًا دَعْوَى بِلاَ
برهان.
وقال مالك كَمَا
قلنا
وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً حُدَّ لِلْقَذْفِ , وَلاَ لِعَانَ فِي ذَلِكَ ; لأََنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْمَجْنُونَةَ لاَ يَكُونُ مِنْهُمَا زِنًى أَصْلاً , لأََنَّ الزِّنَا مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهَاتَانِ لاَ تَقَعُ مِنْهُمَا مَعْصِيَةٌ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنْ ثَلاَثٍ فَذَكَرَ الصَّغِيرَ حَتَّى يَبْلُغَ , وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ. وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ حَيْثُ لاَ يُوقَنُ بِكَذِبِهِ فَإِسْقَاطُهُ ، عَنِ الْقَاذِفِ حِينَ يُوقَنُ بِكَذِبِهِ خَطَأٌ , وَالْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ رَمَى مِنَّا بِالزِّنَا.
وَأَمَّا الأَخْرَسُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ الْكَلاَمُ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفَ إيَّاهُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ. فَصَحَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا اسْتَطَاعَ , وَالأَخْرَسُ يَسْتَطِيعُ الإِفْهَامَ بِالإِشَارَةِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا.
وَكَذَلِكَ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَعِنُ بِلُغَتِهِ بِأَلْفَاظٍ يُعَبِّرُ بِهَا عَمَّا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَالْعَجَبُ مِنْ زِيَادَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ بِرَأْيِهِ , زِيَادَاتٌ فِي غَايَةِ السُّخْفِ عَلَى مَا فِي آيَةِ اللِّعَانِ , وَهُوَ يَرُدُّ أَوَامِرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَعْمَالَهُ كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , فَأَيُّ ضَلاَلٍ يَفُوقُ هَذَا
وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ بِتَمَامِ الْتِعَانِهِ وَالْتِعَانِهَا يَنْتَفِي عَنْهُ لِحَاقُ حَمْلِهَا , إِلاَّ أَنْ يُقَرِّبَهُ وَسَوَاءٌ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ إذَا انْتَفَى عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ :(22/24)
فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : " إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ فَانْتَفَى ، عَنْ وَلَدِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : إنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ وَفِيهِ فَكَانَتْ حَامِلاً فَكَانَ الْوَلَدُ إلَى أُمِّهِ
وَأَمَّا قَوْلُنَا : إنَّهُ لَمْ يُلاَعِنْهَا حَتَّى وَلَدَتْ , لاَعَنَ لأَِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ , وَلاَ يَنْتَفِي وَلَدُهَا مِنْهُ , فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ.
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فَهُوَ وَلَدُهُ إِلاَّ حَيْثُ نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ حَيْثُ يُوقِنُ بِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ وَلَدُهُ , وَلَمْ يَنْفِهِ عليه الصلاة والسلام إِلاَّ وَهِيَ حَامِلٌ بِاللِّعَانِ فَقَطْ , فَيَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى لِحَاقِ النَّسَبِ , وَلِذَلِكَ
قلنا : إنْ صَدَّقَتْهُ فِي أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّ تَصْدِيقَهَا لَهُ لاَ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنَّ إقْرَارَ الأَبَوَيْنِ لاَ يُصَدَّقُ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ , فَيَكُونُ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِمَا , وَإِنَّمَا نَفَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوَلَدَ إنْ كَذَّبَتْهُ الأُُمُّ وَالْتَعَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فَقَطْ , فَلاَ يَنْتَفِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ , وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَاهُنَا يَقُولُونَ : إنْ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِهِ , أَوْ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهِ : لَمْ يُصَدَّقَا , وَلَمْ يَنْفِهِ إِلاَّ بِلِعَانٍ فَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا إذَا أَلْغَوْا تَصْدِيقَهُمَا فَلَمْ يَنْفُوا نَسَبَهُ إِلاَّ بِلِعَانٍ , فَإِذْ لاَ مَعْنَى لِتَصْدِيقِهِمَا لَهُ فَلاَ يَجُوزُ اللِّعَانُ إِلاَّ حَيْثُ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ , وَهُوَ إذَا رَمَاهَا بِالزِّنَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا إذَا قَذَفَهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ مِنْهُ أَنَّهُ يُلاَعِنُهَا مَتَى رُفِعَ الأَمْرُ لِلإِمَامِ وَلَوْ أَنَّهَا عِنْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَلأََنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَإِنَّمَا يُرَاعَى الرَّمْيُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , فَإِنْ كَانَ لِزَوْجَةٍ لاَعَنَ أَبَدًا , إذْ لَمْ يَحِدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِلِّعَانِ وَقْتًا لاَ يَتَعَدَّاهُ , وَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلاَقِ ثَلاَثٍ أَوْ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ , ثُمَّ تَزَوَّجَهَا , فَالْحَدُّ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ لِعَانَ فِي ذَلِكَ , لأََنَّهُ لَمْ يَرْمِ زَوْجَةً لَهُ , إنَّمَا رَمَى زَوْجَةً أَجْنَبِيَّةً , فَالْحَدُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا : وَلاَ يَضُرُّهُ إمْسَاكُهُ إيَّاهَا بَعْدَ رَمْيِهِ لَهَا , أَوْ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا زَنَتْ يَقِينًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ ، وَلاَ يَضُرُّهُ وَطْؤُهُ لَهَا , فَلأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ , وَلاَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ , وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
ـــــــــــــــــــ
اللعان" معناه، صفته، مشروعيته"
تاريخ الفتوى : ... 08 رجب 1426 / 13-08-2005
السؤال
1.ما المقصود بالتلاعن. وكيف يتم. شفهيا، بالنية، بإحضار شهود . عن طريق المحكمة. 2.وفى حاله طرد الأب لابنه هل يعتبر ملاعنة .وهل تلاعن الأم ابنتها أم الأب فقط. 3.وهل الملاعنة مجازة شرعا.(22/25)
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتلاعن من اللعان وهو في اللغة
: الإِبْعادُ والطَّرْد من الخير، وقيل: الطَّرْد والإِبعادُ من الله، ومن الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء، انظر( لسان العرب 13 / 387)
والملاعنة بين الزّوجين : إذا قذف الرّجل امرأته أو رماها برجل أنّه زنى بها.
وعرّفه بعض العلماء كما في كتاب (العناية شرح الهداية) بأنه : شهادات تجري بين الزّوجين مؤكّدة بالأيمان مقرونة باللّعن من جانب الزّوج وبالغضب من جانب الزّوجة .
وأما كيف يتم قال ابن قدامة في المغني : "المسألة الثانية: في ألفاظ اللعان وصفته , أما ألفاظه فهي خمسة في حق كل واحد منهما . وصفته أن الإمام يبدأ بالزوج , فيقيمه له: ويقول له: قل أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا. ويشير إليها إن كانت حاضرة , ولا يحتاج مع الحضور والإشارة إلى نسبة وتسمية, كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود, وإن كانت غائبة أسماها ونسبها, فقال: امرأتي فلانة بنت فلان . ويرفع في نسبها حتى ينفي المشاركة بينها وبين غيرها. فإذا شهد أربع مرات, وقفه الحاكم, وقال له: اتق الله, فإنها الموجبة, وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة, وكل شيء أهون من لعنة الله. ويأمر رجلا فيضع يده على فيه, حتى لا يبادر بالخامسة قبل الموعظة, ثم يأمر الرجل, فيرسل يده عن فيه, فإن رآه يمضي في ذلك , قال له: قل: وإن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا. ثم يأمر المرأة بالقيام, ويقول لها قولي: أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا. وتشير إليه, وإن كان غائبا أسمته ونسبته, فإذا كررت ذلك أربع مرات, وقفها, ووعظها كما ذكرنا في حق الزوج, ويأمر امرأة فتضع يدها على فيها, فإن رآها تمضي على ذلك , قال لها: قولي: وإن غضب الله علي إن كان زوجي هذا من الصادقين فيما رماني به من الزنا. قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: كيف يلاعن؟ قال: على ما في كتاب الله تعالى, يقول أربع مرات: أشهد بالله إني فيما رميتها به لمن الصادقين. ثم يوقف عند الخامسة, فيقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. والمرأة مثل ذلك, توقف عند الخامسة, فيقال لها اتق الله, فإنها الموجبة, توجب عليك العذاب. فإن حلفت, قالت: غضب الله عليها إن كان من الصادقين." أ.هـ
وأما طرد الأب ابنه أو الأم ابنها أو بنتها فلا يسمى لعانا بالمعنى الشرعي .
واللعان مشروع عند وجود سببه ، وراجع الفتوى رقم 1147
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... اتهام الزوجة بالوقوع في الفاحشة(22/26)
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الأول 1426 / 25-04-2005
السؤال
آخر مرة اتصلت بزوجتي قبل ثلاثة أيام
أو أربعة ، ولكني فوجئت بعد هذه المدة أن الحيوانات المنوية مازالت بكثرة في فرجها ، سألتها باستغراب كيف ذلك، قالت لي بكل إصرار هو من عندك.
أرجوك أخي الكريم أجبني بصراحة حتى ولو استعنتم بطبيب متخصص فالموضوع له أكثر من سنتين وأنا مازلت أسألها وهي تجيب بنفس الجواب خاصة أني لم ألاحظ ذلك مرة أخرى..أهي خيانة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا نقول للسائل: إن حماية أعراض المسلمين، والمحافظة على سمعتهم، وصيانة كرامتهم، مطلب من مطالب
الإسلام، وغاية من غاياته، ولهذا فالشرع يسد الباب أمام الذين يلتمسون العيب والنقيصة للبشر، فيمنعهم من أن يجرحوا مشاعرهم، ويلغوا في أعراضهم، ويحظر أشد الحظر إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ويحرم القذف تحريماً قاطعاً، ويجعله كبيرة من كبائر الذنوب، ويوجب على القاذف ثمانين جلدة، ويمنع شهادته، ويحكم عليه بالفسق واللعن واستحقاق العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، ما لم يأت بما لا يتطرق إليه الشك من إقرار، أو ظهور حمل، ممن لم يكن لها زوج، أو شهادة أربعة شهود على حالة قلما تتحقق، مما يدل على خطورة انتهاك عرض المسلم عموما والزوجة خصوصا. فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ {النور: 6} إلى آخر آيات اللعان. فمن رمى زوجته بالفاحشة فليس أمامه إلا أن يأتي بأربعة شهود على دعواه أو يلاعنها أو الجلد وهو أخف الثلاثة إن كان كاذبا، ولا يخفى ما يترتب على اللعان في حالة كون الملاعن غير صادق في دعواه من الوعيد في الآخرة ومن المفاسد في الدنيا.
إذا تقرر هذا، فليعلم السائل أن ما وجده من سائل أو نحوه قد يكون من إفرازات المرأة وهو ما يعرف عند الفقهاء برطوبة فرج المرأة، وكثيرا ما يتكلمون عنه في كتب الفقه، وعلى كل حال، فلا يبرر له اتهام امرأته بل ولا مساءلتها على وجه الإنكار ولا يبعد أن يكون هذا الشعور الذي يشعر به ممزوجا بوسوسة وحالة غير عادية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
معنى اللعان وحكمه
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
يقال إن الزواج يزول بالطلاق واللعان والخلع والفسخ . ماالمقصود باللعان؟.
الفتوى(22/27)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فاللعان من اللعن، بمعنى الطرد والإبعاد، وفي اصطلاح الفقهاء ما يجري بين الزوجين من الشهادات والأيمان المؤكدة في حالة مخصوصة وهي إذا رمى الزوج زوجته بالزنا ، ولم تكن له بينة على ذلك وأنكرت الزوجة ذلك إنكاراً باتاً ، أو ادعى الزوج أن ولد زوجته ليس منه ، وأنكرت هي تلك الدعوى ولا بينة ، فإنهما يلجآن إذ ذاك للملاعنة على الصفة التي بين الله تعالى حيث يقول: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) [النور: 6-9] .
فإن تم اللعان بينهما، حصلت الفرقة بينهما على التأبيد، ويدرأ الحد وتنتفي نسبة الولد الذي لاعنا فيه عن الزوج.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام تتعلق فيمن لاعن كاذبا
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1425 / 25-11-2004
السؤال
ماهو حكم من لاعن زوجته. وهو كاذب .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن لاعن زوجته كاذبا فقد أتى إثما كبيرا لتعمده الكذب والقذف والأيمان الفاجرة، وكل هذه من كبائر الذنوب، ثم إنه يمضي حكم اللعان بينه وبين زوجته ولو أقر بكذبه. قال صاحب المنهاج: ويتعلق بلعانه
فرقة وحرمة مؤبدة وإن أكذب نفسه. قال شارحه مغني المحتاج: فلا يفيده ذلك عود النكاح ولا رفع تأبيد الحرمة لأنهما حق له، وقد بطلا فلا يتمكن من عودهما. هـ.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إذا لم تتب ففارقها واستر عليها
تاريخ الفتوى : ... 21 ربيع الثاني 1424 / 22-06-2003
السؤال
رجل علم وهو متأكد 100% من زنا امرأته وإنجابها بعض الاطفال ليس منه وعلم الشخص الذي زنى بها، ماذا يفعل اليوم بعد 8 سنين يذبح زوجته والأطفال والزاني، أم يلاعن اليوم من سيصدقه، يطلقها ويستر عليها وعلى الأطفال، وماذا يقول لأهله وأهلها اليوم وللمجتمع سيضحكون عليه، وعلما كل هذا تم بعمل سحر وانتقام الرجاء الرد والحل بأسرع وقت؟
الفتوى(22/28)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فليعلم زوج المرأة المذكورة أن الأبناء الذين أنجبتهم زوجته هم أبناؤه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. متفق عليه عن عائشة رضي الله عنها.
ثم ليعلم ثانياً: أنه لم يعد ممكنا من اللعان لنفي هؤلاء الأبناء لتأخره هذا الزمن كله، قال في أنوار البروق في أنواع الفروق: قال الأمير من رأى حمل زوجته فأخر اللعان بلا عذر، فليس له نفيه ولا يعذر بجهل، وليس من العذر تأخيره خيفة أن يكون انتفاخاً فينفش. 2/168.
ثم ليعلم ثالثاً: أنه إذا قتل زوجته أو الزاني بها فإن لأولياء الدم الحق في القصاص منه إذا لم يأت بأربعة شهداء يشهدون عليهما بالزنا، وأما قتل الأولاد فهو معصية وإثم كبير، إذ لا ذنب ولا دخل لهم في الموضوع، انظر كلاً من الفتوى رقم: 12315، والفتوى رقم: 31446.
والذي نراه أقرب إلى السداد في هذا الموضوع هو أن يطلق الرجل زوجته هذه، ويبتعد عنها إذا لم تكن قد تابت توبة نصوحاً من الزنا، لحرمة نكاح الزانية، قال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3].
وأن يستر عليها وعلى الزاني بها لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه.
مع العلم بأنه إذا أفشى ما كان من زناهما دون بينة تشهد له بذلك، كان قاذفا لهما ومستحقاً أن يجلد ثمانين جلدة، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4].
ثم إذا كان يعتقد أنه مسحور هو أو هي فله أن يحل السحر بالطرق الشرعية، وانظر ذلك في الفتوى رقم: 10981.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الحكم الشرعي في من رأى زوجته تعاشر غيره
تاريخ الفتوى : ... 15 شوال 1422 / 31-12-2001
السؤال
1- رجل طلق امرأته ثم أبقاها في منزله فترة العدة وهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر وبعد مرور الحيضة الأولى وأثناء هذه الفترة لم يجامعها أو يقبلها أو أي شيء من هذا القبيل
ثم بعد هذا الشهر أثناء عودته مبكرا من العمل دخل منزله فرأى زوجته يجامعها رجل آخر ماذا يفعل مع هذه الزوجة وما رأي الدين في ذلك ؟(22/29)
2- رجل تزوج امرأة وفي ليلة زفافه رأى أنها غير بكر ماذا يفعل معها هل يطلقها أم يمسكها حيث أنه لايطيق الحياة معها بعد أن رأى ذلك
وهل يضع توقيتاً للطلاق أم يطلقها فوراً أم يطلقها بعد مدة حتى لا ينكشف الأمر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة، وعليه فمن رأى مطلقته الرجعية تزني فهو مخير بين ما يلي:
أولاً: له أن يشهد عليها أربعة شهداء ويرفع أمرها إلى الحاكم ليقيم عليها الحد وهو الرجم حتى الموت.
ثانيا: له أن يلاعن على ما هو مذكور في الآيات الأول من سورة النور، قال تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين* والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين*ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين*والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين..)
فإذا نكلت المرأة عن اللعان أقيم عليها الحد، وإذا لاعنت فُرِّق بينهما، وينبغي أن يذكرا بالله قبل الملاعنة، وأن يحضا على التوبة بعدها.
ثالثاً: له أن يعظهما ويذكرهما بالله، ويستر عليهما، وليس له أن يعيدها إلى عصمته، لأنه لا يجوز إبقاء الفاجرة على الذمة، إلا أن تتوب توبة صادقة، فإن تابت توبة صادقة فله أن يتزوجها بعد أن تستبرئ بحيضة.
فإن حصل أن قتلهما فإنه لا شيء عليه فيما بينه وبين الله، لحديث المغيرة أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه، والله أغير مني" متفق عليه.
وأما فيما بينه وبين أولياء الدم فإن لهم أن يطلبوا القصاص، إلا أن يأتي بأربعة شهداء، فإن أتى بهم أو لم يطالب أولياء الدم بالقصاص فقد سقط عنه القصاص، وقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عمن وجد مع امرأته رجلاً فقتلهما؟ فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته، أي فليسلم إلى أولياء الدم وقد شدد وثاقه ليقتصوا منه أو يعفوا عنه، والرمة: الحبل يوثق به الأسير.
وروى سعيد بن منصور عن عمر رضي الله عنه أنه كان يوماً يتغدى إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين قتل صاحبنا. قال عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي فإذا كان بينهما أحد فقد قتلته، فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة، فأخذ عمر سيفه فهزه ثم دفعه إليه وقال: إن عادوا فعد.
فقد قضى عمر هنا بأن إقرار أولياء الدم بوجودهما على الوضع المذكور يسقط القصاص والدية.
والله أعلم.(22/30)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... العنة واللعان وأحكام الملاعنة
تاريخ الفتوى : ... 15 صفر 1427 / 16-03-2006
السؤال
ما هو الفرق بين العنة والملاعنة؟ وما حكم اللاعن في الإسلام؟ وهل اللعنة للزوجة تعتبر طلقة؟ نرجو التوضيح وجزاكم الله عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالعنة هي العجز عن الجماع كما وضحنا ذلك في الفتوى رقم 48190.
وأما اللعان فيقول في تعريفه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: واللعان لغة مصدر لاعن وقد يستعمل جمعا للعن وهو الطرد والإبعاد, وشرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد مما سيأتي, وسميت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن, ولأن كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها إذ يحرم النكاح بينهما أبدا واختير لفظ اللعان على لفظي الشهادة والغضب , وإن اشتملت عليهما الكلمات أيضا; لأن اللعن كلمة غريبة في تمام الحجج من الشهادات والأيمان, والشيء يشتهر بما يقع فيه من الغريب, وعليه جرت أسماء السور, ولأن الغضب يقع في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى ولأن لعانه متقدم على لعانها في الآية والواقع .اهـ
وكيفية اللعان أن يقول الزوج أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا أربع مرات والخامسة يقول فيها عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا, وكررت كلمات الشهادة لتأكيد الأمر ولأنها أقيمت من الزوج مقام أربعة شهود من غيره ليقام عليها الحد وهي في الحقيقة أيمان كما مر, وأما الكلمة الخامسة فمؤكدة لمفاد الأربع، ومما يحلف عليه الزوج أن يقول: إن هذا الولد من زنا وليس هو مني لينتفي عنه. ولعان المرأة أن تقول أربعا أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا، وتقول في الخامسة بأن عليها غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا.
وأما عن حكم اللعان فقد يكون اللعان واجبا كأن يكون على يقين من أن الحمل ليس منه، فيجب عليه أن يلاعن لنفي الحمل حتى لا ينسب إليه ولد هو منه برئ، وقد سبق تعريف اللعان وبيان بعض أحكامه في الفتوى رقم:1147، والفتوى رقم:40956، والفتوى رقم: 59172.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زوال غشاء البكارة والشك في الحمل
تاريخ الفتوى : ... 21 شعبان 1426 / 25-09-2005
السؤال(22/31)
أنا شاب ملتزم والحمد لله. تزوجت مؤخراً بفتاة كنت أظنها من الملتزمات، وفي ليلة الدخول عند المباشرة تبين لي أنها ليست عذراء قد فقدت غشاء البكارة ، فسألتها عن ذلك فأقامت الدنيا ولم تقعدها، فأصرت على أنها لم تمارس الجنس مع أحد قبل، لكن أنا مصر على العكس ، ورأيت أن أبقي الأمر سراً وأسترها لوجه الله ، ولكن تبين لي بعد ذلك أنها حامل بولد ليس مني ، فاسودت الدنيا أمامي ولا أعرف الآن ماذا أفعل، فأرشدوني إلى الصواب جزاكم الله خيرا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زوال غشاء البكارة ليس دليلاً على عدم عفة المرأة ، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 60405 .
والحمل الذي بان لك الأصل فيه أنه منك ، فإن الولد للفراش إذا ولد في مدة الإمكان وهي أقل مدة الحمل (ستة أشهر) ، لقوله صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش . وراجع الفتوى رقم: 64322 .
لكن إذا تيقنت أنه ليس منك ، فلك نفيه بملاعنة الزوجة ، فإن تم اللعان بينكما حصلت الفرقة على التأبيد ، وتنتفي نسبة الولد إليك ، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 1147.
وراجع أقوال أهل العلم في الظروف التي يمكن فيها الزوج من اللعان ، والتي لا يمكن فيها منه في فتوانا رقم: 59172 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لماذا خص الله سبحانه وتعالى الرجال باللعنة والنساء بالغضب في آية اللعان؟
تاريخ الفتوى : ... 24 رمضان 1425 / 07-11-2004
السؤال
لماذا خص الله سبحانه وتعالى الرجال باللعنة والنساء بالغضب في آية اللعان.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم لذلك توجيهين. الأول: أن المرأة لما كانت معتادة على ذكر اللعن على لسانها، جعل في حقها أمراً آخر هو الغضب. والثاني: ما ذكره ابن كثير رحمه
الله إذ قال بعد أن ذكر الآية: فخصها بالغضب، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور، وهي تعلم صدقه فيما رما ها به، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الملاعنة خاص بالرجال دون النساء(22/32)
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1425 / 03-11-2004
السؤال
في الآيات 6-8 من سورة النور حكم من يتهم زوجته بالزنا فهل هذا الأمر خاص بالرجال أم يجوز للمرأة أن تلاعن زوجها إذا رأت منه تهمة الزنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اللعان خاص بالأزواج دون الزوجات، ووجه ذلك أن الله عز وجل لما جعل في نفوس الرجال حبا للزوجات غالبا وغيرة عليهن وعدم احتمال رؤية الزنا بهن دفع عنهم حد القذف بما شرع لهم وخصهم به من الملاعنة، ويبين هذا أنه لما نزلت آيات القذف وتقرر حد القاذف اشتد الأمر على الأزواج الذين يعثرون على ريبة في زوجاتهم فأنزل الله عز وجل آيات الملاعنة تخصص عموم المحصنات اللاتي يحد من رماهن ولم يأت بأربعة شهداء...
وإن من المعلوم أن زنا الزوجة يلحق زوجها به من العار والذم وخلط أولاده بغيرهم ما لا يلحقها هي بزناه ولكن إذا ثبت زنا الزوج وأصر عليه فللمرأة أن تطلب منه الطلاق أو ترفع أمره إلى ولي الأمر ليردعه عن ذلك أو يجبره على طلاقها، فلله عز وجل الحكمة البالغة والعدل المطلق.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... إذا علم بحمل امرأته من غيره فعليه أن يلاعنها
تاريخ الفتوى : ... 12 شوال 1424 / 07-12-2003
السؤال
قال صديق لي: تزوجت بابنة عمي وسافرت وتركتها لمدة عام وعندما عدت وجدتها حاملاً ووضعت بعد عودتي بخمسة أشهر ونصف واعترفت بأن أحداً قد اغتصبها ولم أستطع فضح أمرها خوفا من مكانة عمي الاجتماعية والدينية وربما يصاب بصدمة قد تضره صحيا وآثرت الابتعاد عنها لفترة ووضعت مني طفلا آخر لكن رغم ذلك لم أستطع العيش معها وطلقتها وتركتها والاطفال ولم أكد أطيقهم وتزوجت بأخري ما الحل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ستر صديقك أمر زوجته هو الأولى له والأفضل لو كان الموضوع مجرد زنا، أما وقد وجدها حاملاً، وهو على يقين من أن الحمل ليس منه، فكان الواجب عليه أن يلاعنها لنفي الحمل ولا يترك المسألة تفوت، فينسب إليه ولد هو منه برئ، وإذ لم يفعل ذلك وفضل الستر على زوجته، فليتب إلى الله مما فعل، وليعلم أن الولد صار لاحقاً به ولا يمكن نفيه بعد، لما رواه الشيخان وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر.(22/33)
ولم يعد بعد ممكنا من اللعان لأن شرطه التعجيل، قال خليل: وإن وطئ أو أخر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع.
ولا يفيده في نفي النسب كون الزوجة مقرة بالاغتصاب، قال خليل: ولو تصادقا على نفيه.
الدرديري: أي الولد قبل البناء أو بعده فلا بد من لعان من الزوج لنفي الولد، فإن لم يلاعن لحق به. 2/460.
ونوصي صديقك بأن لا يفرط في ولديه ذينك، وأن لا يحمله فظاعة وقبح ما فعلته ابنة عمه على ترك الواجب عليه في حقهما من النفقة والكسوة والتعليم والتربية الحسنة وغير ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من شروط نفي الولد أن يكون فوريا إلا بعذر
تاريخ الفتوى : ... 26 شعبان 1424 / 23-10-2003
السؤال
بالنسبة للسؤال 79080 هو لم يقصد أنه يعلم منذ ثمان سنين، فهو بسبب السحر عرف وتأكد بتاريخ السؤال في هذه الفترة ومازال يعاني من السحر إلى الآن، وعرف حتى من عملوا له هذا السحر، ومتأكد مائة في المائة، ولكن من سوف يصدقنا؟ والله يشهد على كل كلامي، وهل إذا سترت الزوجة والأولاد علي ذنب؟ واللعان سوف يسبب فتنة كبيرة وقتل، لأن المتسببين هم من الأهل، وواحد منهم متزوج بنت أخي.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبالإضافة إلى الجواب السابق نقول للأخ السائل: إن من شروط نفي الولد أن يكون فوريا إلا بعذر، وهذا العذر يحدده القاضي الشرعي، فالمحكمة الشرعية هي التي يحق لها أن تقرر هل السحر الذي تذكر أنك مصاب به عذر يجيز لك أن تنفي الولد عنك الآن أم لا؟
وأما سؤالك هل عليك إثم في سترك على زوجتك؟ فنقول: إذا تابت هذه الزوجة فإن الستر عليها مطلوب، ولك أجر فيه، وفي الحديث: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخر. رواه ابن ماجه .
وأما إذا لم تتب واستمرت على ما هي عليه، فإن البقاء معها والسكوت عليها دياثة محرمة.
وأما الأولاد منها: فلا يحل لك نفيهم ولا التعرض لهم قبل حكم المحكمة، لأنهم أولادك شرعا، لحديث: الولد للفراش.
رواه البخاري . على أننا لا نشير على السائل برفع دعوى في المحكمة أو إثارة الموضوع أصلا، لما له من آثار خطيرة أشار إليها سؤاله،والغالب أن المحكمة لن تقبل حجته بعد هذه الفترة الطويلة.(22/34)
كما ننبه السائل إلى أن المسحور قد يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، ويخيل له أنه لم يفعل وقد فعل، وهذا حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبرت بذلك عائشة عنه، فنخشى أن يكون السائل قد أصابه شيء من ذلك، فيتعذر معه اليقين بنفي أولاده عنه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أيمان اللعان لا تعتبر إلا بشروط
تاريخ الفتوى : ... 25 رجب 1424 / 22-09-2003
السؤال
زوج رمى زوجته بالفاحشة وحينما طلبت منه ابنته أقامة حد اللعان أقسمت الزوجة ورفض الزوج أن يقسم فهل يفرق بينهما الآن وأنهما في حكم المطلقين؟ خاصة وأن الزوج اعتاد على رمي زوجته عدة مرات بغير حق فما العمل أن كان يرفض الطلاق إلا بعد أن تتنازل الزوجة عن جميع حقوقها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يحسن التنبيه إلى عدة أمور:
1- أن الشرع الكريم قد منح حماية عظيمة لعرض المسلم حيث رتب الوعيد الشديد على من قذف مسلماً أو مسلمة بفاحشة هو بريء منها، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23].
2- إن العلاقة الزوجية مستمرة بين الزوجين، لأن أيمان اللعان لا تعتبر إلا بحضرة قاض أو نائبه، أو رجل متصف بشروط القضاء يتفق الزوجان على تحكيمه بينهما، كما في كشف القناع للبهوتي وغيره.
3- أن الزوج الذي قذف زوجته بارتكاب الفاحشة، إما أن يثبت ما ادعاه من وقوع الفاحشة وهذا الإثبات لا بد له من أربعة شهود عدول أو تقر به الزوجة، أو يلاعنها، وإلا أقيم عليه حد القذف لعدم إثبات دعواه المذكورة لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4].
4- لا يحل للزوج الإضرار بزوجته من أجل التنازل عن حقوقها مقابل الطلاق لقول الله تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وغيره، وينبغي اللجوء إلى المحاكم الشرعية للنظر في هذه المسألة المذكورة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... فتويان في اللعان غير متعارضتين(22/35)
تاريخ الفتوى : ... 23 رجب 1424 / 20-09-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم في الفتوي رقم 33617 قلتم إن الأولاد أولاده ولم يعد هناك متسع من الوقت للعان، وفي الفتوى رقم6280 قلتم عليه ذنب إذا لم يلاعن على رغم من أنه علم بعد خمس وعشرين سنة هل يكون اللعان مازال بالنسبة للفتوى 33617 ممكن وما ذنب الأولاد الآن وانكشاف ستر الله وسوف تقع فتنة كبيرة جداً إن لاعن صاحب الفتوى 33617 مع العلم بأنه مازال مسحور إلى الآن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا تعارض بين فتوانا رقم: 32617، وفتوانا رقم: 6280.
لأن الأولى التي قررنا فيها عدم إمكانية اللعان لتأخيره مدة ثماني سنوات، فهذا الحكم -وهو كونه لا يقبل منه اللعان ولا يفيد- هو في حق من علم بزنا زوجته ثم لم يلاعنها بلا عذر، مع أنه أثم لسكوته عن نفي ولد تحقق أنه ليس منه، وأما الثانية فهي في حق رجل تحقق من زنا زوجته وأن ولدها ليس منه فحكمنا عليه في الفتوى الثانية بوجوب المبادرة باللعان.
قال الشربيني في مغني المحتاج: ولو أتت بولد وعلم أو ظن ظناً مؤكداً أنه ليس منه لزمه نفيه، لأن ترك النفي يتضمن استلحاقه، واستلحاقه من ليس منه حرام، كما يحرم نفي من هو منه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اللعان بين الزوجين ... العنوان
سمعت عن اللعان بين الزوجين ،فما هو؟وكيف يتم بين الزوجين ؟ وهل يحل للرجل أن يرجع زوجته بعد اللعان ؟
... السؤال
30/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سعى الإسلام إلى الحفاظ على الأسرة المسلمة ، وحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه ،وسد الطرق أمام هدم البيت ،إلا أن تستحيل العشرة ،ويكون الفصال هو الحل الأمثل ،ومن هذه الحالات اتهام الرجل زوجته بالزنى،وإصرارها على أنه كاذب فيكون اللعان بينهما ويفرق بينهما فرقة أبدية لا رجعة فيها ،لاستحالة الحياة بينهما.
وفي اللعان يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق رئيس لجنة تحقيق التراث الإسلامي بالكويت:(22/36)
من صور إنهاء عقد الزواج بسبب طروء ما يفسد عقد النكاح هو اتهام الرجل زوجته بالزنى فكيف يتم ذلك؟ وما الخطوات الشرعية التي يجب اتباعها إذا حدث مثل هذا ونستطيع بحول الله بيان هذا الأمر في النقاط التالية:
أولاً: عفة الزوجة وحصانتها وكونها خالصة للرجل حق شرعي يوجبه عقد الزواج فضلاً على أنه واجب شرعي على كل مكلف في الشريعة الإسلامية سواء كان ذكراً أم أنثى وهو حق للزوج على زوجته لأنها فراشه ومن تلدهم على فراشه ينسبون إليه ويشاركونه طعامه وشرابه وحياته، وإدخال الزوجة غريباً من حملها على فراش زوجها من أعظم الإثم ثم هو من أعظم هدم المجتمعات وإيجاد الفرقة والبغضاء. إذ كيف نحافظ على شعور الأب نحو أولاده والأخ نحو إخوته والأبناء نحو آبائهم دون نظافة النسل وطهارته؟ ولذلك كان من حق الزوج إلزام زوجته بالعفة وقصرها عليه فقط، وإعلان فسقها وفجورها إن كان متحققاً من ذلك.
ثانياً: من الأمور المشدد عليها في الشريعة الإسلامية اتهام شخص ما بالزنى وقد رتب الله على من فعل ذلك، إما أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون بذلك وإلا جلد ثمانين جلدة وأسقطت شهادته أبداً، ووصم بالفسق كما قال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون}.
ولكن لما كان هذا متعذراً أحياناً بالنسبة لزوج يرى زوجته على فجور، ثم هو لا يستطيع أن يصبر على ذلك لأن الأمر يعنيه من ناحية شخصه. ولذلك أباح الله للرجل أن يعلن فجور زوجته إذا تحقق من ذلك وأن لا يترتب عليه عقوبة حد القذف إذا لم يستطع إثبات ذلك بشهود أربعة وهذا ما نحن بصدده وهو ما يسمى في الشريعة "باللعان".
ثالثاً: إذا اتهم الرجل زوجته بالزنى ولم يستطع إثبات ذلك بالشهود فإن المرأة تستدعي وتذكر بالله سبحانه وتعالى فإما أن تقر بما ادعاه الزوج وفي هذه الحالة ينفذ عليها حكم الله في الزاني الثيب وهو الرجم، وإما أن ترفض ما ادعاه الرجل من اتهامها.
رابعاً: إذا لم يكن مع الرجل شهود يثبتون اتهامه فإن دعواه على زوجته لا تقبل إلا إذا حلف بالله أربع مرات أنه صادق فيما رمى به زوجته من الزنى ، ويحلف بالله يميناً خامساً أن لعنة الله عليه إن كان كاذباً في دعواه. وأما المرأة فإما أن تقر فينفذ فيها الحد وإما أن ترفض الدعوى وفي هذه الحالة لا يخلي سبيلها إلا بأن تقسم أربعة أيمان بالله أنه كاذب فيما رماها به من الزنى ، وتحلف يميناً خامساً أن غضب الله عليها إن كان صادقاً فيما قال، وقد اشتملت الآية التالية على هذه الأحكام حيث يقول الله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}.
خامساً: لا شك إذا انتهى الأمر على هذا النحو أن أحد الزوجين كاذب فإما أن يكون الرجل مدعياً كاذباً أو أن تكون المرأة جاحدة كاذبة ، ومع ذلك فإن الحكم في(22/37)
الإسلام يمضي بمقتضى الظاهر ، ولم يؤمر الحاكم في الإسلام أن يفتش البيوت ويشق الصدور ويعمد إلى وسائل الاعتراف لتقرير أحد الزوجين إذ كل ذلك من الفساد في الأرض، ولكن إذا وقع اللعان هذا وأكذب كل زوج صاحبه وأصر على موقفه فإن الحياة بينهما تصبح مستحيلة ولذلك يفرق بينهما فرقة أبدية لا رجعة فيها ، لا بعقد جديد أو مهر جديد ، فإن كان الرجل كاذباً على هذا النحو فليس جديراً بأن تعيش معه، وإن كانت المرأة كاذبة فليست جديرة بأن يضمها بيت هذا الزوج ثانية.
سادساً: لا يحل ولا يجوز أن يسترد الرجل شيئاً مما أعطاه لزوجته لا مهراً ولا غيره لأنه إن كان كاذباً فلا يحل له، وإن كان صادقاً فقد استمتع من الزوجة واستحل منها سابقاً بما هو جزاء المهر، وما أعطاه.
والدليل على ذلك حديث ابن عمر في البخاري ومسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: [حسابكما على الله، أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها]، قال (أي الزوج): يا رسول الله مالي؟ قال: [لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها].
سابعاً: ليس للمرأة التي يلاعنها زوجها نفقة ولا سكنى ،وإذا وضعت حملها -إن كانت حاملاً- فالولد ينسب لها ، ولا ينسب للزوج الملاعن ، ويدل لذلك حديث ابن عباس الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن لا يدعي ولدها لأب ولا يرمي ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد.
وفي هذه الطائفة التي ذكرناها آنفاً من أحكام اللعان تتبدى عظمة تشريع الإسلام ونظافته وقيامه على حفظ الحقوق، وعدم تفتيش السرائر، وتوزيع الحقوق والواجبات بالعدل. والمحافظات على نظم الاجتماع ومكارم الأخلاق. وما ضلت البشرية إلا بالخروج على هذه القيم والتعاليم .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
اللعان ... العنوان
السلام عليكم، فضيلة الشيخ، ما هو اللعان؟
... السؤال
د.أحمد سعيد حوى ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اللعان حالة خاصة بين الزوجين مستثناة من شرط إحضار أربعة شهود للزنا، وذلك أن الزوج إذا اتهم امرأته وليس له بينة، فله أن يحلف أربع أيمان أنه صادق فيما يتهمها -أي زوجته- به من الزنا، واليمين الخامس أن عليه لعنة الله إن كان كاذبا في ذلك، فإذا حلف فرّق بينهما بحكم اللعان، وانتفى نسب الولد من هذا الحمل إلى أبيه، ولها أن تدفع عن نفسها التهمة بأن تحلف هي أيضا أربع أيمان إنه لمن الكاذبين، واليمين الخامس أن غضب الله عليها إن كان صادقا فيما قال.(22/38)
وقال الله تعالى في ذلك: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرؤوا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين". هنا ويستحب للقاضي أن يذكرهما بالله قبل الإقدام على هذه الأيمان.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
تطليق الزوجة بسبب الفاحشة"اللعان" ... العنوان
دخل أخي بيته فوجد زوجته مع صديقه في وضع سيئ، وحفاظا على الأولاد لم يبلغ، وخاصة أن لهما ابنا في مرحلة البلوغ.. كل ما حدث أن صديقه هذا كتب وأقر كل ما فعله، وأخي من شدة المصيبة لم ينتبه لأخذ الورقة المعترف بها بالزنا، حيث أخذها أخو زوجته، ورفض تماما أن يرد الورقة له.
طبعا قام أخي بتطليقها طلقة لا رجعة لها.. الآن هي تشهّر به بالكذب، ونحن نخاف من أننا حينما نُسأل عما حدث لا بد أن نحكي لمن تكذب عليهم الحقيقة، وحينئذ يكون الرد أننا بذلك نكون من مشيعي الفاحشة.. ولو كان هناك إقامة حد لعرفت كل الدنيا.
الآن يقع ظلم على أخي بكذبها.. أليس علينا رد الحق مكانه لعلها ترتدع.. ويقول الله تبارك وتعالى في سورة النساء : "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم".. فما رأي فضيلتكم؟
... السؤال
أ.د.أحمد يوسف سليمان ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
خيرًا فعل أخوك أيها السائل الكريم بسرعة تطليق هذه الزوجة التي لوثت فراشه وهو على يقين من ذلك، وكان عليه أن يستمر في الستر عليها حتى لا تشيع الفاحشة بين المؤمنين من جهة، وحتى يحفظ لابنه منها كرامته، وألا يقابل تشنيعها عليه بتفنيده أو الرد عليه، وألا يشغل باله بذلك الأمر ولينصرف تمامًا إلى شئون حياته متناسيًا مثل هذه الواقعة.
وأما حكم الشرع في مثل هذه القضية فهو الملاعنة أي يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في ذلك، وأنها إن أقرته أقيم عليها الحد بالرجم، وإن كذبته فإن عليها أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا، وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم يفرق بينهما تفريقًا مؤبدًا، وإن شاء نفى حملها عنه إن ثبت حملها بسبب هذه الواقعة بأن يقول: "وأن ما في بطنها ليس مني أو ليس ابني"، فلا ينسب إليه حملها، ولكن هذه القضية التي يسأل عنها السائل الكريم انتهت بالطلاق الذي لا(22/39)
رجعة فيه وكان عليه أن يستمر في الستر عليها وألا يرد على تشنيعها بمثله. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
وطء شبهة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19628 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما حكم الدين فيمن أرسل رجلا نائبا عنه لعقد النكاح ، ثم سأفر فى اليوم نفسه ، ولما عاد وقع على خطيبته ظانا أن نائبه عقد له عليها ،وظهر أنه لم يعقد عليها وحملت منه ، فهل يعتبر الحمل منسوبا إليه أم لا ؟ .
نص الفتوى
أجاب : الاتصال الجنسى بين الرجل والمرأة على ثلاثة أضرب ، ضرب حلال وضرب حرام وضرب ليس بحلال ولا بحرام ، أما الحلال فهو ما كان بعقد نكاح صحيح مستوف للأركان والشروط ، أو كان تمتعا بملك اليمين للأمة غير الحرة، والحرام ما كان على غير هذه الصورة مع عدم وجود شبهة ومع العلم والاختيار، قال تعالى فى صفات المؤمنين المفلحين {والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } المؤمنون :5-7 ، وفى الحرام عقوبة بالجلد والتغريب لغير المُحْصَنِ ، وبالرجم للمحصن .
وأما الاتصال الذى لا يوصف بحل ولا حرمة فهو ما كان فيه شبهة ، كأن جامع الرجل امرأة يظن أنها زوجته فبانت أجنبية عنه ، وهذا لا حَدَّ ولا عقوبة فيه . لكن من جهة لحوق النسب فى الحمل فالمولود ينسب إلى أمه فى الأضرب الثلاثة لأنها هى التى حملت وولدت ، وذلك لا خلاف فيه بين العلماء . أما نسبُه للرجل فهو ثابت له فى الاتصال الحلال ، غير ثابت له لى الاتصال الحرام ، وأما فى الاتصال بشبهة فإن كانت الموطوءة على فراش رجل آخر-يعنى متزوجة-فالولد يلحق الزوج ، لحديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر" إلا إذا نفاه عنه باللعان المذكور فى أوائل سورة النور فلا يلحقه ، وإن كانت غير متزوجة فإن الولد يلحق من وطئها، وذلك على رأى جمهور الفقهاء .
جاء فى كتاب "المغنى" لابن قدامة "ج 9 ص 57" أنه لو وطىء رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه ، وهذا قول الشافعى وأبى حنيفة، وقال أحمد بن حنبل كل من درأتُ عنه الحدَّ ألحقت به الولد، ولأنة وطء اعتقد الواطئ حِلَّهُ(22/40)
فلحق به النسب ، كالوطء فى النكاح الفاسد - أى الذى اختل أحد أركانه أو شروطه - وفارق وطء الزنا –أى فى عدم لحوق النسب به -فإنه لا يعتقد الحل فيه ، ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ ، لأنه يعتقد حله فلحق به النسب كالوطء في نكاح فاسد .
وجاء مثل هذا الكلام فى حاشية الشرقاوى على التحرير فى فقه الشافعية "ج 2 ص 219 ، 271 " وذكر أن شبهة الفاعل تمنع الحد وتوجب مهر المثل ، ولا يوصف بها الوطء بحل ولا حرمة، ويثبت به النسب ، وتثبت به العدة . من هذا يعرف جواب السؤال وهو لحوق الحمل بهذا الرجل الذى ظن أن من جامعها هى زوجته .
ـــــــــــــــــــ
رعاية ولد الزنا ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20069 ...
رقم الفتوى
... 26/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
إذا رأيت طفلا ملقى فى مكان مجهول هل أتركه أم آخذ5 ؟
نص الفتوى
يغلب أن تلقى المرأة بولدها إن كان من زنا فى شارع أو مكان ليموت بعيدا عنها أو يأخذه إنسان يربيه ، ومعلوم أن الزنا من أكبر الفواحش والموبقات التى أجمعت الأديان على تحريمها ، والذى يرتكب هذه الفاحشة عامدا متعمدا يكفر إن اعتقد أنها حلال ، لأن حرمتها معلومة من الدين بالضرورة ، ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع أما ارتكابها مع اعتقاد حرمتها فهو عصيان لا يخرج من الدين وعقوبتها الجلد مائة إن كان لم يسبق للزانى زواج أى غير محصن ، والرجم إن سبق له زواج أى كان محصنا .
والذى يتحمل تبعة هذه الفاحشة هو من وقع فيها ، أما الولد الناتج منها فلا مسئولية عليه ، لأنه لا يد له فيها ولم يوجد بعد حتى يكلف ، وهو إن أحسنت تربيته ربما نشأ مستقيما ، وإن أهمل بأى نوع من الإهمال تعرض للموت أو الانحراف ، شأن كل اللقطاء الذين لا يهتم بتربيتهم .
وإذا تخلص من ارتكب . هذه الفاحشة من ثمرة جريمته بإلقائه فى شارع أو مكان خال وجب التقاطه إن كان حيا، ووجب على المسلمين الذين تمثلهم السلطة أن يرعوا هؤلاء اللقطاء . ويحرم عليهم تركهم يتعرضون للموت أو الانحراف، فقد تكون منهم شخصيات بارزة تفيد منهم الإنسانية .(22/41)
والدليل على وجوب حماية اللقيط أو المولود من زنى حادث المرأة الجهنية التى حملت من سفاح ، وطلبت من النبى صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحد وهى حامل فأرجأه حتى تضع الجنين ، بل حتى ترضعه ويفطم ويستغنى عنها ، كما رواه مسلم .
وقد قرر الفقهاء وجوب التقاطه بناء على قوله تعالى{ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} المائدة : 32 إلى جانب الأمر بعمل الخير فى قوله تعالى {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } الحج : 77 والأمر بالتعاون على البر فى قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} المائدة : 2 .
بل احتاط الإسلام فى رعاية هذا المنبوذ فاشترط الفقهاء فى لاقطه أو من يرعاه أن يكون صالحا لرعايته ، أمينا رشيدا حسن السلوك ، وقرروا له نفقة تكفى لرعايته رعاية حسنة، وحرموا رميه بأنه ابن زنا، فإنه لا ذنب له فى ذلك ، وقرروا بناء على الحديث ضم ولد الملاعنة التى رماها زوجها بالزنا ونفى الولد عنه - إلى أمه ، وذلك مظهر من مظاهر رعايته وعدم إهماله .
وجاء فى كتاب "كشف الغمة" للشعرانى ج 2 ص 138 : لما تلاعن هلال وزوجته قضى النبى صلى الله عليه وسلم ألا يرمى ولدها -يعنى لا يقذف بأنه ابن زنا ومن رماه فعليه الحد . قال عكرمة : فكان الولد بعد ذلك أميرا على مصر-أى على بلد من البلاد- وما يدعى إلا لأمه .
"يراجع الجزء الرابع من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 348)
كِتَابُ اللِّعَانِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ فِي أَيْمَانِهِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ كَمَا إذَا اقْتَصَرَ الزَّوْجُ فِي النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِ : قَبِلْت وَإِذَا جَوَّزْنَا إبْدَالَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَالسَّخَطِ وَاللَّعْنِ فَلَأَنْ تُجَوِّزَهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْلَى وَإِنْ لَاعَنَ الزَّوْجُ وَامْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ عَنْ اللِّعَانِ حَدَثَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَفْظُهُ عَلَّقَ هَلْ هِيَ صَرِيحٌ أَوْ تَعْرِيضٌ .
اخْتَلَفَ فِيهِ كَلَامُ أَبِي الْعَبَّاسِ .
وَلَوْ شَتَمَ شَخْصًا فَقَالَ : أَنْت مَلْعُونٌ وَلَدُ زِنًا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَنَّ الْمَشْتُومَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْخَبِيثِ أَوْ كَفِعْلِ وَلَدِ الزِّنَا وَلَا يُحَدُّ الْقَذْفَ إلَّا بِالطَّلَبِ إجْمَاعًا ،
وَالْقَاذِفُ إذَا تَابَ قَبْلَ عِلْمِ الْمَقْذُوفِ هَلْ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إنْ عَلِمَ بِهِ الْمَقْذُوفُ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ وَإِلَّا صَحَّتْ وَدَعَا لَهُ وَاسْتَغْفَرَ وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَجِبُ لَهُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ فَعَرَضَ وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَفِي تَجْوِيزِ التَّصْرِيحِ بِالْكَذِبِ الْمُبَاحِ هَاهُنَا نَظَرٌ وَمَعَ عَدَمِ تَوْبَتِهِ وَإِحْسَانِ تَعْرِيضِهِ كَذِبٌ وَيَمِينُهُ غَمُوسٌ وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا لَا يَعْلَمُهُ بَلْ يَدْعُو لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَظْلِمَتِهِ وَزِنَاهُ بِزَوْجَةِ غَيْرِهِ كَغَيْبَتِهِ ، وَوَلَدُ الزِّنَا مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .(22/42)
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 500)
( سُئِلَ ) عَمَّنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ هَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَيَلْحَقُهُ النَّسَبُ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ سُقُوطَهُ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ فَقَالَ وَلَا تُحَدُّ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى اللِّعَانِ .
--------------
( سُئِلَ ) عَمَّا لَوْ أَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ هَلْ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ كَوْنَهُ مِنْهُ وَالشَّرْعُ مَنَعَ نَسَبَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ وَيُفَارِقُ وَطْءَ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ فِيهِ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ ظَنِّ الْوَاطِئِ وَلَا ظَنَّ هَاهُنَا وَوَطْءُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ شُبْهَةَ الْمِلْكِ فِيهَا قَامَتْ مَقَامَ الظَّنِّ فَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي ضَعِيفٌ
---------------
( سُئِلَ ) عَنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ عَقِبَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ صَلُحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا وَسَوَاءٌ قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا أَوْ أَطْلَقَ أَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِزِنًا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُحَدُّ إذَا ظَهَرَتْ التَّوْبَةُ وَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الزِّنَا الَّذِي رَمَاهُ بِهِ هَلْ مَا اسْتَظْهَرَهُ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْجُورِيُّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَادَّعَى الْوِفَاقَ فِيهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ بِلُزُومِهِ إذَا ظَهَرَتْ التَّوْبَةُ وَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ قَبْلَ الزِّنَا الْمَذْكُورِ فِي صِيغَةِ الْقَذْفِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ قَدْ اسْتَبْعَدَ عَدَمَ وُجُوبِ الْحَدِّ مُسْتَبْعِدُونَ فِي حَالَةِ إضَافَةِ الْقَذْفِ فِي الزِّنَا إلَى مَا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَلَمْ يَعْتَمِدُوهُ وَجْهًا ا هـ فَظَهَرَ أَنَّ مَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ
--------------
( سُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا عَاهِرَةُ هَلْ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ أَوْ كِنَايَةً ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الزِّنَا يُقَالُ عَهَرَ فَهُوَ عَاهِرٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ لَمْ أَعْلَمْ كَوْنَهُ قَذْفًا وَلَمْ أَنْوِهِ بِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ لِخَفَائِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ .
-------------
( سُئِلَ ) عَنْ لَفْظِ التَّعْرِيضِ هَلْ هُوَ قَذْفٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَغَيْرِهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ لَفْظَ التَّعْرِيضِ لَيْسَ مَدْلُولُهُ الْقَذْفَ .
--------------
( سُئِلَ ) عَمَّنْ قَالَ أَهْلُ مِصْرَ زُنَاةٌ مَثَلًا هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْحَدِّ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ غَيْبَةً مُحَرَّمَةً أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِغَيْبَةٍ .
-------------(22/43)
( سُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ أَنْتَ عِلْقٌ أَوْ نَادَاهُ بِذَلِكَ هَلْ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ أَمْ كِنَايَةٌ وَهَلْ يُعَزَّرُ بِذَلِكَ لِلْإِيذَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْقَذْفِ وَيُعَزَّرُ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 9 / ص 220)
( وَسُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَثَبَتَ افْتِرَاشُهُ لَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ افْتِرَاشِهَا أَوْ لَا ؟ فَهَلْ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ؟ فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ جِهَتِنَا أَفْتَى بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ شَرْعًا إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ .
فَقَالَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَوَائِلَ كِتَابِ اللِّعَان مِنْ الرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ وَهَذَا نَصُّ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الَّتِي فَهِمَ مِنْهَا الْمُفْتِي ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَلَى فِرَاشِهِ وَالْإِمْكَانُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي نِكَاحِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَانِ ا هـ لَفْظُ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَمْلُوكِ وَجْهُ مَا أَفْتَى بِهِ هَذَا الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ وَلَا أَخَذَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ مِنْ أَهْلِ زُبَيْدٍ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي جَوَابٍ لَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ عِنْدَ جَهْلِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِ جَوَابِهِ وَإِذَا جَهِلَتْ الْمُدَّةَ فَلَمْ يَدْرِ هَلْ وَلَدَتْهُ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ أَوْ لِدُونِهَا قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ .
فَهَذِهِ لَمْ أَرَهَا مَنْقُولَةً وَلِلنَّظَرِ فِيهَا مَجَالٌ وَلَعَلَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ يَلْحَقُ لِثُبُوتِ كَوْنِهَا فِرَاشًا ثُمَّ سَاقَ كَلَامًا آخَرَ لِلْبُلْقِينِيِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَمَا الرَّاجِحُ يَا سَيِّدِي فِي ذَلِكَ وَمَا الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُعْتَمَدُ فِيهَا مِنْ الْجَوَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوهُ لَا زِلْتُمْ مَصَابِيحَ الظَّلَامِ وَهُدَاةَ الْأَنَامِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ؟ ( فَأَجَابَ ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَدْ تَعَقَّبْت وَتَصَفَّحْت عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيَّامًا حَتَّى رَأَيْت فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَاب أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ وِلَادَتُهُ عَلَى فِرَاشِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاع بَعْدَ النِّكَاحِ وَعِبَارَة النَّصِّ وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِابْنِي فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حَتَّى يُفَسِّر فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا وَلَمْ تَلِدُهُ مِنِّي أَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ قَبْلِي وَعَرَفَ نِكَاحَهَا قَبْلَهُ فَلَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ وَلِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ مِنْهُ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَإِنْ سَأَلَتْ يَمِينَهُ أَحَلَفْنَاهُ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ أَحَلَفْنَاهَا وَلَحِقَهُ وَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ لَمْ يَلْحَقْهُ .
وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَمْ أُصِبْهَا قِيلَ لَهُ قَدْ تَخَطَّى فَلَا يَكُونُ حَمْلًا وَيَكُونُ صَادِقًا وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ فَمَتَى اسْتَيْقَنَا أَنَّهُ حَمْلٌ قُلْنَا لَهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلُهَا فَتَحْمِلُ مِنْكَ فَتَكُونُ صَادِقًا بِأَنَّك لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ(22/44)
صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُك وَإِنْ قُذِفَتْ لَاعَنَتْ وَإِنْ نَفَى وَلَدَهَا وَقَالَ لَا أُلَاعِنُهَا وَلَا أَقْذِفُهَا لَمْ يُلَاعِنْهَا وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ قَذَفَهَا لَاعَنَهَا لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَهَا بِغَيْرِ قَذْفٍ فَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ تَلِدْهُ وَقَدْ عَلِمَتْ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنَّهَا غَصَبَتْهُ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ فَإِذَا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ وَلِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ مِنْهُ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ طُرُقِ الْحَصْرِ تَجِدهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ وِلَادَتُهُ عَلَى فِرَاشِهِ لِزَمَنِ الْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا سَاقَهُ قَالَ عَقِبَهُ وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا سُئِلَ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا وَإِنَّمَا الْتَقَطَتْهُ أَوْ اسْتَعَارَتْهُ وَلَمْ تَلِدْ عَلَى فِرَاشِي فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ بِالْوِلَادَةِ عَلَى فِرَاشِهِ وَهِيَ شَاهِدَانِ ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ، أَوْ أَرْبَع نِسْوَة وَلَوْ طَلَبَتْ يَمِينه أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ فَذَاكَ وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِهِ : فَتَحْلِفُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا وَلَا يَنْتَفِي وَإِنَّمَا التَّدَاعِي بَيْنَهُمَا فِي الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ وَفِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَمْ لَا وَلِذَا إنَّمَا يَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَذْكُر ابْنُ الْعِمَادِ الرَّافِعِيِّ غَيْرَهُ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ إنْ نَفَى وِلَادَتَهُ عَلَى فِرَاشِهِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَإِنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ بِوَلَدٍ لِي حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ثُمَّ إنَّمَا يَلْحَقُهُ إذَا حَلَفَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْلِفْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حُدُوثُهُ عَلَى الْفِرَاشِ أَيْ وَلِأَنَّ يَمِينَ الرَّدِّ لَا تُرَدُّ ا هـ .
الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ شَرْحًا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ ثُمَّ إنَّمَا يَلْحَقُهُ إذَا حَلَفَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ تَجِدُهُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا الثَّانِيَةُ أَيْ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ الْمَذْكُورُ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا بَلْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنِّي بَلْ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلِي فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاذِفًا وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَةُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ كَالْبَنْدَنِيجِيِّ وَسُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَالتَّقْرِيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَصَّ الْمَقْدِسِيُّ فِي التَّهْذِيبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَ ذَلِكَ قِيلَ هَذَا الْبَيَانُ غَيْرُ مَقْبُول فَبَيَّنَهُ بِمَا يُمْكِنُ لِيُقْبَل وَإِنْ عُرِفَ لَهَا زَوْجٌ فَإِمَّا أَنْ يُعْرَفَ وَقْتُ طَلَاقِهِ وَعَقْدُ الثَّانِي وَوَقْتُ الْوِلَادَةِ ، أَوْ لَا يُعْرَفُ فَإِنْ عَرَفْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ أُلْحِقَ بِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ أَيْ عَلَى قَوْلِ الْأَصَحِّ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لِلثَّانِي لِانْقِطَاعِ فِرَاشِ الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِدَدِ وَإِنْ جُهِلَ وَقْتُ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَعَقْدُ الثَّانِي وَوَقْتُ الْوِلَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِزَمَانٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ مِنْهُ أَيْ فَتُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يُعْتَرَضُ لِكَوْنِهِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَلَفَ انْتَفَى عَنْهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ كَمَا سَبَقَ عَنْ نَصِّهِ ا هـ .(22/45)
الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ مَعَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ قِيلَ هَذَا الْبَيَانُ إلَخْ أَيْ : قَوْلُك لَيْسَ مِنِّي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تُبَيِّنَ سَبَبَ انْتِفَائِهِ عَنْ فِرَاشِك مِنْ عَدَمِ وِلَادَتِهِ عَلَيْهِ ، أَوْ عَدَمِ إمْكَانِهِ مِنْك لِكَوْنِهَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ مُدَّةِ أَقَلّ الْحَمْلِ ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ حَتَّى تُقْبَلَ دَعْوَاك أَنَّهُ لَيْسَ مِنْك فَإِذَا فَهِمَتْ أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ كَانَ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ لِدُونِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ يُقْبَلُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِزَمَنِ الْإِمْكَانِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهُمْ الْمُوَافِق لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَعِبَارَة أَصْلِهَا أَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهَا فِي ذَلِكَ إذَا جَهِلَ وَقْتَ طَلَاق الْأَوَّلِ وَوَقْت عَقْدِ الثَّانِي وَوَقْتَ الْوِلَادَة فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ، أَوْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِزَمَانِ يَسْتَحِيلُ كَوْنه مِنْهُ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا وَوَجْهُ صَرَاحَتِهِ أَنَّ فِرَاشَ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَالْفِرَاشُ لَيْسَ إلَّا لِلثَّانِي وَقَدْ جَهِلْنَا أَنَّ وِلَادَةَ هَذَا الْوَلَد عَلَيْهِ لِزَمَنٍ يُمْكِنُ كَوْنه مِنْهُ ، أَوْ لَا فَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ، أَوْ فِي أَنَّهُ وُلِدَ لِزَمَنٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لِدُونِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مَثَلًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْوِلَادَةِ إذَا جُهِلَتْ لَا تَكُونُ الْوِلَادَةُ عَلَى الْفِرَاشِ سَبَبًا لِلْإِلْحَاقِ بِذِي الْفِرَاشِ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ أَنَّهَا لِمُدَّةِ أَقَلِّ الْحَمْلِ فَأَكْثَرُ وَصَرَاحَةُ مَا تَقَرَّرَ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْته وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ شَرْحُهَا مَا ذَكَرْته بِقَوْلِي عَنْهُمْ إذَا جَهِلَ وَقْتَ طَلَاق الْأَوَّلِ وَوَقْتَ عَقْدِ الثَّانِي وَوَقْتَ الْوِلَادَةِ إلَخْ وَعِبَارَةُ أَصْلهَا أَظْهَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ عِبَارَتهَا وَهِيَ وَإِذَا لَمْ نَعْرِفْ وَقْتَ فِرَاقِ الْأَوَّلِ وَنِكَاحِ الثَّانِي فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَحُصُولُ الْإِمْكَانِ شَرْطٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي نِكَاحِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَان أَيْ فَحِينَئِذٍ يَلْحَقُهُ وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُحْصَنَاتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَلَهَا تَحْلِيفُهُ فَإِنْ نَكَلَ تَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ انْتَهَتْ مُلَخَّصَةً وَقَوْلُهُ : فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ أَيْ بِالثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَوْله لِأَنَّ الْوَلَدَ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ إمْكَانَ الْوِلَادَةِ مِنْهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَهَذَا نَصُّ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلِمْت أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا قَرَّرُوا أَنَّ الْوَلَدَ عَلَى فِرَاشِ الثَّانِي وَأَنَّ حُصُولَ الْإِمْكَانِ مَعَ كَوْنِ الْوَلَدِ عَلَى الْفِرَاش شَرْطٌ فِي لُحُوقِهِ بِذَلِكَ الْفِرَاشِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرَطَ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَد وَإِنْ كَانَ عَلَى فِرَاشِهِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْته عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمُوَافِقِ لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ جِهَةِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا وَبِمَا قَرَّرَتْهُ فِيهِ عَلِمْت دَلَالَتَهُ الْوَاضِحَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ هُنَا فِرَاشَانِ فَإِذَا نُفِيَ عَنْ الثَّانِي كَمَا ذَكَرَ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ فِرَاش الزَّوْجِ ضَيَاعُ نَسَبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لَهُ مَا أَمْكَنَ قُلْت إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَهُمْ السَّابِقَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ خَيَالٌ لَا اعْتِبَارَ بِهِ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ جَهِلَ وَقْت طَلَاقِ الْأَوَّلِ فَالْإِلْحَاقُ بِهِ مُسْتَحِيلٌ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِ طَلَاقِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ الِانْتِفَاءِ عَنْ الثَّانِي هُنَا الْإِلْحَاقُ بِالْأَوَّلِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَسَاوَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ صُورَةَ السُّؤَالِ فِي أَنَّهُ يَنْتَفِي عَنْ ذِي الْفِرَاشِ فِيهِمَا وَإِنْ شَاعَ نَسَبُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلُّحُوقِ بِالْفِرَاشِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي مِنْ أَمَتِي وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِي فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنْ أَقَرَّ(22/46)
بِوَطْئِهَا لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِمْكَانُ وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ صَرَائِحُ بَيِّنَةٌ فِي أَنَّ الْفِرَاشَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِكَافٍ فِي الْإِلْحَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ تَحَقُّقِ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَاتِهِمْ هَذِهِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ وَالشُّرُوطُ لَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِهَا أَوْ ظَنِّهَا الْمُسْتَصْحَبِ بَعْدَ تَيَقُّنِ وُجُودِهَا وَعِنْدَ وُجُودِ الْفِرَاشِ وَالشَّكِّ فِي أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْإِلْحَاقِ أَصْلًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفِرَاشَ وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ وَأَنَّ الْإِمْكَانَ عِنْدَ الشَّكِّ غَيْرُ مَوْجُودٍ يَقِينًا وَلَا ظَنَّا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الشَّكُّ فِي الشَّرْطِ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ وَالْمُرَادُ الشَّكُّ فِي أَصْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَمَا نَقَلَهُ فِي السُّؤَالِ عَنْ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَجِيبٌ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا عَلِمْت مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْأَصْحَاب رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هِيَ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ أَيْضًا كَالتَّنْبِيهِ وَعِبَارَته بَابُ مَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَمَا لَا يَلْحَق وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ لَحِقَهُ نَسَبُهُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ وَفَسَّرَ شُرَّاحَهُ ابْن الرِّفْعَةِ وَابْن النَّقِيبِ وَغَيْرُهُمَا زَمَنَ الْإِمْكَانِ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ وِلَادَتُهُ لِأَقَلّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُحْبِلُ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَيْ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ وِلَادَته لِأَقَلّ مِدَّةِ الْحَمْلِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُحْبِلُ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَيْ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ اسْتِدْخَالِهَا مَنِيّه لِنُدْرَةِ الْحَبَلِ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَعْنِي التَّنْبِيهَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَيْ بِأَنْ تُوجَدَ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اللُّحُوقِ بِالْفِرَاشِ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ وَيَلْزَمُ عَلَى بَحْثِ السَّيِّدِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَشَكَّ فِي إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِ بِهَا ، أَوْ لَا أَوْ فِي أَنَّهُ مَمْسُوحٌ ، أَوْ لَا أَوْ فِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلّ مُدَّةِ الْحَمْلِ ، أَوْ لَا ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آخِر اجْتِمَاعِهِ مَعَهَا ، أَوْ لَا أَوْ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا الشَّكِّ وَأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ الشَّكِّ وَكَلَامُهُمْ طَافِحٌ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَمَا عَرَفْت أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ حَتَّى يُوجَدَ الْمَشْرُوطُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْخِلَاف الْمَشْهُور بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي أَنَّ مَنْ نَكَحَ وَطَلَّقَ ثُمَّ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ فَعِنْدَنَا لَا نُلْحِقُهُ إلَّا إنْ تَحَقَّقْنَا تَخَلُّل زَمَنٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ بِالزَّوْجَةِ فِيهِ عَادَةً وَعِنْدَهُ يَلْحَقُ النَّسَبُ وَإِنْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَهِيَ بِالْمَشْرِقِ وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَأْخَذَ مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ مَعَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ الْأُخَر الْبَاقِيَة فَإِنْ قُلْت مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ ظَاهِر فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ ، أَوْ نَحْوُهُ مَوْجُودًا وَتَنَازَعَ مَعَ الزَّوْجَةِ ، أَوْ نَحْوِهَا وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا أَمَّا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَنَحْوُهُ مَثَلًا ثُمَّ رَأَيْنَا زَوْجَتَهُ وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ بِكَوْنِهِ وَلَدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ وُجُودِ تِلْكَ الشُّرُوطِ أَوَّلًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مِنْ الْفِرَاشِ وَهُوَ الْإِلْحَاقُ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بَحْثُ السَّيِّدِ السَّابِقِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ(22/47)
نِسْبَتِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَى مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْعَارِ بِضَيَاعِ نَسَبِهِ وَلِأُمِّهِ عَنْ الْعَارِ بِرَمْيِهَا بِالزِّنَا وَنَحْوِهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ نَازَعَهُ فِي انْتِسَابِهِ إلَى ذِي الْفِرَاشِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ بَيِّنَةٍ وَلَوْ أَرْبَعَ نِسْوَة فِيمَا يُقْبَلْنَ فِيهِ تَشْهَدُ بِوُجُودِ جَمِيعِ تِلْكَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ ، أَوْ فِيمَا نُوزِعَ فِيهِ مِنْهَا حَتَّى يَنْدَفِعُ النِّزَاعُ فِيهِ الْمُعْتَضِدُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ أُبُوَّةِ ذِي الْفِرَاشِ لَهُ حَتَّى تَتَحَقَّقُ مُقْتَضَيَاتُ الْإِلْحَاقِ وَيُوَافِقُ مَا قَدَّمْته أَوَّلًا أَيْضًا قَوْل ابْنِ الْوَكِيلِ وَأَقَرُّوهُ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ .
وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَلَدِ الْكَامِلِ أَمَّا النَّاقِص كَأَنَّ جُنِيَ عَلَى حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ أَبَوَيْهِ وَتَكُونُ الْغُرَّةُ لَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَجْهَضَتْهُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ كَانَتْ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَكَفَنِهِ عَلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِالسِّتَّةِ أَشْهُرٍ الْوَلَدُ الْكَامِلُ دُونَ النَّاقِصِ فَتَأَمَّلْ هَذَا تَجِدْهُ أَيْضًا مُوَافِقًا لَمَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ قَبْل الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا أَطْبَاقُهُمْ فِي أَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ هَذَا ابْنِي لَا يَلْحَقُهُ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ إمْكَانُ كَوْنِهِ مِنْهُ فَلَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ لَمْ نُلْحِقْهُ بِهِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ غَايَةَ الْفِرَاشِ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذَا وَلَدِي فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ : فِي أَنَّ الْوِلَادَةَ لِدُونِ زَمَنِ الْإِمْكَانِ جَعْلُهُمْ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجَةِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا لَوْ اخْتَلَفَتْ الْبَائِنُ وَالزَّوْجُ فِي وَقْتِ الْوَضْعِ فَقَالَتْ وَضَعْت الْيَوْمَ وَطَالَبْته بِنَفَقَةِ شُهُورٍ وَقَالَ بَلْ وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِوَقْتِ الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوِلَادَةِ وَبَقَاءُ النَّفَقَةِ قُلْت لَا يُنَافِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ وَضْعِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ : وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ مُتَضَمِّنًا لِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ وُجُوبِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسْقَطُ وَهُوَ الْوَضْعُ فَلِاعْتِضَادِ قَوْلِهَا بِهَذَا الْأَصْلِ وَمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لَهُ احْتَاجَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَمْ تَحْتَجْ هِيَ إلَيْهَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا أَصْلَ فِيهَا مَعَهَا بَلْ الْأَصْلُ وَهُوَ عَدَمُ أُبُوَّتِهِ مَعَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ هُوَ إلَى بَيِّنَةٍ لَدَعْوَاهُ وِلَادَتِهَا لِدُونِ الْإِمْكَانِ لِمُوَافَقَتِهَا أَصْلِ الْعَدَمِ وَاحْتَاجَتْ هِيَ إلَى بَيِّنَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِلْإِمْكَانِ لِأَنَّ قَوْلَهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْغَزِّيُّ لَوْ قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبِلْنَا قَوْلهَا فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَلُوقُ بِهِ فِي النِّكَاحِ السَّابِقِ لَحِقَ الزَّوْج إلَّا إذَا تَزَوَّجَتْ وَاحْتَمَلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ الثَّانِي فَلَوْ قَالَ الْمُطَلِّقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا النِّكَاحُ فَلَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْله بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ ا هـ .
فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْله هُنَا إلَّا بِبَيِّنَتِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ قُلْت لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا فِرَاشَهُ وَتَحَقَّقْنَا الْإِمْكَانَ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زَوْجِ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ : نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الْمُعْتَضَد بِتَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ مِنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْله إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ الْمُقْتَضِي لِلُّحُوقِ بِهِ هَذَا مَا فَتْح اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى أَقَلّ عَبِيدِهِ وَأَحْوَجِهِمْ إلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ .
ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 12 / ص 31)
حكم لعان المملوكة واليهودية والنصرانية:(22/48)
___________________________________
السؤال: إذا كانت تحت الرجل امرأة نصرانية أو يهودية أو مملوكة فهل يقع بينهما اللعان؟
___________________________________
الجواب: أما المملوكة فلا لعان بينه وبينها؛ لأنها مملوكة وليست زوجة له، والله سبحانه وتعالى قال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [النور:6]. وأما اليهودية والنصرانية فيجري في حقهما اللعان كما يجري في حق المسلمة، لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ [النور:6].
ـــــــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 8 / ص 206)
عدم الالتزام بالأحكام الشرعية يجلب المصائب
يقول السائل: أنا شاب أدرس في غير بلدي، وكان لي صديق يدرس في نفس البلد، هو وزوجته، ثم ضاقت به الظروف فلم يستطع أن يدفع إيجار الشقة فنزل علي ضيفًا هو وزوجته حتى يفرغا من دراستهما وقد كان صديقي كثير الخروج لدروسه، مما سمح بوجود علاقة بيني وبين زوجته بالجماع الكامل لمدة شهرين، ثم عدت إلى دولتي وفوجئت أن هذا الجماع أثمر طفلاً يشبهني وقد أخبرتني زوجة صديقي بأنه ولدي، ولما رأى أبوه الولد أنكره لعدم شبهه به، وهو الآن يفكر جديًّا في طلاقها؛ لأنه يكاد يجزم بأن الولد ليس ولده، وقد مرَّ على الطفل عام ونصف ولم يسجله باسمه، ولا يريد أن يفعل والسؤال: أنا أعرف أنني أخطأت، ومستعد لما تملونه عليّ. ولكن ما ذنب هذا الطفل، وباسم من يسجل، ومن ينفق عليه، ومع من يعيش؟ وهل أعترف لصديقي بالأمر؟ ماذا أفعل أرجوكم.
الجواب: إن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وقد ازداد إثم هذا الزاني لأنه زنى بزوجة جاره بل بزوجة ضيفه، وعلى هذا الزاني أن يتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة نصوحا، حيث إنه قد وقع في ذنب عظيم، وهناك قضية مهمة أود الإشارة إليها وهي أن السبب في وقوع هذه المعاصي هو التساهل في الأحكام الشرعية، حيث إن الخلوة التي حصلت بين السائل وزوجة صديقه هي التي أوقعته في جريمة الزنا، ولو أنه التزم بالحكم الشرعي لما وقع في هذه الجريمة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) رواه مسلم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -:( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/432.
وأما ما يتعلق بالولد الذي هو ثمرة الزنا فقد قرر أهل العلم أن الولد للفراش أي أن الولد ينسب لزوج المرأة الزانية ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت ( كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال ابن أخي قد عهد إليَّ فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على(22/49)
فراشه فتساوقا - أي اختصما - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة: زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله ) رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي:[ قوله - صلى الله عليه وسلم -:( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) قال العلماء: العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا, ومعنى الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -:( الولد للفراش ), فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة, سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً ) شرح النووي على صحيح مسلم 4/31.
وقال الحافظ ابن عبد البر:[ فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا وأن الولد للفراش على كل حال والفراش النكاح أو ملك اليمين لا غير . أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح أو ملك يمين فإذا كان نكاح أو ملك فالولد للفراش على كل حال ] الاستذكار 2/167-168.
ولا يجوز أن ينسب الولد للزاني حتى ولو اعترف الزاني بأن الولد منه ما دامت الزانية ذات زوج وأما إذا كانت الزانية لا زوج لها فيصح إلحاق الولد بالزاني إن أقر به على قول جماعة من أهل العلم.
وأما قول السائل إن زوج المرأة قد أنكر الولد لما رأى أنه لا يشبهه فإن الشريعة قد شرعت اللعان في هذه الحالة وهي أن ينكر الزوج ولداً أنجبته زوجته قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } سورة النور الآيات 6-9. وقد ذكر أهل العلم أن سبب نزول هذه الآيات هو ما ورد في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - ( أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشريك بن سحماء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - البينة أو حد في ظهرك، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول البينة وإلا حد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } فقرأ حتى بلغ إِن { كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها فجاء هلال فشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت: لا أفضح(22/50)
قومي سائر اليوم فمضت، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن ) رواه البخاري.
ويشترط في اللعان بين الزوجين أن يكون اللعان فورياً بأن ينفي الزوج الولد بمجرد الولادة قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ وإذا ولدت امرأته ولداً فسكت عن نفيه مع إمكانه لزمه نسبه ولم يكن له نفيه بعد ذلك وبهذا قال الشافعي ] المغني 8/61. وإذا تم اللعان بين الزوجين تفرقا فرقة أبدية لما ورد في الحديث عن سهل بن سعد (.فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبداً ) رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/424.
ـــــــــــــــــــ
اللعان والمباهلة
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الأيمان والنذور
التاريخ 5/11/1422
السؤال
السلام عليكم، لدي سؤال: سمعت عن حلف يمين يسمى التلاعن أو نحو ذلك يحلف فيه طرفان أنهما لا يكذبان على بعضهما ومن يكذب تأتيه عقوبة؟ هل صحيح حدوثه في زمن الرسول؟ وما صيغته ؟ أريد معلومات عنه. وجزيتم عني خيراً .
الجواب
لعل الأخ السائل اشتبهت عليه مسألتان:
الأولى: اللعان، وهو الذي يكون بين الزوجين عندما يقذف الزوج زوجته بالزنا، فيتلاعنان، وصفة اللعان: أن يحلف كل واحد منهما أربعة أيمان أنه لم يقع منه ما رماه به الطرف الآخر ويقول الزوج في الخامسة : إن لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين، وبينما تقول الزوجة: إن غضب الله علي إن كنت من الكاذبين، ثم يفرق بينهما القاضي، ولا يجتمعان إلى الأبد.
الثانية: المباهلة، وهي لغة واصطلاحاً تدور على المعاني الآتية:
باهل مباهلة، أي لعن كل منهما الآخر، ويقال ابتهل إلى الله: أي تضرع إليه واسترسل في الدعاء، ويقال : باهل بعضهم بعضاً : أي اجتمعوا فتداعوا فاستنزلوا لعنة الله على الظالم منهم، ومنه قوله تعالى: " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" [آل عمران : 61] .
وبهذا يعلم السائل أن طلب المباهلة كان موجوداً على عهد النبي-صلى الله عليه وسلم- كما في الآية السابقة التي جاءت في سياق محاجة نصارى نجران، ويمكنك أخي أن تراجع كلام المفسرين حول هذه الآية الكريمة .
ـــــــــــــــــــ
اكتشف حملها بعد الزواج(22/51)
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/نكاح الزانية
التاريخ 18/6/1424هـ
السؤال
لقد سبق لي الزواج من فتاة أوربية مسلمة، ويعلم الله سبحانه وتعالى لم أتزوجها إلا لأنها مسلمة، ولم يكن الهدف إلا العفاف, فإذا هي حامل في الشهر الثاني، لقد اكتشفت بأنها تخونني في فراش الزوجية، ولقد وجد الدليل، وتم اعترافها ضمنيا على هذه الفعلة الدنيئة, أفيدوني جزاكم الله ألف خير، ماذا أفعل؟ وما هو رأي الدين في ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد: إن ثبت أن المرأة كانت حاملاً قبل العقد عليها فالنكاح باطل، لما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا توطأ حامل حتى تضع" رواه أحمد 3/28 وأبو داود (2157) والدارمي (2295)، والبيهقي (9) والحاكم (2/212) وقال: صحيح على شرط مسلم (1240)، قال الحافظ ابن حجر إسناده حسن التلخيص الحبير (1/171)، أما إن حملت بعد العقد فالأصل أن الولد للزوج لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري (2105)، ومسلم (1457)، من حديث عائشة - رضي الله عنها - أما إن قذف الرجل زوجته فيسقط عنه الحد باللعان، وكذا نفي الولد لابد فيه من اللعان لنفيه، قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" [النور: 6-9]. وروى سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن عويمرا العجلاني قال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها، قال سهل فتلاعنَا وأنا مع الناس، رواه البخاري (5002)، قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملاً وكان ابنها يدعى لأمه، قال ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له، انظر صحيح البخاري (5/2033)، وعلى الأخ السائل أن يتقي الله تعالى، ولا يستعجل في قذف أهله حتى يتحقق من صحة ذلك، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 20 / ص 380)
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 325)
اللعان
الفتوى رقم ( 8947 )(22/52)
س: عندما يقذف الرجل أهل بيته بالفاحشة وتحضر زوجته ويقسم أربع مرات أنه من الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وإذا أقسمت الزوجة هنا أربع مرات إنه من الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، كما جاء في كتاب الله في سورة النور (من الآية رقم 6 إلى رقم 9) هنا لا يقام الحد على الزوجة ويتم التفريق بينهما بالملاعنة بدون طلاق.
كما جاء في قصة هلال بن أمية رضي الله عنه قبل نزول هذه الآية عندما قذف زوجته بالزنا وبعد نزول الآية قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: صحيح البخاري تفسير القرآن (4470),سنن الترمذي تفسير القرآن (3179),سنن أبو داود الطلاق (2256),سنن ابن ماجه الطلاق (2067). أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا ففرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها، ومن رمى ولدها فعليه الحد، وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل إنهما يفترقان من غير طلاق.
وهنا يأتي السؤال: في هذه الحالة بعد التفريق بينهما بالملاعنة بدون طلاق هل يجوز للمرأة الزواج في هذه الحالة، وما الدليل من الكتاب أو السنة إذا كان هناك دليل؟ مع رجائي إذا تكرمتم يكون مع الإجابة الواضحة الإسناد
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 326)
الكافي والدليل البين.
ج: إذا تمت الملاعنة بين الزوجين فرق بينهما أبدا، فلا تحل له، ويجوز لها الزواج من غيره بعد انتهاء العدة إذا انتفت الموانع ووجدت الشروط لعموم الأدلة من الكتاب والسنة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الفتوى رقم ( 9427 )
س: أعمل في السعودية ونزلت إجازة ودخلت بيتي يوم 25 رجب 1404 هـ، ورجعت للعمل بعد أربع شهور، وفي يوم 25 ربيع ثاني 1405 هـ، زوجتي وضعت ولدا فحصل عندي شك. أفيدوني أفادكم الله.
ج: مدة الحمل المذكورة في سؤالك هي تسعة أشهر إلا خمسة أيام، وأقل مدة للحمل تضعه المرأة ويعيش: ستة أشهر، وبناء على ذلك الولد ولدك شرعا، وينبغي لك ترك الوساوس، لأنها من الشيطان أعاذنا الله وإياك منه.
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 327)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
----------------(22/53)
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 18605 )
س1: أعمل في المملكة منذ مدة، ولا أتغيب عن أهلي أكثر من ستة شهور، ولي بنت (9) سنوات، وولد (5) سنوات والحمد لله، ونزلت العام الماضي يوم 23 / 8 / 1994م، واجتمعت بزوجتي وأمضيت معها شهرين، وكان هناك حمل وسافرت، ويوم 26 / 4 / 1995 م قد وضعت زوجتي بنتا، أي: على مدة حوالي ثمانية شهور، مما أدى إلى شك في خاطري من هذا الحمل؛ لعدم اكتماله (9) شهور، فامتنعت عن النزول أو المراسلة حتى أتأكد من أهل العلم، قبل التسرع في اتخاذ أي قرار، أو يكون هناك ظلم لأحد.
وأسأل فضيلتكم: هل هذا الحمل صحيح أم لا؟ وإذا كان هناك شك فيه كيف التأكد منه، وما كيفية التصرف؟ أفيدونا أفادكم الله.
ج أ: لا يكن في نفسك شك من الحمل المذكور؛ لأن أقل مدة الحمل التي يعيش المولود بعد ولادته منها ستة أشهر، وغالبها
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 328)
تسعة أشهر، قال الله تعالى: سورة الأحقاف الآية 15 وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا وقال تعالى: سورة البقرة الآية 233 وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ فإذا طرحت حولين كاملين وهما أربعة وعشرون شهرا بقي ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل، هكذا استنتج العلماء من الآيتين الكريمتين والحمد لله. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
------------
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 15031 )
س2: أعرض على سماحتكم الموضوع الذي تقدم به لنا المدعو: (ع. ص. م. ب) الذي يفيد فيه بأن له أخا يدعي: (ض. ص. م. ب) وقد انتقل إلى جوار ربه قبل حوالي شهر، وكان قد تزوج بامرأة قبل عشر سنوات، وقد حملت وهي تحته وولدت وأنجبت ابنا، وبعد ولادتها طلقها حالا وتبرأ من الولد، وقال: إنه ليس ابنا لي، وكان على حياته كل ما تحدثنا معه في الموضوع
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 329)
قال: إنني لن أضم ابنا ليس مني.
ولم يقم بضمه معه في التابعية، كما إنه قد حصر ورثة أخيه المتوفى ولم يدخل هذا الابن معهم، وأخوه المتوفى (ض) لم يلاعن زوجته في حياته، ولم يتقدم في الموضوع إلى القضاء الشرعي، والابن الآن لدى جده من أمه، ويطلب توجيهه بما يلزم شرعا نحو هذا الولد، آملين من سماحتكم حفظكم الله الإفادة بما يقتضيه الوجه الشرعي في هذا الموضوع، والله أسأل أن يحفظكم وأن يمد في عمركم، وأن يتولاكم في عنايته وتوفيقه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/54)
ج2: الولد المذكور لاحق بالزوج المذكور؛ لكونه لم يلاعن الزوجة في حياته، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: الولد للفراش وللعاهر الحجر وقصة عبد بن زمعة ودعوى سعد بن أبي وقاص لا تخفى على فضيلته، وهي نص في الموضوع، والله أعلم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
--------
الفتوى رقم ( 15183 )
س: أنا مواطن تزوجت عام 1395 هـ، ويشاء الله العلي القدير أن تكون قدرتي على الإنجاب ضعيفة جدا كما أخبرني
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 330)
الأطباء أن فرصة الإنجاب لا تتجاوز (1%) والباقي على الله، ولقد قمت باستعمال العلاجات التي وصفها لي الأطباء، ولكن دون فائدة، وفي النهاية سلمت أمري إلى المولى عز وجل، ورضيت بما كتب لي وتوقفت عن متابعة العلاج.
وفجأة في عام 1409 هـ، تخبرني زوجتي بأنها حامل، ولك أن تتصور يا فضيلة الشيخ كم كانت فرحتي وسعادتي بهذه النعمة التي أنعم بها المولى عز وجل علي، ومرت فترة الحمل بسلام، ووضعت زوجتي مولودا ذكرا، وهنا كانت الصدمة الكبرى، فالمولود لا يحمل أية ملامح أو أشباه مني على الإطلاق، بل ولا حتى لونه، فأنا أبيض اللون، وزوجتي حنطية، والولد لونه أسمر داكن، ومن هنا بدأت كل الوساوس والشكوك تعصف بي.
وفي النهاية لم أعد أستطيع التحمل، وفاتحت أقاربي بهذه الشكوك التي ملكت كل أفكاري، ولكنهم حاولوا في البداية نزع هذه الشكوك من تفكيري بحجة أنه ليس شرطا أن يكون المولود شبه أبيه، وإن هذه وساوس الشيطان، ولكنني لم أقتنع، وبعد فترة من المعاناة وأمام إصراري بعدم الاقتناع بكلامهم أشاروا علي بعملي تحليل الدم والصفات الوراثية لي ولزوجتي، وكذلك المولود لكي يطمئن قلبي وأرتاح من هذه الظنون والوساوس.
وفعلا قمت بعمل هذه التحاليل بعد أخذ ورد بين أهلي وأهل
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 331)
زوجتي، وفي النهاية وافقوا على مضض، ولا يخفى على فضيلتكم مدى تقدم العلم في هذه الأمور، وذلك بفضل من الله عز وجل، وبعد أخذ العينات بحوالي أسبوعين قدموا لي تقريرا عن نتيجة التحليل، وإذا بالتقرير يفيد أنه لا يمكن أن هذا المولود مني بأي شكل من الأشكال، إذ لا توجد أي صفة وراثية أو جينات مني على الإطلاق، بل وجدوا صفات وراثية أخرى غريبة كما أفادوا في التقرير، بأنه لا يمكن ومن المستحيل أن يكون هناك مولود لا يحمل أي صفة وراثية من الأب،(22/55)
بغض النظر عن الأشباه في الشكل، وإنه يجب أن يحمل أي مولود يخلقه الله صفات من الأب والأم.
بعد ظهور نتيجة التحليل ذهبت زوجتي إلى أهلها استعدادا للطلاق، وأخبرتهم أن المولود لن ينسب إلي، ولن يحمل اسمي، وهنا أصر أهل زوجتي على الملاعنة الشرعية، وبعد أخذ ورد وتدخل أهل الخير اقترحوا أن تقسم الزوجة على كتاب الله أمام والدها وأمامي فقط على أن هذا المولود مني، وفعلا أقسمت على كتاب الله، وعادت إلى المنزل، ولكن وحتى تاريخ رسالتي هذه لم تهدأ نفسي، ومازلت في حيرة من أمري.
هل ما فعلته يرضي الله؟ مع علمي واقتناعي وحسب تحليل الدم أن هذا الطفل ليس مني، وهل اعتبر في هذه الحالة (ديوث) والعياذ بالله؟ علما بأن حياتي معها كالأغراب، ودائما صورة
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 332)
خيانتها ماثلة في مخيلتي، بل ولا أكن للطفل أي- إحساس أو شعور بالبنوة.
وسؤالي هنا هو: هل بقاؤها على ذمتي حرام؟ لعلمي أنها زنت اعتمادا على تحليل الدم، علما أن الطفل قد تم نسبه إلي؟ ج: الولد ولدك، وقد أسأت فيما فعلت، والواجب عليك عدم تصديق من نفاه عنك، وعدم الوسوسة في ذلك؛ لما روى أبو هريرة رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الشافعي 2 / 31، وأحمد 2 / 233- 234 ، 234 ، 239 ، 279 ، 409، والبخاري 6 / 178 ، 8 / 31، 150 ، ومسلم 2 / 1137 برقم (1500)، وأبو داود 2 / 694- 695 ، 695 برقم (2260- 2262)، و الترمذي 4 / 439- 440 برقم (21289، والنسائي 6 / 178 ، 178- 179 ، 179، برقم (3478- 3480)، وابن ماجه 1 / 645 برقم (2002)، وعبد الرزاق 7 / 99- 100 برقم (12371)، وأبو يعلى 10 / 267برقم (5869)، وابن حبان 9 / 416، 417 برقم (4106 ، 4107 )، والبيهقي 7 / 411، 8 / 251- 252، 252 ، 10 / 265 ، والبغوي 9 / 273 برقم (2377). أن أعرابيا أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود، وإني أنكرته، قال: "هل لك من إبل"؟ قال: نعم، قال: "فما ألوانها؟"، قال: حمر، قال: "هل فيها من أورق؟"، قال: إن فيها لورقا، قال: "فأنى ترى ذلك جاءها؟" قال: يا رسول الله عرق نزعها، قال: "ولعل هذا عرق نزعه ولم
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 333)
يرخص له في الانتفاء منه". متفق عليه واللفظ للبخاري . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: الولد للفراش وللعاهر الحجر متفق عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
--------------(22/56)
الفتوى رقم ( 13666 )
س: ما الذي يتوجب علي في مثل هذه الواقعة؟ حدث أن كان ينام شخصان بجوار بعضهما البعض، الأول أرمز إليه (أ) والثاني (م) وهما مسلمان، والذي حدث أن (م) اتهم (أ) بأن (أ) قد أخذ بيده (أي: يده) ووضعه على مذاكير (أ)، وحدث شجار بينهما تدخل فيه أحد أقاربهم، وربما هو الوحيد الذي كان موجودا أو هو الوحيد الذي علم بما حدث، وكان قريبا منهما ساعتها، وفض هذا الشجار وجاءني لكي أفصل بينهما فيما حدث؛ لأنهما سوف يتشاجران مرة أخرى، وسيفضحان نفسيهما وتتطور المشكلة إلى أكثر من ذلك.
فأحضرت الاثنين عقب صلاة
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 334)
العشاء، وكانا من المصلين فانتحيت جانبا وأجلستهما أمامي بصحبة قريبهما الذي أبلغني بالواقعة، وجعلت (م) يقسم أربعة أيمان على أنه صادق فيما اتهم به (أ) وقبل الخامسة ذكرته وحذرته بلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فأقسم وقام وجلس (أ) مكانه وأقسم أربعة أيمان أن (م) كاذب، وأن غضب الله عليه إن كان (م) صادقا، وأيضا ذكرته قبلها فأقسم على ذلك، وقام فأمرتهما ألا يعودا مرة أخرى إلى النوم بجوار بعضهما في أي مكان، حتى وإن اضطر إلى ذلك، وأن يتناسيا ما حدث، وأن يتكتما الخبر حتى لا تحدث مشاكل إذا علم كل بما حدث لقريبه، وأن يتوبا إلى الله، وأن يستغفراه عسى أن يتوب عليهم.
وقد فعلت ذلك قياسا على الملاعنة، كما جاءت بالقران الكريم، وكما هو واضح بالرسالة، فهل كنت على صواب فيما فعلت؟
ج: لست على صواب في إجراء اللعان بين الشخصين المذكورين، وقد أصبت فيما نصحتهما به من التوبة والاستغفار وكتمان أمرهما. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 202)
فَصْلٌ [ حِكْمَةُ شَرْعِ اللِّعَانِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ دُونَ غَيْرِهَا ] وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَجَعَلَ لِلْقَاذِفِ إسْقَاطَ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ فِي الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَكِلَاهُمَا قَدْ أَلْحَقَ بِهِمَا الْعَارَ " فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ ؛ فَإِنَّ قَاذِفَ الْأَجْنَبِيَّةِ مُسْتَغْنٍ عَنْ قَذْفِهَا ، لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ ؛ فَإِنَّ زِنَاهَا لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا ، وَلَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ فِرَاشَهُ ، وَلَا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ ، وَقَذْفُهَا عُدْوَانٌ مَحْضٌ ، وَأَذًى لِمُحْصَنَةٍ غَافِلَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ زَجْرًا لَهُ وَعُقُوبَةً ، وَأَمَّا الزَّوْجُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ بِزِنَاهَا مِنْ الْعَارِ وَالْمَسَبَّةِ وَإِفْسَادِ الْفِرَاشِ وَإِلْحَاقِ وَلَدِ غَيْرِهِ بِهِ ، وَانْصِرَافِ قَلْبِهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ ؛ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى قَذْفِهَا ، وَنَفْيِ النَّسَبِ الْفَاسِدِ عَنْهُ ، وَتَخَلُّصِهِ مِنْ الْمِسَبَّةِ وَالْعَارِ ؛ لِكَوْنِهِ زَوْجَ بَغْيٍ فَاجِرَةٍ ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا فِي الْغَالِبِ ، وَهِيَ لَا تُقِرُّ بِهِ ، وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا(22/57)
غَيْرُ مَقْبُولٍ ؛ فَلَمْ يَبْقَ سِوَى تَحَالُفِهَا بِأَغْلَظِ الْإِيمَانِ ، وَتَأْكِيدِهَا بِدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِاللَّعْنَةِ وَدُعَائِهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالْغَضَبِ إنْ كَانَا كَاذِبَيْنِ .
ثُمَّ يَفْسَخُ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَصْفُوَ لِلْآخَرِ أَبَدًا ؛ فَهَذَا أَحْسَنُ حُكْمٍ يَفْصِلُ بِهِ بَيْنَهُمَا فِي الدُّنْيَا ، وَلَيْسَ بَعْدَهُ أَعْدَلُ مِنْهُ ، وَلَا أَحْكَمُ ، وَلَا أَصْلَحُ ، وَلَوْ جُمِعَتْ عُقُولُ الْعَالَمِينَ لَمْ يَهْتَدُوا إلَيْهِ ، فَتَبَارَكَ مَنْ أَبَانَ رُبُوبِيَّتَهُ وَوَحْدَانِيَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ فِي شَرْعِهِ وَخَلْقِهِ .
ـــــــــــــــــــ
فَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا يُخَالِفُ النُّصُوصَ ، وَسُقُوطِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ عِنْدَ ظُهُورِ النَّصِّ ، وَذِكْرِ إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ .
[ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ النَّصَّ لَا اجْتِهَادَ مَعَهُ ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } وَقَالَ تَعَالَى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } فَأَكَّدَ هَذَا التَّأْكِيدَ وَكَرَّرَ هَذَا التَّقْرِيرَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِعِظَمِ مَفْسَدَةِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَهُ ، وَعُمُومِ مَضَرَّتِهِ ، وَبَلِيَّةِ الْأُمَّةِ بِهِ ، وَقَالَ : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَأَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى مَنْ حَاجَّ فِي دِينِهِ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَقَالَ : { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وَنَهَى أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَصًّا ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ، فَقَالَ : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَبْصِرُوهَا ؛ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدْلَجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ(22/58)
اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } يُرِيدُ - وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ - بِكِتَابِ اللَّهِ قَوْله تَعَالَى { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } وَيُرِيدُ بِالشَّأْنِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ كَانَ يَحُدُّهَا لِمُشَابِهَةِ وَلَدِهَا لِلرَّجُلِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ ، وَلَكِنَّ كِتَابَ اللَّهِ فَصَّلَ الْحُكُومَةَ ، وَأَسْقَطَ كُلَّ قَوْلٍ وَرَاءَهُ ، وَلَمْ يَبْقَ لِلِاجْتِهَادِ بَعْدَهُ مَوْقِعٌ .
[ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى ] وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى شَيْخٍ مِنْ زُهْرَةَ كَانَ يَسْكُنُ دَارَنَا ، فَذَهَبْت مَعَهُ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَأَلَهُ عَنْ وِلَادٍ مِنْ وِلَادِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ : أَمَّا الْفِرَاشُ فَلِفُلَانٍ ، وَأَمَّا النُّطْفَةُ فَلِفُلَانٍ ؛ فَقَالَ عُمَرُ : صَدَقْت ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى بِالْفَرْشِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْلَدُ بْنُ خَفَّافٍ قَالَ : ابْتَعْت غُلَامًا ، فَاسْتَغْلَلْته ، ثُمَّ ظَهَرْت مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ ، فَخَاصَمْت فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَقَضَى لِي بِرَدِّهِ ، وَقَضَى عَلَيَّ بِرَدِّ غَلَّتِهِ ، فَأَتَيْت عُرْوَةَ فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ : أَرُوحُ إلَيْهِ الْعَشِيَّةَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَضَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ { الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ } فَعَجَّلْت إلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْته بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ : فَمَا أَيْسَرَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْته ، اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدْ فِيهِ إلَّا الْحَقَّ ؛ فَبَلَغَتْنِي فِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرُدُّ قَضَاءَ عُمَرَ وَأُنَفِّذُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَاحَ إلَيْهِ عُرْوَةُ ؛ فَقَضَى لِي أَنْ آخُذَ الْخَرَاجَ مِنْ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلَيَّ لَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ : قَضَى سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَلَى رَجُلٍ بِقَضِيَّةٍ بِرَأْيِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَأَخْبَرْته عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا قَضَى بِهِ ، فَقَالَ سَعْدٌ لِرَبِيعَةَ : هَذَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ يُخْبِرُنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ مَا قَضَيْت بِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَبِيعَةُ : قَدْ اجْتَهَدْت وَمَضَى حُكْمُك ، فَقَالَ سَعْدٌ : وَاعْجَبَا ، أُنَفِّذُ قَضَاءَ سَعْدِ بْنِ أُمِّ سَعْدٍ وَأَرُدُّ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ أَرُدُّ قَضَاءَ سَعْدِ بْنِ أُمِّ سَعْدٍ وَأُنَفِّذُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا سَعْدٌ بِكِتَابِ الْقَضِيَّةِ فَشَقَّهُ وَقَضَى لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ، فَلْيَوْحَشْنَا الْمُقَلِّدُونَ ، ثُمَّ أَوْحَشَ اللَّهُ مِنْهُمْ .
وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الرَّسْمِ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلَهُ عَنْ امْرَأَةٍ حَاضَتْ وَقَدْ كَانَتْ زَارَتْ الْبَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ ، أَلَهَا أَنْ تَنْفِرَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَا ، فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيُّ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْتَانِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَا أَفْتَيْت بِهِ ، فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ يَضْرِبُهُ بِالدُّرَّةِ وَيَقُولُ لَهُ : لِمَ تَسْتَفْتِينِي فِي شَيْءٍ قَدْ أَفْتَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : ثنا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ عَتَّابِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ مَعَ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .(22/59)
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ .
وَتَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إذَا رَوَيْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَلَمْ آخُذْ بِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَعَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ إسْرَائِيلُ : عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَرَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ لِيَتَزَوَّجَ أُمَّهَا ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ ، فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ؛ فَكَانَ يَبِيعُ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ يُعْطِي الْكَثِيرَ وَيَأْخُذُ الْقَلِيلَ ، حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : لَا تَحِلُّ لِهَذَا الرَّجُلِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ ، وَلَا تَصْلُحُ الْفِضَّةُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ انْطَلَقَ إلَى الرَّجُلِ فَلَمْ يَجِدْهُ ، وَوَجَدَ قَوْمَهُ فَقَالَ : إنَّ الَّذِي أَفْتَيْت بِهِ صَاحِبَكُمْ لَا يَحِلُّ ، وَأَتَى الصَّيَارِفَةَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الصَّيَارِفَةِ إنَّ الَّذِي كُنْت أُبَايِعُكُمْ لَا يَحِلُّ ، لَا تَحِلُّ الْفِضَّةُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَذَاكَرُوا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ تَضَعُ عِنْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَعْتَدُّ آخِرَ الْأَجَلَيْنِ ، فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : تَحِلُّ حِينَ تَضَعُ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : وَأَنَا مَعَ ابْن أَخِي ، فَأَرْسَلُوا إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ : { قَدْ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِيَسِيرٍ ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَزَوَّجَ } .
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ رُجُوعِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ إلَى السُّنَّةِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ .
وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ : إنَّمَا نَأْخُذُ بِالرَّأْيِ مَا لَمْ نَجِدْ الْأَثَرَ ، فَإِذَا جَاءَ الْأَثَرُ تَرَكْنَا الرَّأْيَ ، وَأَخَذْنَا بِالْأَثَرِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْمُلَقَّبُ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ : لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَحَّ الْخَبَرُ عَنْهُ ، وَقَدْ كَانَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَصْحَابٌ يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا ، بَلْ إمَامًا مُسْتَقِلًّا كَمَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَدْخَلِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيِّ ، قَالَ : طَبَقَاتُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ خَمْسَةٌ : الْمَالِكِيَّةُ ، وَالشَّافِعِيَّةُ ، وَالْحَنْبَلِيَّةُ ، وَالرَّاهَوِيَّةُ ، وَالْخُزَيْمِيَّةُ أَصْحَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا حَدَّثَ الثِّقَةُ عَنْ الثِّقَةِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ ثَابِتٌ ، وَلَا يُتْرَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ أَبَدًا ، إلَّا حَدِيثٌ وُجِدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَرُ يُخَالِفُهُ .
وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ : مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُمَا مَقْطُوعٌ إلَّا بِإِتْيَانِهِمَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ لِي قَائِلٌ : دُلَّنِي عَلَى أَنَّ عُمَرَ عَمِلَ شَيْئًا ثُمَّ صَارَ إلَى غَيْرِهِ لِخَبَرٍ نَبَوِيٍّ ، قُلْت لَهُ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ :(22/60)
الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ ، وَلَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا ، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ } فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَرُ ، وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو وَابْنُ طَاوُسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَأً سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ شَيْئًا ، فَقَامَ { حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ : كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي ، فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ } ، فَقَالَ عُمَرُ : لَوْ لَمْ نَسْمَعْ فِيهِ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا ، أَوْ قَالَ : إنْ كِدْنَا لِنَقْضِيَ فِيهِ بِرَأْيِنَا ، فَتَرَكَ اجْتِهَادَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّصِّ .
ـــــــــــــــــــ
[ يُصَارُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَإِلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ] : وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ؛ إذْ اجْتِهَادُ الرَّأْيِ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ كَمَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ : عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَدْخَلِهِ .
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَرَى لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ ، وَتَنَاظَرَ فِي ذَلِكَ هُوَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : إمَّا لَا فَسَلْ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ ، هَلْ أَمَرَهَا بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَجَعَ زَيْدٌ يَضْحَكُ وَيَقُولُ : مَا أَرَاك إلَّا قَدْ صَدَقْت ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِنَحْوِهِ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : كُنَّا نُخَابِرُ وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، حَتَّى زَعَمَ رَافِعٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ، فَتَرَكْنَاهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ وَبَعْدَ الْجَمْرَةِ ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ : طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَتَرَكَ سَالِمٌ قَوْلَ جَدِّهِ لِرِوَايَتِهَا ، قُلْت : لَا كَمَا تَصْنَعُ فِرْقَةُ التَّقْلِيدِ .
وَقَالَ الْأَصَمُّ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ لِنُعْطِيَنَّك جُمْلَةً تُغْنِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ ، لَا تَدَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهُ فَتَعْمَلَ بِمَا قُلْت لَك فِي الْأَحَادِيثِ إذَا اخْتَلَفَتْ .
قَالَ الْأَصَمُّ : وَسَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : إذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعُوا مَا قُلْت ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَارُودِيُّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : إذَا وَجَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ قَوْلِي فَخُذُوا بِالسُّنَّةِ وَدَعُوا قَوْلِي ، فَإِنِّي أَقُولُ بِهَا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ الرَّازِيّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : كُلُّ مَسْأَلَةٍ تَكَلَّمْت فِيهَا صَحَّ الْخَبَرُ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ بِخِلَافِ مَا قُلْت فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي .(22/61)
وَقَالَ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى : قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَا قُلْت وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ بِخِلَافِ قَوْلِي مِمَّا يَصِحُّ فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى ، لَا تُقَلِّدُونِي ؛ وَقَالَ الْحَاكِمُ : سَمِعْت الْأَصَمَّ يَقُولُ : سَمِعْت الرَّبِيعَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : وَرَوَى حَدِيثًا ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : تَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَتَى رَوَيْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا صَحِيحًا فَلَمْ آخُذْ بِهِ فَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى رُءُوسِهِمْ .
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ : سَأَلَ رَجُلٌ الشَّافِعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَفْتَاهُ وَقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَتَقُولُ بِهَذَا ؟ قَالَ : أَرَأَيْت فِي وَسَطِي زُنَّارًا ؟ أَتَرَانِي خَرَجْت مِنْ الْكَنِيسَةِ ؟ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ لِي : أَتَقُولُ بِهَذَا ؟ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَقُولُ بِهِ ؟ وَقَالَ الْحَاكِمُ : أَنْبَأَنِي أَبُو عَمْرُونٍ السَّمَّاكُ مُشَافَهَةً أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْجَصَّاصَ حَدَّثَهُمْ قَالَ : سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ - وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ : رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا .
فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ ؟ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَتَقُولُ بِهَذَا ؟ فَارْتَعَدَ الشَّافِعِيُّ وَاصْفَرَّ وَحَالَ لَوْنُهُ - وَقَالَ : وَيْحَكَ ، أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إذَا رَوَيْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَلَمْ أَقُلْ بِهِ ؟ نَعَمْ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ ، نَعَمْ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ .
قَالَ : وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَتَذْهَبُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْزُبُ عَنْهُ ، فَمَهْمَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ أَوْ أَصَّلْت مِنْ أَصْلٍ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ مَا قُلْت فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ قَوْلِي ، وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَتْهُ عَامَّةٌ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ اللَّهُ اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إلَّا اتِّبَاعَهُ ، وَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلُ رَجُلٍ قَالَ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَإِنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا ، وَإِنْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا فِي قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفَرْضُ ، وَوَاجِبٌ قَبُولُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرُّقًا مُتَبَايِنًا ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُمْ مِمَّنْ نَسَبَتْهُ الْعَامَّةُ إلَى الْفِقْهِ تَفَرُّقًا أَتَى بَعْضُهُمْ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ التَّقْلِيدِ أَوْ التَّحْقِيقِ مِنْ النَّظَرِ وَالْغَفْلَةِ وَالِاسْتِعْجَالِ بِالرِّيَاسَةِ .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : قَالَ أَبِي : قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ : إذَا صَحَّ لَكُمْ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَيْهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : كَانَ أَحْسَنُ أَمْرِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الْخَبَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَالَ بِهِ وَتَرَكَ قَوْلَهُ ، وَقَالَ الرَّبِيعُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا نَتْرُكُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لَا يَدْخُلَهُ الْقِيَاسُ وَلَا مَوْضِعَ لِلْقِيَاسِ لِمَوْقِعِ السُّنَّةِ ، وَقَالَ الرَّبِيعُ : وَقَدْ رُوِيَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي أَنَّهُ قَضَى فِي(22/62)
بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ أُنْكِحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ ، فَمَاتَ زَوْجُهَا ، فَقَضَى لَهَا بِمَهْرِ نِسَائِهَا ؛ وَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ } ، فَإِنْ كَانَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي قِيَاسٍ وَلَا فِي شَيْءٍ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ ، وَلَمْ أَحْفَظْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ ، هُوَ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى .
وَقَالَ الرَّبِيعُ : سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ ، قُلْت لَهُ : فَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ قَوْلِنَا .
قَالَ الرَّبِيعُ : فَقُلْت لَهُ : فَإِنَّا نَقُولُ يَرْفَعُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ لَا يَعُودُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهُوَ - يَعْنِي مَالِكًا - يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ { إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ } ، ثُمَّ خَالَفْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنَ عُمَرَ ، فَقُلْتُمْ : لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ .
وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا رَفَعَاهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ ، أَفَيَجُوزُ لِعَالِمٍ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلَ ابْنِ عُمَرَ لِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَأْيِ ابْنِ عُمَرَ ، ثُمَّ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ، ثُمَّ يَأْتِي مَوْضِعٌ آخَرُ يُصِيبُ فِيهِ فَيُتْرَكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَكَيْفَ لَمْ يَنْهَهُ بَعْضُ هَذَا عَنْ بَعْضٍ ؟ أَرَأَيْت إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ اثْنَتَيْنِ أَنَأْخُذُ بِوَاحِدَةٍ وَنَتْرُكُ وَاحِدَةً ؟ أَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ تَرْكُ الَّذِي أَخَذَ بِهِ وَأَخَذَ الَّذِي تَرَكَ ؟ أَوْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ تَرْكُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقُلْت لَهُ : فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ : فَمَا مَعْنَى الرَّفْعِ ؟ قَالَ مَعْنَاهُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَاتِّبَاعٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعْنَى الرَّفْعِ فِي الْأُولَى مَعْنَى الرَّفْعِ الَّذِي خَالَفْتُمْ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ ، ثُمَّ خَالَفْتُمْ فِيهِ رِوَايَتَكُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ عُمَرَ مَعًا ، وَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ ، وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ .
قُلْت : وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ تَارِكَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ تَارِكٌ لِلسُّنَّةِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
وَقَالَ الرَّبِيعُ : سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحَلَّاقِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ ؛ فَقَالَ : جَائِزٌ ، وَأُحِبُّهُ ، وَلَا أَكْرَهُهُ ؛ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْأَخْبَارُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ(22/63)
الصَّحَابَةِ ، فَقُلْت : وَمَا حُجَّتُك فِيهِ ؟ فَذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِيهِ وَالْآثَارَ ، ثُمَّ قَالَ : أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ ، قَالَ سَالِمٌ : وَقَالَتْ عَائِشَةُ : طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ، سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّالِحُونَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ ، فَأَمَّا مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا وَتَرْكِ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَيْءٍ بَلْ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إذًا إلَيْكُمْ تَأْتُونَ مِنْهُ مَا شِئْتُمْ وَتَدْعُونَ مَا شِئْتُمْ .
وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ ، رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ لَهُ : إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِك قَدْ قَالَ خِلَافَ هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْت لَهُ : مَنْ تَبِعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافَقْته ، وَمَنْ خَلَطَ فَتَرَكَهَا خَالَفْته ، حَتَّى صَاحِبِي : الَّذِي لَا أُفَارِقُ الْمُلَازِمُ الثَّابِتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ بَعُدَ ، وَاَلَّذِي أُفَارِقُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ قَرُبَ .
وَقَالَ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ إبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، بَعَثَهُ بِكِتَابٍ عَزِيزٍ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، فَهَدَى بِكِتَابِهِ ، ثُمَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، وَقَالَ : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً } وَقَالَ : { وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ } وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ ، وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ ، فَقَالَ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ فِي تَرْكِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا اتِّبَاعَهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ } مَعَ مَا عَلَّمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، ثُمَّ فَرَضَ اتِّبَاعَ كِتَابِهِ فَقَالَ : { فَاسْتَمْسِكْ بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك } وَقَالَ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا } إلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْعِلْمِ فَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ، وَأَنْ لَا يَقُولُوا غَيْرَهُ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } وَقَالَ لِنَبِيِّهِ : { قُلْ مَا كُنْت بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ } وَقَالَ لِنَبِيِّهِ { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَنْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ قَبْلَ الْوَحْيِ وَمَا تَأَخَّرَ قَبْلَ أَنْ يَعْصِمَهُ فَلَا يُذْنِبُ ، فَعَلِمَ مَا يُفْعَلُ بِهِ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُ ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ ، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } وَجَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فِي امْرَأَةِ رَجُلٍ رَمَاهَا بِالزِّنَا ، فَقَالَ لَهُ يَرْجِعُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ آيَةَ اللِّعَانِ فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا .(22/64)
وَقَالَ : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ } وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } الْآيَةَ ، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا } فَحَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ عِلْمَ السَّاعَةِ ، وَكَانَ مَنْ عَدَا مَلَائِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَاءَهُ الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَقْصَرُ عِلْمًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ طَاعَةَ نَبِيِّهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كِتَابًا فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ فِيهِ عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي مُعَارَضَةِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهَا ، فَقَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ : إنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْهُدَى وَالنُّورَ لِمَنْ اتَّبَعَهُ ، وَجَعَلَ رَسُولَهُ الدَّالَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَخَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمَا قَصَدَ لَهُ الْكِتَابُ .
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ الدَّالِ عَلَى مَعَانِيهِ ، شَاهِدُهُ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ ارْتَضَاهُمْ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَاصْطَفَاهُمْ لَهُ ، وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنْهُ ، فَكَانُوا أَعْلَمَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ كِتَابِهِ بِمُشَاهَدَتِهِمْ وَمَا قَصَدَ لَهُ الْكِتَابُ ، فَكَانُوا هُمْ الْمُعَبِّرِينَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ جَابِرٌ : وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا عَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ ، ثُمَّ سَاقَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى طَاعَةِ الرَّسُولِ .
فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ : { وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَقَالَ : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } وَقَالَ فِي النِّسَاءِ { فَلَا وَرَبِّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَقَالَ : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } .
وَقَالَ : { وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } ، وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } وَقَالَ : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } وَقَالَ : { إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } .
وَقَالَ فِي الْمَائِدَةِ : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } وَقَالَ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَقَالَ : { يَا(22/65)
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لَمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .
وَقَالَ : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } وَقَالَ : { إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ } وَقَالَ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَقَالَ : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } وَقَالَ : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } وَقَالَ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } وَقَالَ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } .
وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : لَا تَذْبَحُوا قَبْلَ ذَبْحِهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وَقَالَ : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمِنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا } وَقَالَ : { وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحَيٌّ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } وَقَالَ : { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } وَقَالَ : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } } وَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ } وَقَالَ : { إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } .
وَقَالَ : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ جِبْرِيلُ ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ { وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إنَّهُ(22/66)
الْحَقُّ مِنْ رَبِّك } قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : الْأَحْزَابُ الْمِلَلُ ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ : طُفْت مَعَ عُمَرَ ، فَلَمَّا بَلَغْنَا الرُّكْنَ الْغَرْبِيَّ الَّذِي يَلِي الْأَسْوَدَ جَرَرْت بِيَدِهِ لِيَسْتَلِمَ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُك ؟ فَقُلْت : أَلَّا تَسْتَلِمُ ؟ فَقَالَ : أَلَمْ تَطُفْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقُلْت : بَلَى ، قَالَ : أَفَرَأَيْته يَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْغَرْبِيَّيْنِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَلَيْسَ لَك فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ؟ قُلْت : بَلَى ، قَالَ : فَانْفُذْ عَنْك ، قَالَ : وَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُمَا ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : صَدَقْت .
ثُمَّ ذَكَر أَحْمَدُ الِاحْتِجَاجَ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ عَارَضَ السُّنَنَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَرَدَّهَا بِذَلِكَ ، وَهَذَا فِعْلُ الَّذِينَ يَسْتَمْسِكُونِ بِالْمُتَشَابِهِ فِي رَدِّ الْمُحْكَمِ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَفْظًا مُتَشَابِهًا غَيْرَ الْمُحْكَمِ يَرُدُّونَهُ بِهِ اسْتَخْرَجُوا مِنْ الْمُحْكَمِ وَصْفًا مُتَشَابِهًا وَرَدُّوهُ بِهِ ، فَلَهُمْ طَرِيقَانِ فِي رَدِّ السُّنَنِ ؛ أَحَدُهُمَا : رَدُّهَا بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ السُّنَنِ ، الثَّانِي : جَعْلُهُمْ الْمُحْكَمَ مُتَشَابِهًا لِيُعَطِّلُوا دَلَالَتَهُ ، وَأَمَّا طَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْبُخَارِيِّ وَإِسْحَاقَ فَعَكْسُ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمُحْكَمِ مَا يُفَسِّرُ لَهُمْ الْمُتَشَابِهَ وَيُبَيِّنُهُ لَهُمْ ، فَتَتَّفِقُ دَلَالَتَهُ مَعَ دَلَالَةِ الْمُحْكَمِ ، وَتُوَافِقُ النُّصُوصُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَيُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَنَاقُضَ ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ .
-ـــــــــــــــــــ
فَصْلٌ [ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ أَكْمَلُ مَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ ] وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ أَكْمَلُ مَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَيَلْتَزِمُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا أَنْ يَشُقَّ بُطُونَهُمْ ، بَلْ يُجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا إذَا دَخَلُوا فِي دِينِهِ ، وَيُجْرِي أَحْكَامَهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ ، فَأَحْكَامُ الدُّنْيَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَأَحْكَامُ الْآخِرَةِ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَلِهَذَا قَبِلَ إسْلَامَ الْأَعْرَابِ ، وَنَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُهُمْ مَعَ ذَلِكَ مِنْ ثَوَابِ طَاعَتِهِمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ شَيْئًا ، وَقَبِلَ إسْلَامَ الْمُنَافِقِينَ ظَاهِرًا ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَيْئًا ، وَأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ .
فَأَحْكَامُ الرَّبِّ تَعَالَى جَارِيَةٌ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِلْعِبَادِ ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا أَظْهَرُوهُ خِلَافُ مَا أَبْطَنُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ، وَأَمَّا قِصَّةُ الْمُلَاعِنِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ عَلَى شَبَهِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } فَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّمَا أَرَادَ بِهِ لَوْلَا حُكْمُ اللَّهِ بَيْنَهُمَا بِاللِّعَانِ لَكَانَ أَشْبَهُ الْوَلَدِ بِمَنْ رُمِيَتْ بِهِ يَقْتَضِي حُكْمًا آخَرَ غَيْرَهُ ، وَلَكِنَّ حُكْمَ اللَّهِ بِاللَّعَّانِ أَلْغَى حُكْمَ هَذَا الشَّبَهِ ، فَإِنَّهُمَا دَلِيلَانِ وَأَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ ؛ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا ، وَهَذَا كَمَا لَوْ تَعَارَضَ دَلِيلُ الْفِرَاشِ وَدَلِيلُ الشَّبَهِ ، فَإِنَّا نُعْمِلُ دَلِيلَ الْفِرَاشِ وَلَا نَلْتَفِتُ إلَى الشَّبَهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يُبْطِلُ الْمَقَاصِدَ وَالنِّيَّاتِ وَالْقَرَائِنَ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْحُكْمِ بِقَرِينَةٍ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا(22/67)
بُطْلَانُ الْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْقَرَائِنِ ؟ وَسَيَأْتِي دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقَرَائِنِ وَاعْتِبَارِهَا فِي الْأَحْكَامِ وَأَمَّا إنْفَاذُهُ لِلْحُكْمِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ فَلَيْسَ فِي الْمُمْكِنِ شَرْعًا غَيْرُ هَذَا ، وَهَذَا شَأْنُ عَامَّةِ الْمُتَدَاعِينَ ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحِقًّا وَالْآخَرُ مُبْطِلًا ، وَيَنْفُذُ حُكْمُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا تَارَةً بِإِثْبَاتِ حَقِّ الْمُحِقِّ وَإِبْطَالِ بَاطِلِ الْمُبْطِلِ ، وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُحِقِّ دَلِيلٌ .
وَأَمَّا حَدِيثُ رُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَأَحْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ وَاحِدَةً فَمِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِنِيَّاتِ أَصْحَابِهَا وَمَقَاصِدِهِمْ وَإِنْ خَالَفَتْ ظَوَاهِرَ أَلْفَاظِهِمْ ؛ فَإِنَّ لَفْظَ أَلْبَتَّةَ يَقْتَضِي أَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَانْقَطَعَ التَّوَاصُلُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا بِالنِّكَاحِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ ، بَلْ بَانَتْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ أَلْبَتَّةَ لُغَةً وَعُرْفًا ، وَمَعَ هَذَا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ ، وَقَبِلَ قَوْلَهُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ مَعَ مُخَالَفَةِ الظَّوَاهِرِ اعْتِمَادًا عَلَى قَصْدِهِ وَنِيَّتِهِ ، فَلَوْلَا اعْتِبَارُ الْقُصُودِ فِي الْعُقُودِ لَمَا نَفَعَهُ قَصْدُهُ الَّذِي يُخَالِفُ ظَاهِرَ لَفْظِهِ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً بَيِّنَةً ؛ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، وَقَدْ قُبِلَ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ ، وَدِينُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ، فَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِمَا أَظْهَرَ مِنْ لَفْظِهِ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ نِيَّتَهُ وَقَصْدَهُ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْطَلَ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا اسْتِعْمَالَ الدَّلَالَةِ الَّتِي لَا يُوجَدُ أَقْوَى مِنْهَا " يَعْنِي دَلَالَةَ الشَّبَهِ فَإِنَّمَا أَبْطَلَهَا بِدَلَالَةٍ أَقْوَى مِنْهَا وَهِيَ اللِّعَانُ ، كَمَا أَبْطَلَهَا مَعَ قِيَامِ دَلَالَةِ الْفِرَاشِ ، وَاعْتَبَرَهَا حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهَا مِثْلُهَا وَلَا أَقْوَى مِنْهَا فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ بِالْقَافَةِ وَهِيَ دَلَالَةُ الشَّبَهِ ، فَأَيْنَ فِي هَذَا إلْغَاءُ الدَّلَالَاتِ وَالْقَرَائِنِ مُطْلَقًا ؟
ـــــــــــــــــــ
[ مَتَى يَكُونُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي ؟ ] فَقَدْ ثَبَتَ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا ، وَالشَّاهِدُ أَقْوَى مِنْ النُّكُولِ ، فَتَحْلِيفُهُ مَعَ النُّكُولِ أَوْلَى ، وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي فِي أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِاللَّوْثِ ، فَتَحْلِيفُهُ مَعَ النُّكُولِ أَوْلَى ، وَكَذَلِكَ شَرَعَ تَحْلِيفَ الزَّوْجِ فِي اللِّعَانِ ، وَكَذَلِكَ شَرَعَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي إذَا كَانَ شَاهِدُ الْحَالِ يُصَدِّقُهُ كَمَا إذَا تَدَاعَيَا مَتَاعَ الْبَيْتِ أَوْ تَدَاعَى النَّجَّارُ وَالْخَيَّاطُ آلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِمَنْ تَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ مَعَ يَمِينِهِ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ } ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ وَالْقِيَاسِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا نَكَلَ قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِي فَظُنَّ صِدْقُهُ ، فَشُرِعَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ ؛ فَإِنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِالْأَصْلِ .
فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ ضَعُفَ هَذَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قُوَّتُهُ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ ، وَقَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِي بِالْيَمِينِ ، وَهَكَذَا إذَا نَكَلَ ضَعُفَ أَصْلُ الْبَرَاءَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ النُّكُولُ مُسْتَقِلًّا بِإِثْبَاتِ الدَّعْوَى ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِجَهْلِهِ بِالْحَالِ ، أَوْ لِتَوَرُّعِهِ عَنْ الْيَمِينِ ، أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ عَاقِبَةِ الْيَمِينِ ، أَوْ لِمُوَافَقَةِ قَضَاءٍ وَقَدَرٍ ؛ فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ ، أَوْ لِتَرَفُّعِهِ عَنْ ابْتِذَالِهِ بِاسْتِحْلَافِ خَصْمِهِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ كَانَ صَادِقًا ، وَإِذَا احْتَمَلَ نُكُولُهُ هَذِهِ الْوُجُوهَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا ؛ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُقَوِّيًا لِجَنَبَةِ الْمُدَّعِي(22/68)
فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَقْصُودَةً ، وَإِنَّمَا جَرَّ إلَيْهَا الْكَلَامُ فِي أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ .
وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ هَذَا الشَّرْطِ ، وَأَيْنَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَارُّ ، وَأَيْنَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ .
وَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ يَنْفَعُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَتَى رَدَّهُ فَهُوَ حُرٌّ أَمْ لَا يَنْفَعُهُ وَإِذَا خَافَ تَوْكِيلَهُ فِي الرَّدِّ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ : " مَتَى رَدَدْته أَوْ وَكَّلْت فِي رَدِّهِ " فَإِنْ خَافَ مِنْ رَدِّ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَرُدُّهُ بِالشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي هُوَ الرَّادُّ وَلَا وَكِيلُهُ بَلْ الْحَاكِمُ الْمُنَفِّذُ لِلشَّرْعِ فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ : " إذَا ادَّعَيْت رَدَّهُ فَهُوَ حُرٌّ " فَهُنَا تَصْعُبُ الْحِيلَةُ عَلَى الرَّدِّ ، إلَّا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ مَتَى قُصِدَ بِهِ الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعُ فَهُوَ يَمِينٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ ، وَحُكْمُ مَا لَوْ قَالَ : " إنْ رَدَدْته فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ " بَلْ أَوْلَى بِعَدَمِ الْعِتْقِ ، فَإِنَّ هَذَا نَذْرُ قُرْبَةٍ ، وَلَكِنَّ إخْرَاجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ مَنَعَ لُزُومَ الْوَفَاءِ بِهِ ، مَعَ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الِالْتِزَامِ بِقَوْلِهِ : " فَهُوَ حُرٌّ " فَكُلُّ مَا فِي الْتِزَامِ قَوْلِهِ : " فَهُوَ حُرٌّ " فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْتِزَامِ : " فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ " وَلَا يَنْعَكِسُ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ : " فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ " يَتَضَمَّنُ وُجُوبَ الْإِعْتَاقِ وَفِعْلَ الْعِتْقِ وَوُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ .
فَإِذَا مَنَعَ قَصْدُ الْحَضُّ أَوْ الْمَنْعِ وُقُوعَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَلَأَنْ يَمْنَعَ وُقُوعَ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْلَى وَأَحْرَى ، وَهَذَا لَا جَوَابَ عَنْهُ ، وَهُوَ مِمَّا يُبَيِّنُ فَضْلَ فِقْهِ الصَّحَابَةِ ، وَأَنَّ بَيْنَ فِقْهِهِمْ وَفِقْهِ مَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ لَكَانَ هَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأُصُولِهِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا لَا تَخْفَى عَلَى مُتَبَحِّرٍ تَتَبُّعُهَا ، وَيَكْفِي قَوْلُ فَقِيهِ الْأُمَّةِ وَحَبْرِهَا وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " الْعِتْقُ مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ ، وَالطَّلَاقُ مَا كَانَ عَنْ وَطَرٍ " فَتَأَمَّلْ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ الشَّرِيفَتَيْنِ الصَّادِرَتَيْنِ عَنْ عِلْمٍ قَدْ رَسَخَ أَسْفَلُهُ وَبَسَقَ أَعْلَاهُ وَأَيْنَعَتْ ثَمَرَتُهُ وَذُلِّلَتْ لِلطَّالِبِ قُطُوفُهُ ثُمَّ اُحْكُمْ بِالْكَلِمَتَيْنِ عَلَى أَيْمَانِ الْحَالِفِينَ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ ، هَلْ تَجِدُ الْحَالِفَ بِهَذَا مِمَّنْ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبَ إلَيْهِ بِإِعْتَاقِ هَذَا الْعَبْدِ ؟ وَهَلْ تَجِدُ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ مِمَّنْ لَهُ وَطَرٌ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ ؟ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ حَبْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَقَدْ شَفَتْ كَلِمَتَاهُ هَاتَانِ الصُّدُورَ ، وَطَبَّقَتَا الْمُفَصَّلَ ، وَأَصَابَتَا الْمَحَزَّ ، وَكَانَتْ بُرْهَانًا عَلَى اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ التَّأْوِيلَ وَيُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ .
وَلَا يُوحِشَنَّكَ مَنْ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ ، فَإِذَا ظَفِرْت بِرَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ طَالِبٍ لِلدَّلِيلِ مُحَكِّمٍ لَهُ مُتَّبِعٍ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَأَيْنَ كَانَ وَمَعَ مَنْ كَانَ زَالَتْ الْوَحْشَةُ وَحَصَلَتْ الْأُلْفَةُ ، وَلَوْ خَالَفَك فَإِنَّهُ يُخَالِفُك وَيَعْذِرُك ، وَالْجَاهِلُ الظَّالِمُ يُخَالِفُك بِلَا حُجَّةٍ وَيُكَفِّرُك أَوْ يُبَدِّعُك بِلَا حُجَّةٍ ، وَذَنْبُك رَغْبَتُك عَنْ طَرِيقَتِهِ الْوَخِيمَةِ ، وَسِيرَتِهِ الذَّمِيمَةِ ، فَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ هَذَا الضَّرْبِ ، فَإِنَّ الْآلَافَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْهُمْ لَا يُعْدَلُونَ بِشَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَالْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُعْدَلُ بِمِلْءِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ .
ـــــــــــــــــــ
زاد المعاد - (ج 5 / ص 315)
[ إبْطَالُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ مِنْ جَعْلِ الْإِيلَاءِ وَالظّهَارِ طَلَاقًا ](22/69)
الدّلِيلُ الْعَاشِرُ أَنّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِلْمُؤْلِينَ شَيْئًا وَعَلَيْهِمْ شَيْئَيْنِ فَاَلّذِي لَهُمْ تَرَبّصُ الْمُدّةِ الْمَذْكُورَةِ وَاَلّذِي عَلَيْهِمْ إمّا الْفَيْئَةُ وَإِمّا الطّلَاقُ وَعِنْدَكُمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إلّا الْفَيْئَةُ فَقَطْ وَأَمّا الطّلَاقُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ بَلْ وَلَا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا هُوَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدّةِ فَيُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا عُقَيْبَ انْقِضَاءِ الْمُدّةِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا لَيْسَ إلَى الْمُؤْلِي وَلَا عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ النّصّ . قَالُوا : وَلِأَنّهَا يَمِينٌ بِاَللّهِ تَعَالَى تُوجِبُ الْكَفّارَةَ فَلَمْ يَقَعْ بِهَا الطّلَاقُ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَلِأَنّهَا مُدّةٌ قَدّرَهَا الشّرْعُ لَمْ تَتَقَدّمْهَا الْفُرْقَةُ فَلَا يَقَعُ بِهَا بَيْنُونَةٌ كَأَجَلِ الْعِنّينِ وَلِأَنّهُ لَفْظٌ لَا يَصِحّ أَنْ يَقَعَ بِهِ الطّلَاقُ الْمُعَجّلُ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الْمُؤَجّلُ كَالظّهَارِ وَلِأَنّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنُسِخَ كَالظّهَارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ الطّلَاقُ لِأَنّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَلِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ . قَالَ الشّافِعِيّ : كَانَتْ الْفِرَقُ الْجَاهِلِيّةُ تَحْلِفُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالطّلَاقِ وَالظّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَنَقَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِيلَاءَ وَالظّهَارَ عَمّا كَانَا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ إيقَاعِ الْفُرْقَةِ عَلَى الزّوْجَةِ إلَى مَا اسْتَقَرّ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي الشّرْعِ [ ص 316 ] وَبَقِيَ حُكْمُ الطّلَاقِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هَذَا لَفْظُهُ . قَالُوا : وَلِأَنّ الطّلَاقَ إنّمَا يَقَعُ بِالصّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَلَيْسَ الْإِيلَاءُ وَاحِدًا مِنْهُمَا إذْ لَوْ كَانَ صَرِيحًا لَوَقَعَ مُعَجّلًا إنْ أَطْلَقَهُ أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمّى إنْ قَيّدَهُ وَلَوْ كَانَ كِنَايَةً لَرَجَعَ فِيهِ إلَى نِيّتِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا اللّعَانُ فَإِنّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ دُونَ الطّلَاقِ وَالْفَسْخُ يَقَعُ بِغَيْرِ قَوْلٍ وَالطّلَاقُ لَا يَقَعُ إلّا بِالْقَوْلِ . قَالُوا : وَأَمّا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَغَايَتُهَا أَنْ تَدُلّ عَلَى جَوَازِ الْفَيْئَةِ فِي مُدّةِ التّرَبّصِ لَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا فِي الْمُدّةِ وَهَذَا حَقّ لَا نُنْكِرُهُ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ جَوَازُ الْفَيْئَةِ فِي الْمُدّةِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِالدّيْنِ الْمُؤَجّلِ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهُ لَوْ كَانَتْ الْفَيْئَةُ بَعْدَ الْمُدّةِ لَزَادَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحِ لَأَنّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ مُدّةٌ لِزَمَنِ الصّبْرِ الّذِي لَا يَسْتَحِقّ فِيهِ الْمُطَالَبَةَ فَبِمُجَرّدِ انْقِضَائِهَا يُسْتَحَقّ عَلَيْهِ الْحَقّ فَلَهَا أَنْ تُعَجّلَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ . وَإِمّا أَنْ تُنْظِرَهُ وَهَذَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُعَلّقَةِ بِآجَالِ مَعْدُودَةٍ إنّمَا تُسْتَحَقّ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهَا وَلَا يُقَالُ إنّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الزّيَادَةَ عَلَى الْأَجَلِ فَكَذَا أَجَلُ الْإِيلَاءِ سَوَاءٌ .
ـــــــــــــــــــ
حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي اللّعَانِ
قَالَ تَعَالَى : { وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصّادِقِينَ } [ النّورُ 69 ] . وَثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " [ ص 319 ] مِنْ حَدِيث ِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانَيّ قَالَ لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيّ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ ؟ فَسَلْ لِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ إنّ عُوَيْمِرًا سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ " قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِك فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا " فَتَلَاعَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا فَرَغَا قَالَ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الزّهْرِيّ : فَكَانَتْ تِلْكَ سُنّةُ(22/70)
الْمُتَلَاعِنَيْنِ . قَالَ سَهْلٌ وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُنْسَبُ إلَى أُمّهِ ثُمّ جَرَتْ السّنّةُ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللّهُ لَهَا . و َفِي لَفْظٍ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاكُمْ التّفْرِيقُ بَيْنَ كُلّ مُتَلَاعِنَيْنِ وَقَوْلُ سَهْلٍ وَكَانَتْ حَامِلًا إلَى آخِرِهِ هُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيّ مِنْ قَوْلِ الزّهْرِيّ وَلِلْبُخَارِيّ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُنْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلّجَ السّاقَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إلّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إلّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا " فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النّعْتِ الّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِر وَفِي لَفْظٍ وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا [ ص 320 ] وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ إنْ تَكَلّمَ تَكَلّمَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ ؟ فَسَكَتَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ إنّ الّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدْ اُبْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النّورِ وَاَلّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فَتَلَاهُنّ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ وَذَكّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنّ عَذَابَ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ . قَالَ لَا وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا ثُمّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنّ عَذَابَ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ قَالَتْ لَا وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنّهُ لَكَاذِبٌ فَبَدَأَ بِالرّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللّهِ إنّهُ لَمِنْ الصّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ ثُمّ ثَنّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللّهِ إنّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصّادِقِينَ ثُمّ فَرّقَ بَيْنَهُمَا . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ للمتلاعنين " حِسَابُكُمَا عَلَى اللّه أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا " قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَالِي ؟ قَالَ لَا مَالَ لَك إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا . وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا : فَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَقَالَ " وَاَللّهِ إنّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ " ؟ . وَفِيهِمَا عَنْهُ أَنّ رَجُلًا لَاعَنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمّهِ [ ص 321 ] وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي قِصّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَشَهِدَ الرّجُلُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللّهِ إنّهُ لَمِنْ الصّادِقِينَ ثُمّ لَعَنَ الْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فَذَهَبَتْ لِتَلْعَنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَهْ " فَأَبَتْ فَلَعَنَتْ فَلَمّا أَدْبَرَ قَالَ لَعَلّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا " فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا . وَفِي " صَحِيحٍ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ هِلَالَ بْنَ أُمَيّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيك بْنِ سَحْمَاءَ وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمّهِ وَكَانَ أَوّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ قَالَ فَأُنْبِئْتُ أَنّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السّاقَيْنِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوُ هَذِهِ الْقِصّةِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَهِيَ الْمَرْأَةُ الّتِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السّوءَ . وَلِأَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ فَفَرّقَ رَسُولُ اللّهِ(22/71)
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا تُرْمَى وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدّ وَقَضَى أَلّا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنّهُمَا يَتَفَرّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفّى عَنْهَا . [ ص 322 ] وَفِي الْقِصّةِ قَالَ عِكْرِمَةُ : فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ وَمَا يُدْعَى لِأَبٍ . وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ : أَنّ هِلَالَ بْنَ أُمَيّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " الْبَيّنَةُ أَوْ حَدّ فِي ظَهْرِكَ " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيّنَةَ ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " الْبَيّنَةُ وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِكَ " فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنّي لَصَادِقٌ وَلِيُنْزِلَنّ اللّهُ مَا يُبَرّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَاَلّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ . . .. الْآيَاتُ فَانْصَرَفَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهَا فَجَاءَ هِلَالُ فَشَهِدَ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " إنّ اللّهَ يَعْلَمُ أَنّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ " ؟ فَشَهِدَتْ فَلَمّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقّفُوهَا وَقَالُوا : إنّهَا مُوجِبَةٌ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : فَتَلَكّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتّى ظَنَنّا أَنّهَا تَرْجِعُ ثُمّ قَالَتْ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلّجَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لَشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ " فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللّهِ كَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ [ ص 323 ] وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ الرّجُلُ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا فَقَالَ سَعْدٌ بَلَى وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اسْمَعُوا إلَى مَا يَقُولُ سَيّدُكُمْ " : وَفِي لَفْظٍ آخَرَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟ قَالَ " نَعَمْ " . وَفِي لَفْظٍ آخَرَ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أُهِجْهُ حَتّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نَعَمْ " قَالَ كَلّا وَاَلّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ نَبِيّا إنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اسْمَعُوا إلَى مَا يَقُولُ سَيّدُكُمْ إنّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاَللّهُ أَغْيَرُ مِنّي " . وَفِي لَفْظٍ لَوْ رَأَيْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا لَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ فَوَاَللّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاَللّهُ أَغْيَرُ مِنّي وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللّه وَلَا شَخْصَ أَحَبّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشّرِينَ وَمُنْذَرِينَ وَلَا شَخْصَ أَحَبّ إلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللّهُ الْجَنّةَ
فَصْلٌ [ يَصِحّ اللّعَانُ مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرَيْنِ ]
وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ النّبَوِيّ عِدَةُ أَحْكَامٍ الْحُكْمُ الْأَوّلُ أَنّ اللّعَانَ يَصِحّ مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ عَدْلَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ غَيْرَ مَحْدُودَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ جَمِيعُ الْأَزْوَاجِ يَلْتَعِنُونَ الْحُرّ مِنْ الْحُرّةِ وَالْأَمَةُ إذَا كَانَتْ زَوْجَةً وَالْعَبْدُ مِنْ الْحُرّةِ وَالْأَمَةِ إذَا كَانَتْ زَوْجَةً وَالْمُسْلِمِ مِنْ الْيَهُودِيّةِ والنصرانية وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَالْحَسَنِ وَرَبِيعَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ .(22/72)
[ مَنْ قَالَ بِأَنّ اللّعَانَ لَا يَكُونُ إلّا بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ حُرّيْنِ غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ ]
وَذَهَبَ أَهْلُ الرّأْيِ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثّوْرِيّ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنّ اللّعَانَ لَا يَكُونُ إلّا بَيْنَ زَوْجَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ حُرّيْنِ غَيْرِ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ . وَمَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ أَنّ اللّعَانَ يَجْمَعُ وَصْفَيْنِ : الْيَمِينَ وَالشّهَادَةَ وَقَدْ سَمّاهُ [ ص 324 ] وَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمِينًا حَيْثُ يَقُولُ لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْن فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَيْمَانِ قَالَ يَصِحّ مِنْ كُلّ مَنْ يَصِحّ يَمِينُهُ قَالُوا : وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } قَالُوا : وَقَدْ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمِينًا . قَالُوا : وَلِأَنّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى اسْمِ اللّه وَإِلَى ذِكْرِ الْقَسَمِ الْمُؤَكّدِ وَجَوَابِهِ . قَالُوا : وَلِأَنّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذّكَرُ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ الشّهَادَةِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا تَكَرّرَ لَفْظُهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنّهُ قَدْ يُشْرَعُ فِيهَا التّكْرَارُ كَأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ . قَالُوا : وَلِأَنّ حَاجَةَ الزّوْجِ الّتِي لَا تَصِحّ مِنْهُ الشّهَادَةُ إلَى اللّعَانِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ كَحَاجَةِ مَنْ تَصِحّ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ وَالْأَمْرُ الّذِي يَنْزِلُ بِهِ مِمّا يَدْعُو إلَى اللّعَانِ كَاَلّذِي يَنْزِلُ بِالْعَدْلِ الْحُرّ وَالشّرِيعَةُ لَا تَرْفَعُ ضَرَرَ أَحَدِ النّوْعَيْنِ وَتَجْعَلُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمّا نَزَلَ بِهِ وَتَدَعُ النّوْعَ الْآخَرَ فِي الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ لَا فَرَجَ لَهُ مِمّا نَزَلَ بِهِ وَلَا مَخْرَجَ بَلْ يَسْتَغِيثُ فَلَا يُغَاثُ وَيَسْتَجِيرُ فَلَا يُجَارُ إنْ تَكَلّمَ تَكَلّمَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِهِ قَدْ ضَاقَتْ عَنْهُ الرّحْمَةُ الّتِي وَسِعَتْ مَنْ تَصِحّ شَهَادَتُهُ وَهَذَا تَأْبَاهُ الشّرِيعَةُ الْوَاسِعَةُ الْحَنِيفِيّةُ السّمْحَةُ . قَالَ الْآخَرُونَ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ } وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ . أَحَدُهَا : أَنّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَثْنَى أَنْفُسَهُمْ مِنْ الشّهَدَاءِ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُتّصِلٌ قَطْعًا وَلِهَذَا جَاءَ مَرْفُوعًا . وَالثّانِي : أَنّهُ صَرّحَ بِأَنّ الْتِعَانَهُمْ شَهَادَةٌ ثُمّ زَادَ سُبْحَانَهُ هَذَا بَيَانًا فَقَالَ { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } وَالثّالِثُ أَنّهُ جَعَلَهُ بَدَلًا مِنْ الشّهُودِ وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ عِنْد عَدَمِهِمْ . قَالُوا : وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا لِعَانَ بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ وَلَا كَافِرَيْنِ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ فِي " التّمْهِيدِ " . [ ص 325 ] وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ مَرْفُوعًا : أَرْبَعَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمْ لِعَانٌ لَيْسَ بَيْنَ الْحُرّ وَالْأَمَةِ لِعَانٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الْحُرّةِ وَالْعَبْدِ لِعَانٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِيّةِ لِعَانٌ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ والنصرانية لِعَان وَذَكَر َ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي " مُصَنّفِهِ " عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مِنْ وَصِيّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَتّابِ بْنِ أَسِيدٍ : أَنْ لَا لِعَانَ بَيْنَ أَرْبَعٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ . قَالُوا : وَلِأَنّ اللّعَانَ جُعِلَ بَدَلَ الشّهَادَةِ وَقَائِمًا مَقَامَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا فَلَا يَصِحّ إلّا مِمّنْ تَصِحّ مِنْهُ وَلِهَذَا تُحَدّ الْمَرْأَةُ بِلِعَانِ الزّوْجِ وَنُكُولِهَا تَنْزِيلًا لِلِعَانِهِ مَنْزِلَةَ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ . قَالُوا : وَأَمّا الْحَدِيثُ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْأَيْمَانِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْن فَالْمَحْفُوظُ فِيهِ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللّهِ هَذَا لَفْظُ البخاري في " صَحِيحِهِ " . وَأَمّا قَوْلُهُ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْأَيْمَانِ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبّادِ بْنِ مَنْصُورٍ وَقَدْ تَكَلّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ . قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : لَيْسَ بِشَيْءٍ . وَقَالَ عَلِيّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ الرّازِيّ : مَتْرُوكٌ قَدَرِيّ . وَقَالَ النّسَائِيّ : ضَعِيفٌ . وَقَدْ اسْتَقَرّتْ قَاعِدَةُ الشّرِيعَةِ أَنّ الْبَيّنَةَ عَلَى الْمُدّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدّعَى عَلَيْهِ وَالزّوْجُ هَا هُنَا مُدّعٍ فَلِعَانُهُ شَهَادَةٌ وَلَوْ كَانَ يَمِينًا لَمْ تُشْرَعْ فِي جَانِبِهِ . قَالَ(22/73)
الْأَوّلُونَ أَمّا تَسْمِيَتُهُ شَهَادَةً فَلِقَوْلِ الْمُلْتَعِنِ فِي يَمِينِهِ أَشْهَدُ بِاَللّهِ فَسُمّيَ بِذَلِكَ شَهَادَةً وَإِنْ كَانَ يَمِينًا اعْتِبَارًا بِلَفْظِهَا . قَالُوا : وَكَيْفَ وَهُوَ مُصَرّحٌ فِيهِ [ ص 326 ] وَجَوَابِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللّهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ نَوَى الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ وَالْعَرَبُ تَعُدّ ذَلِكَ يَمِينًا فِي لُغَتِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا . قَالَ قَيْسٌ : فَأَشْهَدُ عِنْدَ اللّهِ أَنّي أُحِبّهَا فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدَهَا لِيَا
وَفِي هَذَا حُجّةٌ لِمَنْ قَالَ إنّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ " تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِاَللّهِ كَمَا هُوَ إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ . وَالثّانِيَةُ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلّا بِالنّيّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ . كَمَا أَنّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِاَللّهِ يَمِينٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِمُطْلَقِهِ . قَالُوا : وَأَمّا اسْتِثْنَاؤُهُ سُبْحَانَهُ أَنْفُسَهُمْ مِنْ الشّهَدَاءِ فَيُقَالُ أَوّلًا : " إلّا " هَا هُنَا : صِفَةٌ بِمَعْنَى غَيْرِ وَالْمَعْنَى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ فَإِنّ " غَيْرَ " و " وَإِلّا " يَتَعَاوَضَانِ الْوَصْفِيّةَ وَالِاسْتِثْنَاءَ فَيُسْتَثْنَى ب " غَيْرَ " حَمْلًا عَلَى " إلّا " وَيُوصَفُ ب " إلّا " حَمْلًا عَلَى " غَيْرَ " . وَيُقَالُ ثَانِيًا : إنّ " أَنْفُسَهُمْ " مُسْتَثْنًى مِنْ الشّهَدَاءِ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ فَإِنّهُمْ يُبَدّلُونَ فِي الِانْقِطَاعِ كَمَا يُبَدّلُ أَهْلُ الْحِجَازِ وَهُمْ فِي الِاتّصَالِ . وَيُقَالُ ثَالِثًا : إنّمَا اسْتَثْنَى " أَنْفُسَهُمْ " مِنْ الشّهَدَاءِ لِأَنّهُ نَزّلَهُمْ مَنْزِلَتَهُمْ فِي قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَهَذَا قَوِيّ جِدّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرْجُمُ الْمَرْأَةَ بِالْتِعَانِ الزّوْجِ إذَا نَكَلَتْ وَهُوَ الصّحِيحُ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . وَالصّحِيحُ أَنّ لِعَانَهُمْ يَجْمَعُ الْوَصْفَيْنِ الْيَمِينَ وَالشّهَادَةَ فَهُوَ شَهَادَةٌ مُؤَكّدَةٌ بِالْقَسَمِ وَالتّكْرَارِ وَيَمِينٌ مُغَلّظَةٌ بِلَفْظِ الشّهَادَةِ وَالتّكْرَارِ لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ تَأْكِيدَ الْأَمْرِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِنْ التّأْكِيدِ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ .
[ أَنْوَاعُ التّأْكِيدِ فِي الشّهَادَةِ عَلَى اللّعَانِ ]
أَحَدُهَا : ذِكْرُ لَفْظِ الشّهَادَةِ . [ ص 327 ] الثّانِي : ذِكْرُ الْقَسَمِ بِأَحَدِ أَسْمَاءِ الرّبّ سُبْحَانَهُ وَأَجْمَعِهَا لِمَعَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَهُوَ اسْمُ اللّهِ جَلّ ذِكْرُهُ . الثّالِثُ تَأْكِيدُ الْجَوَابِ بِمَا يُؤَكّدُ بِهِ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ مِنْ " إنّ وَاللّامِ " وَإِتْيَانِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الّذِي هُوَ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ دُونَ الْفِعْلِ الّذِي هُوَ صَدَقَ وَكَذَبَ . الرّابِعُ تَكْرَارُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرّاتٍ . الْخَامِسُ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْخَامِسَةِ بِلَعْنَةِ اللّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ . السّادِسُ إخْبَارُهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ أَنّهَا الْمُوجِبَةُ لِعَذَابِ اللّهِ وَأَنّ عَذَابَ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ . السّابِعُ جَعْلُ لِعَانِهِ مُقْتَضٍ لِحُصُولِ الْعَذَابِ عَلَيْهَا وَهُوَ إمّا الْحَدّ أَوْ الْحَبْسُ وَجَعْلُ لِعَانِهَا دَارِئًا لِلْعَذَابِ عَنْهَا . الثّامِنُ أَنّ هَذَا اللّعَانَ يُوجِبُ الْعَذَابَ عَلَى أَحَدِهِمَا إمّا فِي الدّنْيَا وَإِمّا فِي الْآخِرَةِ . التّاسِعُ التّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَخَرَابُ بَيْتِهَا وَكَسْرِهَا بِالْفِرَاقِ . الْعَاشِرُ تَأْبِيدُ تِلْكَ الْفُرْقَةِ وَدَوَامُ التّحْرِيمِ بَيْنَهُمَا فَلَمّا كَانَ شَأْنُ هَذَا اللّعَانِ هَذَا الشّأْنَ جُعِلَ يَمِينًا مَقْرُونًا بِالشّهَادَةِ وَشَهَادَةً مَقْرُونَةً بِالْيَمِينِ وَجُعِلَ الْمُلْتَعِنُ لِقَبُولِ قَوْلِهِ كَالشّاهِدِ فَإِنْ نَكَلَتْ الْمَرْأَةُ مَضَتْ شَهَادَتُهُ وَحُدّتْ وَأَفَادَتْ شَهَادَتُهُ وَيَمِينُهُ شَيْئَيْنِ سُقُوطُ الْحَدّ عَنْهُ وَوُجُوبُهُ عَلَيْهَا . وَإِنْ الْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ وَعَارَضَتْ لِعَانَهُ بِلِعَانِ آخَرَ مِنْهَا أَفَادَ لِعَانُهُ سُقُوطَ الْحَدّ عَنْهُ دُونَ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا فَكَانَ شَهَادَةً وَيَمِينًا بِالنّسْبَةِ إلَيْهِ دُونَهَا لِأَنّهُ إنْ كَانَ يَمِينًا مَحْضَةً فَهِيَ لَا تُحَدّ بِمُجَرّدِ حَلِفِهِ وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً فَلَا تُحَدّ بِمُجَرّدِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا وَحَدّهِ . فَإِذَا انْضَمّ إلَى ذَلِكَ نُكُولُهَا قَوِيَ جَانِبُ الشّهَادَةِ وَالْيَمِينِ فِي حَقّهِ بِتَأَكّدِهِ وَنُكُولِهَا فَكَانَ دَلِيلًا ظَاهِرًا عَلَى صِدْقِهِ فَأَسْقَطَ الْحَدّ عَنْهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهَا وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يَكُونُ مِنْ الْحُكْمِ وَمَنْ أَحْسَنُ [ ص 328 ] يُوقِنُونَ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنّهُ يَمِينٌ فِيهَا مَعْنَى(22/74)
الشّهَادَةِ وَشَهَادَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْيَمِينِ . وَأَمّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ فَمَا أَبْيَنَ دِلَالَتِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا بِوُصُولِهِ إلَى عَمْرٍو وَلَكِنْ فِي طَرِيقِهِ إلَى عَمْرٍو مَهَالِكُ وَمَفَاوِزُ . قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ : لَيْسَ دُونَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَنْ يُحْتَجّ بِهِ . وَأَمّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ الّذِي رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ فَعَلَى طَرِيقِ الْحَدِيثِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْوَقّاصِيّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِهِمْ فَالطّرِيقُ بِهِ مَقْطُوعَةٌ . وَأَمّا حَدِيثُ عَبْدِ الرّزّاقِ فَمَرَاسِيلُ الزّهْرِيّ عِنْدَهُمْ ضَعِيفَةٌ لَا يُحْتَجّ بِهَا وَعَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ كَانَ عَامِلًا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَكّةَ وَلَمْ يَكُنْ بِمَكّةَ يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ الْبَتّةَ حَتّى يُوصِيَهُ أَنْ لَا يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا . قَالُوا : وَأَمّا رَدّكُمْ لِقَوْلِهِ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْأَيْمَانِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَمّا تَعَلّقُكُمْ فِيهِ عَلَى عَبّادِ بْنِ مَنْصُورٍ فَأَكْثَرُ مَا عِيبَ عَلَيْهِ أَنّهُ قَدَرِيّ دَاعِيَةٌ إلَى الْقَدَرِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ رَدّ حَدِيثِهِ فَفِي الصّحِيحِ الِاحْتِجَاجُ بِجَمَاعَةِ مِنْ الْقَدَرِيّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالشّيعَةِ مِمّنْ عُلِمَ صِدْقُهُ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى " " وَلَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْأَيْمَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ اللّفْظَيْنِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْآخَرِ بَلْ [ ص 329 ] حَكَمَ بِهِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَأَرَادَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ حُكْمِ اللّهِ الّذِي فَصَلَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لَكَانَ لَهَا شَأْنٌ آخَرُ . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ قَاعِدَةَ الشّرِيعَةِ اسْتَقَرّتْ عَلَى أَنّ الشّهَادَةَ فِي جَانِبِ الْمُدّعِي وَالْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدّعَى عَلَيْهِ فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا : أَنّ الشّرِيعَةَ لَمْ تَسْتَقِرّ عَلَى هَذَا بَلْ قَدْ اسْتَقَرّتْ فِي الْقَسَامَةِ بِأَنْ يُبْدَأَ بِأَيْمَانِ الْمُدّعِينَ وَهَذَا لِقُوّةِ جَانِبِهِمْ بِاللّوْثِ وَقَاعِدَةُ الشّرِيعَةِ أَنّ الْيَمِينَ تَكُونُ مِنْ جَنَبَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَلَمّا كَانَ جَانِبُ الْمُدّعَى عَلَيْهِ قَوِيّا بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيّةِ شُرِعَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ فَلَمّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدّعِي فِي الْقَسَامَةِ بِاللّوْثِ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى الصّحِيحِ لَمّا قَوِيَ جَانِبُهُ بِالنّكُولِ صَارَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ فَيُقَالُ لَهُ احْلِفْ وَاسْتَحِقّ وَهَذَا مِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ الشّارِعِ وَاقْتِضَائِهِ لِلْمَصَالِحِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ شُرِعَتْ الْيَمِينُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ دَائِمًا لَذَهَبَتْ قُوّةُ الْجَانِبِ الرّاجِحِ هَدَرًا وَحِكْمَةُ الشّارِعِ تَأْبَى ذَلِكَ فَاَلّذِي جَاءَ بِهِ هُوَ غَايَةُ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ .
[ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ فَهَلْ تُحَدّ أَوْ تُحْبَسُ حَتّى تُقِرّ أَوْ تُلَاعِنَ ؟ ]
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَجَانِبُ الزّوْجِ هَا هُنَا أَقْوَى مِنْ جَانِبِهَا فَإِنّ الْمَرْأَةَ تُنْكِرُ زِنَاهَا وَتَبْهَتُهُ وَالزّوْجَ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَإِفْسَادِ فِرَاشِهِ وَنِسْبَةِ أَهْلِهِ إلَى الْفُجُورِ بَلْ ذَلِكَ أَشْوَشُ عَلَيْهِ وَأَكْرَهُ شَيْءٍ إلَيْهِ فَكَانَ هَذَا لَوْثًا ظَاهِرًا فَإِذَا انْضَافَ إلَيْهِ نُكُولُ الْمَرْأَةِ قَوِيَ الْأَمْرُ جِدّا فِي قُلُوبِ النّاسِ خَاصّهِمْ وَعَامّهِمْ فَاسْتَقَلّ ذَلِكَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الزّنَا عَلَيْهَا شَرْعًا فَحُدّتْ بِلِعَانِهِ وَلَكِنْ لَمّا لَمْ تَكُنْ أَيْمَانُهُ بِمَنْزِلَةِ الشّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ حَقِيقَةً كَانَ لَهَا أَنْ تُعَارِضَهَا بِأَيْمَانِ أُخْرَى مِثْلِهَا يُدْرَأُ عَنْهَا بِهَا الْعَذَابُ عَذَابُ الْحَدّ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النّورُ 2 ] وَلَوْ كَانَ لِعَانُهُ بَيّنَةً حَقِيقَةً لَمَا دَفَعَتْ أَيْمَانُهَا عَنْهَا شَيْئًا وَهَذَا يَتّضِحُ بِالْفَصْلِ الثّانِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ أَنّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ فَهَلْ تُحَدّ أَوْ تُحْبَسُ حَتّى تُقِرّ أَوْ تُلَاعِنَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ . فَقَالَ الشّافِعِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ تُحَدّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ . [ ص 330 ] وَقَالَ أَحْمَدُ : تُحْبَسُ حَتّى تُقِرّ أَوْ تُلَاعِنَ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ . وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ لَا تُحْبَسُ وَيُخَلّى سَبِيلُهَا .(22/75)
[ حُجَجُ مَنْ قَالَ تُحْبَسُ ]
قَال َ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لَوْ كَانَ لِعَانُ الرّجُلِ بَيّنَةً تُوجِبُ الْحَدّ عَلَيْهَا لَمْ تَمْلِكْ إسْقَاطَهُ بِاللّعَانِ وَتَكْذِيبِ الْبَيّنَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ . قَالُوا : وَلِأَنّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا مَعَ ثَلَاثَةٍ غَيْرَهُ لَمْ تُحَدّ بِهَذِهِ الشّهَادَةِ فَلِأَنْ لَا تُحَدّ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ أَوْلَى وَأَحْرَى . قَالُوا : وَلِأَنّهُ أَحَدُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَلَا يُوجِبُ حَدّ الْآخَرِ كَمَا لَمْ يُوجِبْ لِعَانُهَا حَدّهُ . قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي وَلَا رَيْبَ أَنّ الزّوْجَ هَا هُنَا مُدّعٍ . قَالُوا : وَلِأَنّ مُوجَبَ لِعَانِهِ إسْقَاطُ الْحَدّ عَنْ نَفْسِهِ لَا إيجَابُ الْحَدّ عَلَيْهَا وَلِهَذَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيّنَةُ وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِكَ فَإِنّ مُوجَبَ قَذْفِ الزّوْجِ كَمُوجَبِ قَذْفِ الْأَجْنَبِيّ وَهُوَ الْحَدّ فَجَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ طَرِيقًا إلَى التّخَلّصِ مِنْهُ بِاللّعَانِ وَجَعَلَ طَرِيقَ إقَامَةِ الْحَدّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ أَوْ اعْتِرَافٌ أَوْ الْحَبَلُ عِنْدَ مَنْ يَحُدّ بِهِ مِنْ الصّحَابَةِ كَعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالرّجْمُ وَاجِبٌ عَلَى كُلّ مَنْ زَنَى مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ إذَا كَانَ مُحْصَنًا إذَا قَامَتْ بَيّنَةٌ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ وَكَذَلِكَ قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَجَعَلَا طَرِيقَ الْحَدّ ثَلَاثَةً لَمْ يَجْعَلَا فِيهَا اللّعَانَ . قَالُوا : وَأَيْضًا فَهَذِهِ لَمْ يَتَحَقّقْ زِنَاهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدّ لِأَنّ تَحَقّقَ زِنَاهَا [ ص 331 ] وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدّ عَلَى قَاذِفِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَقّقَ بِنُكُولِهَا أَيْضًا لِأَنّ الْحَدّ لَا يَثْبُتُ بِالنّكُولِ فَإِنّ الْحَدّ يُدْرَأُ بِالشّبُهَاتِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِالنّكُولِ فَإِنّ النّكُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِشَدّةِ خَفَرِهَا أَوْ لِعُقْلَةِ لِسَانِهَا أَوْ لِدَهَشِهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ الْفَاضِحِ الْمُخْزِي أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحَدّ الّذِي اُعْتُبِرَ فِي بَيّنَتِهِ مِنْ الْعَدَدِ ضِعْفُ مَا اُعْتُبِرَ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ وَفِي إقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ بِالسّنّةِ الصّحِيحَةِ الصّرِيحَةِ وَاعْتُبِرَ فِي كُلّ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيّنَةِ أَنْ يَتَضَمّنَ وَصْفَ الْفِعْلِ وَالتّصْرِيحَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي السّتْرِ وَدَفْعًا لِإِثْبَاتِ الْحَدّ بِأَبْلَغِ الطّرُقِ وَآكَدِهَا وَتَوَسّلًا إلَى إسْقَاطِ الْحَدّ بِأَدْنَى شُبْهَةٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى فِيهِ بِالنّكُولِ الّذِي هُوَ فِي نَفْسِهِ شُبْهَةٌ لَا يُقْضَى بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ الْبَتّةَ وَلَا فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالَ ؟ . قَالُوا : وَالشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى لَا يَرَى الْقَضَاءَ بِالنّكُولِ فِي دِرْهَمٍ فَمَا دُونَهُ وَلَا فِي أَدْنَى تَعْزِيرٍ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ فِي أَعْظَمِ الْأُمُورِ وَأَبْعَدِهَا ثُبُوتًا وَأَسْرَعِهَا سُقُوطًا وَلِأَنّهَا لَوْ أَقَرّتْ بِلِسَانِهَا ثُمّ رَجَعَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدّ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ بِمُجَرّدِ امْتِنَاعِهَا مِنْ الْيَمِينِ عَلَى بَرَاءَتِهَا أَوْلَى وَإِذَا ظَهَرَ أَنّهُ لَا تَأْثِيرَ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا فِي تَحَقّقِ زِنَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ بِتَحَقّقِهِ بِهِمَا لِوَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنّ مَا فِي كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الشّبْهَةِ لَا يَزُولُ بِضَمّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ كَشَهَادَةِ مِائَةِ فَاسِقٍ فَإِنّ احْتِمَالَ نُكُولِهَا لِفَرْطِ حَيَائِهَا وَهَيْبَةِ ذَلِكَ الْمَقَامِ وَالْجَمْعِ وَشِدّةِ الْخَفَرِ وَعَجْزِهَا عَنْ النّطْقِ وَعُقْلَةِ لِسَانِهَا لَا يَزُولُ بِلِعَانِ الزّوْجِ وَلَا بِنُكُولِهَا . الثّانِي : أَنّ مَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالْيَمِينِ الْمُفْرَدَةِ لَا يُقْضَى فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ النّكُولِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ } فَالْعَذَابُ هَا هُنَا [ ص 332 ] يُرَادَ بِهِ الْحَدّ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَبْسُ وَالْعُقُوبَةُ الْمَطْلُوبَةُ فَلَا يَتَعَيّنُ إرَادَةُ الْحَدّ بِهِ فَإِنّ الدّالّ عَلَى الْمُطْلَقِ لَا يَدُلّ عَلَى الْمُقَيّدِ إلّا بِدَلِيلِ مِنْ خَارِجٍ وَأَدْنَى دَرَجَاتِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ فَلَا يَثْبُتُ الْحَدّ مَعَ قِيَامِهِ وَقَدْ يُرَجّحُ هَذَا بِمَا تَقَدّمَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : إنّ الْحَدّ إنّمَا يَكُونُ بِالْبَيّنَةِ أَوْ الِاعْتِرَافِ أَوْ الْحَبَلِ ثُمّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِيمَا يُصْنَعُ بِهَا إذَا لَمْ تُلَاعِنْ فَقَالَ(22/76)
أَحْمَدُ : إذَا أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَلْتَعِنَ بَعْدَ الْتِعَانِ الرّجُلِ أَجْبَرْتُهَا عَلَيْهِ وَهِبْتُ أَنْ أَحْكُمَ عَلَيْهَا بِالرّجْمِ لِأَنّهَا لَوْ أَقَرّتْ بِلِسَانِهَا لَمْ أَرْجُمْهَا إذَا رَجَعَتْ فَكَيْفَ إذَا أَبَتْ اللّعَانَ ؟ وَعَنْهُ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ يُخَلّى سَبِيلُهَا اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ لِأَنّهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدّ فَيَجِبُ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا كَمَا لَوْ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيّنَةُ .
فَصْلٌ [ حُجَجُ الْمُوجِبِينَ لِلْحَدّ ]
قَالَ الْمُوجِبُونَ لِلْحَدّ مَعْلُومٌ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْتِعَانَ الزّوْجِ بَدَلًا عَنْ الشّهُودِ وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ بَلْ جَعَلَ الْأَزْوَاجَ الْمُلْتَعِنِينَ شُهَدَاءَ كَمَا تَقَدّمَ وَصَرّحَ بِأَنّ لِعَانَهُمْ شَهَادَةٌ وَأَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ } وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ سَبَبَ الْعَذَابِ الدّنْيَوِيّ قَدْ وُجِدَ وَأَنّهُ لَا يَدْفَعُهُ عَنْهَا إلّا لِعَانُهَا وَالْعَذَابُ الْمَدْفُوعُ عَنْهَا بِلِعَانِهَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وَهَذَا عَذَابُ الْحَدّ قَطْعًا فَذَكَرَهُ مُضَافًا وَمُعَرّفًا بِلَامِ الْعَهْدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى عُقُوبَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِي اللّفْظِ وَلَا دَلّ عَلَيْهَا بِوَجْهِ مَا مِنْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يُخَلّى سَبِيلُهَا وَيُدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابُ بِغَيْرِ لِعَانٍ وَهَلْ هَذَا إلّا مُخَالَفَةٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ ؟ . قَالُوا : وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِعَانَ الزّوْجِ دَارِئًا لَحَدّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَجَعَلَ لِعَانَ الزّوْجَةِ دَارِئًا لِعَذَابِ حَدّ الزّنَى عَنْهَا فَكَمَا أَنّ الزّوْجَ إذَا لَمْ يُلَاعِنْ يُحَدّ حَدّ الْقُذُفِ فَكَذَلِكَ الزّوْجَةُ إذَا لَمْ تُلَاعِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدّ . [ ص 333 ] قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ لِعَانَ الزّوْجِ لَوْ كَانَ بَيّنَةً تُوجِبُ الْحَدّ عَلَيْهَا لَمْ تَمْلِكْ هِيَ إسْقَاطَهُ بِاللّعَانِ كَشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيّ . فَالْجَوَابُ أَنّ حُكْمَ اللّعَانِ حُكْمٌ مُسْتَقِلّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مَرْدُودٍ إلَى أَحْكَامِ الدّعَاوَى وَالْبَيّنَاتِ بَلْ هُوَ أَصْلٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ شَرَعَهُ الّذِي شَرَعَ نَظِيرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ وَفَصّلَهُ الّذِي فَصّلَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَلَمّا كَانَ لِعَانُ الزّوْجِ بَدَلًا عَنْ الشّهُودِ لَا جَرَمَ نَزَلَ عَنْ مَرْتَبَةِ الْبَيّنَةِ فَلَمْ يَسْتَقِلّ وَحْدَهُ بِحُكْمِ الْبَيّنَةِ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ مُعَارَضَتَهُ بِلِعَانِ نَظِيرِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ أَحَدِ اللّعَانَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لَنَا وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ فَلَا وَجْهَ لِحَدّ الْمَرْأَةِ بِمُجَرّدِ لِعَانِ الزّوْجِ فَإِذَا مُكّنَتْ مِنْ مُعَارَضَتِهِ وَإِتْيَانِهَا بِمَا يُبَرّئُ سَاحَتَهَا فَلَمْ تَفْعَلْ وَنَكَلَتْ عَنْ ذَلِكَ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ وَانْضَافَ إلَيْهِ قَرِينَةُ قَوّتْهُ وَأَكّدَتْهُ وَهِيَ نُكُولُ الْمَرْأَةِ وَإِعْرَاضُهَا عَمّا يُخَلّصُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَيَدْرَؤُهُ عَنْهَا .
قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا مَعَ ثَلَاثَةٍ غَيْرَهُ لَمْ تُحَدّ بِهَذِهِ الشّهَادَةِ فَكَيْفَ تُحَدّ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ ؟ فَجَوَابُهُ أَنّهَا لَمْ تُحَدّ بِشَهَادَةِ مُجَرّدَةٍ وَإِنّمَا حُدّتْ بِمَجْمُوعِ لِعَانِهِ خَمْسَ مَرّاتٍ وَنُكُولِهَا عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَيْهَا فَقَامَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ دَلِيلٌ فِي غَايَةِ الظّهُورِ وَالْقُوّةِ عَلَى صِحّةِ قَوْلِهِ وَالظّنّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَقْوَى بِكَثِيرِ مِنْ الظّنّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ شَهَادَةِ الشّهُودِ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهُ أَحَدُ اللّعَانَيْنِ فَلَا يُوجِبُ حَدّ الْآخَرِ كَمَا لَمْ يُوجِبْ لِعَانُهَا حَدّهُ فَجَوَابُهُ أَنّ لِعَانَهَا إنّمَا شُرِعَ لِلدّفْعِ لَا لِلْإِيجَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ } فَدَلّ النّصّ عَلَى أَنّ لِعَانَهُ مُقْتَضٍ لِإِيجَابِ الْحَدّ وَلِعَانَهَا دَافِعٌ وَدَارِئٌ لَا مُوجِبٌ فَقِيَاسُ أَحَدِ اللّعَانَيْنِ عَلَى الْآخَرِ جَمْعُ بَيْنَ مَا فَرّقَ اللّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَاطِلٌ . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيّنَةُ عَلَى الْمُدّعِي فَسَمْعًا وَطَاعَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ و لَا رَيْبَ أَنّ لِعَانَ الزّوْجِ الْمَذْكُورَ الْمُكَرّرَ بَيّنَةٌ وَقَدْ انْضَمّ إلَيْهِ نُكُولُهَا الْجَارِي مَجْرَى إقْرَارِهَا عِنْدَ قَوْمٍ وَمَجْرَى بَيّنَةِ الْمُدّعِينَ عِنْدَ [ ص 334 ] وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْبَيّنَاتِ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ(22/77)
قَالَ لَهُ الْبَيّنَةُ وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِك وَلَمْ يُبْطِلْ اللّهُ سُبْحَانَهُ هَذَا وَإِنّمَا نَقَلَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ بَيّنَةٍ مُنْفَصِلَةٍ تُسْقِطُ الْحَدّ عَنْهُ يَعْجِزُ عَنْ إقَامَتِهَا إلَى بَيّنَةٍ يَتَمَكّنُ مِنْ إقَامَتِهَا وَلَمّا كَانَتْ دُونَهَا فِي الرّتْبَةِ اُعْتُبِرَ لَهَا مُقَوّ مُنْفَصِلٌ وَهُوَ نُكُولُ الْمَرْأَةِ عَنْ دَفْعِهَا وَمُعَارَضَتُهَا مَعَ قُدْرَتِهَا وَتَمَكّنِهَا قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ مُوجَبَ لِعَانِهِ إسْقَاطُ الْحَدّ عَنْ نَفْسِهِ لَا إيجَابُ الْحَدّ عَلَيْهَا إلَى آخِرِهِ فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنّ مِنْ مُوجَبِهِ إسْقَاطُ الْحَدّ عَنْ نَفْسِهِ فَحَقّ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنّ سُقُوطَ الْحَدّ عَنْهُ يُسْقِطُ جَمِيعَ مُوجَبِهِ وَلَا مُوجَبَ لَهُ سِوَاهُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ أَوْ وُجُوبَ التّفْرِيقِ وَالتّحْرِيمِ الْمُؤَبّدِ أَوْ الْمُؤَقّتِ وَنَفْيَ الْوَلَدِ الْمُصَرّحِ بِنَفْيِهِ أَوْ الْمُكْتَفَى فِي نَفْيِهِ بِاللّعَانِ وَوُجُوبَ الْعَذَابِ عَلَى الزّوْجَةِ إمّا عَذَابُ الْحَدّ أَوْ عَذَابُ الْحَبْسِ كُلّ ذَلِكَ مِنْ مُوجَبِ اللّعَانِ فَلَا يَصِحّ أَنْ يُقَالَ إنّمَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَدّ الْقَذْفِ عَنْ الزّوْجِ فَقَطْ . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ الصّحَابَةَ جَعَلُوا حَدّ الزّنَى بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمّا الْبَيّنَةُ أَوْ الِاعْتِرَافُ أَوْ الْحَبَلُ وَاللّعَانُ لَيْسَ مِنْهَا فَجَوَابُهُ أَنْ مُنَازِعِيكُمْ يَقُولُونَ إنْ كَانَ إيجَابُ الْحَدّ عَلَيْهَا بِاللّعَانِ خِلَافًا لِأَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الصّحَابَةِ فَإِنّ إسْقَاطَ الْحَدّ بِالْحَبَلِ أَدْخَلُ فِي خِلَافِهِمْ وَأَظْهَرُ فَمَا الّذِي سَوّغَ لَكُمْ إسْقَاطَ حَدّ أَوْجَبُوهُ بِالْحَبَلِ وَصَرِيحِ مُخَالَفَتِهِمْ وَحَرّمَ عَلَى مُنَازِعِيكُمْ مُخَالَفَتَهُمْ فِي إيجَابِ الْحَدّ بِغَيْرِ هَذِهِ الثّلَاثَةِ مَعَ أَنّهُمْ أَعْذَرُ مِنْكُمْ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ . أَحَدُهَا : أَنّهُمْ لَمْ يُخَالِفُوا صَرِيحَ قَوْلِهِمْ وَإِنّمَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِمَفْهُومِ سَكَتُوا عَنْهُ فَهُوَ مُخَالَفَةٌ لِسُكُوتِهِمْ وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ صَرِيحَ أَقْوَالِهِمْ . الثّانِي : أَنّ غَايَةَ مَا خَالَفُوهُ مَفْهُومٌ قَدْ خَالَفَهُ صَرِيحٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ بِإِيجَابِ الْحَدّ فَلَمْ يُخَالِفُوا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ مَنْطُوقًا لَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ الْبَتّةَ هَا هُنَا وَهُوَ إيجَابُ الْحَدّ بِالْحَبَلِ فَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيّ قَطّ مُخَالَفَةُ عُمَر وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا فِي إيجَابِ الْحَدّ بِهِ .
[ ص 335 ] { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ } [ النّورُ 8 ] وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذَا الْمَفْهُومَ أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ سُقُوطِ الْحَدّ بِقَوْلِهِمْ إذَا كَانَتْ الْبَيّنَةُ أَوْ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ فَهُمْ تَرَكُوا مَفْهُومًا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَوْلَى هَذَا لَوْ كَانُوا قَدْ خَالَفُوا الصّحَابَةَ فَكَيْفَ وَقَوْلُهُمْ مُوَافِقٌ لِأَقْوَالِ الصّحَابَةِ ؟ فَإِنّ اللّعَانَ مَعَ نُكُولِ الْمَرْأَةِ مِنْ أَقْوَى الْبَيّنَاتِ كَمَا تَقَرّرَ . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ لَمْ يَتَحَقّقْ زِنَاهَا إلَى آخِرِهِ فَجَوَابُهُ إنْ أَرَدْتُمْ بِالتّحْقِيقِ الْيَقِينَ الْمَقْطُوعَ بِهِ كَالْمُحَرّمَاتِ فَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي إقَامَةِ الْحَدّ وَلَوْ كَانَ هَذَا شَرْطًا لَمَا أُقِيمَ الْحَدّ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ إذْ شَهَادَتُهُمْ لَا تَجْعَلُ الزّنَى مُحَقّقًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِعَدَمِ التّحَقّقِ أَنّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ عَلَى السّوَاءِ بِحَيْثُ لَا يَتَرَجّحُ ثُبُوتُهُ فَبَاطِلٌ قَطْعًا وَإِلّا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعَذَابُ الْمُدْرَأُ بِلِعَانِهَا وَلَا رَيْبَ أَنّ التّحَقّقَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ لِعَانِهِ الْمُؤَكّدِ الْمُكَرّرِ مَعَ إعْرَاضِهَا عَنْ مُعَارَضَةٍ مُمْكِنَةٍ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ التّحَقّقِ بِأَرْبَعِ شُهُودٍ وَلَعَلّ لَهُمْ غَرَضًا فِي قَذْفِهَا وَهَتْكِهَا وَإِفْسَادِهَا عَلَى زَوْجِهَا وَالزّوْجُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا . وَقَوْلُكُمْ إنّهُ لَوْ تَحَقّقَ فَإِمّا أَنْ يَتَحَقّقَ بِلِعَانِ الزّوْجِ أَوْ بِنُكُولِهَا أَوْ بِهِمَا فَجَوَابُهُ أَنّهُ تَحَقّقَ بِهِمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اسْتِقْلَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْحَدّ وَضَعْفِهِ عَنْهُ عَدَمُ اسْتِقْلَالِهِمَا مَعًا إذْ هَذَا شَأْنُ كُلّ مُفْرَدٍ لَمْ يَسْتَقِلّ بِالْحُكْمِ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَقِلّ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ لِقُوّتِهِ بِهِ . وَأَمّا قَوْلُكُمْ عَجَبًا لِلشّافِعِيّ كَيْفَ لَا يَقْضِي بِالنّكُولِ فِي دِرْهَمٍ وَيَقْضِي بِهِ فِي إقَامَةِ حَدّ بَالَغَ الشّارِعُ فِي سَتْرِهِ وَاعْتَبَرَ لَهُ أَكْمَلَ بَيّنَةٍ فَهَذَا مَوْضِعٌ لَا يُنْتَصَرُ فِيهِ لِلشّافِعِيّ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمّةِ وَلَيْسَ لِهَذَا وُضِعَ كِتَابُنَا هَذَا وَلَا قَصَدْنَا بِهِ نُصْرَةَ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ وَإِنّمَا قَصَدْنَا(22/78)
بِهِ مُجَرّدَ هَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سِيرَتِهِ وَأَقْضِيَتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَمَا تَضَمّنَ سِوَى ذَلِكَ فَتُبِعَ مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ [ ص 336 ] فَهَبْ أَنّ مَنْ لَمْ يَقْضِ بِالنّكُولِ تَنَاقَضَ فَمَاذَا يَضُرّ ذَلِكَ هَدْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا
عَلَى أَنْ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ تَعَالَى لَمْ يَتَنَاقَضْ فَإِنّهُ فَرّقَ بَيْنَ نُكُولٍ مُجَرّدٍ لَا قُوّةَ لَهُ وَبَيْنَ نُكُولٍ قَدْ قَارَنَهُ الْتِعَانٌ مُؤَكّدٌ مُكَرّرٌ أُقِيمَ فِي حَقّ الزّوْجِ مَقَامَ الْبَيّنَةِ مَعَ شَهَادَةِ الْحَالِ بِكَرَاهَةِ الزّوْجِ لِزِنَى امْرَأَتِهِ وَفَضِيحَتِهَا وَخَرَابِ بَيْتِهَا وَإِقَامَةِ نَفْسِهِ وَحُبّهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ الْعَظِيمِ بِمَشْهَدِ الْمُسْلِمِينَ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ بِاللّعْنَةِ إنْ كَانَ كَاذِبًا بَعْدَ حَلِفِهِ بِاَللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِ أَرْبَعَ مَرّاتٍ إنّهُ لَمِنْ الصّادِقِينَ وَالشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ إنّمَا حَكَمَ بِنُكُولِ قَدْ قَارَنَهُ مَا هَذَا شَأْنُهُ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِنُكُولٍ مُجَرّدٍ ؟ . قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّهَا لَوْ أَقَرّتْ بِالزّنَى ثُمّ رَجَعَتْ لَسَقَطَ عَنْهَا الْحَدّ فَكَيْفَ يَجِبُ بِمُجَرّدِ امْتِنَاعِهَا مِنْ الْيَمِينِ ؟ بِجَوَابِهِ مَا تَقَرّرَ آنِفًا .
قَالُوا : وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ الْعَذَابَ الْمُدْرَأَ عَنْهَا بِلِعَانِهَا هُوَ عَذَابُ الْحَبْسِ أَوْ غَيْرُهُ فَجَوَابُهُ أَنّ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ إمّا عَذَابُ الدّنْيَا أَوْ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنّ لِعَانَهَا لَا يَدْرَؤُهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا وَإِنّمَا هُوَ عَذَابُ الدّنْيَا وَهُوَ الْحَدّ قَطْعًا فَإِنّهُ عَذَابُ الْمَحْدُودِ وَهُوَ فِدَاءٌ لَهُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَلِهَذَا شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ طُهْرَةً وَفِدْيَةً مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ [ ص 337 ] كَيْفَ وَقَدْ صَرّحَ بِهِ فِي أَوّلِ السّورَةِ بِقَوْلِهِ { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النّورُ 2 ] ثُمّ أَعَادَهُ بِعَيْنِهِ بِقَوْلِهِ { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ } فَهَذَا هُوَ الْعَذَابُ الْمَشْهُودُ مَكّنَهَا مِنْ دَفْعِهِ بِلِعَانِهَا فَأَيْنَ هُنَا عَذَابُ غَيْرِهِ حَتّى تُفَسّرَ الْآيَةُ بِهِ ؟ وَإِذَا تَبَيّنَ هَذَا فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصّحِيحُ الّذِي لَا نَعْتَقِدُ سِوَاهُ وَلَا نَرْتَضِي إلّا إيّاهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ . فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ نَكَلَ الزّوْجُ عَنْ اللّعَانِ بَعْدَ قَذْفِهِ فَمَا حُكْمُ نُكُولِهِ ؟ قُلْنَا : يُحَدّ حَدّ الْقَذْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَمَالِك ٍ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَقَالَ يُحْبَسُ حَتّى يُلَاعِنَ أَوْ تُقِرّ الزّوْجَةُ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيّ عَلَى أَنّ مُوجَبَ قَذْفِ الزّوْجِ لِامْرَأَتِهِ هَلْ هُوَ الْحَدّ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيّ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللّعَانِ أَوْ مُوجَبُهُ اللّعَانُ نَفْسُهُ ؟ فَالْأَوّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَالثّانِي : قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجّوا عَلَيْهِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ النّورُ 4 ] وَبِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيّة َ الْبَيّنَةُ أَوْ حَدّ فِي ظَهْرِكَ وَبُقُولِهِ لَهُ عَذَابُ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَهَذَا قَالَهُ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي اللّعَانِ . فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْحَدّ بِقَذْفِهِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا مَعْنًى وَبِأَنّهُ قَذَفَ حُرّةً عَفِيفَةً يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الْقَوَدُ فَحُدّ بِقَذْفِهَا كَالْأَجْنَبِيّ وَبِأَنّهُ لَوْ لَاعَنَهَا ثُمّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ لِعَانِهَا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدّ فَدَلّ عَلَى أَنّ قَذْفَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَدّ عَلَيْهِ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِاللّعَانِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَمَا وَجَبَ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ بَعْدَ اللّعَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ قَذْفُهُ لَهَا دَعْوَى تُوجِبُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمّا لِعَانُهُ وَإِمّا إقْرَارُهَا فَإِذَا لَمْ يُلَاعِنْ حُبِسَ حَتّى يُلَاعِنَ إلّا أَنْ تُقِرّ فَيَزُولَ مُوجَبُ الدّعْوَى وَهَذَا بِخِلَافِ قَذْفِ الْأَجْنَبِيّ فَإِنّهُ لَا حَقّ لَهُ عِنْدَ الْمَقْذُوفَةِ فَكَانَ قَاذِفًا مَحْضًا وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ بَلْ قَذْفُهُ جِنَايَةٌ مِنْهُ [ ص 338 ] فَكَانَ مُوجَبُهَا الْحَدّ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيّ وَلَمّا كَانَ فِيهَا شَائِبَةُ الدّعْوَى عَلَيْهَا بِإِتْلَافِهَا لِحَقّهِ وَخِيَانَتِهَا فِيهِ مَلَكَ إسْقَاطَ مَا يُوجِبُهُ الْقَذْفُ مِنْ الْحَدّ بِلِعَانِهِ(22/79)
فَإِذَا لَمْ يُلَاعِنْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اللّعَانِ وَتَمَكّنِهِ مِنْهُ عَمِلَ مُقْتَضَى الْقَذْفِ عَمَلَهُ وَاسْتَقَلّ بِإِيجَابِ الْحَدّ إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
فَصْلٌ [ وَمِنْ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ أَحَادِيثِ اللّعَانِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا كَانَ يَقْضِي بِالْوَحْيِ ]
وَمِنْهَا : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا كَانَ يَقْضِي بِالْوَحْيِ وَبِمَا أَرَاهُ اللّهُ لَا بِمَا رَآهُ هُوَ فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ حَتّى جَاءَهُ الْوَحْيُ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَالَ لِعُوَيْمِرٍ حِينَئِذٍ قَدْ نَزَلَ فِيك وَفِي صَحَابَتِك فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا وَقَدْ قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَسْأَلُنِي اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَنْ سُنّةٍ أَحْدَثْتُهَا فِيكُمْ لَمْ أُومَرْ بِهَا وَهَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ وَالْأَحْكَامِ وَالسّنَنِ الْكُلّيّةِ وَأَمّا الْأُمُورُ الْجُزْئِيّةُ الّتِي لَا تَرْجِعُ إلَى أَحْكَامٍ كَالنّزُولِ فِي مَنْزِلٍ مُعَيّنٍ وَتَأْمِيرِ رَجُلٍ مُعَيّنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمّا هُوَ مُتَعَلّقٌ بِالْمُشَاوَرَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِقَوْلِهِ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [ آلُ عِمْرَانَ 159 ] فَتِلْكَ لِلرّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَأْنِ تَلْقِيحِ النّخْلِ إنّمَا هُوَ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ فَهَذَا الْقِسْمُ شَيْءٌ وَالْأَحْكَامُ وَالسّنَنُ الْكُلّيّةُ شَيْءٌ آخَرُ .
فَصْلٌ [ يَكُونُ اللّعَانُ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ]
وَمِنْهَا : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا فَتَلَاعَنَا بِحَضْرَتِهِ فَكَانَ فِي هَذَا بَيَانُ أَنّ اللّعَانَ إنّمَا يَكُونُ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَأَنّهُ لَيْسَ لِآحَادِ الرّعِيّةِ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنّهُ لَيْسَ لَهُ إقَامَةُ الْحَدّ بَلْ هُوَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ . [ ص 339 ]
فَصْلٌ [ يُسَنّ التّلَاعُنُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ النّاسِ ]
وَمِنْهَا : أَنّهُ يُسَنّ التّلَاعُنُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنْ النّاسِ يَشْهَدُونَهُ فَإِنّ ابْنَ عَبّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ وَسَهْلَ بْنَ سَعْد ٍ حَضَرُوهُ مَعَ حَدَاثَةِ أَسْنَانِهِمْ فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى أَنّهُ حَضَرَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ فَإِنّ الصّبْيَانَ إنّمَا يَحْضُرُونَ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ تَبَعًا لِلرّجَالِ . قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْد ٍ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النّاسِ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَحِكْمَةُ هَذَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّ اللّعَانَ بُنِيَ عَلَى التّغْلِيظِ مُبَالَغَةً فِي الرّدْعِ وَالزّجْرِ وَفِعْلُهُ فِي الْجَمَاعَةِ أَبْلَغُ فِي ذَلِكَ .
فَصْلٌ [ الْقِيَامُ عِنْدَ الْمُلَاعَنَةِ ]
وَمِنْهَا : أَنّهُمَا يَتَلَاعَنَانِ قِيَامًا وَفِي قِصّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ قُمْ فَاشْهَدْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللّهِ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : فِي قِصّةِ الْمَرْأَةِ ثُمّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ وَلِأَنّهُ إذَا قَامَ شَاهَدَهُ الْحَاضِرُونَ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي شُهْرَتِهِ وَأَوْقَعَ فِي النّفُوسِ وَفِيهِ سِرّ آخَرُ وَهُوَ أَنّ الدّعْوَةَ الّتِي تُطْلَبُ إصَابَتُهَا إذَا صَادَفَتْ الْمَدْعُوّ عَلَيْهِ قَائِمًا نَفَذَتْ فِيهِ وَلِهَذَا لَمّا دَعَا خُبَيْبٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حِينَ صَلَبُوهُ أَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ مُعَاوِيَةَ فَأَضْجَعَهُ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنّ الرّجُلَ إذَا لَطِئَ بِالْأَرْضِ زَلّتْ عَنْهُ الدّعْوَةُ .
فَصْلٌ [ الْبُدَاءَةُ بِالرّجُلِ فِي اللّعَانِ ]
وَمِنْهَا : الْبُدَاءَةُ بِالرّجُلِ فِي اللّعَانِ كَمَا بَدَأَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَرَسُولُهُ بِهِ فَلَوْ بَدَأَتْ هِيَ لَمْ يُعْتَدّ بِلِعَانِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاعْتَدّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ . وَقَدْ بَدَأَ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْحَدّ بِذِكْرِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ { الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } [ النّورُ 2 ] وَفِي اللّعَانِ بِذِكْرِ الزّوْجِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ لِأَنّ الزّنَى مِنْ الْمَرْأَةِ أَقْبَحُ مِنْهُ بِالرّجُلِ لِأَنّهَا تَزِيدُ عَلَى هَتْكِ حَقّ اللّهِ إفْسَادَ فِرَاشِ بَعْلِهَا وَتَعْلِيقَ [ ص 340 ] زِنَاهَا فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا فِي الْحَدّ أَهَمّ وَأَمّا اللّعَانُ فَالزّوْجُ هُوَ الّذِي قَذَفَهَا وَعَرّضَهَا لِلّعَانِ وَهَتْكِ(22/80)
عِرْضِهَا وَرَمَاهَا بِالْعَظِيمَةِ وَفَضَحَهَا عِنْدَ قَوْمِهَا وَأَهْلِهَا وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدّ إذَا لَمْ يُلَاعِنْ فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهِ فِي اللّعَانِ أَوْلَى مِنْ الْبُدَاءَةِ بِهَا .
فَصْلٌ [ وَعْظُهُمَا قَبْلَ اللّعَانِ ]
وَمِنْهَا : وَعْظُ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الشّرُوعِ فِي اللّعَانِ فَيُوعَظُ وَيُذَكّرُ وَيُقَالُ لَهُ عَذَابُ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ أُعِيدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا كَمَا صَحّتْ السّنّةُ بِهَذَا وَهَذَا .
فَصْلٌ [ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا أَقَلّ مِنْ خَمْسِ مَرّاتٍ ]
وَمِنْهَا : أَنّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الرّجُلِ أَقَلّ مِنْ خَمْسِ مَرّاتٍ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إبْدَالُ اللّعْنَةِ بِالْغَضَبِ وَالْإِبْعَادِ وَالسّخَطِ وَلَا مِنْهَا إبْدَالُ الْغَضَبِ بِاللّعْنَةِ وَالْإِبْعَادِ وَالسّخَطِ بَلْ يَأْتِي كُلّ مِنْهُمَا بِمَا قَسَمَ اللّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَرْعًا وَقَدْرًا وَهَذَا أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا .
[ لَا تُسْتَحَبّ الزّيَادَةُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ ]
وَمِنْهَا : أَنّهُ لَا يَفْتَقِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسّنّةِ شَيْئًا بَلْ لَا يُسْتَحَبّ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الّذِي يَعْلَمُ مِنْ السّرّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللّهِ إنّي لَمِنْ الصّادِقِينَ وَهِيَ تَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللّهِ إنّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزّنَى وَلَا أَنْ تَقُولَ هِيَ إنّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزّنَى وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ إذَا ادّعَى الرّؤْيَةَ رَأَيْتُهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا سُنّةِ رَسُولِهِ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ كَفَانَا بِمَا شَرَعَهُ لَنَا وَأَمَرَنَا بِهِ عَنْ تَكَلّفِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ . [ ص 341 ] قَالَ صَاحِبُ " الْإِفْصَاحِ " وَهُوَ يَحْيَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ فِي " إفْصَاحِهِ " : مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ الصّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزّنَى وَاشْتَرَطَ فِي نَفْيِهَا عَنْ نَفْسِهَا أَنْ تَقُولَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزّنَى . قَالَ وَلَا أَرَاهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ ذَلِكَ وَبَيّنَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاشْتِرَاطَ . وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الزّنَى فِي اللّعَانِ فَإِنّ إسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ قَالَ قُلْت لِأَحْمَدَ كَيْفَ يُلَاعِنُ ؟ قَالَ عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللّهِ يَقُولُ أَرْبَعَ مَرّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللّهِ إنّي فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ لَمِنْ الصّادِقِينَ ثُمّ يَقِفُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَيَقُولَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَالْمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ . فَفِي هَذَا النّصّ أَنّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ مِنْ الزّنَى وَلَا تَقُولُهُ هِيَ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ وَتَقُولَ هِيَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ وَاَلّذِينَ اشْتَرَطُوا ذَلِكَ حُجّتُهُمْ أَنْ قَالُوا : رُبّمَا نَوَى : إنّي لَمِنْ الصّادِقِينَ فِي شَهَادَةِ التّوْحِيدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ الصّادِقِ وَنَوَتْ إنّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِي شَأْنٍ آخَرَ فَإِذَا ذَكَرَا مَا رُمِيَتْ بِهِ مِنْ الزّنَى انْتَفَى هَذَا التّأْوِيلُ . قَالَ الْآخَرُونَ هَبْ أَنّهُمَا نَوَيَا ذَلِكَ فَإِنّهُمَا لَا يَنْتَفِعَانِ بِنِيّتِهِمَا فَإِنّ الظّالِمَ لَا يَنْفَعُهُ تَأْوِيلُهُ وَيَمِينُهُ عَلَى نِيّةِ خَصْمِهِ وَيَمِينُهُ بِمَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ إذَا كَانَ مُجَاهِرًا فِيهَا بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ اللّعْنَةَ أَوْ الْغَضَبَ نَوَى مَا ذَكَرْتُمْ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ فَإِنّهُ لَا يُمَوّهُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ السّرّ وَأَخْفَى بِمِثْلِ هَذَا .
فَصْلٌ [هَلْ يَنْتَفِي الْحَمْلُ بِاللّعَانِ ]
وَمِنْهَا : أَنّ الْحَمْلَ يَنْتَفِي بِلِعَانِهِ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مِنّي وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ اسْتَبْرَأْتهَا هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَقَوْلُ بَعْضِ(22/81)
أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الظّاهِرِ وَقَالَ الشّافِعِيّ يَحْتَاجُ الرّجُلُ إلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ وَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ الْخِرَقِيّ وَغَيْرُهُ يَحْتَاجَانِ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي : يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا وَلَيْسَ هُوَ مِنّي . وَهُوَ [ ص 342 ] الشّافِعِيّ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَصَحّ الْأَقْوَالِ وَعَلَيْهِ تَدُلّ السّنّةُ الثّابِتَةُ . فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ وَانْتَفَى مِنْ ولدها ففرق بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ . وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا . وَقَدْ حَكَمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهَذِهِ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ حَالَ كَوْنِهَا حَامِلًا فَالْوَلَدُ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلّا بِنَفْيِهِ . قِيلَ هَذَا مَوْضِعُ تَفْصِيلٍ لَا بُدّ مِنْهُ وَهُوَ أَنّ الْحَمْلَ إنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى مَا رَمَاهَا بِهِ وَعَلِمَ أَنّهَا زَنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالْوَلَدُ لَهُ قَطْعًا وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ عَنْهُ فِي اللّعَانِ فَإِنّهَا لَمّا عُلّقَتْ بِهِ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ وَكَانَ الْحَمْلُ لَاحِقًا بِهِ فَزِنَاهَا لَا يُزِيلُ حُكْمَ لِحَوْقِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَمْلَهَا حَالَ زِنَاهَا الّذِي قَدْ قَذَفَهَا بِهِ فَهَذَا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لَأَقَلّ مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الزّنَى الّذِي رَمَاهَا بِهِ فَالْوَلَدُ لَهُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الزّنَى الّذِي رَمَاهَا بِهِ نُظِرَ فَإِمّا أَنْ يَكُونَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ زِنَاهَا أَوْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَإِنْ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا انْتَفَى الْوَلَدُ عَنْهُ بِمُجَرّدِ اللّعَانِ سَوَاءٌ نَفَاهُ أَوْ لَمْ يَنْفِهِ وَلَا بُدّ مِنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ ذِكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَهَا هُنَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الزّانِي فَإِنْ نَفَاهُ فِي اللّعَانِ انْتَفَى وَإِلّا لَحِقَ بِهِ لِأَنّهُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ وَلَمْ يَنْفِهِ .
[ ص 343 ] قِيلَ فَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَكَمَ بَعْدَ اللّعَانِ وَنَفَى الْوَلَدَ بِأَنّهُ إنْ جَاءَ يُشْبِهُ الزّوْجَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ جَاءَ يُشْبِهُ الّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَهُوَ لَهُ فَمَا قَوْلُكُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إذَا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا ثُمّ جَاءَ الْوَلَدُ يُشْبِهُهُ هَلْ تُلْحِقُونَهُ بِهِ بِالشّبَهِ عَمَلًا بِالْقَافَةِ أَوْ تَحْكُمُونَ بِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ مِنْهُ عَمَلًا بِمُوجَبِ لِعَانِهِ ؟ قِيلَ هَذَا مَجَالٌ ضَنْكٌ وَمَوْضِعٌ ضَيّقٌ تُجَاذِبُ أَعِنّتُهُ اللّعَانَ الْمُقْتَضِي لِانْقِطَاعِ النّسَبِ وَانْتِفَاءِ الْوَلَدِ وَأَنّهُ يُدْعَى لِأُمّهِ وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ وَالشّبَهُ الدّالّ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الزّوْجِ وَأَنّهُ ابْنُهُ مَعَ شَهَادَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِهِ فَالْوَلَدُ لَهُ وَأَنّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا فَهَذَا مَضِيقٌ لَا يَتَخَلّصُ مِنْهُ إلّا الْمُسْتَبْصِرُ الْبَصِيرُ بِأَدِلّةِ الشّرْعِ وَأَسْرَارِهِ وَالْخَبِيرُ بِجَمْعِهِ وَفَرْقِهِ الّذِي سَافَرَتْ بِهِ هِمّتُهُ إلَى مَطْلَعِ الْأَحْكَامِ وَالْمِشْكَاةِ الّتِي مِنْهَا ظَهَرَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ . وَاَلّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التّكْلَانُ أَنّ حُكْمَ اللّعَانِ قَطَعَ حُكْمَ الشّبَهِ وَصَارَ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ أَقْوَى الدّلِيلَيْنِ مَعَ أَضْعَفِهِمَا فَلَا عِبْرَةَ لِلشّبَهِ بَعْدَ مُضِيّ حُكْمِ اللّعَانِ فِي تَغْيِيرِ أَحْكَامِهِ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ شَأْنِ الْوَلَدِ وَشَبَهِهِ لِيُغَيّرَ بِذَلِكَ حُكْمَ اللّعَانِ وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ لِيَتَبَيّنَ الصّادِقُ مِنْهُمَا مِنْ الْكَاذِبِ الّذِي قَدْ اسْتَوْجَبَ اللّعْنَةَ وَالْغَضَبَ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ قَدَرِيّ كَوْنٍ يَتَبَيّنُ بِهِ الصّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ بَعْد تَقَرّرِ الْحُكْمِ الدّينِيّ وَأَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ سَيَجْعَلُ فِي الْوَلَدِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ انْتِفَائِهِ مِنْ الْوَلَد وَقَالَ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إلّا صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إلّا كَذَبَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَعُلِمَ أَنّهُ صَدَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَلَمْ يُفْسَخْ حُكْمُ اللّعَانِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِحُكْمِ الزّانِيَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنّهُ صَدَقَ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ(22/82)
لَوْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِ الزّوْجِ يُعْلَمُ أَنّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا وَلَا يُغَيّرُ ذَلِكَ حُكْمَ اللّعَانِ فَيُحَدّ الزّوْجُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَيْسَ قَوْلُهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ إلْحَاقًا لَهُ بِهِ فِي الْحُكْمِ كَيْفَ وَقَدْ نَفَاهُ بِاللّعَانِ وَانْقَطَعَ نَسَبُهُ بِهِ كَمَا أَنّ قَوْلَهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلّذِي رُمِيَتْ بِهِ . لَيْسَ إلْحَاقًا بِهِ وَجَعْلَهُ ابْنَهُ وَإِنّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ [ ص 344 ] أَظْهَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلّ عَلَى كَذِبِ الْحَالِفِينَ لَمْ يَنْتَقِضْ حُكْمُهَا بِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ حُكِمَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدّعْوَى بِيَمِينِ ثُمّ أَظْهَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلّ عَلَى أَنّهَا يَمِينٌ فَاجِرَةٌ لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ بِذَلِكَ .
فَصْلٌ [هَلْ يُحَدّ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزّنَى بِرَجُلِ بِعَيْنِهِ ]
وَمِنْهَا : أَنّ الرّجُلَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزّنَى بِرَجُلِ بِعَيْنِهِ ثُمّ لَاعَنَهَا سَقَطَ الْحَدّ عَنْهُ لَهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الرّجُلِ فِي لِعَانِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَعَلَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدّهُ وَهَذَا مَوْضِعٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِكٌ يُلَاعَنُ لِلزّوْجَةِ وَيُحَدّ لِلْأَجْنَبِيّ وَقَالَ الشّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدّ وَاحِدٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدّ لَهُمَا بِلِعَانِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْقَوْلُ الثّانِي لِلشّافِعِيّ أَنّهُ يُحَدّ لِكُلّ وَاحِدٍ حَدّا فَإِنْ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ فِي لِعَانِهِ سَقَطَ الْحَدّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : يَسْتَأْنِفُ اللّعَانَ وَيَذْكُرُهُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حُدّ لَهُ . وَالثّانِي : أَنّهُ يَسْقُطُ حَدّهُ بِلِعَانِهِ كَمَا يَسْقُطُ حَدّ الزّوْجَةِ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الْقَذْفُ لِلزّوْجَةِ وَحْدَهَا وَلَا يَتَعَلّقُ بِغَيْرِهَا حَقّ الْمُطَالَبَةِ وَلَا الْحَدّ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ يَجِبُ الْحَدّ لَهُمَا وَهَلْ يَجِبُ حَدّ وَاحِدٌ أَوْ حَدّانِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَا يَجِبُ إلّا حَدّ وَاحِدٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنّهُ إذَا لَاعَنَ وَذَكَرَ الْأَجْنَبِيّ فِي لِعَانِهِ أَنّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ الصّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنّهُ لَا يَسْقُطُ .
وَاَلّذِينَ أَسْقَطُوا حُكْمَ قَذْفِ الْأَجْنَبِيّ بِاللّعَانِ حُجّتُهُمْ ظَاهِرَةٌ وَقَوِيّةٌ جِدّا فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحُدّ الزّوْجَ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ وَقَدْ سَمّاهُ صَرِيحًا وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ
أَحَدُهُمَا : أَنّ الْمَقْذُوفَ كَانَ يَهُودِيّا وَلَا يَجِبُ الْحَدّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ .
وَالثّانِي : أَنّهُ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَحَدّ الْقَذْفِ إنّمَا يُقَامُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ . وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَيْنَ الْجَوَابَيْنِ وَقَالُوا : قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّهُ يَهُودِيّ بَاطِلٌ فَإِنّهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدَةَ وَأُمّهُ سَحْمَاءُ وَهُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ أَخُو [ ص 345 ] الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمّهِ . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِهِ لِأَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقّ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي شَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ الْمَقْذُوفِ فَقِيلَ إنّهُ كَانَ يَهُودِيّا وَهُوَ بَاطِلٌ وَالصّحِيحُ أَنّهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدَةَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ أَخُو الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمّهِ . وَأَمّا الْجَوَابُ الثّانِي فَهُوَ يَنْقَلِبُ حُجّةً عَلَيْكُمْ لِأَنّهُ لَمّا اسْتَقَرّ عِنْدَهُ أَنّهُ لَا حَقّ لَهُ فِي هَذَا الْقَذْفِ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرّضْ لَهُ وَإِلّا كَيْفَ يَسْكُتُ عَنْ بَرَاءَةِ عِرْضِهِ وَلَهُ طَرِيقٌ إلَى إظْهَارِهَا بِحَدّ قَاذِفِهِ وَالْقَوْمُ كَانُوا أَشَدّ حَمِيّةً وَأَنَفَةً مِنْ ذَلِكَ ؟ وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ اللّعَانَ أُقِيمَ مَقَامَ الْبَيّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَجُعِلَ بَدَلًا مِنْ الشّهُودِ الْأَرْبَعَةِ وَلِهَذَا كَانَ الصّحِيحُ أَنّهُ يُوجِبُ الْحَدّ عَلَيْهَا إذَا نَكَلَتْ فَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشّهَادَةِ فِي أَحَدِ الطّرَفَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الطّرَفِ الْآخَرِ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تُحَدّ الْمَرْأَةُ بِاللّعَانِ إذَا نَكَلَتْ ثُمّ يُحَدّ الْقَاذِفُ حَدّ الْقَذْفِ وَقَدْ أَقَامَ الْبَيّنَةَ عَلَى صِدْقِ قَوّلْهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا فَإِنّهَا كَمَا دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدّ مِنْ طَرَفٍ الزوجة دَرَأَتْ عَنْهُ مِنْ طَرَف(22/83)
الْمَقْذُوفُ وَلَا فرق لِأَنّهُ بِهِ حَاجَةٌ إلَى قَذْفِ الزّانِي لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فراشه وَرُبّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَرَهُ لِيَسْتَدِلّ بِشِبْهِ الْوَلَدِ لَهُ عَلَى صِدْق قَاذِفهُ كَمَا اسْتَدَلّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صِدْق هِلَال بِشِبْهِ الْوَلَدِ بِشَرِيك بْن سحماء فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ قَذْفِهِ مَا أَسْقَطَ حُكْم قذفها وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلزّوْجِ الْبَيّنَة وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِك وَلَمْ يَقِلْ وَإِلّا حدان هَذَا وَالْمَرْأَةُ لَمْ تُطَالِبْ بحد القذف فَإِنّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطٌ فِي إقَامَةِ الحد لَا فِي وجوبه وَهَذَا جَوَاب آخَر عَنْ قَوْلِهِمْ إنْ شَرِيكًا لَمْ يُطَالِبْ بالحد فَإِنّ الْمَرْأَةَ أَيْضًا لَمْ تُطَالِبْ بِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيّنَةُ وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِك . [ ص 346 ] قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيّةً بِالزّنَى بِرَجُلِ سَمّاهُ ؟ فَقَالَ زَنَى بِكِ فُلَانٌ أَوْ زَنَيْتِ بِهِ ؟ قِيلَ هَا هُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدّانِ لِأَنّهُ قَاذِفٌ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُسْقِطُ مُوجَبَ قَذْفِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إذْ لَيْسَ هُنَا بَيّنَةٌ بِالنّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا .
فَصْلٌ [إذَا لَاعَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا انْتَفَى عَنْهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ وَضْعِهِ ]
وَمِنْهَا : أَنّهُ إذَا لَاعَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا انْتَفَى عَنْهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ وَضْعِهِ كَمَا دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَهَذَا مَوْضِعٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ . فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ حَتّى تَضَعَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا فَتَنْفُشَ وَلَا يَكُونُ لِلّعَانِ حِينَئِذٍ مَعْنًى وَهَذَا هُوَ الّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيّ فِي " مُخْتَصَرِهِ " فَقَالَ وَإِنْ نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ حَتّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَيُلَاعِنُ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ أَبُو مُحَمّدٍ الْمَقْدِسِيّ كَمَا يَأْتِي كَلَامُهُ . وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي حَالِ الْحَمْلِ اعْتِمَادًا عَلَى قِصّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ فَإِنّهَا صَرِيحَةٌ صَحِيحَةٌ فِي اللّعَانِ حَالَ الْحَمْلِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إلّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا . . . الْحَدِيثُ . قَالَ الشّيْخُ فِي " الْمُغْنِي " : وَقَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ : يَصِحّ نَفْيُ الْحَمْلِ وَيَنْتَفِي عَنْهُ مُحْتَجّينَ بِحَدِيثِ هِلَالٍ وَأَنّهُ نَفَى حَمْلَهَا فَنَفَاهُ عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَلْحَقَهُ بِالْأُمّ وَلَا خَفَاءَ أَنّهُ كَانَ حَمْلًا وَلِهَذَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَلِأَنّ الْحَمْلَ مَظْنُونٌ بِأَمَارَاتِ تَدُلّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ لِلْحَامِلِ أَحْكَامٌ تُخَالِفُ فِيهَا الْحَائِلَ مِنْ النّفَقَةِ وَالْفِطَرِ فِي الصّيَامِ وَتَرْكِ إقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْهَا وَتَأْخِيرِ الْقِصَاصِ عَنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَيَصِحّ اسْتِلْحَاقُ الْحَمْلِ فَكَانَ كَالْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ . قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصّحِيحُ لِمُوَافَقَتِهِ ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَمَا خَالَفَ الْحَدِيثَ لَا يُعْبَأُ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى [ ص 347 ] ذَكَرَهُ فِي اللّعَانِ احْتِجَاجًا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْ نَفْيَ الْحَمْلِ وَلَا تَعَرّضَ لِنَفْيِهِ . وَأَمّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَة ْ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنّهُ لَا يَصِحّ نَفْيُ الْحَمْلِ وَاللّعَانُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَاعَنَهَا حَامِلًا ثُمّ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لَزِمَهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ نَفْيِهِ أَصْلًا لِأَنّ اللّعَانَ لَا يَكُونُ إلّا بَيْنَ الزّوْجَيْنِ وَهَذِهِ قَدْ بَانَتْ بِلِعَانِهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا . قَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُ هَذَا فِيهِ إلْزَامُهُ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ وَسَدّ بَابِ الِانْتِفَاءِ مِنْ أَوْلَادِ الزّنَى وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ طَرِيقًا فَلَا يَجُوزُ سَدّهَا قَالُوا : وَإِنّمَا تُعْتَبَرُ الزّوْجِيّةُ فِي الْحَالِ الّتِي أَضَافَ الزّنَى إلَيْهَا فِيهَا لِأَنّ الْوَلَدَ الّذِي تَأْتِي بِهِ يَلْحَقُهُ إذَا لَمْ(22/84)
يَنْفِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَفْيِهِ وَهَذِهِ كَانَتْ زَوْجَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَمَلَكَ نَفْيَ وَلَدِهَا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ . وَمُحَمّدٌ لَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْحَمْلَ مَا بَيْنَ الْوِلَادَةِ إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مِنْهَا . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ : لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ إلّا أَنْ يَنْفِيَهُ ثَانِيَةً بَعْدَ الْوِلَادَةِ . وَقَالَ الشّافِعِيّ : إذَا عَلِمَ بِالْحَمْلِ فَأَمْكَنَهُ الْحَاكِمُ مِنْ اللّعَانِ فَلَمْ يُلَاعِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدُ .
[مَسْأَلَةٌ فِيمَا لَوْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ وَقَذَفَهَا بِالزّنَى ]
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ وَقَذَفَهَا بِالزّنَى فَقَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنّي وَقَدْ زَنَتْ مَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؟ قِيلَ قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا : أَنّهُ يُحَدّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يُمَكّنُ مِنْ اللّعَانِ . وَالثّانِي : أَنّهُ يُلَاعِنُ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ . وَالثّالِثُ أَنّهُ يُلَاعِنُ لِلْقُذُفِ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَالثّلَاثَةُ رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد : أَنّهُ لَا يَصِحّ اسْتِلْحَاقُ الْوَلَدِ كَمَا لَا يَصِحّ نَفْيُهُ . قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ فَمَنْ قَالَ لَا يَصِحّ نَفْيُه قَالَ لَا يَصِحّ اسْتِلْحَاقُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ . وَمَنْ أَجَازَ نَفْيَهُ قَالَ يَصِحّ [ ص 348 ] مَذْهَبُ الشّافِعِيّ لِأَنّهُ مَحْكُومٌ بِوُجُودِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ النّفَقَةِ وَوَقْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحّ الْإِقْرَارُ بِهِ كَالْمَوْلُودِ وَإِذَا اسْتَلْحَقَهُ لَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ الْوَضْعِ . وَمَنْ قَالَ لَا يَصِحّ اسْتِلْحَاقُهُ قَالَ لَوْ صَحّ اسْتِلْحَاقُهُ لَلَزِمَهُ بِتَرْكِ نَفْيِهِ كَالْمَوْلُودِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلشّبَهِ أَثَرٌ فِي الْإِلْحَاقِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ وَذَلِكَ مُخْتَصّ بِمَا بَعْدَ الْوَضْعِ فَاخْتَصّ صِحّةُ الْإِلْحَاقِ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ ثُمّ نَفَاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمّا إنْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يَنْفِهِ وَلَمْ يَسْتَلْحِقْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَحَدٍ عَلِمْنَا قَوْلَهُ لِأَنّهُ تَرْكُهُ مُحْتَمَلٌ لِأَنّهُ لَا يَتَحَقّقُ وُجُودُهُ إلّا أَنْ يُلَاعِنَهَا فَإِنّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ .
فَصْلٌ
وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ فَفَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَقَضَى أَلّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا تُرْمَى وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدّ وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفّى عَنْهَا . وَقَوْلُ سَهْلٍ فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إلَى أُمّهِ ثُمّ جَرَتْ السّنّةُ أَنّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللّهُ لَهَا . وَقَوْلُهُ مَضَتْ السّنّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا ثُمّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا . وَقَالَ الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا . وَقَوْلُ الزّوْجِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَالِي ؟ قَالَ " لَا مَالَ لَك إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا ؟ فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا . فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَشَرَةَ أَحْكَامٍ .
[التّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ]
[ ص 349 ]
[مَنْ يُفَرّقُ بِمُجَرّدِ الْقَذْفِ ]
[مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ بِاللّعَانِ فُرْقَةٌ ]
أَحَدُهَا : أَنّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرّدِ الْقَذْفِ هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورُ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ ثُمّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ الْبَتّيّ وَمُحَمّدُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ : لَا يَقَعُ بِاللّعَانِ فُرْقَةٌ أَلْبَتّةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي صُفْرَةَ اللّعَانُ لَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ(22/85)
وَاحْتَجّوا بِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الطّلَاقَ بَعْد اللّعَانِ بَلْ هُوَ أَنْشَأَ طَلَاقَهَا وَنَزّهَ نَفْسَهُ أَنْ يُمْسِكَ مَنْ قَدْ اعْتَرَفَ بِأَنّهَا زَنَتْ أَوْ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ كَذِبٌ بِإِمْسَاكِهَا فَجَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِعْلَهُ سُنّةً وَنَازَعَ هَؤُلَاءِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا : اللّعَانُ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ ثُمّ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ .
[قَوْلُ مَنْ قَالَ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِمُجَرّدِ لِعَانِ الزّوْجِ وَحْدَهُ ]
أَحَدُهَا أَنّهَا تَقَعُ بِمُجَرّدِ لِعَانِ الزّوْجِ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ وَهَذَا الْقَوْلُ مِمّا تَفَرّدَ بِهِ الشّافِعِيّ وَاحْتَجّ لَهُ بِأَنّهَا فُرْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِالْقَوْلِ فَحَصَلَتْ بِقَوْلِ الزّوْجِ وَحْدَهُ كَالطّلَاقِ . [قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بَعْدَ اللّعَانِ ]
الْمَذْهَبُ الثّانِي : أَنّهَا لَا تَحْصُلُ إلّا بِلِعَانِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا تَمّ لِعَانُهُمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَفْرِيقُ الْحَاكِمِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَد َ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَوْلُ مَالِك ٍ وَأَهْلِ الظّاهِرِ وَاحْتَجّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنّ الشّرْعَ إنّمَا وَرَدَ بِالتّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَلَا يَكُونَانِ مُتَلَاعِنَيْنِ بِلِعَانِ الزّوْجِ وَحْدَهُ وَإِنّمَا فَرّقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَمَامِ اللّعَانِ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ قَبْلَهُ مُخَالِفٌ لِمَدْلُولِ السّنّةِ وَفِعْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاحْتَجّوا بِأَنّ لَفْظَ اللّعَانِ لَا يَقْتَضِي فُرْقَةً فَإِنّهُ إمّا أَيْمَانٌ عَلَى زِنَاهَا وَإِمّا شَهَادَةٌ بِهِ وَكِلَاهُمَا لَا يَقْتَضِي فُرْقَةً وَإِنّمَا وَرَدَ الشّرْعُ بِالتّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِهِمَا لِمَصْلَحَةِ ظَاهِرَةٍ وَهِيَ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ بَيْنَ الزّوْجَيْنِ مَوَدّةً وَرَحْمَةً وَجَعَلَ كُلّا مِنْهُمَا سَكَنًا لِلْآخَرِ وَقَدْ زَالَ هَذَا بِالْقَذْفِ وَأَقَامَهَا مَقَامَ الْخِزْيِ وَالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ فَإِنّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ فَضَحَهَا وَبَهَتَهَا وَرَمَاهَا بِالدّاءِ الْعُضَالِ وَنَكّسَ رَأْسَهَا وَرُءُوسَ قَوْمِهَا وَهَتَكَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ . وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَقَدْ أَفْسَدَتْ فِرَاشَهُ وَعَرّضَتْهُ لِلْفَضِيحَةِ وَالْخِزْيِ وَالْعَارِ بِكَوْنِهِ زَوْجَ بَغِيّ [ ص 350 ] فَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ التّفْرِيقُ بَيْنهمَا وَالتّحْرِيمُ الْمُؤَبّدُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَلَا يَتَرَتّبُ هَذَا عَلَى بَعْضِ اللّعَانِ كَمَا لَا يَتَرَتّبُ عَلَى بَعْضٍ لِعَانُ الزّوْجِ قَالُوا : وَلِأَنّهُ فَسْخٌ ثَبَتَ بِأَيْمَانِ مُتَحَالِفَيْنِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِأَيْمَانِ أَحَدِهِمَا كَالْفَسْخِ لِتَخَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ .
[قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّ الْفُرْقَةَ لَا تَحْصُلُ إلّا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ ]
الْمَذْهَبُ الثّالِثُ : أَنّ الْفُرْقَةَ لَا تَحْصُلُ إلّا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيّ فَإِنّهُ قَالَ وَمَتَى تَلَاعَنَا وَفَرّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا . وَاحْتَجّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي حَدِيثِهِ فَفَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَحْصُلْ قَبْلَهُ وَاحْتَجّوا بِأَنْ عُوَيْمِرًا قَالَ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلّقْهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا حُجّةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ يَقْتَضِي إمْكَانَ إمْسَاكِهَا . وَالثّانِي : وُقُوعُ الطّلَاقِ وَلَوْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِاللّعَانِ وَحْدَهُ لَمَا ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنّهُ طَلّقَهَا ثَلَاثًا فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ . قَالَ الْمُوقِعُونَ لِلْفُرْقَةِ بِتَمَامِ اللّعَانِ بِدُونِ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ : اللّعَانُ مَعْنًى يَقْتَضِي التّحْرِيمَ الْمُؤَبّدَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَلَمْ يَقِفْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ كَالرّضَاعِ قَالُوا : وَلِأَنّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لَسَاغَ تَرْكُ التّفْرِيقِ إذَا كَرِهَهُ الزّوْجَانِ كَالتّفْرِيقِ بِالْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ قَالُوا : وَقَوْلُهُ فَرّقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ(22/86)
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْتَمِلُ أُمُورًا ثَلَاثَةً . أَحَدُهَا : إنْشَاءُ الْفُرْقَةِ . وَالثّانِي : الْإِعْلَامُ بِهَا . وَالثّالِثُ إلْزَامُهُ بِمُوجَبِهَا مِنْ الْفُرْقَةِ الْحِسّيّةِ . وَأَمّا قَوْلُهُ كَذَبْت عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا فَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى أَنّ إمْسَاكَهَا بَعْدَ [ ص 351 ] كَانَ الْأَمْرُ صَائِرًا إلَى مَا بَادَرَ إلَيْهِ وَأَمّا طَلَاقُهُ ثَلَاثَةً فَمَا زَادَ الْفُرْقَةَ الْوَاقِعَةَ إلّا تَأْكِيدًا فَإِنّهَا حُرّمَتْ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبّدًا فَالطّلَاقُ تَأْكِيدٌ لِهَذَا التّحْرِيمِ وَكَأَنّهُ قَالَ لَا تَحِلّ لِي بَعْدَ هَذَا . وَأَمّا إنْفَاذُ الطّلَاقِ عَلَيْهِ فَتَقْرِيرٌ لِمُوجَبِهِ مِنْ التّحْرِيمِ فَإِنّهَا إذَا لَمْ تَحِلّ لَهُ بِاللّعَانِ أَبَدًا كَانَ الطّلَاقُ الثّلَاثَ تَأْكِيدًا لِلتّحْرِيمِ الْوَاقِعِ بِاللّعَانِ فَهَذَا مَعْنَى إنْفَاذِهِ فَلَمّا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ وَأَقَرّهُ عَلَى التّكَلّمِ بِهِ وَعَلَى مُوجَبِهِ جُعِلَ هَذَا إنْفَاذًا مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَهْلٌ لَمْ يَحْكِ لَفْظَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ وَقَعَ طَلَاقُك وَإِنّمَا شَاهَدَ الْقِصّةَ وَعَدَمُ إنْكَارِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلطّلَاقِ فَظَنّ ذَلِكَ تَنْفِيذًا وَهُوَ صَحِيحٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاعْتِبَارِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ [فُرْقَةُ اللّعَانِ فَسْخُ ]
الْحُكْمِ الثّانِي : أَنّ فُرْقَةَ اللّعَانِ فَسْخٌ وَلَيْسَتْ بِطَلَاقِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا وَاحْتَجّوا بِأَنّهَا فُرْقَةٌ تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبّدًا فَكَانَتْ فَسْخًا كَفُرْقَةِ الرّضَاعِ وَاحْتَجّوا بِأَنّ اللّعَانَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الطّلَاقِ وَلَا نَوَى الزّوْجُ بِهِ الطّلَاقَ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطّلَاقُ قَالُوا : وَلَوْ كَانَ اللّعَانُ صَرِيحًا فِي الطّلَاقِ أَوْ كِنَايَةً فِيهِ لَوَقَعَ بِمُجَرّدِ لِعَانِ الزّوْجِ وَلَمْ يَتَوَقّفْ عَلَى لِعَانِ الْمَرْأَةِ قَالُوا : وَلِأَنّهُ لَوْ كَانَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ مِنْ مَدْخُولٍ بِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَنْوِ بِهِ الثّلَاثَ فَكَانَ يَكُونُ رَجْعِيّا . قَالُوا : وَلِأَنّ الطّلَاقَ بِيَدِ الزّوْجِ إنْ شَاءَ طَلّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَهَذَا الْفَسْخُ حَاصِلٌ بِالشّرْعِ وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ قَالُوا : وَإِذَا ثَبَتَ بِالسّنّةِ وَأَقْوَالِ الصّحَابَةِ وَدِلَالَةِ الْقُرْآنِ أَنّ فُرْقَةَ الْخُلْعِ لَيْسَتْ بِطَلَاقِ بَلْ هِيَ فَسْخٌ مَعَ كَوْنِهَا بِتَرَاضِيهِمَا فَكَيْفَ تَكُونُ فُرْقَةُ اللّعَانِ طَلَاقًا ؟ .
فَصْلٌ [تُوجِبُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ تَحْرِيمًا مُؤَبّدًا وَالْحِكْمَةُ مِنْ ذَلِكَ ]
الْحُكْمِ الثّالِثِ أَنّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤَبّدًا لَا يَجْتَمِعَانِ بَعْدَهَا أَبَدًا . قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : حَدّثَنَا الزّبَيْدِيّ حَدّثَنَا الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَذَكَرَ قِصّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَقَالَ فَفَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا [ ص 352 ] وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَا لَ الْمُتَلَاعِنَانِ إذَا تَفَرّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيّ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَا : مَضَتْ السّنّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَد ُ وَالشّافِعِيّ وَمَالِك ٌ وَالثّوْرِيّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو يُوسُفَ . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى : أَنّهُ إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلّتْ لَهُ وَعَادَ فِرَاشُهُ بِحَالِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذّةٌ شَذّ بِهَا حَنْبَلٌ عَنْهُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهَا غَيْرَهُ وَقَالَ صَاحِبُ " الْمُغْنِي " : وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الرّوَايَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُفَرّقْ بَيْنَهُمَا . فَأَمّا مَعَ تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا فَلَا وَجْهَ لِبَقَاءِ النّكَاحِ بِحَالِهِ . قُلْت : الرّوَايَةُ مُطْلَقَةٌ وَلَا أَثَرَ لِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ فِي دَوَامِ التّحْرِيمِ فَإِنّ الْفُرْقَةَ الْوَاقِعَةَ بِنَفْسِ اللّعَانِ أَقْوَى مِنْ الْفُرْقَةِ الْحَاصِلَةِ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ فَإِذَا كَانَ إكْذَابُ نَفْسِهِ مُؤَثّرًا فِي تِلْكَ الْفُرْقَةِ الْقَوِيّةِ رَافِعًا لِلتّحْرِيمِ النّاشِئِ مِنْهَا فَلَأَنْ يُؤَثّرَ فِي الْفُرْقَةِ الّتِي هِيَ دُونَهَا وَيَرْفَعَ تَحْرِيمَهَا أَوْلَى . وَإِنّمَا قُلْنَا : إنّ الْفُرْقَةَ بِنَفْسِ اللّعَانِ أَقْوَى مِنْ الْفُرْقَةِ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ لِأَنّ فُرْقَةَ اللّعَانِ تَسْتَنِدُ إلَى حُكْمِ اللّهِ(22/87)
وَرَسُولِهِ سَوَاءٌ رَضِيَ الْحَاكِمُ والمتلاعنان التّفْرِيقَ [ ص 353 ] أَبَوْهُ فَهِيَ فُرْقَةٌ مِنْ الشّارِعِ بِغَيْرِ رِضَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ فُرْقَةِ الْحَاكِمِ فَإِنّهُ إنّمَا يُفَرّقُ بِاخْتِيَارِهِ . وَأَيْضًا فَإِنّ اللّعَانَ يَكُونُ قَدْ اقْتَضَى بِنَفْسِهِ التّفْرِيقَ لِقُوّتِهِ وَسُلْطَانِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَقّفَ عَلَى تَفْرِيقِ الْحَاكِمِ فَإِنّهُ لَمْ يَقْوَ بِنَفْسِهِ عَلَى اقْتِضَاءِ الْفُرْقَةِ وَلَا كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَيْهَا وَهَذِهِ الرّوَايَةُ هِيَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَهُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطّابِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَة َ وَمُحَمّدٍ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ اطّرَدَ لِأَنّ فُرْقَةَ اللّعَانِ عِنْدَهُ طَلَاقٌ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : إنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ رُدّتْ إلَيْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدّةِ . وَالصّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوّلُ الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَأَقْوَالُ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ الّذِي تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ اللّعَانِ وَلَا تَقْتَضِي سِوَاهُ فَإِنّ لَعْنَةَ اللّهِ تَعَالَى وَغَضَبَهُ قَدْ حَلّ بِأَحَدِهِمَا لَا مَحَالَةَ وَلِهَذَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ إنّهَا الْمُوجِبَةُ أَيْ الْمُوجِبَةُ لِهَذَا الْوَعِيدِ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ عَيْنَ مَنْ حَلّتْ بِهِ يَقِينًا فَفَرّقَ بَيْنَهُمَا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَلْعُونَ الّذِي قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَبَاءَ بِهَا فَيَعْلُو امْرَأَةً غَيْرَ مَلْعُونَةٍ وَحِكْمَةُ الشّرْعِ تَأْبَى هَذَا كَمَا أَبَتْ أَنْ يَعْلُوَ الْكَافِرُ مُسْلِمَةً وَالزّانِي عَفِيفَةً . فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا يُوجِبُ أَلّا يَتَزَوّجَ غَيْرَهَا لِمَا ذَكَرْتُمْ بِعَيْنِهِ ؟ . قِيلَ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ لِأَنّا لَمْ نَتَحَقّقْ أَنّهُ هُوَ الْمَلْعُونُ وَإِنّمَا تَحَقّقْنَا أَنّ أَحَدَهُمَا كَذَلِكَ وَشَكَكْنَا فِي عَيْنِهِ فَإِذَا اجْتَمَعَا لَزِمَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَلَا بُدّ إمّا هَذَا وَإِمّا إمْسَاكُهُ مَلْعُونَةً مَغْضُوبًا عَلَيْهَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا غَضَبُ اللّهِ وَبَاءَتْ بِهِ فَأَمّا إذَا تَزَوّجَتْ بِغَيْرِهِ أَوْ تَزَوّجَ بِغَيْرِهَا لَمْ تَتَحَقّقْ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ فِيهِمَا . وَأَيْضًا فَإِنّ النّفْرَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ إسَاءَةِ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ لَا تَزُولُ أَبَدًا فَإِنّ الرّجُلَ إنْ كَانَ صَادِقًا عَلَيْهَا فَقَدْ أَشَاعَ فَاحِشَتَهَا وَفَضَحَهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَأَقَامَهَا مَقَامَ الْخِزْيِ وَحَقّقَ عَلَيْهَا الْخِزْيَ وَالْغَضَبَ وَقَطَعَ نَسَبَ [ ص 354 ] كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ أَضَافَ إلَى ذَلِكَ بَهْتَهَا بِهَذِهِ الْفِرْيَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِحْرَاقَ قَلْبِهَا بِهَا وَالْمَرْأَةُ إنْ كَانَتْ صَادِقَةً فَقَدْ أَكْذَبَتْهُ عَلَى رُءُوسٍ الْأَشْهَادِ وَأَوْجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللّهِ . وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَقَدْ أَفْسَدَتْ فِرَاشَهُ وَخَانَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَأَلْزَمَتْهُ الْعَارَ وَالْفَضِيحَةَ وَأَحْوَجَتْهُ إلَى هَذَا الْمَقَامِ الْمُخْزِي فَحَصَلَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مِنْ النّفْرَةِ وَالْوَحْشَةِ وَسُوءِ الظّنّ مَا لَا يَكَادُ يَلْتَئِمُ مَعَهُ شَمْلُهُمَا أَبَدًا فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ مَنْ شَرْعُهُ كُلّهُ حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَعَدْلٌ وَرَحْمَةٌ تَحَتّمَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَقَطْعَ الصّحْبَةِ الْمُتَمَحّضَةِ مَفْسَدَةً . وَأَيْضًا فَإِنّهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَلّطَ عَلَى إمْسَاكِهَا مَعَ مَا صَنَعَ مِنْ الْقَبِيحِ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا وَيَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ زَوْجَ بَغِيّ . فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً ثُمّ اشْتَرَاهَا هَلْ يَحِلّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ ؟ قُلْنَا : لَا تَحِلّ لَهُ لِأَنّهُ تَحْرِيمٌ مُؤَبّدٌ فَحُرّمَتْ عَلَى مُشْتَرِيهَا كَالرّضَاعِ وَلِأَنّ الْمُطَلّقَ ثَلَاثًا إذَا اشْتَرَى مُطَلّقَتَهُ لَمْ تَحِلّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ فَهَاهُنَا أَوْلَى لِأَنّ هَذَا التّحْرِيمَ مُؤَبّدٌ وَتَحْرِيمُ الطّلَاقِ غَيْرُ مُؤَبّدٍ .
فَصْلٌ [لَا يَسْقُطُ صَدَاقُ الْمُلَاعَنَةِ بَعْدَ الدّخُولِ ]
الْحُكْمُ الرّابِعُ أَنّهَا لَا يَسْقُطُ صَدَاقُهَا بَعْدَ الدّخُولِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا فَإِنّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا عِوَضَ الصّدَاقِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَوْلَى وَأَحْرَى .
[هَلْ يُحْكَمُ لِلْمُلَاعَنَةِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إذَا وَقَعَ اللّعَانُ قَبْلَ الدّخُولِ ](22/88)
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ وَقَعَ اللّعَانُ قَبْلَ الدّخُولِ هَلْ تَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ أَوْ تَقُولُونَ يَسْقُطُ جُمْلَةً ؟ . قِيلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد َ مَأْخَذُهُمَا : أَنّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ مِنْ الزّوْجَيْنِ كَلِعَانِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا وَمِنْ أَجْنَبِيّ كَشِرَائِهَا لِزَوْجِهَا قَبْلَ الدّخُولِ فَهَلْ يَسْقُطُ الصّدَاقُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَقِلّةً بِسَبَبِ الْفُرْقَةِ أَوْ [ ص 355 ] بَاعَهُ مُتَسَبّبٌ إلَى إسْقَاطِهِ بِبَيْعِهِ إيّاهَا ؟ فَهَذَا الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلَانِ . وَكُلّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزّوْجِ نَصّفَتْ الصّدَاقَ كَطَلَاقِهِ إلّا فَسْخَهُ لِعَيْبِهَا أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ شَرَطَهُ فَإِنّهُ يَسْقُطُ كُلّهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الّذِي فَسَخَ لِأَنّ سَبَبَ الْفَسْخِ مِنْهَا وَهِيَ الْحَامِلَةُ لَهُ عَلَيْهِ . وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِإِسْلَامِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ أَوْ تُنَصّفُهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ . فَوَجْهُ إسْقَاطِهِ أَنّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمُمْتَنِعَةُ مَنْ فِعْلِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا فَهِيَ الْمُتَسَبّبَةُ إلَى إسْقَاطِ صَدَاقِهَا بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْإِسْلَامِ وَوَجْهُ التّنْصِيفِ أَنّ سَبَبَ الْفَسْخِ مِنْ جِهَتِهِ .
[هَلْ يُنَصّفُ الْخُلْعُ الْمَهْرَ أَوْ يُسْقِطُهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الدّخُولِ ]
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِي الْخُلْعِ هَلْ يُنَصّفُهُ أَوْ يُسْقِطُهُ ؟ . قِيلَ إنْ قُلْنَا : هُوَ طَلَاقٌ نَصّفَهُ وَإِنْ قُلْنَا : هُوَ فَسْخٌ فَقَالَ أَصْحَابُنَا : فِيهِ وَجْهَانِ . أَحَدُهُمَا : كَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِجَانِبِهِ . وَالثّانِي : يُسْقِطُهُ لِأَنّهُ لَمْ يَسْتَقِلّ بِسَبَبِ الْفَسْخِ وَعِنْدِي أَنّهُ إنْ كَانَ مَعَ أَجْنَبِيّ نَصّفَهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ . فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِشِرَائِهِ لِزَوْجَتِهِ مِنْ سَيّدِهَا : هَلْ يُسْقِطُهُ أَوْ يُنَصّفُهُ ؟ . قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : يُسْقِطُهُ لِأَنّ مُسْتَحِقّ مَهْرِهَا تَسَبّبَ إلَى إسْقَاطِهِ بِبَيْعِهَا وَالثّانِي : يُنَصّفُهُ لِأَنّ الزّوْجَ تَسَبّبَ إلَيْهِ بِالشّرَاءِ وَكُلّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مَنْ قِبَلِهَا كَرِدّتِهَا وَإِرْضَاعِهَا مَنْ يَفْسَخُ إرْضَاعُهُ نِكَاحَهَا وَفَسْخِهَا لِإِعْسَارِهِ أَوْ عَيْبِهِ فَإِنّهُ يُسْقِطُ مَهْرَهَا . فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قُلْتُمْ إنّ الْمَرْأَةَ إذَا فَسَخَتْ لِعَيْبِ فِي الزّوْجِ سَقَطَ مَهْرُهَا إذْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا وَقُلْتُمْ إنّ الزّوْجَ إذَا فَسَخَ لِعَيْبِ فِي الْمَرْأَةِ سَقَطَ أَيْضًا وَلَمْ تَجْعَلُوا الْفَسْخَ مِنْ جِهَتِهِ فَتُنَصّفُوهُ كَمَا جَعَلْتُمُوهُ لِفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ مِنْ جِهَتِهَا فَأَسْقَطْتُمُوهُ فَمَا الْفَرْقُ ؟ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّهُ إنّمَا بَذَلَ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ بُضْعٍ [ ص 356 ] وَفَسَخَ عَادَ إلَيْهَا كَمَا خَرَجَ مِنْهَا وَلَمْ يَسْتَوْفِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الصّدَاقِ كَمَا أَنّهَا إذَا فَسَخَتْ لِعَيْبِهِ لَمْ تُسَلّمْ إلَيْهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ فَلَا تَسْتَحِقّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الصّدَاقِ .
فَصْلٌ [لَا نَفَقَةَ لِلْمُلَاعَنَةِ عَلَى الْمُلَاعِنِ وَلَا سُكْنَى ]
الْحُكْمُ الْخَامِسُ أَنّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا سُكْنَى كَمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحُكْمِهِ فِي الْمَبْتُوتَةِ الّتِي لَا رَجْعَةَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنّهُ مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللّهِ لَا مُخَالِفٌ لَهُ بَلْ سُقُوطُ النّفَقَةِ وَالسّكْنَى لِلْمُلَاعَنَةِ أَوْلَى مِنْ سُقُوطِهَا لِلْمَبْتُوتَةِ لِأَنّ الْمَبْتُوتَةَ لَهُ سَبِيلٌ إلَى أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدّتِهَا وَهَذِهِ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى نِكَاحِهَا لَا فِي الْعِدّةِ وَلَا بَعْدَهَا فَلَا وَجْهَ أَصْلًا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا وَسُكْنَاهَا وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ انْقِطَاعًا كُلّيّا . فَأَقْضِيَتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَكُلّهَا تُوَافِقُ كِتَابَ اللّهِ وَالْمِيزَانَ الّذِي أَنْزَلَهُ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الصّحِيحُ كَمَا سَتَقَرّ عَيْنُك إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ عَنْ قَرِيبٍ . وَقَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ : لَهَا السّكْنَى . وَأَنْكَرَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ هَذَا الْقَوْلَ إنْكَارًا شَدِيدًا . وَقَوْلُهُ " مِنْ أَجْلِ أَنّهُمَا يَتَفَرّقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفّى عَنْهَا " لَا يَدُلّ(22/89)
مَفْهُومُهُ عَلَى أَنّ كُلّ مُطَلّقَةٍ وَمُتَوَفّى عَنْهَا لَهَا النّفَقَةُ وَالسّكْنَى وَإِنّمَا يَدُلّ عَلَى أَنّ هَاتَيْنِ الْفُرْقَتَيْنِ قَدْ يَجِبُ مَعَهُمَا نَفَقَةٌ وَسُكْنَى وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا فَلَهَا ذَلِكَ فِي فُرْقَةِ الطّلَاقِ اتّفَاقًا وَفِي فُرْقَةِ الْمَوْتِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا : أَنّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى كَمَا لَوْ كَانَ حَائِلًا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَة َ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لِزَوَالِ سَبَبِ النّفَقَةِ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلّا نَفَقَةُ قَرِيبٍ فَهِيَ فِي مَالِ الطّفْلِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلّا فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ . [ ص 357 ] وَالثّانِي : أَنّ لَهَا النّفَقَةَ وَالسّكْنَى فِي تَرِكَتِهِ تُقَدّمُ بِهَا عَلَى الْمِيرَاثِ وَهَذَا إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد َ لِأَنّ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بِالْمَوْتِ لَا يَزِيدُ عَلَى انْقِطَاعِهَا بِالطّلَاقِ الْبَائِنِ بَلْ انْقِطَاعُهَا بِالطّلَاقِ أَشَدّ وَلِهَذَا تُغَسّلُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حَتّى الْمُطَلّقَةُ الرّجْعِيّةُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِذَا وَجَبَتْ النّفَقَةُ وَالسّكْنَى لِلْبَائِنِ الْحَامِلِ فَوُجُوبُهَا لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْلَى وَأَحْرَى . وَالثّالِثُ أَنّ لَهَا السّكْنَى دُونَ النّفَقَةِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشّافِعِيّ إجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الْمَبْتُوتَةِ فِي الصّحّةِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَذِكْرِ أَدِلّتِهَا وَالتّمْيِيزِ بَيْنَ رَاجِحِهَا وَمَرْجُوحِهَا إذْ الْمَقْصُودُ أَنّ قَوْلَهُ " مِنْ أَجْلِ أَنّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفّى عَنْهَا زَوْجُهَا " إنّمَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْمُطَلّقَةَ وَالْمُتَوَفّى عَنْهَا قَدْ يَجِبُ لَهُمَا الْقُوتُ وَالْبَيْتُ فِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا إنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كَلَامِ الصّحَابِيّ وَالظّاهِرُ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزّهْرِيّ .
فَصْلٌ [انْقِطَاعُ نَسَبِ وَلَدِ اللّعَانِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ]
الْحُكْمُ السّادِسُ انْقِطَاعُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى أَلّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ أَجَلّ فَوَائِدِ اللّعَانِ وَشَذّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الْمَوْلُودُ لِلْفِرَاشِ لَا يَنْفِيهِ اللّعَانُ الْبَتّةَ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى أَنّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَإِنّمَا يَنْفِي اللّعَانُ الْحَمْلَ فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْهَا حَتّى وَلَدَتْ لَاعَنَ لِإِسْقَاطِ الْحَدّ فَقَطْ وَلَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا مِنْهُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي مُحَمّدِ بْنِ حُزَمٍ وَاحْتُجّ عَلَيْهِ بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى أَنّ الْوَلَدَ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ قَالَ فَصَحّ أَنّ كُلّ مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَدٌ فَهُوَ وَلَدُهُ إلّا حَيْثُ نَفَاهُ اللّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ حَيْثُ يُوقِنُ بِلَا شَكّ أَنّهُ لَيْسَ وَلَدَهُ وَلَمْ يَنْفِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا وَهِيَ حَامِلٌ بِاللّعَانِ فَقَطْ فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى لَحَاقِ النّسَبِ قَالَ وَلِذَلِكَ قُلْنَا : إنّ صَدَقَتَهُ [ ص 358 ] { وَلَا تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلّا عَلَيْهَا } [ الْأَنْعَامُ 164 ] فَوَجَبَ أَنّ إقْرَارَ الْأَبَوَيْنِ يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ فَيَكُونُ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِمَا وَإِنّمَا نَفَى اللّهُ سُبْحَانَهُ الْوَلَدَ إذَا أَكْذَبَتْهُ الْأُمّ وَالْتَعَنَتْ هِيَ وَالزّوْجُ فَقَطْ فَلَا يَنْتَفِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ انْتَهَى كَلَامُهُ . وَهَذَا ضِدّ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنّهُ لَا يَصِحّ اللّعَانُ عَلَى الْحَمْلِ حَتّى تَضَعَ كَمَا يَقُولُ أَحْمَد وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالصّحِيحُ صِحّتُهُ عَلَى الْحَمْلِ وَعَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ . وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَا الْحُكْمِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ بِوَجْهِ مَا فَإِنّ الْفِرَاشَ قَدْ زَالَ بِاللّعَانِ وَإِنّمَا حَكَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْفِرَاشِ وَدَعْوَى الزّانِي فَأَبْطَلَ دَعْوَى الزّانِي لِلْوَلَدِ وَحَكَمَ بِهِ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وَهَا هُنَا صَاحِبُ الْفِرَاشِ قَدْ نَفَى الْوَلَدَ عَنْهُ . فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ لَاعَنَ لِمُجَرّدِ نَفْيِ الْوَلَدِ مَعَ قِيَامِ الْفِرَاشِ فَقَالَ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا(22/90)
الْوَلَدُ وَلَدِي ؟ . قِيلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِلشّافِعِيّ وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ . إحْدَاهُمَا : أَنّهُ لَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيّ . وَالثّانِيَةُ أَنّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَحْدَهُ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ تَيْمِيّةَ وَهِيَ الصّحِيحَةُ . فَإِنْ قِيلَ فَخَالَفْتُمْ حُكْمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاش ِ قُلْنَا : مَعَاذَ اللّهِ بَلْ وَافَقْنَا أَحْكَامَهُ حَيْثُ وَقَعَ غَيْرُنَا فِي خِلَافِ بَعْضِهَا تَأْوِيلًا فَإِنّهُ إنّمَا حَكَمَ بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ حَيْثُ ادّعَاهُ صَاحِبُ الْفِرَاشِ فَرَجّحَ دَعْوَاهُ بِالْفِرَاشِ وَجَعَلَهُ لَهُ وَحَكَمَ بِنَفْيِهِ عَنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ حَيْثُ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَقَطَعَ نَسَبَهُ مِنْهُ وَقَضَى أَلّا يُدْعَى [ ص 359 ] وَقُلْنَا بِالْأَمْرَيْنِ وَلَمْ نُفَرّقْ تَفْرِيقًا بَارِدًا جِدّا سَمِجًا لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ حَمْلًا وَنَفْيِهِ مَوْلُودًا فَإِنّ الشّرِيعَةَ لَا تَأْتِي عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الصّورِيّ الّذِي لَا مَعْنَى تَحْتَهُ الْبَتّةَ وَإِنّمَا يَرْتَضِي هَذَا مَنْ قَلّ نَصِيبُهُ مِنْ ذَوْقِ الْفِقْهِ وَأَسْرَارِ الشّرِيعَةِ وَحِكَمِهَا وَمَعَانِيهَا وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التّوْفِيقُ .
فَصْلٌ [إلْحَاقُ وَلَدِ اللّعَانِ بِأُمّهِ ]
الْحُكْمُ السّابِعُ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِأُمّهِ عِنْدَ انْقِطَاعِ نَسَبِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَهَذَا الْإِلْحَاقُ يُفِيدُ حُكْمًا زَائِدًا عَلَى إلْحَاقِهِ بِهَا مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْأَبِ وَإِلّا كَانَ عَدِيمَ الْفَائِدَةِ فَإِنّ خُرُوجَ الْوَلَدِ مِنْهَا أَمْرٌ مُحَقّقٌ فَلَا بُدّ فِي الْإِلْحَاقِ مِنْ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا كَانَ حَاصِلًا مَعَ ثُبُوتِ النّسَبِ مِنْ الْأَبِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ . فَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَفَادَ هَذَا الْإِلْحَاقُ قَطْعَ تَوَهّمِ انْقِطَاعِ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ الْأُمّ كَمَا انْقَطَعَ مِنْ الْأَبِ وَأَنّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى أُمّ وَلَا إلَى أَب فَقَطَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا الْوَهْمَ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأُمّ وَأَكّدَ هَذَا بِإِيجَابِهِ الْحَدّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ أَوْ قَذَفَ أُمّهُ وَهَذَا قَوْلُ الشّافِعِيّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَكُلّ مَنْ لَا يَرَى أَنّ أُمّهُ وَعَصَبَاتِهَا لَهُ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ بَلْ أَفَادَنَا هَذَا الْإِلْحَاقُ فَائِدَةً زَائِدَةً وَهِيَ تَحْوِيلُ النّسَبِ الّذِي كَانَ إلَى أَبِيهِ إلَى أُمّهِ وَجَعْلُ أُمّهِ قَائِمَةً مَقَامَ أَبِيهِ فِي ذَلِكَ فَهِيَ عَصَبَتُهُ وَعَصَبَاتُهَا أَيْضًا عَصَبَتُهُ فَإِذَا مَاتَ حَازَتْ مِيرَاثَهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصّوَابُ لِمَا رَوَى أَهْلُ السّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ : عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد ُ وَذَهَبَ إلَيْهِ . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ [ ص 360 ] جَدّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا وَفِي " السّنَنِ " أَيْضًا مُرْسَلًا : مِنْ حَدِيثِ مَكْحُولٍ قَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا وَهَذِهِ الْآثَارُ مُوَافِقَةٌ لِمَحْضِ الْقِيَاسِ فَإِنّ النّسَبَ فِي الْأَصْلِ لِلْأَبِ فَإِذَا انْقَطَعَ مِنْ جِهَتِهِ صَارَ لِلْأُمّ كَمَا أَنّ الْوَلَاءَ فِي الْأَصْلِ لِمُعْتِقِ الْأَبِ فَإِذَا كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا كَانَ لِمُعْتِقِ الْأُمّ . فَلَوْ أَعْتَقَ الْأَبَ بَعْدَ هَذَا انْجَرّ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمّ إلَيْهِ وَرَجَعَ إلَى أَصْلِهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَذّبَ الْمُلَاعِنُ نَفْسَهُ وَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ رَجَعَ النّسَبُ وَالتّعْصِيبُ مِنْ الْأُمّ وَعَصَبَتِهَا إلَيْهِ . فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُوجَبُ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمّةِ وَعَالِمِهَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمَذْهَبُ إمَامَيْ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِمَا أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَعَلَيْهِ يَدُلّ الْقُرْآنُ بِأَلْطَفِ إيمَاءٍ وَأَحْسَنِهِ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ عِيسَى مِنْ ذُرّيّةِ إبْرَاهِيمَ بِوَاسِطَةِ مَرْيَمَ أُمّهِ وَهِيَ مِنْ صَمِيمِ ذُرّيّةِ إبْرَاهِيمَ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ تَقْرِيرٍ لِهَذَا عِنْدَ ذِكْرِ أَقْضِيَةِ النّبِيّ(22/91)
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَحْكَامِهِ فِي الْفَرَائِضِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " فِي قِصّةِ اللّعَانِ وَفِي آخِرِهِ ثُمّ جَرَتْ السّنّةُ أَنْ يَرِثَ مِنْهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللّهُ لَهَا ؟ قِيلَ نَتَلَقّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتّسْلِيمِ وَالْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ وَهُوَ الظّاهِرُ فَإِنّ تَعْصِيبَ الْأُمّ لَا يُسْقِطُ مَا فَرَضَ اللّهَ لَهَا مِنْ وَلَدِهَا فِي كِتَابِهِ وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ لَهُ الْفَرْضُ وَالتّعْصِيبُ فَهِيَ تَأْخُذُ فَرْضَهَا وَلَا بُدّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَتْهُ [ ص 361 ] قَائِلُونَ بِالْآثَارِ كُلّهَا فِي هَذَا الْبَابِ بِحَمْدِ اللّهِ وَتَوْفِيقِهِ .
فَصْلٌ [يُحَدّ قَاذِفُهَا وَقَاذِفُ وَلَدِهَا ]
الْحُكْمُ الثّامِنُ " أَنّهَا لَا تُرْمَى وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدّ " وَهَذَا لِأَنّ لِعَانَهَا نَفَى عَنْهَا تَحْقِيقَ مَا رُمِيَتْ بِهِ فَيُحَدّ قَاذِفُهَا وَقَاذِفُ وَلَدِهَا هَذَا الّذِي دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُمّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ نُفِيَ نَسَبُهُ حُدّ قَاذِفُهَا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ نُفِيَ نَسَبُهُ لَمْ يُحَدّ قَاذِفُهَا وَالْحَدِيثُ إنّمَا هُوَ فِيمَنْ لَهَا وَلَدٌ نَفَاهُ الزّوْجُ وَاَلّذِي أَوْجَبَ لَهُ هَذَا الْفَرْقَ أَنّهُ مَتَى نَفَى نَسَبَ وَلَدِهَا فَقَدْ حَكَمَ بِزِنَاهَا بِالنّسْبَةِ إلَى الْوَلَدِ فَأَثّرَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ حَدّ الْقَذْفِ .
فَصْلٌ [لَا تَتَرَتّبُ الْأَحْكَامُ السّابِقَةُ إلّا بَعْدَ تَمَامِ اللّعَانِ ]
الْحُكْمُ التّاسِعُ أَنّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إنّمَا تَرَتّبَتْ عَلَى لِعَانِهِمَا مَعًا وَبَعْدَ أَنْ تَمّ اللّعَانَانِ فَلَا يَتَرَتّبُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى لِعَانِ الزّوْجِ وَحْدَهُ وَقَدْ خَرّجَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ تَيْمِيّةَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ انْتِفَاءَ الْوَلَدِ بِلِعَانِ الزّوْجِ وَحْدَهُ وَهُوَ تَخْرِيجٌ صَحِيحٌ فَإِنّ لِعَانَهُ كَمَا أَفَادَ سُقُوطَ الْحَدّ وَعَارَ الْقَذْفِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ لِعَانِهَا أَفَادَ سُقُوطَ النّسَبِ الْفَاسِدِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ هِيَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنّ تَضَرّرَهُ بِدُخُولِ النّسَبِ الْفَاسِدِ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ تَضَرّرِهِ بِحَدّ الْقَذْفِ وَحَاجَتَهُ إلَى نَفْيِهِ عَنْهُ أَشَدّ مِنْ حَاجَتِهِ إلَى دَفْعِ الْحَدّ فَلِعَانُهُ كَمَا اسْتَقَلّ بِدَفْعِ الْحَدّ اسْتَقَلّ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
[ لَا يَجِبُ الْحَدّ بِالتّعْرِيضِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ السّؤَالِ وَالِاسْتِفْتَاءِ ]
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ أَنّ الْحَدّ لَا يَجِبُ بِالتّعْرِيضِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ السّؤَالِ وَالِاسْتِفْتَاءِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَنّهُ لَا يَجِبُ بِالتّعْرِيضِ وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَحَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ فَقَدْ أَبْعَدَ النّجْعَةَ وَرُبّ تَعْرِيضٍ أَفْهَمُ وَأَوْجَعُ لِلْقَلْبِ وَأَبْلَغُ فِي النّكَايَةِ مِنْ التّصْرِيحِ وَبِسَاطُ الْكَلَامِ وَسِيَاقُهُ يَرُدّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَيَجْعَلُ الْكَلَامَ قَطْعِيّ الدّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ . وَفِيهِ أَنّ مُجَرّدَ الرّيبَةِ لَا يُسَوّغُ اللّعَانَ وَنَفْيَ الْوَلَدِ . وَفِيهِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ وَالنّظَائِرِ فِي الْأَحْكَامِ وَمِنْ تَرَاجِمَ الْبُخَارِيّ فِي " صَحِيحِهِ " عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابٌ مَنْ شَبّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلِ مُبَيّنٍ قَدْ بَيّنَ اللّهُ حُكْمَهُ لِيَفْهَمَ السّائِلُ وَسَاقَ مَعَهُ حَدِيثَ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمّكَ دَيْنٌ ؟.
فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ وَأَنّ الْأَمَةَ تَكُونُ فِرَاشًا وَفِيمَنْ اسْتَلْحَقَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ
ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْن " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلَامٍ فَقَالَ سَعْدٌ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَهِدَ إلَيّ أَنّهُ ابْنُهُ اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَى شَبَهًا(22/92)
بَيّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ " هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحُجْر ُ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطّ . [ ص 368 ] دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الّذِي يُسَمّيهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ وَفِي أَنّ الْقَافَةَ حَقّ وَأَنّهَا مِنْ الشّرْعِ .
ـــــــــــــــــــ
[ حُجَجُ مَنْ أَنْكَرَ ثُبُوتَ النّسَبِ بِالْقَافَةِ ]
قَالَتْ الْحَنَفِيّةُ : قَدْ أَجْلَبْتُمْ عَلَيْنَا فِي الْقَافَةِ بِالْخَيْلِ وَالرّجْلِ وَالْحُكْمُ بِالْقِيَافَةِ تَعْوِيلٌ عَلَى مُجَرّدِ الشّبَهِ وَالظّنّ وَالتّخْمِينِ وَمَعْلُومٌ أَنّ الشّبَهَ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْأَجَانِبِ وَيَنْتَفِي عَنْ الْأَقَارِبِ وَذَكَرْتُمْ قِصّةَ أُسَامَةَ وَزَيْدَ وَنَسِيتُمْ قِصّةَ الّذِي وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ غُلَامًا أَسْوَدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُمَا فَلَمْ يُمَكّنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ نَفْيِهِ وَلَا جَعَلَ لِلشّبَهِ وَلَا لِعَدَمِهِ أَثَرًا وَلَوْ كَانَ لِلشّبَهِ أَثَرٌ لَاكْتَفَى بِهِ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى اللّعَانِ وَلَكَانَ يَنْتَظِرُ وِلَادَتَهُ ثُمّ يُلْحَقُ بِصَاحِبِ الشّبَهِ وَيَسْتَغْنِي بِذَلِكَ عَنْ اللّعَانِ بَلْ كَانَ لَا يَصِحّ نَفْيُهُ مَعَ وُجُودِ الشّبَهِ بِالزّوْجِ وَقَدْ دَلّتْ السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ عَلَى نَفْيِهِ عَنْ الْمُلَاعِنِ وَلَوْ كَانَ الشّبَهُ لَهُ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ وَهَذَا قَالَهُ بَعْدَ اللّعَانِ وَنَفْيِ النّسَبِ عَنْهُ فَعُلِمَ أَنّهُ لَوْ جَاءَ عَلَى الشّبَهِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنّمَا كَانَ مَجِيئُهُ عَلَى شَبَهِهِ دَلِيلًا عَلَى كَذِبِهِ لَا عَلَى لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ . قَالُوا : وَأَمّا قِصّةُ أُسَامَةَ وَزَيْدٍ فَالْمُنَافِقُونَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِهِ مِنْ زَيْدٍ [ ص 377 ] لِمُخَالَفَةِ لَوْنِهِ لَوْنَ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُونُوا يَكْتَفُونَ بِالْفِرَاشِ وَحُكْمِ اللّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَنّهُ ابْنُهُ فَلَمّا شَهِدَ بِهِ الْقَائِفُ وَافَقَتْ شَهَادَتُهُ حُكْمَ اللّهِ وَرَسُولِهِ فَسُرّ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمُوَافَقَتِهَا حُكْمَهُ وَلِتَكْذِيبِهَا قَوْلَ الْمُنَافِقِينَ لَا أَنّهُ أَثْبَتَ نَسَبَهُ بِهَا فَأَيْنَ فِي هَذَا إثْبَاتُ النّسَبِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ ؟ قَالُوا : وَهَذَا مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الّتِي ذُكِرَ فِيهَا اعْتِبَارُ الشّبَهِ فَإِنّهَا إنّمَا اعْتَبَرَتْ فِيهِ الشّبَهَ بِنَسَبِ ثَابِتٍ بِغَيْرِ الْقَافَةِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ . قَالُوا : وَأَمّا حُكْمُ عُمَرَ وَعَلِيّ ٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى عُمَرَ فَرُوِيَ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُمْ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنّ الْقَائِفَ لَمّا قَالَ لَهُ قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ قَالَ وَالِ أَيّهمَا شِئْت . فَلَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَ الْقَائِفِ . قَالُوا : وَكَيْفَ تَقُولُونَ بِالشّبَهِ وَلَوْ أَقَرّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِأَخٍ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ وَالشّبَهُ مَوْجُودٌ لَمْ تُثْبِتُوا النّسَبَ بِهِ وَقُلْتُمْ إنْ لَمْ تَتّفِقْ الْوَرَثَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ النّسَبُ ؟
ـــــــــــــــــــ
[ رَدّ الْمُثْبِتِينَ عَلَى النّافِينَ ]
قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا الْقَوْلَ بِالْقَافَةِ وَيَجْعَلَهَا مِنْ بَابِ الْحَدْسِ وَالتّخْمِينِ مَنْ يُلْحِقُ وَلَدَ الْمَشْرِقِيّ بِمَنْ فِي أَقْصَى الْمَغْرِبِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنّهُمَا لَمْ يَتَلَاقَيَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وَيُلْحِقُ الْوَلَدَ بِاثْنَيْنِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنّهُ لَيْسَ ابْنًا لِأَحَدِهِمَا وَنَحْنُ إنّمَا أَلْحَقْنَا الْوَلَدَ بِقَوْلِ الْقَائِفَ الْمُسْتَنِدِ إلَى الشّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا وَقَدْرًا فَهُوَ اسْتِنَادٌ إلَى ظَنّ غَالِبٍ وَرَأْيٍ رَاجِحٍ وَأَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ قَوْلِ الْمُقَوّمِينَ وَهَلْ يُنْكِرُ مَجِيءَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مُسْتَنِدًا إلَى الْأَمَارَاتِ الظّاهِرَةِ وَالظّنُونِ الْغَالِبَةِ ؟ وَأَمّا وُجُودُ الشّبَهِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَانْتِفَاؤُهُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا [ ص 378 ] أَسْوَدَ فَهُوَ حُجّةٌ عَلَيْكُمْ لِأَنّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ الْعَادَةَ الّتِي فَطَرَ اللّهُ عَلَيْهَا النّاسَ اعْتِبَارُ الشّبَهِ وَأَنّ خِلَافَهُ يُوجِبُ رِيبَةً وَأَنّ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ إنْكَارَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمّا عَارَضَ ذَلِكَ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الْفِرَاشُ كَانَ الْحُكْمُ لِلدّلِيلِ الْقَوِيّ وَكَذَلِكَ نَقُولُ نَحْنُ(22/93)
وَسَائِرُ النّاسِ إنّ الْفِرَاشَ الصّحِيحَ إذَا كَانَ قَائِمًا فَلَا يُعَارَضُ بِقَافَةِ وَلَا شَبَهٍ فَمُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الشّبَهِ لِدَلِيلِ أَقْوَى مِنْهُ - وَهُوَ الْفِرَاشُ - غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وَإِنّمَا الْمُسْتَنْكَرُ مُخَالَفَةُ هَذَا الدّلِيلِ الظّاهِرِ بِغَيْرِ شَيْءٍ . وَأَمّا تَقْدِيمُ اللّعَانِ عَلَى الشّبَهِ وَإِلْغَاءُ الشّبَهِ مَعَ وُجُودِهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ مِنْ تَقْدِيمِ أَقْوَى الدّلِيلَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشّبَهِ مَعَ عَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ كَالْبَيّنَةِ تُقَدّمُ عَلَى الْيَدِ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيّةِ وَيُعْمَلُ بِهِمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا . وَأَمّا ثُبُوتُ نَسَبِ أُسَامَةَ مِنْ زَيْدٍ بِدُونِ الْقِيَافَةِ فَنَحْنُ لَمْ نُثْبِتْ نَسَبَهُ بِالْقِيَافَةِ وَالْقِيَافَةُ دَلِيلٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِدَلِيلِ الْفِرَاشِ فَسُرُورُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفَرَحُهُ بِهَا وَاسْتِبْشَارُهُ لِتَعَاضُدِ أَدِلّةِ النّسَبِ وَتَضَافُرِهَا لَا لِإِثْبَاتِ النّسَبِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ وَحْدَهُ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَرَحِ بِظُهُورِ أَعْلَامِ الْحَقّ وَأَدِلّتِهِ وَتَكَاثُرِهَا وَلَوْ لَمْ تَصْلُحْ الْقِيَافَةُ دَلِيلًا لَمْ يَفْرَحْ بِهَا وَلَمْ يُسَرّ وَقَدْ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَفْرَحُ وَيُسَرّ إذَا تَعَاضَدَتْ عِنْدَهُ أَدِلّةُ الْحَقّ وَيُخْبِرُ بِهَا الصّحَابَةَ وَيُحِبّ أَنْ يَسْمَعُوهَا مِنْ الْمُخْبِرِ بِهَا لِأَنّ النّفُوسَ تَزْدَادُ تَصْدِيقًا بِالْحَقّ إذَا تَعَاضَدَتْ أَدِلّتُهُ وَتُسَرّ بِهِ وَتَفْرَحُ وَعَلَى هَذَا فَطَرَ اللّهُ عِبَادَهُ فَهَذَا حُكْمٌ اتّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ وَالشّرْعَةُ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ . وَأَمّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ وَالِ أَيّهمَا شِئْتُ فَلَا تُعْرَفُ صِحّتُهُ عَنْ [ ص 379 ] لَكَانَ قَوْلًا عَنْهُ فَإِنّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي غَايَةِ الصّحّةِ مَعَ أَنّ قَوْلَهُ وَالِ أَيّهمَا شِئْت لَيْسَ بِصَرِيحِ فِي إبْطَالِ قَوْلِ الْقَائِفِ وَلَوْ كَانَ صَرِيحًا فِي إبْطَالِ قَوْلِهِ لَكَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا أَلْحَقَهُ بِاثْنَيْنِ كَمَا يَقُولُهُ الشّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ . وَأَمّا إذَا أَقَرّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِأَخٍ وَأَنْكَرَهُ الْبَاقُونَ فَإِنّمَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِمُجَرّدِ الْإِقْرَارِ فَأَمّا إذَا كَانَ هُنَاكَ شَبَهٌ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الْقَائِفُ فَإِنّهُ لَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُ الْبَاقِينَ وَنَحْنُ لَا نَقْصُرُ الْقَافَةَ عَلَى بَنِي مُدْلِجٍ وَلَا نَعْتَبِرُ تَعَدّدَ الْقَائِفِ بَلْ يَكْفِي وَاحِدٌ عَلَى الصّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنّهُ خَبَرٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى : أَنّهُ شَهَادَةٌ فَلَا بُدّ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَفْظُ الشّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ اللّفْظِ .
ـــــــــــــــــــ(22/94)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام اللقيط
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(23/1)
مسائل حول التبني ونكاح اللقيط
تاريخ 07 ربيع الأول 1428 / 26-03-2007
السؤال
أنا فتاة عمري 35 سنة ولدت لقيطة في الشارع وقام الناس بوضعي في دار الأيتام وأنا عمري يومان ثم جاء والدي الآن وقاما بكفالتي وتربيتي منذ أن كان عمري أسبوعا وربياني أفضل تربية ولم ينقصا علي شيئا وتعلمت وتخرجت من الجامعة وأنا أعمل الآن ولبست الحجاب منذ أن كان عمري 15 عاما وهما حنونان وطيبان ويخافان الله ولم أحس معهما للحظة أنهما ليسا والدي، مع العلم بأنهما عقيمان ولم ينجبا أطفالا وهما كبيران في السن وبعد أن كفلاني بـ 8 سنوات خافا علي من البقاء وحيدة في هذه الدنيا فقاما بكفالة طفل آخر من دار الأيتام وعمره سنتان وكان عمري وقتها 10 سنوات وتربى معنا وأصبح أخا لي بمعنى الكلمة وكونا أسرة سعيدة بإذن الله وتخاف الله ونتمتع بالأخلاق الحميدة والسمعة الطيبة بشهادة الأهل والجيران وأقارب الدرجة الثانية وأقارب الدرجة الأولى (أخوالي وعماتي) لا يحبوننا ويجاملوننا فقط منذ سنين طويلة ولا أعلم لماذا ربما لأننا استأثرنا بحب والدينا أو طمع فيهما ولدي الآن عدة مشاكل بدأت تؤرق حياتي في السنوات الأخيرة: الأولى: يعجب بي الكثير من الناس لديني وأخلاقي وعنايتي بوالدي وخاصة عند مرضهما، مع العلم أن عمرهما (أمي 73 سنة وأبي 82 سنه) ربنا يحفظهما لي ولأخي وكذلك القيام بكافة اهتمامات البيت ولوازمه أنا وأخي دون الاحتياج للغير وكذلك السفر بهما للخارج عدة مرات للعلاج المهم أنه كل ما تقدم لي شاب لخطبتي لا يتم الموضوع وذلك لسبب واحد وهو أني لقيطة ولا يعرف أصلي ونسبي وأهلي وأنا لا أعرف ما هو ذنبي في الموضوع وخاصة أني ملتزمة وأخلاقي حميدة ومتعلمة إلى أن كبرت الآن وأصبح عمري 35 سنة وأصبح لا يتقدم لي أحد لكبر سني كذلك وأنا أريد أن أعرف حكم الدين في حالتي وهل لي ذنب في كوني لقيطة، وكما يقولون
بنت حرام مع أني اجتهدت منذ أن كان عمري 8 سنوات وعلمت بأني يتيمة على الحصول على شهادة من الكل بالسيرة الحسنة والأغلب يشكرون في وبأني أفضل من بناتهم ولكن في موضوع الزواج فلا لأنهم يريدون لأولادهم الحسب والنسب وبنت الحلال وأنا أعلم من القرآن الآية التي تقول (ولا تز وازرة وزر أخرى)، الثانية: منذ أن تمت كفالة أخي ونحن نعيش معا كإخوة والحمد لله منذ حوالي 26 سنة ولم يشعر أحد في عائلتنا الصغيرة أنه غريب عن الآخر وتعاملنا بما يرضي الله، ولكن كلام الناس وتعليقاتهم الدائم لنا بأننا لقطاء وليس لنا أصل بدأت تتعبنا نفسيا وأصبحنا عصبيين ومتوترين وكانت أكثر التعليقات تأتي لي أنا باعتبار أني من يقوم بالواجبات العائلية وزيارة الأقارب والجيران وأخي أغلب الوقت خارج البيت ولا يحب الزيارات ولا أرد عليهم وأعمل نفسي أني لم أفهم ما يقولون وعندما أعود للبيت لا أملك إلا البكاء وقول حسبي الله ونعم الوكيل وأنا أريد أن أعرف الحكم في ذلك وكيف أتعامل معهم، الثالثة: أني ملتزمة والحمد لله ولكن إحدى الجارات علقت على عدم حجابي أمام أخي وأبي وأنا لم أفكر في ذلك مطلقا لأني لم(23/2)
أشعر للحظة أنهم ليسوا أهلي فأرجو إفتائي في الحجاب أمام أبي وأخي، الرابعة: أن عائلتنا حالتها المادية متوسطة أو أقل بقليل ولا تملك أملاكا إلا بيتا واحدا فقط والذي نعيش فيه الآن أخذناه من الدولة ثم دفعنا الأقساط الشهرية إلى أن أكملنا ثمنه وأنا دفعت أكثر من ثلثي المبلغ من مالي ولدي ما يثبت ذلك وكتبنا البيت باسمي أنا وأخي بالمناصفة فأريد أن أعلم عند وفاة والدي لا قدر الله وربنا يطيل في عمرهما ما حكم الدين في البيت ومحتوياته مع العلم بأن محتوياته كله من مالي بشهادة الناس والأقارب والجيران، مع العلم بأن أمي لها أخوان وأبي له أختان وليس لهما ورثة أخرون وهم طامعون في البيت والميراث وينتظرون وفاتهما، الخامسة: الدولة تعطي لليتيم مرتبا شهريا ليعيش به
وتساعد الكفيل على تربيته وأبي منذ أن كفلنا لم يأخذ من مالنا شيئا وعندما أصبح عمري 20 سنة سلم لي مالي ومال أخي لخوفه من الوفاة ونحن لا نعلم بالمال وأصبحت أنا المسؤولة عليه وهو في المصرف باسمي ولكن أخي لا يعلم شيئا عنه لخوفنا من تبذيره ونحن نريده أن يستفيد من ماله في المستقبل عند الزواج وقد كتبت وكالة لأخي للتصرف في ما أملك عند وفاتي وأنا كنت أخرج الزكاة على مالي، ولكن مال أخي فلا لاعتبار أنه أمانة وهو ليس كثيرا فأخاف أن يكمل، فهل أخرج عليه الزكاة، وهل أُعلم أخي بالمال وما الرأي في أن أسلم المال لأحد ثقة بإذن الله ليتاجر به ليزداد المال أو أسلم المال لأخي، مع العلم بأنه يريد شراء سيارة وثمنها أكثر من المال الذي عندي ويزيد على المبلغ ببيع سيارته القديمة لأن عمله يعتمد عليها، السادسة: أن أخي تغير وأصبح أكثر عصبية ويتلفظ ببعض الألفاظ السيئة، مع العلم بأنه يصلي ويصوم ولكن تصرفاته تغيرت في البيت ولا أعلم لماذا ربما لحساسيته من أنه لقيط والناس يعلقون على اسمه ليس مثل اسم أبيه ولا أمه أو الأصحاب سيئون وأنا لا أستطيع مراقبته خارج البيت ووالدي كبير فماذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب على هذه الرسالة الطويلة والأسئلة الكثيرة نريد أولاً أن ننبهك إلى أن التبني قد أبطله الله بقوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب:5}، وراجعي في حكم التبني الفتوى رقم: 32352.
وبناء عليه فإنك تعتبرين أجنبية عن الرجل الذي كفلك والولد الذي تربى معك في نفس البيت، وليس لك معهما أية علاقة سوى أنك أختهما في الدين، فلا يجوز أن يختلي بك أي منهما، ولا أن يصافحك أو يرى من عورتك ما لا تحل رؤيته من الأجنبية، ومثل هذا أيضاً ينطبق على من تبنتك مع الولد الذي تربى معك، ثم كفي عن الانتساب إلى هؤلاء، فإنه قد ورد وعيد شديد في انتساب المرء إلى غير أبيه، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام. ونهيك عن الانتساب إلى هذا الرجل ليس معناه أن لا تبريه وتحسني إليه، بل إنك قد أحسنت جداً بما يبدو من محبتك لهذه الأسرة التي كفلتك زمن احتياجك إلى الكفالة.(23/3)
وفيما يتعلق بموضوع أسئلتك نقول: إذا كنت على الحال التي ذكرتها من حسن الخلق والدين فكان مما ينبغي أن لا يمتنع الرجال من الزواج بك لسبب كونك لقيطة، فالذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إلى الزواج بالمرأة هو ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. وكونك لا يعرف أصلك أو نسبك وأهلك ليس ذنبا عليك، فكما قلت فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}، وعسى الله أن يجعل هذه المحنة خيراً لك وذخراً عند الله في الآخرة، ولا تقنطي من رحمة الله، فقد يكون مدخراً لك من هو أفضل من جميع من خطبوك، ثم اصبري على ما تتلقينه من أذى الناس، فإن جزاء الصبر عظيم عند الله، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}،.
أما النقطة الثالثة فقد تقدم جوابها في مقدمة الفتوى، وحول النقطة الرابعة فإذا كنت قد دفعت أكثر من ثلثي ثمن البيت من مالك الخاص -كما قلت- ولك ما يثبت ذلك من الأدلة، ورضيتم جميعاً بأن يكتب البيت باسمك واسم الولد الذي تربى معك مناصفة، فإن أقارب متبنيك -إذا توفى- لن يكون لهم حق في البيت، ولكن عليكم أن توثقوا كل هذا، وتشهدوا عليه العدول من الناس.
وأما عن النقطة الخامسة فإنه لا يجوز أن تخرجي الزكاة عن مال الولد المتبنى معك، وذلك لا يفيد شيئاً لأن الزكاة عبادة مالية، وتحتاج إلى نية المالك، وعليه فالواجب أن يخبر هو بهذا المال حتى يخرج زكاته، ولكنكم إذا كنتم تخافون عليه من تبذيره فعليكم أن ترفعوا أمره إلى القضاء الشرعي إن كنتم في دولة مسلمة، أو ترفعوه إلى مركز إسلامي في البلد الذي أنتم فيه إذا كان بلداً غير مسلم، ليجعل رقابة على تصرفه في المال، لأن المراكز الإسلامية في بلاد الكفر تقوم مقام جماعة المسلمين، وجماعة المسلمين تقوم مقام القاضي إذا لم يوجد، ثم إذا كان المال بالغاً نصاباً، فعليه أن يخرج زكاته عن كل السنين الماضية منذ بلوغه النصاب، لأن الزكاة لا تسقط بمضي زمنها، ثم ما ذكرته عن المتبنى معك من التغير والعصبية والألفاظ السيئة لا يمكنك أن تصلحيه بنفسك، لأنه -كما قدمنا- أجنبي عليك، وعليك إذاً أن تقتصري على الدعاء له، أو توجيهه بواسطة رسالة ونحو ذلك، ولا يجوز أن تعتبريه أخاً وتكلميه في خلوة وانفراد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اللقيط.. ومسألة إعلامه بحقيقة الأمر
تاريخ 16 شعبان 1426 / 20-09-2005
السؤال
أسأل عن شاب يعيش مع امرأة يعتقد أنها أمه بعد موت زوجها الذي كان يعتقد أنه أبوه، والشاب يبلغ الآن سبعا وعشرين سنة سؤالي هو: هل أخبره بحقيقة أمره؟ مع العلم أنني سألت أحد المشايخ من السعودية عبر الهاتف منذ سنوات فأفتاني بوجوب(23/4)
إخبار هدا الشاب بحقيقة الأمر والآن أنا في حيرة من أمري، بين التأثم لفتوى الشيخ وبين الصدمة التي من الممكن أن يتلقاها المعني بالأمر، ومع ذلك فقد كتبت رسالة قصد إرسالها إليه عبر البريد وأنتظر الآن فتواكم كي أحسم في الأمر بصورة نهائية.
ملحوظة: هذا الشاب يعمل الآن أستاذا في سنته الأولى.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى شرع كفالة الأيتام والنقاط اللقطاء، ورتب على ذلك الخير الكثير والثواب الجزيل لمن فعله، كما حرم سبحانه وتعالى التبني الذي كان معمولاً به في الجاهلية فأبطله، فقال سبحانه: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب: 4-5}.
ولهذا فإن عليك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين أن تخبر هذا الرجل بحقيقة أمره، ولكن ينبغي أن يكون ذلك بطريقة لا تسبب له صدمة أو حرجاً، فتمهد لذلك بذكر بعض الأمور التي تسهل عليه تلقي هذا النبأ، وتبين له أن هذا هو شرع الله الذي يجب على المسلم أن ينقاد له، ولاغضاضة عليه فيما قد حصل سابقاً.
وللمزيد نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: 39532.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسألة حول اللقيط
تاريخ 11 جمادي الأولى 1425 / 29-06-2004
السؤال
وجد صديق لي طفلة صغيرة حديثة الولادة وقد تغير لون جسدها بسبب عدم الرضاعة، وأخذها ومن حسن الحظ أن زوجته كانت قد وضعت منذ فترة قليلة، ولذلك قامت بإرضاع الطفلة، وتم علاجها والاعتناء بها وذهبت إلى بعض الناس لكي يسجل الطفلة باسمه ولكن قالوا له إن ذلك حرام، ويجب أن يضعها في دار حضانة لكي يعطوها اسماً، ثم يذهب بعد ذلك ليأخذها، وبالفعل قام بعمل ذلك وعندما ذهب لإحضار الطفلة من دار الأيتام وجد بعض الناس قد أخذوها لتربيتها فهل قصر في ذلك مع العلم بأنه منذ ذلك وهو تعبان نفسياً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسن صديقك في التقاطه لهذه الطفلة، وفي عنايته بها وإحسانه إليها، ولا شك أنه لا يجوز له أن يلحقها بنفسه من حيث النسب، فقد ورد الشرع بالنهي عن ذلك، وراجع الفتوى رقم: 2813.(23/5)
وبخصوص ما وقع من الرضاع، فإن كانت زوجته قد أرضعت هذه الطفلة خمس رضعات مشبعات، فتكون الطفلة ابنة لهما من الرضاعة، وراجع للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 9790.
وأما إلحاق هذا اللقيط بدار الرعاية، فإن كانت هذه الجهة غير معروفة بالفسق، فلا حرج عليه في ذلك ولا يلحقه به إثم، وإلا فيأثم بإلحاقه بها، والواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، لأن الفاسق لا يمكن من الالتقاط على الصحيح من أقوال أهل العلم ولا يقر الملتقط بيده فضلاً عن أن يدفع إليه.
ثم إن لصديقك الحق في المطالبة بهذا اللقيط، ما دام مؤتمناً عليه، وقادراً على القيام بما يصلحه، جاء في حاشية الدسوقي ما نصه: ولو تسابق جماعة أو اثنان على لقيط، أو على لقطة وكل أمين، وأهل لكفايته، قدم الأسبق، وهو من وضع يده عليه ابتداء، ولو زاحمه عنه الآخر وأخذه. انتهى، والحال أنه هنا لم يزاحمه عليه أحد، ويقوي جانبه كونه أباً لهذا اللقيط من الرضاعة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اللقيط أجنبي عن المرأة وإن ربته صغيرا
تاريخ 03 رمضان 1424 / 29-10-2003
السؤال
امرأة وجدت ولدا فقامت بتربيته، الآن هو في سن 15 مع العلم بأنها لم ترضعه منها، فما الذي يترتب على هذه العلاقة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله أن يجزي هذه المرأة خيرا على تربية هذا الولد والإحسان إليه، ولكن ننبهها إلى أنه لا يجوز لها ولا لغيرها تبني هذا الولد، لأن التبني محرم، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم: 32554 ، كما ننبهها إلى أن هذا الولد أجنبي عنها، فلا يجوز لها أن تختلي به، أو تبدي زينتها له، وعليها أن تلتزم أمامه بالحجاب الشرعي، وتعامله كما تعامل غيره من الأجانب وكونها ربته صغيرا لا يؤثر في الحكم، ولتراجع للأهمية الفتوى رقم: 27077 ، والفتوى رقم: 17630 . والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ثواب كافل اللقيط.. من أحكام اللقيط
تاريخ 04 جمادي الثانية 1424 / 03-08-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لي قريبة تريد أن تحتضن طفلا رضيعا من إحدى الجمعيات في جدة، وهي في حيرة من أمرها في المسألة الآتية: 1_الرضاعة 2_ما الحقوق التي عليها تجاه الطفل وما الحقوق التي لها في ضوء الكتاب والسنة؟ إذا كانت هناك كتب أو أحاديث تفيد في هذا الموضوع فالرجاء ذكر أسمائها(23/6)
ومؤلفيها. نرجو من المولى العلي القدير أن يعينكم في الإسراع في إرسال الجواب. نفع الله بكم الإسلام والمسلمين وجزاكم عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا شك أن لكافل اللقيط الأجر العظيم عند الله إذا أحسن معاملته وتربيته؛ إذ كفالته ليست دون كفالة اليتيم في الأجر إن لم تكن أعظم، وذلك لأنه أسوأ وضعًا منه، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء ما يلي: إن مجهولي النسب في حكم اليتيم لفقدهم لوالديهم، بل هم أشد حاجة للعناية والرعاية من معروفي النسب، لعدم معرفة قريب يلجأون إليه عند الضرورة، وعلى ذلك فإن من يكفل طفلاً من مجهولي النسب فإنه يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا رواه البخاري. لكن هناك من الأحكام ما ينبغي للمحتضن له معرفتها، منها: 1- أنه يعتبر أجنبيًّا عن الأسرة التي كفلته وربته، فلا يعدُّ ابنًا ينسب إليها، ولا أخًا لبناتها إلا إذا أرضعته أم الأسرة أو المحتضنة له أو من في حكمها خمس رضعات قبل اتمامه حولين، فإنه يصير ابنًا لها بالرضاعة لا بالنسب، كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 9544. 2- أن للملتقط له ولاية الحضانة كالتعليم والتأديب والتطبيب. أما ولاية التزويج فهي للسلطان أو من ينوب عنه كالقاضي، لقوله صلى الله عليه وسلم: السلطان ولي من لا ولي له. رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان قال علاء الدين السمرقندي في تحفة الفقهاء: وليس للملتقط ولاية التزويج. 3- إذا مات اللقيط وله مال فلا يرثه آخذه ومربيه، بل يكون لبيت مال المسلمين. قال الحسن البصري: اللقيط للمسلمين ميراثه، وعليهم جريرته، وليس لصاحبه منه شيء إلا الأجر. رواه البيهقي. ومن أراد التوسع في معرفة أحكام اللقيط فيمكنه الرجوع إلى كتب الفقه كالمغني لابن قدامة والمجموع للنووي وغيرها تحت عنوان: باب اللقيط. وهناك رسالة مفردة بعنوان: أحكام اللقيط في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الكريم زيدان. والله
أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الواجب على من أراد كفالة لقيط
تاريخ 17 جمادي الأولى 1424 / 17-07-2003
السؤال
ما حكم من وجد لقيطا فكتبه باسمه واسم زوجته واتخذه ولدا لكون الزوجة لا تنجب، هل في ذلك حرمة؟ وكيف يكون تصحيح ذلك رغم أن عائلتي الزوجين لا يعلمون شيئا عن هذا الموضوع ويعتقدون أن هذا الولد هو ابن الزوجين.
الفتوى(23/7)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالتبني محرم لا يجوز، وذلك لأنه تترتب عليه أحكام لا يجوز أن تكون إلا للابن النَّسَبي؛ كالتوارث وحل النظر إلى زوجة وبنات من تبناه وحرمة الزواج ببنات من تبناه، وأحكام أخرى كثيرة. والواجب على من أراد كفالة لقيط أو يتيم ونحوهما أن لا ينسبه إليه، بل يقال: فلان ابن عبد الله، أو عبد الرحمن. ونحو ذلك من الأسماء. وكتم حقيقة هذا التبني قد يؤدي في المستقبل إلى أن يختلط الحلال بالحرام، فالواجب أن يعلم الأقارب بأن هذا الولد ليس لكما. وأما الإحسان إلى اليتيم واللقيط وكفالتهما، فإن كل ذلك من البر والخير. وانظر الفتوى رقم: 31933 والفتوى رقم: 26542. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
وفاء اللقيط لمربيه لا يكون بما حرم الله
تاريخ 01 ربيع الأول 1424 / 03-05-2003
السؤال
ما حكم إذا كبر اللقيط ونسب نفسه إلى مربيه أي ملتقطه وفاء له وتقديرا واحتراماً لمربيه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز أن ينسب لقيط أو غيره نفسه إلى غير أبيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار. متفق عليه واللفظ للبخاري.
والوفاء والتقدير لملتقطه يحصل ببره والمداومة على إحسانه لا بما حرم الله، وانظر للفائدة الفتوى رقم: 24944.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
محل جواز مناداة اللقيط من ربته (يا أمي)
تاريخ 24 صفر 1424 / 27-04-2003
السؤال
أنا سيدة متزوجة ولدي خمسة أولاد وتقابلت مع فتاة كانت حاملاً وصرحت لي أنها ستتخلص من الجنين الذي في بطنها لظروف خاصة وأخذت الطفل بدل أن تقتله وكتبته باسمي وعاش معنا وعمره الآن6سنوات هل هذا حرام أم حلال؟ وهل حرام أن يقول لي يا ماما وهل أنا مذنبة في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(23/8)
فما قمت به من إنقاذ حياة الطفل ليس حلالاً فحسب، بل هو من أعظم القربات، وأوجب الواجبات، قال تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً (المائدة: من الآية32).
ولا حرج في أن يناديك بيا أمي من باب الاحترام والتوقير، لا من باب الحقيقة، ولا يجوز أن ينسب إلى زوجك، بل ينسب إلى أبيه إذا كان أباً شرعياً.
ولا بد أن تعلمي أن هذا الولد ليس من محارمك، فإذا بلغ فلا بد أن تعامليه أنت وبناتك كما تعاملين غير المحارم، إن لم يكن قد رضع منك أو من إحدى بناتك -مثلاً- خمس رضعات مشبعات.
كما أنه يجب عليك أن تأمري أم هذا الطفل بالتوبة النصوح مما همت به، وأخبريها أنه لا يجوز لها أن تقطع ولدها، وأنه لا بد لها من مراجعته والإحسان إليه، وإذا كان هذا الابن غير شرعي فإنه يجب عليها أن تتوب من هذه الفعلة الشنيعة أيضاً، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 7818 24944 6045
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نسب المولود من الزنا للمتزوجة وغير المتزوجة
تاريخ 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
ما حكم امرأة حملت من الزنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على من وقع في هذه الفاحشة الكبيرة أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب أولاً ثم الندم على ما مضى منه، مع العزم على عدم العودة إليه أبداً، ولا تتحقق توبته إلا بذلك، وقد ذم الله تعالى الزنا وحرم الاقتراب منه فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
والمقصود بقربه التمادي في دواعيه، والبحث عنها، وتحري مواطنها، فيكون فاعل ذلك، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن أهم المقاصد التي لأجلها حرم الله الزنا، اختلاط الأنساب وكذلك الحمل الذي يحصل للمرأة التي لا زوج لها، فيكون مصيره الضياع لأنه سينسب إلى أمه.
والأخت السائلة لا تخرج عن كونها إما متزوجة وإما خلية (غير متزوجة)، فإن كانت متزوجة، فالولد ينسب إلى زوجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه البخاري.
وعليها أن تتوب إلىالله تعالى، وتصدق في توبتها معه، ولا يجب عليها إخبار زوجها بذلك إذ سترها الله تعالى.
أما إن كانت خلية (بدون زوج) فالولد ينسب إليها، ولا ينسب إلى الزاني، لأن النسب نعمة والزنا نقمة، ولا تثبت النعمة بالنقمة، ويحرم على المرأة إسقاط هذا الجنين، ويجب عليها المحافظة عليه، مع التوبة الصادقة مما حصل منها ودوام(23/9)
الاستغفار والإكثار من الصالحات، ونسأل الله تعالى أن يهدي قلبك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويتوب عليك، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6012، 6940، 9093.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كافل اللقيط له من الأجر ما لكافل اليتيم
تاريخ 28 شوال 1423 / 02-01-2003
السؤال
ماهوالفرق في الأجر بين كفالة يتيم عادي وكفالة يتيم (لقيط) جزاكم الله كل خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اللقيط (وهو مجهول الأبوين) له حكم اليتيم، لأنه فاقد الأبوين كاليتيم، وراجع في هذا الجواب رقم: 15187
وبناء على هذا فكفالة اللقيط فرض كفاية ككفالة اليتيم، ولصاحبها من الأجر ما لكافل اليتيم، علماً بأن أجر كفالة اليتيم تتفاوت بحسب الإحسان في الكفالة، ولمعرفة فضائل الكفالة راجع الجواب رقم: 3152 ورقم: 3699 ولمزيد من الفائدة راجع الجواب رقم: 24944 ورقم: 7818
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا عقوبة على ولد الزنا بفعل أبويه لا في الدنيا ولا في الآخرة
تاريخ 19 شوال 1423 / 24-12-2002
السؤال
ما الفرق بين الطفل المولود من أب وأم متزوجين والأب والأم غير متزوجين ما عقوبات الطفل في الدنيا والآخرة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطفل المولود من أب وأم متزوجين زواجاً شرعياً صحيحاً طفل شرعي، وتجري عليه جميع الأحكام الشرعية من توارث ونسب ونفقة.. وغير ذلك.
وأما الطفل المولود من رجل وامرأة غير متزوجين فيسمى ولد زنا لا ينسب إلى أبيه، ولا يحصل بذلك توارث بينه وبينه، ولا يوجب ذلك نفقة.
والرجل والمرأة اللذان ارتكبا فاحشة الزنا مرتكبان لكبيرة من كبائر الذنوب، وهما مستحقان لعقوبة الله إن لم يتوبا توبة نصوحاً، وأما الولد فلا عقوبة عليه بفعل أبويه لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه لا ذنب له ولا اختيار، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].
غير أنه من حيث النسب لا يلحق بذلك الزاني، وراجع الفتوى رقم:(23/10)
9093 - والفتوى رقم: 10152.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نسبة اللقيط مجهول الأب
تاريخ 28 شوال 1423 / 02-01-2003
السؤال
إذا كان لا يجوز تبني اللقيط مجهول الأب ونسبته إلى من كفله فلمن ينسب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان اللقيط مجهول الأب ولم يدَّع نسبه أحد، فإنه لا ينسب لأحد وإنما يدعى أخاً في الدين، كما جاء في قوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) [الأحزاب:5]
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتساب لغير الأب في عدة أحاديث منها قوله: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " رواه الشيخان من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي بكرة، ولا حرج في أن يختار له اسم عام، كفلان ابن عبد الله
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ولد السفاح ينسب لأمه
تاريخ 22 رجب 1423 / 29-09-2002
السؤال
كان عمري 20 سنة أجبرتني فتاة على الزنى معها لأنها كانت تريد الحمل مني وستر العار الذي لحقها مع رجل آخر.الآن هي في باريس ولها ولد تقول إنه ابني . وهي امرأة خبيثة وتريد الآن أن أكتب الولد على اسمي . أنا الآن متزوج من امرأة ولدي طفلان .أريد رأيكم جزاكم الله .القصة طويلة اختصرتها في هذه الأسطر المهم أنها خدعتني بحيلتها أرشدوني جزاكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الولد المولود من السفاح لا ينسب إليك، وإنما ينسب إلى أمه ولو صدقتها في دعواها، ولا يجوز لك شرعاً أن تكتبه باسمك، وراجع الفتوى رقم 9093
والفتوى رقم: 6012 ونصيحتنا لك ما دمت قد تبت وتزوجت ورزقت بأولاد من نكاح صحيح، أن لا تلتفت إلى هذه المرأة، وامضِ في حياتك، واحرص على بناء أسرتك على أساس من الدين، فخذ بناصية امرأتك إلى البر والتقوى، وأحسن عشرتها، وعليك أن تربي أولادك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.(23/11)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم اشتراط عدم معرفة الأم لتربية لقيط
تاريخ 21 رجب 1423 / 28-09-2002
السؤال
جزاكم الله عن هذا
لدي مشكلة: أنا امرأة متزوجة ولي أطفال ,اتصلت بي مؤخرا إحدىالأخوات كانت تسيرفي الطريق الحرام ولها طفل من الحرام, ترجوني أنأجد له عائلة تؤويه لأنه لا يقبل أحد الزواج منها ومعها الطفل...خصوصا أنها لاتستطيع تحمل مصاريف تربيته . ولاتعمل. كما أنها تابتإلى الله وتريد تحصين نفسها.لكن كلما وجدت لها عائلة,تشترط هذه الأخيرة ان لايتعرفوا على أمه الحقيقية وألا تتعرف عليهم وأن يمنحوه اسم العائلة لكي لا تنزعه بعدها منهم. وأن يصبح له حقوق كأنه الابن الفعلي لهذه العائلة..أفيدوني أفادكم الله هل أتدخل في مثل
هذا؟مع العلم أن هذا الطفل المسكين سيتشرد ويبقى بدون اسم أب له....وما حكم الشرع في هذا التبني؟ وما شروط التبني
وجزاكم الله عنا كل خير والسلام
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما أقدمت عليه هذه المرأة يعد فجوراً وعاراً وشناراً
فالواجب عليها الآن هو التوبة الصادقة والندم والاستغفار، وإذا احتاجت لأن تضع ابنها عند من يربيه ويقوم على شؤونه فإنه لا يجوز أن ينسب إليهم، ولكن ينسب إلى أمه، أو يقال: ابن عبد الله بن عبد الرحمن.. ونحو ذلك من الأسماء.
وننبه إلى أنه لا يصلح أن يعطى الولد لقوم يشترطون ألا يعرفوا أمه، لما يترتب على ذلك من قطيعة الرحم والعقوق.
والحل إن كان لابد من وضع الولد عند غير أمه، أن تبحثوا عن عائلة لا تشترط نسبته إليهم ولا القطيعة بينه وبين أمه، ولا عدم إرجاعه إليها إذا طلبته، وستجدونهم بإذن الله (ومن يتق الله يجعله مخرجاً)
ولمزيد فائدة راجعي الفتوى رقم 16663
والفتوى رقم 16816
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام تتعلق بولد الزنا
تاريخ 09 رجب 1423 / 16-09-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم(23/12)
الإخوة الأفاضل ,السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... أما بعد عندي سؤال يتعلق بأحد معارفي المتزوجين, والذي لديه من الذكوراثنان ومن الإناث ثلاثة, ولكن أزله الشيطان ووقع في الخطأ وأنجب ذكرا.
السؤال: هل يعتبر هذا الولد أخا للأولاد الباقين ؟ هل يجب على البنات أن يتحجبن أمامه ؟
هل للولد حق في ميراث أبيه ؟ الولد يبلغ من العمر الاّن 14 سنة, في حال تزوج الأب تلك المرأة التي
أزله الشيطان معها, فهل يتغير أي حكم بعدها ؟ أفيدونا وجزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
وهذا الولد من الزنى لا ينسب إلى الزاني ولو تزوج بالزانية عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6012.
ولا يكون محرماً لبنات الرجل، بل هو أجنبي عنهن فيلزمهن الاحتجاب منه، ومع كونه غير محرم لهن، إلا أنه لا يجوز له ان يتزوج بواحدة منهن، وليس لهذا الولد حق في الميراث من الزاني، وإنما يرث من أمه.
وانظر مزيداً من التفصيل حول أحكام ولد الزنا في الفتاوى التالية أرقامها:
7501
9093
10152
19104.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين اللقيط وابن الزنا
تاريخ 16 ربيع الثاني 1423 / 27-06-2002
السؤال
أريد أن أعرف الفرق بين اللقيط والطفل ابن الحرام وما قيل فيهم وهل ابن الحرام ملعون في الدنيا؟ أتمنى أن ألقى الجواب الكافي.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاللقيط هو الطفل الذي يوجد في الشارع أو ضالا ولا يعرف نسبه، فالفرق إذًا بينه وبين ابن الزنا هو: أن اللقيط قد يكون ابن زنا، وقد لا يكون كذلك، كمن سرق من أبويه أو فقد أو غير ذلك.
وما ذكر من أن ابن الزنا ملعون في الدنيا باطل لا يصح، بل هو مخالف لقول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الزمر:7].
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 9093، 6012، 15187، 17151.(23/13)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أحكام الملتَقَط في دار الإسلام
تاريخ 20 ربيع الأول 1423 / 01-06-2002
السؤال
ما حكم زواج اللقيط وهل يشترط أن تكون الفتاة لقيطة أيضا أفتونا جزاكم الله خير الجزاء؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
اللقيط وهو الولد المتروك في الشوارع مجهول الأب أو الأولياء، إذا وجد في دار الإسلام أو في بلد يغلب عليه المسلمون فهو حرٌّ مسلم في جميع أحكامه، فهو مسلم تبعاً للدار، وحرٌّ لأن الأصل في الآدميين الحرية. فالله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً.
وعلى هذا، فإن جميع تصرفاته وعقوده لها حكم تصرفات غيره من أحرار المسلمين، بما فيها زواجه وطلاقه .. فما ذكره السائل من اشتراط زواجه من لقيطة مثله ، غير صحيح ولم يقُل به أحد .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تربية امرأة لطفل ما لا يصيره محرما لها
تاريخ 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
جزكم الله ألف خير على هذا الموقع المميز.
امرأة تبلغ من العمر 55 سنة والديها متوفون ولا يوجد لها أخ ولا أخت وكانت متزوجة وانفصلت عن زوجها وليس لها ابناً فقامت بأخذ طفل من دار الأيتام وعمره 4 سنوات ورعته أحسن رعاية. علماً أنه لا يزال اسمه على اسم والده كما هو لم يتغير.
سوالي هو: عندما يبلغ الطفل سن البلوغ هل يصح أن تنكشف أمامه وإذا أرادت أن تحج هل يكون محرم لها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الطفل أجنبّي عن هذه المرأة.
فإذا بلغ، فإنه لا يجوز له أن يخلو بها، أو ينظر إليها، أو يلمسها، أو يسافر معها كمحرم... إلى غير ذلك من الأشياء التي لا تكون إلا للمحارم، بل يعامل معاملة غيره من الأجانب فيما يتعلق بذلك.
وكونها ربته من صغره لا يؤثر في الحكم.(23/14)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يعتبر اللقيط يتيماً
تاريخ 30 محرم 1423 / 13-04-2002
السؤال
هل كفالة القيط >مجهول النسب < حلال أم حرام؟
وهل اللقيط يتيم أم لا؟
الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الآمين أما بعد:
فإن كفالة اللقيط فرض كفاية ، وراجع الفتوى رقم 7818والفتوى رقم 7168
أما سؤالك عن اللقيط هل هو يتيم ؟ فجوابه: أن اللقيط مجهول الأبوين حكمه حكم فاقد الأبوين من جهة اليتم، فكافله يعد كافلاً لليتيم -إن شاء الله- إلى غير ذلك من أحكام اليتيم، فهو إن لم يكن يتيماً في الحقيقة، إلا أنه يتيم حكماً.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اللقيط ليس من أفراد الأسرة
تاريخ 17 جمادي الأولى 1422 / 07-08-2001
السؤال
لقد تبنى أهل زوجي بنتا مجهولة الأبوين قبل 11 سنة بسبب الغزو العراقي كان عمرها آنذاك عاما ونصفا واستمروا في تربيتها حتى هذا اليوم وقد بلغت المحيض وأرادت أن تتحجب فهل يجوز لها خلع الحجاب من رأسها أمام عمي أبو زوجي حيث أنه رباها وكأنها بنته ؟ وهل يجوز كذلك أن تخلعه أمام زوجي وإخوانه البالغين بحكم أنها تربت بينهم وكأنها أختا لهم ؟ وما حكم الشرع في ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه البنت أجنبية بالنسبة لكل رجال هذه الأسرة التي تربت فيها، إلاّ إذا كانت قد أرضعتها أم تلك الأسرة، أو إحدى بناتها، فإنها تكون محرما لهم من الرضاعة ، وكذا تكون محرما لكل من رضعت من أمه أو أخته- ولو من الرضاعة - إذا كان الإرضاع، قد تم قبل تمام الحولين.
أما مجرد التبني والتربية، فلا يجعلان تلك الفتاة بنتا لتلك الأسرة، ولا محرما لرجالها، فلا يجوز لها أن تخلع الحجاب أمامهم، ولا أن يروا منها ما لا يحل لهم، ولا أن يخلو أحد منهم بها، ثم يجب التنبه إلى أنه إن كان القصد بالتبني أن تنتسب البنت إلى تلك الأسرة، بحيث تصير كأي فرد من أفرادها في الإرث وغيره، فإن ذلك كان عادة أهل الجاهلية، وأبطله الإسلام، ومع ذلك، فقد رغب الإسلام في احتضان وتربية اللقطاء، ولا شك أن الأجر في ذلك عظيم.(23/15)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تربية أولاد الزنا مسئولية عامة
تاريخ 20 ربيع الثاني 1422 / 12-07-2001
السؤال
ماذا يفعل بابن زنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن المولود من الزنا نفس كسائر الأنفس لها حرمتها، ولا ذنب له في كونه ولد زنا، ومن هنا يحرم قتله، أو تعريضه للهلاك. ومن وجد طفلاً هكذا إما أن يضعه في ملجأ الأيتام، أو يتكفل بتربيته ورعايته ابتغاء الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى، أو يعطيه لمن يستطيع تربيته ورعايته حفاظاً على حرمة هذه النفس، علماً بأنه لا يجوز شرعاً أن ينسب هذا الولد لمن يربيه، أو لأبيه من الزنا، وإنما ينسب لأمه، أو يختار له اسم يناسب حاله، كأن يدعى: عبد الله بن عبد الرحمن، وهكذا.
كما أنه لا يستحق الإرث من أبيه من الزنا، ولا ممن يربيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تربية اللقيط مستحب، لكن مع مراعاة الشروط الشرعية.
تاريخ 05 صفر 1422 / 29-04-2001
السؤال
لي زميلة متزوجة منذ ثلاثة عشر عاما ولم تنجب فقامت هى وزوجها بكفالة طفلة وهذه الطلفة تعيش معهم فى منزلهم منذ أن كان عمرها شهرين وهى الآن عمرها سنتين وهما يحبانها جدا كما لو كانت ابنتهما ولكن علم الزوج أن هذه الطلفة عندما تكبر سوف تكون محرمة عليه . فماذا يفعلان ؟ هل يعيدا هذه الطفلةإلى الملجأ مرة أخرى أم تظل معهما وما حكم الدين فى هذا ؟ مع العلم أن فكرة الاستغناء عنها غير واردة تماما وذلك لأنها عوضتهما عن حرمانهما من الأطفال . وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشارع يضع مسؤولية رعاية اللقطاء وتربيتهم والعناية بهم في أعلى درجات الخطورة والأهمية، فالمسلمون كلهم آثمون إن ضيع بينهم لقيط واحد، وإن التقطه أحدهم واهتم بتربيته والنظر في شأنه ارتفع الإثم عن الجميع، ولكن هذا الترغيب في تربيته والاهتمام به لا يسوغ تبنيه واختلاق نسب بين اللقيط وبين رجل أو امرأة من الناس - مربياً كان أو غير مرب- وقد وضع الفقهاء شروطاً لإبقاء اللقيط عند ملتقطه وهي: العدالة والإسلام والرشد والإقامة. فإذا كانت هذه الشروط متوفرة في هذا الرجل وزوجته اللذين أخذا الصبية من دار اللقطاء مع شدة حبهما لها، وعدم(23/16)
استغنائهما عنها، وتعويضها إياهما عن حرمانهما من الأطفال فالظاهر -والله تعالى أعلم- أن لا مسوغ يبيح لهما إعادتها للملجإ مرة أخرى.
أما كونها أجنبية بالنسبة لملتقطها: فإن ذلك لا يحرم عليه العناية والرعاية والتربية، فكل ذلك مشروع، ومصدره الأخوة الإسلامية والرحم الإنساني. وإنما يحرم عليه مخالطتها، والعيش معها كابنة له أو إحدى محارمه إذا بلغت القدر الذي يحرم مخالطتها. أما الآن وهي لم تتجاوز السنتين من عمرها فيجوز لملتقطها مخالطتها والعيش معها. لأنه ليس لبدنها حكم العورة، ولا في نظره لها ولمسها معنى خوف الفتنة، هكذا قال جمهور الفقهاء، وحكى بعضهم الإجماع عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حقوق ولد الزنا
تاريخ 15 محرم 1422 / 09-04-2001
السؤال
ماحق الطفل المولود من سفاح ؟ وهل يجوز التمييز في المعاملة بينه وبين الشرعيين ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فولد الزنى: هو الذي تأتي به أمه نتيجة ارتكابها الفاحشة.
والحكم فيه: ثبوت نسبه من أمه، ويرث من جهتها فقط، لأن صلته بها حقيقة مادية لا شك فيها، أما نسبه إلى الزاني فلا يثبت عند جمهور الفقهاء، ولو أقرَّ ببنوته له من الزنى، لأن النسب نعمة، فلا يترتب على الزنى الذي هو جريمة.
وهو مسلم إن ولد من أم مسلمة، له ما للمسلمين من حقوق، وعليه ما على المسلمين من واجبات، ولا يحل أن يؤاخذ بجريرة لم يقترفها، فلا يفرق بينه وبين غيره من الأولاد الشرعيين، فإن ذلك من الظلم الذي حرمه الله، والتفريق بينه وبين غيره جدير بأن يجعل من أولاد الزنا أعداءً لمجتمعاتهم، التي حملتهم ذنب غيرهم وعاقبتهم عليه، وهذا لا يقره دين ولا عقل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اللقيط في نظر الشريعة ... العنوان
ماذا يُفعل باللقيط؟ وماذا يجب على المُلتَقِطِ؟ وعلى من يكون الإنفاق عليه وتربيته وتهذيبه؟ وهل يجوز التبنِّي؟ وما هي الآثار التي تترتب عليه؟ ... السؤال
06/02/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...(23/17)
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فقد قرَّر الفقهاء أن أخذ اللقيط واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارت مجودة، ومِن هنا قال الفقهاء : مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، واللقيط متى ثبت نسَبه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته ، ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، واللقيط أحقُّ بالعطف والرعاية مِن كل ذي حاجة سواه .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
عُنِيتْ الشريعة الإسلامية بالنظر إلى الأطفال، وعَرَض الفقهاء لنوعٍ خاص منهم، وهو أجدرهم بالعناية، نظرًا لفقده مَن يَعُوله ويتعهَّده من أبٍ أو قريب، وذلك النوع هو المعروف عند الناس باسم: "اللقطاء" فعرَّفوا اللقيط، وبيَّنوا أحكامه من جميع جهاته في بحثٍ مستقل، وتحت عنوان خاص هو: "باب اللقِيط" وقد عرفوه بأنه مولود حيٌّ، طرحه أهله خوفًا من الفقر، أو فِرارًا من التُّهْمة، وهو تعريف يُصور لنا شأن اللقيط باعتبار الأسباب التي تدعو غالبًا إلى نبْذه وطرحه، وأنها لا تكاد تخرج عن أمرين: إما الخوْف من الفقر وعدم القُدرة على تربيته والإنفاق عليه، وإما الخوْف من تُهمة العرض.
وقد قرَّروا أن أخذه والتقاطه واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارَ لها حظٌّ في الوجود، ويُرجى أن يكون لها نفع في الحياة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: (ومَن أحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناسَ جَمِيعًا). والواقع أن ترْكه مع القدرة على أخذه والتقاطه تضييع له وقضاء عليه.
وهذا القدْر كافٍ في تحقُّق مسئولية التقصير في حفظ حياة الحيِّ، وهي مسئولية تدخل في جوِّ المسئوليات الجنائية في نظر الشرائع والقوانين، ومِن هنا قال الفقهاء ـ ترغيبًا في الْتقاطه وتحذيرًا من ترْكه ـ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، وكيف لا يكون أخْذُه واجبًا وغُنْمًا، وترْكه مُحرمًا وإثْمًا، وقد دلَّ تاريخ اللقطاء على أن فيهم مَن يختصُّه الله بكثير مِن فضله، فيَقود الأمم، ويُرشد الناس إلى الخير والصلاح؟
نسَبُ اللَّقِيطُ ونَفَقَتُه:
واتَّفقَ أهل الفقه أنه إذا ادَّعى نسَب اللقيط رجلٌ مسلم، وهو يعتقد أنه ليس ابن غيره، ثبت نسَبه منه، حِفْظًا لكرامته وإعزازًا له بين أُمته بانتسابه إلى أبٍ معروف، ومتى ثبت نسبُه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته وتثقيفه بالعلْم النافع في الحياة، أو الصَّنْعَة الكريمة المُثمرة، حتى لا يكون عالةً على الأُمَّة، ولا مَنْبَعَ شقاء للمجتمع. ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، ويكون الملتقط مسئولًا عنه في كل ما يحتاجه وينفعه من عملٍ وتوْجيه. وقد ورَد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لمَن التقطَ طفلًا: "لكَ ولاؤُهُ، وعلينا نَفَقَتُهُ". وكان يفرض له مِن النفقة ما يُصلحه ويقوم بشأنه، ويُعطيه لولِيِّه كل شهر، ويُوصي به خيرًا. ومع هذا قرَّر الفقهاء أن المُلتقط إذا كان سيئ التصرُّف، لا يهتدي إلى(23/18)
وُجوه التربية المثمرة، أو كان غير أمين على ما يُعطي مِن نفقته، وجب نزعُه مِن يده، ويتولى الحاكم عندئذ تربيته والإشراف عليه، كما يتولَّى رزقه ونفقتُه.
واجب الجماعة للقيط:
ولم يقف الفقهاء عند هذا الحدِّ في تمهيد طريق الحياة للقيط، ووسائل العناية بتربيته، والإنفاق عليه، بل قدَّروا خُلُوَّ بيت المال عن سداد حاجة اللقيط، وتَعَذُّرِ الإنفاق عليه من جهة ولِيِّ الأمر وعجزه عن القيام بشأنه، قدَّروا ذلك وقرَّروا أنه يجب في تلك الحالة على جماعة المسلمين أن يتعاونوا على البِرِّ به والإنفاق عليه، ويكون ذلك مِن الشئون الخيْرية العامة التي رغَّب القرآن في التعاون عليها وحبَّب فيها، وأنْكر على المُتخاذِلينَ عنها (وتَعَاوَنُوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى). (الآية: 2 من سورة المائدة) (ويُطعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأَسِيرًا). (الآية: 8 من سورة الدهر). (أرَأيتَ الذي يُكَذِّبُ بالدِّينِ. فذلكَ الذِي يَدُعُّ اليتيمَ. ولا يَحُضُّ على طعامِ المِسْكِينِ). (أول سورة الماعون). (كلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ. ولا تَحَاضُّونَ علَى طعَامِ المِسْكِينِ). (الآيتان: 17 ـ 18 من سورة الفجر).
ولا ريب في أنَّ اللقيط قد جمع معاني اليُتْمِ والمَسْكنة والأَسْرِ، فهو يتيم فقَدَ أباه ومن يرعاه، ومسكين أُسكن في التراب وفي الزقاق وفي الشواطئ، وأَسير شُدَّ وَثَاقُهُ، وكُبِّلَتْ حياته، وعُقدتْ عليه سُبُلُها. فهو ـ إذنْ ـ أحقُّ بالعطف والرعاية، والحضِّ على إطعامه مِن كل ذي حاجة سواه، ولا يبعد أن يكون لهذه الآيات الكريمة أثرٌ كبيرٌ في توجيه أهل الخير إلى تأليف جمعياتِ الطفولة المُشرَّدة، ومدُّها بوسائل الحياة لإيوَائها والعناية بها.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
حكم تبني اللقيط ... العنوان
وجدت لقيطا وأخذته وأريد أن أتبناه.. فهل يجوز شرعا أن أكتبه باسمي ؟ وتكون زوجتي أمه؟ أرجو الإفادة.
... السؤال
14/09/2006 ... التاريخ
الشيخ علي أبو الحسن ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالتبني أمر حرمه الله في الإسلام منذ عهد النبوة وبدأ بقصة مولي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة الذي تبناه النبي وكان يدعي زيد بن محمد حتي نزل قول الله تعالي: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) ، ومن هنا فلا يجوز شرعا أن يتبني رجل ابنا ولا بنتا وينسبها لنفسه بهذا المعني.
ولكن يجوز ويستحب أن نتولى رعاية الطفل واليتيم خاصة من حيث الإعالة بالنفقة في المطعم والكسوة والتعليم وحسن التربية حتى إذا بلغ السن التي يقوي فيها علي(23/19)
إعانة نفسه أو تزوجت البنت تركناهما وشأنهما مع استمرار الإحسان إليهما بشرط عدم نسبتهما إلينا في أي شهادة ميلاد رسمية بل نختار لهما اسما آخر يناسبهما إن لم يكن لهما آباء معروفون يدعون إليهم ويفرق بينهم في المضاجع عند البلوغ وتحتجب المحارم كالزوجة والبنت الحقيقية عن الذكر منهما، والبنت منهما عن الذكر من أولادنا وعنا أيضا لأن الحرمة قائمة بين الجميع كالأجانب حيث هم كذلك في الواقع، إلا إذا كان قد تم لهما رضاع من الزوجة فيأخذون حكم الرضاع في الحرمة وجواز الدخول مع التحفظ أيضا.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
هدي الإسلام في معاملة اللقطاء ... العنوان
إذا كان التبني حرامًا، فماذا نَفعَل باللُّقَطَاء في البلاد الإسلامية؟ ... السؤال
07/04/2005 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-
جاء في فتوى للدكتور القرضاوي خلاصتها أن رعاية الطفل اللقيط دون إعطائه اللقب والاسم جائز مشروع، بل يكون طاعة وقربة إلى الله تعالى، وعلى من يقوم برعاية أحد من اللقطاء أن يوجد بينه وبين اللقيط نسبا من الرضاع، بأن يأمر زوجته، أو أخت زوجته، أو بنت أختها،أو أم زوجته بإرضاع الطفل حتى يكون محرما على زوجته ليسهل دخوله وخروجه دون حرج، فإذا كان اللقيط طفلة فيمكن أن ترضعها زوجة الرجل، أو أخته، أو بنت أخته، أو بنت أخيه لتصبح ابنته من الرضاعة فيسهل دخوله وخروجها.
وإليك نص فتواه في ذلك:-
إذا كان الإسلام يُحرِّم التبني بمعنى: ضَمِّه إلى نَسَبِ الإنسان، وإعطائه النسب، وإعطائه حقوق البنوة؛ فإنه لا يُحرِّم التَّبَنِّي بالمعنى العُرْفِي، بمعنى الرعاية والاحتضان والكفالة والتربية والإنفاق، كما يفعل الكثيرون والكثيرات في مجتمعنا، بل يَحُث على ذلك، ويَعتبِره من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى.
فاستلحاق مَنْ ليس ولدًا له بأي طريقٍِ مِنَ الطُّرق فهذا حرام كالتبني، بل هو التبني بعَينِه.
والبديل للتبني الرعاية والاحتضان ومعاملته معاملة الابن، بل إن بعض الناس يُعاملونهم أحسن مِنْ أولادهم، أولادهم يَدعونهم للمُربيات، أما هؤلاء فيُشرفون عليهم بأنفسهم، فهذه الرعاية هي المطلوبة، وفيها أعظم المثوبة عند الله تعالى.
ونحن لسنا أعلم مِنْ ربِّنا، فقد قال ربنا:-(ادعُوهمْ لآبائهمْ هو أقسطُ عندَ اللهِ فإنَّ لمْ تَعلمُوا آباءهمْ فإخوانُكم في الدِّينِ ومَواليكم) (الأحزاب:5)، فهم يُصبحون إخواننا وموالينا، أما أن نَنْسِبهم إلينا فهذا لا يَجوز.(23/20)
الإسلام يُعالج القضية بهذه الرعاية الإسلامية، واعتبارهم جزءًا من المجتمع الإسلامي، ولا يَجوز تَعييرهم، ولا النظر إليهم باحتقار أو ازدِراء؛ لأنه لا ذَنبَ لهم، قد يَظهر ولدُ الزنا هذا ويصبح من أصلح الناس، جريمة أبويه لا تَلحقه، حتى العلم الحديث قال: إن الجرائم والأشياء هذه لا تُورَّث، فإذا أجرم شخص لا يَعني أن ابنه يصبح مجرمًا مثله، فهذه الأشياء المُكتَسَبة والصفات المكتسبة لا تُورَّث.
فينبغي أن يُعامَل معاملةً حسنة، وعلى المسلمين أن يرعوه كما هو الشأن في اللقيط عمومًا.
أما عن حكم معاملة هذا الطفل ، فإذا لم تكن هناك بُنُوَّةٌ من رضاعة فهو أجنبي، ليس مَحْرمًا، فلا بد أن تطبق عليه أحكام الاستئذان والدخول والخروج والنظر.
لا يَجوز أن يَرى من زوجته إلا ما يراه الأجنبي منها، ولا يَجوز أن يَختلِيَ بها إلا إذا كان هناك مَحرمية من رضاع. هذه كلها أمور يجب أن تكون معروفة.
وأنا أنصح الذين يَكفُلون أولادًا لا تُعرَف أنسابُهم في سِنِّ الرِّضاع: أن يُنشِئُوا لهم مَحرميَّة عن طريق الرضاعة، فالمرأة تُرضع الولد، أو أختها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها، بحيث تكون له محرمًا من الرضاع، فيجوز له أن يراها في ثيابها المعتادة في البيت، وأن يَختلي بها.
وإذا كان المكفول من هؤلاء بنتًا، فيمكن أن تُرضِعه أخت الرجل، أو ابنة أخته، أو ابنه أخيه، حتى تَنْشأ محرمية رضاعية بينَه وبين الطفلة، حتى تتيسر العشرة ويَسهُل التعامل بين الأسرة والمكفول.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الزواج بالفتاة اللقيطة المتبناة ... العنوان
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:-
أريد سؤالا، جزاكم الله ألف خير ،ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين يا علماءنا الأفاضل .
السؤال : هناك عائله تكلفت بتربية طفلة من دار الرعاية، وعندما كبرت الطفلة وأصبحت في سن الزواج تقدم لخطبتها ابن المرأة التي قامت بتربيتها ، فرفض جميع أفراد العائلة محتجين بالحديث الذي يقول {{ تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس }} .
علماً بأن المرأة لم ترضع الطفلة وأن الطفلة {{ غير شرعيه }} ... السؤال هل هذا الحديث صحيح أم لا ؟
وكيف يرد الشرع على هذه العائلة ؟ ومع العلم بأن البنت متحجبة وعفيفة وصاحبة أخلاق ؟ ولكم جزيل الشكر والاحترام ... وفتح الله عليكم ...أرجو الرد سريعاً .......
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
... السؤال
11/04/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي(23/21)
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يقول الشيخ حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع :-
ولد الزنا ذكرا كان أو أنثى لم يقترف ذنبا حتى يعاقب به؛ وإنما اقترف الذنب أبواه؛ وكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى .
والإنسان في شريعتنا لا يؤاخذ بجريرة غيره حتى لو كان المجرم أبويه، والأحاديث التي تكلمت عن أن العرق دساس من أكذب الحديث، فنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذب وبهتان وزور.
فقد روى ابن عدي في الكامل من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دساس" وهذا الحديث رواه الموقدي عن الزهري، قال ابن الجوزي: قال يحيى: الموقدي ليس بشيء، وقال النسائي: متروك، وقال علي :لا يكتب حديثه، ورواه الديلمي في مسند الفردوس والمديني في كتاب تضييع العمر عن ابن عمر وزاد وانظر في أي نصاب تضع ولدك، قال الحافظ العراقي: وكلها ضعيف.
ولذلك حكم الشيخ الألباني على هذا الحديث بأنه موضوع كما في ضعيف الجامع الصغير .
وانظر إلى ما قاله الإمام العجلوني تعقيبا على حديث : " تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُم، وانكَحُوا الأكُفّاء، وأنْكِحُوا إليهم"
رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا، وكذا عن عمر بلفظ وانتجبوا المناكح، وعليكم بذات الأوراك فإنهن أنجب رواه عنه الديلمي، ولا يصح، وفي لفظ عنه تخيروا لنطفكم، وانظروا أين تضعونها، وفي لفظ عن عمر مرفوعا كما ذكره أبو موسى المدني في كتاب تضييع العمر والأيام في اصطناع المعروف إلى اللئام بلفظ فانظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العِرْق دَسّاس، وكلها ضعيفة.
وقال النجم : وعند ابن عدي وابن عساكر عن عائشة بلفظ تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن،
وفي لفظ : "اطلبوا مواضع الأكفاء لنطفكم، فإن الرجل ربما أشبه أخواله،"
ورواه أبو نعيم عن أنس بلفظ : " تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد فإنه لون مشوه" قال ابن الجوزي في سنده مجاهيل، وقال الخطيب :كل طرقه ضعيفة.انتهى.
والذي صح من ذلك كله ما رواه ابن ماجة من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم" فقط ، ولا توجد زيادة على هذا. والراجح من أقول أهل العلم أن الكفاءة لا عبرة بها إلا في الدين فقط.
وأما حديث : " إياكم وخضراء الدمن" فقد رواه الديلمي من حديث الواقدي عن أبي سعيد مرفوعا، لكن بزيادة قيل وما ذا يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء، قال عدي: تفرد به الواقدي، وذكره أبو عبيد في الغريب، وقال الدارقطني لا(23/22)
يصح من وجه. أي ليس له وجه صحيح، وقال عنه الشيخ الألباني كما في السلسلة الضعيفة: ضعيف جدا، أي يشبه أن يكون مكذوبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو ما تؤيده نصوص الشريعة العامة، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم على بنت الزنا ، أو من كان أهلها أهل سوء بأنها من أهل النار، وما كان ليحذر منها بغير ذنب تقترفه، فهذا معناه أنه يضطرها إلى الفساد اضطرارا، ويأطرها على الفساد أطرا، ويحملها على البغي حملا...... فما حيلتها وقد حكم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها من أهل النار ، وحذر شباب المسلمين أن يتزوجوها ولو افترستهم العزوبة.
أين هذا من الأصل الذي قرره ربنا في كتابه " ولا تزر وازرة وزر أخرى " وهل بعد هذا الوزر من وزر؟! وهل بعد هذا الإصر من إصر !؟
وأين هذا من تزوجه صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي، بنت اليهودي ، وزوجة اليهودي من قبل؟ لماذا لم يدس فيها عرق أبيها وجدها؟!
وعلى هذا .... فالعبرة بحال هذه الفتاة، فإذا كانت مرضية خلقا ودينا، وتشعر نحوها بعاطفة تتجه إلى الود والحب... فعلى الله فتوكل وتزوجها .
ولا تخبر أولادك بما كان، ليس لعيب فيها ، ولكن ؛ لأننا نعيش في مجتمع له موازين غير موازين الإسلام ، فهو يأبى إلا أن يغمر بنت الزنا بذنب أبيها، وبنت السوء بسوء أهلها.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
اللقيط في نظر الشريعة ... العنوان
ماذا يُفعل باللقيط؟ وماذا يجب على المُلتَقِطِ؟ وعلى من يكون الإنفاق عليه وتربيته وتهذيبه؟ وهل يجوز التبنِّي؟ وما هي الآثار التي تترتب عليه؟ ... السؤال
06/02/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فقد قرَّر الفقهاء أن أخذ اللقيط واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارت مجودة، ومِن هنا قال الفقهاء : مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، واللقيط متى ثبت نسَبه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته ، ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، واللقيط أحقُّ بالعطف والرعاية مِن كل ذي حاجة سواه .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
عُنِيتْ الشريعة الإسلامية بالنظر إلى الأطفال، وعَرَض الفقهاء لنوعٍ خاص منهم، وهو أجدرهم بالعناية، نظرًا لفقده مَن يَعُوله ويتعهَّده من أبٍ أو قريب، وذلك النوع(23/23)
هو المعروف عند الناس باسم: "اللقطاء" فعرَّفوا اللقيط، وبيَّنوا أحكامه من جميع جهاته في بحثٍ مستقل، وتحت عنوان خاص هو: "باب اللقِيط" وقد عرفوه بأنه مولود حيٌّ، طرحه أهله خوفًا من الفقر، أو فِرارًا من التُّهْمة، وهو تعريف يُصور لنا شأن اللقيط باعتبار الأسباب التي تدعو غالبًا إلى نبْذه وطرحه، وأنها لا تكاد تخرج عن أمرين: إما الخوْف من الفقر وعدم القُدرة على تربيته والإنفاق عليه، وإما الخوْف من تُهمة العرض.
وقد قرَّروا أن أخذه والتقاطه واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارَ لها حظٌّ في الوجود، ويُرجى أن يكون لها نفع في الحياة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: (ومَن أحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناسَ جَمِيعًا). والواقع أن ترْكه مع القدرة على أخذه والتقاطه تضييع له وقضاء عليه.
وهذا القدْر كافٍ في تحقُّق مسئولية التقصير في حفظ حياة الحيِّ، وهي مسئولية تدخل في جوِّ المسئوليات الجنائية في نظر الشرائع والقوانين، ومِن هنا قال الفقهاء ـ ترغيبًا في الْتقاطه وتحذيرًا من ترْكه ـ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، وكيف لا يكون أخْذُه واجبًا وغُنْمًا، وترْكه مُحرمًا وإثْمًا، وقد دلَّ تاريخ اللقطاء على أن فيهم مَن يختصُّه الله بكثير مِن فضله، فيَقود الأمم، ويُرشد الناس إلى الخير والصلاح؟
نسَبُ اللَّقِيطُ ونَفَقَتُه:
واتَّفقَ أهل الفقه أنه إذا ادَّعى نسَب اللقيط رجلٌ مسلم، وهو يعتقد أنه ليس ابن غيره، ثبت نسَبه منه، حِفْظًا لكرامته وإعزازًا له بين أُمته بانتسابه إلى أبٍ معروف، ومتى ثبت نسبُه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته وتثقيفه بالعلْم النافع في الحياة، أو الصَّنْعَة الكريمة المُثمرة، حتى لا يكون عالةً على الأُمَّة، ولا مَنْبَعَ شقاء للمجتمع. ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، ويكون الملتقط مسئولًا عنه في كل ما يحتاجه وينفعه من عملٍ وتوْجيه. وقد ورَد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لمَن التقطَ طفلًا: "لكَ ولاؤُهُ، وعلينا نَفَقَتُهُ". وكان يفرض له مِن النفقة ما يُصلحه ويقوم بشأنه، ويُعطيه لولِيِّه كل شهر، ويُوصي به خيرًا. ومع هذا قرَّر الفقهاء أن المُلتقط إذا كان سيئ التصرُّف، لا يهتدي إلى وُجوه التربية المثمرة، أو كان غير أمين على ما يُعطي مِن نفقته، وجب نزعُه مِن يده، ويتولى الحاكم عندئذ تربيته والإشراف عليه، كما يتولَّى رزقه ونفقتُه.
واجب الجماعة للقيط:
ولم يقف الفقهاء عند هذا الحدِّ في تمهيد طريق الحياة للقيط، ووسائل العناية بتربيته، والإنفاق عليه، بل قدَّروا خُلُوَّ بيت المال عن سداد حاجة اللقيط، وتَعَذُّرِ الإنفاق عليه من جهة ولِيِّ الأمر وعجزه عن القيام بشأنه، قدَّروا ذلك وقرَّروا أنه يجب في تلك الحالة على جماعة المسلمين أن يتعاونوا على البِرِّ به والإنفاق عليه، ويكون ذلك مِن الشئون الخيْرية العامة التي رغَّب القرآن في التعاون عليها وحبَّب فيها، وأنْكر على المُتخاذِلينَ عنها (وتَعَاوَنُوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى). (الآية: 2 من سورة المائدة) (ويُطعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأَسِيرًا). (الآية: 8 من سورة الدهر). (أرَأيتَ الذي يُكَذِّبُ بالدِّينِ. فذلكَ الذِي يَدُعُّ اليتيمَ. ولا يَحُضُّ على طعامِ المِسْكِينِ).(23/24)
(أول سورة الماعون). (كلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ. ولا تَحَاضُّونَ علَى طعَامِ المِسْكِينِ). (الآيتان: 17 ـ 18 من سورة الفجر).
ولا ريب في أنَّ اللقيط قد جمع معاني اليُتْمِ والمَسْكنة والأَسْرِ، فهو يتيم فقَدَ أباه ومن يرعاه، ومسكين أُسكن في التراب وفي الزقاق وفي الشواطئ، وأَسير شُدَّ وَثَاقُهُ، وكُبِّلَتْ حياته، وعُقدتْ عليه سُبُلُها. فهو ـ إذنْ ـ أحقُّ بالعطف والرعاية، والحضِّ على إطعامه مِن كل ذي حاجة سواه، ولا يبعد أن يكون لهذه الآيات الكريمة أثرٌ كبيرٌ في توجيه أهل الخير إلى تأليف جمعياتِ الطفولة المُشرَّدة، ومدُّها بوسائل الحياة لإيوَائها والعناية بها.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
نسب اللقيط ... العنوان
هل يُمكن للطِّفل اللَّقيط أن يحمل اسم مَن قام بتربيته؟ وهل يرثه؟
وجزاكم الله خيرا على ما تبذلونه من جهد وجعل ذلك في ميزان حسناتكم. ... السؤال
12/01/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الإسلام دين يحفظ لكل إنسان يعيش في كنفه حريته وكرامته، دين يقوم على التراحم والتكافل، واللقيط نفس محترمة يجب على المجتمع أن يتكاتف لرعايته لتتوفرله الحياة الكريمة التي تهيؤه لأن يكون عضوا فعالا في المجتمع لا عالة على الآخرين ويكون أداة إصلاح وتعمير لا أداة فساد وتدمير، ولكن لا يجوز لمن يتكفل برعاية اللقيط أن ينسبه لنفسه فلا ينسب للشخص إلا ماؤه أي من كان من صلبه، وليس للقيط حق في الميراث، ولكن لا يمنع ذلك من البر به وذلك بالوصية له.
وإليك فتوى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق –رحمه الله- شيخ الأزهر السابق:
إنَّ لفظ اللَّقيط إنَّما يُطلَق على المولود الذي ألقتْه مَن ولَدَته في الطريق حتى يلتقطه مَن يرعاه، وفي الأغلب يحدُث هذا مِمّن حمَلتْ به سفاحًا، لا سيما إذا كانت مسلمة؛ لِمَا يلحقُها وأهلَها من عار الحمل دون عَقد زواج. ولقد وضع فقهاء المُسلمين على اختلاف مذاهبهم الفِقهيّة بابًا سمَّوْه باب اللَّقيط، ودَعَوْا إلى الرِّفق به وإنقاذه من الهلاك، ونقلوا آثارًا مرَغِّبة في ذلك؛ بوصفه إنسانًا لا ذنب له في وصفه أو في وضعه الاجتماعى. ومع هذه الرِّعاية فقد حرَّم الله في القرآن نسبتَه إلى ملتقِطه أو مَن يقوم بتربيته، ففي سورة الأحزاب قول الله سبحانه:
(مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ومَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ومَا جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ واللهُ يَقُولُ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا) "الآيتان 4،5"(23/25)
لمّا كان ذلك حرُم إلحاق اللقيط بإطلاق اسم من قام بتربيته عليه باعتباره ولدًا له، سواء كان اللَّقيط في الأصل مجهول النَّسَب أو معلوم النَّسب؛ نزولًا على حكم النَّصِّ القرآني المَتلو آنفًا،
كما أن اللَّقيط بهذا الاعتبار لا يرث ممَّن قام بتربيته بعد الوفاة؛ لأن الإرث بسبب البُنوّة الصحيحة؛ أي للمولود على فِراش زوجيّة صحيحة، وإن كان لمَن قام بالتربية أن يَبَرَّه بالوصيّة له أو بالهِبة المُنجَّزة في الحال.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
اللقيط فى نظر الشريعة ... العنوان
لمن ينسب الطفل اللقيط إذا عرفت أمه ولم يعرف والده؟ ... السؤال
25/04/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله محمد
اللقيط في نظر الشريعة:
عنيت الشريعة الإسلامية بالنظر إلى الأطفال، وعرض الفقهاء لنوع خاص منهم، هو أجدرهم بالعناية ، نظرًا لفقده من يعوله ويتعهده من أب أو قريب، وذلك النوع هو المعروف عند الناس باسم "اللقطاء" فعرفوا اللقيط، وبينوا أحكامه من جميع جهاته في بحث مستقل، وتحت عنوان خاص هو "باب اللقيط". وقد عرفوه بأنه مولود حي، طرحه أهله خوفًا من الفقر، أو فرارًا من التهمة، وهو تعريف يصور لنا شأن اللقيط باعتبار الأساليب التي تدعو غالبًا إلى نبذه وطرحه، وأنها لا تكاد تخرج عن أمرين: إما الخوف من الفقر وعدم القدرة على تربيته والإنفاق عليه، وإما الخوف من تهمة العرض.
وقد قرروا أن أخذه والتقاطه واجب على من يجده؛ لأنه إحياء لنفس صار لها حظ في الوجود، ويرجى أن يكون لها نفع في الحياة، والله سبحانه وتعالى يقول: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا" والواقع أن تركه مع القدرة على أخذه والتقاطه تضييع له وقضاء عليه.
هذا القدر كاف في تحقق مسئولية التقصير في حفظ حياة الحي، وهي مسئولية تدخل في جو المسئوليات الجنائية في نظر الشرائع والقوانين. ومن هنا قال الفقهاء – ترغيبًا في التقاطه وتحذيرًا من تركه – مضيعه آثم، وآخذه غانم. وكيف لا يكون أخذه واجبًا وغنما، وتركه محرمًا وإثما، وقد دل تاريخ اللقطاء على أن فيهم من يختصه الله بكثير من فضله، فيقود الأمم، ويرشد الناس إلى الخير والصلاح؟
نسب اللقيط ونفقته:
واتفق أهل الفقه على أنه إذا ادعى نسب اللقيط رجل مسلم، وهو يعتقد أنه ليس ابن غيره، ثبت نسبه منه، حفظًا لكرامته وإعزازًا له بين أمته بانتسابه إلى أب معروف، ومتى ثبت نسبه ثبتت له جميع حقوق البنوة، من نفقة وتربية وميراث، أما إذا لم يدع(23/26)
أحد نسبه فإنه يظل بيد الملتقط، تكون له ولايته وعليه تربيته وتثقيفه بالعلم النافع في الحياة، أو الصنعة الكريمة المثمرة، حتى لا يكون عالة على الأمة، ولا منبع شقاة للمجتمع. ونفقته في تلك الحالة واجبة على بيت المال، ينفق عليه وهو في يد الملتقط، ويكون الملتقط مسئولاً عنه في كل ما يحتاجه وينفعه من عمل وتوجيه. وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمن التقط طفلاً: "لك ولاؤه، وعلينا نفقته"، وكان يفرض له من النفقة ما يصلحه ويقوم بشأنه، ويعطيه لوليه كل شهر، ويوصي به خيرًا، ومع هذا قرر الفقهاء أن الملتقط إذا كان سيء التصرف، لا يهتدي إلى وجوه التربية المثمرة، أو كان غير أمين على ما يعطي من نفقته، وجب نزعه من يده، ويتولى الحاكم عندئذ تربيته والإشراف عليه، كما يتولى رزقه ونفقته.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
التلقيح الصناعى ... العنوان
ما الحكم فى التلقيح الصناعى؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الموضوع (1225) التلقيح الصناعى فى الانسان.المفتى : فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق.جمادى الأولى 1400 هجرية - 23 مارس 1980 م.المبادئ:1 - المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها أحكام الشرعية الإسلامية ولذا شرع النكاح وحرم السفاح والتبنى.2 - الاختلاط بالمباشرة بين الرجل والمرأة هو الوسيلة الوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده لا يعدل عنها إلا لضرورة.3 - التداوى جائز شرعا بغير المحرم، بل قد يكون واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس وعلاج العقم فى واحد من الزوجين.4 - تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شلك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جائز شرعا، فإذا نبت ثبت النسب فإن كان من رجل آخر غير زوجها فهو محرم شرعا ويكون فى معنى الزنا ونتائجه.5 - تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها، ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى حرام ويدخل فى معنى الزنا.6 - أخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقيحها بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وإعادتها بعد إخصابها إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال صفحة رقم 3213 أو خلط بمنى إنسان آخرا وحيوان لداع طبى وبعد نصح طبيب حاذق مجرب بتعيين هذا الطريق.هذه الصورة جائزة شرعا. 7 - التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات لفترة معينة يعاد بعدها الجنين إلى ذات رحم الزوجة.فيه إفساد لخليقة الله فى أرضه ويحرم فعله.8 - الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل، وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة، لا يكون ابنا له شرعا والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته.نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه سماه الإسلام ديوثا ( الديوث هو الرجل الذى لا غيرة له على أهله ).9 - كل طفل ناشىء بالطرق المحرم قطعا(23/27)
من التلقيح الصناعى ، لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد
الزنا الفعلى تماما.10 - الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته، فإن كان عمله فى صورة غير مشروعة كان آثما وكسبه حرام وعليه أن يقف عند الحد المباح.11 - إنشاء مستودع تستحلب فيه نطف رجال لهم صفات معينة، لتلقح بها نساء لهن صفات معينة.شر مستطير على نظام الأسرة ونذير بانتهاء الحياة الأسرية كما أرادها الله.سئل : بالطلب المقدم من السيد الطبيب / ع - ح - م - المقيد برقم 63 لسنة 1980 الذى يسأل فيه عن حكم الإسلام فى استعمال التلقيح الصناعى فى الإنسان على الوجه التالى أولا إذا أخذ منى الزوج ولقحت به الزوجة التى لا تحمل بشرط وجود الزوجين معا.ثانيا إذا أخذ منى رجل غير الزوج ولقحت به الزوجة التى ليس بزوجها منى أو كان منيه غير صالح للتلقيح.ثالثا لو أخذ منى الزوج ولقحت به بويضة امرأة ليست زوجته ثم نقلت هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة صاحب المنى لأن هذه الأخيرة لا تفرز بويضات.رابعا إذا أخذت بويضة امرأة لا تحمل ولقحت بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) ثم بعد الإخصاب (أ) تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.(ب) وإذا كان مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح الاحتضان هذه البويضة أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.خامسا ما وضع الزوج الذى يوافق على هذا العمل وما وضع الزوج الذى يتبنى أطفالا ولدوا بواحد من تلك الطرق، أو يستمر مع زوجته التى لقحت بمنى رجل آخر.سادسا ما حكم الطفل الذى يخرج بهذه الطرق سابعا ما هو وضع الطبيب الذى يجرى مثل تلك الأعمال.أجاب : قال الله سبحانه وتعالى { وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا } الفرقان 54 ، فى هذه الآية امتن الله سبحانه على عباده بالنسب والصهر، وعلق الأحكام فى الحل والحرمة عليهما ورفع قدرهما، ومن أجل هذه المنة كانت المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها
أحكام الشريعة الإسلامية، وفى هذا قال حجة الإسلام الإمام الغزالى - (إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الحق وصلاح الخلق فى تحصيل مقاصدهم، لكنا نعنى بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة).( كتاب المستصفى للغزالى ج - 1 ص 287 ) ومن أجل ضرورة المحافظة على النسل شرع الله النكاح وحرم السفاح { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، ذلك لأن الولد ثمرة الزواج الصحيح ينشأ بين أبويه يبذلان فى سبيل تربيته والنهوض به والمحافظة عليه النفس والنفيس، أما ولد الزنا فإنه عاد لأمه ولقومها إذ لا يعرف له أب، وبذلك ينشأ فاسدا مفسدا مهملا ويصبح آفة فى مجتمعه.وإن كان فقهاء الشريعة قد عرضوا لهذا النوع(23/28)
من الأولاد وحثوا على تربيته والعناية به وأصلوا أحكامه فى كتب الفقه تحت عنوان باب اللقيط ذلك لأنه إنسان لا يسوغ إهماله وتحرم إهانته ويجب إحياؤه.{ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة 32 ، وذلك ارتقابا لخيره واتقاء لشره.ومن هنا كان حرص الإسلام على سلامة الأنساب بالدعوة إلى الزواج وتشريع أحكامه، وكل ما يضمن استقرار الأسرة منذ ولادة الإنسان وحتى مماته، وبالجملة فقد نظم حياة الناس أحسن نظام وأقومه بالحكمة والعدل مع الإحسان ومراعاة المصلحة.وإذ كان النسب فى الإسلام بهذه المثابة فقد أحاطه كغيره من أمور الناس بما يضمن نقاءه ويرفع الشك فيه، فجاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى ومسلم عن عائشة (الولد للفراش وللعاهر الحجر) والمراد بالفراش أن تحمل الزوجة من زوجها الذى اقترن بها برباط الزواج الصحيح فيكون ولدها ابنا
لهذا الزوج، والمراد بالعاهر الزانى، وبهذا قرر هذا الحديث الشريف قاعدة أساسية فى النسب تحفظ حرمة عقد الزواج الصحيح وثبوت النسب أو نفيه تبعا لذلك، ومن ثم فمتى حملت امرأة ذات زوج من الزنا مع رجل آخر أو من غصب، فإن حملها ينسب لزوجها إلا من زنى معها أو اغتصبها لأن فراش الزوجية الصحيحة قائم فعلا.ومن وسائل حماية الأنساب - فوق تحريم الزنا - تشريع الاعتداد للمرأة المطلقة بعد دخول الزوج المطلق بها، أو حتى بعد خلوته معها خلوة صحيحة شرعا.كما حرم الإسلام بنص القرآن الكريم الصريح التبنى، بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه إنسانا آخر نسبة الابن الصحيح لأبيه أو أمه مع أنه يعلم يقينا أنه ولد غيره، وذلك صونا للأنساب ولحفظ حقوق الأسرة التى رتبتها الشريعة الإسلامية على جهات القرابة.. وفى هذا قال الله سبحانه { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، وبهذا لم يعترف الإسلام بمن لا نسب له ولم يدخله قهرا فى نسب قوم يأبونه.ولما كانت عناية الإسلام بالأنساب والتحوط لها على هذا الوجه بدأ بتنظيم صلة الرجل بالمرأة واختلاطهما ووجوب أن يكون هذا فى ظل عقد زواج صحيح تكريما لنطفة الإنسان التى منها يتخلق الولد، قال سبحانه { فلينظر الإنسان مم خلق.خلق من ماء دافق.يخرج من بين الصلب والترائب } الطارق 5، 6، 7 ، { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } الإنسان 2 ، ولا تتخلق نطفة الرجل إلا إذا وصلت إلى رحم المرأة المستعد لقبولها، وقد يكون هذا الوصول عن طريق الاختلاط الجسدى الجنسى، وعندئذ يكون نسب الوليد من هذا الاتصال موصولا بأبيه متى كان قد تم فى ظل عقد الزواج الصحيح (الولد للفراش) وقد يكون عن طريق إدخال نطفة الرجل فى رحم المرأة بغير الاتصال الجسدى.ففى شرح المنهاج لابن حجر الشافعى وحواشيه
وإنما ( ج - 8 ص 230 و 231 فى كتاب العدة ) تجب عدة النكاح بعد وطء أو بعد استدخال منية أى الزواج المحترم وقت إنزاله واستدخاله ومن ثم لحق النسب أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته وهل يحلق به ما استنزله بيده لحرمته أولا للاختلاف فى إباحته كل محتمل والأقرب الأول فلا عبرة(23/29)
به ولا نسب يلحقه، واستدخالها من نطفة زوجها فيه عدة ونسب كوطء الشبهة ) وعلق فى حاشية الشروانى فى هذا الموضع على قول الشارح (وقت إنزاله واستدخاله ) بقوله ( بل الشرط ألا يكون من زنا ) وفى فروع الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار عليه لابن عابدين ( ج - 2 ص 950 و 951 فى باب العدة ) أدخلت منيه فى فرجها هل تعتد.فى البحر بحثا نعم لاحتياجها لتعرف براءة الرحم وفى النهر بحثا إن ظهر حملها نعم وإلا لا ) وعلق ابن عابدين بقوله أى منى زوجها من غير خلوة ولا دخول ولم أغير حكم ما إذا وطئها فى دبرها أو أدخلت منيه فى فرجها ثم طلقها من غير إيلاج فى قبلها وفى تحرير الشافعية وجوبها فيهما، ولابد أن يحكم على أهل المذهب به فى الثانى، لأن إدخال المنى يحتاج إلى تعرف براءة الرحم أكثر من مجرد الإيلاج ثم نقل عن البحر عن المحيط ما نصه إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج فأنزل فأخذت الجارية ماءه فى شىء فاستدخلته فرجها فى حدثان ذلك فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له.فهذا الفرع يؤيد بحث صاحب البحر ويؤيده أيضا إثباتهم العدة بخلوة المجبوب وما ذلك إلا لتوهم العلوق منه بسحقه ).وفى التعليق على عدة الموطوءة بشبهة قال ابن عابدين ( المرجع السابع ص 939 والبحر الرائق لابن نجيم شرح كنز الدقائق ص 128 ج - 4 ) ( ومنه ما فى كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته منى زوج أو سيد عليها العدة كالموطوءة بشبهة، قال فى البحر ولم أره لأصحابنا والقواعد لاتأباه لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم ).هذه الأقوال لفقهائنا تصريح بأن شغل
رحم المرأة بنطفة الرجل وحدوث الحمل قد يحدث بغير الاتصال العضوى بينهما وتترتب عليه الآثار الشرعية من عدة نسب.وإذ كان ذلك وكان الفقهاء قد رتبوا على إدخال الزوجة منى زوجها فى موضع التناسل منها، وكذلك الجارية إذا أدخلت منى سيدها وحملت ثبت النسب من الزوج أو من السيد، ووجبت العدة تعين النظر فيما جاء بهذا الطلب من تساؤلات على هدى ما تقدم.عن السؤال الأول لما كان الهدف الأسمى من العلاقة الزوجية هو التوالد حفظا للنوع الإنسانى، وكانت الصلة العضوية بين الزوجين ذات دوافع غريزية فى جسد كل منهما.أضحى هذا الواصل والاختلاط هو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده واعتمل فى نفسه حتى تستقر النطفة فى مكمن نشوئها كما أراد الله، وبالوسيلة التى خلقها فى كل منهما، لا يعدل عنها إلا إذا دعت داعية، كأن يكون بواحد منهما ما يمنع حدوث الحمل بهذا الطريق الجسدى المعتاد مرضا أو فطرة وخلقا من الخالق سبحانه.فإذا كان شىء من ذلك، وكان تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جاز شرعا إجراء هذا التلقيح، فإذا ثبت النسب تخريجا على ما قرره الفقهاء فى النقول المتقدمة من وجوب العدة وثبوت النسب على من استدخلت منى زوجها فى محل التناسل منها.عن السؤال الثانى تلقيح الزوجة بمنى رجل آخر غير زوجها سواء لأن الزوج ليس به منى أو كان به ولكنه غير صالح محرم شرعا، لما يترتب عليه من الاختلاط فى الأنساب، بل ونسبه ولد إلى أب لم يخلق من مائه، وفوق هذا ففى هذه الطريقة من(23/30)
التلقيح إذا حدث بها الحمل معنى الزنا ونتائجه، والزنا محرم قطعا بنصوص القرآن والسنة.عن السؤال الثالث وصورته تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى، هذه الصورة كسابقتها تدخل فى معنى الزنا، والولد الذى يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام بيقين،
لالتقائه مع الزنا المباشر فى اتجاه واحد، إذ أنه يؤدى مثله إلى اختلاط الأنساب، وذلك ما تمنعه الشريعة الإسلامية التى تحرص على سلامة أنساب بنى الإنسان، والابتعاد بها عن الزنا وما فى معناه ومؤداه.ذلك لأنه وإن كان المنى هو للزوج ولكنه - كما هو معروف - لا يتخلق إلا بإذن الله وحين التقائه ببويضة الزوجة - وهذه الصورة افتقدت فيها بويضة الزوجة وجىء ببويضة امرأة أخرى، ومن ثم لم تكن الزوجة حرثا فى هذه الحال لزوجها مع أن الله سمى الزوجة حرثا له فقال { نساؤكم حرث لكم } البقرة 223 فكل ما تحمل به المرأة لابد أن يكون نتيجة الصلة المشروعة بين الزوجين سواء باختلاط أعضاء التناسل فيهما كالمعتاد أو بطريق استدخال منيه إلى ذات رحمها ليتخلق وينشأ كما قال الله سبحانه { يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث } الزمر 6 ، وإذ كانت البويضة فى هذه الصورة ليست لزوجة صاحب المنى وإنما لامرأة أخرى لم يكن نتاجها جزءا من هذين الزوجين، بل من الزوج وامرأة محرمة عليه فلا حرث فعلا، أو اعتبارا بين الزوجين ينبت به الولد فصارت هذه الصورة فى معنى الزنا المحرم قطعا كسابقتها.عن السؤال الرابع (أ) وصورته أن تؤخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقح بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وبعد الإخصاب والتفاعل بينهما تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.فى هذه الصورة إذا ثبت قطعا أن البويضة من الزوجة والمنى من زوجها وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة (أنابيب) وأعيدت البويضة ملقحة إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمنى إنسان آخر أو حيوان، وكان هناك ضرورة طبية داعية لهذا الإجراء كمرض بالزوجة يمنع الاتصال العضوى مع زوجها أو به هو قام المانع، ونصح طبيب حاذق مجرب بأن الزوجة لا تحمل إلا بهذا الطريق، ولم تستبدل الأنبوبة التى تحضن فيها بويضة ومنى الزوجين بعد تلقيحهما، كان الإجراء المسئول عنه فى هذه الصورة
جائزا شرعا، لأن الأولاد نعمة وزينة وعدم الحمل لعائق وإمكان علاجه أمر جائز شرعا، بل قد يصير واجبا فى بعض المواطن.فقد جاء أعرابى ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 200 فى أبواب الطب ) فقال يا رسول الله أنتداوى.قال نعم. فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله.رواه أحمد، فهذه الصورة والصورة فى السؤال الأول من باب التداوى مما يمنع الحمل والتداوى بغير المحرم جائز شرعا، بل قد يكون التداوى واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس أو علاج العقم فى واحد من الزوجين.(ب) وصورته هل يجوز أن تحل مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة، أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.إنه لما(23/31)
كان التلقيح على هذه الصورة بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات ، فإذا مرت هذه البويضة الملقحة بمراحل النمو التى قال عنها القرآن الكريم { ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين.ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العقلة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } المؤمنون 13 ، 14 ، سيكتسب هذا المخلوق صفات هذه الأنثى التى اغتذى بدمها فى رحمها وائتلف معها حتى صار جزءا منها، فإذا تم خلقه وآن خروجه يدب على الأرض كان مخلوقا آخر.ألا ترى حين ينزو الحمار على الفرس وتحمل، هل تكون ثمرتهما لواحد منها.إنه يكون آخر صورة وطبيعة. هذا إن بقيت البويضة بأنثى غير الإنسان إلى حين فصالها، أما إن انتزعت بعد التخلق وانبعاث الحياة فيها وأعيدت إلى رحم الزوجة فلا مراء كذلك فى أنها تكون فد اكتسبت الكثير من صفات أنثى الحيوان التى احتواها رحمها، فإنه كان غذاؤها وكساؤها ومأواها، ولا مرية فى أن هذا المخلوق يخرج على غير طباع الإنسان، بل على غرار تلك التى احتضنه رحمها، لأن وراثة الصفات والطباع
أمر ثابت بين السلالات حيوانية ونباتية، تنتقل مع الوليد وإلى الحفيد ذلك أمر قطع فيه العلم ومن قبله الإسلام { ألا يعلم من خلق } الملك 14 ، يدلنا على هذا نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته فى اختيار الزوجة فقد قال تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ( فتح البارى شرح صحيح البخارى ج - 9 ص 102 باب أى النساء خير ) وقال إياكم وخضراء الدمن - وهى المرأة الحسناء - فى المنبت السوء ( رواه الدار قطنى من حديث أبى سعيد الخدرى - احياء علوم الدين ج - 4 ص 724 ) هذه التوجيهات النبوية تشير إلى علم الوراثة، وأن إرث الفضائل أو الرذائل ينتقل فى السلالة، ولعل الحديث الشريف الأخير واضح الدلالة فى هذا المعنى، لأن لفظ (الدمن) تفسره معاجم اللغة بأنه ما تجمع وتجمد من السرجين وهو روث الماشية، فكل ما نبت فى هذا الروث وإن بدت خضرته ونضرته إلا أنه يكون سريع الفساد، وكذلك المرأة الحسناء فى المنبت السوء تنطبع على ما طبعت عليه لحمتها وغذيت به، ولعل نظرة الإسلام إلى علم الوراثة تتضح جليا من هذا الحوار الذى دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمضم بن قتادة إذ قال (يا رسول الله إن امرأتى ولدت غلاما أسود، قال هل لك من إبل.قال نعم، قال فما ألوانها.قال حمر، قال هل فيها من أورق قال نعم، قال فأنى ذلك.قال لعله نزعه عرق، قال فعل ابنك هذا نزعه عرق) رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة ( بلوغ المرام لابن حجر العسقلانى وشرحه سبل السلام للصنعانى ج - 3 ص 246 فى باب اللعان ) وبهذا نرى أن تلك البويضة الملقحة التى نقلت إلى رحم أنثى غير الإنسان تأخذ منه مالا فكاك لها منه إن قدرت لها الحياة والدبيب على الأرض، وبذلك إن تم فصاله ودرج هذا المخلوق على صورة الإنسان لا يكون إنسانا بالطبع والواقع، ومن فعل هذا يكون قد أفسد خليقة الله فى أرضه، ومن القواعد التى أصلها فقهاء الإسلام أخذا من مقاصد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح،
لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، يدل لهذا قول الله سبحانه { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن 16 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا(23/32)
أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه).( الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى فى القاعدة الرابعة ) وإذ كان فى التلقيح بهذه الصورة مفسدة أى مفسدة فإنه يحرم فعله.عن السؤال الخامس تقدم القول بجواز التلقيح بالطريق المبينة فى السؤال الأول وبالطريقة المبينة كذلك فى الفقرة الأولى من السؤال الرابع بشرط التحقق قطعا من تلقيح بويضة الزوجة بمنى زوجها دون غيره ودون اختلاط بمنى رجل آخر أو منى أى حيوان، وبشرط وجود داع وضرورة لسلوك واحد من هذين الطريقين، كأن يكون بأحد الزوجين مانع يعوق الحمل عند اختلاطهما عضويا.وتقدم القول كذلك بأن باقى طرق التلقيح المطروحة فى هذه التساؤلات محرمة، إما لأنها فى معنى الزنا وإما درءا للمفاسد التى تحملها.لما كان ذلك فإن الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة لا يكون ابنا له شرعا لنه مشكوك فى أبوته له، بل يكون مقطوعا بنفيه حين تكون النطفة من رجل آخر أو حيوان، وبهذا يكون أشد نكرا من التبنى بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه ولدا يعرف قطعا أنه ابن غيره، لأنه مع هذا المعنى قد التقى مع الزنا، والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه كهذا التلقيح رجل فقد كرامة الرجال، ومن ثم فقد سماه الإسلام ديوثا، وهذا هو شأن الرجل الذى يستبقى زوجة لقحت من غيره بواحد من هذه الطرق المحرمة التى لا تقرها الشريعة، لأنها لا تبتغى فى أحكامها كمال بنى الإنسان ونقاءهم.هذا والتبنى على أى صورة قد حرمه القرآن فى محكم آياته كما تقدم القول فى ذلك... عن السؤال السادس لما كان ما تقدم ك كان كل طفل ناشىء بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعى حسبما تقدم بيانه لقيطا لا
ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلي تماما إذ ينسب لأمه فقط.وهنا نضع أمام الزواج حديث أبى هريرة ( بلوغ المرام وشرحه سبل السلام ص 246 ج - 3 فى باب اللعان ) رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعبين (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شىء ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه - أى يعلم أنه ولده - احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس.الأولين والآخرين). ( تعليق : السلام ج - 3 ص 195 بلفظ ولن يدخلها الله جنته وبالرجوع الى النسائى ج - 3 ص 179.المطبعة المصرية بالأزهر باعتباره مصدرا لسبل السلام.تبين أن هذا الحديث ورد بلفظ (عن أبى هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية الملاعنة.أيما امرأة أدخلت على قوم رجلا ليس منهم فليست من الله فى شىء ولا يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب الله عز وجل منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة)) هذا قضاء الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور 63 ، عن السؤال السابع ما هو وضع الطبيب الذى يجرى التلقيح بهذه الصورة.إن الإسلام أباح التداوى من العلل والأمراض، ففى الحديث الشريف الذى رواه ابن ماجه والترمذى وصححه عن أسامه بن شريك قال قالت الأعراب يا(23/33)
رسول الله ألا نتداوى.قال نعم. عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء ، إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم.وفى صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لكل دواء دواء فإذا أصيب دواء الداء برىء بإذن الله تعالى ).( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى فى باب اباحة التداوى ج - 8 ص 200 ) لما كان ذلك وكان التداوى بالمباح أمرا
جائزا فى الإسلام ، بل قد يصير واجبا حفظا لنفس الإنسان من الهلاك، فإن الطبيب هو الوسيلة إلى التداوى بتشخيص الداء ووصف الدواء تبعا لخبرته وتجربته وعلمه، ومن ثم كانت مسئوليته إذا قصر أو أهمل أو سلك طريقا محرما فى الإسلام.وإذا كان الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته تعين أن ينظر إلى كل صورة يجريها حتى يتحدد وضعه ومسئوليته شرعا، فإن كانت الصورة مما تبين تحريمه قطعا على الوجه المبين فى الأجوبة عن الأسئلة الثانى والثالث والفقرة (ب) من السؤال الرابع كان الطبيب آثما وفعله محرما، لأن الإسلام إذا حرم شيئا حرم الوسائل المفضية إليه حتى لا يكون ذريعة للتلبس بالمحرم، ولقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أساس قاعدة سد الذرائع بتحريم الوسائل المؤدية إلى المحرم.فهذا قول الله تعالى { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الأنعام 108 ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذى رواه أربعة من صحابته (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ) ( رواه أبو داود - المنتخب من السنة المجلد التاسع من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ) ففى الآية الكريمة تأصيل لقاعدة سد الذرائع فقد نهت عن سب آلهة المشركين حتى لا يعتدوا ويتخذوا هذا ذريعة لسب الله ورسوله.وفى الحديث الشريف دليل على أن من أعان على محرم كان آثما إثم مرتكبه، ولقد حرم الإسلام النظر إلى محاسن المرأة الأجنبية أو الخلوة بها ، لأن الخلوة والنظرة من وسائل الوقوع فى المحرم وهو الزنا، كما حرم على المسلم المشى إلى مكان ترتكب فيه الكبائر كحانة الخمر أو بيت القمار حتى لا يقع فيه، ومن هذا القبيل جاء الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن من أكبر الكبائر أن يلعن
الرجل والديه قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه.قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه).وإذا كان ذلك وكانت هذه النصوص وغيرها من القرآن الكريم والسنة الشريفة قد وضعت أصلا قويما فى سد الذرائع، فمتى أدى العمل أو الوسيلة إلى محرم صار محرما كذلك.لما كان ذلك فإذا أعان الطبيب لعلمه وعمله فى التلقيح الصناعى على حصوله بالصور غير المشروعة بل والمحرمة بالبيان السالف يكون آثما إذ - كما تقدم - ما كان وسيلة للمحرم يكون محرما شرعا، ويكون كسبه فى هذه الحال كسبا محرما غير مشروع، وعليه أن يقف عند الحد المباح، وهو منحصر فى تلقيح بويضة زوجة بنطفة زوجها بإدخالها رحمها، أو باستنباتها بعد التلقيح فى (أنبوبة) إلى حين ثم تستدخل فى رحم ذات الزوجة، كما هو مبين فى الجواب عن السؤال الأول والفقرة الأولى (أ) من السؤال الرابع وبالشروط المبينة(23/34)
فيهما.إذا تم ذلك كان العمل مشروعا لا إثم فيه ولا حرج ولا حذر من اختلاط الأنساب أو وقوعه فى دائرة الزنا، لأن التحقق تام من أن المنى والبويضة الملقحين للزوجين فقط لم يختلطا بمنى إنسان آخر أو منى حيوان، وبهذا يقع فى دائرة إباحة التداوى التى قد تكون سبيلا للزرق بولد شرعى تمتد به ذكرى والديه بعد مماتهما، ومن بعد أن تكتمل به سعادتهما النفسية والاجتماعية فى هذه الحياة، وقد تدوم وتتأكد بينهما المودة والرحمة بهذا المولود الشرعى.هذا ولا يغيبن عن البال أن الإسلام فى تكريمه للانسان والحفاظ على نوعه واستمرار نسله يعمر الأرض إلى أن يشاء الله، حريص على أن يعيش فى أسرة متوادة متحابة متعارفة لا جماعات تقطعت أوصالها وانحلت عصباتها وغاضت أرحامها، فهو يأمر بتكوين الأسرة ويحمل الوالدين عبء أولادهما صغارا من التعليم والتربية الجسدية والنفسية والعلمية وطرق اكتساب المال الحلال ، ويضع على عاتق الأب ولاية النظر الدائم فى مصلحة أولاده وإن ارتفعت ولاية الجبر عليهم، ومن هذه الولاية أن
يكسبهم خبرته فى الحياة ويتولى النصح والإرشاد.ومن هنا لا يجوز فى نطاق الإسلام الانطلاق فى عمل التلقيح الصناعى، بمعنى نقل منى الرجل أى رجل وتلقيحه ببويضة امرأة أى امرأة.لأن تلك تجارب تصلح لتحسن السلالات ومحلها بين أنواع مختلفة من الحيوان لا تعرف لها أبا ومن النبات تسمق سيقانه حاملة وفير الثمرات وذلك أمر مشروع، ومن هنا كان القول الحكيم القديم اليتيم من ابن آدم من مات أبوه ومن الحيوان من ماتت أمه.فإذا نحن انطلقنا فى مجال التلقيح الصناعى فى الإنسان وأنشأنا مستودعا (بنكا) تستحلب فيه نطف الرجال الأذكياء أو ذوى الأجسام الأقوياء لتلقح بها أنثى رشيقة القوام سريعة الفهم لإثراء الصفات فى الجنس البشرى كان هذا شرا مستطيرا على نظام الأسرة ونذير انتهاء الحياة الأسرية، كما أرادها الله، فمن باب سد الذرائع، وحفظا لروابط الأسرة وصونا للأنساب يحرم الإسلام الانطلاق فى التلقيح الصناعى لتوالد الإنسان ولا يجيزه - كما سبق - إلا بين الزوجين بالشروط المتقدم بيانها.وبديلا لهذه البنوك وجه الإسلام الإنسان إلى المحافظة على قوة نسله، وسلامة نفسه وجسده، وذلك بإحسان اختيار كل من الزوجين للآخر، وإلى الاغتراب فى الزواج، بمعنى ترك الزواج بين ذوى القربى القريبة حتى لا يضوى النسل ويضعف، كما قال عمر بن الخطاب ناصحا إحدى القبائل (قد أضويتم فانكحوا الغرائب) وقيل قديما بنات العم أصبر والغرائب أنجب هذه هى المعايير المشروعة التى يقرها الإسلام للحفاظ على النسل - نسل الإنسان.سليما قويا لا تلك التى يتنادى بها بعض الناس مقلدين أقواما أغوتهم المادية وانغمسوا فيها وتحللوا من كل قيم الدين، فحسبوا الإنسان ونسله مزرعة تجارب كأى مزرعة للنبات أو الحيوان مع أن الله قد كرم الإنسان وأعلى قدره وسخر له ما فى السموات والأرض.{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه
تحشرون.واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب } الأنفال 24 ، 25 ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ(23/35)
حكم إمامة اللقيط ... العنوان
تربَّى ولد في الملجأ حتى تخرّج في المدارس، ونال قِسطًا من التعليم الديني، فأراد جماعة بنَوا مسجدًا أن يجعلوه إمامًا لهم في الصلاة، فقيل لهم: هذا لا يجوز، فما هو رأي الدِّين في ذلك؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... اللّقيط يغلب أن يكون نِتاج علاقة جنسيّة غير مشروعة، وأوجب الفقهاء التقاطَه ورعايتَه؛ لأنّه لا ذنب له في هذا المَصير، وقد يكون له شأن في التاريخ.
والقرطبي في تفسيره "ج 1 ص 355" أثار مسألة إمامتِه في الصلاة، وقال: إن الإمام مالكًا يَكرهُ أن يكون راتبًا، أي إمامًا دائمًا معيّنًا لذلك، وكذلك كَرِهَه عمر بن عبد العزيز، وكان عطاء بن أبي رباح يقول: له أن يؤمَّ إذا كان مُرضِيًا، وهو قول الحسن البصري والزهري والنخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. وتُجْزِئ الصّلاة خلفه عند أصحاب الرأي "أبي حنيفة وأصحابه" وغيره أحبّ إليهم، والشافعي قال: أكرَهُ أن يُنَصَّب إمامًا راتبًا مَن لا يُعرَف أبوه، ومن صلّى خلفه أجْزأه. وقال عيسى بن دينار: لا أقول بقول مالك في إمامة ولد الزِّنى، وليس عليه من ذنب أبويه شيء، ونحوه قال ابن عبد الحكيم إذا كان في نفسه أهلاً للإمامة، قال ابن المنذر: يؤمّ لدخوله في جملة قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "يؤمُّ القوم أقرؤُهم" وقال أبو عمر: ليس في شيء من الآثار الواردة في شرط الإمامة ما يدلُّ على مراعاة نسبٍ، وإنما فيها الدّلالة على الفقه والقراءة والصّلاح في الدين.
بعد هذا العرض لآراء الفقهاء نرى أن إمامته جائزة والصلاة خلفه صحيحة بالاتفاق، وأن الجمهور على ذلك إذا كان حسَن السّير والسلوك متفقِّهًا في الدِّين، فليست العِبرة في الإمامة بالأنساب بل بالفقه والصلاح، وهو متفق مع قوله تعالى: (إنَّ أكْرَمَكُمْ عندَ الله أتْقاكُمْ) وعموم الحديث الذي يُقَدِّم في الإمامة من هو أفقَه وأقرأ.
والقليلون كرِهوا أن يكون إمامًا راتبًا، ولم يكرهوا أن يؤمّ الناس في بعض الأحيان، وهو إحساس عاطفي أكثر منه عقليًا.
ـــــــــــــــــــ
رعاية اللقيط ... العنوان
إذا رأيت طفلاً مُلْقًى في مكان مجهول هل أتركه أم آخذه؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... يغلب أن تُلقِيَ المرأة بولدها إن كان من زنا في شارع أو مكان ليموت بعيدًا عنها أو يأخذه إنسان يَربيه، ومعلوم أن الزِّنا من أكبر الفواحش والمُوبقات التي أجمعت الأديان على تحريمها، والذي يرتكب هذه الفاحشة عامدًا متعمِّدًا يكفر إن اعتقد أنها حلال، لأنّ حرمتها معلومة من الدين بالضرورة، ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع أما ارتكابها مع اعتقاد حرمتها فهو عصيان لا يخرج من الدين وعقوبتها الجلد مائة إن(23/36)
كان لم يسبق للزاني زواج أي غير محصن، والرّجم إن سبق له الزواج أي كان محصنًا.
والذي يتحمل تبعة هذه الفاحشة هو من وقع فيها، أما الولد الناتج فلا مسؤولية عليه، لأنّه لا يد له فيها ولم يوجد بعد حتى يكلف، وهو إن أحسنت تربيته ربما نشأ مستقيمًا، وإن أهمل بأي نوع من الإهمال تعرض للموت أو الانحراف، شأن كل اللُّقطاء الذين لا يهتمُّ بتربيتهم.
وإذا تخلَّص من ارتكب هذه الفاحشة من ثمرة جريمته بإلقائه في شارع أو مكان خال وجب التقاطه إن كان حيًّا، ووجب على المسلمين الذين تمثلهم السلطة أن يُرعوا هؤلاء اللقطاءَ. ويحرم عليهم تركهم يتعرّضون للموت أو الانحراف، فقد تكون منهم شخصيات بارزة تُفيد منهم الإنسانيّة.
والدليل على وجوب حماية اللّقيط أو المولود من زنا حادث المرأة الجُهَنِيّة التي حملت من سفاح، وطلبت من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقيمَ عليها الحد وهي حامل فأرجأه حتى تضع الجنين ، بل حتى ترضعه ويفطم ويستغنى عنها، كما رواه مسلم .
وقد قرر الفقهاء وجوب التقاطه بناء على قوله تعالى:( ومَنْ أَحْياهَا فكأنَّما أحْيَا النّاسَ جَمِيعًا ) (سورة المائدة : 32) إلى جانب الأمر بعمل الخير في قوله تعالى:( وافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحونَ) (سورة الحج : 77) والأمر بالتعاون على البر في قوله تعالى:( وتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى ) (سورة المائدة : 2) .
بل احتاط الإسلام في رعاية هذا المنبوذ فاشترط الفقهاء في لاقطه أو من يرعاه أن يكون صالحًا لرعايته، أمينًا رشيدًا حسن السلوك، وقرّروا له نفقة تكفي لرعايته رعاية حسنة، وحرّموا رَميَه بأنه ابن زنا، فإنّه لا ذنب له في ذلك، وقرّروا بناء على الحديث ضم ولد الملاعنة التي رماها زوجها بالزِّنا ونفى الولد عنه ـ إلى أمِّه ، وذلك مظهر من مظاهر رعايته وعدم إهماله.
وجاء في كتاب " كشف الغمة " للشعراني ج2 ص138: لمّا تَلاعن هلال وزوجته قضى النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ: ألا يُرْمَى ولدُها ـ يعني لا يُقذف بأنّه ابن زنا ومن رماه فعليه الحدّ. قال عكرمة: فكان الولد بعد ذلك أميرًا على مصر ـ أي على بلد من البلاد ـ وما يُدعى إلا لأمِّه.
يراجع الجزء الرابع من موسوعة: الأسرة تحت رعاية الإسلام
ـــــــــــــــــــ
الإنفاق على اللقيط ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ما حكم كفالة أو التبرع لـ الطفل اللقيط (أو مجهول النسب) في الإسلام؟ هل لذلك نفس أجر وثواب كفالة الطفل اليتيم أو التبرع له بالأموال؟
جزاكم الله خيرًا.
... السؤال
أ.د أنور يوسف دبور ... المفتي
... ... الحل ...(23/37)
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نعم إن كفالة الطفل اللقيط تأخذ حكم كفالة الطفل اليتيم معروف النسب، بل ربما كانت كفالة الطفل اللقيط أولى من الطفل معروف النسب؛ لأن الطفل اللقيط ليس له أهل يحنون عليه، ويعطفون عليه، بينما هذا المعنى ليس موجودًا بالنسبة للطفل معروف النسب.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب
سؤال:
السؤال :
شخص لم يرزق بأولاد ، فأخذ لقيطا من الملجأ فرباه وعلمه وأحسن إليه ، واجتهادا منه وعطفا عليه أضافه إلى اسمه وسجله في الوثائق الرسمية .. فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها الولد اللقيط باسم من تبناه وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء ، لما في ذلك من الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض ، وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة ، لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه أو غير مواليه قال الله تعالى : " وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " . رواه أحمد والبخاري ومسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة " ، فاجتهاد المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه ويجب العمل على التغيير والتعديل للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية وللحكم التي تقدم بيانها ، وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان إليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم .
اللجنة الدائمة
فتاوى إسلامية 3/12-13
ـــــــــــــــــــ
أحكام اللقيط(23/38)
سؤال:
ما العمل إذا وجد الإنسان طفلاً ضائعاً ؟.
الجواب:
الحمد لله
أحكام اللقيط لها علاقة كبيرة بأحكام اللقطة ، إذ اللقطة تختص بالأموال الضائعة ، واللقيط هو الإنسان الضائع ، مما به يظهر شمول أحكام الإسلام لكل متطلبات الحياة ، وسبقه في كل مجال حيوي مفيد ، على نحو يفوق ما تعارف عليه عالم اليوم من إقامة دور الحضانة و الملاجئ للحفاظ على الأيتام ومن لا عائل لهم من الأطفال و العجزة ، ومن ذلك عناية الإسلام بأمر اللقيط ، وهو الطفل الذي يوجد منبوذاً أو يضل عن أهله ولا يعرف نسبة في الحالين .
فيجب على من وجده على تلك الحال أن يأخذه وجوباً كفائياً ، إذا قام به من يكفي ، سقط الإثم عن الباقين ، وإن تركه الكل ، أثموا ، مع إمكان أخذهم له لقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، فعموم الآية يدل على وجوب أخذ اللقيط ، لأنه من التعاون على البر والتقوى ، ولأن في أخذه إحياء لنفسه ، فكان واجباً كإطعامه عند الضرورة وإنجائه من الغرق .
واللقيط حر في جميع الأحكام ، لأن الحرية هي الأصل ، والرق عارض ، فإذا لم يعلم ، فالأصل عدمه .
وما وجد معه من المال أو وجد حوله ، فهو له ، عملاً بالظاهر ، ولأن يده عليه ، فينفق عليه منه ملتقطه بالمعروف ، لولايته عليه ، وإن لم يوجد معه شيء ، أنفق عليه من بيت المال ، لقول عمر رضي الله عنه للذي أخذ اللقيط لما وجده : ( اذهب ، فهو حر ، ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته ) ، ومعنى ولاؤه : ولايته ، وقوله : ( وعلينا نفقته ) ، يعني : من بيت مال المسلمين .
وفي لفظ إن عمر رضي الله عنه قال : ( وعلينا رضاعه ) ، يعني : في بيت المال ، فلا يجب على الملتقط الإنفاق عليه ولا الرضاعة ، بل يجب ذلك في بيت المال فإن تعذر ، وجبت نفقته على من علم من المسلمين ، لقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ) ، ولما في ترك الإنفاق عليه من هلاكه ، ولأن الإنفاق عليه من باب المواساة ، كقرى الضيف .
وحكمه من ناحية الدين ، أنه إن وجد في دار الإسلام أو في بلاد كفار يكثر فيها المسلمون ، فهو مسلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة ) ، وإن وجد في بلد كفار خالصة ، أو يقل فيها عدد المسلمين ، فهو كافر تبعاً للدار . وحضانته تكون لواجده إذا كان أميناً ، لأن عمر رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين علم أنه رجل صالح ، قال : ( لك ولاؤه ) ، أي: ولايته ولسبقه إليه ، فكان أولى به .
وينفق عليه واجده مما وجد معه من نقد أو غيره ، لأنه وليه ، وينفق عليه بالمعروف .
فإن كان واجده لا يصلح لحضانته ، لكونه فاسقاً أو كافراً واللقيط مسلم ، لم يقر بيده ، لانتفاء ولاية الفاسق وولاية الكافر على المسلم ، لأنه يفتنه عن دينه وكذلك لا تقر(23/39)
حاضنته بيد واجده إذا كان بدوياً يتنقل في المواضع ، لأن في ذلك إتعابا ًللصبي ، فيؤخذ منه ويدفع إلى المستقر في البلد ، لأن مقام الطفل في الحضر اصلح له في دينه ودنياه ، وأحرى للعثور على أهله ومعرفة نسبه .
وميراث اللقيط إذا مات وديته إذا جني عليه بما يوجب الدية يكونان لبيت المال إذا لم يكن له من يرثه من ولده ، وإن كان له زوجة ، فلها الربع .
ووليه في القتل العمد العدوان الإمام ، لأن المسلمين يرثونه ، والإمام ينوب عنهم ، فيخير بين القصاص والدية لبيت المال ، لأنه ولي من لا ولي له .
وإن جني عليه فيما دون النفس عمداً ، انتظر بلوغه ورشده ليقتص عند ذلك أو يعفو .
وإن أقر رجل أو أقرت امرأة بأن اللقيط ولده أو ولدها ، لحق به ، لأن في ذلك مصلحة له باتصال نسبه ، ولا مضرة على غيره فيه ، بشرط أن ينفرد بادعائه نسبه ، وأن يمكن كونه منه ، وإن ادعاه جماعة ، قدم ذو البينة ، وإن لم يكن لأحد منهم بينة ، أو كانت لهم بينات متعارضة ، عرض معهم على القافة ، فمن ألحقته القافة به ، لحقه ، لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ، ويكفي قائف واحد ، ويشترط فيه أن يكون ذكراً عدلاً مجرباً في الإصابة .
من فتاوى الملخص الفقهي للشيخ صالح آل فوزان ص 155.
ـــــــــــــــــــ
هل اللقيط في النار
سؤال:
هل الحديث الذي يقول : ( كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به ) ينطبق على الطفل اللقيط ؟.
الجواب:
الحمد لله
الحديث المذكور عام في أكل الحرام ، وهو من أحاديث الوعيد ، ولا يشمل اللقيط بحال ، لأنه لا ذنب له ، ولا يؤخذ هو ولا غيره بذنب غيره ، قال تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) الأنعام / 164
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 16/8
ـــــــــــــــــــ
نسب اللقيط
المفتي
عبد المجيد سليم .
محرم 1352 هجرية - 16 مايو 1932 م
المبادئ
1 - يثبت نسب المقر له فى المقر متى كان يولد مثله لمثله وكان المقر له مجهول النسب وصدقه متى كان من أهل التصديق .
2 - اللقيط متى وجد فى مكان أهل لاذمة فهو ذمى مادام الواجد له ذميا .(23/40)
3 - التناقض فى النسب معفو عنه لأنه مما يخفى ثم يظهر
السؤال
لقيط وجده مسيحيون أهل كنيسة داخل ديرهم فالتقطوه وعمدوه نصرانيا وألحقوه بكنيستهم وربوه فى ديرهم إلى أن بلغ أربع سنوات فسلموه راضين لآخر مسيحى مصرى تولى تربيته والإنفاق عليه من ماله وبقى فى يده حتى بلغ واستمر معه إلى الحادية والعشرين من عمره فأقر هذا الشخص الذى هو معه أنه ابنه وأنه ليس له أولاد سواه لا ذكورا ولا إناثا وكان المقر له يولد لمثل المقر وليس للمقر له وقت الإقرار نسب معروف ولم يدعيه أحد من قبل لا مسلما ولا غيره وصدق المقر له المقر على هذا جميعه وحرر بهذا الإقرار والتصادق إشهاد أمام قاض شرعى واستمر معه إلى أن مات المقر، فهل يثبت نسب المقر له من المقر أولا وهل يرثه المقر له أو لا
الجواب
نفيد بأنه إذا كان الحال كما ذكر به ثبت نسب المقر له من المقر وورثه أما ثبوت النسب منه فلأنه قد حال الإقرار شروط صحته فى أن المقر له مجهول النسب ليس له نسب معروف وأنه يولد مثله للمقر وقد صدق المقر له المقر وهو من أهل التصديق .
ومعنى صحة الإقرار اعتبار هذا الإقرار فيما يلزم المقر والمقر له من الحقوق وفيما يلزم غيرهما حتى يرث الابن المقر له المقر مع سائل ورثته وإن حجدوا هذا النسب المقر به ويرث أيضا من أصل المقر وهو جد المقر له وإن جحد الجد نسبه .
يراجع أول كتاب الإقرار من الفتاوى الأنقروية .
وقد نص الفقهاء على أنه إذا ادعى الذمى نسب اللقيط ثبت نسبه منه عند عدم دعوى المسلم قال فى البحر فى باب اللقيط شحرا لقول المصنف (ومن ذمى وهو مسمل إن لم يكن فى مكان أهل الذمة) ما نصه أى يثبت النسب من ذمى عند دعوى المسلم ، وقال فى المبسوط صحيفة 213 من الجزء العاشر ما نصه (وإذا كبر اللقيط فادعاه رجل فذلك إلى اللقيط لأنه فى يد نفسه وله قول معتبر إذا كان يعبر عن نفسه فيعتبر تصديقه لإثبات النسب منه وهذا لأن المدعى يقر له بالنسب من وجه ويدعى عليه وجوب النسبة إليه من وجه فلا يثبت حكم كلامه فى حقه إلا بتصديقه دعوى أو إقرارا وإذا صدقه يثبت النسب منه إذا كان مثله يولد لمثله .
فأما إذا كان مثله لا يولد لمثله لا يثبت النسب منه لأن الحقيقة تكذبهما) ، ولا يمنع من ذلك ما يكون قد سبق من المقر من اعترافه بأنه لقيط وذلك لما قاله الفقهاء من أن هذا لا يضر لأن التناقض فى النسب معفو عنه لأنه مما يخفى ثم يظهر وأما إرثه فلأنه ذمى فى الحالة المذكورة بالسؤال بلا خلاف بين الفقهاء لأن الواجد له ذمى والمكان الذى وجد فيه مكان أهل الذمة .
قال فى الهدية وإن وجد فيه مكان أهل لاذمة .
قال فى الهداية وإن وحد فى قرية من قرى أهل الذمة أو فى بيعة .
أو كنيسة (يعنى فى دار الإسلام) كان ذميا وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميا رواية واحدة .(23/41)
ومن هذا كله تبين أن المقر له ذمى وقد ثبت نسبه من ذمى مثله فيرثه هذا ما ظهر لنا حيث كان الحال كما ذكر بالسؤال .
واللّه تعالى أعلم
-ـــــــــــــــــــ
إمامة اللقيط
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
تربى ولد فى الملجأ حتى تخرج فى المدارس ونال قسطا من التعليم الدينى ، فأراد جماعة بنوا مسجدًا أن يجعلوه إماما لهم فى الصلاة، فقيل لهم : هذا لا يجوز، فما هو رأى الدين فى ذلك ؟
الجواب
اللقيط يغلب أن يكون نتاج علاقة جنسية غير مشروعة، وأوجب الفقهاء التقاطه ورعايته ، لأنه لا ذنب له فى هذا المصير، وقد يكون له شأن فى التاريخ .
والقرطبى فى تفسيره "ج 1 ص 355" أثار مسألة إمامته فى الصلاة ، وقال :
إن الإمام مالكا يكره أن يكون راتبا ، أى إماما دائما معينا لذلك ، وكذلك كرهه عمر بن عبد العزيز، وكان عطاء بن أبى رباح يقول : له أن يؤم إذا كان مرضيا ، وهو قول الحسن البصرى والزهرى والنَخعى وسفيان الثورى والأوزاعى وأحمد بن حنبل وإسحاق. وتجزىء الصلاة خلفه عند أصحاب الرأى "أبى حنيفة وأصحابه" وغيره أحب إليهم ، والشافعى قال : أكره أن ينصَّب إماما راتبا مَن لا يُعرف أبوه ، ومن صلى خلفه أجزأه . وقال عيسى بن دينار: لا أقول بقول مالك فى إمامة ولد الزنى، وليس عليه من ذنب أبويه شىء ، ونحوه قال ابن عبد الحكم إذا كان فى نفسه أهلا للإمامة ، قال ابن المنذر: يؤم ، لدخوله فى جملة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤم القوم أقرؤهم " وقال أبو عمر : ليس فى شىء من الآثار الواردة فى شرط الإمامة ما يدل على مراعاة نسب ، وإنما فيها الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح فى الدين .
بعد هذا العرض لآراء الفقهاء نرى أن إمامته جائزة والصلاة خلفه صحيحة بالاتفاق ، وأن الجمهور على ذلك إذا كان حسن السير والسلوك متفقها فى الدين ، فليست العبرة فى الإمامة بالأنساب بل بالفقه والصلاح ، وهو متفق مع قوله تعالى {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} وعموم الحديث الذى يقدم فى الإمامة من هو أفقه وأقرأ .
والقليلون كرهوا أن يكون إماما راتبا ، ولم يكرهوا أن يؤم الناس فى بعض الأحيان ، وهو إحساس عاطفى أكثر منه عقليا
ـــــــــــــــــــ(23/42)
( كِتَابُ اللَّقِيطِ ) ( سُئِلَ ) هَلْ يَصِحُّ إسْلَامُ صَغِيرٍ أَبَوَاهُ كَافِرَانِ إذَا تَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ فَلَوْ كَانَ حَرْبِيًّا وَأُسِرَ صَارَ رَقِيقًا مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 17 / ص 326)
كِتَابُ اللَّقِيطِ اللَّقِيطِ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِحَيٍّ مَوْلُودٍ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ تُهْمَةِ الزِّنَا مُضَيِّعُهُ آثِمٌ وَمُحْرِزُهُ غَانِمٌ .وَالِالْتِقَاطُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ كَأَنْ وَجَدَهُ فِي الْمَاءِ ، أَوْ بَيْنَ يَدَيْ سَبُعٍ ، فَوَاجِبٌ .
وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَوَلِيُّهُ السُّلْطَانُ حَتَّى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا زَوَّجَهُ امْرَأَةً ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا مِنْ آخَرَ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ .وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَحَدٌ ، وَلَوْ دَفَعَهُ هُوَ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ .عَقْلُهُ وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَإِذَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مَالٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ ، فَهُوَ لَهُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ ، وَهُوَ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِقُرْبِهِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ ، وَيَكُونُ لُقَطَةً ، وَإِنْ وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ ، فَهِيَ لَهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ وَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ بِأَمْرِ الْقَاضِي لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْهُ ، وَقِيلَ يُنْفِقُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَيْضًا ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ . وَوَلَاؤُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَلَا مَوْلَى لَهُ ، فَتَرِكَتُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ .
إذَا جَاءَ الْمُلْتَقِطُ بِاللَّقِيطِ إلَى الْقَاضِي ، وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَفَقَتَهُ وَمُؤْنَتَهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَمَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، فَالْقَاضِي يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ ، وَإِذَا قَبِلَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ إنْ شَاءَ قَبَضَ اللَّقِيطَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبِضْهُ ، وَلَكِنَّهُ يُوَلِّيهِ مَنْ تَوَلَّى ، وَيَقُولُ : قَدْ الْتَزَمْتَ حِفْظَهُ ، فَأَنْتَ وَمَا الْتَزَمْتَ ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ، فَأَمَّا إذَا عَلِمَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَيَضَعَهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ لِيَحْفَظَهُ ، فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُ ، وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ ، فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ لَقِيطًا ، فَجَاءَ آخَرُ ، وَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهِ ، ثُمَّ اخْتَصَمَا ، فَالْقَاضِي يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدُ لَقِيطًا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ ، وَالْمَوْلَى يَقُولُ : لِعَبْدِهِ كَذَبْتَ بَلْ هُوَ عَبْدِي ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ .
وَلَوْ أَقَرَّ اللَّقِيطُ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ ، فَإِنْ كَذَّبَهُ ، فَهُوَ حُرٌّ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِثْلُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ ، وَضَرْبِ قَاذِفِهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ
يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا ادَّعَاهُ ، وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ ، وَقِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّسَبِ دُونَ إبْطَالِ الْيَدِ لِلْمُلْتَقِطِ ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ ، فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ذِمِّيًّا ، فَهُوَ ابْنُهُ ، وَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَلَوْ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ يَقْضِي لِلْمُسْلِمِ ، وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ يَقْضِي لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ، فَلَوْ أَقَامَا يَقْضِي لَهُمَا ، وَلَوْ لَمْ يُقِيمَا ، وَلَكِنْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا عَلَامَاتٍ عَلَى جَسَدِهِ فَأَصَابَ وَالْآخَرُ لَمْ يَصِفْ يُجْعَلُ ابْنًا لِلْوَاصِفِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا(23/43)
، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنَهُمَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَوْ وَصَفَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ فِي بَعْضِ مَا وَصَفَ وَأَخْطَأَ فِي الْبَعْضِ فَهُوَ ابْنُهُمَا ، وَلَوْ وَصَفَا وَأَصَابَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قَضَى لِلَّذِي أَصَابَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَحَدُهُمَا هُوَ غُلَامٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ : هُوَ جَارِيَةٌ يَقْضِي لِلَّذِي أَصَابَ فَلَوْ تَفَرَّدَ رَجُلٌ بِالدَّعْوَةِ ، وَقَالَ هُوَ : غُلَامٌ ، فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ ، أَوْ قَالَ جَارِيَةٌ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ لَا يَقْضِي لَهُ أَصْلًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ
إذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ رَجُلَانِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ ابْنَتُهُ فَإِذَا هُوَ خُنْثَى ، فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا وَحُكِمَ بِكَوْنِهِ ابْنًا فَهُوَ لِلَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ جَوَّزَ إلَى خَمْسَةٍ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ .
امْرَأَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا ، أَوْ شَهِدَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ ، أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ صَحَّتْ دَعْوَتُهَا وَإِلَّا فَلَا ، وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ إنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ مُنْكِرٌ لِلْوِلَادَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ هَكَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ .
وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ الزِّنَا يُقْضَى بِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِنْ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُجَّةٍ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّنَازُعِ وَالْحُجَّةُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْحُجَّةُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ أَقَامَا ذَلِكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَمَا لَا فَلَا وَفِي الْخَانِيَّةِ ، وَإِنْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلَيْنِ وَالْأُخْرَى امْرَأَتَيْنِ يُجْعَلُ ابْنًا لِلَّتِي شَهِدَ لَهَا رَجُلَانِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ، وَإِنْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا الْبَيِّنَةَ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يُجْعَلُ ابْنًا لِلَّتِي قَامَتْ لَهَا الْبَيِّنَةُ وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَتَانِ اللَّقِيطَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِيرُ وَلَدُهُمَا مِنْ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَا لَا يَصِيرُ وَلَدُهُمَا وَلَا وَلَدُ الرَّجُلَيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ ادَّعَاهُ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لِلَّذِي ادَّعَى بُنُوَّتَهُ ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْأَمَةِ قُضِيَ
لِلَّذِي ادَّعَى النَّسَبَ مِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْحُرَّةِ عَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَهُ أُخْرَى قُضِيَ بِالْوَلَدِ بَيْنَهُمَا وَهَلْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَثْبُتُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
رَجُلَانِ ادَّعَيَا نَسَبَ اللَّقِيطِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقْضَى لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ سِنُّ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ سِنُّ الصَّبِيِّ مُشْتَبَهًا لَمْ يُوَافِقْ كُلًّا مِنْ التَّارِيخَيْنِ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ التَّارِيخِ وَيُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذَكَرَ خُوَاهَرْ زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَقْضِي لِأَقْدَمْهُمَا تَارِيخًا وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ .
ـــــــــــــــــــ(23/44)
تنقيح الفتاوى الحامدية - (ج 2 / ص 197)
كِتَابُ ( اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ ) ( سُئِلَ ) فِي صَغِيرِ لَقِيطٍ عُمْرُهُ سَنَةٌ الْتَقَطَهُ رَجُلٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيُرَبِّيهِ وَيُرِيدُ رَجُلٌ آخَرُ أَجْنَبِيٌّ أَخْذَهُ مِنْهُ قَهْرًا بِغَيْرِ رِضَاهُ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؟ ( الْجَوَابُ ) : نَعَمْ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ .
ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 30 / ص 24)
حكم إرث اللقيط ممن التقطه:
________________________________________
السؤال: سأل شخص السؤال التالي: بعد أن صليت الفجر وبينما أنا أمشي في طريقي إلى بيتي وجدت طفلاً مرمياً في الأرض فأخذته فرضع مع ابنتي ثم توفيت ابنتي إلى رحمة الله تعالى، فرضع هو بدلاً من ابنتي، فبعد ذلك كبر وعلمته وعمل في إحدى الأشغال أو في أحد المصانع، فهل يجوز أن ينال ميراثاً مني أم لا؟
________________________________________
الجواب: هذا لقيط وُجد في السوق فالتقطه الرجل ورضع من امرأته ورباه، فهل يرث من الرجل لو مات أو يرثه الرجل لو مات اللقيط؟ أكثر العلماء أنه لا توارث بينهما؛ لأن أسباب الإرث ثلاثة: القرابة، والزوجية، وولاء العتق، وهذا ليس منها، وعلى هذا فإذا مات اللقيط فإن ميراثه يكون لبيت المال يؤخذ ما وراءه من المال ويعطى لبيت المال الذي تتولاه الحكومة. وذهب بعض العلماء إلى أن اللقيط إذا لم يكن له أبناء أو بنات فإنه يرثه من التقطه، أي: من وجده ورباه؛ لأنه أولى الناس به، فقد تعب عليه ورباه حتى كان مثل أبنائه، وهذا هو القول الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه. وعلى هذا يكون الجواب: أنه إذا مات اللقيط ورثه اللاقط إذا لم يكن للقيط أولاد، فإن كان له زوجة -يعني: تزوج اللقيط- فإن الزوجة تأخذ ميراثها وهو الربع إذا لم يكن له أولاد والباقي لمن التقطه، هذا هو القول الراجح، أما لو مات اللاقط فإن اللقيط لا يرثه؛ لأنه لا نعمة للقيط على اللاقط فلا يكون له إرث منه.
ـــــــــــــــــــ
تبني اللقيط
المجيب عبد الرحمن بن عبدالله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/اللقطة و اللقيط
التاريخ 10/9/1424هـ
السؤال
من المعلوم أن التبني والحصول على اسم العائلة المتبناه غير جائز في الإسلام، فما الحكم الخاص باللقيط الذي وجدته عائلة مسلمة؟ عمر البنت 16 سنة والولد 19 سنة.
الجواب(23/45)
يستحب تربية اللقيط والإحسان إليه وتعليمه لينشأ بإذن الله نشأة صالحة، ولا يضيره ما حصل من أبويه، ولا بأس بتزويج الذكر بالأنثى إذا لم يكن بينهما رضاع، والذي يتولى تزويج البنت هو الحاكم الشرعي لأنه ولي من لا ولي له، ويعتبرون أجانب ممن تولى تربيتهم، وليسوا محارم إذا لم يوجد رضاع، فإن وجد فالرضاع يحرم ما يحرم النسب، ويحسن أن يسمى اللقيط باسم بعيد عن اسم العائلة، حتى لا يظن أنه منهم.
ـــــــــــــــــــ
تربية اللقيط
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 22/8/1423هـ
السؤال
ما حكم تربية طفل لقيط؟ وهل أجره مثل أجر اليتيم؟ وما هو وضعه يوم القيامة؟ وهل يأخذ حقه؟
الجواب
حال اللقيط مثل اليتيم، بل قد يكون اللقيط أشد ضرراً من اليتيم؛ لأن اللقيط فاقد لوالديه واليتيم لأحدهما، واللقيط مجهول النسب، فلا أقارب يرعونه، واليتيم عند أحد والديه وبين أقاربه، وأما عن وضع من ألقاه وتخلى عنه يوم القيامة؛ فهو عند حكم عدل قائل في محكم التنزيل: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ" [الزلزلة:7-8]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته" كما في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - الذي رواه مسلم (996)، هذا إن كان اللقيط من نكاح، فإن كان من سفاح فالإثم أعظم والجريرة أكبر، نسأل الله العافية.
ـــــــــــــــــــ
حكم إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب
س - ورد إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد السؤال التالي
رجل يسأل فيقول نعرض لكم أن أحد أقاربنا قد تبنى له طفلاً ذكراً لقيطاً ورباه وعلمه وأحسن إليه ، وبطريق الاجتهاد والعطف أسماه " يوسف " ثم توفي المتبني في الزبير وليس له أولاد يرثونه ، والولد بلغ الرشد والتحق بمعهد الظهران الفني وقد تشاور الأقارب في تعديل اسم اللقيط فمنهم من رأي تعديل أسمه ومنهم من لم يعر ذلك اهتماماً ، وخشية من وقوع اختلاط في النسب وخطأ في المواريث أرجو إفتائي بحكم الشرع في ذلك لنسير على ضوء الفتوى ؟
ج - وقد أجابت بما يلي
لا يجوز شرعاً إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها الولد اللقيط باسم من تبناه وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء ،(23/46)
لما في ذلك من الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة ، لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه ، ولعن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، من انتسب إلى غير أبيه أو غير مواليه قال الله - تعالى " وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءكم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيما"
وقال النبي ، - صلى الله عليه وسلم -، " ومن ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " . رواه أحمد والبخاري ومسلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - " من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة " . فاجتهاد المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه ويجب العمل على التغيير والتعديل للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية وللحكم التي تقدم بيانها وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان إليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم .
اللجنة الدائمة
ـــــــــــــــــــ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 15 / ص 493)
باب اللقيط
(الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 6)
الفتوى رقم ( 122 )
س: نعرض لكم أن أحد أقاربنا العم حمد قد تبنى له طفلا ذكرا لقيطا، ورباه وعلمه وأحسن إليه، وبطريق الاجتهاد والعطف أسماه (...... ي.ح.ش) ثم توفي المتبني في الزبير وليس له أولاد يرثونه، والولد بلغ الرشد والتحق بمعهد الظهران الفني، وقد تشاور الأقارب في تعديل اسم اللقيط، فمنهم من رأى تعديل اسمه، ومنهم من لم يعر ذلك اهتماما، وخشية من وقوع اختلاط في النسب، وخطأ في المواريث أرجو إفتائي بحكم الشرع في ذلك، لنسير على ضوء الفتوى.
ج: لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها والد اللقيط باسم من تبناه، وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء؛ لما في ذلك من الكذب والزور، واختلاط الأنساب، والخطورة على الأعراض وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق، وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات، وتجاوز حدود الشريعة؛ لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه، ولعن النبي -صلى الله عليه وسلم- من انتسب إلى غير أبيه أو غير مواليه، قال الله تعالى: سورة الأحزاب الآية 4 وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ سورة الأحزاب الآية 5 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ(23/47)
مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: رواه بهذا اللفظ أو بلفظ قريب منه: أحمد 1 / 169، 174، 179، 2 / 171، 194، 5 / 38، 46، والبخاري 5 / 103، 8 / 12، ومسلم 1 / 80 برقم (63)، وأبو داود 5 / 337 برقم (5113)، وابن ماجه 2 / 870 برقم (2610، 2621)، والدارمي 2 / 244، وابن أبي شيبة 8 / 537، 14 / 146 - 147، وابن حبان 2 / 159، 160 برقم (415، 416)، والطيالسي ص 120، 300 برقم (885، 2274)، والبيهقي 7 / 403، والبغوي في (شرح السنة) 9 / 272 برقم (2376). من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام رواه أحمد والبخاري ومسلم وقال -صلى الله عليه وسلم-: رواه بهذا اللفظ أو بلفظ قريب منه: أحمد 1 / 81، 126، 318، 328، 4 / 186، 187، 238، 239، 5 / 267، والبخاري 8 / 10، ومسلم 2 / 998، 1047 برقم
(1370)، وأبو داود 5 / 338 - 339، 339 برقم (5114، 5115)، والترمذي من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة فاجتهاد عم المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه، ويجب العمل على التغيير والتعديل للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية، وللحكم التي تقدم بيانها، وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان عليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ
ـــــــــــــــــــ
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 3612)
كِتَابُ اللَّقِيطِ
1384 - مَسْأَلَةٌ : إنْ وُجِدَ صَغِيرٌ مَنْبُوذٌ فَفَرْضٌ عَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ وَلَا بُدَّ , لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } . وَلَا إثْمَ أَعْظَمَ مِنْ إثْمِ مَنْ أَضَاعَ نَسَمَةً مَوْلُودَةً عَلَى الْإِسْلَامِ - صَغِيرَةً لَا ذَنْبَ لَهَا - حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا وَبَرْدًا أَوْ تَأْكُلَهُ الْكِلَابُ هُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ عَمْدًا بِلَا شَكٍّ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ }
1385 - مَسْأَلَةٌ : وَاللَّقِيطُ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَزَوْجِهِ حَوَّاءَ عليهما السلام وَهُمَا حُرَّانِ وَأَوْلَادُ الْحُرَّةِ أَحْرَارٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ فَهُوَ حُرٌّ إلَّا أَنْ يُوجِبَ نَصُّ قُرْآنٍ , أَوْ سُنَّةٍ وَلَا نَصَّ فِيهِمَا يُوجِبُ إرْقَاقَ اللَّقِيطِ , وَإِذْ لَا رِقَّ عَلَيْهِ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا وَلَاءَ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ رِقٍّ عَلَى الْمَرْءِ , أَوْ عَلَى أَبٍ لَهُ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِنَسَبِهِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَدَاوُد . وَقَدْ صَحَّ عَنْ(23/48)
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فَأَتَى بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : هُوَ حُرٌّ , وَوَلَاؤُهُ لَك , وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ . وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِمَنْ الْتَقَطَهُ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : اللَّقِيطُ عَبْدٌ . وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ - هُوَ أَبُو إسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ - عَنْ حَوْطٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : هُمْ مَمْلُوكُونَ - يَعْنِي اللُّقَطَاءَ - . وَمِنْ طَرِيقِ
ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ : إنَّ عَمْرًا أَعْتَقَ لَقِيطًا . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا الْأَعْمَشُ عَنْ زُهَيْرٍ الْعَنْسِيّ أَنَّ رَجُلًا الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْتَقَهُ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : لَا يَعْتِقُ إلَّا مَمْلُوكٌ . قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا شُعْبَةُ قَالَ : سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَالْحَكَمَ عَنْ اللَّقِيطِ ؟ فَقَالَا جَمِيعًا : هُوَ حُرٌّ فَقُلْت : عَمَّنْ ؟ فَقَالَ الْحَكَمُ : عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ . وَرَوَيْتُمْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ , وَمُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ مُوسَى : رَأَيْت وَلَدَ زِنًا أَلْحَقَهُ عَلِيٌّ فِي مَائِهِ . وَقَالَ زُهَيْرٌ عَنْ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسِيحٍ قَالَ : وَجَدْت لَقِيطًا فَأَتَيْت بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَلْحَقَهُ فِي مَائِهِ ؟ قُلْنَا : لَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ; لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ حُرٌّ , وَقَوْلَ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ هُوَ حُرٌّ , إذَا ضُمَّ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْتَقَ اللَّقِيطَ , مَعَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ , وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ , اتَّفَقَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا رضي الله عنهما هُوَ حُرٌّ - : أَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْهُمَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ . وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ تَرَكَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ عَنْ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ " الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ " وَلَوْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْ عُمَرَ لَمَا كَانَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ فِي أَنَّ الْبَيْعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا , أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ , بَلْ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ , فَالصَّفْقَةُ التَّفَرُّقُ , وَالْخِيَارُ التَّخْيِيرُ , ثُمَّ لَا يَجْعَلُ مَا رَوَى سُنَيْنٌ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - عَنْ عُمَرَ حُجَّةً , وَمَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ حُجَّةٌ عَنْ عُمَرَ , وَهُوَ وَاَللَّهِ أَجَلُّ وَأَوْضَحُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ , وَلَا يُعْرَفُ لِعُمَرَ , وَعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم , لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ هُمْ أَبَدًا يَأْخُذُونَ بِمَا دُونَهُ - : وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ نا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ نا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلَانِيِّ نا عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ الْوَاحِدِ النَّصْرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ , لَقِيطَهَا , وَعَتِيقَهَا , وَوَلَدَهَا الَّذِي لَا عَنَتْ عَلَيْهِ } . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ النَّصْرِيُّ مَجْهُولَانِ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ , وَأَمَّا هُمْ فَلَا يُبَالُونَ بِهَذَا , وَلَا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ , وَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَتِهِ . فَإِنْ قَالُوا : وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَرِقُّ وَأَصْلُهُ الْحُرِّيَّةُ ؟ قُلْنَا : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ(23/49)
: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ , أَوَ لَسْتُمْ الْقَائِلِينَ : إنَّ رَجُلًا قُرَشِيًّا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هُوَ وَامْرَأَتُهُ الْقُرَشِيَّةُ مُرْتَدَّةً , فَوَلَدَتْ هُنَالِكَ أَوْلَادًا , فَإِنَّ أَوْلَادَهُمْ أَرِقَّاءُ مَمْلُوكُونَ يُبَاعُونَ ؟ . وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : إنَّ تِلْكَ الْقُرَشِيَّةَ تُبَاعُ وَتُتَمَلَّكُ , أَوْ لَيْسَ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إمَّا عَنْ مَالِكٍ وَإِمَّا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ لَوْ صَارُوا ذِمَّةً سُكَّانًا بَيْنَنَا , أَوْ بِأَيْدِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْرَارٌ وَحَرَائِرُ , أَسَرُوهُمْ وَبَقُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حَالِ أَسْرِهِمْ , فَإِنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَتَبَايَعُونَهُمْ مَتَى شَاءُوا , وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ , فَأَيُّمَا أَشْنَعُ وَأَفْظَعُ , هَذَا كُلُّهُ , أَوْ إرْقَاقُ لَقِيطٍ لَا يَدْرِي عَنْ أُمِّهِ أَحُرَّةٌ أَمْ أَمَةٌ ؟ حَتَّى لَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرِيُّ التَّدْمِيرِيُّ وَمَا عَلِمْت فِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ , وَلَا أُصَدِّقُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ كِبَارِهِمْ : أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي : أَنَّ التَّاجِرَ , أَوْ الرَّسُولَ , إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَأَعْطَوْهُ أُسَرَاءَ مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَائِرِهِمْ عَطِيَّةً , فَهُمْ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ لَهُ يَطَأُ وَيَبِيعُ كَسَائِرِ مَا يَمْلِكُ , شَاهَ وَجْهُ هَذَا الْمُفْتِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلًا آخَرَ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي اللَّقِيطِ , قَالَ : لَهُ نِيَّتُهُ إنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَهُوَ حُرٌّ , وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَهُوَ عَبْدٌ . وَقَوْلُنَا : بِأَنَّهُ لَا رِقَّ عَلَيْهِ - : هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَعَطَاءٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَالْحَكَمِ , وَحَمَّادٍ - وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ , وَعَهِدِنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ الْأُصُولَ , وَالْقِيَاسَ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ : مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ , فَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا هَذَا ؟ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
1386 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَهُ ; لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ , وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ فَكُلُّ مَا كَانَ بِيَدِهِ فَهُوَ لَهُ , وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ 1387 - مَسْأَلَةٌ : وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ اللَّقِيطَ ابْنُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرًّا كَانَ , أَوْ عَبْدًا : صُدِّقَ , إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَقًّا , فَإِنْ تُيُقِّنَ كَذِبُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ . بُرْهَانُ ذَلِكَ - : أَنَّ الْوِلَادَاتِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ , وَهَكَذَا أَنْسَابُ النَّاسِ كُلِّهِمْ , مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْكَذِبُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا - لِلْمُسْلِمِينَ - لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ : { كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَعَلَى الْمِلَّةِ } وَقَوْلِهِ عليه السلام عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ : { خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ } . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } . فَإِنْ ادَّعَاهُ كَافِرٌ لَمْ يُصَدَّقْ ; لِأَنَّ فِي تَصْدِيقِهِ إخْرَاجَهُ عَنْ مَا قَدْ صَحَّ لَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ , وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ كَافِرٍ مِنْ كَافِرَةٍ فَقَطْ , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِيمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ : لَا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ ; لِأَنَّ فِي تَصْدِيقِهِ إرْقَاقَ الْوَلَدِ - وَكَذَبُوا فِي هَذَا وَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ حُرٌّ
, لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَسَرَّى وَأَمَّا نَحْنُ فَقَدْ قُلْنَا : إنَّ النَّاسَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ , وَلَا تَحْمِلُ امْرَأَةُ الْعَبْدِ إلَّا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ
فَوَلَدُهُ حُرٌّ , حَتَّى يَثْبُتَ انْتِقَالُهُ عَنْ أَصْلِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
ـــــــــــــــــــ(23/50)
...(23/51)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام المحبوس
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(24/1)
«ج - التّفريق للحبس»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10356)
92 - إذا حبس الزّوج مدّةً عن زوجته ، فهل لزوجته طلب التّفريق كالغائب ؟
الجمهور على عدم جواز التّفريق على المحبوس مطلقاً ، مهما طالت مدّة حبسه ، وسواء أكان سبب حبسه أو مكانه معروفين أم لا ، أمّا عند الحنفيّة والشّافعيّة فلأنّه غائب معلوم الحياة ، وهم لا يقولون بالتّفريق عليه كما تقدّم ، وأمّا عند الحنابلة فلأنّ غيابه لعذر . وذهب المالكيّة إلى جواز التّفريق على المحبوس إذا طلبت زوجته ذلك وادّعت الضّرر ، وذلك بعد سنة من حبسه ، لأنّ الحبس غياب ، وهم يقولون بالتّفريق للغيبة مع عدم العذر ، كما يقولون بها مع العذر على سواء كما تقدّم
ـــــــــــــــــــ
الفَصْل الخامِسْ -في التفريق لحبس الزوج
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 270)
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يفرق بين الزوج وزوجته بسبب حبسه مهما طال.
وذهب المالكية والحنابلة الذين يرون التفريق لغيبة الزوج إلى عدم التصريح بالتفريق لحبس الزوج.
ولم يصرح بذلك إلا بعضُ من الحنابلة في فتاويه، ولكن المذهب المالكي صرح بأن لزوجة الأسير الحق في طلب التفريق لأن مناط التفريق عندهم هوُ بعدُ الزوج عن زوجته سواء كان باختياره أو قهراً عنه كما في الأسير، لأن الضرر يلحق الزوجة من هذا البعد، وهذا المعنى متحقق في زوجة المحبوس.
ـــــــــــــــــــ
تطليق امرأة المسجون بغير علمه بين النفاذ وعدمه
تاريخ الفتوى : ... 01 رجب 1426 / 06-08-2005
السؤال
ندعو العلي القدير أن تصلكم أسئلتنا هذه وأنتم وجميع العاملين معكم في نعمة من الله وعافية. أسئلة من جمهورية بلغاريا.
1- إمام طلق امرأة منذ أشهر من زوجها الموجود في السجن لأسباب اقتنع الإمام بها. بعد مدة من الزمن حصل تغير في خلق المرأة والرجل /تحسنت/ هذه المرأة تريد أن تعود لزوجها بشرط أن لا يتم إخبار زوجها عن هذا الطلاق الذي حصل لتفادي مشاكل ردة الفعل, مع العلم أن الزوج لا يعلم بهذا الطلاق أصلا. ما حكم ذلك؟.(24/2)
2- امرأة تريد الطلاق من زوجها أمام الإمام لسبب أنها تكرهه ولا تطيق أن تعيش معه وهي لا تمكنه منها لعدة أشهر وهو لا يريد الطلاق, مع العلم أن لديهم ولدا، والإمام ردّهم عدة مرات لعله يتم تغيير في المواقف-
جواب الزوج للإمام أن الزواج مسؤولية ولا يستطيع أن يطلق زوجته, وإن طلقها الإمام فليتحمل مسؤوليته- هل يحق للإمام أن ينفذ حكم الطلاق , كيف ومتى؟. جزاكم الله خيرا الجزاء.
أخوكم علي حسين خير الدين
/ مفتي صوفيا/
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المعروف أن الطلاق بيد الزوج، ولا يحق لأحد أن ينفذه عليه إلا من وكله على ذلك من زوجة أو غيرها أو القاضي عند ثبوت سبب الطلاق من ضرر حاصل للزوجة من البقاء في عصمة زوجها لعجزه عن القيام بنفقتها ونحو ذلك، وتقوم جماعة المسلمين مقام القاضي عند عدم وجوده، فإذا تقرر هذا علم أن الإمام وحده لا يملك حق إنفاذ الطلاق على السجين أو غيره لأي سبب كان ذلك، وعليه فطلاقه الذي صدر وأفتى به كالعدم، والعصمة باقية على حالها، وهذا ما لم يكن مفوضا من قبل المركز الإسلامي الموجود في بلادكم، أما إن كان مفوضا من قبل جماعة المركز وأعطته صلاحية النظر والحكم في أمور الطلاق فإنه ينفذ ما أوقع من الطلاق لمسوغ شرعي ويكون طلاق بائنا، هذا من حيث الأصل، لكن بما أننا لم نطلع على السبب الذي طلقت هذه المرأة من أجله بالتحديد فلا يمكن لنا أن نحكم بأنه طلاق بائن أو رجعي لأن طلاق القاضي قد يكون رجعيا في بعض الحالات، مثلا إذا طلق المرأة من أجل عسر زوجها بالنفقة ثم أيسر الزوج قبل انتهاء العدة فله أن يرتجعها وعلى كل حال فهو طلاق.
وما ذكرناه من كون الإمام إذا كان مفوضا من قبل جماعة المركز الإسلامي يأخذ طلاقه حكم طلاق القاضي هو مقتضى كلام أهل العلم من قيام جماعة المسلمين مقام القاضي عند عدم وجوده، وهو ما قرره مجمع فقهاء الشريعة الإسلامية بأمريكا بخصوص هذا الموضوع الذي نحن بصدده، حيث جاء في بيانه الختامي للمؤتمر الثاني: أن للمراكز الإسلامية خارج ديار الإسلام صفة قضائية فإذا كان للقائم على المركز الإسلامي صفة المحكم سواء باتفاق الطرفين أو لإصلاح الجالية المسلمة عليه اعتبارا لفقهه فإنه يعتد بما يجريه من التفريق بسبب الضرر وسوء العشرة ونحوه بعد استيفاء الإجراءات القانونية التي تقيه من الوقوع تحت طائلة القانون، وعليه، فالخلاصة أن الطلاق الذي أوقعه الإمام غير نافذ ولا أثر له إن لم يكن الإمام مفوضا من جماعة المركز الإسلامي، ونافذ إن كان الإمام مفوضا من المركز الإسلامي ويعتبر طلاقا.(24/3)
أما عن السؤال الثاني، فالجواب أنه في حال بغض المرأة لزوجها وعدم قدرتها على العيش معه وخشيتها من عدم قيامها بواجبها نحوه فلها طلب الطلاق، فإن لم يرض الزوج فلها أن تفتدي منه بأن تدفع له ما أعطاها من مهر أو غير ذلك مما يتم عليه الاتفاق، ويستحب للزوج إجابتها لذلك، ولا يجبر عليه فإن لم يفعل فترفع أمرها إلى القاضي أو من ينوب عنه كجماعة المسلمين كما في الحالة المسؤول عنها ليرى أو لترى الأصلح، وتراجع الفتوى رقم: 57926.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
زوجة السجين.. حقها في الطلاق
لمشاهدة الصورة بحجم اكبر إضغط علي الصورة
التطليق لحبس الزوج:
الزوج بشر يصيب ويخطىء، ومن الأزواج العاصي والمطيع، والزوج العاصي الذي يرتكب الجريمة ويعاقب عليها، لا ينبغي أن تضار زوجته بجرائمه، خاصة وأن من العقوبات ما يرغم الزوجة على انتظار زوجها السنين الطوال، وذلك إضرار بالزوجة ينافي مقاصد التشريع، ويوقعها والمجتمع كله في حرج شديد.
والفقهاء يختلفون في جواز التطليق بسبب الحبس، فالأحناف لا يجيزون الحبس سبباً للتطليق، وفقههم في الأخذ بهذا متناسق، لأنهم لا يرون الغيبة سبباً للتفريق سواء بعذر أو لغير عذار.
أما الحنابلة فالراجح عندهم عدم التفريق بين الرجل وزوجته بسبب الحبس، لأن الغيبة فيه بعذر وإن كان العذر في ذاته غير مشروع.
ويذهب الإمام ابن تيمية في فتاويه إلى أن القول في إمرأة الأسير والمحبوس ونحوهما مما يتعذر إنتفاع إمراته به إذا طلبت إمراته فرقته كالقول من أحكام المفقود، فهو بذلك يقترب من الفقه المالكي.
أما المالكية فهم يجيزون التفريق بين الزوج وزوجته بسبب حبس الزوج، لأنهم يعتبرون مطلّق الغيبة بعذر أو بغير عذر سبباً يجيز للزوجة طلب التطليق، والمالكية في هذا أيضاً مذهبهم متناسق لأنهم يرون أن مناط التطليق للغيبة وعلة التفريق بهما، هو الضرر الذي قد يصيب الزوجة وهو متحقق سواء كانت الفرقة بعذر أو بغير عذر. والتطليق للحبس عند المالكية يقع بائناً. وهو ما أخذ به القانون رقم 25 لسنة 1929 وقد عدل به المشرع عما كان معمولاً به في القضاء المصري من أرجح الأقوال في مذهب أي حنيفة والتي لا تجيز التفريق بين الزوجين لحبس الزوج.
1_ النص التشريعي: جاءت بهذا التعديل المادة 14 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ونصّها ما يلي:(24/4)
مادة (14) لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائياً بعقوبة مقيّدة للحرية مدة ثلاث سنين فأكثر أن تطلب إلى القاضي بعد مضي سنة من حبسه _التطليق عليه بائناً للضرر ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه.
فمجال تطبيق النص ينحصر في المحبوسين المحكوم عليهم بعقوبة مقيّد للحرية وهي الحبس، والسجن، الأشغال الشاقة المؤبّدة والمؤقتة، أما حيث يكون الحكم بالغرامة أي بعقوبة مالية فلا مجال لتطبيق النص، ولا مجال لتطبيقه أيضا لو كانت العقوبة هي الإعدام، وهذه ثغرة في النص، ولا مجال لتطبيقه أيضاً لو كانت العقوبة هي الإعدام، وهذه ثغرة في النص لأن الحكم بالإعدام عقوبة سالبة للحياة، ولكن إجراءات تنفيذها قد تستغرق أعواماً فما هو السبيل لفصم عرى الزوجية؟ لا يوجد حل في نص المادة (14) من القانون والأجدر أن يتدخل المشرع لحسم المشكلة بنص تشريعي.
2_ فقه النص:
اعتد المشرع في نص المادة (14) بالغياب الفعلي، وليس على الزوجة إلا إثبات واقعة الحبس، وأنها بناء على حكم نهائي مدّته ثلاث سنين فأكثر، وليس عليها إثبات الضرر فالضرر هنا مفترض، حتى لو كان للمحبوس مال تستطيع الزوجة الإنفاق منه.
والحبس حالة غياب فعلي، والأعم الأغلب أن يكون المحبوس قد حوكم في وطنه، وحبسه تمّ داخل إقليم الدولة التي ينتمي إليها، وليس ذلك بشرط، فيستحق الحبس في حكم المادة (14) من القانون رقم 25 لسنة 1929، حتى لو حوكم الزوج خارج وطنه، وحبس في إقليم دولة أخرى، ويكفي العلم بحبسه ولا يشترط لتطبيق نص المادة (14) أن يكون مكان الحبس معلوماً للزوجة كما لا يشترط أن يكون الحبس في البلد التي فيها بيت الزوجية أو خارجها.
والحبس المقصود في نص المادة (14) ليس عقوبة الحبس بالمعنى الفني الدقيق في القانون الجنائي، بل كل العقوبات المقيدة للحرية. ولفظ المحبوس الوارد في نص المادة 14 يقصد به الشخص الذي يتم تنفيذ العقوبة عليه وليس العقوبة ذاتها.
شروط التطليق للحبس:
نص المادة (14) وضع عدداً من الشروط ينبغي توافرها في الحبس حتى يكون سبباً لطلب التطليق، وهذه الشروط هي:
أ_ أن تكون العقوبة مقيدة للحرية، فالعقوبات السالبة للحياة، والعقوبات المالية، لا تجيز التطليق لهذا السبب، وتساءل الفقهاء عن الاعتقال هل يقاس على الحبس ويعتبر مثله سبباً للتفريق وبنفس شروطه؟ أم أنه لا اجتهاد في موضع النص، فلا يعتبر الاعتقال حبساً في نص المادة (14) من القانون رقم 25 لسنة 1929؟(24/5)
أن الاعتقال غير الحبس، فالحبس دائماً وإن كان عذراً للغياب، فهو في كل الأحوال عذر غير مشروع، أما الاعتقال فهو إجراء وقائي، لا يحكم به القاضي، بل هو من صميم إختصاص سلطات الأمن، وبينما يكون الحبس دائماً سليماً بحيازته الحجية القانونية، فإن الاعتقال قد يكون بتعسف، وقد يكون لغير سبب، وهو ليس المعنى الذي أراده المشرّع للحبس، ولو كان يريده لصرح به.
بل إن إيداع الشخص في مكان أمين وفقاً لما تقضي به محكمة القيم، لا يعد من الحبس الذي جعله المشرع سبباً للتطليق.
ب_ أن يصدر بالعقوبة حكم نهائي: ويعتبر الحكم نهائياً إذا حاز حجية تحول دون نظر الدعوى من جديد، ويكون ذلك في الأحوال التالية:
_ إذا لم يكن الحكم قابلاً للطعن بسبب طبيعته.
_ إذا كان قد استنفذ كل طرق الطعن فيه الجائزة قانوناً.
_ إذا كانت المواعيد المقررة للطعن انقضت دون الطعن فيه.
ج_ أن تكون مدة العقوبة المقضي بها ثلاث سنوات فأكثر، وفي حالة تعدد العقوبات بحيث يصبح مجموعها ثلاث سنوات فأكثر، مع وحدة الحبس وتعدد الجرائم، فالرأي عندي أن التطليق يجوز في هذه الحالة، أما إذا كانت مدد العقوبات أقل من ثلاث سنوات، وتمّ تنفيذها متفرقة فلا يثبت للمرأة حق التفريق في هذه الحالة.
د_ أن ينفذ الحكم على الزوج، وتمضي سنة على الأقل من تاريخ تنفيذ الحبس، قبل رفع دعوى التطليق، والرأي عندي أن السنة التي اشترطتها المادة رقم (14) تبدأ من تاريخ حبس الزوج، وليس من تاريخ النطق بالحكم مما يجعل مدة العقوبة المحكوم بها طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية، والقول بغير ذلك يطيل على المرأة المدة التي تستطيع خلالها رفع دعوى التطليق، وهي إطالة تضر بالمرأة، تفتقر إلى السند القانوني.
فإذا تم الإفراج عن الزوج قبل مضي السنة فإن الزوجة لا تملك رفع دعوى التطليق بسبب حبس الزوج، لتخلف أحد شروطها. وإذا تمّ الإفراج عن الزوج بعد مضي السنة وبعد رفع الدعوى، فالرأي عندي أن الإفراج عن الزوج المحبوس في هذه الحالة لا يمنع من استمرار السير في الدعوى والقضاء فيها بالتطليق وفقاً لنص المادة 14 من القانون رقم 25 لسنة 1929.
أما إذا صدر عفو عن الزوج المحبوس، سواء كان عفواً عن العقوبة، أو عفواً شاملاً، فالرأي عندي أن يحكم القاضي برفض الدعوى، لزوال سببها وهو العقوبة السالبة للحرية، والرأي هنا يختلف عن موقفنا من الإفراج قبل انقضاء مدة العقاب، لأن العفو يزيل العقوبة، أما الإفراج فهو يوقف الاستمرار في تنفيذها فحسب، حتى لو لم يكن معلقاً على شرط.(24/6)
والطلاق الذي يوقعه القاضي بناء على حبس الزوج طلاق بائن بصريح نص القانون، وقد اختار المشرع السوري أن يكون الطلاق رجعياً، وهو ما أيّده جانب من الفقه، بدعوى أن تضرر الزوجة من حبس زوجها يرتفع بعودته، فإذا أفرج عنه قبل انتهاء العدة فمن الأوفق أن يكون له الحق في مراجعتها.
والرأي عندي أن ما اختاره التشريع المصري للأحوال الشخصية هو الأوفق للمجتمع، والأعمق فقهاً، والأرفق بالزوجة، فالمحبوس ليس جديراً بعطف المشرع ورحمته، كما أن الحبس ينم في الغالب الأعم عن شخصية سيئة السلوك، وقد تجد المرأة فرصتها في فراق رجل سيء عند حبسه، والطلاق الرجعي يحول دون تحقيق هذه الغاية.
وقد أخذ القانون العراقي بما أخذ به القانون المصري، واعتبر التطليق الواقع بحبس الزوج طلقة بائنة، ومن الجدير بالذكر أن القانون العراقي للأحوال الشخصية جاء بحكم جديد في التفريق القضائي بين الزوجين وهو تأخر الزوج عن طلب زوجته للزفاف فنصّت المادة (43) والتي تعدد أسباب طلب الزوجة للتفريق نصّت في فقرتها الثالثة على ما يلي:
"إذا لم يطلب الزوج زوجته غير المدخول بها للزفاف خلال سنتين من تاريخ العقد، ولا يعتد بطلب الزوج زفاف زوجته إذا لم يكن قد أوفى لها بحقوقها الزوجية".
هذا ولم ينص القانون التونسي على أسباب للتفريق القضائي بين الزوجين، لأنه جعل الطلاق كله بيد القاضي، ونصّت مواده على ما يلي:
مادة (30) لا يقع الطلاق إلا لدى القاضي.
مادة (31) يحكم بالطلاق. بناءً على طلب من الزوج أو الزوجة بتراضي الطرفين.
وقد وردت أحكام التطليق لحبس الزوج في مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي وافق عليه مجمع البحوث الإسلامية، وهي أحكام لا تختلف عمّا نص عليه القانون رقم 25 لسنة 1929.
وقد نصّت المادة 120 من مشروع القانون العربي الموحّد للأحوال الشخصية على الطلاق لحبس الزوج ونصّها ما يلي "لزوجة المحكوم عليه نهائياً بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات طلب التطليق، ولا يحكم لها بذلك إلا إذا مضى على حبسه مدة لا تقل عن سنة".
وإذا كان لنا من تعقيب أخير على أحكام القانون المتعلقة بالتطليق لحبس الزوج، أنها لم تعالج حالة المحكوم عليه الهارب، سواء كان هروبه قبل تنفيذ الحكم، أو بعد البدء في تنفيذه، فطبقاً لشروط المادة 14 من القانون رقم 25 لسنة 1929، فإن زوجة الهارب لا يمكنها رفع دعوى التطليق إلا إذا جاء هروب المحكوم عليه بعد مضي السنة، أما إذا هرب بعد الحكم وقبل البدء في التنفيذ، أو بعد تنفيذ مدة من العقوبة تقل عن سنة، فالزوجة لا تجد طريقاً للتطليق لحبس الزوج، ولا تستطيع المطالبة بالتفريق إلا بناء على أسباب أخرى.(24/7)
أن الهروب بعد بدء التنفيذ ولو قبل مضي السنة يعطي زوجة المحبوس الهارب حق رفع دعوى التطليق بعد مضي السنة حتى لو لم يقبض على المحبوس الهارب، ونفس الحكم ينطبق على المحكوم عليه الهارب بعد صدور الحكم وقبل بدء التنفيذ. أما الزوج الهارب قبل صدور الحكم فلا تستطيع الزوجة رفع دعوى التطليق لحبس الزوج، ولكنها تطالب به بناءً على الغيبة إذا توافرت شروطها. وفي كل الأحوال لا يعتبر هروب السجين قاطعاً لمدة السنة، فعند القبض عليه، تحتسب من السنة المدة التي قضاها من العقوبة بالإضافة إلى مدة هروبه فلا تبدأ بالقبض عليه مدة جديدة.
ـــــــــــــــــــ
عدة زوجة السجين ... العنوان
أنا امرأة متزوجة ،أقمت دعوى على زوجي للطلاق من أجل الشقاق والنزاع، والقضية قائمة منذ ثلاث سنوات .
وسؤالي: هو عندما أحصل على طلاق هل تجب علي العدة علما بأن زوجي مسجون منذ أكثر من سنة ونصف الآن ،ولا يوجد أي مجال للإصلاح بيننا..
... السؤال
01/02/2005 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
عدة المرأة المطلقة بعد الدخول ثابتة بالكتاب والسنة ، وإجماع العلماء ، حتى لو كان الزوج لم يقرب زوجته قبل الطلاق بسنوات ، وحتى لو كانت المرأة عقيما لا تلد ، لأن العدة لم تشرع لاستبراء الرحم ، وإعطاء الزوج فرصة للرجوع فقط ، ولكن لأسباب أخرى كثيرة ، منها الوفاء بحق الزوج ، فالنكاح أغلظ العقود ، وأوكدها .
وسواء عرفت الحكمة من العدة أم لم تعرف فطالما أنها ثبتت بالكتاب أو السنة أو الإجماع فلا بد من التقيد بها.
وعلى ذلك فتبدأ عدتك من تاريخ الطلاق نفسه.
يقول الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا- :-
تبدأ عدة الطلاق من تاريخِه سواء أكان المُطلِّق هو الزّوج أو المحكمة، وفي الطَّلاق الغِيابي الصادر من المحكمة لا تبدأ العِدة إلا إذا صار نهائيًّا.(24/8)
وذلك إنْ مضت مُدّة المعارَضة والاستئناف ولم يعارض ولم يستأنف، أو استأنف وتأيد الحكم . أما إذا لم يَصِر الحكم بالطلاق نهائِيُّا فلا تترتَّب عليه آثاره ومنه العِدّة حتى يكون نهائيًّا " الفتاوى الإسلامية " المجلد 6 ص2193 " .
ويقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :-
زعم البعض أن تربُّص المرأة مدة العدة أيًّا كانت، إنما هو لتبيُّن مدى براءة الرحِم من الحمل، حتى إذا ما أمكن معرفة هذه البراءة بوسيلة من الوسائل الطبية، فلا معنى لتربُّص المرأة هذه المدة، وقد زَيَّن لهذا البعض شياطينُهم أن بوُسْعِهم بعد هذا إلغاء أحكام العِدَّة من الشريعة، بل وإلغاء نصوصها من الكتاب والسنَّة، لعدم الحاجة إليها.
وفي البداية نُقَرِّر أن الفقهاء متفقون على أن تربُّص المرأة المدخول بها مدة العدة أمر أوجبه الشارع عليها، سواء كانت تعتد من طلاق أو وفاة زوجها أو بسبب فسخ النكاح، بل إن جمهور الفقهاء يَرَوْنَ وجوب العدة عليها وإن لم يدخل بها الزوج، إذا كان قد اختلى بها خَلْوَة شرعية صحيحة.
ومما يدل لوجوب العدة على المرأة قول الله، تعالى: (والمطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بأنفُسِهِنَّ ثلاثةَ قُروءٍ)، وقوله سبحانه: (والذينَ يُتَوَفَّوْنَ منكم ويذَرُونَ أزواجًا يتربَّصْنَ بأنفُسِهِنَّ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا)، وقوله جل شأنه: (واللائي يَئِسْنَ من المحيضِ من نسائِكُمْ إنِ ارتَبْتُمْ فعِدَّتهُنَّ ثلاثةُ أشهرٍ واللائِي لَمْ يَحِضْنَ)، وقوله، تعالى: (وأُولاتُ الأحمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يضعْنَ حَمْلَهُنَّ) فهذه الآيات، وإن كانت خبرية من حيث اللفظ، إلا أنها تُفيد الإنشاء من حيث المعنى، فتفيد الأمر بما ورد فيها من أحكام العِدَّة، والأمر يقتضي الوجوب، وقيل: إن الفعل مُقتَرِن بلام الأمر، وتقديره: لِيتَرَبَّصْنَ، فحُذِفَت اللام، والفعل المُقتَرِن بلام الأمر يُفيد الوُجوب، فأفادت هذه الآيات وجوب العدة على المرأة المطلَّقة المدخول بها، حاملًا أو غير حامل، والمرأة المتوفَّى عنها زوجها دخل بها أو لم يدخل حاملًا أو حائلًا، وقد حكى ابن العربي وابن قدامة وغيرهما إجماع الفقهاء على وُجوب العدة على المرأة، إلا أن تكون مُطَلَّقة قبل الدخول بها، فلا عدة عليها.
وقد أجهد بعض العلماء أنفُسَهم للوُقوف على حكمة مشروعية العدة، وتوَصَّلوا من خلال اجتهادهم إلى معرفة حكمة مشروعية بعض أنواعها ولم يتوصلوا إلى معرفة حكمة مشروعية البعض الآخر؛ إذ رأَوْا أن شرعية العدة في الطلاق الرجعي لتمكين المطلَّق من العود لمطلقته أثناء العدة بعد زوال سبب التطليق، حرصًا من الشارع على إبقاء الرابطة الزوجية، ورأوا أن شرعيتها في الطلاق البائن أو الفُرْقة لفساد العقد أو الوطء بشبهة لاستبراء الرحم، منعًا من اختلاط الأنساب، ورأوا أنها شُرِعت في حال وفاة الزوج، لتذكُّر نعمة الزواج، ورعاية حق الزوج وإظهار التأثُّر بفقده، وصَوْن كرامة المرأة وسُمعتها من أن يتحدث الناس بأمرها، إذا خرجت أو تزيَّنت دون تربُّص مدة العدة، ورأى بعضهم(24/9)
أن المقصود الأعظم من العدة هو حفظ حق الزوج دون معرفة براءة الرحِم، ولهذا اعتُبرت عدة الوفاة بالأشهر، ووجبت العدة على المتوفَّى عنها غير المدخول بها تعبدًا ومراعاةً لحق الزوج.
وما من قول من هذه الأقوال إلا وهو قابل للمناقشة، ولكن سواء كانت حكمة مشروعية العدة هي ما ذكره هؤلاء الفقهاء أو غيرها.
فإن الواجب على المكلفين الامتثال لما كلَّفهم الشارع به، سواء أدركوا الحكمة من مشروعية التكاليف أو لم يدركوها؛ لأن حكمة المشروعية منها لا أثر له في وجوب الامتثال، ولهذا فإن تعليل البعض لوجوب تربُّص المرأة مدة العدة بأنه لاستبراء الرحم لا يقتضي سكوت الواجب إذا أمكن معرفة براءة رحم المرأة من الحمل بالتحاليل الطبية، وإلا لزم منه سقوط التكاليف الشرعية الأخرى، وإذا أمكن تحقيق حكمة المشروعية منها من غير الإتيان بها، فتسقط فرضية الصيام إذا كان المكلَّف صبورًا يحنو على المحتاجين ويشعر بآلامهم ومُعاناتهم، وتسقط فرضية الحج إلى بيت الله الحرام، إذا أمكن للمكلَّفين التعارُف وتبادل المنافع بغيره، أو بالاجتماع في موضع آخر غير هذا البيت، وتسقط حرمة الزنا إذا لم يترتب عليه اختلاط الأنساب، إلا أن هذا اللازم باطل، فبطل الملزوم، وهو إسقاط فرضية العدة والالتجاء إلى التحاليل الطبية، لمعرفة مدى براءة رحم المرأة المُطلَّقة أو المتوفَّى عنها من الحمل، ومِن ثَمَّ فإن المُطالبة بإلغاء أحكام العدة، أو إلغاء النصوص الشرعية التي تضمنت هذه الأحكام خروج عن المِلَّة؛ لما يترتَّب عليه من إنكار ما عُلِم من الدين بالضرورة، فضلًا عما فيه من العبَث بالثوابت الإسلامية .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ(24/10)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام المفقود
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(25/1)
مَفْقُود
وفي الموسوعة الفقهية :
التّعريف
1 - المفقود في اللغة : الضّائع والمعدوم يقال : فقد الشّيء يفقده فقداً , وفقداناً , وفقوداً : ضلّه وضاع منه , وفقد المال ونحوه : خسره وعدمه .
والمفقود في الاصطلاح : غائب لم يدر موضعه وحياته وموته , وأهله في طلبه يجدون , وقد انقطع خبره وخفي عليهم أثره .
«أنواع المفقود»
2 - المفقود عند الحنفيّة والشّافعيّة نوع واحد .
وذهب المالكيّة إلى أنّ المفقود على أنواعٍ :
الأوّل : المفقود في بلاد المسلمين , ومنهم من فرّع هذا النّوع إلى مفقودٍ في زمان الوباء , ومفقود في غيره .
الثّاني : المفقود في بلاد الأعداء .
الثّالث : المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار .
الرّابع : المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بعضٍ .
وأمّا الحنابلة فالمفقود عندهم قسمان :
الأوّل : من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السّلامة , كالمسافر للتّجارة أو للسّياحة أو لطلب العلم ونحو ذلك .
الثّاني : من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك , كالجنديّ الّذي يفقد في المعركة , وراكب السّفينة الّتي غرقت ونجا بعض ركابها , والرّجل الّذي يفقد من بين أهله , كمن خرج إلى السوق أو إلى حاجةٍ قريبةٍ فلم يرجع , ومن هذا النّوع أيضاً من فقد في صحراء مهلكةٍ أو نحو ذلك .
3 - أمّا الأسير , الّذي لا يدرى أحي هو أم ميّت فإنّه يعتبر مفقوداً في قول الزهريّ , والحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وأمّا المالكيّة , فلم يجعلوا الأسير مفقوداً ولو لم يعرف موضعه ولا موقعه بعد الأسر , إلا في قول ابن عبد البرّ بأنّ الأسير الّذي تعرف حياته في وقتٍ من الأوقات , ثمّ ينقطع خبره , ولا يعرف له موت ولا حياة يعتبر مفقوداً من النّوع الثّاني عندهم .
وقد اعتبر الحنفيّة المرتدّ الّذي لم يعد ألحق بدار الحرب أم لا مفقوداً .
ولم يعتبر المالكيّة المحبوس الّذي لا يستطاع الكشف عنه مفقوداً .(25/2)
«الأحكام المتعلّقة بالمفقود»
يتعلّق بالمفقود أحكام متعدّدة منها :
«أ - زوجة المفقود»
4 - من الثّابت شرعاً أنّ الفقدان لا يؤثّر في عقد الزّوج , لذلك فإنّ زوجة المفقود تبقى على نكاحه , وتستحق النّفقة في قول الفقهاء جميعاً , ويقع عليها طلاقه وظهاره وإيلاؤه , وترثه ويرثها , ما لم ينته الفقدان .
ولكن إلى متى تبقى كذلك ؟ لم يأت في السنّة إلا حديث واحد هو قوله عليه الصلاة والسلام : « امرأة المفقود امرأته حتّى يأتيها الخبر » .
وهذا النّص المجمل جاء بيانه في قول عليٍّ رضي الله عنه : بأنّ امرأة المفقود تبقى على عصمته إلى أن يموت , أو يأتي منه طلاقها .
وبه قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه والنّخعيّ , وأبو قلابة , والشّعبي , وجابر بن زيدٍ , والحكم , وحمّاد , وابن أبي ليلى , وابن شبرمة وعثمان البتّي , وسفيان الثّوري , والحسن ابن حيٍّ , وبعض أصحاب الحديث .
وإليه ذهب الحنفيّة , والشّافعي في الجديد .
وذهب عمر رضي الله تعالى عنه إلى أنّ امرأة المفقود تتربّص أربع سنين , ثمّ تعتد للوفاة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ , فإذا انقضت حلّت للأزواج .
وبهذا القول قال عثمان , وابن عمر , وابن عبّاسٍ , وابن الزبير , هو رواية عن ابن مسعودٍ , وعليٍّ رضي الله عنهم , وهو قول الشّافعيّ في القديم .
وعن سعيد بن المسيّب أنّه إذا فقد في الصّفّ عند القتال تربّصت امرأته سنةً , وإذا فقد في غيره تربّصت أربع سنين .
وذهب المالكيّة إلى أنّ المفقود في بلاد المسلمين تتربّص امرأته أربع سنين , ثمّ تعتد أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ , ثمّ تحل للأزواج , وأمّا المفقود في بلاد الأعداء , فإنّ زوجته لا تحل للأزواج إلا إذا ثبت موته , أو بلغ من العمر حداً لا يحيا إلى مثله , وهو مقدّر بسبعين سنةً في قول مالكٍ وابن القاسم وأشهب , وقال مالك مرّةً : إذا بلغ ثمانين سنةً , وقال ابن عرفة : إذا بلغ خمساً وسبعين سنةً وعليه القضاء , وذهب أشهب إلى أنّه يعتبر كالمفقود في بلاد المسلمين .
أمّا المفقود في قتال المسلمين مع الكفّار فقد قال مالك وابن القاسم بأنّه يعتبر كالمفقود في بلاد الأعداء , وعن مالكٍ : تتربّص امرأته سنةً , ثمّ تعتد , وقيل : هو كالمفقود في بلاد المسلمين .(25/3)
وأمّا المفقود في قتال المسلمين بعضهم مع بعضٍ فقد قال مالك وابن القاسم : ليس في ذلك أجل معيّن , وإنّما تعتد زوجته من يوم التقاء الصّفّين , وقيل : تتربّص سنةً ثمّ تعتد , وقيل : يترك ذلك لاجتهاد الإمام .
وأمّا الحنابلة فعندهم في المفقود الّذي ظاهر غيبته السّلامة قولان :
الأوّل : لا تزول الزّوجيّة ما لم يثبت موته .
الثّاني : أنّ زوجته تنتظر حتّى يبلغ من العمر تسعين سنةً في روايةٍ , وفي روايةٍ أخرى أنّ المدّة مفوّضة إلى رأي الإمام والرّواية الأولى هي القويّة المفتى بها , وهذا هو الصّحيح في المذهب .
ومن الحنابلة من قدّر المدّة بمائة وعشرين سنةً .
وأمّا المفقود الّذي ظاهر غيبته الهلاك , فإنّ زوجته تتربّص أربع سنين , ثمّ تعتد للوفاة , وهو المذهب .
«بدء مدّة التّربص»
5 - تبدأ مدّة التّربص من حين رفع الأمر إلى القاضي , وهو قول عمر رضي الله عنه , وعطاءٍ وقتادة , وعليه اتّفق أكثر من قال بالتّربص , وهو المذهب عند المالكيّة , وفي روايةٍ عن مالكٍ تبدأ من حين اليأس من وجود المفقود بعد التّحرّي عنه , وهو القول الأظهر للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم , ورواية عند الحنابلة .
وقيل : تبدأ المدّة من حين الغيبة , وهو قول للشّافعيّ بناءً على مذهبه القديم , والرّواية الأصح والصّواب عند الحنابلة .
وهناك نصوص نقلت عن عمر , وعثمان وابن عمر , وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم , وسعيد ابن المسيّب , جاء فيها ذكر مدّة التّربص دون تحديد متى تبدأ .
وذهب عمر , وابن عبّاسٍ , وابن عمر , رضي الله عنهم , وعطاء وإسحاق إلى أنّه لا بدّ من أن يطلّق ولي المفقود زوجته , وهو رواية عند الحنابلة .
وفي روايةٍ عن ابن عبّاسٍ , وابن عمر رضي الله عنهم أنّه لا حاجة لطلاق الوليّ , وهو الرّواية الثّانية عند الحنابلة والصّحيح عندهم والمتّفق مع القياس .
«ما يجب على زوجة المفقود بعد التّربص»
6 - يجب على زوجة المفقود بعد مدّة التّربص أن تعتدّ للوفاة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ وهذا قول عمر والصّحابة والعلماء الّذين أخذوا بقوله .
ولا تحتاج الزّوجة بعد مدّة التّربص لحكم من الحاكم بالعدّة , ولا بالزّواج بعد انقضائها في قول المالكيّة والحنابلة .
وأمّا عند الشّافعيّة , فعلى القول القديم عندهم فيه وجهان , والأصح أنّه لا بدّ من الحكم .(25/4)
«ما يترتّب على حكم الحاكم بالتّفريق»
7 - إذا حكم الحاكم بالتّفريق بين المفقود وزوجته فإنّ الحكم ينفذ بالظّاهر دون الباطن , وهو الأصح عند الشّافعيّة .
وقيل ينفذ ظاهراً وباطناً , وهو قول الحنابلة .
ولهذا نتائج في أثر ظهور المفقود حياً في نكاح الزّوجة غيرَه .
« ر : ف 25 - 26 » .
فإن تزوّجت امرأة المفقود في وقتٍ ليس لها أن تتزوّج فيه فنكاحها باطل , لأنّ حكم الزّوجيّة بينها وبين زوجها الأوّل على حاله .
ولو تزوّجت امرأة المفقود قبل مضّي الزّمان المعتبر للتّربص والعدّة , ثمّ تبيّن أنّه كان ميّتاً أو أنّه كان قد طلّقها قبل ذلك بمدّة تنقضي فيها العدّة لم يصحّ النّكاح لأنّها ممنوعة منه فأشبهت الزّوجة , وهو قول للشّافعيّة , وأمّا القول الأصح عندهم فإنّ نكاحها صحيح , وبالقول الأوّل للشّافعيّة أخذ الحنابلة .
ولو ادّعت امرأة أنّها زوجة للمفقود , وأقامت بيّنةً على ذلك لم يقض لها به عند الحنفيّة , خلافاً للمالكيّة , ومبنى المسألة قائم على جواز الحكم على الغائب وعدمه .
«ب - أموال المفقود»
للفقدان أثر ظاهر في أموال المفقود القائمة , وفي اكتسابها بالوصيّة , والإرث , وفي إدارة تلك الأموال .
«أوّلاً : في بيع مال المفقود»
8 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس للقاضي أن يبيع عقار المفقود , ولا العروض الّتي لا يتسارع إليها الفساد , وأمّا ما يتسارع إليه الفساد كالثّمار ونحوها فإنّه يبيعه , ويحفظ ثمنه .
وذهب المالكيّة إلى جواز بيع أموال المفقود إذا قضى عليه بدين أو استحقاقٍ أو ضمان عيبٍ ونحو ذلك , وهذا مبني على قولهم في جواز القضاء على الغائب
«ثانياً : في قبض حقوق المفقود»
9 - ليس للقاضي عند الحنفيّة أن يأخذ مال المفقود الّذي في يد مودعه , ولا المال الّذي في يد الشّريك المضارب , لأنّهما نائبان عن المفقود في الحفظ , وعند المالكيّة له ذلك , وهو قول عند الحنفيّة , غير أنّ ابن عابدين حمله على أنّ القاضي رأى مصلحةً فيه , كما لو كان المدين غير ثقةٍ .
ولو أنّ المدين دفع الدّين إلى زوجة المفقود أو ولده , وكذلك المستأجر لو دفع الأجرة , فإنّ الذّمّة لا تبرأ ما لم يأمر القاضي بذلك , هذا عند الحنفيّة وأمّا عند المالكيّة فإنّ ديون المفقود لا تدفع للورثة , وإنّما تدفع للسلطان .(25/5)
«ثالثاً : في الإنفاق من مال المفقود»
10 - من الثّابت بإجماع الفقهاء أنّ زوجة المفقود تستحق النّفقة « ر : ف 4 » , وهذه النّفقة تكون في مال المفقود , بذلك قال الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .
وقال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما : تستدين , فإن جاء زوجها أخذت من ماله , وإن مات أخذت من نصيبها من الميراث , وبه قال النّخعيّ , فإن لم يكن للمفقود مال , وطلبت الزّوجة من القاضي الحكم لها بالنّفقة فإنّه يجيبها إلى ذلك , وبه قال النّخعيّ , وهو قول لأبي حنيفة , وفي قولٍ آخر له : لا يجيبها , وهو قول شريحٍ , وقال زفر : يأمرها القاضي بأن تستدين , وتنفق على نفسها .
وتنقطع النّفقة بموت المفقود , أو بمفارقته لها فإن استمرّت بقبض النّفقة بعد أن تبيّن أنّه مات أو فارقها ثمّ رجع , فعليها أن تعيد ما قبضته من تاريخ الموت , أو المفارقة .
وتسقط النّفقة عند الشّافعيّة بزواج امرأة المفقود من غيره .
وعند الحنابلة تسقط بتفريق الحاكم بينها وبين زوجها المفقود , أو بزواجها من غيره , ويجب في مال المفقود نفقة زوجته في مدّة العدّة ، بذلك قال ابن عمر , وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم , وفيه قولان عند المالكيّة والحنابلة .
11 - ويجب في مال المفقود نفقة الفقراء من أولاده ووالديه وهو قول الحنفيّة , والشّافعيّة , والمالكيّة غير أنّ المالكيّة اشترطوا لاستحقاق الأبوين النّفقة أن يكون قد قضى بها قاضٍ قبل الفقد , فإن تبيّن أنّ المفقود ميّت , واستمرّ هؤلاء بقبض النّفقة بعد ثبوت موته , فإنّهم يغرمون ما أنفق عليهم من يوم مات , لأنّهم ورثة .
12 - وتستوفى النّفقة المفروضة للزّوجة والأولاد والوالدين من دراهم المفقود ودنانيره ومن التّبر أيضاً , إذا كان كل ذلك تحت يد القاضي , أو كان وديعةً , أو ديناً للمفقود , وقد أقرّ الوديع والمدين بذلك , وأقرّا بالزّوجيّة والنّسب .
وينتصب الوديع والمدين خصماً في الدّعوى , لأنّ المال تحت يدهما , فيتعدّى القضاء منهما إلى المفقود , فإن كان الوديع أو المدين منكراً للوديعة أو الدّين أو الزّوجيّة والنّسب , لم يصلح لمخاصمة أحدٍ من مستحقّي النّفقة , ولا تسمع البيّنة ضدّه .
وليس لهؤلاء بيع شيءٍ من مال المفقود الّذي يخاف عليه الفساد كالثّمار , ونحوها , فإن باعوه , فالبيع باطل .
وليس لهم بيع دار المفقود , ولم لم يبق من ماله سواها , واحتاجوا للنّفقة .
وعند الحنفيّة يجوز للقاضي أن يأخذ من مستحقّي النّفقة كفيلاً , لاحتمال أن يحضر المفقود , ويقيم البيّنة على طلاق امرأته , وأنّه ترك لأولاده مالاً يكفي لنفقتهم , وليس له ذلك عند المالكيّة .(25/6)
والقضاء على المفقود بالنّفقة لمستحقّيها ليس قضاءً على الغائب حقيقةً , وإنّما هو تمكين لهم من أخذ حقّهم .
ولا تجب على المفقود نفقة أحدٍ من أقارب المفقود غير الّذين ذكرنا آنفاً .
«رابعاً : في الوصيّة»
13 - توقف الوصيّة للمفقود عند الحنفيّة , حتّى يظهر حاله , فإن ظهر حياً قبل موت أقرانه فله الوصيّة , وإذا حكم بموته ردّ المال الموصى به إلى ورثة الموصي .
ولو أنّ رجلاً أقام البيّنة على أنّ المفقود قد أوصى له بوصيّة وجاء موت المفقود أو بلغ من السّنين ما لا يحيا إلى مثلها , والموصى له حي , قال المالكيّة : تقبل البيّنة , وتصح الوصيّة إذا كانت في حدود الثلث , وكذلك الحال لو أوصى له قبل الفقد , وهذا مبني على أصولهم في جواز القضاء على الغائب .
«خامساً : في الإرث»
14 - يعتبر المفقود حياً بالنّسبة لأمواله , فلا يرث منه أحد , ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقةً , ويحكم باعتباره ميّتاً , على ما يأتي بيانه « ر : ف 20 - 21 » .
15 - ولا يرث المفقود من أحدٍ , وإنّما يتعيّن وقف نصيبه من إرث مورّثه , ويبقى كذلك إلى أن يتبيّن أمره , ويكون ميراثه كميراث الحمل , فإن ظهر أنّه حي استحقّ نصيبه وإن ثبت أنّه مات بعد موت مورثه استحقّ نصيبه من الإرث كذلك , وإن ثبت أنّه مات قبل موت مورثه أو مضت المدّة , ولم يعلم خبره , فإنّ ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة المورث . وإن كان المفقود ممّن يحجب الحاضرين , لم يصرف إليهم شيء , بل يوقف المال كله . وإن كان لا يحجبهم , يعطى كل واحدٍ الأقلّ من نصيبه الإرثيّ على تقدير حياة المفقود , وعلى تقدير موته , مثال ذلك : رجل مات عن بنتين , وابنٍ مفقودٍ , وابن ابنٍ , وبنت ابنٍ , وطلبت البنتان الإرث , فإنّ فرضهما في هذه المسألة الثلثان , لا يدفع إليهما , وإنّما يدفع إليهما النّصف ; لأنّه أقل النّصيبين , ولا يدفع شيء لابن الابن , ولا لبنت الابن , فإذا مضت المدّة , وحكم بموت المفقود , أعطيت البنتان السّدس , ليتمّ لهما الثلثان , وأعطي الباقي لأولاد الابن , للذّكر مثل حظّ الأنثيين , وعلى ما سبق اتّفاق الفقهاء إلا ما ذكر من خلافٍ في المذهب الحنبليّ حول ردّ ما أوقف من نصيب المفقود الّذي لم يعلم خبره رغم مضيّ المدّة إلى ورثة المورث وهذا قول في المذهب , غير أنّ القول الأصحّ فيه أنّه ملك للمفقود , يوزع بين ورثته , وعليه المذهب .
16 - ولو ادّعى ورثة رجلٍ أنّه فقد , وطلبوا قسمة ماله فإنّ القاضي لا يقسمه حتّى تقوم البيّنة على موته , وتكون الدّعوى بأن يجعل القاضي من في يده المال خصماً عن المفقود , أو ينصّب عنه قيّماً في هذه الولاية .(25/7)
«سادساً : في إدارة أموال المفقود»
تدار أموال المفقود من قبل وكيله , أو وكيلٍ يعيّنه القاضي .
«أ - الوكيل الّذي عيّنه المفقود»
17 - من كان له وكيل , ثمّ فقد فإنّ الوكالة تبقى صحيحةً ، لأنّ الوكيل لا ينعزل بفقد الموكّل .
ولهذا الوكيل أن يحفظ المال الّذي أودّعه المفقود , وليس لأمين بيت المال أن ينزعه من يده .
وأمّا قبض الديون الّتي أقرّ بها غرماء المفقود , وقبض غلات أمواله , فليس له ذلك . وذهب ابن عابدين إلى أنّ لوكيل المفقود حق قبض الديون والغلات ما دام قد وكّل بذلك . وللحنابلة في قبض وكيل المفقود للغلات قولان .
وليس لمن كان وكيلاً بعمارة دار المفقود أن يعمّرها إلا بإذن الحاكم , فلعلّه مات , وحينئذٍ يكون التّصرف للورثة .
«ب - الوكيل الّذي يعيّنه القاضي»
18 - إذا لم يكن للمفقود وكيل فإنّ على القاضي أن ينصّب له وكيلاً .
وهذا الوكيل يتولّى جمع مال المفقود وحفظه وقبض كلّ حقوقه من ديونٍ ثابتةٍ وأعيانٍ وغلاتٍ , وليس له أن يخاصم إلا بإذن القاضي في الحقوق الّتي للمفقود , وفي الحقوق الّتي عليه وإلى هذا ذهب الحنفيّة , ووافقهم المالكيّة في الجملة .
ولا تسمع الدّعوى بحقّ على المفقود , ولا تقبل البيّنة عند الحنفيّة , غير أنّ القاضي إن قبل ذلك , وحكم به , نفذ حكمه , وعليه الفتوى .
وذهب المالكيّة إلى قبول البيّنة على المفقود .
ولو طلب ورثة المفقود من الحاكم نصب وكيلٍ عنه , فعليه أن يستجيب لذلك .
انتهاء الفقدان :
ينتهي الفقدان بإحدى الحالات الآتية :
«الحالة الأولى : عودة المفقود»
19 - إذا ظهر أنّ المفقود حي , وعاد إلى وطنه , فقد انتهى الفقدان , لأنّ المفقود مجهول الحياة أو الموت , وبظهوره انتفت تلك الجهالة , وسيأتي بيان ذلك .
« ر : ف 25 - 26 » .
«الحالة الثّانية : موت المفقود»
20 - إذا ثبت بالبيّنة أنّ المفقود قد مات فقد انتهت حالة الفقدان , لزوال الجهالة الّتي كانت تحيط حياته أو موته , وعلى ذلك اتّفاق الفقهاء .(25/8)
ولا بدّ من ثبوت موته أمام القاضي , غير أنّ الشّافعيّة لم يشترطوا صدور حكمٍ بذلك . ويمكن للورثة أن يدّعوا موت المفقود , ويقدّموا البيّنة لإثبات ذلك , ويختار القاضي وكيلاً عن المفقود يخاصم الورثة , فإذا أثبتت البيّنة موته , قضى القاضي بذلك .
ويقسّم ميراث المفقود بين الأحياء من ورثته يوم موته , وعليه اتّفاق الفقهاء , لأنّ شرط التّوريث بقاء الوارث حياً بعد موت المورث .
21 - أمّا ميراث الزّوجة فاختلف الفقهاء فيه كما يلي :
ذهب الشّعبي إلى أنّ زوجة المفقود الّتي تزوّجت , ثمّ ظهر أنّه ميّت فعليها العدّة منه , وهي ترثه .
وفي المذهب المالكيّ تفصيل : فإن جاء موته قبل أن تنكح زوجاً غيره , فإنّها ترثه .
وإن تزوّجت بعد انقضاء العدّة , لم يفرّق بينها وبين زوجها الثّاني , وورثت من زوجها المفقود .
وإن تزوّجت وجاء موته قبل الدخول ورثته , وفرّق بينهما , واستقبلت عدّتها من يوم الموت .
وإن جاء موت المفقود بعد دخول الثّاني , لم يفرّق بينهما , ولا إرث لها .
أمّا إن كان زواج الثّاني قد وقع في العدّة من الأوّل المتوفّى , فإنّها ترثه , ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني .
وعند الحنابلة ترث الزّوجة من زوجها المفقود الّذي ثبت موته إن لم تتزوّج , أو كانت تزوّجت ولم يدخل بها الثّاني , وفي روايةٍ أنّها لا ترث منه .
فإن دخل بها الثّاني , وكان الزّوح الأوّل قد قدم واختارها ثمّ مات , فإنّها ترثه ويرثها , ولو مات الثّاني لم ترثه , ولم يرثها , وإن مات أحدهما قبل اختيارها - وقلنا بأنّ لها أن تتزوّج - فإنّها ترث الزّوج الثّاني ويرثها , لا ترث الزّوج الأوّل ولا يرثها .
وإن ماتت قبل اختيار الزّوج الأوّل , فإنّه يخيّر , فإن اختارها ورثها , وإن لم يخترها ورثها الثّاني .
وهذا كله ظاهر مذهب الحنابلة .
واختار الشّيخ ابن قدامة أنّها لا ترث زوجها الثّاني , ولا يرثها بحال إلا أن يجدّد لها عقداً , أو لا يعلم أنّ الأوّل كان حياً , ومتى علم أنّ الأوّل كان حياً ورثها وورثته , إلا أن يختار تركها , فتبين منه بذلك , فلا ترثه ولا يرثها .
وعلى القول بأنّ الحكم بوقوع الفرقة يوقع التّفريق ظاهراً وباطناً ترث الثّاني ويرثها , ولا ترث الأوّل ولا يرثها .
وأمّا عدّتها , فمن ورثته اعتدّت لوفاته عدّة الوفاة .
«الحالة الثّالثة : اعتبار المفقود ميّتاً»
22 - يعتبر المفقود ميّتاً حكماً بمضيّ مدّةٍ على فقده , أو ببلوغه سناً معيّنةً .(25/9)
ففي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة يحكم بموت المفقود إذا لم يبق أحد من أقرانه في بلده , لا في جميع البلدان , وهو الأصح عندهم .
غير أنّهم اختلفوا في السّنّ الّتي يمكن أن يموت فيها الأقران , فعن أبي حنيفة : هي مائة وعشرون سنةً , وهذا ما اختاره القدوري .
وعن أبي يوسف مائة سنةٍ , وقال محمّد بن حامدٍ البخاري : هي تسعون سنةً , وذهب بعضهم إلى أنّها سبعون سنةً , ومنهم من قال : بأنّ هذه المدّة متروكة إلى اجتهاد الإمام , وينظر إلى شخص المفقود والقرائن الظّاهرة . ولعلماء الحنفيّة خلاف في التّرجيح بين هذه الأقوال فمنهم من قال : الفتوى على التّسعين سنةً وهو الأرفق , ومنهم من قال : الفتوى على الثّمانين , واختار ابن الهمام السّبعين سنةً , ومنهم من قال بأنّ تفويض المدّة إلى الإمام هو المختار والأقيس .
وأمّا المالكيّة والحنابلة , فقد ذكرنا مذهبهم قبلاً .
« ر : ف 4 » .
وأمّا الشّافعيّة , فالصّحيح المشهور عندهم أنّ تقدير تلك السّنّ متروك لاجتهاد الإمام , ومنهم من قدّره باثنتين وستّين سنةً , أو بسبعين , أو بثمانين , أو بمائة , أو بمائة وعشرين سنةً .
23 - فإذا انقضت المدّة المذكورة جرى تقسيم ميراث المفقود بين ورثته الموجودين في اليوم الّذي أعتبر فيه ميّتاً , لا بين الّذين ماتوا قبله , فكأنّه مات حقيقةً في ذلك اليوم , بهذا قضى عمر وعثمان رضي الله عنهما , وهو قول للحنفيّة , وقول للمالكيّة , وهو القول الأصح عند الحنابلة , وفي القول الآخر عند الحنابلة : يقسّم الميراث بعد انقضاء عدّة الزّوجة إذا كان المفقود يغلب عليه الهلاك وفي قولٍ للحنفيّة , وفي القول المعتمد عند المالكيّة , وفي المذهب الشّافعيّ , وفي قولٍ للحنابلة : أنّ ميراث المفقود يعطى لورثته الأحياء يوم الحكم بموته , إلا أنّ الشّافعيّة قالوا : إذا مضت مدّة زائدة على ما يغلب على الظّنّ أنّ المفقود لا يعيش فوقها , وحكم القاضي بموته من مضيّ تلك المدّة السّابقة على حكمه بزمن معلومٍ , فينبغي أن يصحّ , ويعطى المال لمن كان وارثه في ذلك الوقت , وإن كان سابقاً على الحكم .
وتعتد امرأة المفقود عدّة الوفاة في الوقت الّذي جرى فيه تقسيم ميراثه .
« ر : ف 5 » .
24 - ولا بدّ من الحكم باعتباره ميّتاً عند الحنفيّة , وهو المنصوص عليه في المذهب , وهو قول عند المالكيّة , وبه أخذ الشّافعيّة .
وهو قول عند الحنابلة , غير أنّ القول الأصحّ عندهم أنّه لا يحتاج إلى حكمٍ باعتباره ميّتاً , وهو قول للحنفيّة وللمالكيّة .(25/10)
وأمّا طبيعة الحكم باعتباره المفقود ميّتاً , فللفقهاء فيه خلاف , فهو منشئ للحالة الجديدة الّتي أصبح عليها المفقود عند من قال بوجوب صدور الحكم , وهو مظهر عند من قال بعدم وجوب الحكم .
« ر : ف 6 » .
ولهذا الخلاف نتائج مهمّة جداً , فعلى القول بأنّ الحكم منشئ لا تستطيع الزّوجة أن تبدأ عدّة الوفاة , ولا أن تتزوّج إلا بعد صدوره .
وكذلك فإنّ أموال المفقود لا توزّع إلا بين الورثة الموجودين يوم صدور الحكم لا قبله , كأن المفقود قد مات حقيقةً في اليوم المذكور .
وأمّا من قال بأنّ الحكم مظهر , فإنّ عدّة الزّوجة تبدأ من تاريخ انتهاء مدّة التّربص , أو من بلوغ المفقود السّنّ الّتي لا يمكن أن يحيا بعدها , وأنّ ميراث المفقود يقسّم بين ورثته الأحياء في ذلك التّاريخ , ولا عبرة لصدور الحكم .
«أثر ظهور المفقود بعد الحكم بموته»
إن ظهر المفقود حياً بعد الحكم باعتباره ميّتاً , فإنّ لذلك آثاراً بالنّسبة لزوجته , وبالنّسبة لأمواله .
«أوّلاً : بالنّسبة لزوجته»
25 - للفقهاء في هذه المسألة خلاف :
ذهب الحنفيّة إلى أنّ المفقود إن عاد ولم تكن زوجته قد تزوّجت فهو أحق بها , فإن تزوّجت فلا سبيل له عليها , وفي قولٍ آخر : إنّ زوجته له .
وعند المالكيّة أنّ المفقود إن عاد قبل نكاح زوجته غيره , فهي زوجته , وهذا هو القول المشهور المعمول به , فإن عاد بعد النّكاح , فعن مالكٍ في ذلك روايتان :
الأولى : إن عاد قبل الدخول , فهو أحق بها , ويفرّق بينها وبين زوجها الثّاني , وأمّا إن عاد بعد الدخول , فالثّاني على نكاحه , ولا يفرّق بينه , وبين زوجته .
الثّانية : إن عاد المفقود , فوجد زوجته قد تزوّجت فلا سبيل له عليها , ولو لم يكن دخول . وقد أخذ بكلّ من الرّوايتين طائفة من المالكيّة , وقال ابن القاسم , وأشهب بأنّ أقوى القولين ما جاء في الرّواية الثّانية وهي مذكورة في الموطّأ .
وقول الشّافعيّة يختلف بين القديم والجديد : ففي القول القديم : إن قدم المفقود بعد زواج امرأته , ففي عودتها إليه قولان , وقيل يخيّر الأوّل بين أخذها من الثّاني , وتركها له وأخذ مهر المثل منه .
وفي القول الجديد : هي باقية على نكاح المفقود , فإن تزوّجت غيره فنكاحها باطل , تعود للأوّل بعد انتهاء عدّتها من الثّاني .
وذهب الحنابلة إلى أنّ المفقود إن قدم قبل أن تتزوّج امرأته , فهي على عصمته .(25/11)
فإن تزوّجت غيره , ولم يدخل بها , فهي زوجة الأوّل في روايةٍ , وهي الصّحيح , وفي روايةٍ أنّه يخيّر . فإن دخل بها الثّاني , كان الأوّل بالخيار , إن شاء أخذ زوجته بالعقد الأوّل , وإن شاء أخذ مهرها وبقيت على نكاح الثّاني .
فإن اختار المرأة , وجب عليها أن تعتدّ من الثّاني قبل أن يطأها الأوّل , ولا حاجة لطلاقها منه , وهو المنصوص عن أحمد ، وقيل : تحتاج إلى طلاقٍ .
وإن اختار تركها فإنّه يرجع على الزّوج الثّاني بالمهر الّذي دفعه هو , وفي روايةٍ : يرجع عليه بالمهر الّذي دفعه الثّاني , والأوّل هو الصّواب .
وفي رجوع الزّوج الثّاني على المرأة بما دفعه للأوّل روايتان , وعدم الرجوع هو الأظهر والأصح .
ويجب أن يجدّد الزّوج الثّاني عقد زواجه إن اختار الأوّل ترك الزّوجة له , وهو الصّحيح . وقيل : لا يحتاج إلى ذلك , وهو القياس .
فإن رجع المفقود بعد موت الزّوجة على عصمة الثّاني فلا خيار له , وهي زوجة الثّاني ظاهراً وباطناً , وهو يرثها ولا يرثها الأوّل , وقال بعضهم : يرثها .
وقد جعل بعض الحنابلة التّخيير للمرأة , فإن شاءت اختارت الأوّل , وإن شاءت اختارت الثّاني , وأيّهما اختارت , ردّت على الآخر ما أخذت منه .
«ثانياً : بالنّسبة لأمواله»
26 - للفقهاء في هذه المسألة خلاف :
ذهب الحنفيّة إلى أنّ المفقود إن عاد حياً , فإنّه لا يرجع على زوجته وأولاده بما أنفقوه بإذن القاضي وإن باعوا شيئاً من الأعيان ضمنوه .
ويأخذ أيضاً ما بقي في أيدي الورثة من أمواله , ولا يطالب بما ذهب , سواء أظهر حياً قبل الحكم باعتباره ميّتاً , أم بعده .
وقال المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يرجع بجميع تركته , ولو بعد تقسيمها على الورثة .
وعند الحنابلة يأخذ المفقود ما وجد من أعيان أمواله وأمّا ما تلف , فإنّه مضمون على الورثة في الرّواية الصّحيحة في المذهب , وفي الرّواية الأخرى غير مضمونٍ , وقد اختارها جماعة منهم .
ـــــــــــــــــــ
الغائب والمفقود في الشريعة الإسلامية
تاريخ الفتوى : ... 21 صفر 1427 / 22-03-2006
السؤال
ما الفرق بين الغائب والمفقود وما حقوق كل منهما ؟
الفتوى(25/12)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الغائب عند أهل الفقه هو من لم يكن مع أهله أو غاب عنهم غيبة تستدعي رفع الزوجة أمرها إلى القاضي بعدم النفقة أو غيرها، وغالبا ما يكون معلوم المكان أو الجهة أو يصل منه خبر.
ومن أحكامه أن زوجته إذا رفعت أمرها إلى القاضي كلفها بإثبات الزوجية وإثبات الغيبة، والشهود على ذلك لا يعلمون أنه ترك لها شيئا ولا بعث لها بشيء، ثم يضرب لها أجلا على حسب مايراه (القاضي)فإن قدم في الأجل بقي مع زوجته ورجعت عليه بما أنفقت على نفسها وعلى ولده، فإن انقضى الأجل ولم يقدم الزوج حلفت على مثل ما شهد به الشهود وطلقت نفسها طلقة رجعية، فإن رجع كانت زوجته مادامت في العدة فقط، انظر القوانين الفقهية لابن جزي المالكي وغيره من كتب الفقه ففيها من التفصيل ما لا يتسع المقام لذكره.
وأما المفقود فهو الذي يغيب فينقطع أثره ولا يعلم له خبر، وهو على أربعة أوجه:
مفقود في بلاد المسلمين ... في بلاد العدو... في قتال المسلمين مع الكفار... في قتال المسلمين في الفتن.
فالمفقود في بلاد الإسلام يؤجل أربع سنين ثم تعتد زوجته.
قال ابن عاصم المالكي في التحفة:
ومن بأرض المسلمين يفقد ***** فأربع من السنين الأمد
ولا يقسم ماله حتى تمضي مدة التعمير.
قال الشيخ خليل في المختصر: ومال المفقود للحكم بموته وإن مات مورثه قدر حيا وميتا أي وقف قسم مال المفقود حتى يحكم بموته.
2- والمفقود ببلاد الكفر كالأسير لا تتزوج امرأته ولا يورث ماله حتى تنقضي مدة التعمير وهي سبعون سنة وقيل غيرها.
قال ابن عاصم:
وحكم مفقود بأرض الكفر **** في غير حرب حكم من في الأسر
تعميره في المال والطلاق**** ممتنع ما بقي الانفاق
3- المفقود في قتال مع الكفار فحكمه حكم الأسير في المشهور تبقى زوجته وماله إلى مدة التعمير إن دامت النفقة على الزوجة، وقيل يؤجل عاما من بعد التفتيش والبحث عنه من الحاكم لا من قيام الزوجة، ويقسم ماله بعد ذلك على ورثته وتعتد زوجته.
قال ابن عاصم في التحفة:
وإن يكن في الحرب فالمشهور************ في ماله والزوجة التعمير
وقد أتى قول بضرب عام ***************من حين يأس منه لا القيام(25/13)
4- المفقود في الفتن بين المسلمين فيه قولان، أحدهما يحكم بموته فتعتد زوجته ويقسم ماله. القول الثاني بضرب له أجل سنة ثم تعتد امرأته ويقسم ماله.
قال ابن عاصم في التحفة:
وحكم مفقود بأرض الفتن ********* في المال والزوجة حكم من فني
مع تلوم لأهل الملحمة *********** بعدد ما تنصرف المنهزمه
وإن نأت أماكن الملاحم ********* ** تربص العام لدى ابن القاسم
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتويين:2671، 12338.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من فقد وانقطع خبره
تاريخ الفتوى : ... 22 ربيع الأول 1426 / 01-05-2005
السؤال
أنا أود أن أسألكم عن مشكلة لدي وهي: أنا شاب عمري 24 عاما تغيب والدي منذ ما يقرب من 23 عاما لم أره أبدا أو أعرف شكله مع العلم بأنه قريب لأمي ، لكن لظروف عائلية ومشاكل بينه وبين والدتي فقد خرج ولم يعد حتى الآن، ولم نعرف هل هو ميت أم حي! فهل أنا أعتبر في حكم اليتيم، هل أعتبر والدي من ضمن الأحياء أم الأموات؟ وأحيانا يسألني عنه أحد هل لو قلت له مسافر أعتبر أنا كذابا أم أنني في هذه الحالة أذكر قصتي لكل من يسألني ، وهذا ليس جيدا ، ما واجبي نحوه إذ لا أحد يعرف مكانه ، كيف أدعو له هل أدعو له كميت أم كحي، وما هو الدعاء الذي سوف أقوله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنت قد تجاوزت سن اليتم لأن اليتيم من مات أبوه ولم يصل حد البلوغ، كما في الفتوى رقم: 20382.
وأما جواب سؤالك الثاني: فأبوك في حكم الحي بالنسبة لك إلى أن تثبت البينة بموته أو يمضي زمن يغلب على الظن أنه لا يعيش بعده، قال الإمام جلال الدين المحلي في شرح المنهاج: ومن أسر أو فقد وانقطع خبره، تُرِك ماله حتى تقوم بينة بموته أو تمضي مدة يغلب على الظن أنه لا يعيش فوقها، فيجتهد القاضي ويحكم بموته ثم يعطي ماله من يرثه وقت الحكم بموته، ولا يورث منه من مات قبيل الحكم، ولو بلحظة لجواز موته فيها. انتهى.(25/14)
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: تنبيه: أفهم كلامه أن هذه المدة لا تتقدر وهو الصحيح، وقيل مقدرة بسبعين سنة، وقيل بثمانين، وقيل بتسعين، وقيل بمائة، وقيل بمائة وعشرين لأنها العمر الطبيعي عند الأطباء، وأنه لا بد من اعتبار حكم الحاكم فلا يكفي مضي المدة من غير حكم بموته. انتهى.
وقولك: هو مسافر ليس كذبا، وأما الدعاء فلك أن تدعو الله تعالى أن يرده إليكم إن كان حياً، وادع الله له بالمغفرة والرحمة، ولا فرق بين أن يكون حياً أو ميتاً، وفقك الله لمرضاته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم بيع أرض الغائب الذي انقطعت أخباره
تاريخ الفتوى : ... 18 شوال 1425 / 01-12-2004
السؤال
شخص غاب وعمره 20عاما منذ 25 عاما وله أرض زراعية مؤجرة بنسبة ضئيلة من المحصول وله أم وعم وأمه فقيرة لا منفق عليها والناتج من الأرض لا يفي بنفقتها(3000ريال يمني تقريبا في العام) فهل يجوز أن نبيع من أرضه لنفقة أمه؟ وكيف نقدر النفقة؟ وهل تعطى شهريا أوسنويا مقدما وما العمل بإيجار الأرض؟ وهل يجوز أن نبيع أرضه ونحتفظ بالمال إلى أن يأتي أويحكم بموته؟ وبعد كم يحكم بموته؟ وهل يجوز أن تكون أمه وصية على أرضه إذا تنازل عمه؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور :
الأمر الأول: حكم بيع أرض الغائب الذي انقطعت أخباره لتوفير نفقة من تجب عليه نفقتهم ومنهم أمه، وذلك جائز إذا تعين، ولم يكن هناك سبيل آخر لذلك، قال الزيلعي في تبيين الحقائق: وفرض لزوجة الغائب وطفله وأبويه في مال له عند من يقر به وبالزوجية، ويؤخذ كفيل منها، أي تفرض النفقة في مال الغائب بشرط أن يقر من عنده المال بالمال والزوجية، وكذا يشترط إقرار من عنده المال بالنسب، وكذا إذا علم القاضي ذلك، ولم يعترف. ، وقال ابن قدامة في المغني: وإن تعذرت النفقة في حال غيبته، وله وكيل، فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه، وإن لم يكن له وكيل، ولم تقدر المرأة على الأخذ، أخذ لها الحاكم من ماله، ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك، إذا لم تجد ما تنفق سواه. والأمر الثاني: كيفية تقدير النفقة: وذلك راجع إلى العرف والسعة لقوله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً {الطلاق:7}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند رضي الله عنها:(25/15)
خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. متفق عليه. والأمر الثالث: هل تعطى النفقة شهريا أو سنويا، وقد اختلف في ذلك أهل العلم والراجح أنها تعطى النفقة يوميا. قال ابن قدامة في المغني بعد كلامه السابق في النفقة من مال المفقود: وقال أصحاب الرأي: يفرض لها في كل شهر. ولنا، أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها..والأمر الرابع: ما هو العمل في إيجار الأرض؟ والجواب: هو أنك إذا كنت تقصد السؤال عما تحصل من إيجار الأرض فإن هذا الإيجار ينفق منه على أم الغائب ومن تجب عليه نفقتهم كما تقدم. والأمر الخامس: متى يحكم بموت الغائب؟ والجواب: أن أهل العلم قد اختلفوا في ذلك فبعضهم حد لذلك تسعين سنة من ميلاد الغائب،
وبعضهم حد لذلك أربع سنين من غيبته وهو المفتى به في الشبكة، وقد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 2671 ، والفتوى رقم: 20094. والأمر السادس: هل يجوز أن تكون أمه وصية على أرضه إذا تنازل عمه؟ والجواب: أنه لا حرج في ذلك مالم يكن هناك من له حق في هذه الأرض غير الأم والعم كإخوة للغائب أو زوجة أو أولاد.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
متى يحق لامرأة المفقود طلب التفريق
تاريخ الفتوى : ... 17 جمادي الأولى 1423 / 27-07-2002
السؤال
أنا عمري 31 سنه وزوجي أسير منذ 12 عاماً وبعد هذا الصبر الطويل قررت أن أطلق من المحكمه لكن الدولة هنا تمنع طلاق زوجات الأسرى تقبل الطلبات بالمحكمة إلا أنها تظل سنوات في المحاكم ثم ترفض بالنهاية الكثيرون طلقوا في دول أخرى وتزوجوا إلا أني لا أملك المال لكي أسافر وأقيم دعوة في دولة أخرى ولم أعد أطيق الانتظار والوحده وأخاف على نفسي من الفتنة غير أن الأمل في نفسي بدأ يقل لأن الدولة التي لديها أسرى بلادنا تنكر وجودهم تماما وتدعي أن لا لديها أسرى فما الحكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحق لزوجة المفقود وهو الشخص الذي غاب عن أهله وبلده.. أو أسره العدو ولا يدرى أهو حي أو ميت؟ لانقطاع خبره، أن تطلب التفريق لحصول الضرر بهذه الغيبة لاسيما إذا خشيت على نفسها الزنا، ولا يحق لها ذلك إلا بعد أن تتربص أربع سنين من يوم غيبته وانقطاع خبره على المذهب الراجح.(25/16)
يقول ابن تيمية : والصواب في امرأة المفقود مذهب عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة، وهو أنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهراً وباطناً، وعلى الأصح لا يعتبر الحاكم، فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حاكم. الاختيارات 281.
ويقول في زوجة الأسير والمحبوس: وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتضٍ للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعاً.
وعلى هذا، فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع. كما قاله أبو محمد المقدسي. . الاختيارات 247.
وعلى هذا إذا مر على الأسير الذي لا يدرى خبره أربع سنوات جاز لامرأته أن تتزوج بعد أن تعتد عدة الوفاة "أربعة أشهر وعشرا"
وتبدأ هذه المدة من حين انقطاع خبر الزوج والمفقود، ولا يشترط حكم الحاكم لزواجها، كما جاء في كشاف القناع: ولا يفتقر الأمر إلى حاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة والفرقة، ولا يفتقر الأمر إلى طلاق ولي زوجها بعد اعتدادها، فلو مضت المدة والعدة تزوجت من غير طلاق ولي ولا حاكم. 3/266.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
امرأة المفقود...رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : ... 17 شوال 1422 / 02-01-2002
السؤال
1بسم الله الرحمن الرحيم تحيةالاسلام
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته
أما بعد
أود أن أطرح سؤالي عن المرأه التي غاب عنها زوجها مدة(15)عاما وبعد هذه السنوات وصلتهم أخبار بأنه قد مات منذ (13)عاما علما بأنها رزقت بولد بعد ذهابه
سؤالي هل هذه المرأة تربط على زوجها أم لا
علما بأن بعض المشائخ فى بلادنا قالوا إنه يجب عليها الربط مستندسن بذريعة أنه حق الزوج لاأعرف إلى على ماذا استندوا
وإذاكان لا يجب عليهاالربط فهل حرام على من يقول لها اربطي(25/17)
أفيدونا رحمكم الله بالتفصيل ولكم منا جزيل الشكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن غاب عن زوجته فلا تخلو غيبته من حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون غير منقطعة بحيث يعرف خبره ويمكن الاتصال به، فهذا لا يحل لامرأته أن تتزوج بإجماع أهل العلم، إلا إذا رفعت أمرها للقاضي ففسخ النكاح لتعذر النفقة من مال الزوج أو لخشية الزوجة من الوقوع في الزنا أو نحو ذلك.
الحالة الثانية: أن تكون غيبته منقطعة بحيث لا يعلم له موضوع ولا يصل منه خبر.
ففي هذه الحالة اختلف العلماء على قولين:
القول الأول: لا تتزوج امرأته حتى يتبين موته أو فراقه لها قال ابن حجر في فتح الباري ( وجاء عن علي: إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى يقدم أو يموت. أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح. وقال عبد الرزاق: بلغني عن ابن مسعود أنه وافق علياً في امرأة المفقود أنها تنتظره أبداً)
القول الثاني: تتزوج، لكن بعد ضرب مدة للتأكد من حياة زوجها، فإن لم تعلم حلَّ لها الزواج.
والقائلون بضرب المدة اختلفوا في مقدارها على قولين: القول الأول: لا تقدر بسنين معينة، بل يرجع في تقديرها إلى الحاكم، واستدل أصحاب هذا القول بأدلة:
الأول: أن الأصل حياة المفقود، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بيقين.
الثاني: أن التحديد لا دليل عليه.
الثالث: أن التحديد كما أنه غير منقول فهو غير معقول، لأن الحنابلة -مثلاً- قالوا: من سافر لتجارة أو سياحة أو طلب علم فخفي خبره، فهذا ينتظر تتمة تسعين سنة منذ ولد لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا) وهذا فاسد لأن من فقد وهو ابن تسع وثمانين سنة ينتظر على هذا القول سنة واحدة ثم يحكم بموته، والسنة الواحدة لا تكفي للبحث عنه. وهكذا سائر التحديدات لا تخلو من اعتراضات، فالذي يراه أصحاب هذا القول هو أن التحديد في هذه المسألة كالتحديد في نظيراتها: بأن يجتهد الحاكم وأهل الخبرة في تقدير مدة الانتظار، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات والبلدان والأشخاص.
القول الثاني: أنها تقدر بسنين معينة ويختلف تقدير السنين عند هؤلاء باختلاف الغيبة، هل يغلب عليه فيها الهلاك أو يغلب عليه فيها السلامة؟ وذكر تلك التفاصيل يطول، والراجح عندنا في هذه المسألة هو: أن من فقد زوجها -بأي صورة تم فقده- أن ترفع أمرها للحاكم، ثم تنتظر أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، ثم تتزوج -إن شاءت- قضى بهذا الخليفتان عمر وعثمان وغيرهم من(25/18)
الصحابة والتابعين. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: ( فإن مذهب الزهري في امرأة المفقود أنها تتربص أربع سنين. وقد أخرجه عبد الرزاق وسعيد ابن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر، منها لعبد الرزاق من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا بذلك، وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عمر وابن عباس قالا: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين، وثبت أيضاً عن عثمان وابن مسعود في رواية وعن جمع من التابعين كالنخعي وعطاء والزهري ومكحول والشعبي واتفق أكثرهم على أن التأجيل من يوم ترفع أمرها للحاكم وعلى أنها تعتد عدة الوفاة بعد مضي الأربع سنين واتفقوا أيضاً على أنها إن تزوجت فجاء الزوج الأول خُير بين زوجته وبين الصداق، وقال أكثرهم: إذا اختار الأول (الصداق) غرمه الثاني، ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد إلا ما تقدم عن سعيد بن المسيب).
وهذا في المفقود بوجه عام، أما في حالة هذه المرأة فإن كانت قد تأكدت من موت زوجها قبل ثلاثة عشر عاماً فلا عدة عليها لأن زمنها قد انتهى، ولا يشترط للعدة القصد، بدليل أن الصغيرة والمجنونة تنقضي عدتها بمرور زمنها بدون قصد منهما، وبهذا قال عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وغيرهم رضي الله عن الجميع، أما إذا لم تتأكد من موته فإنه يعتبر مفقوداً وقد مضى حكمه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تزوجت ثم ظهر زوجها الأول
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
ما حكم المرأة التي تتزوج بعد انقضاء عدتها من فقدان زوجها ، ثم يظهر هذا الزوج ؟ .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلو جاء المفقود في هذه الحالة ينظر إن كان الزوج الثاني لم يدخل بهذه الزوجة ردت إلى الأول مباشرة لظهور أن الحكم بتطليقها منه والحكم بموته كان في غير محله. ومجرد عقد الزوج الثاني عليها لا يؤثر. وإن كان الزوج الثاني قد دخل فالزوج الأول مخير بين أن ترد له وعليه أن يعتزلها حتى تنقضي عدتها من الثاني، وبين أن تبقى عند الثاني ويتركها الأول ويرجع على الثاني بصداقها.
وذكر ابن قدامة في المغني أن الصحابة قضوا بذلك، ونقل أثراً في ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما.
والله أعلم.(25/19)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فساد عقد زواج
المفتي
حسونة النواوى .
13 رمضان 1313 هجرية
المبادئ
زواج امرأة المفقود بالغير قبل إثبات وفاته غير صحيح ويفرق بينها وبين من تزوجته
السؤال
بافادة من نظارة الحقانية مؤرخة فى 10 رمضان سنة 1313 - 8 مضمونها أنه مرسل ضمن السبع ورقات طيه صورة من الحكم الصادر من محكمة اسكندرية الشرعية بالتفريق بين كل من ز أ ع وبين زوجها ع أ ح بناء على عدم التحقق من وفاة زوجها الأول الواردة هذه الصورة بمكاتبة المحكمة المذكورة المؤرخة فى 5 ديسمبر سنة 1895- 197 بقصد نظرها بالنسبة لتضرر ز .
المذكورة من ذلك لثبوت وفاتها زوجها الأول المذكور فى واقعة هكس باشا بالسودان ويفاد بما يقتضيه الحكم الشرعى
الجواب
صار الاطلاع على إفادة سعادتكم يمينه 8 وعلى صورة الإعلام الشرعى الصادر من محكمة إسكندرية الشرعية بتاريخ غاية القعدة سنة 1311 هجرية وعلى باقى الأوراق الواردة معها فظهر أن أمر القاضى للمرأة ز أ ع بعدم تزوجها بغير زوجها ع م المفقود حتى تتحقق وفاته بناء على إشهادها لديه بأنها لا تعلم حياته ولا موته وصدقها على ذلك ع أ ح الذى تزوجت به وفارقها وفارقته وتاركها وتاركته على الوجه المسطور بتلك الصورة موافق شرعا وحينئذ فلا يسوغ لها التزوج الآن بغير زوجها المفقود المذكور حتى تتحقق وفاته بالطريق الشرعى وطية الأوراق عدد 9 أفندم
ـــــــــــــــــــ
زوجة المفقود
المفتي
عبد اللطيف حمزة .
2 رجب سنة 1402 هجرية - 26 أبريل سنة 1982م
المبادئ(25/20)
1- يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده وفى غير ذلك يفوض أمر المدة التى يحكم بعدها بموته إلىالقاضى .
2- بعد الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويحل لها الزواج بغيره .
3- إذا لم يحكم بموته تكون زوجته ما زالت فى عصمته ولا يحل لها أن تتزوج بغيره
السؤال
من السيدة / ف خ ز بطلبها المتضمن أنها كانت زوجة لمن يدعى أ م ب الذى توفى فى حادث سقوط طائرة مصرية أثناء عودتها من المملكة العربية السعودية بتاريخ 9/12/1974 واعتبر مفقودا من هذا التاريخ .
وقد قامت برفع دعوى للحكم بموته بعد مضىأربع سنوات من تاريخ فقده ومازالت الدعوى منظورة ولم يحكم فيها حتى الآن رغم اكتمال جميع المستندات ولا تدرى متى يحكم فيها .
وتقول أنها تود أن تتزوج من رجل طلب منها الزواج بعقد عرفى لحين الحكم بوفاة زوجها المفقود .
وتسأل ما حكم زواجها منه وهل يكون زواجا صحيحا شراعا وقانونا أم لا
الجواب
نفيد بأن نصوص أحكام الشريعة الخاصة بأحكام المفقود والتى استند إليها القانون رقم 25 لسنة 1929 م فى المادتين 21 ،22 منه تقضى بأن يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده .
وأما فى جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التى يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضى وذلك كله بعد التحرى عنه بجميع الطرق الممكنة الموصولة إلى معرفة أن كان المفقود حيا أو ميتا .
وبعد الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويحل لها الزواج بغيره .
وعلى ذلك فإن السائلة تكون مازالت فى عصمة زوجها المفقود .
ولا يجوز لها أن تتزوج بغيره زواجا رسميا أو عرفيا بعد مضى أربع سنين علىتاريخ فقده إلا بعد الحكم بموته وانقضاء عدتها منه وتحتسب هذه العدة من تاريخ صدور الحكم بموته ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه أعلم
ـــــــــــــــــــ
المفقود
المفتي
محمد مجاهد .
جمادى الأولى سنة 1406 هجرية - 12 يناير سنة 1986 م(25/21)
المبادئ
1 - المفقود هو الغائب الذى لا يدرى مكانه ولا حياته ولا موته .
2 - المفقود حى فى حق الأحكام التى تضره فلا يقسم ماله على ورثته ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته .
3 - المفقود ميت فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره فلا يرث من غيره ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به .
4 - يوقف للمفقود نصيبه فى الإرث والوصية فإن ظهر حيا أخذه وإذا حكم يموته رد هذا النصيب إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث وقسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته .
5 - إذا حكم القاضى بموت المفقود اعتبر ميتا من حين فقده بالنسبة لنصيبه الموقوف له من تركة مورثه ويرد إلى ورثة مورثه الموجودين حال وفاة المورث ويعتبر ميتا من وقت صدور الحكم بالنسبة لتركته فيستحقها ورثته الموجودون وقت الحكم باعتباره ميتا .
6 - اعتبار المفقود ميتا من وقت فقده بناء على ما ترجح لدى القاضى من القرائن والظروف والأحوال المحيطة بالمفقود لا بناء على الأدلة المثبتة لوفاته فى تاريخ معين
السؤال
من السيد / م .
بالطلب المتضمن أن والد السائل تغيب عن منزله وعن العمل بتاريخ صباح يوم 21/5/1978 أثناء خروجه لصلاة الفجر فى مسجد قريب من المنزل .
وبعد أربع سنوات من فقده قام السائل برفع دعوى لإثبات غيبته وقد حكمت المحكمة باعتباره متوفى بتاريخ 14/12/1983 .
واعتبر هذا التاريخ تاريخ وفاته . وقبل صدور حكم الوفاة بعام تقريبا أى من يناير سنة 1983 توفى شقيق والد السائل ولم يكن قد تزوج قبل وفاته وكانت وفاة هذا الشقيق عن أخيه المفقود والد السائل وعن أخته الشقيقة وعن أبناء اخوته الأشقاء .
وطلب السائل بيان الوارث وغير الوارث
الجواب
اصطلح الفقهاء على أن المفقود هو الغائب الذى لا يدرى مكانه ولا حياته ولا موته .
ولما كان المفقود مجهول الحال أحى هو أو ميت اعتبرهد الفقهاء حيا فى حق الأحكام التى تضره وهى التى تتوقف على ثبوت موته فلا يقسم ماله على ورثته ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته، ويعتبر ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره وهى المتوقفة على ثبوت حياته فلا يرث من غيره(25/22)
ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به بل يوقف نصيبه فى الارث والوصية إلى ظهور حياته أو الحكم بوفاته .
فإن ظهر حيا أخذ الإرث والوصية .
وإذا حكم بموته قسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته وأما ما يوقف له من الميراث فيرد إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث .
وترد الوصية إلى ورثة الموصى .
وقد بنى الفقهاء هذه الأحكام على قاعدة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على زواله، ويعبرون عن هذا الأصل بقاء ما كان ما كان حتى يقوم الدليل على زواله، ويعبرون عن هذا الأصل أيضا بانه استصحاب حجة للدفع ولا للاستحقاق .
وترتيبا على ما تقدم فإن حكم القاضى بموت المفقود تطبيقا للمادة 21 من القانون 25 لسنة 1929 اعتبر ميتا من حين فقده النسبة لنصيبه الموقوف له من تركة مورثه، لأن حياته مشكوك فيها وقت وفاة المورث فلم يتحقق فيه الارث ويرد نصيبه الموقف له إلى ورثة مورثه الموجودين حال وفاة المورث ويعتبر ميتا من وقت الحكم بالنسبة لتركته هو فيستحقها ورثته الموجودون وقت الحكم باعتباره ميتا .
واعتبار المفقود ميتا من وقت فقده بالنسبة لإرثه من غيره إذا حكم القاضى بوفاته بناء على ما ترجح لديه من القرائن والظروف والأحوال المحيطة بالمفقود لا بناء على الأدلة المثبتة لوفاته فى تاريخ معين واعتباره ميتا وقت صدور الحكم بوفاته لا من وقت فقده بالنسبة لإرث الغير منه هو مذهب الحنفية والمالكية وهو ما اختاره القانون .
( يراجع كتاب الهداية ج 2 وكتاب بدائع الصنائع ج 6 وحاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 3 فى كتاب المفقود .
وكتاب حاشية الدسوقى على شرح الدردير ج 4 فى باب الفرائض .
كما تراجع المادتان 21، 22 من القانون 25 لسنة 1929 والمادتان 2، 45 من قانون الموارث 77 لسنة 1943 .
لما كان ذلك كذلك فإنه بوفاة عم السائل ( شقيق والده المفقود ) فى يناير 1983 أثناء فقد والده .
ثم الحكم باعتبار والد السائل المفقود متوفى بتاريخ 24/12/1983 فانه لا يكون ضمن ورثة أخيه الشقيق المتوفى فى يناير 1983 .
وذلك لأنه الحكم بوفاته قد أنشأ موتا اعتباريا ولم يظهر موتا حقيقيا حتى يستند إلى وقت وقوعه .(25/23)
وعلى ذلك فتكون جميع تركة المتوفى عم السائل لأخته الشقيقة وللذكور من أولاد أخوته الأشقاء لشقيقته النصف فرضا والباقى للذكور من أولاد أخوته الأشقاء تعصيبا بالسوية بينهم دون الاناث منهم لانهن من ذوى الأرحام المؤخرين فى الميراث عن أصحاب الفروض والعصبات .
وهذا إذا كان الحال كما ورد بالسؤال ولم يكن لهذا المتوفى وارث غير من ذكروا ولا من يستحق وصية فى تركته .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الحكم بموت المفقود
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ذو القعدة 1401 هجرية - 7 سبتمبر 1981 م
المبادئ
1 - المفقود يعتبر حيا فى حق الأحكام التى تضره ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره .
2 - الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على العكس .
3 - يحكم بموت المفقود وتعتد زوجته عدة الوفاة من تاريخ الحكم بموته وتوزع تركته على ورثته الموجودين وقت صدور الحكم .
4 - ترفع الدعوى بطلب الحكم بوفاة المفقود اعتبارا .
على وكيله سواء كان وكيلا لإدارة أمواله أو وكيل خصومة أقامه القاضى
السؤال
بكتاب الهيئة العامة للاستعلامات - الإدارة العامة للعلاقات الخارجية - وحدة تركيا المؤرخ 12/7/1981 الموجه إلى مجلة منبر الإسلام، المقيد برقم 256 سنة 1981 بشأن السؤال الوارد معه من سماحة مفتى ولاية الموشى بتركيا وقد جاء به ماذا تقولون فى زوجة تزوجت برجل، وبعد الزفاف بعشرين يوما تركها زوجها عند أبيه وغاب غيبة انقطع خبره، ولم يعلم مكانه، ولا حياته، ومضى على غيابه ما يقارب أربع سنوات، والزوجة تنتظر رجوعه أو خبر موته، وما ترك لها ما لا تنفق منه على نفسها، ولا يوجد من ينفق عليها قرضا على زوجها الغائب، فماذا يكون الحل الشرعى فى حق هذه المرأة المسلمة .
هل لها فسخ النكاح أم لا . وإذا كان لها الفسخ، هل تستقل به أم لا .
وهل للقاضى الشرعى تعيين مدة للإنتظار، ثم بعده الفسخ أم يحسبها على الصبر إلى العمر الغالب .
أجيبوا عن هذه المشكلة جزاكم الله خير الجزاء(25/24)
الجواب
فى كتب لغة العرب أن المفقود اسم مفعول من فقدت الشىء، إذا أضللته يقال فقد الشىء يفقده فقدا، بمعنى غاب عنه وعدمه .
وقد نقل الزيلعى ( تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج - 3 ص 310 ) عن النهاية أنه فى اللغة من الاضداد، يقول الرجل فقدت الشىء، أى أضللته وفقدته أى طلبته، وكل من المعنيين متحقق فى المفقود، فقد ضل عن أهله، وهم فى طلبه .
وقد اصطلح الفقهاء على أن المفقود هو الغائب الذى لا يدرى مكانه، ولا حياته، ولا موته .
وقد ذهب فقه مذهب أبى حنيفة إلى أنه لا يعتبر الجهل بمكان المفقود، وأن عدم معرفة حياة الشخص أو وفاته هو الأساس فى اعتباره مفقودا ومن ثم اعتبروا الأسير فى دار الحرب الذى لا تعرف حياته أو وفاته مفقودا، مع أن مكانه قد يكون معلوما .
ولما كان المفقود مجهول الحال، أحى هو، أو ميت، اعتبره الفقهاء حيا فى حق الأحكام التى تضره، وهى التى تتوقف على ثبوت موته فلا يقسم ماله على ورثته، ولا تفسخ إجاراته عند من يقول بفسخها بالموت، وهم فقهاء المذهب الحنفى، ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته .
ويعتبر ميتا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره وهى المتوقفة على ثبوت حياته، فلا يرث من غيره، ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به، بل يوقف نصيبه فى الإرث والوصية إلى ظهور حياته، أو الحكم بوفاته، فإذا ظهر حيا أخذ الإرث والوصية، وإذا حكم بموته قسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته وأما ما يوقف له من الميراث فيرد إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث، وترد الوصية إلى ورثة الموصى، وقد بنى الفقهاء هذه الأحكام على قاعدة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على زواله .
ويعبرون عن هذا الأصل أيضا بأنه استصحاب الحال وهو الحكم ببقاء أمر محقق يظن عدمه، وقالوا إن هذا الأصل يصلح حجة للدفع، لا للاستحقاق .
ما المدة التى يحكم بعدها بموت المفقود لم يرد نص فى القرآن الكريم، ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يحدد الزمن الذى يحكم بفواته بموت المفقود، لا صراحة ولا دلالة ومن ثم كان اختلاف الفقهاء فى تحديد هذا الزمن فقد ذهب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة إلى أنه لا يحكم بموت المفقود إلا إذا مات أقرانه وقدر موت أقرانه ببلوغ المفقود عشرين ومائة سنة من تاريخ ولادته وقيل ببلوغه مائة سنة، وقيل ببلوغه تسعين سنة، وقيل سبعين سنة، وقيل بموت أقرانه فى بلده .(25/25)
وقد اختار الزيلعى ووافقه كثيرون أنه يفوض إلى رأى الإمام لأنه يختلف باختلاف البلاد والأشخاص، فيجتهد، ويحكم بالقرائن الظاهر الدالة على موته أو حياته، وبعد الحكم بوفاة المفقود، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل لأزواج ( المرجع السابق ص 310 إلى 312 كتاب المفقود ط .
المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1313 هجرية، وحاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار للحصكفى ج - 3 ص 453 وما بعدها، والمبسوط للسرخسى ج - 11 ص 34 إلى 49، ومختصر الطحاوى ص 403 ط .
دار الكتاب العربى سنة 1370 هجرية ) وفى فقه مذهب الإمام مالك ان من فقد فى بلاد المسلمين، فى حال يغلب فيها الهلال، وقد انقطعت أخباره عن زوجته وأهله، كما إذا فقد فى معارك بين المسلمين أو فى بلد عمه الوباء، كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى القاضى للبحث عنه ن وبعد العجز عن الوقوف على خبره أو تعرف أثره، تعتد زوجته عدة الوفاة، ولها أن تتزوج بعد العدة وبورث ماله، أى يعتبر ميتا بدون حاجة إلى الحكم القاضى بالنسبة لزوجته وأمواله .
وأما إن كان قد فقد فى بلاد الإسلام فى حال لا يغلب فيها الهلاك وقد انقطع خبره عن آله وزوجته، فإذا رفعت هذه أمرها إلى القاضى حكم بوفاته بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده، واعتدت عدة الوفاة، وحلت للأزواج بعد انقضائها، وأما أمواله فلا تورث عنه ألا بعد مضى مدة التعمير، وهى سبعون سنة من تاريخ ولادته .
وأما إذا كان قد فقد فى غير بلاد الإسلام، فى حال يغلب فيها الهلاك كمن فقد فى حرب بين المسلمين وأعدائهم، ورفعت الزوجة أمرها إلى القاضى، فإنه بعد البحث والتحرى عنه، يضرب له أجل سنة فإذا انقضت اعتدت الزوجة وحلت للأزواج بعد انقضاء عدتها، ويورث ماله لورثته وقت انقضاء هذا الأجل ( شرح منح الجليل على مختصر خليل ج - 2 ص 385 وما بعدها فى مسائل زوجة المفقود وج - 4 ص 181 وما بعدها من شرح الزرقانى على متن خليل وحواشيه و ج - 2 ص 542 وما بعدها من حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل ) هذا وقد أخذ بعض ( ص 456 ج - 2 من الدر المختار وحاشية رد المحتار لابن عابدين فى كتاب المفقود ) فقهاء مذهب أبى حنيفة بما ذهب إليه الفقه المالكى، تيسيرا على زوجة المفقود ورفقا لحرج انتظارها إياه حتى موت أقرانه، أو غير هذا من تلك المدد الزمنية السابق التنويه عنها .
وفى فقه مذهب الإمام الشافعى فى القديم تتربص زوجة المفقود أربع سنين، وهى أعلى مدة الحمل، وأربعة أشهر وعشرا لعدة الوفاة، وفى رواية حتى يبلغ سن المفقود تسعين سنة منذ ولادته ثم تحل للأزواج، وفى جديد الشافعى أن المفقود هو الذى اندرس خبره وأثره وغلب على الظن موته، ولا ينفسخ نكاحه حتى تقوم البينة بموته ورجع عن القول بتربصها أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة وتتزوج ( الأم للشافعى ج - 7 ص 219 و 220 باب المفقود ط .(25/26)
أولى المطبعة الأميرية سنة 1325 هجرية وص 86 و 87 من حاشية البيجرمى على شرح منهج الطلاب ج - 40 ط .
دار الكتب العربية وتحفة المحتار وحواشيه بشرح المنهاج ج - 8 ص 253 و 254 المطبعة التجارية بالقاهرة فى باب العدة ) وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى انه إذا غاب الرجل عن امرأته غيبة غير منقطعة، يعرف خبره ويأتى كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج فى قول أهل العلم أجمعين إلا أن تتعذر الإنفاق عليها، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه .
أما إن كان المفقود قد غاب، وفقد فى حال يغلب فيها الهلاك بأن خرج فى حرب ولم يعد، أو كان فى سفينة قد غرقت ونجا بعض ركابها وغرق الباقون، يحكم بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده وتقسم أمواله على ورثته وقت الحكم بموته، بعد هذه المدة وتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الحكم بموته، وتحل للأزواج عقب انتهاء هذه العدة .
أما إن كان المفقود قد فقد فى حال لا يغلب فيها الهلاك، كما إذا كان قد خرج للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم، فإنه يبحث عنه بكل الوسائل، فإنه غلب على ظن القاضى من تتبع أثره، واستظهار أخباره أنه قد مات حكم بموته، وإلا انتظر حتى تقوم قرينة على موته أو بموت أقرانه فى بلده، وقدر فقه هذا المذهب موت الأقران اعتبارا بتسعين سنة ( المغنى لابن قدامة ج - 9 ص 130 حتى ص 145 فى أحكام المفقود الغائب عن زوجه وأمواله وقد استوفى ايراد وشرح أقوال فقهاء الصحابة والتابعين وفقه مذاهب الأمصار وسبق أن أورد القول فى ميراث المفقود ج - 7 ص 205 وما بعدها المطبوع مع الشرح الكبير مطبعة المنار سنة 1348 هجرية ) تلك خلاصة لما تردد من أقوال فقهاء المذاهب الأربعة فى شأن المفقود والمدة التى تتربص فيها زوجته انتظارا لعودته .
وقد كان أمر المفقود، سواء من حيث حكم زوجته، أو حكم تركته، محكوما فى مصر بالمشهور فى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة وهو الانتظار حتى يبلغ سنه تسعين سنة منذ ولادته، حتى صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 بتنظيم أحكام المفقود فنصت المادة 21 من هذا القانون على أنه (يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك، بعد أربع سنين من تاريخ فقده .
وأما فى جميع الأحوال الأخرى فيفوض أمر المدة التى يحكم بموت المفقود بعدها إلى القاضى، وذلك كله بعد التحرى عنه بجميع الطرق الممكنة الموصلة إلى معرفة إن كان المفقود حيا أو ميتا) .
ونصت المادة - 22 من ذات القانون على أنه (بعد الحكم بموت المفقود بالصفة المبينة فى المادة السابقة، تعتد زوجته عدة الوفاة، وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت الحكم) .
وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية لهاتين المادتين رأت الوزارة أن تضع أحكاما لأحوال المفقود، تصلح من الحال الموجود الآن، وتتناسب مع حال العصر الحاضر بقدر المستطاع ولما كان بعض المفقودين يفقد فى حال يظن معها موته، كمن يخرج لقضاء حاجة قريبة ولا يعود، أو يفقد فى ميدان القتال ،(25/27)
والبعض الآخر يفقد فى حال يظن معها بقاؤه سالما، كمن يغيب للتجارة أن لطلب العلم أو للسياحة ثم لا يعود، رأت الوزارة الأخذ بمذهب الإمام أحمد بن حنبل فى الحالة الأولى، وبقول مصحح فى مذهبه وبمذهب الإمام أبى حنيفة فى الحالة الثانية .
ففى الحالة الأولى ينتظر إلى تمام أربع سنين من حين فقده، فإذا لم يعد وبحث عنه فلم يوجد، اعتدت زوجته عدة الوفاة وحلت للأزواج بعدها وقسم ماله بين ورثته بعد الحكم بموته اعتبارا من القاضى .
وفى الحالة الثانية يترك أمر تقدير المدة التى يعيش بعدها المفقود إلى القاضى، فإذا بحث عنه فى مظان وجوده بكل الطرق الممكنة وتحرى عنه بما يوصل إلى معرفة حاله فلم يجده، وتبين أن مثله لا يعيش إلى هذا الوقت حكم بموته .
ولما كان الراجح من مذهب أبى حنيفة أنه لابد من حكم القاضى بموت المفقود، وأنه من تاريخ الحكم بموته تعتد زوجته عدة الوفاة ويستحق تركته ورثته الموجودون وقت صدور الحكم، رؤى الأخذ بمذهبه فى الحالتين، لأنه أضبط وأصلح لنظام العمل فى القضاء .
وقد صدر فى مصر القانون رقم 103 لسنة 1958 بتعديل المادتين 21، 22 من القانون رقم 25 لسنة 1929 فأناط التعديل لوزير الدفاع فيما يختص بالمفقودين من رجال القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية أن يصدر قرارا باعتبارهم موتى بعد مضى الأربع سنوات، ويقوم هذا القرار مقام الحكم، بحيث تعتد زوجة المفقود من أفراد القوات المسلحة وتقسم تركته من وقت صدور قرار وزير الدفاع باعتبار المفقودين منهم موتى .
لما كان ذلك وكان الظاهر مما تردد فى كتب فقهاء المذاهب اختلافهم فى المدة التى تتربصها زوجة المفقود بعد فقده، واختلافهم كذلك فيما إذا كانت تحل للأزواج بعدها دون توقف على حكم من القاضى أو لا تحل إلا بعد الحكم من القاضى بموت المفقود بعد قيام الحجة أمامه على ذلك .
ولما كان بعض فقهاء مذهب ( الزيلعى ومن وافقه حسبما تقدم ) للإمام أبى حنيفة قد صحح تفويض المدة التى يحكم بعدها إلى رأى الإمام ،وهذا الرأى قريب من فقه مذهب الإمام ( المراجع السابقة فى فقه الامام الشافعى ) الشافعى فى الجديد، كما أن الصحيح فى فقه الإمام ( الروض المربع للبهوتى ،شرح زاد المستصنع للحجاوى فى كتاب العدة ص 449 ط .
دار المعارف بمصر ) أحمد أن زوجة المفقود تتربص أربع سنين من تاريخ فقده، ثم تعتد عدة الوفاة فى الأحوال التى يغلب عليه فيها الهلاك، وكان القضاء فى مصر قد جرى على مذهب الإمام أبى حنيفة فى ضرورة صدور حكم من القاضى بوفاة الزوج المفقود لتحل زوجته من بعده للأزواج ، وتقسم تركته على ورثته وقت صدور الحكم، لأنه أضبط وأصلح احتياطا للفروج التى لا تحل إلا بكلمة الله .(25/28)
لما كان ذلك تكون الفتوى فى شكاة زوجة المفقود المسئول عنها أولا انه ليس لهذه الزوجة فسخ النكاح، أخذا بالأحوط لأن الأصل فى الفروج التحريم فإذا تقابل فى المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة، ابتاعا لفقه مذهبى ( الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى ص 33 والأشباه والنظائر للسيوطى الشافعى ص 61 كلاهما فى قاعدة الأصل فى الابضاع التحريم ) الإمامين أبى حنيفة والشافعى وعدولا عن مذهب الإمام مالك الذى يجيز لها فى بعض الصور أن ترفع المر إلى القاضى للبحث عنه، ثم تعتد عدة الوفاة - حسبما تقدم - وعن مذهب الإمام أحمد الذى يقضى فى بعض الصور كذلك بتربص زوجة المفقود أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة وبذلك تحل للأزواج دون توقف على صدور حكم من القاضى، والعدول عن الأخذ بمذهبى الإمامين مالك وأحمد فى هذا من باب الاحتياط للفروج - كما تقدم - ومن ثم فإنى أميل إلى الفتوى بالالتجاء إلى القاضى الذى يحكم بعد سماع البينة، واستظهار القرائن بما تؤدى إليه الأدلة ، وليس للقاضى الشرعى تعيين مدة للانتظام ثم الاعتداد، ثم الفسخ، إلا إذا كان قانونه الذى تولى القضاء بمقتضاه يرخص له فى اتباع مذهب الإمام مالك أو مذهب الإمام أحمد .
كما أنه ليس لهذه الزوجة التربص أربع سنين، ثم الاعتداد عدة الوفاة لتحل للزواج، بدون حكم من القاضى .
ثانيا ليس حتما على القاضى الشرعى حبس هذه الزوجة على الصبر إلى العمر الغالب، وله دفعا للإعنات الذى لحقها بغيبة زوجها عنها هذه المدة أن يأخذ بما جرى عليه القانون والقضاء فى مصر، تطبيقا للقول الذى اختاره الزيلعى ومن وافقه من المتأخرين من فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة وللقول الصحيح فى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الذى يقضى بأنه إذا كان الزوج المفقود قد فقد فى حال يظن معها موته كمن خرج للصلاة ثم لم يعد ، أو كان فقده فى ميدان قتال، رفعت زوجته أو أحد ورثته أمره إلى القاضى للتحقق من حال فقده والتحرى والبحث عنه، واستماع البينة واستظهار القرائن، إذا كانت قد مضت أربع سنين على تاريخ فقده، أما إذا كان هذا المفقود قد خرج أو غاب للتجارة أو لطلب العلم ثم لم يعد، فتلك حال يظن فيها سلامته فيفوض أمر المدة التى يحكم بعدها بموته اعتبارا إلى القاضى على ألا تقل عن أربع سنين، كما فى الحالة الأولى .
وترفع الدعوى، بطلب الحكم بوفاة المفقود اعتبارا فى هاتين الحالتين على وكيل هذا المفقود سواء كان وكيلا لإدارة أمواله، إن كان له أموال، أو كان وكيلا يقيمه القاضى لاختصامه فى هذه الدعوى فهو مدعى عليه بهذا الوصف، على ما هو مبين فى موضعه، من كتب فقه مذهب الإمام أبى حنيفة (كتاب الدعوى، وكتاب القضاء، وكتاب المفقود) هذا وقد سبقت الإشارة إلى أن بعض فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة رأوا الفتوى فى حكم زوجة المفقود بما فى فقه مذهب الإمام مالك (على ما(25/29)
سبق بيانه) ولكنى لا أميل لمثل هذه الفتوى لأن رفع الأمر إلى القاضى أضبط وأحوط، ولأن حكم القاضى رافع للخلاف فى المجتهد فيه بناء على إجماع الصحابة على أنه الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد .
( كتابى الأشباه والنظائر السابقين فى قاعدة الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ) والله الموفق للصواب، وهو سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
حال المفقود وزوجته منه وتقسيم ماله
المفتي
أحمد هريدى .
جماد أول سنة 1389 هجرية - 6 أغسطس سنة 1969 م
المبادئ
1 - المفقود يعتبر حيا بالنسبة للأحكام التى تضره وهى التى تتوقف على ثبوت موته بالدليل أو حكم القاضى .
2 - لا يفرق بينه وبين زوجته ولا يجوز لها التزوج بغيره لمجرد فقده ولا يقسم ماله بين ورثته حتى يتبين حاله .
3 - إذا كان المفقود من رجال القوات المسلحة لا تقسم تركته على ورثته إلا إذا صدر قرار من وزير الحربية باعتباره ميتا اثناء العمليات الحربية بعد أربع سنوات من تاريخ فقده ويقوم هذا القرار مقام الحكم بموته .
4 - متى صدر الحكم من القاضى أو القرار من وزير الحربية باعتباره ميتا تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته على ورثته الشرعيين الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار .
5 - تقسم مرتباته حسب قوانين وزارة الحربية
السؤال
من السيد / ع ع ح بطلبه المتضمن أن ابن السائل ويدعى عبد السلام - كان جنديا بالقوات المسلحة وأنه منذ العدوان الاسرائيلى فى 5 يونية سنة 1967 انقطعت اخباره ولا يدرى أحى هو أم ميت وان لهذا الجندى زوجة عقد عليها ولم يدخل بها تدعى نجية وان الادارة المالية للقوات المسلحة تصرف مرتب العسكرى المذكور إلى زوجته فقط - بالرغم من أن والده ( السائل ) على قيد الحياة وكذلك والدته على قيد الحياة وجاء فى الأوراق التى أرفقها السائل بطلبه فى خطاب من القيادة العامة للقوات المسلحة - إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة - فرع العلاقات العامة - قسم الخدمة الاجتماعية ( شكاوى ) ما نصه ( من حق الزوجة صرف المرتب ولو لم يدخل بها كالتعليمات المالية للقوات المسلحة ) وكان هذا الخطاب ردا على شكوى قدمها السائل طالبا فيها منع صرف المرتب(25/30)
للزوجة - وطلب السائل بيان رأى الشرع فى هذا الموضوع وهل يسوغ شرعا للزوجة التى لم يدخل بها الزوج أن تصرف مرتبه وتقبضه ولا يصرف منه شئ لوالديه اللذين هما على قيد الحياة
الجواب
ان القوات المسلحة اعتبرت هذا الجندى مفقودا وطبقت عليه أحكام المفقودين والمقرر فقها وشرعا أن المفقود يعتبر حيا بالنسبة للأحكام التى تضره وهى التى تتوقف على ثبوت موته بالدليل أو بالحكم وينبنى على ذلك أنه لا يفرق بينه وبين زوجته فلا يجوز لها التزوج بغيره ولا يقسم ماله بين ورثته بل تستمر هذه الأمور على ما كانت عليه إلى ان يتبين الحال وحينئذ يحكم بحسب ما يظهر وعلى ذلك يعتبر هذا المفقود فى حكم الأحياء إلى أني صدر قرار السيد وزير الحربية باعتباره ميتا - ومن ثم لا يكون لزوجته الحق فى طلب التطليق بل تبقى زوجيتها به قائمة كما كانت، كما وان مرتباته لا تعتبر تركة تقسم بين ورثته ويرجع فى شأن تقسيمها إلى القوانين الخاصة التى تنظم توزيع مرتبات الغائبين بوزارة الحربية وقد نص القانون رقم 103 لسنة 1958 فى شأن تعديل الماديتن 21، 22 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 وتقضى المادة 21 من القانون المشار إليه فى فقرتها الأولى على أنه يحكم بموت المفقود الذى يغلب عليه الهلاك بعد أربع سنين من تاريخ فقده على أن بالنسبة للمفقودين من أفراد القوات المسلحة أثناء العمليات الحربية يصدر وزير الحربية قرارا باعتبارهم موتى بعد مضى الأربع سنوات ويقوم هذا القرار مقام الحكم .
ونصت المادة 22 منه على أنه ( بعد الحكم بموت المفقود أو صدور قرار وزي الحربية باعتباره ميتا على الوجه المبين بالمادة السابقة تعتد زوجته عدة الوفاة وتقسم تركته بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم أو القرار ) - ومن هذا يتبين أن ابن السائل يعتبر حيا وأن مرتبه لا يعتبر تركة تقسم بين ورثته ويرجع فى شأن تقسيم مرتبه إلى القوانين الخاصة التى تنظم توزيع مرتبات الغائبين بوزارة الحربية - وإن المرتب ليس كالميراث فلا يقسم على الورثة الشرعيين بل يقسم طبقا للقوانين التى تضعها وزارة الحربية لذلك .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 353)
كِتَابُ الْعِدَدِ وَيُتَوَجَّهُ فِي الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا إذَا كَانَ الْحُرُّ يَلِيهَا أَنْ لَا تَجِبَ الْأَقْرَاءُ فَإِنَّ تَكْمِيلَ الْقُرُوءِ مِنْ الْأَمَةِ إنَّمَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ فَيُؤْخَذُ لِلْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِحِسَابِ الْأَصْلِ وَيُكَمَّلُ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِذَا ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوِلَادَةِ قُبِلَ قَوْلِهَا إذَا كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنْ تَدَّعِيَهُ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَبِلَهُ الْخِرَقِيِّ مُطْلَقًا .(25/31)
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ أَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ كُلِّفَتْ الْبَيِّنَةَ وَإِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَيْضِهَا فَقَالَتْ حِضْت فَإِنَّ التُّهْمَةَ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْعِدَّةِ كَالتُّهْمَةِ فِي الْخَلَاصِ مِنْ النِّكَاحِ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كُلِّفَتْ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ بِالْوِلَادَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْوِلَادَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ وَإِذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ مِنْ مُدَّةٍ تَزِيدُ عَلَى الْعِدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ فَاسِقًا أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الَّتِي فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ مُتَّهَمٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَمَّا حَضَرَ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا .
فَهَلْ الْعِدَّةُ حِينَ بَلَغَهَا الْخَبَرُ إذْ لَمْ تَقُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ ؟ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ هُوَ الثَّانِي .
وَالصَّوَابُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا ثُمَّ إذَا قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ بَعْدَ تَزَوُّجِهَا خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ مَهْرِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا يُعْتَبَرُ الْحَاكِمُ فَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْعِدَّةُ تَزَوَّجَتْ بِلَا حُكْمٍ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَكُنْت أَقُولُ إنَّ هَذَا شَبَهُ اللُّقَطَةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ عَقِيلٍ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ وَمِثْلَ ذَلِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الشَّرْعِ كَالْمَعْدُومِ وَإِذَا عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ التَّصَرُّفُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إذْنِهِ وَوَقْفُ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ عَلَى إذْنِهِ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ عِنْدَنَا بِلَا نِزَاعٍ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ لِصَاحِبِهَا فَإِذَا جَاءَ الْمَالِكُ كَانَ تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ وَكَانَ تَرَبُّصُ أَرْبَعِ سِنِينَ كَالْحَوْلِ فِي اللُّقَطَةِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ صُورَةٍ فُرِّقَ فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ انْتِفَاءُ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَبِيهُ الْمَفْقُودِ ، وَالتَّخْيِيرُ فِيهِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ .
وَلَوْ ظَنَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ فَهُوَ كَمَا لَوْ ظَنَّتْ مَوْتَهُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا كَتَمَتْ الزَّوْجَ فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْأَوَّلُ حَتَّى دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُنَا الزَّوْجَانِ مَشْهُورَانِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لَكِنْ إذَا اعْتَقَدَتْ جَوَازَ ذَلِكَ بِأَنْ تَعْتَقِدَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ حَقِّهَا أَوْ مُفَرِّطٌ فِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْفَسْخُ وَالتَّزْوِيجُ بِغَيْرِهِ فَتُشْبِهُ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَتْ التَّحْرِيمَ فَهِيَ زَانِيَةٌ لَكِنَّ الْمُتَزَوِّجَ بِهَا كَالْمُتَزَوِّجِ بِامْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَكَأَنَّهَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَأَجَازَهُ وَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ امْرَأَتَيْهِ مُبْهَمَةً وَمَاتَ قَبْلَ الْإِقْرَاعِ فَأَحَدُهُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْأُخْرَى عِدَّةُ الطَّلَاقِ فَالْأَظْهَرُ هُنَا وُجُوبُ الْعِدَّتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْوَاجِبُ أَنَّ الشُّبْهَةَ إنْ كَانَتْ شُبْهَةَ نِكَاحٍ فَتَعْتَدُّ الْمَوْطُوءَةُ عِدَّةَ الْمُزَوَّجَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ مِلْكٍ فَعِدَّةُ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ ، وَأَمَّا الزِّنَا فَالْعِبْرَةُ بِالْمَحَلِّ .(25/32)
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ وَتَعْتَدُّ الْمَزْنِيُّ بِهَا بِحَيْضَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمُخْتَلِعَةُ يَكْفِيهَا الِاعْتِدَادُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَغَيْرِهِ وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا كَذَلِكَ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ .
قُلْت : عَلَّقَ أَبُو الْعَبَّاسِ مِنْ " الْفَوَائِدِ " بِذَلِكَ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ وَمَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ إنْ عَلِمَتْ عَدَمَ عَوْدِهِ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِسَنَةٍ وَالْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنُ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا إنْ شَاءَ أَسْكَنَهَا فِي مَسْكَنِهِ وَغَيْرِهِ إنْ صَلُحَ لَهَا وَلَا مَحْذُورَ تَحْصِينًا لِمَائِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ نَفَقَتُهَا إنْ قُلْنَا بِالنَّفَقَةِ لَهَا إلَّا أَنْ يُسْكِنَهَا فِي مَنْزِلٍ يَلِيقُ بِهَا تَحْصِينًا لِمَائِهِ فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 8 / ص 375)
( وَسُئِلَ ) عَنْ امْرَأَةِ تَزَوَّجَتْ اعْتِمَادًا عَلَى مُضِيِّ عِدَّتِهَا ثُمَّ لَمَّا سَافَرَ زَوْجُهَا سَفَرًا طَوِيلًا بَعِيدًا جَاءَتْ الْقَاضِي وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاح كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ كَاذِبَةً فَشَهِدَ بِمُوجِبِهَا النِّسْوَانُ اللَّاتِي كُنَّ سَاكِنَاتٍ مَعَهَا مَعَ أَنَّهُنَّ سَكَتْنَ أَوَّلًا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَزَوَّجَهَا آخَرَ هَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَفِيمَا إذَا فَسَخَ الْقَاضِي نِكَاحَ هَذِهِ ثُمَّ شَهِدَ رَجُلَانِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِبُلُوغِهَا بِالسِّنِّ أَوْ أَقَرَّتْ بِبُلُوغِهَا بِالِاحْتِلَامِ وَقْت الْفَسْخِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ وَالنِّكَاحِ بِثُبُوتِ الْبُلُوغِ الْآنَ لِمُوَافَقَتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْر أَوْ لَا لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ .
وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَاب فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَعْلَمُ أَهِيَ أُخْتُهُ أَمْ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَمِنْهَا لَوْ زَوَّجَ أُمَّةَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ النِّكَاحُ وَمِنْهَا إذَا تَرَبَّصَتْ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَةَ سِنِينَ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ فَبَانَ مَيِّتًا عِنْد التَّزَوُّجِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاته وَمَا الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ قَاضٍ مَعْرِفَةُ شُرُوطِ النِّكَاحِ أَوْ لَا وَلَوْ لُقِّنَ أَحَدُ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ لِلْعَاقِدِ فَعَقَدَهَا هَلْ يَصِحّ أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَزُوِّجَتْ ثُمَّ أَخْبَرَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهَا سَوَاءٌ أَغَابَ الزَّوْجُ أَمْ حَضَرَ وَلَمْ يُوَافِقْهَا لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَفْعِهِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهَا الْأَوَّلِ وَلَا عِبْرَةَ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْمَذْكُورَاتِ بِمُوَافَقَتِهَا فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ مُكَذِّبٌ لَهُنَّ وَتَزْوِيجُ الْقَاضِي لَهَا فِيمَا ذَكَرَ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ .
وَكَذَلِكَ فَسْخُهُ لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى جَهْلِهِ وَتَهَوُّرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ يَحْجِزُهُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَفِيمَا إذَا فَسَخَ الْقَاضِي نِكَاحَ هَذِهِ إلَخْ كَلَامٌ غَيْرُ مُلْتَئِمٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَقَوْلُهُ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا اضْطِرَابَ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُهُ الْعِلْمُ بِحِلِّ(25/33)
الْمَنْكُوحَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِحِلِّ تَعَاطِي الْعَقْدِ وَلِنُفُوذِهِ ظَاهِرًا وَأَمَّا الصُّوَرُ الْأُخْرَى الَّتِي مِنْهَا تَزْوِيجُ أَمَةِ الْمُوَرِّثِ وَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَإِنْ لَمْ تَتَرَبَّصْ أَرْبَع سِنِينَ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ فِي نَفْس الْأَمْر فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الصِّحَّةِ عَلَى وُجُودِ الشُّرُوطِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَدَارُ حِلِّ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَنُفُوذِهِ ظَاهِرًا أَيْضًا عَلَى الْعِلْمِ بِحِلِّ الْمَنْكُوحَةِ فَلَا تَخَالُفَ بَيْن تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعْرِفَةُ شُرُوطِهِ بَلْ الْإِتْيَانُ بِهَا حَتَّى لَوْ لُقِّنَ لَفْظُهُ وَعَرَفَ مَعْنَاهُ فَأَتَى بِهِ صَحَّ إنْ اسْتَوْفَى بَقِيَّةَ شُرُوطِهِ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 17 / ص 442)
كِتَابُ الْمَفْقُودِ هُوَ الَّذِي غَابَ عَنْ أَهْلِهِ أَوْ بَلَدِهِ أَوْ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَلَا يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَوْ مَيِّتٌ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مَكَانٌ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ زَمَانٌ فَهُوَ مَعْدُومٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَرِثُ مِمَّنْ مَاتَ حَالَ غَيْبَتِهِ ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ .
وَيَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ وَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدُّيُونَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاؤُهُ وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِغَرِيمٍ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكَ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَأَنْهَ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا ، فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ الْوَكِيلُ الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ بِلَا خِلَافٍ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ مِنْ مَالِهِ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
وَلَا يَبِيعُ مَا لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، حَالَ حَضْرَتِهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ وَأَبَوَيْهِ وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِحَضْرَتِهِ إلَّا بِقَضَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَنَحْوِهِمَا ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا مِنْ مَالِهِ النَّقْدَانِ ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ .
وَالتِّبْرُ بِمَنْزِلَةِ النَّقْدَيْنِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْقَاضِي ، وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمَا إذَا كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدْيُونُ مُقِرَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَإِنْ كَانَا ظَاهِرَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقْرَارِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَاهِرًا دُونَ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِمَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الصَّحِيحِ ، وَإِنْ دَفَعَ الْمُودِعَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَالْمُودِعُ يَضْمَنُ وَالْمَدْيُونُ لَا يَبْرَأُ ، وَإِنْ جَحَدَ الْمُودِعُ وَالْمَدْيُونُ أَصْلًا أَوْ جَحَدَ الزَّوْجِيَّةَ وَالنَّسَبَ لَمْ يُنْتَصَبْ أَحَدٌ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ خَصْمًا فِي ذَلِكَ .(25/34)
لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بِمُضِيِّ تِسْعِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقَدَّرُ بِمَوْتِ أَقْرَانِهِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ حَيًّا حُكِمَ بِمَوْتِهِ وَيُعْتَبَرُ مَوْتُ أَقْرَانِهِ فِي أَهْلِ بَلَدِهِ ، كَذَا فِي الْكَافِي ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ ، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ اعْتَدَّتْ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقُسِّمَ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، فَإِنْ عَادَ زَوْجُهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا ، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَيُعْتَبَرُ مَيِّتًا فِي مَالِهِ يَوْمَ تَمَّتْ الْمُدَّةُ ، وَفِي مَالِ الْغَيْرِ يُعْتَبَرُ كَأَنَّهُ مَاتَ يَوْمَ فَقْدِهِ ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا " لَا يَرِثُ الْمَفْقُودُ أَحَدًا " أَنَّ نَصِيبَ الْمَفْقُودِ مِنْ الْمِيرَاثِ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَفْقُودِ ، أَمَّا نَصِيبُ الْمَفْقُودِ مِنْ الْإِرْثِ فَيَتَوَقَّفُ ، فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَيًّا حَتَّى بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً فَمَا وُقِفَ لَهُ يُرَدُّ عَلَى وَرَثَةِ صَاحِبِ الْمَالِ يَوْمَ مَاتَ صَاحِبُ الْمَالِ ، كَذَا فِي الْكَافِي .
وَإِذَا أَوْصَى لَهُ تَوَقَّفَ الْمُوصَى بِهِ إلَى أَنْ يُحْكَمَ بِمَوْتِهِ فَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ يُرَدُّ الْمَالُ الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
إذَا فُقِدَ الْمُرْتَدُّ فَلَمْ يُعْلَمْ أَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يُوقَفُ مِيرَاثُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُرْتَدِّ يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَلَمْ يُوقَفْ لِلْمَفْقُودِ شَيْءٌ ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ .
لَوْ كَانَ مَعَ الْمَفْقُودِ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِهِ ، يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَمْ يُعْطَ أَصْلًا ، بَيَانُهُ رَجُلٌ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتِ ابْنٍ ، وَالْمَالُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَتَصَادَقُوا عَلَى الِابْنِ الْمَفْقُودِ وَطَلَبَتْ الْبِنْتَانِ الْإِرْثَ دُفِعَ النِّصْفُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ إلَيْهِمَا وَلَا يُدْفَعُ إلَى وَلَدِ الِابْنِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْأَجْنَبِيِّ إلَّا إذَا ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ فَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَحُكِمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ يُعْطَى سُدُسٌ آخَرُ لِلْبِنْتَيْنِ لِيَتِمَّ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَيُعْطَى الْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ ، وَنَظِيرُهُ الْحَمْلُ فَإِنَّهُ يُوقَفُ لَهُ نَصِيبُ ابْنٍ وَاحِدٍ بِاخْتِيَارِ الْفَتْوَى ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالْحَمْلِ يُعْطَى كُلٌّ نَصِيبَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ بِهِ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ ، كَذَا فِي الْكَافِي .
إذَا مَاتَ الْمَفْقُودُ بِالْبَادِيَةِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَبِيعَ حِمَارَهُ وَمَتَاعَهُ وَيَحْمِلَ الدَّرَاهِمَ إلَى أَهْلِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا مِنْ دَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ فِي عَقَارٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ مُطَالَبَةٍ بِاسْتِحْقَاقٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَكِيلُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ خَصْمًا ، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَحَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 51 / ص 347)(25/35)
( الْبَابُ الثَّامِنُ فِي الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ وَالْغَرْقَى وَالْحَرْقَى ) الْمَفْقُودُ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي وَجْهٍ فَيُفْقَدُ وَلَا يُعْرَفُ مَوْضِعُهُ وَلَا تَسْتَبِينُ حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ أَوْ يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ فَلَا يَسْتَبِينُ مَوْتُهُ وَلَا قَتْلُهُ ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى : مَدَارُ مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ إنَّ الْمَفْقُودَ يُعْتَبَرُ حَيًّا فِي مَالِهِ مَيِّتًا فِي مَالِ غَيْرِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، أَوْ تَمُوتَ أَقْرَانُهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا فِي مَالِهِ يَوْمَ تَمَّتْ الْمُدَّةُ أَوْ مَاتَ الْأَقْرَانُ وَفِي مَالِ الْغَيْرِ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا كَأَنَّهُ مَاتَ يَوْمَ فُقِدَ ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مَنْ مَاتَ فِي حَالِ فَقْدِهِ مِمَّنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ يُوقَفُ نَصِيبُ الْمَفْقُودِ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ حَالُهُ ؛ لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَحَكَمْنَا بِمَوْتِهِ قُسِّمَتْ أَمْوَالُهُ بَيْنَ الْمَوْجُودِينَ مِنْ وَرَثَتِهِ ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ مِنْ تَرِكَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى وَرَثَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ كَأَنَّ الْمَفْقُودَ لَمْ يَكُنْ ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ يُحْجَبُ بِهِ لَا يُعْطَى شَيْئًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحْجَبُ وَلَكِنْ يَنْقُصُ يُعْطَى أَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي .
مِثَالُهُ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَابْنِ ابْنٍ وَبِنْتِ ابْنٍ تُعْطَى الْبِنْتَانِ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَيُوقَفُ النِّصْفُ الْآخَرُ وَلَا يُعْطَى وَلَدُ الِابْنِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُمْ يُحْجَبُونَ بِهِ فَلَا يُعْطَوْنَ بِالشَّكِّ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ كَالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ يُعْطَى كُلٌّ نَصِيبَهُ كَمَا فِي الْحَمْلِ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ .
.( وَحُكْمُ الْأَسِيرِ ) كَحُكْمِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِيرَاثِ مَا لَمْ يُفَارِقْ دِينَهُ فَإِنْ فَارَقَ دِينَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رِدَّتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَفْقُودِ ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ .
ـــــــــــــــــــ
الروضة الندية - (ج 2 / ص 284)
وأما التفريق بين المفقود وبين امرأته فأقول : قد تشعبت المذاهب في هذه المسألة إلى شعب ليس عليه أثارة من علم لا سيما التحديدات بمقادير معلومة من الأوقات منها ماهو رجوع إلى مذاهب الطبائعية كقول من قال : أنه ينتظر المفقود حتى يمضي له من يوم ولادته مائة وعشرون سنة لأن كل طبيعة من الطبائع الأربع إذا لم يعرض لها ما يفسدها تغلب على الإنسان ثلاثين سنة فتحصل من مجموع الأربع الطبائع مائة وعشرون سنة وهذا مذهب كفري وكلام بمعزل عن الشريعة قال الماتن في حاشية الشفاء : وقد رأينا في عمرنا من عاش مائة وسبعاً وعشرين سنة ونصف سنة ورأيناه وهو في هذا السن في كمال من حواسه وجوارحه بحيث إنه لم يفقد منها شيئاً وهو يذهب ويجيء ويحضر المساجد وغاب عنا بعد ذلك فالله أعلم بعد هذه المدة انتهى .
أقول : وقد رأينا من عاش فوق المائة إلى عشرين سنة أو أكثر من ذلك وهم كثيرون وسمعنا بمن عاش فوق المائة إلى أربعين سنة بل أزيد من ذلك وهم قليلون ، والقدرة الإلهية صالحة للكل ، وبالجملة فمن العلماء من قال : مائة وخمسون ومنهم من قال : مائتان ومنهم من قال : أربع سنين ومنهم من قال : زيادة على ذلك ، ومنهم من فرق بين من كان له أهل ومال ومن لم يكن له أهل ومال ،(25/36)
والكل محض رأي . وعندي أن تحريم نكاح المحصنة ورد به النص القرآني ، وأجمع عليه جميع المسلمين ، بل هو معلوم من ضرورة الدين . وامرأة المفقود محصنة فالأصل الأصيل تحريم نكاحها ، وإذا لم يكن لها ما تستنفقه وكان امساكها حينئذ وإلزامها على استمرار نكاح الغائب فيه أضرار بها كان ذلك وجهاً للفسخ . وهكذا إذا طالت مدة الغيبة وكانت المرأة تتضرر بترك النكاح فالفسخ لذلك جائز ، وإذا جاز الفسخ للعنة فجوازه للغيبة الطويلة أولى لأنه قد علم من نصوص الكتاب والسنة تحريم الإمساك ضراراً والنهي للأزواج عن الضرار في غير موضع ، فوجب دفع الضرار عن الزوجة بكل ممكن وإذا لم يكن إلا بالفسخ جاز ذلك بل وجب . وأما عدم وقوع طلاق المكره فدليله حديث لا طلاق في إغلاق أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه من حديث عائشة وضعفه أبو حاتم بمحمد بن عبيد الله بن أبي صالح ورد عليه بأنه قد أخرجه البيهقي من طريق غيره . والإغلاق عند علماء اللغة الإكراه كما في النهاية وغيرها . وأما عدم صحة الطلاق قبل أن ينكحها فالأحاديث الواردة في هذا الكتاب لا تخلو عن مقال لكن لها طرق عدة عن جماعة من الصحابة وهي لا تقصر عن بلوغ رتبة الحسن لغيره فالعمل بها متحتم ولم يأت من خالفها بشئ إلا مجرد رأي محض . ثم إن السيد لا يطلق عند عبده بل الطلاق إلى العبد وذلك هو الأصل في الشريعة المطهرة فمن زعم أنه يصح طلاق غير زوج فعليه الدليل *
ـــــــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 73)
قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذَا أَسْلَمْنَ فَلاَ يَخْلَوْنَ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ سُبِيَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يُسْبَ , بَلْ هُوَ فِي أَرْضِهِ , فَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ فِي أَرْضِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ إسْلاَمِهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً , أَوْ مَعَ إسْلاَمِهَا كَائِنًا مَا كَانَ دِينُهَا فَقَدْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِإِسْلاَمِهَا دُونَ إسْلاَمِ زَوْجِهَا فَقَدْ حَلَّ فَرْجُهَا لِسَيِّدِهَا الْمُسْلِمِ حِينَئِذٍ : بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِلاَ خِلاَفٍ , فَإِنْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا مَعَ إسْلاَمِهَا كَائِنًا مَا كَانَ دِينُهَا , أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلاَمِهَا وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ , فَهُمَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بَاقِيَانِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِمَا , لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحَّ بِتَصْحِيحِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ فَسْخُهُ إِلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَابِتَةٍ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الْمَسْبِيَّةِ بَعْدَ إسْلاَمِهَا دُونَ إسْلاَمِ زَوْجِهَا فَقَطْ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا سُبِيَ الزَّوْجَانِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا حَتَّى يَخْرُجَا إلَى دَارِ الإِسْلاَمِ , فَإِذَا صَارَ فِيهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَهَذَا قَوْلُهُ أَوَّلُهُ صَحِيحٌ وَآخِرُهُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لأََنَّ اخْتِلاَفَ الدَّارَيْنِ لاَ يُحَرِّمُ نَسَبًا ، وَلاَ يُحِلُّهُ.
وقال مالك : إنْ جَاءَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِسَبْيٍ فِيهِ زَوْجَانِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا(25/37)
قال أبو محمد رحمه الله : كُلُّ قَوْلٍ مَا لَمْ يُؤَيِّدْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَابِتَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَسْخُ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ
1941 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ فُقِدَ فَعُرِفَ أَيْنَ مَوْضِعُهُ , أَوْ لَمْ يُعْرَفْ فِي حَرْبٍ فُقِدَ , أَوْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَلَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَأَمَةٌ وَمَالٌ : لَمْ يُفْسَخْ بِذَلِكَ نِكَاحُ امْرَأَتِهِ أَبَدًا , وَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَصِحَّ مَوْتُهُ أَوْ تَمُوتَ هِيَ , وَلاَ تَعْتِقُ أُمُّ وَلَدِهِ , وَلاَ تُبَاعُ أَمَتُهُ , وَلاَ يُفَرَّقُ مَالُهُ , لَكِنْ يُنْفَقُ عَلَى مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَتْ الأَمَةُ , وَقِيلَ لِلزَّوْجَةِ , وَلأَُمِّ الْوَلَدِ : اُنْظُرَا لأََنْفُسِكُمَا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ مُكْتَسَبٌ أُنْفِقَ عَلَيْهِمَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الصَّدَقَاتِ كَسَائِرِ الْفُقَرَاءِ , وَلاَ فَرْقَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ : فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ طُرُقٍ : مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ , وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , قَالَ عَاصِمٌ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ عُمَرَ , وَقَالَ سُلَيْمَانُ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ عُمَرَ , وَكِلاَهُمَا أَدْرَكَ عُمَرَ وَسَمِعَ مِنْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : شَهِدْت عُمَرَ خَيَّرَ مَفْقُودًا تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَهْرِ الَّذِي سَاقَهُ إلَيْهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِيَصِحَّ سَمَاعُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ لِذَلِكَ مِنْ عُمَرَ :
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ رَجُلاً فَقَدَتْهُ امْرَأَتُهُ فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَسَأَلَ قَوْمَهَا فَصَدَّقُوهَا , فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ ذِي قَبْلُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ , فَجَاءَ زَوْجُهَا وَذَكَرَ الْخَبَرَ. قَالَ : فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى : أَنَّ امْرَأَةً فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَأَتَتْ عُمَرَ فَسَأَلَ جِيرَانَهَا وَقَوْمَهَا فَصَدَّقُوهَا , فَقَالَ لَهَا : اعْتَدِّي أَرْبَعَ سِنِينَ وَتَزَوَّجِي , فَجَاءَ زَوْجُهَا بَعْدَ ذَلِكَ , فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : فَقَدَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فَمَكَثَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ , ثُمَّ ذَكَرَتْ أَمْرَهَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ , فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا وَإِلَّا تَزَوَّجَتْ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ السَّنَوَاتُ الأَرْبَعُ وَلَمْ تَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ ثُمَّ جَاءَ زَوْجُهَا فَأُخْبِرَ بِالْخَبَرِ , فَأَتَى إلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إنْ شِئْت رَدَدْنَا إلَيْك امْرَأَتَك , وَإِنْ شِئْت زَوَّجْنَاك غَيْرَهَا قَالَ : بَلْ زَوِّجْنِي غَيْرَهَا.(25/38)
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ خَرَجَ لَيْلاً فَاسْتَبَتْهُ الْجِنُّ فَطَالَتْ غَيْبَتُهُ , فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَ سِنِينَ , فَفَعَلَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَفَعَلَتْ ,. وَقَدِمَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ فَاخْتَارَ امْرَأَتَهُ , فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا وَرَدَّهَا إلَيْهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا الَّذِي لاَ يَصِحُّ ، عَنْ عُمَرَ غَيْرُهُ أَصْلاً , وَهُوَ أَنْ تَبْتَدِئَ بِتَرَبُّصِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الإِمَامِ , فَإِذَا أَتَمَّتْ الأَرْبَعَ سِنِينَ تَزَوَّجَتْ إنْ شَاءَتْ فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَدَاقِهَا الَّذِي أَعْطَاهَا , وَبَيْنَ أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفْسَخَ نِكَاحُ الآخَرِ , أَوْ يُزَوِّجُهُ الإِمَامُ زَوْجَةً أُخْرَى.
وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ; وَابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ; قَالاَ جَمِيعًا : فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ : تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : يُنْفَقُ عَلَيْهَا فِيهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا , لأََنَّهَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إذًا يُجْحِفُ ذَلِكَ بِالْوَرَثَةِ , وَلَكِنْ تَسْتَدِينُ , فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ , فَإِنْ مَاتَ قَضَتْ مِنْ نَصِيبِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ ثُمَّ قَالاَ جَمِيعًا يُنْفَقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الأَرْبَعِ سِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا صَحِيحٌ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ.
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ فِيهَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَيْهِ , فَإِذَا أَتَمَّتْهَا طَلَّقَهَا وَلِيُّهُ عَنْهُ , ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , ثُمَّ تَتَزَوَّجُ , فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا وَقَدْ تَزَوَّجَتْ خَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَدَاقِهَا.
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ غَيْرُ هَذَا كُلِّهِ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ لاَ تَصِحُّ , لأََنَّ فِيهَا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيَّ وَهِيَ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : فَقَدَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ , فَفَعَلَتْ , ثُمَّ جَاءَتْهُ , فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , ثُمَّ أَتَتْهُ فَدَعَا وَلِيَّ الْمَفْقُودِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَّقَهَا , فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَتَتْهُ , فَأَبَاحَ لَهَا الزَّوَاجَ , فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا الْمَفْقُودُ فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ تِلْكَ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ , فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ , فَأَمَرَ لَهُ عُمَرُ بِالصَّدَاقِ.
وَرُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَوْلٌ رَابِعٌ لاَ يَصِحُّ , لأََنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ , ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , ثُمَّ تَحِلُّ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ.(25/39)
وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ أَيْضًا غَيْرَ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ فِيهَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَدَتْ زَوْجَهَا مُذْ ثَلاَثَةِ أَعْوَامٍ وَثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ , فَأَمَرَهَا عُمَرُ أَنْ تُتِمَّ أَرْبَعَ سِنِينَ , ثُمَّ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا , ثُمَّ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالزُّهْرِيِّ , غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْهُمْ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ وَلِيَّ الْمُغَيَّبِ عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ : قَضَيَا فِي الْمَفْقُودِ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ , وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ ذَلِكَ , ثُمَّ تَتَزَوَّجَ فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ خُيِّرَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : لَيْسَ مَعْمَرٌ دُونَ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَأَحْفَظُ مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ هَذِهِ ، عَنْ عُثْمَانَ صَحِيحَةٌ ; لأََنَّهُ أَدْرَكَهُ وَجَالَسَهُ وَقُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ : أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ : أَنَّ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ أَنَّهُ يُقَسَّمُ مِنْ يَوْمِ تَمْضِي الأَرْبَعُ السُّنُونَ وَتَسْتَقْبِلُ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثَنَا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ : أَنَّ امْرَأَةً فَقَدَتْ زَوْجَهَا فَلَبِثَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , ثُمَّ أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ , فَلَمْ يَجِئْ فَأَمَرَ عُمَرُ وَلِيَّهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا , ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ , فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا , فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خَيَّرَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ : أَنَّ رَجُلاً رَكِبَ الْبَحْرَ فَتِيهَ بِهِ , فَتَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ , وَقُسِّمَ مِيرَاثُهُ , فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَخَيَّرَ الرَّجُلَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ , وَرَدَّ عَلَيْهِ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَجَعَلَ فِي أَوْلاَدِهِنَّ الْفِدَاءَ , فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه ارْتَفَعُوا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَضَى بِمِثْلِ قَضَاءِ عُثْمَانَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ : أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ بْنَ أُسَامَةَ سُئِلَ ، عَنْ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ فَقَالَ أَبُو مَلِيحٍ : حَدَّثَتْنِي سُهَيْمَةُ بِنْتُ عُمَرَ الشَّيْبَانِيَّةُ أَنَّهَا فَقَدَتْ زَوْجَهَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا , فَلَمْ يُدْرَ أَهَلَكَ أَمْ لاَ , فَتَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ , ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ , فَرَكِبَ هُوَ وَزَوْجُهَا الثَّانِي إلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرَاهُ , فَقَالَ عُثْمَانُ يُخَيَّرُ الأَوَّلُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ صَدَاقِهَا , فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ فَرَكِبَا إلَى عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ : مَا أَرَى إِلاَّ مَا قَالَ عُثْمَانُ قَالَتْ : فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ , فَأَعَنْت زَوْجِي(25/40)
بِأَلْفَيْنِ وَكَانَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ ; وَرَدَّ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ كُنَّ تَزَوَّجْنَ بَعْدَهُ وَرَدَّ أَوْلاَدَهُنَّ مَعَهُنَّ ; عِلْمِي ، أَنَّهُ قَالَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا قَتَادَةُ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ , ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الْوَلِيُّ , ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , فَإِذَا جَاءَ زَوْجُهَا خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ
وَهَذَا صَحِيحٌ ، عَنْ عَلِيٍّ.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَرُوِّينَا :
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ : سَأَلْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ، عَنِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَقَالَ : تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ , ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّهُ , ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ , فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ , فَإِنْ شَاءَ امْرَأَتَهُ , وَإِنْ شَاءَ صَدَاقَهَا الَّذِي كَانَ أَصْدَقَهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُخَيِّرُ الْمَفْقُودَ بَيْنَ الصَّدَاقِ الأَوَّلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ , قَالَ قَتَادَةُ , وَقَالَ الْخِلاَسُ بْنُ عَمْرٍو : يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ الآخَرِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ السَّابِرِيِّ حَزِينٌ كَئِيبٌ فَقُلْت : مَا شَأْنُ ذَا فَقَالَ النَّخَعِيُّ قَدِمَ زَوْجُ امْرَأَتِهِ فَقُلْت : فَكَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ : يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ , فَإِنْ اخْتَارَ الطَّلاَقَ أَقَامَ هَذَا عَلَى امْرَأَتِهِ ، وَلاَ تَعْتَدُّ مِنْهُ , لأََنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ , وَإِنْ اخْتَارَ امْرَأَتَهُ اعْتَدَّتْ مِنْ هَذَا , قَالَ عَطَاءٌ : فَأَخْبَرْت بِذَلِكَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ , فَقَالَ : لاَ يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا إِلاَّ وَفِيهِ عِدَّةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ قَالَ : تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ يُتَكَلَّمُ , ثُمَّ يُطَلِّقُهَا وَلِيُّهُ يَأْخُذُ بِالْوَثَاقِ , وَلاَ يَمْنَعُ زَوْجَهَا تِلْكَ الطَّلْقَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ جَاءَ فَاخْتَارَهَا اعْتَدَّتْ مِنْ الآخَرِ , وَإِنْ اخْتَارَ صَدَاقَهَا غَرِمَتْهُ هِيَ مِنْ مَالِهَا , وَلَمْ تَعْتَدَّ مِنْ الآخَرِ , وَقَرَّتْ عِنْدَهُ كَمَا هِيَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ يَأْتِي وَقَدْ تَزَوَّجَتْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَغْرَمُ الصَّدَاقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا قَدِمَ الأَوَّلُ كَانَتْ امْرَأَتَهُ إنْ شَاءَ وَاعْتَدَّتْ مِنْ زَوْجِهَا الَّذِي هِيَ عِنْدَهُ , وَإِنْ شَاءَ فَلَهُ مَا أَصْدَقَهَا.(25/41)
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : لَوْلاَ أَنَّ عُمَرَ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ لَرَأَيْته أَحَقَّ بِهَا إذَا شَاءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَعْتَدُّ أَرْبَعَ سِنِينَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : إذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ تَرَبَّصَتْ بِهِ سَنَةً , وَإِذَا فُقِدَ فِي غَيْرِ صَفٍّ فَأَرْبَعُ سِنِينَ.
وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : إذَا مَضَتْ أَرْبَعُ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَمْرَهَا فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الَّذِي يَحْضُرُ الْقِتَالَ فَلاَ يُدْرَى أُسِرَ أَمْ قُتِلَ فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَعْتَدَّ امْرَأَتُهُ عِدَّةَ الْمُؤَجَّلَةِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تَنْكِحَ إنْ شَاءَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْمَفْقُودِ يُتَلَوَّمُ لِطَلَبِهِ فَلاَ يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ , فَذَلِكَ الَّذِي يَضْرِبُ الإِمَامُ لأَمْرَأَتِهِ فِيمَا بَلَغَنَا , ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. يَقُولُونَ : إنْ جَاءَ زَوْجُهَا فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تُنْكَحْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا , فَإِنْ نُكِحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَدُخِلَ بِهَا , فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ : إذَا فَرَّقَ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا فَلاَ سَبِيلَ لِلأَوَّلِ عَلَيْهَا , وَلاَ رَجْعَةَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ.
وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا كُلِّهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَغَيْرِهِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا فَقَدَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ تَمُوتَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ :
قَالَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إذَا جَاءَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ فَلاَ خِيَارَ لَهُ , وَهِيَ امْرَأَتُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تُزَوَّجُ : هِيَ امْرَأَةُ الأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا الآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : بَلَغَنِي ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَافَقَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ عَلَى أَنَّهَا تَنْتَظِرُهُ أَبَدًا.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ : إنْ جَاءَ الأَوَّلُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ , وَلاَ خِيَارَ لَهُ قَالَ هُشَيْمٌ : وَهُوَ الْقَوْلُ قَالَ هُشَيْمٌ : وَأَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا(25/42)
تَزَوَّجَتْ فَحَمَلَتْ مِنْ زَوْجِهَا الآخَرِ , ثُمَّ بَلَغَهَا أَنَّ زَوْجَهَا الأَوَّلَ حَيٌّ , يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الآخَرِ , فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا الأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ مِنْ هَذَا الآخَرِ بَقِيَّةَ حَمْلِهَا ; فَإِذَا وَضَعَتْ اعْتَدَّتْ مِنْ الأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَوَرِثَتْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ , قَالَ : هِيَ مُبْتَلاَةٌ فَلْتَصْبِرْ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنِ النَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ : لاَ تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَقُولُ : قَالَ عُمَرُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تُخَيَّرُ وَقَالَ عَلِيٌّ : هِيَ امْرَأَتُهُ قَالَ حَمَّادٌ : وَعُمَرُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عَلِيٍّ , وَقَوْلُ عَلِيٍّ أَعْجَبُ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ. وَمِمَّنْ قَالَ : لاَ تُؤَجَّلُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ , وَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا الْقَاضِي : ابْنُ أَبِي لَيْلَى ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُمْ.
وقال الشافعي , وَأَبُو سُلَيْمَانَ : مَنْ حَكَمَ بِتَأْجِيلِهَا ثُمَّ فَسَخَ النِّكَاحَ مِنْهُ وَأَمْرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ , ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ; فَإِنَّهُ يَفْسَخُ كُلَّ ذَلِكَ , وَتُرَدُّ إلَى الأَوَّلِ كَمَا كَانَتْ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الْقَوْمِ يَلْقَوْنَ الْعَدُوَّ فَيُفْقَدُونَ , فَلاَ يُدْرَى أَقُتِلُوا أَمْ أُسِرُوا : فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ يَعْتَدُّونَ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا , ثُمَّ يَتَزَوَّجْنَ كَتَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَى هَذَا مَضَى أَمْرُ النَّاسِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ : أَنَّهَا تُؤَجَّلُ , فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا الْمَفْقُودُ وَوَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ , فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَتُرَدُّ إلَيْهِ.
وقال مالك : تَنْتَظِرُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَ سِنِينَ مِنْ حِينِ تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَيْهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا , فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أُجِّلَتْ عَامَيْنِ ثُمَّ تَعْتَدُّ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ , وَإِنْ جَاءَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا دَخَلَ الثَّانِي بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ فَقَالَ : هُوَ أَوْلَى بِهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي , وَلاَ خِيَارَ لِلأَوَّلِ قَالَ : وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ.
فأما الَّذِي فُقِدَ فِي الْحَرْبِ فَلَمْ يُعْرَفْ أَمَيِّتٌ هُوَ أَمْ حَيٌّ فَلاَ تُؤَجَّلُ امْرَأَتُهُ , وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَالَ : وَلاَ يُقَسَّمُ مَالُ الْمَفْقُودِ , وَلاَ تَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ , حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ إلَيْهِ.
وقال أحمد وَإِسْحَاقُ : تَتَرَبَّصُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ , ثُمَّ تَتَزَوَّجُ قَالاَ جَمِيعًا : وَالْمَفْقُودُ الَّذِي تُؤَجَّلُ امْرَأَتُهُ : هُوَ الْمَفْقُودُ فِي الْحَرْبِ أَوْ فِي الْبَحْرِ , أَوْ يُفْقَدُ مِنْ مَنْزِلِهِ.
وَأَمَّا مَنْ غَابَ ، عَنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يُدْرَ مَا فَعَلَ فَلاَ تُؤَجَّلُ امْرَأَتُهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَهِيَ : مَنْ الْمَفْقُودُ وَالتَّأْجِيلُ وَمِنْ مَتَى يَبْدَأُ التَّأْجِيلُ وَكَمْ التَّأْجِيلُ وَهَلْ بَعْدَ التَّأْجِيلِ طَلاَقُ الْوَلِيِّ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةُ(25/43)
الْوَفَاةِ وَحُكْمُ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ إنْ قَدِمَ وَفِيمَا ذَا تَخَيَّرَ وَعَلَى مَنْ غُرْمُ الصَّدَاقِ إنْ اخْتَارَهُ وَأَيُّ صَدَاقٍ يَكُونُ وَهَلْ يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ وَهَلْ تُعْتَقُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ.
فأما مَنْ الْمَفْقُودُ : فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَحْوَالِ الْفَقْدِ , وَهُمْ : عُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ عُمَرَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ : الْحَسَنُ , وَخِلاَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , وَعَطَاءٌ , وَالزُّهْرِيُّ , وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَقَتَادَةُ , وَأَبُو الزِّنَادِ , وَرَبِيعَةُ , وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَابْنُ شُبْرُمَةَ , وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَهُشَيْمٌ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَاللَّيْثُ , وَأَبُو حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيُّ , وَدَاوُد , وَأَصْحَابُهُمْ حَاشَا : مَالِكًا , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ : فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ : لَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَفْقُودِ فِي الْحَرْبِ ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ.
وقال أحمد وَإِسْحَاقُ , لَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ خَرَجَ ، عَنْ أَهْلِهِ فَفُقِدَ.
وَأَمَّا التَّأْجِيلُ : فَإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا رَوَى التَّأْجِيلَ حَاشَا رِوَايَاتٍ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَرِوَايَةً ، عَنِ الشَّعْبِيِّ , وَرِوَايَةً ، عَنِ النَّخَعِيِّ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَابْنِ شُبْرُمَةَ , وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِمْ.
وَأَمَّا مَتَى يَبْدَأُ التَّأْجِيلُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ : فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ ذَكَرْنَا يَرَى مَبْدَأَهُ مِنْ حِينِ يُرْفَعُ أَمْرُهَا إلَى الإِمَامِ حَاشَا رِوَايَةً ضَعِيفَةً ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِإِتْمَامِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينِ غَابَ.
وقال بعضهم : تَرَبُّصُ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ يَحِدُّوا مِنْ حِينِ تَبْدَأُ
وَأَمَّا كَمْ التَّأْجِيلُ : فَإِنَّ مَنْ ذَكَرْنَا يَرَاهُ أَرْبَعَ سِنِينَ , إِلاَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكًا قَالَ سَعِيدٌ : أَرَى أَنْ تُؤَجَّلَ امْرَأَةُ مَنْ فُقِدَ فِي الصَّفِّ سَنَةً , وَمَنْ فُقِدَ فِي غَيْرِ الصَّفِّ أَرْبَعَ سِنِينَ.
وقال مالك : إنْ كَانَ عَبْدًا أُجِّلَتْ لَهُ عَامَيْنِ ، وَلاَ يُعْلَمُ هَذَا ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا طَلاَقُ الْوَلِيِّ بَعْدَ التَّأْجِيلِ : فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ.
وَأَمَّا هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةُ وَفَاةٍ : فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ , ثُمَّ تَتَزَوَّجُ دُونَ ذِكْرِ عِدَّةِ وَفَاةٍ. وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , وَعَلِيٍّ , وَالْحَسَنِ , وَعَطَاءٍ وَأَبِي الزِّنَادِ , وَرَبِيعَةَ : أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَيْضًا عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ : أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَيْضًا مِنْ الطَّلاَقِ.
وَأَمَّا تَخْيِيرُ الزَّوْجِ إذَا قَدِمَ : فَثَابِتٌ ، عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَلَمْ يُرْوَ ، عَنْ صَاحِبِ رَأْيِ التَّأْجِيلِ خِلاَفُ ذَلِكَ وَصَحَّ أَيْضًا : عَنِ الْحَسَنِ , وَخِلاَسٍ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَعَطَاءٍ , وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَالزُّهْرِيِّ , وَمَكْحُولٍ , وَالشَّعْبِيِّ.(25/44)
وَرُوِّينَا ، عَنْ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ تَخْيِيرَ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ , إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنْ عُمَرَ صَحِيحَةً أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنْ أُخْرَى. وَاخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ فِيمَنْ يَغْرَمُ الصَّدَاقَ إنْ اخْتَارَهُ الزَّوْجُ : فَقَالَ جُمْهُورُ مَنْ ذَكَرْنَا يَغْرَمُهُ الزَّوْجُ الآخَرُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : تَغْرَمُهُ الْمَرْأَةُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا : أَيُّ الصَّدَاقِ يُقْضَى لَهُ بِهِ. إنْ اخْتَارَهُ : فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ : صَدَاقُهُ الَّذِي كَانَ أَصْدَقَهَا هُوَ. وَقَالَ خِلاَسُ بْنُ عَمْرٍو : بَلْ صَدَاقُ الزَّوْجِ الآخَرِ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ فَقَالَ قَتَادَةُ : تَعْتِقُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ إذَا أُبِيحَ لِزَوْجَتِهِ الزَّوَاجُ , وَإِنَّمَا قُضِيَ بِذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه
وقال بعضهم : لاَ يُعْتِقْنَ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِيرَاثِهِ هَلْ يُقَسَّمُ فَرُوِّينَا : أَنَّ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه قُسِّمَ مِيرَاثُهُ إذَا أُبِيحَ لأَمْرَأَتِهِ الزَّوَاجُ.
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ , وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ.
فأما الشَّافِعِيُّونَ فَقَلَّدُوا عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَنْهُ قَطُّ فِي تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ وَإِخْرَاجِهَا ، عَنْ عِصْمَتِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ. ثُمَّ خَالَفُوا هَاهُنَا عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيًّا , وَابْنَ عَبَّاسٍ , وَابْنَ عُمَرَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُمْ مِنْ تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا
وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْحَنَفِيُّونَ أَيْضًا : وَقَدْ رَدُّوا تَقْلِيدَ مَا لَمْ يَصِحَّ ، عَنْ عُمَرَ فِي تَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ وَبِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ , وَلَئِنْ كَانَ عُمَرُ هُنَالِكَ حُجَّةً إنَّهُ هَاهُنَا لَحُجَّةٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا حُجَّةً فَمَا هُوَ هُنَالِكَ حُجَّةٌ.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ هَاهُنَا
قلنا : قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَقَدْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ مُوجِبٌ فَسْخَ نِكَاحٍ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى فَسْخَهُ , وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم .
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا الثَّابِتَ ، عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَ وَلِيَّهُ بِطَلاَقِهَا وَأَنَّهُ خَيَّرَ الزَّوْجَ إذَا أَتَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ , وَقَلَّدُوهُ فِيمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ قَطُّ , مِنْ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ.
فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ عَلِيٍّ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ
قلنا : وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ إذَا جَاءَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ , فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ تَقْلِيدُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ وَمُخَالَفَةُ بَعْضِهِمْ فِيهَا نَفْسِهَا , وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ , فَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَقْلِيدُ بَعْضِ مَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ دُونَ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ بِلاَ
برهان أَصْلاً
قَالَ عَلِيٌّ : لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام ، وَلاَ يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ وَتَحْلِيلُهُ لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ الرِّجَالِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ.(25/45)
وَأَمَّا الصَّحَابَةُ ، رضي الله عنهم ، فَقَدْ فَازُوا وَهُمْ وَاَللَّهِ مَأْجُورُونَ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ قَاصِدِينَ بِهِ الْحَقَّ , وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَنْ قَالَ قَوْلاً فِي الدِّينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ : مِنْ أَيْنَ قُلْته قَالَ : لأََنَّ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ قَالَهُ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ : فَفِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا لَهُمَا قَوْلٌ خَالَفْتُمُوهُ : هُوَ أَصَحُّ عَنْهُمَا مِنْ الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ احْتَجَجْتُمْ بِهِمَا فِيهِ لَجُّوا عَلَى تَقْلِيدِهِمْ إعْرَاضًا ، عَنِ الْحَقِّ بِلاَ
برهان أَصْلاً.
قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذًا لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُ نِكَاحِ أَحَدٍ بِمَغِيبِهِ , وَلاَ إيجَابُ عِدَّةٍ مِمَّنْ لَمْ يَصِحَّ مَوْتُهُ , وَلاَ أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ ، عَنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُ مَالِكٍ " إنْ جَاءَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَهُوَ أَوْلَى بِهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ " فَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَهُ : وَمِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا وَأَنْت قَدْ قَطَعْت عِصْمَتَهُ مِنْهَا وَأَبَحْت لَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ وَكَيْفَ تَرُدُّهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ قَدْ أَبَحْت لَهَا نِكَاحَ زَوْجٍ سِوَاهُ مِنْ أَجْلِ تَأْخِيرِهَا نِكَاحًا قَدْ أَبَحْته لَهَا عَادَتْ إلَى زَوْجٍ قَدْ فَسَخْت نِكَاحَهَا مِنْهُ هَذَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ , فَاعْجَبُوا لِهَذَا الأَخْتِيَارِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : إنَّهُ إنْ جَاءَ الزَّوْجُ وَهِيَ قَدْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا مِنْ أَجْلِ عَقْدٍ قَدْ كَانَ لَهَا مُبَاحًا , إذْ رَدَدْتهَا إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ , فَقُولُوا لَنَا : أَيُّ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ عَقْدُهَا النِّكَاحَ مِنْ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِهَا مِمَّنْ لَمْ تُحْدِثْهُ إبَاحَتُك لَهَا ذَلِكَ الْعَقْدَ , فَأَجَزْت عَقْدَهَا. ثُمَّ قَوْلُهُ الثَّانِي : مِنْ أَنَّهُ إنْ جَاءَ الزَّوْجُ قَدْ تَزَوَّجَتْ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ زَوْجَةُ الأَوَّلِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا فَقُولُوا لَنَا : هَلْ دَخَلَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى زَوْجَتِهِ , أَوْ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ
فَإِنْ قَالُوا عَلَى زَوْجَتِهِ
قلنا : فَمِنْ أَيْنَ أَبَحْتُمْ فَرْجَ زَوْجَتِهِ الَّتِي أَحْلَلْتُمْ لَهُ الدُّخُولَ بِهَا لأَِنْسَانٍ قَدْ فَسَخْتُمْ نِكَاحَهُ مِنْهَا , وَحَرَّمْتُمُوهَا عَلَيْهِ وَعَقَدْتُمْ نِكَاحَهَا مَعَ غَيْرِهِ
وَإِنْ قَالُوا : بَلْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ [
قلنا ] وَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ تُبِيحُوا لَهُ وَطْءَ غَيْرِ زَوْجَتِهِ : فَلاَحَ يَقِينًا أَنَّهَا أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ مُتَخَاذِلَةٌ , خَطَأٌ لاَ شَكَّ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ ذَلِكَ فِي أَيِّ كَنَفٍ .
فَقُلْنَا : هَذَا تَمْوِيهٌ آخَرُ , وَهَلَّا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ فِي أَيِّ كَنَفٍ إِلاَّ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَأَعْلَمَهَا بِالطَّلاَقِ , ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِالرَّجْعَةِ , فَمَنْ الَّذِي أَدْخَلَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فِي تِلْكَ مَعَ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لاَ يُحْفَظَانِ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ مَالِكٍ , وَلاَ يَجِدُونَهُ أَبَدًا , فَاعْجَبُوا لِفُحْشِ هَذَا التَّقْلِيدِ إذْ قَلَّدُوا قَوْلاً لاَ يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَ مَالِكٍ : خَالَفُوا فِيهِ كُلَّ قَوْلٍ لِصَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ رَأَوْا فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ الَّتِي أَوْهَمُوا فِيهَا أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(25/46)
ـــــــــــــــــــ
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 95)
فَصْلٌ [ الْحُكْمُ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ ] وَمِمَّا ظُنَّ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مَا حَكَمَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَجَّلَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ، فَقَدِمَ الْمَفْقُودُ بَعْدَ ذَلِكَ فَخَيَّرَهُ عُمَرُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ مَهْرِهَا ؛ فَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ : مَا أَدْرِي مَنْ ذَهَبَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَسَائِلِهِ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ - وَقِيلَ لَهُ : فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ مِنْ الْمَفْقُودِ ؟ - فَقَالَ : مَا فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ ، هَذَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرُوهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ ، قَالَ أَحْمَدُ : مِنْ ضِيقِ عِلْمِ الرَّجُلِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ : إنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ فِي الْمَفْقُودِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا زَوْجَةُ الْقَادِمِ بِكُلِّ حَالٍ ، إلَّا أَنْ نَقُولَ : الْفُرْقَةُ تَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ؛ فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ ، وَغَلَا بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا : لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَوْلِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ لَنُقِضَ حُكْمُهُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْقِيَاسِ .
وَطَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ : أَخَذَتْ بِبَعْضِ قَوْلِ عُمَرَ ، وَتَرَكُوا بَعْضَهُ ، فَقَالُوا : إذَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ زَوْجَتُهُ ، وَلَا تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ .
[ مَنْ تَصَرَّفَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ هَلْ تَصَرُّفُهُ مَرْدُودٌ أَوْ مَوْقُوفٌ ] .
قَالَ شَيْخُنَا : مَنْ خَالَفَ عُمَرَ لَمْ يَهْتَدِ إلَى مَا اهْتَدَى إلَيْهِ عُمَرُ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْخِبْرَةِ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مِثْلُ خِبْرَةِ عُمَرَ ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِأَصْلٍ وَهُوَ وَقْفُ الْعُقُودِ إذَا تَصَرَّفَ الرَّجُلُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، هَلْ يَقَعُ تَصَرُّفُهُ مَرْدُودًا أَوْ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ : إحْدَاهُمَا أَنَّهَا تَقِفُ عَلَى الْإِجَازَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا لَا تَقِفُ ، وَهُوَ أَشْهُرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ، وَهَذَا فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ التَّفْصِيلُ .
وَهُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ إذَا كَانَ مَعْذُورًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ وَكَانَ بِهِ حَاجَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ وَقَفَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِلَا نِزَاعٍ عِنْدَهُ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِئْذَانُ أَوْ لَمْ تَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ فَفِيهِ النِّزَاعُ ؛ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ مَنْ عِنْدَهُ أَمْوَالٌ لَا يَعْرِفُ أَصْحَابَهَا كَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ وَنَحْوِهَا فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَيَئِسَ مِنْهَا فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ ؛ فَإِنْ ظَهَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ كَانُوا مُخَيَّرِينَ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَبَيْنَ التَّضْمِينِ .
وَهَذَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي اللُّقَطَةِ ؛ فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَأْخُذُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا ثُمَّ إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ وَبَيْنَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا ، فَهُوَ تَصَرُّفٌ مَوْقُوفٌ لَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِئْذَانُ(25/47)
وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّصَرُّفِ ، وَكَذَلِكَ الْمُوصِي بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَالْمَفْقُودُ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ إنْ قِيلَ : " إنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى إلَى أَنْ يُعْلَمَ خَبَرُهُ " بَقِيَتْ لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ زَوْجٍ إلَى أَنْ تَبْقَى مِنْ الْقَوَاعِدِ أَوْ تَمُوتَ ، وَالشَّرِيعَةُ لَا تَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا ، فَلَمَّا أُجِّلَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَلَمْ يُكْشَفْ خَبَرُهُ حُكِمَ بِمَوْتِهِ ظَاهِرًا .
فَإِنْ قِيلَ : يَسُوغُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا لِلْحَاجَةِ ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ اعْتِقَادِ مَوْتِهِ ، وَإِلَّا فَلَوْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ لَمْ يَكُنْ مَفْقُودًا ، وَهَذَا كَمَا سَاغَ التَّصَرُّفُ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا ، فَإِذَا قَدِمَ الرَّجُلُ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ حَيًّا ، كَمَا إذَا ظَهَرَ صَاحِبُ الْمَالِ ، وَالْإِمَامُ قَدْ تَصَرَّفَ فِي زَوْجَتِهِ بِالتَّفْرِيقِ ، فَيَبْقَى هَذَا التَّفْرِيقُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ ؛ فَإِنْ شَاءَ أَجَازَ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَإِذَا أَجَازَهُ صَارَ كَالتَّفْرِيقِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَفَرَّقَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلَا رَيْبٍ ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ كَانَ التَّفْرِيقُ بَاطِلًا فَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى نِكَاحِهِ فَتَكُونُ زَوْجَتُهُ ، فَكَانَ الْقَادِمُ مُخَيَّرًا بَيْنَ إجَازَةِ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَرَدَّهُ ، وَإِذَا أَجَازَ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُضْعَ عَنْ مِلْكِهِ ، وَخُرُوجُ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَخَصِّ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ : هُوَ مَضْمُونٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ ، وَالنِّزَاعُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ، فَقِيلَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِهِ كَالْقَاضِي
أَبِي يَعْلَى وَأَتْبَاعِهِ ، وَقِيلَ : عَلَيْهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَقِيلَ : عَلَيْهِمَا الْمُسَمَّى ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَهُوَ أَشْهَرُ فِي نَصِّ أَحْمَدَ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَفْسَدَ نِكَاحَ امْرَأَتِهِ بِرَضَاعٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمُسَمَّى ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَ الْمُخْتَلِعَةِ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَعْطَاهَا دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يَأْمُرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ بِالْعَدْلِ .
فَحُكْمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَفْقُودِ يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ، وَالْقَوْلُ بِوَقْفِ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ، ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فِي قَضَايَا مُتَعَدِّدَةٍ ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ، مِثْلَ قَضِيَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَصَدُّقِهِ عَنْ سَيِّدِ الْجَارِيَةِ الَّتِي ابْتَاعَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ لَمَّا تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهُ وَكَتَصَدُّقِ الْغَالِّ بِالْمَالِ الْمَغْلُولِ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ قَسْمُهُ بَيْنَ الْجَيْشِ ، وَإِقْرَارُ مُعَاوِيَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَصْوِيبُهُ لَهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْقَضَايَا ، مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِوَقْفِ الْعُقُودِ مُطْلَقًا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الْحُجَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ أَصْلًا ، بَلْ هُوَ إصْلَاحٌ بِلَا إفْسَادٍ ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَرَى أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعَ لَهُ أَوْ يُؤَجِّرَ لَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ لَهُ ثُمَّ يُشَاوِرُهُ ، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا لَمْ(25/48)
يَحْصُلْ لَهُ مَا يَضُرُّهُ ، وَكَذَلِكَ فِي تَزْوِيجِ وَلِيَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَالْقَوْلُ بِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، فَمَسْأَلَةُ الْمَفْقُودِ هِيَ مِمَّا يُوقَفُ فِيهَا تَفْرِيقُ الْإِمَامِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ إذَا جَاءَ كَمَا يَقِفُ تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى إذْنِ الْمَالِكِ إذَا جَاءَ ، وَالْقَوْلُ بِرَدِّ الْمَهْرِ إلَى الزَّوْجِ بِخُرُوجِ بُضْعِ امْرَأَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي الْمَهْرِ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ : هَلْ هُوَ مَا أَعْطَاهَا هُوَ أَوْ مَا أَعْطَاهَا الثَّانِي ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَدَ : إحْدَاهُمَا يَرْجِعُ بِمَا مَهَرَهَا الثَّانِي ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَخَذَتْهُ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا مَهَرَهَا هُوَ ؛ فَإِنَّهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ، وَإِذَا ضَمِنَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ الْمَهْرَ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهَا ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ : إحْدَاهُمَا : يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَخَذَتْهُ .
وَالثَّانِي : قَدْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ الَّذِي عَلَيْهِ ، فَلَا يَضْمَنُ مَهْرَيْنِ ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَمَّا اخْتَارَتْ فِرَاقَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَنِكَاحِ الثَّانِي فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ جِهَتِهَا ، وَالثَّانِيَةُ لَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ ، فَكَانَ عَلَى الثَّانِي ، وَهَذَا الْمَأْثُورُ عَنْ عُمَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ .
وَهُوَ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَبْعَدِ الْأَقْوَالِ عَنْ الْقِيَاسِ ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ : لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ حُكْمُهُ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَحْرَاهَا فِي الْقِيَاسِ ، وَكُلُّ قَوْلٍ قِيلَ سِوَاهُ فَهُوَ خَطَأٌ ، فَمَنْ قَالَ : " إنَّهَا تُعَادُ إلَى الْأَوَّلِ بِكُلِّ حَالٍ ، أَوْ تَكُونَ مَعَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ " فَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ ؛ إذْ كَيْفَ تُعَادُ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ لَا يَخْتَارُهَا وَلَا يُرِيدَهَا .
وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا تَفْرِيقًا سَائِغًا فِي الشَّرْعِ ، وَأَجَازَ هُوَ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ ؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَهُ فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلزَّوْجِ ، فَإِذَا أَجَازَ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ زَالَ الْمَحْذُورُ ، وَأَمَّا كَوْنُهَا زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ مَعَ ظُهُورِ زَوْجِهَا وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا فَعَلَ الْإِمَامُ فَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا ؛ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ لَمْ يُفَارِقْ امْرَأَتَهُ ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِسَبَبٍ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، وَهُوَ يَطْلُبُ امْرَأَتَهُ ، فَكَيْفَ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ؟ وَهُوَ لَوْ طَلَبَ مَالَهُ أَوْ بَدَلَهُ رُدَّ إلَيْهِ فَكَيْفَ لَا تُرَدُّ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَأَهْلُهُ أَعَزُّ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ وَإِنْ قِيلَ : " حَقُّ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِهَا " قِيلَ : حَقُّهُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الثَّانِي ، وَقَدْ ظَهَرَ انْتِقَاضُ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ ، وَمَا الْمُوجِبُ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ، فَالصَّوَابُ مَا قَضَى بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَلِهَذَا تَعَجَّبَ أَحْمَدُ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، فَإِذَا ظَهَرَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَصَوَابُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي خَالَفَهُمْ فِيهَا مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَلَأَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَعَهُمْ فِيمَا وَافَقَهُمْ هَؤُلَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
قَالَ شَيْخُنَا : وَقَدْ تَأَمَّلْتُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَرَأَيْتُ الصَّحَابَةَ أَفْقَهَ الْأُمَّةِ وَأَعْلَمَهَا ، اعْتَبَرُوا هَذَا بِمَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَمَسَائِلِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ .(25/49)
فَالْمَنْقُولُ فِيهَا عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ ، وَكُلُّ قَوْلٍ سِوَى ذَلِكَ فَمُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ مُنَاقِضٌ لِلْقِيَاسِ ، وَكَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ غَيْرَ هَذِهِ مِثْلَ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَمَسْأَلَةِ مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ ، لَمْ أَجِدْ أَجْوَدَ الْأَقْوَالِ فِيهَا إلَّا أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ ، وَإِلَى سَاعَتِي هَذِهِ مَا عَلِمْتُ قَوْلًا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ إلَّا كَانَ الْقِيَاسُ مَعَهُ ، لَكِنَّ الْعِلْمَ بِصَحِيحِ الْقِيَاسِ وَفَاسِدِهِ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ .
وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ خَبِيرًا بِأَسْرَارِ الشَّرْعِ وَمَقَاصِدِهِ ، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَحَاسِنِ الَّتِي تَفُوقُ التَّعْدَادَ ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَمَا فِيهَا مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالنِّعْمَةِ السَّابِغَةِ وَالْعَدْلِ التَّامِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، انْتَهَى .
ـــــــــــــــــــ
متى يتم الحكم بموت المفقود؟ ... العنوان
ماذا تقولون فى زوجة تزوجت برجل، وبعد الزفاف بعشرين يومًا تركها زوجها عند أبيه وغاب غيبة طويلة وانقطع خبره، ولم يعلم مكانه، ولا حياته، ومضى على غيابه ما يقارب أربع سنوات، والزوجة تنتظر رجوعه أو خبر موته، وما ترك لها ما تنفق منه على نفسها، ولا يوجد من ينفق عليها ، فماذا يكون الحل الشرعى فى حق هذه المرأة المسلمة . هل لها فسخ النكاح أم لا ؟ وإذا كان لها الفسخ، هل تستقل به أم لا ؟
... السؤال
06/09/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... فى كتب لغة العرب أن المفقود اسم مفعول من فقدت الشىء، إذا أضللته يقال فقد الشىء يفقده فقدا، بمعنى غاب عنه وعدمه .
وقد نقل الزيلعى ( تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج - 3 ص 310 ) عن النهاية أنه فى اللغة من الأضداد، يقول الرجل فقدت الشىء، أى أضللته وفقدته أى طلبته، وكل من المعنيين متحقق فى المفقود، فقد ضل عن أهله، وهم فى طلبه .
وقد اصطلح الفقهاء على أن المفقود هو الغائب الذى لا يدرى مكانه، ولا حياته، ولا موته .
وقد ذهب فقه مذهب أبى حنيفة إلى أنه لا يعتبر الجهل بمكان المفقود، وأن عدم معرفة حياة الشخص أو وفاته هو الأساس فى اعتباره مفقودًا ومن ثم اعتبروا الأسير فى دار الحرب الذى لا تعرف حياته أو وفاته مفقودا، مع أن مكانه قد يكون معلومًا .(25/50)
ولما كان المفقود مجهول الحال، أحى هو، أو ميت، اعتبره الفقهاء حيًا فى حق الأحكام التى تضره، وهى التى تتوقف على ثبوت موته فلا يقسم ماله على ورثته، ولا تفسخ إجاراته عند من يقول بفسخها بالموت، وهم فقهاء المذهب الحنفى، ولا يفرق بينه وبين زوجته قبل الحكم بموته .
ويعتبر ميتًا فى حق الأحكام التى تنفعه وتضر غيره وهى المتوقفة على ثبوت حياته، فلا يرث من غيره، ولا يحكم باستحقاقه لما أوصى له به، بل يوقف نصيبه فى الإرث والوصية إلى ظهور حياته، أو الحكم بوفاته، فإذا ظهر حيا أخذ الإرث والوصية، وإذا حكم بموته قسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته وأما ما يوقف له من الميراث فيرد إلى من يرث مورثه وقت موت ذلك المورث، وترد الوصية إلى ورثة الموصى، وقد بنى الفقهاء هذه الأحكام على قاعدة أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على زواله .
ويعبرون عن هذا الأصل أيضا بأنه استصحاب الحال وهو الحكم ببقاء أمر محقق يظن عدمه، وقالوا إن هذا الأصل يصلح حجة للدفع، لا للاستحقاق .
أما المدة التى يحكم بعدها بموت المفقود فلم يرد نص فى القرآن الكريم، ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام يحدد الزمن الذى يحكم بفواته بموت المفقود، لا صراحة ولا دلالة ومن ثم كان اختلاف الفقهاء فى تحديد هذا الزمن ففي فقه مذهب الإمام مالك أن من فقد فى بلاد المسلمين، فى حال يغلب فيها الهلال، وقد انقطعت أخباره عن زوجته وأهله، كما إذا فقد فى معارك بين المسلمين أو فى بلد عمه الوباء، كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى القاضى للبحث عنه ؛وبعد العجز عن الوقوف على خبره أو تعرف أثره، تعتد زوجته عدة الوفاة، ولها أن تتزوج بعد العدة ويورث ماله، أى يعتبر ميتًا بدون حاجة إلى حكم القاضى بالنسبة لزوجته وأمواله .
وأما إن كان قد فقد فى بلاد الإسلام فى حال لا يغلب فيها الهلاك وقد انقطع خبره عن آله وزوجته، فإذا رفعت هذه أمرها إلى القاضى حكم بوفاته بعد مضى أربع سنوات من تاريخ فقده، واعتدت عدة الوفاة، وحلت للأزواج بعد انقضائها، وأما أمواله فلا تورث عنه ألا بعد مضى مدة التعمير، وهى سبعون سنة من تاريخ ولادته .
وأما إذا كان قد فقد فى غير بلاد الإسلام، فى حال يغلب فيها الهلاك كمن فقد فى حرب بين المسلمين وأعدائهم، ورفعت الزوجة أمرها إلى القاضى، فإنه بعد البحث والتحرى عنه، يضرب له أجل سنة فإذا انقضت اعتدت الزوجة وحلت للأزواج بعد انقضاء عدتها، ويورث ماله لورثته وقت انقضاء هذا الأجل .
وقال فقهاء مذهب أبى حنيفة بما ذهب إليه الفقه المالكى، تيسيرًا على زوجة المفقود ورفقًا لحرج انتظارها إياه حتى موت أقرانه، أو غير هذا من تلك المدد الزمنية السابق التنويه عنها .(25/51)
وفى فقه مذهب الإمام الشافعى فى القديم تتربص زوجة المفقود أربع سنين، وهى أعلى مدة الحمل، وأربعة أشهر وعشرًا لعدة الوفاة، وفى رواية حتى يبلغ سن المفقود تسعين سنة منذ ولادته ثم تحل للأزواج .
وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل قال ابن قدامة فى المغنى انه إذا غاب الرجل عن امرأته غيبة غير منقطعة، يعرف خبره ويأتى كتابه، فهذا ليس لامرأته أن تتزوج فى قول أهل العلم أجمعين إلا أن تتعذر الإنفاق عليها، فلها أن تطلب فسخ النكاح فيفسخ نكاحه .
أما إن كان المفقود قد غاب، وفقد فى حال يغلب فيها الهلاك بأن خرج فى حرب ولم يعد، أو كان فى سفينة قد غرقت ونجا بعض ركابها وغرق الباقون، يحكم بموته بعد أربع سنين من تاريخ فقده وتقسم أمواله على ورثته وقت الحكم بموته، بعد هذه المدة وتعتد زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الحكم بموته، وتحل للأزواج عقب انتهاء هذه العدة .
والله الموفق للصواب، وهو سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــ
عدة زوجة المفقود
أجاب عليه ... فضيلة الشيخ د. عبد الرحمن المحمود
التصنيف ... الفهرسة/ الركن العلمي/ الفقه/العدة والإحداد
التاريخ ... 6/8/1425
رقم السؤال ... 4232
السؤال زوجة أسير أو مفقود لمدة ثلاث عشرة سنة، بعد هذه المدة _لا سمح الله_ اكتشفوا أنه ميت أو معدوم بدون معرفة وقت الوفاة، هل عليها الالتزام بالعدة الشرعية أم تسقط عنها؟
الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ليس على هذه المرأة الالتزام بالعدة الشرعية في هذه الحالة؛ بل تسقط عنها العدة؛ لأن الصواب أن العدة لا تبدأ بعلم الزوجة بالوفاة، وإنما تبدأ بحدوث الوفاة مباشرة، فإذا لم تعلم المرأة بوفاة زوجها إلا بعد أربعة أشهر وعشرا سقطت العدة عنها؛ لأن العدة انتهت.
والله تعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــ
هل يحق للزوجة طلب التفريغ لغيبة الزوج ؟
تعريف الغيبة في اللغة: الغيب خلاف الشهادة، وكل ما غاب عن العين فهو غيب ويقال غابت الشمس أي استترت عن العين، وأغيبت المرأة إذا غاب زوجها فهي مُغيب ومُغيبة.(25/52)
- وفي الاصطلاح الفقهي: يستعمل الفقهاء كلمة (الغيبة) في غيبة الزوج عن زوجته ويريدون بها المعنى اللغوي لهذه الكلمة ثم يرتبون عليها الأحكام الفقهية ومنها إمكان طلب التفريق إذا غاب الزوج عن زوجته.
والمقصود من (غيبة الزوج) هو تواريه وبعده عن زوجته مع معرفة مكانه وإمكان الاتصال به.
· هل يحق للزوجة طلب التفريق لغيبة الزوج؟
القول الراجح أن تتحدد مدة غيبة الزوج بدون عذر مشروع، التي تصلح أن تكون سبباً مقبولاً للتفريق، بما قالوه وهي ستة أشهر فأكثر، فإذا غاب هذه المدة وطلبت الزوجة التفريق أنذره القاضي بكتاب يرسله إليه يأمره فيه بالرجوع إلى زوجته أو نقلها إليه، فإن لم يفعل فسخ الحاكم نكاحه، وإن كان للزوج عذر مشروع في غيبته أمهله الحاكم ولم يفسخ نكاحه، ولكن كم هي مدة إمهال الزوج الغائب إذا كانت غيبته لعذر مشروع؟ يجب ألا تطول عن أربع سنوات في جميع الأحوال، لأن المنظور إليه في جعل غيبة الزوج مبرراً للتفريق عند القائلين به هو تضرر الزوجة من هذه الغيبة.
· هل يحق لزوجة الأسير والمحبوس طلب التفريق عن زوجها؟
- قال المالكية "وتبقى زوجة الأسير وزوجة المفقود في أرض الشرك إلى المدة التي يمكن أن يعيشها الزوج، ولا يعيش أكثر منها غالباً، وقدرت بسبعين سنة أو ثمانين، وهذا كله إن دامت نفقتها وإلا فلها التطليق، وكذلك إذا خشيت الزنى فإن لها التطليق ولو كانت نفقتها دائمة".
قول شيخ الإسلام ابن تيمية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في زوجة الأسير والمحبوس:
"وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتضٍ للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة، وأولى للفسخ لتعذره، فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع"، وعلى هذا فإن زوجة الأسير أو المحبوس تتربص أربع سنين، فإذا مضت ولم يحضر الأسير ولم يخرج المحبوس فرق القاضي بينهما وبين زوجيهما، وهي فرقة فسخ كما أن فرقة زوجة المفقود فسخ.
العدد (105) يونيو 2005 ـ ص: 16
... ـــــــــــــــــــ
منح الْجَلِيل شَرْح مُخْتَصَر خَلِيل
( فَصْلٌ ) وَلِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ : الرَّفْعُ : لِلْقَاضِي , وَالْوَالِي , وَوَالِي الْمَاءِ , وَإِلَّا فَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُؤَجَّلُ الْحُرُّ أَرْبَعَ سِنِينَ , إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا , وَالْعَبْدُ نِصْفَهَا مِنْ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ , ثُمَّ اعْتَدَّتْ : كَالْوَفَاةِ
شرح: ... 1(25/53)
( فَصْلٌ ) فِي مَسَائِلِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَمَا يُنَاسِبُهَا ( وَلِزَوْجَةِ ) الزَّوْجِ ( الْمَفْقُودِ ) أَيْ الَّذِي غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ إمْكَانِ الْكَشْفِ عَنْهُ فَخَرَجَ الْأَسِيرُ وَالْمَحْبُوسُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ الْكَشْفُ عَنْهُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ غَيْرِهِ فِيمَا يَأْتِي حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ( الرَّفْعُ ) فِي شَأْنِ زَوْجِهَا ( لِلْقَاضِي وَالْوَالِي ) أَيْ حَاكِمِ الْبَلَدِ وَحَاكِمِ السِّيَاسَةِ وَهُوَ الشُّرْطِيُّ ( وَوَالِي الْمَاءِ ) أَيْ السَّاعِي لِخُرُوجِهِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْمَوَاشِي عَلَى الْمَاءِ أَوَّلَ الصَّيْفِ وَلَهَا عَدَمُ الرَّفْعِ وَالْبَقَاءُ فِي عِصْمَتِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ أَمْرُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا تُخَيَّرُ فِي الرَّفْعِ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَالنَّقْلُ أَنَّهَا حَيْثُ أَرَادَتْ الرَّفْعَ وَوُجِدَتْ الثَّلَاثَةُ وَجَبَ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي فَإِنْ رَفَعَتْ لِغَيْرِهِ حَرُمَ وَصَحَّ وَإِنْ رَفَعَتْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ خُيِّرَتْ فِيهِمَا فَإِنْ رَفَعَتْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُمَا صَحَّ عَلَى الظَّاهِرِ . ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( فَ ) تَرْفَعُ ( لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ) مِنْ عُدُولِ جِيرَانِهَا وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالْإِمَامِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي وَكَذَا الِاثْنَانِ وَبِهِ صَرَّحَ عج ( فَيُؤَجَّلُ ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْجِيمِ , الْمَفْقُودُ الْحُرُّ ( أَرْبَعَ سِنِينَ إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهَا ) أَيْ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَمْ تَدَعْهُ لِلدُّخُولِ بِهَا قَبْلَ غَيْبَتِهِ حَيْثُ طَلَبَتْهَا الْآنَ وَاشْتِرَاطُ الدُّعَاءِ لَهُ فِي وُجُوبِ إنْفَاق الزَّوْجِ فِي الْحَاضِرِ فَقَطْ وَيَكْفِي فِي وُجُوبِهَا فِي مَالِ الْغَائِبِ أَنْ لَا تُظْهِرَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ تَدُمْ نَفَقَتُهَا مِنْ مَالِهِ فَلَهَا التَّطْلِيقُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ بِلَا تَأْجِيلٍ وَكَذَا إنْ خَشِيَتْ عَلَى نَفْسِهَا الزِّنَا فَيُزَادُ عَلَى دَوَامِ نَفَقَتِهَا عَدَمُ خَشْيَتِهَا الزِّنَا . ( وَ ) يُؤَجَّلُ الزَّوْجُ ( الْعَبْدُ ) الْمَفْقُودُ ( نِصْفَهَا ) أَيْ السِّنِينَ الْأَرْبَعَةِ فَيُؤَجَّلُ الْعَبْدُ سَنَتَيْنِ وَابْتِدَاءُ السِّنِينَ الْأَرْبَعَةِ أَوْ نِصْفِهَا ( مِنْ ) يَوْمِ ( الْعَجْزِ ) مِمَّنْ رَفَعَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ ( عَنْ ) عِلْمِ ( خَبَرِهِ ) أَيْ الْمَفْقُودِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَالْمُكَاتَبَةُ فِي أَمْرِهِ لِمَنْ عَسَاهُ أَنْ يَعْرِفَ خَبَرَهُ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَوُلَاةِ الْمَاءِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ تَأْجِيلَ الْحُرِّ بِأَرْبَعِ سِنِينَ تَعَبُّدِيٌّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ ( ثُمَّ ) بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ ( اعْتَدَّتْ ) عِدَّةً ( ك ) عِدَّةِ ( الْوَفَاةِ ) فِي كَوْنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَالْأَمَةُ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ كَانَتْ مَبْنِيًّا بِهَا أَمْ لَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَقَدْرُ طَلَاقِ . إلَخْ لِأَنَّهُ تَقْدِيرٌ فَقَطْ لِمَا سَيَأْتِي وَقَالَ كَالْوَفَاةِ لِأَنَّ هَذَا تَمْوِيتٌ لَا مَوْتٌ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَهَلْ يُكْمِلُ لَهَا الصَّدَاقَ وَبِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَا رِوَايَتَانِ وَإِنْ قَدِمَ فَهَلْ تَرُدُّ مَا قَبَضَتْهُ أَمْ لَا وَبِهِ الْقَضَاءُ تَرَدُّدٌ وَإِذَا كَانَ الصَّدَاقُ مُؤَجَّلًا فَهَلْ يُعَجَّلُ وَهُوَ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوَّلًا وَهُوَ لِسَحْنُونٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ قَوْلَانِ لِأَنَّ هَذَا تَمْوِيتٌ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي الْفَلَسِ مِنْ قَوْلِهِ وَعُجِّلَ بِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ أَفَادَهُ عب الْبُنَانِيُّ فِي نِسْبَةِ الْأَوَّلِ لِمَالِكٍ وَالثَّانِي لِسَحْنُونٍ نَظَرٌ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ اُخْتُلِفَ فِي صَدَاقِ مَنْ لَمْ يُبْنَ بِهَا فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لَهَا جَمِيعُهُ وَابْنُ دِينَارٍ نِصْفُهُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ دَفَعَهُ لَهَا فَلَا يُنْزَعُ مِنْهَا وَإِلَّا أُعْطِيت نِصْفَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ مَالِكٌ : يُعَجَّلُ الْمُعَجَّلُ وَالْمُؤَجَّلُ(25/54)
لِأَجَلِهِ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ يُعَجِّلُ نِصْفَهُ وَيُؤَخِّرُ نِصْفَهُ لِمَوْتِهِ بِالتَّعْمِيرِ وَسَحْنُونٌ يُعَجِّلُ جَمِيعَهُ ا هـ وَنَحْوُهُ فِي ضَيْح و ح .
ـــــــــــــــــــ
المفقود
لغة: الضائع والمعدوم، يقال فقد الشىء يفقده فقدا وفقدانا وفقودا : ضله وضاع منه، وفقد المال ونحوه: خسره وعدمه (1). واصطلاحا: غائب لم يدر موضعه وحياته وموته، وأهله فى طلبه يجدون، وقد انقطع خبره وخفى عليهم أثره(2).
ويتعلق بالمفقود أحكام متعددة منها:
(أ) زوجة المفقود، تبقى زوجة المفقود على نكاحه وتستحق النفقة فى قول الفقهاء جميعا، ويقع عليها طلاقه وترثه ويرثها ما لم ينته الفقدان، ولكن إلى متى تبقى كذلك؟ وقد جاء فى السنة حديث واحد وهو قوله ?: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر)
(3). وهذا النص المجمل جاء بيانه فى قول على t : بأن امرأة المفقود تبقى على عصمته إلى أن يموت أو يأتى منه طلاقها(4). وذهب الحنفية(5) والشافعى فى الجديد(6)، وعمر رضى الله عنه إلى أن امرأة المفقود تتربص أربع سنين، ثم تعتد للّوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا انقضت حلت للأزواج(7).
وتبدأ مدة التربص من حين رفع الأمر إلى القاضى، وهو قول عمر t ، وهو المذهب عند المالكية(8) وقيل تبدأ المدة من حين الغيبة، وهو قول للشافعى، والرواية الأصح عند الحنابلة.
ويعتبر المفقود حيا بالنسبة لأمواله، فلا يرث منه أحد، ويبقى كذلك إلى أن يثبت موته حقيقة أو يحكم باعتباره ميتا، ولا يرث المفقود من أحد وإنما يتعين وقف نصيبه من إرث مورثه، ويبقى كذلك إلى أن يتبين أمره، ويكون ميراثه كميراث الحمل، فإن ظهر أنه حى استحق نصيبه، وإن ثبت أنه مات بعد موت مورثه استحق نصيبه من الإرث كذلك، وإن ثبت أنه مات قبل موت مورثه، أو مضت المدة ولم يعلم خبره، فإن ما أوقف من نصيبه يرد إلى ورثة المورث.
وإن كان المفقود ممن يحجب الحاضرين، لم يصرف إليهم شيء، بل يوقف المال كله، وإن كان لايحجبهم، يعطى كل واحد الأقل من نصيبه الإرثى على تقدير حياة المفقود، وعلى تقدير موته (9).
أ. د/ فرج السيد عنبر
المراجع
1- ترتيب القاموس المحيط 3/ 509، المصباح المنير 2/478.(25/55)
2- المبسوط للسرخسى 11/34، 38، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير 2/479، مغنى المحتاج3/398.
3- أخرجه الدارقطنى عن المغيرة بن شعبة، وضعفه الزيلعى فى نصب الراية، سنن الدارقطنى3/312، نصب الراية3/473.
4- أخرجه عبد الرزاق فى المصنف 7/0 9.
5- المبسوط للسرخسى 11/35، بدائع الصنائع 6/196.
6- مغنى المحتاج 3/397.
7- مصنف ابن أبى شيبة 4/237.
8- التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4/156.
9- حاشية الطحطاوى على الدر المختار 2/509’ التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4/161 وما بعدها، الفروع لابن مفلح 5/35 وما بعدها.
ـــــــــــــــــــ(25/56)
دائرة معارف الأسرة المسلمة - أحكام النسب(26/1)
النَسَبُ
التَّعْرِيفُ : 1 - النَّسَبُ فِي اللُّغَةِ : مَصْدَرُ نَسَبَ ، يُقَال : نَسَبْتُهُ إِلَى أَبِيهِ نَسَبًا : عَزَوْتُهُ إِلَيْهِ ، وَانْتَسَبَ إِلَيْهِ : اعْتَزَى . وَالاِسْمُ : النِّسْبَةُ بِالْكَسْرِ ، وَقَدْ تُضَمُّ .
قَال ابْنُ السِّكِّيتِ : يَكُونُ النَّسَبُ مِنْ قِبَل الأَْبِ وَمِنْ قِبَل الأُْمِّ (1) وَالنَّسَبُ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ : الْقَرَابَةُ وَهِيَ الاِتِّصَال بَيْنَ إِنْسَانَيْنِ بِالاِشْتِرَاكِ فِي وِلاَدَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ (2) وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : هُوَ الاِنْتِسَابُ لأَِبٍ مُعَيَّنٍ (3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ : أ - الْعَصَبَةُ : 2 - الْعَصَبَةُ فِي اللُّغَةِ : الْقَرَابَةُ الذُّكُورُ الَّذِينَ
00000000
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير ، وَالصِّحَاح .
(2) نَيْل الْمَآرِب بِشَرْحِ دَلِيل الطَّالِبِ 2 / 55 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 4 ، وَالتَّفْرِيع 2 / 338 ، وَهِدَايَة الرَّاغِبِ 422 .
(3) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 100 .
يُدْلُونَ بِالذُّكُورِ ، وَهُوَ جَمْعُ عَاصِبٍ (1) وَالْعَصَبَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ هُمُ : الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ وَآبَائِهِ وَأَوْلاَدِهِمْ (2)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْعَصَبَةِ أَنَّ النَّسَبَ أَعَمُّ .
ب - الْوَلاَءُ : 3 - الْوَلاَءُ فِي اللُّغَةِ : النُّصْرَةُ ، لَكِنَّهُ خُصَّ فِي الشَّرْعِ بِوَلاَءِ الْعِتْقِ (3) وَالْوَلاَءُ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ : ثُبُوتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِالْعِتْقِ أَوْ تَعَاطِي أَسْبَابِهِ (4) وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلإِْرْثِ .
ج - الرَّحِمُ : 4 - الرَّحِمُ فِي اللُّغَةِ : مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْوَلَدِ ثُمَّ سُمِّيَتِ الْقَرَابَةُ وَالْوَصْلَةُ مِنْ جِهَةِ الْوَلاَءِ رَحِمًا ، فَالرَّحِمُ خِلاَفُ الأَْجْنَبِيِّ (5) وَالرَّحِمُ اصْطِلاَحًا : كُل قَرِيبٍ ، وَفِي عُرْفِ الْفَرْضِيِّينَ : كُل قَرِيبٍ لَيْسَ ذَا فَرْضٍ مُقَدَّرٍ وَلاَ عَصَبَةٍ (6) وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلإِْرْثِ .
00000000
(1) الْمِصْبَاح الْمُنِير ، وَلِسَان الْعَرَبِ .
(2) الْمُغْنِي وَالشَّرْح الْكَبِير 7 / 19 ، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 6 / 23 .
(3) الْمِصْبَاح الْمُنِير ، وَالصِّحَاح .
(4) نَيْل الْمَآرِب 2 / 55 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 4 ، وَنِيل الأَْوْطَار 6 / 70 .
(5) الْمِصْبَاح الْمُنِير ، وَمُخْتَار الصِّحَاح .
(6) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 486 ، 504 ، وَالْعَذْب الْفَائِض 2 / 15 .
د - الْمُصَاهَرَةُ : 5 - قَال الْجَوْهَرِيُّ : الأَْصْهَارُ أَهْل بَيْتِ الْمَرْأَةِ ، وَقَال : وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَل الصِّهْرَ مِنَ الأَْحْمَاءِ وَالأَْخْتَانِ جَمِيعًا ، يُقَال : صَاهَرْتُ إِلَيْهِمْ : إِذَا تَزَوَّجْتَ فِيهِمْ ، وَأَصْهَرْتُ بِهِمْ : إِذَا اتَّصَلْتَ بِهِمْ وَتَحَرَّمْتَ بِجِوَارٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ تَزَوُّجٍ (1) وَاصْطِلاَحًا تُطْلَقُ الْمُصَاهَرَةُ عَلَى قَرَابَةِ النِّكَاحِ (2)
فَقَرَابَةُ الزَّوْجَةِ هُمُ الأَْخْتَانُ ، وَقَرَابَةُ الزَّوْجِ هُمُ الأَْحْمَاءُ ، وَالأَْصْهَارُ يَقَعُ عَامًّا لِذَلِكَ كُلِّهِ (3) وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْمُصَاهَرَةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْمُصَاهَرَةِ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ .(26/2)
هـ - الرَّضَاعُ : 6 - الرَّضَاعُ فِي اللُّغَةِ : مَصُّ الثَّدْيِ (4) وَاصْطِلاَحًا : اسْمٌ لِحُصُول لَبَنِ الْمَرْأَةِ أَوْ مَا حَصَل مِنْ لَبَنِهَا فِي جَوْفِ طِفْلٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ (5) وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالرَّضَاعِ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ .
00000000
(1) الصِّحَاح ، وَالْمِصْبَاح الْمُنِير .
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 4 ، 246 ، وَالتَّفْرِيع لاِبْن الْجَلاَّب 2 / 44 ، 338 .
(3) تَفْسِيرُ الْقُرْطُبِيِّ 13 / 60 .
(4) الْقَامُوس الْمُحِيط .
(5) ابْن عَابِدِينَ 2 / 403 ، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 7 / 162 .
و - الْقُعْدُدُ : 7 - الْقُعْدُدُ فِي اللُّغَةِ : هُوَ الْقَرِيبُ مِنَ الآْبَاءِ إِلَى الْجَدِّ الأَْكْبَرِ . يُقَال : فُلاَنٌ سَوَاءٌ مَعَ فُلاَنٍ فِي الْقُعْدُدِ مِنْ فُلاَنٍ ، أَيْ فِي الْقُرْبِ مِنْ أَدْنَى جَدٍّ ، وَيُقَال : فُلاَنٌ أَقْعَدُ مِنْ فُلاَنٍ أَيْ : أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَيْهِ ، وَيَقُولُونَ : يَرِثُ الْوَلاَءَ الأَْقْعَدُ مِنْ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ صَاحِبِ الْوَلاَءِ (1) وَيَجْرِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ كَالشَّهَادَةِ لأَِحَدٍ بِأَنَّهُ عَاصِبٌ لِمَيِّتٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ الشُّهُودُ قُرْبَهُ مِنَ الْمَيِّتِ فِي الْجَدِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِيهِ ابْنُ عَمٍّ بِدَرَجَةٍ أَوْ دَرَجَتَيْنِ (2) وَيَقُول الْفُقَهَاءُ فِي عَفْوِ وَلِيِّ الدَّمِ : عَفْوُ بَعْضِ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ مَا لَمْ يَكُنِ الَّذِي عَفَا أَبْعَدَ فِي الْقُعْدُدِ (3) ، وَيَقُولُونَ فِي الْمِيرَاثِ بِالْوَلاَءِ : إِنَّ الْوَلاَءَ لِلأَْقْعَدِ مِنْ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ صَاحِبِ الْوَلاَءِ (4) وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْقُعْدُدِ أَنَّ النَّسَبَ أَعَمُّ مِنَ الْقُعْدُدِ .
00000000
(1) الْقَامُوس الْمُحِيط ، وَالْمُوَطَّأ 2 / 514 ، وَشَرْح السجلماسي عَلَى نُظُمِ الْعَمَل الْفَاسِيّ 2 / 114 طَبْع حَجَر فِي فَاسَ 1291
(2) الْمُدَوَّنَة 8 / 89 ، وَالْكِفَايَة 2 / 182 .
(3) شَرْح التاودي 1 / 408 .
(4) شَرْح السجلماسي عَلَى نُظُمِ الْعَمَل الْفَاسِيّ 2 / 114 .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّسَبِ : حُكْمُ الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ : 8 - النَّسَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى الاِحْتِيَاطِ فَيَحْرُمُ عَلَى الإِْنْسَانِ أَنْ يُقِرَّ بِنَسَبِ وَلَدٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَفْيُ وَلَدٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْهُ ، لِحَدِيثِ : أَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَْوَّلِينَ وَالآْخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) ، وَلِعَظِيمِ التَّغْلِيظِ عَلَى فَاعِل ذَلِكَ وَقَبِيحِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنَ الْمَفَاسِدِ كَانَا مِنَ الْكَبَائِرِ (2)
حُقُوقُ النَّسَبِ : 9 - فِي النَّسَبِ عِدَّةُ حُقُوقٍ ، فَفِيهِ حَقٌّ لِلْوَلَدِ (3) حَتَّى يَجِدَ أَبًا يَرْعَاهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ حَقٌّ لِلأُْمِّ ، لأَِنَّهَا تُعَيَّرُ بِوَلَدٍ لاَ أَبَ لَهُ (4) كَمَا أَنَّ فِيهِ حَقَّ الأَْبِ أَيْضًا (5) ، وَكَذَلِكَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، لأَِنَّ
00000000
(1) حَدِيث : " أَيّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ . . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ( 2 / 695 - 696 ط حِمْص ) ، وَالنَّسَائِيّ ( 6 / 179 - 180 ط التِّجَارِيَّة الْكُبْرَى ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي(26/3)
هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَاللَّفْظُ لأَِبِي دَاوُد وَأَشَارَ الْمُنْذِرِي فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ ( 3 / 182 ) إِلَى إِعْلاَلِهِ بِجَهَالَة رَاوٍ فِيهِ .
(2) الْمَجْمُوع 1 / 32 ، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 7 / 106 ط الْمَكْتَبَة الإِْسْلاَمِيَّة ، وَابْن عَابِدِينَ 2 / 592 .
(3) حَاشِيَة الْجُمَل 5 / 436 ، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 393 .
(4) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 616 .
(5) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 342 ، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 270
فِي وَصْلِهِ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَل (1) وَالنَّسَبُ لاَ يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَكَذَلِكَ لاَ يَكُونُ مَحَلًّا لِلْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ (2)
أَسْبَابُ النَّسَبِ : 10 - لِلنَّسَبِ سَبَبَانِ هُمَا : النِّكَاحُ وَالاِسْتِيلاَدُ .
السَّبَبُ الأَْوَّل : النِّكَاحُ : 11 - يَنْقَسِمُ النِّكَاحُ إِلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ وَيَلْحَقُ بِهِمَا الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ .
فَأَمَّا النِّكَاحُ الصَّحِيحُ ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ الَّذِي تَأْتِي بِهِ الْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ زَوَاجًا صَحِيحًا لِقَوْل الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (3) ، وَالْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ : الزَّوْجِيَّةُ وَمَا فِي حُكْمِهَا ، وَيُشْتَرَطُ لِذَلِكَ مَا يَلِي :
أ - أَنْ يُتَصَوَّرَ الْحَمْل مِنَ الزَّوْجِ عَادَةً ، وَذَلِكَ بِبُلُوغِ الذَّكَرِ تِسْعَ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَاثْنَتَيْ عَشْرَ سَنَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَعَشْرَ
00000000
(1) شَرْح الْمَحَلِّيّ 4 / 322 ، 323 .
(2) بَدَائِع الصَّنَائِع 4 / 173 .
(3) حَدِيث : " الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر " . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ ( فَتْح الْبَارِي 5 / 371 ط السَّلَفِيَّة ) ، وَمُسْلِم ( 2 / 1080 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ ) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
سِنِينَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (1) ( ر : بُلُوغ ف 21 ) . وَعَلَى ذَلِكَ لاَ يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ إِنْ كَانَ طِفْلاً دُونَ التَّاسِعَةِ مِنْ عُمُرِهِ بِالاِتِّفَاقِ ، كَمَا لاَ يَلْحَقُ بِالْمَجْبُوبِ وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ إِذَا كَانَ يُنْزِل وَإِلاَّ فَلاَ (2) ( ر : جُب ف 9 ) . أَمَّا مَسْلُول الْخُصْيَتَيْنِ إِذَا بَقِيَ ذَكَرُهُ فَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، وَقَال مَالِكٌ : أَرَى أَنْ يُسْأَل أَهْل الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ ، عَنِ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ ، فَإِنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَإِلاَّ فَلاَ (3)
ب - أَنْ تَلِدَهُ الزَّوْجَةُ خِلاَل مُدَّةِ الْحَمْل : وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقْصَاهَا خَمْسُ سَنَوَاتٍ ، عَلَى التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ : ( حَمْل ف 7 ) .
ج - إِمْكَانُ تَلاَقِي الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ ، أَوْ جَرَى عَقْدُ الزَّوَاجِ وَكَانَ الزَّوْجَانِ مُتَبَاعِدَيْنِ أَحَدُهُمَا
00000000(26/4)
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 465 ، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 5 / 61 ، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 3 / 1546 ، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 460 ، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 8 / 357 ، وَالْمُغْنِي 7 / 427 ، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 269 .
(2) الْمَرَاجِع السَّابِقَة .
(3) الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة 4 / 50 ، وَالْمُغْنِي 7 / 480 ، وَالْمُدَوَّنَة 2 / 445 .
بِالْمَشْرِقِ وَالآْخَرُ بِالْمَغْرِبِ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (1)
جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل : إِذَا ادَّعَتِ الْوَلَدَ زَوْجَةٌ مَغْرِبِيَّةٌ مَثَلاً عَلَى زَوْجٍ لَهَا مَشْرِقِيٍّ مَثَلاً وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِبَلَدِهِ لَمْ يَغِبْ عَنْهَا غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الْوُصُول فِيهَا لِلآْخَرِ عَادَةً فَيَنْتَفِي عَنْهُ بِلاَ لِعَانٍ لاِسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ عَادَةً (2) وَجَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْجَمَل : الْوَلَدُ لاَحِقٌ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِالزَّوْجِ مُطْلَقًا مَتَى أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ ، فَلاَ فَائِدَةَ فِي الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ فِيهِ (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا : الزَّوْجَةُ تَكُونُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ بِهَا حَتَّى إِذَا وَلَدَتْ لِلإِْمْكَانِ مِنَ الْخَلْوَةِ بِهَا ، لَحِقَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَطْءِ ، لأَِنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الاِسْتِمْتَاعُ وَالْوَلَدُ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالإِْمْكَانِ مِنَ الْخَلْوَةِ (4) وَقَالُوا كَذَلِكَ : لَوْ طَلَّقَ الرَّجُل زَوْجَتَهُ وَمَضَتْ ثَلاَثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
00000000
(1) حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 460 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 396 ، 3 / 373 ، وَالْمُغْنِي 7 / 430 ، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 269 .
(2) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 381 ، وَالدُّسُوقِيّ 2 / 460 .
(3) حَاشِيَة الْجُمَل 5 / 436 .
(4) الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة 4 / 61 ، ط دَار الْفِكْرِ بَيْرُوت ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 413 .
مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ لِقُوَّةِ فِرَاشِ النِّكَاحِ (1)
وَجَاءَ فِي نَيْل الْمَآرِبِ : وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنَ الزَّوْجِ مِثْل مَا لَوْ أَتَتْ بِهِ لِدُونِ نِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا وَعَاشَ ، أَوْ أَتَتْ بِهِ لأََكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا ، أَوْ فَارَقَهَا حَامِلاً فَوَضَعَتْ ثُمَّ وَضَعَتْ آخَرَ بَعْدَ نِصْفِ سَنَةٍ ، أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا زَمَنَ الزَّوْجِيَّةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَمَاعَةِ حَاكِمٌ أَوْ لاَ ، ثُمَّ أَبَانَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ مَاتَ الزَّوْجُ بِالْمَجْلِسِ أَوْ كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ مَسَافَةٌ لاَ يَقْطَعُهَا فِي الْمَدَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا ، كَمَشْرِقِيٍّ تَزَوَّجَ مَغْرِبِيَّةً ثُمَّ مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ ، لأَِنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَلْحَقُهُ بِالْعَقْدِ وَمُدَّةِ الْحَمْل ، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ لَمْ يَكْمُل لَهُ عَشْرٌ مِنَ السِّنِينَ ، أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ مِنْ أُنْثَيَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ ، أَيْ لَمْ يَلْحَقِ الْوَلَدُ الزَّوْجَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل كُلِّهَا (2) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَلْحَقُهُ ، لأَِنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ كَافٍ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَلْتَقِيَا (3)
جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ : اكْتَفَى الْحَنَفِيَّةُ بِقِيَامِ الْفِرَاشِ بِلاَ دُخُولٍ كَتَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ بِمَشْرِقِيَّةٍ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا (4)
00000000
(1) الْمَرَاجِع السَّابِقَة .
(2) نَيْل الْمَآرِب 2 / 269 .(26/5)
(3) بَدَائِع الصَّنَائِع 3 / 1546 ، وَابْن عَابِدِينَ 3 / 630 .
(4) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 630 .
النِّكَاحُ الْفَاسِدُ : 12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إِذَا اتَّصَل بِهِ دُخُولٌ حَقِيقِيٌّ ، لأَِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إِثْبَاتِهِ إِحْيَاءً لِلْوَلَدِ (1)
بَدْءُ اعْتِبَارِ مُدَّةِ النَّسَبِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ : 13 - نَصَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ النَّسَبِ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ، لأَِنَّ حُكْمَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ يُؤْخَذُ مِنَ الصَّحِيحِ .
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الدُّخُول وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، لأَِنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إِلَيْهِ وَالإِْقَامَةُ بِاعْتِبَارِهِ ، أَيْ إِقَامَةُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْوَطْءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النِّكَاحَ دَاعٍ إِلَى الْوَطْءِ ، وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِدَاعٍ إِلَيْهِ فَلاَ يُقَامُ مَقَامَهُ (2)
الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ : 14 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْوَطْءَ بِشُبْهَةٍ يُثْبِتُ النَّسَبَ ، لأَِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ هُنَا إِنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ ظَنِّ الْوَاطِئِ ، بِخِلاَفِ الزِّنَا فَلاَ ظَنَّ فِيهِ .
فَإِذَا وَطِئَ امْرَأَةً لاَ زَوْجَ لَهَا بِشُبْهَةِ مِنْهُ كَأَنْ
00000000
(1) الْهِدَايَة 2 / 470 ، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 3 / 1553 وَمَا بَعْدَهَا ، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 633 ، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 278 ، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 457 ، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 7 / 42 ، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْح الْكَبِير 7 / 345 .
(2) الْهِدَايَة وَشُرُوحهَا 3 / 245 نَشْر دَار إِحْيَاء التُّرَاثِ .
ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ، أَوْ أَمَتَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، سَوَاءٌ أَوَجَدَ مِنْهَا شُبْهَةً أَيْضًا أَمْ لاَ (1)
وَقَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْهُمْ - إِنَّهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ ، لأَِنَّ النَّسَبَ لاَ يَلْحَقُ إِلاَّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ، أَوْ فَاسِدٍ ، أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَلأَِنَّهُ وَطْءٌ لاَ يَسْتَنِدُ إِلَى عَقْدٍ ، فَلَمْ يُلْحَقِ الْوَلَدُ فِيهِ كَالزِّنَا . وَقَال أَحْمَدُ : كُل مَنْ دَرَأْتُ عَنْهُ الْحَدَّ فِي وَطْءٍ أَلْحَقْتُ الْوَلَدَ بِهِ ، وَلأَِنَّهُ وَطْءٌ اعْتَقَدَ الْوَاطِئُ حِلَّهُ فَلَحِقَ بِهِ النَّسَبُ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ، وَفَارَقَ وَطْءَ الزِّنَا فَإِنَّهُ لاَ يَعْتَقِدُ الْحِل فِيهِ ، وَإِنْ وَطِئَ ذَاتَ زَوْجٍ بِشُبْهَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ زَوْجُهَا ، فَاعْتَزَلَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ ، لَحِقَ الْوَاطِئَ وَانْتَفَى عَنِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ .
وَعَلَى قَوْل أَبِي بَكْرٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ ، لأَِنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ (2)
00000000
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 607 ، والقليوبي 4 / 350 ، وَالشَّرْقَاوَيَّ 2 / 219 ، 328 ، 329 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 490 ، وَالْمُغْنِي 7 / 431 ، 432 .
(2) الْمُغْنِي 7 / 431 ، 432 .
الاِشْتِرَاكُ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ : 15 - الاِشْتِرَاكُ فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ يُثْبِتُ النَّسَبَ ، بِأَنْ وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ، كَأَنْ وَجَدَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فِرَاشِهِ فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ ، أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ،(26/6)
فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ إِلْحَاقِهِ بِهِمَا وَنَفْيِهِ عَنْهُمَا (1)
ثُبُوتُ النَّسَبِ بِاسْتِدْخَال الْمَنِيِّ : 16 - قَال الْمَالِكِيَّةُ : إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ مَنِيٍّ دَخَل فَرْجَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ كَحَمَّامٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِزَوْجِهَا إِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ وَأَمْكَنَ إِلْحَاقُهُ بِهِ بِأَنْ مَضَى مِنْ يَوْمِ تَزَوُّجِهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ كَانَتْ وَلَكِنْ لاَ يُمْكِنُ إِلْحَاقُهُ بِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ (2) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : اسْتِدْخَال الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُل يُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ (3)
ثُبُوتُ النَّسَبِ بِالزِّنَا أَوْ عَدَمُهُ : 17 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالزِّنَا مُطْلَقًا ، فَلَمْ يُثْبِتْ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَحَدٌ مِنْ
00000000
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 489 ، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 4 / 431 .
(2) حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 1 / 630 .
(3) الرَّوْضَة 8 / 365 ، والقليوبي وَعَمِيرَة 3 / 243 .
أَهْل الْعِلْمِ بِالزِّنَا نَسَبًا ، وَقَال الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (1) ، وَالْعَاهِرُ الزَّانِي ، وَلأَِنَّ الزَّانِيَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْفِعْل آثِمٌ بِهِ (2)
السَّبَبُ الثَّانِي : الاِسْتِيلاَدُ : 18 - الاِسْتِيلاَدُ فِي اللُّغَةِ : طَلَبُ الْوَلَدِ ، وَاصْطِلاَحًا : هُوَ تَصْيِيرُ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ ، يُقَال : فُلاَنٌ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ إِنْ صَيَّرَهَا أُمَّ وَلَدِهِ . وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الاِسْتِيلاَدِ ثُبُوتُ النَّسَبِ إِذَا أَقَرَّ السَّيِّدُ بِالْوَطْءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ اشْتَرَطُوا إِقْرَارَهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( اسْتِيلاَد ف 8 ) .
أَدِلَّةُ ثُبُوتِ النَّسَبِ : أ - الْفِرَاشُ : 19 - الْفِرَاشُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَطْءِ وَهُوَ مَا افْتُرِشَ ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى ، وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لأَِنَّ الرَّجُل يَفْتَرِشُهَا (3) ، وَمِنْهُ حَدِيثُ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ أَيْ لِمَالِكِ الْفِرَاشِ .
00000000
(1) حَدِيث : " الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ( ف 11 ) .
(2) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 633 ، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 283 ، 314 ، وَالأُْمّ 5 / 166 ، 7 / 346 ، وَالشَّرْقَاوَيَّ عَلَى التَّحْرِيرِ 2 / 328 ، 329 ، والقليوبى وَعَمِيرَة 3 / 243 ، وَالْمُغْنِي 7 / 345 .
(3) مَتْن اللُّغَة ، وَالْمَغْرِبِ للمطرزي ، وَالنِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالأَْثَرِ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ تُسْتَعْمَل كَلِمَةُ الْفِرَاشِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ ، كَمَا تُسْتَعْمَل بِمَعْنَى كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَعَيِّنَةً لِلْوِلاَدَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ، يَقُول الزَّيْلَعِيُّ : مَعْنَى الْفِرَاشِ أَنْ تَتَعَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِلْوِلاَدَةِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ (1) ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْكَرْخِيُّ بِأَنَّهُ الْعَقْدُ (2) وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ فِي الْفِرَاشِ ، مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : قَال رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (3) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتِ : اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ ، فَقَال سَعْدٌ : هَذَا يَا رَسُول اللَّهِ : ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ ، وَقَال عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ : هَذَا أَخِي يَا رَسُول اللَّهِ ، وُلِدَ عَلَى(26/7)
فِرَاشِ أَبِي ، فَنَظَرَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَال : هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ ، قَالَتْ : فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ (4)
00000000
(1) تَبْيِين الْحَقَائِقِ شُرِحَ كَنْز الدَّقَائِق 3 / 43 ، وَالتَّعْرِيفَات للجرجاني .
(2) حَاشِيَة الشلبي بِهَامِش الزيلعي 3 / 39 .
(3) حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ : " الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ ( فَتَحَ الْبَارِي 12 / 127 ) ، وَمُسْلِم ( 2 / 1081 - ط الْحَلَبِيّ ) .
(4) حَدِيث : " اخْتَصَمَ سَعْد بْن أَبَى وَقَّاص . . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ ( فَتْح الْبَارِي 4 / 411 ط السَّلَفِيَّة ) ، وَمُسْلِم ( 2 / 1080 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ ) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا .
وَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَال : " مَا بَال رِجَالٍ يَطَئُونَ وَئْدَهُمْ ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ ، لاَ تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنْ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إِلاَّ أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَاعْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوِ اتْرُكُوا " (1) فَهَذَا الْحُكْمُ أَصْلٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ ، وَفِي أَنَّ الشَّبَهَ إِذَا عَارَضَ الْفِرَاشَ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْفِرَاشُ (2) وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا تَصِيرُ بِهِ الزَّوْجَةُ فِرَاشًا . فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تَكُونُ فِرَاشًا بِعَقْدِ الزَّوَاجِ مَعَ إِمْكَانِ الدُّخُول الْحَقِيقِيِّ بِهَا أَيِ الْوَطْءِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ نَكَحَ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّةَ مَثَلاً وَلَمْ يُفَارِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَطَنَهُ ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ ، لِعَدَمِ إِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ (3)
00000000
(1) أَثَر عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " مَا بَال رِجَالٍ يَطَئُونَ وئدهم ثُمَّ يَعْزِلُونَهُنَّ . . . " أَخْرَجَهُ الإِْمَامُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ ( 2 / 742 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ ) ، وَعَبْد الرَّزَّاق فِي الْمُصَنَّفِ ( 7 / 132 ط الْمَجْلِس الْعِلْمِيّ ) وَاللَّفْظ لِمَالِك .
(2) زَاد الْمَعَاد لاِبْن الْقَيِّمِ 5 / 410 ط مُؤَسَّسَة الرِّسَالَة 1987 م .
(3) الشَّرْح الصَّغِير 3 / 540 ، 541 ، والقليوبي وَعَمِيرَة 4 / 107 ، وَالْمُغْنِي 3 / 429 ، وَصَحِيح مُسْلِم بِشَرْحِ النَّوَوِيّ 10 / 38 ، وَفَتْحِ الْبَارِي 12 / 34 ، وَزَادَ الْمَعَاد 5 / 410 .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْفِرَاشَ فِي الزَّوْجَةِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ، وَلاَ يُشْتَرَطُ إِمْكَانُ الدُّخُول مَادَامَ الدُّخُول مُتَصَوَّرًا عَقْلاً . وَيَقُولُونَ : إِنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَاءِ مَادَامَ التَّصَوُّرُ الْعَقْلِيُّ حَاصِلاً ، فَمَتَى أَتَتِ الزَّوْجَةُ بِوَلَدٍ لأَِدْنَى مُدَّةِ الْحَمْل مِنْ حِينِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الزَّوْجِ ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَشْرِقِيُّ بِمَغْرِبِيَّةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الدُّخُول حَقِيقَةً ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ أَيْ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اشْتِرَاطَ الْوَطْءِ وَلاَ ذَكَرَهُ ، وَلأَِنَّ الْعَقْدَ فِي الزَّوْجَةِ كَالْوَطْءِ (1)
ب - الْقِيَافَةُ : 20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ إِلَى رَأْيَيْنِ : الأَْوَّل : ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى إِثْبَاتِ النَّسَبِ بِالْقِيَافَةِ ، وَأَجَازُوا الاِعْتِمَادَ عَلَيْهَا(26/8)
فِي إِثْبَاتِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَعَدَمِ تَوَفُّرِ الدَّلِيل الأَْقْوَى مِنْهَا ، أَوْ عِنْدَ تَعَارُضِ الأَْدِلَّةِ الأَْقْوَى مِنْهَا . الثَّانِي : ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْل الْقَائِفِ .
00000000
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع 3 / 1546 ، 1547 ، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 5 / 630 ، وَفَتْح الْقَدِير 3 / 301 ، وَالْبِنَايَة 4 / 818 .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( قِيَافَة ف 6 ) .
ب - الدِّعْوَةُ (1) : 21 - لَمْ يَأْخُذْ بِدِعْوَةِ النَّسَبِ دَلِيلاً فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ الْمُتَعَلِّقِ بِأُمَّهَاتِ الأَْوْلاَدِ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَدَّعِيَ السَّيِّدُ أَنَّ مَا وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ مِنْهُ ، فَلِكَيْ تَصِيرَ الْمُسْتَوْلَدَةُ فِرَاشًا لِسَيِّدِهَا لاَ بُدَّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدَهَا وَلاَ يَكْفِي أَنْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا . وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأَْمَةَ تَصِيرُ فِرَاشًا بِالإِْقْرَارِ بِالْوَطْءِ ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِذَلِكَ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى الاِدِّعَاءِ (2)
د - الْحَمْل : 22 - يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالْحَبَل الظَّاهِرِ (3) ، وَذَلِكَ إِذَا وُلِدَ الْحَمْل خِلاَل مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ ، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَهَا حَدٌّ أَدْنَى وَحَدٌّ أَقْصَى ، أَمَّا الْحَدُّ الأَْدْنَى لِمُدَّةِ الْحَمْل فَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ (4)
00000000
(1) الدِّعْوَة - بِكَسْرِ الدَّال - ادِّعَاء الْوَلَدِ الدَّعِيّ غَيْر أَبِيهِ ( لِسَان الْعَرَبِ وَالْمَغْرِبِ ) .
(2) الْبَدَائِع 4 / 125 ، وَالْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ 2 / 981 ، والقليوبي 4 / 62 ، وَالْمُغْنِي 9 / 528 ، 584 .
(3) ابْن عَابِدِينَ 2 / 534 .
(4) الْهِدَايَة 2 / 36 ، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 623 ، وَالاِخْتِيَار 3 / 179 ، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 3 / 211 ، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 352 ، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 312 ، 313 ، والقليوبي 4 / 42 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 373 ، وَالْمُغْنِي 7 / 477 ، 408 .
أَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْل فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا ، فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْل أَرْبَعُ سِنِينَ (1)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل سَنَتَانِ (2) وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْل خَمْسُ سِنِينَ ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : إِنَّ أَقْصَى الْحَمْل تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ الْمُدَّةُ الْمُعْتَادَةُ (3) وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( حَمْل ف 6 وَمَا بَعْدَهَا ) .
هـ - الْبَيِّنَةُ : 23 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لاَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَيَمِينٍ ، وَلاَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ (4) وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ .
00000000(26/9)
(1) بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 372 ، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 380 ، وَالْخَرَشِيّ 1 / 143 ، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 2 / 141 ، 142 ، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 373 ، 380 ، وَالْمُغْنِي 7 / 477 ، 483 .
(2) الْهِدَايَة 2 / 36 ، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 623 ، وَالاِخْتِيَار 3 / 179 ، وَالْمُغْنِي 7 / 447 - 480 .
(3) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 312 ، 313 ، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 252 ، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 460 .
(4) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 304 ، وَالْجُمَل 5 / 394 ، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 360 .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ لاَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ (1) ، لأَِنَّ النَّسَبَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلاَ يُقْصَدُ بِهِ الْمَال وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَال ، فَلَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَتِهِ مَدْخَلٌ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (2) وَالتَّفْصِيل فِي ( شَهَادَةِ ف 19 ) .
وَ - الإِْقْرَارُ : 24 - الإِْقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَاجِبٌ عَلَى الصَّادِقِ ، حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالإِْقْرَارِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيل . فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْقْرَارَ بِالنَّسَبِ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : إِقْرَارُ الرَّجُل بِوَارِثٍ . وَالثَّانِي : إِقْرَارُ الْوَارِثِ بِوَارِثِهِ . وَيَتَعَلَّقُ بِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَانِ حُكْمُ النَّسَبِ وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ . أَمَّا الإِْقْرَارُ بِوَارِثٍ فَلِصِحَّتِهِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مُحْتَمَل الثُّبُوتِ ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ إِخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ ، فَإِذَا
00000000
(1) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 304 ، وَالْجُمَل 5 / 394 ، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 483 ، 484 .
(2) فَتْح الْقَدِير 6 / 7 .
اسْتَحَال كَوْنُهُ فَالإِْخْبَارُ عَنْ كَائِنٍ يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا ، وَبَيَانُهُ : أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِغُلاَمٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَمِثْلُهُ لاَ يَلِدُ مِثْلَهُ لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ ، لأَِنَّهُ يَسْتَحِيل أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ فَكَانَ كَذِبًا فِي إِقْرَارِهِ بِيَقِينٍ . وَمِنْهَا : أَلاَّ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِنَسَبِهِ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ ، لأَِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ لاَ يُحْتَمَل ثُبُوتُهُ لَهُ بَعْدَهُ .
وَمِنْهَا : تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ بِنَسَبِهِ إِذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، لأَِنَّ إِقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إِبْطَال يَدِهِ فَلاَ تَبْطُل إِلاَّ بِرِضَاهُ . وَلاَ يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ ، حَتَّى يَصِحَّ مِنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ جَمِيعًا ؛ لأَِنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِعَيْنِهِ بَل لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ أَوِ التُّهْمَةِ فَكُل ذَلِكَ مُنْعَدِمٌ . أَمَّا التَّعَلُّقُ فَظَاهِرُ الْعَدَمِ ، لأَِنَّهُ لاَ يُعْرَفُ التَّعَلُّقُ فِي مَجْهُول النَّسَبِ ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى التُّهْمَةِ ، لأَِنَّ الإِْرْثَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ النَّسَبِ ، فَإِنَّ لِحِرْمَانِ الإِْرْثِ أَسْبَابًا لاَ تَقْدَحُ فِي النَّسَبِ مِنَ الْقَتْل وَالرِّقِّ وَاخْتِلاَفِ الدِّينِ وَالدَّارِ .
وَمِنْهَا : أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ حَمْل النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ، سَوَاءٌ كَذَّبَهُ الْمُقِرُّ بِنَسَبِهِ أَوْ صَدَّقَهُ ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الإِْنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لاَ عَلَى غَيْرِهِ لأَِنَّهُ عَلَى غَيْرِهِ شَهَادَةٌ أَوْ دَعْوَى ، وَالدَّعْوَى الْمُفْرَدَةُ لَيْسَتْ(26/10)
بِحُجَّةٍ ، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَال وَهُوَ مِنْ بَابِ حُقُوقِ الْعِبَادِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ ، وَالإِْقْرَارُ الَّذِي فِيهِ حَمْل نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لاَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى أَوْ شَهَادَةً ، وَكُل ذَلِكَ لاَ يُقْبَل إِلاَّ بِحُجَّةٍ .
وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الرَّجُل بِخَمْسَةِ نَفَرٍ : الْوَالِدَيْنِ ، وَالْوَلَدِ ، وَالزَّوْجَةِ ، وَالْمَوْلَى . وَيَجُوزُ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى ، وَلاَ يَجُوزُ بِالْوَلَدِ ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الإِْقْرَارِ بِهَؤُلاَءِ حَمْل نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ ، أَمَّا الإِْقْرَارُ بِالْوَلاَءِ فَظَاهِرٌ ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبٍ إِلَى أَحَدٍ ، وَكَذَا الإِْقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ لاَ بُدَّ مِنَ التَّصْدِيقِ ، ثُمَّ إِنْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ فِي حَال حَيَاةِ الْمُقِرِّ جَازَ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، فَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ مِنَ الزَّوْجِ يَصِحُّ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ فِي حَال حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ ، بِأَنْ أَقَرَّ الرَّجُل بِالزَّوْجِيَّةِ فَمَاتَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لأَِنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلتَّصْدِيقِ ، وَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَرْأَةِ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِهَا لاَ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، لأَِنَّ النِّكَاحَ لِلْحَال عَدِمَ حَقِيقَتَهُ فَلاَ يَكُونُ
مَحَلًّا لِلتَّصْدِيقِ ، إِلاَّ أَنَّهُ أُعْطِيَ حُكْمَ الْبَقَاءِ لاِسْتِيفَاءِ أَحْكَامٍ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْل الْمَوْتِ ، وَالْمِيرَاثُ حُكْمٌ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ زَائِلاً فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَلاَ يَحْتَمِل التَّصْدِيقَ . وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَصِحُّ ، لأَِنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِالْوَلَدِ فَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ بَل عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لاَ عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَل ، لَكِنْ لاَ بُدَّ مِنَ التَّصْدِيقِ إِذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ ، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي حَال حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ ، لأَِنَّ النَّسَبَ لاَ يَبْطُل بِالْمَوْتِ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا .
وَكَذَلِكَ الإِْقْرَارُ بِالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لاَ عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَل ، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهَؤُلاَءِ لِمَا ذَكَرْنَا ، إِلاَّ الْوَلَدَ لأَِنَّ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ ، فَلاَ يُقْبَل إِلاَّ إِذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ تَشْهَدُ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلاَدَةِ بِخِلاَفِ الرَّجُل لأَِنَّ فِيهِ حَمْل نَسَبِ الْوَلَدِ عَلَى نَفْسِهِ .
وَلاَ يَجُوزُ الإِْقْرَارُ بِغَيْرِ هَؤُلاَءِ مِنَ الْعَمِّ وَالأَْخِ ، لأَِنَّ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الأَْبُ وَالْجَدُّ . وَكَذَلِكَ الإِْقْرَارُ بِوَارِثٍ فِي حَقِّ حُكْمِ الْمِيرَاثِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلإِْقْرَارِ بِهِ فِي حَقِّ
ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا إِلاَّ شَرْطَ حَمْل النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ، فَإِنَّ الإِْقْرَارَ بِنَسَبٍ يَحْمِلُهُ الْمُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ لاَ يَصِحُّ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَصْلاً ، وَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَصْلاً وَيَكُونَ مِيرَاثُهُ لَهُ ، لأَِنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِل وَاجِبُ التَّصْحِيحِ مَا أَمْكَنَ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَمْكَنَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ أَصْلاً وَلاَ شَيْءَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ ، بِأَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَمِيرَاثُهُ لِعَمَّتِهِ أَوْ(26/11)
لِخَالَتِهِ وَلاَ شَيْءَ لِلْمُقِرِّ لَهُ لأَِنَّهُمَا وَارِثَانِ بِيَقِينٍ ، فَكَانَ حَقُّهُمَا ثَابِتًا بِيَقِينٍ ، فَلاَ يَجُوزُ إِبْطَالُهُ بِالصَّرْفِ إِلَى غَيْرِهِمَا .
25 - وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِوَارِثٍ فَالْكَلاَمُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ . أَمَّا الأَْوَّل فَالأَْمْرُ فِيهِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ وَاحِدًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ هَل يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الْمَيِّتِ ؟ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِالأُْخُوَّةِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى
غَيْرِهِ فَكَانَ شَهَادَةً وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ . وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مَقْبُولاً فِي حَقِّ النَّسَبِ كَإِقْرَارِ الْجَمَاعَةِ .
أَمَّا إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمْ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ ، لأَِنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ . وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَإِقْرَارُ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ بِوَارِثٍ يَصِحُّ وَيَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ بِأَنْ أَقَرَّ الاِبْنُ الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمِيرَاثِ ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِالأُْخُوَّةِ إِقْرَارٌ بِشَيْئَيْنِ : النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَال ، وَالإِْقْرَارُ بِالنَّسَبِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، لأَِنَّهُ دَعْوَى فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ شَهَادَةٌ ، وَالإِْقْرَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَال إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّهُ مَقْبُولٌ ، وَمِثْل هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الإِْقْرَارُ الْوَاحِدُ مَقْبُولاً بِجِهَةٍ غَيْرَ مَقْبُولٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى .
وَلَوْ أَقَرَّ الاِبْنُ الْمَعْرُوفُ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ ، لأَِنَّ إِقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَهَا مَعَ الأَْخِ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ فَلَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ فَلَهَا سُدُسُ مَا فِي يَدِهِ ، وَالأَْصْل أَنَّ الْمُقِرَّ فِيمَا فِي يَدِهِ يُعَامَل مُعَامَلَةَ مَا لَوْ ثَبَتَ النَّسَبُ .
وَلَوْ أَقَرَّ ابْنُ الْمَيِّتِ بِابْنِ ابْنٍ لِلْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُ ، لَكِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ابْنَهُ ، فَالْقَوْل قَوْل الْمُقِرِّ وَالْمَال بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اسْتِحْسَانًا ، لأَِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إِنَّمَا اسْتَفَادَ الْمِيرَاثَ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَوْ بَطَل إِقْرَارُهُ لَبَطَلَتْ وِرَاثَتُهُ ، وَفِي بُطْلاَنِ وِرَاثَتِهِ بُطْلاَنُ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْل قَوْل الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمَال كُلُّهُ لَهُ مَا لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ ، لأَِنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى إِثْبَاتِ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَاخْتَلَفَا فِي وِرَاثَةِ الْمُقِرِّ ، فَيَثْبُتُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَيَقِفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيل (1) 26 - وَالْمَالِكِيَّةُ يُسَمُّونَ الإِْقْرَارَ بِالنَّسَبِ بِالاِسْتِلْحَاقِ فَقَالُوا : إِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الأَْبُ ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ : إِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِابْنٍ جَازَ إِقْرَارُهُ وَلَحِقَ بِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ، أَنْكَرَ الاِبْنُ أَوْ أَقَرَّ . وَإِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الأَْبَ مَجْهُول النَّسَبِ ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ : مَنِ ادَّعَى وَلَدًا لاَ يُعْرَفُ كَذِبُهُ فِيهِ لَحِقَ بِهِ إِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْل أَوِ الْحِسُّ أَوِ الْعَادَةُ أَوِ الشَّرْعُ صَغِيرًا كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ أَوْ كَبِيرًا ، حَيًّا أَوْ مَيِّتًا . وَفِي الْمُدَوَّنَةِ : مَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَالٍ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَحِقَ
00000000(26/12)
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع للكاساني 7 / 228 وَمَا بَعْدَهَا ، دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ بَيْرُوت ، وَابْن عَابِدِينَ 4 / 464 ، 465 .
بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَلاَ يُقْبَل قَوْلُهُ ، لأَِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي مِيرَاثِهِ وَيُحَدُّ وَلاَ يَرِثُهُ . 27 - وَإِذَا اسْتَلْحَقَ مَيِّتًا وَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ - بِالْكَسْرِ - الْمُسْتَلْحَقَ - بِالْفَتْحِ - إِنْ وَرِثَهُ أَيِ الْمُسْتَلْحَقَ - بِالْفَتْحِ - ابْنٌ ، قَال الْحَطَّابُ : ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِنَّمَا هُوَ فِي إِرْثِهِ مِنْهُ . وَأَمَّا نَسَبُهُ فَلاَحِقٌ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَرِثْهُ ابْنٌ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ . وَإِنِ اسْتَلْحَقَ شَخْصٌ شَخْصًا وَارِثًا غَيْرَ وَلَدٍ لِمُسْتَلْحِقِهِ - بِالْكَسْرِ - كَأَخٍ وَعَمٍّ وَأَبٍ وَأُمٍّ ، فَلاَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ لَهُ ، وَلاَ يَرِثُ الْمُسْتَلْحَقُ - بِالْفَتْحِ - الْمُسْتَلْحِقَ - بِالْكَسْرِ - إِنْ وُجِدَ وَارِثٌ لِلْمُسْتَلْحِقِ - بِالْكَسْرِ - ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ فَفِي إِرْثِهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ : فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لاَ إِرْثَ بِإِقْرَارٍ ، وَقَال ابْنُ رُشْدٍ : مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الإِْرْثُ بِالإِْقْرَارِ ، وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِمَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ .
وَخَصَّ الْخِلاَفَ فِي إِرْثِ الْمُقَرِّ بِهِ مِنَ الْمُقِرِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ بِمَا إِذَا لَمْ يَطُل الإِْقْرَارُ بِالْوَارِثِ ، وَأَمَّا مَعَ الطُّول فَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُ فِي الإِْرْثِ بِهِ لِدَلاَلَتِهِ عَلَى صِدْقِهِ ، قَال اللَّخْمِيُّ ، إِنْ قَال : هَذَا أَخِي ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو نَسَبٍ ثَابِتٍ يَرِثُهُ فَقِيل : الْمَال لِبَيْتِ الْمَال ، وَقِيل : الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى وَهَذَا أَحْسَنُ ، لأَِنَّ لَهُ
بِذَلِكَ شُبْهَةٌ .
وَلَوْ كَانَ الإِْقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَطَالَتِ الْمُدَّةُ وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ يَقُول كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآْخَرِ : أَخِي ، أَوْ يَقُول : هَذَا عَمِّي ، وَيَقُول الآْخَرُ : ابْنُ أَخِي ، وَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنُونَ وَلاَ أَحَدَ يَدَّعِي بُطْلاَنَ ذَلِكَ لَكَانَ حَوْزًا .
وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلاَنِ مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ - كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ - بِثَالِثٍ مُسَاوٍ لَهُمَا فِي الاِسْتِحْقَاقِ كَابْنٍ أَوْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ مِنَ الْمَيِّتِ ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ غَيْرُ عَدْلَيْنِ فَلاَ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا .
وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلٌ وَاحِدٌ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ بِهِ مَعَهُ أَيِ الْعَدْل الْمُقِرُّ ، وَيَرِثُ الْمَيِّتُ مَعَ الْمُقِرِّ ، وَالْحَال لاَ نَسَبَ ثَابِتٌ لَهُ بِإِقْرَارِ الْعَدْل وَحَلِفِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُقِرُّ عَدْلاً فَحِصَّةُ الشَّخْصِ الْمُقِرِّ بِوَارِثٍ كَالْمَال الْمَتْرُوكِ أَيْ كَأَنَّهَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ بِهِ ، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَالِثٍ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ النِّصْفُ فَيُقَدَّرُ أَنَّهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَيُقْسَمُ عَلَى الثَّلاَثَةِ فَيَنُوبُ الْمُقَرُّ بِهِ ثُلُثَهُ فَيَأْخُذُهُ وَثُلُثَاهُ لِلْمُقِرِّ ، وَإِنْ قَال أَحَدُ عَاصِبِي مَيِّتٍ لِشَخْصٍ ثَالِثٍ : هَذَا أَخِي وَأَنْكَرَهُ أَخُوهُ ثُمَّ أَضْرَبَ الْمُقِرُّ عَنْ إِقْرَارِهِ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَال لِشَخْصٍ آخَرَ رَابِعٍ : بَل هَذَا أَخِي ، فَلِلْمُقَرِّ بِهِ الأَْوَّل نِصْفُ
إِرْثِ أَبِ الْمُقِرِّ لاِعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ ، وَإِضْرَابُهُ عَنْهُ لاَ يُسْقِطُهُ لأَِنَّهُ يَعُدُّ نَدَمًا ، وَلِلْمُقَرِّ بِهِ الثَّانِي نِصْفُ مَا بَقِيَ بِيَدِ الْمُقِرِّ لاِعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ (1)
28 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ بِنَسَبِ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُول النَّسَبِ بِأَنْ قَال : إِنَّهُ ابْنُهُ ، وَهُوَ يُحْتَمَل أَنْ يُولَدَ لِمِثْل الْمُقِرِّ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ(26/13)
أَكْبَرَ مِنْهُ بِعَشْرِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ كَمَا نَصَّ الْحَنَابِلَةُ ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ مُنَازِعٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّخْصَ لاَ يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ .
وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ أَوِ الْمَجْنُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مَيِّتًا وَرِثَهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ ، لأَِنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مَعَ الْحَيَاةِ الإِْقْرَارُ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ ، لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ .
وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ كَبِيرًا عَاقِلاً لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنَ الْمُقِرِّ حَتَّى يُصَدِّقَهُ ، لأَِنَّ لَهُ قَوْلاً صَحِيحًا فَاعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ، وَلأَِنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ ، فَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَّفَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ ، وَإِنْ نَكَل حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ نَسَبُهُ ، وَلَوْ سَكَتَ
00000000
(1) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 138 وَمَا بَعْدَهَا ، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 3 / 413 وَمَا بَعْدَهَا .
عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كَمَا قَال الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَضِيَّةُ اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ .
وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ الْعَاقِل الْمُقَرُّ بِهِ مَيِّتًا ثَبَتَ إِرْثُهُ وَنَسَبُهُ ، لأَِنَّهُ لاَ قَوْل لَهُ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ ، لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ .
وَعَلَى الأَْوَّل يَرِثُ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحِقُ وَلاَ يُنْظَرُ إِلَى التُّهْمَةِ .
وَإِنِ ادَّعَى نَسَبَ مُكَلَّفٍ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ حَتَّى مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ ، لأَِنَّ بِتَصْدِيقِهِ حَصَل اتِّفَاقُهُمَا عَلَى التَّوَارُثِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا .
وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا أَثْبَتَ نَسَبَهُ فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُل نَسَبُهُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، لأَِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلاَ يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ يَبْطُل لأَِنَّ الْحُكْمَ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَهْلٍ لِلإِْنْكَارِ وَقَدْ صَارَ أَهْلاً لَهُ وَأَنْكَرَ .
وَيَجْرِي الْخِلاَفُ فِيمَا إِذَا اسْتَلْحَقَ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ وَأَنْكَرَ .
وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ نَسَبُهُ لِمَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمَا ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ (1)
00000000
(1) شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 14 ، 15 ، وَحَاشِيَة الْجُمَل 5 / 394 ، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 100 ، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 5 / 109 ، 110 ، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 5 / 401 ، وَالْمُغْنِي 5 / 199 ، 200 ، 7 / 394 ، 395 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 460 .
29 - وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَهُ أُمٌّ فَجَاءَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ تَدَّعِي زَوْجِيَّتَهُ لَمْ تَثْبُتِ الزَّوْجِيَّةُ بِذَلِكَ ، لأَِنَّ الرَّجُل إِذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِزَوْجِيَّةِ أُمِّهِ ، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ .
وَكَذَا لَوِ ادَّعَتْ أُخْتُهُ الْبُنُوَّةَ ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ ، قَال فِي الاِخْتِيَارَاتِ : وَمَنْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَانَ لَهَا طَلَبُهُ بِحَقِّهَا (1)
30 - وَإِنْ قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بِلاَدِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مَعَ إِمْكَانِهِ وَلاَ مُنَازِعَ ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الإِْمْكَانِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ ، وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لإِِثْبَاتِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلرَّجُل قُدُومٌ إِلَيْهَا وَلاَ عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا (2)(26/14)
31 - وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَل لأَِنَّ إِقْرَارَ الإِْنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ .
وَإِنْ كَانَ إِقْرَارُهُ بِنَسَبِ الأَْخِ أَوِ الْعَمِّ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ، وَالْمُقِرُّ هُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ صَحَّ إِقْرَارُهُ وَثَبَتَ
00000000
(1) كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 460 ، وَالْمُغْنِي 5 / 199 ، 200 .
(2) كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 460 ، وَالْمُغْنِي 5 / 199 ، 200 .
النَّسَبُ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (1) ، وَلأَِنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مُورِثِهِ فِي حُقُوقِهِ وَهَذَا مِنْهَا (2)
وَلاَ يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ نَفَاهُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيَجُوزُ إِلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ إِيَّاهُ كَمَا لَوِ اسْتَلْحَقَهُ هُوَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ : يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ نَفَاهُ قَبْل مَوْتِهِ ، لأَِنَّ فِي إِلْحَاقِ مَنْ نَفَاهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلْحَاقَ عَارٍ بِنَسَبِهِ (3)
32 - وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ، كَابْنَيْنِ أَقَرَّا بِثَالِثٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مَعَهُمَا ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الآْخَرُ أَنَّ الْمُسْتَلْحِقَ لاَ يَرِثُ ، لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلاَ يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ ، وَعَلَى الأَْوَّل عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ ، أَمَّا فِي الْبَاطِنِ إِذَا كَانَ الْمُقِرُّ صَادِقًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا يَرِثُهُ فِي الأَْصَحِّ بِثُلُثِهِ ، وَقِيل : بِنِصْفِهِ .
00000000
(1) حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر " . سَبَقَ تَخْرِيجه ( ف 11 ) .
(2) شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 15 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 461 .
(3) شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 15 ، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 461 .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْبَالِغَ مِنَ الْوَرَثَةِ لاَ يَنْفَرِدُ بِالإِْقْرَارِ ، بَل يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصَّبِيِّ ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْحَال ، لأَِنَّهُ خَطِيرٌ لاَ يُجَاوِزُ فِيهِ .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَ الآْخَرُ وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إِلاَّ الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ ، لأَِنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ صَارَ لَهُ .
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لاَ يَثْبُتُ نَظَرًا إِلَى إِنْكَارِ الْمُورِثِ الأَْصْل .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُول نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إِنْكَارُهُ ، وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُول ، وَالثَّانِي : يُؤَثِّرُ الإِْنْكَارُ فَيَحْتَاجُ الْمُقِرُّ إِلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ ، وَالثَّالِثُ : لاَ يَثْبُتُ نَسَبُ الْمَجْهُول لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ .
وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحِقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ لِلاِبْنِ وَلاَ إِرْثَ لَهُ .(26/15)
وَالثَّانِي : لاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا ، لأَِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَثَبَتَ الإِْرْثُ ، وَلَوْ وَرِثَ الاِبْنُ لَحَجَبَ الأَْخَ فَيَخْرُجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الإِْقْرَارِ ، فَيَنْتَفِي نَسَبُ الاِبْنِ وَالْمِيرَاثُ .
وَالثَّالِثُ : يَثْبُتَانِ ، وَلاَ يَخْرُجُ الأَْخُ بِالْحَجْبِ
عَنْ أَهْلِيَّةِ الإِْقْرَارِ ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِلتَّرِكَةِ لَوْلاَ إِقْرَارُهُ (1)
33 - وَإِنْ أَقَرَّ بِأَبٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ مَوْلًى أَعْتَقَهُ قَبْل إِقْرَارِهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ ، وَلَوْ أَسْقَطَ بِهِ وَارِثًا مَعْرُوفًا ، لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي الْحَال ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الإِْرْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشُرُوطٍ :
أَوَّلُهَا : خُلُوُّهُ مِنْ مُسْقِطٍ ، إِذَا أَمْكَنَ صِدْقُ الْمُقِرِّ بِأَنْ لاَ يُكَذِّبَهُ فِيهِ ظَاهِرُ حَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهُ كَإِقْرَارِ الإِْنْسَانِ بِمَنْ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرَ مِنْهُ لَمْ يُقْبَل .
وَثَانِيهَا : أَنْ لاَ يَدْفَعَ بِإِقْرَارِهِ نَسَبًا لِغَيْرِهِ ، فَإِنْ دَفَعَ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقِرُّ بِهِ الْمُكَلَّفُ وَإِلاَّ لَمْ يُقْبَل ، أَوْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ مَيِّتًا ، إِلاَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ فَلاَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُمَا لِمَا مَرَّ ، فَإِنْ كَبِرَا وَعَقَلاَ وَأَنْكَرَا النَّسَبَ لَمْ يُسْمَعْ إِنْكَارُهُمَا لأَِنَّهُ نَسَبٌ حُكِمَ بِثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِرَدِّهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ، وَلَوْ طَلَبَا إِحْلاَفَ الْمُقِرِّ لَمْ يُسْتَحْلَفْ ، لأَِنَّ الأَْبَ لَوْ عَادَ فَجَحَدَ النَّسَبَ لَمْ يُقْبَل مِنْهُ لأَِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ بِخِلاَفِ الْمَال .
وَيَكْفِي فِي تَصْدِيقِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ وَعَكْسِهِ كَتَصْدِيقِ وَلَدٍ بِوَالِدِهِ ، سُكُوتُهُ إِذَا أَقَرَّ بِهِ ، لأَِنَّهُ
00000000
(1) شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 16 - 17 .
يَغْلِبُ فِي ذَلِكَ ظَنُّ التَّصْدِيقِ ، وَلاَ يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا أَيِ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ وَعَكْسِهِ تَكْرَارُ التَّصْدِيقِ ، فَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِدُونِ تَكْرَارِ التَّصْدِيقِ وَمَعَ السُّكُوتِ ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : لَوْ سَكَتَ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ، وَفَارِقُ السُّكُوتِ فِي الأَْمْوَال بِالاِحْتِيَاطِ فِي النَّسَبِ . نَعَمْ إِنْ مَاتَ قَبْل إِمْكَانِ التَّصْدِيقِ ثَبَتَ النَّسَبُ (1)
34 - وَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ هَؤُلاَءِ الأَْرْبَعَةِ وَهُمُ : الأَْبُ وَالاِبْنُ وَالزَّوْجُ وَالْمَوْلَى ، وَكَجَدٍّ يُقِرُّ بِابْنِ ابْنِهِ وَعَكْسِهِ ، وَكَأَخٍ يُقِرُّ بِأَخٍ ، وَالْعَمِّ يُقِرُّ بِابْنِ أَخٍ ، لأَِنَّهُ يَحْمِل عَلَى غَيْرِهِ نَسَبًا فَلَمْ يُقْبَل ، إِلاَّ وَرَثَةً أَقَرُّوا لِمَنْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُورِثُهُمْ ثَبَتَ نَسَبُهُ فَيَصِحُّ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ .
وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُنْكِرُ وَالْمُقِرُّ وَحْدَهُ وَارِثٌ لِلْمُنْكِرِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ مِنْهُمَا لاِنْحِصَارِ الإِْرْثِ فِيهِ ، فَلَوْ مَاتَ الْمُقِرُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ بَنِي عَمٍّ وَعَنِ الأَْخِ الْمُقَرِّ بِهِ وَرِثَهُ الأَْخُ الْمُقَرُّ بِهِ دُونَ بَنِي الْعَمِّ ، لأَِنَّ الأَْخَ يَحْجُبُهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ
00000000(26/16)
(1) كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 461 ، والقليوبي وَعَمِيرَة 3 / 15 ، وَنِيل الْمَآرِب بِشَرْحِ دَلِيل الطَّالِبِ 2 / 100 ، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 3 / 624 ط عَالَم الْكُتُبِ .
بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ (1) وَلَوْ أَقَرَّتْ زَوْجَةٌ بِوَلَدٍ لَحِقَهَا لإِِقْرَارِهَا دُونَ زَوْجِهَا لِعَدَمِ إِقْرَارِهِ بِهِ ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَإِنَّهُ لاَ يَلْحَقُ بِامْرَأَتِهِ (2)
ثُبُوتُ نَسَبِ الشَّخْصِ بِإِقْرَارِهِ :
35 - قَال الشَّافِعِيَّةُ : نَسَبُ الشَّخْصِ لاَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ ، وَقِيل : يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ ، لِقَوْلِهِمْ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا إِذَا شَهِدَ شُهُودُ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسَمَّى فِيهِ لاَ عَلَى عَيْنِهِ ، فَاعْتَرَفَ الْمُحْضَرُ بِأَنَّ ذَلِكَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ أَوْ أَنْكَرَ وَنَكَل ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ تَوَجَّهَ لَهُ الْحُكْمُ ، وَلأَِنَّ مَا عَلَيْهِ الْعَمَل أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يُسْأَل عَنِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ ، وَيُجْعَل ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ ، وَلأَِنَّ النَّاسَ مُؤْتَمَنُونَ عَلَى أَنْسَابِهِمْ ، وَمَنِ اؤْتُمِنَ عَلَى شَيْءٍ رُجِعَ إِلَيْهِ فِيمَا عَلَيْهِ لاَ فِيمَا لَهُ . (3)
إِقْرَارُ السَّفِيهِ بِالنَّسَبِ :
36 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ السَّفِيهُ بِنَسَبٍ صَحَّ إِقْرَارُهُ بِذَلِكَ وَأُخِذَ بِهِ فِي الْحَال . قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَهُوَ إِجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي نَفْسِهِ وَالْحَجْرُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ .
00000000
(1) كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 461 ، 462 .
(2) كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 463 .
(3) أسنى المطالب 4 / 367 .
وَيُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْتَلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَال . (1)
الرُّجُوعُ عَنِ الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ :
37 - الإِْقْرَارُ الصَّحِيحُ بِالْبُنُوَّةِ لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ ؛ إِذْ لاَ يَجُوزُ إِلْغَاءُ كَلاَمِ الْمُكَلَّفِ بِلاَ مُقْتَضٍ (2) وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي ( إِقْرَار ف 67 ) .
نَسَبُ اللَّقِيطِ : 38 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ شَخْصٌ وَاحِدٌ ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ ، فَإِنْ كَانَ رَجُلاً مُسْلِمًا حُرًّا لَحِقَ نَسَبُهُ بِهِ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهِ شُرُوطُ الاِسْتِلْحَاقِ ؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ مَحْضُ نَفْعٍ لِلطِّفْل لاِتِّصَال نَسَبِهِ ، وَلاَ مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ ، فَقُبِل كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ . وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ ( لَقِيط ف 11 - 14 ) .
ز - الْقُرْعَةُ : 39 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى عَدَمِ اسْتِعْمَال الْقُرْعَةِ فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ . وَالتَّفْصِيل فِي
00000000
(1) الفتاوى الهندية 5 / 61 ، وحاشية ابن عابدين 5 / 93 والشرقاوي على التحرير 2 / 138 ، وجواهر الإكليل 2 / 98 ، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب 1 / 401 .(26/17)
(2) بدائع الصنائع 7 / 232 ، وجواهر الإكليل 2 / 139 ، والشرقاوي على التحرير 2 / 140 ، والمغني 5 / 206 .
مُصْطَلَحِ ( قُرْعَة ف 19 ) .
ح - السَّمَاعُ : 40 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ . قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَمَّا النَّسَبُ فَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْمِ مَنَعَ مِنْهُ ، وَلَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لاَسْتَحَالَتْ مَعْرِفَةُ الشَّهَادَةِ بِهِ ؛ إِذْ لاَ سَبِيل إِلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِهِ ، وَلاَ تَمْكُنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ ، وَلَوِ اعْتُبِرَتِ الْمُشَاهَدَةُ لَمَا عَرَفَ أَحَدٌ أَبَاهُ وَلاَ أُمَّهُ وَلاَ أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ (1)
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِقَبُول الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَكُونَ النَّسَبُ مَشْهُورًا ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ : الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ : الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمِيَّةُ . فَالْحَقِيقَةُ : أَنْ تُشْتَهَرَ وَتُسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لاَ يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ ، وَلاَ تُشْتَرَطُ فِي
00000000
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 375 ، والفتاوى الهندية 3 / 458 ، وبدائع الصنائع 6 / 266 ، 267 ، ومواهب الجليل 6 / 194 ، وبلغة السالك 2 / 362 وما بعدها ، والقوانين الفقهية لابن جزي 205 ، وتبصرة الحكام 1 / 349 ، والكافي لابن عبد البر 2 / 903 - 906 ، وتهذيب الفروق 4 / 101 ، 102 ، وجواهر الإكليل 2 / 242 ، 243 ، والتاودي مع التسولي على تحفة ابن العاصم 1 / 132 وما بعدها ، وروضة الطالبين 11 / 266 ، وما بعدها ، والمغني مع الشرح الكبير 12 / 24 .
هَذِهِ الْعَدَالَةُ ، وَلاَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ بَل يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ .
وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْخُلاَصَةِ ، هَذَا إِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادِ هَذَا الرَّجُل ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إِذَا لَقِيَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ وَعَرَفَا حَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الرَّجُل عِنْدَهُ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى نَسَبِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَزَل بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَهُ وَقَال : أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ ، قَال مُحَمَّدٌ : لاَ يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَوْا مِنْ أَهْل بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَسَبِهِ ، قَال الْجَصَّاصُ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ : وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ . (1)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا : وَلاَ يَشْهَدُ أَحَدٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ بِالإِْجْمَال إِلاَّ فِي عَشَرَةٍ مِنْهَا النَّسَبُ ، فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ إِذَا أَخْبَرَهُ بِهِ مَنْ يَثِقُ الشَّاهِدُ بِهِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ لاَ يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِلاَ شَرْطِ عَدَالَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ . (2)
41 - قَال الْمَالِكِيَّةُ : الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَائِزَةٌ فِي النَّسَبِ الْمَشْهُورِ .
00000000
(1) الفتاوى الهندية 3 / 458 .
(2) ابن عابدين 4 / 375 .(26/18)
وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ : لاَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبٌ ، إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَال ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَهَرًا مِثْل نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ . (1)
42 - وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الاِسْتِفَاضَةَ أَيْضًا ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ أَمْرٌ لاَ مَدْخَل لِلرُّؤْيَةِ فِيهِ ، وَغَايَةُ الْمُمْكِنِ رُؤْيَةُ الْوِلاَدَةِ عَلَى الْفِرَاشِ ، لَكِنَّ النَّسَبَ إِلَى الأَْجْدَادِ الْمُتَوَفَّيْنَ وَالْقَبَائِل الْقَدِيمَةِ لاَ تَتَحَقَّقُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ ، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اعْتِمَادِ الاِسْتِفَاضَةِ ، وَلَوْ مِنَ الأُْمِّ قِيَاسًا عَلَى الأَْبِ .
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ - وَهُوَ الاِسْتِفَاضَةُ - النَّسَبُ ، وَقَال : يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ أَنَّ هَذَا الرَّجُل ابْنُ فُلاَنٍ ، أَوْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ - إِذَا عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا - بِنْتُ فُلاَنٍ ، أَوْ أَنَّهُمَا مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا . وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنَ الأُْمِّ بِالتَّسَامُعِ أَيْضًا عَلَى الأَْصَحِّ ، وَقِيل : قَطْعًا كَالأَْبِ ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ إِمْكَانُ رُؤْيَةِ الْوِلاَدَةِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالأَْصْحَابُ فِي صِفَةِ التَّسَامُعِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ بِنَسَبِهِ ، فَيُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُل أَوِ الْقَبِيلَةِ ، وَالنَّاسُ يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ ، وَهَل يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ التَّكْرَارُ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ السَّمَاعِ ؟ قَال كَثِيرُونَ : نَعَمْ ، وَبِهَذَا أَجَابَ الصَّيْمَرِيُّ ، وَقَال آخَرُونَ :
00000000
(1) التاج والإكليل 6 / 194 .
لاَ ، بَل لَوْ سَمِعَ انْتِسَابَ الشَّخْصِ وَحَضَرَ جَمَاعَةً لاَ يَرْتَابُ فِي صِدْقِهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِنَسَبِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ ، وَرَأَى ابْنُ كَجٍّ الْقَطْعَ بِهَذَا ، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيُّ فِي انْتِسَابِهِ .
وَيُعْتَبَرُ مَعَ انْتِسَابِ الشَّخْصِ وَنِسْبَةِ النَّاسِ أَلاَّ يُعَارِضَهُمَا مَا يُورِثُ تُهْمَةً وَرِيبَةً ، فَلَوْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ حَيًّا وَأَنْكَرَ لَمْ تَجُزِ الشَّهَادَةُ ، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا جَازَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ كَانَ مَيِّتًا . وَلَوْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ النَّسَبِ ، هَل يُمْنَعُ جَوَازُ الشَّهَادَةِ ؟ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا : نَعَمْ ، لاِخْتِلاَفِ الظَّنِّ .
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الاِسْتِفَاضَةِ أَوْجُهٌ :
الأَْوَّل : وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ وَيُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلاَمِ الشَّافِعِيِّ .
وَالثَّانِي : يَكْفِي عَدْلاَنِ ، اخْتَارَهُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ ، وَمَال إِلَيْهِ الإِْمَامُ .
وَالثَّالِثُ : يَكْفِي خَبَرُ وَاحِدٍ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبُ إِلَيْهِ ، حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ . فَعَلَى الأُْولَى يَنْبَغِي أَلاَّ يُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ وَلاَ الْحُرِّيَّةُ وَلاَ الذُّكُورَةُ .
وَلَوْ سَمِعَ رَجُلاً لآِخَرَ : هَذَا ابْنِي وَصَدَّقَهُ الآْخَرُ أَوْ قَال : أَنَا ابْنُ فُلاَنٍ ، وَصَدَّقَهُ فُلاَنٌ ، قَال كَثِيرٌ مِنَ الأَْصْحَابِ : يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَى النَّسَبِ ، وَكَذَا لَوِ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا وَسَكَتَ ؛ لأَِنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ كَالإِْقْرَارِ ، وَفِي الْمُهَذَّبِ وَجْهٌ أَنَّهُ لاَ يَشْهَدُ عِنْدَ السُّكُوتِ إِلاَّ إِذَا تَكَرَّرَ عِنْدَهُ الإِْقْرَارُ وَالسُّكُوتُ ، وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْغَزَالِيُّ : أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِذَلِكَ ، بَل يَشْهَدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الإِْقْرَارِ ، وَهَذَا قِيَاسٌ ظَاهِرٌ . (1)(26/19)
43 - وَيُوَافِقُ الْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ كَذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوِ الاِسْتِفَاضَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّسَبِ . جَاءَ فِي الْمُغْنِي : وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الأَْخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ ، وَهُوَ مَا يَعْلَمُهُ بِالاِسْتِفَاضَةِ ، وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهَا فِي النَّسَبِ وَالْوِلاَدَةِ .
وَكَلاَمُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَلاَّ يَشْهَدَ بِالاِسْتِفَاضَةِ حَتَّى تَكْثُرَ بِهِ الأَْخْبَارُ وَيَسْمَعَهُ مِنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ يَحْصُل بِهِ الْعِلْمُ ، يَقُول الْخِرَقِيُّ : فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الأَْخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقَلْبِ ، يَعْنِي حَصَل الْعِلْمُ بِهِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي
00000000
(1) روضة الطالبين 11 / 266 وما بعدها .
فِي " الْمُجَرَّدِ " أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَسْمَعَ مِنَ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ وَيَسْكُنَ قَلْبُهُ إِلَى خَبَرِهِمَا ؛ لأَِنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ بِقَوْل اثْنَيْنِ ، وَهَذَا قَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْقَوْل الأَْوَّل هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ لَفْظُ الاِسْتِفَاضَةِ ، فَإِنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَيْضِ الْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ ، وَلأَِنَّهُ لَوِ اكْتَفَى فِيهِ بِقَوْل اثْنَيْنِ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِيهِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ ، وَإِذَا سَمِعَ رَجُلاً يَقُول لِصَبِيٍّ : هَذَا ابْنِي ، جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ؛ لأَِنَّهُ مُقِرٌّ بِنَسَبِهِ ، وَإِنْ سَمِعَ الصَّبِيَّ يَقُول : هَذَا أَبِي ، وَالرَّجُل يَسْمَعُهُ فَسَكَتَ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ أَيْضًا ؛ لأَِنَّ سُكُوتَ الأَْبِ إِقْرَارٌ لَهُ ، وَالإِْقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ فَجَازَتِ الشَّهَادَةُ ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ هَهُنَا مَقَامَ الإِْقْرَارِ ؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ عَلَى الاِنْتِسَابِ الْبَاطِل جَائِزٌ بِخِلاَفِ سَائِرِ الدَّعَاوِي ، وَلأَِنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الإِْثْبَاتُ ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالإِْمْكَانِ فِي النِّكَاحِ ؟ وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُحْتَمَل أَلاَّ يَشْهَدَ مَعَ السُّكُوتِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ؛ لأَِنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَهُ ، فَاعْتُبِرَتْ تَقْوِيَتُهُ بِالتَّكْرَارِ ، كَمَا اعْتُبِرَتْ تَقْوِيَةُ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِالاِسْتِمْرَارِ . (1)
ط - حُكْمُ الْقَاضِي : 44 - يُعَدُّ حُكْمُ الْقَاضِي بِالنَّسَبِ دَلِيلاً مُسْتَقِلًّا ؛
00000000
(1) المغني 12 / 23 وما بعدها .
لأَِنَّ الْحُكْمَ قَدْ لاَ يُذْكَرُ فِيهِ مُسْتَنَدُ الْحُكْمِ ، وَالأَْكْثَرُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَقْدَحُ فِي حُكْمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ ، وَأَصْلُهُ قَوْل سُحْنُونٍ : يُقْبَل قَوْل الْقَاضِي فِيمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ مَجْلِسُ حُكْمِهِ ، وَلأَِنَّ مُسْتَنَدَهُ قَدْ يَكُونُ مُخْتَلِفًا فِي اعْتِبَارِهِ مُسْتَنَدًا ، فَإِذَا حَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ ارْتَفَعَ الْخِلاَفُ فِيهِ ، وَكَانَ الْحُكْمُ طَرِيقَ الثُّبُوتِ .
وَفِي الْفِقْهِ الْمَالِكِيِّ يَكْثُرُ التَّنْبِيهُ فِي نَوَازِل النَّسَبِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي بِالإِْرْثِ لِمُدَّعِي النَّسَبِ فِي الأَْحْوَال الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يُمْضَى ، فَإِذَا وَقَعَ الاِسْتِظْهَارُ بِحُكْمِ قَاضٍ بِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدٍ غَيْرِهِ مَذْكُورٍ فِيهِ مُسْتَنَدُ الْحَاكِمِ لَمْ يَسَعِ الْقَاضِي - الْمُسْتَظْهَرُ لَدَيْهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ - إِلاَّ أَنْ يَقُول : ثَبَتَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْقَاضِي فُلاَنٍ .
قَال الْجَزِيرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : إِذَا انْصَرَمَتِ الآْجَال وَعَجَزَ الطَّالِبُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ ، وَيَصِحُّ التَّعْجِيزُ فِي كُل شَيْءٍ يُدْعَى فِيهِ إِلاَّ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ : الدِّمَاءَ ، وَالأَْحْبَاسَ ، وَالْعِتْقَ ، وَالطَّلاَقَ ، وَالنَّسَبَ ، وَبِهِ قَال ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ . (1)(26/20)
وَضَابِطُهُ كُل حَقٍّ لَيْسَ لِمُدَّعِيهِ إِسْقَاطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ، وَمِنْهَا دَعْوَى نَسَبٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِبَيِّنَةٍ ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا بَعْدَ التَّلَوُّمِ ، فَلاَ يُعَجَّزُ ، فَمَتَى أَقَامَهَا
00000000
(1) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 6 / 132 ، 133 ط دار الفكر .
حُكِمَ عَلَى مُقْتَضَاهَا (1) وَفَصَّل الدُّسُوقِيُّ فَقَال : فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَجِّزَ طَالِبَ إِثْبَاتِ النَّسَبِ سَوَاءٌ اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ أَوِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً ، وَطَلَبَ الإِْمْهَال لَهَا وَأُنْظِرَ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا ، فَإِنْ عَجَّزَهُ كَانَ حُكْمُهُ بِالتَّعْجِيزِ غَيْرَ مَاضٍ ، فَإِذَا قَال مُدَّعِي النَّسَبِ : لِي بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ ، وَأُمْهِل لِلإِْتْيَانِ بِهَا فَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ ، حَكَمَ الْحَاكِمُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ ، وَلاَ يَحْكُمُ بِتَعْجِيزِ ذَلِكَ الْمُدَّعِي ، فَإِنْ حَكَمَ بِعَجْزِهِ كَانَ حُكْمُهُ غَيْرَ مَاضٍ ، وَأَمَّا طَالِبُ نَفْيِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ بِتَعْجِيزِهِ فِي النَّسَبِ ، فَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي النَّسَبِ فَقَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : عِنْدِي بَيِّنَةٌ تَجْرَحُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي ، فَإِذَا أُمْهِل وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ حَكَمَ الْقَاضِي بِثُبُوتِ النَّسَبِ وَتَعْجِيزِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَإِذَا عَجَّزَهُ فَلاَ يُقْبَل مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَذَا قَال الْجِيزِيُّ وَارْتَضَاهُ الْبُنَانِيُّ ، وَقَال عَلِيٌّ الأَْجْهُورِيُّ : إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالْمُدَّعِي فِي النَّسَبِ لَيْسَ لِلْقَاضِي تَعْجِيزُهُ أَصْلاً فِيهَا . (2)
وَحُكْمُ الْقَاضِي بِثُبُوتِ النَّسَبِ يَنْفُذُ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُل فِي الْخُصُومَةِ ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ فِي مَسَائِل مِنْهَا النَّسَبُ . (3)
00000000
(1) جواهر الإكليل 2 / 228 .
(2) حاشية الدسوقي 4 / 150 ، وانظر شرح الزرقاني 7 / 141 - 142 ، والتبصرة 1 / 114 - 115 .
(3) حاشية ابن عابدين 4 / 337 .
وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ : مَنْ لَمْ يُخَاصِمْ فِي النَّازِلَةِ الْمَقْضِيِّ فِيهَا أَصْلاً ، أَوْ لَمْ يَحْضُرْ عِنْدَ صُدُورِ الْحُكْمِ مِنَ الْقَاضِي ، وَفَسَّرُوهُ بِأَنَّهُ مَنْ ثَبَتَتْ غَيْبَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّزْكِيَةِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ أَوْ عَنِ الْبَلَدِ ، وَأَمَّا إِذَا أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ ؛ لأَِنَّ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْعَنَ فِي الإِْقْرَارِ عِنْدَ الْقَاضِي . (1)
ي - ثُبُوتُ النَّسَبِ بِدَعْوَى الْحِسْبَةِ : 45 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ بِدَعْوَى الْحِسْبَةِ . فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّسَبِ لاَ تُقْبَل مِنْ غَيْرِ دَعْوَى ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النَّسَبَ حَقٌّ لآِدَمِيٍّ ، وَحَقُّهُ لاَ تُقْبَل فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ (2) وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ لاَ تُقْبَل مَا لَمْ يُنَصِّبِ الْقَاضِي خَصْمًا عَنِ الصَّغِيرِ لِيَدَّعِيَ النَّسَبَ لَهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ شَرْعًا ؛ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ إِحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ ، وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً عَلَى خَصْمٍ (3)
00000000
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 335 .(26/21)
(2) بدائع الصنائع 4 / 111 ، وشرح المحلي على المنهاج 4 / 322 ، 323 ، وأسنى المطالب 4 / 367 ، وحاشية الجمل 5 / 386 ، والمغني 9 / 215 ، 238 .
(3) بدائع الصنائع 4 / 111 .
أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى نَسَبِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ مِنْ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الرَّجُل ، فَإِنَّهَا تُقْبَل مِنْ غَيْرِ دَعْوَى (1) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ تُقْبَل شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا النَّسَبُ ؛ لأَِنَّ فِي وَصْلِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى . (2)
التَّحْكِيمُ فِي النَّسَبِ : 46 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي نَسَبٍ لأَِبٍ ؛ لِخَطَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ بِهَا وَهُوَ الآْدَمِيُّ ، لَكِنَّهُ إِنْ حَكَمَ فِي نَسَبٍ مَضَى حُكْمُهُ إِنْ كَانَ صَوَابًا ، فَلاَ يَنْقُضُهُ الإِْمَامُ وَلاَ الْقَاضِي (3) قَال أَصْبَغُ : وَلاَ يَنْبَغِي التَّحْكِيمُ فِي النَّسَبِ لأَِنَّهُ لِلإِْمَامِ ، زَادَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَصْبَغَ : فَإِنْ حَكَّمَاهُ فِي ذَلِكَ نَفَذَ حُكْمُهُ . (4)
التَّحْلِيفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ : 47 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، أَنَّهُ لاَ تَحْلِيفَ فِي نَسَبٍ ، بِأَنِ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَبِالْعَكْسِ . وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
00000000
(1) بدائع الصنائع 4 / 110 .
(2) القليوبي على المحلي 4 / 322 ، 323 ، وأسنى المطالب 4 / 367 ، وحاشية الجمل 5 / 386 .
(3) جواهر الإكليل 2 / 223 .
(4) مواهب الجليل 6 / 112 ط دار الفكر .
وَقِيل : يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُهُ بِقَوْلِهِمَا ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا لاَ يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِ . (1)
آثَارُ النَّسَبِ : تَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ آثَارٌ مِنْهَا : أ - النَّفَقَةُ : 48 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ النَّفَقَةِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ ( نَفَقَة ) .
ب - سُقُوطُ الْقِصَاصِ : 49 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَل وَالِدٌ بِوَلَدِهِ مُطْلَقًا . وَالتَّفْصِيل فِي ( قِصَاص ف 17 ) .
ج - ثُبُوتُ الْوِلاَيَةِ : 50 - ثُبُوتُ النَّسَبِ سَبَبٌ لِلْوِلاَيَةِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَالْوِلاَيَةِ عَلَى الْمَال وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ . وَالتَّفْصِيل فِي ( قِصَاص ف 26 وَمَا بَعْدَهَا ، صغر ف 21 ، نِكَاح ، وِلاَيَة ) .
00000000(26/22)
(1) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 4 / 425 ، وتكملة فتح القدير 8 / 181 ، ومواهب الجليل 6 / 133 ، والإنصاف 12 / 111 .
.
د - الْمِيرَاثُ : 51 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الإِْرْثِ فِي الْجُمْلَةِ . وَالتَّفْصِيل فِي ( إِرْث ف 14 ) .
هـ - تَحْرِيمُ النِّكَاحِ : 52 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ فِي الْجُمْلَةِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ . وَالتَّفْصِيل فِي ( مُحَرَّمَات النِّكَاحِ ف 3 - 8 ) .
اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ : 53 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ : فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى اعْتِبَارِهِ ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( كَفَاءَة ف 8 ) .
انْتِفَاءُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ : 54 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَكَانَ الْقَذْفُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَفْيُ نَسَبِ الْوَلَدِ عَنِ الزَّوْجِ وَأُلْحِقَ بِأُمِّهِ . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ ( لِعَان ف 25 وَمَا بَعْدَهَا ) .
عَدَمُ قَبُول النَّسَبِ لِلإِْسْقَاطِ : 55 - النَّسَبُ حَقُّ الصَّغِيرِ ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ
فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ لَحِقَ بِهِ إِسْقَاطُ هَذَا الْحَقِّ ، فَمَنْ أَقَرَّ بِابْنٍ ، أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ ، أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ ، أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إِمْكَانِ النَّفْيِ فَقَدِ الْتَحَقَ بِهِ ، وَلاَ يَصِحُّ لَهُ إِسْقَاطُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (1) وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا وَجَحَدَ الرَّجُل فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ لاَ حَقُّهَا . (2)
التَّصَادُقُ عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ : 56 - قَال الْحَنَفِيَّةُ : إِذَا نَفَى نَسَبَ وَلَدِ حُرَّةٍ فَصَدَّقَتْهُ لاَ يَنْقَطِعُ نَسَبُهُ ؛ لِتَعَذُّرِ اللِّعَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ ؛ حَيْثُ تَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَقَدْ قَالَتْ إِنَّهُ صَادِقٌ ، وَإِذَا تَعَذَّرَ قَطْعُ النَّسَبِ لأَِنَّهُ حُكْمُهُ وَيَكُونُ ابْنَهُمَا لاَ يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ وَالنَّسَبُ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ لاَ يَنْقَطِعُ إِلاَّ بِاللِّعَانِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَلاَ يُعْتَبَرُ تَصَادُقُهُمَا عَلَى النَّفْيِ ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ يُثْبِتُ حَقًّا لِلْوَلَدِ ، وَفِي تَصَادُقِهِمَا عَلَى النَّفْيِ إِبْطَال حَقِّ الْوَلَدِ ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ . (3)
00000000
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 446 ، والكافي لابن عبد البر 2 / 616 ، ونهاية المحتاج 7 / 116 ، والمغني 7 / 424 ، وشرح منتهى الإرادات 3 / 211 .
(2) بدائع الصنائع 6 / 49 .
(3) بدائع الصنائع 3 / 246 .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ : لَوْ تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى نَفْيِ النَّسَبِ قَبْل الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدُ فَلاَ بُدَّ مِنْ لِعَانٍ مِنَ الزَّوْجِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ ، فَإِنْ لَمْ يُلاَعِنْ لَحِقَ بِهِ وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ ؛ لأَِنَّهُ(26/23)
قَذَفَ غَيْرَ عَفِيفَةٍ ، وَتُحَدُّ هِيَ عَلَى كُل حَالٍ ، إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ بِالْوَلَدِ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَنْتَفِيَ حِينَئِذٍ بِغَيْرِ لِعَانٍ .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَنْتَفِي مِنْهُ . وَنَقَل صَاحِبُ التَّاجِ وَالإِْكْلِيل عَنِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إِذَا تَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى نَفْيِ الْحَمْل نُفِيَ بِغَيْرِ لِعَانٍ وَحُدَّتِ الزَّوْجَةُ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ ، وَقَال أَكْثَرُ الرُّوَاةِ : لاَ يُنْفَى إِلاَّ بِلِعَانٍ ، وَقَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا . (1)
00000000
(1) الشرح الكبير 2 / 460 ، والشرح الصغير 2 / 660 ، والتاج والإكليل 4 / 133 .
نسخ
التَّعْرِيفُ : 1 - النَّسْخُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : النَّقْل : كَنَقْل كِتَابٍ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ ، تَقُول : نَسَخْتُ الْكِتَابَ إِذَا نَقَلْتُهُ ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1) . ، أَيْ نَأْمُرُ بِنَسْخِهِ وَإِثْبَاتِهِ . وَالثَّانِي : الإِْبْطَال وَالإِْزَالَةُ ، يُقَال : نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّل ، وَالرِّيحُ الأَْثَرَ أَزَالَتْهُ (2) وَفِي الاِصْطِلاَحِ : النَّسْخُ هُوَ وُرُودُ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَرَاخِيًا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُقْتَضِيًا خِلاَفَ حُكْمِهِ ، فَهُوَ تَبْدِيلٌ بِالنَّظَرِ إِلَى عِلْمِنَا ، وَبَيَانٌ لِمُدَّةِ الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى . (3)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - التَّخْصِيصُ : 2 - التَّخْصِيصُ فِي اللُّغَةِ : الإِْفْرَادُ ، وَقِيل : هُوَ
00000000
(1) سورة الجاثية / 29
(2) المصباح المنير ، والقاموس المحيط ، وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 62 - 64 .
(3) التعريفات للجرجاني ، وقواعد الفقه للبركتي . الموسوعة الفقهية
ــــــــــــــ(26/24)
إذا زنت المتزوجة فلمن ينسب الولد وما حكم الزاني والزوج
تاريخ 19 محرم 1428 / 07-02-2007
السؤال
شخص متزوج ارتكب جريمة الزنا مع امرأة أجنبية متزوجه فحملت منه والمرأة ذهبت إلى بلادها والرجل ندم على فعلته، ولكن الرجل يفكر في مصير الجنين عندما يخرج للحياة بإذن الله ويريد أن يبرأ ذمته، ولكن إذا طالب الرجل بالمولود ينفضح أمره وكذلك تظهر له مشاكل أسرية وتشتيتها وأيضا مشاكل في العمل وذلك بإنهاء خدماته وكذلك طلاق المرأة الأجنبية من زوجها وتشتيت عائلتها، وإذا ترك الأمر وكانت المولودة بنتا فيكون زوج المرأة غير محرم عليها عندما تكبر، علما بأن زوج المرأة لا يعلم بالحمل ويظن أن الحمل منه، وكذلك إذا أرسل الرجل مبلغا شهريا للمولود، فهل يبرأ ذمته أمام الله عز وجل، فأرجو الرد على السؤال وكيف يكون الحل من الناحية الشرعية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع الإسلامي يغلب جانب الاحتياط في باب لحوق النسب، ولذا فإنه يلحق الولد بصاحب الفراش وهو الزوج ما دام يمكن أن يكون منه، ما لم ينفه هو عنه بلعان، لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه الجماعة إلا أبا داود.
وأما الزاني فلا علاقة له بالولد سواء ألحقه الزوج صاحب الفراش بنسبه أو نفاه عنه للحديث السابق، وعليه أن يستر نفسه ويتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه توبة نصوحاً، ويعلم أن هذه الفاحشة من أمهات الكبائر وبوائق الذنوب فلا يستهان بها ولا تكون الخشية فيها لمجرد الحياء من الناس والفضيحة بينهم بل للخوف من غضب الله ومقته وعقوبته، فقد حذر من الزنى وما يدعو إليه، فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32}، وانظر الفتوى رقم: 1602.
وأما الولد فليس عليه أن يرسل له مبلغاً من المال أو غيره إذ لا علاقة له به، ولا حق له عليه، ولكن إذا أراد أن يفعل ذلك من باب الإحسان والصدقة فله بذلك أجر عظيم، وينبغي أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً ويستر نفسه، ولمعرفة شروط التوبة الصادقة وكيفيتها انظر الفتوى رقم: 296، والفتوى رقم: 1106.
وأما بالنسبة للزوج صاحب الفراش إذا تحقق من زنا زوجته وأن حملها من زنى، فإنه تجب عليه المبادرة بنفيه باللعان المعروف، والمذكور في سورة النور، لما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء. إلى آخره، والحديث وإن كان نصا في المرأة إلا أن الرجل في هذا مثلها لا فرق بينهما، فإنه إذا تحقق من فجور هذه المرأة وأنها ألحقت بنسبه ما ليس منه، ولم ينفه عنه فقد ألحق هو بنسبه ما ليس منه، فاستحق بذلك الوعيد الوارد في الحديث، مع ما يترتب على عدم نفيه من مزاحمته لأولاده الحقيقيين في حقوقهم، وإذا نفاه عنه ولاعن زوجته فإن الولد لا ينسب إليه(26/25)
بعد ذلك، ولا خلاف في ذلك. وللفائدة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7105، 13390، 37777.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل يلحق الأولاد بمن جمع بين امرأة وعمتها
تاريخ 27 ذو القعدة 1427 / 18-12-2006
السؤال
أنا فتاة متزوجه منذ حوالي 5 سنوات والرجل الذي تزوجني يكون زوج عمتي وهي لا زالت في ذمته إلى يومنا هذا وأنجبت منه 3 أطفال فما الحكم في ذلك؟ فأنا لا أستطيع أن أتركه لأنه أصبح لي أطفال منه وهو أيضآ لا يستطيع أن يتركني لأنني لا زلت صغيرة وعمتي عجوز وأيضآ لا يستطيع ترك عمتي فقد دامت العشرة بينهما طويلا ما يقارب 40 سنة، فما الحل وجزاكم الله خيرا علما بأننا أخبرنا من قبل بعض الأهل بأن زواجنا باطل لأنه لا يجوز له الجمع بيني وبين عمتي ! ولكننا تجاهلناهم واستمررنا بالحياة معا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا النكاح محرم بالإجماع وهو زنا، فإن كانت هناك شبهة تسقط الحد , بأن كان لا يعلم بالحرمة فتجب العدة ويثبت النسب; لأن الأصل عند الفقهاء: أن كل نكاح يدرأ فيه الحد فالولد لاحق بالواطئ . أما إذا لم تكن هناك شبهة تسقط الحد, بأن كان عالما بالحرمة, فلا يلحق به الولد عند الجمهور, قال في مغني المحتاج من الشافعية: (و) يحد أيضا في وطء ( محرم ) بنسب أو رضاع أو مصاهرة ( وإن كان تزوجها ) لأنه وطء صادف محلا ليس فيه شبهة وهو مقطوع بتحريمه . اهـ
فيتعلق به الحد . تنبيه : أشار بقوله وإن كان تزوجها إلى خلاف أبي حنيفة فإنه قال : لا حد عليه ; لأن صورة العقد شبهة . وقال أحمد وإسحاق : يقتل ويؤخذ ماله لحديث فيه صححه يحيى بن معين . انتهى
ويرى أبو حنيفة أنه لا حد عليه ويثبت النسب لأن العقد شبهة كما سبق.
وعند المالكية يثبت النسب ويدرأ الحد في نكاح المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، قال ابن العربي : وليس ما حرمته السنة كما حرمه القرآن . وبهذا قال ابن القاسم : من جمع بين المرأة وعمتها عالما بالنهي درئ عنه الحد لأن تحريمه بالسنة بخلاف من جمع بين المرأة وأختها فإنه يحد لأن تحريمه بالقرآن . انتهى
فالحاصل أن الواجب عليكما أن تفترقا فوراً، وتتوبا إلى الله من ما سلف ، وينبغي اللجوء إلى المحكمة الشرعية للفصل في القضية من حيث لحوق النسب ونحوه.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم تغيير اسم العائلة(26/26)
تاريخ 13 ذو القعدة 1427 / 04-12-2006
السؤال
السؤال: كان والدي وابني أخيه رحمهم الله، قد اتفقوا على أن يتخذوا جميعا اسما عائليا واحدا: لكن غالب الظن أنهم لم يكتبوه في ورقة، كون بعضهم أميا، ما أدى إلى كتابته بصيغ مختلفة، فكان هذا الاسم العائلي موزعا بينهم
كالتالي:1) ميسرM'YESSER ، ميسر MAYSSIR، مويسر MOUYASSIR، بعد ذلك وحدا الآخران الاسم وأصبح لهما اسما موحدا، وهو ميسرM'YESSER ، وبقيت أنا وإخواني نحمل الاسم العائلي مويسر MOUYASSIR، فهممت بحملة بين إخواني وأخواتي لإقناعهم بتوحيد الاسم مع أبناء عمومتنا، فوافقوا، إلا أخي الصغير وعمره ستة وثلاثون سنة، والوالدة الكريمة، وحجتهما كون الاسم العائلي مويسر MOUYASSIR، في نظرهما مقدس لأن الوالد رحمه الله، كان يتقن اللغة العربية وكان حاملا لكتاب الله، وهو لم يخطئ في كتابته لهذا الاسم، علما أن أحد أبناء أخيه سبقه في اختيار هذا الاسم وكتبه ميسر M'YESSER ، وأنا واثق من كون الوالد رحمه الله كان يرغب حقا في اتخاذ اسم موحد بينه وبين ابني أخيه. وقد أخبرت معارضي في تغيير الاسم بأنني قد أقوم بتغييره بل في توحيده من جانبي مع ابني أخي والدي، فما العمل؟ وما الفتوى؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن تغيير الأسماء جائز طلبا لاسم حسن أو أحسن، وذلك لما رواه
مسلم عن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم بدل اسم عاصية وقال: أنت جميلة. بل قد يكون تغيير الاسم واجبا، وذلك في حق من تسمى باسم ينافي عقيدة الإسلام كعبد المسيح أو عبد الرسول ونحوه. روى ابن أبي شيبة من حديث هانئ بن يزيد قال: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قوم، فسمعهم يسمون عبد الحجر، فقال له: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت عبد الله.
ولكن ينبغي أن يعلم أن تغيير الاسم إذا أدى إلى أن ينسب المرء إلى غير أبيه كان في ذلك وعيد شديد. فقد روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه.
ولفظة: أبيه في الحديث عام يشمل الأب القريب، والأب البعيد، فإن الله عز وجل قال في كتابه: (ملة أبيكم إبراهيم) فسماه أبا مع بعده، والشواهد على ذلك كثيرة.
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر. وقد روى أيضا من حديث علي رضي الله عنه وفيه: ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.(26/27)
فبان من هذه النصوص أنه لا يجوز أن يظل المرء ينتقل من اسم يختاره لعائلته إلى اسم آخر؛ لأن في الانتقال انتسابا إلى غير الأب الحقيقي. اللهم إلا أن يكون المنتقَل إليه اسم جد آخر للعائلة.
والذي ننصحكم به هو أن تلتزموا بالاسم الذي عرفت به عائلتكم، وأن لا تختلفوا عليه؛ فليس هذا موجبا للاختلاف.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
التكني بالأبناء الذكور والإناث
تاريخ 24 شوال 1427 / 16-11-2006
السؤال
سؤالى عن اسم الكناية ــ مثلا أبو محمد أو أبو محمود
إذا كان أكبر الأطفال بنتا، فهل يكون اسم الكنايه باسمها أم باسم الولد و إن كان أصغر منها؟
و إن كان باسم الولد، أليس في ذلك تفضيل للذكر على الأنثى؟
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع أن يكنى الرجل أو المرأة بأحد أبنائها من الذكور أو الإناث، سواء كان الأكبر أو الأصغر أو يكنى بغير أبنائه.
فقد اكتنى بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبنائهم وبناتهم، وممن اكتنوا ببناتهم تميم بن أوس الداري الذي كان يكنى أبا رقية، ومنهم أسعد بن زرارة الذي كان يكنى أبا أمامة، وصدي بن عجلان الباهلي وغيرهم. واكتنى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بغير ابنه، وكذلك عائشة رضي الله عنها. وعلى هذا فالأمر واسع.
وانظر لأدلة ما ذكرنا الفتوى رقم: 65192.
والتكني بأحد الأبناء لا يعني تفضيله على غيره سواء كان الأكبر أو الأصغر، وإن كان العرف قد جرى عند بعض الناس أن يكنى بالأكبر، فهذا ليس من التفضيل المنهي عنه شرعا.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
العلاقة بالولد من الزنا
تاريخ 28 رجب 1427 / 23-08-2006
السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(26/28)
أنا شاب عربي لدي الإقامة الدائمة في إحدى الدول الأوربية ولكن ليس لدي الجواز أو الجنسية لتلك الدولة.استدرجني الشيطان ووقعت في الفاحشة أسأل الله المغفرة وأن يتقبل توبتي. أنجبت المرأة التي واقعتها ولدا. وحسب قوانين البلد الذي أقيم فيه أجبرت على إدراج اسمي في شهادة ميلاد الطفل كأب له خصوصا بعد تأكدهم أنه من صلبي عن طريق البصمة الوراثية DNA. في داخلي وقرارة نفسي لا أعتبره ولدي.
وقد تم تسجيل اسمه الثلاثي بنسب أمه وليس بنسبي.
أولا: هل علي أثم كوني قبلت بإدراج اسمي كأب له في شهادة ميلاده علما أنه أمر غير اختياري حسب قوانين البلد؟
ثانيا: قالوا لي سيمنح لي جواز البلد إن أنا أنفقت عليه لمدة أربعة شهور. فهل حصولي على الجواز بهذه الطريقة جائز مع العلم أنه لم يكن في نيتي بتاتا الحصول عليه عندما ظلمت نفسي بهذا الإثم العظيم؟
ثالثا: ما الواجبات المترتبة علي تجاه هذا الولد؟
أفيدوني أثابكم الله علما بأني تبت إلى ربي عساه بفضله ورحمته يقبل توبتي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يغفر ذنبك وأن يتجاوز عن خطيئتك ، وأما هذا الولد ينسب إلى أمه وليس إليك ، ولكن إذا أضيف إليك في بعض الأوراق رغما عنك فلا إثم عليك في ذلك، ولكن عليك أن تكتب وثائق شخصية وتشهد عليها أن هذا الولد ليس ولدا لك حتى لا تحفظ له حقوق البنوة الشرعية ، ولا مانع من أن تنفق عليه عمره كله وأن تكفله، وعليه فأخذك للجواز مقابل ذلك لا مانع منه من حيث الأصل ما لم يترتب على أخذك له محظور كتلفظك بالكفر أو تعهدك بأمور باطلة أو نحو ذلك .
وأما علاقتك بولدك من الزنا فهي كعلاقتك مع أي فرد وليس لك به علاقة خاصة، ولا يجب عليك تجاهه ما يجب على الأب تجاه ولده من وجوب النفقة والمسكن ونحو ذلك، وإن قمت بذلك متطوعا فقد قمت بخير كبير، نرجو الله أن يكون سببا في قبول توبتك ورفع درجتك .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل تثبت البنوة باتحاد فصيلة دم الابن والأب
تاريخ 26 ربيع الثاني 1427 / 25-05-2006
السؤال
هل فصيلة دم الابن يجب أن تكون نفس فصيلة دم الأب، وهل يمكن عن طريق فصيلة الدم يمكن إثبات الأبوة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(26/29)
فقد جعل الإسلام طريق إثبات البنوة النكاح وهو أن تكون الزوجة فراشاً للزوج، وعليه فأي امرأة أنجبت وهي متزوجة فإن هذا الولد ينسب إلى زوجها, ولو اختلفت فصيلة دم الولد عن فصيلة دم الأب، ولو زنا رجل بامرأة ذات زوج فإن هذا الولد لا ينسب إلى الزاني، ولو كانت فصيلة دمهما واحدة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. متفق عليه، وانظر الفتوى رقم: 65845.
وثبوت نسب الولد لمن هو متزوج بأمه حق للولد، وهذا الحق الذي للولد لا يسقط إلا بأن يلاعن أبوه أمه مستنداً في ذلك إلى سبب يعلمه هو، كما سبق توضيح ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 72548، 1147، 40956، 59172.
وأما هل يكون اختلاف فصيلتي الدم بين الولد والوالد قرينة على أنه ليس منه عند شكه في ذلك، وبالتالي فيحل له حينئذ أن يلاعن بناء على هذه القرينة، فإن جواب ذلك عند أهل الاختصاص وهم الأطباء.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إثبات النسب عن طريق فحص الحامض النووي
تاريخ 24 ربيع الثاني 1427 / 23-05-2006
السؤال
أرجو التكرم بالإجابة على سؤالي: هل فصيلة الدم تثبت البنوة، فاذا كانت الإجابة بالنفي فهل توجد وسيلة للتأكد من ثبوت النسب.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعلك تقصد إثبات النسب أو نفيه بما يسمى علميا بفحص الحامض النووي ويرمز إليه بـ (
dna) فإن كان هذا هو المقصود فراجع الفتوى رقم:64322 ، والفتوى رقم: 65845.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الولد ينسب للزوجين ولا عبرة بالتحاليل
تاريخ 09 ربيع الثاني 1427 / 08-05-2006
السؤال
باختصار ولا أريد أن أطيل على حضراتكم لقد عرفت بأمر جلل ومطلوب الفتوى فيه من حضراتكم سريعا
هناك رجل متزوج من بنت خالته وقد تم عمل تحاليل له ولزوجته وأثبتت التحاليل أنه لا ينجب ولن ينجب ولكن ما حدث أن امرأته حامل في الشهر الرابع حاليا وبالضغط على المرأة تبين أنها حامل من أخي هذا الرجل الأصغر منه سنا وإنه عاشرها أكثر من 7 مرات وقد تم مواجهة هذا الشاب واعترف وهو في 22 عاما(26/30)
وأخوه 25 عاما وهى الآن عند أبيها ولا أحد يعلم أن زوجها لا ينجب إلا نحن وعم الولد ولكننا لا نعرف ما هو الحكم في الإسلام في هذه الحالة وأيضا كيف يتم الخروج من هذه الكارثة.
شكرا لحضراتكم وأسأل الله أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه أنتظر الرد سريعا جدا حتى يمكننا مواجهة هذه الكارثة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولا أن ننبهك إلى أن واجب من ابتلي باقتراف شيء من المحرمات أن يستر نفسه ولا يبوح بذلك لأحد. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. رواه الحاكم والبيهقي وصححه السيوطي وحسنه العراقي.
وعليه، فقد أخطأت تلك المرأة وذلك الرجل بما أقرا به من فعل الفاحشة.
وأما عن الولد الذي تحمله تلك المرأة، فإنه ينسب لزوجها ما لم ينفه بلعان، ولا ينسب للزاني.
فقد حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن استولد عتبة بن أبي وقاص جارية لزمعة، وعهد بذلك إلى أخيه سعد، وكان الولد شبيها بعتبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم به لزمعة الذي هو صاحب الفراش، وأمر سودة بنت زمعة أن تحتجب منه. أخرج الشيخان والنسائي وأبو داود وابن ماجه والدارمي وأحمد ومالك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبيه من وليدته. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بيناً بعتبة. فقال: هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر, واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة، فلم تره سودة قط.
ولا يمكن الاعتماد على التحاليل في مثل هذا الموضوع، لأن نتائج التحليل قد تكون خاطئة، ولأن الشارع الحكيم متشوف إلى لحوق النسب وإلى الستر على الأعراض.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
شاب ادعى أن فلانا هو أبوه
تاريخ 28 صفر 1427 / 29-03-2006
السؤال
سؤال عن رجل بعد سنوات عاشها في شبابه في اللهو تاب إلى الله وندم على ما فات تزوج وأنجب أولادا رباهم على هدي الكتاب و السنة وهو مجتهد في مجال الدعوة.(26/31)
قبل أيام بعد ظهوره على أحد شاشات التلفاز جاء شاب ليخبره أنه ابنه من إحدى العلاقات في سنوات التيه,كانت صاعقة له فهو الآن رجل دين.استقبلت الأسرة هذا الشاب باعتباره لا ذنب له.
هذا الرجل صارت حياته مريرة فهو يتساءل عن مصيره مع الله عز وجل وما يمكنه فعله لتكفير عن ذنبه.
مع العلم أن هذا الشاب لا يدين بدين ونحن نزعم إن شاء الله الاجتهاد معه ليصبح مسلما إن شاء الله.
أرجو الجواب الشافي بسرعة. وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام الرجل قد تاب وعمل صالحا فإن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه، لقوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:68-70}. بل قد يبدل سيئاته حسنات بمنه وكرمه.. هذا إن كان الأخ قد صدق في توبته, وهو المتبادر لما ذكرت عنه, وينبغي أن يعلم أنه غدا بعد توبته حبيبا لله تعالى، ومن المقربين إليه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة:222}.
فليصدق في توبته، وليخلص في نيته, وليحذر من كيد الشيطان ووسوسته وتقنيطه وليفرح بنعمة الله عليه، فإنه سبحانه يقول: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {يونس:58}. والتوبة من أعظم النعم على العبد .وانظر الفتوى رقم: 1882.
وأما الشاب الذي ادعى أبوته فدعواه باطلة, وليست بينه وبينه علاقة, ولا يجوز له أن يتبناه, ولكن إن أراد الإحسان إليه وتربيته وتعليمه ودعوته فلا حرج في ذلك. وقد فصلنا القول في ابن الزنى وحكمه وإلى من ينسب في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9093، 12263، 28544.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
تلقيح المرأة بمني غير زوجها
تاريخ 21 صفر 1427 / 22-03-2006
السؤال
هناك امرأة تسأل إن كان حراما أو جائزا المسألة التالية: زوجها ينجب البنات فقط وقيل له يجب أن تلقح من عند رجل ينجب الأولاد وهي مترددة، أرجوكم أجيبوني بسرعة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(26/32)
فيحرم على الرجل أن يلقح زوجته بمني غيره لما فيه من خلط الأنساب وهو في معنى الزنا، فإذا حدث حمل بهذه الطريقة المذكورة فإن الولد لا يعد ابنا ً شرعياً ولا يجوز تبنيه، وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 60234، والفتوى رقم: 4380.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ولد الزنا لا ينسب إلى الزاني
تاريخ 09 محرم 1427 / 08-02-2006
السؤال
أنا متزوج من أجنبية مسلمة الحمدلله وأبو زوجتي ليس بمسلم(كافر) ولديه مولودة جديدة بالحرام ، وأعلم أنها بحكم الشريعة ليست أختا لزوجتي ولكن سؤالي لا بد في المستقبل ان تحتك هذه الطفلة بزوجتي أوطفلي الصغير مثلا، سؤالي هو: كيف يكون تعاملنا مع هذه الطفلة مستقبلا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمولود من الزنى لا ينسب إلى الزاني ، وليس بينه وبين أبيه من الزنا نسب ولا توارث ، وإنما ينسب إلى أمه ويرث منها وترث منه ، وبالتالي فهذه البنت المولودة من الزنا ليس بينها وبين زوجتك قرابة ، وليس بينها وبين ابنك محرمية ، فتعامل عند بلوغها كما تعامل أي امرأة أجنبية .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم الطفل الذي يولد من أم مسلمة وزوج نصراني
تاريخ 06 محرم 1427 / 05-02-2006
السؤال
حكم المرأة المسلمة إذا تزوجت بنضراني وأنجبت منه طفلا فهل يجوز أن يؤذن في أذنه عند ولادته وكيف يعتبر هذا الطفل من وجهة نظر الشرع ؟
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطفل الذي يولد من أم مسلمة وزوج نصراني يختلف حكمه بحسب اعتقاد الزوج في صحة النكاح أو عدمه ، فإن كان يعتقد صحته يلحق الولد به ، وأما إذا لم يعتقد صحة النكاح فهو ولد زنا. قال شيخ الإسلام: فإن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ... إلى أن يقول : وإن كان ذلك النكاح باطلاً في نفس الأمر باتفاق المسلمين ، سواء كان الناكح كافراً أو مسلماً . انتهى
وولد الزنا ينسب إلى أمه ، وعلى كل حال فهذا الولد على دين أمه لأنها مسلمة، فيؤذن في أذنه، وتجري عليه كل أحكام المولود في الإسلام .(26/33)
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تبني رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة
تاريخ 01 محرم 1427 / 31-01-2006
السؤال
إذا كان التبني حراما في الإسلام, كيف تبنى الرسول عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة وقال عليه الصلاة والسلام " يرثني و أرثه"؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني محرم في الإسلام وسبق بيانه في الفتوى رقم: 58889
وأما كيف تبنى الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، فإن ذلك كان قبل نزول آيات تحريم التبني، فإن التبني كان معمولا به في أول الإسلام ثم نسخ وحرم، قال القرطبي رحمه الله في التفسير: قوله تعالى:
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ. أجمع أهل التفسير على أن هذه نزلت في زيد بن حارثة، وروى الأئمة أن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ {الأحزاب: 5}
وقال أيضا: قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ. نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه وفي قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، دليل على أن التبني كان معمولاً به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر، إلى أن نسخ الله ذلك بقوله: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ. أي أعدل. فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسباً، .... وقال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن، فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه، فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي ، يعني في الدين ، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات: 10}. انتهى
وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره من الشام سَبَتْه خيل من تهامة، فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد، فوهبه لعمته خديجة، فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه فأقام عنده مدة، ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه، قال في روح المعاني : "وكان من أمره رضي الله تعالى عنه على ما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال:.. ركب معه أبوه وعمه وأخوه حتى قدموا مكة فلقوا رسول الله فقال له حارثة: يا محمد أنتم أهل حرم الله تعالى وجيرانه وعند بيته تفكون العاني وتطعمون الأسير ابني عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنك ابن سيد قومه وإنا سنرفع إليك في الفداء ما أحببت فقال له رسول الله: أعطيكم خيرا من ذلك قالوا: وما هو؟ قال: أخيّره، فإن اختاركم فخذوه بغير فداء، وإن إختارني فكفوا عنه فقال: جزاك الله تعالى خيرا فقد أحسنت فدعاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا زيد أتعرف هؤلاء قال: نعم هذا أبي وعمي وأخي فقال عليه(26/34)
الصلاة والسلام: فهم من قد عرفتهم، فإن اخترتهم فاذهب معهم، وإن اخترتني فأنا من تعلم قال له زيد: ما أنا بمختار عليك أحدا أبدا أنت معي بمكان الوالد والعم قال أبوه وعمه: أيا زيد أتختار العبودية قال: ما أنا بمفارق هذا الرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حرصه عليه قال: اشهدوا أنه حر وإنه ابني يرثني وأرثه، فطابت نفس أبيه وعمه لما رأوا من كرامته عليه عليه الصلاة والسلام، فلم يزل في الجاهلية يدعى زيد بن محمد حتى نزل القرآن: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ. فدعي زيد بن حارثة. انتهى.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نسب الولد المولود من زوجة مشركة
تاريخ 21 رمضان 1426 / 24-10-2005
السؤال
لي صديق تزوج بمشركة والعقد لم يكن شرعيا ولكنه يقول بأن النية خالصة للزواج، و قد حملت الزوجة قبل الإسلام ولكن قبل الوضع أسلمت بقناعتها وعقد النكاح على سنة الله ورسوله, والآن رزق بولد مع العلم أن هذا الولد من المؤكد أنه من صلبه, فماذا يفعل لهذا الولد إن كنتم تقولون بأن هذا الولد ابن زنى ولا ينسب لأبيه فهل يرميه، وهذا طبعا لا يرضي الله, رجاء نحن في أشد الحاجة لإجابة واضحة على هذه المسألة بالذات وليس ما شابهها من مواضيع لأنه قد سبق السؤال ولكن الإجابة لم تكن واضحة، ووقع عندنا لبس وسوء فهم للمسألة, ولأن الدين الإسلامي دين رحمة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تخلو هذه المشركة من أحد احتمالين:
الأول: أن تكون كتابية يهودية أو نصرانية.
الثانية: أن لا تكون كذلك بأن كانت مجوسية أو بوذية أو لا دينية.
فإن كانت غير كتابية أو كانت كتابية ولم يعقد عليها، أوعقد عليها عقد لا يصح عند أحد من أهل العلم ولم يعتقد الزوج صحته.
فإن الولد في هذه الصور كلها يكون ولد زنى لا يلحق به ولا توارث بينهما ولو استلحقه هو، وهذا على قول جمهور أهل العلم، وهناك قول لبعض أهل العلم تراجع فيه الفتوى رقم: 22196.
أما إن كانت كتابية وعقد عليها عقداً كان يعتقد صحته ثم وطئها بهذا الاعتقاد فإن الولد يلحق به إن كان العقد باطلاً في حقيقة الأمر، هذا عن حكم نسب الولد المذكور، ولا يلزم من عدم لحوق هذا الولد أن يرمى أو يهان أو يعامل معاملة لا يعامل بها غيره من ذوي الآباء، بل إنه هو خلق من خلق الله تعالى له من الحق والرحمة على عامة الناس مثل ما لغيره، ولا سيما أنه الآن يعتبر مسلماً بما أن أمه(26/35)
أسلمت فيعامل معاملة أي مسلم تجب نفقته ورعايته والقيام بما يلزم له على جميع المسلمين إن عجزت عنه أمه أو أهملته.
أما بالنسبة للعقد الثاني بعد إسلام هذه المرأة فهو صحيح إن كان بعد وضعها لحملها باتفاق، إن توفرت فيه شروط صحة النكاح المذكورة في الفتوى رقم: 1393.
وإن كان قبل وضع الحمل فهو صحيح أيضاً كما في الفتوى رقم: 50775، والفتوى رقم: 11427، علما بأن المسلمة لا يصح أن يتولى عقد نكاحها قريبها الكافر بل لا يزوجها إلا وليها المسلم أو الحاكم أو جماعة المسلمين.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
التسمي باسم عبد الدايم
تاريخ 16 رمضان 1426 / 19-10-2005
السؤال
السادة العلماء الأفاضل كل عام وأنتم بألف خير، بمناسبة حلول شهر رمضان أعاده الله عليكم بالخير والبركات ، وجزاكم الله خير الجزاء على هذا المجهود المبارك بإذن الله تعالي :
قرأت اليوم في هذا الموقع الطيب عن عدم جواز التسمية بعبدالناصر وعبدالمقصود ...إلخ . من الأسماء التي نظن نحن عامة الناس أنها تحمل صفة من صفات الله عز وجل ، وأريد أن أسأل سيادتكم عن حكم التسمية بـ عبدالدايم حيث إنني لم أجد هذا الاسم ضمن الأسماء التي قرأتها وحيث إنه اسمي فكلي أمل في أنكم توضحون لي الأمر ، علمًا بأن أهلي وغالبية أصحابي ينادونني بـ علي . وهل اسم علي أفضل من عبدالدايم ............. جزيتم خيرًا وبارك الله فيكم وفي أعمالكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدائم ليس من أسماء الله تعالى ولا من صفاته التي جاء ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة . ولذلك لا ينبغي التسمية بعبد الدائم لأن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية لا تؤخذ إلا من نصوص الوحي .
وما دام اسم الشهرة عندك هو علي وأصحابك ينادونك به فعليك أن تجعله هو اسمك الرسمي وتترك عنك الاسم الآخر .
وللمزيد نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها : 51273 ،20330 ،21851 .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تسجيل الولد في السجلات الرسمية بغير اسم أبيه
تاريخ 08 رمضان 1426 / 11-10-2005
السؤال(26/36)
لدي مشكلة تؤرقني جداً وأرجو منكم إرشادي ماذا أفعل ، والموضوع هو أن لي صديقاً من الصغر وله أخت تصغره بسنوات تزوجت من شاب سعودي عرفياً علي يد أخيها المحامي وبعد فترة انفصل عنها ونتج عن هذا الزواج طفل ولكن الزوج اختفي بعد أن عادت الى مصر ولم تستطع العثور عليه لاستخراج شهادة ميلاد للولد ولم تنفع المحاولات القضائية في الاعتراف بهذا الطفل فهو لا يريد الاعتراف به ولا يسأل عنه وأصبح الولد في سن المدرسة وتزوجت أخته من الطبيب الذي تعمل لديه وهو إنسان متدين وعلي خلق وتعاطف مع قضيتها وقرر أن يرعاها وابنها وقد طلب مني صديقي أن أوقع على ورقة تفيد بأن الولد هو ابن الطبيب وأقسم لي أن هذا الإجراء فقط لعمل شهادة ميلاد للولد لتقديمها للمدرسة ليس إلا وقد وقعت علي هذه الورقة وأنا مرتاح الضمير لأن الهدف إنساني ولعلمي أن الطبيب رجل فاضل ولن يفعل ما يغضب الله ولكن الآن أفكر في هذا الأمر كثيرا وأخاف أن يعاقبني الله وأقسم بالله أني فعلت هذا من أجل حل مشكلة هذا الطفل فما رأي حضراتكم في هذه القضية وهل أخطات التصرف عندما وقعت على هذه الورقة وإن أخطأت من وجهة نظر الشرع فما العمل لكي أكفر عن خطئي هذا ؟
أنا أريد أن أموت وضميري مستريح أرجو الرد سريعا لأن هذا الأمر سبب لي كثيرا من التعب النفسي ؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الولد يُنسب إلى الشاب الذي تزوج بهذه الفتاة سواء كان عقد نكاحها صحيحاً أم فاسدا ؟ لأن النسب يلحقه بالزوج في النكاح الفاسد ما داما يعتقدان حل النكاح وقت الحمل بالولد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش . رواه الجماعة إلا أبا داود . وقد بينا ذلك في الفتوى رقم :51691 .
ويحرم على الشاب المذكور في هذه الحالة أن يُنكر نسب هذا الولد له لورود النهي الشديد عن ذلك، وقد بيناه في الفتوى رقم : 58272 .
فإذا احتاج هذا الطفل إلى أن يُقيد في السجلات الرسمية باسم غير أبيه من أجل تسيير وتيسير معاملاته في المدارس والمستشفيات وغيرها فلا نرى مانعاً من ذلك بشرط ألا يكون هذا التسجيل مؤدياً إلى التبني المحرم ، وقد بينا هذا بشروطه في الفتويين :32352 ،45060 .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
علاقة ابن الزنا بأمه ومن زنى بها
تاريخ 25 شعبان 1426 / 29-09-2005
السؤال
أنا منذ سنين علمت أنني ابن زنا وأن والدي اللذين أعيش معهما ليسا بوالدي الحقيقيين وأن والدي الذي أحمل نسبه كان يعاملني بقسوة وأنه ترك المنزل منذ سبع(26/37)
سنوات وأنني قطعت العلاقة معه منذ أربع سنوات بسبب تصرفه معي، هل يعتبر ما فعلته عقوقا أم لا، علما بأنني تعرفت على أمي الحقيقية وهي ابنة خالتي الحالية وسمعت عن أبي الحقيقي بأنه يعيش في مدينة أخرى، إذاً بماذا تفتوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان والدك الذي سميته (أبي الحقيقي) جاء بك من زنا فليس أبا لك ولا يستحق عليك شيئاً من الحقوق التي يستحقها الأب الشرعي من الطاعة والنفقة عند فقره وغير ذلك من حقوق الآباء، ولا ترث منه ولا يرث منك، ولا تنسب إليه، ولا علاقة لك به.
وأما أمك الحقيقية التي أنجبتك من زنا فهي أمك ولها عليك حق الطاعة والإحسان وإن أساءت إليك بترك رعايتك، وأما من قاموا برعايتك والإنفاق عليك وتربيتك فإن لهم عليك حقاً كبيراً، فقابل الإحسان بالإحسان، علماً بأن المرأة التي عشت عندها إن كانت خالتك حقيقة أو أرضعتك فهي خالتك أو أمك من الرضاع وزوجها الذي رعاك إن كان هو صاحب اللبن أي ثار اللبن من وطئه فهو أبوك من الرضاع، فإن لم تكن خالتك أو لم ترضعك فلا يجوز لك بعد البلوغ الخلوة بها ولا النظر إليها لأنها أجنبية عنك.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا ينفى الولد بعد الزواج إلا باللعان
تاريخ 03 شعبان 1426 / 07-09-2005
السؤال
في حالة أن امرأة تزوجت من شخص واكتشفت بعد زواجها أنها حامل من شخص آخر كانت قد ارتكبت معه الخطيئة قبل زواجها بعشرين يوما وعلم زوجها بالأمر ويريد أن يطلق هذه المرأة وأراد الشخص المخطئ أن يتوب عن خطيئته ويتزوج المرأة ويعترف بالطفل فهل يجوز ذلك علما أن الحمل مضى عليه الآن خمسة أشهر, أسعفونا بالإجابة يرحمكم الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن الولد للفراش، أي للزوج، فالحمل الذي يكتشف بعد الزواج فهو للزوج، ولا ينفى هذا الولد عن الزوج إلا باللعان المعروف، وإن أقرت الزوجة بالزنا، ما لم تضع الحمل قبل أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر، فيحكم عليه حينئذ بأنه ابن زنا، أما عن زواج الزاني بمن زنى بها فلا يجوز حتى يتوبا إلى الله سبحانه من الزنا، وإذا كانت حاملا من الزنى حتى تضع حملها على الراجح من قولي العلماء.
وأما نسبة الولد إلى (أبيه من الزنى) فلا يجوز على قول جمهور أهل العلم وتقدم بيانه في الفتوى رقم 6045 والله أعلم.(26/38)
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الطفل لصاحب الفراش وللزاني الحجر
تاريخ 01 شعبان 1426 / 05-09-2005
السؤال
لقد عاشرت امرأة متزوجة قبل فترة، وقد تبت إلى الله تعالى والحمد لله وابتعدت عنها، ولكن وقبل فترة قصيرة اتصلت معي وقالت لي إنها حامل بطفل مني، فأرجو أن تخبروني بما أفعل بهذا الطفل هل أجعلها تسقطه، فإن لم أستطع إسقاطه منها، فماذا أفعل بهذا الطفل هل أتركه يعيش مع زوجها دون علمه؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من أغلظ وأقبح الذنوب ويزداد قبحا وغلظة مع المتزوجة وتقدم في الفتوى رقم 30425
ما ينبغي فعله لمن وقع فيه.
وأما قول السائل ماذا أفعل بهذا الطفل ، فالجواب : أن هذا الطفل شرعا للزوج صاحب الفراش، وليس للزاني إلا الحجر كما ورد بذلك الحديث: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. متفق عليه ، فليس للزاني حق فيه، ولا ينتفي نسبه عن الزوج إلا باللعان الشرعي ، وتقدم بيانه في الفتوى رقم 64624
فما يلزم السائل هو التوبة إلى الله، وقطع العلاقة مع هذه المرأة، وعلى المرأة أن تعلم أنها قد أدخلت على زوجها من ليس منه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الجنة. رواه أبو داود، فعليها التوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم . ولا يجوز الإجهاض، وتقدم في الفتوى رقم 2016
والله أعلم
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نسب الطفل المولود بعد أكثر من ستة أشهر من الزواج
تاريخ 24 رجب 1426 / 29-08-2005
السؤال
إخواني في الدين جزاكم الله كل الجزاء ..لقد حصلت على جواب لسؤالي وجزاكم الله خيرا ، والآن أريد أن اسأل على مصير ابني ؟هل هو ابني أم لا أو هل أتمكن من العيش معها بدون أي شيء خلافا لشريعة الله وسنة الرسول وسؤالي كان رقمه 279966 لأنني لا أملك أي بيت أو مكان لكي أسكن فيه أفتوني مرة أخرى جزاكم الله خيرا ملاحظة ابني عمره 10 أشهر؟ وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(26/39)
فإذا كانت الزوجة قد ولدت قبل مضي ستة أشهر- وهي أقل مدة الحمل- من تاريخ الزواج، فهو ابن زنا لا يثبت نسبه منك، وأما إذا كانت الولادة بعد مضي المدة المذكورة فهو ابنك، ينسب إليك ، وله عليك حقوق من النفقة ، وأجرة الرضاع، وتربيته وغير ذلك من الحقوق وتقدم طرف منها في الفتوى رقم 23307
والظاهر أن الابن المذكور قد ولد بعد أكثر من سنة من زواجكما فهو إذا ينسب إليك.
أما سؤالك عن إمكانية العيش مع المرأة ، فإذا كان سيؤدي إلى الخلوة بها والنظر إليها ، فلا يجوز لأنها أجنبية .
والله أعلم
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يترتب على معرفة النسب أمور شرعية
تاريخ 20 جمادي الثانية 1426 / 27-07-2005
السؤال
تتمثل المشكلة التي أسألكم عنها فيما يلي.
تزوجت خالتي منذ 30 سنة برجل ثم تبين أنه لا يستطيع الإنجاب فلجأوا منذ 20 عاما إلى تبني بنت مجهولة النسب ونسبوها إليهم والبنت طبعا تجهل الحقيقة وتظن أنهما والداها الحقيقيين لكن بعد زواجها العام الماضي هناك من أخبر أهل زوجها بالحقيقة وطبعا خالتي أنكرت ونسبتها إليها خوفا على مشاعر البنت وحرصا على زواجها فهل علينا التستر على الأمر وكتمانه أم إخبار الفتاة وأهل زوجها بالحقيقة؟ علما أنه لا يتوفر لدينا أي معلومة عن نسبها أو عن أهلها.
أفيدونا جزاكم الله خيرا، وكل عام و أنتم بخير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن بينا تحريم التبني والأدلة على ذلك في الفتوى رقم: 58889 فراجعها.
وأما بخصوص الفتاة وزوجها، فيجب إخبارهما بحقيقة الأمر، لأن عدم علمهما بذلك يترتب عليه الوقوع في الكثير من المخالفات الشرعية كالخلوة والمصافحة والرؤية لمن تظنه محرماً لها وهو ليس بمحرم، ويترتب على معرفة النسب أمور أخرى كحرمة زواج الأبناء من محارمهم وجوازه من غيرهم، وكالإرث والولاء وصلة الرحم وغير ذلك.
ولكن يراعى في إخبارهما الأسلوب المناسب الذي لا يجرح مشاعر المرأة، ويبين للزوج أن هذا الأمر لا ذنب لزوجته فيه، وأنها مثله لا علم لها به، وأنه ينبغي أن يكون سنداً لها في تقبل هذه الحقيقة المفاجئة لها.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(26/40)
حكم هبة المولود لعائلة ليس عندها أولاد
تاريخ 15 جمادي الأولى 1426 / 22-06-2005
السؤال
لدي صديق متزوج منذ حوالي 12 سنة ولم ينجب أولادا إلى الآن، وذلك بسبب انعدام وجود حيوانات منوية حية وهو ما زال لديه أمل ولم يتوقف عن البحث عن علاج إلى الآن خصوصاً أن أحد الأطباء المعالجين في إحدى الدول العربية (خريج أمريكا) أجرى له عملية شفط للحيوانات المنوية وأخبره بأنه وجد بعض الحيوانات الحية ولكنها ضعيفة وقد عمد الطبيب إلى إجراء عملية تلقيح مجهري على ما أعتقد ومن ثم تمت زراعة البويضة الملقحة في رحم زوجته ولكن بحسب رأي الطبيب لم يثبت الحمل طويلاً لضعف الحيوانات المنوية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها حيوانات منوية حية لأن الأطباء في كندا (حيث يقطن صديقي) لم يعثروا على أية حيوانات منوية حية لديه إلى الآن السؤال الآن الذي يحتاج أخينا إلى فتوى فيه هو الآتي:
منذ فترة وجيزة حدث أن أتاه صديق متزوج وله أطفال فعرض عليه أمراً غريباً يصعب تصديقه! ولكنه ينم عن إحساس نبيل وراق يمثل قمة في العطاء والتضحية من زوجين منجبين مستعدان لفعل أي شيء لأجل جلب السرور إلى حياة زوجين حرما من نعمة الإنجاب. وهذا الأمر هو أن الزوج الصديق وزوجته يريدان أن يحاولا الإنجاب مرة أخرى بنية وهب الطفل للزوجين اللذين ليس لديهما أطفال.
1- فهل يجوز للزوجين المنجبين أن يهبا الطفل لغيرهما فور ولادته هذا من ناحية؟
2- أم هل يجوز من الناحية الشرعية -في حال حدوث حمل - أن تجري عملية أخذ الجنين من رحم أمه الطبيعية وزرعه في رحم امرأة أخرى (علماً بأن الجنين يكون مكتملاً إذا صح التعبير!).
أفتونا مأجورين. وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 1458 حكم التقليح الصناعي والصور الجائزة منه، فنرجو مراجعتها ومنها يعلم حكم نقل الجنين من رحم أمه إلى رحم أخرى.
ولا يجوز للأبوين هبة الجنين لأنهم لا يملكونه حتى يهبوه، والنسب حق للولد والنفقة واجبة له على والده إلى غير ذلك من الحقوق التي للولد على أبيه.
وأما وضع الولد عند من حرما الإنجاب زمنا مع احتفاظ الولد بنسبه وحقوقه ورجوعه إلى أبويه فلا مانع منه مع أن الأولى أن لا يفعل ذلك، ونذكر بأن الأولاد نعمة من نعم الله تعالى قد يسلبها الله تعالى لحكمة عظيمة يعلمها سبحانه، وشعار المسلم الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نسبة الأولاد إلى غير أبيهم(26/41)
تاريخ 06 جمادي الأولى 1426 / 13-06-2005
السؤال
مطلقة وعندي ولد وبنت وتزوجت والأولاد الآن منتسبون لي لاسم عائلتي والسبب كره زوجي سماع اسم عائلة طليقي هل هذا حرام وأنا
لا أريد أن أخفي ذلك عنهم فلهم الحق في المستقبل بإعادة انتسابهم لوالدهم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن ينسب هؤلاء الأبناء إلى غير أبيهم، وذلك لقول الحق سبحانه:
ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ {الأحزاب: 5} وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام. إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا الباب.
وما ذكرته من كراهة زوجك الحالي لاسم أب هؤلاء الأولاد فليس عذرا ولا حجة تبرر عدم نسبة أبنائك إلى أبيهم.
وعليه، فلا يجوز لك ولا لغيرك أن ينسب الأولاد إلى غير أبيهم، وإذا كان زوجك يغضب لذلك أو عند سماع عائلة المطلق أهل الأبناء فلم لا تعطي الأولاد إلى من يحضنهم من والدتك إن كانت حية أو والدهم هم أو تسكتون عن ذكر اسم العائلة بعد أن ينسبوا إلى أبيهم باسمه.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الدخول في الإسلام بعد البلوغ
تاريخ 05 جمادي الأولى 1426 / 12-06-2005
السؤال
يسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام
لي سؤال حول موضوع النسب وقد حاولت جاهدا أن أجد إجابة عليه في أي فتوى سابقة ولكن للأسف لم أوفق
سؤالي هو : لي قريبة ولدت من أب مسلم وأم مسيحية وقد تم هذا الزواج بعد أن حملت هذه الأم المسيحية سفاحا من الأب , المسلم ثم تزوجا بعد ذلك وقبل ولادة الطفلة بحوالي 4شهور وبذلك كتبت هذه الطفلة باسم أبيها المسلم وبالتالي كتبت ديانتها مسلمة مع العلم أن هذه الفتاه على قدر كبير من التدين وترتدي الحجاب الشرعي وتعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية إلى حد كبير بحمد الله، وطبقا لما قرأت في فتاوى سابقة أن حمل السفاح لا ينسب إلى الأب ولا يرثه طبقا لرأي جمهور الفقهاء إلا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله فقد أجاز ذلك على حد فهمي والله أعلم
سؤالي هو إلى من تنسب هذه الفتاة وما هي ديانتها وهل تحتاج إلى تجديد إسلامها إذا لم تنسب لوالدها على الرغم من أنها مسلمة؟(26/42)
جزاكم الله خيرا عنا إن شاء الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الفتاة مسلمة ولا حاجة لتجديد إسلامها ولا تأثير لنسبها على ذلك مادامت قد دانت بالإسلام بعد بلوغها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته. رواه البخاري.
أما ما يتعلق بنسبها فهذه الفتاة تنسب إلى أمها وأهل أمها نسبة شرعية صحيحة تثبت بها الحرمة والمحرمية، ولا تنسب إلى أبيها من الزنا، كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 6045.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
... ماء الزنا مهدر
تاريخ 10 ربيع الأول 1426 / 19-04-2005
السؤال
شاب زنى مع فتاة وبعد فترة أعلنت أنها حامل منه في أربعة أشهر وادعت أمام الملأ أنها تزوجت منه زواجا عرفيا وأن الورقة ضاعت منها الشاب أنكر الزواج وظل صامتا إلى أن ولدت الفتاة بنتا فأبى الاعتراف بها وقال أنا لم أتزوج الفتاة وقد زنيت بها وتبت إلى الله ولم أشأ الخوض في عرضها لكنها هي من ألزمتني بالقول أنني زنيت معها وأنا
غير ملزم بالاعتراف بالبنت. وقد حكمت المحكمة بوجوب إجراء تحليل DNA رغم عدم ثبوت الزواج .
السؤال:
هل يجب عليه الاعتراف بالبنت ؟ وهل لها أن ترث منه؟ وهل يجب عليه الزواج بأمها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح لهذا الرجل الزاني أن يستلحق هذه البنت لأن ماء الزنا ماء مهدر لا يترتب عليه نسب ولا ميراث. وانظر الفتوى رقم 50432 ، ولا عبرة بهذا التحليل الذي سيتم لأن ماء الزنا -كما قلنا- وإن ثبت كونه من فلان فإنه غير معتبر .
ولا يجب على من زنا بامرأة أن يتزوج بها حملت منه أو لم تحمل، والواجب على هذا الرجل المسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل بالندم على ما فات والإقلاع عن هذا الذنب والعزم على أن لا يعود، فإن الله يتوب على من تاب، وليحذر أن يفجأه الموت قبل التوبة وحينها لا ينفع الندم.
والله أعلم
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(26/43)
ــــــــــــــ
نسبة الولد في حال زنا الزوجة
تاريخ 04 ربيع الأول 1426 / 13-04-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي أرجو أن يتسع صدركم لسماع هذه الاستفسارات، أنا متزوج من إحدى قريباتي منذ خمس سنوات، لي منها طفل واحد عمره سنتان، تحت تأثير (حسب ما قالت لي) التوبة لله تعالى وخوفها من الله، قررت أن تبوح لي بأنها تشك في نسب الطفل لي حيث إنها ضعفت لمرة واحدة تحت تأثير رجل كانت تعمل لديه, وجامعها لمرة واحدة وبعد ذلك بفترة قصيرة تم اكتشاف الحمل، سؤالي هو: ما هي الطريقة المثلى من وجهة نظر الشرع لتحديد نسب الطفل, وهل يجوز شرعا "إبقاء النسب لي من ناحية الشرع (في حال ثبت أنني لست والده) حفاظا على سمعة العائلة وحفاظا على مستقبل هذا الطفل الذي لا دخل له بأخطاء الآباء والأمهات (مع العلم بأنني أشعر بكثير من العاطفة والحنان اتجاه هذا الطفل ولم تتغير مشاعري الأبوية اتجاهه بعد سماعي لاعترافات والدته)، وهل من الأنسب في مثل هذه الحالات إجراء الطلاق أم الأفضل هو هجر الزوجة والالتزام الكامل بنفقاتها المالية حيث إنها فتاة يتيمة وليس أحد من أهلها قادر على إعانتها والإنفاق عليها وليس لها أي عمل في الوقت الحالي وغير قادرة على إعالة نفسها وطفلها، أخيرا "أنا آسف على الإطالة بسؤالي وأنا بانتظار إجابتكم بفارغ الصبر؟ والخير فيما اختاره الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالولد الذي تحمله المرأة المتزوجة ينسب لزوجها وإن زنت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. متفق عليه.
ولا ينبغي البحث عن صحة نسبه إلى الزوج فهو ينسب شرعا إليه للحديث المتقدم الولد للفراش، ولكن إذا علم الزوج يقينا بأنه ليس ولده -وهذا قد يكون عسيراً في حال هذا الزوج- وجب عليه نفيه باللعان، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم: 6280، والفتوى رقم: 13390.
وقد كان الواجب على الزوجة أن تستر نفسها بستر الله تعالى، وأن تبادر بالتوبة من هذا الذنب، والتوبة لا تتحقق إلا بالإقلاع عن الذنب والندم على ما فات منه والعزم على عدم العودة إليه أبداً، ولمزيد من الفائدة عن ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22413، 17992، 20880.
وإذا تحققت من توبة الزوجة فلك إبقاؤها والستر عليها، ولن تعدم الأجر على ذلك.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نسبة الطفل وزواج ولد الزنا من بنات أبيه
تاريخ 26 صفر 1426 / 06-04-2005(26/44)
السؤال
هل يجوزأن ينسب الطفل إلى والده مع أنه لم يستوف شروط الزواج الصحيح من والدة الطفل، في حالة الزواج العرفي من وجود ولي (المرأة تزوج نفسها أو تتخذ وليا آخر غير وليها الأصلي بدعوى الكتمان)؟ ثانيا: هل يجوز لابن الزنا الزواج من البنت الشرعية من زوجة أخرى للرجل الذى زنى بأمه؟ هذه الأمور أريد معرفتها لانتشار الزواج العرفي ودعاوى إثبات النسب هذه الأيام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج العرفي إذا استوفى شروط النكاح ولم ينقصه إلا التسجيل في المحاكم يعتبر نكاحا صحيحا، وراجع الفتوى رقم: 5992 . أما إن نقص الولي فالجمهور من العلماء على بطلانه ولم يخالف في ذلك إلا الإمام أبو حنيفة حيث يجوز للمرأة الرشيدة أن تلي نفسها، أما فيما يتعلق بنسبة الولد فمجمل القول فيه أن أي نكاح أقدم الزوج عليه معتقدا حليته فإن الولد فيه ينسب إلي أبيه وإن كان النكاح مجمعا على بطلانه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين إلى أن قال فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر بل الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. اهـ. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 60343. أما بخصوص زواج ولد الزنا ببنات أبيه الزاني فلا يجوز وإن كان شرعا لا ينسب إليه وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم:10152.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
بين التبني والتربية والكفالة
تاريخ 20 صفر 1426 / 31-03-2005
السؤال
سيدي سؤالي اليوم متشعب والإجابة عليه مهمة لي، شاب وشابة تبنتهم عائلة ليس لها أولاد. الوالد المتبني توفي وكان يوصي في حياته شفهيا بكل الإرث للشاب والشابة. الوضع الحالي الأم المتبنية تقول: لن أسامحكم إذا لم تأخذوا كل الإرث لكم: ممتلكاتي وممتلكات الوالد المتبني المتوفى. أفتوني في أمر الميراث هل يجوز أخذ كل الإرث. علما أن الوالد الحقيقي والوالدة أحياء ومعروفون. والوالد المتبني له إخوة أحياء. ثم أخيرا كل الأطراف راضية وموافقة على كل شيء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التبني بالمعنى الذي يشير إليه السائل الكريم بحيث يكون المتبنى له حكم ولد الصلب من المعاملة كمحرم أو وارث يحجب الإخوة أو يدعى فلان بن فلان المتبني، فهذا لا يجوز شرعا، وكان من عادة أهل الجاهلية فأبطله الإسلام، فقال(26/45)
سبحانه وتعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ {الأحزاب: 4}. وقال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب: 5}. أما إذا كان القصد بالتبني الكفالة والتربية والرعاية مع احتفاظ المكفول بنسبه وما يترتب عليه فهذا لا مانع منه شرعا، وهو من أعمال البر والإحسان التي حث عليها الإسلام.
وعلى ذلك.. فإن هذين الشابين لا يرثان ممن تبناهما إرثا شرعيا لأن أسباب الإرث محصورة في النسب، والنكاح، والولاء، ولا شيء منها يتوفر فيهما. وبإمكان الأسرة التي كفلتهما أن توصي لهما بالثلث فما دونه، وما بقي بعد الثلث يرجع للورثة الشرعيين. وإذا تنازل لهما الورثة الشرعيون عن نصيبهم من التركة وكان ذلك برضاهم وطيب نفسهم وكانوا بالغين رشداء فلا مانع. وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتويين التاليتين: 35581 ، 9619.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تلقيح الزوجة بمني الغير
تاريخ 13 صفر 1426 / 24-03-2005
السؤال
رجل استخدم سائلا منويا لرجل آخر في تلقيح زوجته صناعياً دون علم الزوجة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيحرم على الرجل أن يلقح زوجته بمني غيره لما فيه من خلط الأنساب وضياع الحقوق ومفاسد أخرى كثيرة ، والواجب عليه الآن أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك ، وإذا حدث من هذا التلقيح ولد فهل يلحق الولد صاحب المني أم لا ؟
فنقول إن كانت المرأة متزوجة وأمكن كون الولد من زوجها فيلحق الولد به لأنه صاحب الفراش وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه الولد للفراش وللعاهر الحجر وإن لم يمكن كون الولد منه فإنه يلحق بصاحب المني إن كان المني خرج بوجه غير محظور وهو الذي يسميه الفقهاء المني المحترم
أما إن كان المني غير محترم فلا يلحق الولد بصاحب المني وعلى الزوج أن ينفي الولد عنه كما سيأتي.
قال عبد الرحمن الشربيني في حاشيته على أسنى المطالب : فرع سأل الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي الفقيه محمد بن علي بن أبي الخل عن رجل وطئ امرأته وأنزل معها فقامت الزوجة ساحقت ابنة الزوج وأنزلت معها المني الذي أنزله الزوج معها فحملت فهل يلحقه الولد ويلزمه المهر أم لا فأجاب الذي يظهر لي - والله أعلم - أنه لا يتعلق بهذا حكم من الأحكام فإن الشبهة تعتبر في الرجل , وأجاب بمثله الفقيه محمد بن عيسى مطير قال الناشري : الذي يظهر أنه يلحق الولد الرجل الواطئ ولا يلزمه المهر ; لأن النسب يعتبر في وطء الشبهة بالرجل , وفي المهر بالمرأة , وفي هذه المسألة ماؤه محترم من جهته . وسئل والدي رحمه الله(26/46)
عن رجل وطئ زوجته , وأنزل معها ثم نزع منها فمسح ذكره بحجر فأخذت الحجر امرأة أجنبية فامتسحت به فحملت فهل يلحقه الولد أم لا ؟ . فأجاب بأن الولد يلحق الواطئ لكون مائه حال الإنزال محترما , وذلك أولى من وطء أجنبية يظنها زوجته , وهي تعلم أنه أجنبي , وقد حكموا بلحوق الولد به , وإن كانت المرأة زانية فبطريق الأولى أن يحكم بلحوق الولد في مسألة السحاق . قال شيخنا هو كما قال .اهـ
وقد سئل الرملي كما في الفتاوي له: عما لو استدخلت مني سيدها المحترم بعد موته فحبلت منه فهل يلحق به ويرث منه أم لا وهل تصير أم ولد بذلك أم لا لكونها بموته انتقلت لوارثه وهل فيها نقل أم لا ؟
فأجاب بأنه يثبت نسب الولد منه ويرث منه لكون منيه محترما حال خروجه ولا يعتبر كونه محترما أيضا حال استدخاله خلافا لبعضهم فقد صرح بعضهم بأنه لو أنزل في زوجته فساحقت بنته فحبلت منه لحقه الولد وكذا لو مسح ذكره بحجر بعد إنزاله فيها فاستنجت به امرأة أجنبية فحبلت منه . ا هـ . ولا تصير أم ولد له لانتفاء ملكه لها حال علوقها به .انتهى
ويعلم الزوج أن الولد ليس منه بالوسائل التالية:
1- إذا لم يطأ ولا استدخلت ماءه المحترم أصلا .
2- أو وطئ أو استدخلت ماءه المحترم ولكن ولدته لدون ستة أشهر من الوطء ولو لأكثر منها من العقد .
أو فوق أربع سنين من الوطء للعلم حينئذ بأنه من ماء غيره .
وسنورد كلام العلامة الرملي مع بعض الاختصار لما فيه من إجابة على احتمالات قد تحتف بالسؤال .
قال رحمه الله تعالى في نهاية المحتاج شرح المنهاج : ولو أتت أو حملت بولد علم أنه ليس منه أو ظنه ظنا مؤكدا وأمكن كونه منه ظاهرا ... لزمه نفيه – بأن يقول هذا الولد ليس مني - وإلا لكان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه وهو ممتنع كما يحرم نفي من هو منه لما يأتي ...ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن لنفيه وجوبا فيهما , وإلا اقتصر على النفي باللعان لجواز كونه من شبهة أو زوج سابق ... ولو وطئ وعزل حرم النفي على الصحيح لأن الماء قد يسبقه ولا يشعر به , ومقابل الصحيح احتمال للغزالي أنه يجوز- أي نفي الولد عنه - لأنه إذا احتاط فيه كان كمن لم يطأ ولأنه يغلب على الظن بذلك أنه ليس منه ولو كان يطأ فيما دون الفرج بحيث لا يمكن وصول الماء إليه لم يلحقه أو في الدبر فالأرجح من تناقض لهما عدم اللحوق أيضا ، وليس من الظن علمه من نفسه أنه عقيم فيما يظهر وإن ذهب الروياني إلى لزوم نفيه باللعان بعد قذفها وذلك لأنا نجد كثيرين يكاد أن يجزم بعقمهم ثم يحبلون ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا على السواء بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه ومن الزنا ولا استبراء حرم النفي لتقاوم الاحتمالين والولد للفراش , وما نص عليه من الحل يحمل على ما إذا كان احتماله أغلب لوجود قرينة تؤكد ظن وقوعه .انتهى كلام الرملي .
والله أعلم(26/47)
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ــــــــــــــ
الولد ينسب إلى صاحب الفراش
تاريخ 18 محرم 1426 / 27-02-2005
السؤال
ما حكم الشرع في أنثى تعرضت للاغتصاب وأخفت الحادثة عن زوجها وتصادف أن حملت بطفلة عمرها الآن تسع سنوات وتخشى هذه السيدة أن تكون ابنتها ليست من زوجها الذي يعشق الطفلة وهي بدورها مرتبطة بأبيها جدا فماذا تفعل هذه الأم والزوجة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليها أن تستر نفسها ولا تخبر بما يدور في نفسها أحدا والظنون لا عبرة بها، وهذه البنت تنسب لزوج أمها لأنه صاحب الفراش وفي الحديث : الولد للفراش. متفق عليه . وانظر الفتوى رقم: 1117، والفتوى رقم: 29434.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حليف القوم منهم
تاريخ 04 محرم 1426 / 13-02-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
رداً على موضوع الانتماء إلي قيبلة أخرى .
الفتوى رقم 46945 بتاريخ 23 صفر 1425 .
فهل تطلبون منا وفقاً للفتوى الصادرة منكم والتي يوزعها ابن عمنا على كل من هب ودب وكأننا كفرنا بالله وبالرسول هل تطلبون منا نحن الآمنون في أوطاننا المندمجون كبوتقة واحدة مع قبيلة وفية ارتضاها لنا أجدادنا منذ ثلاثة قرون مقرة لنا بأصلنا الذي لم ننكره يوماً ولم ينكره علينا أحد أن نفك انصهاراً قوياً وارتباطاً وثيقاً ونوقظ فتناً نائمة مراضاة لسائل لا يفقه شيئاً كان حرياً به أن يسأل أهل المشايخ والعلم في بلده و للأعراف السائدة كما هو موضوع ردكم الأول عليه والذي لم يشف صدره المملوء حتى عاود الكرة عليكم ووضع لكم مقدماته الخاطئة لتعطونه الإجابات الخاطئة، وهذا هو الرد على ما يقوله ابن عمنا.
المجتمع الليبي مجتمع قبلي تحكمه الأعراف الاجتماعية يتكون من مجموعة من القبائل العربية التي قدمت من شبه الجزيرة العربية في الألف الميلادي الأول وفي العصر الفاطمي تحديداً ولقد تداخلت بعض بطون هذه القبائل في بعضها البعض نتيجة للصراعات والتدافع ونتيجة لذلك للتحالفات والمصاهرة والبحث عن المواطن الآمنة ............. نحن عائلة اسمها ( القريد وإسعيد ) نسكن منطقة الواحات جالو ننتمي بالأصالة إلي قبيلة عريقة إسمها ( الجوازي ) تعود في أصلها إلي بطن من(26/48)
بطون قبائل بن سليم نزح معظمها من ليبيا إلي مصر في عصر يوسف باشا القرمنلي (العصر التركي) منذ حوالي ثلاثمائة سنة بسبب صراع هذه القبيلة مع إخواتهم من القبائل الأخرى على المراعي وبسبب صراعهم مع يوسف باشا على النفوذ فيما بقي من هذه القبيلة عائلات نشأت لم ترحل إلي مصر رغم ضغط مطرقة يوسف باشا والقبائل المتحالفة عليهم من هؤلاء الكثر رجلان هما ( القريد وإسعيد ) أصل عائلتنا التي تتكون من ثلاثمائة رجل حالياً فضلا عدم النزوح إلي مصر وانضموا تحت جناح قبيلة شقيقة وحليفة لقبيلة الجوازي واسمها المجابرة تلتقي هاتان القبيلتان في جد مشترك اسمه جبريل يعود إلي بطون قبائل بني سليم ... ولقد عاملت تلك القبيلة أجدادنا منذ ذلك الزمن البعيد عاملتنا وأولادنا وأحفادنا بكل ود واحترام ولأجدادنا من الأملاك والأراضي ما يفوقون به الكثيرين ولنا من الوجاهة والإكبار ما لا يخفى ولم نشعر يوماً بأية مضايقة أو إهانة إطلاقاً بل انصهرنا معاً مع تلك القبيلة وصرنا لحمة واحدة وتعاضدنا في كل أوقات الشدة والرخاء ولم يعاملنا أحد يوماً كأغراب كما يدعي السائل السابق زوراً وبهتاناً علماً بأن قبيلة المجابرة التي انضوى أجدادنا تحت جناحها تحتوي بطونها على عائلات مثلنا من قبائل شتى انتمت إليها في فترات تدافع القبائل وبحث الإنسان عن الوطن الآمن آنذاك ولما يتحلى به أهلها من تدين ومن خلق وكرم
وشهامة هي حديث لسان كل الليبيين والزائرين والوافدين ... ... علماً أننا نحن عائلة ( القريد وإسعيد ) مازلنا نحتفظ ونعتز بإسم قبيلة الجوازي التي ننتمي لها بالأصالة رغم انضوائنا تحت جناح قبيلة المجابرة ولم ينكر علينا طوال هذه العقود أحد ذلك ... ... فهل تطلبون منا وفقاً للفتوى الصادرة منكم والتي يوزعها ابن عمنا على كل من هب ودب وكأننا كفرنا بالله وبالرسول هل تطلبون منا نحن الآمنون في أوطاننا المندمجون كبوتقة واحدة مع قبيلة وفية ارتضاها لنا أجدادنا منذ ثلاثة قرون مقرة لنا بأصلنا الذي لم ننكره يوماً ولم ينكره علينا أحد أن نفك انصهاراً قوياً وارتباطاً وثيقاً ونوقظ فتناً نائمة مراضاة لسائل لا يفقه كان حرياً به أن يسأل أهل المشايخ والعلم في بلده و للأعراف السائدة كما هو موضوع ردكم الأول عليه والذي لم يشف صدره المملوء حتى عاود الكره عليكم ووضع لكم مقدماته الخاطئة لتعطوه الإجابات الخاطئة كما يقول أهل المنطق وهو ما تحقق له وللأسف عبر فتواكم الأخيرة والتي ها نحن أيها الأستاذة الأجلاء نرد عليها راجين تصحيحها بعد أن سببت من الحرج والمشاكل ما لم تتوقعوا علماً أننا لم ولن نذهب نحن الثلاثمائة رجل رشيد خلف عقل ابن عمنا مادام لنا عقل يفهم ويعي الحياة ولو أشعل بكل حطب الدنيا فتنا .
" فتبينوا "
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت نهي الشارع عن ادعاء الإنسان نسباً غير نسبه الأصلي فقد روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه -وهو يعلم أنه غير أبيه- فالجنة عليه حرام. وقد روى(26/49)
البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر.
وقد روى مسلم أيضاً من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
وروى البخاري ومسلم أيضاً من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار.
قال ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام في شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه: ليس من رجل ادعى لغير أبيه.... الحديث: يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة.
وقد وضح أهل العلم معنى الكفر المذكور في الحديث فقد قال النووي: فيه تأويلان: أحدهما: أنه في حق المستحل -أي من استحل فعل هذا مع علمه فقد كفر-، الثاني: أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه. انتهى.
وقد رجح ابن حجر في الفتح أن المراد كفر النعمة وأن ظاهر اللفظ غير مراد وإنما ورد على سبيل التغليظ والزجر لفاعل ذلك ، أو المراد بإطلاق الكفر أن فاعله فعل فعلا شبيها بفعل أهل الكفر، وقال رحمه الله: وفي الحديث تحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره وقيد في الحديث بالعلم ولا بد منه في الحالتين إثباتاً ونفياً لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له.
وعلى هذه الأدلة بنينا فتوانا السابقة في تحريم الانتساب لغير الأب، ولم نبن فتوانا على ما قلت إنها مقدمات خاطئة في سؤال ابن عمكم، فالانتساب إلى غير النسب الأصلي لا يجوز سواء كانت القبيلة التي تنتسبون إليها تحترمكم أو تهينكم، وأما من كانت بينه مع قبيلة علاقة خؤولة أو حلف مع احتفاظه بنسبه الأصلي فلا حرج عليه في هذا الحلف ولا في الاحتفاظ باتصاله وعلاقته مع تلك القبيلة مع احتفاظه بنسبه الأصلي، ويدل لهذا ما في حديث الصحيحين: إن بنت أخت القوم منهم.
وفي صحيح البخاري: أن حاطباً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم. قال ابن حجر في شرحه: قوله كنت امرأ من قريش أي بالحلف لقوله بعد ذلك ولم أكن من أنفسهم قوله كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم ليس هذا تناقضاً بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم وقد ثبت حديث حليف القوم منهم. انتهى كلام ابن حجر.
ولا يعارض هذا حديث مسلم لا حلف في الإسلام فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغب فيه، كما قال النووي وابن حجر.
فالحاصل أنا بينا في الفتوى السابقة تحريم ترك الإنسان نسبه الأصلي وادعاءه نسبا غيره ولم ندع لفك علاقات الحلف والصداقة مع قبيلة أخرى ما لم تكن فيما لا(26/50)
يرضي الله تعالى، هذا وننصحكم بالحرص على حل مشاكلكم بالتي هي أحسن والحرص على البعد عن الوقوع فيما يجر للوقوع في تباغض الأرحام.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم تغيير الاسم الأجنبي إلى عربي
تاريخ 18 ذو القعدة 1425 / 30-12-2004
السؤال
سؤالي هو
أنا عربية الأصل مسلمة طبعا متحجبة لكن اسمي ليس عربيا بل أجنبي, فهل أنا مجبرة بتغييره لأن ذلك حرام وأحاسب على ذلك, أم هذا ليس فيه شيء
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاسم لا يشترط كونه عربيا ولا يلزم تغييره من العجمية إلى العربية، فإن المسلمين الذين أسلموا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم لم يكلفوا بتغيير أسمائهم التي لم يكن فيها محظور شرعي كالتعبيد لغير الله، والتسمي بما هو مختص بالله، أو كان فيه معنى مذموم.
وراجعي الفتوى رقم: 22873 والفتوى رقم: 12614.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
خطورة إنكار الولد وجحده أو الانتساب إلى غير الأب.
تاريخ 11 شوال 1425 / 24-11-2004
السؤال
إخوتي في الله
أنا امرأة عمري 40 سنة متزوجة ولدي طفلين مشكلتي هي أن أبي لم يسأل عني مند ولادتي بسبب مشاكل عائلية ومنذ ذلك الحين أنكر بأنني ابنته أنا بدوري لم أسال عنه ولو لمرة واحدة
فهل علي من إثم وهل واجبي السؤال عنه بالرغم من إنكاره لي أم لا ؟
وجزاكم الله عنا خيرا والسلام عليكم ورحمة الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ثبوت مسألة البنوة أو نفيها مسألة شائكة، وهي من الأمور التي تحتاج إلى القضاء الشرعي، وعليه، فكل ما في وسعنا في هذا الموضوع هو أن ننبه كلاً من الوالد المدعي والبنت المدعية على خطورة إنكار الولد وجحده أو الانتساب إلى غير الأب.(26/51)
فعلى هذا الرجل إن كان يعلم أنه أبوك أن يتقي الله تعالى فيك وأن يستلحقك به، وأن يتوب إلى الله تعالى من إنكاره لك، وأن يستسمحك عما مضى قبل أن يفاجئه الموت وهو متلبس بهذه المعصية. فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين. الحديث في سنن النسائي وأبي داود والدارمي، وضعفه الشيخ الألباني وصححه بعض أهل العلم.
وعلى كل حالٍ، فإنكار الولد وجحوده محرم، لما يترتب عليه من قطع نسب محقق، وتفويت حقوق وغير ذلك مما هو معلوم، وفي هذه الحالة -أعني حالة كون النسب ثابتا إلا أن الوالد ينكره- فيجب على الولد أن يبر أباه حسب حاله وما هو لائق به. هذا بالنسبة للوالد.
أما الولد المذكور فننصحه بتقوى الله عز وجل، وأن لا يدعي أو ينسب لمن تحقق من كونه غير أبيه. فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
علاقة ابن الزنا بالزاني
تاريخ 09 شوال 1425 / 22-11-2004
السؤال
لقد سئلت عن فتوى ولم أحصل على جواب شاف أريد أن أعلم لي ابن زنا وهو ينادني بابا وأنا أراه دائما. سؤالي هو: هل نداؤه لي بابا جائز أم لا؟ وهل يجب علي زيارته أم أقطع ذلك ولا أريه وجهي؟
أريد جوابا شافيا على أسئلتي.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هذا الولد ولدك، ولا يجوز أن ينسب إليك، ولا يجب عليك مواصلته، ولا أي شيء مما يجب على الوالد لولده.
أما نداؤه لك بما يدل على أنه يحسبك والده فلا يقر عليه، وليوضح له عندما يكبر ويعي ما يقال له أنك لست أباه.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم تسمي الزوجة باسم عائلة الزوج
تاريخ 05 شعبان 1425 / 20-09-2004
السؤال(26/52)
أنا متزوجة من رجل مسلم يحمل جواز سفر أمريكي وفي النظام الأمريكي يتم تغيير اسم عائلة الزوجة فقط لعائلة الزوج، سؤالي هل هنالك إي إثم علي أو على زوجي إذا قمت بتغيير اسم العائلة وما الحكم الشرعي في ذلك وهل هو حرام أفيدوني يرحمكم ويرحمنا الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في عدم جواز نسبة الزوجة إلى عائلة زوجها وهي برقم: 17398
.
لكن إن ألجأتكم السلطات إلى ذلك ولم يكن بد من فعله فنرجو أنه لا حرج عليكم وقد قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119}. على أن يبقى ذلك في الأوراق ولا يتعداه إلى استعماله عند المحادثة وقد قال تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ {الأحزاب: 5}.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الولد فهو منسوب إلى من كنت زوجة له
تاريخ 26 رجب 1425 / 11-09-2004
السؤال
أريد فتواكم في مسألة جزاكم الله خيراً، أنا كنت متزوجة وأثناء زواجي لم أكن على وفاق مع زوجي تعرفت على رجل أثناء زواجي وكانت لي معه علاقة غير شرعية كان نتيجتها ولد، لم يدم زواجي طويلاً طلقت وتزوجت من الرجل الذي كانت لي معه علاقة وتبنا والحمد لله، هل يجوز للولد أن يعيش معنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد وقعت أنت وهذا الرجل في ذنب عظيم وفي كبيرة من كبائر الذنوب، فالواجب عليكما التوبة النصوح مما فعلتما قبل أن ينزل بكما هادم اللذات ومفرق الجماعات، وقبل أن تندما حيث لا ينفع الندم، وللتوبة شروط من أعظمها الندم على الوقوع في الذنب، ولمعرفة شروط التوبة انظري الفتوى رقم: 5450.
وأما هذا الولد فهو منسوب إلى من كنت زوجة له، وانظري الفتوى رقم: 51691.
ولا مانع من بقاء هذا الولد عندكم ولكن مع الحذر من التبني وهو أن ينسب الولد إلى غير أبيه، ولكم رعايته والاعتناء به وتربيته التربية الصالحة، نسأل الله أن يتجاوز عنكم وأن يغفر ذنوبكم.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ولد الزنا ينسب لأمه(26/53)
تاريخ 02 رجب 1425 / 18-08-2004
السؤال
السؤال الثالث: إذا زنت امرأة مع مجموعة من الرجال وحدث الحمل لديها بسبب هذا الزنا فما هو نسب هذا الطفل عندما يكبر (ابن الزنا) هل هو عربي أم فارسي أم تركي على فرض أن هؤلاء الرجال الزناة بينهم من هو عربي ومن هو فارسي ومن هو تركي وآخرون وكما يحدث الآن في الدولة الغربية أو الأوروبية حيث الزنا يكون في مجاميع، يرجى الإجابة على هذه الأسئلة وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وإذا زنت المرأة برجل واحد أو أكثر فإن ولدها من الزنا ينسب لها هي لا لأبيه من الزنا، وراجع في هذا فتوانا رقم: 6045.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ينسب الابن لأبيه لا لأمه
تاريخ 02 رجب 1425 / 18-08-2004
السؤال
السؤال الثاني: إذا تزوج رجل عربي مسلم امرأة تركية وامرأة ثانية فارسية مسلمة ماذا يكون نسب الأبناء من هذا الزواج، هل هم عرب أم أترك أو فرس، أو إذا تزوج رجل من قبيلة الجبور امرأة من قبيلة الشمر فماذا يكون نسب الأبناء أو الأولاد، هل هم جبور أم شمر؟ يرجى الإجابة على السؤال، وجزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وإذا تزوج العربي التركية أو امرأة من أي شعب آخر أو آية قبيلة فإن الابن ينسب لأبيه لا لأمه، قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ {الأحزاب:5}، وراجع في هذا الفتوى رقم: 13857.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا يلحق ولد الزنا بالزاني
تاريخ 09 جمادي الأولى 1425 / 27-06-2004
السؤال
ما حكم من استلحق ابنا له من الزنا فهل يلحقه بهذا الاستلحاق؟ وما موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من ذلك؟
وهل للشيخ ناصرالدين الألباني في هذا كلام أوموقف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(26/54)
فإن ولد الزنا لا يصح إلحاقه بالرجل الذي زنى بأمه ولا نسبته إليه وإنما ينسب إلى أمه ولو كان معترفا به لأن المعدوم شرعا وهو هنا الأبوة الشرعية كالمعدوم حسا، هذا؛ مذهب جمهور العلماء.
قال الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار ج7، ص162، عند كلامه على حديث الموطأ في قصة ادعاء سعد بن أبي وقاص ولد أمة لزمعة والد سودة بنت زمعة، وكان في دعوى سعد أن أخاه عتبة أوصاه عند موته أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فعارضه عبد بن زمعة وتخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى به لعبد بن زمعة وقال صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. والحديث بنصه في الموطأ. قال ابن عبد البر: فكانت دعوى سعد سببا لبيان من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في أن العاهر ( أي الزاني ) لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا وأن الولد للفراش على كل حال، والفراش النكاح أو ملك اليمين لا غير، فإن لم يكن فراش وادعى أحد ولدا من الزنا فكان عمر يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم ويلحقهم بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش لأن أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك، وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته وأكمل دينه فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه أبدا عند أحد من العلماء كان هناك فراش أم لا. ثم قال بعد هذا: أوملك يمين. انتهى. ومعنى الفراش: عقد النكاح على الحرة مع إمكان الوطء عند أكثر العلماء.
وقال الشيخ أحمد الدردير عند قول خليل: إنما يستلحق الأب مجهول النسب. قال: ولو كذبته أمه لتشوف الشارع للحوق النسب لا مقطوعه كولد الزنا المعلوم أنه من الزنا. انتهى. أي لا مقطوع النسب فلا يصح استلحاقه.
وقال ابن قدامة في المغني: وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور.انتهى.
وأما الشيخ ناصر الدين الألباني فلم نجد له كلاما في هذا الموضوع إلا أنه حسن حديث أبي داود وأحمد الوارد في الفتوى رقم: 22196. وهو صريح في أن ولد الحرة المزنى بها لا ينسب إلى الزاني ولا يرثه وإن ادعاه وكذلك ولد أمة الغير.
وأما شيخ الإسلام فقد ذكر في فتاويه وفي اختياراته ما نصه: وإن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق.انتهى.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم تغيير الجنسية
تاريخ 23 محرم 1425 / 15-03-2004
السؤال
ما حكم الشرع في تغيير الجنسية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج -إن شاء الله- في تغيير الجنسية بانتماء الشخص إلى بلد آخر غير بلده، إذا لم يترتب على ذلك محذور شرعي، كتضييع لحقوق الآدميين مثلاً، والأصل أن الله(26/55)
عز وجل قد جعل الناس شعوباً وقبائل للتمييز والتعارف لا من أجل الفخر والعصبية، قال تعالى:
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، وتراجع الفتوى:22944 لمزيد من الفائدة.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
نسب أولاد من اكتشفا أنهما أخوان من الرضاعة
تاريخ 05 محرم 1425 / 26-02-2004
السؤال
رجل تزوج امرأة وأنجبا أطفالا وبعد مدة اكتشفا أنهما أخوان من الرضاعة فما العمل وماذا عن النفقة والنسب
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا حصل رضاع بين الزوجين المذكورين، فإنه يجب الفراق بينهما، بشرط أن يكون الرضاع خمس رضعات مشبعات معلومات.
وتفصيل هاتين المسألتين في الجوابين التاليين: 18149 ، 19499.
وبالنسبة لنسب الأولاد، فهم لاحقون بأبيهم لأن النكاح نكاح شبهة، وكل ولد نشأ عن نكاح شبهة فإنه يلحق بأبيه وتثبت له جميع أحكام البنوة.
ونفقة الأولاد واجبة على أبيهم ما لم يصلوا مرحلة البلوغ وهم قادرون على الكسب.
وراجعي أيضا الفتوى رقم: 27139.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا نسب ولا توارث بين ولد الزنا وأبيه
تاريخ 05 محرم 1425 / 26-02-2004
السؤال
أنجبت بنتا من الزنا وهي الآن حية فما حكم الشرع اتجاهها هل هي لي أم ليست لي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبخصوص ابنتك من الزنا فالحكم فيها شرعاً أنه لا تربطك بها أي رابطة، لأن من قواعد الفقهاء المشهورة أن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً وبالتالي فلا نسب بينك وبينها، ولا توارث، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 19816.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(26/56)
تسمية ولد الزنا
تاريخ 01 ذو القعدة 1424 / 25-12-2003
السؤال
بما أن ابن الزنا لا ينتسب إلى أبيه فكيف يعامل في المجتمع وهو لا يحمل أوراق ثبوتية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فولد الزنا لا ينسب إلى أبيه من الزنا لأنه ليس بأبيه شرعاً، ولكن يمكن أن ينسب إلى اسم معبد لله تعالى، كعبد الله بن عبد الرحمن، ويسجل به في الأوراق الرسمية، كشهادة الميلاد أو شهادة الدراسة ونحو ذلك. والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يحرم على المرء أن ينسب إليه طفلا ليس ابنه
تاريخ 14 رمضان 1424 / 09-11-2003
السؤال
ما حكم من ينسب طفلا غير طفله إلى نسبه ويربيه حيث إن الطفل ليس له أحد والطفل عمره لا يقل عن أسبوع هل يجوز لزوجتي أن ترضعه وأن أعطيه اسمي وأجعله ابني، حيث إني ليس لدي أطفال منذ أن تزوجت في عام 1413هـ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم على الإنسان أن ينسب طفلاً ليس ابنه، إليه لما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه. ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً.
وعليه فيحرم عليك أخي الكريم أن تنسب هذا الطفل إليك ما دام أنه ليس ابنك.
أما أن تقوم بكفالته ورعايته مع عدم تبنيه، فهذا بلا شك من أفضل القربات وأجل الطاعات، ولزوجتك أن ترضعه ما دام في سن الرضاع، فإن أرضعته خمس رضعات مشبعات أصبحت أماً له من الرضاع.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الولد للفراش
تاريخ 18 شعبان 1424 / 15-10-2003
السؤال(26/57)
على افتراض قبول الشخص بأمر الله وحكم رسوله في الفتوى 33617 و34679هل عليه أن يخبر إخوته وأخواته وأمه بكل شيء؟ ومن سوف يزوجهم أو يتزوجهم مستقبلا ألايعتبر غشا السكوت؟ وتزويجهم مستقبلا الرجاء الإيضاح.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الأمر كما ذكرت الفتوى المشار إليها من أن الأولاد هم أولادُكَ أنت، لأنهم وُلِدُوا على فراشك ولم تنفهم بلعان. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ~الولد للفراش وللعاهر الحجر.~~ متفق عليه. فماذا تريد أن تقول لمن يتزوجهم؟! إنهم ليسوا أولادك! هذا ليس بصحيح، بل هم أولادك شرعا. وماذا تريد أن تقول لأمك وإخوتك وإخوانك؟ هل تريد أن تخبرهم بأن زوجتك زنت؟! هذا يحتاج إلى أربعة شهود، وليس لك الحق في الملاعنة الآن بعد مُضِيِّ سنوات، كما صدر في الفتوى المشار إليها. فالذي ننصحك به هو: أن تستر عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ~من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.~~ وإن كنت لا تطيق العيش معها، فقد أباح الله الطلاق. وأما الأولاد، فهم أولادك شرعا، كم سبق في الفتوى. والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يشك في نسبته لأبيه فماذا يفعل؟
تاريخ 12 شعبان 1424 / 09-10-2003
السؤال
شخص عرف أن الذي يحمل اسمه ليس أباه، وأن هناك أشخاصا أيضا أشاعوا هذا الخبر، وأن أباه الحقيقي فلان وشبة طبعا من الزنا واضح للكل ماذا يفعل؟ وكذلك هناك حديث "لا ترغبوهم عن آبائهم" أرجوتوضيح الوضع، وكيف يبرر هذا لإخوته وللمجتمع؟ وماذا يفعل بهذا العار وبنفسه؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الشخص منسوب إلى الرجل الذي ولد على فراشه، لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وهؤلاء الأشخاص الذين أشاعوا نسبته إلى غير من ولد على فراشه، يعتبر ما قاموا به قذفا، ويحق له ولأمه وللرجل الذي نسبوه له أن يثبتوا هذا القذف حتى يقام الحد على هؤلاء القاذفين، وحد القذف هو ثمانون جلدة.
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4].
وعلى هذا الشخص أن لا يلتفت إلى ما يتداوله الناس بينهم من الأحاديث، فإنه لا سبيل إلى السلامة من ألسنتهم، إضافة إلى أن الطعن في الأنساب من المسائل الباقية في هذه الأمة من أمور الجاهلية.(26/58)
ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونها: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.
كما لا ينبغي أن يستسلم للأوهام وما يوسوسه الشيطان، بل ليكن على ثقة من نسبته إلى أبيه كباقي إخوته.
وهناك وسيلة مهمة لحفظ كرامته في المجتمع، وهي: أن كل من أراد النيل من عِرض أمه أو ينسبه إلى غير أبيه، يحق له أن يرفع دعوى ضده بالقذف، حتى ينال جزاءه.
ومن الأهمية بمكان: تنبيه هذا الشخص على أن كل من أراد التخلص من همومه وغمومه، فليتق الله تعالى، فإن من اتقاه كفاه ما أهمه من أمور دنياه وآخرته.
أما قولك: لا ترغبوهم عن آبائهم، فلم نعثر على كونه حديثا، ولعلك تقصد الآية الكريمة: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: 5].
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يثبت النسب فتثبت أحكامه.
تاريخ 09 جمادي الأولى 1424 / 09-07-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم. إنكم تقولون في رد على السؤال رقم: 79080 إن الأولاد أولاده طبقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهل يعتبرون أولاده فعلا ويرثونه، ويعتبرون محارم لعماتهم على الرغم من أن هناك حديث: أي امرأة نسبت طفلا لغير أبيه حرمت عليها الجنة، وبالمثل الأب إذا علم، وهل علي أن أبلغها أني علمت أن الأولاد ليسوا أولادي، وإنني سوف أسترك لله فقط، وإن تابت كيف ستكون الحياة بيننا بعد هذا الغدر والخيانة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأمر على ما ذكر في الفتوى المشار إليها من كون الأولاد له، للحديث المذكور، وقد دلَّ هذا الحديث على ثبوت النسب، فيترتب على ذلك كل ما يتعلق بالنسب من أحكام، كثبوت الحرمة والمحرمية والميراث ونحو ذلك. وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين أنزلت آية الملاعنة: أيما امرأة أدخلت على قوم نسبًا ليس منهم فليست من الله في شيء. فقد رواه الدارمي في سننه بإسناد صحيح. وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد ضعيفة. وهو من حيث الفقه متعلق بالحكم الأخروي في حق المرأة، فلا يعارض ما ذكرناه من إلحاق الولد بصاحب الفراش ما دام لم ينفه عن نفسه باللعان. قال الباجي تعليقًا على حديث: الولد للفراش : فإذا كان الفراش له مع غيبته، فما ولد فيه لاحق به ولازم له، ولا ينتفي من ولد فيه إلا بلعان. اهـ(26/59)
وعلى هذا الزوج إن تابت هذه المرأة ورأى إبقاءها في عصمته أن يستأنف حياته معها كأن لم يكن شيء، وليحذر من التلفظ بنفي الأولاد عن نفسه؛ لأن وقوع هذا منه يترتب عليه حد القذف كما سبق أن أشرنا إليه في الفتوى السابقة. ثم إننا ننصحه بالحرص على تعليم زوجته أمور دينها، وشحذ همتها لتزكية نفسها، وربطها بالنساء الخيرات الصالحات الطاهرات العفيفات، ليكنَّ عونًا لها على طاعة ربها.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ما دام عقد الزوجية قائماً فأولادالزوجة ينسبون إلى أبيهم
تاريخ 19 ربيع الأول 1424 / 21-05-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فتاة مسلمة عاشرت نصرانيا دون زواج مدة من الزمن لتتركه وتتزوج من مسلم دون إخبار هذا الأخير بماضيها 1- ما حكم الدين في هذه الفتاة؟ 2- هل تصبح حلالاً لزوجها المسلم بعد أن علم بالقصة؟ 3- ما حكم الأولاد مع زوجها المسلم؟ جزاكم الله عني كل خير وأدامكم الله لنا. وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن ما اقترفته هذه الفتاة معصية عظيمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، فإن الله تعالى يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
والواجب عليها أن تتوب إلى الله وتستغفره مما ارتكبت، فإذا تابت وأنابت غفر الله لها وقبلها، قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً [الفرقان:71].
وأما حكم زواج المسلم منها فجائز إذا تابت وأصلحت، ولا يلزمها أن تخبر من يتقدم لها بتاريخها الماضي، فإن الشخص مطالب بأن يستر على نفسه وغيره.
وبهذا تعلم أن هذه الفتاة إذا تابت وأصلحت جاز نكاحها.
وأما سؤالك عن حكم أولادها مع زوجها المسلم فلم نعرف المقصود منه، لكن إن كان هؤلاء الأولاد ولدوا في فراش الزوج المسلم فهم أولاده، وفي الحديث: الولد للفراش، وللعاهر الحجر متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.
والمقصود بالفراش فراش الزوجية، فما دام عقد الزوجية قائماً فأولاد المرأة ينسبون إلى أبيهم، وإن قصدتَ أولادها من الزنا فهم ينسبون إلى أمهم، ويجوز لمن يتزوجها أن ينفق عليهم ويربيهم، أما تبنيهم فحرام بالإجماع.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا يجوز للمسلم أن ينفي نسب قريبه صراحة
تاريخ 24 صفر 1424 / 27-04-2003(26/60)
السؤال
السلام عليكم
إذا كان لديك من أقربائك إنسان شاذ يصر على فعل الخطيئة فهل يمكن لك أو لي أن أنكره أعني إذا سألني الناس هل يقرب لك فأقول لا؟ و جزاكم الله عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان النكران بصريح الكذب فهذا لا يجوز، وإن كان ذلك يؤدي إلى نفي نسبه فلا يجوز أيضاً، وأما إذا كان النكران بطريق التعريض والتورية فلا مانع منه إن شاء الله تعالى.
والتعريض كلام له وجهان، أو عدة أوجه يفهم منه السامع غير ما يقصد المتكلم، وهو التورية، وثبت استعماله في السنة وعن السلف الصالح رضي الله عنهم، فمن ذلك ما جاء في البخاري : باب المعاريض مندوحة عن الكذب.
وقال إسحاق سمعت أنسا يقول: مات ابن لأبي طلحة فقال: كيف الغلام؟ قالت أم سليم : هدأ نَفَسه وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أنها صادقة. ومثال هذا كثير.
والحاصل أنه لا يجوز للمسلم أن ينفي نسب أخيه المسلم أو يتعمد الكذب المحض بحجة أن أخاه أو قريبه يرتكب بعض الأخطاء..
ومن كان يسوؤه حال قريبه الفاسق وسئل عن علاقته به فله أن يوري بعبارة تُفْهِمُ خلاف الواقع، ولا يكون فيها نفي نسب ولا كذب.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ولد الزنا لا تنطبق عليه أحكام النسب والميراث
تاريخ 11 صفر 1424 / 14-04-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أحد الأشخاص زنا بامرأة ثم حملت وتزوجها وأنجبت ولداً ثم طلقها، ولا يدري هل هذا الولد هو من صلبه أم من صلب غيره، ثم تزوج هذا الزاني من غير هذه المرأة وجاء له أولاد من المرأة التالية هل يجوز لهم الكشف على ذلك الابن أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من زنا بامرأة فحملت منه فإن الولد لا يلحق بأبيه من الزنا وإن تزوج أمه أثناء حملها به، قال صاحب المنهاج: ويمتنع استلحاق ولد الزنا مطلقاً.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه إن تزوج الزانى بالمرأة لحق به الولد، قال ابن قدامة في المغني: روى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال لا أرى بأسا إذا زنا الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد له. انتهى.(26/61)
وعلى مذهب الجمهور فإن ولد هذا الرجل من الزنا لا يعد شرعاً أخا لأخواته وإخوته من أبيه فلا تنطبق عليه أحكام النسب والميراث، وانظر الفتوى رقم: 21630.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الولد للفراش وللعاهر الحجر
تاريخ 03 صفر 1424 / 06-04-2003
السؤال
هناك صديق لي قد تورط بعلاقة حرام قبل الزواج وقد حملت المرأة لكن لا يعرف إذا كان الولد له أم لا؟ مع العلم أن المرأة متزوجة من رجل آخر الآن وقد انجبت الطفل وهو أيضا متزوج وقد أكرمه الله بولد وبنت.
أرجو منكم النصيحة والإرشاد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على صديقك أن يبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وأن يستر على نفسه، وعلى من ارتكب معها هذه الفاحشة الكبيرة، وبهذا الخصوص نحيلك إلى الفتوى رقم: 1095.
وأما بخصوص الولد، فلا علاقة له به من أي ناحية، فالولد ينسب إلى زوج المرأة كبقية أبنائه، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر".
والعاهر هو: الزاني، فليس له إلا الخزي والعار، أو الرجم بالحجارة حتى الموت إن كان محصناً، وهو الذي سبق له أن تزوج ووطئ زوجته، وهذا إذا رفع أمره إلى الحاكم وكان مقراً أو قامت عليه البينة، ولا شك أن الأولى به هو أن يستر نفسه، كما تقدم.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل نحيلك إلى الفتوى رقم: 13390.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
ليس لولد الزنا من نسب سوى أمه
تاريخ 29 ذو القعدة 1424 / 22-01-2004
السؤال
ما هو حكم المولود الذي يولد من علاقة غير شرعية، علماً أنه متأكد أن الطفل ابنه، وهل يجوز إعطاء الطفل اسمه ويعترف به كابن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(26/62)
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الرجل إذا زنا بامرأة وأتت منه بولد فإنه ليس بينه وبين أبيه من الزنا نسب ولا توارث، وإنما ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية تثبت بها المحرمية ويترتب عليها الولاية الشرعية والتعصيب والإرث وغير ذلك من أحكام البنوة.
ومن هذا يتبين للسائل عدم جواز نسبة ولد الزنا إلى غير أمه ولو كان أبوه من الزنا معروفاً معترفاً به.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الأولاد من النكاح الفاسد ينسبون لمن؟
تاريخ 17 ذو القعدة 1423 / 20-01-2003
السؤال
ما الحكمة من تعدد الزوجات التي أحلها الله للرجل فقط؟ وما حكم الزواج الذي يقوم على غير الكتاب والسنة؟ وهل الأبناء أبناء زنى؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن حكمة تعدد الزوجات في الإسلام في الفتوى رقم: 2286، والفتوى رقم: 15556 فراجعهما.
وأما حكم الزواج الذي يقوم على غير الكتاب والسنة، فإنه باطل، وقد سبق بيان الشروط التي يجب توفرها في الزواج الشرعي في الفتوى رقم: 25024، والفتوى رقم: 964 فراجعهما.
وإذا خلا عقد الزواج من شرط واحد منها فسد العقد ووجب التفريق بين الزوجين.
وأما عن الأولاد الذين نشأوا من ذلك النكاح الفاسد وحكمهم فراجع الفتوى رقم: 17568، والفتوى رقم: 25327.
وقد بينا فيهما أن الأولاد في الزواج الفاسد ينسبون إلى أبيهم، ولا يعتبرون أولاد زنا، لأن الزوج أقدم على الزواج معتقداً حله.
وهذا في نكاح الشبهة، والنكاح المختلف في صحته بين العلماء.
أما إن أقدم الزوج على نكاح محرم متفق على تحريمه بين الفقهاء، وهو لا يعتقد حليته فلا ينسب الولد إلى أبيه لحرمة الزواج، وما وقع بين الرجل والمرأة زنا يوجب الحد، ومثاله: أن يتزوج رجل من امرأة متزوجة ونحوه.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
ولد الزنا ينسب لأمه لا لأبيه
تاريخ 23 رمضان 1423 / 28-11-2002
السؤال(26/63)
معذرةً لقد زنيت ثم حملت التي ارتكبت معها الغلط وأنجبت بنتاً وهي الآن في بلد آخر وأريد أن أنسى الماضي سؤالي: ماذا يترتب علي؟ وهل هي في ذمتي فأنا الآن لا استطيع فعل شيء؟ علماً بأني أرسل لهما بين الحين والآخر مبلغاً يسيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك الآن هو أن تتوب إلى الله تعالى من هذه الذنب العظيم، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب تاب الله عليه، والله تعالى يقول: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39].
ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
والتوبة النصوح هي التي تجتمع فيها ثلاثة شروط: الندم على الذنب، والعزم على ألاَّ يعود إليه، والإقلاع عن الذنب.
أما البنت التي جاءت عن طريق الزنا فإنها مقطوعة النسب إليك، وإنما تنسب إلى أمها نسبة شرعية صحيحة، يترتب عليها جميع أحكام البنوة.
وإذا قصدت بهذا المال الذي تدفعه لهما وجه الله تعالى كان لك الأجر عند الله تعالى.
وراجع لذلك الفتوى رقم: 6045، والفتوى رقم: 12263.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إهدار نسب الولد لتفادي المشاكل غير معتبر
تاريخ 15 رمضان 1423 / 20-11-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تزوجت من امرأة أجنبية زواجا مؤقتا وبعدها انفصلنا عن بعض ورجعت إلى بلدي ,وبعد فترة اتصلت لتخبرني أنها حامل وقتها لم أصدق قلت لها بعد الولادة بعدة أشهر أرسلي صورة للطفل لكي اتأكد من الموضوع وأرسلت الصورة بالفعل وإذا بالطفل فيه ملامح مني كثيرة مع إحساسي بشوق الأبوة مع أني لا أقدر أن أخذهم في بلدي بسبب المشاكل الأسرية والعادات والتقاليد التي لا تسمح أرشدوني إلى ما ترونه مناسبا وهل علي إثم إذا تركته ولم أسأل فيه لتجنب المشاكل التي قد تحدث فيما بعد؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن لسؤالك احتمالين:
الأول أن يكون النكاح قد تم بشروطه وأركانه المطلوبة شرعاً إلا أن مدته لم تطل بسبب الطلاق الذي أوقعته، فإن كان هذا ما تقصد فالنكاح صحيح والولد لاحق بك بلا خلاف.(26/64)
الثاني: أن تكون قصدت به نكاح المتعة فإن كان كذلك فالنكاح باطل بإجماع العلماء لما روى البخاري ومسلم من حديث الحسن وعبد الله بن محمد بن الحنفية عن أبيهما أنه: سمع عليٍّ بن أبي طالب يقول لابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمرالأهلية.
ولما أخرج مسلم في صحيحه عن سبرة الجهني أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس: إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة.
وبهذا يعلم بطلان النكاح المشار إليه، لكن إذا أقدمت عليه معتقداً حله فإن هذا يعد شبهة يلحق بها الولد بك، لما قرر الفقهاء من أن من تزوج زواجاً باطلاً وهو يعتقد حله فإن ولده يلحق به.
وعلى كل حال فهذا الولد ولدك يجب له عليك ما يجب لأي واحد من ولدك، ولا يجوز لك أن تتبرأ منه أو تقصر في حقه، بأي حجة، ولو خشيت ما خشيت من المشاكل، وكيف يكون تفادي المشاكل مسوغاً لإهدار نسب هذا الولد وسائر حقوقه المترتبة عليك، وأنت السبب في ظهوره إلى الوجود أتنسحب عنه في مثل هذه وتتركه للمصير المجهول؟! هذا لا يكون بحال.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
موقف الإسلام من الجنسيات
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
أصحاب الفضيلة يوجد بعض الناس يغيرون أسماءهم وأسماء آبائهم لأجل السفر للكسب فهل هذا داخل في الوعيد كما في الحديث : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام" مع إلقاء الضوء على حكم الجنسيات من المنظور الشرعي والسلام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن تغيير الأسماء جائز طلباً لاسم حسنٍ أو أحسن، وذلك لما رواه مسلم عن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم بدل اسم عاصية وقال: أنت جميلة. ، بل قد يكون تغيير الاسم واجباً، وذلك في حق من تسمى باسم ينافي عقيدة الإسلام كعبد المسيح أو عبد الرسول ونحوه، روى ابن أبي شيبة من حديث هانئ بن يزيد قال: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قوم، فسمعهم يسمون عبد الحجر، فقال له: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنت عبد الله.
وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم:
21152، والفتوى رقم:
20275.(26/65)
وهذا الإذن من الشرع بتغيير الأسماء، لم يكن لسد الضروريات ولا الحاجيات، وإنما هو من باب التحسينيات، فإذا اضطر المرء لتغيير اسمه، أو عرضت له حاجة تستدعي ذلك، فهو جائز من باب أولى، ما لم يؤد ذلك إلى محظور شرعي، كالسفر إلى بلاد الكفر بقصد الإقامة فيها سواء كان ذلك للعمل أو النزهة، أو الانتساب إلى أب آخر، فيدخل في الوعيد المذكور في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم، فالجنة عليه حرام. رواه البخاري، وقد مضى بيان ذلك في الفتوى رقم:
13400.
ولمعرفة حكم السفر إلى بلاد الكفار والإقامة فيها راجع الفتوى رقم:
1818، والفتوى رقم:
2007.
والحاصل أنه لا مانع من تغيير الاسم بالصورة المذكورة في السؤال، مع الالتزام بالضوابط التي أشرنا إليها، ما دام في ذلك مصلحة راجحة، وتم بدون مخالفات شرعية.
أما عن موقف الإسلام من الجنسيات، فجماعه قول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
فلا نسب ولا عز ولا جاه ولا سلطان ولا جنسية أرفع من التقوى. روى أحمد في مسنده، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام عن فخرهم برجال، أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن. رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وقد تداعى بعض الأنصار والمهاجرين ذات يوم بدعوى الجاهلية، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة. وفي رواية: دعوها فإنها خبيثة. رواهما البخاري.
وإن مما يندى له الجبين، ما حصل بين المسلمين من فرقة بسبب انقسامهم إلى دويلات، مما أضعف رابطة الإسلام، وأحل مكانها القومية والوطنية، وهذا لا يعني أن الإسلام يرفض الانتماء إلى بلد معين أو أسرة معينة أو قبيلة أو عشيرة من باب التعريف والتمييز، لا من باب الفخر والتميز، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13].
والله تعالى يوفق المسلمين لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لا يجوز التسمية بعبد النبي وما شابهه
تاريخ 17 جمادي الأولى 1423 / 27-07-2002
السؤال(26/66)
ما حكم الشرع في الأسماء مثل: عبد النبي، وعبد الرسول؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز التسمي بمثل عبد الرسول وعبد النبي وما شابههما من الأسماء التي تتضمن التعبيد لغير الله عز وجل، لما فيها من غلو في الرسول صلى الله عليهه وسلم وإعطائه حقاً من حقوق الله عز وجل، وهو العبودية.
ومن كان اسمه معبداً لغير الله فالواجب عليه تغييره إلى اسم مشروع ما أمكنه ذلك، وقد حكى الإمام ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع تحريم كل اسم معبد لغير الله.... إلخ.
وانظر أيضاً: معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد ص:380 وراجع الجوابين: 12614 9253
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تضاف المرأة لزوجها إضافة زوجية لا نسبية
تاريخ 25 ربيع الأول 1423 / 06-06-2002
السؤال
السلام عليكم ، هل تسمى المرأة بلقب زوجها أم يضاف بعد اسمها ولقب والدها.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإضافة اسم المرأة لاسم زوجها أو عائلته والاستغناء بذلك عن اسم أبيها لا يجوز، وهو من عادات الكفار، قال الله تعالى:ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]
وقال تعالى:وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12]
ولم تنسب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه مع عظم منزلته عند الله وعند الناس، فكان يقال: عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وزينب بنت جحش وهكذا.
وإذا أضيفت المرأة لزوجها فتضاف إليه إضافة زوجية لا نسبية، كما في الآية:ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ [التحريم:10]
فيقال فلانة امرأة فلان أو زوجة فلان، وفي النسب والأوراق الثبوتية لايقال: إلا فلانه بنت فلان.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
هل ينسب الطفل الناشيء قبل الزفاف لوالده
تاريخ 27 محرم 1423 / 10-04-2002(26/67)
السؤال
ما هو وضع الطفل الناتج عن جماع قبل الزواج بشهر , ثم تم الزواج واكتشفت الأم بأنها حامل هل يعد ابن زنا( ابن حرام ) وما هو الحكم؟
وهل يجوز إسقاطه وهو عمره شهر أم لا .
الرجاء الإفادة بصورة عاجلة جدا جدا لأن الأمر يخص شخصاً عزيزاً علي وهو سألني وأنا لا أعرف بماذا أرد عليه وأخاف أن يتصرف تصرفاً يزيد الأمر سوءا . بارك الله فيكم الرد عاجل
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان الجماع قد تم من الزوج بعد عقد الزواج، وقبل إشهار الدخول فهذا الابن منسوب لأبيه، لكونه نتج من وطء مباح بعد العقد.
وإن كان الجماع قد حصل قبل عقد النكاح، فهو زنا، والمولود الناشئ عنه ابن زنا ينسب إلى أمه ويرثها وترثه، ولا يحل لها إجهاضه، فإن فعلت فقد جمعت بين ذنبين عظيمين هما: الزنا وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
وهل ينسب الابن إلى أبيه هنا لكونه تزوج بمن زنى بها؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، وقد سبق بيان في الفتوى رقم:
6045
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تظن أنها بنت أخيها الذي زنى بأمها
تاريخ 25 ذو الحجة 1427 / 15-01-2007
السؤال
أفتوني أرجوكم في هذه المسألة عاجلا . أبي متزوج ثلاث نساء أنجب من الزوجة الأولى بنتا وهذه البنت منجبة أبناء صالحين (هذه الملحوظة لها دور كبير في حياتي) وأنجب من الزوجة الثانية ابنا واحدا وأنجب من الزوجه الثالثة ثلاث بنات أنا منهم وابنا واحدا . وأنا صغيرة رأيت أخي الذي هو من الزوجة الثانية يزني مع أمي (التي هي الزوجة الثالثة) لدرجة أنني بكيت من شدة هذا المنظر وكنت صغيرة 7 سنوات وأنا قلقة الآن لأني قد أكون ناتجة من زنا أخي مع أمي يعني أخي ليس بأخي إنما هو أبي . ماذا أفعل؟ هل يعترف الإسلام بثبوت النسب طبيا أم لا؟ كما أنني معجبة بابن أختي التي هي من الزوجة الأولى وأريد أن يكون زوجا لي لأنه رجل صالح ولو كنت بنت أخي سوف يكون ابن أختي ليس بابن أختي إنما ابن عمتي ويجوز لي (ملحوظه علمت أن الله تعالى من فضله على العباد أنه لم يضع الشهوة مع المحرمات ولا المحرمين وأنا ليس بي شهوة مع المحرمين عندي مطلقا إلا أبناء أختي لاحظت ذلك وأنا أهزر معهم واستنتجت من ذلك أنهم قد يكونون أبناء عمتي وإني ناتجة من زنا أخي مع أمي هل استنتاجي صحيح أم لا لكن أنا ابتعدت(26/68)
عنهم لما أحسست هذا الإحساس هل هذا الفعل صحيح أم غير صحيح؟ افتوني في هذه الفتاى أرجوكم أنا أتعذب لأني قلقة من هذا الزنا ماذا أفعل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا من أخطر الفواحش وأشدها إثما وأكثرها جرما، وهو مع المحارم أشنع وأبشع، وقد بينا عقوبة مرتكب تلك الفاحشة في الفتويين : 3970 ، 16574 ، ولعظمة هذه الفاحشة يحرم تحريما غليظا أن تنسب ويرمى بها أحد ما لم تقم بينة قطعية على فعله لها.
وعليه، فاحذري من ذلك أشد الحذر، ولو كنت على يقين تام مما ذكرت فيجب عليك أن تستريه لما ذكرنا في الفتوى رقم : 33617 ، ولك في هذه الحالة نصح أمك بحكمة وموعظة حسنة، ومنعها من الوقوع في مثل تلك المعاصي، وذلك من البر بها كما بينا في الفتوى رقم : 46294 ، وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
وأما الأوهام التي تراودك وهي كونك ابنة أخيك الذي يزني مع أمك ولست ابنة أبيك، فهذه من الشيطان، وعليك صرف النظر عنها وعدم الخوض فيها ، والولد إنما هو للفراش، ولا يمكن نفي النسب إلا من قبل الزوج بملاعنة الزوجة إن تبين له زناها وكونها حملت من زنا؛ كما بينا ذلك مفصلا في الفتوى رقم : 65845 ، وما أحيل إليه من فتاوى خلالها.
وبناء عليه فالمرأة أمك والرجل أبوك وأبناؤه إخوتك وأبناء أخواتك من محارمك لأنك خالتهن فلا يجوز لهم نكاحك، وقد بينا المحرمات من النساء في الفتوى رقم : 9441 ، ومن شعرت بالشهوة نحوه من محارمك يجب عليك الكف عنه وعدم الخلوة به وعدم ملامسته. وانظري الفتويين رقم : 24117 ، 24441 .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم البنت المولودة عن علاقة غير شرعية
تاريخ 21 ذو الحجة 1427 / 11-01-2007
السؤال
سؤالي يتعلق بحقوق والدي علي. فهولا يعترف بي شرعيا ويقول إنه فعل ذلك لكون أمي لم ترض بالبقاء معه مع العلم أني ولدت عن طريق علاقة غير شرعية . أنا سني 23 الآن ولم يكن يسأل عني وكنت أراه مع أبنائه ولا أستطيع التحدث إليه لكوني كنت صغيرة وهو أيضا لم يفكر حتى في رؤيتي وقدر الله أن
أتحدث إليه في شهر 6 من هذا العام. وطلب المسامحة وسامحته لكنه حتى الان لم يتصل بي ولا مرة ولم يعترف بي. حتى إنه لا يسأل عني وكأني غير موجودة وأنا اسأل ما هو دوري تجاهه . الحمد لله أنا مؤمنة بالقضاء وقد عوضني الله بجدي وجدتي فقد كانا نعم الأبوين فحتى أمي تزوجت وعلاقتي بزوجها غير جيدة فهو دائما يسمعني كلاما جارحا رغم أني لا أذهب عندها إلا مرة في السنة أو مرتين . أرجو الإجابة وجزاكم الله عني كل خير.(26/69)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البنت المولودة من رجل عن طريق علاقة غير شرعية لا يحق للرجل أن يعترف بها ولا تنسب إليه شرعا؛ لما في حديث الصحيحين: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وللقاعدة الفقهية: المعدوم شرعا كالمعدوم حسا.
وهذا هو مذهب الجمهور، وليس لهذا الرجل حقوق على تلك البنت، ويتعين عليها أن تستره ولا تذكر للناس أن لها علاقة به، ومن بلغت هذه السن ينبغي لها أن تستعين بالله تعالى في تحصيل زوج تسعد معه بالحياة الزوجية الطاهرة، ولا بأس أن تغير سكنها وتسكن في مكان لا يعرفها أهله حتى تضمن ستر نفسها وتبتعد عمن يؤذيها بإسماعها ما يجرح مشاعرها؛ إذ أنها لا وزر عليها فيما حصل قبل ميلادها، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها:22415، 22196، 12263، 6045، 54266، 46306، 71549، 30197، 50432، 32981، 56892.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم انتساب البنت إلى زوج أمها
تاريخ 02 رمضان 1427 / 25-09-2006
السؤال
أنا بنت من الزنا وأحمل اسم زوج أمي، وزوجي لا يعلم بهذا الأمرهل يجب إخباره وهل علي أن أغير اسمي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يلزمك إخبار زوجك ولا غيره بما ذكرت، والأفضل أن تستري نفسك وأمك، وليس عليك ذنب فيما ارتكبه أبواك، ولكن لا يجوز لك الانتساب إلى زوج أمك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا . رواه البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم: من ادعى إلى رجل وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام . رواه البخاري
ولذلك فإن عليك أن تغيري نسبتك إلى زوج أمك الذي تنتسبين إليه باسم آخر تختارينه ويكون مناسبا لك فتقولين مثلا ( فلانة بنت عبد الله أو بنت عبد الرحمن) ، وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلعي على الفتاوى التالية أرقامها : 6045 ، 12263 ، 37061 .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من شروط نفي الولد(26/70)
تاريخ 04 ربيع الثاني 1427 / 03-05-2006
السؤال
أتاني رجل وأخبرني أنه متزوج من امرأة منذ سبع سنين، وأن الفحوصات أظهرت أنه عقيم لا يولد له البتة، وأن المرأة حملت بولد، وأنها أنجبت ابنا، وأنه قام بتحليل للدم، فأظهرت النتائج أن الولد ليس من هذا الرجل. وسؤاله هو: ماذا يفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن الولد الذي جاءت به زوجة الرجل المذكور ولده وينسب إليه ، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا إذا ثبت ثبوتا قطعيا لا يقبل الشك من خلال التحاليل الطبية الصادرة من الأطباء الموثوق بهم أنه ليس منه ، فإذا ثبت ذلك وجب عليه اللعان ، ويجب أيضا أن يكون فور العلم بالولادة إن أمكنه ذلك كما هو مذهب جمهور العلماء ، فلو أخر الزوج زمنا لغير عذر لم ينتف عنه الولد بحال بعد ذلك . وقد سبق توضيح ذلك كله ، وتوضيح كيفية اللعان ، في الفتاوى التالية أرقامها : 72548/ 1147/ 40956/ 59172 .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من أتت بولد تام لأقل من ستة أشهر
تاريخ 22 جمادي الأولى 1426 / 29-06-2005
السؤال
بنت تزوجت وبعد الزواج بأربعة شهور ولدت واتهمتها العائلة بالزنا- وهي وأمها وأبوها ينكرون ويقولون إنها ارتدت بنطلون أخيها فانتقل السائل إليها ، كلام غير معقول ولا يقبله صحيح العقل ، والآن العائلة بأكملها تقاطع البنت والأب والأم وأخ الأم يسأل هل يجوز مقاطعتها أم من باب صلة الرحم عليه صلتها أرجو توضيح موقف الأخ
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن هذا الحمل سابق على هذا الزوج، لأنه جاء دون أقل مدة الحمل، وقد نص أهل العلم على أن الحمل إذا جاء بهذه الصورة لا ينسب إلى الزوج.
قال ابن قدامة في المغني: إذا وطئ الرجل أمته فأتت بولد بعد وطئه بستة أشهر فصاعدا لحقه نسبه، وإن أتت بولد تام لأقل من ستة أشهر لم يلحقه نسبه لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وبما أن هذه المرأة لا تقر بحصول الزنا فلا حد عليها عند جمهور أهل العلم لاحتمال أن يكون الحمل قد يكون نتيجة لوطء في النوم وهي لا تدري، أو أنه كما تدعي بواسطة بنطلون أخيها إذا أثبت الأطباء المتخصصون حدوث ذلك، وتراجع الفتوى رقم: 54129، والفتوى رقم: 28539.(26/71)
وعلى كلٍ فلا يجوز هجر هذه المرأة ولا أهلها وخاصة فيمن تربطهم بهم رابطة رحم لمجرد ظهور حمل بها من غير إشهار المعصية أو إصرار عليها، بل لو ثبت أن هذا الحمل من الزنا ولم تتب منه فإنها لا تهجر إلا إذا كان في هجرها مصلحة.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم مناداة الصغير لغير والده بالأبوة
تاريخ 19 جمادي الأولى 1426 / 26-06-2005
السؤال
هل يجوز أن أترك بنت أختي تناديني يا أبي علما بأن والدها توفي و هي عمرها سنة وأربعة أشهر أريد حكم الإسلام في هذا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق في الفتوى رقم: 9971 حكم نداء غير الأب بيا أبي ونحوها، وذكرنا هنا لك أنه لا يحرم إلا إذا قصد به التبرؤ من الأب، وعليه، فلا حرج عليك في ترك هذه البنت الصغيرة تناديك، ولكن إذا عقلت تبين لها الحقيقة.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أحكام تتعلق في نفي نسب الولد
تاريخ 11 محرم 1426 / 20-02-2005
السؤال
شخص متزوج اكتشف بعد مرور عدة سنوات أن أحد أبنائه ليس منه بمعنى أن زوجته قد زنت وأنجبت طفلا ليس من صلبه ثم أبلغ عنها وسجنت الزوجة وطلقها وحصل على قرار من المحكمة بضم الأبناء، السؤال ما مصير هذا الطفل ... وهل يجوز لهذا الرجل تربية الطفل بعد أن طلق زوجته وعجز عن معرفة الأب الحقيقي للطفل
وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن الولد ينسب إلى صاحب الفراش وهو الزوج لما رواه الشيخان وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فلا يجوز للزوج نفي نسب الولد إلا إذا تحقق كونه ليس منه أو غلب على ظنه ذلك بالقرائن، وكيف يسهل أن يدعي أن الولد ليس منه والمرأة تحته وهو يأتيها، وليعلم الأخ السائل أن لنفي الولد عن الزوج شروطاً منها الفور والتعجيل في نفيه، فإذا مر زمن بعد علم الزوج بالولادة أو الحمل ولم يكن له عذر في تأخير النفي سقط حقه في نفي الولد. قال في الموسوعة الفقهية ملخصا مذاهب الفقهاء في شرط التعجيل والفور في نفي الولد باللعان: إذا أتت امرأة بولد(26/72)
لزم زوجها نسبه بالفراش، فإذا أراد نفيه باللعان بعد ذلك فقد اشترط المالكية والشافعية في الجديد على الأظهر والحنابلة لصحة النفي أن يكون فور العلم بالولادة مع إمكانه، فلو أخره زمنا لغير عذر لم ينتف عنه بحال بعد ذلك. وذهب الحنفية والشافعية في أحد القولين في القديم إلى جواز تأخير النفي مدة قدرها أبوحنيفة بمدة التهنئة، وهي ثلاثة أيام، وهو قول الشافعية في القديم، وفي قول لأبي حنيفة أنها سبعة أيام، وقدرها الصاحبان بمدة النفاس. والقول الثاني في القديم عند الشافعية أن له النفي متى شاء ولا يسقط بإسقاطه. انتهى.
ولا يفيده في نفي النسب اعتراف الزوجة بالزنا وحكم المحكمة عليها بالسجن، قال خليل: ولو تصادقا على نفيه. قال الدردير: أي الولد قبل البناء أو بعده فلا بد من لعان من الزوج لنفي الولد، فإن لم يلاعن لحق به. 2/460، وتراجع الفتوى رقم: 33617، والفتوى رقم: 40956، للفائدة.
وعليه؛ فإن كان للزوج عذر في تأخير النفي ـ ويرجع تقدير العذر إلى القاضي ـ فعليه أن ينفي نسب هذا الولد باللعان المعروف، وينسب إلى أمه، فإن لم يكن له عذر في تأخير النفي فهذا الولد ينسب إليه شرعا ويلحق به وليس له نفيه عنه وله أحكام الابن من التحريم والميراث والمحرمية والنفقة، وغير ذلك من أحكام النسب الأخرى، ولا يجوز التفريق بينه وبين بقية إخوته، وأما من سميته أبا حقيقيا وهو الزاني فإنه ليس أبا شرعيا للولد ولا ينسب الولد إليه فليس للعاهر إلا الحجر كما تقدم في الحديث. ويجوز للزوج ويستحب له تربية الولد الذي ليس له أب أو كافل وضمه إلى أبنائه، ويكون ربيبا وله أحكام الربيب، ويؤجر على ذلك، ويكون في ميزان حسناته يوم القيامة.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم المدخول بها إذا أتت بولد لمدة الحمل
تاريخ 14 ذو الحجة 1425 / 25-01-2005
السؤال
ما الحكم فيما لو أنكر الزوج نسب ابنه إليه، سواء كان قد دخل بزوجته أم لم يدخل وبوجود الخلوة الصحيحة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد الوعيد الشديد في جحد وإنكار الأب ابنه، فقد ثبت في النسائي وأبي داود والدارمي واللفظ له وصححه حسين أسد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .... أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين.
وما أتت به المرأة لمدة ستة أشهر فأكثر بعد عقد النكاح عليها وإمكان حصول الوطء بعده فهو لاحق بالزوج، والأصل في هذا ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش. قال النووي في شرحه: معناه أنه إذا كان للرجل(26/73)
زوجة أو مملوكة صارت فراشا له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولدا له يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة، سواء كان موافقا له في الشبه أم مخالفاً، ومدة إمكانه منه كونه ستة أشهر من حين اجتماعهما. انتهى.
هذا وقد اتفق الفقهاء على أن الخلوة بمثابة الوطء في لحوق نسب الولد بها، وهذه نصوص بعض أصحاب المذاهب في ذلك، قال السرخسي الحنفي: وإن كان الطلاق بعد الخلوة لزمه الولد إلى سنتين لأن النكاح بالطلاق قد ارتفع إلى عدة، ولما جعلنا الخلوة بمنزلة الدخول في إيجاب العدة؛ كذلك فيما يبنى عليه وهو ثبوت نسب الولد.
وقال صاحب التاج والإكليل المالكي نقلا عن المدونة: وإذا تصادق الزوجان بعد النكاح الفاسد أو الصحيح على نفي المسبب لم تسقط العدة بذلك لأنه لو كان ولد لثبت نسبه؛ إلا أن ينفيه بلعان. انتهى.
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: .... لو خلا بها فأتت بولد لمدة الحمل لحقه نسبه وإن لم يطأ.
وأما إذا وقع الطلاق قبل الدخول وأتت المرأة بولد فإذا أنكره الزوج وصدقته لم يحتج إلى ملاعنتها، وإن كذبته فلا بد من لعان، قال صاحب منح الجليل المالكي: ..... ولو كانت الزوجة غير مدخول بها وظهر بها حمل فأنكره الزوج وصدقته صدق بغير لعان عند مالك وأبي القاسم، وقال ابن الماجشون: لا ينتفي إلا بلعان ولو ادعت أنه منه لم ينفه إلا بلعان؛ إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم عقده فتحد. انتهى.
وعلى هذا فولد المرأة التي أتت به بعد العقد عليها وحصول الخلوة بها لمدة ستة أشهر فأكثر لاحق بزوجها ولا يفيده إنكاره ما لم ينفه بلعان.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم ما نتج عن النكاح الباطل من أولاد
تاريخ 05 جمادي الأولى 1425 / 23-06-2004
السؤال
أنا أعيش في هولندا، وأنا إمام وخطيب متطوع لبعض المساجد فيها، وبعض الأحيان نقوم بكتابة عقود الزواج عندنا في المسجد، ولكن تواجهنا دائما مشكلة عظيمة لقلة العلم الشرعي وغياب العلماء هنا،
وسؤالي لكم مشايخي الفضلاء والإخوة النبلاء هو:
ما حكم من تزوج من نصرانية من غير شروط شرعية أي تزوجها في مجلس البلدية دون وجود أي علاقة للإسلام بزواجهما؟
وإذا كانت الإجابة بأنه لا يجوز ذلك، فما حكم من تزوج على هذا النحو في الماضي وأنجب له من زوجته أطفالا، فهل هؤلاء الأطفال شرعيون؟ وينسبون إليه أم أنهم أبناء زنى؟ وهل يجدد عقد الزواج بعقد زواج شرعي جديد أو تكفيه التوبة إلى الله، ويقران على ما هم عليه قياسا بالكافرين، وهذا يحدث كثيرا عندنا، وآخر ما سئلت عنه قبل أيام من أخ يعيش هنا منذ فترة طويلة والآن تاب إلى الله وأراد أن يسأل(26/74)
عن حكم زوجته، هل يجدد العقد بينها وبينه؟ مع العلم أنها لم تكن آنذاك على الإسلام، أما اليوم فقد أسلمت، وهل ابنهما ينسب إليه شرعا أم لا؟ وفي حالة أنه لا ينسب إليه، هل من باب الضروريات أن يسجله باسمه حتى يحسن تربيته على الإسلام، والأمر كما تقرؤون فيه تعقيد كبير، والله من وراء القصد.
أفتونا مشكورين مأجورين إن شاء الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أباح الله تعالى للمسلم نكاح الكتابيات (اليهوديات والنصرانيات) وقيد جواز ذلك بأن تكون الكتابية محصنة (عفيفة)، قال سبحانه: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ [سورة المائدة: 5]. أما إن كانت غير عفيفة فلا يحل نكاحها.
والأولى بالمسلم ألا يتزوج إلا بمسلمة، وذلك لأنها المأمونة على نفسها وتربية أولادها تربية صالحةعندما يحصل انفصال بموت أو طلاق، أما الكتابية فالغالب فيها عدم العفة وارتباطها بالدين الذي تنتسب إليه؛ بل ربما دعته إلى مذاهب وملل أخرى كالوجودية والإلحاد، وعلى كل حالٍ فمن أصر على الزواج بالكتابية العفيفة فله ذلك إذا توافرت شروط النكاح الصحيح من إيجاب وقبول وولي وصداق وشاهدي عدل، كما هو مبين في الفتوى رقم: 1766.
وعلى هذا؛ فإن كان نكاح البلدية المذكور مستوفيا لشروط النكاح فالنكاح صحيح وإلا فهو باطل؛ إلا أنه إن كان أصحابه أقدموا عليه معتقدين حله، فإن ما نتج عن ذلك من أولاد يلحقون بآبائهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر. إلى أن قال: فثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر بل الولد للفراش؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
ثم إنه في حال اعتبار النكاح باطلا فلا بد للزوجين من تجديد عقد النكاح بشروطه الصحيحة بعد الاستبراء على الراجح إذا رغبا في الاستمرار.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الجري وراء الأوهام حول صحة نسبة البنت إليكم مما لا ينبغي
تاريخ 07 ربيع الأول 1425 / 27-04-2004
السؤال
السلام عليكم إخوتي الأعزاء أبعث لكم رسالتي هذه أملا من الله عز وجل أن تصادفكم وأنتم في تمام الصحة والعافية
أنا تزوجت من خمس سنوات ولي ثلاثة أطفال إناث لكن عندنا مشكلة وهي في البنت الثانية حيث يوجد لدينا أنا وأمها نفور أي لا نشعر بأنها ابنتنا ولا توجد عاطفة(26/75)
تجاهها من تاريخ ولادتها عندما تبكي كنت أقول لزوجتي أسكتيها لا أستطيع سماع صوتها والعياذ بالله كأن شيطانا ذو صوت قبيح يصرخ في أذني وزوجتي لا تشعر بالعاطفة نحوها وتشعر بالحزن لعدم محبتها لها وها نحن الآن بعد أربع سنوات أنا وأمها نعاني من هذه المشكلة وفي الوقت نفسه هذه الطفلة رائعة الجمال وكل من يراها من الأهل والأصدقاء يتسارعون لحملها وتقبيلها أما نحن نحاول ولعدة مرات أن نقبلها ونكون أبوين ولكن لا نشعر بوجود الرابط بيننا نحن نعتقد أن هذه الطفلة قد استبدلت في المستشفى
ملاحظة
إذا قمنا بفحص للدم وكانت النتيجة أنها ليست ابنتنا فالحكومة سوف تأخذها وإن كانت النتيجة أنها ابنتنا فهنالك نتائج سلبية من الحكومة
لقد سألت رجل دين و قال إنها ملموسة ولكن لم يرها
الرجاء الرد على هذه المشكلة ولكم جزيل الشكر
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن هذه البنت بنتكما، ولا يبنغي لكما الاسترسال مع الأوهام والشكوك، ولذا ننصحكما بقطع هذه الأوهام والاهتمام بهذه البنت وتربيتها، وسؤال الله عز وجل أن يشرح صدوركما لحبها والشفقة عليها، ولو استرسل الإنسان مع الشكوك التي يلقيها إليه الشيطان لما سلم له شيء، وأما الحكم عليها بأنها ممسوسة، فيحتاج إلى أن ينظر إليها صاحب خبرة في هذا الأمر ويشخصها ثم يحكم عليها.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
لا يدعى المرء باسم أمه حيا ولا ميتا
تاريخ 15 صفر 1425 / 06-04-2004
السؤال
هل صحيح أن دعاء الإنسان لأخيه المسلم الذي على قيد الحياة يكون باسم الأب أي أن نذكر اسمه واسم الأب وليس باسم الأم كأن نقول(يا رب وفق محمد بن سعيد) والمتوفى ندعو له باسم أمه كأن نقول (يا رب ارحم محمد بن فاطمة)أوأي دعاء آخر ..أفيدونا جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي صح في الكتاب والسنة هو أن الإنسان يدعى باسم أبيه لا باسم أمه، سواء كان على قيد الحياة أو كان متوفى، قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ (الأحزاب: من الآية5)، وهذا عام في الحياة وبعد الموت، وروى أبو داوود وأحمد والدارمي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم. وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الغادر يرفع له(26/76)
لواء يوم القيامة، يقال هذه غدرة فلان بن فلان. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تعليقه على الحديث الأول: وفي هذا الحديث رد على من قال: إن الناس يوم القيامة إنما يدعون بأمهاتم لا آبائهم.... واحتج من قال بالأول بما روه الطبراني في معجمه من حديث سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة -وهو في النزع- قال: إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل يا فلان بن فلان فإنه يسمعه ولا يجيبه، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، فذكر الحديث، وفيه فقال رجل: يا رسول الله، فإن لم يعرف أمه، قال فلينسبه إلى أمه حواء، ولكن هذا الحديث متفق على ضعفه، فلا تقوم به حجة فضلاً عن أن يعارض ما هو أصح منه...
وبهذا التعليق تعلم أن المرء لا يدعى باسم أمه حياً ولا ميتاً، وإذا لم يكن له نسب معروف، فإنه يدعى بعد الموت بما كان يدعى به حياً.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
اقترف معها الفاحشة وحملت ثم تزوجها بدون ولي وشهود
تاريخ 13 صفر 1425 / 04-04-2004
السؤال
أنا شاب كنت على علاقة بفتاة أجنبية مسيحية وأنا مسلم كنت أنوي الزواج بها قبل العلاقة يعني أني زنيت قبل الزواج وحملت مني قبل الزواج ثم تزوجتها ولم أعلم أحدا على سنة الله ورسوله تزوجنا
بعد ذلك أنجبنا الطفلة وعشنا سوية لفترة ثم أعلمت أهلي والناس وانتقلت للعيش معهم وأسلمت زوجتي ( دخلت الدين الإسلامي طواعية وليس بسبب أحد) وتعلمت الدين والصلاة والأركان الإسلامية لكن لم يتم دخولها بالاسلام عن طريق مفتي أو محكمة لكن علمتها الشهادة والوضوء وكيفية إقامة والصلاة وباقي الأركان
هل الزواج سليم وما حكم الطفلة ابنتي شرعية أم ماذا
لا أعلم ما أفعل أفيدوني جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب عليك أولاً وقبل كل شيء أن تتوب إلى الله من الفاحشة التي ارتكبتها مع هذه المرأة.
وإذا كنت قد تزوجت بها بعد ذلك بولي وشهود فإنها زوجتك الآن أما البنت فإنها من الزنا فلا تنسب إليك في مذهب الجمهور، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الزاني إذا تزوج زواجاً صحيحاً ممن زنا بها وحملت من زناه، فإن الحمل يجوز أن ينسب إليه.
وما دام الزواج المذكور قد تم بغير ولي وشاهدين -كما فهمناه من السؤال- فهو غير معتبر، وبالتالي فإن هذه المرأة لا تعد زوجة لك الآن، ويجب عليكما الفراق فوراً،(26/77)
وإذا أردتما الزواج فلا بد من عقد تتوفر فيه الشروط، ومن ذلك الولي والشهود، وإذا لم يكن لهذه المرأة ولي مسلم فإن الذي يزوجها هو القاضي.
أما عن إسلام هذه المرأة فنسأل الله أن يثبتنا وإياها على الهدى حتى نلقاه، ولا يشترط في إسلام الشخص أن يكون عن طريق مفتي أو محكمة، بل من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقد دخل في الإسلام، ثم عليه بعد ذلك أن يقوم بالواجبات ويجتنب المحرمات.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم مناداة أم الزوجة بـ(ماما)
تاريخ 01 محرم 1425 / 22-02-2004
السؤال
هل يجوز أن أنادي والدة زوجتي ( ماما ) لأرضيها و أرضي زوجتي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من ذلك، لأن المقصود به إظهار الاحترام لا تحقيق النسب، وهذا الباب واسع، والذي ورد الشرع بالنهي عنه إنما هو انتساب الرجل إلى غير أبيه، وقد سبق الكلام عن ذلك في الفتوى رقم: 9971، وكره أهل العلم نداء الزوجة بـ (يا أمي) و (يا أختي) لما في سنن أبي داود عن أبي تميمة الهجيمي "أَنّ رَجُلاً قالَ لامْرَأَتِهِ يَا أُخَيّةُ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أُخْتُكَ هِيَ؟ فكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ"
. قال ابن قدامة في "المغني": يكره أن يسمي الرجل امرأته بمن تحرم عليه، وليست أم الزوجة كالزوجة في الحكم.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الأبوة الحقيقية لا تثبت لولد الزنا
تاريخ 29 ذو القعدة 1424 / 22-01-2004
السؤال
أرسل لكم مشكلتي هذه راجياَ منكم إفادتي وإرشادي إلى الطريق الصحيح جزاكم الله عنا وعن باقي المسلمين خيراً
انا شاب في الثلاثين من العمر، ذهبت منذ ثلاث سنين إلى بلد أوروبي لاستكمال دراستي وكان لي عدد من الزملاء والزميلات في مقاعد الدراسة وكانت لي علاقة وطيدة مع إحداهن من الجنسية الفرنسية وقبل عودتي إلى أرض الوطن وقعت معها في المعصية وعند عودتي ندمت على ما اقترفت وتبت الى الله وقد تزوجت من امرأة فضيلة، وفي إحدى اليالي استقبلت اتصال من الخارج حيث بلغني من هذه المرأة أنها تحمل طفلاً مني مما أصابني بالجنون والحيرة وجعلني لا أعلم ماذا(26/78)
باستطاعتي أن أفعل، حيث إنني مؤمن وأخاف الله كثيراً وهذه المرأة تعتنق الديانة المسيحية وأنا لا أرغب في الارتباط بها و أنا لا أعلم ما هو الحل الديني السليم لهذا الأمر (مع العلم بأنني غير متأكد من أبوتي لهذا الطفل) كما أن زوجتي على علم بذلك لأنني لا أستطيع إخفاء الأمر عليها، لذلك أرجو منكم إفادتي في أمري هذا وما الواجب علي فعله نحو هذه المرأة ونحو هذا الطفل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة ونسأله سبحانه أن يثبتنا وإياك على دينه، وأما هذا الطفل فلا يعتبر ابناً لك شرعاً، لأن الأبوة الحقيقية لا تثبت لولد الزنا، ولو كنت متأكداً من أنه ناشئ عن وطئك أحرى إذا كنت غير متأكد.
وبالتالي فإنه لا يترتب عليها أي من الأحكام الشرعية من النفقة والإرث وحرمة المصاهرة.
وننبهك إلى أن الواجب على المسلم إذا وقع في معصية أن يستر على نفسه، وأن لا يخبر بذلك أحداً من الناس، ولو كان زوجته، وذلك لأن المجاهرة بالمعصية معصية أخرى، وراجع لمزيد من الفائدة الفتاوى: 501/1158/29331.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
من ألم فليستتر بستر الله
تاريخ 27 رجب 1424 / 24-09-2003
السؤال
أرسلت سؤالاً عن حكم ابن الزنا وهل يحق للشخص التحقق أنه منه أو لا؟ وهل يتحمل الشخص مسؤولية الابن مدى الحياة؟ وما هي الكفارة؟ علماً بأن لي سؤالاً آخر برقم 1252 لم يرد عليه. أفيدوني أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مذهب الجمهور -وهو الراجح- أن ابن الزنا لا ينسب لغير أمه ولو كان شبهه بالزاني ظاهراً، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد يارسول الله ابن أخي عتبة عهد إلي أنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة هذا أخي يارسول الله ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، فقال هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر.
محل الشاهد أنه لم يلحقه بعتبة مع شبهه به، ولم يقبل دعواه فيه، وأما هل يلزم الزاني التحقق من كون هذا الولد ناشئاً عن مائه من الزنا؟ وهل يتحمل مسؤوليته مدى الحياة؟ فالجواب أنه ليس عليه التحقق منه، ولا تحمل مسؤوليته مدى الحياة.(26/79)
وإنما يجب عليه أن يستر نفسه، وأن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، وإن يبتعد عن الزنا، ويتخذ الوسائل اللازمة لتحصين نفسه، لما في الحديث: من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله رواه مالك وأحمد وصححه الألباني.
وفي رواية: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى اله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
ولقول الله تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].
وراجع للزيادة في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12263، 22196، 6045، 1732، 34932.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
لمن ينسب ولد الزنا
تاريخ 12 رجب 1424 / 09-09-2003
السؤال
ما حكم من تستر على جريمة زنا؟ مع العلم بأنه كان مضطراً إلى هذا التستر وكذا التستر على المولود الحرام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يستر أخاه المسلم إذا وجده على معصية، لعموم النصوص الواردة في وجوب الستر على المسلم، وترك فضحه بين الناس، وقد بينا هذا مع ضوابطه في الفتوى رقم: 26164، والفتوى رقم: 33660، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 1117، والفتوى رقم: 30731.
أما عن الولد الذي أنجبته المرأة المذكورة، فإنه ينسب إلى زوجها إن كان لها زوج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. رواه البخاري وغيره، ومعناه أن الولد لصاحب الفراش وهو الزوج.
فإذا لم يكن لها زوج نسب الولد إليها هي، وعلى كل فلا سبيل إلى نسبته إلى أبيه من الزنا.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تغيير الاسم ومدى أثره على الزواج
تاريخ 02 رجب 1424 / 30-08-2003
السؤال(26/80)
هل يصح زواجي من رجل باسم غير اسمه الحقيقي لأنه قام بتغيير اسمه ونسبه لكي يحصل على جنسية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فانتساب الإنسان لغير أبيه محرم تحريما شديدا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر . متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: فيه تأويلان، أحدهما: أنه في حق المستحل -أي من استحل فعل هذا مع علمه فقد كفر.
الثاني: أنه كفر النعمة والإحسان وحق الله تعالى وحق أبيه. انتهى.
إلا أن يضطر إلى ذلك اضطرارا كمن لم يجد بلدا يَقِرُّ به وتمكنه فيه الإقامة، وليس يجد وسيلة إلى التجنس إلا بتغيير اسمه.
وبكل حال، فلا أثر لذلك على صحة الزواج، فيصح الزواج من الرجل المعين المعروف، ولو كان قد غير اسمه الحقيقي إلى اسم آخر.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يجوز لمن لا ولد له أن يتكنى
تاريخ 27 جمادي الثانية 1424 / 26-08-2003
السؤال
هناك العديد من الشباب من يلقب نفسه باسم غير اسمه الحقيقي، فمثلا إن كان اسمه يوسف يلقب نفسه بأبي عبد الرحمن وهو ليس له أبناء أو تكون فتاة تدعى لطيفة وتلقب نفسها بأم ياسر هل هذا شرعي أم بدعة وهل هناك دليل شرعي على ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كنىَّ من لا ولد له من الرجال، كما كنى من لا ولد لها من النساء، ففي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، كل صواحبي لهن كنى، قال: فاكتني بابنك عبد الله، يعني ابن اختها، قال مسدَّد: عبد الله بن الزبير، وصححه الألباني.
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم يخالطنا، حنى يقول لأخٍ لي صغير: يا أبا عمير، مافعل النُّغَيْر. والنغير نوع من الطيور كان يلعب به، وقد كان هذا المُكَنَّى فطيما (أي قريب الفطام من الرضاع)، ومع هذا كناه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد الإمام البخاري هذا الحديث في باب: الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل. ا.هـ
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 30852، 22873، 2850.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ(26/81)
أهمية الانتساب إلى الأب الحقيقي
تاريخ 22 جمادي الثانية 1424 / 21-08-2003
السؤال
جزاكم الله خيرًا، هل يجوز تأخير تغيير الاسم نسبة إلى الوالد الحقيقي في بعض الوثائق أم جميعها؟ اذكروا أهمية الانتساب إلى الآباء كما أمر الله ورسوله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز تأخير تغيير نسبة الاسم إلى الوالد الحقيقي، بل يجب على الشخص أن يبادر إلى تغيير ذلك إلى النسب الحقيقي. ويحرم عليه أن ينتسب إلى غير أبيه، سواء في بعض الوثائق أو في جميعها. قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ[الأحزاب:5]. وعند أبي ذرٍّ رضي الله عنه، مرفوعًا: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاّ كَفَرَ. رواه الشيخان ، والأحاديث في هذا كثيرة.
فالواجب تصحيح النسب. وتكمن أهمية النسب الصحيح في أن الانتساب إلى غير الأب الصحيح كذب. وقد قال تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[آل عمران:61]. كما أن في الانتساب إلى غير الأب فيه ضياع الحقوق، كالإرث ونحوه. واختلاط الأنساب، فقد يتزوج الرجل ممن لا تحل له.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أهمية الانتساب إلى الأب الحقيقي
تاريخ 22 جمادي الثانية 1424 / 21-08-2003
السؤال
جزاكم الله خيرًا، هل يجوز تأخير تغيير الاسم نسبة إلى الوالد الحقيقي في بعض الوثائق أم جميعها؟ اذكروا أهمية الانتساب إلى الآباء كما أمر الله ورسوله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز تأخير تغيير نسبة الاسم إلى الوالد الحقيقي، بل يجب على الشخص أن يبادر إلى تغيير ذلك إلى النسب الحقيقي. ويحرم عليه أن ينتسب إلى غير أبيه، سواء في بعض الوثائق أو في جميعها. قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ[الأحزاب:5]. وعند أبي ذرٍّ رضي الله عنه، مرفوعًا: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاّ كَفَرَ. رواه الشيخان ، والأحاديث في هذا كثيرة.
فالواجب تصحيح النسب. وتكمن أهمية النسب الصحيح في أن الانتساب إلى غير الأب الصحيح كذب. وقد قال تعالى: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ[آل عمران:61]. كما أن في الانتساب إلى غير الأب فيه ضياع الحقوق، كالإرث ونحوه. واختلاط الأنساب، فقد يتزوج الرجل ممن لا تحل له.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(26/82)
ــــــــــــــ
حكم الانتساب لغير القبيلة الأصلية
تاريخ 09 ربيع الثاني 1424 / 10-06-2003
السؤال
ماحكم رجل انتسب إلى قبيلة غير قبيلته الأصلية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للإنسان تغيير نسبه بالانتماء إلى نسب آخر، لما قد يترتب على ذلك من مفاسد، أو فوات لبعض المصالح.
روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام.
قال ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام في شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه: ليس من رجل ادعى لغير أبيه ..." الحديث، يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة. انتهى.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
التغليظ في الانتفاء من الولد.
تاريخ 01 ربيع الأول 1424 / 03-05-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أود أن أعرف ما هو حكم الشرع في أب يشك في أن ابنه ليس ابنا شرعيا له؟ وكيف عليه أن يتعامل مع الموضوع؟ مع العلم بأنه طلق الزوجة والابن ما يزال معه. وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرع الكريم من مقاصده صيانة أعراض المسلمين بحيث لا تنتهك ولا ترمى بما يدنسها، ولذلك رتب العقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة على كل من قذف مسلماً أو مسلمة بفاحشة هو بريء منها، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23].
وعليه، فنقول لهذا الأب إنه يجب عليه أن يتقي الله تعالى ويتوب إليه من قذف زوجته ونفي ابنه اعتماداً على الشك، فإن الشك لا يجوز الاعتماد عليه في القذف ولا في نفي النسب، بل لا بد أن يكون معتمدا على يقين محقق أو ظن مؤكد يؤدي إلى العلم حتى تحق له ملاعنة زوجته.
قال الشربيني في مغني المحتاج: وله -أي الزوج- قذف زوجته عَلِمَ -أي تحقق- زناها بأن رآها تزني، أو ظنه -أي زناها- ظناً مؤكداً أورثه العلم.(26/83)
كذلك أيضاً احتفاظك بالولد وعدم إعلان نفيه دليل على أنك راض بلحوقه بك في النسب فلا يجوز لك نفيه بعد ذلك، قال البهوتي في كشف القناع: ومن شرطه أي نفي الولد أن لا يوجد منه إقرار ولا دليل على الإقرار، فإن أقرَّ به أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه وامتنع نفيه.
كما يجب عليك أن تعرض عن هذا الشك الذي لا يقوم عليه دليل، ولتحذر من الوعيد الشديد الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الجنة، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين. رواه أبو داود والدارمي في سننه وصححه ابن حبان. وفي عون المعبود شارحاً لهذا الحديث: جحد ولده: أي أنكره ونفاه، وهو ينظر إليه أي الرجل ينظر إلى الولد، وهو كناية عن العلم به بأنه ولده أو الولد ينظر إلى الرجل، ففيه إشعار إلى قلة شفقته ورحمته وقساوة قلبه وغلظته، احتجب الله عنه أي حجبه وأبعده من رحمته، وفضحه أي أخزاه على رؤوس الأولين والآخرين.
ويمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 12315، والفتوى رقم: 7105.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
متزوج أنجب سفاحاً من متزوجة
تاريخ 17 شعبان 1423 / 24-10-2002
السؤال
ماحكم الرجل المتزوج الذي أنجب طفلة من امرأة متزوجة؟؟؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن هذا الرجل، وهذه المرأة قد وقعا في أمر عظيم، فالواجب عليهما الآن هو التوبة الصادقة، والندم والاستغفار مما بدر منهما.
أما بالنسبة للولد فإنه ينسب إلى زوج هذه المرأة، ولا ينسب إلى الزاني ولا إلى أمه، إلا أن ينفيه الزوج بلعان فينسب حينئذ إلى أمه، لقوله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " متفق عليه
ويجب على أمه تربيته والإحسان إليه.
وراجع التفاصيل لزاماً في الفتاوى التالية: 1117 3320 4822 22704 9093 6280 13390 6045
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
توضيح حول الفتوى (1880)
تاريخ 23 رجب 1423 / 30-09-2002
السؤال(26/84)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت ردكم الكريم على الفتوى رقم 1880
وأريد أن أعرف بعد تمام الزواج بين الرجل والمرأة التي زنى بها لا يعد المولود ولداً له كيف وهو تزوج بها لنسب المولود له .....؟
ثانيا كيف يتزوجها ثانيا بعد وضع الحمل وهو زوج لها بعقد صحيح مشهر حضره الجميع .....؟
أفدني جزاك الله خيراً الزواج الصحيح ينتج أثره فور العقد الصحيح الذي توفرت جميع أركانة فكيف يكون هذا الزواج باطلا وإنما تم لتصحيح خطأ .... فليست من عادة كل منهما الزنى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
زهرة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما رجحناه في الفتوى رقم: 1880، هو مذهب المالكية والحنابلة القائلين بمنع زواج الزاني بالمرأة التي زنى بها قبل وضع الحمل سواء كان الحمل من الزاني نفسه أو كان من غيره، أما الحنفية والشافعية فقد جوزوا نكاح الحامل من الزنى كما هو مبين في الفتوى رقم:
6045.
أما بخصوص نسبة الطفل إلى أبيه من الزنا ولحوقه به في هذه الحالة، فقد أجاز ذلك إسحاق بن راهويه، وعروة، وسليمان بن يسار واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
أما قولك: كيف تتزوجها ثانياً بعد وضع الحمل.... إلخ. فهذا لم نقل به في الفتوى المذكورة برقم: 1880، وإنما قلنا بأنه لا يجوز لهما الزواج حتى تضع الحمل ويتوبا إلى الله ...... إلخ
لكن لو تزوجها قبل الاستبراء أو وضع الحمل فإن الزواج يمضي ولا يلزم أن يعقد عليها من جديد، كما هو مبين في الفتوى رقم:
11426.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
أقوال العلماء في حكم نسبة ولد الزنا للزاني لو تزوج من الزانية
تاريخ 04 رجب 1423 / 11-09-2002
السؤال
السيد الدكتورعبدالله أحيط فضيلتكم بأني أرسلت سؤالا برقم 43661 ولم تأت الإجابة شافية ولم تتم الإجابة وهو هل ولد الزنى يلحق بالأب أم لا ومن قال هذا الرأي أو غيره من العلماء وكذلك الحديث المروي عن أبي داود صحيح أم لا لأن الحاكم لا يعتمد عليه العلماء مع العلم أن الألباني حقق سنن أبي داود وكذلك سألت سؤالا برقم 40539وأحلتني إلى سؤال 1007 و17718 ولم أجدهما في الشبكة(26/85)
وكذلك سألت سؤالا رقم 40680 وأحلتني إلى سؤال رقم 254 ولم أجده وبالتالي لم أجد فيما سبق من اسئلة رداً شافيا علي أي سؤال بذكر الدليل الواضح ولم أجد الأسئلة التي أحلتني إليها برجاء التكرم بإعادة الرد المفيد وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر لك ثقتك وتواصلك مع مركز الفتوى، وفيما يخص السؤال رقم: 43661 فقد أحلناك على جوابين سابقين لاشتمالهما على مضمون ما سألت عنه.
وقد تضمن الجوابان ذكر اختلاف العلماء في نكاح الحامل من الزنى، وذكرنا ما نرجحه من أن حمل الزنى لا ينسب إلى هذا الزاني ولو تزوج من الزانية.
وهذا هو مذهب الجمهور، وقد بينا في فتوى أخرى تفصيل هذا الخلاف، انظر الفتوى رقم:6045 وحاصله أن الجمهور على أن ولد الزنا لا ينسب إلى الزاني بحال، وخالف في ذلك عروة وإسحاق بن راهويه وسليمان بن يسار وأبو حنيفة فأجازوا إلحاق الولد بالزاني في حال زواجه بالزانية. قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له.
وإنما رجحنا مذهب الجمهور واكتفينا بذكره في بعض الفتاوى، لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أنه لا يلحق الولد "إذا كان أبوه الذي يُدْعى له أنكره، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث؛ وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه، فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة." والحديث حسنه الألباني، وهو صريح في أن ولد الحرة المزني بها لا ينسب إلى الزاني ولا يرثه وإن ادعاه الزاني.
ولا شك أن إثبات أبوة الزاني لهذا الحمل يترتب عليه أحكام عظيمة كإرثه منه، وكون الولد محرماً لأم الزاني وأخته وبناته من غير المزني بها.
وأما حديث أبي داود: لا توطأ حامل حتى تضع. فقد صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ونحن لا نلتزم ذكر من نص على صحة الحديث اكتفاء بوقوفنا على صحته.
والحاصل أن الولد من الزنى لا ينسب إلى الزاني في جميع الأحوال، سواء ولد قبل زواج الزاني بأمه، أو كان حملاً حين حصل هذا الزواج.
والله أعلم.
وأما سؤالك رقم 40539 فقد أحلناك ضمن الجواب على الفتوى رقم: 1007 والفتوى رقم: 17718
وما عليك إلا أن تضغط على هذين الرقمين يظهر لك الجوابان، أو أن تأخذ الرقمين وتبحث عنها من خلال مركز الفتوى بحث برقم الفتوى، وليس في خانة بحث برقم السؤال.
وأما سؤالك رقم 40680 فقد أحلناك على جوابين برقم: 9974 ورقم: 254 وهذا ما يظهر لنا عند البحث برقم سؤالك المذكور.(26/86)
لكن سبب الاشتباه أن الجواب رقم: 9974 تضمن الإحالة على رقم: 254 ولم تعمل معه خاصية الدخول المباشر بالضغط على الرقم، لكن من حسن الحظ أن الفتوى 254 مرفقة مع الفتوى 9974.
وسنعالج الخلل الحاصل في خاصية الإحالة السابقة.
وجزاك الله خيراً على تنبيهك وإرشادك، ولعلك تنبهت إلى أن لدينا بحثاً برقم السؤال وآخر برقم الفتوى، وأن الإحالة إنما تكون على رقم الفتوى فقط.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إذا اعتقد الزوج صحة النكاح فيلحقه ولده
تاريخ 18 ذو الحجة 1424 / 10-02-2004
السؤال
لي صديق وهو قد تزوج عرفياً بحضور شاهدين والقبول من الطرفين ولكن بدون ولي أمر للزوجة وقد وثقوا هذا بورقة ممضاة من الشهود الآن الزوجة قد أنجبت طفلة فهل الزواج صحيح أصلاً وكيف هي حالة الطفلة بهذه الحالة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزواج هذه المرأة بدون ولي زواج باطل غير صحيح، كما هو مبين في الجوابين رقم: 3395، والجواب رقم: 4832.
ويجب عليهما أن يفترقا، ثم تلزم هذه المرأة العدة، لأنها وطئت بسبب النكاح.
فإذا أراد الزواج منها، فيكون بعد انقضاء عدتها، وبشرط أن يعقد لها وليها مستوفياً الأركان والشروط.
أما الطفلة، فإنها تنسب إليه ولو فرق بينهما، ولا تعتبر ابنة زنا ما دام الزوجان كانا قد ظنا أن نكاحهما نكاح سائغ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه، فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم من مات عنها زوجها وأتت بمولود بعد سنتين
تاريخ 16 ربيع الثاني 1423 / 27-06-2002
السؤال
إذا مات عن المرأة زوجها وبعد سنتين ولدت مولود هذا المولود يلحق بزوجها المتوفى علماً بأنها لم تتزوج بعده؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(26/87)
فلو طلقت المرأة أو مات عنها زوجها، فلم تنكح حتى أتت بولد بعد طلاقها أو موت زوجها بأربع سنين، فإن الولد يلحقه وتنقضي عدتها بوضعها الحمل، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
وقال الحنفية: أقصى مدة الحمل سنتان.
وحجة الجمهور أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد من تحمل أربع سنين، فروى الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس عن حديث عائشة قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين، فقال: سبحان الله، من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثني عشر سنة، وقال الشافعي: بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين، وقال أحمد: نساء ابن عجلان تحمل أربع سنين.
وعليه، فمن ولدت على رأس سنتين، فإن الولد يلحق زوجها الذي طلقها أو مات عنها إن لم تكن تزوجت بغيره، وهذا محل اتفاق بين أهل المذاهب المتبوعة.
وقال شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري رحمه الله في (أسنى المطالب): فإن طلقها بائنًا وكذا رجعيًا أو فسخ نكاحها ولو بلعان ولم ينف الحمل فولدت لأربع سنين فأقل من وقت إمكان العلوق قبيل الطلاق أو الفسخ لحقه، وبان أن العدة لم تنقض إن لم تنكح المرأة آخر أو نكحت ولم يمكن كون الولد من الثاني لقيام الإمكان، سواء أقرت بانقضاء عدتها قبل ولادتها أم لا، لأن النسب حق الولد فلا ينقطع بإقرارها.
والله اعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الزاني بالمتزوجة لا حق له في الولد
تاريخ 22 ذو القعدة 1422 / 05-02-2002
السؤال
ما رأي الدين برجل زنى بامرأة متزوجة وأنجب منها طفلاً وهل له من توبة؟ وكيف يكفر عن ذلك؟ وما مصير ذلك الطفل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حكم الزنى، وتوبة الزاني في جواب سبق برقم:
1095
وأما عن الطفل الذي زعم السائل بأنه ابنه من الزنى، فنقول:
ليس الأمر كما ظن السائل، فإن المرأة إذا كانت ذات زوج، فإن الولد ينسب لهذا الزوج، ولا يربطه بالزاني رابط، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" البخاري ومسلم.
فالمرأة إذا كانت زوجة لرجل، فإنها تصبح فراشاً له، فإذا أتت بولد، فإنه يلحق ذلك الزوج في النسب، والميراث وسائر الأحكام، ما لم ينفه الزوج عن نفسه بلعان.(26/88)
أما الزاني، وهو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم "العاهر"، فليس له إلا الخيبة والخسران، ولا حق له في الولد، وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "وللعاهر الحجر" فإن العرب تقول:
لفلان الحجر أي له الخيبة.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
تزوج بمن زنى بها وولدت له
تاريخ 25 شعبان 1422 / 12-11-2001
السؤال
بسم الله الرحمان الرحيم
السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، أما بعد:
رجل أقام مع امرأة علاقة زوجيّة غير شرعيّة ، وبعد معاشرته لها لمدّة عامين أراد الزّواج بها.
فهل عليها أن تعتدّ لمعرفة براءة رحمها ، وإن لم تعتدّ ثمّ رزقهما الله بولد فهل يعتبر الابن شرعيّا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها فلا يجوز له حتى تتوب إلى الله تعالى، وتعتد من ذلك الزنى، على الراجح من قولي أهل العلم.
وعدتها هي وضع حملها إن حملت، أو استبراؤها بحيضة إن لم تحمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" رواه أبو داود، ومثله عند أحمد، والدرامي.
فإن تزوجها قبل الاستبراء مضى ذلك الزواج نظراً لمن يقول من العلماء بجوازه، ثم إن ولد لهما ولد، فإن كان أقلَّ من ستة أشهر من تاريخ الزواج فإنه لا يلحق بالزوج شرعاً، ولا ينسب إليه، لنقصه عن أقل أمد الحمل الذي هو ستة أشهر.
وأما إن ولد لستة أشهر فأكثر، فإنه يلحق به، ويعتبر ابناً له، ولو اشتبه في أنه من مائه الحرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الإنتساب إلى غير الأب الشرعي كبيرة
تاريخ 30 رجب 1422 / 18-10-2001
السؤال
أنا فتاة غير شرعية أخذني والدي بعد فعلته إلى أخيه من أمه -عمي -الذي تبناني وسجلني على(26/89)
اسمه -علما أننا في الجزائر نحمل لقبا عائليا- ومشكلتي هو أن كل من يريد خطبتي يتردد حتى يرى
حكم الشرع في ذلك . فهل يجوز أن أحتفظ باللقب العائلي لعمي -أبي و عمي يحملان لقبين مختلفين
لأنهما أخوان من الأم فقط -
وكيف أفعل تجاه اسم عمي فهل أستغني عنه بعد 27 عاما خاصة أن أبي لا زال ينكرني رغم علمه وعلم
عمي الذي تبناني ورغم أنني صورته في الخلقة وورثت عنه حتى نفس المرض-السكري- كما أننا عائلة واحدة
نعرف بعضنا.
أنيرونا جزاكم الله خيرا فأنا في حيرة وعذاب شديد.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الشخص ليس أباً لك شرعاً، وبالتالي فلا يجوز لك أن تنتسبي إليه، كما لا يجوز لك أن تتنسبي إلى أخيه، لأن الله يقول في كتابه الكريم: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب:4]
وولد الزنا يلحق بأمه وينسب إليها ويرثها وترثه، ولا يتعلق بالزاني حكم من هذه الأحكام، فلا ينسب ولد الزنى إلى أبيه ولا يرثه، والانتساب إلى غير الأب الشرعي من كبائر الذنوب، وقد سبق تفصيل هذا في الفتوى رقم11130
أما قضية زواجك فسيجعل الله لك فيها فرجاً ومخرجاً، وييسر لك من يتقدم لك بإذنه سبحانه، فعليك بالصبر والاحتساب، ولا تنتسبي إلى هذا الشخص. وهنا ننبه الشباب إلى أن المقياس الشرعي الذي تنبغي مراعاته والتركيز عليه في الخطبة هو الدين فقط، وليس النسب العريض ولا الجاه الرفيع بدون دين ولا خلق، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح بعد استعراضه للمواصفات التي ترغب الرجال في النساء من الحسن والجمال والحسب " عليك بذات الدين تربت يداك" كما أننا ننبه أيضاً إلى أنك أنت لا يلحقك شيء مما اقترفته أمك مع هذا الرجل، لأن الله تعالى يقول: (كل امرئ بما كسب رهين) ويقول ( ولا تزروا وازرة وزر أخرى)
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم المعاشرة أثناء الخطبة، وهل ينسب الولد للخاطب
تاريخ 06 رجب 1422 / 24-09-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم:(26/90)
السلام عليكم.
يشرفني ويسعدني أن أعرض عليكم سؤالا يتعلق بفتى أحب فتاة وبعد ذلك تقدم لخطبتها برفقة عائلته فقبل كلا الطرفين بما في ذلك الفتاة ، وبعد ذلك بقي الخطيب يتصل بخطيبته يوميا بالهاتف إلى أن التقى معها في يوم من الأيام فحدث بينهما الجماع وبعد ذلك بشهر أخبرته الخطيبة بأنها حامل ، فبادر الخطيب إلى العقد عليها والزواج بها كي لا يفتضح أمرهما عند عائلتهما. إذن من خلال ماسبق هل يعتبر هذا الزواج جائزا شرعا ؟ وماذا يترتب عن ذلك ؟ وماحكم ذلك الولد في الشرع ؟ وهل يعتبر ابن الزنى ؟ وفي الختام لكم مني أسمى مشاعر الأخوة والتقدير ، كما أتمنى منكم الجواب في الحين وجزاكم الله خير الجزاء. والسلام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى هذين الشخصين أن يتوبا إلى الله تعالى توبة نصوحاً من هذه الفاحشة التي ارتكباها نتيجة لتعديهما لحدود الله تعالى، حيث حرم على الرجل أن يختلي بامرأة لا تحل له الخلوة بها، فالمخطوبة قبل أن يعقد عليها تعتبر أجنبية على الخاطب، فهي كغيرها من النساء الأجنبيات.
أما الزواج الذي حصل بعد ذلك فهو فاسد على الراجح من أقوال أهل العلم لا يترتب عليه أي أثر من الآثار التي تترتب على الزواج الصحيح، والولد الذي حملت به تلك المرأة هو ابن زنا لا ينسب إلى ذلك الرجل.
وراجع الجواب رقم 4115
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم خطاب الشخص لغير أبيه(يا أبي)
تاريخ 06 جمادي الثانية 1422 / 26-08-2001
السؤال
طلق والدي والدتي عندما كنت في السنتين من عمري ومن ذلك الوقت لم أر والدي ، وهو يعرف أين مكاني ولكنه لم يأت يتفقد أحوالي من ذلك الحين ، عندما كان عمري ثلاث سنوات تزوجت أمي بشخص آخر ومن ذلك الوقت أناديه بـ" والدي" وإلى الآن بنفس الخطاب ولكن من قريب قرأت حديثا متق عليه ينص على أن من ادعى شخصا أنه والده وليس هو كذلك لا يدخل الجنة. فهل تساعدني في هذا الموضوع الذي أنا مرتبك فيه . علما أني أسلمت قبل سنتين فهل هناك مانع أن أخبر الناس بأنه ليس أبا حقيقيا ولكن أناديه بالأب فقط. جزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خطاب الشخص لغير والده بقوله: يا أبي أو يا والدي إذا كان على وجه التكريم والتحبيب ، وليس على وجه التبري من النسب الحقيقي لا حرج فيه ، وليس مما نهي عنه. فقد روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما(26/91)
قال : قدّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أُغيْلمة بني عبد المطلب من جمع بليل على حمرات لنا ، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول : " أَبَيْنِيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس." صححه الألباني. (يلطح: اللطح: الضرب اللين)
وفي صحيح مسلم من حديث أبي عوانة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني"
فاتضح من هذا أن التهديد والوعيد الوارد في من ادعى إلى غير أبيه خاص بمن ادعى ذلك بقصد الرغبة عن أبيه الحقيقي والتبري منه.
وبالنسبة للفقرة الأخيرة من السؤال فأقول: لا مانع من أن تخبر الناس بأن هذا الرجل إنما هو زوج أمك فقط وليس أباك ، بل عليك أن تخبرهم بذلك حتى لا يظل الأمر ملتبسا غير واضح.
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
إذا زنت المرأة المتزوجة فأنجبت أولادا نسبوا إلى زوجها ثم علم بذلك
تاريخ 17 شوال 1421 / 13-01-2001
السؤال
امرأة خدعت زوجها بعد ما أنجبت منه ولدين ثم تابت إلى الله بعدما أنجبت ولدين من الزنى ثم أنجبت ولدين آخرين بعد توبتها فما حكم الولدين من الزنا حيث يحملان اسم الزوج المغرر به ، أحدهما 25سنة والآخر 20سنة وما حكم زوجي إذا لم يفضحهما خوفاً على سمعة أولاده؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشرع الإسلامي يغلب جانب الاحتياط في باب لحوق النسب، بحيث أنه لو وجد احتمال ولو ضعيفاً لإلحاق الولد بمن تزوج من أمة أو تسرى بها حيث كانت مملوكة ألحقه به ونسبه إليه. وعليه فإن إقرار المتزوجة على نفسها بإنجاب أولاد من الزنى لا ينفي نسبتهم من أبيهم صاحب الفراش ما لم ينفهم هو بلعان، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، رواه الجماعة إلا أبا داود.
وأما بالنسبة للزوج: فإذا تحقق من زنا هذه المرأة وأن أولادها من زنى فإنه تجب عليه المبادرة بنفيهم باللعان المعروف، والمذكور في سورة النور. لما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم: " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء" إلى آخره، والحديث وإن كان نصاً في المرأة إلا أن الرجل في هذا مثلها لا فرق بينهما، فإنه إذا تحقق من فجور هذه المرأة، وأنها ألحقت بنسبه ما ليس منه، ولم ينفه عنه فقد ألحق هو بنسبه ما ليس منه، فاستحق بذلك الوعيد الوارد في الحديث. مع ما يترتب على عدم نفيه من مزاحمته لأولاده الحقيقيين في حقوقهم.
والله تعالى أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(26/92)
ــــــــــــــ
ولد الزنا ولمن ينسب
تاريخ 20 رمضان 1421 / 17-12-2000
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
عندي بعض الأسئلة الشائكة ، وهي أسئلة تنشأ كثيرا عن العلاقة غير الشرعية مع النساء ، وهي :
أولا : إذا زنى الرجل وحملت المرأة هل يجوز في هذه الحالة أن تعمل عملية الإجهاض.
والسؤال الثاني: إذا أراد الرجل الزواج من المرأة التي زنى بها وهي حامل منه هل يجوز له ذلك ، وهل يستحسن أن يعملا عملية
الإجهاض أو يحتفظا بالطفل . وماذا عن الطفل نفسه ، هل سيعد من أبناء الحرام أم ماذا ، وإلى من ينسب ؟؟ أرجو إفادتي بالجواب السريع الوافي الكافي وجزاكم الله ألف خير.
وأستغفر الله العلي العظيم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: لا يجوز شرعاً الإجهاض في هذه الحالة المسؤول عنها إذا كان الحمل قد زاد عن أربعين يوماً، ولا يعتبر الحمل من الزنا مبرراً للإجهاض أبداً مهما كانت العوائق النفسية والاجتماعية الناشئة عن ذلك ، وسواء تزوج بها أم لا، لأن الإقدام على هذا إهلاك للنسل، وإفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد. وفي ذلك اعتداء على نفس مخلقة ظلماً وعدواناً. وهذا الولد الذي سيولد لا ذنب له ولا إثم عليه، وهو مولود على الفطرة . وهذا الإجهاض لا يزيل جريمة الزنا ، بل يضيف إليها جريمة أخرى ، ولهذا تعامل الزانية والزاني بنقيض قصدهما ، وهو ترك مانشأ عن جريمة الزنا من الحمل والولد شاهدا على قبح تلك الفعلة ، رادعا غيرهما عن الإقدام على مثلها ، وهذا من مقاصد الشرع في العقوبات وإغلاق أبواب الحيل ، ولهذا قال سبحانه في تذييل الآية التي فيها ذكر عقوبة الزانيين غير المحصنين ( ... وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) النور :2.
وأما من زنا بامرأة فحملت ثم أراد أن يتزوج بها فقد اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في حكم ذلك . فقال المالكية والحنابلة لا يجوز النكاح قبل وضع الحمل سواء من الزاني نفسه أو من غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع" رواه أبو داود والحاكم وصححه، ولما روي عن سعيد بن المسيب: أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما. وذهب الشافعية والحنفية إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنى ، لأنه لا حرمة لماء الزاني ، بدليل أنه لا يثبت به النسب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" أخرجه البخاري ومسلم.(26/93)
وأما نسبة الطفل ، فإنه ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية صحيحة تثبت بها الحرمة والمحرمية، ويترتب عليها الولاية الشرعية والتعصيب والإرث، وغير ذلك من أحكام البنوة لأنه ابنها حقيقة ولا خلاف في ذلك.
أما نسبة الولد إلى أبيه من الزنا ولحوقه به، فقد أجاز ذلك إسحاق بن راهويه، وعروة، وسليمان بن يسار، وأبو حنيفة. قال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن ولد الزنا لا يلحق بأبيه ولا ينسب إليه، لأدلة منها: ما ورد في قضائه صلى الله عليه وسلم في استحقاق ولد الزنا: " أَنّ كلّ مُسْتَلْحَقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْدَ أبِيهِ الّذِي يُدْعَى لَهُ ادّعَاهُ وَرَثَتُهُ فَقَضَى أَنّ كلّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَةٍ يَمْلِكُهَا يَوْمَ أصَابَهَا فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِمّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنَ المِيرَاثٍ شَيْءٌ وَمَا أَدْرَكَ مِنْ مِيرَاثِ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ وَلاَ يَلْحَقُ إذَا كَانَ أبُوهُ الّذِي يُدْعَى لَهُ أنْكَرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا أوْ حُرّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنّهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ وَلاَ يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادّعَاهُ فَهُوَ وَلَدٌ زِنْيَةٌ مِنْ حُرّةٍ كَانَ أوْ أَمَةٍ". رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه والدارمي.
ومذهب الجمهور هو الراجح -إن شاء الله - وعليه فإذا تزوج الرجل بمن حملت منه سفاحاً فإن ولدها هذا ينسب إلى أمه وأهلها، أما زوجها فيكون هذا الولد له ربيباً، وتثبت له أحكام الربيب فقط. والله أعلم
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
رائحة الجنة حرام على من نسبت ولداً لغير أبيه إلا أن تتوب
تاريخ 04 ربيع الثاني 1422 / 26-06-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ما عقاب الزوجة التى تنسب لزوجها طفلاً ليس ابنه ؟ وماذا تفعل لكي تكفر عن هذا الذنب ؟ وهل يمكن أن يغفرالله لها مع العلم أنها تحاول أن تتقرب إلى الله ؟ وما حقوق هذا الطفل وعلى من تكون ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فعقاب امرأة نسبت إلى زوجها ابناً ليس منه أن الله تعالى لن يدخلها الجنة ومصيرها إلى النار إلا أن تتوب إلا الله تعالى توبة نصوحاً. فقد أخرج النسائي وأبو داود والدارمي عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعنين: " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله الجنة " وفي رواية الدارمي " أيما امرأة أدخلت على قوم نسباً ليس منهم ... " وعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً - إن كانت فعلت ذلك -وأن تكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة والله تعالى غفور رحيم . وإن كانت تعرف والداً شرعياً لهذا الطفل - كما لو كانت متزوجة بزوج ثم طلقها ثم ظنت انقضاء عدتها فتزوجت بآخر فجاءت بولد لأقل من ستة اشهر منه ، فإن الوالد في هذه الحالة ، هو للزوج الأول ويحرم عليها إلحاقه بالزوج الثاني . وعليها أن(26/94)
تعترف - فعليها أن تعترف بذلك وتثبته شرعاً عند القاضي بالبينة ، فإن ثبت نسبته لذلك الرجل شرعاً فهو ولده وبناء على ذلك تترتب عليه الحقوق اللازمة للولد على والده من نفقة وتربية وتعليم ورعاية إلى آخرها. أما إن كانت المرأة تعلم أنها حملت به جراء زناً أو اغتصاب أو نحو ذلك فعليها أن تتوب إلى الله وتخبر زوجها بذلك ، ونفقة الطفل وتربيته ورعايته وباقي حقوقه عليها لأنه لا والي له شرعاً غيرها ، فإن عجزت عنها ففي بيت مال المسلمين فإن لم يوجد فعلى جماعة المسلمين. والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حرمة ادعاء الإنسان إلى غير أبيه .
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السؤال: الإجابة 4487 لا تكفي للإجابة عن سؤالي ، اللهم إلا ما يتعلق منها بالحديث : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم ، فالجنة عليه حرام ".
أنا لا أفهم معنى هذا الحديث ، فهل يمكنكم شرحه وكتابة الجواب باللغة العربية ونشره في اللغة العربية ؟ وشكراً .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمعنى الحديث أن من ادعى انتساباً إلى شخص هو يعلم أن ذلك الشخص ليس أباه الحقيقي ، فالجنة عليه حرام ، وفي كون الجنة عليه حراماً ، تأويلان لأهل العلم :
1 - أن ذلك محمول على من ادعى تلك الدعوى المحرمة ، عالماً بالتحريم مستحلاً له .
2 - أن هذا الفعل يستحق صاحبه أن تكون الجنة محرمة عليه ، ثم إنه قد يجازى على فعله ذلك ، فيمنع من دخولها أولاََ ، ثم يدخلها بعد ذلك ، وقد لا يجازى بل يعفو الله عنه ويدخله الجنة بدون أن يدخل النار أصلاً .
وهذا الوعيد في حق من مات من المسلمين قبل أن يتوب من تلك الدعوى المحرمة ، أما من تاب منها ، فإن الله سيتوب عليه .
وأما الكافر فذنبه أعظم من ذلك ، فلا ذنب بعد الكفر بالله .
والله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الانتساب إلى غير الأب إثم عظيم
تاريخ 20 ذو القعدة 1422 / 03-02-2002
السؤال
ما حكم من ينتسب لغير أبيه ؟
الفتوى(26/95)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: من انتسب إلى غير ابيه فقد ارتكب إثماً عظيماً ، فقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ادعى إلى غير أبيه ـ وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام". وقد روى الشيخان أيضا ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر". وقد روى أيضا من حديث علي رضي الله عنه وفيه:" ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا" وهذا يشمل الأب القريب والأب البعيد فالكل في الحكم سواء . والله أعلم
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب
سؤال:
السؤال :
شخص لم يرزق بأولاد ، فأخذ لقيطا من الملجأ فرباه وعلمه وأحسن إليه ، واجتهادا منه وعطفا عليه أضافه إلى اسمه وسجله في الوثائق الرسمية .. فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها الولد اللقيط باسم من تبناه وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء ، لما في ذلك من الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض ، وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة ، لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه أو غير مواليه قال الله تعالى : " وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " . رواه أحمد والبخاري ومسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة " ، فاجتهاد المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه ويجب العمل على التغيير والتعديل للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية وللحكم التي تقدم بيانها ، وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان إليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم .
اللجنة الدائمة(26/96)
فتاوى إسلامية 3/12-13
ــــــــــــــ
يحرم إضافة نسب الزوجة إلى نسب زوجها
سؤال:
السؤال :
كثير من الأخوات في مجتمعنا اتخذن أسماء أزواجهن دون أن يدركن أن عليهن أن يحتفظن بأسماء آبائهن. فهل يجب عليهن أن يغيرن أسماءهن إلى أسماء آبائهن مرة أخرى أم أنه يجوز لهن أن يحتفظن بأسماء أزواجهن؟
كذلك، إذا ولد شخص من الزنا فهل ينبغي أن يحمل اسم عائلة أبيه أو اسم عائلة أمه؟ وما الدليل على ذلك؟ جزاك الله خيراً.
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن ينسب إلى غير أبيه ، وموافقة الكفار في إضافة نسب الزوجة إلى نسب زوجها وحذف نسب أبيها هو حرام وزور وإهانة للمرأة ، فيجب على من فعلت ذلك التوبة إلى الله وإعادة الحق إلى نصابه بالانتساب الى أبيها الشرعي ، وأما ولد الزنا فإنه ينسب إلى أمه ولا يضاف إلى نسب الزاني .
( للمزيد يُنظر السؤال رقم 1942 ، 284 ) .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ــــــــــــــ
تغيير النسب لأجل الحصول على جنسية دولة ذات مزايا
سؤال:
السؤال : ما حكم أن يغيّر الإنسان نسبه ليحصل على جنسية دولة فيها مزايا ، مثل أن يضيف نفسه إلى اسم عمه - الذي يحمل الجنسية المرغوبة - كأحد أولاده ، أو أخيه أو إلى خاله أو إلى أحد أقاربه ، فيحصل بذلك على تلك الجنسية وكل ما يترتب عليها من رواتب وغير ذلك من المصالح ، مع أنه لديه جنسية ولديه أوراقه ، وليس عنده أي مشكلة إلا أنه يفعل ذلك للحصول على بعض المصالح المادية ، فما حكم هذا العمل ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
هذا العمل محرم ، ولا يحل لإنسان أن ينتسب إلى غير أبيه ، لأنه يترتب عليه الكذب ، ويترتب عليه الميراث ، ويترتب عليه المحرمية ، ويترتب عليه كل ما يترتب على النسب ، ولهذا جاءت النصوص بالوعيد على من انتسب إلى غير أبيه ، "( كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ .. فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . " رواه ابن ماجة 2599 وهو في صحيح الجامع(26/97)
6104 ، وهذا العمل أيضاً من كبائر الذنوب بل يجمع بين كبيرتين ، وهما الكذب لأكل المال بالباطل والانتساب إلى غير أبيه .
والواجب على الإنسان أن يعود إلى الحق في هذه المسألة ، وأن يمزق الجنسية غير الحقيقية ويعود إلى أوراقه الأصلية المثبوت فيها نسبه الحقيقي ، هذا الواجب عليه ، وإني لأعجب أن يُقدم الإنسان على هذا العمل المحرم من أجل طمع الدنيا ، وقد قال تعالى : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموماً مدحوراً ) ، فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى الله ، وعفا الله عما سلف ، وما أخذه بهذه الجنسية من الأموال ، فإن الله تعالى يقول : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ) يقول هذا في آكل الربا ، وما دونه من باب أولى . والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ــــــــــــــ
تعلقت بشاب أقل منها في النسب وأهلها معارضون زواجها منه
سؤال:
أنا فتاة أنتمي لمجتمع قبَلي متعصب وتعرفت على شاب حسن الدين والخلق لكن أهلي يرفضون رفضاً باتّاً فقط لأنه ليس من نسب شريف .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الظاهر أنكِ وقعتِ في مخالفات شرعية حين تعرفتِ على هذا الشاب ، وبخاصة أنك تمدحين خلقه ودينه ، ولا ندري ما هو الخلق والدين عند هذا الشاب الذي يرضى أن يتعرف على فتاة أجنبية ويتبادل معها الحديث ؟! وقد تكون العلاقة فيها ما هو أكثر من ذلك كلقاءات وغيرها .
وقد حرم الشرع المطهر إقامة مثل هذه العلاقات بين الجنسين ، وقد تقدم بعض فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في الأسئلة رقم ( 23349 ) و ( 20949 ) و ( 10221 ) و ( 34841 ) .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به : يُراجع جواب السؤال رقم ( 47405 ) .
وللتخلص الفوري من مشكلة التعلق بهذا الشاب : يراجع جواب السؤال رقم ( 10254 ) .
ولا يجوز ولا يصح عقد النكاح على المرأة من غير إذن وليها ، ولا يجوز للوالد أن يجبر ابنته على الزواج ممن لا تريد ، وينظر في هذا جواب السؤال رقم ( 36618 ) .
ثانياً :
وأما مسألة الكفاءة في النكاح : فقد اعتبر جمهور العلماء الكفاءة في النسب ، وخالفهم آخرون فلم يعتبروا الكفاءة إلا في الدين ، وهو مروي عن عمر وابن(26/98)
مسعود ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ، وبه جزم الإمام مالك ، وهو رواية عن أحمد ، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله .
وقد ساق ابن القيم رحمه الله في كتابه " زاد المعاد " فصلاً في حكمه صلى الله عليه وسلم في الكفاءة في النكاح ، وساق الآيات الدالة على ذلك فقال :
" قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/13 ، وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات/10 ، وقال : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) التوبة/71 ، وقال تعالى : ) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) آل عمران/195 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود أبيض إلا بالتقوى ، الناس من آدم وآدم من تراب ) ، وقال : ( إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا ) ، وفي الترمذي : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ قَالَ إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَنِي بَيَاضَةَ : ( أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِ ) وكان حجاما .
وزوَّج النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش القرشية من زيد بن حارثة مولاه ، وزوَّج فاطمةَ بنت قيس القرشية من أسامة ابنه ، وتزوج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف ، وقد قال تعالى : ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) النور/26 ، وقد قال تعالى : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) النساء/3 .
فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الدين في الكفاءة أصلا وكمالا ، فلا تزوَّج مسلمة بكافر ، ولا عفيفة بفاجر ، ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك ؛ فإنه حرَّم على المسلمة نكاح الزاني الخبيث ، ولم يعتبر نسباً ولا صناعةً ، ولا غِنىً ولا حرية ، فجوَّز للعبد نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً ، وجوَّز لغير القرشيين نكاح القرشيات ، ولغير الهاشميين نكاحَ الهاشميات ، وللفقراء نكاح الموسرات ". انتهى .
" زاد المعاد " ( 5 / 158 – 160 ) .
وعقد البخاري رحمه الله في كتاب النكاح باباً سماه " بَاب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلُهُ : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ) " .
وساق ما يدل على اعتبار هذه الكفاءة دون غيرها ، وبخاصة ما جاء بعده من أبواب وهي " بَاب الْأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ " و " بَاب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ " .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما معنى قولهم قبيلي وخضيري ؟
فأجاب :
هذه مسألة جزئية ، وهي معروفة بين الناس .(26/99)
القبيلي هو : الذي له قبيلة معروفة ينتمي إليها كقحطاني وسبيعي وتميمي وقرشي وهاشمي وما أشبه ذلك ، هذا يسمى قبيلي؛ لأنه ينتمي إلى قبيلة ، ويقال قَبَلي على القاعدة ، مثل أن يقال حنفي ورَبَعي وما أشبه ذلك نسبة إلى القبيلة التي ينتمي إليها .
والخضيري في عرف الناس في نجد خاصة - ولا أعرفها إلا في نجد - هو الذي ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها ، أي : ليس معروفا بأنه قحطاني أو تميمي أو قرشي لكنه عربي ولسانه عربي ومن العرب وعاش بينهم ولو كانت جماعته معروفة .
والمولى في عرف العرب هو : الذي أصله عبد مملوك ثم أعتق ، والعجم هم : الذين لا ينتسبون للعرب يقال : عجمي ، فهم من أصول عجمية وليسوا من أصول عربية ، هؤلاء يقال لهم أعاجم .
والحكم في دين الله أنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى سواء سمي قبليا أو خضيريا أو مولى أو أعجميا كلهم على حد سواء ، لا فضل لهذا على هذا ، ولا هذا على هذا إلا بالتقوى ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى ) ، وكما قال الله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات/13 .
لكن من عادة العرب قديما أنهم يزوجون بناتهم للقبائل التي يعرفونها ويقف بعضهم عن تزوج من ليس من قبيلة يعرفها ، وهذا باقٍ في الناس ، وقد يتسامح بعضهم ، يزوّج الخضيري والمولى والعجمي ، كما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه وهو مولاه وعتيقه زوَّجه فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وهي قرشية ، وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو من قريش زوَّج مولاه سالماً بنت أخيه الوليد بن عتبة ، ولم يبال لكونه مولىً عتيقاً .
وهذا جاء في الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم كثير ، ولكن الناس بعد ذلك خصوصا في نجد وفي بعض الأماكن الأخرى قد يقفون عن هذا ويتشددون فيه على حسب ما ورثوه عن آباء وأسلاف ، وربما خاف بعضهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له : لم زوجت فلاناً ؟ هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنساب وتضيع إلى غير ذلك ، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضر هذا ، وأمره سهل .
المهم اختيار من يصلح للمصاهرة لدينه وخلقه ، فإذا حصل هذا فهو الذي ينبغي سواء كان عربيا أو عجميا أو مولى أو خضيريا أو غير ذلك ، هذا هو الأساس ، وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجا في ذلك ، والله ولي التوفيق ". انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (5/146، 147) .
والخلاصة :
أنه يحق لأهلك أن يمتنعوا عن قبول هذا الشاب زوجاً لكِ لاعتبار عدم كفاءة خلقه ودينه ، وننصحك بتقوى الله تعالى والابتعاد عن هذا الشاب والطرق التي أوصلتكِ(26/100)
للتعرف عليه ، وعسى الله أن يرزقكِ زوجاً صالحاً ، يكون عونا لك على طاعة الله ، وتربون جيلاً صالحاً يسعى في طاعة الله يعيش ويموت عليها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
نسب ولد الزنا والأحكام المترتبة عليه
سؤال:
بعد مرور 32 عاما على ميلاد ابن زنا من أجنبية كتابية ، وهو شاب ذو أخلاق عالية وقلب طيب ، عندما بلغ 25 عاما أصبح يبحث عن والديه ، فوجد أمه ، ووجدني أنا الأب قبل أسبوع ، حيث ثبت بواسطة الحامض النووي dna على أنني الأب ، وقد تزوجت قبل 31 سنة من مسلمة ، وعندي منها بنت وولدان ، وعندي 4 أحفاد ، الحمد لله الذي هداني وعدت إلى مخافة الله ، وأنني ملتزم حيث إنني أصلي وأزكي واعتمرت وحجيت قبل 3 أعوام أنا وزوجتي ، نسأل الله الهداية والتوبة على الدوام .
أرجو إفادتي : هل هو محرم على زوجتي وابنتي ، هل هو أخ لأولادي ؟ هل أعتبره أحد أفراد العائلة ؟ أرجو شرح كل ما يتعلق بالموضوع .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنك ، وأن يوفقنا لحسن التوبة والإنابة إليه سبحانه ، وأن يرزقنا الذرية الصالحة الطيبة بمنه وفضله وكرمه .
واعلم أن التوبة والهداية خير ما يوفق له العبد في الدنيا ، وهي أعظم نعمة يمن الله تعالى بها علينا ، فالواجب شكر الله تعالى عليها ، والحرص على تجديدها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد مائة مرة ، كما رواه مسلم ( 2702 ) .
ثانياً :
أما نسب الأبناء غير الشرعيين فقد فصل فيه الفقهاء تفصيلا واسعا فقالوا :
لا يخلو حال المزني بها من أحد أمرين :
1. أن تكون فراشاً : يعني أن تكون متزوجة : فكل ولد تأتي به حينئذ إنما ينسب للزوج وليس لأحد غيره ، ولو جَزَمت أنه من غيره ممن زنا بها ، إلا إذا تبرأ الزوج من هذا الولد بملاعنة الزوجة ، فحينئذ ينتفي نسب الولد عن الزوج ويلتحق بأمه وليس بالزاني .
2. أن تكون غير متزوجة : فإذا جاءت بولد من الزنا ، فقد اختلف العلماء في نسب هذا الولد ، هل ينسب إلى أبيه الزاني أو إلى أمه ، على قولين ، سبق ذكرهما وبيان أدلتهما في جواب السؤال رقم (33591) وانظر أيضا أجوبة الأسئلة : ( 117 ) و ( 2103 ) و ( 3625 ) .(26/101)
وفيها : أن الراجح هو عدم صحة النسب من السفاح ، فلا يجوز نسبة ولد الزنا إلى الزاني ، إنما ينسب إلى أمه ، ولو بلغ القطع بأن هذا الولد لذلك الزاني المعين درجة اليقين .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 387 ) :
" الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين ، فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان ، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد الزاني ، ولا يثبت نسبه إليه ، وعلى ذلك لا يرثه " . انتهى .
وجاء - أيضاً - في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 34 ) :
" أما ولد الزنا فيلحق نسبا بأمه ، وحكمه حكم سائر المسلمين إذا كانت أمه مسلمة ، ولا يؤاخذ ولا يعاب بجرم أمه ، ولا بجرم من زنا بها ، لقوله سبحانه : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) " انتهى .
ثالثاً :
معلوم أن إثبات النسب يتبعه الحديث عن الكثير من الأحكام : أحكام الرضاع ، والحضانة ، والولاية ، والنفقة ، والميراث ، والقصاص ، وحد السرقة ، والقذف ، والشهادة ، وغيرها .
ولما كان الراجح هو عدم ثبوت نسب ابن الزنا من الزاني ، فلا يثبت شيء من الأحكام السابقة على الأب غير الشرعي ، وإنما تتحمل الأم كثيراً منها .
ولكن يبقى للأب غير الشرعي ( الزاني ) قضية تحريم النكاح ، فإن الولد الناتج عن زناه يثبت بينه وبين أبيه وأرحام أبيه أحكام التحريم في النكاح في قول عامة أهل العلم .
قال ابن قدامة - رحمه الله - :
" ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه ، وأخته من الزنا ، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى .
" المغني " ( 7 / 485 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن بنت الزنا هل تزوج بأبيها ؟
فأجاب :
" الحمد لله ، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها ، وهو الصواب المقطوع به " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 134 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 36 / 210 ) :
" ويحرم على الإنسان أن يتزوّج بنته من الزّنا بصريح الآية : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ) لأنّها بنته حقيقةً ولغةً , ومخلوقة من مائه , ولهذا حرّم ابن الزّنا على أمّه .
وهذا هو رأي الحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة , والحنابلة " انتهى .
رابعاً :(26/102)
وبناء على ما سبق فإن ابنك هذا من الزنا لا يجوز له أن ينكح بناتك ، فإنهن بمنزلة أخواته ، وكذلك زوجتك .
ولكن ذلك لا يعني أنه مَحرَمٌ لهن فنُجَوِّز له الخلوة بهن أو وضعهن الحجاب في حضرته ، فإن التحريم في النكاح لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها ، فهي حكم زائد لا يثبت إلا للمحارم الشرعيين ؛ فيجب التنبه لهذا .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
" الحرام المحض : وهو الزنا : يثبت به التحريم ، ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر " انتهى بتصرف .
" المغني " ( 7 / 482 ) .
ولا يمنع ذلك كله الإحسان إلى هذا الشاب ، ومعاملته بالحسنى ، والسعي في إسلامه وربطه بالعائلة ، على ألا ينسب إلى أبيه من الزنا ، ولا يتساهل في حجاب البنات في الأسرة عنه .
ونسأل الله لك الخير والتوفيق والرشاد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
زنت وهي متزوجة فلمن ينسب الولد؟
سؤال:
استغفر الله وأتوب إليه لقد ارتكبت أعظم وأكبر الكبائر وهي الزنا وأنا متزوجة وحملت بطفلة والآن عمرها 6 سنوات ونسبت إلى زوجي ، لم أستطع أن أعترف لزوجي بالقذارة التي فعلتها، خفت على أهلي وابني منه وقد تبت إلى الله توبة نصوحة وتحجبت والتزمت بصلاتي، طلبت المغفرة والعفو من الله على هذا الجرم الذي ارتكبته فهل يغفر الله لي؟ ماذا أفعل حتى تكتمل توبتي أرجوكم أفيدوني هل أعترف لزوجي حتى يغفر الله لي؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك ، فإن الزنا ذنب عظيم ، وجرم كبير ، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج ، فبدلت نعمة الله كفرا ، وخانت زوجها ، ودنست عرضه ، ولوثت فراشه . ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت ، نكالا من الله عز وجل ، والله عزيز حكيم .
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده ، ويمهله ، ويدعوه للتوبة ، ويقبلها منه ، ويثيبه عليها ، فما أرحمه ، وما أعظمه ، وما أكرمه سبحانه وتعالى .
قال عز وجل : ) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70(26/103)
فاستمري في توبتك وإنابتك ، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك ، والله تعالى يتوب على من تاب .
وإن من مبشرات قبول التوبة أن يستر الله عبده ، ولا يفضحه ، وأن يمد له في العمر حتى يتقرب إليه ، ويصلح حاله معه ، ونحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والحجاب ، والطاعة والإنابة ، ولعل الله الكريم الرحيم أن يكون قد عفى عنك وغفر لك ، نسأل الله ذلك .
وإذا كان الله قد سترك ، فلا تهتكي ستر الله عليك ، ولا تخبري زوجك ولا أحداً غيره بشيء مما كان ، وتوبتك هي الندم والاستقامة وإصلاح الأعمال .
وأما الولد ، فإنه ينسب لزوجك ، ولا ينتفي نسبه منه إلا إذا نفاه باللعان ، لأن الأصل أن الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : امرأة متزوجة زنت وهي في عصمة زوج، ومن ثم حملت ووضعت حملها بولد ذكرا كان أو أنثى ، فلمن يبقى معه ذلك الولد ، أيبقى مع زوجها بدليل الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أم لا ؟ وإن بقي مع زوج أمه الشرعي أيتبنى به ويحسبه كأحد أولاده في جميع الحقوق أم يكون عنده في ملكه فقط ، أما إذا لحقه بالعاهر أيحسبه بأولاده الحقيقي أم يمسكه معهم وهو لم يزل على حالة ولد زنا ؟
فأجابوا : "إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش ؛ للحديث الصحيح ، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي ، ولا يكون مملوكا لأحد بإجماع المسلمين ، وأما التبني فلا يجوز ولا يصير به الولد المتبنَّى ولدا لمن تبناه. وبالله التوفيق " انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/339) .
وينظر جواب السؤال رقم (85043) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك بغرض كفالته
سؤال:
أنا فتاة متزوجة من حوالي 6 سنوات ولم يكتب لي الله الذرية بعد, وقد كان لي حلم قبل أن أتزوج بأن أكفل يتيما أرضعه مع ابني وأربيه معه لأنال المرتبة القريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم تأت اللحظة المناسبة لتبني طفل يتيم إلا الآن مع حمل زوجة أخي وهي تكون أخت زوجي (أقرباء) لكي يتسنى لها الرضاعة الشرعية التي تجعله محرماً لي ولزوجي والأهل، ولقد فكرت في حرمانية التبني ، ولكني أعيش في دولة خليجية وهناك إجراءات الإقامة والجوازات وهذه الدوائر لا تسمح بوجود طفل بحوزتي بدون أن يكون على اسمي , كما أنني أسافر إلى بلدي , وهناك إجراءات وجوازات تجعل أمر وجود طفل بدون أن أكتبه باسمنا أنا وزوجي أمرا مستحيلا أود السؤال عن الحكم الشرعي في مسألة تبني طفل في ظل وجود هذه العوائق ؟ مع العلم بأن أهلي وأهل زوجي على علم بأننا سنحضر طفلاً
الجواب:(26/104)
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك ، وتكون لك عونا على طاعة الله ومرضاته .
ثانيا :
كفالة اليتيم ، قربة من أجل القربات ، لما يترتب عليها من الأجر العظيم والثواب الكبير ، ولما فيها من الرحمة والإحسان والرعاية لهذا اليتيم .
وأما التبني فمحرم تحريما ظاهرا ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) الأحزاب/4، 5
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري (3317) ومسلم (61).
وينظر السؤال رقم (5201) لبيان الفرق بين التبني وكفالة اليتيم .
ثالثا :
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك ، لأنه من التبني المحرم ، ولما يترتب عليه من مفاسد تتعلق بالإرث وغيره . ورغبتك في الكفالة المستحبة لا تبيح الإقدام على هذا العمل المحرم .
وعليه فإذا لم تتيسر كفالة اليتيم إلا بالتبني ، فعليك بالصبر ، وانتظار الفرج من الله تعالى ، فإن خزائنه سبحانه ملأى ، وكل شيء بيده ، ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له .
نسأل الله أن يرزقك من فضله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
طلق زوجته وتزوج أختها الحامل لينسب الولد له
سؤال:
لم ينجب صديقي خلال السنوات القليلة الماضية وكانت أخت زوجته حاملا وفي طريقها لإنجاب طفل ورأت إهداءه إلى أختها بحيث تتزوج من زوج أختها الذي لا ينجب لفترة وجيزة. وقد طلق صديقي بالفعل زوجته الأصلية وتزوج من أختها الحامل لمدة شهرين فقط - بعد حملها المسبق بشهرين- ثم رجع إلى زوجته السابقة. والآن لديه طفل واحد من هذه العلاقة ويعيش مع زوجته. رجاء بيان حكم هذا النكاح من كتاب الله في ظل هذه الظروف المذكورة أعلاه. فقد دام هذا النكاح شهرين فقط وحصل الزوج منه على طفل. رجاء بيان حكم هذا النكاح أحلال هو؟ هل ما فعله هذا الزوج حرام؟ وهل هذا الطفل حلال؟
الجواب:
الحمد لله(26/105)
أولاً :
إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد قرأنا هذا السؤال مرات ومرات ، ونحن لا نصدق ما فيه ، وفي كل منه نتهم أنفسنا ، لعلنا لم نفهم السؤال جيداً ، ونتمنى أن يكون فهمنا خاطئاً ، ولكن وضوح السؤال قضى على تلك الأماني.
ألهذا الحد وصل الحال بالمسلمين ؟
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر بأسواق المسلمين ويسال التجار في أحكام البيوع والربا ومن جهل الجواب ضربه تعزيراً، ويقول : لا يبيع في سوقنا إلا فقيه.
فماذا عساه أن يفعل لو سمع مثل هذا السؤال.
لقد آلمنا هذا السؤال كثيراً ، وإننا ننتهز الفرصة ونصرخ في المسلمين : لقد أضعتم أنفسكم، وأضعتم الإسلام ، أضعتم أنفسكم بإعراضكم عن العلم الشرعي ، وبجهلكم بأبجديات الإسلام وعلومه الضرورية ، وأضعتم الإسلام حين أعطيتم صورة قاتمة مشوهة عنه.
نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا ، وأن يرزقنا الفقه في دينه .
والسائل لم يخبرنا عن ذلك الحمل ، هل هو من نكاح أو من زنا؟ وهل هذه الحامل مطلقة أو مات عنها زوجها، أو لا يزال حياً وهي من عصمته ؟
وهل هذا الرجل الذي طلق زوجته وتزوج أختها انتظر حتى انقضت عدة زوجته المطلقة أم تزوج أختها في العدة ؟
ومهما كان جواب هذه الأسئلة فإنه لن يغير من الحكم الشرعي شيئاً، ولكنه قد يزيد من قائمة المنكرات والأعاجيب في تلك القصة.
ثانياً:
هذا النكاح المسئول عن نكاح باطل ، فإن نكاح المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة في عدتها نكاح باطل بإجماع المسلمين ، قال الله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) يعني بذلك النهي عن عقد النكاح على امرأة وهي في فترة العدة حتى تنتهي عدتها.
وعدة الحامل بوضع الحمل ، قال الله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) الطلاق / 4.
فإن كانت حاملاً من الزنى، فإن الأمر أشنع وأقبح، حيث يتضمن عدم المبالاة بهذه الجريمة والتحدث بها وكأنها شيء مباح.
وهذا الحمل لا يمكن أن ينسب لهذا الزوج بأي حال من الأحوال. كيف! وقد خُلق من غير مائه، ولم تكن المرأة زوجة له ، فكيف ينسب إليه ويدعيه ابناً له ؟
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حاملاً من السبي على باب فسطاط ، وكأن صاحبها يريد أن يجامعها ، وهي حامل من غيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ) رواه مسلم (1441) .(26/106)
وروى أبو داود ( 2158 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره ) يعني بذلك جماع الحامل من غيره، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
والحاصل : أن هذا النكاح باطل، والولد لا ينسب إلى هذا الزوج، وعلى جميع من اشترك في ذلك ، أو علم ولم ينكر أن يتوبوا إلى الله ، ويندموا على ما فعلوا، ويتبرؤوا من نسبة هذا الولد إلى غير أبيه.
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يلهمهم رشدهم.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
الرضاع المحرم للزواج ... العنوان
ما قول الشريعة في الرضاع المحرم للزواج ؟ وكم عدد الرضعات التي يثبت بها التحريم ؟ وهل لبَن المرأة يُعتبر ملكًا لزوجها ؟ وبم يثبت الرضاع ؟ ... السؤال
18/03/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فالرضاع الذي يَحرُم به الزواج هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم، وإذا اجتمع اثنانِ على ثدي في مدة الرضاع حرُم التزاوُج بينهما ، ولا تتوقف حُرمة الزواج بالرضاع على اختلاف زوج المُرضعة ، والإخبار بالرضاع إنْ صدَق وجَب التفرُّق وفسد الزواج، وإن كذب لا يحرم إلا بالشهادة الكاملة "شهادة رجلين أو رجل وامرأتين".
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
إن القرآن الكريم قد ذكر التحريم بالرضاع بعد أن ذكر التحريم بالنسب؛ فقال أولاً: (حُرِّمَتْ عليكمْ أُمَّهاتُكمْ وبناتُكمْ وأَخواتُكمْ وعمَّاتُكمْ وخالاتُكمْ وبناتُ الأخِ وبناتُ الأُخْتِ). ثم قال: (وأُمَّهَاتُكمْ اللاتي أرْضَعْنَكُمْ وأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ). فَصَّلَ مُحرَّمات النسب وحصرها في سبعة أصناف. ثم أجمل في المُحرمات بالرضاع، وذكَر منها صنفينِ هما: "الأمهات والأخوات".
وجاء الحديث الصحيح المشهور، وهو قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يَحرُمُ مِنَ النَّسَبِ". مُبيِّنًا أن الصنفينِ اللذينِ ذُكرَا في التحريم بالرضاع يتناولان الأصناف السبعة التي ذُكرتْ في التحريم بالنسب، فالأمهات يَلْحَقُ بِهِنَّ العَمَّاتُ والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت. ومعنى هذا أن كل ما تحقَّق بينهما بالرضاع عنوان صنف مِن هذه الأصناف، كان الرضاع محرمًا بينهما، وعليه يحرُم بالرَّضاع الأمهاتُ والبنات والأخوات والعمَّات والخالات، وبنات الأخ وبنات الأُخت.
القدْر المُحَرِّمُ من الرضاع:(26/107)
وكذلك يجدر بنا أن نُجمل مذاهب العلماء في قدْر الرضاع الذي يُحرم الزواج بين الرضيعينِ. وقد كثُرت المذاهب في هذه المسألة تبعًا لاختلاف النظر في الآية مع الأحاديث التي وردتْ في قدْر الرضاع، فمِن الأئمة مِن رأَى أن قليل الرضاع ـ ولو قَطْرة واحدة تصل إلى الجوْف ـ وكثيرُه سواء في التحريم، ومنهم مَن رأى أن المُحرِّم ثلاث رضعات فأكثر، ومنهم من رأى أن المحرِّم خمس رضعات فأكثر، ومنهم مَن رأى أن المُحرِّم سبْع رضعات، وهكذا إلى خمس عشرة رضعة، وكان مَنْشَأُ هذا الخلاف كثرة الأحاديث المُتعارضة في هذا الشأن، وحُكم كل ذي رأيٍ في الرضاع ما صحَّ عنده من الأحاديث.
دلالة كلمة أمهاتكم في الآية:
ولكن لم نَرَ منهم مَن عرَّج نحو دلالة كلمة: (وأُمَّهَاتُكمْ اللاتي أرْضَعْنَكُمْ)، على قدْر الرضاع المُحرم. ولا شك أن عنوان: "الأمهات" يُعطي أن مدة الرضاعة امتدت وقتًا شعرت منه المُرضعة بمَعنى الأُمومة للرضيع، ولا شك أن هذا الوقت ـ الذي يتحقَّق به معنى العطف والحُنُوُّ والشوْق من المُرضعة للرضيع ـ ليس هو وقت "القطرة" ولا هو "وقت ثلاث رضعات"، ولا هو وقت: "خمس رضعات"، وخاصة إذا قدَّرنا أن الرضاع المُحرم هو ما يكون في حولينِ أو أكثر، كما يذهب إليه بعض العلماء.
فالخمس رضعات، أو الرضعات المعدودات، لا يُمكن أن تُحدث معنى الأمومة عند المُرضعة، متى لُوحظ تفرُّقها على الحولينِ أو أكثر منهما. وهذه ناحية أَعرضها للبحث الذي يُستعان فيه برأي الأطباء الواقفينَ على المقدار الذي يَنْبُتُ فيه اللحم، وينشز العظم. ونرجو أن يصل العلماء إلى ما يَرفع اختلاف المعنيينِ في هذه المسألة التي كثيرًا ـ كما رأيت بنفسي ـ ما تُحدث عُقَدًا نفسية بين الزوجين، حينما يُخبَرانِ بأن فلانةً أرضعتهما.
وإذا كان جمهور العلماء اليوم يُفتون برأي الشافعية ـ نظرًا إلى أنه المتوسط بين الآراء، وهو أن المقدار المُحرِّم "خمس رضعات فأكثر" ـ فإن كثيرًا من المُفتين الذين يَسألون يُزعجون الأُسر الهادئة بأن قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم، والواقع أن مسألة التحريم بالرَّضاع على الوجه المذكور به في الكتب في حاجة إلى التمحيص، واختيار الأوْفق والأيسر والأبعد عمَّا يُثير في نفوس الأسَر الزعزعة والاضطراب.
اتِّحادُ زمن الرضاعة
وإذا تجاوزنا المقدار المُحرِّم في الرضاع أو اخترنا مذْهب الشافعي فيه، وقلنا: إن المُحرِّم هو خمس رضعات فأكثر، فإن التحريم يثبت بين الرضيعينِ من المرضعة الواحدة، سواء اتَّحَد زمنُ رضاعتهما منها أم اختلف، وسواء أكان زوج المرضعة واحدة بأن أرضعتهما وهي تحت زوج واحد أم تعدَّد، بأن أرضعت الولد وهي تحت زوج، ثم مات عنها أو طلقها، وأرضعت البنت وهي تحت الزوج الثاني فهي في الحالتينِ أُمهما معًا، وهما أخوانِ لأمٍّ من الرضاعة، والأخوات بجميع نواحيها رَضاعًا كالأخوات نَسَبًا في تحريم الزواج. وإذنْ، فلا قيمةَ لاختلاف الزوج في(26/108)
التحريم وعدمه. ومن المعروف أن كل اثنينِ اجتمعَا على ثَدْيٍ واحد لم يجز لهما أن يتزاوجَا.
الإخبار بالرضاع:
وكثيرًا ما يتَّفق أن يحصل الزواج والدخول بين اثنينِ، وهما لا يَعلمانِ رَضاعًا بينهما، ثم تُخبر به امرأة، وتقول لهما: قد أرضعتُكما، والحُكم في هذه الحالة على تصديقهما إيَّاها أو عدمه، فإنْ صدَّقاها ولم يُنكرا عليها فسد الزواج ووجب عليهما أن يفترقَا، أو التفريق بينهما وإنْ لم يفترقَا بأنفسهما، أما إن كذَّباها وأنْكرَا قولها، أو تشكَّكا في صحته فإن الرضاع لا يثبت إلا إذا قامت عليه حُجة شرعية، وهي "شهادة رجلين أو رجل وامرأتين" وبدون هذه الشهادة لا يثبت الرضاع شرعًا، ولا يفسد الزواج ولا يجب التفريق.
المبادئ العامة:
1. لا يَحرُم من الرَّضاع إلا خمس رضعاتٍ فأكثر .
2. إذا اجتمع اثنانِ على ثدي بخمس رضعات فأكثر في مدة الرضاع، وهي حولانِ كاملان، حرُم التزاوُج بينهما.
3. لا تتوقف حُرمة الزواج بالرضاع على اختلاف زوج المُرضعة.
4. الإخبار بالرضاع إنْ صدَق وجَب التفرُّق وفسد الزواج، وإن كذب لا يحرم إلا بالشهادة الكاملة "شهادة رجلين أو رجل وامرأتين".
والله أعلم .
ــــــــــــــ
الإجهاض من زنا المحارم.. رؤية اجتهادية ... العنوان
في عدد من الحوادث فيما يعرف بـ"زنا المحارم"، ومع خشية الفضيحة، تترك الفتاة نفسها دون أن تخبر أحدا،والنتيجة أنها تكون حاملا ، ربما من أبيها أو عمها أو خالها ، ممن خرجوا عن فطرتهم، المهم هنا ، ماذا تفعل الأسر في الجنين الذي يسكن أحشاء ابنتهم ، هل يبيح الشرع في مثل هذه الحالة أن يقوموا بعملية الإجهاض حتى يخفوا العار الذي يلحق بهم طول الزمن، أما نترك الولد الذي لا ذنب له يقابل مصيره في الحياة ؟ ... السؤال
05/03/2007 ... التاريخ
مسعود صبري الباحث الشرعي بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز الإجهاض بعد أربعة أشهر ، أما قبلها فالأمر خلافي بين الفقهاء، وفي حال زنا المحارم يرجح القول بإباحة الإجهاض قبل نفخ الروح.
وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز الإجهاض بعد أربعة أشهر ، وهي المدة التي يكون فيها الجنين قد تخلق، ونفخ فيه الروح ، ودليله ما اتفق الشيخان عليه من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن أحدكم يجمع في بطن أمه(26/109)
أربعين يوما، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع؛ برزقه وأجله وشقي أو سعيد" .
و الضابط في الإجهاض من حيث الإباحة أو الحرمة هو عملية التخلق ونفخ الروح، فإن كان الجنين قد تخلق ونفخ فيه ، فلا يجوز إجهاضه ، بسبب أن هذا زنا من المحارم، أما إن كان لم يتخلق ، فيجوز ذلك عند عدد من الفقهاء.
وقد اختلف الفقهاء في الإجهاض قبل نفخ الروح، فمنهم من رأى الإباحة، ومنهم من رأى الكراهة ، ومنهم من رأى الحرمة .
فقد ذهب بعض الحنفية إلى أنه يباح الإسقاط بعد الحمل ، ما لم يتخلق شيء منه.
وقال اللخمي من المالكية، والإمام أبو إسحاق المروزي من الشافعية : يباح قبل الأربعين .
بل صرح الإمام الرملي من كبار فقهاء الشافعية، وهو ما يعرف بالشافعي الصغير: لو كانت النطفة من زنا فقد يتخيل الجواز قبل نفخ الروح.
وقال بعض الحنابلة بجواز الإجهاض في بداية الحمل، إذ أجازوا للمرأة شرب الدواء المباح لإلقاء نطفة لا علقة.
وذهب بعض الحنفية إلى الإسقاط إذا كان لعذر، ومن فقهاء المذاهب من رأى الكراهة .
وقد نقل الخطيب الشربيني الشافعي عن الإمام الزركشي : أن المرأة لو دعتها ضرورة لشرب دواء مباح يترتب عليه الإجهاض فينبغي أنها لا تضمن بسببه.
ومن الفقهاء من رأى التحريم قبل نفخ الروح ، وهو المعتمد عند المالكية والحنابلة ، ووجه عند الشافعية .
أما القول بأن عدم إباحة الإجهاض قد يؤدي إلى مشكلات في النسب، فهل ننسب الولد من البنت إلى جده، أو إلى عمه أو خاله، فإن هذا التخوف لا يحل الإجهاض بعد نفخ الروح، إذ إنه من الزنى ، فلا ينسب إلى قريبه على الراجح من أقوال الفقهاء، بل إن الإبقاء على حياته بعد نفخ الروح فيه سد لجريمة الزنى ، حتى لا يتجرأ الناس عليه ، وقد شرع الله تعالى القصاص من القتل ، مع كون الظاهر فيها إزهاق روح، لكن الله تعالى صرح بمقصد القصاص ، فقال :" ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون".
أما القول بإباحته قبل نفخ الروح، فإن فيه مندوحة من الشرع، وفيه دليل أو اجتهاد، فيمكن الاستناد عليه، أخذا بقاعدة أخف الضررين . وهو ما رجحه الإمام ابن حجر، فقال: "وإن كان التخلق مختلف فيه بين كونه بعد الأربعين، أو بعد أربعة أشهر ، فإن الأولى اعتماد جواز الإجهاض قبل التخلق على رأي من يرى أنه قبل الأربعة أشهر ."
وبهذا تظهر حكمة الشرع في وسطيته وأنه أقوم التشريعات، فلا هو أباح الإجهاض، فيكون سبيلا لانتشار الزنا، ومنه زنا المحارم ،ولا هو أغلق الباب بالكلية .
وهذا بيان للحكم الشرعي دون الفتاوى التي تخص كل سائل على حدة، حسب مشكلته الخاصة و ظروفها .(26/110)
والله أعلم
ــــــــــــــ
اللقيط في نظر الشريعة ... العنوان
ماذا يُفعل باللقيط؟ وماذا يجب على المُلتَقِطِ؟ وعلى من يكون الإنفاق عليه وتربيته وتهذيبه؟ وهل يجوز التبنِّي؟ وما هي الآثار التي تترتب عليه؟ ... السؤال
06/02/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فقد قرَّر الفقهاء أن أخذ اللقيط واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارت مجودة، ومِن هنا قال الفقهاء : مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، واللقيط متى ثبت نسَبه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته ، ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، واللقيط أحقُّ بالعطف والرعاية مِن كل ذي حاجة سواه .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
عُنِيتْ الشريعة الإسلامية بالنظر إلى الأطفال، وعَرَض الفقهاء لنوعٍ خاص منهم، وهو أجدرهم بالعناية، نظرًا لفقده مَن يَعُوله ويتعهَّده من أبٍ أو قريب، وذلك النوع هو المعروف عند الناس باسم: "اللقطاء" فعرَّفوا اللقيط، وبيَّنوا أحكامه من جميع جهاته في بحثٍ مستقل، وتحت عنوان خاص هو: "باب اللقِيط" وقد عرفوه بأنه مولود حيٌّ، طرحه أهله خوفًا من الفقر، أو فِرارًا من التُّهْمة، وهو تعريف يُصور لنا شأن اللقيط باعتبار الأسباب التي تدعو غالبًا إلى نبْذه وطرحه، وأنها لا تكاد تخرج عن أمرين: إما الخوْف من الفقر وعدم القُدرة على تربيته والإنفاق عليه، وإما الخوْف من تُهمة العرض.
وقد قرَّروا أن أخذه والتقاطه واجبٌ على مَن يجده؛ لأنه إحياء لنفسٍ صارَ لها حظٌّ في الوجود، ويُرجى أن يكون لها نفع في الحياة، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: (ومَن أحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناسَ جَمِيعًا). والواقع أن ترْكه مع القدرة على أخذه والتقاطه تضييع له وقضاء عليه.
وهذا القدْر كافٍ في تحقُّق مسئولية التقصير في حفظ حياة الحيِّ، وهي مسئولية تدخل في جوِّ المسئوليات الجنائية في نظر الشرائع والقوانين، ومِن هنا قال الفقهاء ـ ترغيبًا في الْتقاطه وتحذيرًا من ترْكه ـ مُضَيِّعُهُ آثِمٌ، وآخِذُهُ غانمٌ، وكيف لا يكون أخْذُه واجبًا وغُنْمًا، وترْكه مُحرمًا وإثْمًا، وقد دلَّ تاريخ اللقطاء على أن فيهم مَن يختصُّه الله بكثير مِن فضله، فيَقود الأمم، ويُرشد الناس إلى الخير والصلاح؟
نسَبُ اللَّقِيطُ ونَفَقَتُه:
واتَّفقَ أهل الفقه أنه إذا ادَّعى نسَب اللقيط رجلٌ مسلم، وهو يعتقد أنه ليس ابن غيره، ثبت نسَبه منه، حِفْظًا لكرامته وإعزازًا له بين أُمته بانتسابه إلى أبٍ معروف، ومتى(26/111)
ثبت نسبُه ثبتت له جميعُ حقوق البُنُوَّةِ، مِن نَفقةٍ وتربية وميراث، أما إذا لم يدَّعِ أحدٌ نسبه فإنه يظلُّ بيد المُلتقط، تكون له وِلايته وعليه تربيته وتثقيفه بالعلْم النافع في الحياة، أو الصَّنْعَة الكريمة المُثمرة، حتى لا يكون عالةً على الأُمَّة، ولا مَنْبَعَ شقاء للمجتمع. ونفقتُه في تلك الحالة واجبة على بيت المال، يُنفق عليه وهو في يَدِ المُلتقط، ويكون الملتقط مسئولًا عنه في كل ما يحتاجه وينفعه من عملٍ وتوْجيه. وقد ورَد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لمَن التقطَ طفلًا: "لكَ ولاؤُهُ، وعلينا نَفَقَتُهُ". وكان يفرض له مِن النفقة ما يُصلحه ويقوم بشأنه، ويُعطيه لولِيِّه كل شهر، ويُوصي به خيرًا. ومع هذا قرَّر الفقهاء أن المُلتقط إذا كان سيئ التصرُّف، لا يهتدي إلى وُجوه التربية المثمرة، أو كان غير أمين على ما يُعطي مِن نفقته، وجب نزعُه مِن يده، ويتولى الحاكم عندئذ تربيته والإشراف عليه، كما يتولَّى رزقه ونفقتُه.
واجب الجماعة للقيط:
ولم يقف الفقهاء عند هذا الحدِّ في تمهيد طريق الحياة للقيط، ووسائل العناية بتربيته، والإنفاق عليه، بل قدَّروا خُلُوَّ بيت المال عن سداد حاجة اللقيط، وتَعَذُّرِ الإنفاق عليه من جهة ولِيِّ الأمر وعجزه عن القيام بشأنه، قدَّروا ذلك وقرَّروا أنه يجب في تلك الحالة على جماعة المسلمين أن يتعاونوا على البِرِّ به والإنفاق عليه، ويكون ذلك مِن الشئون الخيْرية العامة التي رغَّب القرآن في التعاون عليها وحبَّب فيها، وأنْكر على المُتخاذِلينَ عنها (وتَعَاوَنُوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى). (الآية: 2 من سورة المائدة) (ويُطعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأَسِيرًا). (الآية: 8 من سورة الدهر). (أرَأيتَ الذي يُكَذِّبُ بالدِّينِ. فذلكَ الذِي يَدُعُّ اليتيمَ. ولا يَحُضُّ على طعامِ المِسْكِينِ). (أول سورة الماعون). (كلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ. ولا تَحَاضُّونَ علَى طعَامِ المِسْكِينِ). (الآيتان: 17 ـ 18 من سورة الفجر).
ولا ريب في أنَّ اللقيط قد جمع معاني اليُتْمِ والمَسْكنة والأَسْرِ، فهو يتيم فقَدَ أباه ومن يرعاه، ومسكين أُسكن في التراب وفي الزقاق وفي الشواطئ، وأَسير شُدَّ وَثَاقُهُ، وكُبِّلَتْ حياته، وعُقدتْ عليه سُبُلُها. فهو ـ إذنْ ـ أحقُّ بالعطف والرعاية، والحضِّ على إطعامه مِن كل ذي حاجة سواه، ولا يبعد أن يكون لهذه الآيات الكريمة أثرٌ كبيرٌ في توجيه أهل الخير إلى تأليف جمعياتِ الطفولة المُشرَّدة، ومدُّها بوسائل الحياة لإيوَائها والعناية بها.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
التبني في نظر الشريعة ... العنوان
ما حكم التبني في الإسلام ؟ ... السؤال
03/12/2006 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :(26/112)
فالتبنِّي له صورتانِ: إحداهما أن يضمَّ الرجل إليه طفلا ليس ابنا له فيربيه ويعتني بشأنه دون أن يُلْحِقَ به نسبَه، ولا يثبُت له شيءٌ من أحكام البُنُوَّةِ، ولا ريب أنه عملٌ يستحبُّه الشرع ويدعو إليه ويُثيب عليه، أما الصورة الثانية، فهي أن ينسب الشخص إلى نفسه طفلًا ليس ولدًا له ينسبه إلى نفسه ويُثبت له أحكام البنوة وهذا صرَّح الشرع ببُطلانه، وأهدَر آثاره.
فيقول الشيخ محمود شلتوت -شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله- ردا على سؤال مماثل :
ينبغي لمعرفة حُكم الشريعة في التبنِّي أن يعرف له في معناه صورتينِ:
إحداهما: أن يضمَّ الرجل الطفل الذي يعرف أنه ابن غيره إلى نفسه، فيُعامله مُعاملة الأبناء من جهة العطف والإنفاق عليه، ومِن جهة التربية والعناية بشأنه كلِّه، دون أن يُلْحِقَ به نسبَه، فلا يكون ابنًا شرعيًّا، ولا يثبُت له شيءٌ من أحكام البُنُوَّةِ. والتبني بهذا المعنى صَنِيعٌ يلجأ إليه بعض أرباب الخير من المُوسرين الذين لم يُنعم الله عليهم بالأبناء، ويَرونه نوعًا من القُرْبَةِ إلى الله بتربية طفل فقير، حُرم من عطف الأُبوَّة، أو حُرم من قدرة أبيه على تربيته وتعليمه، ولا ريب أنه عملٌ يستحبُّه الشرع، ويدعو إليه، ويُثيب عليه، وقد فتحت الشريعة الإسلامية للمُوسر في مثل تلك الحالة باب الوصية، وجعلتْ له الحقَّ في أن يُوصي بشيء مِن تركتِه يَسُدُّ حاجة الطفل في مستقبل حياته، حتى لا تضطرب به المعيشة، ولا تقسو عليه الحياة.
التَّبَنِّي المَحْظُورُ:
أما الصورة الثانية: وهي المفهومة من كلمة: "تبنِّي" عند الإطلاق، وفي عُرف الشرائع ومُتعارف الناس، فهي أن ينسب الشخص إلى نفسه طفلًا يعرف أنه ولد غيره، وليس ولدًا له ينسبه إلى نفسه نسبة الابن الصحيح ويُثبت له أحكام البنوة من استحقاق إرْثه بعد موته، وحُرمة تزوُّجه بحليلته، وهذا شأنٌ كان يعرفه أهل الجاهلية، وكان سببًا من أسباب الإرْث التي كانوا يُورِّثون بها، فلمَّا جاء الإسلام ـ وبيَّن الوارثين والوارثات بالعناوين التي قرَّرها سببًا في استحقاق الإرث ـ أسقطه من أسباب التوارث، وحصرها في البنوة والأُبوَّة والأمومة والزوجية والأخوة والأرحام على ترتيب بينهم (وأُولُوا الأَرْحَامِ بعضُهمْ أوْلَى بِبَعْضٍ في كتابِ اللهِ). (آخر سورة الأنفال).
ولم يقف الإسلام في إبطال آثار التبني الجاهلي عند حدِّ إسقاطه من أسباب الميراث، بل صرَّح ببُطلانه، وأهدَر آثاره، وأرشد نبيَّه إلى التمسُّك بالواقع الصحيح، وقد جاء ذلك في قوله ـ تعالى ـ من سورة الأحزاب: (وما جَعَلَ أدْعِيَاءَكُمْ أبْنَاءَكُمْ ذلكُمْ قَوْلُكُمْ بأَفْوَاهِكُمْ واللهُ يقولُ الحقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هوَ أقْسَطُ عندَ اللهِ فَإِنْ لمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ). (الآيتان: 4 ـ 5 من سورة الأحزاب).
زيد بن حارثة:
وقد تبَنَّى النبي ـ صلى الله عليه وسلم، على سُنة العرب، وقبل التشريع ـ زيدَ بن حارثة، فكان يُدعي: زيدَ بنَ محمد، وحينما طلبه أَبُوه وأهلُه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَكَلَ النبي الأمر إلى اختيار زيد، فآثَرَ زيدٌ أُبُوَّةَ النبي على أبوة أبيه،(26/113)
ورضي الجميع بذلك، وانصرفوا عنه، وتركوه مُتَبَنَّى تَبِنِّي الرسول فرحينَ مسرورينَ، فلما جاء القرآن بإبطال التبنِّي أمر الله نبيَّه أن يُنَفِّذَ بنفسه تطبيق ذلك التشريع الجديد في مُتَبَنَّاهُ؛ ليكونَ ذلك عند الأمة باعثًا على الامتثال والمُسارعة إلى القبول، دون تحرُّج من ترْك ما ألِفُوا.
أمر الله نبيه بتنفيذ التشريع الجديد، وإهدار السُّنَّةَ السابقة فيما يختصُّ بالتبنِّي، وفي سبيل ذلك طلب منه أن يتزوج بحليلةِ مُتبناه زيد بن حارثة، وقد اتَّفق في ذلك الوقت أن زيدًا كان قد طلَّقها، وقد جاء ذلك في قوله ـ تعالى ـ من سورة الأحزاب أيضًا: (فلمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لكَيْ لا يَكُونَ على المُؤمِنينَ حَرَجٌ في أزواجِ أدْعيائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وكانَ أمْرُ اللهِ مَفْعُولًا). (الآية: 37 من سورة الأحزاب) وبذلك بطل هذا النوع من التبنِّي، وصار مُحَرَّمًا على المسلم أن يُلحق بنسَبه الطفلَ الذي يَعرف أنه ابن غيره وليس ابنًا له، عرَف أبَاه أم لم يَعرفه.
إبطال هذا التبنِّي:
ولعل من واجب المسلمين علينا أن يعرفوا الحِكْمَةَ في إبطال هذا النوع من التبنِّي، ونُزول القرآن بإنكاره وتحريمه وإبطال آثاره، ليتبيَّن لهم مقدارُ حرص الشريعة الإسلامية على صوْن الأنساب وحِفظ الحقوق الأُسرية التي ارتبطت في التشريع الإسلامي بجهات القرابة العِماد الواقعي بين الوارثينَ ومُورِّثِهم.
وليس مِن ريبٍ أن في هذا التبنِّي حرمانَ الأب الحقيقي المعروف من أن يتصل به نسبه المُتولد منه، المنسوب إليه في الواقع وفيما يعلم الله والناس، وفيه إدخال عنصر غريب في نسب المُتبنِّي، يَدخل على زوجته وبناته باسم البُنُوَّةِ والأخوة، ويُعاشرهن على أساس منهما وهو أجنبي عنهن، لا يُباح له منهن ما يُباح للابن أو الأخ الحقيقي لهنَّ، وبقدر ما تتركز هذه البُنوة الكاذبة في هذه الأسرة، فإن البنوة الحقَّة، في الأسرة الحقة، تسير إلى الفناء والمَحْوِ والزوال، وبذلك تضيع الأنساب، ويختلُّ نظام الأُسَر.
وفيه ـ وراء ضياع الأنساب واختلال نظام الأسر ـ تضييعٌ لحقوق الورثة الذين تَحَقَّقَ سبب إرْثهم الشرعي من الأب الكاذب "المُتبنِّي" فلا تَرِثُ إخوته ولا أخواته لوُجود الابن "الزُّور" الذي منَع بِبُنُوَّتِهِ الكاذبة إرْثهم الشرعي، وبذلك تقع العداوة والبغضاء بينهم وبين مُورثهم بهذا الدعِيِّ الذي تَبنَّاه وضيَّع به حقهم في التركة.
هذا. وقد قال بعض العلماء إجمالًا لتلك الحكمة: لو فُتح باب الانتفاء من الأب لأُهملت المصالح ولاختلطتِ الأنساب ولضاعت حِكمة الله في جعْل الناس شعوبًا وقبائلَ.
وبعدُ:
فهذا هو الوضْع الشرعي لمَن يريد أن يتقرَّب إلى ربه بضَمِّ ابن غيره إليه، يُربيه ويُنفق عليه ويُوصي له، دون أن ينسُبه إلى نفسه، ويَجعله ابنًا يَرِثُهُ وتَحرُم عليه حليلتُه، وذاك هو الوضْع الآخر الذي يَمْقُتُهُ الله ويُنكره: ينسب ولَدَ غيره إليه ويُثبت له حقوق البُنُوَّةِ الصادقة، ويمنع به المُستحقينَ حُقوقهم. وأرجو ألَّا يختلط أحدُ الوضعينِ بالآخر عند مَن يُريد التبنِّي ممَّن يُؤمنون بالله وشرْعه.
والله أعلم .(26/114)
ــــــــــــــ
حكم تبني اللقيط ... العنوان
وجدت لقيطا وأخذته وأريد أن أتبناه.. فهل يجوز شرعا أن أكتبه باسمي ؟ وتكون زوجتي أمه؟ أرجو الإفادة.
... السؤال
14/09/2006 ... التاريخ
الشيخ علي أبو الحسن ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالتبني أمر حرمه الله في الإسلام منذ عهد النبوة وبدأ بقصة مولي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة الذي تبناه النبي وكان يدعي زيد بن محمد حتي نزل قول الله تعالي: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) ، ومن هنا فلا يجوز شرعا أن يتبني رجل ابنا ولا بنتا وينسبها لنفسه بهذا المعني.
ولكن يجوز ويستحب أن نتولى رعاية الطفل واليتيم خاصة من حيث الإعالة بالنفقة في المطعم والكسوة والتعليم وحسن التربية حتى إذا بلغ السن التي يقوي فيها علي إعانة نفسه أو تزوجت البنت تركناهما وشأنهما مع استمرار الإحسان إليهما بشرط عدم نسبتهما إلينا في أي شهادة ميلاد رسمية بل نختار لهما اسما آخر يناسبهما إن لم يكن لهما آباء معروفون يدعون إليهم ويفرق بينهم في المضاجع عند البلوغ وتحتجب المحارم كالزوجة والبنت الحقيقية عن الذكر منهما، والبنت منهما عن الذكر من أولادنا وعنا أيضا لأن الحرمة قائمة بين الجميع كالأجانب حيث هم كذلك في الواقع، إلا إذا كان قد تم لهما رضاع من الزوجة فيأخذون حكم الرضاع في الحرمة وجواز الدخول مع التحفظ أيضا.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
هل حرم النبي الزواج من ولد الزنى ؟ ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
هل صحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم حرم بشدة الزواج من ابن الزنا مع أن هذا الشخص قد يكون تقيا صالحا ؟.
وجزاكم الله خيرا
... السؤال
17/08/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :(26/115)
فلم يحرم النبي صلى الله عليه وسلم الزواج من ابن الزنا؛ لأن ابن الزنا لم يقترف ذنبا حتى يعاقب به؛ وإنما اقترف الذنب أبواه؛ وكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ـ من علماء المملكة العربية السعودية :
وردت أحاديث في ذمّ ولد الزنا ، ولكن أكثر هذه الأحاديث ضعيف لا يصح ، وقد روى أبو داود في سننه ( 4 / 39 ) وأحمد في المسند ( 2 / 311 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ولد الزنى شر الثلاثة " يعني أكثر شرا من والديه وممن حسنه ابن القيم في المنار المنيف ( 133 ) والألباني في السلسلة الصحيحة ( 672(
وقد وجَّه العلماء الحديث بعدة توجيهات أشهرها :
ما قاله سفيان الثوري : بأنه شرّ الثلاثة إذا عمل بعمل والديه .
وقد روي ذلك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : :" هو أشر الثلاثة إذا عمل بعمل والديه . يعني ولد الزنا " وإن كان إسناده ضعيفا فقد حمله على هذا المعنى بعض السلف كما تقدم .
ويؤيد هذا التفسير ما رواه الحاكم ( 4 / 100 ) ـ بسند قال عنه الألباني : " يمكن تحسينه" ـ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء .( ولا تزر وازرة وزر أخرى ( " .
وبعض العلماء قال : إن هذا الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر؛ لأنهم يتخلقون من نطف خبيثة، والنطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب . فإن خرج من هذه النطفة نفس طيبة دخلت الجنة ، وكان الحديث من العام المخصوص .
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَوَلَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , وَإِلا جُوزِيَ بِعَمَلِهِ كَمَا يُجَازَى غَيْرُهُ , وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ لا عَلَى النَّسَبِ . وَإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا , لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا . كَمَا تُحْمَدُ الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ , فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ , وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . الفتاوى الكبرى ( 5/83 ) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ـ المملكة العربية السعودية :
" ابن الزنا إذا مات على الإسلام يدخل الجنة ، ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك لأنه ليس من عمله ، وإنما من عمل غيره . وقد قال تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولعموم قوله تعالى : ( كل امرئ بما كسب رهين ) وما جاء في معنى ذلك من الآيات ، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنَّة ولد زنية " فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكره الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم . وبالله التوفيق .أ.هـ
وأما ما يتعلق بحكم الزواج من ابن الزنا فلم ينص أحد من الفقهاء المعتبرين على تحريمه ، وإنما وقع الاختلاف عند الحنابلة في مدى كفاءته لذات النسب فمنهم من(26/116)
رأى أنه كفء لها ، ومنهم من لم ير ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ،ويتعدى ذلك إلى ولدها .
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل زوج ابنته على شخص تبين أنه ولد زنا فما الحكم ؟ فأجاب سماحته :
" إذا كان مسلما فالنكاح صحيح ، لأنه ليس عليه من ذنب أمه ، ومن زنا بها شيء . لقول الله سبحانه : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . ولأنه لا عار عليه من عملهما إذا استقام على دين الله وتخلق بالأخلاق الحسنة لقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس قال : أتقاهم .. وقال عليه الصلاة والسلام : " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " .. "
والله أعلم
ــــــــــــــ
إثبات النسب بالبصمة الوراثية حق للمرأة لا للرجل ... العنوان
نرجو من فضيلتكم توضيح أحقية أحد الزوجين في اللجوء إلى استخدام البصمة الوراثية، وأيهما يقدم على الآخر عند طلب التحليل الوراثي: (الزوج أم الزوجة؟؟) وذلك عند وجود تنازع بين الزوجين في ثبوت نسب الولد، مع رجاء ذكر الأسباب والأسانيد الشرعية التي اعتمدتم عليها في مثل هذا القول، وهل هذا بناء على طلب من القضاء وبرضا الطرفين أم لا؟؟
... السؤال
07/04/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
شرع الله تعالى حد القذف لمن يرمي غيره من الناس بالزنى، وشرع اللعان بين الزوجين إذا ما أراد الزوج نفي الولد أو اتهام الزوجة، ولم يكن معه شهود . والتحاكم للبصمة الوراثية جائز إذا كان الطلب من الزوجة، لأنه يحقق براءتها وطمأنينة الزوج ونسب الولد ، أما إن كان من الزوج فلا يجاب إليه إلاّ إن وافقت الزوجة لأنه يضيع حقها في الستر الذي يكون باللعان.
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :
شرع الله حد القذف لمن رمى إنسانا بالزنى ـ رجلا كان أو امرأة ـ ولم يقم بينة على ذلك. والبينة أن يأتي بأربعة شهداء رأوا عملية الزنى وهي تحدث بأعينهم، دون تجسس منهم على الزاني ومن يزني بها.(26/117)
قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4} إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌرَّحِيمٌ {5} النور: 4 ،5.
ولكن القرآن استثنى من هذا الحكم: الأزواج الذين يرمون زوجاتهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، فمن اتهم امرأته بالزنى، فقد جعل الله له بديلا عن الشهود الأربعة: أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. كما فصل القرآن ذلك في سورة النور. وبهذا يسقط عنه حد القذف.
قال تعالى: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {7} وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ {9}النور: 6-9
وهذا اللعان مشروع فيما إذا اتهم الزوج زوجته بالزنى أو اتهمها بنفي الولد منها.
وفائدة اللعان: أن يفترق الزوجان، وينسب الولد إلى أمه، وقد ستر على المرأة، فلم يعرف إن كانت هي الكاذبة أو هو الكاذب، ولم يعرف إن كان الولد ابنه حقيقة أو لم يكن ابنه. وفي هذا من المصلحة ما فيه.
وبعد أن ظهرت (البصمة الوراثية) وأصبح ممكنا معها تحليل الدم، ومعرفة الولد إن كان من صلب هذا الرجل أو لم يكن من صلبه.
وقد اتفق العلماء على أن الزوج إذا طلب الاحتكام إلى البصمة الوراثية لم يستجب له، لأنه يفوت على المرأة ما يوفره لها اللعان من الستر عليها وعلى ولدها، وهذا الستر مقصود للشارع لما فيه من مصلحتها ومصلحة ولدها.
ولكن الذي اختلف فيه العلماء هو ما إذا طلبت المرأة المقذوفة: الاحتكام إلى البصمة الوراثية، هل تجاب إلى طلبها أو لا؟
أكثر العلماء قالوا: لا يجاب طلبها، ويكتفى باللعان؛ لأنه هو الذي شرعه الله لعلاج مثل هذه الحالة، فيوقف عنده، ويقتصر عليه، ولا نتعداه.
ولكن الذي أرجحه أن يستجاب للمرأة في هذا الطلب، على أساس أنها لا تفعل ذلك إلا إذا كانت مستيقنة من براءتها، وتطلب اللجوء إلى وسيلة علمية مقطوع بها، تدفع التهمة بها عنها، وتحفظ بها حقها، ولا تعتدي على حق إنسان آخر، فهي تطلب بالاحتكام إلى البصمة إثبات أمور ثلاثة في غاية الأهمية شرعا:
أولهما : براءة نفسها من التهمة المنسوبة إليها، وهي جازمة بأنها كاذبة، وهذا أمر يحرص عليه الشارع: ألا يتهم برئ بما ليس فيه.
وثانيهما : إثبات نسب ولدها من أبيه، وهذا حق للولد، والشارع يتشوف إلى إثبات الأنساب ما أمكن. وحفظ الأنساب من الضرورات الشرعية الخمس.
الثالث : إراحة نفس الزوج، وإزاحة الشك من قلبه، بعد أن يثبت له بالدليل العلمي القطعي: أن الولد الذي اتهمها بنفيه منه هو ابنه حقا. وبذلك يحل اليقين في نفسه محل الشك، والطمأنينة مكان الريبة.
وبهذا يستفيد الأطراف الثلاثة بهذا الإجراء: الزوجة والزوج والولد.(26/118)
وأمر يحقق هذه المصالح كلها، وليس فيه ضرر لأحد، ولا مصادمة لنص: لا ترفضه الشريعة، بل هم يتفق مع مقاصدها.
وإذا طلبت الزوجة من القاضي الشرعي أو من المحكمة الشرعية: الاحتكام إلى البصمة الوراثية، فالواجب أن نستجيب لها، رعاية لحقها في إثبات براءتها، وحق ولدها في إثبات نسبه، وعملا على إراحة ضمير زوجها، وإزالة الشك عنه.أ.هـ
والله أعلم
ــــــــــــــ
زواج الزانيين ونسبة الولد للزاني ... العنوان
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته أما بعد/ يشرفني أن أتقدم بسؤال هذا ، وهو كالتالي : ماحكم الشرع في رجل اقترن بامراة بطريقة غير شرعية فأنجب منها أولادا في الغربة ثم بعد ذلك تاب، هل يستطيع أن يتزوج تلك المرأة ويصبح الأولاد ذريته وينسبون إليه أم أن هذا حرام؟ ... السؤال
13/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :-
بداية لابد أن ننصح هذا الرجل وهذه المرأة بالتوبة، فإن الزنا جريمة منكرة تستوجب التوبة والندم، والتصميم على عدم العود للمعصية، والضراعة إلى الله عز وجل ليغفر لهما زلاتهما فإنه سبحانه يحب التوابين، ويغفر الذنوب جميعا، ثم بعد توبتهما يكون زواجهما صحيحا بإجماع المسلمين .
أما زواجهما قبل التوبة ففيه خلاف، وأما نسبة هذا الولد الناتج عن الزنا منهما فجمهور الفقهاء يرى أنه لا ينسب للزاني، ولكنه ينسب لأمه فقط فيكون ولد زنا، وقد رجح جواز نسبته إلى الزاني أئمة من أهل التحقيق مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن القيم ، ومن المعاصرين الدكتور القرضاوي ، وهو قول عملي له وجاهته وقوته، وعليه الفتوى، أي يجوز أن تنسبه إليك وإلى زوجتك.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في فتوى له سابقة :-
الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، وأرادا تغيير حياتهما من زنى محرم ليعيشا في الحلال، فزواجهما صحيح بالإجماع.
وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما.
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} النور: 3.
ويقول فضيلته أيضا في مسألة استلحاق الزاني ولده من الزنا:-(26/119)
جاء عن عَدَد من فقهاء السلف: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، أنهم أجازوا استلحاق ولد الزنى إذا لم يكن فراش، أي لم تكن المرأة متزوجة ـ بأن لم تتزوج قَطُّ، أو كانت مُطلَّقة، أو أرملة ـ وادَّعى مُدَّعٍ أن هذا ولده، جاز أن يُستلْحَق ولد الزنى، ورَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
قال ابن القيم بعد أن ذكر حديث "الولد للفراش وللعاهر الحَجَر" قال:
(فإن قيل: فقد دل الحديث على حُكم استلحاق الولد، للفراش فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يُعارِضه، هل يُلْحِقَه نَسبَه، ويُثبِت له أحكامَ النسبِ؟ قيل: هذه مسألة جليلة، اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودًا على فراش يَدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزاني أُلحِقَ به، وأوَّلَ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "الولد للفراش" على أنه حُكِم بذلك عند تنازُع الزاني وصاحب الفراش.
وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدًا، فادَّعى ولدَها، فقال: يُجلَد ويَلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيَّما رجل أتى إلى غلام يَزعُم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يَدَّعِ ذلك الغلام أحد، فهو ابنه .
واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام، وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من "الولد للفراش" وصاحب هذا المذهب أول قائل به، والقياس الصحيح يقتضيه؛ فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يُلحَق بأمه، ويُنسَب إليها وتَرِثه ويَرِثها، ويَثبُت النسب بينه وبين أقارب أمة مع كونها زَنَتْ به، وقد وُجِد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتَّفَقا على أنه ابنها، فما المانع مِن لُحوقه بالأب إذا لم يَدَّعِه غيره؟ فهذا مَحْضُ القياس .
وقد قال جريج للغلام الذي زَنَتْ أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال فلان الراعي، وهذا إنطاق من الله لا يُمكن فيه الكذب"
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: "... وكان جريج رجلاً عابدًا فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتتْه أمه وهو يُصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفتْ، فلما كان من الغَدِ أتتْه وهو يُصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تُمِتْه حتى يَنظر إلى وجوه المُومِسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأةٌ بَغِيّ يُتَمثَّل بحُسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم، قال: فتعرضتْ له فلم يلتفتْ إليها، فأتتْ راعيًا كان يَأويْ إلى صومعتِه فأمكنتْه من نفسها، فوقَعَ عليها، فحملتْ، فلما ولدتْ قالت: هو مِن جريج.
فأتوه فاستنزلوه وهدمُوا صومعتَه وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيتَ بهذه البغي فولدتْ منك! فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به. فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه ـ وفي رواية: أنه مَسَحَه على رأسه ـ وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يُقبِّلونه(26/120)
ويَتَمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذَهَب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا ".
فابن القيم يستدل بهذا على أنه قال: مَنْ أبوك؟ قال فلان الراعي، وطبعًا الذي أنطقه هو الله، لأنه نطق خارق للعادة، كرامة من الله لهذا الرجل الصالح، فلا يمكن الكذب فيه، فنَسَبَه إلى هذا الأب، والأصل أنَّ شَرْع من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يُخالِف شرعَنا ـ على رأي جمهور الأصوليين (ذهب إلى هذا أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، وأكثر الشافعية، وهو الذي صار إليه الفقهاء، كما نقل ذلك الشوكاني في "إرشاد الفحول: 2/ 257 ـ 258 بتحقيق د. شعبان محمد إسماعيل) .
فهنا استدل ابن القيم ـ ومِن قَبلِه ابن تيمية (انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية: ص 165، ضمن المجلد الخامس من الفتاوى الكبري، ط. فرج الله الكردي) ـ بهذا الحديث على أنه إذا استلحق ولدَه من الزنى ولا فراش، لَحِقَه، وهذا مذكور في كتب الحنابلة المتأخرين مثل (الفروع) (انظر كتاب "الفروع" لأبي عبد الله شمس الدين بن مفلح: ج5 ص 526، ط2، 1383هـ ـ 1963م. وكذلك كتاب "المبدع في شرح المقنع" لأبي إسحاق برهان الدين بن مفلح: ج8 ص106، ط المكتب الإسلامي) وغيره .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
الميراث بسبب الرضاع ... العنوان
هل يجق للابن أن يرث من أمه من الرضاع؟ جزاكم الله عنا كل خير ... السؤال
06/09/2005 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فقد اتفق العلماء على أن الرضاع ليس من أسباب الميراث، وإنما الرضاع يكون سببا في تحريم النكاح وثبوت المحرمية بمعنى أن الرضيع يكون محرما لأمه وأخته من الرضاعة فيجوز له الخلوة ويكون محرما في السفر عند أمن الفتنة.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
من المعروف عند جمهور أهل العلم أن أسباب الميراث ثلاثة وهي القرابة والزوجية والولاء . فأما القرابة فهي كل صلة بين شخصين بسبب الولادة من قبل أب وأم قريبة كانت أو بعيد . انظر العذب الفائض 1/19 . يقول الله سبحانه وتعالى :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ) سورة النساء الآية 11 .
وقال تعالى :( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) سورة الأنفال الآية 75 . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :((26/121)
ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ) رواه البخاري . وفي رواية لمسلم :( اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر ).
والمستحقون للميراث بالقرابة هم أصحاب الفرائض والعصبات النسبية وذوو الأرحام وهذا فيه تفصيل كثير عند العلماء . وأما الزوجية فيدل على توارث الزوجين قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) سورة النساء الآية 12.
ويشترط لتوارث الزوجين أن ينعقد النكاح صحيحاً ولو لم يتم دخول أو خلوة بعد العقد الصحيح ويشترط أيضاً أن تكون الزوجية الصحيحة قائمة عند الوفاة . وأما الولاء فهو قرابة غير حقيقية أي حكمية تحصل بسبب العتق أو عقد الموالاة.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إنما الولاء لمن أعتق ) رواه البخاري ومسلم . ونظراً لانتهاء عصر الرق فلا حاجة للحديث عن ذلك الآن .
إذا تقرر هذا فإن الرضاعة ليست من أسباب الميراث باتفاق أهل العلم والابن من الرضاع لا يرث من أمه الرضاعية ولا أثر للرضاع في الميراث.
قال الإمام النووي :[ الرضاع يؤثر في تحريم النكاح وثبوت المحرمية المقيدة لجواز النظر والخلوة دون سائر أحكام النسب كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة وغيرها وهذا كله متفق عليه ) روضة الطالبين 6/418-419.
وقال الإمام البغوي ( ولا يتعلق بالرضاع من أحكام النسب إلا شيئان : تحريم النكاح والمحرمية وهي أنه يجوز للرجل أن يخلو بالمحرمة عليه بالرضاع وأن يسافر بها . أما الميراث ووجوب النفقة وحصول العتق وغيرها من أحكام النسب فلا يتعلق شيء منها بالرضاع )
والله أعلم.
ــــــــــــــ
فتاوى الأزهر - (ج 1 / ص 490)
اقرار بطلاق مسند إلى زمن ماضى ودعوى النسب
المفتي
حسن مأمون .
جمادى الثانية 1377 هجرية - 14 يناير 1958 م
المبادئ
1- كتمان الطلاق ثم الإخبار به بعد مدة يقتضى عدم تصديق المطلق فى الإسناد، وتجب العدة على المطلقة من تاريخ الإقرار صدقته هى فى ذلك الإسناد أم كذبته .
2- إقراره بالطلاق وقت وقوعه واشتهار ذلك بين الناس موجب للعدة من تاريخ وقوعه .(26/122)
3- يترتب على كتمان الطلاق أو عدمه ثبوت النسب وعدمه حيث تبدأ العدة عند الكتمان من وقت الإقرار وعند عدمه من تاريخ الوقوع .
4- إتيانها بولد تحتسب المدة من تاريخ الإقرار فى حالة الكتمان ومن تاريخ الوقوع فى حالة الإقرار به حين الوقوع، وتبدأ مدة السنة التى تسمع فيها دعوى النسب من هذا التاريخ أو ذاك
السؤال
بالطلب المتضمن أن رجلا كان متزوجا من امرأة وطلقها بتاريخ 5 أكتوبر سنة 1954 طلاقا أول لم يثبته عند المأذون، ثم طلقها الثانى بإشهاد فى 20 نوفمبر سنة 1954 ، وقد أثبت فى الإشهاد العبارة الآتية زوجتى فلانة طالق منى وعرف أن هذا هو الطلاق الثانى وأنه لم يراجع مطلقته هذه لا بعد الطلاق الأول ولا بعد الطلاق الثانى، وأنها بتاريخ 22 أكتوبر 1955 وضعت بنتا فى مستشفى الدمرداش نسبتها إلى مطلقها الذى أبلغ النيابة فورا .
وسأل هل هذه البنت يثبت نسبها منه أو لا
الجواب
إن المنصوص عليه فى مذهب الحنيفة الذى كان معمولا به قبل صدور القانون رقم 25 لسنة 1929 أن المطلقة رجعيا التى تعتد بالحيض إذا لم تقر بانقضاء عدتها وولدت ولدا ولو لعدة سنين من تاريخ الطلاق يثبت نسبه من مطلقها، أما إذا أقرت بانقضاء عدتها بعد الطلاق فإنه لا يثبت نسبه من مطلقها إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من تاريخ إقرارها بانقضاء العدة، ولما شاع بين الناس فساد الذمم وسوء الأخلاق واستغلت هذه الأحكام فى الباطل فادعى نسب أولاد غير شرعيين رأى المشرع بعد أخذ رأى الأطباء فى أقصى مدة الحمل استصدار المادة 15 من هذا القانون التى نصت على أن أقصى مدة للحمل هى سنة عدد أيامها 365 يوما، لتشمل جميع الأحوال النادرة ومنع القضاة عند الإنكار من سماع دعوى نسب ولد لمطلقة أتت به لأكثر من هذه المدة من وقت الطلاق بناء على ما لولى الأمر شرعا من الحق فى منع قضاته من سماع بعض الدعاوى التى يشاع فيها التزوير والاحتيال، ودعوى نسب ولد ولد بعد سنة من تاريخ الطلاق فيها الاحتيار والتزوير، ولذلك وضعت المادة 15 المذكورة - فالمادة 15 هذه إنما منعت القضاة من سماع دعوى النسب عند الإنكار فى الأحوال التى نصت عليها، ولم تتعرض لموضوع النسب نفسه إثباتا أو نفيا، ولذا لم تنص على أنه لا يثبت النسب فى هذه الأحوال، وإنما نصت على أنه لا تسمع الدعوى به عند الإنكار إذا تقرر ذلك فهل هذه البنت المسئول عنها ولدت فى أثناء المدة التى تسمع فيها دعوى نسبها من السائل وهى 365 يوما من تاريخ الطلاق أو أن ولادتها كانت بعدها فتكون دعوى نسبها غير مسموعة قانونا طبقا للمادة 15 السابقة - وللإجابة على ذلك يتعين الرجوع إلى نص الفقهاء لمعرفة حكم الإقرار بالطلاق وإسناده إلى زمن ماض، وهل يثبت حكم الطلاق من تاريخ الإقرار به أو من التاريخ الذى أسند الحالف وقوع الطلاق إليه .(26/123)
وبالرجوع إلى حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر نجد فيه تعليقا طويلا على ما قرره صاحب الدر ونقله عن المعتبرات فى المذهب بيانا لحكم الإقرار بالطلاق وإسناده إلى تاريخ مضى وقد ختم هذا التعليق بقوله فالحاصل أنه إن كتمه ثم أخبر به بعد مدة فالفتوى على أنه لا يصدق فى الإسناد بل تجب العدة من وقت الإقرار سواء صدقته أو كذبته، وإن لم يكتمه بل أقر به من وقت وقوعه واشتهر بين الناس تجب العدة من حين وقوعه ومنه يتضح الحكم .
فإذا كان السائل قد أقر بالطلاق الأول من 5/10/1954 وعرف هذا الطلاق بين الناس كان ثابتا من هذا التاريخ، ويترتب على ذلك عدم سماع دعوى نسب هذه البنت من السائل طبقا للمادة 15 المذكورة، لأنه بتطليق السائل زوجته فى 5 أكتوبر سنة 1954 وعدم مراجعته لها حتى طلقها الطلاق الثانى بتاريخ 20 نوفمبر سنة 1954 ولم يراجعها أيضا بعده يكون قد مضى بين الطلاق الأول وتاريخ ولادة البنت أكثر من 365 يوما فلا تسمع دعوى نسبها منه طبقا لهذه المادة .
أما إذا كان السائل قد كتم هذا الطلاق ولم يعلم به أحد حتى أقر به عند المأذون فى 20 نوفمبر سنة 1954 فإنه لا يثبت شرعا إلا من تاريخ الإقرار به فقط، وعلى ذلك تكون ولادة البنت قد جاءت أثناء المدة القانونية فتكون دعوى نسبها مسموعة قانونا من السائل طبقا لمفهوم هذه المادة .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله أعلم
ــــــــــــــ
اثبات نسب
المفتي
محمد عبده .
ربيع الأول 1317 هجرية
المبادئ
1 - مجرد تقديم شهادة بالنسب بعد وفاة المورث لا يثبت نسبا .
2 - لا يثبت النسب فى هذه الحالة إلا بعد صدور حكم شرعى بثبوته
السؤال
قدم ب ع شهادة بأنه ابن عم ع .
المتوفى ببندر بنى سويف ويطلب ميراثه فيه - رغم أن المتوفى المذكور مثبوت وفاته فى بيت المال وأن هذه الشهادة محررة من المتوفى قبل وفاته ومع كونه موجودا ببندر بنى سويف إلا أنه لم يحصل منه هذا الإدعاء حين وفاته لو كان ابن عمه حقيقة لأوضح أهالى الجهة ذلك بمحضر الوفاة
الجواب
الشهادة التى قدمها ب ع لا قيمة لها فى ذاتها ولا تثبت نسبه ولاحقه فى ميراثه لعبد اللّه على السودانى، لأنه لا يعلم صدورها من المتوفى عبد اللّه على المذكور ولا وجه لطلبه إلا بعد أن يثبت نسبه شرعا بحكم شرعى من محكمة شرعية وطيه الأوراق عدد 6
ــــــــــــــ(26/124)
حكم الناقض فى النسب
المفتي
محمد عبده .
جمادى الآخرة 1317 هجرية
المبادئ
التناقض فى النسب عفو لا يمنع صحة الدعوى به سواء أكان من جهة الأصول أو الفروع أو غيرهما
السؤال
توفى رجل عن ثلاث زوجات وأخت شقيقة وابن عم عاصب وصدر حكم شرعى من محكمة إحدى المراكز الشرعية بثبوت نسب ووراثة الأشخاص المذكورين إلى المتوفى وقد صترف ابن العم المذكور فى استحقاقه ثم بعد صدور لائحة المحاكم الشرعية الجديدة ظهر شخص يدعى أنه ابن ابن عم المتوفى وأن ابن العم المذكور أقر قبل الحكم بثبوت وراثته وبعده بأنه ليس وارثا للمتوفى المذكور ولا قريبا له .
فهل والحالة هذه لا تسمع دعواه المذكورة ولا بينة عليها .
وعلى فرض صحتها يكون محجوبا بابن العم المذكور أم كيف الحال
الجواب
لو صح ما يدعيه ان ابن العم قبل الحكم بأنه ليس وارثا للمتوفى ولا قريبا له لا يبطل الحكم الذى صدر بثبوت نسبه بعد دعوى صحيحة، لما صرحوا به من أن التناقض فى النسب عفو لا يمنع صحة الدعوى به، ومثلوا لذلك بما لو قال أنا لست بوارث له ثم ادعى إرثه وبين الجهة تصح، وعللوا ذلك بأن النسب مما يخفى كالطلاق وهذا هو الفرق بين دعاوى النسب والدعاوى التى تحصل فى الملك ويضربها التناقض وهذا التعليل يقتضى أنه لا فرق بين أن يكون النسب من جهة الأصول والفروع أو غيرهما كما فى واقعتنا وما يوجد فى بعض الكتب من تصوير ما لا يبطل بالتناقض بدعوى نسب من جهة الأصول والفروع لا يقتضى التخصيص فاستنتاج التخصيص منه غير ظاهر .
وفى الحقيقة أنه لا فرق بين نسب ونسب فى الخفاء والظهور كما ذكرنا .
أما يتعلق بما يدعى المدعى صدوره من ابن العم بعد الحكم بصحة نسبه فلا أثر له لأن الحكم محل كل مطعن فى القيل الذى ذكره .
وبذلك يعلم أن تصرف ابن العم المذكور فيما ورثه نافذ شرعا حيث لا مانع .
ويعلم أيضا أن ابن ابن العم المذكور على فرض ثبوت نسبه لا يكون وارثا فى ذلك المتوفى لحجبه بابن العم المذكور واللّه أعلم
ــــــــــــــ
نفى النسب بعد الاقرار به من زوجية موجب لحد القذف
المفتي
محمد عبده .
ربيع الأول 1322 هجرية
المبادئ(26/125)
نفى النسب بعد الإقرار به من زوجية موجب لحد القذف لأنه أكذب نفسه باعترافه ولا تقبل له شهادة
السؤال
شخص تزوج بامرأة ولما وضعت له بنتا لم ينكر وقتها نسبها إليه ثم طلقها ولما طلبت منه نفقة أنكر نسبها إليه وأشهد على نفسه نفى البنوة ثم طلب إجراء الملاعنة الشرعية .
ثم تراجع بعد ذلك واعترف بكذبه .
وبثبوت بنوة بنته وفرض لها نفقة شرعية فهل يعتبر رجوعه فى إنكار نسبها إليه واعترافه بنسبها قذفا يحد عليه
الجواب
قال فى كنز الدقائق وشرحه البحر الرائق .
إن أقر بولد ثم نفاه لاعن وإن عكس حد والولد له فيهما .
أى إن نفى الولد ثم أقر به فإنه يحد حد القذف لأنه لما أكذب نفسه بطل اللعان لأنه حد ضرورى صير إليه ضرورة التكاذب والأصل فيه حد القذف فإذا بطل التكاذب يصار إلى الأصل والولد له فيثما إذا أقر به ثم نفاه أو نفاه ثم أقر به لإقراره به سابقا أو لاحقا .
واللعان يصح بدون قطع النسب كما يصح بدون الولد .
وقال فى الهندية نقلا عن محيط السرخسى وكذا فى ولد واحد إذا أقر به ثم نفاه ثم أقر به يلاعن ويلزمه .
وإن نفاه ثم أقر به فإنه يحد ويلزمه . وحيث إن هذا الرجل فى هذه الحادثة قد نفى بنته ثم أكذب نفسه باعترافه ببنوتها فيعتبر قاذفا ويحد حد القذف وهو الجلد الحد هو الذى جعله الشارع عقوبة له على قذفه .
ومن المقرر شرعا أن المحدد فى قذف لا تقبل شهادته أبدا ولو تاب لقوله تعالى { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } النور 4 ، ولأنه من تمام الحد لكونه مانعا فيبقى بعد التوبة كأصله .
وقبوله النفقة لا يرفع عنه وصف القذف كما لا يخلبصه مما ترتب على القذف وهو الحد تلك العقوبة الشرعية المعروفة ولا يجوز لأحد أن يقول إن اللعان حق مدنى له أن يطلبه ثم يرجع عنه متى شاء فإن ذلك غير صحيح لأنه طلب اللعان ثم الإقرار بالبنوة تحقيق معنى القذف المستتبع للعقوبة .
واللّه أعلم
ــــــــــــــ
النسب لا يثبت بشهادة الميلاد فقط
المفتي
محمد بخيت .
شوال 1334 هجرية - 12 من أغسطس 1916 م
المبادئ(26/126)
قيد الأولاد فى دفتر المواليد لا يثبت بهب نسب الولد وإنما يثبتي النسب بالطريق الشرعى
السؤال
توفى رجل وبعد وفاته قام بثلاث نسوة كن يدخلن منزله بصفة خادمات له ولعائلته ولم تعترف واحدة منهن بتزوجها بالرجل المذكور إلى أن مات ولم يكن بين هؤلاء النسوة والرجل المذكور عقد نكاح شرعى لا رسمى ولا غيره إلا أنهن يدعين برزقهن بأولاد منه ويطلبن الميراث لأولادهن من تركة ذلك الرجل معتمدات فى ذلك على ثبوت قيد هؤلاء الأولاد ونسبتهم إلى هذا الرجل فى دفترى المواليد والأرنيك المحرر بمعرفة الداية وحلاق الصحة .
فهل بمجرد ثبوت أسماء هؤلاء الأولاد فى دفتر المواليد والأرنيك يثبت النسب ويستحق هؤلاء الأولاد الميراث أم لا مع العلم بأنه ليس بأيدى هؤلاء النسوة الثلاث يما يثبت ذلك
الجواب
نفيد أن مجرد قيد هؤلاء الأولاد ونسبتهم إلى هذا الرجل فى دفترى المواليد والأرنيك المحرر بمعرفة الداية وحلاق الصحة لا يكفى شرعا فى إثبات نسب هؤلاء الأولاد للرجل المذكور وأنهم أولاده يرثونه بعد موته بل لابد من إثبات ما ذكر بالطريق الشرعى .
واللّه تعالى أعلم
ــــــــــــــ
التناقض فى النسب عفو
المفتي
محمد بخيت .
ربيع الأول 1336 هجرية 12 من يناير 1918 م
المبادئ
يغتفر التناقض فى النسب ولا يكون مانعا من رفع الدعوى
السؤال
بإفادة واردة من وزارة المالية رقم 2 يناير سنة 1918 نمرة 244 - 8 - 13 صورتها توفى رجل عن بيت المال تاركا ما يورث عنه شرعا أطيانا وعقارات موضوع يد الحكومة عليه فاستأجره م أ المزارع من الحكومة المستحقة الوحيدة لتركة المتوفى لمدة سنة واحدة إبتداؤها أول مارس سنة 1915 ودفع الإيجار .
بعد ذلك رفعت دعوى شرعية على وزارة المالية من المستأجر المذكور طالبا الحكم له بوفاة هذا المتوفى وانحصار إرثه فيه وأحقيته لجميع التركة التى من ضمنها المحدود بالدعوى فدفع مندوب الوزارة دعوى المدعى المذكور بأنه سبق أن استأجر من الحكومة المستحقة الوحيدة لتركة المتوفى الأطيان والعقارات المخلفة عنه بما فيها المحدود بالدعوى وجعل أطيانه وأطيان ولده ضامنه له فى الإيجار .
فإقدامه على استئجار الأعيان المذكورة إقرار منه بأنه لا ملك له فيها فلا يكون وارثا للمتوفى ويكون المدعى تناقض فى دعواه .(26/127)
وقد نص على أن التناقض يمنع سماع الدعوى شرعا وتستحق الدعوى الرفض .
وطلب من المحكمة رفض دعواه تمسكا المستندات وبالأحكام الشرعية التى قدمها لها غير أن المحكمة قررت بأن التناقض عفو وكلفت المدعى الإثبات .
على أن هذا القول لم يقله غيرها من باقى المحاكم الشرعية إبتدائية واستئنافية .
فوزارة المالية ترغب أخذ رأى فضيلتكم فيما إذا كانت المحكمة المذكورة محقة فيما قالته أو غير محقة فاقتضى تحريرة لفضيلتكم على أمل الإفادة عما يقتضيه الحكم الشرعى فى ذلك واقبلوا فائق الإحترام
الجواب
اطلعنا على خطاب الوزارة رقم 2 يناير سنة 1918 نمرة 244 - 8 - 13 الذى يتضمن أن المدعو ع .
توفى عن بيت المال تاركا ما يورث عنه شرعا أطيانا وعقارات موضوع يد الحكومة عليه فاستأجره م أ المزارع من الحكومة المستحقة الوحيدة لتركة المتوفى لمدة سنة واحدة ابتداؤها أول مارس سنة 1915 ودفع الإيجار ثم إن المستأجر المذكور رفع دعوى شرعية على وزارة المالية طالبا الحكم له بوفاة هذا المتوفى وانحصار إرثه فيه وأحقيته لجميع التركة التى من ضمنها المحدود بالدعوى فدفع مندوب الوزارة دعوى المدعى المذكور بأنه سبق استأجر من الحكومة المستحقة الوحيدة لتركة المتوفى المخلفة عنه بما فيها المحدود بالدعوى وجعل أطيانه وأطيان ولده ضامنة له فى الإيجار فإقدامه على استئجار الأعيان المذكورة إقرار منه بأنه لا ملك له فيها فلا يكون وارثا للمتوفى ويكون المدعى تناقض فى دعواه وقد نص على أن التناقض يمنع سماع الدعوى شرعا وتستحق الدعوى الرفض .
وطلب من المحكمة رفض دعواه تمسكا بالمستندات وبالأحكام الشرعية التى قدمها لها غير أن المحكمة قررت بأن .
التناقض عفو وكفلت المدعى الإثبات .
وطلبت الوزارة أخذ رأينا فيما إذا كانت المحكمة المذكورة محقة فيما قالته أو غير محقة .
ونفيد أنه قال فى نور ا العين شرح جامع الفصولين مانصه (الاستعارة والاستيداع والاستيهاب من المدعى عليه أو من غيره وكذا الشراء والمساومة ومات أشبه ذلك من الإجارة وغيرها يمنع صاحبها من دعوى الملك لنفسه ولغيره قال صاحب جامع الفصولين كون هذه الأشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر ظاهر وأما كونها إقرارا بالملك لذى اليد ففيه روايتان كما سيأتى قريبا) .
ثم قال بعد ذلك (الإقدام على الاستشراء والاستيهاب والاستيداع والاستئجار إقرار بأنه لا ملك له فيه باتفاق الروايات حتى لو برهن ذو اليد أن المدعى فعل شيئا من ذلك تندفع دعوى المدعى) ثم نقل روايتين فى كون ما ذكر إقرارا بالملك لذى اليد أو ليس إقرارا كما نقل غيره كصاحب الأنقروية وغيره الروايتين فيما ذكر ونقلوا أن الصحيح أنه لا يكون إقرارا بالملك لذى اليد .(26/128)
لكن قال فى الفتاوى الخيرية بصحيفة 85 جزء ثان جوابا عن سؤال فيمن استأجر دارا ثم ادعى أن تلك الدار ملك من أملاك مورثه إن ذلك لا يعد تناقضا لمكان الخفاء فى الاستجئار ومثله بالمعنى فى تنقيح الحامدية بصحيفة 29 جزء ثان .
ومن هذا يعلم أن ما قاله فى نور العين محمول على غير موضع الخفاء بدليل ما صرح به قبل ذلك بقوله .
يقبل عذر الوارث والوصى والمتولى فى التناقض للجهل .
وبدليل ما صرح به فى الفتاوى الحامدية بالصحيفة المذكورة حيث قال (وليس المراد حصر ما يعفى فيه التناقض بل المراد أن ما كان مبنيا على الخفاء فإنه يعفى فيه التناقض ) انتهى - وأما ماقاله فى الخيرية والحامدية فهو محمول على ما إذا كان التناقض فى محل الخفاء ومع هذا كله فالذى يؤخذ من خطاب الوزارة المار ذكره أنه لا نزاع بين الحكومة وبين محمد أحمد المزارع المذكور فى كون الأطيان والعقارات التى استأجرها منها محمد أحمد المذكور متروكة عن عبد اللّه هارون المتوفى المذكور، وإنما النزاع فى كونه وارثا لعبد اللّه هارون المذكور أو غير وارث والمدعى لم يتناقض فى هذه الدعوى .
وحينئذ يكون إقدامه على الاستئجار غير مانع من دعواه الإرث لعدم التناقض فيه ولا من دعواه أن العقار متروك عن عبد اللّه هارون لمصادقة الحكومة له على ذلك فضلا عن كونه موضع الخفاء كما يؤخذ مما تقدم عن الفتاوى الخيرية والحامدية فهو عفو على كل حال
ــــــــــــــ
حكم النسب والوراثة
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1355 هجرية 26 سبتمبر 1936 م
المبادئ
1 - إذا حكم المحكمة بالوفاة والوراثة كان هذا الحكم متضمنا الحكم بالنسب وهذا يتعدى أثره إلى الكافة فلا يجوز لأحد بعده أن ينازع فى النسب إذا صار الحكم نهائيا .
2 - الحكم بالوفاة والوراثة حجيته قاصرة على أطراف الدعوى فقط فلا يتعدى أثره إلى الغير .
3 - يجوز سماع دعوى الوفاة والوراثة من غير المحكوم عليه فى دعوى الوفاة والوراثة ممن يدعى أنه من ضمن الورثة مع المدعى أو ممن يدعى أنه الوارث فقط لأن من صدر له الحكم محجوب به .
4 - لا تسمع دعوى الوفاة والوراثة بعد ذلك ممن يكون محجوبا بمن صدر الحكم لصالحه لعدم المصلحة فى ذلك
السؤال
ما قولكم دام فضلكم صدر لى حكم شرعى من محكمة اسكندرية الإبتدائية الشرعية الكلية بوراثتى لابن عم شقيق ضد شخص يدعى الوراثة للمتوفى بنسب أبعد من(26/129)
نسبى، وصدر هذا الحكم مبنيا على البينة الشرعية الأدلة التى قدمتها للمحكمة وهو المسطر بعاليه .
فهل هذا الحكم يكون حجة على من صدر ضده فقط أو يكون حجة على الكافة وخصوصا من تكون قرابتهم كقرابة المحكوم ضده .
فنرجو إفتاءنا فى ذلك ولفضيلتكم الأجر والثواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال وعلى صورة غير رسمية من الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية الشرعية بتاريخ 22 أغسطس سنة 1922 فى القضية الكلية رقم 49 - 31 - 1932 الذى نص منطوقه ما يأتى حكمنا للمدعى الخواجة د ح ع على المدعى عليه ب ح ط بوفاة ن بن ت وأن المدعى من ورثته بصفته ابن ابن عمه الشقيق يستحق ثلاثة أرباع تركته واكتفى وكيل المدعى بذلك حضوريا ورفضنا الدفع بعد الاختصاص وقد بنت المحكمة هذا الحكم على ما قدمه المدعى من الأوراق والبينة الشرعية .
ونفيد بأنه قد جاء فى صفحة 287 من كتاب تبويب الأشباه والنظائر ما نصه القضاء يقتصر على المقضى عليه ولا يتعدى إلى غيره إلا فى خمسة .
ففى أربعة يتعدى إلى كافة الناس فلا تسمع دعوى أحد فيه بعده فى الحرية الأصلية والنسب وولاء العتاقة والنكاح والحكم الصادر فى حادثتنا يتضمن حكمين .
حكما ينسب المدعى للمتولى وهذا يتعدى إلى كافة الناس فلا تسمع دعوى أحد فيه بعد .
أى لا تسمع دعوى أحد بأن نسب المدعى للمتوفى غير هذا النسب المحكوم به .
نعم لمن يتعدى إليه هذا الحكم أن يطعن الثانى الذى تضمنه الحكم المذكور فهو الحكم بوراثة المدعى للمتوفى وبأنه يستحق ثلاثة أرباع تركته وهذا حكم لا يتعدى إلى غير المقضى عليه فتسمع دعوى غير المقضى عليه ممن يدعى أنه وارث المتوفى وأنه يحجب المدعى كأن يدعى أنه ابن عم المتوفى الشقيق أو لأب أو يدعى أنه أخ المتوفى الشقيق أو لأب .
كما تسمع دعوى من يدعى مشاركة المدعى المقضى له فى الميراث بأن يدعى أنه أخ المتوفى لأم مثلا أو يدعى نسبا كالذى ادعاه المحكوم له .
نعم لا تسمع دعوى من يكون محجوبا بالمحكوم له من قرابة المتوفى .
بهذا علم الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر به هذا ما ظهر لنا واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
الاقرار بانقضاء العدة مانع من ثبوت النسب
المفتي
عبد المجيد سليم .
ربيع أول 1357 هجرية - 19 مايو 1938 م
المبادئ(26/130)
إذا أقرت المرأة بانقضاء عدتها بعد الطلاق وكانت المدة تحتمله ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار
السؤال
امرأة طلقها زوجها فى 17 فبراير سنة 1938 وفى 24 أبريل سنة 1938 أقرت إقرارا رسميا بموجب إشهاد رسمى بانقضاء عدتها لرؤيتها الحيض ثلاث مرات كوامل فإذا أتت لمولود بعد ستة أشهر من تاريخ هذا الإقرار ينسب للمطلق أم لا
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن الفقهاء قد نصوا على أن المطلقة إذا اقرت بانقضاء العدة بعد الطلاق وكانت المدة تحتمله بأن تكون ستين يوما على قول أبى حنيفة وتسعة وثلاثين على قولهما ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فإنه يثبت نسبه للتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار فيظهر كذبها .
ومن هذا يعلم أنه لا يثبت نسب المولود المذكور من مطلق والدته .
إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال لأنها قد أقرت بانقضاء عدتها والمدة ما بين الطلاق والإقرار تحتمل انقضاء العدة وقد جاءت بالمولود بعد ستة أشهر من وقت الإقرار وبهذا علم الجواب عن السؤال واللّه أعلم
ــــــــــــــ
ثبوت النسب بالاقرار لا يقبل الابطال
المفتي
عبد المجيد سليم .
ربيع الأول 1358 هجرية - 3 مايو 1939 م
المبادئ
1 - لا يصح للمقر بالنسب الرجوع عن إقراره لأن النسب بعد ثبوته لا يقبل الإبطال .
2 - إقرار الرجل بنسب طفل له مانع من إقرار شخص آخر ببنوة هذا الطفل لأن صحة الإقرار ألا يكون المقر له ثابت النسب من الغير
السؤال
أقر شخص ببنوة ولد وكان هذا الولد مجهول النسب ويولد مثله للمقر وألحق نسبه به رسميا ثم تزوج بأم هذا الولد رسميا .
فهل يصح رجوع هذا الشخص عن إقراره الرسمى ببنوة هذا الولد أو لا يصح .
وإذا كان يصح فهل يصح لشخص آخر وهو زوج أم أم هذا الولد الذى هو أجنبى عن أمه أن يقر ببنوته رسميا مع العلم بأن الولد المذكور لا يزال طفلا لا يتأتى منه التصديق ببنوته للمقر
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أنه قد نص الفقهاء على أنه إذا أقر الرجل لولد مجهول النسب بأنه ولده وكان الولد ممن يولد مثله لمثل المقر ولم يكن هذا الولد من أهل التصديق بأن كان لا يعبر(26/131)
عن نفسه أو كان من أهل التصديق وصدق المقر فى إقراره ثبت نسبه من المقر ولا يصح للمقر الرجوع لأن النسب بعد ثبوته لا يقبل الإبطال ولا يصح بعد ذلك إقرار شخص آخر ببنوته .
لما جاء فى الفتاوى النقروية عن التتارخانية أن شرط صحة إقرار الرجل بالولد ألا يكون المقر له ثابت النسب من الغير .
وهذا الولد بإقرار الرجل الأول أصبح ثابت النسب منه فلا يصح إقرار غيره بنسبه بعد ذلك وبما ذكرنا علم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذكر واللّه أعلم
ــــــــــــــ
ثبوت النسب من المراهق
المفتي
عبد المجيد سليم .
جمادى الأولى 1359 هجرية - 20 يونية 1940 م
المبادئ
يثبت نسب ولد المراهق منه إلا إذا لم يمكن بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر
السؤال
رجل ولد فى سنة 1887 وتزوج زواجا شرعيا ورزق من زوجته بولد فى سنة 1901 أى عمره وقتذاك أربعة عشر عاما وهذا الرجل يقر ببنوة الولد له فهل يصدق فى هذا الإقرار أم لا مع ملاحظة أنه صحيح الجسم قوى البنية ورزق بهذا الولد بعد مضى سنة من الزواج
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أنه قد نقل ابن عابدين فى رد المحتار عند قول المصنف فى باب العدة ولا نس فى حالين عن الفتح ما نصه أما المراهق فيجب أن يثبت النسب منه إلا إذا لم يمكن بأن جاءت به لأقل من ستة أشهر من العقد هذا والمراهق - إذا كان ذكرا - هو مبلغ اثنتى عشرة سنة وعلى هذا يثبت نسب هذا الولد من الزوج لا سيما مع إقرار هذا الرجل ببنوة الولد .
وبهذا علم الجواب عن السؤال متى كان الحال كما ذكر واللّه أعلم
ــــــــــــــ
ثبوت النسب بعقد عرفى موجب للميراث
المفتي
أحمد هريدى .
رجب سنة 1383 هجرية - 26 من نوفمبر سنة 1963 م
المبادئ
1 - متى ثبت نسب الأخ لأم بولادته على فراض زوجية صحيحة شرعا بعقد عرفى كان وارثا ولو لم يقيد فى دفتر المواليد .
2 - بانحصار الارث فى أم وأخوين لأم وعم شقيق يكون للأم السدس فرضا وللأخوين لأم الثلث فرضا بالسوية وللعم الشقيق الباقى تعصيبا(26/132)
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / عطا عبد الراضى المتضمن وفاة المرحوم محمود عبد الحليم سنة 1963 عن أمه أنيسة محمود السباعى وأخيه لأمه محمد صابر اسماعيل وعن أخ لأم آخر يدعى سليم أنجبته أمه عن عقد زواج عرفى ولم يقيد دفاتر المواليد وعن عمه الشقيق عبد الحميد أحمد على فقط وطلب السائل بيان نصيب كل وارث
الجواب
بوفاة المرحوم محمود عبد الحليم أحمد على سنة 1963 عن المذكورين فقط يكون لأمه سدس تركته فرضا لوجود اثنين من الاخوة والأخويه لأم الثلث مناصفة بينهما فرضا والباقى لعمة الشقيق تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب .
هذا وعدم قيد سليم بدفتر المواليد لا يمنع من ارثه شرعا مادام نسبه ثابتا بولادته على فراض زوجية صحيحة شرعا بالعقد العرفى المشار إليه .
وهذا إذا لم يكن لهذا المتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم
ــــــــــــــ
النسب والتوارث فى نكاح المتعة
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل نكاح المتعة يثبت به النسب للمولود ، وهل فيه توارث ، وهل يحتاج إلى طلاق ؟
الجواب
زواج المتعة هو زواج مؤقت لمدة معينة، وقد أبيح فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وقتا ما لحاجة الغزاة إليه ثم حرم بعد ذلك -ولم يخالف فى تحريمه إلا بعض الشيعة ، مدَّعين أن حله لم ينسخ بالتحريم ، وتوضيح ذلك موجود فى الجزء الأول من موسوعة "الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
وأكثر المسلمين على حرمة هذا الزواج ورأى ابن مسعود وابن عباس أن الحرمة مشروطة بعدم الاضطرار ، فذلك كأكل الميتة يباح للمضطر فقط ، ولكن أدلتهم فى ذلك غير سليمة وجاء فى كتاب النهاية، والفتاوى لأبى جعفر محمد بن الحسن أبى على الطوسى المتوفى سنة 460 هجرية ، وهو من كُتَاب الشيعة، ونشر كتابه فى طهران سنة 1342 هجرية ما يأتى :
"وليس فى نكاح المتعة توارث ، شرط نفى الميراث أو لم يشترط ، اللهم إلا إن شرط أن بينهما التوارث ، فإن شرط ذلك ثبتت بينهما الموارثة . . .
ويجوز للرجل العزل -لمنع الحمل -وإن لم يكن شرط ، ومتى جاءت بولد كان لاحقا به ، سواء عزل أولم يعزل .(26/133)
وجاء فى هذا الكتاب أيضا : وعدة المتمتعة إذا انقض أجلها أو وهب لها زوجها أيامها حيضتان أو خمسة وأربعون يوما إذا كانت لا تحيض وفى سنها من تحيض "من ص 497 - 502 " .
كما جاء فى "ص 182 " من كتاب المختصر النافع لأبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى المتوفى سنة 676 هـ والذى طبعته وزارة الأوقاف المصرية سنة 1376 هـ عند الحديث عن أحكام النكاح المنقطع "نكاح المتعة" ما يلى :
يجوز العزل من دون إذنها ، ويلحق الولد وإن عزل ، ولكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان ولا يقع بالمتعة طلاق إجماعا ولا لعان على الأظهر، ولا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين .
وقال المرتضى : يثبت ما لم يشترط ، السقوط نعم لو شرط الميراث لزم ، وإذا انقضى أجلها فالعدة حيضتان على الأشهر، وإن كانت ممن تحيض ولم تحض فخمسة وأربعون يوما .
وزواج المتعة يترفع عنه كبار القوم الذين يرون حله ، ولا يرغبون بديلا عن الزواج الدائم ، لأنه الجدير بقيام الأسرة المستقرة ، ولا عبرة بما يقال من أن الأطفال يوضعون تحت رعاية المسئولين ، فإن الأسرة المستقرة لا ينكر أثرها فى تنشئة الجيل الصالح
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 47)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَهَا ابْنٌ وَالْأُخْرَى بِنْتٌ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْبِنْتِ الِابْنَ مِرَارًا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ ؛ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ ابْنٌ آخَرُ وَلَمْ يَرْضِعْ مِمَّا رَضَعَ : فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ ؟ أَمْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ رَضَاعَةِ أَخِيهِ .
الْجَوَابُ
الْجَوَابُ : إذَا أَرَادَ أَخُو الْمُرْتَضِعِ مِنْ النَّسَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْلَادَ الْمُرْضِعَةِ جَازَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَضِعُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 250)
فَصْلٌ وَلَوْ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ بِالْوَلَاءِ أَوْ النَّسَبِ وَالْبَاقُونَ لَا صَدَّقُوهُ وَلَا كَذَّبُوهُ ثَبَتَ الْوَلَاءُ أَوْ النَّسَبُ وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ : إذَا أَقَرَّ وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَدْفَعُ قَوْلَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ رَدَّ هَذَا النَّسَبَ مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ قُبِلَ مِنْهُ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَنِكَاحُ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحٌ وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ فِي قَوْلَيْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا تَسْتَحِقُّ إلَّا مَهْرَ الْمِثْلِ لَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 350)
بَابُ مَا يُلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَلَا تَصِيرُ الزَّوْجَةُ فِرَاشًا إلَّا بِالدُّخُولِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَتَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ لِقَوْلِهِ : " احْتَجِبِي يَا سَوْدَةُ " وَعَلَيْهِ نُصُوصُ أَحْمَدَ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَا وَلَا فِرَاشَ لَحِقَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَابْنِ(26/134)