) .. فالصّداق في مقابلة البُضع ( أي بما استحلّ من فرجها ) ولهذا قال تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) .والميثاق الغليظ هو العقد .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ رواه البخاري 4756
والمهر حقّ للمرأة لا يجوز لأبيها ولا لغيره أن يأخذه إلا إذا طابت نفسها بذلك وعن أبي صالح : كان الرجل إذ زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة . تفسير ابن كثير
وكذلك إذا تنازلت عن شيء منه للزوج جاز له أخذه كما قال تعالى : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) . سورة النساء آية 4 والله تعالى أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
تخفيف المهر هو السنة
سؤال:
يلاحظ أن الناس الآن يزيدون جداَّ في المهر في النكاح . فعل هذا من السنة ؟ وهل حدد الشرع مقدارا معينا للمهر لا يزاد عليه ؟.
الجواب:
الحمد لله
فإن الزواج نعمة من نعم الله تعالى ، وآية من آياته ، قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم / 21
وأمر الله تعالى الأولياء أن يزوجوا من تحت ولايته ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور / 32
وذلك لما يترتب على النكاح من المصالح العظيمة ، كتكثير الأمة ، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم لغيره من الأنبياء ، وتحصين الرجل والمرأة من الوقوع في المحرم . . . وغير ذلك من المصالح العظيمة .
ولكن بعض الأولياء وضعوا العقبات أمام الزواج ، وصاروا حائلا دون حصوله في كثير من الحالات.
وذلك بالمغالاة في المهر ، وطلبهم من المهر الشيء الكثير مما يعجز عنه الشاب الراغب في الزواج .
حتى صار الزواج من الأمور الشاقة جدا لدى كثير من الراغبين في الزواج .
والمهر حق مفروض للمرأة ، فرضته الشريعة الإسلامية ، ليكون تعبيرا عن رغبة الرجل فيها ، قال الله تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء /4 .(13/141)
ولا يعني هذا اعتبار المرأة سلعة تباع ، بل هو رمز للتكريم والإعزاز ، ودليل على عزم الزوج على تحمل الأعباء وأداء الحقوق .
ولم يحدد الشرع المهر بمقدار معين لا يزاد عليه .
ومع ذلك فقد رَغَّب الشرع في تخفيف المهر وتيسيره .
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خير النكاح أيسره) رواه ابن حبان . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3300) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خير الصداق أيسره ) رواه الحاكم والبيهقي . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3279) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد الزواج : ( التمس ولو خاتماً من حديد ) . متفق عليه .
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته المثل الأعلى في ذلك ، حتى ترسخ في المجتمع النظرة الصادقة لحقائق الأمور ، وتشيع بين الناس روح السهولة واليسر .
روى أبو داود (2125) والنسائي (3375) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ : تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنِ بِي – وهو الدخول بالزوجة - . قَالَ : أَعْطِهَا شَيْئًا . قُلْتُ : مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ . قَالَ : فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ ؟ قُلْتُ : هِيَ عِنْدِي . قَالَ : فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ . صححه الألباني في صحيح النسائي (3160) .
فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة .
وهذا يؤكد أن الصداق في الإسلام ليس مقصوداً لذاته .
وروى ابن ماجه (1887) أن عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ قال : لا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ. صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1532) .
(لا تُغَالُوا) أَيْ لا تُبَالِغُوا فِي كَثْرَة الصَّدَاق . . . ( وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى يُعَادِيَهَا فِي نَفْسه عِنْد أَدَاء ذَلِكَ الْمَهْر لِثِقَلِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ عِنْد مُلاحَظَة قَدْره وَتَفَكُّره فِيهِ . . . (وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ ) حَبْل تُعَلَّق بِهِ أَيْ تَحَمَّلْت لأَجْلِك كُلّ شَيْء حَتَّى الحبل الذي تعلق به القربة اهـ من حاشية السندي على ابن ماجه .
اثنتا عشرة أوقية تساوي أربعمائة وثمانين درهما أي مائة وخمسة وثلاثون ريال فضة تقريباً (134.4)
فهذا كان صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم ونسائه .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (32/194) :
فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق ، وكذلك صداق أمهات المؤمنين ، وهذا مع القدرة واليسار ،(13/142)
فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة اهـ .
وقال أيضاً في "الفتاوى الكبرى" :
"وَكَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَيُسْتَحَبُّ بُلُوغُهُ وَلا يُزَادُ عَلَيْهِ" اهـ .
وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (5/178) بعض الأحاديث الدالة على تخفيف المهر وأنه لا حد لأقله ثم قال :
فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله . . . وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره اهـ .
وبهذا يتبين أن ما يفعله الناس الآن من زيادة المهور والمغالاة فيها أمر مخالف للشرع .
والحكمة من تخفيف الصداق وعدم المغالاة فيه واضحة :
وهي تيسير الزواج للناس حتى لا ينصرفوا عنه فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة .
وللوقوف على بعض أضرار المغالاة في المهر راجع السؤال رقم (12572) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
ما هي حقوق الزوج وما هي حقوق الزوجة
سؤال:
ما هي حقوق الزوجة على زوجها وفقا للكتاب والسنة ؟ أو بمعنى آخر، ما هي مسؤوليات الزوج تجاه زوجته وبالعكس ؟.
الجواب:
الحمد لله
أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته ، وكذا العكس ، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين .
وسنذكر - بحول الله - ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم .
أولاً :
حقوق الزوجة الخاصة بها :
للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي : المهر ، والنفقة ، والسكنى .
وحقوق غير مالية : كالعدل في القسم بين الزوجات ، والمعاشرة بالمعروف ، وعدم الإضرار بالزوجة .
1. الحقوق الماليَّة :
أ - المهر : هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها ، وهو حق واجب للمرأة على الرجل ، قال تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته ، وإعزاز للمرأة وإكراما لها .(13/143)
والمهر ليس شرطا في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء ، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه ، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح باتفاق الجمهور لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد .
فإن سمِّي العقد : وجب على الزوج ، وإن لم يسمَّ : وجب عليه مهر " المِثل " - أي مثيلاتها من النساء - .
ب - النفقة : وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها ، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة .
والحكمة في وجوب النفقة لها : أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وعليه كفايتها ، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له .
والمقصود بالنفقة : توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ، ومسكن ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية ، لقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) البقرة/233 ، وقال عز وجل : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) الطلاق/7 .
وفي السنة :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - زوج أبي سفيان وقد اشتكت عدم نفقته عليها - " خذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروف " .
عن عائشة قالت : دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك . رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .
وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .
ج. السكنى : وهو من حقوق الزوجة ، وهو أن يهيىء لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته ، قال الله تعالى : ( أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم ) الطلاق/6.
2. الحقوق غير الماليَّة :
أ. العدل بين الزوجات : من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته ، إن كان له زوجات ، في المبيت والنفقة والكسوة .
ب. حسن العشرة : ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، لقوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) النساء/19 ، وقوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة/228.(13/144)
وفي السنَّة : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء " . رواه البخاري ( 3153 ) ومسلم ( 1468 ) .
وهذه نماذج من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع نسائه - وهو القدوة والأسوة - :
1. عن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة قالت حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي فلبستها ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفستِ ؟ قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة .
قالت : وحدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة . رواه البخاري ( 316 ) ومسلم ( 296 ) .
2. عن عروة بن الزبير قال : قالت عائشة : والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو . رواه البخاري ( 443 ) ومسلم ( 892 ) .
3. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم يركع ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي وإن كنت نائمة اضطجع . رواه البخاري ( 1068 ) .
ج. عدم الإضرار بالزوجة : وهذا من أصول الإسلام ، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى .
عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه ( 2340 ) . والحديث : صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم .
انظر : " خلاصة البدر المنير " ( 2 / 438 ) .
ومن الأشياء التي نبَّه عليها الشارع في هذه المسألة : عدم جواز الضرب المبرح .
عن جابر بن عبد الله قال : قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .
رواه مسلم ( 1218 ) .
ثانياً :
حقوق الزوج على زوجته :(13/145)
وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق ، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) البقرة/228.
قال الجصاص : أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا ، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه .
وقال ابن العربي : هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها .
ومن هذه الحقوق :
أ - وجوب الطاعة : جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .
قال ابن كثير :
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { الرجال قوامون على النساء } يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .
وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 492 ) .
ب - تمكين الزوج من الاستمتاع : مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع ، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب ، وذلك أن يسلمها مهرها المعجل وتمهل مدة حسب العادة لإصلاح أمرها كاليومين والثلاثة إذا طلبت ذلك لأنه من حاجتها ، ولأن ذلك يسير جرت العادة بمثله .
وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة ، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1436 ) .
ج - عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله : ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، ...." . رواه البخاري ( 4899 ) ومسلم ( 1026 ) .
وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم(13/146)
فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن .
رواه الترمذي ( 1163 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه ( 1851 ) .
وعن جابر قال : قال صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .
د - عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج : من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه .
وقال الشافعية والحنابلة : ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج ، وله منعها من ذلك .. ؛ لأن طاعة الزوج واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب .
هـ - التأديب : للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية ؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن .
وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب ، منها : ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها : ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة ، ومنها : ترك الصلاة ، ومنها : الخروج من البيت بغير إذنه .
ومن الأدلة على جواز التأديب :
قوله تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) النساء/34 .
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) التحريم/6 .
قال ابن كثير :
وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به ، وتساعدهم عليه ، فإذا رأيتَ لله معصية قذعتهم عنها ( كففتهم ) ، وزجرتهم عنها .
وهكذا قال الضحاك ومقاتل : حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه .
" تفسير ابن كثير " ( 4 / 392 ) .
و- خدمة الزوجة لزوجها : والأدلة في ذلك كثيرة ، وقد سبق بعضها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .
" الفتاوى الكبرى " ( 4 / 561 ) .(13/147)
ز - تسليم المرأة نفسها : إذا استوفى عقد النكاح شروطه ووقع صحيحا فإنه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها ; لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض وهو الاستمتاع بها كما تستحق المرأة العوض وهو المهر .
ح- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف : وذلك لقوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة/228 .
قال القرطبي :
وعنه - أي : عن ابن عباس - أيضا أي : لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن .
وقيل : إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن قاله الطبري .
وقال ابن زيد : تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم .
والمعنى متقارب والآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية .
" تفسير القرطبي " ( 3 / 123 ، 124 ) .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
والدها يطلب منها جزء من مهرها
سؤال:
فتاة مقبلة على الزواج وقد طلب منها والدها أن تعطيه شيئاً من المهر فهل تعطيه ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم لها أن تعطي أباها شيئاً من المهر إذا كان في حاجة وإعطاؤها يكون أفضل ، وإن كان غير محتاج فلا بأس أن تعطيه ما شاءت لأنها حرة رشيدة لها أن تتصرف بما تشاء .
من فتاوى الشيخ محمد صالح العثيمين من مجلة الدعوة العدد 1823 ص 54.
ـــــــــــــــــــ
اتفقا على تبديل المهر من مال إلى ذهب ، فما الحكم ؟
سؤال:
تزوجت قبل ثمان سنوات وحتى الآن لم أدفع المهر ولكنني أفكر أن أدفعه الآن وهو 7.000 روبية هندية.
بدلاً من النقود أود أن أشتري لها حلياً من الذهب بنفس القيمة أو أكثر، كما أنني سألتها هل تريد مالاً أم ذهباً فقالت كما تريد . أرجو أن تنصحني ، كيف أسدد المهر ؟.
الجواب:
الحمد لله(13/148)
الأصل أن الرجل يلتزم بالمهر الذي سماه للمرأة ، فإن تراضيا على خلافه أو زيادته أو نقصانه جاز ذلك لقوله تعالى : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) النساء/24 ، قال القرطبي رحمه الله : " أي من زيادة ونقصان في المهر ، فإن ذلك سائغ عند التراضي ، بعد استقرار الفريضة " ( تفسير القرطبي 5 / 235 )
قال الشيخ صالح الفوزان : " وإذ أعطته منه ـ أي من المهر ـ فلا حرج في ذلك أو أعفته منه أو من بعضه فالحق لها . قال تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) النساء/4 ، فهذا راجع إلى اتفاق الطرفين " ( فتاوى نور على الدرب 109 ) . فتبين بهذا أن المرأة إذا رضيت بهذا فلا بأس لأنه حقها .. والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
محاسبة الزوج لزوجته في صرفها للمهر
سؤال:
هل يحق للزوج أن يحاسب زوجته ويسألها كيف أنفقت المهر الخاص بها ؟ حيث أن زوجي يحاسبني على كل صغيرة وكبيرة في مهري حيث قسم المهر الى جزئين جزء خاص بي وجزء للتحضير للزواج وشراء الملابس .
الجواب:
الحمد لله
لا يحل للزوج أن يحاسب زوجته على مهرها الذي نحله إياها ؛ لأنه حق لها عليه ودين في عنقه يجب عليه تأديته لها.
ومقابل ما أعطى الله تعالى المرأة هذا المال القليل فإنه سلب منها القوامة وأعطاها لزوجها . وكانت نفقته عليها مقابل ثمن غالٍ غير بخس ، فالمهر والنفقة مقابل القوامة قال الله تعالى : { الرجال قوامون على النسآء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم . . .} النساء/34
قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى :
الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم ، { بما فضل الله بعضهم على بعض } : يعني : بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن ، وإنفاقهم عليهن من أموالهم وكفايتهم إياهن مؤنهن وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن ولذلك صاروا قوامين عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن .
" تفسير الطبري " ( 5 / 57 ) .
فالمهر حق لها كما أن القوامة حق له وكما أنه لا يحب منها أن تعصيه في قوامته فيجب عليه أن يؤدي إليها حقها .
فعلى الرجال أن يتقوا الله في مهر نسائهم وليوفوا لهن المهور فإن المرأة ضعيفة ، وليؤد لها حقها الذي وجب لها عليه .(13/149)
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود . . . } المائدة/1 .
بل إن عقود الزواج من أهم العقود التي يجب على المسلمين أن يوفوها .
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " . رواه البخاري ( 2520 ) ومسلم ( 2542 ) .
وما دامت المرأة قد تملكت هذا المال بهذه الطريقة فإنه ليس لزوجها أن يجبرها على صرفه بطريقة معينة ، إلا أن يكون صرفها له في أمر محرّم فإن له حق منعها من صرفه في المحرّم .
ونصيحتنا لك أيتها السائلة أن يكون تعاملك مع زوجك في أمر محاسبته لك بالرفق واللين والنقاش الهادئ لئلا يكون النزاع في هذا الأمر سبباً لدخول الشيطان بينكما لا سيما وأنتما في بداية الحياة الزوجية التي ينبغي أن تبنى على التآلف التام وعلى تحمّل كل طرف ما يكون من تعدٍ أو تقصير في حقه من الطرف الآخر ، ونسأل الله تعالى أن يكتب لكما حياة سعيدة عامرة بطاعة الله واتباع شرعه . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
دفع مهر البنت من مال أخيها
سؤال:
إذا كان للوالدين ابناً وبنتاً وبعد بحث طويل وجدا زوجاً لابنتهما ولكن العريس طلب مهراً وكان الوالدان ليس لديهم المقدرة على دفع هذا المهر لذلك فهما يحاولان أن يجدا مهراً لابنهما لكي يدفعوه مهراً لابنتهما . بالتأكيد فهم لن يستعملوا مهر ولدهما إلا ليدفعا مهر ابنتهما. أرجو تسليط بعض الضوء وانصحنا لكي نواجه تلك المشكلة.
الجواب:
الحمد لله
ـ من الغريب العجيب أن في بعض البلدان يكون المهر من الزوجة أو أهلها ويدفع المهر إلى الزوج أو أهله ، وهذا خلاف الأصل حيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر الرجل المتزوج أن يلتمس مهراً ولو خاتماً من حديد فلما لم يجد جعل مهرها أن يعلمها مما يحفظه من القرآن .
والمهم أن يكون في مسمى العقد شيء من المهر على الزوج ولو قليلاً .
عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني وهبت منك نفسي فقامت طويلا فقال رجل : زوِّجْنيها إن لم تكن لك بها حاجة ، قال : هل عندك من شيء تصدقها ؟ قال : ما عندي إلا إزاري ، فقال : إن أعطيتَها إياه جلستَ لا إزار لك ، فالتمس شيئاً ، فقال : ما أجد شيئاً ، فقال : التمس ولو خاتَماً مِن حديد ، فلم يجد ، فقال : أمَعَكَ من القرآن شيء ؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا - لِسُورٍ سمَّاها - فقال : زوَّجناكها بما معك من القرآن . رواه البخاري ( 4842 ) ومسلم ( 1425 ) .
فالحديث فيه دلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرض للرجل أن يتزوج إلا بمهر يدفعه للمرأة ولم يسأل المرأة شيئاً .(13/150)
ثم إن من مفهوم القوامة التي أوجبها الله تعالى للرجال على النساء أن يكون الرجل هو الذي يدفع للمرأة لأنه هو معيلها وهي ضعيفة عنده .
قال الله تعالى : { الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا مِن أموالهم . . . } النساء / 34 .
ثم إن المهر حق للمرأة لأن الرجل يستمتع بها والمهر هو بدل الاستمتاع .
قال الله تعالى : { . . . فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة . . .} النساء/24 .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
( وقوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } أي : كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك كما قال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ، وكقوله تعالى { وآتوا النساء صدُقاتهنَّ نِحلة } ، وكقوله { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً } . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 475 ) .
عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " . رواه الترمذي ( 1102 ) وأبو داود ( 2083 ) وابن ماجه ( 1879 ) . قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن .
فمن هذا يتبين أن المهر يكون من الرجل للمرأة لا من المرأة للرجل .
قال الشيخ عبد الله بن قعود : " المهر حقٌ للزوجة ويجب أن يُسمى ولا يجب على الزوجة أو أهلها شيء إلا أن يتطوعوا " .
وبناءً عليه لا يجوز لكم أن تأخذوا من مال الولد لتدفعوه مهراً للبنت ، قال الشيخ البراك : " إذا كان لا يجوز للولد أن يأخذ المبلغ أصلاً فلا يجوز أخذه للبنت " .
وإذا اتقيتم الله فسيجعل الله لابنتكم فرجاً ومخرجا ، فعليها أن تصبر وتحتسب ، وتلح على الله بالدعاء ، والله عند حسن ظن العبد .
وينبغي على علماء بلدكم ووجهائها وعامة الناس العمل على تغيير هذه العادة السيئة واتباع السنة ، والصواب الذي لا يجوز مخالفته ، وذلك بإقامة الحجة على الناس من القرآن والسُنَّة وأقوال العلماء .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
إعطاء الزكاة لمن يريد أن يتزوج
سؤال:
أحد أصدقائي يريد أن يتزوج وليس معه من الأموال ما يكفي نفقات الزواج، فهل يجوز لي أن أساعده وأحسب هذه الأموال من الزكاة ؟.
الجواب:
الحمد لله(13/151)
نعم ، يجوز إعطاء الزكاة لمن يريد أن يتزوج ، إذا كان لا يجد ما يكفيه للزواج ، وهذا لا يخرج عن أصناف الزكاة الثمانية التي ذكرها الله تعالى في قوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة / 60 ، لأن من لا يجد ما يكفيه فهو فقير أو مسكين فيجوز دفع الزكاة إليه .
قال الشيخ ابن عثيمين : " لو وجدنا شخصاً يستطيع أن يكتسب للأكل والشرب ، والسكنى لكنه يحتاج إلى الزواج وليس عنده ما يتزوج به فهل يجوز أن نزوجه من الزكاة ؟ الجواب : نعم يجوز أن نزوجه من الزكاة ويعطى المهر كاملاً ، فإن قيل : ما وجه كون تزويج الفقير من الزكاة جائزاً ولو كان الذي يعطى إياه كثيراً ؟
قلنا : لأن حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوج به ، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له : تزوج من عرق جبينك . وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه ، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " . اهـ
( فتاوى أركان الإسلام ص440-441 )
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن دفع الزكاة للشاب العاجز عن الزواج فقال :
يجوز دفع الزكاة لهذا الشاب ، مساعدة له في الزواج إذا كان عاجزاً عن مؤونته .
فتاوى الشيخ ابن باز(14/275)
وسئلت اللجنة الدائمة :
هل يجوز صرف الزكاة لشاب يريد الزواج من أجل إعفاف فرجه
فأجابت :
يجوز ذلك إذا كان لا يجد نفقات الزواج العرفية التي لا إسراف بها .
فتاوى اللجنة الدائمة (10/17)
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
مفاسد وأضرار المغالاة في المهور
سؤال:
ما الحكم فيما يفعله كثير من أولياء النساء الآن من المبالغة في طلب المهر وتكليف الزوج بأكثر مما يستطيع ، مما يجعله يتحمل الديون الكثيرة من أجل الزواج ، وقد أعرض كثير من الشباب عن الزواج بسبب هذا ؟.
الجواب:
الحمد لله
سبق في إجابة السؤال رقم (10525) بيان أن الشرع جاء بتخفيف المهر وتيسيره ، وأن ذلك من مصلحة الزوج والمرأة جميعاَ . كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(13/152)
(خير النكاح أيسره) . رواه ابن حبان . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3300) .
وقد تكلم العلماء في هذه المسألة كثيرا وبينوا الأضرار المترتبة على المغالاة في المهور ، ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد بن إبراهيم فله فتوى مطولة في هذه المسألة جاء فيها :
"إن من الأشياء التي تمادى الناس فيها حتى وصلوا إلى حد الإسراف والتباهي (مسألة التغالي في المهور) والإسراف في الألبسة والولائم ونحو ذلك وقد تضجر علماء الناس وعقلاؤهم من هذا لما سببه من المفاسد الكثيرة التي منها بقاء كثير من النساء بلا زوج بسبب عجز كثير من الرجال عن تكاليف الزواج ، ونجم عن ذلك مفاسد كثيرة متعددة . . . وبحثت الموضوع من جميع أطرافه وتحرر ما يلي :
1- أن تخفيف الصداق وعدم تكليف الزوج بما يشق عليه مأمور به شرعا باتفاق العلماء سلفا وخلفا، وهو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2- أن الزوج إذا تكلف من الصداق ما لا يقدر عليه ولا يتناسب مع حاله استحق الإنكار عليه؛ لأنه فعل شيئاً مكروهاً، ولو كان ذلك الصداق دون صداق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم في صحيحه (1424) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا ، فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيْئًا ؟ قَالَ : قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا . قَالَ : عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا ؟ قَالَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ ! مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ . قَالَ : فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ . .
قال النووي في شرحه لهذا الحديث: معنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج اهـ.
3- ومما لا شك فيه أن الزواج أمر مشروع مرغوب فيه، وفي غالب الحالات يصل إلى حد الوجوب، وأغلب الناس لا يتمكن من الوصول إلى هذا المشروع أو المستحب مع وجود هذه المغالاة في المهور. ومن المعلوم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ومن هذا يؤخذ مشروعية إرشاد الناس وردعهم عن التمادي في هذا الأمر الذي يحول دون المرء ودون فعل ما أوجبه الله عليه، لا سيما والأمر بتقليل المهر لا يتضمن مفسدة، بل هو مصلحة محضة للزوج والزوجة، بل هو أمر محبوب للشارع مرغب فيه كما تقدم.
4- إن امتناع ولي المرأة من تزويجها بالكفء إذا خطبها ورضيت به إذا لم يدفع ذلك الصداق الكثير الذي يفرضه من أجل أطماعه الشخصية أو لقصد الإسراف والمباهاة أمر لا يسوغ شرعا، بل هو من باب العضل المنهي عنه الذي يفسق به فاعله إذا تكرر .
قال الشيخ ابن عثيمين :
"ولقد أوجد أهل العلم تذليلا لهذه العقبة حيث قالوا إن الولي إذا امتنع من تزويج موليته كفؤا ترضاه فإن ولايته تزول إلى من بعده فمثلا لو امتنع أبو المرأة من(13/153)
تزويجها كفؤا في دينه وخلقه وقد رضيته ورغبت فيه فإنه يزوجه أولى الناس بها بعده فيزوجها أولى الناس بها ممن يصلح للولاية من اخوتها أو أعمامها أو بنيهم" .
5- أن كثرة المهور والمغالاة فيها عائق قوي للكثير من التزوج ولا يخفى ما ينجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة وتفشي المنكرات بين الرجال والنساء، والوسائل لها حكم الغايات، والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولو لم يكن في السعي في تقليل المهور إلا سد الذرائع المسببة فعل المحرمات لكفى.
6- لا يخفي ما سببته المغالاة في المهور من المفاسد، فكم من حرة مصونة عضلها أولياؤها وظلموها فتركوها بدون زوج ولا ذرية
وكم من امرأة ألجأها ذلك إلى الاستجابة لداعي الهوى والشيطان فَجَرَّت العار والخزي على نفسها وعلى أهلها وعشيرتها مما ارتكبته من المعاصي التي تسبب غضب الرحمن!!
وكم من شاب أعيته الأسباب فلم يقدر على هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان فاحتوشته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه وأوردوه موارد العطب والخسران، فخسر أهله، وفسد ا تجاهه ، بل خسرته أمته ووطنه ، وخسر دنياه وآخرته!!
7- من أضرار المغالاة في المهور : حدوث الأمراض النفسية لدى الشباب من الجنسين بسبب الكبت ، وارتطام الطموح بخيبة الأمل .
8- ومنها : أن تكليف الزوج فوق طاقته يجلب العداوة في قلبه لزوجته لما يحدث له من ضيق مالي بسببها ، والهدف هو السعادة وليس الشقاء .
9- أن كثرة الصداق لو كان فيها شيء من المصلحة للمرأة وأوليائها فإن ما يترتب على ذلك من المفاسد يربو على تلك المصلحة إن وجدت ، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
10- أما القصة المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما نهى أن يزاد في المهر عن أربعمائة درهم اعترضته امرأة من قريش فقالت:يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ، فقالت : أما سمعت قول الله تعالى: { وآتيتم إحداهن قنطاراً } النساء /20 .
قال : فقال : اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل .
فاعتراض المرأة عليه له طرق لا تخلو من مقال فلا تصلح للاحتجاج ولا لمعارضة تلك النصوص الثابتة المتقدم ذكرها ، لا سيما وأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة مخالفة عمر أو الإنكار عليه غير ما جاء عن هذه المرأة . انتهى كلام الشيخ محمد بن إبراهيم بتصرف واختصار وبعض زيادات عليه .
انظر : "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (10/187-199) .
Islam Q&A
ـــــــــــــــــــ(13/154)
هل يستأجر الشبكة ثم يعيدها إلى الصايغ لإتمام الخطوبة
سؤال:
شاب مقدم على الزواج وليس معه ما يشترى به الشبكة , فاتفق مع خطيبته أن يحضروا الصايغ إلى المنزل إرضاءاً لأهلها ثم يرجع الشاب الشبكة للصايغ بعد الفرح بشهر على أن يدفع العريس للصايغ إيجار هذه الشبكة مدة هذا الشهر حسب تقدير الصايغ . فهل هذا يعتبر ربا أم ما وجه الحلال والحرام فيه علماً بأن الشاب متوقف زواجه على هذه الفتاة على هذه الشبكة بناءاً على رغبة أهلها أفادكم الله تعالى .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال ، وهو تأجير الحليّ من الذهب والفضة لتلبسه المرأة عند الزواج ثم يعاد بعد أسبوعين مثلاً مع دفع الأجرة فأجابت :
الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين ، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة ولا بأس بأخذ رهن في ذلك" اهـ. فتاوى اللجنة الدائمة (15/79-80)
والنقدان هما الذهب والفضة أي : يجوز أن تدفع الأجرة ذهباً أو فضة أو غيرهما كالأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس الآن والله أعلم .
1- ثانياً : ينصح أولياء النساء بعدم المغالاة في المهور ، وعدم تكليف الزوج ما يثقل عليه من المهر والشبكة والأثاث..إلخ ، فهذه المغالاة مذمومة شرعاً . مع ما يترتب عليها من مفاسد وأضرار انظر السؤال رقم (12572) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
إذا كان المهر مجهولا فللزوجة مهر المثل
سؤال:
لدي أخ تزوج من ابنة عمي ، وأثناء اتفاق عمي على المهر الذي سيدفعه أخي رفض عمي أن يحدد أي مبلغ يدفعه أخي ، فحدد أخي المبلغ الذي سيدفعه ، إلا أن عمي طلب أن يقوم بجمع ما سيكلفه زواجه والتكاليف التي سيدفعها ابنه (ابن عمي) عندما يريد أن يتزوج هو الآخر ويقسمان التكاليف على كل منهما فما حكم ذلك ؟ مع العلم أن عمي فسر طلبه ذلك بالمساعدة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
المهر واجب في عقد النكاح ؛ وقد سماه الله تعالى صداقا وأجرا ، كما في قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) النساء/24 .(13/155)
ويسن تحديده في العقد ، فإن لم يحدد ، فالنكاح صحيح ، وللزوجة مهر مثلها من النساء ، ممن تساويها في الصفات التي يختلف بها المهر .
ثانيا :
يجب أن يكون المهر معلوما ، فإن اتفقا على مهر مجهول لم يصح ، ووجب للزوجة مهر المثل .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يصح الصداق إلا معلوما ، وهذا مذهب الشافعي " انتهى باختصار من "المغني" (7/168) .
وقال في "معونة أولي النهى" (9/192) : " ويشترط علمه : أي علم الصداق " ، ثم قال : " وكذا كل ما هو مجهول القدْر أو الحصول : لم يصح أن يكون صداقا بلا خلاف " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لو أصدقها شيئا مجهولا فلا يجوز ، ولها مهر المثل " . انتهى باختصار من "الشرح الممتع" (5/302) .
وما جاء في السؤال من أن العم رفض تحديد المهر ، وطلب أن تُجمع تكاليف زواج ابن أخيه ، مع تكاليف زواج ابنه ، ثم يقتسمانها ، يجعل المهر مجهولا ، لأنه لا يُدرى كم سيتكلف زواج ابنه .
وعليه ؛ فالواجب لهذه الزوجة مهر مثلها من النساء ، إن كان العقد قد تم على ما ذكرت ، وإن لم يكن العقد قد تم ، فينبغي أن يُسمّى لها مهر معلوم ، ولا يجوز العمل بما طلبه عمك ؛ لأنه يؤدي إلى جهالة المهر .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
-ـــــــــــــــــــ
هل يقترض بالربا لأجل الزواج ؟
سؤال:
قد مضى على خطوبتي سنة وسبعة أشهر ومن قبلها علاقة أمضيت فيها سنة وسبعة شهور ولم أستطع حتى الآن توفير المهر وقليل من المصروف فوضعي والله على شفا حفرة من العذاب وبسبب المسؤولية الزائدة على كاهلي وبسبب عدم وجود أي مصدر اعتمد عليه سوى رحمة الله عز وجل لم يبق لي إلا اللجوء إلى قرض الزواج لأن وضعي لم يعد يحتمل ولأن كلام الناس أصبح يبرق ويرعد في سمائي ما بين الحين والآخر وبالمناسبة علاقتي بتلك الفتاة لم يحدث فيها إلا ما يرضي الله ورسوله والله على ما أقول شهيد وأعلم أنني كبير على رأس عائلة مؤلفة من ستة بنات وذكرين وقد تكلفت بتدريس أخي في الجامعة .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان القرض المسئول عنه قرضا حسنا يُسدد من غير زيادة ، فلا حرج عليك في أخذه ، ويعينك الله على سداده ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي(13/156)
يُرِيدُ الْعَفَافَ ) رواه الترمذي (1655) والنسائي (3120) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ) رواه البخاري (2387) .
وإن كان قرضا ربويا ، يرد مع الزيادة ، فلا يجوز لك أخذه ، لا لأجل الزواج ولا لغيره ؛ لما جاء في الربا من الوعيد الشديد ، وانظر لمعرفة ذلك جواب السؤال رقم (6847) و (9054)
وكيف تبدأ حياتك الزوجية بالحرام ؟ وكيف يكون التوفيق والسداد والمتعامل بالربا متوعد باللعن ، مأذون بالحرب من الله ورسوله ؟!
فما عليك إلا أن تصبر وتحتسب ، وتنتظر الفرج من الله تعالى ، وتبذل الأسباب في تحصيل الرزق الحلال ، وألا تلتفت إلى كلام الناس .
ومن أسباب الرزق الحلال أن تشتري سلعة – كسيارة أو شقة مثلا – بالتقسيط ، ثم تبيعها نقداً لغير من اشتريتها منه ، ولو كان أقل من الثمن المقسط ، حتى يتوفر لك المال ، وهذا ما يسمى بالتورق ، وهو جائز عند جمهور العلماء .
وانظر جواب السؤال رقم (45042)
وقد أخطأت في إقامة علاقةٍ مع هذه الفتاة ، مهما زعمت أنها خالية من الإثم ، لأنه على فرض ذلك ، ففيها مضرة على الفتاة من جهة ربطها وتعليقها هذه المدة الطويلة ، والحال أنك لا تملك تكاليف الزواج ، فنسأل الله أن يعفو عنك ، وأن يرزقك من فضله ما يعينك على طاعته ومرضاته .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عمن عقد النكاح ولم يستطع توفير المهر هل له أن يقترض من البنك الربوي ؟
فأجابت : " لا يجوز لك هذا القرض ، وليس ما ذكرت من حاجتك إلى المهر مبررا لأخذك قرضا بنسبة ربوية من البنك أو غيره ، وعليك تقوى الله ، فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا . نسأل الله أن ييسر أمرك ، ويفرج كربك ، ويغنيك عن الحرام بالحلال " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/387).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
طلقها مقابل نصف المهر بعد أن قذفها فهل له الحق في هذا المال ؟
سؤال:
إنني فتاه ملتزمة ، ولله الحمد ، ولقد حدثت بيني وبين زوجي - الذي لي منه ابنة - مشكلة ذهبت بسببها إلى بيت والدي ؛ حيث إنه شك فيَّ واتهمني في عرضي وشرفي بدون أي أسباب مقنعة ، ثم يعتذر ، ويرجع مرة أخرى للاتهامات ، وتكرر ذلك منه عدة مرات ؛ مما أكد لي أن به مرض الوسواس ، فلم أعد أحتمل ، فذهبت إلى أهلي ، وبعد ذهابي إليهم مكثت عندهم أربعة أشهر ، لم يزدد فيها زوجي إلا عناداً وإصراراً على موقفه بدون إثبات أي دليل ضدي ، وبعدما ذهب إليه أخي(13/157)
للتفاهم معه وجده مصرّاً على موقفة ، وأنه يطلب مني أن أستتاب ، وازداد الموقف سوءًا بينهما ، وأساء إلى والدي وإلى تربيته لي ، عندها أصرَّ أخي ووالدي على طلاقي منه ، وإلا فسوف يحيل مشكلتنا للقضاء ، وعليه أن يثبت ما لديه من اتهامات ضدي ، فطلب زوجي مقابل طلاقه لي نصف المهر ، ولكن بعد فترة طلقني من غير أن نعطيه أي مبلغ ، وسكت هو عن ذلك ، ولم يعد يطالب مرة أخرى بالمال .
والآن ، قد عوضني الله بزوج آخر ملتزم ، ولله الحمد ، وقد نبهني زوجي الثاني إلى أنه قد يكون لزوجي الأول مال لدي ، وبسبب خشيتي من الحرام وأكل مال الناس وحقوقهم ، أرجو إفتائي في هذا الأمر ، مع العلم أنني لا أملك ذلك المال ، وأنني لم أطالبه بأي مصاريف لابنته ، وهو أحيانا يرسلها ، وأحيانا لا يرسل ، فهل له أي حق مالي عندي ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قذف الزوج زوجتَه واتهامها بشرفها من كبائر الذنوب ، وهو موجب للحدِّ ورد شهادته ، ولا بدَّ له من بينة شرعية لإثبات الفاحشة ، أو يلاعن .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
إذا قذف زوجته المحصنة وجب عليه الحد , وحُكم بفسقه , وردِّ شهادته , إلا أن يأتي ببيِّنة أو يلاعن , فإن لم يأت بأربعة شهداء , أو امتنع من اللعان : لزمه ذلك كله ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ...
[ ويدل لذلك ] : قول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، وهذا عام في الزوج وغيره , وإنما خص الزوج بأن أقام لعانه مقام الشهادة في نفي الحد والفسق ورد الشهادة عنه .
وأيضا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( البيِّنة وإِلاَّ حدٌّ في ظَهْركِ ) ، وقوله لما لاعن : (عَذابُ الدنْيا أَهْونُ مِنْ عَذابِ الآخِرَة ) ؛ ولأنه قاذف يلزمه الحد لو أكذب نفسه , فلزمه إذا لم يأت بالبينة المشروعة ، كالأجنبي . " المغني " ( 9 / 30 ) .
وعليه : فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي زوجته ، وعليه أن يكف عن الكلام المسيء ، والكلام على زوجته طعن في شرفه وعرضه هو ، وعليه أن يكذِّب نفسه ويبرئ زوجته مما افتراه عليها ، فإن لم يفعل فإنه مستحق لما رَّتبه الله تعالى على فعله من الحد ورد الشهادة والفسق ، ولها حق طلب الطلاق منه ، وعليه أن يؤدي لها حقوقها كاملة .
ثانياً :
التضييق على الزوجة باتهامها بالباطل وإيذائها وضربها لتتنازل عن مهرها أو عن شيء منه يسمى " العضل " ، وهو محرَّم إلا أن تأتي بفاحشة مبينة ، فإن فعل الزوج فإنه غير مستحق لما تتنازل عنه زوجته ، ويجب عليه أن يرجعه لها ، وإن رفض تطليقها فلها أن تفتدي نفسها منه وتتنازل عن مهرها أو أقل أو أكثر ، فإن(13/158)
كان كاذبا ظالماً فما أخذه منها سحت وحرام ، وإن كان صادقاً فما أخذه حلال له ، على أن يُثبت ما يستوجب الحد بشهود أربعة أو ملاعنة ، وهذا في حال أنه يشهر بها ويقذفها علانية ، أما إذا رأى فاحشة عليها فيما بينه وبين ربه ، فإن له أن يعضلها ليضيق عليها لتفتدي نفسها .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن رجل اتهم زوجته بفاحشة ؛ بحيث إنه لم ير عندها ما ينكره الشرع ، إلا ادَّعى أنه أرسلها إلى عرس ثم تجسس عليها فلم يجدها في العرس ، فأنكرت ذلك ، ثم إنه أتى إلى أوليائها وذكر لهم الواقعة ، فاستدعوا بها لتقابل زوجها على ما ذكر ، فامتنعت خوفا من الضرب فخرجت إلى بيت خالها ، ثم إن الزوج بعد ذلك جعل ذلك مستندا في إبطال ، حقها وادعى أنها خرجت بغير إذنه ، فهل يكون ذلك مبطلا لحقها ، والإنكار الذي أنكرته عليه يستوجب إنكارا في الشرع ؟ .
فأجاب :
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة بأن يمنعها ويضيق عليها حتى تعطيه بعض الصداق ، ولا أن يضربها لأجل ذلك ، لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها لتفتدي منه ، وله أن يضربها ، وهذا فيما بين الرجل وبين الله .
وأما أهل المرأة فيكشفون الحق مع من هو ، فيعينونه عليه فإن تبين لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه ، فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه ، وإذا قال إنه أرسلها إلى عرس ولم تذهب إلى العرس فليسأل إلى أين ذهبت ، فإن ذكر أنها ذهبت إلى قوم لا ريبة عندهم وصدقها أولئك القوم ، أو قالوا لم تأت إلينا ، وإلى العرس لم تذهب ؛ كان هذا ريبة ن وبهذا يقوى قول الزوج .
وأما الجهاز الذي جاءت به من بيت أبيها ، فعليه أن يرده عليها بكل حال ، وإن اصطلحوا فالصلح خير .
ومتى تابت المرأة جاز لزوجها أن يمسكها ولا حرج في ذلك ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وإذا لم يتفقا على رجوعها إليه فلتبرئه من الصداق وليخلعها الزوج ؛ فإن الخلع جائز بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى ( فان خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 283 ، 284 ) .
ثالثاً :
والذي يظهر لنا أنه لا حق له عندكِ ، وأن ما طلبه من نصف المهر ليس حقّاً شرعيّاً له ، ويبدو أنه راجع نفسه أو أن أحداً أخبره بذلك ، ولذلك لم يطالب به ، كما أنه قد يكون جعل نصف المهر مقابل رعايتك لابنته ونفقتك عليها .
وبكل حال : فهو لم يأتِ بشهود على ما قذفك به ، ولم يلاعن ، ولم يرَ شيئاً يجعله غير آثم بينه وبين ربه ، وكل ذلك يجعل الحق لكِ لا له – بحسب سؤالك وما جاء فيه - ، فليس له ما اشترطه من نصف المهر .(13/159)
وبارك الله لك في زوجك الجديد الذي يسره الله لكِ ؛ وجزاه خيرا على ما وجهك للسؤال والاستفسار عن حقوق زوجك الأول ، وهو يدل على خلق عظيم ودين متين .
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء ، وأن يجعله خير خلَفٍ لك ولابنتك ، وأن يجمع بينكما في خير ، وأن يرزقكما ذرية طيبة .
ونسأل الله تعالى أن يوفق زوجك الأول للتوبة الصادقة ، وأن يشفيه إن كان مريضاً ، وأن يخلف عليه خيراً .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
نذرت أن تزوج ابنتها بمهر كبير وتريد التيسير الآن
سؤال:
والدتي نذرت بأنها إذا ولدت بنتا ستعمل لها العرس 7 أيام والمهر سيكون 7000 ريال عماني . والآن كما نعلم كثرة المهور على الشباب وكثرة العنوسة ، فما الحكم إذا لم نوف بهذه الشروط المطلوبة ونيسر زواج البنت ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تيسير الزواج ، وعدم المغالاة في المهر وفي تكاليف العرس ، أمر محمود ، وهو خير وبركة للزوجين ، وفيه رحمة بالزوج وعدم إثقال كاهله بالدين ، ورحمة بعامة الشباب ، وإنقاذهم من الفتن ، وتسهيل طريق العفة لهم ، ولهذا فتخفيفكم في المهر ، عمل طيب ، ويرجى لكم به التوفيق والهناء بإذن الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " يكره التغالي في مهور النساء ، ويسن التخفيف في ذلك والتيسير " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (21/87).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما رأيكم في غلاء المهور والإسراف في حفلات الزواج خاصة الإعداد لما يقال عنه شهر العسل بما فيه من تكاليف باهظة ، هل الشرع يقر هذا ؟
فأجاب : " إن المغالاة في المهور وفي الحفلات كل ذلك مخالف للشرع ، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة ، وكلما قلت المؤونة عظمت البركة ..... وكذلك أيضا المغالاة في الحفلات مما نهى عنه الشرع وهو يدخل تحت قوله سبحانه وتعالى : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ).
والواجب في مثل هذا الأمر أن يكون على الوجه المشروع ، ولا يتعدى فيه الإنسان حده ، ولا يسرف ؛ لأن الله تعالى نهى عن الإسراف وقال : ( إنه لا يحب المسرفين ) .
أما ما يقال عن شهر العسل فهو أخبث وأبغض ؛ لأنه تقليد لغير المسلمين ، وفيه إضاعة لأموال كثيرة ، وفيه أيضا تضييع لكثير من أمور الدين خصوصا إذا كان يُقْضَى في بلاد غير إسلامية ، فإنهم يرجعون بعادات وتقاليد ضارة لهم ولمجتمعهم(13/160)
، وهذه أمور يخشى منها على الأمة ، أما لو سافر الإنسان بزوجته للعمرة أو لزيارة المدينة فهذا لا بأس به إن شاء الله " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/175) .
وراجع السؤال رقم (10525) و (12572)
ثانيا :
في حال عدم الوفاء بالنذر – وهذا هو الخير لكم كما سبق – فإنه يلزم الوالدة كفارة يمين ، لأن نذر المباح لا يجب الوفاء به ، بل يخير فيه الإنسان بين الوفاء ، وبين أن يكفر كفارة يمين ، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط طعامكم ، أو كسوتهم ، فإن لم تجد شيئا من ذلك صامت ثلاثة أيام .
قال ابن قدامة رحمه الله : " نذر المباح ; كلبس الثوب , وركوب الدابة...فهذا يتخير الناذر فيه , بين فعله فيبرّ بذلك.... وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين ... " انتهى من "المغني" (10/70) بتصرف .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز دفع المهر بغير العملة المسجلة في العقد ؟
سؤال:
هل يجوز إعطاء المرأة صداقها بغير العملة التي في العقد؟ ـ مثلا ـ عملة قطرية بدل سعودية أو يمنية وهكذا.
الجواب:
الحمد لله
إذا تراضي الزوجان على إعطاء الصداق بغير العملة المسجلة في العقد ، جاز ذلك ، بشرط أن يكون الصرف بسعر يوم السداد ، لا بسعر يوم العقد ، وأن يعطيها المبلغ المقابل كاملا ، فلا يتفرقا وباقي على الزوج شيء .
والأصل في ذلك : ما رواه أبو داود (3354) والنسائي (4582) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنْتُ أَبِيعُ الإِبِلَ بِالْبَقِيعِ ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ ، فسألت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( لا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا ، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ ) . صححه النووي في المجموع (9/330) ، وابن القيم في "تهذيب السنن" ، وأحمد شاكر في تحقيق المسند (7/226) ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .
والحديث موافق للقواعد الشرعية ، في البيوع والربا ، ولذلك جرى عليه العمل عند الفقهاء .
وانظر : "الشرح الممتع" (8/305) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن رجل اقترض بالعملة الفرنسية ، وعند السداد طلب منه الدائن أن يسدد بالعملة الجزائرية .
فأجابت :(13/161)
" يجوز أن تسددها له في الجزائر بمثلها عملة فرنسية ، أو بقدر صرفها يوم السداد من العملة الجزائرية ، مع القبض قبل التفرق " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/143) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز دفع الزكاة لفتاة فقيرة من أجل نفقة زواجها ؟
سؤال:
هل يجوز إخراج زكاة المال في مساعدة فتاة فقيرة في نفقات زواجها ؟ مع العلم بأن الناس مهما رق حالهم فقد يتوسعون في متطلبات الزواج ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن يعلم أن المرأة لا يلزمها إعداد المسكن أو تجهيزه ، بل ذلك واجب على الزوج ، وهو من جملة النفقة التي تلزمه تجاه زوجته ، كما أن المهر المبذول للزوجة ملك لها ، فلها أن تستعين به أو ببعضه على تجهيز نفسها.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/166) : " جهاز الزوجة : ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجب على المرأة أن تتجهز بمهرها أو بشيء منه , وعلى الزوج أن يعد لها المنزل بكل ما يحتاج إليه ليكون سكنا شرعيا لائقا بهما " انتهى .
ثانيا :
إذا كان لهذه الفتاة من ينفق عليها من أب أو قريب ، فهو المطالب بتجهيزها وتسليمها لزوجها ، فإن امتنع من ذلك ألزم به الزوج ، وجعل ذلك من مهرها ، وراجع السؤال رقم (12506) .
ثالثا :
إذا كان العرف هو مشاركة المرأة في تجهيز البيت ، بحيث لا تتزوج إلا بذلك – كما هو الحال في بعض المجتمعات - وامتنع وليها من الإنفاق عليها ، أو عجز عن هذه النفقة ، وليس لها مال تجهز به نفسها ، فالذي يظهر هو جواز دفع الزكاة لها حينئذ ؛ لأن الحاجة إلى الزواج حاجة معتبرة ، قد تكون في بعض الأحيان كالحاجة للطعام والشراب والمسكن .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لو وجدنا شخصاً يستطيع أن يكتسب للأكل والشرب ، والسكنى لكنه يحتاج إلى الزواج وليس عنده ما يتزوج به فهل يجوز أن نزوجه من الزكاة ؟ الجواب : نعم ، يجوز أن نزوجه من الزكاة ، ويعطى المهر كاملاً ، فإن قيل : ما وجه كون تزويج الفقير من الزكاة جائزاً ولو كان الذي يعطى إياه كثيراً ؟
قلنا : لأن حاجة الإنسان إلى الزواج ملحة ، قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على من تلزمه نفقة شخص أن يزوجه إن كان ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج الابن(13/162)
للزواج ، ولم يكن عنده ما يتزوج به ، لكن سمعت أن بعض الآباء الذي نسوا حالهم حال الشباب إذا طلب ابنه منه الزواج قال له : تزوج من عرق جبينك . وهذا غير جائز وحرام عليه إذا كان قادراً على تزويجه ، وسوف يخاصمه ابنه يوم القيامة إذا لم يزوجه مع قدرته على تزويجه " انتهى من "فتاوى أركان الإسلام" ص440-441 .
وعلى هذا ، فلا حرج من إعطائها من الزكاة لتستعين بها في نفقات الزواج ، وإذا خشيت أن تنفق هذا المال فيما لا تحتاج إليه ، فيمكنك أن تخبرها أن لك عندي مبلغاً من المال قدره كذا ، فماذا تريدين أن أشتري لك به ، وتشتري لها ما تحتاج إليه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تتزوج من رجل صاحب دين لكنه فقير؟
سؤال:
مسلمة مطلقة السن50 سنة تعرفت على رجل مطلق ومتقاعد سنه 54 سنة ما شدني إليه وجعلني أحبه كثيرا هو تدينه والتزامه ، رغم فقره ، وبما أني امرأة ملتزمة كذلك وأخاف الله أردت أن أحصن نفسي وأتزوجه رغم فقره ، لكن ماما أحسست بأنها لا ترغب به لأنه فقير ، هل إذا تزوجته أكون آثمة؟ وهل عندي أجر في نفقتي على زوجي؟ وصداقي عبارة عن خاتم بسيط من ذهب لأنني لست بمادية ، وأحب أن أعمل الخير لوجه الله تعالى ، علما بأنني مطلقة منذ 20 سنة ورفضت الزواج لأجل تربية ابنتي ، عمرها الآن 20 سنة ، وكذلك كنت أتولى رعاية أبي العزيز إلى أن توفي رحمه الله وجميع المسلمين وهو راض عني ، والآن أحسست بأنني في حاجة إلى زوج ، أفيدوني جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا الرجل مرضي الدين والخلق ، فلا حرج عليك في الزواج منه ، ولو كان فقيرا ، لما روى الترمذي ( 1084 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ولا حرج عليه في الأخذ من مالك برضاك ، ولك الأجر في الإنفاق عليه ، والإحسان إليه ، قال تعالى : ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء/4 .
وليس الفقر عيبا ، فالمال يغدو ويروح ، والفقير قد يصبح غنيا ، قال تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .
وينبغي أن تقنعي والدتك ، وتبيني لها أن المقياس ليس بالمال ، وإنما بالتقوى والعمل الصالح.(13/163)
ولا إثم عليك فيما لو أصرت والدتك على رأيها ، ورأيت أنت الزواج منه ، ويشترط لصحة النكاح وجود وليك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وولي المرأة : هو أبوها ثم ابنها ثم أخوها ثم ابن أخيها ثم عمها ثم ابن عمها ، على ترتيب العصبات ، فإن لم يكن لها ولي زوجها القاضي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وسعي المرأة في الزواج وتسهيلها المهر ، دليل على رجاحة عقلها وحسن تفكيرها ، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك الأمر ، ويهديك إلى الرشد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
زكاة المهر المودع في البنك
سؤال:
هل تجب الزكاة في مال المهر المودع في البنك أي منذ أن تزوجت ولا أريد شراء به أي شيء ؟ وإن كان كذلك فكيف أزكيه ؟
الجواب:
الحمد لله
من ملك مالا يبلغ نصابا ، وحال عليه الحول ، وجب عليه أن يزكيه ، سواء كان هذا المال نقودا أو ذهبا أو فضة ، من مهر أو غيره ، وسواء ادخره لسفر أو بناء بيت أو غير ذلك من الأغراض .
والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب أو 595 جراما من الفضة .
وعليه فإذا كان مهرك المودع في البنك يبلغ نصابا فأكثر ، وجب عليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول (سنة هجرية ) فتخرجين منه ربع العشر (2.5%).
وننبه على أنه لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية ، إلا لضرورة الحفظ عند الخوف عليها وعدم وجود بنك إسلامي ، وبشرط أن يكون ذلك الإيداع بلا فائدة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حقوق الزوجة إذا مات الزوج قبل الدخول ... العنوان
عقد شخص على امرأة ثم توفي الزوج قبل الدخول فما هو حقها في المهر وهل ترث منه أم لا؟ ... السؤال
03/03/2007 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...(13/164)
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالزواج الصحيح سبب من أسباب الميراث، ومن ثم فقد اتفق الفقهاء على أنه لو مات الزوج بعد العقد وقبل أن يدخل بزوجته وجب لها المهر كاملا بالإضافة إلى حقها في الميراث، وكذلك الحال لو ماتت الزوجة قبل أن يدخل بها الزوج يرثها زوجها.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
اتفق العلماء أنه إذا مات أحد الزوجين فيجب المهر كاملاً ولو كان ذلك قبل الدخول ما دام أن المهر قد سمي في العقد . قال ابن رشد رحمه الله: [واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو الموت ] بداية المجتهد 6/409 .
وقال بعض أهل العلم: [إن المهر صار واجباً بالعقد والعقد لم ينفسخ بالموت بل انتهى نهايته لأنه عقد للعمر فتنتهي نهايته عند انتهاء العمر وإذا انتهى يتأكد فيما مضى ويتقرر بجميع ما يستوجبه ولأن كل المهر لما وجب بنفس العقد صار ديناً في ذمة الزوج ، والموت لا يكون مسقطاً للدين فلا يسقط شيء من المهر بالموت ] المفصل في أحكام المرأة 7/90.
ويدل على ما سبق ما ورد في الحديث عن علقمة قال: (أتي عبد الله يعني ابن مسعود - في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقاً ولم يكن دخل بها قال : فاختلفوا إليه فقال : أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن الرسول قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى) وهو حديث صحيح.
وأما بالنسبة لميراث الزوجة من زوجها المتوفى قبل الدخول بها فلا شك أن الزوجة ترث من زوجها سواء توفي قبل الدخول أو بعده وقد قررت الشريعة الإسلامية أن من أسباب الإرث الزوجية فقد قال الله سبحانه وتعالى :( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ... ) سورة النساء آية 12.
ولا شك أن كلمة أزواجكم في الآية السابقة تشمل ما كان بعد الدخول وقبل الدخول والزوجة تكون زوجة بمجرد العقد الصحيح فإذا كان العقد صحيحاً صارت زوجة ولها حق الإرث والآية واضحة الدلالة على مشروعية الإرث بالنكاح سواء حصل فيه دخول أو لم يحصل وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم لبروع بنت واشق بالميراث وكان زوجها قد مات عنها قبل أن يدخل بها كما سبق في الحديث.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
مهر المرأة بين الزوج والأولياء ... العنوان
في بعض البلدان العربية عندما يدفع الزوج المهر لزوجته ، يأخذ والدها وأخواتها جزءا كبيرا منه ،بحجة أن الوالد هو الذي أنفق عليها حتى تزوجت ،وتكون(13/165)
الزوجةغير راضية عن هذا ،فهل يحق للوالد أن يأخذ من مهر ابنته شيئا ،وخاصة أنه يأخذ من مال ابنته ؟ ... السؤال
02/03/2007 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الصداق أو المهر حق للمرأة المسلمة على زوجها، وهو يجب بالعقد، ويجوز أن يكون العقد كله معجلا، أو كله مؤجلا، أو يكون بعضه معجلا، وبعضه مؤجلا، غير أن كل هذا يكون من حق الزوجة وحدها، ولا يحل لوليها أو لأحد أن يأخذ منه شيئا إلا بطيب خاطر.
قال تعالى :(...فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا). النساء 24
وقال أيضًا : (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا). النساء4
يقول الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:
أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبا كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبا ولهذا قال " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا".ا.هـ
وقال أبو صالح من علماء السلف:
كان الرجل إذ زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل:" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" .
وقال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية :
هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة ، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه إلا ما روي عن بعض أهل العلم من أهل العراق أن السيد إذا زوج عبده من أمته أنه لا يجب فيه صداق؛ وليس بشيء ؛ لقوله تعالى " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "ا.هـ
وفي الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مهيم ؟ فقال : يا رسول الله ، تزوجت امرأة . فقال : ما أصدقتها ؟ . قال : وزن نواة من ذهب . فقال : بارك الله لك ، أولم ولو بشاة.
وقد رأى كثير من الفقهاء أن المهر يسلم للزوجة ولا يسلم لوليها، وإن أنكرت الزوجة المهر، وجب على زوجها، وقيض أبو حنيفة أن تسليم المهر يكون للثيب دون البكر،على أن تسليم المهر أمام شهود يوجب المهر على أبيها بعد دفع الزوج له .
يقول الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني :(13/166)
ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه إلى من يتسلم مالها، فإن كانت رشيدة، لم يبرأ إلا بالتسليم إليها، أو إلى وكيلها، ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره؛ بكرا كانت أو ثيبا . قال أحمد : إذا أخذ مهر ابنته، وأنكرت، فذاك لها، ترجع على زوجها بالمهر، ويرجع الزوج على أبيها . فقيل له : أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم { : أنت ومالك لأبيك } ؟ قال : نعم ، ولكن هذا لم يأخذ منها ، إنما أخذ من زوجها . وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة : له قبض صداق البكر دون الثيب؛ لأن ذلك العادة، ولأن البكر تستحي، فقام أبوها مقامها ، كما قام مقامها في تزويجها . ولنا ، أنها رشيدة ، فلم يكن لغيرها قبض صداقها، كالثيب ، أو عوض ملكته وهي رشيدة ، فلم يكن لغيرها قبضه بغير إذنها ، كثمن مبيعها ، وأجر دارها . وإن كانت غير رشيدة ، سلمه إلى وليها في مالها ، من أبيها ، أو وصيه ، أو الحاكم ؛ لأنه من جملة أموالها ، فهو كثمن مبيعها ، وأجر دارها .ا.هـ
ويجوز للمرأة أن تتنازل عن بعض مهرها أو كله لوليها أو لزوجها ، لقوله تعالى :"فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ". فقيل :إن الخطاب للأزواج ،وقيل :إن الخطاب للأولياء ؛لأنهم هم الذين كانوا يأكلون صداق الزوجة ، ولا مانع من الجمع بين الاثنين .
قال الإمام القرطبي :
واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ، ولا رجوع لها فيه . إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه ، واحتج بقوله : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا .
قال ابن العربي : وهذا باطل ؛ لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها ؛ إذ ليس المراد صورة الأكل ، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال ، وهذا بين .ا.هـ
وقال ابن قدامة:
وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه ، وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح . ولا نعلم فيه خلافا ؛ لقول الله تعالى : { إلا أن يعفون } يعني الزوجات . وقال تعالى: ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } قال أحمد ، في رواية المروذي : ليس شيء.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل تستحق ضعيفة البصر الصداق إذا كذبت؟ ... العنوان
لقد تزوجت من فتاة بعد وفاة زوجتي الأولى. هذه الفتاة ترتدي نظارة وقد سألتها قبل الدخول عن درجة ضعفها فأجابت -3 .
تبين لاحقا بعد الدخول أن درجة ضعفها - 5 .
والآن أشعر بعد مضي فترة قصيرة على الزواج بعدم الرغبة بالاستمرار حيث إن ارتداء النظارات طول الوقت أفقدني الجاذبية تجاهها ، ولو أنها صدقتني منذ البداية عن درجة ضعفها الحقيقية لما تزوجتها.
وكذلك أخشى أن ينتقل هذا الضعف إلى الأولاد. أنا أعتبر نفسي مغبونا في هذا الزواج وأريد الطلاق هل علي دفع كامل المؤخر؟؟؟(13/167)
... السؤال
14/11/2006 ... التاريخ
الشيخ حامد العطار ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:-
إن قضيتك محسومة في الفقه الإسلامي السائد بأنه لا يجوز لك فسخ هذا النكاح عند أحد من المذاهب الأربعة
ففي المذهب المالكي يفرق بالعيوب التالية : عيوب الرجال وهي (الجب[1], والخصاء ،والعنة[2], والاعتراض[3]) . وعيوب النساء، و هي (الرتق[4], والقرن [5], والعفل [6], والإفضاء [7], والبخر[8].)
والعيوب المشتركة، و هي : (الجنون , والجذام , والبرص , والعذيطة[9] والخناثة المشكلة[10] )
وفي المذهب الشافعي يفرق بالعيوب التالية : (عيوب الرجال وهي : العنة , والجب) . وعيوب النساء وهي : (الرتق , والقرن ) والعيوب المشتركة، و هي : (الجنون , والجذام والبرص .)
وفي المذهب الحنبلي يفرق بالعيوب التالية : عيوب خاصة بالرجال ، وهي ( العنة , والجب .) و وعيوب خاصة بالنساء، و هي ( الفتق , والقرن , والعفل .) و وعيوب مشتركة ,و هي :( الجنون , والبرص , والجذام .)
فها أنت ترى أن ذهاب البصر بالكلية ( العمى) ليس عيبا موجبا للفسخ عند أحد من المذاهب الأربعة.
ولأن وراء هذه العيوب معايب أخرى قد تحول دون الاستمتاع بين الزوجين أو تمنع كمال الاستمتاع، أو تجعل الحياة نكدا وشقاء بدلا من أن تكون مودة ورحمة فقد ذهب بعض المحققين إلى رفض هذا التضييق في تعداد المعايب، ووسعوا الدائرة إلى كل ما من شأنه أن يمنع الاستمتاع الجنسي من أصله أو يمنع من كماله.
فقد جاء في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق – من علماء مصر- رحمه الله:-
إذا تبين أن الرجل غرر بالمرأة أو أن المرأة غررت بالرجل . مثال ذلك أن يتزوج الرجل المرأة وهو عقيم ، لا يولد له ولم تكن تعلم بعقمه ، فلها في هذه الحال حق نقض العقد وفسخه متى علمت ، إلا إذا اختارته زوجا لها ، ورضيت معاشرته . قال عمر رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له ، أخبرها أنك عقيم وخيرها.
ومن صور التغرير أن يتزوجها على انه مستقيم ، ثم يتبين أنه فاسق ، فلها كذلك حق فسخ العقد ، أي تخييرها بين البقاء على العقد وبين فسخه .
ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية :إذا تزوج امرأة على أنها بكر فبانت ثيبا فله الفسخ ، وله أن يطالب بأرش الصداق - وهو تفاوت ما بين مهر البكر والثيب - وإذا فسخ قبل الدخول سقط المهر . وكذلك لا يكون العقد لازما إذا وجد الرجل بالمرأة عيبا(13/168)
ينفر من كمال الاستمتاع . كأن تكون مستحاضة دائما ، فان الاستحاضة عيب يثبت به فسخ النكاح ، وكذلك إذا وجد بها ما يمنع الوطء كانسداد الفرج .انتهى.
وتخريجا على هذا الاتجاه فإن ما فعلته زوجتك لا يسوغ لك فسخ النكاح ، حيث إن هذا المرض لا يمنع الاستمتاع الجنسي ولا كماله( أي الجماع) فإن الجماع يتم بصاحبة النظارة وغيرها على حد سواء ، والجماع سواء مع صاحبة النظارة أيا كان قدر ضعفه، أي أن الجماع لا يتأثر بضعف البصر لا في أصله ولا في كماله.
ولكنه يؤثر على أنواع الاستمتاعات الأخرى، فقد يحب الرجل أن يرى زوجته بدون نظارة ، وهذا يسهل مع من كان عيب بصره خفيفا، ويصعب مع من كانت صاحبة ( سالب 5) مع أن الليزر بإمكانه أن يحسم المسألة فضلا عن العدسات ، ولكن يبدو أن هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
وليس معنى هذا أنني أبريء زوجتك من الذنب ، فلو أن زوجتك كانت تعلم بأن ضعفها ( سالب 5) وأخبرتك أنه ( سالب 3) فقط فإن هذا معناه أنها غشتك وكذبت عليك،
ولا أنصحك بالتعجل في طلاقها ؛ فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منه آخر " والله عز وجل يقول " فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"
والحال لم يصل معك إلى كرهها ، فتبصر أمرك ، ودونك قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم .
فإن رأيت طلاقها فلها كل حقوقها من صداق وغيره، وحتى لو كانت غشتك فبمجرد دخولك بها فهذا يجعل لها المهر كاملا.
والله أعلم .
وللمزيد طالع :
فسخ النكاح بسبب التغرير وظهور الأمراض المنفرة
[1]- الجب : هو قطع الذكر.
[2]- العجز عن الجماع بسبب عدم القدرة على الانتصاب أو بسبب صغر الذكر .
[3]- العجز عن الجماع بسبب عدم القدرة على الانتصاب
[4]- الرتق : انسداد مسلك الذكر من الفرج بحيث لا يمكن معه الجماع إلا أنه إذا انسد بلحم أمكن علاجه وبعظم لم يمكن عادة.
[5]- القرن : شيء يبرز في فرج المرأة يشبه قرن الشاة يكون من لحم غالبا فيمكن علاجه وتارة يكون عظما فلا يمكن علاجه عادة.
[6]- لحم يبرز في فرج المرأة، ولا يسلم غالبا من رشح ، وقيل : إنه رغوة في الفرج تحدث عند الجماع.
[7]- الإفضاء : اختلاط مسلكي الذكر والبول وأولى منه اختلاط مسلكي الذكر والغائط.
[8]- البخر : نتن الفرج.
[9]- التغوط عند الجماع.(13/169)
[10]- الخنثى المُشْكل : وهو الذي تختلط فيه علامات الذكورة والأنوثة فلا يعلم إن كان رجلاً أو امرأة
ـــــــــــــــــــ
العنوسة والعزوبة ..علاج شرعي ... العنوان
تفشت ظاهرة العزوبة عند الشباب والعنوسة عند الفتيات فما هي العقبات التي تقف في وجه الزواج وأدت إلى تفشي هذه الظاهرة في هذا العصر من وجهة نظركم ؟؟
... السؤال
02/11/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
تفشت في بعض المجتمعات ظاهرة العزوبة لدى الشباب، والعنوسة لدى النساء، وترجع هذه الظاهرة إلي عدة عوامل أهمها : الغلاء الفاحش في المهور وإعداد بيت الزوجية مما يرهق الشباب ويجعلهم يعزفون عن الزواج، وكذلك أسباب اجتماعية ترجع إلى التفاخر والعجب والكفاءة على أسباب دنيوية، وأسباب نفسية خلقتها صورة خيالية عن فتاة المستقبل أو فتى الأحلام ليست موجودة على أرض الواقع .
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي :
كانت أمور الزواج من أسهل ما يكون، ولكن الناس بعد ذلك، وفي عصرنا خاصة، عَسَّرُوا ما يَسَّرَ الله، وضَيَّقُوا ما وَسَّعَ الله، شَدَّدُوا على أنفسهم ولم يشدد الله عليهم، حتى رأينا العزوبة عند الشبان، والعُنوسة عند الفتيات، نرى شابًّا بلغ الثلاثين أو أكثر من عمره ولم يتزوج، ونرى فتاة بلغت الثلاثين أو أكثر ولم تتزوج، ولعلها لا تتزوج بعد ذلك، حينما يقول الناس: فاتها القطار .
لم هذا كله، ما الذي حَدَثَ؟ ما دام هناك رجال ونساء، فتيان وفتيات، فلماذا لا يتزوج هؤلاء من هؤلاء؟ ما المشكلة؟
المشكلة نحن الذين خلقناها، وقد وضع الناس عقبات كثيرة في سبيل الزواج؛
فهناك عقبات مادية، وعقبات اجتماعية، وعقبات نفسية .
1- عقبات مادية:
لا يستطيع الشاب أن يتزوج إلا أن يكون صاحب مال، ومال وفير، فالشاب المتخرج الذي يَقِفُ على أول السُّلَّم، لا يستطيع أن يوفر ما يُطْلَب منه، وما يطلب منه كثير، من الذي صنع هذا الكثير؟ الشرع لم يَصْنَعه، إنه في حاجة إلى مَهْرٍ يدفعه، والناس يُغَالُون في المُهُور، ويَتَبَاهون بها، المفاخرة والمكاثرة، والرياء الاجتماعي الزائف، بنت فلان دفع إليها كذا، وهذه بَذَلَ لها كذا كَأَنَّ هذا أَصْبَحَ مقياس القيمة للإنسان، أو الدخول في الجنة، ما قيمة هذا كله؟! وفي الحديث الشريف: "خَيْرُ الصداق أَيْسَرُه" "رواه ابن ماجة والحاكم عن عقبة بن عامر، كما في الصحيح الجامع الصغير وزيادته (3279)"، "من يُمْنِ المرأة تيسير خطبتها،(13/170)
وتيسير صداقها، وتيسير رَحِمِها" "أَوْرَدَه الهيثمي في المجمع (4/255) وقال: رواه أحمد وفيه أسامة بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف وقد وثق، وبقية رجاله ثقات .".
وقد خطب عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الصحابة يومًا فقال: " ألا لَا تُغْلُوا صُدُق النساء، ألا لا تغلو صُدُق النساء، فإنها لو كانت مَكْرُمَة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه، ولا أصدق امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية" "رواه أحمد في مسند عمر بأرقام (285) و(287) و(340) وقال الشيخ شاكر: بإسناده صحيح كما رواه أبو داود (2106)، والترمذي وقال: حسن صحيح (1114)، والحاكم وصَحَّحَه (2/1745،176)."، والأوقية أربعون درهمًا .
أجل، لم يُزَوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بناته على شيء كثير، فاطمة بنت محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيدة نساء العالمين، تزوجت على ماذا؟ على دِرْع قَدَّمَها إليها علي بن أبي طالب! وماذا تَصْنَع فاطمة الزهراء بالدِّرْع؟! هل تُحَارِب بها؟ إنها شَيْء رمزي .
سعيد بن المسيب أحد التابعين وأَفْقَهُهم كما يقول أحمد بن حنبل يَرْفض أن يزوج ابنته من ابن الخليفة "هو عبد الملك بن مروان، خطبها لابنه الوليد حين وَلَّاه العهد."، ويزوجها لأحد طلاب العلم في حلقته، قال له: يا ابن أبي وداعه، ماذا عندك؟ قال: والله ما عندي إلا درهم، قال: قد زوجتك ابنتي بدرهم !
نعم، زَوَّجَه ابنته بدرهم؛ لأنه كان يُريد لها رَجُلًا صالِحًا لم يَكُنْ الناس يتباهَون بما يتباهى به النساء الآن، لم هذا؟
وليت الأمر يَقِف عند المهر وغَلائِه إنه في حاجة إلى هدايا، في حاجة إلى ذهب يقدمه .
بعض البلاد هناك (شَبْكَة) أو (تلبيسة)، وبعض البلاد هناك ذهب... مَصوغات تُقَدَّم، مُعْظَمها أشياء لا تُلْبَس؛ لأنها بأحجام كبيرة، وأوزان ثقيلة، وأشكال قديمة، لا تلائم ذوق هذا العصر، حتى إنه قد كثرت علي الأسئلة عن هذا الحُلِي: هي يُزَكَّي أو لا يزكي؟؛ لأن المرأة لا تَلْبَسُه إلا للتباهي فقط، هو شيء لا يُلْبَس، ولكن تتباهى بأن عندها الشيء الكثير قُدِّمَ لها في عُرْسِها، لم هذا ؟ لماذا نضيق على أنفسنا ونشدد .
الأحفال والولائم التي تقام للعرس، وقبل العرس، وبعد العرس، وتذبح فيها الذبائح، ويؤكل قليلها، ويُلقى في سَلَّاتِ المهملات و(الدرامات) كثيرها، وبلاد أخرى تَتَضَوَّر من الجوع فلا تَجِدُ اللقمة لم هذا؟ شَدَّدَ الناس على أنفسهم، تراهم يقيمون حفلاً للخِطبة، وحفلًا لعقد القران، وحفلاً للزفاف، ما هذا كله يا عباد الله؟ !
ثم بعد ذلك يأتي البيت، وتأثيث البيت، لابد من أن يَكُون هناك شَقَّة مفروشة بأحدث الأثاث، أو (فيلا)، أو ما شابه ذلك .
ثم بدعة جديدة اخترعها الناس بعد الزواج، ما سَمَّوْه (شهر العسل) والسفر إلى الخارج لقضاء شهر العسل! تكاليف جديدة أضافها الناس، هي في النهاية آصار وأغلال في أعناقهم، وعقبات في طريقهم .(13/171)
كل هذا يعقد الأمور، ويزيد من صعوبتها، وما طلب الله منا ذلك، ولا كلفنا الشرع ذلك، نحن الذين شددنا على أنفسنا؛ ولهذا ينتظر الشاب حتى يُمْكِنُه أن يوفر ما يطلب منه، وربما اسْتَدَان، والدَّيْنُ هَمٌّ بالليل، ومَذَلَّةٌ بالنهار، أو ربما ذهب إلى البنك يستقرض منه الربا فيَأْذَن من أول زواجه بِحَرْب من الله ورسوله، لِمَ هذا؟ عقبات نحن الذين أنشأناها ووضعناها، عقبات مادية لا معنى لها .
2- عقبات اجتماعية:
هناك اعتبارات عند كثير من الناس... يَتَقَدَّم إليهم الشاب فيرفضونه، لم هذا؟ هذا؛ لأنه من أُسْرَة دون أسرة، أو طبقة دون الطبقة، أو كذا وكذا، معايير ما أنزل الله بها من سلطان .
إن لكل عصر معاييره، هناك من الفقهاء من قال بالكفاءة في النسب والحسب والحرفة وغير ذلك، ولكن هناك من رفض هذا كله وقال: (... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ...) (الحجرات: 13)، المقياس هو الدين والخلق، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أتاكم من تَرْضَوْنَ خُلُقه ودِينَه فزوجوه، إلا تفعلوا، تَكُنْ فتنة في الأرض وفساد عريض" "رواه الترمذي، وابن ماجة، والحاكم، عن أبي هريرة، ورواه ابن عدي عن ابن عمر، ورواه الترمذي، والبيهقي في السنن، عن أبي حاتم المزني، ورَمَزَ له السيوطي في (الجامع الصغير) بالصحة." وكانوا يقولون: (إذا زوجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها)؛ لأنه يَخُاف الله فيها، فهو يُعَاشِرُهَا بمعروف أو يُسَرِّحُهَا بإحسان، ولا ينسى الفضل فيما سَبَقَ .
هذا هو الإنسان المؤمن، هذا هو الذي ينبغي أن يُحْرَص عليه .
والذين قالوا بالكفاءة من الفقهاء، قالوا: إن العالِم كُفْءٌ لبنت السلطان؛ لأن العلم يرفع صاحبه، ويُعْلِي من قدره؛ لأنه إذا وقف الأمر عند الحسب والنسب، معنى هذا أننا أصبحنا طبقات كطبقات الهنود، لا يستطيع أحد أن يرتقي من طبقة إلى طبقة والإسلام يرفض ذلك .
العلم أجلسه بجوار الخلفاء :
يستطيع الإنسان بعلمه وعمله أن يرتقي إلى أعلى الدرجات في المجتمع المسلم، وهذا ما رأيناه منذ عصر الصحابة، رضوان الله عليهم .
كان عطاء بن أبي رباح الفقيه التابعي رَجُلًا أسود اللون أفطس الأنف، أعرج الرجل، قصير القامة، ولكنه جلس بجوار سليمان بن عبد الملك "هو أحد كبار خلفاء بني أمية، أخرج الخلافة من أولاده وعَهِدَ بها للخليفة الزاهد عمر ابن عبد العزيز، رضي الله عنه." في الحج، يفتي الناس في المناسك، قالوا: إنما رَفَعَه العلم .
وَالعِلْمُ يَرْفَعُ بَيْتًا لَا عِمَادَ لَهُ وَالجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ العِزِّ وَالشَّرَفِ
ينبغي أن نُعِيدَ النظر في معاييرنا، فالمُهِمُّ هو سعادة بناتنا وأبنائنا لا يجوز أن نتحجر على مقاييس قديمة، فالزمن يتغير، والحياة تتطور، والأنظار تختلف، والله ـ تعالى ـ يقول: (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ) (أي زوجوهم) (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور: 32 ).(13/172)
لابد لنا من هذه النظرة، حتى لا تقف هذه المعايير أحجار عَثْرَة في سبيل حياة سعيدة لأبنائنا وبناتنا .
3- عوامل نفسية :
فهناك عوامل نفسية عند بعض الفتيان، فهو يضع أمام عينيه مثالاً يُحَلِّق في خياله، يرسم امرأة مثالية يريدها زوجة له، موصوفة بكل جمال وكمال، وهذا لا يوجد في واقع الحياة .
الحياة قَلَّمَا نَجِد فيها الكمال المطلق، فامرأة عندها الجمال، وأخرى عندها المال، وأخرى عندها النسب، أَمَّا أن يوجد فيها كل شيء، فَقَلَّمَا يجتمع فيها هذا .
ولذلك أوصانا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "تُنْكَح المرأة لأربع: لِمَالها؛ ولِحَسَبها، ولجمالها؛ ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك" "رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة (المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب:2/552،الحديث1106)، وقوله: "تَرِبَتْ يَدَاكَ" معناه: الحث والتحريض، وقيل: هو دعاء له بكثرة المال، أي اظفر بذات الدين، ولا تلتفت إلي المال، أكثر الله مالك."، "الدنيا كلها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" "رواه أحمد، ومسلم، والنسائي عن ابن عمر، ومسلم أيضًا، عن ابن عمر، كما في صحيح الجامع الصغير(3413)."، صاحبة الدين هي التي تَسُرُّك إذا نَظَرْتَ، وتُطِيعُك إذا أَمَرْتَ، وتحفظك إذا غِبْتَ، وتخاف الله في عِرْضِك وولدك ومالك: (... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ...) (النساء : 34).
وكثير من الذين يُحَلِّّقون وراء هذه الأحلام والمثاليات، قَلَّمَا يُحقِّقون ما يَنْشُدون .
هذا هو ديننا، ديننا الذي جاء بالتيسير، فما لنا نَلْجَأ إلى التعسير؟ ديننا جاء بالتوسع، فلماذا نلجأ إلى التضييق؟ ديننا خَفَّفَ عنا فلماذا نُشَدِّد على أنفسنا؟
علينا أن نُدْرِكَ هذا، ونُعَلِّمَ أبنائنا وبناتنا هذا، حتى نَحُلَّ تلك العقدة، حتى يتزوج الشبان والشابات، بدل أن يلجأ الشباب إلى طرق تعرفونها، يَجِدُون الحرام فيها مُيَسَّرًا هنا وهنالك، أو بدل أن يلجأ إلى الزواج من أجنبية، ويَدَع ابنة بلده، وأقرب الناس إليه .
هذا هو الإسلام، فإذا أردنا الخير كل الخير، والسعادة كل السعادة، فلابد أن نرجع إلى هذا الدين، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
نسأل الله ـ عز وجل ـ أن يُوَفِّقنا إلى ما يُحِبُّ ويَرْضَى، وأن يُعَلِّمُنَا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه سميع قريب .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حمل الزوجة الخائنة على الإبراء والخلع ... العنوان
اتهم رجل زوجته بفاحشة ; بحيث إنه لم ير عندها ما ينكره الشرع إلا أنه ادعى أنه أرسلها إلى عرس ثم تجسس عليها فلم يجدها في العرس فأنكرت ذلك.
ثم إنه أتى إلى أوليائها وذكر لهم الواقعة فاستدعوها لتقابل زوجها على ما ذكر فامتنعت خوفا من الضرب ; فخرجت إلى بيت خالها، ثم إن الزوج بعد ذلك جعل ذلك مستندا في إبطال حقها ; وادعى أنها خرجت بغير إذنه : فهل يكون ذلك مبطلا(13/173)
لحقها من الصداق والجهاز ؟ والإنكار الذي أنكرته عليه يستوجب إنكارا في الشرع ؟
... السؤال
29/06/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:-
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا السؤال فأجاب:-
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) فلا يحل للرجل أن يعضل المرأة : بأن يمنعها ويضيق عليها حتى تعطيه بعض الصداق ولا أن يضربها لأجل ذلك .
لكن إذا أتت بفاحشة مبينة كان له أن يعضلها لتفتدي منه ; وله أن يضربها . هذا فيما بين الرجل وبين الله .
وأما " أهل المرأة " فيكشفون الحق مع من هو فيعينونه عليه فإن تبين لهم أنها هي التي تعدت حدود الله وآذت الزوج في فراشه : فهي ظالمة متعدية فلتفتد منه . وإذا قال : إنه أرسلها إلى عرس ولم تذهب إلى العرس فليسأل إلى أين ذهبت ؟ فإن ذكر أنها ذهبت إلى قوم لا ريبة عندهم وصدقها أولئك القوم أو قالوا لم تأت إلينا ; وإلى العرس لم تذهب : كان هذا ريبة وبهذا يقوى قول الزوج . وأما " الجهاز " الذي جاءت به من بيت أبيها فعليه أن يرده عليها بكل حال وإن اصطلحوا فالصلح خير ومتى تابت المرأة جاز لزوجها أن يمسكها ولا حرج في ذلك ; فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا لم يتفقا على رجوعها إليه فلتبرئه من الصداق وليخلعها الزوج ; فإن الخلع جائز بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الله تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
معاشرة الزوجة بعد العقد وقبل البناء ... العنوان
إذا تم عقد النكاح مستوفيا أركانه وشروطه ولكن لم تزف الزوجة إلى بيت زوجها فهل يحل للعاقد معاشرتها باعتبار أنها زوجته؟ نرجو التوضيح ... السؤال
31/03/2006 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..(13/174)
فلا يجوز للعاقد أن يعاشر زوجته معاشرة الأزواج حتى تزف إلى بيته، فالإشهاد عند الدخول واجب عند المالكية، ومن ثم فتحرم المعاشرة إذا لم يتم الإشهاد، وذلك لنفي التهمة وظن السوء عن الزوجة إذا تم فسخ العقد قبل الدخول، والأخذ بهذا المذهب يؤيده العرف، كما يحتم الأخذ به فساد الذمم وضعف الدين في النفوس، فما أهون أن ينكر العاقد معاشرته للمعقود عليها دون أن يجد في نفسه أدنى حرج، وفي ذلك من الشر والبلاء والفضيحة التي تلحق بالمعقود عليها وأهلها ما لا يعلمه إلا الله.
جاء في كتاب تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي:
(الإشهاد على عقد النكاح , ليس بواجب على مذهب مالك رحمه الله , وإنما يجب الإشهاد عند الدخول لنفي التهمة والمظنة عن نفسه , ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل } , أي لا يكون وطء النكاح إلا باجتماع هذه الأشياء ; لأن النكاح حقيقة إنما يقع على الوطء , وإنما سمي العقد نكاحا لأن النكاح الذي هو الوطء يكون به , فسمي باسم ما قرب منه , ولا يصح أن يحمل الحديث على العقد ; لأنه قد ذكر فيه الصداق , وذلك مما لا يفتقر إليه العقد بإجماع ; لأن القرآن قد جوز نكاح التفويض).
ويقول فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
من المعلوم أن عقد الزواج إذا وقع صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية، ومنها حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، فهذا الأمر واضح ومعلوم.
ولكن العرف قد جرى بأن المعاشرة الزوجية لا تكون إلا بعد الزفاف لا قبله أي بعد أن ينقل الزوج زوجته إلى بيت الزوجية.
لذا فإني أرى تقييد هذا المباح بالعرف حيث إن هذا العرف صحيح، ويحقق مقاصد الشارع الحكيم وبيان ذلك بما يلي:
إن العرف قد جرى في بلادنا أن يتم عقد الزواج، ويكتب، وتبقى الزوجة في بيت أبيها مدة من الزمن قد تطول، وقد تقصر، فأحياناً تمكث الزوجة في بيت أبيها سنة، أو أكثر، أو أقل، وفي هذه الحال يتردد الزوج لزيارة زوجته في بيت أبيها، ويسميه الناس خاطباً مع أن هذه التسمية فيها نظر لأنه ليس بخاطب وإنما هو زوج شرعاً ، وعندما يتفق الزوجان وأهلهما على الزفاف، ويعين موعد لذلك، وتقام الأفراح، وفي يوم الزواج يحضر الزوج، وأقاربه لأخذ الزوجة من بيت أبيها إلى بيت الزوج، فعندها تتم المعاشرة الزوجية بينهما، وأما قبل ذلك، فينبغي منع إقامة أي علاقة جنسية بينهما لما قد يترتب على إقامة العلاقة الزوجية في الفترة التي تسبق الزفاف من مفاسد.
فمثلاً إذا تمت معاشرة بينهما في تلك الفترة، وحصل الحمل فقد لا يستطيع الزوج إتمام الزفاف لسبب من الأسباب، فعندئذ تظهر علامات الحمل على الفتاة، وهذا ينعكس عليها سلباً وعلى زوجها ، وماذا لو قدر الله سبحانه وتعالى وفاة هذا الزوج قبل الزفاف، وكان قد عاشرها، وحملت منه، فلا شك أن مشكلات كثيرة ستقوم،(13/175)
وتؤدي إلى نزاع وخصام ، وهنالك احتمال أن يقع سوء تفاهم بينهما، وقد يصل الأمر إلى الفراق بالطلاق، أو غيره، فحينئذ ستكون الفتاة في موقف صعب جداً.
وكذلك إذا تم الزفاف، وكانت العلاقة الجنسية قد تمت قبله، فقد يطعن الزوج في عفاف زوجته، وهذا يوقع الفتاة وأهلها في مشكلات وحرج.
وقد يقول قائل ما دام أن العقد قد وقع صحيحاً فهي زوجته شرعاً، وقانوناً، فلماذا تحرمون استمتاع كل منهما بالآخر؟
وأقول إنني لا أحرم ما أحل الله سبحانه وتعالى، ولكن نقيد هذا المباح حفظاً لمصالح العباد ودفعاً للمفاسد التي قد تترتب على هذا الفعل ، والعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم.
قال الإمام القرافي –من فقهاء المالكية-: [وأما العرف، فمشترك بين المذاهب، ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها ] شرح تنقيح الفصول ص 88 .
وقال الشيخ ابن عابدين –من فقهاء الحنفية-: (والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار) رسالة " نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف ".
وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك كما في قولهم : العادة محكمة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها وغير ذلك.
وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن، أو السنة واضح الدلالة قطعيا، أو نصاً تشريعياً كالقياس، ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للقاعدة الشرعية الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي.
ومن أوسع مجالات اتباع العرف ما يتعلق بالأسرة مثل عشرة النساء والنفقة عليهن ومن ضمن ذلك ما تعارف عليه الناس أن الزوج لا يعاشر زوجته المعاشرة الزوجية إلا بعد الزفاف، وهذا عرف صحيح ينبغي اعتباره، والعمل به فهو لا يصادم النصوص الشرعية بل يؤكد مقاصد الشارع الحكيم.
كما أنه يمكن منع المعاشرة الزوجية بين الزوجين قبل الزفاف استناداً إلى قاعدة سد الذرائع وهي قاعدة معتبرة عند أهل العلم، فمعلوم كم هي المفاسد التي قد تترتب على إقامة مثل هذه العلاقات.
وقد صرح بعض الآباء الذين سئلوا عن رأيهم في ذلك لو حصل هذا الأمر مع بناتهم بأن بعضهم سيقتل ابنته وزوجها لما في ذلك من مس بشرفه وشرف عائلته، وصرح بعضهم بأمور أفظع من ذلك وقد جاء هذا في دراسة واستطلاع لرأي بعض الناس قام به بعض طلبة العلم ، وهذا على سبيل المثال لا على سبيل الحصر من ردود الأفعال التي قد تقع من الآباء والأهل تجاه بناتهم إن حصلت هذه المعاشرة .
ومن المفاسد التي قد تقع، ووقعت فعلاً أنه في إحدى الحالات التي تمت فيها المعاشرة قبل الزفاف وحصل الحمل، ولم يتمكن الزوج من إتمام إجراءات الزفاف أقدم على إجهاض زوجته، وأدى ذلك إلى قتل الجنين ؟!(13/176)
فَسَدّاً لطرق الفساد هذه وغيرها ينبغي منع الزوجين من ذلك وحصره على ما بعد الزفاف فقط .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تغير قيمة العملة وأثره على مؤخر المهر ... العنوان
متزوج من أكثر من أربعين سنة وأريد أن أعطي زوجتي مؤخر مهرها وقدره مئتا دينار أردني ولكن زوجتي ترفض أخذ المئتي دينار لأن قيمة العملة قد اختلفت اختلافاً كبيراً فما قولكم أفيدونا ؟
... السؤال
01/01/2006 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإذا كان المهر مؤجلا فإنه يكون ديناً في ذمة الزوج ، وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل بأقرب الأجلين: الطلاق أو الوفاة ، وتغير قيمة العملة ليس له أثر في قيمة المهر المؤجل ؛ لأن العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملةٍ ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها، ويستثنى من ذلك إذا كان التغير في قيمة العملة كبيراً، ففي هذه الحالة يجب على الزوج أن يعطي زوجته قيمة المهر والمرجع في تقدير القيمة هو الذهب ، فيرجع إلى الصاغة لمعرفة كم جراما من الذهب كانت تساوي قيمة المهر وقت العقد..
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
إن المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية 4.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصدق نساءه عند الزواج فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أنه قال ( سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً. قالت أتدري ما النش ؟ قال: قلت لا .قالت: نصف أوقية فتلك خمس مائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه ) رواه مسلم.
وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون فعن أنسٍ رضي الله عنه قال سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن بن عوف وتزوج امرأة من الأنصار كم أصدقتها؟ قال وزن نواة من ذهب) رواه البخاري
وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق(13/177)
عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويجوز أن يكون الصداق معجلاً ومؤجلاً وبعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلاً إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي ... ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوماً بذلك ] المغني 7/222.
ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً ويكون ديناً في ذمة الزوج وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة فإذا طلق الزوج امرأته وجب لها المؤجل من مهرها وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل ويخرج من التركة ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة.
وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم.
وقد نصت المادة " 46 " من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا على ذلك ( ... وإذا لم يكن الأجل معيناً اعتبر المهر مؤجلاً إلى وقوع الطلاق أو وفاة أحد الزوجين ) ويخرج قبل الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة.
ولا يجوز للزوجة أن تطالب زوجها بالمهر المؤجل ما دامت على ذمته لأن العرف جارٍ على تأخيره وتنص القاعدة الفقهية على أن العادة محكمة، وكذا المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً وكذا استعمال الناس حجة يجب العمل بها.
وقيام الرجل بدفع المهر المؤجل لزوجته أمر حسن وفيه إبراء لذمته ولكنه ليس واجباً عليه بل يجب في حالتي الطلاق أو الوفاة كما سبق.
وأما بالنسبة لعدم قبول الزوجة للمئتي دينار وهي مقدار مهرها المؤجل بحجة أن قيمة العملة قد تغيرت فلا بد أن أبين أن الأصل المقرر في الفقه الإسلامي أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء ) وفي رواية أخرى:(أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق - الفضة المصكوكة - وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
فابن عمر كان يبيع الإبل بالدنانير أو الدراهم وقد يقبض الثمن في الحال وقد يبيع بيعاً آجلاً وعند قبض الثمن ربما لا يجد مع المشتري بالدنانير إلا دراهم وقد يجد مع(13/178)
من اشترى بدراهم ليس معه إلا دنانير أفيأخذ قيمة الثمن يوم ثبوت الدين أم يوم الأداء ؟ مثلاً إذا باع بمائة دينار وكان سعر الصرف: الدينار بعشرة دراهم أي أن له ما قيمته ألف درهم وتغير سعر الصرف فأصبح الدينار مثلاً بأحد عشر درهماً أفيأخذ الألف أم ألفاً ومائة ؟ وإذا أصبح بتسعة دراهم فقط أفيأخذ تسعمائة درهم يمكن صرفها بمائة دينار يوم الأداء أم يأخذ ألف درهم قيمة مئة الدينار يوم البيع ؟ بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العبرة بسعر الصرف يوم الأداء وابن عمر الذي عرف الحكم من الرسول الكريم سأله بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عن كرَّيٍ لهما له عليهما دراهم وليس معهما إلا دنانير فقال ابن عمر : أعطوه بسعر السوق .فهذا الحديث الشريف يعتبر أصلاً في أن الدين يؤدى بمثله لا بقيمته حيث يؤدي عن تعذر المثل بما يقوم مقامه وهو سعر الصرف يوم الأداء، يوم الأداء لا يوم ثبوت الدين] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 جزء 3 ص1727-1728 .
وقرر معظم فقهاء العصر أن الديون تقضى بأمثالها ولا تقضى بقيمتها إلا إذا كان تغير قيمة العملة كبيراً ويرون أن قضاء الديون بقيمتها يعد من الربا المحرم شرعاً [إن الحكم على المدين المماطل بتعويض دائنه بفرق هبوط القوة الشرائية للنقد عقب مطله غير سائغ شرعاً إذ هو وقوع في حمى الربا المحرم تحت ستار تعويض الدائن عن انخفاض القوة الشرائية للنقود ، بل إن الدائن ليحصل في كثير من الأحيان باسم ذلك التعويض على ما يزيد قدراً ويفوق جوراً الفوائد التأخيرية في البنوك الربوية] قضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص500 .
وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة بحثاً مستفيضاً وتوصل العلماء المشاركون في المجمع إلى القرار التالي :[العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملةٍ ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تقضى بأمثالها ...] مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد 5 ج 3/2261 .
هذا هو الأصل المقرر في قضاء الديون بأمثالها لا بقيمتها إلا إذا كان التغير في قيمة العملة كبيراً وبما أن المدة المذكورة في السؤال طويلة (أربعون سنة) فلا شك أن قيمة العملة الأردنية قد اختلفت اختلافاً كبيراً خلال هذه المدة فيجب على الزوج أن يعطي زوجته قيمة المئتي دينار لا عددها والمرجع في تقدير القيمة هنا الذهب أي نسأل الصاغة والصرافين عن المئتي دينار كم كان يشترى بها غرامات ذهب ؟ فيعطي الزوجة قيمة ذلك الذهب في الوقت الحاضر. وأما أن يعطيها ما كتب لها في عقد الزواج منذ أربعين سنة، فظلم واضح.
وخلاصة الأمر أنه لا يجب على الزوج أن يدفع المهر المؤجل لزوجته ما دامت على ذمته فإن فعل فأمر حسن وعلى السائل أن يعطي زوجته قيمة مهرها المؤجل نظراً لاختلاف قيمة العملة اختلافاً كبيراً.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
موت الزوجة قبل حصولها على مؤخر الصداق ... العنوان
ما حكم المهر المؤجل إذا ماتت الزوجة ؟ هل يتصدق به الزوج أم يسقط عنه بموتها؟ ... السؤال(13/179)
23/08/2005 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالمهر حق خالص للمرأة، وإذا كان مؤجلا فهو دين في ذمة الزوج يجب عليه أن يسارع بسداده، ولقد تعارف الناس على عدم إعطاء المرأة حقها من مؤجل المرأة بموتها أو موت زوجها وهذا ظلم للزوجة ولا تبرئ ذمة الزوج أمام الله إلا بسداد ما عليه من الدين وفي الحديث: (أيما رجل أصدق امرأة صداقا - والله عز وجل يعلم منه لا يريد أداءه إليها - فغرها بالله واستحل فرجها بالباطل، لقي الله يوم يلقاه وهو زان، وأيما رجل أدان من رجل دينا لقي الله يوم يلقاه وهو سارق)، وإن ماتت الزوجة فمؤخر الصداق يكون جزءا من التركة يوزع على ورثتها.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة-أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:-
المهر حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها يقول الله تعالى: (وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ).
وقد اتفق العلماء على أنه يجوز التعجيل والتأجيل في المهر المسمى في عقد الزواج فيصح أن يكون بعض المهر معجلاً وبعضه مؤجلاً على حسب ما يتم عليه الاتفاق عند عقد الزواج وسواء كان المهر معجلاً أو مؤجلاً فهو حق ثابت للزوجة ودين واجب لها في ذمة الزوج.
ومن المعلوم أن العرف في بلادنا جرى على أن يكون جزء من المهر مؤجلاً تأجيلاً مطلقاً وفي هذه الحالة يجب المهر المؤجل للمرأة في حالتين وهما: الطلاق والوفاة فإذا طلق الزوج امرأته وجب لها المؤجل من مهرها وكذا إذا مات زوجها وجب لها المهر المؤجل ويخرج من التركة قبل توزيعها على الورثة.
وكذلك إذا ماتت الزوجة ولها مهر مؤجل في ذمة زوجها فيكون مهرها المؤجل من ضمن تركتها ويوزع على الورثة بقدر نصيب كل منهم.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
أفضل النساء ... أقلهن مهرا ... العنوان
يلاحظ أن الناس الآن يزيدون جداَّ في المهر في النكاح . فعل هذا من السنة ؟ وهل حدد الشرع مقدارا معينا للمهر لا يزاد عليه ؟.
... السؤال
11/06/2005 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-(13/180)
المرأة في الإسلام أكرم من أن تباع وتشترى؛ لذلك لم يجعل الإسلام صداق المرأة ثمنا لها يزيد بجاهها، وينقص بهوانها.
ولو كانت كثرة الصداق تدل على شرف المرأة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب بناته أن يكيلوا بكلتا أيديهما، لكنه صلى الله عليه وسلم خفف، ودعا إلى التخفيف، بل وجعل خير النساء أقلهن مهرا، وأيسرهن مؤنة.
يقول الشيخ محمد بن صالح المنجد- من علماء المملكة العربية السعودية:-
إن الزواج نعمة من نعم الله تعالى ، وآية من آياته ، قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم / 21
وأمر الله تعالى الأولياء أن يزوجوا من تحت ولايته ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور / 32
وذلك لما يترتب على النكاح من المصالح العظيمة ، كتكثير الأمة ، وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم لغيره من الأنبياء ، وتحصين الرجل والمرأة من الوقوع في المحرم . . . وغير ذلك من المصالح العظيمة .
ولكن بعض الأولياء وضعوا العقبات أمام الزواج ، وصاروا حائلا دون حصوله في كثير من الحالات.
وذلك بالمغالاة في المهر ، وطلبهم من المهر الشيء الكثير مما يعجز عنه الشاب الراغب في الزواج .
حتى صار الزواج من الأمور الشاقة جدا لدى كثير من الراغبين في الزواج .
والمهر حق مفروض للمرأة ، فرضته الشريعة الإسلامية ، ليكون تعبيرا عن رغبة الرجل فيها ، قال الله تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء /4 .
ولا يعني هذا اعتبار المرأة سلعة تباع ، بل هو رمز للتكريم والإعزاز ، ودليل على عزم الزوج على تحمل الأعباء وأداء الحقوق .
ولم يحدد الشرع المهر بمقدار معين لا يزاد عليه .
ومع ذلك فقد رَغَّب الشرع في تخفيف المهر وتيسيره .
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خير النكاح أيسره) رواه ابن حبان . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3300) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خير الصداق أيسره ) رواه الحاكم والبيهقي . وصححه الألباني في صحيح الجامع (3279) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل أراد الزواج : ( التمس ولو خاتماً من حديد ) . متفق عليه .
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته المثل الأعلى في ذلك ، حتى ترسخ في المجتمع النظرة الصادقة لحقائق الأمور ، وتشيع بين الناس روح السهولة واليسر .
روى أبو داود (2125) والنسائي (3375) – واللفظ له - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ : تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْنِ بِي – وهو الدخول بالزوجة - . قَالَ : أَعْطِهَا شَيْئًا . قُلْتُ : مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ . قَالَ : فَأَيْنَ(13/181)
دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ ؟ قُلْتُ : هِيَ عِنْدِي . قَالَ : فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ . صححه الألباني في صحيح النسائي (3160) .
فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة .
وهذا يؤكد أن الصداق في الإسلام ليس مقصوداً لذاته .
وروى ابن ماجه (1887) أن عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ قال : لا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ. صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (1532) .
(لا تُغَالُوا) أَيْ لا تُبَالِغُوا فِي كَثْرَة الصَّدَاق . . . ( وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى يُعَادِيَهَا فِي نَفْسه عِنْد أَدَاء ذَلِكَ الْمَهْر لِثِقَلِهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ عِنْد مُلاحَظَة قَدْره وَتَفَكُّره فِيهِ . . . (وَيَقُولُ قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ ) حَبْل تُعَلَّق بِهِ أَيْ تَحَمَّلْت لأَجْلِك كُلّ شَيْء حَتَّى الحبل الذي تعلق به القربة اهـ من حاشية السندي على ابن ماجه .
اثنتا عشرة أوقية تساوي أربعمائة وثمانين درهما أي مائة وخمسة وثلاثون ريال فضة تقريباً (134.4)
فهذا كان صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم ونسائه .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (32/194)
فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق ، وكذلك صداق أمهات المؤمنين ، وهذا مع القدرة واليسار ، فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة اهـ .
وقال أيضاً في "الفتاوى الكبرى" :
"وَكَلامُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَيُسْتَحَبُّ بُلُوغُهُ وَلا يُزَادُ عَلَيْهِ" اهـ .
وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (5/178) بعض الأحاديث الدالة على تخفيف المهر وأنه لا حد لأقله ثم قال :
فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله . . . وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره اهـ .
وبهذا يتبين أن ما يفعله الناس الآن من زيادة المهور والمغالاة فيها أمر مخالف للشرع .
والحكمة من تخفيف الصداق وعدم المغالاة فيه واضحة :
وهي تيسير الزواج للناس حتى لا ينصرفوا عنه فتقع مفاسد خلقية واجتماعية متعددة .
والله أعلم .
نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب(13/182)
ـــــــــــــــــــ
الدوطة .. مهر الرجل ... العنوان
في بلاد الهند جرت العادة أن تقوم المرأة أو أهلها بتدبير الدوطة للرجل لكي يتزوج المرأة فهل هذا صحيح والزواج الذي تمَّ بهذه الدوطة صحيح؟ ... السؤال
17/02/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فقد كرَّم الإسلام المرأة و رفع من شأنها ، وقد جعل الإسلام من حق المرأة المهر، وهو مال يدفعه لها زوجها، و المهر في الإسلام حقّ من حقوق الزّوجة تأخذه كاملا حلالا عليها ، يقول تعالى: (وَءاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) .
أما الدوطة فهي مال تدفعه المرأة لمن أراد نكاحها لكي ينتفع من ريعه في حياتهما الزوجية، وهي مخالفة لما عليه عمل أهل الإسلام، وإن تمًّ الزواج بهذه الصورة فهو معتبر شرعاً عند جمهور أهل العلم.
وقد قرَّر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي ذلك، وإليك ما قاله : [بتصرف]
أن هذه العادة سيئة منكرة، وبدعة قبيحة، مخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع العلماء، ومخالِفة لعمل المسلمين في جميع أزمانهم.
أما الكتاب؛ فقد قال تعالى : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء: من الآية4]. وقال تعالى: ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )[الممتحنة: من الآية10]. وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)[النساء: من الآية24]. وغير ذلك من الآيات. وأما السنة؛ فقد جاءت مشروعية المهر في قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره؛ فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، عن جابر، رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَو أنَّ رجلاً أَعطَى امرأةً صَدَاقًا مِلءَ يَدَيْهِ طَعَامًا، كانت له حَلالاً". فهذا من أقواله.
وأما فعله؛ فقد جاء في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن عن عائشة قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية. فهذا فعله. وأما تقريره؛ فقد جاء في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة. فقال: "ما هذا؟". قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال: "بارك الله لك". فهذا من تقريره وهو إجماع المسلمين وعملهم، في كل زمان ومكان، ولله الحمد.
وبناء عليه فإن المجلس يقرر: أنه يجب أن يدفع الزوج لزوجته صداقًا سواء كان الصداق معجَّلاً، أو مؤجلاً، أو بعضه معجل وبعضه مؤجل. على أن يكون تأجيلاً حقيقيًّا يراد دفعه عند تيسره، وأنه يحرم أن يجرى الزواج بدون صداق من الزوج لزوجته. ويوصي المجلس بأن السنة: تخفيف الصداق وتسهيله، وتيسير أمر النكاح،(13/183)
وذلك بترك التكاليف والنفقات الزائدة، ويحذر من الإسراف والتبذير، لما في ذلك من الفوائد الكبيرة.
كما يناشد المجلس العلماء والأعيان والمسؤولين في الهند وغيرهم، محاربة هذه العادة السيئة (الدوطة)، وأن يجدوا ويجتهدوا في إبطالها وإزالتها من بلادهم، وعن ديارهم، فإنها مخالفة للشرائع السماوية، ومخالفة للعقول السليمة، والنظر المستقيم.
وهذه العادة السيئة، علاوة على مخالفتها للشرع الإسلامي، هي مضرة بالنساء ضررًا حيويًّا. فالشباب لا يتزوجون عندئذ إلا الفتاة التي يقدم أهلها لهم مبلغًا من المال يرغبهم ويغريهم، فتحظى بنات الأغنياء بالزواج، وتقعد بنات الفقراء دون زواج، ولا يخفي ما في ذلك من محاذير ومفاسد.
كما أن الزواج عندئذ يصبح مبنيًّا على الأغراض والمطامع المالية، لا على أساس اختيار الفتاة الأفضل والشاب الأفضل. والمشاهد اليوم في العالم الغربي أن الفتاة غير الغنية تحتاج أن تقضي ربيع شبابها، في العمل والاكتساب، حتى تجمع المبلغ الذي يمكن به ترغيب الرجال في الزواج منها.
فالإسلام قد كرم المرأة تكريمًا، حين أوجب على الرجل الراغب في زواجها أن يقدم هو إليها مهرًا تُصلح به شأنها وتهيئ نفسها، وبذلك فتح بابًا لزواج الفقيرات، لأنهن يكفيهن المهر القليل، فيسهل على الرجال غير الأغنياء الزواج بهن.
وهذا الزواج- وإن كان مخالفًا للزواج الشرعي من هذا الوجه- إلا أنه زواج صحيح، معتبر شرعًا عند جمهور علماء المسلمين، ولم يخالف في صحته إلا بعض العلماء في حالة اشتراط عدم المهر. أما الأولاد الناشئون عن هذا الزواج، فهم أولاد شرعيون، منسوبون لآبائهم وأمهاتهم، نسبة شرعية صحيحة، وهذا بإجماع العلماء، حتى عند الذين لا يرون صحة هذا النكاح، المشروط فيه عدم المهر، فقد صرحوا في كتبهم بإلحاق الأولاد بآبائهم وأمهاتهم بهذا الزواج المذكور.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
تنازل الزوجة عن قائمة المنقولات قبل الطلاق ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو من فضيلتكم إفادتي عن هذا الموضوع : تنازلت لي زوجتي عن قائمة منقولاتها الزوجية دون علم أبيها ، وبعد هذه الواقعة بأكثر من سنة وقع الطلاق بيننا ، فأجبرها أبوها على رفع قضية ضدي تطالبني فيها بمنقولاتها ، فهل هذه المنقولات من حقها شرعا .. ؟ ولسيادتكم جزيل الشكر
... السؤال
27/05/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:(13/184)
فيجوز للمرأة أن تتنازل عن المهر أو جزء منه بشرط أن يكون ذلك برضاها ،ولا يشترط إذن الأب ، لأن المهر حق خالص للزوجة ، وليس للأب فيه شيء ولا لغيره.
وإن كانت المرأة تنازلت عنه بطيب خاطر ، ثم حدث الطلاق ، فليس لها قائمة المنقولات ، ولكن يبقى لها مؤخر الصداق إن كان قد اتفق على هذا ، ولها النفقة والمتعة .
وإن كانت المرأة قد بدت كريمة الأخلاق مع زوجها، فمن حسن المعاشرة ألا يقل الزوج عن كرمها ، فيعطي لها قائمة المنقولات أو ما يعادل قيمتها من باب قوله تعالى :"ولا تنسوا الفضل بينكم ".
يقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى :"فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا
"أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما وأن يكون طيب النفس بذلك كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبا كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبا ولهذا قال " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا".ا.هـ
و قال الإمام القرطبي :
واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ، ولا رجوع لها فيه . إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه ، واحتج بقوله : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا " وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا .
قال ابن العربي : وهذا باطل ؛ لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها ؛ إذ ليس المراد صورة الأكل ، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال ، وهذا بين .ا.هـ
ويقول الإمام ابن قدامة الحنبلي :
وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته له بعد قبضه ، وهي جائزة الأمر في مالها جاز ذلك وصح . ولا نعلم فيه خلافا ؛ لقول الله تعالى : { إلا أن يعفون } يعني الزوجات . وقال تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } قال أحمد ، في رواية المروذي : ليس شيء.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق بعد دفع المهر وقبل الدخول ... العنوان
إذا خطب شخص امرأة وعقد عليها عقد النكاح ، ودفع جميع المهر ثم فسخت الخطبة ، فهل يجب عليها إعادة المهر لخطيبها؟ ... السؤال
26/01/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
المرأة إن عقد عليها ، وطلقت ، فلها نصف المهر، إن لم يكن دخل بها أو جامعها .(13/185)
ولابد من التفريق بين الخطبة التي هي مجرد وعد بالزواج ،وليس هناك حقوق أو واجبات ، ولا التزامات بين الرجل والمرأة ، وبين العقد ، فالعاقد يسمى في الشرع زوجا ، والزوج يصح منه الطلاق ، أما الخاطب فلا يصح منه الطلاق ، ولو تلفظ بالطلاق ، ما كان له محل من الإيقاع ، لأنه تصرف في غير محله.
فإذا عقد الرجل على الزوجة ، وطلقها قبل الدخول بها ، فلها نصف المهر ، ولكن إن خلا بها خلوة شرعية ، فالجمهور على أن لها المهر كله ، بسبب الخلوة ، وهو مذهب الخلفاء الراشدين ، والأئمة الثلاثة، والشافعي في القديم ، وذهب الإمام الشافعي في مذهبه الجديد إلى أن لها من المهر نصفه ، ولو خلا بها .
وهو قول ابن عباس ، وسفيان الثوري، والليث بن سعد .
واستدل الشافعي بما رواه بسنده عن مسلم بن خالد أخبرنا ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها : ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " قال الشافعي بهذا أقول .
ولكن ليث بن سليم غير محتج به ، كما قال الإمام البيهقي ،وأوصله البيهقي من طريق آخر.
وقد استدل الجمهور بقوله تعالى :" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة" ، فأوجب الوفاء بالجميع ، ولا يجوز أن يسقط منه شيئا إلا بدليل.
كما استدلوا بقوله تعالى :" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، وحملوا الإفضاء بمعنى الخلوة.
قال الفراء من علماء اللغة : الإفضاء الخلوة ، دخل بها أم لم يدخل.
والمقصود بها الخلوة الصحيحة ، التي لا تمنع الزوج من الاستمتاع بمن عقد عليها .
واستدلوا بقوله تعالى :"فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن )، وظاهر الآية يقتضي دفع المهر كاملا ، إلا ما أتى الدليل بغير هذا.
ومن السنة : ما روى محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله : { من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل }.
و عن زرارة بن أوفى قال : ( قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ) فأخبر أنه قضاء الخلفاء الراشدين , وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وعضوا عليها بالنواجذ } ..
ويستدل الجمهور من جهة العقل ، أن عقد النكاح صح، وحدوث الخلوة فيها ترك للزوج أن يأتي حقه ، فلم يكن امتناعه سببا عن عدم صحة العقد أو الإخلال به ، كمن أجر دارا ، وسلمها للمستأجر ،فلم ينفع بها ، فليس هناك تقصير من المؤجر.
واستدل من قال بأن لها نصف المهر ولو خلا بها بما يلي :(13/186)
قوله تعالى :"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ، فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح".
وقوله تعالى :" إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها "، فأوجب الله كامل المهر لها ، والعدة بعد المس ، وهو الوطء ، ولم يحدث ، فكان لها نصف المهر.
وعلى ما سبق ، فإن كان الزوج لم يخل بزوجته المعقود عليها ، فلها نصف المهر ، وتدفع له النصف الآخر، إلا أن تتنازل عن كامل المهر ، لقوله تعالى :" إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح".
أما إن كان خلا بها خلوة شرعية ، قبل البناء، فإن لم يتم بينهما مباشرة ، فالراجح أن لها نصف المهر.
ويكون لها المهر كاملا في بعض الحالات ، منها :
أن يكون دخل بها ، ولم يجامعها ، فإذا زفت إليه ، ولم يدخل بها ، وطلقها قبلها ، فلها المهر كاملا.
أن يكون قد خلا بها ، وجامعها ، ولم يكن هناك إشهار للدخول ، كأن يكون أخذ زوجته المعقود عليها ، غير المدخول بها ، ودخل بها دون إذن أهلها ، فيكون لها المهر.
ويحمل قول الجمهور من الاستدلال في الآية الأولى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ، فهذه في إيجاب المهر من حيث الأساس، وليس في حالة المعقود عليها غير المدخول بها.
ويحمل معنى الإفضاء على الجماع والدخول في الآية الثانية.
وقوله " فما استمتعتم به فآتوهن أجورهن " ، فيحمل الاستمتاع على الجماع، وإن لم يكن جماعا ، فقد أخذت الأجرة من إيجاب نصف المهر لها ، كما أخبر المولى سبحانه وتعالى .
وقضاء الخلفاء الراشدين خالفه ابن عباس وغيره ، فليس فيه إجماع.
والخلاصة، إن كان الزوج قد دفع المهر كاملا للمعقود عليها ، فإن لم يكن دخل بها دخولا صحيحا ، ولو بغير جماع، أو لم يكن جامعها بغير دخول مشتهر، فعليها إرجاع نصف المهر له.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
جعل القرآن صداقا للمرأة ... العنوان
هل يصح أن تجعل المرأة ما يحفظه خطيبها من الفرآن صداقا؟ أم لا بد من المال العيني؟ وهل هناك حد أدنى للمهر؟
... السؤال
19/02/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-(13/187)
من رضيت أن يكون مهرها حفظ زوجها سورا من القرآن فلها ذلك،وقد حدث هذا أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو ما رجحه غير واحد من المحققين، ودلت عليه السنة، وما ذهب إليه جمهور الفقهاء من اشتراط كون الصداق مالا أو منفعة، وتحديد هذا المال بعشرة دراهم أو ثلاثة مما لا يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا قول أحد من الصحابة.
يقول الشيخ سيد سابق من صاحب كتاب فقه السنة – وأحد كبار علماء الأزهر – رحمه الله-:
أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال هل عندك من شيء تصدقها ؟ فقال ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا قال لا أجد . قال التمس ولو خاتما من حديد . فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن } متفق عليه.
دلت هذه الأحاديث على جواز جعل المهر شيئا قليل، وعلى جواز جعل المنفعة مهرا، وإن تعلم القرآن من المنفع، وقد قدر بعض الفقهاء أقل المهر بعشرة دراهم، وقدره بعضهم بثلاثة، وهذا التقدير لا يستند إلى دليل يعول عليه، ولا حجة يعتد بها.
قال الحافظ ابن حجر: وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء.
وقال ابن القيم تعليقا على الأحاديث السابقة:-
تضمنت هذه الأحاديث أن المرأة إذا رضيت بعلم الزوج وحفظه للقرآن أو بعضه من مهرها جاز ذلك وكان يحصل لها من انتفاعها بالقرآن والعلم هو صداقها كما إذا جعل السيد عتقها صداقها وانتفاعها بحريتها وملكها لرقبتها هو صداقها وهذا هو الذي اختارته أم سليم من إسلام أبي طلحة وبذلها نفسها له إن أسلم وهذا أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج فإن الصداق شرع في الأصل حقا للمرأة تنتفع به، فإذا رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج وقراءته للقرآن كان هذا من أفضل المهور وأجلها، فما خلا العقد عن مهر وأين الحكم بتقدير المهر بثلاثة دراهم أوعشرة من النص والقياس إلى الحكم بصحة كون المهر ما ذكرنا نصا وقياسا.
وليس هذا مستويا بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسها للنبي وهي خالصة له من دون المؤمنين فإن تلك وهبت نفسها هبة مجردة عن ولي وصداق بخلاف ما نحن فيه فإنه نكاح وصداق وإن كان غير مالي فإن المرأة جعلته عوضا عن المال لما يرجع إليها من منفعة.
ولم تهب نفسها للزوج هبة مجردة كهبة شيء من مالها بخلاف الموهوبة التي خص بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا مقتضى هذه الأحاديث وقد خالف في بعضه من قال لا يكون الصداق إلا مالا ولا يكون منافع أخرى ،ولا علمه ولا تعليمه صداقا كقول أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، ومن قال لا يكون أقل من ثلاثة كمالك وعشرة دراهم كأبي حنيفة ، وفيه أقوال أخر شاذة لا دليل عليها من كتاب سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب. :(13/188)
ومن ادعى في هذه الأحاديث التي ذكرناها اختصاصها بالنبي أو أنها منسوخة أو أن أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل والأصل يردها وقد زوج سيد المدينة من التابعين سعيد بن المسيب ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد بل عد في مناقبه وفضائله وقد تزوج عبدالرحمن بن عوف على صداق خمسة دراهم وأقره النبي ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع . انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني :-
وقد قيل : معناه أنكحتكها بما معك من القرآن أي زوجتكها لأنك من أهل القرآن كما زوج أبا طلحة على إسلامه فروى ابن عبد البر بإسناده عن أنس أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم , فقالت : أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بنى فلان ؟ إن أسلمت تزوجت بك . قال فأسلم أبو طلحة , فتزوجها على إسلامه . انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر:--
وقال عياض: يحتمل قوله " بما معك من القرآن " وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك، ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة " فعلمها من القرآن " كما تقدم، وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية.
ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه، ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم وذلك فيما أخرجه النسائي وصححه من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال " خطب أبو طلحة مع أم سليم، فقالت والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسليم فذاك مهري ولا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها".
وأخرج النسائي من طريق عبد الله بن عبيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال " تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام، فذكر القصة وقال في آخره: فكان ذلك صداق ما بينهما ترجم عليه النسائي " التزويج على الإسلام " ثم ترجم على حديث سهل " التزويج على سورة من القرآن " فكأنه مال إلى ترجيح الاحتمال الثاني.
ويؤيد أن الباء للتعويض لا للسببية ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل رجلا من أصحابه: يا فلان هل تزوجت؟ قال: لا، وليس عندي ما أتزوج به، قال: أليس معك قل هو الله أحد " الحديث.
واستدل الطحاوي للقول الثاني من طريق النظر بأن النكاح إذا وقع على مجهول كان كما لم يسم فيحتاج إلى الرجوع إلى المعلوم، قال: والأصل المجمع عليه لو أن رجلا استأجر رجلا على أن يعلمه سورة من القرآن بدرهم لم يصح لأن الإجازة لا تصح إلا على عمل معين كغسل الثوب أو وقت معين، والتعليم قد لا يعلم مقدار وقته، فقد يتعلم في زمان يسير وقد يحتاج إلى زمان طويل، ولهذا لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يصح، قال: فإذا كان التعليم لا تملك به الأعيان لا تملك به المنافع.
والله أعلم .(13/189)
ـــــــــــــــــــ
وقت أداء مؤخر الصداق ... العنوان
الصداق الذي يدفعه الرجل للزوجة منه جزء مؤجل، فمتى يجب دفع هذا الجزء؟ هل يُدفع عند الطلاق، أو عند الوفاة باعتباره من الديون التي يجب أداؤها؟ أم يسقط بالوفاة؟ ... السؤال
05/08/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
أوجب الإسلام للمرأة مهرا ،وقد يكون المهر معجلا كله ،أو مؤجلا كله إن كان بالتراضي ،أو يكون بعضه معجلا ،وبعضه مؤجلا ، ويجب دفع الجزء المؤجل عند حلول أقرب الأجلين ،بالموت أو الطلاق .
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي أستاذ الفقه بجامعةالأزهر
إن الله ـ تعالى ـ فرض على الرجل أن يدفع مهرًا للمرأة التي يريد الزواج منها، فلا يخلو عقد الزواج عن الصداق، ومقدار الصداق يكون بالتراضي بين الزوج وولي الزوجة سواء أكان قليلاً أو كثيرًا، لقول الله تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نِحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا". ولا حد لأقل المهر، فإنه يجوز الاتفاق على كل شيء له قيمة مهما كان قيلاً، وإن اشترط أبو حنيفة ألا يقل المهر عن عشرة دراهم، واشترط الإمام مالك ألا يقل عن ثلاثة دراهم، أو ربع دينار، ولا حد لأكثر المهر لقول الله تعالى: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا".
والمراد بالقنطار هنا المال الكثير. والصداق قد يكون معجلاً كله، بأن يدفعه الزوج عند عقد الزواج، وقد يكون مؤجلاً كله، بأن يتم الاتفاق على تأجيله إلى موعد محدد فيما بعد عقد الزواج، وقد يكون بعضه معجلاً وبعضه مؤجلاً، كما جرى به العرف في عقود الزواج في مصر، فالمعجل من المهر يدفع عند العقد أو قبله، ويعترف ولي المرأة في مجلس العقد بأنه قد قبضه فعلاً، والمؤجل يحل عند أقرب الأجلين شرعًا، وهو الموت أو الطلاق، فإذا مات الزوج كان للزوجة الحق في أن تأخذ مؤخر صداقها من التركة أولاً باعتباره دينًا في ذمة زوجها، والدين يجب سداده قبل تقسيم التركة لإبراء ذمة المتوفى، وإذا طلق الرجل امرأته، ولم يراجعها وجب عليه أن يدفع لها مؤخر صداقها؛ لأن هذا المؤخر حقها، وقد حل موعد سداده بالطلاق، وللمرأة أن تعفو عن حقها، وتتنازل عنه بطيب نفس منها من غير إكراه لها على ذلك، أو مضايقة تدفعها إلى هذا التنازل، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلب فسخ النكاح بسبب عقم الزوج ... العنوان
هل يجوز للمرأة طلب فسخ النكاح إذا كان زوجها عقيما ؟(13/190)
... السؤال
03/03/2002 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية
اتفق جمهور الفقهاء على أن العقم ليس عيبا يثبت به خيار
طلب فسخ عقد النكاح إذا وجده أحد الزوجين في الآخر , قال ابن قدامة : لا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا , إلا أن الحسن قال : إذا وجد أحد الزوجين الآخر عقيما يخير , وأحب أحمد تبيين أمره وقال : عسى امرأته تريد الولد , وهذا في ابتداء النكاح فأما الفسخ فلا يثبت به ولو ثبت به لثبت بالآيسة _أى التى بلغت سن الياس ـ ; ولأن العقم لا يعلم , فإن رجالا لا يولد لأحدهم وهو شاب ثم يولد له وهو شيخ , ولكن يستحب لمن فيه العقم أن يعلم الآخر قبل العقد , ولا يجب عليه ذلك .
وقال ابن القيم : إن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر , ولا يحصل مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الفسخ .
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر
لقد تحدث الفقهاء عن العيوب التي تعطي الزوج الحق في فسخ النكاح ومنها البرص والجذام والجنون والرتق ـ أي انسداد مدخل الذكر من الفرج ـ والقرن شيء يبرز في الفرج كقرن الشاة أو غدة تمنع المخالطة. وقال بذلك الأئمة الثلاثة دون أبي حنيفة، واتفق الفقهاء على أن عُقم المرأة وعدم إنجابها ليس عيبًا فيما يمنع استمتاع الزوج بها، فليس له خيار الفسخ؛ لأن الإنجاب يرجع إلى إرادة الله سبحانه.
ومن هنا لا ينفسخ العقد بظهور عدم إنجاب الزوْجة. ولكن له الحق في طلاقها وتترتب أحكام الطلاق في هذه الحالة، كأية حالة أخرى، فما دام الزوْج قد دخل بها فلو طلَّقها كان لها مُؤخر الصداق، ونَفَقَة العِدة، وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شيء من حقوقها إلا إذا طلبت هي الطلاق فيُمكن التفاهم على ما تتنازل عنه، وهذا ما يجري عليه العمل في المحاكم المصرية طبقًا للقانون رقم 78 لسنة 1931م.
وإذا ظهر أن بالزوج عيبًا يمنع الإنجاب. كأن كان مجبوبًا ـ أي مقطوع الذكر ـ أو عنينا ـ أي غير قادر على الجماع لضعف خلقي أو كبر السن مثلاً ـ أو خصيًّا ـ أي مقطوع الخصيتين ـ فللزوجة أن ترفع الأمر إلى القضاء لطلب التفريق بينه وبينها، وإذا ثبت ذلك عند القاضي بأي طريق من طرق الإثبات أمر الزوج بتطليقها، فإن لم يطلقها ناب عنه القاضي في تطليقها منعًا للضرر الذي يلحقها ـ وهذا الطلاق يكون بائنًا بينونة صغرى.
لكن التفريق مشروط بعدم علمها بحالته قبل الزواج، وبألا يُوجد منها ما يفيد رضاها بالمُكث معه بعد الزواج والعِلم بحاله.(13/191)
والتفريق بسبب الجب في الحال لا يحتاج إلى ضرب أجل، وبسبب العنَّة يُمهل الزوج سنة لعله يقوى بالعلاج أو بغيره على الجماع، وبسبب الخصاء يُمهل الزوج سنة. والتفريق بسبب الجب والعنة والخصاء يعتبر طلاقًا عند الحنفية والمالكية وأكثر العلماء.
هذا. وإذا فُرِّقَ بين الزوجة وزوجها العنين أو الخَصي وكان قد خلا بها، فإنها تستحق جميع المهر؛ لأنها خلوة صحيحة وعليها العِدة للاحتياط، وإذا كان مجبوبًا وخلا بزوجته ثم فُرِّقَ بينهما كان لها جميع المَهْر أيضًا عند أبي حنيفة، ولها نصفه عند أبي يوسف ومحمد صاحبيه، وعليها العِدة باتفاق الجميع بذلك للاحتياط
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلب الطلاق للعجز الجنسي عند الزوج ... العنوان
أنا فتاة أبلغ من العمر 28 عامًا تم زفافى منذ ستة شهور ونصف الشهر، ولم يتم الدخول بى حتى الآن لسبب علة طبية فى زوجى، وهو الآن يعالج، وقد قال له الطبيب بأنه لا يعلم متى يتم شفاؤه ولا يستطيع أن يعد حتى عند الشفاء، هل يستطيع المباشرة الزوجية على الوجه الصحيح أم لا . وقد طلبت منه الطلاق ووافق زوجى على ذلك المطلب، وأريد أن أعرف ما هى حقوقى الشرعية عند طلاقى ؟
... السؤال
28/02/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
يقول دكتور نصر فريد واصل (مفتى جمهورية مصر العربية):
إذا كان الحال كما ورد بالسؤال من أن الزوج لا يقدر على معاشرة زوجته المعاشرة الجنسية الصحيحة وقد طلبت السائلة من زوجها الطلاق، وقد وافق الزوج على ذلك الطلب فنفيد بالآتى :
إذا ما تم الطلاق رجعيًا وبمحض إرادة الزوج ودون ضغط أو إكراه فسوف تترتب عليه الحقوق الشرعية للزوجة من نفقة عدة ونفقة متعة ومؤخر الصداق المدون بوثيقة عقد زواجهما وعفش الزوجية المدون بالقائمة.
أما إذا طلب الزوج من الزوجة التنازل عن حقوقها كلها أو بعضها نظير طلاقها وقبلت الزوجة ذلك.
فالذى يتفقان عليه يكون ملزمًا لهما ويكون الطلاق فى هذه الحالة طلاقًا على الإبراء ويصبح بائنًا بينونة صغرى بمعنى أنه لا يجوز مراجعتها إلا بعقد ومهر جديدين وبإذنها ورضاها إذا ما كان هو الطلاق الأول أو الثانى.
أما إذا كان هو الطلاق الثالث فيكون بائنًا بينونة كبرى لا يحل له من بعد حتى تنكح زوجًا آخر غيره نكاحًا صحيحًا شرعًا ويدخل بها الزوج الثانى دخولاً حقيقيًا ويعاشرها معاشرة الأزواج ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه شرعًا.(13/192)
عند ذلك يحل للزوج الأول أن يعيدها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين وبإذنها ورضاها.
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
المطالبة بمؤخر الصداق ... العنوان
هل يحق للزوجة مطالبة زوجها بمؤخر الصداق وهي في عصمته؟ وهل يعتبر هذا المبلغ دينا على الزوج في حالة وفاته؟
... السؤال
19/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
نعم يحق للزوجة مطالبة زوجها بمؤخر الصداق بعد الدخول مباشرة ، وهي لا تزال في عصمته.
ولكن إذا شرط في العقد تأخيره إلى وقت لاحق ، أو إلى حين ـ لا قدر الله ـ الفراق أو الوفاة ؛ فلا يحق لها أن تطالبه به مازات في عصمته ، لحديث : ( المؤمنون عند شروطهم ) ولقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ، وكذلك لو تعارف الناس على ذلك وصار العرف مستقرا ، لأن المعروف عرفا كالمشروط عقدا.
فإذا كان العرف أو الشرط يقضي بتأخيره ، أو لم يدفعه الزوج ولم تطالبه به الزوجة حتي مات فهو دين عليه تأخذه الزوجة من تركته ، ثم يوزع الميراث وتأخذ منه نصيبها إضافةً إلى المؤخر.
يقول الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله :
الصداق المؤجل جائز ولا بأس به لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) والوفاء بالعقد يشمل الوفاء به وبما شرط فيه , لأن المشروط في العقد من أجزاء العقد , فإذا اشترط الرجل تأجيل الصداق أو بعضه فلا بأس إن قبلت به الزوجة أو وليها ؛ ولكن يحل هذا المؤخر إن كان قد عيّن له أجلا معلوما فيحل بهذا الأجل , وإن لم يؤجل فيحل بالفرقة بطلاق أو فسخ أو موت .
ولو أخذ الناس بهذه المسألة وهي تأجيل المهر لكان تخفيفا في الزواج , ويجوز للمرأة أن تتنازل عن مؤخر الصداق إن كانت رشيدة طائعة ؛أما إن أكرهها أو هددها بالطلاق إن لم تفعل فلا يسقط , لأنه لا يجوز إكراهها على إسقاطه. والله أعلم (انتهى).
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
مؤجل المهر ... العنوان
ما الموقف من مؤجل المهر إذا مات الرجل أوالمرأة ؟وماذا لو تسامحت فيه المرأة قبل وفاتها ؟(13/193)
... السؤال
03/05/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
المهر حق للمرأة وحدها،يجوز دفعه كله معجلاً،أو تأخيره كله،أو تعجيل بعضه وتأخير بعضه ،فإن مات الزوج وجب أن يخرج من ميراثه باقي المهر إن كان مؤجلاً كله أو بعضه،وذلك قبل توزيع التركة ،وإن ماتت المرأة كان واجبًا على الزوج دفعه ،على أن يصبح جزءًا من الميراث، وإذا سامحت المرأة زوجها في مؤخر الصداق ،سقط عنه ،مادام برضاها دون ضغط أو إجبار .
يقول الشيخ محمد بخيت شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله :
ونفيد أن المنصوص عليه شرعًا أن صداق المرأة يعتبر دينًا ، وأن القول قولها إلى مقدار مهر مثلها .
وقال الشيخ أحمد هريدي مفتي مصر الأسبق رحمه الله :
المقرر شرعًا أن الزوجة يجب لها المهر جميعه بالعقد، ويتأكد كله بالدخول الحقيقى أو بالخلوة الصحيحة فى النكاح الصحيح أو بوفاة أحد الزوجين . ويحل المؤجل منه بحلول أجله ، بالطلاق أو الوفاة، وبما أن الزوج قد توفى فتستحق الزوجة مؤخر الصداق ، وما بقى من معجله إذا لم تكن قد استوفته ولا شيئًا منه . ولم تكن قد أبرأته منه ولا من شىء منه قبل وفاته، ولا أخذت كله أو بعضه . وما يستحق من الصداق على الوجه المذكور يكون دينًا فى ذمة الزوج تستوفيه من تركته قبل قسمتها.
ويقول الشيخ محمد إسماعيل البرديسي أحد علماء الأزهر :
وإذا ماتت الزوجة ولم تقبض فى حياتها مؤخر صداقها من زوجها المذكور فبوفاتها يكون ذلك دينا فى ذمته فيضم إلى أصل تركتها ويقسم على جميع ورثتها بما فيهم زوجها المذكور.
ويقول الشيخ محمد خاطر مفتي مصر الأسبق رحمه الله :
أما بالنسبة لمؤخر الصداق الخاص بزوجة المتوفى فهو دين فى ذمة الزوج يحل بأقرب الأجلين شرعًا الطلاق أو الموت ،وهو دين مقدم على حق الورثة فتستوفيه الزوجة من تركة زوجها المتوفى قبل توزيعها على جميع الورثة.
انتهى
والخلاصة أن مؤخر الصداق حق للزوجة على زوجها،تستحقه بالطلاق أو الوفاة ،وهو يقدم على توزيع التركة،وإن تسامحت فيه الزوجة سقط عن الزوج.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
زوال غشاء البكارة وأثره في فسخ عقد النكاح ... العنوان(13/194)
تزوج رجل بامرأة على أنها بكر ثم لما أراد الدخول بها تبين له أنها ثيب فهل يجوز له أن يفسخ هذا العٌقد ؟ أم أنه يطلقها وإذا طلقها وأخذت كل حقوقها فماذا كسب هذا الرجل بعد أن خسر ماله؟
... السؤال
10/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
زوال غشاء البكارة يجيز للرجل أن يطلق زوجته مادامت لم تخبره بذلك قبل العقد ولم يخبره الولي به ولايحق له فسخ العقد أما الخسارة التي يتكبدها الزوج فيمكنه أن يرجع بها على الولي لأنه هو الذي غرر به ودلس عليه
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن
بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
رغَّب الشارع في الزواج من البِكْر، فرُوِيَ عن ابن مسعود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "تَزَوَّجوا الأبكارَ، فإنهن أعذبُ أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير"، ورُوِيَ عن جابر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له: "يا جابر تزوجتَ بكرًا أم ثَيِّبًا؟ قال: ثيبًا، فقال: هلَّا تزوجتَ بكرًا تلاعبُها وتلاعِبُك" وفي رواية أخرى: "فهلَّا بكرًا تلاعبها وتلاعبك، وتُضاحكها وتُضاحكك" ورُوِيَ عن كعب بن عجرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رغَّبَه في نكاح الأبكار، فقال له: "فهلَّا بكرًا تَعُضُّها وتَعُضُّك"، وكانت عائشة تؤكد فضلها على سائر نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتذكر له أنه لم يتزوج بكرًا سواها، إذ رَوَى عروة عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله أرأيتَ لو نَزَلْتُ واديًا وفيه شجرة قد أُكِلَ منها، ووجدتُ شجرة لم يُؤكَلْ منها، في أيها كنتَ ترتعُ بعيرَك؟ قال: في الذي لم يُرتَع منها، تعني أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتزوج بكرًا غيرها"، ولَمَّا كانت البَكارة صفة مرغوبة فيمَن أراد الدخول بها أعدَّ الله تعالى للطائعين من عباده أزواجًا من الحُور العِين، أبكارًا لم يمسَسْهنَّ أحد من قبلُ، تتجدَّد إليهن البَكارة في كل مرة يُجامَعْنَ فيها، فقال سبحانه وتعالى في وصفهن: (إنا أنْشَأْنَهُنَّ إنشاءً. فجَعَلْناهُنَّ أبْكَارًا) كما قال تعالى: (فيهِنَّ قاصراتُ الطَّرْفِ لم يَطْمِثْهُنَّ إنسٌ قبلَهم ولا جان).
وكل هذا وغيره دليل على استحباب الزواج من المرأة البِكر، إلا أن يكون هناك مقتضى للزواج من الثَيِّب، فإن الشرع لا يمنعه، كما ورد في قصة جابر حين رغَّبَه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الزواج من البِكْر، قال: "يا رسول الله كن لي تسع أخوات، فكَرِهْتُ أن أجمع إليهنَّ جاريةً خَرْقاء مثلَهُنَّ، ولكن امرأة تقوم عليهنَّ وتُمَشِّطْهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَصَبْتَ".
وإذا كانت البَكارة صفة مرغوبة فيمَن يُراد الزواج بها على هذا النحو حتى كان مستحبًّا، فإن زوال البَكارة من المرأة المعقود عليها صفة غير مرغوبة، خاصة لمَن تزوج امرأة على أنها بكر، ثم بانَ له عند الدخول عليها أنها بخلاف ذلك، فتُعَدُّ عيبًا(13/195)
جوهريًّا فيها، وإذا كان الرضا شرطًا في عقد النكاح لا يصح العقد إلا به فإن مَن تزوج امرأة على أنها بكر، ثم بان له أنها بخلاف ذلك عند الدخول بها يكون قد شابَ رضاه عيبًا من عيوب الرضا، وهو التدليس عليه في وصف هذه المرأة عند العقد عليها، ولمَّا كان عقد النكاح لا يدخله خِيَار الرد بالعيب الذي يجده الزوج بزوجته عند الحنفية فإن هذا الزوج الذي دلَّس عليه في بَكارة هذه المرأة لا يملك ردَّها وفسخ عقد النكاح بسبب ذلك، وإنما له أن يطلِّقَها إن شاء، فقد طلَّق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ امرأة لمَّا وجد بها عند الدخول بها عيبًا يكرهه، دُلِّسَ عليه فيه، فقد رُوِيَ "أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تزوج امرأة من بني غِفار، فلما دخل عليها، وقعد على الفراش أبصر بكَشْحها بياضًا، فانحاز عن الفراش، ثم قال لها: خذي عليك ثيابَك، والحقي بأهلكِ، ثم قال لأهلها: دَلَّسْتم عليَّ.. ".
وإذا كان هذا المرض الجِلْدي القابل للعلاج كافيًا بمجرده حال كونه سببًا لتطليق المرأة التي وُجِد بها بعد أن كَتَمَ أهلها حقيقته عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأولى لمَن تزوج امرأة زالت بَكارتها أن يُطلِّقَها لهذا السبب إذا تزوَّجها على أنها بِكر، وأخفت وأهلُها عليه حقيقة زوال هذه البَكارة، باعتبار أنه قد دُلِّس عليه في ذلك، خاصة وأن رضاه بالعقد عليها إنما كان على أنها بكر، ولو كان يعلم بزوال بكارتها قبل إبرام العقد لَمَا أقدم على الزواج منها، فكان له حق التطليق؛ لإنهاء هذا العقد الذي دُلِّس عليه فيه، وإزالة للضرر الذي أصابه من هذه الزيجة، بل إن المالكية والشافعية أجازوا له الرجوع بالمهر على مَن غَرَّر به، وكتم عنه هذا العيب بالمرأة، فقد رُوِيَ عن عمر أنه قال: "أيما امرأة غَرَّ بها رجل.. فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل على مَن غَرَّه"، وهذا يعني أن للزوج المُدَلَّس عليه في هذه الحالة الرجوع على مَن دَلَّس عليه بالصداق المبذول منه. والدعوة إلى إلغاء فقد البَكارة كسبب للطلاق، دعوة إلى التحلُّل الخُلُقي، والتردِّي في الرذيلة، إذ بوُسْع الأنثى المتستِّرة بهذه الدعوة أن تمارِس الفاحشة قبل الزواج ما شاءت، وأن تُعَدِّد من عَلاقاتها الجنسية، لاسيما إذا انعدم الوازِع الديني عندها؛ لأنها تُوْقِن في النهاية أن وُجود البَكارة كعدمه، لا أثرَ له في حياتها الزوجية، ولا يعني شيئًا، وفي هذا من الشر المُستَطِير والفساد البَيِّن ما لا يَخْفى على أحد، نسأل الله العافية.
ـــــــــــــــــــ
الزكاة في المهر المؤجل ... العنوان
هل يصح تأجيل صداق المرأة ؟ وهل تجب الزكاة فيه ؟
... السؤال
09/01/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الصداق المؤجل جائز ولا بأس به لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) والوفاء بالعقد يشمل الوفاء به وبما شرط فيه , لأن المشروط في العقد من أشراط العقد , فإذا اشترط الرجل تأجيل الصداق أو بعضه فلا بأس إن قبلت به(13/196)
الزوجة أو وليها ؛ ولكن يحل هذا المؤخر إن كان قد عيّن له أجلا معلوما فيحل بهذا الأجل , وإن لم يؤجل فيحل بالفرقة بطلاق أو فسخ أو موت .
وتجب الزكاة على المرأة في هذا الصداق المؤجل إن كان الزوج مليا؛ وإن كان فقيرا فلا يلزمها زكاة .
ولو أخذ الناس بهذه المسألة وهي تأجيل المهر لخفف كثيرا من الناس في الزواج , ويجوز للمرأة أن تتنازل عن مؤخر الصداق إن كانت رشيدة طائعة ؛أما إن أكرهها أو هددها بالطلاق إن لم تفعل فلا يسقط , لأنه لا يجوز إكراهها على إسقاطه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
أحكام الصداق ... العنوان
هل تأخذ المرأة مؤخر الصداق بعد موت زوجها،وهل لذلك ارتباط بالميراث؟ ... السؤال
25/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الصداق عِوَض يدفع للمرأة عند النكاح ، وهو ملك لها لا يجوز لوليها أو زوجها أن يأخذ شيئًا منه إلا برضاها ، كما قال تعالى{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء :
4 ، وقال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانا وإثمًا مبينًا . وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} النساء: 20، 21 .
المهر يجوز أن يدفع مرة واحدة ، وأن يدفع على أقساط ، وذلك حسب الاتفاق وهو يجب بمجرد العقد ويتأكد بالدخول ، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف ، كما قال تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح } البقرة : 337 ، أما الطلاق بعد الدخول فلا يبيح له استرداد شيء منه ، وما دام المهر ملكا للزوجة فهى حرة التصرف فيه ما دامت عاقلة رشيدة ، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو بعضه ، . كما تنص عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخلع أن تتنازل عنه كله أو بعضه بل تعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء ، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردت إليه مهرها وهو حديقة أو حديقتان على خلاف فى الروايات ،وكان ذلك بأمر النبى صلى الله عليه وسلم على ما رواه البخارى ، وذلك بعد قوله تعالى{ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } البقرة : 229 .
وليس للصداق حد أدنى فيجوز أن يكون بكل ما يُموَّل، لحديث "التمس ولو خاتمًا من حديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقل عن ربع دينار، وبعضهم :ألا يقل عن عشرة دراهم ، بل يجوز أن يكون منفعة .(13/197)
ولا حد لأكثره بدليل آية{ وآتيتم إحداهن قنطارًا" وقد ندب النبى صلى الله عليه وسلم إلى عدم المغالاة فيه ، فقد روى أحمد والبيهقى بإسناد جيد حديث "من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها "يعنى بالولادة، ولم يرض لفقير أن يكلف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرًا كبيرًا بالنسبة إليه ، فقد روى مسلم حديث الرجل الذى تزوج على أربع أواق فاستنكره النبى صلى الله عليه وسلم وقال "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه . . . " فالمدار كله على طاقة الزوج والناس مختلفون فى ذلك ، والغالب أن المغالاة فى المهور تكون من جهة الزوجة ، إلى جانب ما يطلب من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى ، وهو أمر له نتائجه الخطيرة ، فهو يقلل من الإقبال على الزواج وبخاصة فى الظروف الاقتصادية الحرجة ولو استدان الزوج قد يعجز عن الوفاء ، وذلك له أثره على حياتها الزوجية، قد يحس بالنفور والامتعاض من الزوجة التى تسببت له فى الهم بالليل والذل بالنهار .
ومن أجل هذا نهى عمر عن المغالاة فى المهور بما يشبه أن يكون قرارًا يسرى على الجميع ، غير أن امرأة ذكرته بقوله تعالى : { وآتيتم إحداهن قنطارًا } فرجع عن فكرته .
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين الطرفين فى تيسير أمر الزواج بل على المجتمع ممثلاً فى المسئولين أن يتدخل من أجل مصلحة الجميع .
الشيخ عطية صقر
ـــــــــــــــــــ
المغالاة في حفلات الأفراح ... العنوان
نشكو من حفلات الأفراح والمغالاة فيها ؛لا سيما أن كثيرًا من الناس اتخذها عادة . ويشترط لزواج ابنته أن يكون الحفل في المكان الفلاني فنرجو التوجيه؟
... السؤال
08/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... لا ريب أن السنة عدم التكلف في المهور والولائم من أجل تسهيل زواج الشباب والفتيات وأن يتواصى أهل الزوج وأهل الزوجة بترك التكلفة وبقلة المهور تشجيعًا للشباب على الزواج .
ولا شك أن المغالاة في حفلات الأفراح مما يثقل كاهل الزوج والزوجة في بعض الأحيان ، وكذلك الولائم . . مما يشق عليهما أيضا .
فالمشروع للجميع عدم التكلف في ذلك كله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير الصداق أيسره ، وخيرهن أقلهن مؤنة".
فالمشروع للجميع الحرص على اتباع السنة فالرسول عليه الصلاة والسلام قال لعبد الرحمن بن عوف : " أولم ولو بشاة " . والنبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب بخبز ولحم ، ودعا الناس إلى وليمته .(13/198)
والمقصود : أن جنس الولائم مشروع في النكاح ، لكن ينبغي للمسلم عدم التكلف بجعل الطعام الكثير الذي يفضي إلى إلقائه في القمائم والمحلات المرغوب عنها ، ويمنعها الفقراء والمحاويج ، وإذا اكتفوا ببيوتهم ولم يتوسعوا في دعوة الناس فالأمر في هذا أحسن . لأن المهم إعلان النكاح ، والقيام بالوليمة ولو بشاة واحدة ، أو شاتين ودعوة بعض الأقارب وعدم التوسع في ذلك أرفق بالجميع .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
اكتشاف الزوج عيبًا فى زوجته بعد الدخول بها . ... العنوان
ما الحكم في من تزوج امرأة وبعد الدخول بها اكتشف مرضها بأمراض خبيثة ؛هل يترتب على هذه الحالة بطلان عقد الزواج ؟ وإن طلقت هل تستحق نفقة أو مؤخر صداق أو غير ذلك؟
... السؤال
25/09/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... إن الزواج فى الإسلام مودة ورحمة ومعاشرة بالمعروف .
فإذا ظهرت عيوب مرضية مستقرة غير قابلة للعلاج والشفاء بأحد الزوجين .
فهل يجوز لأحدهما طلب فسخ الزواج قضاءً أم لا يجوز ؟
اختلف فقهاء الشريعة فى هذا إلى ثلاثة أراء :
الأول - أنه لا خيار لأحد الزوجين إذا ما وجد بصاحبه عيبًا .
فلا يجوز له طلب فسخ عقد الزواج سواء كان هذا العيب قبل العقد أو حدث بعده .
وسواء كان بالزوج أو بالزوجة .
وبهذا يقول الظاهرية .
الثانى - أنه يجوز طلب التفريق بعيوب محددة .
ويقول بهذا فقهاء مذاهب الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد - غير أن فقهاء المذهب الحنفى يرون أن التفريق يكون بسبب العيوب المرضية التى توجد فى الرجل خاصة على خلاف بينهم فى عدد هذه العيوب .
بينهما يرى فقهاء مذاهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية جواز طلب التفريق بسبب العيوب المرضية سواء للرجل أوالمرأة .
وإن اختلف هؤلاء أيضًا فى عدد العيوب المجيزة لهذا الطلب ونوعيته .
الرأى الثالث - يجيز طلب التفريق مطلقًا بأى عيب جسدى أو مرضى .
ولأى من الزوجين هذا الحق وبهذا يقول شريح وابن شهاب والزهرى وأبو ثور وقد انتصر لهذا الرأى العلامة ابن القيم فى زاد المعاد ج 4 ص 58، 59
هذا والصحيح فى مذهب الإمام أحمد بن حنبل كما جاء فى المغنى لابن قدامة ص 587 ج 7 أن الزوج إذا وجد بزوجته بعد الدخول بها عيبًا لم يكن يعلمه قبل العقد ولم يرض به - أنه يرجع بالمهر على من غره - وأن ولى الزوجة ضامن للصداق .
وبهذا قال الامام مالك والامام الشافعى فى القديم والزهرى وقتادة .(13/199)
اعتدادًا بأثر مروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال أبو حنيفة والشافعى فى الجديد .
لا يرجع الزوج بشىء على أحد .
لأنه بالدخول بها قد استوفى حقه - استنادًا إلى قول سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه فى هذه الواقعة ولما كان القضاء فى مصر قد جرى فى هذا الموضع على أرجح الأقوال فى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة عملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م .
وكان فقه هذا المذهب يقضى بأنه لا حق للزوج فى طلب فسخ الزواج إذا وجد بزوجته عيبًا اكتفاء بما يملكه من حق الطلاق إذا يئس من علاجها .
لأن الزوجية قائمة على حق تبادل المتعة .
ففى فتح القدير ج 3 ص 268 وما بعدها . وإذا كان بالزوجة عيب .
أى عيب كان . فلا خيار للزوج فى فسخ النكاح .
وذلك لأن فوت الاستيفاء بالكلية بالموت لا يوجب الفسخ حتى لا يسقط شىء من مهرها فاختلاله بهذه العيوب أولى .
وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات .
وفوت الثمرة لا يؤثر فى العقد ألا ترى أنه لو لم يستوف لبخر أو ذفر أو قروح فاحشة لم يكن له حق الفسخ .
وإنما المستحق هو التمكن . وهو حاصل بالشق أو الفتق - انتهى .
وفى فقه المذاهب الأربعة ج 4 ص 189 طبعة ثانية ( لا خيار للرجل بوجود عيب فى بضع المرأة من رتق أو نحوه .
ولكن له الحق فى إجبارها على إزالته بجراحة وعلاج كما أنه إذا يئس من علاجها فله مفارقتها بالطلاق فى هذه الحالة .
لأن الزوجية قائمة على الاستمتاع . وفى فراقها عند اليأس من العلاج بدون تشهير فيه رحمة بها ) - انتهى -
لما كان ذلك وكان المنصوص عليه شرعًا أن عقد الزواج متى صدر مستوفيًا أركانه وشروطه الشرعية المبسوطة فى كتب الفقه انعقد صحيحًا شرعًا مستتبعًا آثاره ونتائجه من حقوق وواجبات لكل من الزوجين قبل الآخر ولا تتوقف صحته على صلاحية الزوجة للوطء .
كان عقد الزواج المسئول عنه قد انعقد صحيحًا .
وترتبت عليه كل الآثار وإنما اكتشفه الزوج بزوجته من رتق وليس له إلا أن يعاشرها بمعروف أو يفارقها بطلاق إذا يئس من علاجها .
وبالتالى يكون لها جميع الحقوق الشرعية التى تترتب على هذا الطلاق ومنها مؤخر الصداق .
وبذا يكون قد علم الجواب عن السؤال .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
حدود الخلوة الشرعية ... العنوان(13/200)
ما هي الخلوة الشرعية التي توجب دفع المهر كاملاً؟.
... السؤال
28/11/1999 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... يرى أبو حنيفة:
أنه إذا اختلى بها خلوة صحيحة استحقت الصداق المسمى ... وذلك بأن ينفرد الزوجان في مكان يأمنان فيه اطلاع أحد عليهما، ولم يكن بأحد منهما مانع شرعي، مثل أن يكون أحدهما صائمًا صيام فرض عليه، أو تكون حائضًا. أو مانع حسي، مثل مرض أحدهما مرضًا لا يستطيع معه الدخول الحقيقي، أو مانع طبيعي بأن يكون معهما ثالث.
واستدل أبو حنيفة بما رواه أبو عبيدة عن زائدة بن أبي أوفي، قال: "قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أغلق الباب، وأرخى الستر، فقد وجب الصداق".
وروي وكيع عن نافع بن جبير قال: "كان أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -يقولون: إذا أرخى الستر، وأغلق الباب، فقد وجب الصداق". ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل.
وخالف في ذلك الشافعي، ومالك وداود فقالوا:
لا يستقر المهر كله إلا بالوطء [إلا أن مالكًا قال: إذا بني عليها وطالت هذه الخلوة – فإن المهر يستقر، وإن لم يطأ وحدده ابن قاسم من أتباعه بعام.]. ولا يحب بالخلوة الصحيحة إلا نصف المهر، لقول الله تعالى:(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة. فنصف ما فرضتم) [سورة البقرة: الآية 227]. أي أن نصف ما فرض من المهر يجب إذا وقع الطلاق قبل المسيس الذي هو الدخول الحقيقي ... وفي حالة الخلوة لم يقع مسيس، فلا يجب المهر كله.
قال شريح: لم أسمع الله ذكر في كتابه بابًا، ولا سترًا إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق.
وروى سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقول في رجل دخلت عليه امرأته، ثم طلقها، فزعم أنه لم يمسها: "عليه نصف الصداق.
وروى عبد الرازق عنه قال: "لا يجب الصداق وافيًا حتى يجامعها".
ـــــــــــــــــــ
حكم المهر وحكمته. ... العنوان
أثار بعض النسوة اللائي غزاهن الفكر الغربي ضجة مفتعلة حول قضية المهر الذي أوجبه الإسلام على الرجل عند الزواج، وجعله من حق المرأة، وقال هؤلاء فيما قلنه: إنه ثمن للمرأة يدفعه الرجل في مقابل الاستمتاع بها! فكأنه يشتريها بهذا المال الذي يبذله لها!.
وبلغ من جرأة هؤلاء المتغربات أن يطالبن بإلغاء المهر كلية، ضمن ما يطالبن بحذفه من أحكام الشريعة الثابتة!.(13/201)
نرجو بيان حقيقة المهر وحكمه، وحكمة شرعيته في الإسلام ووفق ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وجزاكم الله عن الإسلام وأمته خير الجزاء.
أخوات من الجزائر. ... السؤال
... ... الحل ...
...
... جهل وادعاء:
إن الجهل مرض خطير، وأخطر منه أن يدعي الجاهل العلم والمعرفة، وأن ينصب نفسه معلمًا للناس، وصدق بشار حين قال: قد ضل من كانت العميان تهديه!.
إن هؤلاء النسوة ومن يحركهن من الرجال من عبيد الفكر الغربي بشقيه - الرأسمالي والشيوعي - يجهلون الإسلام جهلا تامًا، وقد قيل في أمثالهم: لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه.
وفي ظني أنهم لا يعرفون حتى رسم القرآن، فما أحسبهم فتحوا المصحف أو قرؤوه يومًا فيعرفوا رسمه من رسم ما سواه! .
وكان عليهم - لو عقلوا وأنصفوا - أن يطلبوا علم ما يجهلون، وأن يسألوا أهل الذكر إذ كانوا لا يعلمون.
ولكن هؤلاء - نساء ورجالا - ضموا إلى رذيلة الجهل رذيلة الادعاء واتباع الهوى، وهو يعمي ويصم: (ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله). (القصص: 50).
ولو أنهم فرقوا بين أحكام الله تعالى، وتقاليد الناس التي توارثوها ولا أصل لها في دين الله، وقالوا، نقبل الأَولى، ونعارض الأحرى، لقلنا لهم: أصبتم وأحسنتم، ووقفنا في صفهم.
ولو أنهم قالوا، بينوا لنا يا علماء الإسلام الصحيح من الزائف، والأصيل من الدخيل، والإلهي من البشري، في شئون المرأة والأسرة، لقلنا: على الرحب والسعة.
ولكنهم للأسف لم يفعلوا، وهجموا هجومًا كاسحًا على كل أحكام الأسرة، حتى القطعيات منها، وهو مما لا يصدر من مسلم ولا مسلمة. ولا ينطق به من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً.
فإن قال هؤلاء: لا نرضى بحكم كتاب ولا سنة، فليعلنوها صريحة، وليقولوها جهرة: كفرنا بالله وبرسوله، وبكتابه، ولسنا من الإسلام في قليل ولا كثير، حتى تعاملهم الأمة على هذا الأساس، وتعزلهم عن جسمها العام، لا تزوجهم ولا تتزوج منهم ولا تواليهم ولاء المسلم للمسلم، بل تعتبرهم أقلية خارجة عن دين الجماعة، ولا يجوز أن يظل أمثال هؤلاء يعاملون معاملة المسلمين، وهم في ظاهرهم وباطنهم غير مسلمين.
مشروعية المهر في الإسلام وحكمته:
ونعود إلى موضوع المهر فنقول مبدأ المهر، أو الصداق وهو ما يعطى من الرجل للمرأة عند الزواج ثابت بالكتاب والسنة وبالإجماع، استقر العمل عليه، وعرفه الخاص والعام من أبناء المسلمين فأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة.
والحكمة من وراء شرعية هذا المهر عدة أمور:(13/202)
1ـ تكريم المرأة بأن تكون هي المطلوبة لا الطالبة، والتي يسعى إليها الرجل لا التي تسعى إلى الرجل، فهو الذي يطلب ويسعى ويبذل، على عكس الأمم التي تكلف المرأة أن تبذل هي للرجل من مالها، أو مال أهلها، حتى يقبل الزواج منها.
وهذا عند الهنود وغيرهم، حتى إن المسلمين في باكستان والهند لا زال عندهم رواسب من هذه الجاهلية الهندوسية إلى اليوم، مما يكلف المرأة وأهلها شططًا، ويرهقهم عسرًا، إلى حد أن بعض الأسر تبيع ما تملك لتزوج بناتها، ويا ويل أبي البنات الفقير، وأم البنات الأرملة المسكينة.!!.
2ـ إظهار الرجل رغبته في المرأة ومودته لها، فهو يعطيها هذا المال نحلة منه، أي عطية وهدية وهبة منه، لا ثمنًا للمرأة كما يقول المتقولون.... وفي ذلك يقول القرآن بصريح العبارة: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئَا مريئَا). (النساء: 4).
3ـ الإشعار بالجدية، فالزواج ليس ملهاة يتسلى بها الرجال، فيقول الرجل للمرأة: تزوجتك ويربطها به، ثم لا يلبث أن يدعها ليجد أخرى يقول لها ما قال للأولى.. وهكذا.
إن بذل المال دليل على أن الرجل جادُّ في طلبه للمرأة، جاد في الارتباط بها، وإذا كان الناس فيما هو دون الزواج وحياة الأسرة يدفعون رسومًا وتأمينات وعرابين، دلالة على الجدية، فلا غرو أن تكون حياة الأسرة أحق بذلك وأولى. ومن هنا يفرض الإسلام نصف المهر على من تزوج ثم طلق قبل أن يدخل بالزوجة أو يمسها، تقديرًا لهذا الميثاق الغليظ والرباط المقدس، مما يدل على أن الاستمتاع ليس هو الأساس، فهنا لم يحدث أي استمتاع، قال تعالى:(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح). (البقرة: 237).
4ـ أن الإسلام قد جعل القوامة على الأسرة بيد الرجل، لقدرته الفطرية على التحكم في انفعالاته أكثر من المرأة، ولأنه أقدر الجنسين على إدارة هذه الشركة، فمن العدل أن يغرم الرجل في مقابلة هذا الحق الذي أعطي له، حتى لا يتهاون في هدم الأسرة لأدنى سبب، لأنه الغارم في بنائها، فإذا تهدمت كان هدمها على أم رأسه.
قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم). (النساء: 34).
مؤيدات ومؤكدات:
ومما يؤيد ما قلناه ويؤكده جملة أدلة منها:
1ـ أن الشرع رغَّب في تقليل المهر، وعدم المغالاة فيه، وهذا ما وضحته السنة القولية والعملية.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أكثرهن بركة أقلهن صداقًا..
وقد تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه على دراهم قليلة.
وكذلك زوج بناته بأيسر المهور، ويكفي في ذلك مهر أحب بناته إليه، وهي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، فقد مهرها علي درعًا له! رضي الله عنهما.(13/203)
2ـ وردت السنة الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- زوج بعض النساء من بعض الرجال على غير مال أصلاً، حين قال له:" التمس ولو خاتمًا من حديد"، فلم يجد شيئًا حتى هذا الخاتم. ووجد عند الرجل بعض سور من القرآن يحفظها، فقال له " زوجناكها بما معك من القرآن "!.
3ـ أن الاستمتاع قدر مشترك بين الرجل والمرأة، فكما أن الرجل يستمتع بامرأته، فالمرأة تستمتع بزوجها، وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن). (البقرة: 187).
فكل منهما يؤدي للآخر ما يؤديه اللباس من الستر والوقاية والدفء والزينة، والالتصاق، وكل ما توحي به كلمة " اللباس " في هذا المقام.
فلا يصلح استمتاع الرجل بزوجته أن يكون مقابلا للمهر، مادام أمرًا مشتركًا بينهما.
4ـ أن القرآن أشار إلى دعائم الحياة الزوجية، فجعلها دعائم معنوية في الأساس لا حسية، فقال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). (الروم: 21).
فالسكون والمودة والرحمة أمور عاطفية نفسية، وإن كان قد يدخل في السكون إلى الأزواج الجانب الجنسي، الذي يجعل كلا منهما ينجذب إلى الآخر بحكم الفطرة، وبمقتضى قانون الزوجية العام في الكون كله.
على أن الإسلام لا ينظر إلى الصلة الجنسية المشروعة على أنها أمر مستقذر لا يليق بالإنسانية المؤمنة، كما هي حياة الرهبان وأمثالهم، بل قال تعالى: وهو يتحدث عن الصيام وأحكامه، والدعاء وآدابه: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).
وبهذا وضحت روعة التشريع الإسلامي في المهر. وبالله التوف
ـــــــــــــــــــ
الدخول بالمرأة والخلوة بها ... العنوان
لو عقد شخص على امرأة ثم قبلها أو سافر بها في مكان بعيد عن أهلها ولم يتصل بها جنسيًا ثم طلقها، هل يعتبر طلاقًا قبل الدخول أو بعده؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الدخول الحقيقي الذي تترتب عليه أحكامه يحصل باللقاء الجنسي المعروف، وذلك عند جمهور الفقهاء، فالتقبيل أو الخلوة الخالية من ذلك لا تترتب عليه أحكام الدخول، لكن الإمام أبا حنيفة جعل للخلوة أحكامًا تشترك فيها مع الدخول، واشترط أن تكون الخلوة صحيحة، وتكون صحيحة إذا كان الزوج مع الزوجة في مكان يأمنان فيه من دخول أحد عليهما أو اطلاعه على سرهما، وألا يكون هناك ما يمنع من الاختلاط، مستدلاً بما روه الدارقطني: "من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها أو لم يدخل" وبما روى عن زرارة بن أبي أوفى أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى عليها الستور وأغلق الباب فلها الصداق كاملاً وعليها العدة، دخل بها أم لم يدخل. وحكى الطحاوي من أئمة الحنفية أن على هذا إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم.(13/204)
فإذا لم تكن الخلوة صحيحة فلا تكون في الحكم كالدخول. كأن كانا في مكان لا يأمنان فيه من دخول أحد أو اطلاعه عليهما، أو كان معهما شخص ثالث يعقل، أو كان هناك مانع من الاختلاط.
والمانع إما حسي كالمرض أو صغر السن، أو كانت الزوجة بها مانع خلقي لا يمكن معه الاختلاط، وإما مانع شرعي كالحيض أو صيام رمضان أو إحرام بالحج أو العمرة.
والخلوة الصحيحة تشارك الدخول الحقيقي عند الأحناف في أحكام وتخالفه في أحكام، فالمشاركة في خمسة:
1 ـ تأكد المهر كله للزوجة.
2 ـ وجوب العدة عليها إذا وقعت فرقة بعد الخلوة بها.
3 ـ وجوب نفقة العدة على المطلق.
4 ـ ثبوت نسب الولد منه.
5 ـ حرمة التزوج بامرأة أخرى محرم لها كالأخت وتزوج خامسة وذلك في أثناء مدة العدة.
6 ـ وقوع الطلاق عليها ما دامت في العدة.
والمخالفة في سبعة:
1 ـ لا يثبت بها إحصان فلا تجرم إن زنت.
2 ـ حرمة الربيبة فإن الشرط الدخول بأمها دخولاً حقيقيًا.
3 ـ حل المطلقة ثلاثًا لا يكون إلا بالدخول.
4 ـ الرجعة فلا تحصل عنده إلا بالاتصال الجنسي.
5 ـ إرجاعها بدون عقد فلا يجوز إلا بعد الدخول الحقيقي.
6 ـ الميارث فلا يرث أحدهما الآخر قبل الدخول الحقيقي لو طلقها ومات في العدة.
7 ـ لا تعامل معاملة الثيب لو طلقها قبل الدخول الحقيقي وأرادت ان تتزوج، بل تعامل كالبكر. (ملخص من كلام الشيخ عبد الرمن تاج في كتابه: "أحكام الأحوال الشخصية ص 131-136).
ثم تحدث عن المذاهب بخصوص المهر، فقال: إن الخلوة الحصية توجب المهر كله عند الحنفية والحنابلة، ولا توجبه عند الشافعية، وأما المالكية فقالوا: إن اخلى بها مدة طويلة كسنة مع عدم الموانع من المخالطة، كانت الخلوة كالدخول في تأكد المهر كله حتى لو اعترف الطرفان بعدم المخالطة. ويراجع الكتاب لاستكمال رأى المالكية انظر تفسير القرطبي في سورة النساء "وقد أفضى بعضكم إلى بعض" ج 3 ص 205، ج 5 ص 102".
ـــــــــــــــــــ
الصداق ... العنوان
هل في الإسلام شيء عن مؤخَّر ومُقدَّم الصّداق ، وما رأي الدين في حالة تنازل المرأة عنه، وما حكم المُغالاة في المُهور؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...(13/205)
... الصَّداق عِوض يُدفَع للمرأة عند النِّكاح، وهو مِلْك لها لا يجوز لوليِّها، أو زوجها أن يأخذ شيئًا منه إلا برِضاها، كما قال تعالى: (وآَتوا النِّساء صَدقاتِهِنَّ نِحْلة فإن طِبْنَ لكم عن شَيء منه نفسًا فكُلُوه هَنِيئًا مَرِيئًا) (سورة النساء : 4) وقال: (وإنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وآَتَيْتُمْ إِحْداهِنّ قِنْطارًا فَلا تَأخُذوا مِنْه شَيئًا أتأخذونه بُهتانًا وإثْمًا مُبِينًا . وكَيْفَ تَأخُذونَه وقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقًا غَلِيظًا) (سورة النساء : 20 ، 21).
المَهر يجوز أن يُدفع مرّة واحدة، وأن يُدفع على أقساط ،وذلك حسب الاتفاق وهو يَجب بمجرّد العقد ويتأكّد بالدُّخول ، ولو طلَّقها قبل الدخول كان لها النِّصف، كما قال تعالى: (وإنْ طَلَّقْتُموهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الذِي بِيدِه عُقْدَةُ النِّكاحِ) (سورة البقرة : 337) أما الطّلاق بعد الدخول فلا يُبيح له استرداد شيء منه، وما دام المهر ملكًا للزّوجة فهي حرّة التّصرُّف فيه ما دامت عاقلة رَشيدة، ويجوز لها أن تتنازَل عنه كلّه أو بعضه، كما تنصُّ عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخُلع أن تتنازل عنه كلّه أو بعضِه بل تُعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردّت إليه مهرها، وهو حديقة أو حديقتان على خلاف في الروايات وكان ذلك بأمر النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ كما رواه البخاري، وذلك بعد قوله تعالى: (ولا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آَتَيْتُمُوهُنّ شَيْئًا إِلاّ أَنْ يَخافَا أَلاّ يُقِيمَا حُدودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيمَا حُدودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (سورة البقرة : 229).
وليس للصّداق حدٌّ أدنى فيجوز أن يكون بكلّ ما يمول، لحديث "التمس ولو خاتَمًا من حَديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقِلّ عن ربع دينار، وبعضهم ألا يقِلَّ عن عشرة دراهم، بل يجوز أن يكون منفعة.
ولا حدَّ لأكثره بدليل آية (وآَتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطارًا)وقد ندب النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى عدم المُغالاة فيه، فقد روى أحمد والبيهقي بإسناد جيد حديث "مِن يُمْنِ المرأةِ أن تتيسّر خِطبتها وأن يتيسَّر صَداقُها، وأن يتيسَّر رَحِمُها" يعني بالولادة، ولم يرضَ لفقير أن يكلِّف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرًا كبيرًا بالنسبة إليه، فقد روى مسلم حديث الرجل الذي تزوَّج على أربع أواقٍ فاستنكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: "كأنّما تنحِتون الفِضّة من عَرض هذا الجَبل، ما عندنا ما نُعطيك. ولكن عسى أن نبعثَك في بَعث تُصيبُ منه ... " فالمدار كله على طاقة الزّوج والناس مختلِفون في ذلك، والغالب أن المُغالاة في المهور تكون من جهة الزّوجة، إلى جانب ما يُطلَب من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى، وهو أمر له نتائجه الخطيرة، فهو يقلِّل من الإقبال على الزواج وبخاصة في الظروف الاقتصاديّة الحرجة ولو استدان الزوج قد يَعجز عن الوفاء، وذلك له أثره على حياتها الزوجيّة، قد يحِس بالنفور والامتعاض من الزّوجة التي تسبّب له في الهمِّ بالليل والذُّل بالنهار.
ومن أجل هذا نهى عمر عن المُغالاة في المُهور بما يُشبه أن يكون قرارًا يَسري على الجميع، غير أن امرأة ذكَّرته بقوله تعالى: (وآَتَيْتُمْ إِحداهُنَّ قِنْطارًا) فرجع عن فكرته.(13/206)
ومن الواجب أن يكون هناك تعاونٌ بين الطَّرفين في تيسير أمر الزّواج بل على المُجتمع، ممثلاً في المسؤولين أن يتدخّل من أجل مصلحة الجميع.
ـــــــــــــــــــ
عقم الزوج والزوجة ... العنوان
بعد أن تزوجت وتأخر حَمْلُ الزوجة عِدة سنوات عَرَضتها على الأطباء المُختصين فقرروا أنها لن تُنجب لوجود عيبٍ خِلْقِي يمنع الإنجاب فهل عقد الزواج صحيح وهل ينفسخ بعد ظهور العيب أو لا ينفسخ؟ وما الحُكْم إذا ظهر أن الزوج لا يستطيع الإنجاب؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... لقد تحدث الفقهاء عن العيوب التي تعطي الزوج الحق في فسخ النكاح ومنها البرص والجذام والجنون والرتق ـ أي انسداد مدخل الذكر من الفرج ـ والقرن شيء يبرز في الفرج كقرن الشاة أو غدة تمنع المخالطة. وقال بذلك الأئمة الثلاثة دون أبي حنيفة، واتفق الفقهاء على أن عُقم المرأة وعدم إنجابها ليس عيبًا فيما يمنع استمتاع الزوج بها، فليس له خيار الفسخ؛ لأن الإنجاب يرجع إلى إرادة الله سبحانه.
ومن هنا لا ينفسخ العقد بظهور عدم إنجاب الزوْجة. ولكن له الحق في طلاقها وتترتب أحكام الطلاق في هذه الحالة، كأية حالة أخرى، فما دام الزوْج قد دخل بها فلو طلَّقها كان لها مُؤخر الصداق، ونَفَقَة العِدة، وليس له أن يلزمها بإبرائه أو التنازل عن شيء من حقوقها إلا إذا طلبت هي الطلاق فيُمكن التفاهم على ما تتنازل عنه، وهذا ما يجري عليه العمل في المحاكم المصرية طبقًا للقانون رقم 78 لسنة 1931م.
وإذا ظهر أن بالزوج عيبًا يمنع الإنجاب. كأن كان مجبوبًا ـ أي مقطوع الذكر ـ أو عنينا ـ أي غير قادر على الجماع لضعف خلقي أو كبر السن مثلاً ـ أو خصيًّا ـ أي مقطوع الخصيتين ـ فللزوجة أن ترفع الأمر إلى القضاء لطلب التفريق بينه وبينها، وإذا ثبت ذلك عند القاضي بأي طريق من طرق الإثبات أمر الزوج بتطليقها، فإن لم يطلقها ناب عنه القاضي في تطليقها منعًا للضرر الذي يلحقها ـ وهذا الطلاق يكون بائنًا بينونة صغرى.
لكن التفريق مشروط بعدم علمها بحالته قبل الزواج، وبألا يُوجد منها ما يفيد رضاها بالمُكث معه بعد الزواج والعِلم بحاله.
والتفريق بسبب الجب في الحال لا يحتاج إلى ضرب أجل، وبسبب العنَّة يُمهل الزوج سنة لعله يقوى بالعلاج أو بغيره على الجماع، وبسبب الخصاء يُمهل الزوج سنة. والتفريق بسبب الجب والعنة والخصاء يعتبر طلاقًا عند الحنفية والمالكية وأكثر العلماء.
هذا. وإذا فُرِّقَ بين الزوجة وزوجها العنين أو الخَصي وكان قد خلا بها، فإنها تستحق جميع المهر؛ لأنها خلوة صحيحة وعليها العِدة للاحتياط، وإذا كان مجبوبًا وخلا بزوجته ثم فُرِّقَ بينهما كان لها جميع المَهْر أيضًا عند أبي حنيفة، ولها نصفه(13/207)
عند أبي يوسف ومحمد صاحبيه، وعليها العِدة باتفاق الجميع بذلك للاحتياط. "الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج ص 347 ـ 350".
ـــــــــــــــــــ
دفع مؤخر الصداق و الديون مع تغير العملة ... العنوان
كيف يُدفع مؤخر الصداق مع تغير قيمة العملة، وكذلك الديون مع الهبوط المفاجئ للعملة كما يحدث في العراق وغيرها؟ ... السؤال
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الرأي الذي أرجحه وأفتي به منذ سنين طويلة هو أن الديون القديمة وخصوصًا في العملات التي تغيرت تغيرًا فاحشًا وهائلاً ولا يمكن أن تُسترد نفس العملة وعددها بالعد، ولكن تسترد بالقيمة، والقيمة هنا يمكن أن تُرد إلى الذهب؛ ففلان عنده مبلغ من المال –الليرة اللبنانية مثلاً- فيمكن معرفة قيمة هذا المبلغ وكم كان يساوي من الذهب في هذه السنة، أو بعملة ثابتة نسبيًا مثل الدولار مثلاً
وأنا عندما ذهبت إلى إستنبول سنة 67 كان الدولار يصرف بإحدى عشرة ليرة تركية، وفي السنة التالية ذهبت أيضا وكان يصرف بـ12 ليرة، وقال لي الأخوة في إستنبول: ألا نشتري لك شقة؟ تستطيع أن تشتري شقة 90 ألف ليرة الآن؛ الدولار بمئات الآلاف من الليرات؛ ولذلك يجب التسديد -سواء المهر أو غيره-بالقيمة المقدرة بالذهب أو الدولار في ذلك الوقت
ـــــــــــــــــــ
المغالاة في مؤخر الصداق ... العنوان
يحدث في بلادنا أن يُجبر العريس على كتابة مؤخر صداق كبير، يقصد به "شرط جزاء" إن طلق أن يدفع، ولا يقصد به أن يكون جزءا من المهر.. فما الحكم الشرعي في ذلك؟
... السؤال
الشيخ عبد الخالق الشريف ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
جعل الإسلام للمرأة مهرًا، ويجوز أن يكون منه جزء يدفع حالاً وآخر مؤجلاً، وما يتفق عليه ويتم كتابته يصبح هو الأمر الشرعي المقبول، وذلك حسب أعراف البلدان والأسر، وقد يدفع للمرأة كما قال تعالى: "وآتيتم إحداهن قنطارًا"، فليس هناك قدر معين محدد لهذا الأمر.
وإن كنا كما جاء في الحديث النبوي الشريف ندعو الناس إلى التيسير على الشباب حتى يتزوجوا، وتُحفظ الأعراض: "خير النكاح أيسره"، فهذا ما جاءت به الشريعة من الدعوة إلى اليسر في النكاح وفي الجهاز وفي غير ذلك.(13/208)
أما إذا اتفق على أمر ما فهو ملزَم للطرفين، إلا أن يكون المتفق عليه مخالف للدين بتحليل الحرام أو تحريم الحلال. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
مؤخر الصداق للزانيه ... العنوان
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل تستحق الزوجه الزانيه المعترفه بزناها مؤخر الصداق عند طلاقها؟ ... السؤال
الدكتور محمد سعيد حوى ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
نعم إذا كان دخل بها دخولا صحيحا فلا يسقط المهر بحال لأن الصداق المؤجل جائز ولا بأس به لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) والوفاء بالعقد يشمل الوفاء به وبما شرط فيه , لأن المشروط في العقد من أجزاء العقد , فإذا اشترط الرجل تأجيل الصداق أو بعضه فلا بأس إن قبلت به الزوجة أو وليها ؛ ولكن يحل هذا المؤخر إن كان قد عيّن له أجلا معلوما فيحل بهذا الأجل , وإن لم يؤجل فيحل بالفرقة بطلاق أو فسخ أو موت أيا كانت أسباب الطلاق إلا إذا تنازلت الزوجة عن المهر المؤجل .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الأزهر - (ج 1 / ص 235)
نكاح بشرط التفويض فى الطلاق
المفتي
محمد عبده .
28 رجب 1318 هجرية
المبادئ
1- تفويض الطلاق للمرأة فى وقت العقد إذا ابتدأت المرأة بالإيجاب يصح النكاح ويلزم الشرط سواء كان العقد بنفسها أو بوكيل عنها وسواء كان التفويض بالطلاق إليها أو لغيرها بخلاف ماذا كان الإيجاب منه أو لا .
2- إذا كان التفويض فى أثناء عقد النكاح ولم يقيد بلفظ متى شئت أو كلما شئت فإنها تملك الطلاق متى شاءت مرة واحدة ولا يقتصر على مجلس العقد ولا يعطى حكم التفويض المستقل .
3- إذا كان التفويض بعد الزواج مطلقا غير مقيد بقيد ولا عاما فلا تملك الطلاق إلا مرة واحدة فى المجلس فقط
السؤال
امرأة بكر بالغ قالت لأبيها الرشيد بحضرة شهود وكلتك فى تزويجى بفلان البالغ الرشيد بصداق 30 بنتو ذهب حاله ومؤجله وتكون عصمتى بيدك فقبل منها الوكالة(13/209)
وزوجها للرجل المذكور بقوله له زوجتك بنتى فلانة البكر البالغ بإذنها لى فى العقد على صداق ثلاثين بنتو ذهبا حاله ومؤجله وعصمتها بيدى فقبل منه الزواج لنفسه بقوله قبلت منك زواجها لنفسى على الصداق المذكور وعصمتها بيدك وكان ذلك بحضرة شهود والزوج أمى فهل يصح هذا العقد وللأب أن يطلقها متى شاء وما كيفية الطلاق إن أراد
الجواب
قالوا إذا بدأت المرأة بالإيجاب وكان فيه شرط أن تكون عصمتها بيدها وقبل الزوج النكاح على ذلك الشرط صح النكاح ولزم الشرط بخلاف ما إذا أوجب الزوج مع الشرط وقبلت المرأة فإن الشرط يلغو حينئذ وقالوا إن بطلان الشرط فى الصورة الثانية مبناه أن الزوج قد ملك العصمة قبل العقد فإذا قبلت الزوجة مع ذكر الشرط كأنها أعطت تلك العصمة لنفسها عند تمام العقد وهى لا تملك ذلك بالضرورة بخلاف ما إذا بدأت وأجاب الزوج بالشرط فإن الشرط يكون قد وقع بعد تمام العقد ويكون الزوج قد ملكها ما يملكه حقيقة فيلزم وما صدر من الوكيل فى هذه الحادثة كأنه صادر عن نفس الزوجة لأن الوكيل سفير ومعبر وقد أوجب أولا مع الشرط وقبل الزوج معه فيلزم .
وقول الوكيل وعصمتها بيدى وقول الزوج، وعصمتها بيدك بمنزلة قول كل منهما على أن تكون عصمتها بيد فلان فالعقد صحيح والشرط لازم ثم قالوا إذا قال الزوج لزوجته عصمتك بيدك أو اختارى نفسك ولم يقل تطلقى نفسك متى شئت أو كلما شئت ونحو ذلك صح التفويض واقتصر الحق لها فى التطليق على مجلسه فإذا انقضى المجلس لم يكن لها أن تطلق نفسها ومقتضى تعليلهم السابق فى مثل حادثتنا أن تمليك العصمة حصل بعد العقد فيكون حكمه حكم التفويض الذى ذكروه وعلى ذلك فلا يكون لوالد الزوجة فى حادثتنا أن يطلق بنته متى شاء ولم نطلع على كلام لهم فى مثل حادثتنا ولكن لو أعطينا الشرط الواقع فى العقد حكم التفويض الواقع بعده بناء على ما يفهم من كلامهم لأصبح الشرط لغوا ولكان ذلك مخالفا لمقصد المتعاقدين بالضرورة فإن الزوجة إنما شرطت تمليك العصمة لوالدها لأجل أن تتخلص من مضايقة زوجها لها بعد الدخول أو قبله لو عرض شقاق بينهما والزوج قبل ذلك على أن يكون حل العصمة بإرادة الوالد فى مستقبل الزمان إذا عن له ذلك لا أن يكون له ذلك فى مجلس العقد حتى يلزم بنصف الصداق قبل انصرافه منه بدون أن يتمتع بشىء بل يكون هذا بمنزلة أن تقوم الزوجة وكلتك فى أن تعقد نكاحى ولك أن تطلقنى فى الحال ويقول الزوج قبلت ذلك ولك أن تفصم عصمتها قبل قيامنا من المجلس وهو من الهزء بمكان ولا يمكن أن يتوجه إليه قصد عاقل وقد جاء فى كلامهم فى حكم حادثة أخرى ما يسترشد منه على الحكم فى حادثتنا وذلك أنهم قالوا إذا خافت الزوجة عند نكاح المحلل أن لا يطلقها فالحيلة أن تقول زوجت نفسى منك على أن تكون عصمتى بيدى فتتخلص بهذا من تعنت الزوج الجديد ولم يقيدوا صحة ذلك لها بأن تقول أطلق نفسى متى شئت .
وجاء فى عبارات بعضهم التقييد بكلمات شاءت فالذى أطلق العبارة راعى بلا ريب أن مجرد الاشتراط كاف فى أن تملك عصمتها إلى ما بعد الدخول حتى يتم الحل(13/210)
بدون أن تقول متى شئت أو كلما شئت وهذا هو الذى أذهب إليه فى حادثتنا أولا لأن عدم ذكر هذا القيد وهو يطلقها متى شاء ليس بشىء لأن الشرط نفسه لا تكون له فائدة تعقل إلا معه فهو إنما ترك لأنه مفهوم بالبديهة والتعارف الذى لا يرتاب فيه .
وثانيا لأن النكاح وقع مقيدا به فكأن كلا منهما قال إن النكاح باق ما بقى الشرط فلا نكاح بدونه فالشرط دائم بدوام النكاح وذلك يساوى التصريح بالتطليق متى شاء .
وثالثا لأن قولهم إن الشرط وقع بعد النكاح لا يقتضى التسوية بين هذه الحالة وحالة التفويض التى ذكروها لأن التفويض إذا ذكر استقلالا كان ذلك ابتداء قصد للفراق بعد مرور الزمن على النكاح كأن الزوج عن له أن يطلق فأراد أن يكون الطلاق بيد زوجته حتى لا يكون مباشرا له وهذا أمر متعارف عند الناس فهو صورة من صورة الطلاق غير أنها معلقة على إرادة شخص آخر ولا ريب فى أن هذا يتحدد بالمجلس ما لم يصرح بلفظ يدل على امتداده إلى أكثر من ذلك .
أما فى حادثتنا فالبعدية تقديرية كأنها مسألة من مسائل الاقتضاء فإنه لما قال قبلت وعصمتها بيدك فقد وقع تمام العقد مع الشرط لكن يقدران النكاح تم، ثم كان التمليك فالشرط وقع فى ضمن العقد فيكون له حكم العقد قصورا وامتدادا ولا يمكن أن يعطى حكم التفويض المستقل وهذا هو الذى يمكن أن تصان به الأحكام الشرعية عن العبث فيكون لوالد الزوجة أن يطلقها متى شاء مرة واحدة ولا يتكرر وأما صيغة الطلاق فهى أن يقول طلقتها وابنتها مثلا من ألفاظ الطلاق المعروفة وأما كون الزوج أميا فهو يؤيد ما ذهبنا إليه لأنه لا يفهم مما شرط تمليك العصمة إلا أن يكون للوالد طلاقها متى شاء بالضرورة واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الأزهر - (ج 1 / ص 244)
عدم نفاذ عقد الزواج
المفتي
بكرى الصدفى .
22 ربيع أول 1326 هجرية
المبادئ
1- اشتراط البنت البالغ شروطا معينة مع الوكيل عنها لإجراء عقد زواجها فعقده بدونها يجعل العقد موقوفا على إجازتها فإن إجازته نفذ وإلا فلا .
2- يرتد هذا العقد بردها
السؤال
رجل خطب بنتا بكرا بالغة رشيدة من أبيها وكان أبوها فى ذلك الوقت مريضا ملازما للفراش فرضى بتزويجها له على أن المهر ثمانمائة جنيه إنكليزى وسكتا عن تقدير المقدم والمؤخر ثم اتفق الخاطب مع زوج عمة البنت على أن مقدم الصداق المذكور مائة جنيه ومؤخره الباقى وهو سبعمائة جنيه وبعد ذلك أخبر زوج عمة البنت المخطوبة وأباها بذلك فلم يرضيا بذلك وقالا له إن لم يكن المقدم الثلثان أو النصف فلا يصير إجراء العقد وقالت البنت لزوج عمتها إن جرى العقد على الثلثين أو النصف مقدما لازم تشترط عليه أن تكون العصمة بيدى فقال زوج عمتها(13/211)
حتى أنظر ذلك وهذا الأمر كان على يدى بينة تشهد بذلك ثم اتفق زوج عمتها مع الخطيب المذكور على أن مقدم هذا الصداق مائة جنيه فقط والباقى مؤخرا وصار إجراء العقد على ما اتفق عليه زوج عمة البنت والخاطب على أن المقدم مائة جنيه فقط ولم يشرط عليه أن العصمة تكون بيد الزوجة وخالف ما أمرته به ثم حين بلغها أنه أجرى العقد على أن مقدم الصداق مائة جنيه فقط والباقى مؤخرا ولم يشرط على الخاطب أن العصمة تكون بيدها ولولت وأنا لا أرضى بهذا العقد أبدا وقد فسخته وأشهدت على ذلك بينة .
فهل والحالة هذه ينفسخ النكاح المذكور ولا ينعقد حيث خالف الوكيل المذكور ما اشترطته عليه من أن المقبوض يكون الثلثين أو النصف ولا يكون أنقص من ذلك أبدا وأن عصمتها تكون بيدها أم كيف الحال أفيدوا الجواب أفندم
الجواب
يشترط للزوم عقد الوكيل ونفوذه على من وكله موافقته لما أمره به فإن خالف فلا ينفذ عليه النكاح إلا إذا أجازه فإذا كان الأمر فى حادثة هذا السؤال كما ذكر وقد خالف الوكيل البنت المذكورة فيما أمرته به قولها له إن لم يكن المقدم الثلثين أو النصف فلا يصير إجراء العقد إلى آخره فلا ينفذ عليها هذا النكاح ويرتد بردها هذا وفى الخلاصة امرأة وكلت رجلا أن يزوجها بأربعمائة درهم فزوجها الوكيل فأقامت سنة ثم قال الزوج تزوجتها بدينار وصدقه الوكيل إن أقر الزوج أن المرأة لم توكله بدينار فالمرأة بالخيار إن شاءت أجازت النكاح بدينار وإن شاءت ردت ولها مهر المثل بالغا ما بلغ وليس لها نفقة العدة وإن كان الزوج منكرا لذلك فالقول قولها انتهى - وفى الدر المختار من كتاب النكاح ما نصه وكله بأن يزوجه فلانة بكذا فزاد الوكيل فى المهر لم ينفذ انتهى ومثله فى تنقيح الحامدية وفى البزازية ما نصه وكله أن يزوجها منه غدا بعد الظهر فزوجه قبل الظهر أو قبل الغد لا يجوز انتهى واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
جهاز الزوجة
المفتي
أحمد هريدى .
10 أغسطس 1964م
المبادئ
1- إذا كان الجهاز من مهر الزوجة كان ملكا لها .
2- باشتراك الزوج مع زوجته فى دفع ثمن الجهاز من ماله يكون شريكا لها فيه بنسبة ما دفع .
3- إذا رفع النزاع إلى القضاء فأى من الطرفين يقيم البينة على دعواه يحكم له بما ادعاه .
4- إذا لم يقم واحد منهما ببينة فما يصلح للرجل فهو له، وما يصلح للمرأة يكون لها، وما يصلح لهما معا يكون القول قولها فيما يجهز به مثلها وقوله فيما زاد على ذلك(13/212)
السؤال
من السيد ص ك ع بالطلب المتضمن وفاة امرأة بتاريخ 7 - 5 - 1964 عن ورثتها، وهم زوجها ووالدها ووالدتها وإخواتها الأشقاء، وللمتوفاة المذكورة جهاز مكون من ثلاث حجرات، اشترك الزوج معها فى دفع ثمنه من ماله، ولها مؤخر صداق عليه قدره عشرون جنيها، وورثة الزوجة ينازعون الزوج فى الجهاز .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى الجهاز المتنازع عليه، ونصيب كل وارث فيه وفى مؤخر الصداق
الجواب
الجهاز إذا كان ثمنه من مهر الزوجة كان ملكا لها، وإذا اشترك الزوج معها فى ثمنه من ماله كان شريكا لها فيه بنسبة ما دفعه من الثمن، فإذا اختلف الزوج مع ورثة الزوجة فى الجهاز أمام القضاء، فأى الطرفين أقام البينة على دعواه حكم له بما ادعاه فيه، فإن لم يقم أحدهما البينة فما يصلح للرجل فالقول قوله فيه، وما يصلح للزوجة فالقول قول ورثتها فيه، وهذا مما اتفق عليه الفقهاء وأما ما يصلح لهما فالظاهر أن القول قول ورثة الزوجة فيما يجهز به أمثالها عادة لأن الظاهر يشهد لها، ويكون القول قول الزوج فيما زاد على ذلك .
وأما مؤخر الصداق فإنه يعتبر دينا صحيحا فى ذمة زوجها، ويحل لورثتها بعد وفاتها إذا لم يكن الزوج قد أداه لها أو أبرأته هى منه قبل وفاتها .
وعلى ذلك يكون نصيبها الثابت لها فى الجهاز ودين مؤخر صداقها من ضمن تركتها التى تورث عنها وتقسم بين ورثتها المذكورين، فيكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث، ولأمها السدس فرضا لوجود جمع من الإخوة، والباقى لأبيها تعصيبا .
ولا شىء لإخوتها الأشقاء لحجبهم بالأب، وهذا إذا لم يكن للمتوفاة المذكورة وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة، والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
مؤخر صداق
المفتي
محمد بخيت .
8 جمادى الأولى 1334 هجرية - 12 مارس 1916 م
المبادئ
1- صداق المرأة يعتبر دينا كبقية الديون الصحيحة .
2- الفوائد لا تعتبر دينا شرعيا ولا تسدد من التركة
السؤال
شخص توفى عن زوجته وابنة من زوجة أخرى متوفاة وعليه ديون نشأت فى صحته من بينها دين عن فوائظ ( ربا ) وقد صدرت منه وصية قبل وفاته اعترف فيها بأن كل صداق زوجته التى فى عصمته وقت وفاته لم يدفع لها فهل هذا الصداق يعتبر دينا ممتازا يدفع من تركته أم لا .
أم يكون مثل باقى الديون، وهل للزوجة الحق فى الاستيلاء عليه من التركة(13/213)
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن المنصوص عليه شرعا أن صداق المرأة يعتبر دينا وأن القول قولها إلى مقدار مهر مثلها من غير بينة فتحاص الغرماء به فى الديوان التى على المتوفى ففى الفتاوى الأنقروية من دعوى الدين فى التركة ما نصه ( مات وعليه ديون لا تفى التركة بها وادعت امرأته مهرها فالقول قولها إلى مقدار مهر مثلها من غير بينة فتحاص الغرماء به كما إذا وقع الاختلاف بينها وبين الورثة ) انتهى - وهذا متى كانت الديون المذكورة ديونا صحيحة شرعية وأما ما كان منها فوائظ ( أى ربا ) فلا يعتبر دينا شرعيا واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
تحديد الصداق وقبض جزء منه قبل عقد الزواج ليس شرطا
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
19 ذو الحجة 1401 هجرية - 17 أكتوبر 1981 م
المبادئ
1 - الأصل شرعا انعقاد الزواج بالنطق بإيجاب وقبول من الزوجين أو وكيليهما .
أو من أحدهما ووكيل عن الآخر فى حضور شاهدين بالغين عاقلين ومع استيفاء باقى الشروط .
2 - توثيق الزواج رسميا ليس شرطا فى صحة العقد ولكنه استيثاق فقط لعدم النزاع .
3 - الزوجان اللذان انعقد زواجهما شرعا بتاريخ 1/1/1974 وانجبا ولدين فى عامى 75، 79 ثم قاما بتوثيق هذا العقد فى صيغة تصادق فى 28/2/1980، يصبح زواجهما رسميا من تاريخ التصادق .
ويكون الولدان مولودين على فراش الزوجية الصحيحة شرعا .
وتترتب لهما الآثار الشرعية والقانونية . 4 - تحديد الصداق وقبضه أو جزء منه قبل الدخول، أو تأجيله جميعه .
كل ذلك متروك للعرف والاتفاق، وليس شرطا فى صحة عقد الزواج، وتترتب على هذا العقد جميع الآثار الشرعية والقانونية
السؤال
بكتاب السيد / رئيس الفرع المالى للمنطقة العسكرية المركزية .
المقيد 3/3/30 الرقيم 10056 المؤرخ 7/9/1981 المقيد برقم 304/1981 وقد جاء به وردت لنا وثائق زواج وشهادات ميلاد المرفق صورها طيه ( أ ) الوثيقة الأولى ومنها يتضح أن س م تزوج فى 28/2/1980 فى حين أن أولاده تم إنجابهم فى 16/5/1975 وفى 10/1/1979 أى أنه تم الإنجاب قبل الزواج مع العلم أن الزوجة التى تزوجها فى عام 1980 وهى السيدة / ص خ م هى أم للولدين الذين تم انجابهما قبل الزواج .
فهل ينتج هذا الزواج آثاره القانونية، ويستحق لهؤلاء الأولاد غلاء معيشة أو يعتبرون أولادا غير شرعيين نتجوا عن عقد عرفى وليس لهم حقوق قانونية .(13/214)
( ب ) الوثيقة الثانية وهى خاصة بزواج / م س ح ، ف ح م ، وقد جاء بها أن الصداق قدره 400 جنيه وجميعه مؤجل بذمة الزوج لأقرب الأجلين فهل يعتبر هذا الزواج صحيحا رغم إتمامه بدون مقدم صداق وينتج آثاره القانونية ويستحق بالتالى صرف إعانة زواج .
( ج ) الوثيقة الثالثة وهى صورة ضوئية غير رسمية من وثيقة تصادق على زواج مؤرخة 28 فبراير سنة 1980 محررة بين كل من الزوج س م أ ، والزوجة ص خ م ، حيث تصادقا على قيام الزواج بينهما بصحيح العقد الشرعى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على يد فقيه مجهول من تاريخ أول يناير سنة 1974 .
( د ) وصورتين ضوئيتين من شهادتى ميلاد طفلين لهذين الزوجين أحدهما مولود بتاريخ 16/5/1975 والآخر بتاريخ 10/1/1979
الجواب
أولا إن الأصل شرعا أن ينعقد الزواج بالنطق بإيجاب وقبول من الزوجين أو من وكيليهما أو من أحدهما ووكيل عن الآخر فى حضور شاهدين بالغين عاقلين، ومع استيفاء باقى الشروط .
واستحدثت الدولة توثيق الزواج بين المسلمين على يد المأذون حرصا على ضمان ثبوت هذا العقد عند النزاع، لكن التوثيق ليس شرطا فى صحة هذا العقد شرعا، ولا يتوقف نفاذه ولا ثبوت نسب الأولاد على هذا التوثيق، أى على كتابته فى وثيقة الزواج لدى المأذون .
ولما كان واقع هذه الأوراق أن الزوجين قد سبق انعقاد زواجهما شرعا بتاريخ 1/1/1974 وقد أنجبا ولديهما بعد هذا العقد فى 16/5/75 وفى 10/1/79 ومن ثم يكون الولدان قد ولدا بناء على عقد زواج صحيح شرعا .
ثم إن الزوجين تنفيذا للقانون وثقا هذا العقد فى صيغة تصادق رسمى بهذه الوثيقة المؤرخة 28/2/1980 ولا يؤثر هذا التوثيق على العقد الشرعى الذى تم فى 1/1/1974، بل أصبح هذا العقد من هذا التاريخ رسميا بمقتضى وثيقة التصادق وفقا للائحة المأذونين ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم رقم 78 لسنة 1931 .
لما كان ذلك كان هذان الولدان مولودين على فراش زوجية صحيحة شرعا وتترتب لهما الآثار الشرعية والقانونية .
ثانيا إن تحديد الصداق ليس شرطا فى صحة عقد الزواج .
وكذلك ليس من شروط صحته ونفاذه قبضه أو قبض جزء منه قبل الدخول .
وإنما المطلوب شرعا فقط أن يكون للزوجة صداق، سواء قبضته جميعه وقت العقد أو قبضت جزءا منه، أو تأجل جميعه وبقى دينا فى ذمة الزوج لميعاد محدد اتفقا عليه، أو أجلاه إلى أقرب الأجلين، الموت أو الطلاق، كل ذلك متروك للعرف والاتفاق، ولا دخل له فى حصة عقد الزواج، لأن الله سبحانه أوجب للزوجة مهرا فى ذمة الزواج بقوله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } النساء 4 ، والمقصود هنا الوجوب فى الذمة .(13/215)
لما كان ذلك كان اتفاق الزوجين فى العقد الثابت بالوثيقة المحررة فى 7/2/1981 بزواج - م س ح ، ف ح م على جعل المهر كله مؤجلا لأقرب الأجلين صحيحا نافذا، ولا يخل بصحة هذا العقد الذى تم بإيجاب وقبول شرعيين فى حضرة الشهود، وثبت توثيقه رسميا على يد المأذون ومن ثم تترتب على هذا العقد جميع الآثار الشرعية والقانونية والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الخلوة الصحيحة ترتب آثارها الشرعية
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
9 أغسطس 1979 م
المبادئ
1 - ثبوت الخلوة الصحيحة بين الزوجين يستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيما عدا التوارث بينهما للطلاق البائن .
2 - الشبكة والهدايا فى هذه الحالة وبعد أن تم عقد الزواج .
لا حق للزوج فى استردادها . 3 - إذا اتفق على قدر المهر فى السر ثم ذكر فى العقد مهر أقل حكم بالمهر المتفق عليه فى السر .
4 - وثيقة الزواج ورقة رسمية فى خصوص الزواج فقط .
وتعتبر ورقة عرفية فيما عدا ذلك يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات .
5 - التعويض بمعناه المعروف فى القانون المدنى غير مقرر فى الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية
السؤال
بالطلب المقيد برقم 263 سنة 1978 المتضمن أن للسائل بنتا جامعية تقدم لخطبتها مهندس يعمل بالسعودية، وقدم لها شبكة من الذهب وبعض الهدايا - وعند الاتفاق على المهر خيره المهندس بين أن يدفع مهرا إلى بنته مهما كان كبيرا وبين أن يقوم هو بإعداد بيت الزوجية بتأثيث ثلاث غرف تليق بالزوجية وبمركز الأسرة الاجتماعى، على أن يحرر بهذا الجهاز قائمة لصالح الزوجة بأن جميع الأثاث ملك خالص لها .
وقد اختار السائل هذا الوضع الثانى على أن تكون قيمة الأثاث الذى يؤثثه لبيت الزوجية بمثابة المهر ، وتم الاتفاق بين السائل وخاطب ابنته على هذا الأساس ثم سافر هذا الخاطب إلى السعودية ومكث بها سنة، ثم عاد إلى مصر وطلب من السائل عقد القران على ابنته، وتم عقد القران فعلا بتاريخ 21/4/1977 وقد ذكر فى هذا العقد أن مقدم الصداق هو 25 قرشا ومؤخر الصداق هو 300 جنيه - على أساس أن الاتفاق بين الطرفين هو تأثيث بيت الزوجية من جانب الزوج هو المعمول به بدلا من مقدم الصداق الذى هو كرمز فقط بالعقد .
ثم سافر الزوج مرة أخرى إلى السعودية ثم حضر فى أواخر شهر مارس سنة 1978، وطوال هذه المدة لم يقم بالإنفاق على زوجته ثم مكث فترة مدعيا أنه يبحث عن شقة لتأثيث سكن الزوجية، وكان يحضر إلى زوجته أسبوعيا يوم الخميس(13/216)
ويعود إلى القاهرة يوم السبت، وقد حصلت خلوة شرعية بين الزوجين عدة مرات، ثم حضر إليهم مبديا رغبته فى إجراء الطلاق بدون أسباب ولا مبررات على شرط أن يسترد الشبكة والهدايا والمصاريف التى أنفقها فى حفل عقد القران، وبين لهم أن كل ما يلزمه هو أن يدفع لهم نصف مؤخر الصداق .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى حالة الطلاق قبل الدخول مع حدوث خلوة شرعية عدة مرات بين الزوجين وذلك بالنسبة للآتى : 1 - الشبكة التى قدمت للزوجة فى فترة الخطبة .
2 - الهدايا .
3 - مقدم الصداق وإمكان طلب تحليفه اليمين الحاسمة أمام القضاء لبيان حقيقة مقدم الصداق الذى تم الاتفاق عليه خلافا للثابت بوثيقة الزواج .
4 - النفقة الشرعية من تاريخ الزواج حتى تاريخ الطلاق أو التطليق .
5 - مؤخر الصداق .
6 - التعويض اللازم للزوجة لما أصابها من أضرار مادية وأدبية ونفسية ناتجة عن هجر الزوج لها، وطلب الطلاق قبل الدخول وبعد حدوث الخلوة الشرعية الصحيحة
الجواب
من المقرر فقها وقانونا أن نفقة الزوجة التى سلمت نفسها لزوجها ولو حكما تجب عليه من وقت امتناعه من الإنفاق عليها مع وجوبه دون توقف على قضاء أو رضاء ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء - وأن الخلوة الصحيحة بين الزوجين إذا ثبتت بالإقرار أو البينة تستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيتأكد بها جميع المهر عاجلة وآجله للزوجة وتجب عليها العدة إذا طلقت ولها النفقة مدة العدة شرعا أو إلى سنة من تاريخ الطلاق، ويحل لها مؤجل الصداق بالطلاق لأنه بائن - وأما عن الشبكة والهدايا فى موضوع السؤال وبعد أن تم عقد الزواج فلا حق للزوج فى استردادها ،لأنها وإن اعتبرت جزءا من المهر بالاتفاق أو جرى العرف باعتبارها جزءا منه أخذت حكم المهر - وإذا لم تكن كذلك أخذت حكم الهبة فتصبح حقا للزوجة لا يجوز للزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة شرعا .
وتعتبر باقى الهدايا من قبيل الهبة وتأخذ ذات الحكم .
وأما عن مقدم الصداق الثابت بالوثيقة ومقداره خمسة وعشرون قرشا، فإن الفقهاء قد تحدثوا فيما سموه بمهر السر ومهر العلن، وعلى هدى أقوال فقهاء المذهب الحنفى فإنه إذا اتفق على قدر المهر فى السر ثم ذكر فى العقد مهر أقل فإنه يحكم بالمهر المتفق عليه فى السر .
وفى واقعة السؤال إذا كان قد تم الاتفاق على أن يجهز الزوج ثلاث غرف تليق بالزوجة ومركز أسرتها ويحرر بها قائمة تمليك للزوجة كما جاء بالسؤال وثبت هذا الاتفاق بطريق من طرق الإثبات الشرعية، فإن هذا المتفق عليه يكون مقابل مقدم المهر .(13/217)
هذا ووثيقة الزواج ليس لها صفة الرسمية فى مقدار المهر لأنها لم تعد لإثبات ذلك، فيجوز إثبات عكس ما جاء فيها بكافة طرق الإثبات ومنها يمين المدعى عليه ونكوله .
أما التعويض بالمعنى المعروف فى القانون المدنى فهو غير مقرر فى الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية - أما الأضرار الأدبية فإن مؤجل الصداق ونفقة العدة إذا ثبتت الخلوة كل أولئك التزامات أوجبها الله ترضية للمطلقة وجبرا لما يكون قد لحقها .
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد به السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
استقلال الزوجة بذمتها المالية عن زوجها شرعا
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
19 جمادى الأولى 1400 هجرية - 4 مايو 1980 م
المبادئ
1 - للمرأة المتزوجة فى الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة، وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته .
ولكل منهما ذمته المالية .
2 - عقد الزواج لا يرتب أى حق لكل منهما قبل الآخر فى الملكية أو الدخل، ولكنه رتب للزوجة حقوقا على الزوج مجملها العدل فى المعاملة والمهر والنفقة طالما كان عقد الزواج قائما .
3 - انحلال عقد الزواج يكون بالطلاق الذى هو حق للزوج وحده لإنهاء الزواج عند تعذر الوفاق .
4 - المهر أو الصداق هو مبلغ من المال يجب للزوجة على زوجها بمقتضى عقد الزواج ويخضع سداده إليها للاتفاق والعرف، وهو لا يأخذ حكم التعويض .
5 - الزواج وآثاره والطلاق وآثاره من مسائل الأحوال الشخصية التى تحكمها فى مصر الشريعة الإسلامية باعتبارها القانون العام فى هذا الشأن .
6 - فكرة الحقوق المكتسبة الناشئة عن العقد تقتضى أيضا تطبيق حكم الشريعة الإسلامية باعتبارها قانون العقد .
7 - ليس للزوجة أى استحقاق فى أموال زوجها الخاصة .
سواء التى امتلكها قبل عقد الزواج أو فى مدة الزوجية أو بعد الفرقة بينهما طبقا للمادة 13 من القانون المدنى المصرى 131 لسنة 1948 .
8 - لا يختلف الحال فى الشريعة الإسلامية بين ما إذا طلق الزوج .
أو كان الطلاق بناء على طلبه أو طلبها فإن لها بعد الطلاق نفقة العدة ومؤخر الصداق المتفق عليه إن كان .
ولا يسقط هذان الحقان إلا بتنازلها عنهما أو إبراء زوجها منهما نظير الطلاق
السؤال(13/218)
بالطلب المقدم من ع أ س والمقيد برقم 137 لسنة 1980 وخلاصته أن أخاها - المسلم الديانة المصرى الجنسية - كان مقيما فى جمهورية مصر حتى عام 1969 ثم هاجر إلى أمريكا ومعه زوجته المصرية وابن لهما ثم حصلوا جميعا على الجنسية الأمريكية بعد مرور خمس سنوات وفقا للقانون هناك - وقد فوجىء هذا الزوج بأن زوجته تلك أقمت ضده قضية طلاق أمام المحاكم الأمريكية فى الوقت الذى تقيم معه فى مسكن واحد، ولما يفصل فى هذه القضية للآن، وأن القانون الأمريكى يعطى الزوجة نصف ما يملكه الزوج وقت الانفصال ونصف ما يحصل عليه من دخل .
وانتهت السائلة إلى طلب بيان حكم الشريعة الإسلامية بالنسبة للطلاق والنفقة الواجبة بعده .
وهل يختلف الحال إذا كان الزوج هو طالب الطلاق أو الزوجة هى طالبته، وما هو مؤخر الصداق فى الشريعة الإسلامية - وهل هو بمثابة تعويض للمطلقة ومن أجل هذا ينص عليه فى عقود الزواج
الجواب
إن الإسلام سوى بين الرجل والمرأة أمام القانون فى جميع الحقوق المدنية سواء فى ذلك المرأة المتزوجة وغير المتزوجة .
فالزواج يختلف فى الإسلام عنه فى قوانين معظم الأمم المسيحية الغربية .
ففى الإسلام لا تفقد المرأة بالزواج اسمها ولا شخصيتها المدنية، ولا أهليتها فى التعاقد، ولا حقها فى التملك، بل تظل المرأة المسلمة بعد الزواج محتفظة باسمها واسم أسرتها ولها مطلق الحق وكامل الأهلية فى تحمل الالتزامات، وإجراء مختلف العقود من بيع وشراء ورهن وهبة ووصية، ومحتفظة بحقها فى التملك مستقلة عن زوجها .
وعلى وجه الإجمال - فإن للمرأة المتزوجة فى الإسلام شخصيتها المدينة الكاملة وثروتها الخاصة المستقلة عن شخصية زوجها وثروته .
إذ لكل منهما ذمته المالية، فلا شأن لها بما يكسبه الزوج أو بدخله أو بثروته - وكذلك لا شأن للزوج بثروة زوجته أو بدخلها فهما فى شئون الملكية والثروة والدخل منفصلان تماما، وعقد الزواج لا يرتب أى حق لكل منهما قبل الآخر فى الملكية أو الدخل .
وهذه المبادئ قد أرساها القرآن الكريم فى آيات كثيرة كالآيات أرقام 228، 229، من سورة البقرة، 4، 20، 21 من سورة النساء .
ثم إن الإسلام رتب للزوجة حقوقا على الزوج بمقتضى عقد الزواج مجملها العدل فى المعاملة، والمهر والنفقة طالما كان عقد الزواج قائما فإذا انحل بالطلاق كان لها النفقة مدة العدة ، وأقصى هذه المدة سنة من تاريخ الطلاق وفقا للمادتين 17، 18 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى مصر .
وانحلال عقد الزواج يكون بالطلاق الذى هو حق للزوج وحده أجازه له الإسلام لإنهاء الزواج عند تعذر الوفاق بين الزوجين، كما أجاز للزوجة أن تلجأ إلى(13/219)
القاضى طالبة الطلاق بأسباب محددة بينتها القوانين أرقام 25 لسنة 1920، 25 لسنة 1929، 44 لسنة 1979 المعمول بها فى مصر .
والمهر أو الصداق هو مبلغ من المال يجب للزوجة على زوجها بمقتضى عقد الزواج، ويخضع سداده إليها للاتفاق والعرف، فقد يكون كله مدفوعا وقت العقد، وقد يدفع الزوج بعضه ويتفقان على تأجيل الباقى لحين الانفصال بالطلاق أو بموت أحدهما، وهو ما يسمى عرفا بمؤخر الصداق، ويدون بهذا الوصف فى وثيقة العقد الرسمى، وهو لا يأخذ حكم التعويض المعروف فى العقود المدنية، لأن الصداق جميعه مقدمه ومؤخره تستحقه الزوجة بذات العقد .
والتزامات الزوج للزوجة بحكم الإسلام بعد الطلاق تتمثل فى مؤخر الصداق إن كان، ونفقتها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن مدة العدة وأقصاها مدة سنة من وقت الطلاق كما تقدم .
وعليه نفقة أولاده منها وأجرة حضانتها لهم وأجرة مسكن الحضانة وجميع نفقات تربيتهم فى حدود مقدرته المالية وأعبائه الاجتماعية .
وبهذا يكون الطلاق منهيا لالتزامات الزوج التى نشأت بعقد الزواج، فلا تستحق الزوجة قبله أية حقوق بعد انتهاء فترة العدة .
والزواج وآثاره والطلاق وآثاره من مسائل الأحوال الشخصية التى تحكمها فى مصر الشريعة الإسلامية باعتبارها القانون العام فى هذا الشأن .
ومع هذا فإن فكرة الحقوق المكتسبة الناشئة عن العقد تقتضى أيضا تطبيق حكم الشريعة الإسلامية باعتبارها قانون العقد حيث قد تم عقد الزواج لهذين الزوجين فى نطاقها - وهذا المبدأ سبق أن تقرر فى المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 91 لسنة 1937 فى مصر .
لما كان ذلك وكان نظام أموال الزوجين فى الإسلام هو نظام الانفصال المطلق، واستقلال ذمة كل منهما ماليا عن الآخر، لم يكن لهذه الزوجة أى استحقاق فى أموال زوجها الخاصة سواء التى امتلكها قبل عقد الزواج أو فى مدة الزوجية أو بعد الفرقة بينهما بالطلاق .
فقد نصت المادة 13 من القانون المدنى المصرى 131 لسنة 1948 على أنه يسرى قانون الدولة التى ينتمى إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التى يرتبها عقد الزواج بما فى ذلك من أثر بالنسبة للمال، ووفقا لهذا النص يكون حكم الشريعة الإسلامية المتقدم ذكره هو الواجب التطبيق .
هذا ولا يختلف الحال فى الشريعة الإسلامية بين ما إذا طلق الزوج أو كان الطلاق بناء على طلبه أو كان بناء على طلب الزوجة .
فإن للزوجة بعد الطلاق نفقة العدة ولها مؤخر الصداق المتفق عليه إن كان، ولا يسقط هذان الحقان إلا بتنازل الزوجة عنهما تنازلا مباشرا مجردا، أو فى نظير الطلاق بما يسمى فى مصر وفقا لأحكام الإسلام طلاقا نظير الإبراء من حقوقها المالية قبل الزوج .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ(13/220)
اشتراط الزوجة حق الدراسة والعمل
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
15 محرم 1402 هجرية - 12 نوفمبر 1981 م
المبادئ
1 - اشتراط الزوجة لنفسها فى عقد الزواج إتمام دراستها الجامعية والعمل بعد التخرج .
من الشروط الصحيحة الجائزة، لكن لا يلزم الوفاء به فى قول جمهور الفقهاء، ويلزم الوفاء به فى قول الإمام أحمد بن حنبل ومن وافقه .
2 - هذا الشرط أقره القانون 44 لسنة 1979 أخذا بمذهب الإمام أحمد بن حنبل واعتد به شرطا مانعا للحكم بنشوز الزوجة إذا خرجت بدون إذنه .
ولم يضع جزاء ملزما للزوج بتنفيذه . كما لم يعط للزوجة حق طلب الطلاق .
3 - لائحة المأذونين لا تبيح للمأذون تدوين أى شروط للزوجين أو لأحدهما مقترنة بعقد الزواج فى الوثيقة ما عدا الكفالة وما يختص بالمهر وغيره من البيانات الواردة فيها
السؤال
بالطلب المقيد برقم 369 لسنة 1981 وقد جاء به إنه قد تم عقد قران الآنسة / ص ى ع - الطالبة ببكالوريوس العلوم جامعة القاهرة، وأنه حرصا على مستقبلها، اشترطت لنفسها فى عقد الزواج الشرط الآتى نصه ( تشترط الزوجة إتمام دراستها الجامعية، والعمل بعد التخرج، وأداء الخدمة العامة ) .
وأن الزوج وافق على هذا الشرط، ودونه المأذون بخطة على القسيمة الأولى من قسائم العقد ، وحين تسلم الوثائق من المأذون، لم يوجد هذا الشرط مدونا عليها، واعتذر المأذون بأن المحكمة ألغت القسيمة الأولى، لأن هذا الشرط يمنع توثيق عقد الزواج .
والسؤال ( أ ) هل من حق الزوجة أو وكيلها أن يشترط هذا الشرط فى عقد الزواج حرصا على مستقبلها .
( ب ) هل فى هذا الشرط مخالفة للدين والشرع .
( ج ) هل يمنع هذا الشرط أو أى شرط آخر غير مخالف للدين والشرع توثيق القسائم فى المحكمة والسجل المدنى .
( د ) هل يمنع قانون الأحوال الشخصية مثل هذا الشرط
الجواب
إن عقد الزواج متى تم بإيجاب وقبول منجزا مستوفيا باقى شروطه الشرعية كان عقدا صحيحا مستتبعا آثاره من حقوق وواجبات لكل واحد من الزوجين .
والعقد المنجز هو الذى لم يضف إلى المستقبل، ولم يعلق على شرط، لكنه قد يقترن بالشرط الذى لا يخرجه عن أنه حاصل فى الحال بمجرد توافر أركانه وشروطه الموضوعية .(13/221)
والشرط المقترن بعقد الزواج لتحقيق مصلحة لأحد الزوجين ثلاثة أقسام أحدها - الشرط الذى ينافى مقتضى العقد شرعا كاشتراط أحد الزوجين تأقيت الزواج، أى تحديده بمدة، أو أن يطلقها فى وقت محدد، فمثل هذا الشرط باطل، ويبطل به العقد باتفاق الفقهاء .
الثانى - الشرط الفاسد فى ذاته، مثل أن يتزوجها على ألا مهر لها أو ألا ينفق عليها، أو أن ترد إليه الصداق، أو أن تنفق عليه من مالها، فهذا وأمثاله من الشروط الباطلة فى نفسها، لأنها تتضمن إسقاط أو التزام حقوق تجب بعد تمام العقد لا قبل انعقاده ،فصح العقد وبطل الشرط فى قول جميع الفقهاء .
الثالث - الشرط الصحيح عند أكثر الفقهاء وهو ما كان يقتضيه العقد، كاشتراطه أن ينفق عليها، أو أن يحسن عشرتها، أو كان مؤكدا لآثار العقد ومقتضاه كاشتراط كفيل فى نفقتها وصداقها، أو ورد به الشرع كاشتراط الزوج أن يطلقها فى أى وقت شاء، أو اشتراطها لنفسها أن تطلق نفسها متى شاءت، أو جرى به عرف كأن تشترط الزوجة قبض صداقها جميعه أو نصفه، أو يشترط هو تأخير جزء منه لأجل معين حسب العرف المتبع فى البلد الذى جرى فيه العقد .
وقد يكون الشرط غير مناف لعقد الزواج، كما لا يقتضيه العقد، وإنما يكون بأمر خارج عن معنى العقد كالشروط التى يعود نفعها إلى الزوجة، مثل أن تشترط ألا يخرجها من دارها أو بلدها أو ألا يسافر بها أو لا يتزوج عليها، فهذا أيضا من باب الشروط الصحيحة لكن الفقهاء اختلفوا فى وجوب الوفاء بها على طائفتين إحداها - أن هذه الشروط وأمثالها وإن كانت صحيحة فى ذاتها لكن لا يجب الوفاء بها، وهو قول الأئمة أبى حنيفة وأصحابه ومالك والشافعى والليث والثورى .
الطائفة الأخرى - إن الشرط الصحيح الذى فيه نفع وفائدة للزوجة يجب الوفاء به، فإذا لم يف به الزوج، كان للزوجة طلب الطلاق قضاء، روى هذا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وسعد بن أبى وقاص، وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والأوزاعى وأحمد بن حنبل، وأدلة كل من الطائفتين على ما قالا مبسوطة فى محلها من كتب الفقه .
لما كان ذلك وكانت الزوجة فى العقد المسئول عنه قد اشترطت لنفسها ( إتمام دراستها الجامعية والعمل بعد التخرج وأداء الخدمة العامة ) وكان هذا الشرط داخلا فى نطاق القسم الثالث للشروط بمعنى أنه من الشروط الصحيحة ذات النفع والفائدة للزوجة كان جائزا، لكن لا يجب الوفاء به فى قول جمهور الفقهاء ، ويلزم الوفاء به فى قول الإمام أحمد بن حنبل ومن وافقه .
ولما كان هذا الشرط باعتباره اشتراط العمل للزوجة بعد الانتهاء من دراستها، قد أقره القانون رقم 44 لسنة 1979 ببعض أحكام الأحوال الشخصية أخذا بمذهب الإمام أحمد بن حنبل، لكن هذا القانون قد اعتد به شرطا مانعا للحكم بنشوز الزوجة إذا خرجت بدون إذن الزوج لإتمام دراستها أو للعمل ولم يضع جزاء ملزما للزوج بتنفيذه، كما لم يعط للزوجة حق طلب الطلاق، كما يقول مذهب الإمام أحمد عند عدم الوفاء بالشرط الصحيح الذى يعود نفعه وفائدته على الزوجة .(13/222)
ولما كان القضاء يجرى فى خصوص انعقاد الزواج وشروطه وفى كثير من أحكام الأحوال الشخصية على أرجح الأقوال فى فقه الإمام أبى حنيفة الذى لا يلزم الزوج بالوفاء بمثل هذا الشرط، توقف العمل به قضاء إلا فى حال النشوز فقط كما تقدم .
وما كانت لائحة المأذونين لم تبح للمأذون تدوين أى شروط للزوجين أو لأحدهما مقترنة بعقد الزواج، يكون موقف المأذون صحيحا فى حدود اللائحة التى تنظم عمله، لاسيما ووثيقة الزواج قد أعدت أصلا لإثبات العقد فقط، حماية لعقود الزواج من الجحود ، وذلك لخطورة آثارها فى ذاتها على المجتمع، على أنه يمكن كتابة هذا الشرط أو غيره مما يتفق عليه الزوجان، ويدخل فى نطاق الشروط الصحيحة شرعا فى أية ورقة أخرى غير وثيقة الزواج ، التى لا يتسع نطاقها القانونى لغير بيانات عقد الزواج ذاته .
ومما تقدم يتضح أن الشرط الوارد فى السؤال من الشروط الخارجة عن ماهية عقد الزواج المقترنة به، وفيه نفع وفائدة للزوجة .
ويدخل بهذا ضمن الشروط الصحيحة التى يجوز اشتراطها، لكن لا يلزم الوفاء به فى رأى جمهور الفقهاء، ويجب الوفاء به فى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومن وافقه .
والشرط فى ذاته لا مخالفة فيه للدين، لكن المأذون ممنوع وفقا للائحة المأذونين من تدوين أية بيانات لا تحوى الوثيقة موضعا لها، ومنها الشروط فيما عدا الكفالة وما يختص بالمهر وغيره من البيانات الواردة فيها، وقانون الأحوال الشخصية رقم 44 سنة 1979 وإن أجاز للزوجة اشتراط العمل لمصلحتها ودرءا للنشوز، لم يرتب على هذا الشرط جزاء على الزوج، سوى إجازته لها الخروج للعمل المشروط دون إذنه، ولا تعد ناشزا بهذا الخروج، وبالقيود التى وردت فيه .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
صداق المرأة والجهاز
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
10 صفر 1402 هجرية - 6 ديسمبر 1981 م
المبادئ
1 - جمهور الفقهاء على أن المهر حق خالص للزوجة، تتصرف فيه كيف تشاء، وليس عليها إعداد بيت الزوجية، ولا أن تشترك فى إعداده، فإن قامت بذلك كانت متبرعة بالمنفعة مع بقاء ملكيتها للأعيان .
2 - تجهيز البيت واجب على الزوج .
بإعداده وإمداده بما يلزم لأن ذلك من النفقة .
3 - التجهيزات التى قام بها الزوج لمنزل الزوجية بعد دفعه المهر المتفق عليه دون مشاركة من الزوجة تكون ملكا له باتفاق الفقهاء .
4 - تصح صلاة الفروض كلها خلف الإمام الذى اتهم نفسه بالفسق اتباعا لمذهبى الإمامين أبى حنيفة والشافعى .(13/223)
وقول فى مذهبى الإمامين مالك وأحمد .
حملا لحال المسلم على الصلاح
السؤال
بالطلب المقيد 126 سنة 1981 م المتضمن : أولا - إن رجلا تزوج على مهر مسمى ثم قبضه .
ورغم دفعه المهر المتفق عليه كاملا قام بتجهيز منزل الزوجية بجميع محتوياته بما فى ذلك كل الأدوات العصرية، والزوجة لم تسهم بأى مبلغ فى هذه التجهيزات .
ويسأل لمن ملكية جميع مشتملات المنزل علما بأن كثيرا من هذه الأدوات كانت موجودة بمنزل الزوجية قبل الزواج .
ثانيا - إمام مسجد دار نقاش بينه وبين بعض المصلين فاتهم نفسه بأنه فاسق أمام شهود .
ويسأل السائل هل تصح الصلاة خلفه بعد ذلك
الجواب
عن السؤال الأول قال الله تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } النساء 4 ، أجمع أهل العلم على ثبوت الصداق للزوجة على زوجها متى تم عقد زواجهما صحيحا، وعلى وجوبه، وعلى أنه عطية من الله للمرأة بمقتضى هذه الآية، ومن أجل هذا قال جمهور الفقهاء إن المهر حق خالص للزوجة، تتصرف فيه كيف شاءت، وليس عليها إعداد بيت الزوجية ولا أن تشترك فى إعداده، إذ لا يوجد نص من مصادر الشريعة يلزمها بأن تجهز منزل الزوجية، كما لا يوجد نص يجبر أب الزوجة على ذلك، فإذا قامت بذلك كانت متبرعة وآذنة للزوج باستعمال جهازها الاستعمال المشروع مع بقاء ملكيتها لأعيانه .
وقالوا إن تجهيز البيت واجب على الزوج، بإعداده وإمداده بما يلزم من فرش ومتاع وأدوات، لأن كل ذلك من النفقة الواجبة على الزوج لزوجته، ولم يخالف أحد فى إسكان الزوجة واجب على الزوج، ومتى وجب الإسكان استتبع ذلك تهيئة المسكن بما يلزمه، باعتبار أن ما لا يتم الواجب إلا به كان واجبا .
هذا وإن كان فقه الإمام مالك، لا يرى أن المهر حقا خالصا للزوجة وعليها أن تتجهز لزوجها بما جرت به العادة فى جهاز مثلها لمثله، بما قبضته من المهر قبل الدخول إن كان حالا، ولا يلزمها أن تتجهز بأكثر منه، فإن زفت إلى الزوج قبل القبض، فلا يلزمها التجهيز إلا إذا قضى به شرط أو عرف ( حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 327 ، 328 ) لما كان ذلك وكان الظاهر من الواقعة المسئول عنها أن الزوج بالرغم من دفعه المتفق عليه كاملا - قام بتجهيز منزل الزوجية بجميع محتوياته بما فى ذلك كل الأدوات العصرية دون أن تشترك الزوجة فى التجهيز بأى مبلغ - إذ كان ذلك كانت هذه التجهيزات ملكا للزوج باتفاق الفقهاء .(13/224)
عن السؤال الثانى الجماعة شرط فى صحة صلاة الجمعة، أما فى غيرها من الفروض فهى مشروعة على خلاف فى حكمها بين الفقهاء، وقد شرعها الله فى القرآن .
قال سبحانه { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } النساء 102 ، وفى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما قوله صلى الله عليه وسلم ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) .
واتفق المسلمون على مشروعيتها .
وقد استنبط الفقهاء شروطا استوجبوا توافرها فى الإمام، واختلفوا فى إمامة الفاسق .
ففى فقه مذهبى الإمامين أبى حنفية والشافعى تصح إمامته للناس فى الصلاة مع الكراهة إلا إذا لم يوجد سواه فلا كراهة، وتصح إمامته لمثله مطلقا بدون كراهة، وفى فقه الإمام مالك ضمن أقوال - الجواز والمنع على الإطلاق - وقيل تجوز إمامته إن كان فسقه فى غيره الصلاة، أو إن كان غير مقطوع بفسقه، أو كان فسقه بتأوله فى بعض الأحكام المجتهد فيها، وهذا غير المتأول فى العقيدة إذ لا تجوز إمامته .
وفى فقه الإمام أحمد أن إمامة الفاسق ولو لمثله غير صحيحة إلا فى صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، فتجوز الصلاة خلفه ضرورة، وهذه هى الرواية المشهورة عن الإمام أحمد وهناك رواية أخرى بالصحة .
لما كان ذلك وكان الأصل حمل حال المسلم على الصلاح، كانت الصلاة خلف الإمام المسئول عنه صحيحة فى الفروض كلها اتباعا لمذهب الإمامين أبى حنيفة والشافعى وقول فى مذهب الإمامين مالك وأحمد، إذ لعل حدة النقاش دفعته إلى اتهام نفسه بذلك .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
قيمة دين مؤخر الصداق عند وفاة الزوج
المفتي
أحمد هريدى .
التاريخ 22/9/1965
المبادئ
1- يجب للزوجة المهر جميعه بالعقد الصحيح ويتأكد بالدخول الحقيقى أو بالخلوة الصحيحة أو بوفاة أحد الزوجين .
2- يحل المؤجل من المهر بحلول أجله الطلاق أو الوفاة .
3- ما يستحق من الصداق يكون دينا فى ذمة الزوج تستوفيه زوجته من تركته قبل قسمتها .
4- إذا سمى فى المهر نقد يجرى به التعامل فى البلد ثم بطل التعامل به فإنه يجب للزوجة قيمة ما سمى من النقد يوم بطلان التعامل به
السؤال(13/225)
من السيد / م ر ع بطلبه وعلى الصورة الرسمية من أشهاد الزواج المرافق ، وقد تضمن أشهاد الزواج المحرر فى 11 شوال سنة 1330هجرية - 22 سبتمبر 1912م أن الشيخ م ع أ تزوج ب ع م على صداق قدره 24 جنيها ذهبا مصريا نقيا .
الحال منه 12 جنيه تسلم منه وكيل الزوجة جنيهين - والباقى منه عشرة جنيهات بذمة الزوج يقوم بسداده إليها عند طلبها - والمؤجل منه اثنا عشر جنيها يحل بأحد الأجلين الفراق أو الوفاة .
وتضمن الطلب أن الزوج قد توفى عن زوجين وورثة ذكور وأناث .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما يأتى - هل تستحق الزوجة المذكورة ص ع م باقى معجل الصداق ومؤخره .
وإذا كانت تستحق ذلك فهل تسحقه باعتبار الجنيه عملة متداولة تساوى 100 قرش أو باعتبار الجنيه قطعة ذهبية ، وإذا كانت تسحقه باعتبار الجنيه الذهب قطعة ذهبية فهل تستحقه باعتبار قيمته الذهبية وقت العقد - أو باعتبار قيمته يوم الميراث
الجواب
المقرر شرعا أن الزوجة يجب لها المهر جميعه بالعقد ويتأكد كله بالدخول الحقيقى أو بالخلوة الصحيحة فى النكاح الصحيح أو بوفاة أحد الزوجين .
ويحل المؤجل منه بحلول أجله .
الطلاق أو الوفاة، وبما أن الزوج قد توفى فتستحق الزوجة مؤخر الصداق .
وما بقى من معجله إذا لم تكن قد استوفته ولا شيئا منه .
ولم تكن قد أبرأته منه ولا من شىء منه قبل وفاته ولا أخذت كله أو بعضه شيئا .
وما يستحق من الصداق على الوجه المذكور يكون دينا فى ذمة الزوج تستوفيه من تركته قبل قسمتها، هذا وقد جاء بالجزء الثانى من كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ص 276 ( ولو تزوجها على ثوب معين أو على موصوف أو على مكيل أو موزون معين فذلك مهرها إذا بلغت قيمته عشرة، وتعتبر قيمته يوم العقد لا يوم التسليم، حتى لو كانت قيمته يوم العقد عشرة فلم يسلم إليها حتى صارت قيمته ثمانية فليس لها إلا ذلك، ولو كانت قيمته يوم العقد ثمانية فلم يسلمه إليها حتى صات قيمته عشرة فلها ذلك ودرهما، لن المكيل والموزون إذا كان موصوفا فى الذمة فالزوج مجبور على دفعه ولا يجوز دفع غيره من غير رضاها فكان مستقرا مهرا فى ذمته فتعتبر قيمته يوم الاستقرار وهو يوم العقد، لأن ما جعل مهرا لم يتغير فى نفسه وإنما التغيير فى رغبات الناس بحدوث فتور فيها ولهذا لو غصب شيئا قيمته عشرة فتغير سعره وصار يساوى خمسة فرده على المالك لا يضمن شيئا .
ولأنه لو سمى ما هو أدنى مالية من العشرة كان ذلك تسمية للعشرة لأن ذكر البعض فيما لا يتجزأ ذكر لكله فصار كأنه سمى ذلك ودرهمين ثم زادت قيمته ) 51 - بتصرف ، وجاء فى باب المهر بالجزء الثانى من رد المحتار على الدر المختار على متن تنوير الأبصار ص 508 وما بعدها .(13/226)
للعلامة ابن عابدين .
( قوله قيمته عشرة وقت العقد ) أى وإن صارت يوم التسليم ثمانية فليس لها إلا هو .
ولو كان على عكسه لها الفرض المسمى ودرهمان ، ولا فرق فى ذلك بين الثوب والمكيل والموزون لأن ما جعل مهرا لم يتغير فى نفسه وانما التغيير فى رغبات الناس ) - انتهى - وجاء فى الهداية ( وما سمى مهرا عشرة فما زاد فعليه المسمى أن دخل بها أو مات عنها ) وعلق صاحب فتح القدير العلامة الكمال بن الهمام على هذه العبارة بقوله ( هذا إذا لم تكسد الدراهم المسماة .
فإن كان تزوجها على الدراهم التى هى نقد البلد فكسدت وصار النقد غيرها فإنما على الزوج قيمتها يوم كسدت على المختار ) وطبقا لما ذكر إذا سمى عند العقد شىء مقوم وحدد بما ينفى الجهالة صحت التسمية وكان للزوجة أخذ المسمى أو قيمته، وتعتبر القيمة وقت العقد لأنه وقت الثبوت فى الذمة والاستقرار ، ولا عبرة بيوم التسليم والدفع إن تغيرت القيمة لأن ما جعل مهرا لم يتغير فى نفسه .
وإنما التغيير فى رغبات الناس بالاقبال أو الفتور، وطبقا لما جاء فى فتح القدير أنه إذا سمى فى المهر نقد يجرى به التعامل، فى البلد ثم بطل التعامل به .
فإنه يجب للزوجة قيمة ما سمى من النقد يوم بطلان التعامل به .
وظاهر فى حادثة السؤال أن المهر المسمى جنيهات ذهبية مصرية والجنيهات الذهبية المصرية كانت عملة متداولة يجرى التعامل بها بين الناس فى البلد ثم بطل التعامل به .
فإنه يجب للزوجة قيمة ما سمى من النقد يوم بطلان التعامل به .
وظاهر فى حادثة السؤال أن المهر المسمى جنيهات ذهبية مصرية والجنيهات الذهبية المصرية كانت عملة متداولة يجرى التعامل بها بين الناس فى البلد وقت العقد على أساس أن الجنيه يساوى مائة قرش من غير نظر مطلقا إلى أنها قطع ذهبية تساوى قيمتها قليلا أو كثيرا .
وتتغير قيمتها وسعرها بتغيير الظروف والأزمنة والأمكنة والعوامل الاقتصادية، وقد استقر الأمر أخيرا على اعتبار الجنيه الذهب فى التعامل عملة متداولة يساوى مائة قرش من غير نظر إلى قيمته كقطعة ذهبية وسلعة تباع فى السوق كالذهب غير من غير نظر إلى قيمته كقطعة ذهبية وسلعة تباع فى السوق كالذهب غير المضروب وتخضع لتقلبات الأسعار .
ولا يزال التعامل به جاريا على هذا الأساس إلى الآن .
ومن ثم يكون المستحق للزوجة فى هذه الحالة هو المبلغ المسمى من الجنيهات على أساس أن الجنيه يساوى مائة قرش .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال
ـــــــــــــــــــ
اكتشاف الزوج عيبا فى زوجته بعد الدخول بها
المفتي
عبد اللطيف حمزة .(13/227)
9 يناير سنة 1984م
المبادئ
1- يرى فقهاء مذاهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية جواز طلب التفريق بسبب العيوب المرضية سواء للرجل أو المرأة وأن اختلفوا فى تحديد هذه العيوب .
2- فقهاء المذهب الحنفى يرون أن التفريق يكون بسبب العيوب المرضية التى توجد فى الرجل خاصة على خلاف بيئتهم فى هذه العيوب .
3- الراجح فى المذهب الحنفى أنه لاحق للزوج فى طلب فسخ الزواج إذا وجد بزوجته عيبا اكتفاء بما يملكه من حق الطلاق اذا يئس من علاجها وهو المعمول به قضاء .
4- المنصوص عليه شرعا أن عقد الزواج متى استوفى أركانه وشروطه انعقد صحيحا شرعا مستتبعا آثاره ونتائجه من حقوق وواجبات لكل من الزوجين قبل الآخر .
5- لا تتوقف صحة عقد الزواج على صلاحية الزوجة للوطء .
6- ليس للزوج فى هذه الحالة سوى أن يعاشرها بالمعروف أو يفارقها بالطلاق ويكون لها جميع حقوقها المترتبة على الطلاق
السؤال
من السيد المستشار / م ع بطلبه قال أرجو التفضل بالافتاء فى حالة الزوجة الرتقاء التى لم يكن الزوج يعلم بحالتها عند زواجه بها .
وهل يترتب على هذه الحالة بعد كشفها بطلان عقد الزواج بما يستتبع ذلك من عدم ترتب الآثار التى تترتب على العقد الصحيح فلا تستحق نفقة أو مؤخر صداق أو غير ذلك
الجواب
إن الزواج فى الإسلام مودة ورحمة ومعاشرة بالمعروف .
فإذا ظهرت عيوب مرضية مستقرة غير قابلة للعلاج والشفاء بأحد الزوجين .
فهل يجوز لأحدهما طلب فسخ الزواج قضاء أم لا يجوز اختلف فقهاء الشريعة فى هذا إلى ثلاثة أراء : الأول - أنه لا خيار لأحد الزوجين إذا ما وجد بصاحبه عيبا .
فلا يجوز له طلب فسخ عقد الزواج سواء كان هذا العيب قبل العقد أو حدث بعده .
وسواء كان بالزوج أو بالزوجة .
وبهذا يقول الظاهرية . الثانى - أنه يجوز طلب التفريق بعيوب محددة .
ويقول بهذا فقهاء مذاهب الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد - غير أن فقهاء المذهب الحنفى يرون أن التفريق يكون بسبب العيوب المرضية التى توجد فى الرجل خاصة على خلاف بينهم فى عدد هذه العيوب .
بينهما يرى فقهاء مذاهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والجعفرية جواز طلب التفريق بسبب العيوب المرضية سواء للرجل والمرأة .
وأن اختلف هؤلاء أيضا فى عدد العيوب المجيزة لهذا الطلب ونوعيته .
الرأى الثالث - يجيز طلب التفريق مطلقا بأى عيب جسدى أو مرضى .(13/228)
ولأى من الزوجين هذا الحق وبهذا يقول شريح وابن شهاب والزهرى وأبو ثور وقد انتصر لهذا الرأى العلامة ابن القيم فى زاد المعاد ج 4 ص 58، 59 هذا والصحيح فى مذهب الامام أحمد بن حنبل كما جاء فى المغنى لابن قدامة ص 587 ج 7 أن الزوج إذا وجد بزوجته بعد الدخول بها عيبا لم يكن يعلمه قبل العقد ولم يرض به - أنه يرجع بالمهر على من غره - وأن ولى الزوجة ضامن للصداق .
وبهذا قال الامام مالك والامام الشافعى فى القديم والزهرى وقتادة .
اعتدادا بأثر مروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال أبو حنيفة والشافعى فى الجديد .
لا يرجع الزوج بشىء على أحد .
لأنه بالدخول بها قد استوفى حقه - استنادا الى قول سيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه فى هذه الواقعة ولما كان القضاء فى مصر قد جرى فى هذا الموضع على أرجح الأقوال فى فقه مذهب الامام أبى حنيفة عملا بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م .
وكان فقه هذا المذهب يقضى بأنه لا حق للزوج فى طلب فسخ الزواج إذا وجد بزوجته عيبا اكتفاء بما يملكه من حق الطلاق اذا يئس من علاجها .
لأن الزوجية قائمة على حق تبادل المتعة .
ففى فتح القدير ج 3 ص 268 وما بعدها . واذا كان بالزوجة عيب .
أى عيب كان . فلا خيار للزوج فى فسخ النكاح .
وذلك لأن فوت الاستيفاء بالكلية بالموت لا يوجب الفسخ حتى لا يسقط شىء من مهرها فاختلاله بهذه العيوب أولى .
وهذا لأن الاستيفاء من الثمرات .
وفوت الثمرة لا يؤثر فى العقد إلا ترى أنه لو لم يستوف لبخر أو ذفر أو قروح فاحشة لم يكن له حق الفسخ .
وانما المستحق هو التمكن . وهو حاصل بالشق أو الفتق - انتهى .
وفى فقه المذاهب الأربعة ج 4 ص 189 طبعة ثانية ( لا خيار للرجل بوجود عيب فى بضع المرأة من رتق أو نحوه .
ولكن له الحق فى اجبارها على ازالته بجراحة وعلاج كما انه اذا يئس من علاجها فله مفارقتها بالطلاق فى هذه الحالة .
لأن الزوجية قائمة على الاستمتاع . وفى فراقها عند اليأس من العلاج بدون تشهير فيه رحمة بها ) - انتهى - لما كان ذلك وكان المنصوص عليه شرعا أن عقد الزواج متى صدر مستوفيا أركانه وشروطه الشرعية المبسوطة فى كتب الفقه انعقد صحيحا شرعا مستتبعا آثاره ونتائجه من حقوق وواجبات لكل من الزوجين قبل الآخر ولا تتوقف صحته على صلاحية الزوجة للوطء .
كان عقد الزواج المسئول عنه قد انعقد صحيحا .
وترتبت عليه كل الآثار وإنما اكتشفه الزوج بزوجته من رتق وليس له إلا أن يعاشرها بمعروف أو يفارقها بطلاق اذا يئس من علاجها .(13/229)
وبالتالى يكون لها جميع الحقوق الشرعية التى تترتب على هذا الطلاق ومنها مؤخر الصداق .
وبذا يكون قد علم الجواب عن السؤال . والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الكفالة فى أمور الزوجية يندرج تحتها المهر
المفتي
حسن مأمون .
16 شعبان 1376 هجرية - 18 مارس 1957 م
المبادئ
1 - يجوز للمرأة أن تأخذ كفيلا فى أمور الزوجية، ويكون المهر من المكفول به .
2 - لا يؤثر فى صحة الكفالة تأجيل بعض المهر إلى أجل معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة .
3 - إذا حل أقرب الأجلين حل الأداء وأيهما أدى برئت ذمة الآخر
السؤال
ما رأى فضيلتكم فى العبارة الآتية ( وقد كفل الشيخ م ك م والد الزوج فى كل ما يلزم من أمور الزوجية ) فهل هذه العبارة تشمل مؤخر الصداق من عدمه
الجواب
بأن مهر الزوجة ونفقتها من أمور الزوجية والكفالة بهما صحيحة وجائزة شرعا، أما المهر فلأنه دين صحيح لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء وأما النفقة فإن الكفالة بها تجوز استحسانا - إذ القياس أنها لا تجوز لأنها دين غير صحيح ولم تجب للحال لأنها لا تجب قبل الاصطلاح على معين بالقضاء أو الرضا، ولذا تسقط بالمضى عند عدم ذلك .
إلا أنها صحت استحسانا وإن لم تجب للحال، وصار الكفيل كأنه كفل بما ذاب لها على الزوج أى بما يثبت لها عليه بعد، والكفالة بذلك جائزة فى غير النفقة فكذا فى النفقة إلى آخر ما جاء فى مطلب أخذ المرأة كفيلا بالنفقة من الجزء الثانى من حاشية ابن عابدين وما قرره فى باب الكفالة بالجزء الرابع من حاشيته - فإذا تم عقد الزواج صحيحا شرعا على صداق معلوم بعضه حال وبعضه مؤجل إلى سنة صح ذلك ووجب المهر على الزوج بمجرد تمام العقد، غير أنه لا يحل لها أن تطالبه بما ثبت فى ذمته إلا عند حلول أجله، ويلحق بالأجل المعلوم ما إذا أجل بعض الصداق إلى أقرب الأجلين - الطلاق أو الموت - فإنه يصح ذلك ويحل أداء المؤجل بحلول أقربهما .
ومن هذا يتبين أن المرأة إذا أخذت كفيلا فى أمور الزوجية جاز ذلك، وكان المهر من المكفول به لأنها كفالة بدين صحيح لا يسقط إلا بالإبراء أو الأداء، ولا يؤثر فى صحتها تأجيل بعض المهر إلى أجل معلوم أو مجهول جهالة غير فاحشة، لأن المكفول به مال معلوم وهو دين صحيح ثبت فى ذمة الأصيل بمجرد تمام العقد فيثبت فى ذمة الكفيل تبعا لذلك، فإذا حل أقرب الأجلين حل الأداء وأيهما أدى برئت ذمة الآخر .(13/230)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق
المفتي
حسونة النواوى .
شعبان 1314 هجرية
المبادئ
1 - دعوى الطلاق على الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة والتحمل بالولدين مدة سبع سنوات وسقوط حقها فى نفقتها ونفقة الولدين السابق فرضها بحكم قضائى مسموعة فيما عدا التكفل بالولدين فهى غير مسموعة بالنسبة له لعدم ذكر مقابل الطلاق المذكور من جهة التكفل المدعى .
2 - ثبوت الدعوى بالبينة الشرعية يقتضى الحكم بالطلاق على الإبراء مما ذكر فيما عدا التكفل فيحكم بعدم السماع للدعوى بالنسبة له لجهالة العوض
السؤال
بإفادة من قاضى محكمه مضمونها أنه لغياب مفتى المديرية بالإجازة يرغب الاطلاع على صورة المرافعة طيه والإفادة بما يرى فيها نظرا لاشتباهه فى ذلك ومضمون الصورة المذكورة صدور الدعوى لديه بعد التعريف اللازم من أ ج م على زوجته س أ بأنه كان قرر على نفسه بالمحكمة المذكورة نفقة شرعية نظير طعامها وشرابها وطعام وشراب ولديها منه م .
و خ. اللذين فى حضانتها الفقيرين اللذين لا مال لهما لكل يوم من ابتداء 9 نوفمبر سنة 1896 قرش واحد ونصف قرش صاغا ديوانيا وتحرر بذلك إعلام شرعى من هذه المحكمة وأنها طلبت من جهة الإدارة تنفيذه عليه حالة كونها أبرأته من مؤخر صداقها ونفقة عدتها لحين إنقضائها منه شرعا وتكفلت بولديها منه المذكورين لمدة سبع سنوات وطلقها على ذلك بقولها مخاطبة له طائعة أبرأتك من مؤخر صداقى ومن نفقة عدتى لحين انقضائها منك شرعا وتكفلت بولدى منك م .
و خ. اللذين فى حضانتى الفقيرين اللذين لا مال لهما لمدة سبع سنوات لتطلقنى على ذلك وقد أجابها فور سؤالها بقوله لها أنت طالق على ذلك .
وأن ذلك كان من يوم الجمعة 13 نوفمبر سنة 1896 عن يد بينة وإنه لم يختل بها ولم يحصل معاشرة بينه وبينها من عهد الطلاق المذكور للآن وهى على علم من ذلك .
وطلب الحكم له عليها بطلاقها منه على البراءة والتكفل بالولدين المذكورين المدة المذكورة وبسقوط حقها فى النفقة المقررة لها ولولديها المذكورين وسأل جوابها عن ذلك .
وبسؤالها عن ذلك أجابت بالاعتراف بزوجيتها له وبمرزوقيتها منه م و خ المذكورين وببقائها على عصمته للآن وبتقرير النفقة المذكورة بموجب الإعلام(13/231)
الشرعى المذكور وأنكرت ما عدا ذلك وبتكليفه البينة على دعواه المذكورة أحضر شهودا ثلاثة شهدوا طبق دعواه المذكورة
الجواب
بالاطلاع على صورة المرافعة المرافقة الصادرة لديكم فى 19 رجب سنة 1314 مضبطة ظهر أن دعوى المدعى على الوجه المسطور بتلك الصورة غير مستوفية شرعا وكذلك الشهادة ويعامل المدعى بإقراره بالطلاق على الوجه الذى تضمنته دعواه ويحكم عليه بذلك واللّه أعلم ووجه عدم الاستيفاء الإجمالى فى عوض الطلاق المذكور من جهة التكفل الذى ادعاه
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق
المفتي
محمد عبده .
ذى الحجة 1319 هجرية
المبادئ
1 - قول الرجل لزوجته بعد كلام بينهما - إن تكلمت بهذا الكلام وعدت إليه تكونى خالصة فتكلمت بكلام آخر فقال لها إن تكلمت أيضا بهذا الكلام تكونى خالصة تسعين خلاصا - فتكلمت بهما بلا تراخ بينهما وقعت طلقتان بائنتان ويحل بهما أن تطالبه بمؤخر الصداق .
2 - لا يرد هنا أن البائن لا يلحق البائن لأن الثانى وإن كان بائنا معلقا إلا أنه يلحق الأول لوجود التعليق الثانى قبل وجود شرط الأول .
3 - قوله - تسعين خلاصا - لا أثر له عند وقوع الشرط ولا يقع به إلا واحدة .
4 - يسوغ له العقد عليها بمهر جديد برضاها ويملك عليها بعد طلقة واحدة
السؤال
من س ف المجاور بالأزهر فى رجل قال لزوجته بعد كلام وقع بينتهما إن تكلمت بهذا الكلام وعدت إليه تكونى خالصة فتكلمت بكلام غيره فقال لها إن تكلمت أيضا بهذا الكلام تكونى خالصة تسعين خلاصا ثم تكلمت بالأول أولا وبالثانى ثانيا بدون تراخ بينهما .
فهل يقع اليمين الثانى أو لا . وإذا وقع يلزمه مؤخر الصداق أو لا .
أفيدوا الجواب
الجواب
صرحوا بأنه لو قال لها إن دخلت الدار فأنت بائن ثم قال إن كلمت زيدا فأنت بائن ثم دخلت وبانت ثم كلمت يقع أخرى كما فى رد المحتار نقلا عن الذخيرة .
وعلى هذا يقع على الحالف فى هذه الحادثة طلقتان بائنتان بكلامها الكلام الأول والثانى لأن الثانى وإن كان بائنا معلقا إلا أنه يلحق البائن الأول المعلق لوجود التعليق الثانى لأنه يحل بأحد الأجلين الطلاق البائن أو الموت وقد وجد الأول .
وأما قوله تسعين خلاصا فلا أثر له لأنه عند وقوع الشرط بمنزلة قوله أنت على حرام ألف مرة وقد قالوا إنه لا يقع له إلا واحدة فالذى يقع بوقوع التعليق الثانى(13/232)
طلقة واحدة بائنة ويسوغ للزوج والحال ما ذكر العقد عليها فى العدة وبعدها برضاها وحضرة شاهدين بمهر جديد ويملك عليها بعد ذلك طلقة واحدة إن لم يسبق منه طلاقها قبل هاتين الطلقتين .
واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الاتفاق على استدامة الطلاق رغم الرجعة منه غير صحيح شرعا
المفتي
محمد بخيت .
شوال 1337 هجرية - يوليو 1919 م
المبادئ
1 - الطلاق الرجعى إذا أعقبه رجعة قولا أو فعلا فإنها ترفع الطلاق وتعتبر بها المطلقة زوجة له .
2 - إذا اتفقا على الفرقة اعتدادا بالطلاق المذكور بعد الرجعة منه دون طلاق جديد بعدها فلا عبرة بهذا الاتفاق ولو دفع لها مؤخر الصداق ونفقة العدة وتسلم منها إقرارا كتابيا برؤيتها اللحيض ثلاثا كوامل وتكون زوجة له وليس لها التزوج بالغير
السؤال
طلق رجل زوجته طلقة رجعية غير بائنة بوثيقة رسمية وراجعها فى اليوم الثانى مراجعة شرعية بحضور شهود ولكنه لم يثبت المراجعة بوثيقة ولبث يعاشرها معاشرة الأزواج ثلاثة أشهر ونصف وبعد ذلك أراد الانفصال فاتفقا على الافتراق بدون طلاق ثان وأن يعتبر الطلاق المثبوت بالوثيقة كأنه لا زال واقعا وكأن المراجعة والمعاشرة الزوجة لم يحدثا بعد ذلك فرارا من طلاق جديد .
ودفع الزوج مؤخر صداقها ونفقة عدتها وأخذ منها اعترافا كتابيا بالحيض وافترقا على ذلك .
ويتمسك الزوج الآن بأنها لازالت زوجته شرعا وأن زواجها بغيره زنا وفحشا إذ أن الطلاق المثبوت بوثيقة روجع شرعا فى اليوم الثانى لوقوعه وقامت بينهما الزوجية مدة من الزمن وأن دفعه لمؤخر الصداق ونفقة عدتها وأخذه اعترافا منها بالحيض كل ذلك حسما للنزاع القائم بينهما يومئذ ولا يصح أن يعتبر ذلك بمثابة طلاق جديد أو اعترافا منه بخروج الزوجة عن عصمته وأن الحيض الذى اعترفت به حدث وهى مراجعة ومعاشرة له .
وتقول الزوجة إن المراجعة التى حدثت فى اليوم التالى للطلاق لم تثبت رسميا وقد وافقنى الزوج على اعتبار هذه المراجعة كأن لم تكن وكأن لم يحدث بعدها معاشرة زوجية ودفع لى مؤخر صداقى ونفقة عدتى وأخذ منى اعترافا بالحيض وكل ذلك يعتبر اعترافا منه بخروجى عن ذمته وعصمته ويحل لى التزوج بمن أشاء .
والتمسك بوثيقة الطلاق الأول وإن كان روجع . فهل يحل شرعا لهذه الزوجة التزوج بمن تشاء على نحو ما ذكر أم تعتبر زوجة شرعية لزوجها مادام أنه راجع الطلاق وعاشرها معاشرة الأزواج .(13/233)
وهل يحل لها التمسك بالقول أنها مطلقة إستنادا على الاتفاق باعتبار المراجعة كأنها لم تكن ودفع الزوج حقوقها
الجواب
نفيد أنه حيث تبين من السؤال والأوراق المذكورة أن الزوجين متفقان على أن الزوج المذكور طلق زوجته المذكورة طلقة واحدة رجعية وراجعها وهى فى العدة ولبث يعاشرها معاشرة الأزواج ثلاثة أشهر ونصفا وأنه لم يحدث طلاق من الزوج المذكور لزوجته المذكورة بعد ذلك فهى لا تزال زوجا له شرعا ويحل له معاشرتها معاشرة الأزواج ولا عبرة باتفاقهما على الافتراق بدون طلاق آخر ولا باعتبارهما أن الطلاق الأول كأنه لا يزال واقعا بعد أن ثبتت مراجعته لها بعد ذلك الطلاق الأول .
كما أن دفع الزوج مؤخر الصداق ونفقة العدة وأخذه منها اعترافا بالحيض كل ذلك لا يعتبر طلاقا ولا يرفع الرجعة التى حدثت بعد الطلاق الأول ومتى كانت لا تزال زوجا لزوجها شرعا فلا يحل بغير الزوج المذكور أن يتزوج بها بناء على هذه الاعتبارات التى لا اعتداد بها شرعا واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق على مال بورقة عرفية
المفتي
حسن مأمون .
ربيع الأول 1378 هجرية - 1 أكتوبر 1958م
المبادئ
1- الطلاق على مال مع الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة ليس خلعا، وإنما هو طلاق فى مقابلة المال، ويترتب عليه وقوع الطلاق ووجوب المال والإبراء بالغا ذلك ما بلغ، ولو كان ذلك بورقة عرفية مادامت صحيحة .
2- إذا لم تدفع له المال المتفق عليه يكون أثاث منزلها ملكا له عوضا عنه، إعمالا للشرط الوارد بالورقة العرفية
السؤال
من السيد/ ع ق ص بالطلب المتضمن أن زوجة كتبت لزوجها إقرارا تنازلت فيه عن مؤخر صداقها ونفقة عدتها ونصه ( أنا الموقعة على هذا فلانة بنت فلان قد أبرأت زوجى فلان بن فلان من مؤخر صداقى أى مهرى وكذا من نفقة العدة كما أنى ملتزمة أن أدفع له ما صرفه على إذا طلقنى وقدره كذا جنيها مصريا وإذا لم أدفع له هذا المبلغ يكون جميع أثاث منزلى ملكا خالصا له وهذا إقرار منى بذلك ويعمل به عند اللزوم - طلقتك على ذلك فور طلبك هذا ) وموقع على هذا الإقرار من كل من الزوجة والزوج ومؤرخ .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فيما إذا ثبتت صحة هذا الإقرار والتوقيعات عليه .(13/234)
هل يقع الطلاق على الإبراء بالشروط المذكورة أو لا مع العلم بأن الطلاق والإبراء والشروط فى مجلس واحد والإقرار مكتوب بخط الزوج ووقعت عليه بعد كتابة الطلاق منه
الجواب
إن هذه الحالة تعتبر طلاقا فى مقابلة مال ولا تعتبر خلعا، والطلاق فى مقابلة المال يترتب عليه أثران وقوع الطلاق البائن ولزوم المال، ويملك الزوج هذا المال قضاء بالغا قدره ما بلغ ، لأن الزوج أسقط حقه فى الزوجية مقابل عوض التزمت به الزوجة برضاها وهى أهل لالتزامه وعلى هذا فإذا ثبت صحة ما جاء بهذا الإقرار وما هو وارد بالسؤال فإن هذه الزوجة تطلق من زوجها طلقة واحة بائنة لا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها ما لم يكن مسبوقا بطلاقين قبله ويسقط حقها فى طلب مؤخر صداقها ونفقة عدتها .
ويلزمها إعطاء هذا الزوج المبلغ الذى صرفه عليها المذكور قدره بالسؤال، وإذا لم تدفع هذا المبلغ يكون أثاث منزلها ملكا خالصا له عوضا عنه، وذلك لأن مؤخر صداقها ونفقة عدتها والمبلغ الذى صرفه عليها كل ذلك بدل عن طلاقها من زوجها ثبت له بمجرد طلاقها، وإن تأخرت عن دفع المبلغ الذى صرفه عليها كان أثاث منزلها عوضا عنه .
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تنازل عن مؤخر صداق لاحق للطلاق
المفتي
حسن مأمون .
رجب سنة 1377 هجرية - 16 فبراير سنة 1958 م
المبادئ
1 - التنازل اللاحق للطلاق بعد ايقاعه لا يجعله بائنا .
2 - وثيقة الطلاق هى المعتد بها قضاء لأنها ورقة رسمية لا يتوجه اليها الطعن إلا بالتزوير .
3 - للزوج حق مراجعة زوجته طالما كانت فى العدة من طلاق رجعى
السؤال
بالطلب المقدم من السيد ح ل ع الموظف المتضمن أن زوجته س ص ع رفعت عليه دعوى طلاق للضرر ودعوى نفقة لها ولأولادها وأنها للنزاع بينهما عمل عقد اتفاق بينهما فى 16/6/1957 من عدة أمور أولها كما جاء بعقد الاتفاق يقرر الطرف الأول أنه طلق الطرف الثانى زوجته وتعهد بتقديم وثيقة الطلاق فى خلال 24 ساعة من تاريخ توقيعه على هذا العقد كما وانه يطلقها ويردد عليها اليمين أمام الشهود وثالثها تعهدت الطرف الثانى بتنازلها عن مؤخر صداقها المستحق لها عند الطلاق ولا يحق لها المطالبة به سواء فى الحال أو الاستقبال ويعتبر هذا اقرارا نهائيا بتنازلها عنه وأنه وقع هذا الاتفاق وفى اليوم التالى من توقيعه طلقها بالاشهاد الصادر منه بتاريخ 17 يونيه لسنة 1957 م لدى مأذون المناصرة وجاء بالاشهاد(13/235)
أنه قرر أن هذا هو الطلاق الأول بينهما بعد الدخول والمعاشرة وفهمه بأن له مراجعتها إلى عصمته مادامت فى عدته شرعا وبعد شهر تقريبا راجع زوجته فادعت الزوجة بأنه ليس له لحق فى مراجعتها حيث أن الطلاق الثابت العقد المؤرخ 16/6/57 عقد الاتفاق المشار اليه يعتبر طلاقا بائنا لأنها بالبند الثالث تنازلت عن مؤخر صداقها فيكون طلاقا على مال وهو طلاق بائن وطلب السائل الافادة عن الحكم الشرعى فى هذا الموضوع
الجواب
أن الطلاق الوارد بورقة الاتفاق المذكورة الصادرة بتاريخ 16/6/1957 طلاق رجعى اذ لم يرد بها أن الطلاق كان نظير الابراء من مؤخر الصداق وكل ما ورد فيها أنه بعد أن أوقع الزوج الطلاق عليها تنازلت عن مؤخر الصداق والتنازل اللاحق للطلاق بعد ايقاعه لا يؤثر فيه بجعله بائنا، وبما أن الزوج نفذ ما تعهد به بورقة الاتفاق من تقديمه وثيقة الطلاق فى خلال 24 ساعة ووثق اليمين أمام المأذون بتاريخ 17/6/1957 وذكر بالوثيقة أنه الطلاق الأول وأن له مراجعتها مادامت فى العدة وبما أن وثيقة الطلاق هى المعتد بها قضاء لأنها ورقة رسمية لا يتوجه اليها إلا الطعن بالتزوير فيكون للزوج مراجعة زوجته مادامت فى العدة وبما أنه راجعها بعد شهر من تاريخ الطلاق كما ذكر بالسؤال فتكون الرجعة صحيحة لأن المدة من تاريخ الطلاق إلى تاريخ الرجعة لا تحتمل انقضاء العده شرعا وهذا ما لم تكن الزوجة حاملا ووضعت حملها بعد الطلاق وقبل الرجعة وبهذا علم الجواب على السؤال والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الابراء إنما يكون من المنصوص عليه
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
9 أبريل 1979 م
المبادئ
إبراء الزوجة زوجها من كافة حقوق الزوجية وطلاقها فى نظير هذا مسقط للمهر والنفقة قبل الطلاق .
أما نفقة العدة فلا تسقط إلا إذا شملها الإبراء صراحة
السؤال
بالطلب المتضمن أن زوج السائلة قد فوضها فى تطليق نفسها منه على الإبراء من كافة الحقوق الزوجية متى شاءت ويعتبر ذلك ملحقا بعقد الزواج الصادر بينهما .
وقد قضت المحكمة باثبات طلاقها منه طلقة بائنة فى 23/11/1978 فى نظير الإبراء من الحقوق الزوجية جميعها بالحكم الصادر من المحكمه والصادر هذا الطلاق منها بناء على تفويض زوجها إياها فيه على هذا الوصف .
وأودعت صورة ضوئية من هذا الحكم . وطلبت السائلة الإفادة عما إذا كان هذا الإبراء يتضمن الحقوق اللاحقة لهذا الطلاق وهى مؤخر الصداق ونفقة العدة .(13/236)
والحقوق السابقة عليه حيث إنه امتنع عن الإنفاق عليها منذ أكثر من سنتين وبيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
تقضى المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 ببعض أحكام الأحوال الشخصية المأخوذة من فقه بعض المذاهب الإسلامية من غير فقه مذهب أبى حنيفة (بأن تعتبر نفقة الزوجة التى سلمت نفسها لزوجها ولو حكما دينا فى ذمته من وقت امتناع الزوج عن الإنفاق مع وجوبه بلا توقف على قضاء أو تراض منهما، ولا يسقط دينها إلا بالأداء أو الإبراء) وبهذا صارت نفقة الزوجة دينا صحيحا ثابتا فى ذمة زوجها من وقت الامتناع فيرد عليها الإبراء صحيحا .
وبما أنه تبين من الاطلاع على صورة الحكم المرقوم أن الطالبة قد طلقت نفسها من زوجها نظير الإبراء من كافة حقوق الزوجية بمقتضى تفويضه إياها فى الطلاق نظير هذا الإبراء، وأنه حضر أمام المحكمة وأقر بصحة كل ذلك .
وقضت المحكمة بإثبات الطلاق من 23/11/1978 طلقة بائنة نظير الإبراء من كافة حقوق الزوجية، وبما أن فقه المذهب الحنفى الذى يجرى عليه القضاء فى هذه الواقعة بالإعمال للمادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية يقضى بأن إبراء الزوجة من كافة حقوق الزوجية وطلاقها فى نظير هذا مسقط لحقها فى المهر والنفقة الزوجية المستحقة قبل وقوع هذا الطلاق .
أما نفقة العدة التى تبدأ بالطلاق فلا تسقط إلا إذا شملها الإبراء صراحة .
ولما كان الظاهر من السؤال وصورة الحكم المشار إليه أن الإبراء لم يشمل نفقة العدة وإنما كان من كافة حقوق الزوجية التى تنحصر فيما كان قائما من حقوق بسبب عقد الزواج وقت هذا الطلاق نظير الإبراء ومن ثم فإنه فى هذه الواقعة يسقط حق السائلة فى نفقة الزوجية المستحقة حتى 22/11/1978 وفى مؤجل الصداق إن كان .
وتستحق فقط نفقة العدة بجميع أنواعها من تاريخ هذا الطلاق 23/11/1978 حتى انقضائها شرعا أو إلى غايتها قانونا .
ومن هذا يعلم جواب السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
نفقة صغير وحضانة
المفتي
حسونة النواوى .
4 ربيع آخر 1314 هجرية
المبادئ
1- طلاق المرأة على الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة وتحملها بنفقة حملها المستكن حتى سن الحضانة واقع ونافذ .(13/237)
2- إذا أدعت الفقر بعد ذلك وطالبته بنفقة وأجر حضانة للمولود الجديد على أن يرجع بها عليها عند اليسار حكم لها بما طلبت بشرط قيام الإثبات عليه عند الإنكار أو قيام المصادقة منه على ذلك
السؤال
بإفادة من نظارة الحقانية مؤرخة فى 2 ربيع ثانى سنة 1314 هجرية مضمونهاأنه مرسل ضمن السبع ورقات طيه صورة مادة تقرير وأجرة حضانة صدرت بمحكمة اسكندرية الشرعية بين ع .
م. ومطلقته ولطعنه فى هذا التقرير طلبت صورته ووردت بمكاتبة المحكمة المذكورة المؤرخة فى 31 أغسطس سنة 1896 م بأمل الاطلاع عليها وإفادة النظارة بما يقتضيه الحكم الشرعى ومضمون صورة المادة المذكورة أنه بمحضر شاهدى المعرفة حضرت المرأة المكلفة ن .
وأحضرت معها الرجل المكلف أ. وبعد تحقق معرفتهما عينا وإسما ونسبا بشهادة منم ذكر وتحقق طلاقها منه طلاقا ثاينا بائنا بالخلع على نفقة عدتها ومؤخر صداقها وتحملها بنفقة حملها المستكن برحمها بعد انفصاله إن كان ذكرا فلسبع سنين وإن كانت أنثى فلتسع سنين وتحقق تقرير نفقة شرعية عليه لنبته منها زكية التى فى حضانتها ولا مال لها عن كل يوم قرش واحد صاغا بموجب حجة شرعية محررة بجميع ذلك مسطرة فى هذه المحكمة ومسجلة بها فى 29 جمادى الثانى سنة 1313 هجرية عرفت المرأة المذكورة أن الحمل الذى كان مستكنا برحمها وقت طلاقها المذكور قد انفصل بعده بولد يسمى محمد الرضيع الفقير الذى لا مال له وفى حضانتها وأنها فقيرة جدا لا تملك شيئا وأن أحمد على المذكور هذا موسر قادر على الإنفاق على ولده محمد المذكور وأنها لما طلبت منه أن ينفق عليه على أن يرجع عليها بما يدفعه لها من النفقة المذكورة إذا أيسرت لكونه لم يكن صاحب مائدة وأن يقرر لها أجرة حضانتها لولديها المذكورين امتنع عن ذلك وطلبت من قاضى المحكمة المذكورة وحضرتى عضوى المجلس الشرعى بها تقرير نفقة شرعية عليه لولده المذكور فقر المرأة المذكورة بشهادة الشاهدين المذكورين وتصديق المطلق المذكور على ما ذكر جميعه قرروا على أحمد على المذكور نفقة شرعية لولده المذكور عن كل يوم من تاريخه عشرين فضة صاغا مادام فى حضانة أمه المذكورة ومادامت هى فقير ليرجع بها عليها إذا أيسرت وعشرين فضة صاغا نظير أجرة حضانتها له عن كل يوم من تاريخه مادام فى حضانة أمه المذكورة وعشرين فضة صاغا أجرة حضانتها للبنت المذكورة عن كل يوم من تاريخه مادامت فى حضانة أمها المذكورة .
ورضيت بذلك المرأة، المذكورة وطلبت من القاضى والعضوين المذكورين أمره بأداء النفقة وأجرة الحضانة المذكورتين إليها فعند ذلك أمروه بأداء النفقة وأجرة الحضانة المذكورتين إليها على الوجه المشروح أعلاه صدر ذلك بحضور من ذكر أعلاه وضبط فى 7 يونية سنة 1896 م و 25 الحجة سنة 1313 هجرية متتابعة مضبطة
الجواب(13/238)
بالاطلاع على هذه الإفادة المسطورة يمينه وعلى صورة مادة أحمد على ماضى ومطلقته المسجلة بمحكمة ثغر الاسكندرية الشرعية فى 15 يونية سنة 1869 م المشمولة بختم المحكمة المذكورة وعلى باقى الأوراق المتعلقة بذلك ظهر أن ما تضمنته الصورة المذكورة من تقرير النفقة وأجرة الحضانة على الوجه المسطور بتلك الصورة موافق شرعا
ـــــــــــــــــــ
دين مؤخر الصداق فى التركة
المفتي
محمد عبده .
محرم 1318 هجرية
المبادئ
دين مؤخر صداق الزوجة فى التركة كسائر الديون، فتقسم التركة بين الدائنين كل على قدر دينه متى كانت التركة مستغرقة بالديون
السؤال
من السيد / محمد ن .
من موظفى مجلس شورى القوانين عن رجل مات عن زوجته وولده، واستغرقت تركة هذا الرجل الميت الديون الثابتة عليه شرعا لأشخاص متعددين .
وزوجته تطالبه بمؤخر صداقها وهو دين على المتوفى زوجها وتزعم أنها أولى من كل دائن فى أخذ مؤخر صداقها بالكامل من تركته، وما يبقى يقسم على الديانة قسمة عرفا فهل لها حق فى الامتياز عن باقى الديانة أو مثلها مثلهم فى تقسيم التركة عليهم كل بحسب ما يخصه أفيدوا الجواب
الجواب
متى كانت التركة مستغرقة كما فى السؤال فيكون دين الزوجة كسائر الديون فليس لها أخذه بتمامه من هذه التركة بل تقسم بينها وبين أرباب الديون سواها قسمة عرفا، كل منهم على قدر دينه والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
كفن المرأة ومؤخر صداقها بعد موتها
المفتي
محمد إسماعيل البرديسى .
شوال 1338 هجرية - 12 يولية 1920 م
المبادئ
1 - كفن المرأة على زوجها لا من تركتها ويكون بلا تبذير ولا تقتير .
2 - مؤخر الصداق دين فى ذمة الزوج ويقسم على جميع ورثتها قسمة الميراث
السؤال
من إ .
محمد فى امرأة توفيت عن زوجها ووالدتها وأخ وأختين أشقاء لا غير وتركت ما يورث عنها شرعا .(13/239)
فما نصيب كل واحد من الورثة المذكورين فى تركتها، وهل تجهيزها وتكفينها ودفنها لغاية القبر يخصم من تركتها أم هو واجب على الزوج خاصة ، وهل مصاريف ليلة المأتم من أجرة فقهاء وثمن طعام وأجرة فراش تلزم الزوج أيضا أم لا، وهل لو فعل الزوج ما زاد عن التجهيز والتكفين بدون إذن الورثة يكون متبرعا به ولا يلزم الورثة بشىء من ذلك أم لا، وهل مؤخر الصداق الباقى فى ذمة الزوج يضم إلى تركة المتوفاة ويقسم مع التركة على عموم الورثة أم كيف الحال أفيدوا الجواب ولكم الثواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن المنصوص عليه شرعا أن كفن المرأة على زوجها بلا تبذير ولا تقتير بفعل ما تحتاجه من حين موتها إلى حين دفنها من الكفن الوسط عددا وهو كفن السنة بأن يكون ثلاثة أثواب قميص وإزار ولفافة وقيمته من نوع ما تلبسه لزيارة أبويها، وأما ما زاد على ذلك فغير لازم شرعا، وإذا ماتت الزوجة ولم تقبض فى حياتها مؤخر صداقها من زوجها المذكور فبوفاتها يكون ذلك دينا فى ذمته فيضم إلى أصل تركتها ويقسم على بجميع ورثتها بما فيهم زوجها المذكور، وحيث انها توفيت عن زوجها ووالدتها وأخ وأختين أشقاء فتقسم جميع تركتها بما فيها مؤخر صداقها بين ورثتها المذكورين للزوج النصف فرضا ولأمها السدس فرضا والباقى لأخيها وأختيها الأشقاء تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
أم وإخوة لأم وإخوة وزوجة لها مقدم ومؤخر صداق
المفتي
حسنين محمد مخلوف .
شوال سنة 1368 هجرية - 30 سنة 1949 م
المبادئ
1 - مقدم الصداق ومؤخره من الديون المتعلقة بالتركة وتستوفيه الزوجة من التركة أولا قبل تقسيمها
السؤال
من م .
قطب قال توفى لرحمة الله أخى الشقيق إ .
قطب عن والدته م .
محمد وعن إخوة أشقاء من الأم والأب وهم ع. قطب وح .
قطب ود. قطب و ن قطب وعن أخوين من الأم فقط وهما ق م قطب و ز م قطب وعن زوجة لم يدخل بها وتستحق مقدم صداقها بسند ولها مؤجل صادقها بقسيمة ولم يعقب فما نصيب كل فى تركة أخى المتوفى المذكور ومن يرث ممن ذكروا ومن لا يرث وما حصة كل من الورثة فى التركة وما حكم صداق الزوجة التى لم يدخل بها مؤخره ومعجلة(13/240)
الجواب
لأم المتوفى سدس تركته فرضا لوجود عدد من الإخوة ولأخويه لأمه ثلثها مناصفة بينهما فرضا لعدم وجود الفرع الوارث أو الأصل المذكر ولزوجته ربعها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولإخوته الأشقاء الباقى للذكر مثل حظ الأنثيين تعصيبا .
وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة أما مهر هذه الزوجة فإنه يجب لها جميعه حالا ومؤجلا لأن الوفاة مؤكدة لتمامه كالدخول فتستوفيه جميعه من تركته قبل قسمتها على الورثة .
وهذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
دين مؤخر الصداق
المفتي
محمد خاطر .
صفر سنة 1395 هجرية - 18 فبراير 1975 م
المبادئ
1 - دين مؤخر الصداق يحل بوفاة الزوج ويقدم على حق الورثة .
2 - بانحصار الإرث فى أب وأم وزوجة وبنت يكون للزوجة الثمن فرضا وللأم السدس فرضا وللبنت النصف فرضا وللأب السدس فرضا والباقى تعصيبا
السؤال
من السيد / عبد الفتاح عبد الله بطلبه المتضمن هو وما ألحق به من بيان وفاة المرحوم عواد عفيفى سنة 1973 عن زوجته وعن بنته وعن والده ووالدته فقط - وطلب السائل بيان من يرث ومن يرث ونصيب كل وارث مع بيان هل يحق للزوجة مؤخر صداقها من زوجها المتوفى أم لا
الجواب
إنه بوفاة المرحوم عواد عفيفى سنة 1973 عن المذكورين فقط يكون لزوجته ثمن تركته فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنته نصف تركته فرضا لانفرادها وعدم وجود من يعصبها من الإخوة الذكور ولأمه السدس فرضا لوجود الفرع الوارث ولأبيه السدس فرضا والباقى تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب .
وهذا إذا لم يكن للمتوفى المذكور وارث آخر غير من ذكر ولا فرع يستحق وصية واجبة .
أما بالنسبة لمؤخر الصداق الخاص بزوجة المتوفى فهو دين فى ذمة الزوج يحل بأقرب الأجلين شرعا الطلاق أو الموت وقد حل بالموت وهو دين مقدم على حق الورثة فتستوفيه الزوجة من تركة زوجها المتوفى قبل توزيعها على جميع الورثة .
ومن هذا يتضح الجواب .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق على الابراء لا يعقب ميراثا
المفتي(13/241)
حسنين محمد مخلوف .
ربيع أول سنة 1372 هجرية - 27 من نوفمبر سنة 1952 م
المبادئ
1 - المطلقة بائنا على الابراء والمتوفاة قبل زوجها لا ترثان لانعدام سبب الارث .
2 - بانحصار الارث فى أولاد المتوفى تكون التركة لهم جميعا تعصيبا للذكر منهم مثل حظ الانثيين
السؤال
طلب مدير أعمال هندسة شبرا ( تقسيم تركة المرحوم أبو العلا محمد على )
الجواب
اطلعنا على كتاب هندسة شبرا المؤرخ 28/10/1952 وعلى الوراق المرفقه به ومنها الكتاب المؤرخ 24 ابريل سنة 1950 المتضمن وفاة المرحوم أبو العلا محمد عبى عن مطلقته رسمية دسوقى قطب ومطلقته سعدية زكى عبد النبى وزوجته المتوفاة قبله بعشر سنوات جوهرة عوف وأولاده وهم ابنان وبنتان فقط وقد دل الكتاب رقم 418 المؤرخ 23/5/1950 على وفاة المذكور فى 29 ديسمبر سنة 1949 كما دل اشهاد طلاق رسمية دسوقى قطب على أنها مطلقة نظير الابراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة فى 7 سبتمبر سنة 1948 كما دل اشهاد طلاق سعدية زكى عبد الغنى بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1949 على طلاقها بعد الابراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة فتكون المطلقتان المذكورتان بائنتين ونفيد أن جميع تركة المتوفى لأولاده تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ لمطلقته بائنا على البراءة ولا لزوجته المتوفاة قبله لانعدام سبب الارث وهذا إذا لم يكن للمتوفى وارث أخر ولا فرع يستحق وصية واجبة والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
دين مؤخر الصداق مقدم على الإرث
المفتي
محمد بخيت .
ذى الحجة 1337 هجرية - 11 سبتمبر 1919 م
المبادئ
مؤخر صداق المرأة دين يقدم على الميراث
السؤال
توفى رجل عن زوجته وعن والده وعن والدته .
وقد قدمت زوجته إلى الجهة التى كان يعمل بها طلبا ترغب به صرف مؤخر صداقها وقدره 10 جنيهات من المستحق إليه .
وبما أن ماهيته هى مبلغ 3 جنيهات و 617 مليما .
فكيف يصرف المستحق له لكل منهم
الجواب
اطلعنا على خطاب المحافظة رقم 3 سبتمبر 1919 وعلى باقى الأوراق المرسلة معه، وتبين منها أن الزوجة المذكورة تستحق بذمة زوجها مبلغ 10 جنيهات مؤخر(13/242)
صداقها بمقتضى قسيمة الزواج رقم 6 الحجة سنة 1336 نمرة 12836 الصادرة من مأذون قسم الخليفة، وحيث إن قسيمة الزواج من الأوراق الرسمية كما قضت بذلك المادة 132 من قانون المحاكم الشرعية رقم 31 لسنة 1910 فمتى لم يثبت أنها مزورة تكون حجة فيما تضمنته بمقتضى المادة 134 من ذلك القانون وكافية للحكم بها بدون حاجة إلى غيرها، كما قضت بذلك المادة 138 من ذلك القانون .
وحيث إنه فضلا عما ذكر فقد قال فى فتاوى الانقروية بصحيفة 83 ج 2 مانصه (مات وعليه ديون لا تفى التركة بها وادعت امرأته مهرها، فالقول قولها إلى مقدار مهر مثلها من غير بينة فتحاص الغرماء به كما إذا وقع الاختلاف بينها وبين الورثة ولم يلتفت إلى ما يتحامل من الفرق .
فبناء على ذلك يكون مؤخر الصداق البالغ قدره 10 جنيهات دينا بذمة المتوفى المذكور .
وبوفاته انتقل إلى تركته والدين مقدم على الميراث، فحينئذ يصرف مبلغ 3 جنيهات و 617 مليما المذكور للزوجة وحدها من مؤخر صداقها المذكور، ولا شىء لوالده ووالدته .
لأن الإرث لا يكون إلا بعد سداد الديوان
ـــــــــــــــــــ
مؤخر الصداق والميراث
المفتي
حسنين محمد مخلوف .
محرم سنة 1369 هجرية - 16 من نوفمبر سنة 1949 م
المبادئ
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة تركة يرثه ورثتها ويقسم بينهم قسمة الميراث
السؤال
من حسن خالد قال توفيت سيدة فى سنة 1944 عن ورثتها الشرعيين وهم زوجها وبنتها وأبوها وأمها وتركت ما يورث عنها شرعا مؤخر صداقها فهل يرث أبوها وأمها وبنتها فى مؤخر صداقها أم لا .
وهل للزوج أبى البنت أن يضع ما يخص ابنته فى ميراث أمها من متأخر صداق وخلافه فى احدى البنوك أو احدى الشركات
الجواب
اطلعنا على السؤال والجواب أن مؤخر صداق الزوجة المتوفاة من تركتها يرثه ورثتها فلكل من أبيها وأمها سدسه فرضا ولزوجها ربعه فرضا لوجود الفرع الوارث ولبنتها نصفه فرضا فأصل المسألة من أثنى عشر سهما وتعول إلى ثلاثة عشر لكل من أبيها وأمها سهمان ولزوجها ثلاثة أسهم ولبنتها ستة ولأبى البنت القاصر ولاية قبض نصيب بنته المذكورة ويسوغ له ايداعه للحفظ بأحد المصارف واستثماره بمعاملة جائزة شرعا ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
شبكة الزوجة ميراث عنها(13/243)
المفتي
أحمد هريدى .
رمضان سنة 1383 هجرية - 18 من يناير سنة 1964 م
المبادئ
1 - الشبكة للزوجة هبة لها من زوجها وتتم بالقبض وتكون ملكا لها وجزءا من تركتها تورث عنها ان كانت باقية .
2 - مؤخر الصداق ملك خالص للزوجة ومن تركتها ويورث عنها .
3 - متى استغرقت الفروض التركة فلا ميراث للعصبة .
4 - بانحصار الارث فى زوج وأخت شقيقة وأخوة لم يكون للزوج النصف فرضا ولأخت الشقيق النصف فرضا وللأخوة لأم الثلث فرضا بالسوية وفيها عول
السؤال
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد / سعيد اسماعيل المتضمن وفاة المرحومة زينب اسماعيل عن زوجها وأختها الشقيقة وأخوتها لأمها وأخوتها لأبيها فقط وطلب السائل بيان من يرث ومن لا يرث ونصيب كل وارث وهل من حق زوج هذه المتوفاة رد الشبكة التى قدمها اليها اثناء خطبتها وهل من حق ورثتها مطالبة زوجها بمؤخر صداقها
الجواب
بوفاة المرحومة زينب اسماعيل ابراهيم عنتر عن المذكورين فقط يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأختها الشقيقة النصف فرضا ولأخوتها لأمها الثلث بالتساوى بينهم ( الذكر كالأنثى ) فرضا والمسألة من ستة أسهم وتعول إلى ثمانية أسهم لزوجها منها ثلاثة أسهم ولأختها الشقيقة ثلاثة أسهم ولأخوتها لأمها سهمان يقسمان بالسوية بينهم ( الذكر كالأنثى ) ولا شئ لأخوتها لأبيها ( ذكورا واناثا ) لأنهم عصبة وقد استغرقت أنصباء ذوى الفروض التركة .
ولا حق لزوج هذه المتوفاة فى رد شبكتها لأنها هبة قد تمت بالقبض وتملكتها الزوجة وتصبح جزءا من تركمتها وتورث عنها ان كانت باقية ومن حق ورثة هذه المتوفاة مطالقة زوجها بمؤخر صداقها لأنه ملك خالص لزوجته المتوفاة ويصبح من تركتها ويورث عنها وهذا إذا لم يكن لهذه المتوفاة وارث آخر والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة تركة
المفتي
محمد خاطر .
شعبان سنة 1395 هجرية - 17 من أغسطس سنة 1975 م
المبادئ
مؤخر صداق الزوجة المتوفاة دين فى ذمة زوجها يضاف إلى تركتها ويقسم قسمة الميراث
السؤال(13/244)
اطلعنا على الطلب المقدم من السيد رقيب أول فتحى أحمد المتضمن وفاة المرحومة هلالية أحمد سنة 1975 عن زوجها صدقى عبيد بدوى وأمها فاطمة عبد الوهاب جمعة وأخوتها الأشقاء فتحى ( الطالب ) ومحمد وابراهيم وحمادة ورضا ( ذكر ) فقط .
وطلب السائل الافادة عن نصيب كل وارث فى تركة المتوفاة المذكورة كما طلب الافادة عن الحكم بالنسبة لمؤخر الصداق أم مقدم الصداق فقد قرر السائل أنه قد تم قبضه عند العقد
الجواب
المقرر فقها أن المهر يجب بالعقد ويتأكد جميعه بأمور منها وفاة أحد الزوجين وعلى هذا فبوفاة الزوجة موضوع السؤال تستحق الزوجة المذكورة جميع المهر مقدمه ومؤخره ويعتبر مؤخر الصداق دينا فى ذمة الزوج يضاف إلى تركتها ويقسم مع باقى تركتها على ورثتها الشرعيين وبوفاة الزوجة المذكورة المرحومة هلالية أحمد عبد الفضيل سنة 1975 عن المذكورين فقط يكون لزوجها نصف تركتها فرضا لعدم وجود الفرع الوارث ولأمها سدسها فرضا لوجود جمع من الاخوة ولأخوتها الأشقاء الباقى بعد النصف والسدس - وهو الثلث بالسوية بينهم تعصيبا لعدم وجود عاصب أقرب وهذا إذا لم يكن للمتوفاة المذكورة وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الدخول بالمرأة والخلوة بها
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لو عقد شخص على امرأة ثم قبَّلها أو سافر بها فى مكان بعيد عن أهلها ولم يتصل بها جنسيا ثم طلقها، هل يعتبر طلاقا قبل الدخول أو بعده ؟
الجواب
الدخول الحقيقى الذى تترتب عليه أحكامه يحصل باللقاء الجنسى المعروف ، وذلك عند جمهور الفقهاء ، فالتقبيل أو الخلوة الخالية من ذلك لا تترتب عليه أحكام الدخول ، لكن الإمام أبا حنيفة جعل للخلوة أحكاما تشترك فيها مع الدخول ، واشترط أن تكون الخلوة صحيحة ، وتكون صحيحة إذا كان الزوج مع الزوجة فى مكان يأمنان فيه من دخول أحد عليهما أو إطلاعه على سرهما ، وألا يكون هناك ما يمنع من الاختلاط ، مستدلا بما رواه الدارقطنى " من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصداق ، دخل بها أو لم يدخل " وبما روى عن زرارة بن أبى أوفى أنه قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى عليها الستور وأغلق الباب(13/245)
فلها الصداق كاملا وعليها العدة ، دخل بها أم لم يدخل . وحكى الطحاوى من أئمة الحنفية أن على هذا إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم .
فإذا لم تكن الخلوة صحيحة فلا تكون فى الحكم كالدخول . كأن كانا فى مكان لا يأمنان فيه من دخول أحد أو إطلاعه عليهما ، أو كان معهما شخص ثالث يعقل ، أو كان هناك مانع من الاختلاط .
والمانع إما حسى كالمرض أو صغر السن ، أو كانت الزوجة بها مانع خلقى لا يمكن معه الاختلاط ، وإما مانع شرعى كالحيضى أو صيام رمضان أو إحرام بالحج أو العمرة .
والخلوة الصحيحة تشارك الدخول الحقيقى عند الأحناف فى أحكام وتخالفه فى أحكام ، فالمشاركة فى خمسة :
ا -تأكد المهر كله للزوجة .
2-وجوب العدة عليها إذا وقعت فرقة بعد الخلوة بها .
3- وجوب نفقة العدة على المطلق .
4 -ثبوت نسب الولد منه .
5 - حرمة التزوج بامرأة أخرى محرم لها كالأخت وتزوج خامسة وذلك فى أثناء العدة .
6 -وقوع الطلاق عليها ما دامت فى العدة .
والمخالفة فى سبعة :
ا - لا يثبت بها إحصان فلا ترجم إن زنت .
2 - حرمة الربيبة فإن الشرط الدخول بأمها دخولا حقيقيا .
3- حل المطلقة ثلاثا لا يكون إلا بالدخول .
4 - الرجعة فلا تحصل عنده إلا بالاتصال الجنسى .
5 -إرجاعها بدون عقد فلا يجوز إلا بعد الدخول الحقيقى .
6 -الميراث فلا يرث أحدهما الآخر قبل الدخول الحقيقى لو طلقها ومات فى العدة .
7 - لا تعامل معاملة الثيب لو طلقها قبل الدخول الحقيقى وأرادت أن تتزوج . بل تعامل كالبكر. [ ملخص من كلام الشيخ عبد الرحمن تاج فى كتابه " أحكام الأحوال الشخصية ص 131 - 1136 ] .
ثم تحدث عن المذاهب بخصوص المهر ، فقال : إن الخلوة الصحيحة توجب المهر كله عند الحنفية والحنابلة، ولا توجبه عند الشافعية، وأما المالكية فقالوا : إن اختلى بها مدة طويلة كسنة مع عدم الموانع من المخالطة ، كانت الخلوة كالدخول فى تأكد المهر كله حتى لو اعترف الطرفان بعدم المخالطة . ويراجع الكتاب لاستكمال رأى المالكية انظر تفسير القرطبى فى سورة النساء "وقد أفضى بعضكم إلى بعض "ج 3 ص ه . 2 ، ج ه ص 102
ـــــــــــــــــــ
الصداق
المفتي
عطية صقر .(13/246)
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل فى الإسلام شىء عن مؤخر ومقدم الصداق ، وما رأى الدين فى حالة تنازل المرأة عنه ، وما حكم المغالاة فى المهور ؟
الجواب
الصداق عِوَض يدفع للمرأة عند النكاح ، وهو ملك لها لا يجوز لوليها أو زوجها أن يأخذ شيئا منه إلا برضاها ، كما قال تعالى{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء :
4 ، وقال {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21 .
المهر يجوز أن يدفع مرة واحدة ، وأن يدفع على أقساط ، وذلك حسب الاتفاق وهو يجب بمجرد العقد ويتأكد بالدخول ، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف ، كما قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح } البقرة : 337 ، أما الطلاق بعد الدخول فلا يبيح له استرداد شيء منه ، وما دام المهر ملكا للزوجة فهى حرة التصرف فيه ما دامت عاقلة رشيدة ، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو بعضه ، . كما تنص عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخلع أن تتنازل عنه كله أو بعضه بل تعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء ، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردت إليه مهرها وهو حديقة أو حديقتان على خلاف فى الروايات وكان ذلك بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ما رواه البخارى ، وذلك بعد قوله تعالى{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } البقرة : 229 .
وليس للصداق حد أدنى فيجوز أن يكون بكل ما يُموَّل، لحديث "التمس ولو خاتما من حديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقل عن ربع دينار، وبعضهم ألا يقل عن عشرة دراهم ، بل يجوز أن يكون منفعة .
ولا حد لأكثره بدليل آية{وآتيتم إحداهن قنطارا" وقد ندب النبى صلى الله عليه وسلم إلى عدم المغالاة فيه ، فقد روى أحمد والبيهقى بإسناد جيد حديث "من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها "يعنى بالولادة، ولم يرض لفقير أن يكلف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرا كبيرا بالنسبة إليه ، فقد روى مسلم حديث الرجل الذى تزوج على أربع أواق فاستنكره النبى صلى الله عليه وسلم وقال "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه ... " فالمدار كله على طاقة الزوج والناس مختلفون فى ذلك ، والغالب أن المغالاة فى المهور تكون من جهة الزوجة ، إلى جانب ما يطلب(13/247)
من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى ، وهو أمر له نتائجه الخطيرة ، فهو يقلل من الإقبال على الزواج وبخاصة فى الظروف الاقتصادية الحرجة ولو استدان الزوج قد يعجز عن الوفاء ، وذلك له أثره على حياتها الزوجية، قد يحس بالنفور والامتعاض من الزوجة التى تسببت له فى الهم بالليل والذل بالنهار .
ومن أجل هذا نهى عمر عن المغالاة فى المهور بما يشبه أن يكون قرارا يسرى على الجميع ، غير أن امرأة ذكرته بقوله تعالى : {وآتيتم إحداهن قنطارا } فرجع عن فكرته .
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين الطرفين فى تيسير أمر الزواج بل على المجتمع ممثلا فى المسئولين أن يتدخل من أجل مصلحة الجميع
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: مؤخر الصداق بعد وفاة الزوج.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 1843 لسنة 2003 م المتضمن :-
ما هو الحكم الشرعي في مؤخر صداق الزوجة وكيفية سداده للزوجة بعد وفاة الزوج ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
مؤخر الصداق ديناً في ذمة الزوج لأقرب الأجلين الطلاق أو الوفاة ولا يسقط هذا الدين إلا بالأداء أو الإبراء .
فبوفاة الزوج حل أجل الدين - مؤخر الصداق - فوجب أن يؤدي إلى الزوجة من تركة زوجها قبل توزيعها ثم بعد ذلك توزع تركته على ورثته الشرعيين كل حسب نصيبه ومنهم هذه الزوجة .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 354)
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَوْلِهِمْ : هَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَرُبَّمَا كَانَ حُكْمًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : تَطْهِيرُ الْمَاءِ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ خِلَافُ الْقِيَاسِ بَلْ وَتَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالسَّلَمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْإِجَارَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْقَرْضُ وَصِحَّةُ صَوْمِ الْمُفْطِرِ نَاسِيًا وَالْمُضِيُّ فِي الْحَجِّ الْفَاسِدِ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ : فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ صَوَابٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُعَارِضُ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ النَّصَّ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ(13/248)
فَصْلٌ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَقَالَ مَنْ قَالَ : هِيَ خِلَافُ الْقِيَاسِ ؛ لِكَوْنِهِ بَيْعَ مَالِهِ بِمَالِهِ . وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَالسَّيِّدُ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي بَدَنِهِ فَإِنَّ السَّيِّدَ حَقُّهُ مَالِيَّةُ الْعَبْدِ فِي إنْسَانِيَّتِهِ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى إنْسَانٌ مُكَلَّفٌ فَيَلْزَمُهُ الْإِيمَانُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ لِأَنَّهُ إنْسَانٌ وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْعَبْدُ بِمَا فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَحِينَئِذٍ لَا مِلْكَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ فَالْكِتَابَةُ : بَيْعُهُ نَفْسَهُ بِمَالِ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى نَفْسَهُ كَانَ كَسْبُهُ لَهُ وَنَفْعُهُ لَهُ وَهُوَ حَادِثٌ عَلَى مِلْكِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لَكِنْ لَا يُعْتَقُ فِيهَا إلَّا بِالْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْعِوَضَ فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِوَضُ وَعَجَزَ الْعَبْدُ عَنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْمَبِيعِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ . وَلِهَذَا يَقُولُ : إذَا عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ لِإِفْلَاسِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي الْمَبِيع فَالْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ فَعَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ الْعِوَضِ كَعَجْزِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْمُعَاوَضَاتِ إذَا عَجَزَ الْمُعَاوِضُ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْعِوَضِ كَانَ لِلْآخَرِ الرُّجُوعُ فِي عِوَضِهِ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَجْزُ الرَّجُلِ عَنْ الصَّدَاقِ وَعَجْزُ الزَّوْجِ عَنْ الْوَطْءِ وَطَرْدُهُ عَجْزُ الرَّجُلِ عَنْ الْعِوَضِ فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ
الْقِصَاصِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 26)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ . عَنْ صَدَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا تَمُرُّ عَلَيْهِ السُّنُونَ الْمُتَوَالِيَةُ لَا يُمْكِنُهَا مُطَالَبَتُهُ بِهِ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ ثُمَّ إنَّهَا تَتَعَوَّضُ عَنْ صَدَاقِهَا بِعَقَارِ أَوْ يُدْفَعُ إلَيْهَا الصَّدَاقُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ السِّنِينَ ؛ فَهَلْ تَجِبُ زَكَاةَ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ ؟ أَمْ إلَى أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ حِينِ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ : قِيلَ : يَجِبُ تَزْكِيَةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَقَدْ نَصَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا . وَقِيلَ يَجِبُ مَعَ يَسَارِهِ وَتَمَكُّنِهَا مِنْ قَبْضِهَا دُونَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَمْكِينُهُ مِنْ الْقَبْضِ كَالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي مَذْهَبِهِمَا . وَقِيلَ : تَجِبُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ . كَقَوْلِ مَالِكٌ وَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَقِيلَ : لَا تَجِبُ بِحَالِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَأَضْعَفُ الْأَقْوَالِ : مَنْ يُوجِبُهَا لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ حَتَّى مَعَ الْعَجْزِ عَنْ قَبْضِهِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ بَاطِلٌ فَأَمَّا أَنْ يَجِبَ لَهُمْ مَا يَأْخُذُونَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ ثُمَّ إذَا طَالَ الزَّمَانُ كَانَتْ الزَّكَاةُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ . ثُمَّ إذَا نَقَصَ النِّصَابَ وَقِيلَ : إنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عَيْنِ النِّصَابِ لَمْ يُعْلَمْ الْوَاجِبُ إلَّا بِحِسَابٍ طَوِيلٍ يَمْتَنِعُ إتْيَانُ الشَّرِيعَةِ بِهِ . وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَنْ لَا يُوجِبُ فِيهِ شَيْئًا بِحَالِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَوْ يُوجِبُ فِيهِ زَكَاةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْقَبْضِ فَهَذَا الْقَوْلُ لَهُ وَجْهٌ وَهَذَا وَجْهٌ . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٌ وَكِلَاهُمَا قِيل بِهِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 407)(13/249)
فَصْلٌ وَمِنْ الْحُقُوقِ الْأَبْضَاعِ فَالْوَاجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفِ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانِ . فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْآخَرِ حُقُوقَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ ؛ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ حَقًّا فِي مَالِهِ وَهُوَ الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ . وَحَقًّا فِي بَدَنِهِ وَهُوَ الْعِشْرَةُ وَالْمُتْعَةُ ؛ بِحَيْثُ لَوْ آلَى مِنْهَا اسْتَحَقَّتْ الْفُرْقَةَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا فَلَهَا الْفُرْقَةُ ؛ وَوَطْؤُهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ لَا يَجِبُ اكْتِفَاءٌ بِالْبَاعِثِ الطَّبِيعِيِّ . وَالصَّوَابُ : أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْأُصُولُ . وَقَدْ { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا رَآهُ يُكْثِرُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ - : إنَّ لِزَوْجِك عَلَيْك حَقًّا } . ثُمَّ قِيلَ : يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا كُلَّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مُرَّةً . وَقِيلَ : يَجِبُ وَطْؤُهَا بِالْمَعْرُوفِ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ وَحَاجَتِهَا . كَمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ كَذَلِكَ ؛ وَهَذَا أَشْبَهُ . وَلِلرَّجُلِ عَلَيْهَا أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا أَوْ يَشْغَلْهَا عَنْ وَاجِبٍ . فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ كَذَلِكَ . وَلَا تَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِ الشَّارِعِ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ عَلَيْهَا خِدْمَةُ الْمَنْزِلِ كَالْفَرْشِ وَالْكَنْسِ
وَالطَّبْخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ : يَجِبُ عَلَيْهَا . وَقِيلَ : لَا يَجِبُ . وَقِيلَ : يَجِبُ الْخَفِيفُ مِنْهُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 461)
وَأَيْضًا : فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ فِي قَوْله تَعَالَى { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } وَالسُّنَّةُ فِي حَدِيثِ بروع بِنْتِ وَاشِقٍ وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ : عَلَى جَوَازِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِدُونِ فَرْضِ الصَّدَاقِ . وَتَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا دَخَلَ بِهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَإِذَا مَاتَ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِحَدِيثِ بروع بِنْتِ وَاشِقٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مُتَقَارِبٌ لَا مَحْدُودٌ فَلَوْ كَانَ التَّحْدِيدُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَهْرِ مَا جَازَ النِّكَاحُ بِدُونِهِ وَكَمَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ وَعَنْ بَيْعِ اللَّمْسِ وَالنَّجْش وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ } فَمَضَتْ الشَّرِيعَةُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ قَبْلَ فَرْضِ الْمَهْرِ وَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَعَ تَبْيِينِ الْأَجْرِ فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا . وَسَبَبُهُ : أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ - وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ - غَيْرُ مَحْدُودَةٍ ؛ بَلْ الْمَرْجِعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ ؛ فَكَذَلِكَ عِوَضُهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ وَإِنَّمَا هُوَ نِحْلَةٌ تَابِعَةٌ ، فَأَشْبَهَ الثَّمَرَ التَّابِعَ لِلشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ
. وَكَذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَبَيْنَ الْمَالِ فَاخْتَارُوا السَّبْيَ وَقَالَ لَهُمْ : " { إنِّي قَائِمٌ فَخَاطَبَ النَّاسَ فَقُولُوا : إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَنَسْتَشْفِعُ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ . وَقَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : إنِّي قَدْ رَدَدْت عَلَى هَؤُلَاءِ سَبْيَهُمْ فَمَنْ شَاءَ طَيَّبَ ذَلِكَ وَمَنْ شَاءَ فَإِنَّا نُعْطِيهِ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشْرَ قَلَائِصَ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا } فَهَذَا مُعَاوَضَةٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ كَعِوَضِ الْكِتَابَةِ بِإِبِلٍ مُطْلَقَةٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ مُتَفَاوِتٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ " { أَنَّ(13/250)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَهُمْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجْلُوا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَلْقَةُ وَهِيَ السِّلَاحُ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا . فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ } فَهَذَا مُصَالَحَةٌ عَلَى مَالٍ مُتَمَيِّزٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " { صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ : النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَارِيَةِ ثَلَاثِينَ
دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُونَ بِهَا وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ أَوْ غَارَةٌ } رَوَاهُ أَبُو داود . فَهَذَا مُصَالَحَةٌ عَلَى ثِيَابٍ مُطْلَقَةٍ مَعْلُومَةِ الْجِنْسِ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَاتِ السَّلَمِ . وَكَذَلِكَ كُلُّ عَارِيَةِ خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَأَنْوَاعٍ مِنْ السِّلَاحِ مُطْلَقَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ عِنْدَ شَرْطٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ . فَظَهَرَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْعِوَضَ عَمَّا لَيْسَ بِمَالِ - كَالصَّدَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِزْيَةِ وَالصُّلْحِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ - لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَعْلَمَ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ . وَلَا يُقَاسُ عَلَى بَيْعِ الْغَرَرِ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى غَرَرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ إمَّا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ أَوْ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْهَا . وَمَا لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ إذَا وَقَعَ فِيهِ غَرَرٌ لَمْ يُفْضِ إلَى الْمَفْسَدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ بَلْ يَكُونُ إيجَابُ التَّحْدِيدِ فِي ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا مَا يَزِيدُ عَلَى ضَرَرِ تَرْكِ تَحْدِيدِهِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 470)
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ : الْجَوَازُ وَالصِّحَّةُ وَلَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَبْطُلُ إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ . وَأُصُولُ أَحْمَد الْمَنْصُوصَةُ عَنْهُ : أَكْثَرُهَا يَجْرِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ . وَمَالِكٌ قَرِيبٌ مِنْهُ ؛ لَكِنَّ أَحْمَد أَكْثَرُ تَصْحِيحًا لِلشُّرُوطِ . فَلَيْسَ فِي الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرُ تَصْحِيحًا لِلشُّرُوطِ مِنْهُ . وَعَامَّةُ مَا يُصَحِّحُهُ أَحْمَد مِنْ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا يُثْبِتُهُ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ مِنْ أَثَرٍ أَوْ قِيَاسٍ ؛ لَكِنَّهُ لَا يَجْعَلُ حُجَّةَ الْأَوَّلِينَ مَانِعًا مِنْ الصِّحَّةِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ شَرْطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ . وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ مِنْ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ مَا لَا تَجِدُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ . فَقَالَ بِذَلِكَ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَمَا اعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ فِي إبْطَالِ الشُّرُوطِ مِنْ نَصٍّ : فَقَدْ يُضْعِفُهُ أَوْ يُضْعِفُ دَلَالَتَهُ . وَكَذَلِكَ قَدْ يُضْعِفُ مَا اعْتَمَدُوهُ مِنْ قِيَاسٍ . وَقَدْ يَعْتَمِدُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عمومات الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي تَصْحِيحِ الشُّرُوطِ . كَمَسْأَلَةِ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ مُطْلَقًا فَمَالِكٌ يُجَوِّزُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يُجَوِّزُ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا . وَيُجَوِّزُهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فِي الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ . وَيُجَوِّزُ أَحْمَد
اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْخَارِجِ مِنْ مِلْكِهِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَاشْتِرَاطِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَاهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِذَا كَانَ لَهَا مُقْتَضًى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ بِالشَّرْطِ ؛ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ . كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .(13/251)
فَيُجَوِّزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ مِمَّا يَجُوزُ اسْتِبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ لَمَّا بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلَهُ وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ . وَيُجَوِّزُ أَيْضًا لِلْمُعْتِقِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاةِ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِمَا اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ سَفِينَةَ لَمَّا أَعْتَقَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَاشَ . وَيَجُوزُ - عَلَى عَامَّةِ أَقْوَالِهِ - : أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا . كَمَا فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ . وَكَمَا فَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ ؛ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ ؛ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَاهَا بِالنِّكَاحِ إذْ اسْتِثْنَاؤُهَا بِلَا نِكَاحٍ غَيْرُ جَائِزٍ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ . وَيُجَوِّزُ أَيْضًا لِلْوَاقِفِ إذَا وَقَفَ شَيْئًا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَنْفَعَتَهُ وَغَلَّتَهُ جَمِيعَهَا لِنَفْسِهِ لِمُدَّةِ حَيَاتِهِ . كَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ . وَرُوِيَ فِيهِ
حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَلْ يَجُوزُ وَقْفُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ ؟ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . وَيَجُوزُ أَيْضًا - عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ - اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ وَالصَّدَاقِ وَفِدْيَةِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى الْقِصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ إخْرَاجِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِسْقَاطِ كَالْعِتْقِ أَوْ بِتَمْلِيكِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ . أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ . وَيُجَوِّزُ أَحْمَد أَيْضًا فِي النِّكَاحِ عَامَّةَ الشُّرُوطِ الَّتِي لِلْمُشْتَرِطِ فِيهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوَفُّوا بِهِ : مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ : إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ أَوْكَدُ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ . وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ . فَيُجَوِّزُ أَحْمَد أَنْ تَسْتَثْنِيَ الْمَرْأَةُ مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِالْإِطْلَاقِ فَتَشْتَرِطُ أَنْ لَا تُسَافِرَ مَعَهُ وَلَا تَنْتَقِلَ مِنْ دَارِهَا ، وَتَزِيدَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ بِالْإِطْلَاقِ فَتَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ مُخَلِّيَةً بِهِ فَلَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى . وَيُجَوِّزُ - عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ الْمُصَحَّحَةِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ - أَنْ يَشْتَرِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآخَرِ صِفَةً مَقْصُودَةً كَالْيَسَارِ وَالْجَمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ بِفَوَاتِهِ . وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قَوْلًا
بِفَسْخِ النِّكَاحِ وَانْفِسَاخِهِ فَيَجُوزُ فَسْخُهُ بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَقَدْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَبِالتَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً فَظَهَرَتْ أَمَةً وَبِالْخَلْفِ فِي الصِّفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَظَهَرَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ . وَيَنْفَسِخُ عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الْمُنَافِيَةِ لِمَقْصُودِهِ كَالتَّوْقِيتِ وَاشْتِرَاطِ الطَّلَاقِ . وَهَلْ يَبْطُلُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . إحْدَاهُمَا : نَعَمْ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ . وَالثَّانِيَةُ : لَا يَنْفَسِخُ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَهُوَ عَقْدٌ مُفْرَدٌ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَعَلَى أَكْثَرِ نُصُوصِهِ يُجَوِّزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِعْلًا أَوْ تَرْكًا فِي الْمَبِيعِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمَبِيعِ نَفْسِهِ . وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ لَا يُجَوِّزُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقَ . وَقَدْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْهُ ؛ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي كَلَامِهِ . فَفِي جَامِعِ الْخَلَّالِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ : سَأَلْت أَحْمَد عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَشَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا : تَكُونُ جَارِيَةً نَفِيسَةً يُحِبُّ أَهْلُهَا أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا وَلَا تَكُونُ لِلْخِدْمَةِ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ . وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَقَالَ لَهُ : إذَا(13/252)
أَرَدْت بَيْعَهَا فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي تَأْخُذُهَا بِهِ مِنِّي ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا وَلَا
يَقْرَبُهَا وَلَهُ فِيهَا شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِرَجُلِ : لَا تَقْرَبَنَّهَا وَلِأَحَدٍ فِيهَا شَرْطٌ . وَقَالَ حَنْبَلٌ : حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَ لَهَا : إنْ بَاعَهَا فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ . فَسَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ . فَقَالَ : لَا تَنْكِحْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ . وَقَالَ حَنْبَلٌ : قَالَ عَمِّي : كُلُّ شَرْطٍ فِي فَرْجٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا . وَالشَّرْطُ الْوَاحِدُ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ الَّذِي شَرَطَ . فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَطَأَهَا وَفِيهَا شَرْطٌ . وَقَالَ الكرماني سَأَلَ أَحْمَد عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَشَرَطَ لِأَهْلِهَا أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا ؟ فَكَأَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ . وَلَكِنَّهُمْ إنْ اشْتَرَطُوا لَهُ إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ ؟ فَلَا يَقْرَبُهَا . يَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . فَقَدْ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَهَا لَمْ يَمْلِكْ إلَّا رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَالْمُقَايَلَةِ . وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُبْطِلِ لِهَذَا الشَّرْطِ وَرُبَّمَا تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ : " جَائِزٌ " أَيْ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَبَقِيَّةُ نُصُوصِهِ تُصَرِّحُ بِأَنَّ مُرَادَهُ " الشَّرْطُ " أَيْضًا . وَاتَّبَعَ فِي ذَلِكَ
الْقِصَّةَ الْمَأْثُورَةَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ : ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ . وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْمَبِيعِ فَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ أَوْ يَتَسَرَّاهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَعْيِينٌ لِمَصْرِفٍ وَاحِدٍ كَمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ عُثْمَانَ : أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صهيب دَارًا وَشَرَطَ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى صهيب وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَجِمَاعُ ذَلِكَ : أَنَّ الْمِلْكَ يُسْتَفَادُ بِهِ تَصَرُّفَاتٌ مُتَنَوِّعَةٌ . فَكَمَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَجَوَّزَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنَافِعِهِ جَوَّزَ أَيْضًا اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ . وَعَلَى هَذَا فَمَنْ قَالَ : هَذَا الشَّرْطُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ . قِيلَ لَهُ : أَيُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ أَوْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُطْلَقًا ؟ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ : فَكُلُّ شَرْطٍ كَذَلِكَ . وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ : لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ؛ وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ : أَنْ يُنَافِيَ مَقْصُودَ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اشْتِرَاطِ الْفَسْخِ فِي الْعَقْدِ . فَأَمَّا إذَا شَرَطَ مَا يُقْصَدُ بِالْعَقْدِ لَمْ يُنَافِ مَقْصُودَهُ . هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ : بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارِ مَعَ الِاسْتِصْحَابِ وَعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُنَافِي . أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَالْعُقُودُ هِيَ الْعُهُودُ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا
بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا } فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَهَذَا عَامٌّ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ وَبِالْعَهْدِ . وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِنَفْسِ ذَلِكَ الْمَعْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَهْدِ كَالنَّذْرِ وَالْبَيْعِ إنَّمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ ؛ وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالصِّدْقِ فِي قَوْلِهِ { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا } لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْقَوْلِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي(13/253)
وَالْحَاضِرِ وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } { فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ - كَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِ - تساءلون بِهِ : تَتَعَاهَدُونَ وَتَتَعَاقَدُونَ . وَذَلِكَ : لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَطْلُبُ مِنْ الْآخَرِ مَا
أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَمَعَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَسَائِرِ السُّورَةِ أَحْكَامَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ بَنِي آدَمَ الْمَخْلُوقَةَ : كَالرَّحِمِ وَالْمَكْسُوبَةَ : كَالْعُقُودِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الصِّهْرُ وَوِلَايَةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } { وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ } وَالْأَيْمَانُ : جَمْعُ يَمِينٍ وَكُلُّ عَقْدٍ فَإِنَّهُ يَمِينٌ . قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِدُونَهُ بِالْمُصَافَحَةِ بِالْيَمِينِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : قَوْلُهُ { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } { كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلًّا وَلَا ذِمَّةً } وَالْإِلُّ : هُوَ الْقَرَابَةُ . وَالذِّمَّةُ : الْعَهْدُ - وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ : { تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } - إلَى قَوْلِهِ { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً } فَذَمَّهُمْ اللَّهُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَنَقْضِ الذِّمَّةِ . إلَى قَوْلِهِ { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } وَهَذِهِ نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ لَمَّا صَالَحَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ . ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِإِعَانَةِ بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فَتِلْكَ عُهُودٌ جَائِزَةٌ ؛ لَا لَازِمَةٌ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُطْلَقَةً . وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَائِهَا وَنَقْضِهَا . كَالْوِكَالَةِ وَنَحْوِهَا . وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : إنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا مُؤَقَّتَةً : فَقَوْلُهُ - مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ أَحْمَد - يَرُدُّهُ الْقُرْآنُ وَتَرُدُّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْثَرِ الْمُعَاهَدِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ مَعَهُمْ وَقْتًا . فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَهْدُهُ مُوَقَّتًا فَلَمْ يُبَحْ لَهُ نَقْضُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ
إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ : { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } فَإِنَّمَا أَبَاحَ النَّبْذَ عِنْدَ ظُهُورِ إمَارَاتِ الْخِيَانَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ جِهَتِهِمْ وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } الْآيَةَ . وَجَاءَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ " إنَّ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ سُورَةً(13/254)
كَانَتْ كَبَرَاءَةِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبُ شَهَادَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } فِي سُورَتَيْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمَعَارِجِ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُسْتَثْنِينَ مِنْ الْهَلَعِ الْمَذْمُومِ بِقَوْلِهِ : { إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } { إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } { وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } { إلَّا الْمُصَلِّينَ } { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } { لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } { وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } { وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ } { إنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ }
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ الْمَذْمُومِ إلَّا مَنْ اتَّصَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إلَّا مَا هُوَ وَاجِبٌ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فِي أَوَّلِهَا : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَارِثِينَ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْحَصْرُ ؛ فَإِنَّ إدْخَالَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ يُشْعِرُ بِالْحَصْرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَارِثِي الْجَنَّةِ كَانَ مُعَرَّضًا لِلْعُقُوبَةِ ؛ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ وَإِذَا كَانَتْ رِعَايَةُ الْعَهْدِ وَاجِبَةً فَرِعَايَتُهُ : هِيَ الْوَفَاءُ بِهِ . وَلَمَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ الْعَهْدِ وَالْأَمَانَةِ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضِدَّ ذَلِكَ صِفَةَ الْمُنَافِقِ فِي قَوْلِهِ : { إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } وَعَنْهُ { عَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ } " وَمَا زَالُوا يُوصُونَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ . وَهَذَا عَامٌّ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } فَذَمَّهُمْ عَلَى نَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ وَقَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِصِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إمَّا بِالشَّرْعِ وَإِمَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمَرْءُ بِاخْتِيَارِهِ . وَقَالَ أَيْضًا : { الَّذِينَ يُوفُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } وَقَالَ : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي(13/255)
الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . وَقَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ . حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ . وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَفِي رِوَايَةٍ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرَةً مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بريدة بْنِ الحصيب قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ . وَفِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ ، اُغْزُوا وَلَا تَغْلُوا وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ - } الْحَدِيثَ " . فَنَهَاهُمْ عَنْ الْغَدْرِ كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ الْغُلُولِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ لَمَّا سَأَلَهُ هِرَقْلُ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَلْ يَغْدِرُ ؟ فَقَالَ : لَا يَغْدِرُ وَنَحْنُ مَعَهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا . قَالَ : وَلَمْ يُمَكِّنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا هَذِهِ الْكَلِمَةَ . وَقَالَ هِرَقْلُ فِي جَوَابِهِ : سَأَلْتُك : هَلْ يَغْدِرُ ؟ فَذَكَرْت أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ " فَجَعَلَ هَذَا صِفَةً لَازِمَةً لِلْمُرْسَلِينَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ : مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ وَأَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهَا . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ . وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا ثُمَّ أَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ } " فَذَمَّ الْغَادِرَ . وَكُلُّ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا ثُمَّ نَقَضَهُ فَقَدْ غَدَرَ . فَقَدْ جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِالْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُقُودِ وَبِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَرِعَايَةِ ذَلِكَ وَالنَّهْيِ عَنْ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعُهُودِ وَالْخِيَانَةِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ . وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْحَظْرَ وَالْفَسَادَ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ : لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ بِهَا مُطْلَقًا وَيَذُمَّ مَنْ نَقَضَهَا وَغَدَرَ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرَ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ أَوْ أَوْجَبَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْمَرَ بِقَتْلِ النُّفُوسِ وَيُحْمَلَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُبَاحِ ؛ بِخِلَافِ مَا كَانَ جِنْسُهُ وَاجِبًا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ مُطْلَقًا . وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ . فَيَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ(13/256)
وَعَنْ الصَّدَقَةِ بِمَا يَضُرُّ النَّفْسَ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الصِّدْقُ فِي الْحَدِيثِ مَأْمُورٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْرُمُ الصِّدْقُ أَحْيَانًا لِعَارِضِ وَيَجِبُ السُّكُوتُ أَوْ التَّعْرِيضُ . وَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْوَفَاءِ وَرِعَايَةُ الْعَهْدِ مَأْمُورًا بِهِ : عُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّصْحِيحِ إلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَحَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ . وَمَقْصُودُ الْعَقْدِ : هُوَ الْوَفَاءُ بِهِ . فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ قَدْ أَمَرَ
بِمَقْصُودِ الْعُهُودِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الصِّحَّةُ وَالْإِبَاحَةُ . وَقَدْ رَوَى أَبُو داود والدارقطني مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } . وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ : هُوَ ثِقَةٌ . وَضَعَّفَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الصُّلْحُ جَائِزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا } " قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى ابْنُ ماجه مِنْهُ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ ؛ لَكِنَّ كَثِيرَ بْنَ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْجَمَاعَةُ . وَضَرَبَ أَحْمَد عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ ؛ فَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ . فَلَعَلَّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِرِوَايَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ . وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السلماني عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَتْ الْحَقَّ } وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ - وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهَا ضَعِيفًا - فَاجْتِمَاعُهَا مِنْ طُرُقٍ يَشُدُّ
بَعْضُهَا بَعْضًا . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمَذْهَبِ ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِطَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا يُحَرِّمَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ . فَإِنَّ شَرْطَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُبْطِلًا لِحُكْمِ اللَّهِ . وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ ؛ وَإِنَّمَا الْمُشْتَرِطُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الشَّرْطَ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِدُونِهِ . فَمَقْصُودُ الشُّرُوطِ وُجُوبُ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا وَعَدَمُ الْإِيجَابِ لَيْسَ نَفْيًا لِلْإِيجَابِ حَتَّى يَكُونَ الْمُشْتَرِطُ مُنَاقِضًا لِلشَّرْعِ وَكُلُّ شَرْطٍ صَحِيحٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفِيدَ وُجُوبَ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا ؛ فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ الْإِقْبَاضِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَيُبَاحُ أَيْضًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا . وَكَذَلِكَ كُلٌّ مِنْ المتآجرين والمتناكحين . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ صِفَةً فِي الْمَبِيعِ أَوْ رَهْنًا أَوْ اشْتَرَطَتْ الْمَرْأَةُ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَيَحْرُمُ وَيُبَاحُ بِهَذَا الشَّرْطِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَوْهَمَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَصْلَ فَسَادُ الشُّرُوطِ قَالَ : لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تُبِيحَ حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمَ حَلَالًا أَوْ تُوجِبَ سَاقِطًا أَوْ تُسْقِطَ وَاجِبًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الشَّارِعِ . وَقَدْ وَرَدَتْ شُبْهَةٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ حَتَّى تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَنَاقِضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا بِدُونِ
الشَّرْطِ : فَالشَّرْطُ لَا يُبِيحُهُ كَالرِّبَا وَكَالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَكَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْوَطْءَ إلَّا بِمِلْكِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ فَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُعِيرَ أَمَتَهُ لِآخَرَ لِلْوَطْءِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ فَقَدْ " { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ } " وَجَعَلَ اللَّهُ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ(13/257)
يَثْبُتُ لِلْمُعْتِقِ كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِلْوَالِدِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } وَأَبْطَلَ اللَّهُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَبَنِّي الرَّجُلِ ابْنَ غَيْرِهِ أَوْ انْتِسَابِ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِ مَوْلَاهُ . فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يُبِيحُ الشَّرْطُ مِنْهُ مَا كَانَ حَرَامًا . وَأَمَّا مَا كَانَ مُبَاحًا بِدُونِ الشَّرْطِ : فَالشَّرْطُ يُوجِبُهُ كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَالرَّهْنِ وَتَأْخِيرِ الِاسْتِيفَاءِ . فَإِنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْأَةَ وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالرَّهْنِ وَبِالْإِنْظَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا شَرَطَهُ صَارَ وَاجِبًا وَإِذَا وَجَبَ فَقَدْ حَرُمَتْ الْمُطَالَبَةُ الَّتِي كَانَتْ حَلَالًا بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُبِحْ مُطَالَبَةَ الْمَدِينِ مُطْلَقًا فَمَا
كَانَ حَلَالًا وَحَرَامًا مُطْلَقًا فَالشَّرْطُ لَا يُغَيِّرُهُ . وَأَمَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ فِي حَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يُبِحْهُ مُطْلَقًا فَإِذَا حَوَّلَهُ الشَّرْطُ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ قَدْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي حَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ مُطْلَقًا : لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ قَدْ أَبَاحَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الشَّرْطِ يَسْتَصْحِبُ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْخِطَابِ وَبَيْنَ ثُبُوتِهِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ . فَالْعَقْدُ وَالشَّرْطُ يَرْفَعُ مُوجِبَ الِاسْتِصْحَابِ لَكِنْ لَا يَرْفَعُ مَا أَوْجَبَهُ كَلَامُ الشَّارِعِ . وَآثَارُ الصَّحَابَةِ تُوَافِقُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ . وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَمِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ . وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَيَسْتَصْحِبُ عَدَمَ التَّحْرِيمِ فِيهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ . كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ : الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ . وقَوْله تَعَالَى { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } عَامٌّ فِي الْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ ؛ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً كَانَتْ صَحِيحَةً . وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ جِنْسِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ إلَّا مَا ثَبَتَ حِلُّهُ بِعَيْنِهِ وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَّ
انْتِفَاءَ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ . فَثَبَتَ بِالِاسْتِصْحَابِ الْعَقْلِيِّ وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ فِعْلُهَا إمَّا حَلَالًا وَإِمَّا عَفْوًا كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ تُحَرَّمُ . وَغَالِبُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مِنْ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ وَالِاسْتِصْحَابِ الْعَقْلِيِّ وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ أَيْضًا بِهِ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطُ فِيهَا سَوَاءٌ سَمَّى ذَلِكَ حَلَالًا أَوْ عَفْوًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الْكَافِرِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِغَيْرِ شَرْعٍ : مِنْهُ مَا سَبَبُهُ تَحْرِيمُ الْأَعْيَانِ وَمِنْهُ مَا سَبَبُهُ تَحْرِيمُ الْأَفْعَالِ . كَمَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسَ ثِيَابِهِ وَالطَّوَافَ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أحمسيا وَيَأْمُرُونَهُ بِالتَّعَرِّي إلَّا أَنْ يُعِيرَهُ أحمسي ثَوْبَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ الدُّخُولَ تَحْتَ سَقْفٍ كَمَا كَانَ الْأَنْصَارُ يُحَرِّمُونَ إتْيَانَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا إذَا كَانَتْ مُجْبِيَةً وَيُحَرِّمُونَ الطَّوَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ يَنْقُضُونَ الْعُهُودَ الَّتِي عَقَدُوهَا بِلَا شَرْعٍ . فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَغَيْرِهَا بِالْوَفَاءِ بِهَا إلَّا مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُحَرَّمٍ . فَعُلِمَ أَنَّ الْعُهُودَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ حِلُّهَا بِشَرْعٍ خَاصٍّ(13/258)
كَالْعُهُودِ الَّتِي عَقَدُوهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأُمِرُوا بِالْوَفَاءِ بِهَا وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَلَا يُحَرَّمُ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ . لِأَنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَرَعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَحَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَإِذَا حَرَّمْنَا الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ الْعَادِيَّةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كُنَّا مُحَرِّمِينَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ ؛ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ شَرْعَ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ أَنْ يُشْرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ . فَلَا يُشْرَعُ عِبَادَةٌ إلَّا بِشَرْعِ اللَّهِ وَلَا يُحَرَّمُ عَادَةٌ إلَّا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ وَالْعُقُودُ فِي الْمُعَامَلَاتِ هِيَ مِنْ الْعَادَاتِ يَفْعَلُهَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ . وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ . فَلَيْسَتْ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُفْتَقَرُ فِيهَا إلَى شَرْعٍ . كَالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ . فَإِنْ قِيلَ : الْعُقُودُ تُغَيِّرُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ أَوْ الْمَالِ إذَا كَانَ ثَابِتًا عَلَى حَالٍ فَعَقَدَ عَقْدًا أَزَالَهُ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ : فَقَدْ غَيَّرَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا ؛ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ تُحَرَّمْ . فَإِنَّهُ لَا تَغَيُّرَ فِي إبَاحَتِهَا . فَيُقَالُ : لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَانَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِشَخْصٍ أَوْ لَا تَكُونَ . فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا فَانْتِقَالُهَا بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُغَيِّرُهَا وَهُوَ
مِنْ بَابِ الْعُقُودِ . وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا فَمَلَكَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِهِ : هُوَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ مُغَيِّرٌ لِحُكْمِهَا بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ . وَأَيْضًا فَإِنَّهَا قَبْلَ الذَّكَاةِ مُحَرَّمَةٌ . فَالذَّكَاةُ الْوَارِدَةُ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَالِ . فَكَمَا أَنَّ أَفْعَالَنَا فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الْأَخْذِ وَالذَّكَاةِ : الْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ وَإِنْ غَيَّرَ حُكْمَ الْعَيْنِ . فَكَذَلِكَ أَفْعَالُنَا فِي الْأَمْلَاكِ بِالْعُقُودِ وَنَحْوِهَا : الْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ . وَإِنْ غَيَّرَتْ حُكْمَ الْمِلْكِ لَهُ . وَسَبَبُ ذَلِكَ : أَنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَفْعَالِنَا كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ وَمِلْكِ الْبُضْعِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ نَحْنُ أَحْدَثْنَا أَسْبَابَ تِلْكَ الْأَحْكَامِ وَالشَّارِعُ أَثْبَتَ الْحُكْمَ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ مِنَّا لَمْ يُثْبِتْهُ ابْتِدَاءً . كَمَا أَثْبَتَ إيجَابَ الْوَاجِبَاتِ وَتَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ . فَإِذَا كُنَّا نَحْنُ الْمُثْبِتِينَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُحَرِّمْ الشَّارِعُ عَلَيْنَا رَفْعَهُ : لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا رَفْعُهُ فَمَنْ اشْتَرَى عَيْنًا فَالشَّارِعُ أَحَلَّهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِإِثْبَاتِهِ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالْبَيْعِ . وَمَا لَمْ يُحَرِّمْ الشَّارِعُ عَلَيْهِ رَفْعَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ مَا أَثْبَتَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَحَبَّ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ . كَمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا : فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ . وَإِنْ كَانَ مُزِيلًا لِلْمِلْكِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُعْطِي مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ . وَهَذِهِ
نُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا مَأْخَذُهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْجُزْئِيَّةَ - مِنْ حِلِّ هَذَا الْمَالِ لِزَيْدٍ وَحُرْمَتِهِ عَلَى عَمْرٍو - لَمْ يَشْرَعْهَا الشَّارِعُ شَرْعًا جُزْئِيًّا وَإِنَّمَا شَرَعَهَا شَرْعًا كُلِّيًّا مِثْلُ قَوْلِهِ : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَقَوْلُهُ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وَقَوْلُهُ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } . وَهَذَا الْحُكْمُ الْكُلِّيُّ ثَابِتٌ سَوَاءٌ وُجِدَ هَذَا الْبَيْعُ الْمُعَيَّنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ . فَإِذَا وُجِدَ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ أَثْبَتَ مِلْكًا مُعَيَّنًا . فَهَذَا الْمُعَيَّنُ سَبَبُهُ فِعْلُ الْعَبْدِ . فَإِذَا رَفَعَهُ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ هُوَ بِفِعْلِهِ لَا مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ إذْ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُكْمِ الْجُزْئِيِّ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِفِعْلِ الْعَبْدِ سَبَبُهُ فَقَطْ لَا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَهُ ابْتِدَاءً . وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ رَفْعَ الْحُقُوقِ بِالْعُقُودِ والفسوخ مِثْلُ نَسْخِ الْأَحْكَامِ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُطْلَقَ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الَّذِي أَثْبَتَهُ وَهُوَ الشَّارِعُ . وَأَمَّا هَذَا الْمُعَيَّنُ فَإِنَّمَا ثَبَتَ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَدْخَلَهُ فِي الْمُطْلَقِ فَإِدْخَالُهُ فِي الْمُطْلَقِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ إخْرَاجُهُ . إذْ الشَّارِعُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي الْمُعَيَّنِ(13/259)
بِحُكْمٍ أَبَدًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : هَذَا الثَّوْبُ بِعْهُ أَوْ لَا تَبِعْهُ أَوْ هَبْهُ أَوْ لَا تَهَبْهُ وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْمُطْلَقِ الَّذِي إذَا أَدْخَلَ
فِيهِ الْمُعَيَّنَ حَكَمَ عَلَى الْمُعَيَّنِ . فَتَدَبَّرْ هَذَا وَفَرْقٌ بَيْنَ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ الْخَاصِّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْعَبْدُ بِإِدْخَالِهِ فِي الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ الْعَامِّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الشَّارِعُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ الْعَبْدِ . وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْعُقُودَ لَا يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا لِإِيجَابِ الشَّارِعِ الْوَفَاءَ بِهَا مُطْلَقًا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الْمِلَلُ ؛ بَلْ وَالْعُقَلَاءُ جَمِيعُهُمْ . وَقَدْ أَدْخَلَهَا فِي الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ فَفِعْلُهَا ابْتِدَاءً لَا يَحْرُمُ إلَّا بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ وَالْوَفَاءُ بِهَا وَجَبَ لِإِيجَابِ الشَّارِعِ إذًا وَلِإِيجَابِ الْعَقْلِ أَيْضًا . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ . وَمُوجِبُهَا هُوَ مَا أَوْجَبَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالتَّعَاقُدِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ : { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَقَالَ : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَعَلَّقَ جَوَازَ الْأَكْلِ بِطِيبِ النَّفْسِ تَعْلِيقَ الْجَزَاءِ بِشَرْطِهِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ وَهُوَ حُكْمُ مُعَلَّقٌ عَلَى وَصْفٍ مُشْتَقٍّ مُنَاسِبٍ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ سَبَبٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ . وَإِذَا كَانَ طِيبُ النَّفْسِ هُوَ الْمُبِيحَ لِأَكْلِ الصَّدَاقِ فَكَذَلِكَ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ : قِيَاسًا عَلَيْهِ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا
الْقُرْآنُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } لَمْ يُشْتَرَطْ فِي التِّجَارَةِ إلَّا التَّرَاضِي وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرَاضِيَ هُوَ الْمُبِيحُ لِلتِّجَارَةِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ بِتِجَارَةِ أَوْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُتَبَرِّعِ بِتَبَرُّعِ : ثَبَتَ حِلُّهُ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ ؛ إلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَالتِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَقْدَ لَهُ حَالَانِ : حَالُ إطْلَاقٍ وَحَالُ تَقْيِيدٍ . فَفَرْقٌ بَيْنَ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ مِنْ الْعُقُودِ . فَإِذَا قِيلَ : هَذَا شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ : يُنَافِي الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ . فَكَذَلِكَ كُلُّ شَرْطٍ زَائِدٍ . وَهَذَا لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ أُرِيدَ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ : احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا نَافَى مَقْصُودَ الْعَقْدِ . فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ مَقْصُودٌ يُرَادُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ وَشَرَطَ فِيهِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ الْمَقْصُودَ ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ بَيْنَ إثْبَاتِ الْمَقْصُودِ وَنَفْيِهِ فَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ . وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ ؛ بَلْ هُوَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ عِنْدَنَا . وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ قَدْ تَبْطُلُ لِكَوْنِهَا قَدْ تُنَافِي مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِثْلَ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مَقْصُودَهُ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعَقْدِ . فَإِنَّ اشْتِرَاءَ
الْعَبْدِ لِعِتْقِهِ يُقْصَدُ كَثِيرًا . فَثُبُوتُ الْوَلَاءِ لَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ . كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ مُنَافِيًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ كَانَ الْعَقْدُ لَغْوًا . وَإِذَا كَانَ مُنَافِيًا لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ كَانَ مُخَالِفًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا وَلَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهِ بَلْ الْوَاجِبُ حِلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَقْصُودٌ لِلنَّاسِ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ إذْ لَوْلَا حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لَمَا فَعَلُوهُ ؛ فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ . وَلَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ فَيُبَاحُ ؛ لِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يَرْفَعُ الْحَرَجَ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَالَ : لَا تَحِلُّ وَلَا تَصِحُّ(13/260)
إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى حِلِّهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَوْ يُقَالُ : لَا تَحِلُّ وَتَصِحُّ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى حِلِّهَا دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ عَامًّا . أَوْ يُقَالُ : تَصِحُّ وَلَا تَحْرُمُ إلَّا أَنْ يُحَرِّمَهَا الشَّارِعُ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ : بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ دَلَّا عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ والقبوض الَّتِي وَقَعَتْ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَأَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَعْدَ
الْإِسْلَامِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي آيَةِ الرِّبَا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ الرِّبَا فِي الذِّمَمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا قَبَضُوهُ بِعَقْدِ الرِّبَا ؛ بَلْ مَفْهُومُ الْآيَةِ - الَّذِي اتَّفَقَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ - يُوجِبُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ؛ وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ الرِّبَا الَّذِي فِي الذِّمَمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ الْمَقْبُوضِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ وَأَيُّمَا قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ } " وَأَقَرَّ النَّاسَ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ الَّتِي عَقَدُوهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ أَحَدًا : هَلْ عَقَدَ بِهِ فِي عِدَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِدَّةٍ ؟ بِوَلِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ؟ بِشُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ ؟ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ وَلَا بِفِرَاقِ امْرَأَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ الْمُحَرَّمُ مَوْجُودًا حِينَ الْإِسْلَامِ كَمَا { أَمَرَ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَنْ يُمْسِكَ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ } وَكَمَا { أَمَرَ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا وَيُفَارِقَ الْأُخْرَى } . وَكَمَا أَمَرَ الصَّحَابَةَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمَجُوسِ " أَنْ يُفَارِقُوا ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ " . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي
عَقَدَهَا الْكُفَّارُ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ لَمْ يَعْقِدُوهَا بِإِذْنِ الشَّارِعِ . وَلَوْ كَانَتْ الْعُقُودُ عِنْدَهُمْ كَالْعِبَادَاتِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِشَرْعِ لَحَكَمُوا بِفَسَادِهَا أَوْ بِفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مُسْتَمْسِكِينَ فِيهِ بِشَرْعِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ عَلَى أَنَّهَا إذَا عُقِدَتْ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمُوا بَعْدَ زَوَالِهِ : مَضَتْ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِاسْتِئْنَافِهَا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَلَيْسَ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ بِدُونِ مَا عَقَدُوهُ مَعَ تَحْرِيمِ الشَّرْعِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَكُمْ سَوَاءٌ . قُلْنَا : لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ مَا عَقَدُوهُ مَعَ التَّحْرِيمِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ؛ بِخِلَافِ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ ؛ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ اشْتَرَطُوا فِي النِّكَاحِ الْقَبْضَ بَلْ سَوَّوْا بَيْنَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ عَقْدِ النِّكَاحِ يُوجِبُ أَحْكَامًا بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ الْمُصَاهَرَةِ وَنَحْوِهَا . كَمَا أَنَّ نَفْسَ الْوَطْءِ يُوجِبُ أَحْكَامًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ . فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ - وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْآخَرِ - أَقَرَّهُمْ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ ؛ فَإِنَّ
الْمَقْصُودَ بِعُقُودِهَا هُوَ التَّقَابُضُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُضُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهَا فَأَبْطَلَهَا الشَّارِعُ ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ . فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْعِبَادِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لَا يُبْطِلُهُ الشَّارِعُ إلَّا مَعَ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَحِّحُهُ إلَّا بِتَحْلِيلِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا تَعَاقَدُوا بَيْنَهُمْ عُقُودًا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا تَحْلِيلَهَا . فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمِيعَهُمْ - فِيمَا أَعْلَمُهُ - يُصَحِّحُونَهَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَهَا وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يَعْلَمُ تَحْلِيلَهَا لَا بِاجْتِهَادٍ وَلَا بِتَقْلِيدٍ . وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّارِعَ(13/261)
أَحَلَّهُ . فَلَوْ كَانَ إذْنُ الشَّارِعِ الْخَاصِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعُقُودِ : لَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ آثِمٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَادَفَ الْحَقَّ . وَأَمَّا إنْ قِيلَ : لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا فَعَنْهُ جَوَابَانِ : " أَحَدُهُمَا " الْمَنْعُ كَمَا تَقَدَّمَ . " وَالثَّانِي " أَنْ نَقُولَ : قَدْ دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ عَلَى حِلِّ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ جُمْلَةً إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ . وَمَا عَارَضُوا بِهِ سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ . فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ
كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } فَالشَّرْطُ يُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ تَارَةً وَالْمَفْعُولُ أُخْرَى . وَكَذَلِكَ الْوَعْدُ وَالْخُلْفُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : دِرْهَمُ ضَرْبِ الْأَمِيرِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَشْرُوطُ ؛ لَا نَفْسُ الْمُتَكَلِّمِ . وَلِهَذَا قَالَ : { وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ } أَيْ : وَإِنْ كَانَ مِائَةَ مَشْرُوطٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْدِيدَ التَّكَلُّمِ بِالشَّرْطِ . وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْدِيدُ الْمَشْرُوطِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } أَيْ : كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْهُ . وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا خَالَفَ ذَلِكَ الشَّرْطُ كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ ؛ بِأَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَلَمْ يُخَالِفْ كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ حَتَّى يُقَالَ : " { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } فَيَكُونُ الْمَعْنَى : مَنْ اشْتَرَطَ أَمْرًا لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَوْ فِي كِتَابِهِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ : فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا يُبَاحُ فِعْلُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ حَتَّى يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ وَيَجِبُ بِالشَّرْطِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ أَبَدًا كَانَ هَذَا الْمَشْرُوطُ - وَهُوَ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ - شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَانْظُرْ إلَى الْمَشْرُوطِ إنْ كَانَ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا . فَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَبَاحَهُ :
جَازَ اشْتِرَاطُهُ وَوَجَبَ . وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُبِحْهُ : لَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُهُ : فَإِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِزَوْجَتِهِ . فَهَذَا الْمَشْرُوطُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُبِيحُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا . فَإِذَا شَرَطَ عَدَمَ السَّفَرِ فَقَدْ شَرَطَ مَشْرُوطًا مُبَاحًا فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَمَضْمُونُ الْحَدِيثِ : أَنَّ الْمَشْرُوطَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ أَوْ يُقَالُ : لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ : أَيْ : لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَفْيُهُ كَمَا قَالَ { سَيَكُونُ أَقْوَامٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَعْرِفُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } أَيْ : بِمَا تَعْرِفُونَ خِلَافَهُ . وَإِلَّا فَمَا لَا يُعْرَفُ كَثِيرٌ . ثُمَّ نَقُولُ : لَمْ يُرِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا الشَّارِعُ تَكُونُ بَاطِلَةً بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ لَا إيجَابٌ وَلَا تَحْرِيمٌ فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . بَلْ الْعُقُودُ وَالشُّرُوطُ الْمُحَرَّمَةُ قَدْ يَلْزَمُ بِهَا أَحْكَامٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَقْدَ الظِّهَارِ فِي نَفْسِ كِتَابِهِ وَسَمَّاهُ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا ثُمَّ إنَّهُ أَوْجَبَ بِهِ عَلَى مَنْ عَادَ : الْكَفَّارَةَ وَمَنْ لَمْ يَعُدْ : جَعَلَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودَ التَّحْرِيمِ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ وَتَرْكِ الْعَقْدِ . وَكَذَا النَّذْرُ . فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّذْرِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَ : { إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرِ } ثُمَّ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِهِ إذَا كَانَ طَاعَةً فِي
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ . } فَالْعَقْدُ الْمُحَرَّمُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ . نَعَمْ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِبَاحَةِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ عَقْدِ الرِّبَا وَعَنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ(13/262)
وَنَحْوِ ذَلِكَ : لَمْ يَسْتَفِدْ الْمَنْهِيُّ بِفِعْلِهِ لَمَّا نَهَى عَنْهُ الِاسْتِبَاحَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ . وَالْأَصْلُ فِي الْمَعَاصِي : أَنَّهَا لَا تَكُونُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ . وَالْإِبَاحَةُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْإِمْلَاءِ وَلِفَتْحِ أَبْوَابِ الدُّنْيَا ؛ لَكِنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ لَيْسَ بِشَرْعِ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ قَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً أَيْضًا كَمَا جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الْحَنِيفِيَّةُ . وَالْمُخَالِفُونَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَنَحْوِهِمْ قَدْ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ إذْنٌ خَاصٌّ : فَهُوَ عَقْدٌ حَرَامٌ وَكُلُّ عَقْدٍ حَرَامٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَكِلَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِطَرِيقَةِ ثَانِيَةٍ - إنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحَرِّمُهَا بَاطِلَةٌ . - فَنَقُولُ : قَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالشُّرُوطِ عُمُومًا وَأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهَا . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَوُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً ؛ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً كَانَتْ مُبَاحَةً . وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : { لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ } " إنَّمَا يَشْمَلُ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا بِعُمُومِهِ وَلَا بِخُصُوصِهِ فَإِنَّ مَا دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَلَى إبَاحَتِهِ بِعُمُومِهِ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا : هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَعُمُّ مَا هُوَ فِيهِ بِالْخُصُوصِ وَبِالْعُمُومِ . وَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } وَقَوْلِهِ : { وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } وَقَوْلِهِ : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْكِتَابَ هُوَ الْقُرْآنَ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ : فَلَا يَجِيءُ هَهُنَا . يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي ثَبَتَ جَوَازُهُ بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ : صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِخُصُوصِهِ لَكِنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . فَيَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . لِأَنَّ جَامِعَ الْجَامِعِ جَامِعٌ وَدَلِيلَ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . يَبْقَى أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ :
فَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ عُمُومًا فَشَرْطُ الْوَلَاءِ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ . فَيُقَالُ : الْعُمُومُ إنَّمَا يَكُونُ دَالًّا إذَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ ؛ فَإِنَّ الْخَاصَّ يُفَسِّرُ الْعَامَّ . وَهَذَا الْمَشْرُوطُ قَدْ نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَقَوْلُهُ : { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } . وَدَلَّ الْكِتَابُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } . فَأَوْجَبَ عَلَيْنَا دُعَاءَهُ لِأَبِيهِ الَّذِي وَلَدَهُ دُونَ مَنْ تَبَنَّاهُ وَحَرَّمَ التَّبَنِّي . ثُمَّ أَمَرَ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْأَبِ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَخًا فِي الدِّينِ وَمَوْلًى كَمَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا } " . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ . فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ . } فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْوَلَاءَ نَظِيرَ النَّسَبِ وَبَيَّنَ سَبَبَ الْوَلَاءِ فِي قَوْلِهِ :(13/263)
{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } فَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ الْوَلَاءِ هُوَ الْإِنْعَامُ بِالْإِعْتَاقِ كَمَا أَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ هُوَ الْإِنْعَامُ بِالْإِيلَادِ . فَإِذَا كَانَ قَدْ حَرَّمَ الِانْتِقَالَ عَنْ الْمُنْعِمِ بِالْإِيلَادِ . فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُنْعِمِ بِالْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْتِقَ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِغَيْرِهِ : فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ أَنَّهُ إذَا أَوْلَدَ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } . وَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ قَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْمَشْرُوطِ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ : لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعُهُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْمُرُ بِمَا حَرَّمَهُ فَهَذَا هَذَا مَعَ أَنَّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ إبْطَالُ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ . وَالتَّحْذِيرُ : مِنْ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ . فَيَكُونُ الْمَشْرُوطُ قَدْ حَرَّمَهُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ أَبَاحَ عُمُومًا لَمْ يُحَرِّمْهُ ؛ أَوْ مِنْ اشْتِرَاطِ مَا يُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ . }
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 94)
وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ ؛ وَلَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ فَلَمَّا حَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ أَحْضَرَتْ شَاهِدَ عَدْلٍ وَجَمَاعَةِ نِسْوَةٍ وَأَشْهَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ : فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِبْرَاءُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . إنْ كَانَ الصَّدَاقُ ثَابِتًا عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَرِضَتْ مَرَضَ الْمَوْتِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ الْبَاقِينَ . وَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ فِي الصِّحَّةِ جَازَ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَثَبَتَ أَيْضًا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَإِنْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضِهَا أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ فِي الصِّحَّةِ لَمْ يُقْبَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا ؛ وَيُقْبَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَظٍّ حَظَّهُ فَلَا وَصِيَّة لِوَارِثِ } وَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَخُصَّ الْوَارِثَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 181)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقُ الْفَارِّ ؟ وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ ؟ وَتَرِثُهُ الزَّوْجَةُ وَتَسْتَكْمِلُ جَمِيعَ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ ؟ أَمْ لَا تَرِثُ وَتَأْخُذُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى " مَسْأَلَةِ الْمُطَلِّقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ " وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ تَوْرِيثُهَا كَمَا قَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِامْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تماضر بِنْتِ الأصبغ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ . ثُمَّ عَلَى هَذَا : هَلْ تَرِثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؟ وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَرِثُ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ(13/264)
وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَرِثَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ إنَّمَا وَرِثَتْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالتَّرِكَةِ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّهَا وَحَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ؛ بِحَيْثُ لَا يُمَلِّكُ التَّبَرُّعَ لِوَارِثِ وَلَا يُمَلِّكُهُ لِغَيْرِ وَارِثٍ بِزِيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ فَلَمَّا كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَرَثَةِ كَتَصَرُّفِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَمْلِكُ قَطْعَ إرْثِهَا فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بَعْدَ مَرَضِهِ وَهَذَا هُوَ " طَلَاقُ الْفَارِّ " الْمَشْهُورُ بِهَذَا الِاسْمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 182)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَكَتَبَ الصَّدَاقَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ مَرِضَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحِينَ قَوِيَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ فَقَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ طَلَّقَ الزَّوْجَةَ ؛ لِيَمْنَعْهَا مِنْ الْمِيرَاثِ : فَهَلْ يَقَعُ هَذَا الطَّلَاقُ ؟ وَمَا الَّذِي يَجِبُ لَهَا فِي تَرِكَتِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ إنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَمَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ؛ وَرِثَتْهُ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ زَوْجَتَهُ بِنْتَ الأصبغ الْكَلْبِيَّةَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَشَاوَرَ عُثْمَانَ الصَّحَابَةَ فَأَشَارُوا عَلَى أَنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ . وَإِنَّمَا ظَهَرَ الْخِلَافُ فِي خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُوَرِّثْهَا وَابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ : كَالثَّوْرِيِّ ؛ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ كَمَالِكِ وَأَصْحَابِهِ وَمَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَفِي الْجَدِيدِ وَافَقَ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ بِحَيْثُ لَوْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ
يَرِثْهَا هُوَ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ هِيَ وَلِأَنَّهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَتَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا تَرِثُ . وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : إنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ قَدْ تَعَلَّقَ الْوَرَثَةُ بِمَالِهِ مِنْ حِينِ الْمَرَضِ ؛ وَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ إلَّا مَا يَتَصَرَّفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ فَلَيْسَ لَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنْ يَحْرِمَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ مِيرَاثَهُ وَيَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالْإِرْثِ كَمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِأَجْنَبِيٍّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ؛ كَمَا لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَفِي الْحَدِيثِ : { مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ } وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الْمَرَضِ أَنْ يَقْطَعَ حَقَّهَا مِنْ الْإِرْثِ ؛ لَا بِطَلَاقِ ؛ وَلَا غَيْرِهِ . وَإِنْ وَقْعَ الطَّلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ إذْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ نَفْسَهُ مِنْهَا وَلَا يَقْطَعَ حَقَّهَا مِنْهُ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ نِزَاعٌ . هَلْ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ؟ أَوْ أَطْوَلَهُمَا ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَظْهَرُهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ وَكَذَلِكَ هَلْ يَكْمُلُ لَهَا الْمَهْرُ ؟ قَوْلَانِ . أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَكْمُلُ لَهَا الْمَهْرُ أَيْضًا ؛ فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِهَا الَّتِي تَسْتَقِرُّ كَمَا تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ .
ـــــــــــــــــــ(13/265)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 271)
وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ؛ وَلَا أَصَابَهَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ شَهْرَيْنِ : فَهَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ ؟ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ . لَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَكِنْ لِلْعُلَمَاءِ فِي الْعَقْدِ قَوْلَانِ : أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ ؛ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا ؛ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا نِصْفَ مَهْرٍ ؛ وَلَا مُتْعَةَ ؛ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فِيهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ يَرَى فَسَادَ الْعَقْدِ ؛ لِقَطْعِ النِّزَاعِ . " وَالْقَوْلُ الثَّانِي " أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ ؛ ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ حَتَّى تَضَعَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَقِيلَ : يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الْوَضْعِ ؛ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لَكِنْ هَذَا النِّزَاعُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ زَوْجٍ ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ . وَأَمَّا الْحَامِلُ مِنْ الزِّنَا فَلَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهَا وَالنِّزَاعُ فِيمَا إذَا كَانَ نَكَحَهَا طَائِعًا وَأَمَّا إذَا نَكَحَهَا مُكْرَهًا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 301)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِكْرًا فَوَجَدَهَا مُسْتَحَاضَةً لَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا مِنْ بَيْتِ أُمِّهَا وَأَنَّهُمْ غَرُّوهُ : فَهَلْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ بِالصَّدَاقِ ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى أُمِّهَا وَأَبِيهَا يَمِينٌ إذَا أَنْكَرُوا أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَكُونُ لَهُ وَطْؤُهَا أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : هَذَا عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ فِي أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ ؛ لِوَجْهَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ مَعَهُ إلَّا بِضَرَرِ يَخَافُهُ وَأَذًى يَحْصُلُ لَهُ . " وَالثَّانِي " أَنَّ وَطْءَ الْمُسْتَحَاضَةِ عِنْدَ أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ ؛ إلَّا لِضَرُورَةِ . وَمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ حِسًّا : كَاسْتِدَادِ الْفَرْجِ . أَوْ طَبْعًا كَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ : يُثْبِتُ الْفَسْخَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ؛ كَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ . وَأَمَّا مَا يَمْنَعُ كَمَالَ الْوَطْءِ كَالنَّجَاسَةِ فِي الْفَرْجِ : فَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ وَالْمُسْتَحَاضَةُ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهَا وَإِذَا فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ ؟ قِيلَ : إنَّ الصَّدَاقَ يَسْتَقِرُّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخَلْوَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ . وَقِيلَ : لَا يَسْتَقِرُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ مَنْ ادَّعَى الْغُرُورَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ . وَوَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ . وَقِيلَ : يَجُوزُ وَطْؤُهَا ؛ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ . وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ
عَنْهُ . وَلَهُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِقَوْلِ أَوْ فِعْلٍ ؛ فَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ ؛ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهْلَ : فَهَلْ لَهُ الْخِيَارُ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ وَالْأَظْهَرُ ثُبُوتُ الْفَسْخِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 302)(13/266)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَبَانَتْ ثَيِّبًا فَهَلْ لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : لَهُ فَسْخُ النِّكَاحِ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِأَرْشِ الصَّدَاقِ - وَهُوَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ مَهْرِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَيُنْقِصُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى - وَإِذَا فَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ الْمَهْرُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 310)
بَابُ الصَّدَاقِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ السُّنَّةُ : تَخْفِيفُ الصَّدَاقِ وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنَاتِهِ : فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَيْرُهُنَّ أَيَسَرُهُنَّ صَدَاقًا } وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلْزِمُوا النِّسَاءَ الرِّجَالَ وَلَا تُغَالُوا فِي الْمُهُورِ } . وَخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَقَالَ : أَلَا لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرَمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ : كَانَ أَوْلَاكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصْدِقَ الْمَرْأَةَ صَدَاقًا يَضُرُّ بِهِ إنْ نَقَدَهُ وَيَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ : عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا ؟ قَالَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَكَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيك ؛ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَك فِي
بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ قَالَ : فَبَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي عَبْسٍ فَبَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . " وَالْأُوقِيَّةُ " عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ مَجْمُوعُ الصَّدَاقِ لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ . وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الأسلمي : { أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُ فِي صَدَاقِهَا فَقَالَ : كَمْ أَصْدَقْت ؟ قَالَ : فَقُلْت ؛ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ . فَقَالَ : لَوْ كُنْتُمْ تَغْرِفُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ أَوْدِيَتِكُمْ مَا زِدْتُمْ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ . وَإِذَا أَصْدَقَهَا دَيْنًا كَثِيرًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُعْطِيَهَا إيَّاهُ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقِ يَنْوِي أَلَّا يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ وَمَنْ ادَّانَ دَيْنًا يَنْوِي أَلَّا يَقْضِيَهُ فَهُوَ سَارِقٌ } . وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْخُيَلَاءِ وَالرِّيَاءِ مِنْ تَكْثِيرِ الْمَهْرِ لِلرِّيَاءِ وَالْفَخْرِ وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ أَخْذَهُ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُعْطِيَهُمْ إيَّاهُ : فَهَذَا مُنْكَرٌ قَبِيحٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ . وَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يُطِيقُهُ فَقَدْ حَمَّلَ نَفْسَهُ وَشَغَلَ ذِمَّتَهُ وَتَعَرَّضَ لِنَقْصِ حَسَنَاتِهِ وَارْتِهَانِهِ بِالدَّيْنِ ؛ وَأَهْلُ الْمَرْأَةِ قَدْ آذَوْا صِهْرَهُمْ وَضَرُّوهُ . وَالْمُسْتَحَبُّ فِي " الصَّدَاقِ " مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ : أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ(13/267)
عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بَنَاتِهِ وَكَانَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ . بِالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ نَحْوًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا . فَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَنَّ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَاقِ { قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ : صَدَاقُنَا إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ أَوَاقٍ وَطَبَّقَ بِيَدَيْهِ . وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي داود فِي سُنَنِهِ . { وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : قُلْت لِعَائِشَةَ : كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا . قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ ؟ قُلْت : لَا قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةٍ : فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ صَدَاقَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى أَنْ يَزِيدَ صَدَاقَ ابْنَتِهِ عَلَى صَدَاقِ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّوَاتِي هُنَّ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ وَهُنَّ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي كُلِّ صِفَةٍ : فَهُوَ جَاهِلٌ أَحْمَقُ . وَكَذَلِكَ صَدَاقُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ . وَهَذَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَأَمَّا الْفَقِيرُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
يُصْدِقَ الْمَرْأَةَ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ . وَالْأَوْلَى تَعْجِيلُ الصَّدَاقِ كُلِّهِ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا أَمْكَنَ فَإِنْ قَدَّمَ الْبَعْضَ وَأَخَّرَ الْبَعْضَ : فَهُوَ جَائِزٌ . وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ الطَّيِّبُ يُرَخِّصُونَ الصَّدَاقَ . { فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ } . قَالُوا : وَزْنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ . وَزَوَّجَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ بِنْتَه عَلَى دِرْهَمَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيِّمٍ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ أَنْ خَطَبَهَا الْخَلِيفَةُ لِابْنِهِ فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ . وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ تَكْثِيرِ صَدَاقِ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ اتَّسَعَ عَلَيْهِمْ وَكَانُوا يُعَجِّلُونَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لَمْ يَكُونُوا يُؤَخِّرُونَ مِنْهُ شَيْئًا . وَمَنْ كَانَ لَهُ يَسَارٌ وَوَجَدَ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ امْرَأَتَهُ صَدَاقًا كَثِيرًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } . أَمَّا مَنْ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِصَدَاقِ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ أَوْ يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ : فَهَذَا مَكْرُوهٌ . كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي ذِمَّتِهِ صَدَاقًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَهُ : فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 311)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الرَّجُل يَتَزَوَّجُ عَلَى صَدَاقٍ مُعَيَّنٍ مَكْتُوبٍ وَيَتَّفِقَا عَلَى مُقَدَّمٍ فَيُعْطِيهِ ثُمَّ يَمُوتُ : هَلْ يُحْسَبُ الْمُقَدَّمُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَاقِ الْمَكْتُوبِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : وَأَمَّا مَا يُقَدِّمُهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ النَّقْدِ الَّذِي اتَّفَقُوا عَلَيْهِ غَيْرَ الصَّدَاقِ الَّذِي يُكْتَبُ فِي الْكِتَابِ إذَا أَعْطَاهَا الزَّوْجُ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ بَدَلَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ الْمَكْتُوبِ ؛ بَلْ لَوْ لَمْ يُعْطِهَا ذَلِكَ لَكَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَكَانَ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ تَأْخُذُهُ كُلَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ فَإِنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ ؛ يُسَمِّيهِ السَّلَفُ عَاجِلًا وَآجِلًا وَشَارَطَتْهُ عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ لَهَا كَذَا وَيُؤَخِّرَ كَذَا . وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ حِينَ الْعَقْدِ فَالشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْعَقْدِ إذَا لَمْ يُفْسَخْ حِينَ(13/268)
عَقْدِ الْعَقْدِ كَالْمَشْرُوطِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ الَّذِي صَنَّفْته فِي " مَسَائِلَ الذرايع وَالْحِيَلِ " و " بَيَانِ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا يُعْطِيهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ مَا شَرَطَ لَهَا تَعْجِيلَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 312)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ امْرَأَةٍ عَجَّلَ لَهَا زَوْجُهَا نَقْدًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْهَا فَطَلَبَ الْحَاكِمُ أَنْ يُحْسَبَ الْمُعَجَّلُ مِنْ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ ؛ لِكَوْنِ الْمُعَجَّلِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الصَّدَاقِ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْعَاجِلِ الْمُقَدَّمِ وَالْآجِلِ الْمُؤَخَّرِ - كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ - فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَطْلُبَ الْمُؤَخَّرَ كُلَّهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُعَجَّلَ فِي الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ أَهْدَى لَهَا - كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ . وَأَمَّا إنْ كَانَ أَقْبَضَهَا مِنْ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى حُسِبَ عَلَى الزَّوْجَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 313)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ اعْتَقَلَتْهُ زَوْجَتُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى الصَّدَاقِ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَوْجُودٌ : فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبْقِيَهُ أَوْ يُطْلِقُهُ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ حَلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَى إعْسَارِهِ وَأَطْلَقَهُ . وَلَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَتَكْلِيفُهُ الْبَيِّنَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 315)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ خَطَبَ امْرَأَةً فَاتَّفَقُوا عَلَى النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَأَعْطَى أَبَاهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ شَيْئًا فَمَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ : هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَعْطَى ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ . إذَا كَانُوا قَدْ وَفَّوْا بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعُوهُ مِنْ نِكَاحِهَا حَتَّى مَاتَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ مَا أَعْطَاهُمْ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الصَّدَاقِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُمَكِّنُوهُ مِنْ نِكَاحِهَا وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَهَذَا غَايَةُ الْمُمْكِنِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 317)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُعْسِرٍ : هَلْ يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إذَا كَانَ مُعْسِرًا قُسِّطَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَلَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ ؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ يَقْبَلُونَ قَوْلَهُ فِي الْإِعْسَارِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَمِنْهُمْ(13/269)
مَنْ لَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ ؛ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةُ . فَإِذَا كَانَتْ الْحُكُومَةُ عِنْدَ مَنْ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد لَمْ يُحْبَسْ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 319)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلِ ؛ فَهَرَبَ وَتَرَكَهَا مِنْ مُدَّةِ سِتِّ سِنِينَ وَلَمْ يَتْرُكْ عِنْدَهَا نَفَقَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَدَخَلَ بِهَا فَلَمَّا اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا فَسَخَ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا : فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ الصَّدَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إنْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فُسِخَ لِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ؛ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ الثَّانِيَ : فَنِكَاحُهُ صَحِيحٌ . وَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ الثَّانِيَ قَبْلَ فَسْخِ نِكَاحِ الْأَوَّلِ : فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ . وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ عَلِمَا أَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ بَاقٍ ؛ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا النِّكَاحُ : فَيَجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا . وَإِنْ جَهِلَ الزَّوْجُ نِكَاحَ الْأَوَّلِ أَوْ نَفَاهُ أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ : فَنِكَاحُهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ ؛ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الصَّدَاقُ وَيَلْحَقُ فِيهِ النَّسَبُ وَلَا حَدَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ غَرَّتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ الْأَزْوَاجِ : فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالصَّدَاقِ الَّذِي أَدَّاهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 322)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ امْرَأَةٍ اعْتَاضَتْ عَنْ صَدَاقِهَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَبَاعَتْ الْعِوَضَ وَقَبَضَتْ الثَّمَنَ ثُمَّ أَقَرَّتْ أَنَّهَا قَبَضَتْ الصَّدَاقَ مِنْ غَيْرِ ثَمَنِ الْمِلْكِ : فَهَلْ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي ؟ أَوْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِاَلَّذِي اعْتَرَفَتْ أَنَّهَا قَبَضَتْهُ مِنْ غَيْرِ الْمِلْكِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : لَا يَبْطُلُ حَقٌّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهَا ثَمَنَ الْمِلْكِ الَّذِي اعْتَاضَتْ بِهِ ؛ إذَا أَقَرَّتْ بِأَنَّ قَبْضَ صَدَاقِهَا قَبْلَ ذَلِكَ . وَكَانَ قَدْ أَفْتَى طَائِفَةٌ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِاَلَّذِي اعْتَرَفَتْ بِقَبْضِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَيْسَ بِشَيْءِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ تَضَمَّنَ أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ صَدَاقَهَا وَأَنَّهَا بَعْدَ هَذَا الِاسْتِيفَاءِ لَهُ أَحْدَثَتْ مِلْكًا آخَرَ ؛ فَإِنَّمَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِمْ الْعَقَارَ ؛ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 368)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ مُدَّةِ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحْسَنَتْ الْعِشْرَةَ مَعَهُ وَفِي هَذَا الزَّمَانِ تَأْبَى الْعِشْرَةَ مَعَهُ وتناشزه : فَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْشُزَ عَلَيْهِ وَلَا تَمْنَعَ نَفْسَهَا فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى تُصْبِحَ } فَإِذَا أَصَرَّتْ عَلَى النُّشُوزِ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَقُومُ بِمَا يَجِبُ لِلرَّجُلِ عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيُعْطِيَهَا الصَّدَاقَ ؛ بَلْ هِيَ الَّتِي تَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ فَتَبْذُلُ صَدَاقَهَا لِيُفَارِقَهَا كَمَا { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ(13/270)
ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَنْ يُعْطِيَ صَدَاقَهَا فَيُفَارِقَهَا } . وَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا بِالصَّدَاقِ لَمْ تَجُزْ مُطَالَبَتُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 371)
بَابُ الْخُلْعِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ الْخُلْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْخُلْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَارِهَةً لِلزَّوْجِ تُرِيدُ فِرَاقَهُ فَتُعْطِيهِ الصَّدَاقَ أَوْ بَعْضَهُ فِدَاءَ نَفْسِهَا كَمَا يُفْتَدَى الْأَسِيرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُرِيدًا لِصَاحِبِهِ فَهَذَا الْخُلْعُ مُحْدَثٌ فِي الْإِسْلَامِ . وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَتْ مُبْغِضَةً لَهُ مُخْتَارَةً لِفِرَاقِهِ فَإِنَّهَا تَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ فَتَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَتُبْرِيهِ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَيَخْلَعُهَا كَمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 373)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ اتَّهَمَ زَوْجَتَهُ بِفَاحِشَةٍ ؛ بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَرَ عِنْدَهَا مَا يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ إلَّا [ أَنَّهُ ] ادَّعَى أَنَّهُ أَرْسَلَهَا إلَى عُرْسٍ ثُمَّ تَجَسَّسَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْهَا فِي الْعُرْسِ فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ أَتَى إلَى أَوْلِيَائِهَا وَذَكَرَ لَهُمْ الْوَاقِعَةَ فَاسْتَدْعَوْا بِهَا لِتُقَابِلَ زَوْجَهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فَامْتَنَعَتْ خَوْفًا مِنْ الضَّرْبِ ؛ فَخَرَجَتْ إلَى بَيْتِ خَالِهَا ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ بَعْدَ ذَلِكَ جَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَنَدًا فِي إبْطَالِ حَقِّهَا ؛ وَادَّعَى أَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ : فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِحَقِّهَا ؟ وَالْإِنْكَارُ الَّذِي أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ يَسْتَوْجِبُ إنْكَارًا فِي الشَّرْعِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } فَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْضُلَ الْمَرْأَةَ : بِأَنْ يَمْنَعَهَا وَيُضَيِّقَ عَلَيْهَا حَتَّى تُعْطِيَهُ بَعْضَ الصَّدَاقِ وَلَا أَنْ يَضْرِبَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ إذَا أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْضُلَهَا لِتَفْتَدِي مِنْهُ ؛ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا . هَذَا فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ اللَّهِ . وَأَمَّا " أَهْلُ الْمَرْأَةِ " فَيَكْشِفُونَ الْحَقَّ مَعَ مَنْ هُوَ فَيُعِينُونَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَعَدَّتْ حُدُودَ اللَّهِ وَآذَتْ الزَّوْجَ فِي فِرَاشِهِ : فَهِيَ ظَالِمَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ فَلْتَفْتَدِ مِنْهُ . وَإِذَا قَالَ : إنَّهُ أَرْسَلَهَا إلَى عُرْسٍ وَلَمْ تَذْهَبْ إلَى الْعُرْسِ فَلْيَسْأَلْ إلَى أَيْنَ ذَهَبَتْ ؟ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى قَوْمٍ لَا رِيبَةَ عِنْدَهُمْ وَصَدَّقَهَا أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَوْ قَالُوا لَمْ تَأْتِ إلَيْنَا ؛ وَإِلَى الْعُرْسِ لَمْ تَذْهَبْ : كَانَ هَذَا رِيبَةً وَبِهَذَا يَقْوَى قَوْلُ الزَّوْجِ . وَأَمَّا " الْجِهَازُ " الَّذِي جَاءَتْ بِهِ مِنْ بَيْتِ أَبِيهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهَا بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ اصْطَلَحُوا فَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَمَتَى تَابَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى رُجُوعِهَا إلَيْهِ فَلْتُبْرِئْهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَلْيَخْلَعْهَا الزَّوْجُ ؛ فَإِنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ
بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ(13/271)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 376)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ امْرَأَةٍ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ جَمِيعِ صَدَاقِهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْهَدَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَكَانَتْ الْبَرَاءَةُ تَقَدَّمَتْ عَلَى ذَلِكَ : فَهَلْ يَصِحُّ الطَّلَاقُ ؟ وَإِذَا وَقَعَ يَقَعُ رَجْعِيًّا أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إنْ كَانَا قَدْ تَوَاطَآ عَلَى أَنْ تَهَبَهُ الصَّدَاقَ وَتُبْرِيهِ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا فَأَبْرَأَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا : كَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا بَائِنًا . وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا : أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك . أَوْ : إنْ أبرأتيني طَلَّقْتُك . وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ الْإِبْرَاءَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا . وَأَمَّا إنْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً لَا تَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ ؛ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ : فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ وَلَكِنْ هَلْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِي الْإِبْرَاءِ إذَا كَانَ يُمْكِنُ لِكَوْنِ مِثْلِ هَذَا الْإِبْرَاءِ لَا يَصْدُرُ فِي الْعَادَةِ إلَّا لِأَنْ يُمْسِكَهَا أَوْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَدْ طَابَتْ نَفْسُهَا بِالْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً مِنْهَا لَا بِسَبَبِ مِنْهُ وَلَا عِوَضٍ : فَهُنَا لَا تَرْجِعُ فِيهِ بِلَا رَيْبٍ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 286)
بَابُ الصَّدَاقِ وَلَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الصَّدَاقِ عَلَى الْحَرِيرِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَيُسْتَحَبُّ بُلُوغُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ .
وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يَكُونُ بُلُوغُهُ مُبَاحًا وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ جَعْلُ الصَّدَاقِ دَيْنًا سَوَاءٌ كَانَ مُؤَخَّرَ الْوَفَاءِ وَهُوَ حَالٌّ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَكَانَ مُتَوَجِّهًا لِحَدِيثِ الْوَاهِبَةِ وَالصَّدَاقُ الْمُقَدَّمُ إذَا كَثُرَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْكَرَاهَةَ مِنْ مَعْنَى الْمُبَاهَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
فَأَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ كُرِهَ بَلْ يَحْرُمُ إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِمَسْأَلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْوُجُوهِ الْمُحَرَّمَةِ فَأَمَّا إنْ كَثُرَ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ فِي ذِمَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ هَذَا كُلُّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِشَغْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِنِيَّةِ أَنْ يُعْطِيَهَا صَدَاقًا مُحَرَّمًا أَوْ لَا يُوفِيَهَا الصَّدَاقَ أَنَّ الْفَرْجَ لَا يَحِلُّ لَهُ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ الْفَرْجَ بِمَالِهِ فَلَوْ تَابَ مِنْ هَذِهِ النِّيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا يَعْنِي بِحُرْمَةٍ وَالْمَرْأَةُ لَا تُحَرِّرُ مُحَرَّمًا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كُلُّ مَا صَحَّ عِوَضًا فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ صَحَّ مَهْرًا إلَّا مَنَافِعَ الزَّوْجِ الْحُرِّ الْمُقَدَّرَةِ بِالزَّمَانِ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَأَمَّا الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي مَنَافِعِ الْحُرِّ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِزَوْجٍ وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ .
وَأَمَّا أَبُو الْخَطَّابِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُقْنِعِ فَلَفْظُهُمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ فَاعْتَبَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ الْقَيْدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالْحُرِّيَّةَ
أَنْ يُقَالَ : إنْ قُلْنَا لَا يُجْبَرُ الْغَرِيمُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى نِيَّتِهِ إذْ لَمْ يُظْهِرْهَا لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِيفَاءَ شُرِطَ بِالرِّضَا وَالْغَرِيمُ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَرْضَ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ وَإِنْ قُلْنَا يُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْغَرِيمِ فَيُتَوَجَّهَ أَنْ يُؤَثِّرَ مُجَرَّدُ دَيْنِهِ الْمُوَفَّى وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ .(13/272)
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ مُقَدَّمًا وَمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ صَحَّ وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِالْمُؤَجَّلَةِ إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةٍ .
وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ، وَاخْتَارَهُ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ جَاءَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى عَاجِلٍ وَآجِلٍ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَقَدَّمَتْهُ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ دُلَّنَا عَلَى مَيْسَرَةٍ فَآخُذُهُ لَك وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ جَهَالَةِ الْفُرْقَةِ وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الشَّرْطُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، وَلَوْ قِيلَ بِصِحَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْآجَالِ لَكَانَ مُتَّجَهًا صَرَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْقَاضِي وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الصَّدَاقَ كَانَ حَالًّا .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : إنْ كَانَ الْفَرْقُ جَارِيًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا يَعْرِفُونَهُ وَلَوْ كَانُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ لَفْظِ الْمَهْرِ وَالصَّدَاقِ فَالْمَهْرُ عِنْدَهُمْ مَا يُعَجَّلُ وَالصَّدَاقُ مَا يُؤَجَّلُ كَانَ حُكْمُهُمْ عَلَى مُقْتَضَى عُرْفِهِمْ وَلَوْ امْرَأَةً اتَّفَقَ مَعَهَا عَلَى صَدَاقٍ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَأَنَّهُ يَظْهَرُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا بِقَبْضِ عَشَرَةٍ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَغْدِرَ بِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ الرَّجُلِ عَلَى وُجُودِ الْقَبْضِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ بِالْقَبْضِ فِي مِثْلِ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ تَبْقَى مَعَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَتَتَوَجَّهُ صِحَّتُهُ بَلْ هُوَ الْأَشْبَهُ بِأُصُولِنَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمِ ، أَوْ أَكْرَاهُ الدَّارَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ بِمُدَّةِ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ تَأْجِيلِهِ بِمُدَّةِ النِّكَاحِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَهَالَةِ الْقَدْرِ وَجَهَالَةِ الْأَجَلِ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا كُلَّ شَهْرٍ ثَوْبًا صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنْفَعَةِ دَارِهِ أَوْ عَبْدِهِ مَا دَامَتْ زَوْجَتُهُ وَفِيهَا قَدْ تَبْطُلُ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ زَوَالِ النِّكَاحِ فَإِنْ شَرَطَ لَهَا مَثَلًا إذَا تَلِفَتْ فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلَوْ قِيلَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَبَرَّعَتْ الْمَرْأَةُ بِالصَّدَاقِ ثُمَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ .
وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْفُسُوخِ لَمْ يَبْعُدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ تَكَرَّرَ ، وَقَالَتْ بَلْ هُوَ عَقْدَانِ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَهَا الْمَهْرَانِ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْجَدِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ عَلَى الْمَهْرِ الثَّانِي وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَيِّنَةٌ وَلَا إقْرَارٌ ، وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ أَنْكَرَ الدُّخُولَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْهُ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي وُجُودِ الدُّخُولِ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَهَكَذَا يَحِقُّ فِي كُلِّ صُورَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ صَدَاقًا فِي نِكَاحٍ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَوَقَعَ مِنْهُ الطَّلَاقُ هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى أَوْ بِنِصْفِهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ ادِّعَائِهِ الْمُسْقِطَ وَعَدَمِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَمَأْخَذُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّدَاقَ إذَا تَبَيَّنَ بِالْعَقْدِ وَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ فَهَلْ يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدَّعِ عَدَمَ الدُّخُولِ وَلَوْ صَالَحَتْ عَنْ صَدَاقِهَا الْمُسَمَّى بِأَقَلَّ جَازَ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ حَقِّهَا وَلَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْفَضْلُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى حَقِّهَا وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَصَحَّحْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ(13/273)
بِأَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ هَلْ يَفْتَقِرُ لُزُومُهَا إلَى قَبُولِ الزَّوْجَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِتْيَانِهِ الْفَرْضَ بَعْدَ الْفَرْضِ فَلَوْ فَرَضَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهَلْ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ فَرْضِهِ كَلَامُ أَحْمَدَ زَادَهَا فِي مَهْرِهَا مُطْلَقٌ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَبِلَتْهَا أَمْ لَا .
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُغَيِّرَ الْمَهْرَ مِثْلُ تَبْدِيلِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ ، أَوْ تَأْجِيلِ الْحَالِّ أَوْ إحْلَالِ الْمُؤَجَّلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُوجِبُ تَعْلِيلِ أَصْحَابِنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَبْدِيلَ فَرْضٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَغْيِيرٌ لِذَلِكَ الْفَرْضِ ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ كَلَامُهُمْ صِحَّتَهُ أَيْضًا لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِهِمْ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَقَدْ كَتَبْت عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا إذَا أَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا زَالَ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا وَهَبَهُ لَهَا سَبَبُهُ النِّكَاحُ ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إذَا زَالَ النِّكَاحُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ .
وَهَذَا الْمَنْصُوصُ جَارٍ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْمُوَافِقَةِ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُهْدِيَ أَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ بِسَبَبٍ يَثْبُتُ بِثُبُوتِهِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَيَحْرُمُ بِحُرْمَتِهِ وَيَحِلُّ بِحِلِّهِ حَيْثُ جَازَ فِي تَوَلِّي الْهَدِيَّةِ مِثْلُ مَنْ أَهْدَى لَهُ لِلْفَرْضِ ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ بَدَلِ الْفَرْضِ .
وَكَذَلِكَ مَنْ أَهْدَى لَهُ لِوِلَايَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْإِمَامِ وَأَمِيرِ الْجَيْشِ وَسَاعِي الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَدْ وَعَدُوهُ بِالنِّكَاحِ فَزَوَّجُوا غَيْرَهُ رَجَعَ بِهَا .
وَالنَّقْدُ الْمُقَدَّمُ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ فِي الصَّدَاقِ إذَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ وَيُطَالِبُ بِنِصْفِهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ إلَّا أَنْ يُفْتُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا وَيَكُونُ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا قَالَ الْقَاضِي هِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ وَتَابَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَيُتَوَجَّهُ صِحَّةُ السَّلَفِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَمَا يَصِحُّ فِي الْعِتْقِ ، وَيَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمُسْلِفِ إنْ فَعَلَهُ وَإِلَّا قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي تَوْفِيَةِ الْعَقْدِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَوْفِيَةِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَنْفَعَةٌ مِنْ الْمَنَافِعِ فَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ كَالصِّنَاعَاتِ .
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الثَّوَابُ .
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي اشْتِرَاطِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْأَمَةِ إذَا أَعْتَقَهَا لُزُومُ هَذَا الشَّرْطِ قَبِلَتْ أَمْ لَمْ تَقْبَلْ كَاشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْجَارِيَةَ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا يَقُولُ : قَدْ أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك أَوْ يَقُولُ : قَدْ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك قَالَ : هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ سَوَاءٌ أَعْتَقْتُكِ وَتَزَوَّجْتُكِ ، وَعَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا إذَا تَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ جَائِزٌ .
وَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَتَزَوَّجْتُك .
وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَصِيرُ زَوْجَةً بِنَفْسِ هَذَا الْكَلَامِ ، وَعَلَى قَوْلِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا سَوَاءٌ كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهَا تُعْتَقُ مُجَّانًا وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى(13/274)
بَدَلِ الْعِوَضِ لَا إلَى بَدَلِ الْعِتْقِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَأَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ إذْ الرَّجُلُ طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْعِتْقِ إذَا أَخَذَ هَذَا الْعِوَضَ وَأَخْذُ بَدَلِهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ .
وَمَنْ أَعْتَقَتْ عَبْدَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا أَوْ بِسِوَاهَا أَوْ بِدُونِهِ عَتَقَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَعَلَّلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ بِأَنَّهَا اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ تَمْلِيكَ الْبُضْعِ وَهُوَ لَا قِيمَةَ لَهُ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ وَالْحَظُّ فِي النِّكَاحِ لِلزَّوْجِ ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ الْحَظَّ فِي النِّكَاحِ لِلْمَرْأَةِ ، وَلِهَذَا مَلَكَ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يُجْبِرُوهَا عَلَيْهِ دُونَ الرَّجُلِ وَمَلَكَ الْوَلِيُّ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهَا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا اشْتَرَطَتْ نَفَقَةً وَمَهْرًا أَوْ اسْتِمْتَاعًا وَهَذَا مَقْصُودٌ كَمَا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا شَرَطَ عَلَيْهَا اسْتِمْتَاعًا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ ، وَأَمَّا إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الزَّوَاجِ وَعَدَمِهِ فَيُتَوَجَّهُ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ نَفْسِهِ وَإِذَا بَدَّلَ التَّزْوِيجَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى النِّكَاحِ الْمُطْلَقِ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ بِالْمُفَارَقَةِ قِيمَةَ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعِوَضَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ هُوَ تَزَوُّجُهُ بِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ كَمَنْ أَعْتَقَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُسَمِّ لَهَا وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا يُعْطِيهَا مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهَذَا الْبَحْثُ يَجْرِي فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ أُخْتَهُ أَوْ يُعْتِقَهَا وَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ الطَّلَاقَ مَهْرًا .
فَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ مَهْرًا بِضِدِّهِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ أَجْوَدُ فَإِنَّ الصَّدَاقَ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَدَلٌ عَنْهُ تَعَذُّرُهُ فَلَهُ بَدَلٌ عِنْدَ فَسَادِ تَسْمِيَتِهِ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَلَوْ قِيلَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فَاسِدٌ لَا بَدَلَ لَهُ فَهُوَ كَالْخَمْرِ وَكَنِكَاحِ السِّفَاحِ وَإِذَا صَحَّحْنَا إصْدَاقَ الطَّلَاقِ فَمَاتَتْ الضِّرَّةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَقَدْ يُقَالُ حَصَلَ مَقْصُودُهَا مِنْ الْفُرْقَةِ بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ وَفَّى عَنْهُ الْمَهْرَ أَجْنَبِيٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّائِلُ لَهُ لِيُخَلِّصَ الْمَرْأَةَ جَازَ لَهُ بَدَلَ عِوَضِهِ سَوَاءٌ كَانَ نِكَاحًا أَوْ مَالًا كَأَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يَضْرِبُهَا وَيُؤْذِيهَا فَقَالَ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك بِنْتِي فَهَذَا سَلَفٌ فِي النِّكَاحِ ، أَوْ قَالَ : زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِك فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ إصْدَاقِ الطَّلَاقِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ هَذَا : إنَّ الطَّلَاقَ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْأَلْفَ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتَك وَهَذَا سَلَفٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ بَاذِلَ الْعِوَضِ لِغَرَضِ ضَرَرِ الْمَرْأَةِ فَهَا هُنَا لَا يَجُوزُ لِلْحَدِيثِ فَعَلَى هَذَا فَلَوْ خَالَعَتْ الضَّرَّةُ عَنْ ضَرَّتِهَا بِمَالٍ أَوْ خَالَعَ أَبُوهَا فَهُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ التَّزْوِيجَ بِالْمَرْأَةِ فَالْأَجْنَبِيُّ يَنْظُرُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فَلَهُ حُكْمٌ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً فَلَهُ حُكْمٌ وَإِذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الطَّلَاقَ فَهَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُجِيبَهُ وَيَأْخُذَ الْعِوَضَ وَهَذَا نَظِيرُ بَيْعِهِ إيَّاهُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَوْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ أَبًا لَزِمَ الزَّوْجَ الْمُسَمَّى وَالتَّمَامُ عَلَى الْوَلِيِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ .
وَيَتَحَرَّرُ لِأَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ رِوَايَاتٌ .
إحْدَاهُنَّ : أَنَّهُ عَلَى الِابْنِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَضْمَنُهُ الْأَبُ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا .(13/275)
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَضْمَنَهُ فَيَكُونَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ ضَمَانًا .
الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ عَلَيْهِ أَصَالَةً .
الْخَامِسَةُ : أَنَّهُ إذَا كَانَ الِابْنُ مُقِرًّا فَهُوَ عَلَى الْأَبِ أَصَالَةً .
السَّادِسَةُ : الْفَرْقُ بَيْنَ رِضَا الِابْنِ وَعَدَمِ رِضَاهُ وَضَمَانُ الْأَبِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ قَدْ يَكُونُ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِلَفْظٍ آخَرَ .
مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الَّذِي لِي لِابْنِي أَوْ أَنَا وَابْنِي شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَهَلْ يَتْرُكُ وَالِدٌ وَلَدَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَغُرُّهُمْ حَتَّى يُزَوِّجُوا ابْنَهُ ، وَقَدْ يَكُونُ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ وَقَدْ يَذْكُرُ الْأَبُ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ مَلَّكَ ابْنَهُ مَالًا أَوْ يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ فَيُزَوِّجُوهُ عَلَى ذَلِكَ ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَعْطَيْته عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ مَالِ الْأَبِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَ رِضَاهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَالْمَهْرِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ إذَا مَاتَ الْأَبُ الَّذِي عَلَيْهِ مَهْرُ ابْنِهِ فَأَخَذَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْبَرْزَلِيِّ قَالَ الْقَاضِي : يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا حَمَلَهُ أَبُو حَفْصٍ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ إلَّا بِالْمَأْخَذَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ قَائِمٌ مَقَامَ ابْنِهِ فَلَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهِ صَحَّ فَإِذَا ضَمِنَهُ هُوَ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَمَانًا لَازِمًا لِلِابْنِ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُثْبِتَ الْمَالَ فِي ذِمَّتِهِ بِدُونِ ضَمَانِهِ فَضَمَانُهُ وَقَضَاؤُهُ أَوْلَى قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ إذَا ضَمِنَهُ الْأَبُ لَزِمَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ أَجْنَبِيٌّ وَإِذَا أَقَبَضَهَا إيَّاهُ فَهَلْ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْأَبِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصْلُهُمَا ضَمَانُ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : بَلْ يَرْجِعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ ابْنِهِ فِي الْإِذْنِ لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ نَفْسِهِ وَإِذَا وَفَّى الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانَ لِلْمُسْتَوْفِي أَخْذُهُ لَهُ وَفَاءٌ عَنْ دَيْنِهِ وَبَدَلًا عَنْهُ وَأَمَّا الْمُوَفَّى عَنْهُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعُ عَلَيْهِ ثُمَّ هَلْ يُقَالُ لَوْ انْفَسَخَ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ أَوْ بَعْضُهُ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفَسْخِ الْبُيُوعِ لِلْمُوَفَّى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْ فَيَعُودُ إلَى الْمُوَفَّى .
الرَّاجِحُ أَنْ لَا يَجِبَ انْتِقَالُهُ وَيَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ بِالْخَلْوَةِ وَإِنْ مَنَعَتْهُ الْوَطْءَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ ، وَقِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَهَا وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ وَقَبَضَ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا قَالَ : إذَا نَالَ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ ، وَإِنْ قُلْنَا لَا مَهْرَ بِالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِيهِ وَالْفَسْخُ لِاعْتِبَارِ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ نَظِيرُ الْفَسْخِ لِعُنَّةٍ بِالزَّوْجِ فَيَتَخَرَّجُ مِنْهُ التَّنْصِيفُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ فِيهِ فَإِنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ لِكَوْنِهَا مَعْذُورَةً فِي الْفَسْخِ وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ إنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ يَتَقَوَّمُ وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَقَلَهَا حَنْبَلٌ وَهُوَ ظَاهِرُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ .
وَاخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي " الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ " : أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةً إلَّا الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَالَهُ عُمَرُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمُتْعَةَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ لَهَا أَيْضًا مَعَ نَفَقَةِ الْعَقْدِ(13/276)
حَيْثُ أَوْجَبْنَاهَا وَتَكُونُ نَفَقَةُ الرَّجْعِيَّةِ مُتَعَيِّنَةً عَنْ مَتَاعٍ آخَرَ بِحَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا كُسْوَتَانِ .
وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَصْرِ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّ الزَّمَانَ إنْ كَانَ زَمَانَ رُخْصٍ رُخِّصَ وَإِنْ زَادَتْ الْمُهُورُ ، وَإِنْ كَانَ زَمَنَ غَلَاءٍ وَخَوْفِ نَقْصٍ وَقَدْ تُعْتَبَرُ عَادَةُ الْبَلَدِ وَالْقَبِيلَةِ فِي زِيَادَةِ الْمَهْرِ وَنَقْصِهِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا اعْتِبَارُ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ فَإِذَا كَانَ أَبُوهَا مُوسِرًا ثُمَّ افْتَقَرَ أَوْ ذَا صَنْعَةٍ جَيِّدَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى دُونِهَا أَوْ كَانَتْ لَهُ رِئَاسَةٌ أَوْ مِلْكٌ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ الرِّئَاسَةُ وَالْمِلْكُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ مِثْلِ هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَهْلُهُمَا لَهُمْ عِزٌّ فِي أَوْطَانِهِمْ وَرِئَاسَةٌ فَانْقَلَبُوا إلَى بَلَدٍ لَيْسَ لَهُمْ عِزٌّ فِيهِ وَلَا رِئَاسَةٌ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ يُسَمُّونَ مَهْرًا وَلَكِنْ لَا يَسْتَوْفُونَهُ قَطُّ مِثْلُ عَادَةِ أَهْلِ الْجَفَاءِ مِثْلُ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَالشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ كَالْمُقَارِنِ وَالْإِطْرَادُ الْعُرْفِيُّ كَالْمَقْضِيِّ .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَقَدْ سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْ هَذَا وَقِيلَ لِي مَا مَهْرُ مِثْلِ هَذِهِ فَقُلْت مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الزَّوْجِ فَقَالُوا إنَّمَا يُؤْخَذُ الْمُنْحَلُّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقُلْت هُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا .
وَالْأَبُ هُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ عَفْوَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ بَلْ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ وَتَعْلِيلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَ يَقْتَضِي جَوَازَ الْعَفْوِ بَعْدَ الدُّخُولِ عَنْ الصَّدَاقِ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الدُّيُونِ وَالْأَشْبَهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ وَلِيُّهَا الْمُطَالَبَةَ لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَا يُطَالِبُ بِهِ إلَّا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا لِأَنَّ النِّصْفَ مُسْتَحَقٌّ بِإِزَاءِ الْحَبْسِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِإِزَاءِ الدُّخُولِ فَلَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِبَذْلِهِ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَهْرِ فَالْمُتَوَجَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ جَارِيَةً بِحُصُولِ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الدُّيُونِ أَوْ الْأَعْيَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُوَافِقُ الْعَادَةَ وَهُوَ جَارٍ عَلَى أُصُولِنَا وَأُصُولِ مَالِكٍ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْعَادَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَجَّحُ وَفُرِّقَ بَيْنَ دَلَالَةِ الْحَالِ الْمُطْلَقَةِ الْعَامَّةِ وَبَيْنَ دَلَالَةِ الْحَالِ الْمُقَيَّدَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ وَقْتَ الْعَقْدِ فَقِيرَةً ثُمَّ وُجِدَ مَعَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّدَاقُ وَقَالَتْ أَخَذْته مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ تُعَيِّنْ وَلَمْ يَحْدُثْ لَهَا قَبْضُ مِثْلِهِ فَهُوَ نَظِيرُ تَعْلِيمِ السُّورَةِ الْمَشْرُوطَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ ، وَنَظِيرُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا وَالْكُسْوَةُ وَفِي
هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا إذَا أَبْدَتْ جِهَةَ الْقَبْضِ الْمُمْكِنِ مِنْهَا كَالْمُمْكِنِ مِنْ الزَّوْجِ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ مُسَمًّى فَيَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : شُبْهَةُ عَقْدٍ وَشُبْهَةُ اعْتِقَادٍ وَشُبْهَةُ مِلْكٍ .
فَأَمَّا عَقْدُ النِّكَاحِ فَلَا رَيْبَ فِيهِ وَأَمَّا عَقْدُ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ الْمَرْأَةَ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا فَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا مَهْرَ وَلَا أُجْرَةَ لِمَنَافِعِهَا وَأَمَّا شُبْهَةُ الِاعْتِقَادِ فَإِنْ كَانَ الِاشْتِبَاهُ عَلَيْهِ فَقَطْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا مَهْرٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا فَقَطْ فَإِنْ اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ زَوْجُهَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى .(13/277)
وَأَمَّا شُبْهَةُ الْمِلْكِ مِثْلُ مُكَاتَبَتِهِ وَأَمَةِ مُكَاتَبَتِهِ وَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ اتَّفَقَ مَعَ مُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ عَلَى شَيْءٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ سِوَاهُ وَهَذَا قِيَاسُ ضَمَانِ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ قَدْ اتَّفَقَ مَعَ الْمُتْلِفِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْإِتْلَافُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا وَإِذَا تَكَرَّرَ الْوَطْءُ فِي نِكَاحِ الشُّبْهَةِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَهْرٌ وَاحِدٌ كَمَا تَجِبُ عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتِيَارُ أَبِي الْبَرَكَاتِ .
وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : عَنْ أَبِي بَكْرٍ التَّفْرِقَةَ فَأَوْجَبَهُ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَكِنَّ الْأَمَةَ الْبِكْرَ إذَا وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أَوْ شُبْهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي وُجُوبِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَهُوَ مَا نَقَصَ قِيمَتُهَا بِالثُّيُوبَةِ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْقِيمَةِ أَضْعَافَ مَهْرِ مِثْلِ الْأَمَةِ وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِإِفْسَادِهَا أَوْ بِإِفْسَادِ غَيْرِهَا أَوْ بِيَمِينِهِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ فَلَهُ مَهْرُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَالْمَفْقُودِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ وُجْهَتِهَا فَهِيَ كَإِتْلَافِ الْبَائِعِ فَيُخَيَّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ مُطَالَبَتِهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَضَمَانِ الْمُسَمَّى لَهَا وَبَيْنَ إسْقَاطِ الْمُسَمَّى .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى السبكي - (ج 4 / ص 35)
( مَسْأَلَةٌ ) أَقْبَضَ زَوْجَتَهُ بَعْضَ الْمَهْرِ وَأَعْسَرَ بِبَاقِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ لَهَا الْفَسْخُ ؟ ( الْجَوَابُ ) لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ خِلَافًا فِي الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ وَالْأَصَحُّ الْفَسْخُ .
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَلَسِ : إنَّهُ لَا يُثْبِتُ الرُّجُوعَ فِي النِّكَاحِ فَذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَاكَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَشْهُورَ فِي الْفَسْخِ فِي الْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَعْسَرَ بِكُلِّهِ ، وَقَالَ : إنَّهُ مَا يَظُنُّ الْإِعْسَارَ عَنْ بَعْضِ الصَّدَاقِ يُثْبِتُ الْفَسْخَ .
وَلِابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ كَلَامٌ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْفَسْخِ وَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِلْقَدْرِ الْمَقْبُوضِ لَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ فِيهِ وَالْبُضْعُ لَا يَتَبَعَّضُ فَلِذَلِكَ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى .
ـــــــــــــــــــ
( مَسْأَلَةُ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ ) أَعْسَرَ بِبَعْضِ الصَّدَاقِ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا .
( الْجَوَابُ ) يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْفَسْخُ لَهَا ؛ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَاهَا إذَا قَبَضَتْ بَعْضَهُ ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ مِنْ الْبُضْعِ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إطْلَاقِ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقْبِضَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ لَا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى .
قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ بْنُ الشَّيْخِ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ وَفِي بَابِ الْفَلَسِ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَفِي كِتَابِ الصَّدَاقِ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 186)(13/278)
( سُئِلَ ) عَمَّا لَوْ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَهُوَ صَيْدٌ وَالزَّوْجُ مُحْرِمٌ هَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ أَمْ لَا وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إرْسَالُ الصَّيْدِ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ نِصْفِ الزَّوْجَةِ ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا مَلَكَهُ بِإِرْثٍ وَنَحْوِهِ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِرْسَالِهِ ، فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَتِنَا ، وَأَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَقَدْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا : إنَّهُ يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ كَانَ مِلْكًا لَهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ إلَّا بِالْقَتْلِ وَالْإِتْلَافِ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 188)
( سُئِلَ ) عَمَّا لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا مَاذَا يَلْزَمُهُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ يَتَشَطَّرُ الصَّدَاقُ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 8 / ص 387)
بَابٌ فِي الصَّدَاقِ ( وَسُئِلَ ) عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً وَأَجَابُوهُ فَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ يُسَمَّى الْجِهَازَ هَلْ تَمْلِكُهُ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْخَاطِبِ الدَّافِعِ فَإِنْ دَفَعَ بِنِيَّةِ الْهَدِيَّةِ مَلَكَتْهُ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ بِنِيَّةِ حُسْبَانِهِ مِنْ الْمَهْر حُسِبَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ زَوَاجٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَمْلِكهُ وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهَا .
( وَسُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ أَوْ عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ مُذَكَّاةٌ مَا حُكْمُ الْعَقْدِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ مَاذَا يَلْزَمُهُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَاللَّازِمُ لَهُ هُوَ الْخَلُّ وَالْعَبْد وَالْمُذَكَّاةُ لِلْقَاعِدَةِ عِنْدنَا أَنَّ الْإِشَارَة لِعَدَمِ تَطَرُّقِ الْخَطَإِ إلَيْهَا أَقْوَى مِنْ الْعِبَارَةِ الَّتِي قَدْ تُخْطِئُ وَقَدْ تُصِيبُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَسُئِلَ ) عَنْ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا هَلْ تَجِبُ لَهَا مُتْعَةٌ حَالًا وَهَلْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ حَالًا بَلْ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو شُكَيْل فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَالْبُسْتِيّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إنْ قُلْنَا بِسُقُوطِهَا بِالرَّجْعَةِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ فَالْوَجْهُ وُجُوبُهَا فَوْرًا مُطْلَقًا وَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ الرَّاعِي وَالْبَدْر بْن شُهْبَةَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ سَبَبَ إيجَابِهَا الْإِيحَاشُ وَالِابْتِذَالُ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ بَعْد مُرَاجَعَةٍ تَكَرَّرَتْ بِهَا الْمُتْعَةُ وَقَالَ الْقَاضِي بْنُ كَثِيرٍ تَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِإِطْلَاقِهِمْ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْخَيَّاطِ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَأَبِي شُكَيْل وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ .
( وَسُئِلَ ) بِمَا لَفْظُهُ كَثُرَ كَلَامُ النَّاسِ فِي الْهَدِيَّةِ الَّتِي يُهْدِيهَا الْخَاطِبُ وَالزَّوْجُ لِأَهْلِ الْمَخْطُوبَةِ أَوْ الزَّوْجَةِ مِنْ الْقُمَاشِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يَحْصُلُ لَهُ رَدًّا وَمِنْهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْوَطْءِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الرُّجُوعِ بِذَلِكَ مَعَ الْبَسْطِ فِيهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ الصَّدَاقِ وَتَبِعُوهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ مَالٍ فَقَالَ دَفَعْته صَدَاقًا وَقَالَتْ بَلْ هَدِيَّةً فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ تَلَفَّظَ وَاخْتَلَفَا هَلْ قَالَ خُذِي هَذَا صَدَاقًا أَمْ قَالَ هَدِيَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظٌ وَاخْتَلَفَا فِيمَا نَوَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا وَقِيلَ بِلَا يَمِينٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ(13/279)
أَوْ غَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ وَقَعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ فَذَاكَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ وَأَدَّى الصَّدَاقَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ الْبَدَلُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ ا هـ .
كَلَامُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَدَّى الصَّدَاقَ فَأَمَّا إذَا أَدَّاهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ دَفَعْته مِنْ الصَّدَاقِ وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ا هـ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصَدَّقُ الدَّافِعُ فِي نِيَّتِهِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضِ فِي الْقَرْضِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَبْعَث بِهِ بَعْد الْعَقْدِ وَيُصَرِّح بِكَوْنِهِ هَدِيَّةَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّطَهُمْ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ كَتَقْدِيمِ طَعَامٍ لِضَيْفٍ وَقَالَ كُلْهُ وَطَلَب مِنْهُ عِوَضَهُ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ عِوَضٌ
الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَرِّحَ بِكَوْنِهِ مِنْ الصَّدَاقِ فَيَرْجِعُ قَطْعًا الثَّالِثَةُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَنْوِيَ الْهَدِيَّةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوع ثَانِيهَا أَنْ يُطْلِقَ فَلَا يَحِلّ لَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا لِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُمْ عَلَى الْأَكْلِ بِغَيْرِ نِيَّةِ عِوَضٍ ثَالِثُهَا أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مِنْ الصَّدَاقِ .
فَلَهُ الرُّجُوعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبْعُوثُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَمْ لَا كَالطَّعَامِ رَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ إجَابَةِ الْخِطْبَةِ فَيَبْعَثُ لَا عَلَى قَصْدِ الْهَدِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ بَلْ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي يُعْقَدُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فَإِذَا رُدَّتْ الْخِطْبَة أَوْ رَغِبَ عَنْهُمْ وَكَانَ الْبَعْثُ عَلَى نِيَّة شَرِيطَة أَنْ يُزَوِّجُوهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ مِنْ الصَّدَاقِ فَالْوَجْهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ بْن رَزِين رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْأَبَ لَوْ خَطَبَ لِابْنِهِ امْرَأَةً وَأَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَتَّفِقْ تَزْوِيجٌ بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تَكُونُ تَرِكَةً لِلْأَبِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْهَدِيَّةِ .
فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ نَوَى الْعِوَضِيَّةَ لِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى الْإِتْلَافِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَوَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي التَّنْقِيحِ غَيْرَ مُنَقَّحَةٍ لِعَدَمِ اسْتِحْضَارِهِ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْهَدِيَّةِ فَلِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَظِيرَ هَذَا فِي كِتَاب اللِّعَانِ فَقَالَ لَوْ قَالَ الدَّلَّالُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أُجْرَةَ الدَّلَالَةِ فَارْتَغَمَ لَهُ الْأَجْنَبِيُّ وَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَأَطْعِمُوهُ شَيْئًا حَيَاءً مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ قَالَ وَالْغَصْبُ نَوْعَانِ غَصْبُ اسْتِيلَاءٍ وَغَصْبُ اسْتِحْيَاءٍ فَغَصْبُ الِاسْتِيلَاءِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَغَصْب الِاسْتِحْيَاءِ هُوَ أَخْذُهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْحَيَاءِ قَالَ وَهُمَا حَرَامَانِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ بِالسِّيَاطِ الظَّاهِرَةِ وَبَيْن أَخْذِهِ بِالسِّيَاطِ الْبَاطِنَةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَر إنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْبَائِعَ ثَمَنًا حَرَامًا فَسَلَّمَهُ الْمَبِيعَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْله وَلَا
التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَهُوَ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ حَلَالٌ ، وَكَذَا لَوْ أَظْهَرَ شَخْصٌ الْفَقْرَ وَأَخْفَى الْغَنَاءَ(13/280)
فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ فَقْرِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتُدِلَّ لَهُ { بِأَنَّ فَقِيرًا مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَوُجِدَ مَعَهُ دِينَارٌ فَقَالَ كَيَّةٌ مِنْ نَارٍ وَمَاتَ آخَرَ مِنْهُمْ وَخَلَفَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ } وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ النَّارَ لِأَنَّهُ أَخْفَى الْغِنَاءَ وَأَظْهَرَ الْفَقْرَ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْطَى مُكَاتَبٌ سَيِّدَهُ النُّجُومَ فَقَالَ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك ثُمَّ وَجَدَ النُّجُومَ أَوْ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ الْعِتْقُ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَسْمَحْ بِعِتْقِهِ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ سَلِيمَةٌ وَهَذَا نَظِير مَا إذَا أُوقِعَ الطَّلَاقُ عَلَى ظَنِّ وُقُوعِهِ لِفَتْوَى مِنْ مُقَلِّدٍ ثُمَّ بَانَ خَطَأُ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ فِيهِ شَيْء عَلَى قَصْدِ تَحْصِيلِ غَرَضٍ أَوْ عِوَضٍ فَلَمْ يَحْصُلْ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْله فَعَلَى هَذَا إذَا خَطَبَ امْرَأَةً فَأَجَابُوهُ فَبَعَثَ شَيْئًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ هَدِيَّةً وَقَصَدَ إبَاحَتَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَإِذَا لَمْ يُزَوِّجُوهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ .
وَمَنْ أَفْتَى بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا لَمْ يُصِبْ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا لَوْ أَهْدَى الْمَدِينُ لِدَائِنِهِ شَيْئًا وَصَرَّحَ بِالْهَدِيَّةِ فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ قَالَ قَصَدْت الْعِوَضِيَّةَ صَدَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَلَهُ حُسْبَانُهُ مِنْ الدَّيْن نَظِيرَ مَا مَرَّ ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ بَعَثَ إلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ بَعَثْته بِعِوَضٍ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ وَهَذَا الْفَرْعُ دَائِرٌ بَيْن مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَالْخِطْبَةِ فَالْفُرُوعُ حِينَئِذٍ ثَلَاثٌ .
الْأَوَّلُ : أَنْ يَبْعَث لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَصَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ .
الثَّانِي : أَنْ يَبْعَثَ لِمَنْ وَعَدَهُ بِوَعْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنْ يُنْجِزَهُ لَهُ كَالْخِطْبَةِ وَكَمَنْ وَعَدَ إنْسَانًا بِأَنْ يَسْعَى لَهُ فِي تَحْصِيلِ شُغْلٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ فَفِيهِ مَا سَبَقَ الثَّالِثُ : أَنْ يُهْدِيَ لِمَنْ لَا وَعْدَ عِنْدُهُ وَلَا دَيْنَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ غَرَامَةُ شَيْءٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّك لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَيَّ عِوَضًا مَعَ الرَّسُولِ وَأَمَّا إذَا قَالَ نَوَيْت أَخْذَ الْعِوَضِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يُثِيبَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي نِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبُ الْإِثَابَةُ كَمَا لَمْ تَجِبُ الْهَدِيَّةُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا قَرِينَةٌ تَنْزِلُ عَلَيْهَا دَعْوَى الْعِوَضِيَّةِ .
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تُرْمَى فِي النُّقُوطِ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَصَارِيفِ الَّتِي تُعْمَلُ لِلصَّبِيِّ عِنْد خَتْمِهِ الْقُرْآن وَغَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَهَا عَلَى قَصْدِ الْمُكَافَأَةِ بِمِثْلِهَا حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدَّعِي بِهَا وَيَطْلُبُهَا بَعْد الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَاَلَّتِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الرُّجُوعُ لِأَنَّ دَفْعَ الدَّرَاهِمِ لَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَعَلَى الْإِذْن فِي الْقَبْضِ فَهِيَ إمَّا هِبَةٌ فَاسِدَةٌ أَوْ قَرْضٌ فَاسِدٌ .
فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَهَا لِلْمَالِكِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهَا لِنَحْوِ الْخَاتِنِ رَجَعَ عَلَيْهِ عِنْد قَصْدِ الْعِوَضِيَّةِ مَا لَمْ يَأْذَنْ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَوَجْهُ الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَصْدُ تَصَدُّقٍ وَلَا إبَاحَةٍ بَلْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ بِالْمُكَافَأَةِ وَهِيَ إلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ أَقْرَبُ وَإِلَى الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ أَبْعَدُ لِقَصْدِ الْعِوَضِيَّةِ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ إذَا وَصَلَ إلَى أَدْنَى رَمَقٍ وَكِسْوَةُ الْعَارِي وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَيَرْجِعُ وَكَذَا إذَا دَادَى الْوَلِيُّ الصَّغِيرَ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْد إرَادَة الرُّجُوعِ لِعَوْدِ النَّفْعِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّا سَبَقَ مَنْ أَهْدَى لِقَوْمٍ هَدِيَّةً عَلَى قَصْد التَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ لِيُجِيبُوا خِطْبَتَهُ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ جَرَيَانِ السَّبَب وَهُوَ(13/281)
الْمُفَرِّطُ ا هـ كَلَامُ ابْنِ الْعِمَادَ لَكِنْ مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَائِهِ وَأَطْلَقَ فِي مَنْظُومَتِهِ الرَّدَّ فَقَالَ وَخَاطِبٌ لِمَرْأَةٍ خَلِيَّهْ أَهْدَى لَهَا كِسْوَتَهَا الْوَفِيَّهْ وَآلَةُ الطَّبْخِ مَعَ الْقُلْقَاسِ كَمَا جَرَى مِنْ عَادَةِ الْأَكْيَاسِ إنْ رُدَّتْ الْخِطْبَةُ قَبْلَ الْوَصْلَةِ رُدَّ الَّذِي قَدْ قَبَضَتْ بِالْجُمْلَةِ قَبْل الْمَمَاتِ وَبَعْدَهُ فِيهِ نَظَر فِي مَوْتِهَا مِنْ قَبْلِ رَدٍّ لِي خَطَر إلْحَاقُهَا بِنَاكِحِ التَّفْوِيضِ إنْ قُرِّرَ الْمَهْرُ فَخُذْ قَرِيضِي وَاَلَّذِي يُتَّجَه أَنَّا حَيْثُ أَوْجَبْنَا لَهُ الرُّجُوعَ لَا فَرْقَ بَيْن
مَوْتِهَا وَعَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ عَوْدِ الْهَدِيَّةِ إلَى مِلْكِ الْأَبِ حَتَّى تُجْعَلَ تَرِكَةً لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا خَتَنَ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ هَلْ تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ أَوْ مِلْكًا لِلْأَبِ .
فَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاق وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْهُ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ الْأَبَ دُون الِابْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَ الِابْنُ قَبْل الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ الشَّطْرَ إلَى الِابْنِ لِأَنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْإِصْدَاقِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْهَدِيَّةِ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْمُعْطِي ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
ـــــــــــــــــــ
تنقيح الفتاوى الحامدية - (ج 1 / ص 150)
( سُئِلَ ) فِي الْأَبِ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ امْرَأَةً بِالْوِلَايَةِ لَوْ صَغِيرًا أَوْ الْوَكَالَةِ لَوْ كَبِيرًا وَلَمْ يَضْمَنْ الْمَهْرَ فَهَلْ لَا يُطَالَبُ الْأَبُ بِهِ مِنْ مَالِهِ ؟ ( الْجَوَابُ ) : نَعَمْ قَالَ فِي الْكَنْزِ وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ وَوَلِيَّ الزَّوْجِ وَالصَّغِيرَيْنِ وَالْكَبِيرَيْنِ .
ا هـ .
وَفِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَحْيَى أَفَنْدِي جَمَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَطَاءُ اللَّهِ أَفَنْدِي تَحْتَ سُؤَالِ وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ طِفْلَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ لَا يَلْزَمُ الْمَهْرُ أَبَاهُ إلَّا إذَا ضَمِنَهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الْمَهْرُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ دَلَالَةً بِإِقْدَامِهِ عَلَى النِّكَاحِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا نِكَاحَ بِدُونِ الْمَهْرِ وَقُلْنَا الصَّدَاقُ عَلَى مَنْ أَخَذَ السَّاقَ بِالْأَثَرِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالنِّكَاحُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إيفَاءِ الْمَهْرِ فِي الْحَالِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَتِهِ ضَمَانُ الْمَهْرِ وَلِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَى الزَّوْجِ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَدَلِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالْعَاقِدُ سَفِيرٌ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَلَا يَخْدِشُ بَالَك مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَ امْرَأَةً فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ الْمَهْرَ مِنْ أَبِي الزَّوْجِ فَيُؤَدِّي الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ صَرِيحًا .
ا هـ .
لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّلَبِ بِالْأَدَاءِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ كَلَامُهُ لَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى النِّكَاحِ ضَمَانُ دَلَالَةٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ .
ا هـ .
أَقُولُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ الْمَهْرِ .
ـــــــــــــــــــ(13/282)
الحاوي للفتاوي للسيوطي - (ج 1 / ص 269)
الجواب - يرتفع تحريم الخطبة على الغير بالرغبة عنه فيما يظهر وأن لم يتعرضوا له وإنما تعرضوا لما إذا سكتوا أو رغب الخاطب، والظاهر أن الخطبة ليس بعقد شرعي، وإن تخيل كونها عقدا فليس بلازم بل جائز من الجانبين قطعا.
مسألة - امرأة حضرت إلى شاهدين ومعها صداقها وبه فصل طلاق بذيله رسم شهادة شاهدين مؤرخ بمدة يمكن انقضاء عدتها وسئلت عن ذلك فأخبرت بانقضاء عدتها وحلفت عليها وعلى خلوها من كل مانع شرعي فهل للحاكم أن يزوجها بمجرد ذلك أم لا بد من إقامة البينة على الطلاق المذكور.
الجواب - في الشرح والروضة عن فتاوى البغوي أنه لا بد من إقامة البينة وفي أدب القضاء للزبيلي التفصيل بين الغريبة التي زوجها غائب وبين البلدية التي زوجها حاضر، وفي توثيق الحكام لابن العماد أن الصحيح أنه لا يحتاج إلى إقامة البينة مطلقا وضعف قول البغوي والزبيلي، والراجح عندي مقالة البغوي وقد سكت عليها الشيخان ولم يتعقباها بنكير.
{كتاب الصداق}
مسألة - رجل تزوج بكرا بالغة فنذرت أن لا تطالبه بنفسها ولا بوكيلها ببقية حال صداقها عليه ما دامت في عصمته وذلك بحضور والدها واعترافه بجواز الإشهاد عليها وحكم بموجب ذلك حاكم شافعي فهل هذا نذر تبرر أولا، وهل النذر يصح من المسلم المكلف أو لا بد أن يكون حائز التصرف، وهل لها أن ترجع عن هذا النذر وتطالبه قبل الطلاق، وهل اعتراف والدها بجواز الإشهاد عليها قرينة على رشدها.
الجواب - إنما يصح النذر المالي من جائز التصرف فان كانت الزوجة البالغة رشيدة صح منها هذا النذر وكان نذر تبرر وليس لها الرجوع عنه ولا المطالبة ولو لم يحكم به حاكم، وإن لم تكن رشيدة لم يصح ذلك منها ولا من الولي لأنه لا يجوز له العفو عن الصداق على الجديد، وأما هل اعتراف والدها بجواز الإشهاد عليها قرينة رشدها فالذي يظهر خلافه وأنه لا بد من ثبوت رشدها وهو كونه مصلحة لدينها ومالها بطريقة الشرعي.
مسألة - فيما إذا أصدقها صداقا مسمى على أنها بكر ثم وطئها وادعت أنه أزال بكارتها بوطئه واعترف هو أنه وطئها فوجدها ثيبا فهل تستحق المسمى لحصول الوطء أو مهر مثل ثيب لأنه لم يستمتع إلا بثيب وهل هذه هي المستثناة من قولهم القول قول نافي الوطء إلا في مسائل منها إذا تزوجها بشرط البكارة وادعت أنه أزال بكارتها فالقول قولها لدفع الفسخ وقوله لدفع كمال المهر أم لا لأن الواقعة المذكورة فيها اعتراف بالوطء والمستثناة من كلامهم ليس فيها ذلك.
الجواب - عبارة الروضة ولو قالت كنت بكرا فافتضني فأنكر فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ وقوله بيمينه لدفع كمال المهر فقوله فأنكر صادق بصورتين أن ينكر الوطء بالكلية وأن ينكر الافتضاض الذي هو إزالة البكارة فقط مع اعترافه بوقوع الوطء فعلى هذا تستوي الصورتان في الحكم وهو تصديقه فيما يتعلق بالمهر فقط، ويحتمل أن يكون الوطء قرينة لتصديقها فيكون القول قولها لكن الأول هو الأشبه(13/283)
الجاري على القواعد، وأما قولهم القول قول نافي الوطء إلا في مسائل منها كذا إلى آخره فهذه عبارة أصحاب الأشباه والنظائر وإنما اقتصروا على الصورة التي فيها نفي الوطء لأنها المقصودة بالاستثناء الذي هو موضوع كتبهم.
--ـــــــــــــــــــ
المنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 55 / ص 10)
مادام أنه دخل بالأم؛ أي : خلال بالأم بعد العقد؛ فإن بنتها لا تحل له إطلاقًا، سواء كانت في حجره أم لم تكن؛ أي : سواء أكانت عنده في البيت أم لم تكن؛ لقول الله عز وجل : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي في حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
هذا وصف أغلبي؛ لأن الربيبة غالبًا تكون في حجر زوج الأم، وإلا؛ فإنه بمجرد الدخول بالأم لا تحل البنت إطلاقًا له، سواء كانت الأم حية أو ميتة، وسواء ولدت البنت قبل أن يتزوج أمها أو ولدت بعد أن طلق أمها من زوج آخر، المهم أنه بمجرد دخوله بالأم؛ لا تحل له البنت .
364 ـ هل يجوز عقد الزواج بمجرد تسمية مبلغ الصداق فيه دون أن يدفع المتزوج شيئًا منه باتفاق الطرفين ؟ نرجو منك إفادة .
إن الصدق في النكاح واجب، وهو حق للمرأة؛ كما قال تعالى : { وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ سورة النساء : آية 4 ] ؛ فالصداق واجب؛ وتسميته في العقد سنة، ولو لم يسم في العقد؛ فالعقد صحيح، وهو حق للمرأة، وفيه من الحكم الإلهية ما فيه، وكونهم يعقدون ويذكرونه في العقد ولكن لم يسلَّم إلا فيما بعد؛ لا حرج فيه؛ إذ يجوز أن يكون الصداق حالاً، ويجوز أن يكون الصداق مؤجلاً؛ حيثما يتفق عليه .
المهم أن يكون هناك صداق يلزمه دفعه إليها، ولا يبخس منه شيئًا، ولا يماطل لدفعه إذا طلبته، وإذا أعطته منه؛ فلا حرج في ذلك، أو أعفته منه أو من بعضه؛ فالحق لها، قال تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } [ سورة النساء : آية 4 ] ؛ فهذا راجع إلى اتفاق الطرفين من حلول أو تأجيل في الصداق .
-ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 39 / ص 8)
البهاق من عيوب النكاح:
________________________________________
السؤال: هل البهاق اليسير من عيوب النكاح؟ يعني: لو وجد الرجل في زوجته بهاقاً فهل يعد عيب؟
________________________________________
الجواب: نعم. هو عيب لا شك؛ لأن الإنسان ينفر من هذا، ولا يمكن أن يركن إلى زوجته إلا أن يشاء الله، وهو عيب سواء في الرجل أو في المرأة، حتى الرجل لو كان به بهاق، وتزوجت المرأة منه غير عالمة به؛ فإنه عيب لها أن تفسخ النكاح به، ولكن إذا كان هذا البهاق مما يمكن معالجته؛ فإن الأولى والأفضل الصبر حتى ينظر هل يبرأ بالمعالجة أو لا يبرأ؛ لأن الفراق والطلاق ليس بالأمر السهل، أما إذا تعذر(13/284)
برؤه فإنه عيب. والحاصل أن البهاق عيب يثبت به الفسخ سواء كان في الرجل أو في المرأة، ولكن إذا كان في الرجل فللمرأة الفسخ، فتطلب أن يفسخ النكاح فتفسخ النكاح وتتزوج غيره، لكن إذا كان في المرأة فالرجل معلوم أنه يجوز أن يفارق زوجته بالطلاق، لكن فائدة قولنا إنه له الفسخ: أنه إذا فسخ من أجل هذا العيب فله أن يسترد الصداق ممن غره. وأما من جهة الإثم فالرجل يأثم والمرأة تأثم إذا كان فيهما هذا العيب أو غيره من العيوب التي تمنع كمال الاستمتاع ولم يخبر صاحبه، فإن كتمانه لا شك أنه محرم، وهو من الغش الذي تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله.
ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 100 / ص 32)
المهر حق للزوجة:
________________________________________
السؤال: رجل عقد قرانه على امرأة وعند المأذون الشرعي قال المأذون: المهر قدره؟ فسكت ولي الزوجة، وتكلم أبو الزوج وقال: بقدر هكذا من الذهب وهكذا من النقود، فبعد مدة هل يجوز إذا تراضى الطرفان بأن يغيروا ما في العقد من قيمة المهر، أم هل هم ملزمون بما في العقد؟
________________________________________
الجواب: المهر بين الزوج والزوجة، فإذا سميا شيئاً في العقد ثم تراضيا بعد ذلك على أكثر أو أقل فالأمر إليهم، يعني: لو قالت الزوجة: أنا لا أريد إلا نصف المهر يكفيني. فلا بأس. وأنا أذكر لكم قصة وقعت في بلادنا منذ زمن بعيد: تزوج رجل امرأة بصداق ريال واحد وأعطى المرأة الصداق، وكان في اليوم الذي فيه الدخول مع امرأته نائماً، فقرع عليهم الباب رجل بشدة فنزل الزوج يكلم هذا الرجل اشتد الكلام بينهما وارتفعت الأصوات، فنزلت الزوجة واستمعت إليه، وإذا هو يطالب زوجها بريال، رجعت ثم انفض المجلس بين الزوج والرجل وقالت: ماذا يريد هذا الذي كسر الباب وعلت الأصوات بينك وبينه، ماذا يريد؟ قال: هذا يطلبني ريالاً من كم شهر، أو ما أشبه ذلك، وقلت له: إن شاء الله يسهل، قالت: هذا الريال الذي أعطيتني إياه أوفه، فأخذه وأوفى به.. هل هذا جائز أو غير جائز؟ جائز؛ لأنه حق الزوجة، وإذا كان للزوجة فهي حرة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
حكم تأجيل الصداق إلى الفراق:
________________________________________
السؤال: فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس يطلبون تأخير الصداق؛ ولكن بشرط الطلاق! يعني: إذا حصل الطلاق يدفع المؤخر، فما حكم ذلك؟
________________________________________
الجواب: نعم، صيغة السؤال المفهومة المعلومة: أن بعض الناس يجعل الصداق شطرين: 1- شطراً مقدماً عند العقد أو قبل العقد. 2- شطراً آخر مؤجلاً، ويجعل أمد(13/285)
الأجل الفراق. ونحن نقول: الصداق حق للمرأة، قال الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] إن شاءت قالت: لا بد أن يكون مقدماً، هذا واحد وإن شاءت أجَّلته، إما بأجل معلوم كأن تقول مثلاً: كل سنة تعطيني كذا وكذا، وإما بأجل مُطْلَق، ويصح هنا الأجل المطلق، قال العلماء: والأجل المطلق يحل بالفرقة، إما بموت، أو طلاق. فالصداق المؤجل وإن لم يذكر له أجل معين يَحِل إذا حصلت الفرقة بموت أو طلاق أو فسخ أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز؛ لأنه حق لها.
ـــــــــــــــــــ
حكم الصداق إذا كان ذهباً:
________________________________________
السؤال: هل إذا كان في عقد النكاح قال: أريد مبلغاً من المال ولكنك تحضره ذهباً، فهل الذهب يعتبر من الصداق؟
________________________________________
الجواب: إي نعم. يعتبر من الصداق.
ـــــــــــــــــــ
حكم تزكية الصداق:
________________________________________
السؤال: عندنا في بعض القرى إذا أراد الشخص أن يتزوج يُعطى الزوج ورقة فيها احتياج الزوجة من ذهب وغيره, وعند عقد الملكة أو القران, يقول الأب: حق البنت مع النية, فلا أدري هذا الحق، هل هو يعتبر الصداق أم الصداق يكفي الذهب؟
________________________________________
الجواب: الصداق كل ما قدم للمرأة من أجل التزوج بها, هذه القاعدة, فما أهدي لها من قبل هو من الصداق. السائل: إذا لم يدفع الإنسان مقدماً, فدفعه مؤخراً على دفعات, هل يكون حكم الزوجة أن تزكيه؟ الجواب: هذا حكمه حكم الديون على غير الزوجة. السائل: الزوج غير قادر. الجواب: إذا كان ليس قادراً فإذا قبضته ولو بعد سنوات تزكيه مرة واحدة, إلا إذا قبضته قبل إتمام السنة فتنتظر حتى تنتهي السنة, فمثلاً: زوجها أصدقها عشرة آلاف ريال, بعد ستة أشهر أعطاها العشرة, لا تجب عليها الزكاة حتى تتم السنة من العقد.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ابن حجر الهيثمى - (ج 5 / ص 328)
باب في الصداق
وسئل عمن خطب امرأة وأجابوه فأعطاهم شيئاً من المال يسمى الجهاز هل تملكه المخطوبة أو لا بينوا لنا ذلك؟. فأجاب بأن العبرة بنية الخاطب الدافع فإن دفع بنية الهدية ملكته المخطوبة أو بنية حسبانه من المهر حسب منه وإن كان من غير جنسه أو بنية الرجوع به عليها إذا لم يحصل زواج أو لم يكن له نية لم تملكه ويرجع به عليها.
وسئل عن رجل تزوج امرأة على هذا الدن من الخمر فإذا هو خل أو على هذا الحر فإذا هو عبد أو هذه الميتة فإذا هي مذكاة ما حكم العقد هل هو صحيح أو باطل؟ وإذا(13/286)
قلتم بالصحة ماذا يلزمه؟. فأجاب بقوله: العقد صحيح واللازم له هو الخل والعبد والمذكاة للقاعدة عندنا أن الإشارة لعدم تطرق الخطأ إليها أقوى من العبارة التي قد تخطىء وقد تصيب، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسئل عن المطلقة رجعياً هل تجب لها متعة حالاً وهل تتكرر بتكرر الطلاق؟. فأجاب بقوله: لا تجب حالاً، بل إذا انقضت العدة ولم يراجعها على ما قاله أبو شكيل في شرح الوسيط و البستي ، وإنما يصح هذا إن قلنا بسقوطها بالرجعة وكلامهم يأباه، فالوجه وجوبها فوراً مطلقاً ولا تتكرر بتكرر الطلاق كما قاله الراعي و البدر بن شهبة ، وعلله بأن سبب إيجابها الإيحاش والابتذال وهما منتفيان في الثانية والثالثة، وبه يعلم أن الثانية مثلاً لو كانت بعد مراجعة تكررت بها المتعة. وقال القاضي بن كثير : تتعدد مطلقاً وهو الأوفق بإطلاقهم، ونقله ابن الخياط عن ابن الرفعة و أبي شكيل ، وقال إنه الصحيح.
رقم الجزء: 4 رقم الصفحة: 111
وسئل بما لفظه: كثر كلام الناس في الهدية التي يهديها الخاطب والزوج لأهل المخطوبة أو الزوجة من القماش والمطعومات وغيرهما، ثم يحصل له رداً ومنه طلاق قبل الوطء فما المعتمد في الرجوع بذلك مع البسط فيه؟ فأجاب بقوله: قال الرافعي رحمه الله تعالى في أواخر باب الصداق وتبعوه: ولو اتفقا على قبض مال فقال دفعته صداقاً، وقالت: بل هدية فإن اتفقا على أنه تلفظ واختلفا هل قال خذي هذا صداقاً أم قال هدية فالقول قوله بيمينه وإن اتفقا على أنه لم يجر لفظ، واختلفا فيما نوى فالقول قوله بيمينه أيضاً وقيل بلا يمين، وسواء كان المقبوض من جنس الصداق أو غيره طعاماً أو غيره فإذا حلف الزوج فإن كان المقبوض من جنس الصداق وقع عنه وإلا فإن تراضيا ببيعه بالصداق فذاك وإلا استردّ وأدّى الصداق فإن كان تالفاً فله البدل عليها، وقد يقع التقاص اهـ كلامه. قال بعضهم: ولا يخفى أن هذا إنما يتأتى حيث لم يكن أدى الصداق، فأما إذا أداه فلا يستقيم قوله دفعته من الصداق ولا يعلم حكم ذلك من كلامه فليتنبه له اهـ. وظاهر أنه في هذه الصورة يصدق الدافع في نيته أيضاً أخذاً مما في الروض في القرض لأنه أعرف بكيفية إزالة يده عن ملكه. وقال ابن العماد عقب كلام الرافعي : والحاصل أن للمسألة ثلاث صور. الأولى: أن يبعث به بعد العقد ويصرح بكونه هدية فلا رجوع له عليهم لأنه قد سلطهم على إتلاف ماله بغير عوض فهو كتقديم طعام لضيف وقال: كله، وطلب منه عوضه لا يلزمه له عوض. الثانية: أن يصرح بكونه من الصداق فيرجع قطعاً. الثالثة: أن يبعث به على صورة الهدية وهو ساكت، وله حينئذ أربعة أحوال. أحدها: أن ينوي الهدية فلا يحل له الرجوع. ثانيها: أن يطلق فلا يحل له الرجوع أيضاً لتسليطه إياهم على الأكل بغير نية عوض. ثالثها: أن ينوي جعله من الصداق فله الرجوع عملاً بنيته وسواء كان المبعوث به من جنس الصداق أم لا كالطعام. رابعها: أن يكون قبل العقد وبعد إجابة الخطبة فيبعث
لا على قصد الهدية المجردة بل على قصد أن يزوّجوه أو على أن يكون المبعوث من الصداق الذي يعقد عليه النكاح فإذا ردت الخطبة أو رغب عنهم وكان البعث على نية شريطة أن يزوّجوه أو على أن يكون المبعوث من الصداق، فالوجه(13/287)
الرجوع وهو ما أفتى به قاضي القضاة تقي الدين بن رزين رحمه الله تعالى. وأفتى البغوي أن الأب لو خطب لابنه امرأة وأهدى لها هدية ثم مات الأب ولم يتفق تزويج بأن الهدية تكون تركة للأب وهذا ظاهر لكنه مقيد بما إذا لم يصرح بالهدية، فإن صرح بها لم يرجع وإن نوى العوضية لتسليطهم على الإتلاف بغير عوض ووقعت المسألة في التنقيح غير منقحة لعدم استحضاره لكلام الرافعي فأما إذا لم يصرح بالهدية فلأن نفسه لم تطب به إلا على تقدير أن يزوّجوه، وقد ذكر الرافعي نظير هذا في كتاب اللعان فقال لو قال الدلال لغير المالك أن البائع ظلمه ولم يعطه أجرة الدلالة فارتغم له الأجنبي وتصدق عليه بشيء وكان كاذباً لم يكن له أخذه ووجب عليه رده لأنه لم يتصدق عليه بذلك إلا بناء على أنه صادق في دعواه عدم الإعطاء وقد قال : «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه» ، ولهذا قال الغزالي : إن من نزل بقوم بغير دعوة فأطعموه شيئاً حياء منه لم يحل له الأكل. قال: والغصب نوعان: غصب استيلاء وغصب استحياء، فغصب الاستيلاء أخذ الأموال على جهة الاستيلاء والقهر والغلبة. وغصب الاستحياء هو أخذه بنوع من الحياء. قال وهما حرامان لأنه لا فرق بين الإكراه على أخذ الأموال بالسياط الظاهرة وبين أخذه بالسياط الباطنة وقال في موضع آخر أن من اشترى شيئاً بثمن في الذمة ثم إنه سلم البائع ثمناً حراماً فسلمه المبيع لم يحل له أكله ولا التصرف فيه وإن كان قد ملكه، لأن البائع له حق الحبس وهو لم يسلم المبيع إلا بناء على أن الثمن الذي دفعه له حلال، وكذا لو أظهر شخص الفقر وأخفى الغناء فتصدق عليه إنسان بناء على ظاهر فقره حرم عليه أخذه كما قاله الأصحاب، واستدل له
بأن فقيراً مات من أصحاب الصفة فوجد معه دينار فقال: كية من نار ومات آخر منهم وخلف دينارين فقال : «كبتان من نار» وإنما استحق النار لأنه أخفى الغناء وأظهر الفقر وقعد يأكل مع أصحاب الصفة ومثل ذلك ما لو أعطى مكاتب سيده النجوم فقال اذهب فأنت حر أو فقد أعتقتك، ثم وجد النجوم أو بعضها زيوفاً فإنه يرتد العتق لأن المالك لم يسمح بعتقه إلا بناء على أن الدراهم سليمة وهذا نظير ما إذا أوقع الطلاق على ظن وقوعه لفتوى من مقلد، ثم بان خطأ المفتي فإنه لا يقع الطلاق وفي كل محل أعطى الإنسان فيه شيء على قصد تحصيل غرض أو عوض فلم يحصل فإنه لا يباح له أكله، فعلى هذا إذا خطب امرأة فأجابوه فبعث شيئاً ولم يصرح بكونه هدية وقصد إباحته على قصد أن يزوجوه فإذا لم يزوجوه كان له الرجوع عليهم، ومن أفتى بالرجوع مطلقاً لم يصب ومن هذا النوع ما لو أهدى المدين لدائنه شيئاً. وصرح بالهدية فلا يحسب من الدين، فإن قال قصدت العوضية صدق وإن لم يقصد شيئاً فله حسبانه من الدين نظير ما مر. ثم قال الرافعي رحمه الله تعالى: ولو بعث إليّ من لا دين له عليه شيئاً ثم قال بعثته بعوض، وأنكر المبعوث إليه فالقول قول المبعوث إليه وهذا الفرع دائر بين مسألة الصداق والخطبة فالفروع حينئذ ثلاث. الأول: أن يبعث لمن له عليه دين كصداق أو غيره. الثاني: أن يبعث لمن وعده بوعد بناء على أن ينجزه له كالخطبة وكمن وعد إنساناً بأن يسعى له في تحصيل شغل أو قضاء حاجة ففيه ما سبق. الثالث: أن يهدي لمن لا وعد عنده ولا دين فلا يلزم المبعوث إليه غرامة شيء والقول قوله في أنك لم تشترط عليّ(13/288)
عوضاً مع الرسول، وأما إذا قال نويت أخذ العوض فلا يلزم المهدي إليه أن يثيبه وإن كان القول قوله في نيته بالنسبة لغير ذلك، وإنما لم تجب الإثابة كما لم تجب الهدية لأنه مسلط على إتلاف ماله وليس له ها هنا قرينة تنزل عليها دعوى العوضية ومن هذا النوع الدراهم التي ترمى في النقوط في
الأعراس والأملاك والأصاريف التي تعمل للصبي عند ختمه القرآن وغير ذلك، فقد جرت عادة الناس بأنهم يدفعونها على قصد المكافأة بمثلها حتى أن بعضهم يدعي بها ويطلبها بعد المدة الطويلة والتي يظهر في هذه الصورة الرجوع لأن دفع الدراهم لهم على صورة الهبة يتوقف على الإيجاب والقبول وعلى الإذن في القبض فهي إما هبة فاسدة أو قرض فاسد، فعلى هذا إن دفعها للمالك رجع عليه وإن دفعها لنحو الخاتن رجع عليه عند قصد العوضية ما لم يأذن صاحب الدعوة في الدفع إليه وإلا فعلى من شاء منهما ووجه الرجوع أنه ليس هنا قصد تصدق ولا إباحة، بل جرت العادة في ذلك بالمكافأة وهي إلى القرض الفاسد أقرب وإلى الهبة الفاسدة أبعد لقصد العوضية وقريب من هذه المسائل إطعام المضطر إذا وصل إلى أدنى رمق وكسوة العاري وإطعام الجائع بقصد الرجوع فيرجع وكذا إذا داوى الولي الصغير فإنه يرجع عليه على الأصح عند إرادة الرجوع لعود النفع إليه وليس مما سبق من أهدى لقوم هدية على قصد التودد إليهم ليجيبوا خطبته فلم يجيبوه فإنه لا يرجع عليهم لعدم جريان السبب وهو المفرط اهـ كلام ابن العماد لكن مع بعض زيادة وإصلاح وقع ذلك في أثنائه وأطلق في منظومته الرد فقال:
رقم الجزء: 4 رقم الصفحة: 111
وخاطب لمرأة خليه
أهدى لها كسوتها الوفيه
وآلة الطبخ مع القلقاس
كما جرى من عادة الأكياس
إن ردت الخطبة قبل الوصلة
رد الذي قد قبضت بالجملة
قبل الممات وبعده فيه نظر
في موتها من قبل رد لي خطر
إلحاقها بنكاح التفويض
إن قرر المهر فخذ قريضي
p والذي يتجه أنا حيث أوجبنا له الرجوع لا فرق بين موتها وعدمه. ثم قال: وما ذكره البغوي في المسألة السابقة من عود الهدية إلى ملك الأب حتى تجعل تركة لا يبعد تخريجها على الوجهين فيما إذا ختن الولي الطفل فأهديت له هدية هل تكون ملكاً للابن أو ملكاً للأب فالذي قاله البغوي أنها تكون ملكاً للابن. وقال الشيخ أبو إسحق ونقله البغوي في فتاويه عنه: أنها تكون ملكاً للأب لأن الناس يقصدون بذلك الأب دون الابن فعلى الأول هو كما لو أصدق عن ابنه الصغير شيئاً، ثم طلق الابن قبل الدخول فإنه يرجع الشطر إلى الابن لأنا نقدر دخوله في ملكه حالة إلا صداق(13/289)
فكذلك يقدر دخوله في ملكه حالة الهدية لأجله بخلاف ما لو أصدق عن ابنه البالغ أو عن أجنبي فإنه يرجع للمعطي، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
رقم الجزء: 4 رقم الصفحة: 111
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 10 / ص 493)
هل يضمن ما ذهب من مالها؟
المجيب د. محمد بن عبد الرحمن العمير
عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالإحساء وعميد كلية التربية بالجامعة
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/التعويضات المالية
التاريخ 22/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
امرأة أبلغها زوجها أنها لو سلمته مبلغ صداقها كي يتاجر به لتحسين ظروفهم المعيشية عند رجل عرفه أنه ثقة، فلما سلمته المهر اتضح فيما بعد أن ذلك الثقة نصاب وأخذ المبلغ وهرب به، وبعدها أصيبوا بفقر شديد وحرمان، فلو كان مبلغ الصداق موجوداً لأعانها في بلائها، ولكن زوجها وبعد عشرين عاماً وبعد تحسن وضعهم المادي بعدما طالبته بمبلغ صداقها وإضافة إلى تعويض عما حصل لها من الأضرار طيلة الأعوام السابقة التي عاشتها معه، قال لها: أعطيك مهرك ولا تعويض عندي لك عن الضرر الذي لحق بك لفقدانك المهر بسببي، فهل لها تعويض عن الضرر الذي لحق بها طيلة السنوات السابقة لتسليمها المهر لزوجها وعدم تمتعها، به كالنساء، أو حتى لمغالبة الفقر؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يظهر من السؤال أن زوجك لم يجبرك على دفع مهرك، و إنما عرض ذلك عليك عرضا فوافقتيه، ولم يكن يعرف أن الرجل خائن. ولا يخلو الوضع بعد ذلك من حالين:
الأول: أن يكون زوجك ذكر لك اسم الرجل، وعرفه لك، فرضيت بذلك، ثم سلمت المال إلى زوجك كي يوصله للرجل، الذي ظاهرة الاستقامة و الأمانة، ثم بان على خلاف ذلك. وفي هذه الحال لا لوم على زوجك، ولا يلزمه تعويضكِ شيئا من المهر، ولا غيره؛ لأن التصرف وقع بعلمك، وزوجك إنما هو واسطة بينك وبين الرجل.
الثاني : أن تكوني دفعتِ المال إلى زوجك ليسلمه إلى رجل ثقة يضارب لك فيه دون أن يعين لك اسم شخص، وفي هذه الحال تكونين قد وكلت زوجك، و هو(13/290)
مؤتمن في ذلك، فإن كان قد فرط في اختيار الرجل، ولم يتثبت من حاله فعليه أن يغرم لك المهر.
أما التعويض عن الضرر الذي لحقك، ومطالبتك بدفع مبالغ زائدة على مهرك فلا أعلم أن لك حقاً في ذلك، وما أصابكم من فاقة في السنوات الماضية إنما هي أقدار الله، فلعلها كانت سبباً في خير "وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيراً".
وأنتِ ذكرتِ في السؤال أن زوجك قد وافق على تعويضك بقدر مهرك بعد تحسن وضعه المادي، فعليك أن ترضي بذلك، وتشكريه على وفائه، وتقديره وقبوله بدفع عوض لا يلزمه، و أن تحسني عشرة زوجك، و لا تنسي أنه قد شاركك حالة الضيق التي قد مرت بكم، وستشاركينه بعد تحسن الأوضاع في حالة اليسر إن شاء الله. والله أعلم وأحكم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 144)
هل يرث الزوج مؤخَّر الصداق؟
المجيب بندر بن محمد الرباح
عضو الدعوة والإرشاد بالقصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 01/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
امرأة توفيت وتركت مؤخر صداقها، فهل يرث زوجها منه، أم أنه لأولادها وأمها وأبيها فقط، باعتبار أن زوجها لا حق له في صداقها؟.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يرث الزوج من زوجته النصف إن لم يكن لها ولد، فإن كان لها ولد فإنه يرث الربع، وذلك من جميع تركتها، سواء أكان ذلك من صداقها أو من غيره لا فرق في ذلك؛ لأن الصداق أصبح ملكاً لها؛ فيضم مع كل ما تملكه من ممتلكات، ثم يقسم على جميع ورثتها من دون استثناء أحد منهم، لا الزوج ولا غيره، ويعطى كلاً منهم على حسب فرضه المقدر له شرعاً. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 145)
حكم المهر
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 02/03/1426هـ
السؤال(13/291)
السلام عليكم
أكد بعض العلماء عندنا في باكستان أن المهر سنة مؤكدة، وقد بنوا حكمهم على ثلاثة أحاديث:
الأول: الحديث المروي في النسائي وأبي داود وصحيح ابن حبان بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى مهرا لابنته.
الثاني: الحديث الذي في البخاري بأن أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- قدمت لابنتها عقدا كمهر.
الثالث: الحديث في مسند الإمام أحمد بأن النجاشي ملك الحبشة رتب مهر أم المؤمنين زينب-رضي الله عنها- عندما تم زواجها من -النبي صلى الله عليه وسلم-.
أرجو التكرم بالتعليق على ما ذكر مع الأخذ بالاعتبار أن علماء الحديث ذكروا هذه الأحاديث في فصول تتعلق بالمهور.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المهر واجب من واجبات عقد النكاح لعموم حديث: "التمس ولو خاتماً من حديد" متفق عليه: صحيح البخاري (5121)، وصحيح مسلم (1425)، بل يرى بعض أهل العلم أنه شرط لصحة النكاح، ولذلك فسد نكاح الشغار حيث لا مهر فيه، ولو كان بين المتبادلين مهر لصح. وبالجملة فالذي نقله أهل العلم: (أن صداق بنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أربعمائة درهم من فضة)، وما ذكره السائل من نصوص محمولة على ما يقدمه الوالدان أو غيرهما. للبنت من مساعدة وعون مادي على سبيل الصلة والتكريم.
ولا أعلم من السنة نصاً يشير إلى أن العاص بن الربيع تزوج ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غير أن يقدم بين يدي نكاحه شيئاً من المهر. ولا يصح أن يقع مثل هذا حيث أن تقديم المهر من الرجل للمرأة من شيم العرب، ثم لو صح من السنة أن العاص بن الربيع لم يقدم مهراً فليس بحجة لأن هذا قبل التشريع، ولو اعتبرنا عمله حجة لقلنا -أيضاً- بجواز نكاح المشرك لأن العاص بن الربيع حين نكاحه لزينب كان مشركاً، وعلى اعتبار التسليم بما ذكروه على ظاهره فإنه منسوخ بما تأخر من وجوب المهر لما بيناه من أدلة ، والله -تعالى- أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 146)
استحقاق المريضة لمؤخر الصداق
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
السؤال:امرأة متزوجة تبين بعد مرور 7 أشهر من الزواج أن عندها قصوراً كلويًّا، ووضعها الصحي حاليًّا لا يسمح بالإنجاب، بعد استقرار وضعها الصحي قد يكون(13/292)
الإنجاب ممكناً، والاحتمال الآخر هو أن يزداد المرض مما يتطلب زرع كلية، وبعد سنة من الزرع يكون الإنجاب ممكناً، لكن زوجها لا يريد الاستمرار في هذا الزواج، مع العلم أنه لم تمض سنة عليه بسبب حالتها الصحية وبسبب عدم الإنجاب حالياً، مع العلم أنها تقوم بكل واجباتها المنزلية، فالمرض لا يمنعها من العمل. السؤال: هل تستحق المتأخر كاملاً؟ وهل تستحق ما يسمى بغير المقبوض؟ ولكم الشكر.
الجواب
ظاهر سؤالك أن المرض الذي أصيبت به هذه المرأة يمكن شفاؤه، وعليه فإذا ثبت طبيًّا أنه من الأمراض الممكن علاجها وتستطيع المرأة إنجاب الأولاد بعد العلاج؛ فإن هذا المرض لا يعد عيباً يوجب فسخ النكاح أصلاً، والزوج بالخيار إذا أراد طلاقها فيجب عليه أن يوفي المرأة مهرها كاملاً بأن يسلم لها المؤخر، أما لو ثبت طبيًّا أن هذا المرض يمنع المرأة من الإنجاب فإنه حينئذ لا يخلو الحال من أن يكون هذا المرض موجوداً قبل عقد الزواج أو بعده. فإن كان هذا العيب موجوداً قبل العقد وعلمت الزوجة أو وليها به وكتماه عن الزوج أو كتمه أحدهما فإن الزوج يثبت له خيار فسخ النكاح، ويرجع على من غره بالمهر الذي سلمه للزوجة وسقط المؤخر الذي لم يسلمه، فإن كانت المرأة هي التي أخفت هذا العيب فيرجع عليها به، وإن كانت لا تعلم وكان وليها عالماً بالعيب وكتمه رجع عليه به، وإن لم يكن قد سلمه لها سقط مهرها، أما إذا كانت الزوجة والولي لا يعلمان بهذا العيب فلا يرجع الزوج بشيء مما أصدقها به على أي واحد منهما؛ لأن المهر استقر بالدخول وليس ثم مغرر يرجع إليه في المهر، وكذا لو حدث العيب وطرأ هذا المرض بعد عقد الزواج والدخول، فلا يرجع الزوج بشيء، لأن المهر يجب بالعقد ويستقر بالخلوة فلا يسقط بحادث بعده بدليل أنه لا يسقط بردتها، وفيه مسمى صحيح، فوجب المهر كغير المعيبة والمعتقة تحت عبد، فإذا أراد الزوج طلاقها في هذه الحالة؛ فيجب عليه أن يسلم للزوجة جميع مهرها المسمى المتأخر ولا يأخذ منها شيئاً من المقدم. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 147)
هل له استرجاع المهر من زوجته التي رضع معها؟
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 25/06/1425هـ
السؤال
تزوج رجل بامرأة ودخل عليها، ثم اكتشف بعد ذلك أنها رضعت معه، هل المهر من حقها أم يحق للرجل استرجاعه؟.
الجواب(13/293)
الحمد لله وحده. وبعد:
إذا ثبتت الرضاعة ثبوتاً شرعياً، وتحقق الدخول عليها فلا يحق له استرجاع المهر منها إلا في حالتين:
الأولى: إذا ثبت أن الزوجة عالمة بذلك، إلا أنها سكتت حتى يدخل عليها، فإنه يحق له مطالبتها باسترجاع المهر؛ لأنها غرته بسكوتها.
الثانية: أن يوجد من يعلم بذلك ويسكت حتى ينقضي الزواج من غير عذر مقبول شرعاً، فله الرجوع عليه، وخصوصاً إذا كان ممن أثبت أو أخبر بالرضاعة، وتسبب في إفساد العقد؛ لأنه لم يقم بالواجب عليه في إنكار المنكر. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 148)
رضيت بمهر يسير ثم طالبته بمهر المثل
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 25/5/1425هـ
السؤال
تزوج مسلم من نصرانية، وكان مهرها يسيراً جدًّا، الآن تطالبه في المحكمة الشرعية بمهر المثل. فهل تستحق ذلك؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
المهر على ما يتفق عليه الزوجان، فإن اتفقا على قليل أو كثير فهما على ما اتفقا عليه، ولا يجوز للمرأة أن تطالبه بزيادة على المتفق عليه، اللهم إلا أن يؤديها زوجها عن طيب نفس منه؛ لحديث عوف المزني، أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "المُسْلِمونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطاً حرَّم حَلالاً، أوْ أَحَلَّ حَرَامًا". رواه الترمذي (1352)، والحاكم (4/113) وغيرهما.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 149)
هل للمهر حد في الشرع
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحاول أن أعيد الناس للسنة النبوية في المهر، فكم أخصص تقريباً؟ وكيف المقدَّم والمؤخَّر؟ وهل يجوز أن يكون المقدَّم غير مقبوض بموافقة الطرفين ووليهما؟ وجزاكم الله خيراً.(13/294)
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليس في الشرع حد لأكثر المهر ولا لأقله، فإن الله -تعالى- قال: "وآتيتم إحداهن قنطارا"[النساء: 20]، وقال: "فآتوهن أجورهن فريضة"[النساء: 24]، وقال: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"[النساء: 4]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال للذي رغب في الزواج من التي وهبت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "التمس ولو خاتماً من حديد"، ثم زوجه - صلى الله عليه وسلم- بما معه من القرآن، رواه البخاري(5135)، ومسلم(1425) عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، وإن كان في بعض المذاهب حد لأقل ما يجزئ في الصداق، وهو اجتهاد ليس بنص يرجع إليه أو يوقف عنده.
والذي يحكم مهور الناس الأعراف، ما لم يخالف هذا العرف نصوص الشرع وقواعده، أو يؤدي إلى مفاسد، بحيث يلزم من العمل بهذا العرف مثلا تعطُّل النكاح، أو تأخر سن الزواج بسبب عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات المهر.
وقد ورد في الشرع الحث على تيسير أمر النكاح وتسهيله وعدم المغالاة في المهور، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة" رواه أحمد(44595) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ولا أُصدِقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية كما جاء عن عمر -رضي الله عنه- فيما رواه الترمذي(1114)، والنسائي(3349)، وأبوداود(2106)، وابن ماجة(1887).
وأما المهر فيجوز تعجيله كله، وتأجيله كله، وتعجيل بعضه، وتأجيل الباقي، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 150)
الديون وتغير قيمة العملة
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 03/05/1425هـ
السؤال
امرأة كان مهرها عشرة ريالات سعودية قبل أربعين سنة! فأردت أن أعطيها الآن، فماذا أدفع الآن؟ علماً بأن قيمة العملة قد تغيرت.
الجواب
مسألة تغيّر قيمة النقود الورقية اختلف فيها الفقهاء، فجمهورهم على أنه لا يجب على من ترتب في ذمته شيء منها إلا مثلها من غير زيادة أو نقصان، وذهب آخرون إلى أن على من تعلق في ذمته شيء منها أن يدفع القيمة لا المثل، وتوسّط بعضهم فرأى أن الأصل هو الوفاء بالمثل، إلا إذا تغيرت قيمة النقود تغيراً فاحشاً، فليلجأ حينئذ إلى القيمة؛ لأن المال حينئذ يصبح في حكم الكاسد.(13/295)
وقد اعتمد الرأي الأول مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الخامس بالكويت، حيث قرر أن العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل،وليس بالقيمة؛لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار.
وبناءً على رأي الجمهور فلا يلزم الزوج أن يدفع لهذه المرأة إلا عشرة ريالات سعودية فقط، لكن إن أحب أن يزيدها إحساناً منه دون إلزام فليس في ذلك حرج، ولو فرض أنه حصل نزاع في هذه القضية بين الزوجين، فإنها ترفع إلى المحكمة والقاضي يحكم فيها بما يؤديه إليه اجتهاده، ويكون حكمه ملزماً. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 151)
هل يحق له أن يأخذ شيئًا من صداقها؟!
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 24/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة متزوجة، وقد حصل لي مع زوجي خلافات كثيرة الله بها عليم، ولم أرزق منه بأطفال، وأخيراً -برغبة مني- اتفقت أنا وإياه على الطلاق، فهل يحق له أن يأخذ شيئاً من المهر الذي أعطاني إياه رغم أنه حصل دخول؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخذ الزوج لشيء من المهر بعد استقراره بالدخول أو الخلوة، أو غير ذلك مما ذكره أهل العلم - رحمهم الله- لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يكون سبب الفراق من الزوجة، إما عيبها، وإما رغبتها في الفراق لسبب من غير رغبة من الزوج، فهذا الزوج له أن يأخذ من المهر.
الأمر الثاني: ألا يكون هناك سبب من الزوجة وإنما هو من الزوج، ويرغب في الفراق فإنه لا يجوز له أن يعضل المرأة لتفدي نفسها لقول الله - عز وجل-: "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" [النساء من الآية: 19]. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 152)
رضيتْ بمهرٍ أقل مما طلب وليها
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )(13/296)
التاريخ 29/07/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
إذا طلب ولي أمر المرأة مبلغاً معيناً كمهر، ووافقت المرأة على مبلغ أقل، فمن يكون له الحق في تقرير مبلغ المهر، المرأة أم الولي؟.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
إذا طلب ولي المرأة قدراً معيناً من المهر بناء على نظر مصلحي لموليته، فإن له ذلك، وهو الذي سيقابل الخطاب ويتفاهم معهم، فإذا وافقت موليته على بعض هذا المبلغ فهو حقها وتنازلت عن بعضه، ويكون هذا الذي تنازلت عنه للولي، قال تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" [النساء:4]، وأما إذا أصر الولي على مبلغ معين والمرأة على مبلغ أقل، والخاطب سيترك هذه الخطبة إذا كان المبلغ هو الأكثر، وهو مع ذلك كفء في دينه وخلقه، فلا يجوز للولي أن يرده لهذا السبب، بل يجب عليه قبوله؛ لأنه إنما ينظر في مصلحة موليته، وهي قد رضيت بالمهر الأقل، وهو حقها، والرجل كفء، فلا يجوز رده لأجل زيادة المهر الذي لا تريده المرأة، قال تعالى: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر" [البقرة:232]. هذا والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 167)
تزوجها فاكتشف أنها تصرع
المجيب أ.د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/العيوب في النكاح
التاريخ 27/6/1424هـ
السؤال
رجل خطب امرأة وتزوجها، واكتشف بعد الزواج أنها مصابة بمرض الصرع الذي يوجب عليه أن يكون ملازماً لها، أو أي أحد آخر خشية حصول أزمة لها، وهي الآن حامل, فماذا يمكنه أن يفعل؟ علما أن الوالد والوالدة يعلمان إصابتها من قبل بهذا المرض، وأخفيا ذلك، وإن كان سيطلقها، هل عليه أن يدفع لها المهر؟ على الرغم من أنهم أخفوا عنه أمراً كبيراً.وشكراً.
الجواب
يتعين على كل من الرجل والمرأة أن يكون على علم بأحوال الآخر، وما به من علة أو مرض، وما يعتريه مما يخل بالحياة الزوجية، وإذا أخفى أحد الزوجين على الآخر ما به من أذى أو ما يعتريه من أحوال تؤثر على مسيرة الحياة الزوجية فإذاً هذا يعد شرعاً من باب التدليس والغش، وإذا علم أحدهما بما لدى الآخر من أمراض، أو صفات تؤثر على الحياة الزوجية فله فسخ النكاح، ومتى تم الفسخ قبل(13/297)
أن يتم الاتصال بينهما فلا حق للمرأة على زوجها إذا كان العيب فيها، وإن كان العيب فيه فلها نصف الصداق، أما في مثل حالتك هذه فلها المهر كاملاً، ولك حق الرجوع في المهر على من غرك وخادعك، سواء جاءت الخدعة من المرأة، أو أهلها، غير أن الحمل الموجود الآن يثبت نسبه منك،وينسب إليك ابناً كان أو بنتاً، ويجب أن تعلم إن كنت قد علمت بالعيب ورضيت به فلا يحل لك الفسخ، ولا استرداد ما دفعت إليها، ونرجو السلامة والعافية.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 377)
مات قبل الدخول بها فهل تستحق الصداق؟
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/المواريث
التاريخ 26/10/1425هـ
السؤال
توفي أخي بعد عقد قرانه على امرأة ولم يدخل بها، وقد شُرط عليه مهر عبارة عن قلائد ذهب ومشتريات لم تحدد قيمتها، وأيضًا عشرين ألف ريال من فوت أو موت.
هل يحق لها المطالبة بالمهر وكيف يحدد قيمته؟ وهل لها حق في الإرث؟ وجزاك الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالجواب: أن المتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها زوجها تستحق كامل المهر إن كان قد فرض لها، وإن لم يفرض لها فلها مهر المثل، ولها الميراث أيضًا وعليها العدة، فقد روى أبو داود (2114) والترمذي (1145) والنسائي (3354) وابن ماجة (1891)، عن معقل بن سنان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قضى في بروع بنت واشق- وكان زوجها مات ولم يدخل بها، ولم يفرض لها صداقًا- فجعل لها مهر نسائها، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. هذا وبناءً على ما سبق نقول: خلاصة الجواب أنه يحق لهذه المرأة المطالبة بالمهر المحدد، وما لم تحدد قيمته من ذهب ومشتريات، كما جاء في السؤال يرجع في تحديده إلى العرف والعادة لما يوضع لمثلها من مثله، هذا ولها الميراث وعليها عدة الوفاة، كما تقدم. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 383)
تزوجها ولم يدخل بها فهل ترثه؟
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية(13/298)
التصنيف الفهرسة/المواريث
التاريخ 04/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي هو إحدى قريباتي تسأل عن ورث ابنتها، تزوجت ابنتها من شاب غدر بها، وعلم الأهل بذلك بعد اختفاء البنت، وتمّ الزواج بعدها ولكن ما زالت البنت في بيت أمها ولم ترحل لبيت زوجها بحجة الزوج أنه لا يمكن أخذها لبيت أبيه وأهله، وله زوجة ثانية، والزوج يصرف على زوجته بنفقة شهرية، ولكن لا يختلي بها ولا يراها أبداً، وهو يفضِّل ذلك، مات الزوج بحادث سيارة، وترك خلفه بعض المال وبيتاً. السؤال: هل على الزوجة الثانية عدة وإرث من زوجها؟ مع العلم بأنها لا تسكن معه ولم تعاشره بعد عقد القران وهي مقيمة في بيت أمهاً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان العقد (عقد النكاح) وقع صحيحاً ومستوفياً لأركان وشروط النكاح، فهو عقد صحيح يترتب عليه إرث الزوجة ولا يشترط الدخول أو الخلوة بها؛ فهي زوجة كسائر الزوجات، عليها عدة الوفاة ومراعاة أحكام الإحداد من ترك الزينة والطيب والحلي، وعدم الخروج من بيت أهلها إلا لحاجة ماسة، ولها الصداق كاملاً، ولها الميراث، فتشترك مع زوجته الأولى في الثُمن (ثمن ماله) إن كان له أولاد، وإن لم يكن له أولاد اشتركت مع زوجته في الربع؛ لقوله تعالى: "ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم"[النساء:12]، والقول بميراثها واستقرار كامل الصداق لها، ووجوب الإحداد والعدة، وإن لم يدخل بها قضاء، قضاه ابن مسعود - رضي الله عنه-وهو الذي وافق فيه قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم- في بروع بنت واشق - رضي الله عنها- أخرجه أبو داود (2114)، والترمذي (1145)، وابن ماجه (1891)، والنسائي (3355)، فهذا حكم الشرع. والله الموفق، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 396)
النكاح بدون مهر
المجيب أحمد بن عبدالرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/11/1426هـ
السؤال
حسب علمي فإن المهر للزوجة يجب بنفس العقد إن كان الزواج صحيحاً مستوفياً للشروط، ويجب المهر المسمى إن كانت التسمية صحيحة، ومهر المثل إن لم تكن هناك(13/299)
تسمية، أو كانت التسمية فاسدة، أو في نكاح التفويض، لكن الإشكال عندي فيما يحصل في بلادنا روسيا من الجهل بوجوب المهر وحقيقته أصلاً في بداية الأمر، ثم بعد
مرور سنين يلتزم أحدهم بدينه، ويريد أن يوفي بحقه تجاه زوجته، فأنا أحتار في
الفتوى: هل يقال مثلا: المهر هو ما يتراضى الطرفان عليه، وإذا كانت المرأة قد
أبرأت زوجها في هذه الحالة فهل يبرأ الزوج؟ أو نقول: (تلك أمة قد خلت) ولا داعي
لإثارة الموضوع؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المهر أو الصداق شعيرة من شعائر المسلمين في أنكحتهم، وقد أجمع أهل العلم على أنه حقٌ من حقوق المرأة، وأنه يجب لها بنفس العقد، على النحو الذي ذكره الأخ السائل.
أما إذا تم العقد من غير ذكرٍ للمهر، فإن المهر لا يسقط بهذا، بل هو باق في ذمة الزوج، يجب عليه دفعه للزوجة، والمهر الواجب في هذه الحالة هو مهر المثل، إلا إذا اتفق الزوجان على مهرٍ معين فلا بأس بذلك، وإذا أبرأت الزوجة زوجها من المهر فهو جائز؛ لأن المهر حقٌ لها وقد تنازلت عنه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" [النساء: 4]، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 318)
حول تفشي عادة الدوطة في الهند
مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي 15/10/1425
28/11/2004
حول تفشي عادة الدوطة في الهند:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على ترجمة خطاب الأخ عبد القادر الهندي، الذي جاء فيه قيامه في محاربة (الدوطة)، وهو المبلغ الذي تدفعه العروس في مجتمع الهند الإسلامي، مقابل الزواج، وأن يكتفي المسلمون الهنود فقط، بتدوين المهر في سجل الزواج، دون أن يدفعوه إلى الزوجة فعلاً، ولقد كتبت الكثير في هذا الصدد في كثير من صحف (التاميل) الإسلامية، ثم يستطرد الأخ عبد القادر في خطابه فيقول: (ومن ثم فإن هذا الزواج حرام، كما أن المواليد الناشئين عن هذا الزواج غير شرعيين، طبقًا للكتاب والسنة).
كما اطلع المجلس على خطاب فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي الموجه إلى معالي الأمين العام للرابطة بتاريخ 16/3/1404هـ والذي جاء فيه: (إن قضية الدوري قضية متفشية في سكان الهند، وهي قضية الهندوس بالدرجة الأولي، دخلت على(13/300)
المسلمين بسبب احتكاك بناتهم ببنات الهنود، ويحارب قادة المسلمين هذه العادة، وبدأت الحكومة الهندية كذلك تستبعد هذه العادة أخيرًا.. وأرى أن يكفي لمجلسنا الفقهي إصدار فتوى وبيان حول هذه القضية، ينهى المسلمين عن اتباع عادة جاهلية ظالمة، مثل الدورى، تسربت إليهم من غيرهم، وأرجو أن قادة المسلمين في الهند جميعًا إذا بذلوا جهودهم في ذلك، لكان نجاحًا كبيرًا في إزالة هذه العادة. والله ولي التوفيق).اهـ كلامه. وبعد أن اطلع المجلس على ما ذكره قرر ما يلي:
أولاً: شكر فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي، وشكر الأخ عبد القادر على ما أبدياه نحو عرض الموضوع، وعلى غيرتهما الدينية، وقيامهما بمحاربة هذه البدعة والعادة السيئة، والمجلس يرجو منهما مواصلة العمل في محاربة هذه العادة وغيرها من العادات السيئة، ويسأل الله لهما وللمسلمين التوفيق والتسديد، وأن يثيبهما على جدهما واجتهادهما.
ثانيًا: ينبه المجلس الأخ عبد القادر وغيره، بأن هذا الزواج- وإن كان مخالفًا للزواج الشرعي من هذا الوجه- إلا أنه زواج صحيح، معتبر شرعًا عند جمهور علماء المسلمين، ولم يخالف في صحته إلا بعض العلماء في حالة اشتراط عدم المهر. أما الأولاد الناشئون عن هذا الزواج، فهم أولاد شرعيون، منسوبون لآبائهم وأمهاتهم، نسبة شرعية صحيحة، وهذا بإجماع العلماء، حتى عند الذين لا يرون صحة هذا النكاح، المشروط فيه عدم المهر، فقد صرحوا في كتبهم بإلحاق الأولاد بآبائهم وأمهاتهم بهذا الزواج المذكور.
ثالثًا: يقرر المجلس: أن هذه العادة سيئة منكرة، وبدعة قبيحة، مخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع العلماء، ومخالِفة لعمل المسلمين في جميع أزمانهم. أما الكتاب؛ فقد قال تعالى : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء: من الآية4]. وقال تعالى: ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )[الممتحنة: من الآية10]. وقال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)[النساء: من الآية24]. وغير ذلك من الآيات. وأما السنة؛ فقد جاءت مشروعية المهر في قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره؛ فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، عن جابر، رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَو أنَّ رجلاً أَعطَى امرأةً صَدَاقًا مِلءَ يَدَيْهِ طَعَامًا، كانت له حَلالاً". فهذا من أقواله. وأما فعله؛ فقد جاء في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن عن عائشة قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية. فهذا فعله. وأما تقريره؛ فقد جاء في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة. فقال: "ما هذا؟". قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال: "بارك الله لك". فهذا من تقريره وهو إجماع المسلمين وعملهم، في كل زمان ومكان، ولله الحمد.
وبناء عليه فإن المجلس يقرر: أنه يجب أن يدفع الزوج لزوجته صداقًا سواء كان الصداق معجَّلاً، أو مؤجلاً، أو بعضه معجل وبعضه مؤجل. على أن يكون تأجيلاً حقيقيًّا يراد دفعه عند تيسره، وأنه يحرم أن يجرى الزواج بدون صداق من الزوج لزوجته. ويوصي المجلس بأن السنة: تخفيف الصداق وتسهيله، وتيسير أمر النكاح،(13/301)
وذلك بترك التكاليف والنفقات الزائدة، ويحذر من الإسراف والتبذير، لما في ذلك من الفوائد الكبيرة.
رابعًا: يناشد المجلس العلماء والأعيان والمسؤولين في الهند وغيرهم، محاربة هذه العادة السيئة (الدوطة)، وأن يجدوا ويجتهدوا في إبطالها وإزالتها من بلادهم، وعن ديارهم، فإنها مخالفة للشرائع السماوية، ومخالفة للعقول السليمة، والنظر المستقيم.
خامسًا: أن هذه العادة السيئة، علاوة على مخالفتها للشرع الإسلامي، هي مضرة بالنساء ضررًا حيويًّا. فالشباب لا يتزوجون عندئذ إلا الفتاة التي يقدم أهلها لهم مبلغًا من المال يرغبهم ويغريهم، فتحظى بنات الأغنياء بالزواج، وتقعد بنات الفقراء دون زواج، ولا يخفي ما في ذلك من محاذير ومفاسد. كما أن الزواج عندئذ يصبح مبنيًّا على الأغراض والمطامع المالية، لا على أساس اختيار الفتاة الأفضل والشاب الأفضل. والمشاهد اليوم في العالم الغربي أن الفتاة غير الغنية تحتاج أن تقضي ربيع شبابها، في العمل والاكتساب، حتى تجمع المبلغ الذي يمكن به ترغيب الرجال في الزواج منها. فالإسلام قد كرم المرأة تكريمًا، حين أوجب على الرجل الراغب في زواجها أن يقدم هو إليها مهرًا تُصلح به شأنها وتهيئ نفسها، وبذلك فتح بابًا لزواج الفقيرات، لأنهن يكفيهن المهر القليل، فيسهل على الرجال غير الأغنياء الزواج بهن. والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 19 / ص 125)
الصداق
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 3424 )
س1: ما هو الحد الأدنى والحد الأعلى للمهر، وهل الزيادة فيه حرام؟
ج1: لا نعلم دليلا من الكتاب ولا من السنة يدل على تحديد المهر، والأدلة التي جاءت من القرآن منها ما فيه التنبيه على جواز دفع المهر الكثير، ومنها ما هو عام يشمل القليل والكثير، فمن الأول قوله تعالى: سورة النساء الآية 20 وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا الآية. ومن
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 30)
الثاني قوله تعالى: سورة النساء الآية 24 وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وقوله تعالى: سورة المائدة الآية 5 الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ الآية، فإن لفظ الأموال ولفظ الأجور عام في القليل والكثير. وأما الأدلة التي جاءت من السنة، فإنها دالة على وقائع مختلفة حصل فيها تفاوت كبير في المهور؛ كمهر زوجات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبناته رضي الله عنهن، وما عرف من مهور زوجات أصحابه رضي الله عنهم، كالتزويج على ما مع المتزوج من القرآن،والتزويج على(13/302)
النعلين، وعلى وزن نواة من ذهب، وعلى أربع أواق. ومن أراد الاطلاع على ذلك فعليه مراجعة الصحيحين والسنن الأربعة وغيرها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 31)
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 1275 )
س3: رجل مؤمن موحد، ولكنه أباح بناته الجميلات بالمناكحة بغير صداق، لا مال ولا ثوب ولا أي شيء إلا بالله ورسوله هل يصح ذلك النكاح؟
ج3: الصداق في النكاح لا بد منه؛ لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوبه، ويسمى أيضا مهرا وأجرا، قال الله تعالى: سورة النساء الآية 4 وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً أي: عن طيب نفس، بما فرض الله لهن عليكم بالزواج بهن، وقال تعالى:
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 32)
سورة النساء الآية 24 وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ الآية، وثبت أحمد (5 / 336)، والبخاري [فتح الباري] برقم (5149)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد. أن امرأة وهبت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن له فيها حاجة فأراد بعض أصحابه أن يتزوجها، فطلب منه صداقا لها، فاعتذر لفقره، فقال له: "التمس ولو خاتما من حديد فالتمسه لكنه لم يجد، فأبى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يزوجه إياها إلا بشيء يبذله لها، وفيه منفعة تعود عليها، وانتهى الأمر إلى أن زوجه النبي -صلى الله عليه وسلم-هذه المرأة بما معه من القرآن، يعلمهما إياه. وأجمعت الأمة على أنه لا بد من الصداق في النكاح، ومن تزوج امرأة من وليها على ألا مهر لها فقيل: نكاحهما باطل، وقيل: النكاح صحيح والشرط باطل، ويجب لها مهر المثل بالدخول بها، أو الوفاة عنها؛ لقوة الشبه بالمفوضة الآنف ذكرها، والأرجح الثاني، أما من تزوج امرأة أن لها مهرا لكنه لم يسم، فنكاحها صحيح، ولها مهر مثلها بالدخول أو الوفاة،قال تعالى: سورة البقرة الآية 236 لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً الآية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 33)(13/303)
ـــــــــــــــــــ
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 21003 )
س1: إن الرجل في كشمير مضطر إلى صرف مبالغ هائلة في إنكاح ابنته، فهو يقدم أنواعا من التحف والأدوات المنزلية والسيارة أو الثلاجة مثلا إلى العريس على مطالبتهم، وهذه أصبحت شبه عادة، كما يقدم أنواعا من الحلي والملابس الفاخرة في بعض الأحيان عن رضا نفسه ويتحمل مصاريف الزواج، وهي تبلغ مئات الألوف، ويواجه هذا الرجل بعض المشاكل، إن لم يقدم هذه المستلزمات كفسخ الخطبة أو النكاح. السؤال: هل يحسب هذا المبلغ المصروف في صالح زواج البنت فيما تستحقه من الوراثة فيحسم منها عند تقسيم الإرث أم لا؟ أو هل يصح التنازل من البنت عن إرثها؟
ج1: المهر في عقد النكاح يجب على الزوج، قال تعالى مخاطبا الأزواج: سورة النساء الآية 4 وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 35)
وقال تعالى: سورة النساء الآية 24 فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وما يدفعه أهل المرأة لزوج موليتهم فهو من باب الهدية لترغيبه فيها، وليس واجبا عليهم ولا يجوز احتسابه من ميراثها إذا مات مورثها الذي دفع هذه الهدية إلا إذا رضيت هي بذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: أخرجه أحمد 5 / 72، 113، والدارقطني 3 / 25-26، وأبو يعلى 3 / 140 برقم (1570)، والبيهقي 6 / 100، 8 / 182. لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 6029 )
س: هل يجوز للمرء أن يهدي القرآن كمهر لزوجة، وما هو الإجراء في هذه الحالة عند حدوث الطلاق؟
ج: أولا: يصح أن يجعل تعليم المرأة شيئا من القرآن مهرا لها عند العقد عليها إذا لم يجد مالا، لما ثبت في الصحيحين عن
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 36)
سهل بن سعد رضي الله عنه: أحمد (5 / 336)، والبخاري [فتح الباري] برقم (5149)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: إني وهبت نفسي لك، فقامت طويلا، فقال رجل: يا رسول الله: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال: هل عندك من شيء تصدقها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إزارك إن(13/304)
أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا قال: لا أجد، قال: التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه. كما يجوز أن يقدم المصحف الشريف مهرا لها؛ لأن المصحف يجوز بيعه وشراؤه في أصح قولي العلماء. ثانيا: في حالة حدوث الطلاق قبل أن يفي لها الزوج بما سمى لها في العقد، يكون لها الحق في المطالبة بنصفه إن كان الطلاق قبل الدخول، وبه كاملا إن كان بعد الدخول، إلا أن تعفو المرأة عن ذلك في الحالتين أو إحداهما، أو يتراضيا على شيء من العوض المباح. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 17332 )
س4: هل يجوز النكاح بصداق قليل مثل الخاتم؟
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 45)
ج 4: ليس لمقدار الصداق حد محدود في القلة والكثرة، فيجوز أن يكون خاتما وما يماثله أو يزيد عليه، إلا أنها لا تجوز المبالغة بكثرة الصداق؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... صالح بن فوزان الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الدين من أجل الصداق
الفتوى رقم ( 10322 )
س: أنوي الزواج وأريد أن أتزوج، لكن لا أملك من المال الذي يمكنني رغم أني طالب بالثانوية العليا، وأريد أن أدخل الجامعة هذا العام، والله الموفق، فهل يجوز لي أن أتدين مالا لكي أتزوج به؛ علما بأني إن شاء الله أنوي سداد الدين بعد التخرج من الجامعة، فهل هذا جائز؟
ج: لا حرج على مريد الزواج إذا كان لا يجد المال أن يستدين مبلغا، أو يقترض قرضا بالطرق الشرعية إذا كان ينوي الوفاء.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 46)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز(13/305)
ـــــــــــــــــــ
اتفاق الجماعة على تحديد مقدار الصداق
الفتوى رقم ( 11252 )
س: نحن قبيلة في جنوب المملكة العربية السعودية وكان يخيم على بعضهم ظلام الجهل الذي دعاهم إلى التنازع وكثرة المشاحنات، وداموا على هذا الحال إلى درجة أن بعضهم أخوة أشقاء لا يدخلون على بعض حتى في أيام الأعياد، ولكن بفضل من الله ثم بفضل تأثير أبنائهم عليهم في حثهم على المحبة والتآلف وعمل الخير استجابوا لذلك وأصبحوا بحمد الله يدا واحدة، وأمرهم شورى. وبعد الصفاء والمحبة وعودة الأمور إلى مجاريها
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 48)
الطبيعية قرروا أن يعقدوا اجتماعا في بيت واحد منهم، ليتداولوا بعض الأمور في الحياة، وتم الاجتماع في موعده بحضور الأكثرية، وخرجوا متفقين جميعا على الآتي:
1 -
أن يكون الصداق ثلاثين ألف ريال للبكر، وأقل من ذلك للثيب، والعشاء يقدم حسب الحاجة ولا يزيد عن أربع ذبائح.
2 -
قطع عادات الموت السابقة التي يذبحون عند المصيبة، ويطعمون كل من هب ودب، ولم يعد إلا أن يقام العزاء مدة ثلاثة أيام فقط دون ذبائح ولا بأس بالصدقة بعد الثالث.
3 -
اتفقوا على إنشاء صندوق تعاوني يقوم بالدفع فيه كل موظف عن كل شهر مبلغ خمسين ريال، وهذا الصندوق معد لكثير من الكوارث، ومنها إذا جرى حادث سيارة على أحد من هذه القبيلة أو منه على شخص محايد وانتهى الحادث بوفيات لا سمح الله أو كسور يسدد الحادث من الصندوق، وفي حالة العجز يقسط الباقي على القبيلة لسداده، أما إذا كان هو المتوفى أو المكسور فهو وشأنه، إن شاء عفا، وإن شاء أخذ. ومعها إذا صارت مضاربة بين أحد أفراد القبيلة وفرد آخر وحدث فيها دم وقدر بمال فإن الصندوق يقوم بسداد ذلك، هذا بعد السعي وإطفاء نار الفتنة.أما إذا كانت المضاربة بين أفراد القبيلة فليس فيها إلا التسامح بين الطرفين. ومنها حادث الحريق إذا حدث في منزل أحدهم يقوم الحاضر بمساعدة أخويه بنفسه ويعطى مبلغا ماليا من رصيد الصندوق ليستر نفسه من العراء. وهنا يا فضيلة الشيخ يأتي السؤال: ما رأي فضيلتكم في مثل هذه الأمور؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء.
ج: البنود المذكورة في الاستفتاء والتي اتفق عليها أهل القبيلة صحيحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز(13/306)
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 49)
ـــــــــــــــــــ
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 3582 )
س1: لقد حضرت عند مأذون شرعي على عقد زواج، وعندما سأل المأذون الشرعي ولي الزوجة عن الصداق ليسجله في صك العقد قال الولي: نحن أقارب ولا بيننا شروط، اعقد على ما تراضينا عليه، وقد تم العقد على هذا. فما رأي الشرع في هذا العقد؟
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 53)
ج1: العقد صحيح، وليس من شرطه ذكر المال في العقد، بل متى اتفق الزوج والولي على مال للمرأة كفى ذلك، وإن لم يذكر حين العقد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 10934 )
س: قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: سورة النساء الآية 4 وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فيقول العلماء: إن الصداق ركن من أركان النكاح، لا يصح النكاح بدونه، أقله ربع دينار. فأرجو الإفادة بقيمة ربع الدينار في عملة الدولار الأمريكي وفقكم الله تعالى.
ج: ذكر المهر في النكاح ليس ركنا من أركانه، فلو عقد على المرأة بدون ذكر المهر صح العقد، ووجب لها مهر المثل، ولا حد لأقله، بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون مهرا على الصحيح من أقوال العلماء؛ لما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أحمد (5 / 336)، والبخاري [فتح الباري] برقم (5149)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد. التمس ولو خاتما من حديد
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 54)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
جواز تأجيل الصداق أو بعضه
الفتوى رقم ( 4907 )
س: إن من العوائد المنتشرة في هذه الأزمان أن الرجل إذا عقد على بنته أو أخته يجعل لها صداقا حاضرا، وصداقا مؤجلا يدفعه الزوج لها وقت الطلاق، ويسمونه:(13/307)
دين الذمة، فهل هذا الصداق المؤجل المسمى دين الذمة يجوز أم لا؟ وإذا كان يجوز ثم توفي الزوج ولم يطلق فهل يكون دينا بذمته أم لا؟
ج: يجوز أن يكون الصداق كله مقدما أو كله مؤخرا أو بعضه مقدما وبعضه مؤخرا، وما كان منه مؤجلا يجب سداده عند أجله، وما لم يحدد له أجل يجب عليه سداده إذا طلق، ويسدد من تركته إذا مات. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 55)
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 3823 )
س2: هل يجوز أن يكون جزء من المهر مقدما بحيث مثلا يدفع عشرة آلاف ريال مهرا مقدما، وعشرة آلاف ريال مثلا مؤخرا في حالة طلاقه لها بدون سبب شرعي من قبلها؟
ج2: يجوز أن يكون المهر مقدما كله أو مؤجلا كله، أو بعضه مقدم وبعضه مؤجل إلى أجل معين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 360 )
س: تزوج أخي (ط. س. ط) من امرأة لبنانية بمهر قدره سبعة آلاف ليرة، دفع منه ألفي ليرة مقدم صداق، والباقي قدره خمسة آلاف ليرة مؤخر صداق، تدفع بعد عشرين سنة، فقدر الله وتوفي أخي المذكور بعد عامين من زواجهما، ولم تنجب منه أولادا في هذه الفترة، وورثته مع الورثة، فهل يحق لها أن ترث وتأخذ مؤخر صداقها؟ مع أن العرف أن المؤخر لا يدفع إلا في حالة الطلاق، ولم يشر إلى هذا في العقد. لهذا أرجو إفتائي.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 56)
ج: الزوجة تستحق المهر كاملا بالدخول، وما ذكره السائل من وفاة زوجها وأن مؤخر الصداق يدفع بعد عشرين سنة، وأنها ورثته مع الورثة، وأن العرف أن المؤخر لا يدفع إلا في حالة الطلاق، وأنه لم يشر إلى هذا في العقد، فكل هذه الأمور لا ترفع الأصل الذي سبق ذكره. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس(13/308)
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 1009 )
س: مضمونه: أن (إ. م. هـ) زوج ابنته لابن حسن هادي بمهر مسمى، دفع نصفه مقدما، ودخل بها وحملت منه ثم توفي الزوج بحادث اصطدام، وولدت زوجته ولدا بعد وفاته، فهل يعتبر نصف المهر الباقي دينا في ذمته يخرج أولا قبل التوزيع على الورثة أو لا يعتبر دينا في ذمته، وتقسم الدية كلها على الورثة؟ أفتونا.
ج: إذا كان الأمر كما ذكر، فنصف المهر الباقي واجب في ذمة الزوج بالدخول، واعتبر دينا عليه للزوجة، وحيث لم يدفعه لها
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 57)
في حياته، فيجب دفعه إليها من تركته بعد وفاته قبل تقسيم إرثه على المستحقين من الدية أو غيرها إن كان له مال آخر. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ
ـــــــــــــــــــ
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 606 )
س1: هل المهر يعد دينا يجب تسديده أم لا؟
ج1: ما سمي للزوجة من المهر يجب للزوجة كله بالدخول أو بالوفاة، ويجب لها نصفه إن طلقت قبل الدخول، وفي الحالتين يكون ما وجب لها دينا في ذمة الزوج يجب تسديده، إلا إذا طابت نفسها به كله أو بعضه فيسقط، قال الله تعالى: سورة البقرة الآية 237 وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وقال
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 58)
تعالى: سورة النساء الآية 4 وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 1662 )(13/309)
س: قد تملك أخي على امرأة على سنة الله ورسوله، وتوفي وهو لم يعرفها ولم تعرفه، فهل لها صداق أو لا؟ حيث توفي ولم يجد شيئا، وحيث دفع لها من حقها 7000 (سبعة آلاف) ريال كانت هي الموجودة لديه، وقد سلمها لها مقدما، فهل لها باقي صداقها ومن حقوقها، وقد توفي ولم يخلف أولادا ولم يتزوج قبلها؟
ج: إذا كان الأمر كما ذكر من وفاة أخيك بعد أن ملك على امرأة ودفع لها من مهرها سبعة آلاف ريال، فعليه بقية مهرها وترثه، وعليها عدة الوفاة، وأن تحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها؛ لعموم قوله تعالى: سورة البقرة الآية 234 وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 59)
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: رواه من حديث عائشة رضي الله عنها: أحمد 6 / 37، ومسلم 2 / 1127 برقم (1491) والنسائي 6 / 198 برقم (3525، 3526)، وابن ماجه 1 / 674 برقم (2085)، والدارمي 2 / 167، وابن أبي شيبة 5 / 279 ، وابن حبان 10 / 138،139 برقم (4301، 4303)، والطحاوي في (شرح المعاني) 3 / 75 وابن الجارود 3 / 81 برقم (764)، والبيهقي 7 / 438. لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا وقوله -صلى الله عليه وسلم- انظر (مسند أحمد) 4 / 280. في امرأة مات عنها زوجها ولم يسم لها صداقا ولم يدخل: "لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 6045 )
س4: هل يجب سداد مؤخر الصداق على الزوج حتى وإن جرى العرف في المجتمع بعدم اعتباره جزءا من المهر، وإنما هو عقوبة مالية للزوج إن هو أقدم على الطلاق، ومعونة للزوجة إذا طلقت وإذا أصر ولي الزوجة على تقييده في عقد الزواج وكتابته مع اتفاقه هو والزوج على أنه لا يسدده بعد الزواج فهل يجوز ذلك؟ مع أن الزوج لا ينوي سداده، وهل إذا كتبه والحال كذلك يلزمه أن يسدده؟
ج 4: يجب تسديد المتأخر من الصداق عند طلب الزوجة، إلا إذا كان مؤجلا بأجل معلوم، فعند حلول الأجل إذا طلبته الزوجة وإلا سدد لها عند الطلاق أو لورثتها عند وفاتها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز(13/310)
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 6871 )
س: لقد جرت العادة في بعض الدول، وخاصة في مصر على أن يكون الصداق بعضه مقدما وبعضه مؤخرا، ويكتب هذا في وثيقة الزواج أو ما يسمى بالعقد الشكلي، كما أن في الوثيقة تكتب هذه العبارة: (يدفع مؤخر الصداق بأحد الأجلين) أي: أن مؤخر الصداق لا يدفع إلا عند الطلاق أو الموت، فما حكم هذا
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 61)
المؤخر؟ وما حكم الزواج الذي يبنى على نية ألا يدفع المؤخر إلا عند الطلاق أو الموت؟ ولقد أفتى أحد الكتاب واسمه: أحمد إدريس بأن مثل هذا الزواج فاسد عند الله تعالى. أفتونا مأجورين وجزاكم الله خير الجزاء.
ج: يجوز أن يكون المهر جميعه مقدما، ويجوز تقديم بعضه وتأخير البعض الباقي إلى الأجل المذكور في السؤال، ولا حرج في ذلك؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: البخاري 3 / 52 تعليقا، وأبو داود 4 / 20 برقم (3594)، والترمذي 3 / 635 برقم (1352)، والدارقطني 3 / 27، والحاكم 2 / 49، 4 / 101، والطبراني 17 / 22 برقم (30)، والبيهقي 6 / 79، 166 وابن حجر في (تغليق التعليق) 3 / 281، 282. المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: أحمد 4 / 144، 150، 152، والبخاري 3 / 175، 6 / 138، ومسلم 2 / 1036 برقم (1418)، وأبو داود 2 / 604 برقم (2139، والترمذي 3 / 434 برقم (1127)، والنسائي 6 / 93 برقم (3281، 3282)، وابن ماجه 1 / 628 برقم (1954)، والدارمي 2 / 143، وأبو يعلى 3 / 292 برقم (1754، والطبراني 17 / 274 ، 275 برقم (752- 757)، والبيهقي 7 / 248. إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج متفق عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال التاسع من الفتوى رقم ( 9507 )
س9: دأب الناس على كتابة مؤخر صداق، مع أن ذلك لم يذكر في بدء الاتفاق، وغالبا يكون مخالفا للحقيقة، كأن يكتب مهرا جنيها، ويكتب ألفا مؤخرا، فما حكم ذلك شرعا؟
ج 9: لا حرج في كتابة مؤخر الصداق في عقد النكاح
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 62)
حسب الاتفاق، وإذا حصل نزاع بين الطرفين فمرد ذلك للمحكمة الشرعية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(13/311)
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 9808 )
س2: إن لزوجتي علي مبلغ 5000 ريال من مهرها، وقد أخذوا بها ذهبا، فقد شريت بـ 1500 والباقي هي راضية عن تأخيره لحين، وإن علي دين. هل علي إثم في هذا؟
ج2: إذا كان الواقع كما ذكر، من رضاها بتأخير سداد مالها عليك من الدين فلا إثم عليك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 12258 )
س2: ماتت زوجتي وكان علي مهرها مبلغ (1000) شلن صومالي، ما يعادل (15) ريال سعودي، وسألت شيخا من شيوخ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 63)
بلادنا فأفتى لي أن أعطي أمها. هل تصح هذه الفتوى؟ وإن لم تصح ماذا أفعل؟
ج2: مهر الزوجة الذي خلفته بعد وفاتها من التركة، والمقدم في التركة تسديد دينها إن وجد، ثم تنفيذ وصيتها الشرعية، والباقي بعد ذلك للورثة حسب القسمة الشرعية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 10580 )
س2: الرجل نكح امرأة بنكاح الإسلام، ودفع بعض الصداق وبقي عليه نصفه دينا، فولدت له ابنا وبنتا، وقبل أن يقضي الباقي فسد النكاح بينهما، هل على الرجل أن يقضي الباقي إلى المرأة؟
ج2: يجب عليه دفع باقي الصداق؛ لأنه دخل بها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 64)
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 14768 )(13/312)
س2: عند عقد قراني دفع لي زوجي جزءا مقدما من المهر، والباقي تم كتابته في العقد مؤخرا، ويدفع في أحد الأجلين: الموت أو الطلاق. وسؤالي هنا: هل يحق لي أن آخذ في غير الأجلين، أي: في حياة زوجي؟ حيث إنه يريد دفع المبلغ لي عن طيب نفس منه، ودون حدوث طلاق، فهل يحق لي أخذ المبلغ المؤخر؟
ج2: يجوز لك استلام مؤخر صداقك معجلا عن وقته إذا دفعه لك زوجك بطيب نفس منه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 11955 )
س: لوحظ عند القبائل من ناحية المهور عند الزواج يطلبون أهل الزوج مبلغا من المال، ويسمى مؤخرا يبقى بذمة الزوج لحجة أنه عند حصول أي خلاف من الزوج أو طلاق الزوجة يرغم ويطالب بدفعه الزوج، وذلك خلاف المهر، هل هذا يجيزه الشرع أو غير جائز؟ وما حكم ذلك حتى لو كان لم يدفع مهرا؟ وإن دفع مهرا نأمل التكرم من سماحتكم إفتاءنا عن ذلك
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 65)
جزاكم الله عنا أحسن الجزاء.
ج: لا حرج في ذلك؛ لأنه معلوم وهو من جملة المهر، لكنهما اتفقا على تأخيره لمصلحة اقتضت ذلك، منها أنه قد يكون مانعا من وقوع الطلاق. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 9416 )
س2: إذا تزوج شخص وزوجه أبوه، وكان جزء من المهر حراما، أي: مثلا سرقة، فهل يبطل هذا العقد؟ والذي دفع المهر أبو هذا الشخص.
ج2: إذا كان الواقع كما ذكر، فعقد النكاح صحيح، ويجب على من سرق المال أو غصبه مثلا رد بدله إلى من سرق منه أو ورثته، مع التوبة النصوح والاستغفار عسى أن يتوب الله عليه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 66)(13/313)
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 3113 )
س1: هل يجوز للأب أن يأخذ من صداق ابنته شيئا، وكذا وليها في عقد نكاحها؟
ج1: لأبيها أن يأخذ من صداقها ما يشاء برضاها، وكذا مما تملكه سوى صداقها، وله أن يأخذ من مالها ومن صداقها ما لا يضرها بشرط ألا يعطيه غيرها من أولاده. أما من تولى عقد نكاحها من وكيل أو وصي فليس له أن يأخذ من مالها شيئا إلا برضاها إذا كانت رشيدة، سواء كان صداقا أم غيره، وكذا سائر أوليائها سوى أبيها لا يجوز لهم أخذ شيء من صداقها إلا برضاها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 4901 )
س: هل يجوز لولي المرأة أن يأخذ من مهرها شيئا؟ وهل يجوز له أن يشترط له شيئا يخصه؟
ج: الأصل في المهر المدفوع للمرأة مقابل بضعها أن يكون
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 67)
ملكا لها، ولا يجوز لوليها أن يشترط لنفسه شيئا، ولا أن يأخذ من مهرها شيئا إلا برضاها، ما عدا أباها فله أن يأخذ من مهرها ما لا يضرها أخذه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: أحمد 6 / 31، 41، 42، 127، 162، 173، 193، 201، 202-203، 220، والبخاري في (التاريخ الكبير) 1 / 407 ، وأبو داود 3 / 800، 800- 801، برقم (3528، 3529)، والترمذي 3 / 639 برقم (1358)، والنسائي 7 / 241 برقم (4450-4453)، وابن ماجه 2 / 723 ،769 برقم (2137، 2290)، والدارمي 2 / 247، وابن حبان 10 / 72- 74 برقم (4259- 4261)، والحاكم 2 / 46، والطيالسي ص 221 برقم (1580)، والبيهقي 479 / 479 - 480، 480،، البغوي 9 / 329 برقم (2398). إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 5812 )
س2: هل يحل للمرأة في الشرع أن تأخذ من الرجل الذي يريد أن يتزوج ابنتها مبلغا من المال مقابل أخذه هذه البنت؟(13/314)
ج2: يجوز لها أن تأخذ ما يدفع لها سواء كان ذلك قبل العقد أو بعده. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 68)
الفتوى رقم ( 6242 )
س: هل يجوز لعبد أن يزوج بنته بألف ريال، أي: يأخذ ثمنه ويصرفه لنفسه يسمى: باسشلق، في دولة تركيا قد ابتلي كثير من المسلمين؟ وهل يفسق أبو البنت ويضع عن ولايته؟ كما قال الشافعي إذا تاب أبو البنت، هل يمكن له أن يزوج بنته غيره أم لا؟ أوضحوا لنا المسألة رحمكم الله آمين.
ج: يجوز للوالد أن يزوج ابنته بألف ريال، ويجوز له أن يأخذ من مهرها أو من مال لها ما شاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: رواه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أحمد 2 / 179،204، 4 21، وأبو داود 3 / 801 برقم (3530)، وابن ماجه 2 / 769 برقم (2292)، والطحاوي في (شرح المعاني) 41 / 158، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) 2 / 22، وابن الجارود 3 / 251 برقم(995)، والبيهقي 7 / 480، والخطيب في (تاريخ بغداد) 12 / 49 . أنت ومالك لأبيك غير أن الأولى ألا يأخذ إلا ما يحتاجه، ولا يفسق بأخذه كله ولا تسقط ولايته عنها بذلك؛ للأدلة الدالة على ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 7579 )
س4: هل يجوز أن يكون صداق المرأة بعد تعينه لها أن يجعل برضا وليها، مع ما يماثله من قبل الزوج شركة مشاعة بينهما لا
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 69)
يختص أحدهما بشيء منه، بل كل ما نتج عنه مشترك بينهما، فإذا مات أحدهما دخل نصف الميت من الميراث فقط؟
ج 4: مهر المرأة ملك لها كسائر أموالها، وإذا اشتركت به مع زوجها أو غيره في أمر مباح جاز ذلك، ومن مات منهما فنصيبه للورثة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(13/315)
عضو ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال العاشر من الفتوى رقم ( 9450 )
س10: خطب رجل فتاة وشرط أبوها عليه مع الصداق أن يدفع مبلغا له، وقبل الخطيب ذلك، فهل يعتبر ما أخذه والدها حراما يدخل تحت قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أحمد 2 / 358، والبخاري 3 / 41 ، 50، واللفظ له، وابن ماجه 2 / 816 برقم (2442) وابن حبان 16 / 333 برقم (7339)، وأبو يعلى 11 / 444 برقم (6571) والطحاوي في (المشكل) 5 / 139، 8 / 14 برقم (1878، 3015) (ت: الأرناؤوط) ، والطبراني في (الصغير) 2 / 43 - 44، والبيهقي 6 / 14، 121 والبغوي 8 / 266 برقم (2186). من باع حرا وأكل ثمنه فأنا خصمه يوم القيامة ؟
ج10: صداق المرأة ملك لها، وما شرطه والدها على الزوج ورضي به فيجب على الزوج أن يدفعه لوالدها؛ لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أحمد 6 / 31، 41، 42، 127، 162، 173، 193، 201، 202-203، 220، والبخاري في (التاريخ الكبير) 1 / 407 ، وأبو داود 3 / 800، 800- 801، برقم (3528، 3529)، والترمذي 3 / 639 برقم (1358)، والنسائي 7 / 241 برقم (4450-4453)، وابن ماجه 2 / 723 ،769 برقم (2137، 2290)، والدارمي 2 / 247، وابن حبان 10 / 72- 74 برقم (4259- 4261)، والحاكم 2 / 46، والطيالسي ص 221 برقم (1580)، والبيهقي 479 / 479 - 480، 480،، البغوي 9 / 329 برقم (2398). إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم ولا يدخل ما شرطاه من المبلغ تحت الحديث الوارد في تحريم أكل ثمن الحر؛ لأن والدها لم يبعها، وإنما عقد لها عقد النكاح المشروع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 13648 )
س: أفيد سماحتكم أنني سبلت إحدى بناتي على ولد أخي، وحيث يا صاحب الفضيلة أن سبيلي هذا وهما في سن الطفولة، وعندما كبر ولد أخي وأردت أن أملك له على ابنتي التي سبلتها على ولد أخي رفضت زوجتي ذلك، وحاولت فيها وقالت أريد من ولد أخيك ستين ألف ريال (60 000) وأنا مسبلها على ولد أخي سبيلا دون مقابل، علما بأنني ما أريد أخذ شيء على بناتي لا كثيرا ولا قليلا، والآن يا صاحب الفضيلة هل يحق لي أن أملك لابن أخي على بنتي التي سبلتها عليه وأرغم زوجتي على إتمام سبيلي؟ وهل يحق لها أخذ شيء من المال؟ أم يحرم عليها أكل شيء؟ راجيا إجابتي عن طريق قاضي محكمة المحاني؛ لأنني مصر على سبيلي هذا،(13/316)
وعلى زواج ابن أخي المذكور، أرجو الإجابة بحل موضوعي هذا، وفقكم الله وأثابكم إنه سميع مجيب.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 71)
ج: لا يجوز لك إجبار ابنتك على الزواج من ابن أخيك، والمهر حق من حقوق البنت. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 16045 )
س1: من العادة عند الزائرين أن مهر الزواج يأخذه الوالدان دون البنت، هل هذا صحيح أم لا؟
ج1: يجوز للوالد أن يأخذ من مهر ابنته ما لا يضرها ولا تحتاجه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: رواه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أحمد 2 / 179،204، 4 21، وأبو داود 3 / 801 برقم (3530)، وابن ماجه 2 / 769 برقم (2292)، والطحاوي في (شرح المعاني) 41 / 158، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) 2 / 22، وابن الجارود 3 / 251 برقم(995)، والبيهقي 7 / 480، والخطيب في (تاريخ بغداد) 12 / 49 . أنت ومالك لأبيك رواه ابن ماجه وقوله -صلى الله عليه وسلم-: أحمد 6 / 31، 41، 42، 127، 162، 173، 193، 201، 202-203، 220، والبخاري في (التاريخ الكبير) 1 / 407 ، وأبو داود 3 / 800، 800- 801، برقم (3528، 3529)، والترمذي 3 / 639 برقم (1358)، والنسائي 7 / 241 برقم (4450-4453)، وابن ماجه 2 / 723 ،769 برقم (2137، 2290)، والدارمي 2 / 247، وابن حبان 10 / 72- 74 برقم (4259- 4261)، والحاكم 2 / 46، والطيالسي ص 221 برقم (1580)، والبيهقي 479 / 479 - 480، 480،، البغوي 9 / 329 برقم (2398). إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم رواه الخمسة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 72)
الفتوى رقم ( 17328 )
س: هناك عادة منذ قديم الزمان، وما تزال قائمة إلى هذه الأيام، في بعض القرى في جنوب المملكة وهي أخذ مبلغ من المال من والد البنت عندما يتم زواجها خارج القرية، وهذا المبلغ يؤخذ مقابل مشاركة أهل القرية في الزواج، ومرافقة والد(13/317)
العروس إلى قرية العريس، وهذا المبلغ يتم أخذه والقيام بجمعه من بعض أهالي القرية المشهود لهم بالأمانة، ولا نشك في نزاهتهم، وينصرف هذا المبلغ حسب قولهم مقابل ما يواجه القرية من مشاكل أو حماية بعض الممتلكات ذات الأهمية، والمناطق الزراعية الخاصة بالقرية، أو ضيوف القرية أو تقديم بعض المساعدات لفتح طرق ومعونات الزواج وما شابه ذلك، إلا أن أهل القرية لا يعلمون كم بلغ المبلغ الذي جمع، حيث لم يقدم أي كشف حساب بالمصروفات والمتبقي منذ سنوات، وليس معنى هذا أن هناك شكا إطلاقا في نزاهة القائمين على جمع هذه المبالغ، ولكن من باب المعرفة بالشيء، كما أفيد معاليكم أنه في حالة رفض والد العروس دفع المبلغ يرفضون أهل القرية مرافقته إلى مقر إقامة الفرح، أي: في قرية العريس. ويصبح في موقف حرج للغاية، مما يجبره على دفع المبلغ حتى لا يقال عنه: إنه بلا جماعة، وإنه شخص غير مرغوب فيه بين أهل القرية، وهناك من يهدد
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 73)
بمقاطعته وعدم زيارته أو حضور جنازته إذا لم يدفع المبلغ.
السؤال هنا: ما مدى صحة ذلك؟ وهل على من يقوم على جمع المبلغ إثم؟ وهل هذه المبالغ حرام؟
نأمل من معاليكم أن نتلقى إجابتكم على هذه التساؤلات، جعل الله ذلك في ميزان حسناتكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين، والله من وراء القصد.
ج: العادة المذكورة عادة سيئة، مخالفة للشرع، والمهر حق للمرأة، لا يجوز اقتطاع شيء منه إلا برضاها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 16384 )
س2: أنا رجل زوجت ابنتي بمائة وعشرين ألف ريال (120 000) وأعطيت البنت منها عشرة آلاف (10 000) والباقي أخذته لي حيث حججت منها لأبي وأمي، وتصدقت منها وساهمت في بناء مسجد، فهل هذا الحج والصدقة والمساهمة من هذه الفلوس جائز أم لا؟
ج2: لا ينبغي المغالاة في المهور؛ لأن ذلك يعسر الزواج، ويشق على الناس، وأما أخذ الوالد من مهر ابنته فلا بأس ما لم يضر بها ولا تحتاجه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: رواه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أحمد 2 / 179،204، 4 21، وأبو داود 3 / 801 برقم (3530)، وابن ماجه 2 / 769 برقم (2292)، والطحاوي في (شرح المعاني) 41 / 158، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان) 2 / 22، وابن الجارود 3 / 251 برقم(995)، والبيهقي 7 / 480، والخطيب في (تاريخ بغداد) 12 / 49 . أنت ومالك لأبيك وإذا أخذ الوالد من مال ولده ما لا يضر(13/318)
ولده ولا يحتاجه فله أن يتصرف فيما أخذه، وأن يحج منه ويتصدق لأنه ملكه بأخذه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 20879 )
س1: رجل تزوج ابنة عمه، قبل الزواج اتفق والده وعمه على مبلغ معين كمهر، وثبت ذلك عند من عقد لهم في أوراق الزواج، بعد مدة من الزمن اكتشف الزوج أن والده وعمه اتفقا على المبلغ فقط لإعلام الناس والمأذون بأن هناك مهرا وقدره كذا، ولم يدفع المهر لعمه، وذلك باتفاق الطرفين. يسأل الزوج: هل هذا جائز أم لا؟ وماذا يعمل الآن؟
ج1: المهر من حق المرأة، فإذا طالبت به وجب على الزوج أن يدفع لها مهر مثلها من النساء؛ لأن المهر في مقابل استمتاع الزوج بالبضع، فإذا أسقطت المرأة مهرها أو تنازلت عن بعضه عن طيب نفس منها جاز ذلك، ولا يؤثر ذلك على صحة العقد؛ لقول الله تعالى: سورة النساء الآية 4 وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 3926 )
س: أنا رجل خطبت لولدي فتاة فقبل والدها وقبلت الفتاة، وجرى الاتفاق على الصداق وجميع الشروط، وعقد نكاحهما، وبعد فترة اتفقت قريتنا وقرية مجاورة على تحديد المهور، وقرروا صيغته وشروطه وبأقل مما تراضيت أنا ونسيبي عليه، ولكوني عقدت لولدي على خطيبته قبل هذه الاتفاقية ولكون أهل القرية يريدون ألا أحيد عن اتفاقيتهم ولحرصي على عدم الإخلال بشرط من شروط عقد النكاح خوفا من فساده أفتوني جزاكم الله خيرا هل أتمشى بموجب نصوص عقد النكاح أو بموجب اتفاقية أهل القريتين؟ علما أن اتفاقية القريتين
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 76)
تنص على أخذ يمين من ولي أمر المتزوج والمتزوجة أيضا.
ج: إذا كان الواقع كما ذكر فعلى المتزوج الالتزام بشروط عقد النكاح الشرعية؛ امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: سورة المائدة الآية 1 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وقوله -عليه الصلاة والسلام- أحمد 4 / 144، 150، 152، والبخاري 3 / 175،(13/319)
6 / 138، ومسلم 2 / 1036 برقم (1418)، وأبو داود 2 / 604 برقم (2139، والترمذي 3 / 434 برقم (1127)، والنسائي 6 / 93 برقم (3281، 3282)، وابن ماجه 1 / 628 برقم (1954)، والدارمي 2 / 143، وأبو يعلى 3 / 292 برقم (1754، والطبراني 17 / 274 ، 275 برقم (752- 757)، والبيهقي 7 / 248. إن أحق الشروط أن يوفى ما استحللتم به الفروج وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 17440 )
س: لديه مولية تقول إنها طلبت من شخص مبلغا من المال وقدره (800) ثمانمائة ريال، فأعطاها هذا المبلغ المذكور وقال لها: اعتبري هذا المبلغ مقدمات خطبة فيك. فوافقته على غير قناعة لفارق السن لتحصيل المبلغ فقط، والآن الشخص توفي وتريد الاستفسار هل هذا المال تدفعه لورثته؟ مع العلم أنهم كانوا مقصرين في حقه من حيث الخدمة والقيام بما يجب له عليهم، أم أنها تتصدق به أو يكون حلالا لها؟
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 77)
ج: إذا كان الواقع ما ذكر من أن الرجل دفع المال لموليتك بنية مقدم صداق، ثم توفي قبل أن تعقد له، فإنه يجب على موليتك إعادة المال المذكور إلي ورثته؛ لأنه لم يعقد عليها ولا حق لها فيه بلا عقد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 5276 )
س2: سورة النساء الآية 20 وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا الآيتين أرجو تفسيرهما.
ج2: بعد أن أمر الله الأزواج بحسن عشرة الزوجات ورغبهم في الإبقاء على الحياة الزوجية، وحذرهم من الإساءة إليهن وإيذائهن ليأخذوا شيئا مما دفعوه لهن مهرا، بعد ذلك نهاهم إذا أرادوا الطلاق ليتزوجوا بدلهن أن يأخذوا مما أعطوهن من الصداق شيئا ولو كان ما دفعوه لهن عند الزواج كثيرا جدا، ثم أكد نهيه عن ذلك بإنكاره سبحانه عليهم أن يأخذوا منه شيئا،
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 78)(13/320)
وقد دخلوا بهن واستمتع بعضهم ببعض، وأخذن عليهم عهدا عظيما، بإقامة العدل، وحفظ الحقوق، والعشرة بالمعروف، واجتناب الإثم والبهتان. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 1943 )
س4: إذا تصدق شخص على شخص بابنته، هل يجوز ذلك واعتباره زواجا بدون مهر؟
ج 4: لا يجوز أن يتصدق الشخص بابنته على شخص بدون مهر، ولا يعتبر هذا زواجا صحيحا لمن عقد له عليها بنية أنه لا يأخذ مهرا، فلها مهر نسائها؛ لأنها ليست ملكا له، والمهر حق من حقوقها، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب المهر في النكاح، كقوله تعالى: سورة النساء الآية 24 وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ الآية من سورة النساء.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 79)
ولأن النكاح بمجرد الهبة من دون مهر من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله سبحانه وتعالى: سورة الأحزاب الآية 50 وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الآية من سورة الأحزاب. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 3773 )
س2: هل هذا جائز في الشريعة الإسلامية: من زوج ابنته لرجل مسلم ولم يأخذ من الرجل مالا للزواج لوجه الله؟
ج2: الأصل مشروعية المهر، ولا نعلم دليلا شرعيا يدل على تحديده، والوقائع التي حصلت في عهد التشريع تدل على تفاوته، فورد في مسند أحمد وسنن الترمذي وصححه، جعل المهر نعلين، وفي مسند أحمد وسنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أحمد 3 / 355، وأبو داود 2 / 585 برقم (2110)، والدارقطني 2 / 243، والخطيب في (تاريخ بغداد) 6 / 365، والبيهقي 7 / 238. لو أن رجلا
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 80)
أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما، عن أنس رضي الله عنه: مالك 2 / 545، وأحمد 3 / 165، 190، 204- 205، 227، 271، والبخاري 3 / 3، 4 / 222-223، 268، 6 / 118،(13/321)
137-138،139، 142، 7 / 92، 163 ومسلم 2 / 1042 برقم (1427)، وأبو داود 2 / 584 برقم (2109)، والترمذي 3 / 402، 4 / 328 برقم (1094، 1933)، والنسائي 6 / 119- 120، 120، 128، 128- 129، 137 برقم (3351،3352،3372- 3374)، وابن ماجه 1 / 615 برقم (1907)، والدارمي 2 / 143، وعبد الرزاق 6 / 177- 178، 178 برقم (10410، 10411)، وابن حبان 9 / 366- 367، 406 برقم (4060، 4096)، والبيهقي 7 / 236، 237. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا؟ قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال: بارك الله لك. أولم ولو بشاة وجاء في الصحيحين وغيرهما عن سهل بن سعد أحمد (5 / 336)، والبخاري [فتح الباري] برقم (5149)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله: إني قد وهبت نفسي لك. فقام قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل عندك من شيء تصدقها إياها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، فالتمس شيئا. فقال: ما أجد شيئا. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل معك من القرآن شيء. قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسور يسميها، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه وفي رواية متفق عليها أحمد (5 / 336)، والبخاري [فتح الباري] برقم (5149)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد. قد ملكتكها بما معك من القرآن وفي رواية أخرى في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- قال للخاطب: أحمد (5 / 336)، والبخاري [فتح الباري] برقم (5149)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد. التمس ولو خاتما من حديد وبذلك يعلم أنه لا بد من المهر في النكاح ولو كان قليلا، وهذا هو الذي دل عليه قول الله عز وجل في النكاح: سورة النساء الآية 24 وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ الآية. لكن إذا لم يسم شيء في النكاح صح، ووجب للمرأة مهر المثل، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 82)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 2059 )
س: إن أخي (ع. ر. ر. م) قد عقد نكاحه على (ع. س. ع. م) وقد سلمنا مهر مبلغ ثلاثة عشر ألف ريال لوالد الزوجة (س. ع. م) وقد قدر الله على أخي (ع. ر.)(13/322)
وتوفي ولم يدخل على زوجته الدخول الشرعي، فهل تستحق نصيفة المهر نستلمه من والد الزوجة أم لا؟ مع العلم أن والد الزوج موجود على قيد الحياة.
ج: إذا كان الواقع كما ذكر من أن (ع. ر. م) عقد نكاحه على (ع. س. م) وتوفي زوجها (ع. ر) قبل أن يدخل بها وجب لـ (ع. س) جميع المهر المسمى لها بمجرد وفاة زوجها (ع. ر)؛ لأن المهر يتم استحقاق الزوجة له كله بموت الزوج كما يتم بدخوله بها، سواء في ذلك ما دفع منه وما لم يدفع، وليس لوالد الزوج ولا لأمه استحقاق شيء من المهر لا قليل ولا كثير.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 83)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 6499 )
س3: ما الحكم إذا تزوج الرجل امرأة ولم يبن بها حتى مات؟
ج3: إذا كان الواقع ما ذكر فتعتد وتحد وترث زوجها وتستحق جميع صداقها. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 6191 )
س: أفيد فضيلتكم أني سبق أن عقدت نكاحي على بنت بالصومال وأمهرتها 10 من الإبل مؤجلة، ولكنها توفيت قبل أن أدخل بها الدخول الشرعي، وأنا في السعودية والآن والدها يطالبني بدفع المهر كاملا، وقد أفهمته أنه لا يلزمني المهر كاملا، ولكنه أصر، ولم أجد هناك من يفتيني حسب الشريعة الإسلامية،
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 84)
وأن يحسم الخلاف، فأرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتي عما إذا كان يلزمني شيء من المهر، وما مقداره؟ وما مقدار الإرث الذي يؤول إلي من زوجتي المتوفاة؟
ج: إذا كان الواقع كما ذكر، فإنها تستحق المهر المسمى لها في العقد كاملا، ويعتبر المهر وما تركته من مال غيره تركة تورث عنها، فبعد تسديد دينها وإنفاذ وصيتها الشرعية إن وجد شيء من ذلك، يكون لك نصف ما بقي إن لم يكن لها ولد، فإن كان لها ولد فيكون لك الربع؛ لقوله سبحانه وتعالى: سورة النساء الآية 12 وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(13/323)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 85)
الفتوى رقم ( 9273 )
س: لي أخ تزوج بمبلغ ثلاثمائة وأربعين ألف ريال، دفع منها اثنين وثمانين ألف ريال، والباقي فيه كفيل لنا، وعلى أوقات معلومة بين الطرفين، فدخل بزوجته وأنجب منها طفلا ومات الطفل، والآن الزوجة حامل بالطفل الثاني، وقد قدر الله سبحانه وتعالى على المذكور حادث انقلاب، وتوفي على أثره، والحمد لله على قضائه وقدره، والآن والد الزوجة يطالب بالباقي ومقداره مائتان وثمانية وخمسون ألف ريال، علما أن المتوفى لم يخلف أي شيء سوى مبلغ لم يتجاوز عشرة آلاف ريال، وعندنا أرض لم نقتسمها حتى الآن، ولو أخرجنا استحقاقه من هذه الأرض وعرضناها للبيع لن تتعدى العشرة آلاف تقريبا، وأنا أسأل هل يلحق المتوفى إثم من بعد ما ندفع إلى والد زوجته جميع ما خلف من المال والأرض؟ علما أن المال والأرض لم تتعد العشرين ألف ريال، فإذا كان يلحق هذا المتوفى إثم في المتبقي من بعد ما ندفع جميع ما خلف من المال فأنا على استعداد أن ألتزم بالباقي على حسابي الخاص، على أنه لا يوجد عندي شيء سوى راتب شهري مقداره خمسة آلاف ريال. لذا أرجو الإفادة والتوضيح لكي أطمئن إذا لم يلحقه إثم في الباقي أو أبدأ في جمع المال إذا كان يلحق المتوفى إثم إذا لم ندفع هذا.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 86)
ج: إذا كان الواقع كما ذكر وجب لزوجة أخيك تمام مهرها على أخيك بدخوله بها، وتقرر ذلك في تركته بعد وفاته كسائر الديون يسدد لها مقدما على ورثته، وإن حصل نزاع في ذلك فالفصل فيه إلى المحكمة، وإذا سددت عن أخيك ما بقي من دينه برئت ذمته ولك أجر عظيم. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 9535 )
س1: لقد تزوج رجل بنتا وهي تبلغ من العمر إحدى عشرة سنة، وقد دفع من المهر الثلث، وباقي ثلثان، وتوفيت ولم يدخل عليها، وكذلك لم تبلغ الخامسة عشرة، أرجو إفادتي هل يلزم ولي البنت دفع المبلغ المسلم أم ماذا يفعل؟ جزاكم الله خير الجزاء.(13/324)
ج1: إذا كان الواقع كما ذكر وجب المهر المسمى كله، وورثه عنها ورثتها حسب قواعد الشرع ومن ورثتها زوجها، وذلك بعد تسديد ما عليها من دين وتنفيذ وصيتها إن وجدت.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 87)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفتوى رقم ( 10273 )
س: أنا المدعو (ع. م. ع) قد خطبت ابنة المدعو (م. ف. ع) لولدي (م. ع. ع) ووافق على ذلك، وتم العقد، ودفع له مبلغ وقدره خمسة وعشرون ألف ريال سعودي، اشترطه لنفسه، وجرت العادة على أنه إذا أريد الدخول بالمرأة يجهز لها ما تحتاجه من أثاث وغيره، وبعد مضي خمسة أشهر أو أكثر على العقد قدر الله عز وجل على ابني (م. ع. ع) بالوفاة، ثم ذهبنا إلى والد البنت وطلبنا منه أن يزوج البنت التي توفي عنها زوجها الأول لولدي الآخر بعد انقضاء الإحداد، ثم طلب منا بعد ذلك الرفع لأهل العلم والفصل للإجابة عن هذا السؤال: هل للمرأة التي توفي عنها زوجها الأول حق بقي في ذمته أم لا؟ مع العلم أنه لم يخلف شيئا من المال، وإنما كان ينفق عليه والده ولا يستقل هو بشيء حتى هذا المبلغ الذي طلب منه دفعه والده (ع. م. ع) ثم هل هناك على المرأة إحداد؟ ثم هل تستحق المهر الذي جرت العادة بحصوله وقت البناء الذي لم يتم؟ ثم هل يرد المال الذي
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 88)
أخذه والد البنت حتى ولو زوجها لولدي الآخر؟ نأمل من فضيلتكم الإجابة على كل ما ورد في السؤال، مع التكرم بذكر الأدلة على ذلك.
ج: أولا: إذا ضم عقد النكاح على المرأة وتوفي عنها زوجها قبل الدخول، فإنه يجب عليها عدة الوفاة والإحداد فيها، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام. ثانيا: يجب للمرأة المذكورة المهر، فإن كان مسمى أخذته، وإن لم يسم أعطيت مهر المثل. ثالثا: ترث المرأة المذكورة من مال زوجها الربع إن لم يكن له ولد، فإن كان له ولد فلها الثمن، وذلك بعد تسديد دينه وتنفيذ وصيته الشرعية. رابعا: يجوز لها بعد انتهاء عدة الوفاة أن تتزوج من أخي الزوج المتوفى أو من غيره، ولا يرد والد البنت المال الذي أخذه ولو زوجها لولده الآخر. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 89)(13/325)
الفتوى رقم ( 2796 )
س: مضمونه: أن لديه زوجة وتزوج بزوجة أخرى، وطلبت الأولى أن يعطيها من الحلي مثلما يعطي الثانية، فهل يلزمه أن يعطيها أم لا؟
ج: لا يلزم من تزوج بامرأة أن يعطي زوجته الأولى مثلما يعطي الثانية من مهر أو حلي تابع للمهر عرفا، وإن أعطاها ذلك تطييبا وجبرا لخاطرها فحسن، ولا سيما إذا كانت مصلحته في إرضائها معاشرتها له مستقبلا بالحسنى. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 15887 )
س2: زوجة شخص لها مؤخر صداق عند الزوج، والزوج يريد دفع مؤخر الصداق بطريقة رسمية كما هو مكتوب في عقد الزواج؛ حتى لا تكون نفسه معلقة بالدين يوم القيامة، فماذا يفعل؟ وجزاكم الله خيرا.
ج2: يجب على الزوج أن يدفع لزوجته مؤخر الصداق عند حلول أجله إن كان مؤجلا، أو عند طلبها له إذا لم يكن مؤجلا، إلا أن تسمح به له؛ لقوله تعالى: سورة النساء الآية 4 وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وليس بلازم أن يكون الدفع رسميا، بل إذا سلمه لها تسليما عاديا برئت ذمته، إلا إذا كان يخشى أن تنكر قبضها له، فإنه يوثقه من جهة رسمية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 19 / ص 6)
ليس لتحديد المهور أصل شرعي يعتمد عليه
س 94 : أليس من حق الدولة أن تحدد الصداق إذا رأت الناس تجاوزوا الحد في الصداق أليس ذلك من السياسة
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 220)
الشرعية لصالح الناس لما ينتج عن غلاء المهور من مفاسد من الزنا والفساد وعدم تكاثر المسلمين ؟ ج : ليس لتحديد المهور أصل يعتمد عليه من شرع الله ، لم يرد في الشرع ما يقتضي تحديد المهور ؛ ولهذا فقد همت الدولة مرة ، بل غير مرة ، ولكن لم يتيسر ذلك ، فإنه ليس هناك أصل في الشرع ، لا في الكتاب ولا في السنة يعتمد عليه ، في تحديد المهور بعشرة آلاف أو عشرين أو ثلاثين أو أقل أو أكثر ، ثم إن تحديدها قد لا يتم له إذا حددت فقد يخالف الناس ، فماذا يفعل بهم ، يضربون(13/326)
على شيء ما حرمه الله ، ماذا يفعل بهم ، يسجنون ، المسألة فيها خطر ، فالتحديد فيه صعوبة ، لكن إذا تجمع أناس أو قبيلة ، فيما بينهم ، أو أهل قرية أو أهل مدينة فيما بينهم ، واصطلحوا فيما بينهم على شيء معين ، لا حرج إن شاء الله في ذلك ، أما أن الدولة بنفسها تفرض على الناس مهرا خاصا ، لا يزاد فيه في جميع أجزاء المملكة ، فإن هذا فيه صعوبة ، وليس له أصل شرعي معروف يعتمد عليه ، حتى تقوم الدولة به ، وحتى تعاقب من خالفه ، ولكن في النصائح والتوجيه وتعاون أهل الخير ، وأعيان الناس وعلمائهم وأمرائهم على التخفيف والتخفيض ، في ذلك خير كثير ، وأما انتشار الدنيا بين الناس ، وتوسع الناس بالدنيا ، فقد صار بعض الناس يقدم أموالا جزيلة ، إذا رغب في بنت أحد ، وآخر لا يستطيع ذلك ، وجاء البلاء من هذه الحيثية ،بعض الناس عندهم أموال كثيرة لا يبالون ، وبعض الناس لا يستطيع ، فالحاصل أن التحديد بمال معين ، فيه نظر ، ولا أعلم في الشرع المطهر ما يقتضي التحديد ، ولم يعرف هذا ، لا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد الصحابة، ولا من بعدهم ، وقد جاءت مهور كثيرة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل في عهد عمر وفي عهد عثمان وبعده ، أما في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت المهور قليلة ، ولم يكن النبي يوسع في ذلك ولا أصحابه ، في عهده عليه الصلاة
والسلام ، ولكن بعد ذلك ، لما فاض المال في عهد عمر ، وفي عهد عثمان ، وبعد ذلك ارتفعت المهور ، وصار الرجل يمهر بمائة ألف وما يقاربها ، أو بزيادة ، وهذا واقع قديما ، وهكذا اليوم لما انتشرت الدنيا ، وفاضت الدنيا على كثير من الناس ، توسعوا في المهور ، فالواجب على كل مسلم أن يعنى بالأمر ، وأن يجتهد في أسباب تحصيل ما يعفه ، وأن يسأل الله العون على ذلك ، ويسلك الطرق الممكنة التي أباح الله عز وجل ، وكل داء له دواء ، فارتفاع المهور من الأدواء ، ولها دواء بالنصيحة والتوجيه ، وقيام الدولة بإعانة المحتاجين على الزواج ، بإعانتهم من مال الله ، ونرجو أن توفق لهذا الأمر ، حتى تعين المحاويج في كل عام ، بشيء كبير يعينهم على الزواج ، ويعينهم على إعفاف أنفسهم ، نسأل الله لها الإعانة والتوفيق وللمسلمين (الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 221)
ـــــــــــــــــــ(13/327)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الطلاق البدعي
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(14/1)
الجهل بآثار الطلاق البدعي لا عبرة به
تاريخ 25 ذو القعدة 1426 / 26-12-2005
السؤال
أرجو منكم الإجابة عن هذا السؤال و جازاكم الله عنّي كلّ خير
أمّا بعد فإنّني أعيش في إحدى الدّول الإسلاميّة ، ندين فيها إلى الله بالمذهب المالكي و لكنّ القوانين الوضعيّة التي نتعامل بها في ميدان الأسرة من زواج و طلاق و تبنّي و حضانة لا تلتزم بما جاء في الشرع.
و أنا رجل متزوّج منذ 14 سنة ، عشت مع زوجتي خلافات عديدة وعميقة ، أدى بي ذلك إلى التلفّظ بكلمة "أنت طالق" ثلاث مرّات في مناسبات مختلفة :كانت الأولى منذ حوالي 8 سنوات ، ثمّ كانت الثانية منذ 3 سنوات و كانت الأخيرة منذ بضعة أيّام ، و إن كانت الأولى و الثانية طلاق بدعة (الأولى في طهر باشرتها فيه ، و الثانية عند حيضها علما و أنّي كنت أجهل حكم طلاق البدعة جهلا تامّّا) فإنّ الثالثة كانت في حال طهر لم أباشرها فيه.
و سؤالي هو التالي : هل الطلاقان الأوّلان واقعان أم لا؟ و هل صحيح أنّه يمكن عدم الاعتداد بالطلقات الثلاث طالما أنّ القانون الذي ينظّم حياتنا يجعل الطلاق من مشمولات القاضي و المحاكم دون غيره.
و إذا ما كان الطلاق واقعا فهل يجوز أن أواصل العيش في شقّة تقع فوق شقّة طليقتي علما أنّهما على ملك والدي في بناية تحتوي على هاتين الشقّتين فقط و هما شقّتان منفصلتان تماما يجمعهما الباب السفليّ الذي يؤدّي إلى الدرج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال على ما ذكرت فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك ، وراجع الفتوى رقم : 11304 ، وكون الطلقة الأولى والثانية من الطلاق البدعي فإنه لا يمنع من وقوعهما على الراجح ، وتراجع الفتوى رقم : 8507 ، والفتوى رقم: 50546 ، ودعوى الجهل بوقوع الطلاق البدعي لا عبرة بها ، وأما دعوى عدم الاعتداد بالطلقات الثلاث إذا كان القانون يجعل أمر الطلاق إلى القاضي فدعوى غير صحيحة ، ولكن إذا رفعت مثل هذه القضية إلى القاضي الشرعي وحكم هذا القاضي بعدم وقوع الطلقة الأولى والثانية لكونهما من الطلاق البدعي أُخِذ بقوله ، لأن حكم القاضي رافع للخلاف ، ومن هنا نرى أن الأولى مراجعة المحاكم الشرعية في مثل هذه المسائل ، وأما بخصوص سكن هذه المرأة المطلقة في شقة وسكنك أنت في شقة أخرى فلا حرج فيه إن شاء الله ما دامت الشقتان مستقلتين كل بمرافقها، ولا يضر اتحاد الممر الخارجي .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأحوط في الطلاق البدعي قول جمهور الفقهاء
تاريخ 05 جمادي الأولى 1425 / 23-06-2004(14/2)
السؤال
لي أخت بدولة أروبية مع زوجها وابنتهما وقد رمى عليها زوجها يمين إلطلاق مرتين الأولى كانا في حالة غضب وانفعال وتراجعا بعده والمرة الثانية كانت في طهر جامعها فيه وتراجعا (علماً بأنهما اعترفا أنه لا توجد خلافات جذرية بينهما )، وحينما علمت بالأمر بحثت في هذا الأمر وتناقشت معهما أكدا رغبتهما في الاستمرار وأن كلا منهما مازال يحب الآخر وحينما بحثت وجدت أن الشيخ ابن تيمية والشيخ ابن القيم والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز (أرجو تصحيحي إن كنت مخطئاً ) وحسب ما قرأت أيضا أن دولة قطر تريد الأخد برأي الشيخ ابن تيمية في أن الطلاق البدعي لا يقع.. وهما يريدان الاستفادة من وجهة النظر هذه حيث إنهما يرغبان في الاستمرار مع بعض والحفاظ على أسرتهما وابنتهما، خاصة وأن إحدى الفتاوى التي قرأتها تجيز للمسلم الأخذ بوجهة نظر ابن تيمية إن اقتنع بها ، فإذا جاز لهما الأخذ بوجهة نظر ابن تيمية فهل على الزوج كفارة .
أرجو الإفادة أثابكم الله
من ناحية أخرى هل يجوز الأخذ بالفتوى عبر النت.
ولكم الشكر الجزيل.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في الطلاق البدعي، هل يقع به الطلاق أو لا؟
فذهب الجمهور إلى وقوع الطلاق، وذهب آخرون إلى عدم وقوعه، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم، والمفتى به عندنا هو قول الجمهور، لأنه الأقوى أدلة، والأحوط ديناً. وأما الأخذ بالقول الآخر فلا بأس به إن كان الآخذ به أخذ به عن اقتناع بقوة أدلة من ذهب إليه، أو للثقة فيمن أفتى به في دينه وورعه، وأما إن كان تتبعاً للرخص وطلباً للأسهل فلا يجوز.
وتراجع الفتوى رقم: 24444.
وبخصوص يمين الطلاق فيقع بها الطلاق عند الجمهور، عند حصول ما علق الطلاق عليه، ويرى بعض
أهل العلم أنه يرجع فيها إلى نية الحالف، فإن قصد إيقاع الطلاق فإنه يقع، وإن قصد التهديد والمنع، فلا يقع، وتجب عليه كفارة يمين، وهذا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم. وتراجع الفتوى رقم: 11592.
وأما الأخذ بالفتوى عبر النت، فلا بأس به، إن كان الحال في الفتوى مطابقاً لما عليه السائل، وكانت الجهة
التي تصدر الفتوى موثوقاً بها في علمها ودينها.
وننبه في ختام هذا الجواب إلى أمرين.
الأول: أن من تلفظ بيمين الطلاق، وعلق ذلك على حصول أمر ما أو عدم حصوله، فلا يحنث إلا بوقوع ما علقه عليه.
الثاني: أن الغضب لا يمنع من وقوع الطلاق إلا إذا وصل بصاحبه إلى حد لا يعي فيه ما يقول. وتراجع الفتوى رقم: 1496.(14/3)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم الطلاق البدعي المحرم ... العنوان
أنا رجل متزوج ولي ولد وبنت، وقد وقع خلاف بيني وبين زوجتي أدى إلى الطلاق، وبعد أسبوع من الطلاق تبين أن الزوجة حامل لها ثلاثة أشهر . هل يصح الطلاق أم لا ؟. ... السؤال
01/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
اتفق الفقهاء على حرمة الطلاق البدعي، وهو الطلاق الذي يطلق الزوج فيه زوجته وهي حائض أو في طهر عاشرها فيه، لكنهم اختلفوا حول وقوع الطلاق هل يقع أم لا ؟ وعند الجمهور يقع الطلاق مع الإثم ، وعند غير الجمهور لا يقع الطلاق البدعي المحرم، لأنه غير مشروع، وبالتالي هو هدر ولغو .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الطلاق في نظر الشريعة الإسلامية عملية جراحية مؤلمة، ولا يلجأ إليها إلا لضرورة توجبها، تفاديًا لأذى أشد من أذى العملية نفسها، ومن هنا جاء في الحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " رواه أبو داود.
ولهذا وضعت الشريعة قيودًا عدة على الطلاق، حرصًا على رابطة الزوجية المقدسة أن تتهدم لأدنى سبب، وبلا مسوغ قوي . ومن هذه القيود قيد الوقت فلابد لمن أراد أن يطلق زوجته أن يختار الوقت الملائم الذي يطلقها فيه.
والسنة في ذلك أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لقوله تعالى: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) (الطلاق: 1) . قال ابن مسعود وابن عباس في تفسير الآية: أي طهر من غير جماع.
والحكمة في ذلك: أن حالة الحيض تجعل المرأة غير طبيعية، فلا يجوز للزوج أن يفارقها حتى تطهر، وتعود إلى وضعها الطبيعي.
وكذلك إذا كانت في طهر جامعها فيه، فلعلها حملت منه وهو لا يدري، وربما لو علم بالحمل لغير رأيه . كما في الحالة التي يسأل عنها الأخ السائل.
فالمشروع إذن أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه، أو تكون حاملاً قد استبان حملها فهذا يدل على أنه أقدم على الطلاق بعد اقتناع وبصيرة.
قال الإمام أحمد: طلاق الحامل طلاق سنة، لحديث ابن عمر: " فليطلقها طاهرًا أو حاملاً ".
فإن طلقها في حالة الحيض، أو في طهر مسها فيه، فليس هذا من السنة، وإنما هو طلاق بدعي حرام . كما في الحالة التي يسأل عنها الأخ، فقد طلق امرأته في طهر مسها فيه . ولكن هل يقع الطلاق في هذه الحالة ؟(14/4)
جمهور العلماء يقولون بوقوعه، وإن كان حرامًا، ويستحبون للزوج أن يراجع زوجته بعد ذلك، وبعضهم يوجب عليه أن يراجعها كما هو مذهب مالك ورواية عن أحمد، لحديث ابن عمر في الصحيحين: أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها.
وظاهر الأمر الوجوب.
وقال طائفة من العلماء: لا يقع لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى ولا أذن فيه فليس من شرعه فكيف يقال بنفوذه وصحته وقد جاء في الحديث الصحيح: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
والله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلاق الحائض من الطلاق البدعي المخالف للسنة
تاريخ 06 ذو القعدة 1424 / 30-12-2003
السؤال
طلقت زوجتي وكانت حائضا، فماذا أفعل؟ علما بأنها تزوجت وأيضا أنا تزوجت.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن طلاق الرجل زوجته وهي حائض محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، والواجب على من فعل ذلك التوبة إلى الله عز وجل، وليس بين أهل العلم خلاف في تحريمه وأنه من الطلاق البدعي المخالف للسنة. والسنة لمن أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو يطلقها حاملا قد استبان حملها. وأما إذا طلقها وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، فقد اختلف أهل العلم في وقوعه. فذهب جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة إلى أن من طلق زوجته وهي حائض أو طلقها في طهر جامعها فيه، أنه يقع طلاقه، وانظر أدلة ذلك في الفتوى رقم: 8507. وبناء عليه، فقد وقع طلاقك لزوجتك ولا مناص من هذا القول بعد أن تزوجت. وأما ما تفعل، فعليك بالصبر وعدم العجلة مستقبلا. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يقع الطلاق البدعي؟
تاريخ 02 شعبان 1424 / 29-09-2003
السؤال
الطلاق البدعي يقع عند الجمهور، وابن تيمية لم يوقعه، وأنا أعيش في أوكرانيا وجاءني سائل وقع في مثل هذا الطلاق، فأفتيت له بما أنا مقتنع به من عدم وقوعه، علما بأنني في منطقتي التي أعيش فيها من طبيعة عملي أن أحاول الإجابة عن تساؤلاتهم الشرعية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد تقدم الكلام عن الطلاق البدعي وأقوال أهل العلم في ذلك، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام(14/5)
التالية: 5584، 8507، 31275. وتقدم الكلام عن الأخذ بقول من يرى عدم وقوع الطلاق البدعي، وذلك في الفتوى رقم: 24444. وتقدم الكلام عن شروط الفتوى، وذلك في الفتوى رقم: 14585، والفتوى رقم: 16518. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطلاق البدعي حكمه وأنواعه
تاريخ 25 صفر 1424 / 28-04-2003
السؤال
ما هو الطلاق البدعي؟ ومتي يستخدم؟ وهل هو حلال أم حرام؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق لنا التعريف بالطلاق البدعي وأنواعه في الفتوى رقم: 24444.
وبعد معرفتك المقصود بالطلاق البدعي، فاعلم أنه لا يجوز في حال الحيض أو النفاس أو في طهر وطئت فيه المرأة، وهذا محل إجماع.
قال ابن قدامة في المغني: وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء". ا.هـ
وننبه هنا إلى أن طلاق السنة هو أن يطلق الرجل المرأة طاهراً من غير جماع طلقة واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاقتناع برأي غير جمهور العلماء في الطلاق البدعي هل يعتبر
تاريخ 28 شعبان 1423 / 04-11-2002
السؤال
ماهو رأي الشرع فيما إذا أخذت رأي غير الجمهور من العلماء فيما يتعلق بالطلاق البدعي وعدم وقوعه
حيث إنني أطلقت لفظ الطلاق في غير مرة وفي حالة غضب شديد لكنني أعي ما أقول
وجزاكم الله عنى خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطلاق البدعي هو طلاق الرجل امرأته وهي في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه أو طلقها ثلاثاً دفعة واحدة، وكما علمت أخي السائل أن جماهير أهل العلم قديماً وحديثاً يقولون بوقوع الطلاق البدعي، وهو الذي نراه صواباً لقوة أدلته(14/6)
وكثرة القائلين به، وهو الأحوط، وذهب بعض أهل العلم إلى عدم وقوع الطلاق في الحيض والنفاس أو في طهر جامع فيه الرجل زوجته، واعتبروا وقوع الطلاق الثلاث دفعة واحدة طلقة واحدة فقط، وهو قول معتبر وإن قل القائلون به جداً. فإذا اقتنع به شخص، وأخذ به بناء على الاقتناع الشرعي مستندا إلى النظر في الأدلة أو إلى فتوى من يفتي بهذا القول من علماء المسلمين ممن عرف بالعلم والورع.. نقول: إذا اقتنع به على هذا الوجه فلا شيء عليه في التعامل مع زوجته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق طلاق بدعي ويقع عند حصول ما علق عليه
تاريخ 14 صفر 1424 / 17-04-2003
السؤال
هل الطلاق البدعي يقع؟ فقد طلقت امرأتي طلاقاً معلقاً لأحملها على طاعة الله مثل لو خرجت للعمل أنت طالق فخرجت وادعت أنها غابت عن العمل في اليوم الذي حلفت فيه فهل يقع الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق بيان الحكم في ما يتعلق بالطلاق البدعي وخلاف الفقهاء في وقوعه أو عدم وقوعه وذلك في الفتوى رقم: 24444، فراجعها هناك.
أما الطلاق المعلق، فهو نوع من ذلك الطلاق البدعي، لأنه يتضمن حلفاً بغير الله تعالى، وجمهور الفقهاء على وقوعه عند حصول ما علق عليه، فعلى هذا إن كنت قصدت بذلك منع زوجتك من مطلق الخروج، والحال أنها قد خرجت فإن الطلاق يقع، وإن كنت تقصد به منع زوجتك من الخروج للعمل، فإن الطلاق لا يقع، ولمزيد من الفائدة نحيلك على الفتوى رقم: 17824.
وننبهك في ختام هذا الجواب إلى أمرين:
الأول: أنه ينبغي حل المشاكل الزوجية في إطار التفاهم والاحترام المتبادل، دون التسرع إلى التلفظ بالطلاق، لما يترتب عليه من الوقوع في الحرج، وضياع الأولاد وتشتت الأسرة.
الثاني: أن مراجعة المحكمة في مثل هذه المسائل أولى لخطورة أمر الطلاق، ولأن المحكمة أجدر بدراسة المسألة من جوانبها المختلفة، إضافة إلى كون حكم القاضي ملزماً ورافعاً لخلاف الفقهاء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض
سؤال:(14/7)
في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق ( الثالث ) ثم تذكرت ذلك وأخبرته ؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا ؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه ، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء ، خلافاً لقول الجمهور . فجمهور العلماء يرون أنه يقع ، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين ، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع ؛ لأنه خلاف شرع الله ، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/1.
والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة ، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها : أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه ، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى .
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به ، وتظل المرأة في عصمة زوجها .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، وكان لا يدري أنها حائض ، فهل يقع هذا الطلاق ؟
فأجاب :
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم ، وطال فيه النقاش ، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا ؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا ، ويحسب على المرء طلقة ، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة : الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، أن الطلاق في الحيض لا يقع ، ولا يكون ماضيا ، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة : حديث عبد الله بن عمر(14/8)
حيث طلق زوجته وهي حائض ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله ، فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم ، لا عبرة بعلمه ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع ، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ، ولا إثم على الزوج " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زواج المحلل والطلاق البدعي ... العنوان
سيدة متزوجة وعندها أربعة أولاد: تحب زوجها، ولكنه - لأمر ما - اختلف معها، فوقع الطلاق الثالث والأخير . . . وأراد الزوجان المطلقان أن يعودا إلى الحياة الزوجية معًا، فذهبت المرأة إلى رجل آخر ليعقد عليها زواج المحلل لمدة أسبوع، ليتسنى لها أن تعود إلى زوجها وأولادها بزواج جديد . . . ويتساءل سيادته ما قيمة هذا الزواج وهل هو مقبول شرعا ؟. ... السؤال
16/10/2001 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
إن الإسلام الحنيف ربط عقدة الزواج على أوثق الأواصر، وأقام
الحياة الزوجية على أثبت دعائم الاستقرار وأوفر أسباب الكرامة، وجعل للدخول فيه مقدمات وأركانًا وشروطًا توحي بما له عند الله تعالى من أصالة وشأن خطير، وجعل للخروج منه كذلك مقدمات ومراحل وشروطًا أحاطها بما يجنب حياة الزوجين عوارض الحمق والغضب ونزوات من لا يقدرون مسئوليات الحياة، ولذا قال عليه السلام: " أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق " . ويقول عليه السلام " لا تطلقوا النساء إلا من ريبة " والريبة هنا معناها سوء الخلق الذي بلغ من الشذوذ حدًا لا علاج له ولا طاقة بالصبر عليه.
ولا نطيل بما ورد من التنفير من الطلاق، والترغيب في أن يمسك الزوج زوجته، ولو على كره (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا) . ونمضي لنذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخذ منه المحققون أن طلاق الغضبان لا يقع وهو قوله عليه السلام: " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق "، والإغلاق كل حالة تستغلق فيها على المرء مقاصده فيأتي من الأعمال ما لا يقصده(14/9)
وابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن قال: " إنما الطلاق عن وطر " والوطر كل مأرب تتعلق به همة المرء، فيسعى إليه ويحتال لتحقيقه بكل ما وسعته الحيلة.
وفي ضوء هذه المعاني النبوية الجليلة تتبين أنه لا قيمة لأي طلاق يوقعه صاحبه عند بادرة غضب أو عبارة خلاف، مادامت همته لم تتعلق به من قبل، ولم تكن له فيه نية مبيتة ووطر يرتب له الأمور في أناة، وتوضع المقدمات لإدراكه.
ونقول في هذا المقام: إنه إذا كان ما وقع بين الزوجين هو غضب أدى إلى الطلاق، فالطلاق لم يقع، والزوجة حل لزوجها، ولا معنى للتفكير في الوسائل المحرمة احتيالاً لاستئناف الحياة الزوجية، لأن الحياة الزوجية لم تنقطع ولم تتوقف حتى تحتاج إلى استئناف . . . وكذلك كل طلاق وقع بين الزوجين من قبل من هذا القبيل.
فإذا كانت المرتان السابقتان على هذه المرة من هذا القبيل، فلا اعتداد بهما، ولا طلاق بين الزوجين.
أما إذا كان ما وقع بين الزوجين هو من قبيل: إن كلمت فلانًا، أو إن دخلت بيت فلانة، أو إن خرجت من المنزل، أو إن فعلت كذا فأنت طالق ثم كلمته، أو دخلت بيتها، أو خرجت من المنزل أو فعلت ما نهاها عنه، فإن الطلاق لا يقع . . . وإذا حلف بالطلاق فيمينه غير منعقدة، لا يقع بها طلاق ما.
ومن المؤسف أن أكثر ما يقع بين الزوجين من الطلاق هو من هذا القبيل الذي لا يؤثر في عقد الزواج بأي فساد، ومع أننا لا نعرف الظروف التي وقع فيها الطلاق المزعوم نميل إلى أنه طلاق من هذا الذي نرى شرعًا أنه لا يقع.
ومع ذلك نسأل الزوج أو الزوجين: هل وقع الطلاق وهي حائض ؟ أو هل وقع في طهر جامعها فيه . فإذا كان الزوج أوقع طلاقه وهي حائض فهو طلاق بدعة، وإذا كان وقع في طهر جامعها فيه، فهو كذلك طلاق بدعة، وطلاق البدعة لم يشرعه الإسلام وكثير من الأئمة لا يوقعونه ولا يعتدون به.
ونوصي الزوجين أن ينظرا في طلاقهما المزعوم هذه المرة والمرتين السابقتين، هل وقع عن وطر في كل مرة ؟ أي من رغبة ودراسة، ومحاولات للإصلاح انتهت بالفشل ووجوب الفراق . . . وهل وقع الطلاق بعد تقريره ودراسته - طلاق بدعة أو طلاق سنة ؟ . . . لننظر إلى طلاقها على ضوء ذلك كله، فإن كان الطلاق سنة وعن وطر وفي كل مرة فالزوجة بائنة بينونة كبرى لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجًا غيره، أما المحلل المنشود فهو حرام، وهو زنا، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له، والرجل الذي يقبل أن يمثل دور الزوج الوهمي في مهزلة المحلل سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم التيس المستعار . . . فلا يحل لهذا الرجل ولا لغيره أن يقدم على ذلك الإثم الحقير.
أما إذا كانا ما يزعمانه من طلاق قد وقع بعضه بدعيًا وبعضه سنيًا، فإن السني وحده هو الذي وقع، ولا اعتبار لسواه.
ومع ذلك كله فإن في السؤال غموضًا كثيفًا يجعلنا في حيرة من الفتوى إلا ما هو مختص منها بحرمة المحلل، فإن الله تعالى يقول: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره) ولم يقل حتى تنكح رجلاً غيره، فسماه زوجًا تسمية صريحة، والرجل لا يكون زوجًا إلا إذا كان له نية الزواج الشرعي المنعقدة على(14/10)
الاستمرار، وتحقيق ما امتن به سبحانه . بقوله: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها) (الروم: 21) ومن ذلك تفكيره في المهر واجتهاده في إعداد بيت الزوجية إلى آخر ما هو معلوم عن كل زواج حقيقي تعلق به القصد والهمة . . . ومما لا شك فيه أن الرجل لا يفكر لعملية المحلل المطلوبة في أي شيء مما ذكر، لأنه لا يفكر إلا أن ذلك وسيلة لتحليل المرأة لزوجها الأول، وقد تبين ما فيه من مجافاة لأحكام الحلال في دين الله.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق فى حال الحيض
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل يقع الطلاق على المرأة إذا كانت حائضا ؟
الجواب
قال تعالى {يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } الطلاق : ا ، أى فى وقت عدتهن ، وهى الأطهار كما هو رأى الشافعى ومالك ومن وافقهما ، أو مستقبلات لعدتهن ، وهى الحيض كما هو رأى أبى حنيفة ومن وافقه .
قال العلماء : الطلاق يكون سنيا إذا كان على المدخول بها غير الحامل وغير الصغيرة والآيسة، فى طهر غير مجامع فيه ولا فى حيض قبله ، والطلاق البدعى هو إيقاع الطلاق على المدخول بها فى وقت الحيض أو فى طهر جامعها فيه وهى ممن تحمل ، أو فى حيض قبله ، وسمى بدعيا لمخالفته للسنة المشروعة .
روى مالك فى الموطأ أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهى حائض على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسكها بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التى أمر الله أن يُطلق لها النساء" ورواه البخارى ومسلم ، وجاء فى رواية مسلم "مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت وهى حامل " ورواه البيهقى بوجه آخر، واسم امرأة ابن عمر آمنة بنت غفار كما قال النووى وغيره ، وقيل اسمها النوار "نيل الأوطار" .
ومع حرمة الطلاق هل يقع أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء السلف والخلف ، فقيل : يقع ،وعليه الأئمة الأربعة، وقيل : لا يقع ، وارتضى ابن القيم عدم وقوعه ، وسماه بدعة ، وساق حجج الأولين ورد عليها بتطويل يراجع فى كتابه "زاد المعاد ! ج 2 ص 44 وما بعدها" والشيعة الإمامية وأهل الظاهر على هذا القول "انظر الجزء السادس من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(14/11)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 402)
وَلِهَذَا جَوَّزَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ بَلْ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَهُوَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَد ؛ وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالِاخْتِلَاعِ فَلَهُمَا فَائِدَةٌ فِي تَعْجِيلِ الْإِبَانَةِ لِرَفْعِ الشَّرِّ الَّذِي بَيْنَهُمَا ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْجِيلِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ ؛ بَلْ ذَلِكَ شَرٌّ بِلَا خَيْرٍ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ طَلَاقٌ فِي وَقْتٍ لَا يَرْغَبُ فِيهَا وَقَدْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقْتَ الرَّغْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَاجَةٍ . { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } مِمَّا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَهِمَ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ لَزِمَهُ فَأَمَرَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ؛ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ إنْ شَاءَ . وَتَنَازَعَ هَؤُلَاءِ : هَلْ الِارْتِجَاعُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي ؟ وَفِي حِكْمَةِ هَذَا النَّهْيِ ؟ أَقْوَالٌ : ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرْنَا مَأْخَذَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَفَهِمَ طَائِفَةٌ أُخْرَى : أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَارَقَهَا بِبَدَنِهِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اعْتَزَلَهَا بِبَدَنِهِ وَاعْتَزَلَتْهُ بِبَدَنِهَا ؛ { فَقَالَ لِعُمَرِ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } وَلَمْ
يَقُلْ : فَلْيَرْتَجِعْهَا . " وَالْمُرَاجَعَةُ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ : أَيْ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِبَدَنِهَا فَيَجْتَمِعَانِ كَمَا كَانَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ فِيهِ الطَّلَاقَ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ لَزِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ لِيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثَانِيَةً فَائِدَةٌ ؛ بَلْ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمَا ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ مَعَ الْأَوَّلِ تَكْثِيرُ الطَّلَاقِ ؛ وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَتَعْذِيبُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ إذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا ؛ أَوْ تَطْهُرَ الطُّهْرَ الثَّانِيَ . وَقَدْ يَكُونُ زَاهِدًا فِيهَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهُمَا فَتَعْلَقَ مِنْهُ ؛ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْوَطْءَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَكِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي . وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي إمْسَاكِهَا فَائِدَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ لَا يُمْسِكُهَا إلَّا لِأَجْلِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا وَالشَّارِعُ لَا
يَأْمُرُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يُعْقِبُهُ طَلَاقٌ ؛ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَطِئَهَا أَوْ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي : دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهَا إذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ لَجَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ . قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ عُمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَهُوَ يَرْتَجِعُهَا لَأُمِرَ بِالْإِشْهَادِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ آيَةٍ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالرَّجْعَةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فَخَيَّرَ الزَّوْجَ إذَا قَارَبَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ - وَهُوَ الرَّجْعَةُ - وَبَيْنَ أَنْ يُسَيِّبَهَا فَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ؛ وَلَا يَحْبِسُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ قَالَ اللَّهُ(14/12)
تَعَالَى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ قَدْ لَزِمَ لَكَانَ حَصَلَ الْفَسَادُ الَّذِي كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَذَلِكَ الْفَسَادُ لَا يَرْتَفِعُ بِرَجْعَةِ يُبَاحُ لَهُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا وَالْأَمْرُ بِرَجْعَةِ لَا فَائِدَةَ
فِيهَا مِمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ رَاغِبًا فِي الْمَرْأَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا وَإِنْ كَانَ رَاغِبًا عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَلَيْسَ فِي أَمْرِهِ بِرَجْعَتِهَا مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ ؛ بَلْ زِيَادَةُ مَفْسَدَةٍ وَيَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَمْرِ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِمَنْعِ الْفَسَادِ فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ وَقَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَالنُّصُوصِ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَنَاقِضٌ ؛ إذْ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ : أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودَ الْمُحَرَّمَةَ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً صَحِيحَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ لَهَا وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ . وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الشَّارِعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا : النَّهْيُ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ . قَالُوا : نَعْلَمُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ وَفَسَادَهَا بِجَعْلِ الشَّارِعِ هَذَا شَرْطًا أَوْ مَانِعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ . وَلَيْسَ بِصَحِيحِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ
لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِثْلَ قَوْلِهِ : الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْعَقْدُ وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ لَا تَصِحُّ . وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ بَلْ إنَّمَا فِي كَلَامِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ وَفِي نَفْيِ الْقَبُولِ وَالصَّلَاحِ كَقَوْلِهِ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } وَقَوْلِهِ : { هَذَا لَا يَصْلُحُ } وَفِي كَلَامِهِ : { إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ كَذَا } وَفِي كَلَامِهِ : الْوَعْدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَلَمْ نَسْتَفِدْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ بَيَّنَ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا . وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ . وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ وَجَعْلُهُ مَعْدُومًا . فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ فَيَجْعَلُهُ لَازِمًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ . فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لِئَلَّا يَنْدَمَ الْمُطَلِّقُ : دَلَّ عَلَى لُزُومِ النَّدَمِ لَهُ إذَا فَعَلَهُ . وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ . فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى
اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ صَحِيحًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ . فَيُقَالُ : إنْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا صَحِيحًا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَحْصُلْ الْقَطِيعَةُ وَهَذَا جَهْلٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ حِكْمَتَهُ فِي مَنْعِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ لَلَزِمَ الْفَسَادُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا ؛ فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ } وَنَحْوَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْفِعْلَ لَوْ أُبِيحَ لَحَصَلَ بِهِ الْفَسَادُ فَحُرِّمَ مَنْعًا مِنْ هَذَا الْفَسَادِ . ثُمَّ الْفَسَادُ يَنْشَأُ مِنْ إبَاحَتِهِ وَمِنْ فِعْلِهِ . إذَا اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَأَمَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ وَالْتِزَامِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ(14/13)
وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَالْمَفَاسِدُ فِيهَا فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَحْصُلْ الْفَسَادُ . فَيُقَالُ : هَذَا هُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عَنْهُ وَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ لِيَزُولَ الْفَسَادُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَعَلَهُ النَّاسُ وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَيَلْزَمُ الْفَسَادُ . وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ
مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ وَأَنَّهُ شَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ يُسَمَّى بَيْعًا وَنِكَاحًا وَصَوْمًا . كَمَا يَقُولُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الشَّغَارِ وَلَعْنِهِ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَنَهْيِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَيُقَالُ : أَمَّا تَصَوُّرُهُ حِسًّا فَلَا رَيْبَ فِيهِ . وَهَذَا كَنَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَعَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ؛ وَيُدْهَنُ الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ . فَقَالَ : لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمُلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } فَتَسْمِيَتُهُ لِهَذَا نِكَاحًا وَبَيْعًا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا بَاطِلًا بَلْ دَلَّ عَلَى إمْكَانِهِ حِسًّا . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ شَرْعِيٌّ . إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى بِمَا أَسْمَاهُ بِهِ الشَّارِعُ : فَهَذَا صَحِيحٌ . وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ : فَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَجَعَلَهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَيُلْزِمُ النَّاسَ حُكْمَهُ ؛ كَمَا فِي الْمُبَاحِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَوَارِدِ
النِّزَاعِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ هَؤُلَاءِ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَلَيْسَ مَعَهُمْ صُورَةٌ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا مَقْصُودُهُمْ ؛ لَا بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ . وَكَذَلِكَ " الْمُحَلِّلُ " الْمَلْعُونُ لَعَنَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ لِلْأَوَّلِ بِعَقْدِهِ ؛ لَا لِأَنَّهُ أَحَلَّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لَكَانَ قَدْ أَحَلَّهَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَهَذَا غَيْرُ مَلْعُونٍ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ اللَّعْنَةَ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ . وَعُلِمَ أَنَّ الْمَلْعُونَ لَمْ يُحَلِّلْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدَلَّتْ اللَّعْنَةُ عَلَى تَحْرِيمِ فِعْلِهِ وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ فِعْلُهُ مُبَاحٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُمْ بَلْ الصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَمَا تَنَاقَضَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذِهِ . وَالْأُصُولُ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا مَا أَثْبَتَ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالتَّنَاقُضُ مَوْجُودٌ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ . وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَنَاقَضُ هُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ بَلْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَدْ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَهَذَا مَعْنَى الْعِصْمَةِ ؛ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَعْصُومِ لَا يَتَنَاقَضُ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصُومٌ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ أَيْضًا مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ ؛ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْإِيمَانَ بِهِ وَطَاعَتَهُ وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ وَهُوَ(14/14)
الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ . فَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ الْهُدَى وَالرَّشَادِ : هُمْ مُتَّبِعُونَ . وَالْكُفَّارُ أَهْلُ النَّارِ وَأَهْلُ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ . وَمَنْ آمَنَ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَاجْتَهَدَ فِي مُتَابَعَتِهِ : فَهُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ السُّعَدَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُؤْمِنِينَ : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : قَدْ فَعَلْت } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ؛ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ
أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرٍ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَقَدْ خَصَّ أَحَدَ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ بِالتَّفْهِيمِ مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا . فَهَكَذَا إذَا خَصَّ اللَّهُ أَحَدَ الْعَالِمَيْنِ بِعِلْمِ أَمْرٍ وَفَهْمِهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ذَمُّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ . بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ مَا فَهِمَهُ غَيْرُهُ . وَقَدْ { قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ - وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاص وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَهَذِهِ الْأُصُولُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ مِمَّا يَقُولُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ . إنَّهُ لَازِمٌ . وَالسَّلَفُ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْجُمْهُورِ يُسَلِّمُونَ : أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . وَلَا يَذْكُرُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فَرْقًا صَحِيحًا . وَهَذَا مِمَّا تَسَلَّطَ بِهِ
عَلَيْهِمْ مَنْ نَازَعُوهُمْ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . وَاحْتَجَّ بِمَا سَلَّمُوهُ لَهُ مِنْ الصُّوَرِ ؛ وَهَذِهِ حُجَّةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ ؛ وَإِنَّمَا تُفِيدُ أَنَّ مُنَازَعِيهِ أَخْطَئُوا : إمَّا فِي صُوَرِ النَّقْضِ وَإِمَّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ . وَخَطَؤُهُمْ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ؛ بَلْ هَذَا الْأَصْلُ أَصْلٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مَدَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ ؛ بَلْ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ لَا تُوَافِقُ بَلْ تُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ . وَمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُشَرِّعْ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ جُمْلَةً قَطُّ . وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ فَإِنَّهُ شَرَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ الثَّلَاثَ الْمَجْمُوعَةَ إلَّا وَاحِدَةً : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ ؛ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْتِزَامِ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَيَقُولُ لَهُمْ : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي الْأَمْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ؛ بَلْ وَفِي الْأَمْرِ الَّذِي مَعَهُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُجَوِّزُ التَّحْلِيلَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُوتِيَ بِمُحَلِّلِ وَلَا مُحَلَّلَ لَهُ إلَّا رَجَمْتهمَا . وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ : مِثْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ
عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ . وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ { كَلَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا . وَاَللَّهُ يَرْضَى(14/15)
عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : إنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ . وَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ إذَا رَجَعَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ خَيَّرَهُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الْمَهْرِ . وَهَذَا أَيْضًا مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ . وَذَكَرَهُ أَحْمَد عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ : إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ الَّذِي يُخَالِفُ هَؤُلَاءِ وَمَعَ هَذَا فَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِهِ . وَعُمَرُ وَالصَّحَابَةُ جَعَلُوا الْأَرْضَ الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَغْرِبِ : فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَمْ يُقَسِّمْ عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ أَرْضًا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَلَمْ يَسْتَطِبْ عُمَرُ أَنْفُسَ جَمِيعِ الْغَانِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِينَ ؛ وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ اسْتَطَابُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَادِ ؛ بَلْ طَلَبَ مِنْهُمْ بِلَالٌ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا قِسْمَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ وَمَعَ
هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِمْ ؛ بَلْ يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِحُكْمِهِمْ أَيْضًا . فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لَمْ يُخَمِّسُوا قَطُّ مَالَ فَيْءٍ وَلَا خَمَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جَعَلُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ وَمَعَ هَذَا : فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ ذَلِكَ . وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ . وَالْأَصْلُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ : أَنَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَظُنَّ بِالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ شَرِيعَتِهِ . بَلْ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ ؛ وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ مَا شَرَعَهُ الرَّسُولُ بِإِجْمَاعِ أَحَدٍ بَعْدَهُ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنْ الغالطين ؛ بَلْ كُلُّ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَا مُخَالِفًا لَهُ بَلْ كُلُّ نَصٍّ مَنْسُوخٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَمَعَ الْأُمَّةِ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ ؛ تَحْفَظُ الْأُمَّةُ النَّصَّ النَّاسِخَ كَمَا تَحْفَظُ النَّصَّ الْمَنْسُوخَ وَحِفْظُ النَّاسِخِ أَهَمُّ عِنْدَهَا
وَأَوْجَبُ عَلَيْهَا مِنْ حِفْظِ الْمَنْسُوخِ وَيَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ نَصِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَدْ يَجْتَهِدُ الْوَاحِدُ وَيُنَازِعُهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ . هَذَا مِنْهَا كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا . وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَظَنَّ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَازَعَهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَهَا السُّكْنَى فَقَطْ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى . وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى } فَلَمَّا احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحُجَّةِ عُمَرَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قَالَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا - هَذَا فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ مَعَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي " الطَّلَاقِ " لَمَّا قَالَ تَعَالَى : { لَعَلَّ(14/16)
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ
الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ لَكَانَ الْمُطَلِّقُ يَنْدَمُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَجْعَتِهَا : فَيَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا يَكُونُ فِي الثَّلَاثِ وَلَا فِي الْبَائِنِ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية رحمه الله :
546 - 546 - 9 - مَسْأَلَةٌ : سُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الْحَلَالِ وَالطَّلَاقِ الْحَرَامِ ؟ وَعَنْ الطَّلَاقِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ لَازِمٌ أَوْ لَيْسَ بِلَازِمٍ ؟ وَعَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ ؟ وَعَنْ حُكْمِ الْحَلِفِ بِلَفْظِ الْحَرَامِ ، هَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَمْ لَا ؟ وَعَنْ بَسْطِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ ؟ فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : الطَّلَاقُ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ .
فَالطَّلَاقُ الْمُبَاحُ - بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ - هُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً ؛ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا ، بَعْدَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَقَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا ثُمَّ يَدَعَهَا فَلَا يُطَلِّقَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا .
وَهَذَا الطَّلَاقُ يُسَمَّى " طَلَاقَ السُّنَّةِ " فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهَا وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا .
وَلَا مَهْرٍ جَدِيدٍ .
وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَقْضِيَ الْعِدَّةَ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ .
فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ يَكُونُ بِعَقْدٍ ؛ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً أَوْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا تَقَدَّمَ .
ثُمَّ إذَا ارْتَجَعَهَا ، أَوْ تَزَوَّجَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ، فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا تَقَدَّمَ ، فَإِذَا طَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تُبَاحُ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ النِّكَاحَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَاغِبًا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ يُفَارِقُهَا .
فَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَهَا بِقَصْدِ أَنْ يُحِلَّهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ،
كَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، وَكَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ ، وَالْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ .
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّا لَا تَحِيضُ لِصِغَرِهَا أَوْ كِبَرِهَا ؛ فَإِنَّهُ يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ ، سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ يَطَؤُهَا ؛ فَإِنَّ هَذِهِ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ .
فَفِي أَيِّ وَقْتٍ طَلَّقَهَا لِعِدَّتِهَا ؛ فَإِنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِقُرُوءٍ ، وَلَا بِحَمْلٍ ؛ لَكِنْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُسَمِّي هَذَا " طَلَاقَ سُنَّةٍ " وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ " طَلَاقَ سُنَّةٍ " وَلَا " بِدْعَةٍ " .(14/17)
وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ، أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَقَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا : فَهَذَا الطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ ، وَيُسَمَّى " طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " وَهُوَ حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا ، وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا .
وَهَلْ يُسَمَّى هَذَا طَلَاقَ سُنَّةٍ ؟ أَوْ لَا يُسَمَّى طَلَاقَ سُنَّةٍ ، وَلَا بِدْعَةٍ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ .
وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ فِي الْحَيْضِ ، وَبَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَمْلِ هَلْ يَقَعُ ؟ أَوْ لَا يَقَعُ ؟ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا ، فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ ؛ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا .
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ .
أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ .
أَوْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ يَقُولَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، أَوْ عَشْرَ طَلْقَاتٍ ، أَوْ مِائَةَ طَلْقَةٍ .
أَوْ أَلْفَ طَلْقَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَهَذَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ
مَدْخُولٍ بِهَا ، وَمِنْ السَّلَفِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا .
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ طَلَاقٌ مُبَاحٌ لَازِمٌ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْقَدِيمَةِ عَنْهُ : اخْتَارَهَا الْخِرَقِيِّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ طَلَاقٌ مُحَرَّمٌ لَازِمٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ .
اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ ، مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَالتَّابِعِينَ .
وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِهِمْ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ مُحَرَّمٌ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْقُولٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَانِ ؛ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ مِثْلُ طَاوُسٍ وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو ؛ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ؛ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الشِّيعَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٍ ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ الرَّابِعُ : الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ : فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إنَّمَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ لَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَلِّقَ الثَّلَاثَ جَمِيعًا ، وَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلَاقًا بَائِنًا ، وَلَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَانَتْ مِنْهُ ،
فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَانَتْ مِنْهُ .(14/18)
فَالطَّلَاقُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ : الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ : وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهُ الْآخَرُ .
وَالطَّلَاقُ الْبَائِنُ : وَهُوَ مَا يَبْقَى بِهِ خَاطِبًا مِنْ الْخُطَّابِ ، لَا تُبَاحُ لَهُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ .
وَالطَّلَاقُ الْمُحَرِّمُ لَهَا : لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، وَهُوَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ، كَمَا أَذِنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَهُوَ : أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا ، أَوْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ .
فَهَذَا الطَّلَاقُ الْمُحَرِّمُ لَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ .
وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ .
وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ .
وَدَاوُد وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ " الْخُلْعَ " فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ وَفِرْقَةٌ بَائِنَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ، لَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ .
وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ : كَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ .
وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَعْرُوفَةٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخُلْعَ طَلَاقًا ؛ لَكِنْ
ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ؛ وَابْنِ خُزَيْمَةَ ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ ، وَالْبَيْهَقِيِّ ، وَغَيْرِهِمْ ، كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ .
وَالْخُلْعُ : أَنْ تَبْذُلَ الْمَرْأَةُ عِوَضًا لِزَوْجِهَا ؛ لِيُفَارِقَهَا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ
بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَرَبَّصْنَ أَيْ يَنْتَظِرْنَ ثَلَاثَ قُرُوءٍ .
" وَالْقُرْءُ " عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي مُوسَى ، وَغَيْرِهِمْ : الْحَيْضُ .(14/19)
فَلَا
تَزَالُ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَحْمَدَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ .
وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِطَعْنِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، وَهِيَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ .
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } .
ثُمَّ قَالَ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } .
أَيْ فِي ذَلِكَ التَّرَبُّصِ .
ثُمَّ قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } .
فَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَحَقَّ بِرَدِّهَا : هُوَ ( مَرَّتَانِ ) مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، كَمَا إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ : سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ .
أَوْ سَبِّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ .
فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : سُبْحَانَ اللَّهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ .
حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ .
فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْمُلَ ذَلِكَ فَيَقُولَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ ، أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ .
لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : الطَّلَاقُ طَلْقَتَانِ .
بَلْ قَالَ : { مَرَّتَانِ } فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْت طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا ، أَوْ عَشْرًا ، أَوْ أَلْفًا .
لَمْ يَكُنْ قَدْ طَلَّقَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ، { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ : لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَى نَفْسِهِ .
سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ } .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْتَحِقُّ التَّسْبِيحَ بِعَدَدِ ذَلِكَ ، { كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا .
وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ } .
لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَبَّحَ تَسْبِيحًا بِقَدْرِ ذَلِكَ .
فَالْمِقْدَارُ تَارَةً يَكُونُ وَصْفًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ ، وَفِعْلُهُ مَحْصُورٌ
.
وَتَارَةً يَكُونُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ ، فَذَاكَ الَّذِي يُعَظِّمُ قَدْرَهُ ؛ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ .(14/20)
لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَلَمَّا شَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَبِّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَيُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ .
فَلَوْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، عَدَدَ خَلْقِهِ .
لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً .
وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا طَلَّقَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَلْزَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّلَاثِ ، وَلَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ ، وَلَا نَقَلَ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا ؛ بَلْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ ، بَلْ مَوْضُوعَةٌ ؛ بَلْ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : { كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ : طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ .
فَقَالَ عُمَرُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ طَاوُسٍ { أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَتَعْلَمُ إنَّمَا كَانَتْ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمْ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ ، أَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً ؟ قَالَ
: قَدْ كَانَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ } .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا ؛ قَالَ : فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ طَلَّقَتْهَا ؟ قَالَ : طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا .
قَالَ ؛ فَقَالَ : فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَإِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَأَرْجِعْهَا إنْ شِئْتَ .
قَالَ : فَرَجَعَهَا } .
فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ ؛ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ " الْمُخْتَارَةِ " الَّذِي هُوَ أَصَحُّ مِنْ " صَحِيحِ الْحَاكِمِ " .
وَهَكَذَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثٍ .
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ " مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي مَجَالِسَ لَأَمْكَنَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ارْتَجَعَهَا ؛ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ ، وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ يَقَعُ .
وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي جَانِبِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ تَفْصِيلٌ ، كَقَوْلِهِ : { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ } ، أَوْ : { لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ } .
وَهُوَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَقَدْ يَحْمِلُ الْخَبَثَ ، وَقَدْ لَا يَحْمِلُهُ .(14/21)
وَقَوْلُهُ : { فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ } .
وَهِيَ إذَا لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً قَدْ يَكُونُ فِيهَا الزَّكَاةُ - زَكَاةُ التِّجَارَةِ - وَقَدْ لَا يَكُونُ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } ، وَمَنْ لَمْ يُقِمْهَا
فَقَدْ يُغْفَرُ لَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ ، وَكَقَوْلِهِ : { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } .
وقَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ } .
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ يَعْمَلُ عَمَلًا آخَرَ يَرْجُو بِهِ رَحْمَةَ اللَّهِ مَعَ الْإِيمَانِ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ .
فَلَوْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ ، وَقَدْ لَا يَكُونُ ؛ بِخِلَافِ الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ صَاحِبِهِ بِأَنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا فِيهِ ؛ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : { ارْجِعْهَا إنْ شِئْت } ، وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : { مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } .
فَأَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ ، وَالرَّجْعَةُ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ : بِخِلَافِ الْمُرَاجَعَةِ .
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً ؟ فَقَالَ : مَا أَرَدْت بِهَا إلَّا وَاحِدَةً .
فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَأَبُو دَاوُد لَمَّا لَمْ يَرْوِ فِي سُنَنِهِ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ : حَدِيثُ " أَلْبَتَّةَ " أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ : { أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا } ، لِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ أَعْلَمُ ؛ لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَكَابِرَ الْعَارِفُونَ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِ : كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَالْبُخَارِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا وَأَبِي عُبَيْدٍ ، وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ ، وَغَيْرِهِ : ضَعَّفُوا حَدِيثَ أَلْبَتَّةَ ، وَبَيَّنُوا أَنَّ رُوَاتَهُ قَوْمٌ مَجَاهِيلُ ، لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُمْ وَضَبْطُهُمْ ، وَأَحْمَدُ أَثْبَتَ حَدِيثَ الثَّلَاثِ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ الصَّوَابُ مِثْلُ قَوْلِهِ : حَدِيثُ رُكَانَةَ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ .
وَقَالَ
أَيْضًا : حَدِيثُ رُكَانَةَ فِي " أَلْبَتَّةَ " لَيْسَ بِشَيْءٍ ، لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ يَرْوِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا } .
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ .
وَأَحْمَدُ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الثَّلَاثَ جَائِزَةٌ ، مُوَافَقَةً لِلشَّافِعِيِّ .
فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : حَدِيثُ رُكَانَةَ مَنْسُوخٌ .
ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ طَلَاقٌ مُبَاحٌ إلَّا الرَّجْعِيُّ عَدَلَ : عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، لِأَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ ، وَهَذَا عِلَّةٌ عِنْدَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ .(14/22)
وَقَدْ تَبَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَعْذَارُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الَّذِينَ أَلْزَمُوا مَنْ أَوْقَعَ جُمْلَةَ الثَّلَاثِ بِهَا مِثْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ جَمْعِ الثَّلَاثِ ، وَلَا يَنْتَهُونَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِعُقُوبَةٍ : رَأَى عُقُوبَتَهُمْ بِإِلْزَامِهَا : لِئَلَّا يَفْعَلُوهَا ، إمَّا مِنْ نَوْعِ التَّعْزِيرِ الْعَارِضِ الَّذِي يُفْعَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، كَمَا كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ ، وَيَحْلِقُ الرَّأْسَ .
وَيَنْفِي ، وَكَمَا { مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِنِسَائِهِمْ } ، وَإِمَّا ظَنًّا أَنَّ جَعْلَهَا وَاحِدَةً كَانَ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ وَقَدْ زَالَ ، كَمَا ذَهَبَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ : إمَّا مُطْلَقًا ، وَإِمَّا مُتْعَةَ الْفَسْخِ .
وَالْإِلْزَامُ بِالْفُرْقَةِ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ : مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ؛ لَكِنْ تَارَةً يَكُونُ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ ، كَمَا فِي الْعِنِّينِ ،
وَالْمَوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ، وَالْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ .
وَتَارَةً يُقَالُ : إنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ ، كَمَا فِي تَفْرِيقِ الْحَكَمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إذَا لَمْ يُجْعَلَا وَكِيلَيْنِ ، وَكَمَا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْمَوْلَى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إذَا لَمْ يَفِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ ، كَمَا قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ : إنَّهُمَا إذَا تَطَاوَعَا فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَبُ الصَّالِحُ إذَا أَمَرَ ابْنَهُ بِالطَّلَاقِ لَمَّا رَآهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَهُ .
كَمَا قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، كَمَا { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ أَنْ يُطِيعَ أَبَاهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ } .
فَالْإِلْزَامُ إمَّا مِنْ الشَّارِعِ : وَإِمَّا مِنْ الْإِمَامِ بِالْفُرْقَةِ إذَا لَمْ يَقُمْ الزَّوْجُ بِالْوَاجِبِ : هُوَ مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ .
فَلَمَّا كَانَ النَّاسُ إذَا لَمْ يُلْزَمُوا بِالثَّلَاثِ يَفْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ رَأَى عُمَرُ إلْزَامَهُمْ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْزَمُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ ؛ وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ نَازَعُوا مَنْ قَالَ ذَلِكَ : إمَّا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا التَّعْزِيرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
إمَّا لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَاقِبْ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
وَهَذَا فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ فَلَا وَجْهَ لِإِلْزَامِهِ بِالثَّلَاثِ .
وَهَذَا شَرْعٌ شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا شَرَعَ نَظَائِرَهُ لَمْ يَخُصَّهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : إنَّ مَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ - التَّمَتُّعَ كَمَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابُهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - هُوَ شَرْعٌ مُطْلَقٌ ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ لَمَّا { سُئِلَ أَعُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا ؟ أَمْ
لِلْأَبَدِ ؟ فَقَالَ : لَا ؛ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ ، دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } .
وَإِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنَّمَا شُرِعَ لِلشُّيُوخِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِمْ مِثْلُ بَيَانِ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ : قَوْلٌ فَاسِدٌ ؛ لِوُجُوهٍ مَبْسُوطَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } ، فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ بِرَدِّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .(14/23)
فَمَا تَنَازَعَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوجِبُ الْإِلْزَامَ بِالثَّلَاثِ بِمَنْ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ بِدُونِ رَجْعَةٍ أَوْ عُقْدَةٍ ؛ بَلْ إنَّمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْإِلْزَامُ بِذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ الطَّلَاقَ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ الْقِيَاسُ وَالِاعْتِبَارُ بِسَائِرِ أُصُولِ الشَّرْعِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ يُبَاحُ تَارَةً وَيَحْرُمُ تَارَةً - كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ - إذَا فُعِلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا نَافِذًا كَمَا يَلْزَمُ الْحَلَالُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَمِنْ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَقَعُ بَاطِلًا غَيْرَ لَازِمٍ ، وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْعِ الْمُحَرَّمَاتِ : كَالْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ؛ وَالْمَيْتَةِ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ مُحَرَّمَ الْجِنْسِ كَالظِّهَارِ ، وَالْقَذْفِ ، وَالْكَذِبِ ، وَشَهَادَةِ الزُّورِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ مَنْ فَعَلَهُ الْعُقُوبَةَ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَارَةً حَلَالًا وَتَارَةً حَرَامًا حَتَّى يَكُونَ تَارَةً
صَحِيحًا وَتَارَةً فَاسِدًا .
وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مُبَاحًا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ - كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ ، وَاشْتِرَاءِ الْمَجْحُودِ عِتْقُهُ ، وَرِشْوَةِ الظَّالِمِ لِدَفْعِ ظُلْمَةٍ أَوْ لِبَذْلِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ ، وَكَاشْتِرَاءِ الْإِنْسَانِ الْمُصَرَّاةَ وَمَا دُلِّسَ عَيْبُهُ ، وَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِيَفْعَلَ الْوَاجِبَ أَوْ لِيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَ ، وَكَبَيْعِ الْجَالِبِ لِمَنْ تُلْقَى مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ - الْمَظْلُومَ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ ، وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ ، وَلَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ ؛ بِخِلَافِ الظَّالِمِ فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ .
وَالطَّلَاقُ هُوَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَارَةً ، وَحَرَّمَهُ أُخْرَى .
فَإِذَا فُعِلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا نَافِذًا كَمَا يَلْزَمُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } .
فَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا - وَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - ( مَرَّتَانِ ) وَبَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ : إمَّا ( إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) بِأَنْ يُرَاجِعَهَا فَتَبْقَى زَوْجَتُهُ ، وَتَبْقَى مَعَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَإِمَّا ( تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) بِأَنْ يُرْسِلَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } .
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا
افْتَدَتْ بِهِ } .
وَهَذَا هُوَ الْخُلْعُ سَمَّاهُ " افْتِدَاءً " لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْ أَسْرِ زَوْجِهَا ، كَمَا يَفْتَدِي الْأَسِيرُ وَالْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَا يَبْذُلُهُ .
قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } يَعْنِي الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } .(14/24)
{ فَإِنْ طَلَّقَهَا } يَعْنِي هَذَا الزَّوْجُ الثَّانِي { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يَعْنِي عَلَيْهَا وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ { أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .
وَفِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ { عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ .
فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ، ثُمَّ إنْ شَاءَ بَعْدُ أَمْسَكَهَا .
وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا .
فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } ، ( ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ : { أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا }
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ " قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ : " الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : وَجْهَانِ حَلَالٌ .
وَوَجْهَانِ حَرَامٌ .
فَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَلَالٌ : فَأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا فِي غَيْرِ جِمَاعٍ .
أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا .
وَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَرَامٌ : فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا .
أَوْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يَدْرِي اشْتَمَلَ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لَا .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا ، وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ .
أَيْ : لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الطُّهْرُ أَوْ الْعِدَّةُ .
فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ يَكُونُ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ ، وَيَكُونُ قَدْ طَوَّلَ عَلَيْهَا التَّرَبُّصَ .
وَطَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِهِ إلَى طَلَاقِهَا ، وَالطَّلَاقُ فِي الْأَصْلِ مِمَّا يُبْغِضُهُ .
وَهُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ .
وَإِنَّمَا أَبَاحَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ كَمَا تُبَاحُ الْمُحَرَّمَاتُ لِلْحَاجَةِ : فَلِهَذَا حَرَّمَهَا بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عُقُوبَةً لَهُ ، لِيَنْتَهِيَ الْإِنْسَانُ عَنْ إكْثَارِ الطَّلَاقِ .
فَإِذَا طَلَّقَهَا لَمْ تَزَلْ فِي الْعِدَّةِ مُتَرَبِّصَةً ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ، وَهُوَ مَالِكٌ لَهَا يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ ، وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ فِي تَعْجِيلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ وَقْتِهِ ؛ كَمَا لَا فَائِدَةَ فِي مُسَابَقَةِ الْإِمَامِ ، وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ ؛ بَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ .(14/25)
وَهُوَ لَا يَزَالُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُسَلِّمَ .
وَلِهَذَا جَوَّزَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ؛ بَلْ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ، وَهُوَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ ؛ وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالِاخْتِلَاعِ فَلَهُمَا فَائِدَةٌ فِي تَعْجِيلِ الْإِبَانَةِ لِرَفْعِ الشَّرِّ الَّذِي بَيْنَهُمَا ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْجِيلِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ ؛ بَلْ ذَلِكَ شَرٌّ بِلَا خَيْرٍ .
وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ طَلَاقٌ فِي وَقْتٍ لَا يُرْغَبُ فِيهَا ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقْتَ الرَّغْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَاجَةٍ .
{ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } مِمَّا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَفَهِمَ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ لَزِمَهُ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ؛ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ إنْ شَاءَ .
وَتَنَازَعَ هَؤُلَاءِ : هَلْ الِارْتِجَاعُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي ؟ وَفِي حِكْمَةِ هَذَا النَّهْيِ ؛ أَقْوَالٌ : ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرْنَا مَأْخَذَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَفَهِمَ طَائِفَةٌ أُخْرَى : أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَارَقَهَا بِبَدَنِهِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اعْتَزَلَهَا بِبَدَنِهِ وَاعْتَزَلَتْهُ بِبَدَنِهَا ؛ { فَقَالَ لِعُمَرَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } ، وَلَمْ يَقُلْ : فَلْيَرْتَجِعْهَا .
" وَالْمُرَاجَعَةُ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ : أَيْ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِبَدَنِهَا فَيَجْتَمِعَانِ كَمَا كَانَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ ، فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ فِيهِ الطَّلَاقَ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ .
قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ لَزِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ
لِيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثَانِيَةً فَائِدَةٌ ؛ بَلْ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمَا ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ مَعَ الْأَوَّلِ تَكْثِيرُ الطَّلَاقِ ؛ وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ ، وَتَعْذِيبُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ إذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا ؛ أَوْ تَطْهُرَ الطُّهْرَ الثَّانِيَ .
وَقَدْ يَكُونُ زَاهِدًا فِيهَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَتَعْلَقُ مِنْهُ ؛ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا ؟ ، وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْوَطْءَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَكِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي .
وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا لَكَانَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي إمْسَاكِهَا فَائِدَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ لَا يُمْسِكُهَا إلَّا لِأَجْلِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا ، وَالشَّارِعُ لَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ ، فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يَعْقُبُهُ طَلَاقٌ : فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا ، أَوْ وَطِئَهَا أَوْ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي : دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهَا إذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ لَجَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ .(14/26)
قَالُوا : لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ عُمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَهُوَ يَرْتَجِعُهَا لَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ
الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ آيَةٍ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالرَّجْعَةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } ، فَخُيِّرَ الزَّوْجُ إذَا قَارَبَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ - وَهُوَ الرَّجْعَةُ - وَبَيْنَ أَنْ يُسَيِّبَهَا فَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ؛ وَلَا يَحْبِسَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } .
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ قَدْ لَزِمَ لَكَانَ حَصَلَ الْفَسَادُ الَّذِي كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
وَذَلِكَ الْفَسَادُ لَا يَرْتَفِعُ بِرَجْعَةٍ يُبَاحُ لَهُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا ، وَالْأَمْرُ بِرَجْعَةٍ لَا فَائِدَةَ فِيهَا مِمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ رَاغِبًا فِي الْمَرْأَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ، وَإِنْ كَانَ رَاغِبًا عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا ، فَلَيْسَ فِي أَمْرِهِ بِرَجْعَتِهَا مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ ؛ بَلْ زِيَادَةُ مَفْسَدَةٍ : وَيَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَمْرِ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِمَنْعِ الْفَسَادِ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ ؟ ، وَقَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَالنُّصُوصِ ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَنَاقِضٌ ؛ إذْ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ : أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً صَحِيحَةً ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ لَهَا ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ
عَنْهُمْ .
وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ يَكُنْ عَنْ الشَّارِعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا : النَّهْيُ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ .
قَالُوا : نَعْلَمُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ وَفَسَادَهَا بِجَعْلِ الشَّارِعِ هَذَا شَرْطًا أَوْ مَانِعًا وَنَحْوُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِثْلُ قَوْلِهِ : الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ ، وَهَذَا الْعَقْدُ ، وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ لَا تَصِحُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ بَلْ إنَّمَا فِي كَلَامِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ ، وَفِي نَفْيِ الْقَبُولِ وَالصَّلَاحِ ، كَقَوْلِهِ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } ، وَقَوْلُهُ : " هَذَا لَا يَصْلُحُ " .
وَفِي كَلَامِهِ : " إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ كَذَا " وَفِي كَلَامِهِ : الْوَعْدُ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَلَمْ نَسْتَفِدْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ بَيَّنَ ذَلِكَ ، وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا .
وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ ، أَوْ الرَّاجِحَةِ .
وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ ، وَجَعَلَهُ مَعْدُومًا .
فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ فَيَجْعَلُهُ لَازِمًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ .(14/27)
فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لِئَلَّا يَنْدَمَ الْمُطَلِّقُ ؛ دَلَّ عَلَى لُزُومِ النَّدَمِ لَهُ إذَا فَعَلَهُ .
وَهَذَا
يَقْتَضِي صِحَّتَهُ .
فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا يَتَضَمَّنُ أَنْ كُلَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ صَحِيحًا ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ .
فَيُقَالُ : إنْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا صَحِيحًا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَحْصُلْ الْقَطِيعَةُ ، وَهَذَا جَهْلٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ حِكْمَتَهُ فِي مَنْعِهِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ لَلَزِمَ الْفَسَادُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا ؛ فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ } ، وَنَحْوُ ذَلِكَ : يُبَيِّنُ أَنَّ الْفِعْلَ لَوْ أُبِيحَ لَحَصَلَ بِهِ الْفَسَادُ ، فَحَرُمَ مَنْعًا مِنْ هَذَا الْفَسَادِ .
ثُمَّ الْفَسَادُ يَنْشَأُ مِنْ إبَاحَتِهِ وَمِنْ فِعْلِهِ .
وَإِذَا اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ أَنَّهُ مُبَاحٌ ، أَوْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَإِمَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ وَالْتِزَامُ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْمَفَاسِدُ فِيهَا فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَحْصُلْ الْفَسَادُ .
فَيُقَالُ : هَذَا هُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عَنْهُ ، وَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ ، لِيَزُولَ الْفَسَادُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَعَلَهُ النَّاسُ وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَيَلْزَمُ الْفَسَادُ .
وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ ، وَأَنَّهُ شَرْعِيٌّ ، وَأَنَّهُ يُسَمَّى بَيْعًا ، وَنِكَاحًا ، وَصَوْمًا .
كَمَا يَقُولُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ ، وَلَعْنِهِ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ ، وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ
قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا ، وَنَهْيِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدَيْنِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
فَيُقَالُ : أَمَّا تَصَوُّرُهُ حِسًّا فَلَا رَيْبَ فِيهِ .
وَهَذَا كَنَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ ، وَعَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ .
فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ .
فَقَالَ : لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } فَتَسْمِيَتُهُ لِهَذَا نِكَاحًا وَبَيْعًا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا بَاطِلًا ؛ بَلْ دَلَّ عَلَى إمْكَانِهِ حِسًّا .(14/28)
وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ شَرْعِيٌّ : إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى بِمَا أَسْمَاهُ بِهِ الشَّارِعُ ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ .
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ : فَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ ، وَالْإِجْمَاعِ .
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ ، وَجَعَلَهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ ، وَيَلْزَمُ النَّاسَ حُكْمُهُ ؛ كَمَا فِي الْمُبَاحِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ هَؤُلَاءِ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَلَيْسَ مَعَهُمْ صُورَةٌ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا مَقْصُودُهُمْ ؛ لَا بِنَصٍّ ، وَلَا إجْمَاعٍ .
وَكَذَلِكَ " الْمُحَلِّلُ " الْمَلْعُونُ ، لَعَنَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ لِلْأَوَّلِ بِعَقْدِهِ ؛ لَا لِأَنَّهُ أَحَلَّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لَكَانَ قَدْ أَحَلَّهَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَهَذَا غَيْرُ مَلْعُونٍ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ
اللَّعْنَةَ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ .
وَعُلِمَ أَنَّ الْمَلْعُونَ لَمْ يُحَلِّلْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدَلَّتْ اللَّعْنَةُ عَلَى تَحْرِيمِ فِعْلِهِ ، وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ فِعْلُهُ مُبَاحٌ .
فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُمْ : بَلْ الصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ ، كَمَا تَنَاقَضَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذِهِ .
وَالْأُصُولُ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا مَا أُثْبِتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ .
وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالتَّنَاقُضُ مَوْجُودٌ فِيهِ ، وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَحَدٍ .
وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَنَاقَضُ هُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ بَلْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَدْ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَهَذَا مَعْنَى الْعِصْمَةِ ؛ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَعْصُومِ لَا يَتَنَاقَضُ ، وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ مَعْصُومٌ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ أَيْضًا مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ ؛ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ ، وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْإِيمَانَ بِهِ وَطَاعَتَهُ ، وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ ، وَهُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ ، فَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ الْهُدَى وَالرَّشَادِ ؛ هُمْ مُتَّبِعُونَ .
وَالْكُفَّارُ أَهْلُ النَّارِ ، وَأَهْلُ الْغَيِّ ، وَالضَّلَالِ هُمْ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ .
وَمَنْ آمَنَ بِهِ بَاطِنًا ، وَظَاهِرًا ، وَاجْتَهَدَ فِي
مُتَابَعَتِهِ : فَهُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ السُّعَدَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ ، فَلَمْ يُبَلِّغْهُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُؤْمِنِينَ : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ فَعَلْت " .(14/29)
وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ؛ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ } .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
فَقَدْ خَصَّ أَحَدَ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ بِالتَّفَهُّمِ مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا .
فَهَكَذَا إذَا خَصَّ اللَّهُ أَحَدَ الْعَالَمِينَ بِعِلْمِ أَمْرٍ وَفَهْمِهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ذَمَّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ مَا فَهِمَهُ غَيْرُهُ .
وَقَدْ قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ - وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ فَلَهُ أَجْرٌ } .
وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } ( ) .
وَهَذِهِ الْأُصُولُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ مِمَّا يَقُولُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ : إنَّهُ لَازِمٌ .
وَالسَّلَفُ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْجُمْهُورُ يُسَلِّمُونَ : أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ .
وَلَا يَذْكُرُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فَرْقًا صَحِيحًا .
وَهَذَا مِمَّا تَسَلَّطَ بِهِ عَلَيْهِمْ مَنْ نَازَعُوهُمْ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ .
وَاحْتَجَّ بِمَا سَلَّمُوهُ لَهُ مِنْ الصُّوَرِ ؛ وَهَذِهِ حُجَّةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ ؛ وَإِنَّمَا تُفِيدُ أَنَّ مُنَازَعِيهِ أَخْطَئُوا : إمَّا فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَإِمَّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ .
وَخَطَؤُهُمْ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ؛ بَلْ هَذَا الْأَصْلُ أَصْلٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مَدَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ ؛ بَلْ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ لَا تُوَافِقُ ؛ بَلْ تُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ .
وَمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشْرَعْ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ جُمْلَةً قَطُّ .
وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ فَإِنَّهُ شَرَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .
وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ الثَّلَاثَ الْمَجْمُوعَةَ إلَّا وَاحِدَةً : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ ؛ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْتِزَامِ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ ذَلِكَ إجْمَاعًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي الْأَمْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ، بَلْ وَفِي الْأَمْرِ الَّذِي مَعَهُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُجَوِّزُ التَّحْلِيلَ .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : " لَا أُوتِيَ بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتهمَا " .(14/30)
وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ ، مِثْلُ : عُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَغَيْرِهِ ؛ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ .
وَعُمَرَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ
مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : { كَلَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا ، وَاَللَّهُ يَرْضَى عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ .
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : " إنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ " .
وَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ : إنَّهُ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ إذَا رَجَعَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الْمَهْرِ .
وَهَذَا أَيْضًا مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانَ ، وَعَلِيٍّ .
وَذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَقَالَ : إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ الَّذِي يُخَالِفُ هَؤُلَاءِ ؟ ، وَمَعَ هَذَا فَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْقِضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِهِ .
وَعُمَرُ وَالصَّحَابَةُ جَعَلُوا الْأَرْضَ الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ ، وَمِصْرَ ، وَالْعِرَاقِ ، وَخُرَاسَانَ ، وَالْمَغْرِبِ ، فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَمْ يَقْسِمْ عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ أَرْضًا فَتَحَهَا عَنْوَةً ، وَلَمْ يَسْتَطِبْ عُمَرُ أَنْفُسَ جَمِيعِ الْغَانِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَرَضِينَ ؛ وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ اسْتَطَابُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَادِ ، بَلْ طَلَبَ مِنْهُمْ بِلَالٌ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا قِسْمَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ ، وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِمْ ؛ بَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِحُكْمِهِمْ أَيْضًا .
فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لَمْ يُخَمِّسُوا قَطُّ مَالَ فَيْءٍ وَلَا خَمَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جَعَلُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ ، وَمَعَ هَذَا : فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ ذَلِكَ .
وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ .
وَالْأَصْلُ الَّذِي
اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ : إنَّمَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } .
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَظُنَّ بِالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ شَرِيعَتِهِ ؛ بَلْ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ ؛ وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ مَا شَرَعَهُ الرَّسُولُ بِإِجْمَاعِ أَحَدٍ بَعْدَهُ ، كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنْ الْغَالِطِينَ ؛ بَلْ كُلَّمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ؛ لَا مُخَالِفًا لَهُ ؛ بَلْ كُلُّ نَصٍّ مَنْسُوخٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَمَعَ الْأُمَّةِ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ ؛ تَحْفَظُ الْأُمَّةُ النَّصَّ النَّاسِخَ كَمَا تَحْفَظُ النَّصَّ الْمَنْسُوخَ ، وَحِفْظُ النَّاسِخِ أَهَمُّ عِنْدَهَا وَأَوْجَبُ عَلَيْهَا مِنْ حِفْظِ الْمَنْسُوخِ ،(14/31)
وَيَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ نَصِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلَكِنْ قَدْ يَجْتَهِدُ الْوَاحِدُ وَيُنَازِعُهُ غَيْرُهُ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ .
هَذَا مِنْهَا ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا .
وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَظَنَّ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَازَعَهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَهَا السُّكْنَى فَقَطْ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى .
وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ ، وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى } .
فَلَمَّا احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحُجَّةِ عُمَرَ ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى : { لَا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } .
قَالَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا : هَذَا فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثَّلَاثِ ؟ ، وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ مَعَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي : " الطَّلَاقِ " ، لَمَّا قَالَ تَعَالَى : { لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } .
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ لَكَانَ الْمُطَلِّقُ يَنْدَمُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى رَجْعَتِهَا : فَيَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } .
وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ؛ لَا يَكُونُ فِي الثَّلَاثِ ، وَلَا فِي الْبَائِنِ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } .
فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ ؛ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ ، قِيلَ : أَمْرَ إيجَابٍ .
وَقِيلَ : أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ .
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ : أَنَّ الْإِشْهَادَ هُوَ الطَّلَاقُ ، وَظَنَّ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي لَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ .
وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَخِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ أُذِنَ فِيهِ أَوَّلًا ، وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ حِينَ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } .
وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْمُفَارَقَةِ : تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا إذَا قَضَتْ الْعِدَّةَ ، وَهَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا بِرَجْعَةٍ وَلَا نِكَاحٍ .
وَالْإِشْهَادُ فِي هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الرَّجْعَةِ .
وَمِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ : أَنَّهُ قَدْ يُطَلِّقُهَا وَيَرْتَجِعُهَا ، فَيُزَيِّنُ لَهُ الشَّيْطَانُ كِتْمَانَ ذَلِكَ حَتَّى يُطَلِّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقًا مُحَرَّمًا وَلَا يَدْرِي أَحَدٌ ، فَتَكُونُ مَعَهُ حَرَامًا ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى الرَّجْعَةِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَتْ بِهِ طَلْقَةٌ ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ(14/32)
وَجَدَ اللُّقَطَةَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا ؛ لِئَلَّا يُزَيِّنَ الشَّيْطَانُ كِتْمَانَ اللُّقَطَةِ ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا بَلْ خَلَّى سَبِيلَهَا فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لِلنَّاسِ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ ؛ بَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَتْ زَوْجَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ أَطَلَّقَهَا أَمْ لَمْ يُطَلِّقْهَا .
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السِّفَاحِ وَاِتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ وَلِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ بِإِعْلَانِهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَالسِّفَاحِ مَكْتُومًا ؛ لَكِنْ ؛ هَلْ الْوَاجِبُ مُجَرَّدُ الْإِشْهَادِ ؟ أَوْ مُجَرَّدُ الْإِعْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ ؟ أَوْ يَكْفِي أَيُّهُمَا كَانَ ؟ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } .
وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ .
وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْوَى مُرَادَةٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْعَامِّ ، فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى غَيْرِهِ ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَيَفْعَلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ، وَمَنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ ، أَوْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ : فَهَذَا إذَا عَرَفَ التَّحْرِيمَ وَتَابَ صَارَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ فَاسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا .
وَمَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ : فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً بِقَدْرِ ظُلْمِهِ ، كَمُعَاقَبَةِ أَهْلِ السَّبْتِ بِمَنْعِ الْحِيتَانِ أَنْ تَأْتِيَهُمْ ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَعُوقِبَ بِالضِّيقِ .
وَإِنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَعَرَّفَهُ الْحَقَّ ، وَأَلْهَمَهُ التَّوْبَةَ ، وَتَابَ : " فَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ " ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ ، فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، فَإِنَّ
نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ، وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ .
فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتٍ : كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهُ : لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا .
وَكَانَ تَارَةً يُوَافِقُ عُمَرَ فِي الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ لِلْمُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ ؛ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ .
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً لَا يَلْزَمُ إلَّا وَاحِدَةً .
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَغْضَبُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ ، وَيَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ ؛ وَإِلَّا فَوَاَللَّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلِّ مَا تُحْدِثُونَ .
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَلَا أَبِي بَكْرٍ ؛ وَلَا عُمَرَ ؛ وَلَا عُثْمَانَ ؛ وَلَا عَلِيٍّ " نِكَاحُ تَحْلِيلٍ " ظَاهِرٌ تَعْرِفُهُ الشُّهُودُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ .
وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ أَعَادُوا الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْغَالِبِ طَلَاقَ السُّنَّةِ .
وَلَمْ يَكُونُوا يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ نَقْلٌ خَاصٌّ فِي الْحَلِفِ ؛ وَإِنَّمَا نُقِلَ عَنْهُمْ الْكَلَامُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ ؛ لَا فِي الْحَلِفِ بِهِ .(14/33)
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِهِ ، كَمَا يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ بِالنَّذْرِ ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ حَاجَةً فَقَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي .
أَوْ قَضَى دَيْنِي ، أَوْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ ؛ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ .
أَوْ أَصُومَ شَهْرًا ؛ أَوْ أُعْتِقَ رَقَبَةً ؛ فَهَذَا تَعْلِيقُ نَذْرٍ يَجِبُ
عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَإِذَا عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَقَالَ : إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ إنْ زَوَّجْتِ فُلَانًا .
أَنْ أَضْرِبَ فُلَانًا .
إنْ لَمْ أُسَافِرْ مِنْ عِنْدِكُمْ ؛ فَعَلَيَّ الْحَجُّ .
أَوْ : فَمَالٍ صَدَقَةٌ .
أَوْ : فَعَلَيَّ عِتْقٌ .
فَهَذَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ ؛ لَيْسَ بِنَاذِرٍ .
فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا الْتَزَمَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى الصَّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ .
أَنَّهُ يَمِينٌ يُجْزِيهِ فِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ تَحْلِيفَ النَّاسِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهُوَ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَالْعَتَاقِ ؛ وَالتَّحْلِيفُ بِاسْمِ اللَّهِ ؛ وَصَدَقَةِ الْمَالِ .
وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا التَّحْلِيفُ بِالْحَجِّ - تَكَلَّمَ حِينَئِذٍ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ ، وَتَكَلَّمُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى ذَلِكَ .
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إذَا حَنِثَ بِهَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلَى هَذَا جِنْسُ أَيْمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ ؛ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هِيَ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ .
وَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُرَدُّ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ ، وَكَانَ إنَّمَا يُفْعَلُ سِرًّا ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُوكِلَهُ ؛ وَشَاهِدَيْهِ ، وَكَاتِبَهُ وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } .
قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
{ وَلَعَنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا : الْآخِذَ ، وَالْمُعْطِيَ ، وَالشَّاهِدَيْنِ ، وَالْكَاتِبَ } ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يُكْتَبُ وَيُشْهَدُ عَلَيْهِ ، وَلَعَنَ فِي التَّحْلِيلِ : الْمُحَلِّلَ ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ ، وَلَمْ يَلْعَنْ الشَّاهِدَيْنِ وَالْكَاتِبَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِهِ تُكْتَبُ الصَّدَاقَاتُ فِي كِتَابٍ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ الصَّدَاقَ فِي الْعَادَةِ الْعَامَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَا يَبْقَى دِينَارٌ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابٍ وَشُهُودٍ ، وَكَانَ الْمُحَلِّلُ يَكْتُمُ ذَلِكَ هُوَ وَالزَّوْجُ الْمُحَلَّلُ لَهُ .
وَالْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالشُّهُودُ لَا يَدْرُونَ بِذَلِكَ .(14/34)
{ وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } إذْ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا الْمُحَرَّمَ ؛ دُونَ هَؤُلَاءِ .
وَالتَّحْلِيلُ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ ، إذْ كَانَ الرَّجُلُ إنَّمَا يَقَعُ مِنْهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إذَا طَلَّقَ بَعْدَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ الثَّلَاثِ إلَّا نَادِرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ وَكَانَ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ عِصْيَانِهِ وَتَعَدِّيهِ لِحُدُودِ اللَّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ ، فَيَلْعَنُ مَنْ يَقْصِدُ تَحْلِيلَ الْمَرْأَةِ لَهُ ؛ وَيَلْعَنُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا : لِأَنَّهُمَا تَعَاوَنَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .
فَلَمَّا حَدَثَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، أَنَّ الْحَانِثَ يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ ، وَلَا تُجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ يَلْزَمُ ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ يَقَعُ وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ يَقَعُ .
وَكَانَ بَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِمَّا تَنَازَعَ فِيهِ الصَّحَابَةُ ؛ وَبَعْضُهَا مِمَّا قِيلَ بَعْدَهُمْ : كَثُرَ اعْتِقَادُ النَّاسِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ، مَعَ مَا يَقَعُ مِنْ
الضَّرَرِ الْعَظِيمِ وَالْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِمُفَارَقَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، فَصَارَ الْمُلْزِمُونَ بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا حِزْبَيْنِ : حِزْبًا : اتَّبَعُوا مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ فِي تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ ، فَحَرَّمُوا هَذَا مَعَ تَحْرِيمِهِمْ لِمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ ، فَصَارَ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ الْأَغْلَالِ وَالْآصَارِ وَالْحَرَجِ الْعَظِيمِ الْمُفْضِي إلَى مَفَاسِدَ عَظِيمَةٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا .
أُمُورٌ ، مِنْهَا ، رِدَّةُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ لَمَّا أَفْتَى بِلُزُومِ مَا الْتَزَمَهُ .
وَمِنْهَا سَفْكُ الدَّمِ الْمَعْصُومِ .
وَمِنْهَا : زَوَالُ الْعَقْلِ .
وَمِنْهَا : الْعَدَاوَةُ بَيْنَ النَّاسِ .
وَمِنْهَا : تَنْقِيصُ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ .
إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْآثَامِ .
إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ .
وَحِزْبًا : رَأَوْا أَنْ يُزِيلُوا ذَلِكَ الْحَرَجَ الْعَظِيمَ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي بِهَا تَعُودُ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا .
وَكَانَ مِمَّا أُحْدِثَ أَوَّلًا نِكَاحُ التَّحْلِيلِ .
وَرَأَى طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ فَاعِلَهُ يُثَابُ ؛ لِمَا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنْ إزَالَةِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ بِإِعَادَةِ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا ، وَكَانَ هَذَا حِيلَةً فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِرَفْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ .
ثُمَّ أُحْدِثَ فِي الْأَيْمَانِ حِيَلٌ أُخْرَى .
فَأُحْدِثَ أَوَّلًا الِاحْتِيَالُ فِي لَفْظِ الْيَمِينِ ، ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِخَلْعِ الْيَمِينِ ؛ ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِدَوْرِ الطَّلَاقِ ، ثُمَّ أُحْدِثَ الِاحْتِيَالُ بِطَلَبِ إفْسَادِ النِّكَاحِ .
وَقَدْ أَنْكَرَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّتُهُمْ هَذِهِ الْحِيَلَ وَأَمْثَالَهَا ، وَرَأَوْا أَنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالَ حِكْمَةِ الشَّرِيعَةِ ، وَإِبْطَالَ حَقَائِقِ الْأَيْمَانِ الْمُودَعَةِ فِي آيَاتِ اللَّهِ ، وَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْمُخَادَعَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ ، حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ فِي مِثْلِ
هَؤُلَاءِ : " يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَأَنَّمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَانَ ، لَوْ أَتَوْا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيَّ " ، ثُمَّ تَسَلَّطَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ صَلَّى(14/35)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ وَنَصَرَهُ وَعَزَّرَهُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَصُدُّونَ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِهِ ، وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَمْتَنِعُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ بِهِ عَنْ الْإِيمَانِ ، كَمَا أَخْبَرَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَحَاسِنُ الْإِسْلَامِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ التَّحْلِيلِ ، فَإِنَّهُ الَّذِي لَا يَجِدُ فِيهِ مَا يَشْفِي الْغَلِيلَ .
وَقُلْ قَالَ تَعَالَى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } .
فَوَصَفَ رَسُولَهُ بِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ ، وَيَنْهَى عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ، وَيُحِلُّ كُلَّ طَيِّبٍ ، وَيُحَرِّمُ كُلَّ خَبِيثٍ ، وَيَضَعُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ .
وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَرْجُوحَةِ فَهِيَ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ الَّتِي أَحْسَنُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الشَّرْعِ الْمَنْسُوخِ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأُمَّةِ وَأَجَلِّهَا ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ
مُجْتَهِدٌ قَدْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَتَقْوَاهُ ، مَغْفُورٌ لَهُ خَطَؤُهُ ، فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ قَوْلٌ قَالَهُ غَيْرُهُ بِاجْتِهَادِهِ .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } .
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِمَنْ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَجَيْشٍ : { وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك } .
وَهَذَا يُوَافِقُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَاصَرَهُمْ ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ .
فَأَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ حِلْفًا وَهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهِمْ ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ خِلَافَ مَا يَظُنُّ بِهِ بَعْضُ قَوْمِهِ : كَانَ مُقَدِّمًا لِرِضَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى رِضَى قَوْمِهِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا مَاتَ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِهِ .
فَحَكَمَ فِيهِمْ : أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ ، وَتُسْبَى حَرِيمُهُمْ ، وَتُقْسَمُ أَمْوَالُهُمْ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : { لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ } وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
فَهَذَانِ نَبِيَّانِ كَرِيمَانِ حُكِّمَا فِي حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَخَصَّ اللَّهُ أَحَدَهُمَا بِفَهْمِهَا مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى(14/36)
كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ آتَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا فَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ أَجْرَانِ ، وَلِلْآخَرِ أَجْرٌ .
وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِهِ ، وَلَا يُكَلِّفُهُ اللَّهُ مَا عَجَزَ عَنْ عِلْمِهِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَلْزَمُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ غَيْرِهِ ، وَلَا يَلْزَمُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُحْدَثَةِ ؛ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ شَنِيعَةً .
وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ إذَا تَكَلَّمُوا بِاجْتِهَادِهِمْ يُنَزِّهُونَ شَرْعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَطَئِهِمْ وَخَطَأِ غَيْرِهِمْ .
كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوَّضَةِ : أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي ؛ فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ فِي الْكَلَالَةِ وَكَذَلِكَ عَنْ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ فِيمَا يَقُولُونَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتَّى يُوجَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لِاجْتِهَادِهِمْ ، كَمَا وَافَقَ النَّصُّ اجْتِهَادَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا كَانُوا أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَبِمَا يَجِبُ مِنْ تَعْظِيمِ شَرْعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضِيفُوا إلَيْهِ إلَّا مَا عَلِمُوهُ مِنْهُ ؛ وَمَا أَخْطَئُوا فِيهِ - وَإِنْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ - قَالُوا : إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } .
وَقَالَ : { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } وَقَالَ : { فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } .
وَلِهَذَا تَجِدُ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَنَازَعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ عَلَى أَقْوَالٍ ؛ وَإِنَّمَا الْقَوْلُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهَا ، وَسَائِرُهَا إذَا كَانَ أَهْلُهَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَهْلُ
الْعِلْمِ وَالدِّينِ : فَهُمْ مُطِيعُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، مَأْجُورُونَ غَيْرُ مَأْزُورِينَ ؛ كَمَا إذَا خَفِيَتْ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ كُلُّ قَوْمٍ فَصَلَّوْا إلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ ؛ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَسَائِرُ الْمُصَلِّينَ مَأْجُورِينَ عَلَى صَلَاتِهِمْ حَيْثُ اتَّقُوا مَا اسْتَطَاعُوا .
وَمِنْ آيَاتِ مَا بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ ظَهَرَ النُّورُ وَالْهُدَى عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ ؛ وَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ دُونَهُ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ؛ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } .
وَهَذَا التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيزُ .
ثَابِتٌ فِي لَفْظِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعْنَاهُ ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمِنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ : مَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ ، فَإِنَّك تَجِدُ الْأَقْوَالَ فِي ثَلَاثَةٍ : قَوْلٌ فِيهِ آصَارٌ وَأَغْلَالٌ .
وَقَوْلٌ فِيهِ خِدَاعٌ وَاحْتِيَالٌ .
وَقَوْلٌ فِيهِ عِلْمٌ وَاعْتِدَالٌ .
وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنْ الظُّلْمِ وَالِاضْطِرَابِ .
وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ نَوْعًا مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَاحِشَةِ وَالْعَارِ .(14/37)
وَقَوْلٌ يَتَضَمَّنُ سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ .
وَتَجِدُهُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بِالنَّذْرِ ؛ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : قَوْلٌ يُسْقِطُ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَيْمَانِ الْمُشْرِكِينَ .
وَقَوْلٌ يَجْعَلُ الْأَيْمَانَ اللَّازِمَةَ لَيْسَ فِيهَا كَفَّارَةٌ وَلَا تَحِلَّةٌ ، كَمَا كَانَ شَرْعُ غَيْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ .
وَقَوْلٌ يُقِيمُ حُرْمَةَ أَيْمَانِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ ؛ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَيْمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ ،
وَيَجْعَلُ فِيهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالتَّحْلِيلِ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ وَالتَّنْزِيلُ وَاخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ الْقُرْآنِ دُونَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ .
وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ ، وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ ؛ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ؛ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ
ـــــــــــــــــــ
فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت - (ج 8 / ص 141)
الطلاق البدعي هل يقع أم لا ؟؟
حضر أمام اللجنة السيد / علي، وقدم الاستفتاء التالي:ـ
الطلاق البدعي (الطلاق والمرأة حائض ) يقع أم لا؟ وكيف التوفيق إذا كان يقع مع العلم أنه محرم، فهل يعتد بالحرام؟
فسألته اللجنة عن سبب سؤاله عن هذه الأحكام، فأجاب: لأنني إمام مسجد، وهذه أمور يكثر السؤال عنها، وأريد معرفة الحكم الشرعي؟
*أجابت اللجنة بما يلي :
أن الطلاق البدعي يقع عند جمهور العلماء . والله أعلم.
وقد أفادت اللجنة المستفتي بأنه قد صدر تعميم لأئمة المساجد بأن يحيلوا مسائل الطلاق للجنة الفتوى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 11 / ص 31)
(3019- خلاصة القول في الطلاق الثلاث)
نعرف أنها كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طلقة واحدة، ثم على عهد أبي بكر في خلافته كذلك، ثم صدرا من خلافة عمر والأمر كذلك، ولكن الناس حدثاء عهد بعصر النبوة ولم يتمادوا فيه، ثم في خلافة أبي بكر الذي ليس بينه وبين النبوة شيء، ثم في صدر خلافة عمر يعرفون تحريم ذلك وأمثاله غالباً، فقد يوجد في زمن النبي من يجمعها كما يوجد فيه من يزني - ثم لما كان في أثناء خلافة عمر رأى من الناس ارتكاباً لهذا المحرم وعدم مبالاة به، فاجتهد ورأى الإلزام بالثلاث، وقال: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناءة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم بمشاورة الصحابة، وعد إجماعاً وليس بإجماع، بل جماهيرهم على هذا.(14/38)
ثم إن الناس في هذا المقام "ثلاثة أقسام": قسم وهو الأقل جداً قد يكونون يدعون بالأصابع يرون أنها واحدة، ووجهه كما عرفت من كون ذلك هو الأمر في حياة النبي وفي خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، وهذا اختيار الشيخ وابن القيم في أصل المسألة. هذه "طائفة".
"الطائفة الثانية": ترى أنه ثلاث، وأنه سنة محضة.
"القول الثالث": أن ذلك ليس بأصل السنة وإنما هو من باب التعزير، وعمر لم يقل إنه سنة؛ بل قال: فلو أ مضيناه عليهم، وهذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة بين ما فعله الرسول وبين ما فعله عمر، فما فعله عمر هو من باب العقوبة، وسد باب التمادي في الطلاق البدعي المحرم، مثل ما رأى أن يزاد في حد الشرب لما كثر الانهماك فيه و التمادي ولم تزجرهم الأربعون، وشاور من شاور فجعله ثمانين، وهو الخليفة الراشد، ليس على خطأ وزلل، وهذا هو الذي عليه الفتوى، وهو الراجح في الدليل، وهو الذي عند الأئمة الأربعة وأهل العلم جميعاً أنه يقع ويحال بين المرأة وبين زوجها، إلا أفراداً إذا عدوا في جميع الطبقات ما يملؤون الأصابع وليسوا من المشاهير، وإمام الدعوة قدس الله روحه يقول: لا أعلم أني أفتيت بقول شيخ الإسلام إلا مرة واحدة، وإنما جميع فتواه بقول عمر، ومن المعلوم أنه من أئمة الهدى، وإيثاره السنة، وهو ممن يعظم الشيخين.
ثم نعرف أن في زماننا هذا التحليل قليل بمرة وقد كان في أزمان أدركنا بعضها يوجد وهو قليل في السنة والسنتين مرة، أما في أزماننا القريبة فيما سمعنا به منذ عشرات السنين، فيكون البقاء عليه مرجح لقول الجمهور.
وأيضاً الآن يفترون فيقولون طلقت ثلاثاً وإن كان قد تخللها رجعة، فينبغي أن يعمل ويفتى بقول الجمهور أنها لا تجوز له إذا قال: هي طالق ثلاثاً، وإذا قيل: هي واحدة صارت ذلولاً للعاصين.
ثم أيضاً يفتح ذلك باب الفوضى ويقع في قلوب العوام عدم حكمة الشريعة، بل ربما يظنون أن الفتوى لأجل الشهوات من يحبون يفتون له ومن لا فلا، وتحرج طالب العلم من القول بالثلاث وترك ذلك لمن ينشط على الفتوى بقول الجماهير هو الورع إذا لم ينشط على المنع.
ثم مشهور في ذلك كلام الشيخين، وقد أكثرا في ذلك وبسطا، ولكن تعرف أن زمن شيخ الإسلام ليس مثل زمن النبي الذي الناس لم يتمادوا فيه، ولا في زمان عمر الذي لما أدبهم انكفوا، بل كان في زمان شيخ الإسلام مفسدة أخرى وهي التحليل المحرم فشا فيه، فرأى أن لا يقع خشية الوقوع في التحليل، يقول كوننا نقول يراجعها خير من كوننا نقول يقع ثم يرجعون إلى التحليل الذي حلله بعض أهل المذاهب وهو أردأ الأقوال، فالشيخ وابن القيم يقولان إذا صار أنه من باب العقوبة فهنا محذور قد ترتب على هذا وهو التمادي في التحليل المحرم، ومن أسباب إكثار الشيخ في المسألة أنه قصد تبرئة نفسه من أنه مخالف للحق والصواب، وهو وتلميذه لم يقوما مقام إنكار على من أمضى الثلاث، إنما هو مقام ذب لمن جهل الحكم الشرعي ورداً لمسألة التحليل، وإلا فهما ما بدعا ولا ضللا من قال ذلك، لا سيما وأميرهم عمر، ولا قال: إنهم مجتهدون مخطئون.(14/39)
و"الشيعة" لا ترى الثلاث إلا واحدة، وأعداء شيخ الإسلام يقولون إن مذهبه مذهب الرافضة، واختياره ليس موافقاً من جميع الوجوه لمذهب الرافضة، إنما الشيخ في شيء مخصوص بشرطه، ولكن العدو يقول في عدوه ما شاء إذا كان لا يخالف الله ولا ينصف.
فمن غَلَّطَ وَجَهَّلَ من أفتى به على هذا التغليظ فهو غلطان، وجنى على عمر والصحابة، ومن قال: إنه ذات الحكم النبوي فقد غلط إذا كانت العلة موجودة، أما إذا كانت مفقودة أو كانت علة أكبر كما في وقت شيخ الإسلام وهو التحليل فلا.
فالقول بوقوع الثلاث فيه سد للتمادي في هذه المعصية، واتباع للخليفة الراشد، وتأديب شرعي كما تقدم. (تقرير).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حدود الله في (الطلاق- والمعاملات- والعبادات)
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 15/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
أخي الكريم -أعزكم الله- ما هي حدود الله في ( الطلاق - والمعاملات - والعبادات؟) وجزاكم الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فالجواب: أن هذا سؤال مهم جداً، ونافع ومفيد لطالب العلم، وجوابه يحتاج إلى بسط، فأقول مستعيناً بالله، مراعياً جانب الاختصار ما يلي:
أولاً: العبادة ومفهومها: إن للعبادة مفهوماً عاماً، ومفهوماً خاصاً: أما العام فهو التذلل لله -تعالى- محبة وتعظيماً، بفعل أمره واجتناب نهيه على الوجه الشرعي.
أما الخاص: ويتعلَّق بتفاصيلها فهو أن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، والأصل فيها المنع والحظر، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله -تعالى- إلا بما شرعه، أو شرعه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"[الشورى: 21].
فمن تعبد الله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع، سواء كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، أو فيما يتعلَّق بأحكامه وشرعه؛ قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور"رواه أبو داود(4607)، والترمذي(2776)، وابن ماجة(42)، والعبادة مبنية على أمرين:(14/40)
الأول: الحب، فبه تطلب مرضاة المعبود، تحبه فتطلبه.
الثاني: التعظيم، فبه يُهرب من معصية المعبود، تعظمه فتخافه.
ولا تقبل العبادة إلا بشرطين:
الأول: الإخلاص لله -تعالى- بأن يقصد المرء بعبادته التقرُّب إلى الله -تعالى- والوصول إلى دار كرامته.
الثاني: موافقة الشريعة، فلا بد من المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم- بأن يعبد الله -تعالى- على وفق ما شرعه -صلى الله عليه وسلم- أو قلَّ.
والأدلة على هذين الشرطين كثيرة منها: قوله -تعالى-: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"[الكهف: 110]، وقوله -تعالى-: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"[البينة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"رواه البخاري(2697)، ومسلم(1718) من حديث عائشة-رضي الله عنها-.
ثانياً: الطلاق، وحكمه:
الطلاق: هو حل قيد النكاح أو بعضه، فإن كان بائناً فهو حل لقيد النكاح كله، ولا يكون إلا بعد نكاح، والأصل فيه الكراهة؛ لقوله -تعالى-: "فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم"[آل عمران: 226-227]، فقوله: "سميع عليم" فيه شيء من التهديد، وهذا في الطلاق، أما في الفيء فقال: "فإن الله غفور رحيم"، فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله -عز وجل- وأن الأصل فيه الكراهة، وقال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود(2178)، وابن ماجة(2018) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- لكن هذا الحديث ضعيف، وفي معناه نظر واضح - ولأن في الطلاق تشتيت للأسرة غالباً- ويباح الطلاق للحاجة، مثل ألا يستطيع الزوج الصبر على زوجته، ويستحب لضرر المرأة؛ لما في ذلك من الإحسان إليها لإزالة الضرر عنها، ويتأكد ذلك جداً في بعض الأحوال ويجب إذا آلى من زوجته بأن حلف ألَّا يجامعها أكثر من أربعة أشهر، فإذا تمت أربعة أشهر فإما أن يرجع ويكفر كفارة يمين، وإما أن يطلق وجوباً، وكذلك يجب أن يطلق إذا اختلت عفتها، ولم يستطع الإصلاح، وكذلك يجب أن يفارقها إذا كانت لا تصلي، وقد أصرَّت على ذلك، ويحرم أن يطلقها طلاقاً بدعياً، إما في الوقت كأن يطلقها في الحيض، أو في طهر جامعها فيه وهي ممن تحيض، ولم يتبين حملها، وإما في العدد بأن يطلق أكثر من واحدة.
إذاً فالطلاق السني أن يطلقها طاهراً من غير جماع، أو قد تبين حملها طلقة واحدة.
وهل يقع الطلاق البدعي أم لا؟
خلاف بين العلماء، وقاعدة شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم وتبعهما العلامة الشيخ/ محمد بن عثيمين: أن الطلاق البدعي لا يقع؛ لأدلة كثيرة معلومة، وبالإمكان الرجوع إليها في (مجموع الفتاوى) (وزاد المعاد)، و(إغاثة اللهفان)، و(الإعلام)، وفتاوى الشيخ محمد بن عثيمين وشرحه للزاد وللبلوغ.
ويصح الطلاق ممن يعقل معناه من زوج مكلف، وصبي مميز.(14/41)
ثالثاً: المعاملات، والأصل فيها: الأصل في المعاملات الحل؛ لقوله -تعالى-: "وأحل الله البيع وحرم الربا"[البقرة: 275]، فكل مبايعة أو معاوضة فالأصل فيها الحل، وهكذا بقية العقود، وقال تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً"[البقرة: 29]، ولا يحرم منها إلا ما دل الدليل على تحريمه، ومدار ذلك على أمور ثلاثة:
1- الربا.
2- الغرر.
3- الظلم.
فكل معاملة تضمنت ربا أو غرراً أو ظلماً، أو أدت إلى ذلك فهي محرمة، كما قرره شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، والشيخ العلامة محمد بن عثيمين - رحمة الله على الجميع-؛ لأن المعاملات مبناها على العدل والقسط.
أما الربا ففروعه كثيرة، ومنها مسألة العينة: وهي بيع بيعتين في بيعة؛ بأن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يرجع فيشتريها ممن باعها عليه بثمن حالٍّ أقل.
أما الغرر فكل بيع فيه ميسر وقمار ومخاطرة، ومن ذلك كل بيع مجهول.
أما الظلم فهو أعم مما تقدم إذ يشملهما، فكل ما اشتمل على أحدهما من المعاملات دخله الظلم، كما أنه يشمل غير ذلك مما دخله الظلم الظاهر، كبعض المعاملات المعاصرة، ومنها على سبيل المثال: مسألة الإيجار المنتهي بالتمليك، ومنها اشتراط حلول الثمن المؤجل بتأخر سداد أحد الأقساط، كما يحصل في بيع التقسيط أحياناً، ووجه الظلم فيه أن التأجيل يكون له أثر معلوم في زيادة ثمن السلعة على ثمنها لو بيعت بثمن حال، أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمين على شروطهم..." رواه الترمذي(1352)، وابن ماجة(2353) من حديث عمرو بن عوف المزني -رضي الله عنه- فالمقصود بذلك الشروط الصحيحة التي لا تتضمن ربا، أو غرراً، أو ظلماً، وقد علل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين تحريم هاتين المسألتين بذلك - يعني بالظلم-، وذلك حين سألته - رحمه الله-.
المراجع:
1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
2- القواعد النورانية لشيخ الإسلام.
3- نظرية العقد (العقود) لشيخ الإسلام.
4- زاد المعاد.
5- الإعلام.
6- إغاثة اللهفان (كلها لابن القيم).
7- مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين.
8- شرحه للزاد والبلوغ المطبوع والمسجل بالأشرطة.
9- الفتاوى السعدية.
10- المختارات الجلية (كلاهما للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي) على الجميع - رحمة الله-. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
التأديب بالطلاق(14/42)
المجيب أ.د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /الطلاق السني والبدعي
التاريخ 7/4/1424هـ
السؤال
أنا شاب متزوج، ولي ولد وبنت من زوجتي، وحصلت مشادة كلامية عنيفة بيننا، وحاولت خلالها ضبط النفس ما أمكن، ولكن مع الإصرار الشديد والتكرار الملح في طلب الزوجة للطلاق، أردت بادئ ذي بدء أن أردعها بطلاق مشروط، كأن أقول لها إذا فعلت كذا فأنت طالق، ولكن تملكني الغضب إلى درجة أن ضربتها ورفعت صوتي عليها وقلت لها أنت طالق؛ -أي أنني لم أشترط-، والمشكلة أنني عندما تلفظت بالطلاق كنت أريد قول الشرط ولكن لم أقله.
مع العلم أنني طلقتها في طهر بعد جماع بيننا، وأن هذه الطلقة الأولى.
أفيدونا، ما الحكم أثابكم الله؟
الجواب
الزواج رابطة مقدسة تقوم على أركان ثلاثة (السكن - المودة - الرحمة)، ويتعين على كل من الزوجين المعاشرة بالمعروف، وبذل الجهد في حسن الصحبة، وإزالة ما يسبب الأذى وينغص العيش، ولا يحل للزوج إيذاء زوجته بلسانه أو بيده، وعليه أن يتقي الله فيها، ويتأسى بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام-"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" الترمذي (3895) وابن ماجة (1977)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-:"استوصوا بالنساء خيراً" البخاري (5186) ومسلم (1468) وقوله -عليه الصلاة والسلام-:"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن ساءه منها خلق سره منها آخر" مسلم (1469) ومعناه "لا يمقت ولا يسخر".
وإذا عاملت الزوجة زوجها بالمعروف، وبذلت الجهد في حسن الصحبة فإن إيقاع الطلاق عليها يعتبر جناية، بل جريمة في حقها؛ لقوله -تعالى-:"فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً" [من 32سورة النساء].
يعتبر الطلاق في مثل هذه الحالة محظوراً، والمطلق آثماً، على أن الطلاق في العادة الشهرية أو في الطهر الذي حصل فيه اتصال جنسي يعتبر طلاقاً بدعياً، ويرى بعض العلماء أن الطلاق البدعي لا يقع، ولكن خروجاً من الخلاف فلك أن تراجع زوجتك ما دامت في العدة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 6542 )
س2: هل الطلاق البدعي يقع أو لا، وإذا وقع هل يعد طلقة واحدة أو ثلاثة؟
ج2: الطلاق البدعي أنواع، منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض، أو نفاس، أو في طهر مسها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع. ومنها: أن يطلقها ثلاثا، والصحيح أنه يعتد به طلاقا، ويعتبر طلقة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء إذا كان ثلاثا بلفظ واحد. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(14/43)
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 276)
126 - حكم طلاق الحامل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع . إ . وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
كتابكم المؤرخ 22/ 8/ 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة عن رجل طلق زوجته في حال الحمل وردها بعد الوضع ، ثم طلقها في طهر لم يمسها فيه وردها ثم طلقها في حال الحمل ، ورغبتكم في الفتوى كان معلوما .
والجواب : الذي أرى عدم حل المرأة المذكورة لزوجها المذكور حتى تنكح زوجا غيره ، نكاح رغبة لا نكاح تحليل ، ويطأها لكونه استوفى الطلقات الثلاث في أوقات متفرقة ، أما قولكم : إن الطلاق الأول بدعي فغير صحيح ؛ لأنه وقع في حال الحمل ، وتطليق المرأة في حال الحمل أو في طهر لم يجامعها فيه هو الموافق للسنة ، ثم الطلاق البدعي واقع عند الجمهور مع الإثم ؛ لأن المشهور أن ابن عمر - رضي الله عنهما - حسب عليه الطلاق الذي وقع منه في الحيض ، كما رواه البخاري في الصحيح ، وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه ، إنه خير مسئول ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 278)
127 - مسألة في وقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه
من م . س . أ . إلى حضرة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رعاه الله ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أسأل الله أن يمتعكم بالصحة والعافية ، وأن يرزقنا وإياكم الشكر لنعمه والثبات على الدين . وبعد : سؤال موجه لسماحته من الشيخ م . س . أ . بتاريخ 20 ذي الحجة 1389هـ .
إنني كنت أعلم أنكم تفتون بوقوع الطلاق الثلاث واحدة ، إن كان في مجلس واحد . وكنت سابقا لا يطمئن قلبي للإجابة وفق هذا . ولكن حديثا جدا تبين لي وضوح دلالة القرآن على ذلك ، وجسرت على ذلك ، وخاصة بعد ما تبين لي عظم المآسي التي تنتج من التفريق الدائم بين الزوجين إذا تعلق ذلك بكلمة واحدة تخرج من فم الزوج . ولكن سؤالي الآن هو : هل أنتم تفتون بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي حصل فيه اتصال بين الزوجين ، أو أنكم تفتون بعدم وقوعه ؟
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 279)
فإن كنتم تفتون بوقوعه فما الفرق عندكم بينه وبين الطلاق الثلاث في مجلس واحد ؟ إذ كلاهما مخالف للوجه المشروع ، فينبغي أن يكون الحكم فيهما واحدا . وإن(14/44)
كنتم تفتون بعدم وقوعه ، فهل ينبغي للمفتي والحاكم أن يستفسر من المطلق عن حال المرأة عند التلفظ بالطلاق ؟
كما أنني أود أن أعلم قولكم في مسألة الحلف بالطلاق . ومسألة طلاق المغضب غضبا يخرج الإنسان عن طوره الطبيعي دون أن يصل به إلى الإغلاق ، ولست في هاتين المسألتين بحاجة إلى معرفة الاستدلال ، وإنما قصدي معرفة قولكم .
هذا ما لزم ، وتحياتي إلى الأبناء ، والمشايخ ، والإخوان ، وسائر الأحبة لديكم . والسلام .
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 280)
128 - حكم الطلاق في الحيض والطهر
الذي جامع فيه ، والحلف بالطلاق ، وطلاق الغضبان .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م . س . أ . وفقه الله لكل خير ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم ( 80 ) في 11/ 1/ 1390هـ :
كتابكم الكريم المؤرخ 10/ 12/ 1389هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة عن رغبتكم في معرفة رأيي في حكم الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه والحلف بالطلاق وطلاق الغضبان . . . إلخ كان معلوما .
والجواب الذي أرى في الطلاق في الحيض والطهر الذي
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 281)
حصلت فيه المجامعة ، وأفتي به هو : وقوع الطلاق لأمرين : أحدهما : حديث ابن عمر ، وكون الطلقة حسبت عليه . والثاني : أني لا أعلم في شيء من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفسر من المطلق عند سؤاله عن الطلاق هل كان طلق في الحيض ، أو في طهر جامع فيه ، ولو كان الحكم يختلف لوجب الاستفسار ، ولا أعلم أني أفتيت بعدم الوقوع إلا مرة واحدة ، ولا أزال ألتمس المزيد من الأدلة على وقوعه أو عدم وقوعه ، وطالب العلم ينبغي له أن يكون دائما طالبا للحق بأدلته حتى يلقى ربه عز وجل .
أما الحلف بالطلاق فقد كنت فيما مضى أفتي بالوقوع ، ثم ظهر لي أخيرا من نحو سنة أو أكثر قليلا عدم الوقوع ، وأفتيت بذلك مرات كثيرة إذا كان المطلق لم يرد إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط , وإنما أراد معنى آخر من حث ، أو منع ، أو تصديق ، أو تكذيب , ولا يخفى أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما .
وأما طلاق الغضبان ، فالذي أفتي به الوقوع ما لم يشتد حتى يغير الشعور ، أو يذكر المطلق أنه لا يعلم ما وقع منه إلا بقول الحاضرين معه ، أما الفرق بين القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي وقعت فيه المجامعة ، والقول بعدم وقوع الثلاث ، الصادرة من الزوج بلفظ واحد فهو : أن النص جاء صريحا في عدم وقوع الثلاث ، وأنها كانت تجعل واحدة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر - رضي الله عنه - وأول عهد عمر - رضي الله عنه - ولم يأت مثل هذا في(14/45)
الطلاق في الحيض ، والطهر الذي وقع فيه المسيس ، ولما كان الحديث في عدم وقوع الثلاث ليس بالصريح في عدم إيقاع الثلاث المفرقة ، حملته على ما إذا وقعت بلفظ واحدة ؛ لأن ذلك أقل ما يدل عليه ؛ ولأن ابن عباس - رضي الله عنهما - أفتى بذلك في الرواية التي جاءت عنه في عدم إيقاع الثلاث ، ولأني لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع .
هذا خلاصة ما لدي في الموضوع ، ومتى ظهر لفضيلتكم خلاف ما ذكرته بدليل اطمأننتم إليه ، فأرجو الإفادة بذلك ؛ لأن الحق ضالة المؤمن ، والفائدة مطلوبة مني ومنكم ، ومن كل طالب علم ، يتحرى الحق . وفقني الله وإياكم وسائر إخواننا ، لإصابة الحق في القول والعمل والثبات عليه ، إنه خير مسئول .الطلاق الثلاث بلفظ واحد ... العنوان
ما الحكم فيمن طلق زوجته في لحظة غضب شديد؟؟ قائلا (طالق طالق طالق) ؟؟وكيف يردها إلى عصمته ثانية؟؟
... السؤال
03/04/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
إذا دخل الزوج بزوجته ملك عليها ثلاث طلقات، واتفق العلماء على أنه يحرم على الزوج أن يطلقها ثلاثًا بلفظ واحد. أو بألفاظ متتابعة في طهر واحد. وعللوا ذلك بأنه إذا أوقع الطلقات الثلاث، فقد سد باب التلاقي والتدارك عند الندم، وعارض الشارع، لأنه جعل الطلاق متعددًا لمعنى التدارك عند الندم، وفضلاً عن ذلك، فإن المطلق ثلاثًا قد أضر بالمرأة من حيث أبطل محليتها بطلاقه هذا.
وقد روي النسائي من حديث محمود بن لبيد قال: "أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جيمعًا. فقام غضبان". فقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، أفلا أقتله".
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: "فجعله لاعبًا بكتاب الله" لكونه خالف وجه الطلاق وأراد به غير ما أراد الله به، فإنه تعالى أراد أن يطلق طلاقًا يملك فيه رد المرأة إذا شاء، فطلق طلاقًا يريد به ألا يملك فيه ردها.
وأيضًا فإن إيقاع الثلاث دفعة مخالف لقول الله تعالى: (الطلاق مرتان).
والمرتان والمرات في لغة القرآن والسنة، بل ولغة العرب، بل ولغة سائر الأمم، لما كان مرة بعد مرة، فإذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله تعالى، وما دل عليه كتابه. فكيف إذا أراد باللفظ الذي رتب عليه الشارع حكمًا ضد ما قصده الشارع؟! أ. هـ.
وإذا كانوا قد اتفقوا على الحرمة، فإنهم اختلفوا فيما إذا طلقها ثلاثًا بلفظ واحد. هل يقع أم لا؟ فإذا كان يقع فهل واحدة أم ثلاثًا؟ فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع. ويرى بعضهم عدم وقوعه. والذين رأوا وقوعه، اختلفوا. فقال بعضهم: إنه يقع ثلاثًا. وقال بعضهم: يقع واحدة فقط.(14/46)
وفرق بعضهم فقال: إن كانت المطلقة مدخولاً بها تقع الثلاث،
وإ ن لم تكن مدخولاً بها فواحدة استدل القائلون بأنه يقع ثلاثًا بالأدلة الآتية:
1 - قول الله تعالى: (فإن طلقها، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره).
2 - قول الله تعالى:
(وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة) الآية.
3 - وقول الله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء).
فظواهر هذه الآيات تبين صحة إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث. لأنها لم تفرق بين إيقاعه واحدة أو اثنتين. أو ثلاثًا.
4 - وقول الله تعالى: (الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). فظاهر هذه الآية جواز إطلاق الثلاث، أو الثنتين، دفعة أو مفرقة، ووقوعه.
5 - حديث سهل بن سعد، قال: "لما لاعن أخو بني عجلان امرأته، قال: يا رسول الله ظلمتها إن أمسكتها: هي الطلاق، هي الطلاق، هي الطلاق". رواه أحمد.
6 - وعن الحسن قال: "حدثنا عبد الله بن عمر، أنه طلق امرأته تطليقة، وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخريين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا ابن عمر: ما هكذا أمرك الله تعالى! إنك قد أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء. وقال: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراجعتها. ثم قال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك. فقلت يا رسول الله: أرأيت لو طلقتها ثلاثًا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا.. كانت تبين منك وتكون معصية". رواه الدارقطني.
7 - وأخرج عبد الرازق في مصنفه عن عبادة بن الصامت، قال: "طلق جدي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال النبي: ما اتقي الله جدك، أما ثلاث فله، وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم. إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له".
وفي رواية: إن أباك لم يتق الله فيجعل له مخرجًا. بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون، إثم في عنقه.
8 - وفي حديث ركانة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه أنه أراد إلا واحدة، وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقع. هذا مذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة، وأئمة المذاهب الأربعة. أما الذين قالوا بأنه يقع واحدة. فقد استدلوا بالأدلة الآتية:
أولاً: ما رواه مسلم.
أن أبا الصهباء قال لابن عباس: "ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر؟ قال نعم".
وروي عنه أيضًا قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب. إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة. فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. أي أنهم كانوا يوقعون طلقة بدل إيقاع الناس الآن ثلاث تطليقات.(14/47)
ثانيًا: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طلق ركانة امرأته ثلاثًا في مجلس واحد. فحزن عليها حزنًا شديدًا.. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا. فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة، فأرجعها إن شئت. فراجعها". رواه أحمد وأبو داود.
وقال ابن تيمية ج 3 ص 22 فتاوى: وليس في الأدلة الشرعية "الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس" ما يوجب لزوم الثلاثة له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي إلزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه، وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله ونكاح التحليل لم يكن ظاهرًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة أعيدت بعد الطلقة الثالثة على عهدهم إلى زوجها بنكاح تحليل. بل لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له –إلى أن قال: وبالجملة فما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته شرعًا لازمًا، لا يمكن تغييره، فإنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله.
قال تلميذه ابن القيم قد صح عنه صلى الله عليه وسلم، أن الثلاث كانت واحدة في عهده، وعهد أبي بكر، رضي الله عنه، وصدرًا من خلافة عمر، رضي الله عنه، وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك، ولم يبلغه، وهذا وإن كان كالمستحيل، فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك، وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم. فهذه فتواه، وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد، ولا معارض لذلك.
ورأى عمر رضي الله تعالى عنه، أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجرًا لهم –لئلا يرسلوها جملة- وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه. غايته أن يكون سائغًا لمصلحة رآها. ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته فإذا ظهرت الحقائق. فليقل امرؤ ما شاء. وبالله التوفيق. وقال الشوكاني: وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى، ورواية عن علي عليه السلام، وابن عباس، وطاووس، وعطاء، وجابر، وابن زيد، والهادي، والقاسم، والباقر، وأحمد بن عيسى، وعبد الله بن موسى بن عبد الله، ورواية عن زيد بن علي.
وإليه ذهب جماعة من المتأخرين. منهم: ابن تيمية، وابن القيم، وجماعة من المحققين، وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح، ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما. نقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عيسى، كعطاء، وطاووس، وعمر، وابن دينار، وحكاه ابن مغيث أيضًا في ذلك الكتاب عن علي رضي الله عنه، وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وهذا هو المذهب الذي جرى عليه العمل أخيرًا في المحاكم.
فقد جاء في المادة 2 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ما يلي: "الطلاق المقترن بعدد –لفظًا، أو إشارة- يقع واحدة". أما حجة القائلين بعدم وقوع الطلاق مطلقًا. أنه طلاق بدعي، والطلاق البدعي لا يقع عند هؤلاء، ويعتبر لغوًا.(14/48)
وهذا المذهب يحكي عن بعض التابعين. وهو مروي عن ابن علية، وهشام بن الحكم، وبه قال أبو عبيدة، وبعض أهل الظاهر، وهو مذهب الباقر، والصادق، والناصر، وسائر من يقول بأن الطلاق البدعي لا يقع. لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة من جملته. أما الذين فرقوا بين المطلقة المدخول بها وغير المدخول بها، فهم جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهوية.
هذا هو الرأى الراجح فى مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد أو فى وقت واحد وخلاصته أنه يقع طلقة واحدة أماكيفية المراجعة فيستطيع أن يعيدها مرة أخرى دون مهر أو عقد جديد مادام هو يريد ذلك وتحسب عليه طلقة واحدة والله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(14/49)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الطلاق المعلق
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(15/1)
شروط صحة الاستثناء في الطلاق المعلق
تاريخ 06 ذو الحجة 1427 / 27-12-2006
السؤال
أقسمت على أن زوجتي طالق بالثلاث إذا اتصلت خارج الدولة التي نقيم فيها إلا بإذني ولكن بعد نصف تذكرت بأنني لم أحدد الفترة الزمنية لذلك المنع وقلت حينها إلى أن يشاء الله
فأرجو إعلامي عن المدة التي علي الالتزام بهذا اليمين ومنعها.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك لزوجتك (أنت طالق بالثلاث إذا اتصلت خارج الدولة التي نقيم فيها) طلاق معلق على شرط وهو اتصال الزوجة، فإن كنت تنوي مدة معينة كشهر أو سنة أو غير ذلك، تقيد اللفظ بها، فلا يقع الطلاق إلا باتصالها في هذه المدة، وإلا فهو على التأبيد فمتى اتصلت في أي وقت وقع الطلاق.
قال المنتقى شرح الموطأ: وذلك أن الأيمان على ضربين: يمين على مستقبل، ويمين على ماض.. وهو ينقسم قسمين: أحدهما: يقتضي المنع مثل قوله: والله لا لبست الثوب ولا أكلت هذا الخبز، فهذا إن أطلق الفعل ولم يعلق بوقت ولا مكان ولا صفة منعت اليمين ذلك الفعل على التأبيد، فمتى فعله حنث ولزمته الكفارة، وإن قيد الفعل بوقت مثل قوله: والله لا لبست هذا الثوب غدا أو لا لبسته يوم الجمعة أو لا لبسته بمكة أو لا لبسته راكبا، تعلق المنع بذلك الوقت أو بذلك المكان أو بتلك الصفة، فإن فعله على شيء من ذلك حنث، وإن فعله في غير ذلك الوقت أو في غير ذلك المكان أو على غير تلك الصفة لم يحنث لأن يمينه لم يتناول ذلك ولا صفته. انتهى
وأما ما ذكرت من الاستثناء بعد (نصف غير محددة) فلا ينفع إلا بشروط منها: أن يكون متصلا بالمستثنى منه، وضابط الاتصال بحيث يعد كلاما واحدا عرفا. قال في مغني المحتاج: ( بشرط اتصاله ) أي لفظ المستثنى بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا ( ولا يضر ) في الاتصال ( سكتة تنفسٍ وَعِيٍّ ) أو تذكر أو انقطاع صوت؛ لأن ذلك لا يعد فاصلا؛ بخلاف الكلام الأجنبي ولو يسيرا. انتهى
ومن الشروط أن ينوي الاستثناء قبل فراغه من اليمين، وانظر تفصيله في الفتوى رقم 65900.
وعليه، فإذا لم تتوفر هذه الشروط في الاستثناء ولم يكن لك نية بمدة معينة، فإن الطلاق يقع باتصال الزوجة على الصفة المذكورة وهي الاتصال خارج البلد المقيمين فيه.
وهل يقع ثلاثا ولو لم يقصد به الطلاق أم لا؟ الجمهور على وقوعه، ومن أهل العلم من لا يرى وقوعه إلا بقصد الطلاق، ثم على القول بوقوعه فهل يقع بحسب اللفظ أم واحدة؟ خلاف بين أهل العلم، سبق بيانه في الفتوى رقم: 5584، والفتوى رقم: 3795.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(15/2)
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق وطلاق الموسوس
تاريخ 26 ذو القعدة 1427 / 17-12-2006
السؤال
قمت بطلاق زوجتي ثلاث مرات على النحو التالي: المرة الأولى بعد الزواج بسنة إثر خلاف قلت لها أنت طالق ثم راجعتها فورا ولم يكن قصدي الطلاق ولكن كسر عنادها. المرة الثانية بعد خمس سنوات تقريبا لا أذكر تفاصيل ذلك الطلاق حيث طلبت منها أن لا تشغل التلفزيون لأنني أريد أن أنام ولا أذكر إن قلت لها إذا شغلت التلفزيون فأنت طالق أو أنت طالق لكن أغلب الظن أنني قلت لها إن شغلت التلفزيون فأنت طالق ثم أرجعتها وبعد ثماني سنوات تقريبا قلت لها أنت طالق وفي هذه المرة كنت أنوي الطلاق، فذهبت للمحكمة الشرعية في رام الله فحولني رئيس القلم للمفتي الذي طلب مني أن أحضر زوجتي فذكرت له ما سبق واستمع للزوجة وأرجعها لي على أنه أسقط الطلقة الثانية وذلك أن الزوجة قالت له إنني كنت غضبانا وكنت أريد أن أنام مع أنني أعرف بأن غضبي لا يخرجني عن طوري وأعي ما أقول. في الطلقه الثالثة كنت مصابا بمرض نفسي ولا زلت وهو الشك ودائما أشك في زوجتي رغم أننا أسرة ملتزمة ومتدينون، فكنت أشك فيها مع إخوتي واليوم أشك فيها مع ابني الذي يحفظ القرآن، وهذا ما يجعلني أزهد فيها رغما عني علما أنني أيضا أحفظ القرأن إلا أن هذا لم يمنع الشك من نفسي، وأنا أخشى الله كثيرا وأخشى عذابه ولكني ضعيف الصبر..لم أرتح لفتوى المفتي لأنني شكاك. وشعرت أنها ضعيفة ولكني اعتمدت على قول ابن تيمية والشوكاني اللذين لا يوقعان الطلاق البدعي حيث في جميع المرات كان الطلاق بدعيا، واعتمادي على قول الشوكاني وابن تيمية ليس لأني صاحب نظر في الأدلة ولكني معجب بآراء هذين العالمين المجتهدين حيث إنني قرأت نيل الأوطار للشوكاني كاملا كما أنني أقرأ كثيرا في الفتاوى لابن تيمية .إلا أنني كلما فترت عن قيام الليل أو حدث لي أمر في الحياه أقول ربما أو أغلب الظن أن حياتي مع زوجتي حرام وهذا عقاب لي. كما أنني أتوقع دائما أن يعاقبني الله بعقاب كبير في الدنيا خوفا من هذا الموضوع, وأصبحت
حين أجامع زوجتي أشعر بتعب وفتور فأظن أن ذلك حرام. وحتى أتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى مالا يريبك . وذلك بإنهاء علاقتي بزوجتي حتى أرتاح من كل هذه الشكوك والظنون واتباع الأحوط أقول إن هناك ست أولاد حرام أضيعهم طالما أنه ليس هناك من أفتاني بأنها حرام علي. أطلب فتواكم ونصيحتكم وبارك الله فيكم فضيلة الشيخ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتفصيل الطلاق الذي حصل منك على النحو التالي :
1ـ أما الطلقة الأولى والثالثة فواقعتان بلا إشكال .(15/3)
2ـ وأما الطلقة الثانية فهي طلاق معلق لأنك قلت في سؤالك ( لكن أغلب الظن أنني قلت لها إن شغلت التلفزيون فأنت طالق ) وعليه فإن كانت قد شغلت التلفاز فقد وقع الطلاق وإن كانت لم تشغله فلم يقع الطلاق .
وأما الغضب فغير مانع من الطلاق لأنك قلت: (مع أنني أعرف بأن غضبي لا يخرجني عن طوري وأعي ما أقول ) وأنت أعرف بحالك من غيرك، وقد نص العلماء على أن الغضب الذي لا يقع معه الطلاق هو الذي يخرج الإنسان عن وعيه والتصرف في ألفاظه، وأما أخذك بقول الإمام ابن حزم الظاهري وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم والقاضي الشوكاني ومن تبعهم ممن ذهبوا إلى عدم وقوع الطلاق البدعي وهو الواقع في حال الحيض أو الطهر المجامع فيه أو النفاس فهو قول له وجهة من النظر، وبه أخذت كثير من المحاكم الإسلامية في هذا العصر، لكن قول الجمهور هو الأقوى دليلا والأبرأ للذمة والأحوط للدين، وقد نقل كثير من أهل العلم الإجماع عليه واعتبر مخالفه شاذا، وقد فصلنا ذلك في الفتاوى التالية : 5584 ، 8507 ، 8297 ، 3073 ، 11566 .
وأما طلاق الموسوس فواقع ما دام مكلفا فإن غلب على أمره فلا يقع طلاقه، قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم: يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود وذلك كل بالغ من الرجال غير مغلوب على عقله لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ .. ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله فإن ثاب إليه عقله فطلق في حالة تلك أو أتى حدا أقيم عليه ولزمته الفرائض وكذلك المجنون يجن ويفيق فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق في حال إفاقته لزمه . انتهى .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هي يمكن الرجوع عن الطلاق المعلق
تاريخ 01 ربيع الثاني 1427 / 30-04-2006
السؤال
في إحدى المشادات العائلية أقسمت وحلفت بالطلاق على زوجتي وأولادي أنهم لن يذهبوا مرة أخرى إلى النادي والآن أريد أن أرد اليمين ما العمل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن حلف بالطلاق على وقوع أمر، فقد علق الطلاق على وقوعه، فالحلف بالطلاق على أمر في المستقبل يعتبر تعليقا للطلاق على ذلك الأمر، فإذا وقع المعلق عليه، وقع الطلاق، والسائل قد علق طلاق زوجته بذهابها وأولاده إلى النادي، فإذا ذهبوا وقع الطلاق، ولا فرق بين كونه أراد الطلاق ونواه بالحلف المذكور، أو أراد به التهديد والمنع عند جماهير العلماء، وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا لم ينو الطلاق(15/4)
وإنما نوى المنع والتهديد، فلا يقع الطلاق بذهابهم، وإنما تلزمه كفارة يمين إن حنث.
والمفتى به عندنا وهو الأحوط القول الأول، فعلى الأخ أن يمنع أهله من الذهاب إلى النادي المذكور، وبهذا يتفادى وقوع الطلاق، ولا يمكنه الرجوع عن هذا اليمين. وسبق بيانه في الفتوى رقم: 28374
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسألة في الطلاق المعلق
تاريخ 29 شوال 1426 / 01-12-2005
السؤال
أنا رجل متزوج من امرأتين، الأولى منها 7 أولاد معا 18 سنة، أسلمت قبل زواجي بها، قدر الله لي أن أجد عملا في مدينة أخرى، رأيت فتاه أُعجبت بها كلمتها ثم أهلها ثم تزوجت بها، مشكلتي أن الفتاة لها طفل من علاقة سابقة، مرت بظروف شديدة جدا يعني مسكينة جدا، عاملت ولدها مثل أولادي، أحسنت إليها كنت لها الزوج والحب والأب، اشترطت عليها نسيان الماضي، فوجئت يوما بمتصل بها والد طفلها وكان على اتصال بالهاتف، هو يعمل في بلد آخر، فكذبت ثم اعترفت أنه يطلب منها أن تنتظره، باختصار كنت قلت لها قبل ذلك أنها لو اتصلت معه أو راسلته وقابلته فهي مني طالق، استشرت اثنين من المشايخ أحدهما قال تطلق والآخر قال لا حاولت أن تدخل الإسلام ثم عشنا معاً بأن الطلاق لم يقع وبوعود منها وأمها بأن لا تعود، حصل بعدها أن وجدت في بيتنا صورا ورسائل حب قديمة، وغضبت وجاءت أمها ترجو فرصة ثانية، بدأت البنت تحبني ومر على زواجنا 3 سنوات، لكن دائما على خلاف لعدم إسلامها ولعدم لباسها حسب ما أريد، ما في بركة مادية وتنتفع وأهلها من الزواج، حصل أن عاد والد طفلها للفلبين فقابلته مع أمها وخادمتنا ليلاً، جن جنوني فهي لم تستأذن مني ونسيت أنه طلاقها، حقيقة أنا كتبت عهدا مع الله إذا فعلت ما شأنه تجعلها تقابله وتتحدث إليه أو تراسله فهي طالق، البنت ضحية لعائله سيئة، والآن تحبني عرضت عليها أعطيها مبلغا من المال وأتركها ولها أثاث البيت فوافقت لغضبي عليها وكتبنا هذا لكنها جاءتني مع أخيها تتوسل أن لا أطلقها، أسرتي الأولى يشتكون وتظن زوجتي الأولى أن الثانية تعمل سحرا علينا، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً، هل تطلق أم لا؟ ولا تريد أن تسلم، ماذا أفعل أفكر بالزواج من ثالثة وتركها، أحيانا أشعر أني أظلمها بسبب غيرة
الأولى، أسأل الله أن يكرمكم ويجزيكم عنا خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه الزوجة غير يهودية أو نصرانية أو كانت يهودية أو نصرانية غير عفيفة فإن نكاحها لا يصح، ويلزمك مفارقتها مع التوبة إلى الله من ذلك، وراجع الفتوى رقم: 1158.(15/5)
أما إذا كانت يهودية أو نصرانية عفيفة فإن نكاحها صحيح، فإذا كنت قد علقت وقوع طلاقها على اتصالها بوالد طفلها أو مراسلتها أو مقابلتها له بحيث إذا فعلت ذلك فإنها تكون طالقا لعدم رغبتك في إمساك زوجةٍ هذا حالها، فإن الطلاق يقع، فإن تكرر منك ذلك التعليق وتكرر منها الاتصال به بعد كل مرة من مرات ذلك التعليق وقع الطلاق بعدد هذه المرات، فإن كان ذلك ثلاثا فقد بانت منك، ولا تحل لك حتى تتزوج برجل آخر زواج رغبة لا زواج تحليل، ثم يطلقها مختاراً لا تحايلاً على إرجاعها إليك، وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 54094، والفتوى رقم: 4093.
أما إذا لم تكن قد علقت وقوع طلاقها على اتصالها بوالد طفلها وإنما قلت لها ذلك لمنعها من الاتصال فقط، ولم تقصد بذلك إيقاع الطلاق فإنها تطلق أيضاً عند جمهور العلماء، وخالف في ذلك بعض أهل العلم فذهبوا إلى أن هذا ينزل منزلة اليمين الذي تشرع فيه الكفارة، ولا ينزل منزلة الطلاق. وننصح في هذا الصدد بمراجعة المحكمة الشرعية أو المراكز الإسلامية -إن لم توجد المحاكم الشرعية- لأن حكم القاضي يرفع الخلاف، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 8828، والفتوى رقم: 57388.
والذي ننصحك به ما دامت لم تسلم ولازالت على علاقة بهذا الرجل أن تطلقها، وليس في ذلك ظلم لها بل هي التي ظلمت نفسها باستمرار علاقتها بهذا الرجل ورغبتها عن الإسلام، علماً بأنه لا ينبغي اتهامها بعمل سحر دون بينة ودليل واضح، وراجع الفتوى رقم: 38350.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق إذا أعقبه طلاق صريح
تاريخ 24 شعبان 1426 / 28-09-2005
السؤال
سيدي فضيلة الشيخ: لقد من الله علي بالزواج من ابنة عمي، و لكن هذا الزواج حدثت به الكثير و الكثير من المشاكل بيني و بين زوجتي و بيني و بين أهلها ... و بين زوجتي و أهلي و بين أهلي و أهل زوجتي........
و أنا علاقتى بأبوي و الحمد لله على أحسن ما يكون، فأنا دائم المحاولة لإرضائهم حتى أن الكثير من الناس يحسدوننا أنا و أبوي من حسن المعاملة و الحب . و لقد من الله علي بأن أديا فريضة الحج معي و أنا أعمل بالسعودية و الحمد لله...........
و لقد حدثت لي مشكلة و أنا في رحلة صيفية إلى الغردقة.....
حيث إن خلافا بسيطا قد حدث بين أبي و أمي و زوجتي و هو خلاف بسيط و لقد جعلت زوجتي تعتذر إلى أبوي فورا ولكنهما أبوا و رفضا و ظلا مشدودين جدا، و هذا أدى إلى أنني قد توترت و هيأ لي الشيطان أن حياتي تكون مستحيلة في ظل كل هذه الخلافات حيث إن الخلافات و المشاكل كثيرة بيني و بين زوجتي و بين زوجتي وأبوي. وأدى هذا إلى أن قمت بالزعيق لأبوي و زوجتي (سامحني ربي) و(15/6)
صممت على أن أطلق زوجتي ظنا مني أن أبوي حينما يرون ذلك سوف يرضون باعتذارها و خصوصا أن الأمر هين و بسيط جدا....
و لكن لم يأت هذا بشيء و أصبحت أنا مخطئا في حق أبي و أمي و غضبت مني أمي بشدة و جلست أرضيها في نفس اللحظة و أمي رافضة و عملت المستحيل حتى ترضى عني و تغفر لي ... و بعد وقت طويل غفرت لي ولكن لم ترض أن تغفر لزوجتي بعد أن جعلتها تعتذر لها مرة ثانية و ثالثة .... فقمت بتهديد الاثتنين مرة أخرى بيمين طلاق و قلت:
يا علا (زوجتى) تكوني طالقا مني لو لم تراضي أمى و تقبلي رأسها في هذا الوقت..... و خرجت من البيت إلى المسجد آملا في الصلح.... و عدت بعد الصلاة و لكني لم أجدهم فعلوا شيئا فقلت لأمي هل تراضيتم فقالت لي إن زوجتك لم تأت إلي، فماذا أفعل، ثم دخلت إلى زوجتي بالحجرة و قلت لها : لماذا لم تعتذري لأمي و تقبلي رأسها ، أنت متكبرة عليها .... ثم قلت لها أنت طالق..... ثم بعد ذلك أحس أبوي بخطورة ما حدث وقاموا بالتحدث إلي و إلى زوجتي و جعلوني أردها إلى عصمتي......
و بعد ذلك جعلت زوجتي تعتذر إلى أمي و لم تقبل رأسها ثم حادثتها بيني و بينها إلى أنها لم تقبل رأس أمي فذهبت و قبلت رأسها على غفلة من أمي ثم استمرت الحياة...
فهل اليمين الأول (التهديد لهما لكى يتصالحوا) يعتبر يمين طلاق .....
يعني هل أنا أكون قد طلقت زوجتي طلقتين أم واحدة..... جزاكم الله خيرا...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي بارك الله فيك أن علاج ما يحدث من إشكالات ليس هو التهديد بالطلاق ، فإن الطلاق علاج شرعي لا يستخدم إلا في وقته المناسب ، وجعل الطلاق وسيلة تهديد أمر غير صحيح ويقع الإنسان بعدها في الندم .
وأما بشأن الطلاق فقولك لزوجتك (تكوني طالق مني لو لم تراضي أمي وتبوسي رأسها دلوقتي ) فتطلق به الزوجة إذا مضى من الوقت ما يمكن لزوجتك أن تقبل فلم تقبل ، وعليه فتكون زوجتك قد طلقت الطلقة الأولى على قول جمهور أهل العلم، وهناك قول شيخ الإسلام ابن تيمية أن تعليق الطلاق إن أريد به التهديد ونحوه لا يقع به طلاق وإنما يكون فيه كفارة يمين إذا وقع المعلق عليه . كما في الفتوى رقم 2041. والفتوى رقم 3727
وأما قولك بعدها (أنت طالق ) فصريح منجز تقع به الطلقة الثانية .
ولذا أخي الكريم ننصحك بحفظ لسانك عن التلفظ بالطلاق فإن أي طلقة تصدر منك بعد الآن تفقد بها زوجتك وتكون قد بانت منك بينونة كبرى لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك ، وهذا على قول جمهور أهل العلم .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(15/7)
الطلاق المعلق بخروج الزوجة غضبانة
تاريخ 17 شعبان 1426 / 21-09-2005
السؤال
سيدى فضيلة الشيخ: لقد تزوجت زواجا تقليديا من فتاة طيبة ومن أسرة طيبة ولقد جعل الله بيننا عاطفة الحب.... ولكن مع مرور الأيام ومع الصعوبات التى تواجهنا في الحياة تولدت الكثير من المشاكل الزوجية وكان الزوج فيها حساسا وخجولا جدا من أي أسرار تخرج من المنزل وكانت الزوجة على العكس عند أي مشكلة تقوم بذكر كافة الأمور بدقة و ذاكرة عظيمه أمام الآخرين (الذين ياتون للصلح) .... وفي بعض الأحيان تحدث مشاكل لأتفه الأسباب يطول على إثرها الخلاف وتكثر المشادات ويؤدي هذا بأن أضربها وبشدة فتترك منزل الزوجية وتذهب إلى أهلها ويقف أهلها في صفها بقوة ويكون من الصعب رجوعها إلى المنزل حتى أنه طال غضبها في منزل أبيها إلى أربعة أشهر وكان أهلها يمتنعون من رجوعها ولكن قدر الله أن تعلم زوجتي أنها حامل فيرضخوا بالصلح.... ثم عادت وغضبت قبل الولادة بشهر وأكرمني الله خلالها بولد جميل هذا الولد جعل الزوجة وأهلها يزدادوا عنادا وخلافا معي (حيث إنها تسمع من أهلها) وأدى هذا أن طلقتها مرتين وقد قمت بالارتباط بأخرى بعقد قران وقبل الدخول بالعروس الجديد فاجاءتني الزوجة القديمة بطلبها الرجوع إلي مع موافقتها على وجود زوجة أخرى وقد وافقت حتى أربي ابني بيني وبين أمه ولكن العروس الجديدة رفضت وآثرت مشكورة أن تتركني لأسرتي القديمة فانفصلنا وأعدت عقد قراني مع زوجتي القديمة مشترطا عليها: أنه مهما حدث بيننا من خلافات أن لا تخرج غضبانة من بيتها أبدا وأنها إذا خرجت غضبانة يقع اليمين الثالث
وتكون طالقا بالثلاثة قلت بالنص تقريبا: علي الطلاق بالثلاثة لو خرجت غضبانة يقع اليمين الثالث وتكوني طالقا بالثلاثة ومن يومها والزوجة تستغل هذه النقطة لإضعاف موقف الزوج عند حدوث أي مشكلة وتهدده بترك منزل الزوجية وأضطر أنا إلى أن أتصل بإخوتي من وراء زوجتي حتى يأتوا ويهدؤوها ويصلحوا الأمر فهل ما ذكرته لها من أن خروجها من بيتها غضبانة يعتبر طلاقا فهل هذا يمين طلاق وهل لو حدث خلاف وخرجت من بيتها غضبانة مني يكون طالقا بائنا (طلاق ثالث)....
أرجو من فضيلتكم أن توجهوا نصيحة لهذه الزوجة ولي...
جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصح هذه المرأة بتقوى الله وطاعة زوجها والإحسان إليه، وننصح زوجها أيضاً بحسن معاشرة زوجته والرفق بها، وانظر الفتوى رقم: 6939.
وأما الطلاق المعلق بخروجها مغاضبة فيقع إن حصل منها الخروج بالوصف المذكور، ولا يمكن إلغاء هذا الطلاق ولا حله، فمتى خرجت بانت منك بينونة كبرى، فلا تحل لك حتى تعتد ثم تتزوج بغيرك زواج رغبة ثم إذا طلقها زوجها(15/8)
الثاني واعتدت منه جاز لك الزواج بها، وقد سبق بيان الحكم في الطلاق المعلق في فتاوى كثيرة منها الفتوى رقم: 22554، والفتوى رقم: 57041.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق على عدم الفعل
تاريخ 08 رجب 1426 / 13-08-2005
السؤال
قال لي زوجي تكونين طالقا إذا لم تحضري ذلك الشيء، أولا لم أرد أن أحضره ثم أحضرته فما حكم الشرع في ذلك؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق المعلق على شرط لا يقع إلا بوقوع ذلك الشرط، وهنا علق الزوج الطلاق على عدم إحضار الزوجة شيئاً ما، فأحضرته فلم يقع الشرط، وهو عدم الإحضار، فلم يقع الطلاق حينئذ، هذا بحسب الظاهر، أي ما لم يكن الحامل للزوج والباعث له على اليمين سبب، مثل أن يطلب من الزوجة إحضار ماء لأنه عطشان، فلا تحضره إلا بعد أن يشرب الزوج، أو أن يطلب منها دواء ليستعمله في وقته المحدد فلا تحضره إلا بعد أن ينتهي الوقت أو يتناول غيره، فهنا يتقيد اليمين بحسب نية الزوج والسبب الباعث عليه، فإذا لم يقع الشرط (الإحضار) موافقاً للسبب فيقع الشرط وهو عدم الإحضار، فيقع الطلاق حينئذ.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: والمقصود أن النية تؤثر في اليمين تخصيصاً وتعميماً، والسبب يقوم مقامها عند عدمها، ويدل عليها فيؤثر ما تؤثره، وهذا هو الذي يتعين الإفتاء به.
وانظري الفتوى رقم: 53941.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
محل وقوع الطلاق المعلق عند القائلين به
تاريخ 14 جمادي الثانية 1426 / 21-07-2005
السؤال
سؤالي إلى الإخوة عن من حلف يمين طلاق ... بشكل أوضح .. شاب قال لي عليه الطلاق من الإثنتين أن لا أذهب معك إلى ما أنت ذاهب إليه، ولكن بعد ذلك ذهب معي ..
ما هو حكم الشرع في هذا ؟
وهل يعتبر طلق ؟
علما بأنه متزوج باثنتين(15/9)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه اليمين التي حلفها هذا الرجل على زوجته تعد من قبيل الطلاق المعلق، وحكمه عند جمهور العلماء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه.
وبما أن هذا الحالف حنث في يمينه بذهابه، فقد طلقت زوجتاه، لكن له ارتجاعهما من غير حاجة إلى تجديد العقد ما دامتا في العدة إذا كان ذلك أول طلاق أو ثانيه، ولكيفية الرجعة نحيله على الفتوى رقم: 54048.
ومحل وقوع الطلاق عند القائلين به أنه إذا لم يكن للحالف نية تخصص أو تقيد يمينه، وذلك أن الفقهاء نصوا على أن للحالف تخصيص لفظه العام وتقييد المطلق إذا كان اللفظ صالحا لذلك. قال خليل بن إسحاق المالكي: وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت أو ساوت. قال شارحه صاحب مواهب الجليل: يعني أن النية تخصص العام وتقيد المطلق إذا صلح اللفظ لها، ومن أمثلة ذلك ما ذكره زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: أو حلف لا يكلم أحدا وقال: أردت زيدا مثلا لم يحنث بغيره عملا بنيته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
محل وقوع الطلاق المعلق عند القائلين به
تاريخ 14 جمادي الثانية 1426 / 21-07-2005
السؤال
سؤالي إلى الإخوة عن من حلف يمين طلاق ... بشكل أوضح .. شاب قال لي عليه الطلاق من الإثنتين أن لا أذهب معك إلى ما أنت ذاهب إليه، ولكن بعد ذلك ذهب معي ..
ما هو حكم الشرع في هذا ؟
وهل يعتبر طلق ؟
علما بأنه متزوج باثنتين
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه اليمين التي حلفها هذا الرجل على زوجته تعد من قبيل الطلاق المعلق، وحكمه عند جمهور العلماء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه.
وبما أن هذا الحالف حنث في يمينه بذهابه، فقد طلقت زوجتاه، لكن له ارتجاعهما من غير حاجة إلى تجديد العقد ما دامتا في العدة إذا كان ذلك أول طلاق أو ثانيه، ولكيفية الرجعة نحيله على الفتوى رقم: 54048.
ومحل وقوع الطلاق عند القائلين به أنه إذا لم يكن للحالف نية تخصص أو تقيد يمينه، وذلك أن الفقهاء نصوا على أن للحالف تخصيص لفظه العام وتقييد المطلق إذا كان اللفظ صالحا لذلك. قال خليل بن إسحاق المالكي: وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت أو ساوت. قال شارحه صاحب مواهب الجليل: يعني أن النية(15/10)
تخصص العام وتقيد المطلق إذا صلح اللفظ لها، ومن أمثلة ذلك ما ذكره زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: أو حلف لا يكلم أحدا وقال: أردت زيدا مثلا لم يحنث بغيره عملا بنيته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
محل وقوع الطلاق المعلق عند القائلين به
تاريخ 14 جمادي الثانية 1426 / 21-07-2005
السؤال
سؤالي إلى الإخوة عن من حلف يمين طلاق ... بشكل أوضح .. شاب قال لي عليه الطلاق من الإثنتين أن لا أذهب معك إلى ما أنت ذاهب إليه، ولكن بعد ذلك ذهب معي ..
ما هو حكم الشرع في هذا ؟
وهل يعتبر طلق ؟
علما بأنه متزوج باثنتين
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه اليمين التي حلفها هذا الرجل على زوجته تعد من قبيل الطلاق المعلق، وحكمه عند جمهور العلماء وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه.
وبما أن هذا الحالف حنث في يمينه بذهابه، فقد طلقت زوجتاه، لكن له ارتجاعهما من غير حاجة إلى تجديد العقد ما دامتا في العدة إذا كان ذلك أول طلاق أو ثانيه، ولكيفية الرجعة نحيله على الفتوى رقم: 54048.
ومحل وقوع الطلاق عند القائلين به أنه إذا لم يكن للحالف نية تخصص أو تقيد يمينه، وذلك أن الفقهاء نصوا على أن للحالف تخصيص لفظه العام وتقييد المطلق إذا كان اللفظ صالحا لذلك. قال خليل بن إسحاق المالكي: وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت أو ساوت. قال شارحه صاحب مواهب الجليل: يعني أن النية تخصص العام وتقيد المطلق إذا صلح اللفظ لها، ومن أمثلة ذلك ما ذكره زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: أو حلف لا يكلم أحدا وقال: أردت زيدا مثلا لم يحنث بغيره عملا بنيته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يقع الطلاق المعلق إلا بوقوع المحلوف عليه
تاريخ 27 جمادي الأولى 1426 / 04-07-2005
السؤال
طلقت زوجتي بغير صورة رسمية مرة وعلى سمعها، وأرجعتها بعد ذلك من نفسي، والمرة المشكوك بها، ذهبت لأحد أقاربها وهو خالها وقلت له بنت أختك لو غادرت(15/11)
المنزل تكون طالقا وقلت له أبلغها بذلك وقال لي سأفعل، وبعد حوالي شهر ذهبت إلى بيتهم ولم أجدها في المنزل، وجدت أنها معه وقلت له إني قلت لك حينما تغادر المنزل تكون طالقا رد علي قائلا لم يحدث ذلك ...فأرجو من حضرتكم هل الطلقة هذه تقع أم لا......لأنه في هذه الأيام
توجد مشاكل بيننا وهي تريد الطلاق......شكرا لحضرتكم والله ولي التوفيق
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه بمجرد تلفظ الزوج بالطلاق من غير إكراه فإنه يلزمه سواء سمعته الزوجة أو غيرها أو لم يسمعه أحد، وسواء كان الزوج جادا أو هازلا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والعتاق والرجعة. رواه أبو داود. وبهذا تكون الطلقة الأولى قد حسبت عليك.
أما الطلقة الثانية فهي تعد من قبيل الطلاق المعلق، وحكمه أنه متى وقع المعلق عليه وقع الطلاق عند الجمهور، سواء قصد بتعليقه الطلاق أو قصد منعها أو حثها، وإذا لم يقع المحلوف عليه لا يلزم شيء.
وعلى هذا، فإذا كانت زوجتك خرجت من المكان المحدد لها فهذه تعد طالقا عند أكثر العلماء، وذهب شيخ الإسلام إلى أن الطلاق المعلق إذا قصد به التهديد أو المنع فلا يلزم منه طلاق وإنما كفارة يمين، وراجع الفتوى رقم: 1956.
وعلى القول بلزوم الطلاق فبإمكانك مراجعة هذه الزوجة ما دامت في العدة وما دامت هذه هي الطلقة الثانية، ولكننا ننصح في مثل هذه الأمور بالرجوع إلى المحاكم الشرعية في بلد السائل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق لا يحل أبدا
تاريخ 26 صفر 1426 / 06-04-2005
السؤال
الإخوة الأعزاء سؤالي هو: عن الطلاق المعلق حيث إن زوجتي طلبت مني عدم فعل شيء محرم وحتى تتأكد من عدم فعلي لهذا الفعل المحرم طلبت مني أن أقول لها إن أنا فعلت هذا الشيء فأنت طالق وقد وافقتها على ذلك وقلت لها إن أنا فعلت هذا الشيء فأنت طالق وكان هذا من مدة طويلة
والآن أنا أخاف أن أقع في فعل هذا الشيْء لضعف نفسي وأريد أن أرجع في تعليقي بالطلاق عن هذا الأمر، فهل يجوز أن يرجع الشخص في ذلك وكيف، وهل يكون ذلك بالقول أو فقط بالنية بأنني رجعت في تعليق الطلاق، وهل يجب أن أخبر زوجتي بأنني رجعت في هذا الأمر أم يكفي أن يكون ذلك بيني وبين نفسي، كل ما أخافه هو أن يقع طلاق زوجتي التي أحبها جداً بفعلي لهذا المحرم؟ الرجاء الرد مع خالص شكري لكم جميعاً.
الفتوى(15/12)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي -حفظك الله من الذنوب- أن الطلاق المعلق لا يمكن حله والتراجع عنه، وانظر الفتوى رقم: 1956.
ولذا ما عليك إلا أن تعزم عزيمة صادقة متوكلا على الله طالبا منه العون والتوفيق أن لا ترجع إلى ذلك الذنب أبداً، فإن وجدت هذه العزيمة فلن تعود إلى الذنب إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق على شرط
تاريخ 06 صفر 1426 / 17-03-2005
السؤال
رجل قال لامرأته إن فعلت كذا فأنت طالق، ففعلت المرأة ما حذرها منه زوجها وعندما واجهها الزوج بفعلتها انكرت وأقسمت بالله أنها لم تفعله، فهل تكون طالقا منه، أفيدونا أفادكم الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجمهور أهل العلم على أن الطلاق المعلق على شرط يقع بوقوعه، ففعل المرأة ما علق عليه طلاقها يقع به الطلاق وإن أنكرت فعله، هذا إن كان الواقع هو أن الأمر المعلق عليه الطلاق وقع فعلا، لأن مجرد الإنكار لا يغير من الحقيقة شيئاً.
وذهب بعض العلماء إلى إن الطلاق المعلق له حالتان:
الأولى: أن يقصد وقوع الطلاق عند تحقق الشرط، فتطلق امرأته طلقة واحدة بذلك.
الثانية: أن يكون قصده التهديد أو الحث أو المنع، لا الطلاق، فيلزمه كفارة يمين فقط، وعلى القول بوقوع الطلاق، تقع طلقة واحدة رجعية، فللزوج أن يرجع زوجته قبل انقضاء عدتها، والأفضل مراجعة المحكمة الشرعية في الأمر لأنه من اختصاصها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من ألفاظ الطلاق المعلق
تاريخ 27 محرم 1426 / 08-03-2005
السؤال
رجل قال لزوجته "إذا تدخل إخوانك في حياتي فاعتبري نفسك مطلقة, وإذا اتصل بي أحدهم يناقشني في أي موضوع من هذه المواضيع (مواضيع خلاف بينهم) فاعتبري نفسك مطلقة وإذا ناقشتني في هذه المواضيع أنت في يوم ما فأنت طالق, ثم حضر إخوانها إليه ولم يتصلوا به اتصالا كما قال وطلبوا منه الحضور إلى منزلهم للتفاهم, وذهب في المساء وهناك تمت مناقشة هذه المواضيع بحضور(15/13)
الجميع وليس عبر اتصالهم به فهل ينفذ الطلاق بعد المناقشة لهذه المواضيع مع أنهم لم يتصلوا به كما اشترط في اليمين ولم يتدخلوا بحياته إلى الآن ولم تناقشة هي في المواضيع التي اشترط عليها عدم مناقشته فيها, والذي حدث فعلاً هو المناقشة الجماعية لهذه المواضيع في منزل إخوان زوجته وبحضورها, (للعلم الزوجة حامل, والكلام هذا حدث في ساعة غضب من الزوج)؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقول الزوج لزوجته (إذا ناقشني في هذه المواضيع.... إلخ) يعد طلاقا معلقاً على شرط، وسبق بيان حكم الطلاق المعلق على شرط في فتاوى سابقة ومنها الفتويان التاليتان: 7665، 5684.
وقوله اعتبري نفسك مطلقة سبق بيانه في الفتوى رقم: 3174، والفتوى رقم: 39094.
ومحل السؤال هنا هل وقع الشرط المعلق عليه الطلاق أم لا؟ الجواب: أن هذا يرجع إلى نية الزوج، فإذا كان ينوي بقوله (إذا تدخل إخوانك في حياتي.... إلخ) تدخلاً معيناً وليس النقاش الذي وقع من التدخل الذي نواه في الشرط، و بقوله (وإذا اتصل بي أحدهم.... إلخ) الاتصال الهاتفي وليس الحديث معهم وجها لوجه، وبقوله (وإذا ناقشني في هذه المواضيع... إلخ) قصد النقاش بينه وبينهما وليس وجودها وحضورها للنقاش مع إخوتها مقصوداً، فلا يقع الشرط حينئذ، وبالتالي لا يقع الطلاق.
وأما إن كانت نيته بالتدخل والاتصال والنقاش مطلق الكلام معه في هذا الموضوع فيقع الشرط المعلق عليه الطلاق حينئذ، ويقع به الطلاق إذا نواه، وإن لم ينو الطلاق وإنما نوى التهديد ففيه الخلاف السابق في الفتوى المحال عليها، ولا أثر لحمل الزوجة في هذا الأمر، وننصح بمراجعة المحكمة الشرعية في هذا الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يقع الطلاق المعلق حتى يقع الشيء المعلق عليه
تاريخ 04 محرم 1426 / 13-02-2005
السؤال
سؤالي : لدي مشكلة هي أنا وأحد أقربائي لدينا سيارة قمنا بشرائها مشتركين ثم حصل ما حصل من خلاف وعملت على أن أحل المشكلة وقام إخواني بجعلي أدفع له مبلغ 600 ألف من المال ويتنازل عن السيارة .
المهم في السؤال هو أني حرمت وطلقت قبل أن يرغمني إخواني أني لن أدفع له مبلغ 400 ألف ؟
سألت ناسا وقالوا يجب أن يقوم إخواني بدفع 210 آلاف وأنا أقوم بدفع المبلغ المتبقي ؟
هل تصح الطلقة ؟(15/14)
وهل من حل ؟
أفيدونا أثابكم الله وشكرا لكم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من علق طلاق زوجته على شيء لا يقع منه الطلاق حتى يقع ذلك الشيء المعلق عليه، وانظر الفتوى رقم: 19612.
وعلى هذا، فما دمت لم تدفع المبلغ المذكور كاملا وقد علقت الطلاق على دفعه كاملا فلا يلزمك طلاق، لأن التعليق مقيد بذلك إن لم تكن عندك نية تخالف ذلك الظاهر، هذا فيما يتعلق بتعليق الطلاق. أما تعليق التحريم فراجع فيه الفتوى رقم: 7438.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذهب جمهور العلماء أحوط في مسألة الطلاق المعلق
تاريخ 02 ذو الحجة 1425 / 13-01-2005
السؤال
لقد أقسمت يمين الطلاق على زوجتي بعدم دخول حماتي إلى منزلي سواء في حضوري أو في غيابي بسبب خطأ فعلته حماتي للأولاد تسبب في غضبي لدرجة شديدة أخرجتني عن التحكم في أعصابي وهذه أول حادثة من نوعها بالنسبة لي، وكان القسم كالآتي : إذا دخلت حماتي إلى المنزل سواء في حضوري أو في غيابي تبقين طالقا بالثلاثة""فأنا الآن وأعوذ بالله من قول أنا أريد أن أعرف هل يمكن التراجع عن هذا القسم وهل هناك كفارة لهذا القسم بحيث يمكن لحماتي دخول المنزل وعلى فكرة أنا قد أصلحت العلاقة بيني وبين حماتي على الهاتف فقط 00 أرجو إفادتي بماذا يمكنني فعله في هذا الموقف وجزاكم الله خيرا بعونكم لي ولإخوتي في الإسلام....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قولك المتقدم في السؤال
يعد طلاقاً معلقاً فإذا حصل ما علقت عليه الطلاق وهو دخول حماتك إلى منزلك، فإن الطلاق يقع ثلاثاً، هذا هو مذهب جماهير أهل العلم، وعليه المذاهب الأربعة، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق المعلق راجع إلى نية صاحبه، فإن كان يقصد اليمين فهو يمين، وإن كان يقصد الطلاق فهو طلاق، والأحوط الأخذ بمذهب جمهور العلماء.
وقد تقدم تفصيل الكلام على هذه المسألة في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 36421، 35585، 26703، 21521
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(15/15)
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق على أكثر من شرط
تاريخ 14 رمضان 1425 / 28-10-2004
السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اشكر لكم رحابة صدركم وجهدكم العظيم وأرجو من المولى القدير أن يجزيكم عن أمة الإسلام خير الجزاء... أما بعد:
فإني أرسل إليكم بهذا البريد راجيا منكم أن تفيدوني فى إيجاد حل يبل الظمأ ويطفى النار المستعرة في قلبي بعد أن هداني الله ولله الحمد والمنة ودفع عني بلية من بلايا هذا العصر، فقد بليت منذ أعوام بمصيبة النظر إلى المشاهد الجنسية واقتناء الأفلام والمجلات الجنسية وأخذ مني هذا الأمر كل مأخذ فأصبح يسيطر على تفكيري وسمعي وبصري وكل حواسي وقد تقربت إلى الله بكل القربات من صلاة وقيام بالليل وصدقة ونذور، وعندما ازداد بي الأمر سوءا رأيت أن امنع نفسى بيمين الطلاق وتكرر مني ذلك مرات عديدة، فقد أقسمت فى المرة الأولى بيمين الطلاق المعلق فقلت(زوجتي طالق إذا اشتريت مجلة أو استعرتها)، وفى المرة الثانية وبعد أشهر قلت(زوجتي طالق إذا نظرت إلي فيلم أو أدخلته بيتي)، وهكذا فى المرات الأخرى وكانت كلها بصيغة(أو) والقصد هو منع نفسي من حتى مجرد المقدمات التي تؤدى لهذه المعصية، وقد حدث يوما أن (اشتريت مجلة جنس) فوقع الطلاق طبعا، وبعدها مباشرة( نظرت إلى فيلم)، وبعد ساعات أرجعت زوجتي وبشهادة شاهدين، السؤال الأول: هل تعتبر طلقة واحدة أم طلقتين؟ لان (النظر إلى الفيلم) كان واردا في الطلقة الثانية؟ السؤال الثانى: ذكرت لفضيلتكم إن الطلقات المعلقة كانت كلها بصيغة(أو)، فلو حدث ووقعت مني إحدى الشروط المعلق عليها الطلاق ولم أعرف فى أي طلقة كانت الأولى أم الثانية أم......... فعلام أبني ذلك، الطلاق أم عدمه؟ السؤال الثالث: فى مثل هذه الحالات، أي وجود أكثر من شرط فى الطلقة الواحدة (هل يشترط حدوث كل الشروط الواردة فى صيغة الطلاق لوقوع الطلاقـ،، أم مجرد حدوث شرط واحد يكفى، أسألكم بالله العزيز القدير أن لا تهملوا رسالتي هذه، وانأ فى انتظار ردكم على أحر من الجمر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا حكم خطورة إرسال النظر في مشاهدة ما حرم الله تعالى في الفتوى رقم: 2036، والفتوى رقم: 2586.
ونضيف هنا للسائل أن النفس لا يردعها عن المعاصي والإصرار عليها مثل مراقبة الله تعالى واستشعارها أنه يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتذكيرها بالوعيد وتخويفها من عذاب الله تعالى.
أما بخصوص السؤال فإنه تضمن عدة أمور منها أولاً هل تعليق الطلاق بقصد منع النفس أو غيرها أو حثها على أمر ما لا بقصد الطلاق يقع به الطلاق إذا وقع المعلق(15/16)
عليه أم هو يمين تلزم منه الكفارة بالله تعالى فحسب، سبقت الإجابة على هذا في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 5684، والفتوى رقم: 5677.
وكما تضمن أيضا حكم طلاق المعتدة الرجعية هل يلحقها أم لا، والجواب عن هذه الفقرة أن الطلاق يلحق الرجعية لأنها كالزوجة، وتراجع الفتوى رقم: 45930.
ولو علق الرجل طلاق زوجته على أكثر من شرط في تعليق واحد مثل أن يقول لها أنت طالق إن اشتريت المجلة ونظرتها وشاهدت الفلم لم يقع الطلاق إلا بالمجموع، أما لو قال إن اشتريت المجلة أو نظرت إليها فإن الطلاق يقع بمجرد حصول أي واحد مما علق عليه الطلاق، قال ابن قدامة في المغني: فإن قال إن أكلت ولبست فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما جميعاً سواء تقدم الأكل أو تأخر لأن الواو للعطف ولا تقتضي ترتيباً وإن قال إن أكلت أو لبست فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما لأن أو لأحد الشيئين.
أما قول السائل فلو حدث ووقعت مني إحدى الشروط... فلم يتبين لنا المراد منه لكن على العموم الشك في الطلاق لا أثر له، فمن شك هل طلق أو لا يعتبر غير مطلق، وفي الأخير ننصح الأخ بمراجعة المحاكم الشرعية في بلده.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تكرار الفعل في الطلاق المعلق هل يفيد تكرار الطلاق
تاريخ 18 شعبان 1425 / 03-10-2004
السؤال
عمتي تقول إن زوجها قال لها أنت طالق إذا أنت اشتغلت في مطبخ والدتك وعمتي اشتغلت ولها سنين عديدة وهي تشتغل، والطلاق مستمر أن لا تشتغل أبداً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد علق زوج عمتك الطلاق بشغلها في مطبخ أمها، وبما أنها قد عملت فقد وقعت طلقة واحدة فقط على قول الجمهور، فلو عملت بعد ذلك في بيت أمها لم تقع طلقة ثانية لأن عبارة الزوج لا تفيد تكرار الطلاق بتكرر الفعل.
ولذا فإن كان زوج عمتك لم يطلق إلا هذه الطلقة فقط فيمكنه مراجعتها، وقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 7000 أن مجامعة الزوج لزوجته المطلقة طلاقا رجعياً أثناء عدتها تعتبر ارتجاعاً، وأنه لا يشترط لصحة الارتجاع النية، وعليه فهذه المرأة إذا كان طلاقها المذكور هو الأول أو هو الثاني وكان زوجها جامعها زمن عدتها فهي زوجته، ويحل بينهما ما يحل بين الأزواج.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق لا يمكن حله، ولا كفارة له
تاريخ 15 شعبان 1425 / 30-09-2004(15/17)
السؤال
قبل سفري أنا وزوجي حصل شجار بيني وبينه وكان غاضبا بشدة وقتها وهذا كان منذ حوالي 5 أشهر مع هذا الخلاف خيرني زوجي بينه وبين صديقة لي أحبها في الله، وأنا لا أذكر بالضبط بماذا تلفظ -أي- الكلمات بحرفيتها وكما أنه لا يذكر ذلك ولكن بما معناه أنه قال -إنني سأكون طالقا إذا تكلمت مع هذه الصديقة- السؤال: زوجي وأنا لا نذكر بالضبط اللفظ الذي تلفظ به أكان ( يمين طلاق إذا تكلمت معها) أم ماذا تلفظ به
!!! أنا الآن راجعة إلى بلد الإقامة الأول وأنا على يقين أن هذه الصديقة ستتصل بي إذ أننا أحببنا بعضنا في الله فقد جمعنا حفظ القرآن سويا !!! فاتحت زوجي بالموضوع فقال -أنا لا أذكر هذا الخلاف ولا أذكر ماذا قلت لك- وهو ليس لديه مشكلة الآن أن أتكلم معها ولكن قال إذا كان قد رمى علي يمين طلاق إذا تكلمت معها فإن ذلك سيحصل لأنه لا كفارة لذلك (في اعتقاده) فهل يوجد كفارة يمين لمثل ذلك فهل يوجد حل!!! أم أنه يقع الطلاق الآن! مع أنه بالفعل لا يذكر أي شيء عن ذلك اليوم وكما أنه لا يذكر ماذا قال ولكن أذكر أنه كان في غضب كبير!!! الرجاء سرعة الرد؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشك في الطلاق إما أن يكون في عدده، أو في صفته، أو في اللفظ الذي قال.. أهو طلاق أم غيره؟ وقد ذكرنا حكم هذا الشك بأنواعه في الفتوى رقم: 18550.
أما إذا كنتم متيقنين من تعليق الطلاق وإنما الشك في الألفاظ التي لا تغير المعنى هل قال كذا أو كذا، فهذا الشك لا يضر، ويكون واقعا إن حدث الكلام بينك وبين صديقتك، وننبه إلى أن الطلاق المعلق لا يمكن حله؛ بل لا بد أن يقع إن وقع الأمر الذي علق الطلاق عليه، وليس له كفارة، كما أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 28374.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مسائل حول الطلاق المعلق
تاريخ 13 شعبان 1425 / 28-09-2004
السؤال
في سياق كلامي مع أختي وزوجتى قلت لها إذا أخبرت زوجتي أحدا بأمر -يخص أختي - فهي طالق، وقلت ذلك على أساس أن زوجتي تسمع وكذا أختي ثم حدث مايلي :*راجعت نفسي فخفت أن تخبر زوجتي أهلها ونحن متعودون أن الأمر الذي كنت أتكلم عنه دائما نستثنى أهلها منه فقلت في نفسى يجب أن أخبرها أن نيتي في القسم لا تشمل أهلها- وهذا ما كان بالفعل- تأكيدا على ما تعودنا وحتى لا تكون في حرج لأني مسافر وهي مقيمة عند أهلها والأمر مطلوب سريته في محيط عائلتي وليس عائلتها وكان الحديث المقصود منه أن لا يتسرب الموضوع لإطار عائلتي(15/18)
وسكني الذي أقيم به ببلدي بل إنى عزمت التراجع عن التهديد بالطلاق باعتباره مسلكا لم نتعود عليه في حياتنا والأمر لا يتطلب هذا التهديد خاصة وأنها تقوم به من أجل أختي .*اتضح بعد ذلك أن زوجتى وأختي فهما الكلام بمعنى آخر لأنه جاء في سياق كلامي عن أخي وفهموا أنني كنت أقصد أن أخي هو الذى سيفعل بزوجته ذلك - بل إن والدتي وأختى الذين يهمهم أمرالإسرار طلبا من زوجتي إخبار أهلها بالموضوع لأن ذلك سيتطلب أن تخرج مع أختي أكثر من مرة وهذا يتطلب معرفة أهلها الذين تقيم عندهم لأنى مسافر ويجب أن يعلموا إلى أين تخرج وبالفعل أخبرت زوجتي امها أنها تخرج مع أختي من أجل كذا على أساس أن هذا موضوع السر هذا سبق أن قامت به أختي سرا وكان يعلم به أهل زوجتي فقط على أساس قبول أهلي وأختي بذلك ونقصد بالسرية دائما نطاق عائلتى ومحيطى السكنى فقط وليس أهلها الذين يسكنون في بلدة أخرى .*عندما اتصلت بزوجتى-المرة الثانية- وعندما كنت أحدثها عن موضوع أختي أخبرتني أنها قالت لأمها بناء على توصية من أهلى وعلى أساس سابق خبرتنا مع هذا الموضوع من قبل وعندما ذكرتها بيمينى -رغم أني تراجعت قبل الاتصال الثاني وكنت أتصل لأخبرها بالتراجع-أخبرتنى أنها لم تفهم أننى كنت أتحدث عن نفسي وعنها عندما كنت أتكلم عن موضوع التهديد وأخبرتنى أن أختى فهمت ذلك
وأهلي كذا والدليل أنهم طلبوا منها إخبار أهلها . والسؤال هل يمكن التراجع عن الطلاق المعلق-سواء بنية الطلاق أو التهديد- قياسا على حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنه إذا حلف أحدنا على شيء ووجد ما هو أفضل منه عاد عنه وعليه كفارة، وهل يقع الطلاق المعلق بفعل على الزوجة - سواء بنية الطلاق أو التهديد- دون أن تعلم مع علمي أن الطلاق لا يستوجب معرفة الزوجة ولكن اليمين المعلق المرتبط بفعل الزوجة ألا يجب أن تعرف به لتكون على علم بنتيجة فعلها، أخيرا بعد حديثي الأول مع زوجتي شككت هل كان ذلك اليمين بنية التهديد أم الوقوع فراجعت نفسي أنني منذ زواجى بزوجتي لم أهددها بطلاق فضلا أننا لم نتشاجر أبدا لأن علاقتنا قائمة على التدين ومن ثم اخترت على أنه بنية التهديد فتعهدت بيني وبين نفسى عن التراجع عنه أولا فيما يخص أهلها وثانيا التراجع بصفة عامة حتى لو أخبرت أحدا من الناس غير أهلها فهل وقع الطلاق أيضا رغم شكي وهل يمكن التراجع عن اليمين بصفة عامة بناء على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء ما ذكرت سلفا
جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك عدة فقرات: الأولى: تعليق الطلاق بنية التهديد، وهذا الطلاق واقع عند جماهير الفقهاء إن وقع ما علق عليه لفظ الطلاق ولا عبرة بنية صاحبه، وانظر الفتوى رقم: 53092. الثانية: لا يمكن التراجع عن الطلاق المعلق، كما سبق في الفتوى رقم: 28374. الثالثة: هل يقع الطلاق المعلق بفعل الزوجة الأمر الذي علق عليه الطلاق حال كونها جاهلة للتعليق أوناسية له؟ وقد سبق أن قلنا بأن(15/19)
الطلاق المعلق لا يقع في هذه الحالة، كما في الفتوى رقم: 52979، ووفقك الله لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الشك في الطلاق المعلق
تاريخ 23 رجب 1425 / 08-09-2004
السؤال
ألقيت على زوجتي يمين طلاق معلق ولست متأكدا أكان بنية التهديد أم بنية الطلاق ولكني درءا للشبهة احتسبتها طلقة وراجعتها في العدة وكنت قبل قد طلقتها طلقة واحدة ثم راجعتها في العدة والآن طلقتها أخرى وهي حائض وكنت على علم بحيضها ولكني عندما تلفظت بالطلاق كنت ناسيا أنها حائض فهل تعتبر طلقت ثلاثا ولا تحل لي؟
أرجو الإفادة وجزاكم الله عنا خيراً والمسلمين
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق المعلق له حالتان: أن يقصد به الطلاق، أو أن يقصد به مجرد التهديد، فالذي يقصد به الطلاق يكون طلاقاً بمجرد حصول المعلق عليه.
والذي هو للتهديد فقط يكون طلاقاً أيضاً عند جمهور العلماء، وقال بعض أهل العلم إنه في هذه الحالة لا يكون طلاقاً، وإنما تلزم بالحنث فيه كفارة يمين، وراجع في هذا الفتوى رقم: 24187.
وكونك لست متأكداً مما إذا كان بنية التهديد أو بنية الطلاق لا يغير شيئاً عند من يرى وقوع الطلاق المعلق، وهو مذهب الجمهور كما قدمنا، وهو الأحوط.
وأما الذين لا يرون وقوع الطلاق بالتهديد، فإن شك المعلق فيما إذا كان يقصد التهديد أو الطلاق لا يقع معه الطلاق، لأن القاعدة تقول: الشك في المانع لا يضر. والطلاق مانع من مواصلة الاستمتاع.
وأما الطلاق في الحيض فهو واقع عند جمهور العلماء، وراجع في حكمه فتوانا رقم: 23318.
وعلى قول الجمهور، فإن زوجتك بانت منك بينونة كبرى، فلا تحل لك إلا بعد زوج.
وعلى المسلم أن لا يتعجل في طلاقه، ثم يحمله الندم بعد ذلك على البحث عن التلفيق بين أقوال أهل العلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين
تاريخ 21 ربيع الأول 1425 / 11-05-2004(15/20)
السؤال
أعد لوالدي طعاماً يومياً حيث إنه يعيش بمفرده مع والدتي قعيده الفراش وأقسمت له بالقول علي الطلاق ما أنا واخد ثمن هذا الطعام، وكنت أقصد إبعاده عن فكرة دفع ثمن الطعام، وهو الآن يصر على ألا يأكل من الطعام إلا بعد دفع قيمة الطعام، ماذا أفعل لمواصلة عمل الطعام اليومي له إذا أصر على دفع المقابل النقدي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من قال علي الطلاق لا أفعل كذا، فقد علق طلاق زوجته على فعل ذلك الشيء فمتى حصل وقع الطلاق، لأن هذه الصيغة نص في تعليق الطلاق، ومذهب جمهور أهل العلم أن من حلف بالطلاق ثم حنث في يمينه وقع الطلاق الذي حلف به، سواء قصد به ما يقصد من القسم لحمل شخص على فعل أمر أو ترك، أو قصد به إيقاع الطلاق عند حصول الشرط.
وفصل شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: إن الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين غير واقع إذا لم يرد إيقاع الطلاق، وتجب فيه كفارة اليمين إذا حصل المحلوف عليه، وأما إذا لم يقصد به اليمين فهو واقع عند حصول المعلق عليه.
وبناء على مذهب الجمهور فإن عليك أن تكف عن أخذ الثمن الذي حلفت أن لا تأخذه، وإلا طلقت زوجتك. وعلى والدك ألا يحملك على فعل ما تطلق به زوجتك، وعليه أن يأكل بدون دفع أي شيء لأن الطعام طعام ابنه، والابن وماله لأبيه، وقد جاء في الحديث: أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لوالدك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أموال أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا. رواه أحمد.
ويمكن في حالة إصراره على دفع المبلغ أن تأمر بعض إخوانك فيأخذه منه ثم يرده له أو يصرفه عليه فتطيب نفس الوالد ويأكل وتسلم أنت من الحنث.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق يقع إن حدث ما علق عليه
تاريخ 14 شوال 1424 / 09-12-2003
السؤال
رجل حلف يمين طلاق على زوجته بأن لا يدخل بيته طعام من عند أهلها وبعد فترة أرسلت أم الزوجة طعاماً ودخل البيت وأكلت منه مع زوجها وهي تعلم وتنتظر اعتراضه فلم يبد أي اعتراض وعاشرها معاشرة الأزواج وهي ظنت أنه بذلك راجعها وسألته قال لها إنه من الأصل لم يكن ينوي الطلاق وهي تسال هل النية شرط في الطلاق والرجوع أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بوقوع الطلاق المعلق إن حدث ما علق عليه نوى الطلاق(15/21)
أو لم ينوه، وهو الصواب، وعليه الفتوى عندنا. وعليه؛ فتكون هذه المرأة قد طلقت، وجماع زوجها رجعة نوى المراجعة أو لم ينو عند الحنابلة والحنفية. وانظر الفتوى رقم: 17506والفتوى رقم: 35934 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الراجح وقوع الطلاق المعلق
تاريخ 09 شوال 1424 / 04-12-2003
السؤال
حلفت على زوجتي بالطلاق للمرة الأولى، ووقع اليمين عليها ثم رددتها إلى عصمتي مرة أخرى، وقد نصحني أحد أئمة المساجد بأن أدفع كفارة يمين كتبرع للمسجد أو أي أوجه للخير. السؤال هو: هل تمحو كفارة اليمين الطلقة الأولى بحيث لا يزال لدينا ثلاث فرص للطلاق؟ أم يكون الطلاق وقع وتتبقى لنا فرصتان؟ و أستغفر الله العظيم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كنت حلفت على زوجتك بالطلاق أن لا تفعل شيئا ففعلت ذلك الشيء، فقد وقعت طلقة وبقيت لك عليها طلقتان، وليست عليك كفارة يمين، وهذا ما عليه جماهير فقهاء الإسلام، وهو الصواب والراجح. وذهب بعض أهل العلم إلى التفصيل، وانظر الفتوى رقم: 3795. وكفارة اليمين على القول بها تصرف على ما ذكرنا في الفتوى رقم: 2053 لا على المساجد أو أوجه الخير الأخرى. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
أدلة القائلين بوقوع الطلاق المعلق موقع اليمين إذا قصد اليمين
تاريخ 07 شوال 1424 / 02-12-2003
السؤال
الموضوع الطلاق المطلوب إيراد حجج العلماء الذين انتحوا جانب عدم وقوع الطلاق المعلق وتحويله على صفة اليمين 2- تحديد موقف هؤلاء العلماء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والقائل فيه ثلاث جدهن جد وهزلهن جد 3- أرجو الرد سريعا لأهمية هذا الأمر وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد ذكرنا أدلة من قال بأن الطلاق المعلق حكمه حكم اليمين إن قصد به اليمين، وذلك في الفتوى رقم: 11592 وأما حديث: ~ثلاث جدهن جد وهزلهن جد...~~ فإنه لا حجة فيه عليهم، لأنهم يقولون إن الطلاق المعلق بنية اليمين ليس طلاقاً أصلاً حتى يقال جده وهزله سواء، وإنما هو حلف بالطلاق عندهم، لكن الذي نرى أنه هو الراجح من حيث الدليل هو مذهب الجماهير، وعليه المذاهب الأربعة، كما بيناه في الفتاوى التالية: 1673/ 19612/ 8828 والله أعلم.(15/22)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق واقع في قول جمهور الفقهاء
تاريخ 05 شعبان 1424 / 02-10-2003
السؤال
لقد قلت لزوجتي أنت طالق ثم طالق ثم طالق إذا خرجت من البيت بدون إذن، ثم سألنا وقالوا عليك كفارة، وبعد أغواني الشيطان مرة أخرى وقلت لزوجتي علّي الحرام ما تلبسين البرقع وسألنا وقالوا عليك كفارة يمين، ثم قلت علّي الحرام مرة أخرى لوتطلعين لأهلك ....فما حكم الشرع في ذلك؟ وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقولك لزوجك: "أنت طالق ثم طالق ثم طالق.. الخ" إذا كنت قصدت بما قلته مجرد التهديد بالطلاق ولم تقصد تعليق الطلاق على خروجها، فقد اختلف أهل العلم في وقوع الطلاق عليها في هذه الحالة إذا خرجت بدون إذنك، فجمهورهم على وقوعه، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تطلق، ويلزمك حينئذ كفارة يمين، وقد مضى بيان ذلك وما يتعلق به من تفصيل في الفتوى رقم: 5584. فعلى قول جمهور الفقهاء، تكون هذه المرأة قد بانت منك ولا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك ويدخل بها ثم يطلقها. وعلى قول غيرهم، فلا يلزمك إلا كفارة يمين، أما حلفك بالحرام، فيختلف حكمه باختلاف نيتك، فتارة يكون ظهارا، وتارة يكون يمينا، وتارة يكون طلاقا. وراجع لمعرفة تفصيل ذلك الفتوى رقم:30708. ومنها تعلم أنه متى كانت نيتك في الصيغة التي ذكرتها الطلاق، فهو طلاق معلق، وقد سبق بيان حكمه، وننبهك -وفقك الله- إلى أن شأن الطلاق خطير، لا تكفي فيه فتوى قد لا يحيط فيها المفتي بملابسات الطلاق، ولذا، فعليك بمراجعة المحكمة الشرعية لمعرفة ما يترتب على ما صدر منك، فإنهم أقدر على الإحاطة بملابسات الموضوع ثم إصدار الحكم الصحيح. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
جمهور أهل العلم على أن الطلاق المعلق يقع بحصول هذا الشيء
تاريخ 25 رجب 1424 / 22-09-2003
السؤال
طلقت زوجتي مرتين، وبعدها قامت زوجتي بسبي في التليفون بأمي، وقلت لها وأنا في وعيي إذا حدث ذلك مرة أخرى تكونين طالقاً، وعندما قابلت زوجتي قامت بسبي بأمي، أرجو الإجابة هل بذلك أصبحت لا تحل لي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان الأمر على ما ذكرت من وقوع ما علقت طلاق زوجتك عليه وهو سبها إياك، فإن(15/23)
هذه المرأة قد بانت منك بينونة كبرى، فلا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك ويدخل بها دخولاً حقيقياً، وذلك لأن جمهور أهل العلم على أن من علق طلاق زوجته على حصول شيء فإن الطلاق يقع بحصول هذا الشيء، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 17824. وننبهك في ختام هذا الجواب على أمرين: الأول: أنه لا ينبغي أن يكون التلفظ بالطلاق هو السبيل إلى حل المشاكل الزوجية، بل ينبغي التفاهم بين الزوجين، ومراعاة واحترام كل منهما للآخر، ولا سيما إن كان له منها أولاد، فيترتب على ذلك تشتت الأسرة وضياع الأولاد. الثاني: أن الأولى في مثل هذه المسائل مراجعة المحكمة الشرعية فهي أجدر بالنظر فيها من جميع جوانبها. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يمكن التراجع عن الطلاق المعلق
تاريخ 03 ذو الحجة 1423 / 05-02-2003
السؤال
قلت لزوجتي إن دخل أحد من أهلك بيتي تكونين طالقاً وقبل أن يدخل أحد تم الاتفاق على التصالح في بيتي وقد تم فهل يقع الطلاق علما بأنني لا أقول إنني كنت أهدد حتى لا يستهان بالسؤال؟ ولكم جزيل الشكر...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما دمت قصدت بقولك هذا تعليق الطلاق فإنه متى دخل أحد من أهل زوجتك إلى بيتك وقع الطلاق، فإذا وقع الطلاق بحصول ما عُلق عليه فلا مانع من استرجاعها في فترة عدتها من غير حاجة إلى عقد أو صداق أو ولي، ما لم يكن هذا الطلاق مسبوقاً بطلقتين قبله وإلا بانت منك بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد وطء زوج آخر في نكاح صحيح، وانظر الفتوى رقم:
7665.
وليُعلم أن من علق الطلاق على حصول شيء، لا يمكن التراجع عن ذلك التعليق عند جمهور العلماء -وهو الراجح عندنا- وراجع في هذا الفتوى رقم:
1956 - والفتوى رقم: 19827.
وعلى الأخ السائل مراجعة الجهات المختصة بالفصل في قضايا الأحوال الشخصية، لأن أمر الطلاق شائك وخطير فلا يكتفى فيه بفتوى مضت ولا إجابة سؤال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
بين الطلاق المعلق والحلف بالطلاق
تاريخ 19 ذو القعدة 1423 / 22-01-2003
السؤال(15/24)
لي صديق دائم الحلف على زوجته بالطلاق على أفعال تخضع لإرادته هو بمعنى أنه يحلف عليها بأنها طالق إذا اشترى أغراضا لشقيقه هو وليس متوقف على فعل تأتيه هي علماً بأنه يحلف وهو بكامل قواه العقلية إلا أنه يقول بعد أن يأتي بالفعل بأنه لم تكن بنية إيقاع الطلاق أرجو التكرم بالإفادة.
وجزاكم الله عنا والمسلمين خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاقة بين الزوجين أوثق العلاقات وأقواها، وقد سمى الله تعالى العهد الذي بين الزوجين بالميثاق الغليظ، فقال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) [النساء:21].
وإذا كانت العلاقة بين الزوجين على هذا النحو، فإنه لا ينبغي تعريضها لما يوهنها، أو التلاعب بها كما يتلاعب بها صاحبك الذي سألت عنه.
وليعلم أن الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وهذا الحلف مكروه عند العلماء لما فيه من تعريض الزوجية للانهيار، لأن أكثر الفقهاء على أن الحالف إذا حنث وقع الطلاق، ومنهم من علل كراهته بما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق، فإنها أيمان الفساق".
لكن قال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة لم أقف عليه.
وأما تعليق الطلاق على الشرط الذي لا يراد به الحث أو المنع، فلا يسمى حلفاً بالطلاق، وإنما هو طلاق معلق، كقول الرجل: إن دخل شهر رمضان فأنت طالق، وإن طلعت الشمس فأنت طالق.
وقد سبق بيان الحكم فيما سألت عنه في الفتاوى التالية: 20356، 2041، 3282، 1956.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق لا يخلو الأمر حينئذ من حالين:
تاريخ 01 ذو القعدة 1423 / 04-01-2003
السؤال
ما حكم من قال لها زوجها أنت حرام علي أو قال لها إن ذهبت إلى أمك فأنت طالق ويريد أن يكفر عن هذا الحلف ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيمن قال لزوجته أنت علي حرام، وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم:
14259.
أما المسألة الثانية وهي قول السائل لزوجته: إن ذهبت إلى أمك فأنت طالق، فهذا يعرف عند الفقهاء بالطلاق المعلق، فلا يخلو الأمر حينئذ من حالين:(15/25)
الحالة الأولى: أن لا تكون هذه الزوجة قد ذهبت إلى بيت أمها، فلا يقع الطلاق حينئذ لعدم تحقق المشروط.
الحالة الثانية: أن تكون هذه الزوجة قد ذهبت إلى بيت أمها، ففي هذه الحالة يقع الطلاق عند جمهور الفقهاء، لأنه قد علق طلاقه على وقوع أمر، وقد تحقق ما علق عليه طلاقه، وتراجع في ذلك الفتوى بالرقم:
5684 - والفتوى رقم: 3795.
وفي ختام هذا الجواب فإننا ننصح من فعل ذلك بأن يتقي الله تعالى، وأن يحذر استعمال ألفاظ التحريم والطلاق والأيمان في حل المشاكل الزوجية، لأن ذلك مدعاة للوقوع في الحرج والندم حيث لا ينفع الندم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق لا يخلو الأمر حينئذ من حالين:
تاريخ 01 ذو القعدة 1423 / 04-01-2003
السؤال
ما حكم من قال لها زوجها أنت حرام علي أو قال لها إن ذهبت إلى أمك فأنت طالق ويريد أن يكفر عن هذا الحلف ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم فيمن قال لزوجته أنت علي حرام، وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم:
14259.
أما المسألة الثانية وهي قول السائل لزوجته: إن ذهبت إلى أمك فأنت طالق، فهذا يعرف عند الفقهاء بالطلاق المعلق، فلا يخلو الأمر حينئذ من حالين:
الحالة الأولى: أن لا تكون هذه الزوجة قد ذهبت إلى بيت أمها، فلا يقع الطلاق حينئذ لعدم تحقق المشروط.
الحالة الثانية: أن تكون هذه الزوجة قد ذهبت إلى بيت أمها، ففي هذه الحالة يقع الطلاق عند جمهور الفقهاء، لأنه قد علق طلاقه على وقوع أمر، وقد تحقق ما علق عليه طلاقه، وتراجع في ذلك الفتوى بالرقم:
5684 - والفتوى رقم: 3795.
وفي ختام هذا الجواب فإننا ننصح من فعل ذلك بأن يتقي الله تعالى، وأن يحذر استعمال ألفاظ التحريم والطلاق والأيمان في حل المشاكل الزوجية، لأن ذلك مدعاة للوقوع في الحرج والندم حيث لا ينفع الندم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق بصيغة الكناية(15/26)
تاريخ 25 شوال 1423 / 30-12-2002
السؤال
طلبت مني زوجتي أن أحضر لها هاتفاً جوالاً ولكنني رفضت وحصل بيننا شجار بسبب ذلك فقلت والله مايطب يدك وأنت على ذمتي فهل يقع طلاق لو أنني أحضرت لها هذا الهاتف؟ وهل هنالك كفارة؟ عللماً أن هذا الكلام حصل منذ ثلاث سنوات وأنني نسيت هل كنت أنوي ما قلت أم لا. وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قولك: والله ما يطب يدك وأنت على ذمتي. اشتمل على أمرين:
الأول: تعليق الطلاق على إحضار الجوال لها بصيغة من صيغ الكناية، والطلاق بصيغ الكناية يقع إذا نواه صاحبه، فإذا كان معلقاً وقع بمجرد حصول ما عُلق عليه، عند جمهور الفقهاء، أما إذا لم ينو الطلاق، فإن اللفظ لا أثر له ولو حصل ما علقه عليه، وقد سبق بيان حكم طلاق الكناية في الجواب رقم: 3174 ورقم: 23963 ولمعرفة حكم الطلاق المعلق راجع الفتاوى التالية أرقامها: 19162 17824 20763
الثاني: تأكيد ماعلقت عليه الطلاق باليمين، فإذا حصل ما علقت عليه الطلاق وجبت عليك كفارة يمين سواء طلقت زوجتك أم لم تطلق، بناءً على التفصيل السابق، وإن لم يحصل ما حلفت عليه فلا كفارة عليك، ولمعرفة مقدار كفارة اليمين راجع الجواب رقم:
204
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يقع الطلاق المعلق بمجرد التلفظ به
تاريخ 10 شوال 1423 / 15-12-2002
السؤال
هل يقع الطلاق بمجرد الحلف به؟
أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحلف بالطلاق، يعتبر طلاقاً معلقاً، والطلاق المعلق يقع بحصول ما علق عليه عند جمهور العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وهذا هو الراجح، ولا يقع بمجرد التلفظ به بل بحصول ما علق عليه، وقد مضى بيان ذلك مع ذكر الخلاف فيه تفصيلاً في الفتوى رقم: 3911، والفتوى رقم: 11592.
وليعلم أن أمر الطلاق شائك وخطير جداً، يجب الرجوع فيه للجهات الشرعية المختصة لدراسة الأمر من جميع جوانبه، والفصل في المسائل المختلف فيها بين الفقهاء.(15/27)
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق بصيغة الكناية
تاريخ 25 شوال 1423 / 30-12-2002
السؤال
طلبت مني زوجتي أن أحضر لها هاتفاً جوالاً ولكنني رفضت وحصل بيننا شجار بسبب ذلك فقلت والله مايطب يدك وأنت على ذمتي فهل يقع طلاق لو أنني أحضرت لها هذا الهاتف؟ وهل هنالك كفارة؟ عللماً أن هذا الكلام حصل منذ ثلاث سنوات وأنني نسيت هل كنت أنوي ما قلت أم لا. وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن قولك: والله ما يطب يدك وأنت على ذمتي. اشتمل على أمرين:
الأول: تعليق الطلاق على إحضار الجوال لها بصيغة من صيغ الكناية، والطلاق بصيغ الكناية يقع إذا نواه صاحبه، فإذا كان معلقاً وقع بمجرد حصول ما عُلق عليه، عند جمهور الفقهاء، أما إذا لم ينو الطلاق، فإن اللفظ لا أثر له ولو حصل ما علقه عليه، وقد سبق بيان حكم طلاق الكناية في الجواب رقم: 3174 ورقم: 23963 ولمعرفة حكم الطلاق المعلق راجع الفتاوى التالية أرقامها: 19162 17824 20763
الثاني: تأكيد ماعلقت عليه الطلاق باليمين، فإذا حصل ما علقت عليه الطلاق وجبت عليك كفارة يمين سواء طلقت زوجتك أم لم تطلق، بناءً على التفصيل السابق، وإن لم يحصل ما حلفت عليه فلا كفارة عليك، ولمعرفة مقدار كفارة اليمين راجع الجواب رقم:
204
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يقع الطلاق المعلق بمجرد التلفظ به
تاريخ 10 شوال 1423 / 15-12-2002
السؤال
هل يقع الطلاق بمجرد الحلف به؟
أفيدونا أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحلف بالطلاق، يعتبر طلاقاً معلقاً، والطلاق المعلق يقع بحصول ما علق عليه عند جمهور العلماء من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وهذا هو الراجح، ولا يقع(15/28)
بمجرد التلفظ به بل بحصول ما علق عليه، وقد مضى بيان ذلك مع ذكر الخلاف فيه تفصيلاً في الفتوى رقم: 3911، والفتوى رقم: 11592.
وليعلم أن أمر الطلاق شائك وخطير جداً، يجب الرجوع فيه للجهات الشرعية المختصة لدراسة الأمر من جميع جوانبه، والفصل في المسائل المختلف فيها بين الفقهاء.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يقع الطلاق المعلق بمجرد الفعل
تاريخ 24 شعبان 1423 / 31-10-2002
السؤال
حلفت على زوجتي بالطلاق إن هي عادت إلى التدخين قائلاً: أنت طالق بالثلاث إذا أنت دخنت ولم أقصد تطليقها وقد اكتشفت أنها عادت إلى هذه العادة فهل يقع الطلاق؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك لامرأتك: أنت طالق بالثلاث إذا أنت دخنت، يعتبر طلاقاً معلقاً بشرط يقع عند فعلها ما علقت طلاقها على فعله وهو التدخين، ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 1956.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق يرجع إلى النية
تاريخ 28 رجب 1423 / 05-10-2002
السؤال
بسبب خلاف بيني وبين زوجتي قلت لها أنت طالق إذا صار أي شيء ما أدري عنه وهذا عن خلفية علمت لاحقا اتصالها بشركة الهاتف دون علمي لوجود عطل بهاتف المنزل وطلبت منهم إصلاحه فما الحكم ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأنت أخي السائل قد علقت طلاق زوجتك على فعلها أي شيء بغير علمك، والحكم في مسألتك يرجع إلى نيتك فإذا كان ما فعلته يدخل فيما نويته فقد طلقت بذلك حتى لو جهلت أن ذلك داخل في نيتك، أما إذا كنت تنوي أمراً معيناً فإنك لا تحنث إلا بفعلها لذلك، الأمر الذي نويته ولو كان لفظك يعمه هو وغيره.
ولمزيد الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها:
8206
20763(15/29)
21768.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق بين الوقوع وعدمه
تاريخ 25 رجب 1423 / 02-10-2002
السؤال
أخي دائم الخلاف مع زوجته وكثير الحلف وأقرب يمين إلى لسانة هو عليّ الطلاق أو تكوني طالقة أو تكوني محرمة علي وللأسف أنه يحلف على كل شيء وزوجته إلى حد ما غير مطيعة أو غير مقدرة لوقوع اليمين ... المهم أنه تكرر أكثر من مرة بأن حلف عليها بألا تفعل كذا وتفعل كأن يحلف عليها بعدم الذهاب إلى بيتهم أو أن تكلم شخصاً معيناً وتكرر ذلك كثيراً وللعلم يمينه أحياناً يكون في ساعة غضب وأحياناً أخرى يكون في أوقات عادية علماً بأن ألقى عليها اليمين مرة واحدة بالتليفون صراحة وقال لها أنت طالق ... وقد اختلف العلماء الذين أستشرناهم في الأمر فمنهم من قال لا غبار على العيشة ومنهم قال لابد من التفريق وهي محرمة عليه ... أرجو إفادتي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجمهور العلماء من أهل المذاهب الأربعة على أن الطلاق المعلق على شرط يقع بوقوع الشرط، وعلى هذا القول فإن كان أخوك قد تلفظ بهذا الطلاق وعلقه على فعل الزوجة أو امتناعها من شيء معين، فخالفت، فإن الطلاق يقع، وإن كان ذلك قد حدث مرتين، مع ما ذكرت من إيقاعه الطلاق الصريح المنجز بالتليفون، فقد بانت منه بينونة كبرى ولا يجوز له أن ينكحها حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً يطؤها فيه، ويكون نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقها أو يموت عنها.
وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحالف بالطلاق المعلق إن خص التهديد، ولم يقصد وقوع الطلاق فعليه كفارة يمين.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
فتاوى في أحكام الطلاق المعلق
تاريخ 16 جمادي الثانية 1423 / 25-08-2002
السؤال
أنا قلت لزوجتي إذا لم تنامي معي كل ليلة جمعة فأنت طالق استجابت وهي مكرهة لأن لديها أطفالاً بعد ذلك مرت الأيام وصار هناك عذر شرعي نفاس ومرض فهل علي إثم وأن أباشرها في أي وقت لكن لم ألزمها بالنوم معي وقد نسيت الطلاق من عبءالمعيشة وجعلتها تهتم بالأطفال فهل يلزمها النوم بناء على الطلا ق وهل يبقى هذا الحلف ساري المفعول وهل يلزمنا شيء أفيدونا جزاكم الله خيراً.......(15/30)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقولك لزوجتك إذا لم تنامي معي كل ليلة جمعة فأنت طالق، يعد من قبيل الطلاق المعلق، وقد تقدم حكمه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
3282
11592
1956
19410
20356.
فعلى مذهب الجمهور فإنها تقع طلقة إذا لم يحصل المعلق عليه وهو المبيت معك ليلة الجمعة، أما على مذهب شيخ الإسلام ومن قال بقوله فإنه لا شيء عليك ولو لم تبت معك ليلة الجمعة إلا كفارة يمين بالله تعالى، والأولى أن تستمر زوجتك في تلبية طلبك خروجاً من الخلاف، فإن الخلاف في المسألة قوي، وإن استطعتم أن تراجعوا المحكمة الشرعية لتفصيل في الأمر فهو الأفضل.
أما قول السائل: مرت الأيام وصار هناك عذر شرعي فهل علي إثم أن أباشرها في أي وقت... فإننا لم نفهم مراده منه، ولكن ليعلم أنه لا يجوز له أن يطأ زوجته في حال النفاس، ولا في حالة الحيض.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مذهب الجمهور في الطلاق المعلق أولى بالاعتبار
تاريخ 20 جمادي الأولى 1423 / 30-07-2002
السؤال
لقد أقسمت على زوجتي ألا تذهب إلى فرح أخيها ولو ذهبت تكون طالقاً وكنت في حالة غضب شديدة وأريد الآن أن أجعلها تذهب حتى لا أقطع صلة الرحم فماذا أفعل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن من قال لزوجته: إن فعلت كذا أو ذهبت إلى مكان كذا فأنت طالق.... أن الطلاق يقع إذا وقع المعلق عليه، وهو الذهاب إلى ذلك المكان.
وفصَّل آخرون فقالوا: إن قصد منعها من الذهاب، ولم يكن في نيته حال الحلف أنها تطلق إذا ذهبت إلى ذلك المكان فإن عليه أن يكفر كفارة يمين إذا وقع المحلوف عليه، وهو الذهاب إلى ذلك المكان.
وإن كان في نيته أنها تطلق إذا ذهبت فإنها إن ذهبت إلى ذلك المكان وقع الطلاق وهذا لا خلاف فيه.
ولا شك أن مذهب الجمهور هو الأولى بالأخذ بالاعتبار، وهو الأحوط.(15/31)
لذا فنرى أن هذه المرأة لا تذهب إلى فرح أخيها حفاظاً على يمين زوجها، ولئلا تتعرض عصمتها إلى الخطر وبالإمكان إقناع أخيها وأهلها بوجه عدم حضورها لفرحهم وهو خشية وقوع الطلاق.
وعلى السائل الكريم أن يتقي الله تعالى ولا يعرض عصمة زوجته للخطر والشبهة، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالطلاق والحلف بغير الله تعالى، فعلى المسلم أن يكف عن اليمين بالطلاق وبغير الطلاق؛ إلا بالله وأسمائه وصفاته، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى المختارة في الطلاق المعلق
تاريخ 03 جمادي الأولى 1423 / 13-07-2002
السؤال
خلاف بيني وبين زوجتي بسبب سابع مولود لي بسبب تافه وهو أنها وأهلها يريدونها في قاعة وأنا أردت السابع في البيت فوقع خلاف كبير حتى نزلت المحكمة مع والدها طالبا مني طلاقها فوقعت له ورقة كتبت فيها إن لم تأت زوجتي منزلها في خلال الأربعين سوف تكون طالقاً طلاقاً نهائياً ولا رجعة فيه علما بأن نيتي في الأمر هو إجبارها على الرجوع إلى بيتها وترهيبها ولم تكن نيتي هو طلاقها ..... أفيدونا أفادكم الله حتى وإن كان من سعادة المفتي العام وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما صدر من السائل الكريم هو ما يسمى في الفقه بالطلاق المعلق، وهو الذي يكون معلقاً على زمن أو صفة أو شرط.
وحكم هذا النوع من الطلاق أنه يقع عند الجمهور إذا حصل المعلَق عليه، سواء قصد به اليمين للحمل على الفعل، أو قصد الزجر عن ترك الفعل، أو قصد به الطلاق عند حصول الفعل، ففي هذا كله يقع الطلاق عندهم.
وذهب ابن حزم إلى عدم وقوعه.
وفصَّل شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: إن الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين غير واقع، وإذا حصل المحلوف عليه فيجب فيه كفارة اليمين، وأما إذا لم يقصد به اليمين فهو واقع عند حصول المعلق عليه.
وبناء على ما سبق، فإن زوجة السائل الكريم تكون طالقاً إذا حصل الأمر المعلق عليه وهو عدم الرجوع إلى بيتها خلال الأربعين، وإذا رجعت خلال هذه الفترة فلا طلاق.
مذهب ابن تيمية -ومن معه هو أنه لا يقع الطلاق إذا كان لا ينوي طلاقاً- وإنما القصد كما قال هو الترهيب لترجع إلى البيت، ففي هذا كفارة يمين إذا لم ترجع في المدة المذكورة.(15/32)
والذي نراه ونفتي به في هذا الموقع هو مذهب الجمهور، ويليه في الرجحان مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ومن معه، ثم يأتي بعد ذلك مذهب ابن حزم.
وعلى كل حال فهذا الطلاق إن حصل الأمر المعلق عليه يظل طلاقاً رجعياً إن لم يكن هو الثالث فللزوج ارتجاع زوجته بعده ما دامت عدتها لم تنته، ولا عبرة بقول الزوج طلاقاً نهائياً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق بين الموقعين والمانعين
تاريخ 06 ربيع الثاني 1423 / 17-06-2002
السؤال
العنوان "هل يقع الطلاق أم لا"
حدث خلا ف بيني وبين زوجتي وأثناء الخلاف هجرتني في الفراش وعند الكلام معها قامت بسبي بشتائم كثيرة فقلت لها إن شتمت مرة أخرى تصبحين طالقاً فإذ زادت الخناقة اشتعالا وقامت بخربشتي وعضي وأعتقد أنها شتمت شبه متاكد
أولا : ما رأي الدين في هذه الزوجة؟
ثانيا : هل يقع الطلاق أم لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يهدي زوجتك ويصلحها ويوفق بينكما.
واعلم انه لابد ،أن هناك سبباً أو أسباباً جعلتها تتصرف معك بما ذكرت، فابحث عن هذه الأسباب في نفسك أو في زوجتك واستعن بالله على إزالتها.
أما هجر المرأة لفراش زوجها فلا يجوز وهو من الكبائر كما في الحديث الصحيح إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح. متفق عليه. فعليها أن تتوب إلى الله من هذه الكبيرة ومن سبها وضربها وعضها لزوجها.
وإذا كان مقصودك من عبارة (إن شتِمت مرة أخرى تصبحين طالقاً) وقوع الطلاق إذا هي شتمت أو سبت وتأكدت من أنها سبت، فإنه يقع الطلاق لأنه طلاق معلق على شرط ، وقد وقع الشرط فيقع الطلاق. وأما إذا نويت بهذه العبارة مجرد التهديد لها والتخويف فقط ولم ترد بها الطلاق، فمذهب الجمهور هو وقوع الطلاق أيضاً.
وذهب بعض العلماء إلى أن الطلاق حينئذ لا يقع، وأن عليك كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وقد سبق وأن، أجبنا على حكم الطلاق المعلق في الجواب رقم:
3727 و رقم: 3795وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق يقع عند جمهور العلماء(15/33)
تاريخ 11 ربيع الثاني 1423 / 22-06-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
سيدي أنا رجل صنعت معروفا مع شقيقتي وزوجها وأولادها وفي اليوم الذي تلا ذلك اتصل بي زوجها ليخبرني بأنه قد طلق شقيقتي فغضبت وفي المساء كنت في جلسة مع بعض الأقارب نتحدث عما حصل وأثارني أحد الموجودين فقلت تكون زوجتي طالقا إذا دخلت بيته أنا أو زوجتي طول حياتي أو إذا دخل هو بيتي علماً بأن زوجتي لم تكن موجودة في تلك الجلسة والآن وبعد أكثر من سنة لم ندخل بيوت بعضنا البعض مع العلم بأن شقيقتي وأولادها يزوروني وكذلك أولادي يزوروهم والآن أفتني ياشيخنا هل يقع الطلاق إذا دخلت بيته من أجل زيارة شقيقتي من باب صلة الرحم؟ مع العلم أنه إذا كان يقع الطلاق فإنها الطلقه الثالثة بالنسبة إلى زوجتي.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قسم الفقهاء الطلاق إلى: معجل، ومعلق.
فالمعجل ينفذ في الحال، كقول الزوج لزوجته: أنت طالق.
وأما المعلق: فهو الذي يعلق على زمن أو صفة أو شرط، وحكمه عند الجمهور أنه يقع إذا حصل المعلق عليه، سواء قصد به ما يقصد من القسم للحمل على الفعل أو الترك، أو قصد به إيقاع الطلاق عند حصول الشرط.
وقال ابن حزم: إنه غير واقع.
وفصل شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: إن الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين غير واقع، وتجب فيه كفارة اليمين إذا حصل المحلوف عليه، وأما إذا لم يقصد به يمين فهو واقع عند حصول المعلق عليه.
وبناء على ما تقدم، فنقول للسائل: إن الطلاق يقع إذا حصل ما علقه عليه عند الجمهور. أما ما ذكرته من عدم التواصل إن استمريت على ما أنت عليه، فيمكن حله بأن يتم ذلك في بيت أحد الأقارب والجيران، ولا تعرض عصمة زوجتك للحل خصوصاً أنك قد ذكرت أنك قد طلقتها مرتين من قبل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق يقع حسبما أوقعه الزوج
تاريخ 09 صفر 1423 / 22-04-2002
السؤال
إذا قال رجل لزوجته في حالة غضب لو كنت خارج البيت فأنت طالق ثلاثاً وفعلا كانت خارج البيت هل تطلق؟ وإذا قال لها أيضا إذا لم ترجعي هذا الشيء أنت طالق(15/34)
ولم ترجعه هل تطلق؟ وإذا ذهبت للمستشفى بحالة اضطرارية بدون إذن وقال لصديقتها إذا لم ترجع للبيت خلال وقت معين فهي طالق ولم ترجع بالوقت المعين هل تطلق؟ علما بأنها كانت مجبورة وهو كان غضبان
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....
أما بعد :
فالغضب لا يمنع وقوع الطلاق إلا إذا وصل الأمر بالزوج إلى حالة لا يدري معها ما يقول، كما هو مفصل في الفتوى رقم :
1496 والفتوى رقم : 11566
ومن قال لزوجته: إن كنت خارج البيت فأنت طالق ثلاثاً -وكانت فعلاً خارج البيت- فقد طلقت وبانت منه بينونة كبرى ولا يحل له نكاحها حتى تنكح زوجاً غيره، وكذلك إذا قال لها: إذا لم ترجعي هذا الشيء إلى مكان كذا فأنت طالق ولم ترجعه فإنها تطلق منه طلقة واحدة إذا لم يكن قد علق على أكثر منها كأن قال لها: أنت طالق ثلاثا أو اثنتين، كذلك إذا قال لها إذا لم ترجعي من المستشفى - أو غيره - في وقت كذا فأنت طالق ولم ترجع في الوقت المحدد فقد طلقت منه طلقة. وهذا كله على القول الراجح من أقوال أهل العلم وهو مذهب جمهورهم. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم :
3795
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
هل يقع الطلاق المعلق بعد الموت
تاريخ 25 محرم 1423 / 08-04-2002
السؤال
رجل أقسم على زوجته"إن فعلت كذا فأنت طالق"ما حكم هذا اليمين بعد وفاة الزوج، وجازاكم الله خيرا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوجية تنقطع بموت أحد الزوجين.
وعليه -كما هو الظاهر- فإذا كان المقصود أن الزوجة فعلت ما حلف الزوج على تركه ولكن بعد موته. فهذا لا إشكال فيه، لأن الزوجية قد انقطعت بموت الزوج.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يقع الطلاق المعلق إذا لم يحصل ما علق عليه
تاريخ 01 محرم 1424 / 05-03-2003
السؤال
ما حكم الطلاق المعلق ثم الرجوع عنه؟(15/35)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن علق طلاق زوجته بحصول شيء معين فإن طلاقه يقع بحصول ما علقه عليه، فإن لم يحصل ما علقه عليه فلا يقع الطلاق حينئذ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1956.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يقع الطلاق المعلق بعد الموت
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
رجل أقسم على زوجته"إن فعلت كذا فأنت طالق"ما حكم هذا اليمين بعد وفاة الزوج، وجازاكم الله خيرا؟
2- ما حكم الفائد في القروض الممنوحة من الدولة للشباب لإعانتهم على الزواج، علما بان النسبة تبلغ 2% وهي مخصصة للإجراءات الإداريةعلى حسب قول المصرف، وجازاكم الله خيرا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن القروض التي فتحتها الدولة للشباب بقصد تشجيعه وإعانته على الزواج يجب أن تكون قروضاً حسنة -أي بدون فائدة- هذا هو الغرض الذي تلوح عليه مظاهر التعاطف وإعانة شباب المسلمين على تحقيق رغباتهم المشروعة، ويؤجر صاحبه، أما القرض بفائدة ولو كانت قليلة فإنه من الربا سواء سميت تلك الفوائد باسمها الحقيقي أو باسم آخر يراد من ورائه تغطية الربا، إذ العبرة بالمضامين والمعاني، وليست بالألفاظ والمسميات، ومما يدل على أن هذه الفائدة ربوية هو تحديدها بالنسبة المئوية إذ لو كانت في مقابلة الخدمات المقدمة للزبون لكانت تزيد وتنقص حسب تلك الخدمات صعوبة وسهولة، وليس حسب قدر المبلغ المقرض.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق على أكثر من شيء
تاريخ 13 محرم 1423 / 27-03-2002
السؤال
أنا امرأة متزوجة حلف علي زوجي وهو مقيم بالسعودية وأنا في ا لسودان أنني إذا فعلت بعض الأشياء التي يكرهها هو وقد سمى لي تلك الأفعال بأنني إذا فعلتها أكون طالقاً وقد وعدته بألا أفعل حتى لا يقع الطلاق ولكن مع مرور الأيام فعلت ما نهاني عنه واشترطه للطلاق مرات عديدة فما حكم الدين في ذلك هل أنا مطلقة الآن أم غير ذلك وإذا كنت مطلقة هل اكون مطلقة بالثلاث لأنني فعلت ذلك أكثر من ثلاث(15/36)
أم أكون مطلقة طلقة واحدة مع العلم أنه لا يعرف حتى الآن بأنني عصيته أفيدوني أفادكم الله لأني في حيرة من أمري وأتمني أن أعرف الحل لأنه اقترب موعد سفري إليه في السعودية فهل أكون حلالا له أم حراما .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا طلاق معلق بشرط فعل ما من الزوجة، فمتى فعلته وقع طلاقها، فإن كان الزوج علق طلاقها على فعل شيئين فأكثر فلا يقع الطلاق إلا بفعلها لكل ذلك، كأن يقول -مثلاً- إن أكلت كذا وكذا فأنت طالق، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: (وإذا علق الطلاق بشرطين لم يقع قبل وجودهما جميعاً في قول عامة أهل العلم) فإن فعلتهما معاً طلقت طلقة واحدة فقط مهما كررت فعلهما، لأن التعليق ينحل بحصول الشرط المعلق عليه مرة واحدة، فإن عادت إليه ثانية في العدة أو بعدها لم تقع عليها به طلقة أخرى لانحلاله؛ ما لم يكن التعليق بلفظ يقتضي التكرير مثل: (كلما) فإن كان التعليق بها وقع عليها الطلاق كلما كررت الفعل، لأن لفظ (كلما) تفيد التكرار دون غيرها.
وإن قال: إن فعلت واحداً مما نهيتك عنه فأنت طالق، ففي هذه الحالة تطلق بفعل أول واحد فقط، وينحل التعليق ولا يقع الطلاق مرة أخرى بتكريرها لفعله أو فعلها لغيره مما نهاها عنه وعلق طلاقها على فعله.
وأما تأكيد الزوج لتعليق الطلاق أكثر من مرة فلا أثر له في عدد الطلقات قبل فعل الزوجة لشيء مما نهاها عنه سابقاً. وعلى ضوء ما سبق يتبين الحكم -إن شاء الله- للأخت السائلة، وننبهها إلى أنه يجب عليها إخبار زوجها بما فعلت، لأنه هو الذي يدري نيته في التعليق، والأداة التي علق بها الطلاق، وغير ذلك مما ينبني عليه الطلاق وعدده.
وليكون على حذر من التلفظ بالطلاق مرة أخرى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق على أمرين
تاريخ 05 شعبان 1422 / 23-10-2001
السؤال
خرج مني يمين طلاق على النحو التالي: أنت طالق إذا دخلت بيت خالتك أو كشفت على شخص أنا غطيتك منه فماهو الحكم الشرعي في هذه الحالة هل إذا دخلت بيت خالتها تعتبر طلقة واحدة ويسقط الغطاء وينتهي اليمين أم مايزال معلقاً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذا هو ما يعرف بالطلاق المعلق، وقد اختلف العلماء هل يقع إذا حصل ما علق عليه أم لا؟ وذهب الجمهور إلى وقوعه، فيما قال آخرون إن الأمر راجع إلى النية، فإن نوى مجرد المنع من الأمر المعلق عليه ولم ينو الطلاق فعليه كفارة اليمين، وإن(15/37)
نوى الطلاق وقع. وانظر الجواب رقم790 والجواب رقم 3795 وعلى القول الأخير- وهو الذي رجحه ابن تيمية وغيره - فإن كنت نويت اليمين فعليك الكفارة فقط، وإن كنت نويت الطلاق وقعت طلقة بدخول زوجتك بيت خالتها، وتبقى طلقة كشف الغطاء معلقة، فإن كشفت غطاءها -ولا يجوز ذلك إلا لمحرم- وقعت طلقة أخرى لأنك ربطت بين الدخول والكشف بـ"أو" وليس بـ"الواو" والفرق أنه في الربط بـ"الواو" لا يقع الطلاق إلا بمجموع الأمرين، وفي الربط بـ"أو" يقع الطلاق بكل واحد على انفراده.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق بلفظ (حرَّم) حكمه وما يترتب عليه
تاريخ 07 ربيع الأول 1422 / 30-05-2001
السؤال
أقسم زوجي بلفظ (حرم) بتشديد حرف الحاء لفظ يستخدم بمعنى أنت طالق إن فعلتي كذا ( طلب مني ألا أرسل رسالة إلى بنت عمي وهو يظن أن فحوى رسالتي شيء لا يريده) وكان ذلك في لحظة غضب وتملكني الغضب أرسلت الرسالة بفحواها العادي وهو غير ما ظنه ساعة غضبه. وحين سكت عنا الغضب أصر أنه لم يطلق وقام بمعاشرتي ولكن الشك يداخلنا علما أنها أول مرة منذ زواجنا الرجاء إفتاءنا وجزاكم الله عنا خير الجزاء
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هذا اللفظ (حرّم) يستعمل عندكم بمعنى الطلاق، فما ذكره الزوج يعد من الطلاق المعلق على شرط، فإن وقع الشرط - وهو إرسال الرسالة هنا - وقع الطلاق عند جمهور العلماء، إلا أن يكون الزوج في حالة غضب لم يدر ما يقول، وهذه حالة نادرة جداً، ولا تكون إلا عند انغلاق العقل، وعدم شعور الإنسان بما حوله.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق المعلق يرجع فيه إلى نية الزوج، فإن قصد وقوع الطلاق عند حصول الشرط طلقت، وإن قصد التهديد أو المنع، ولم يقصد وقوع الطلاق لم تطلق، ولزمه كفارة يمين.
وعلى القول بوقوع الطلاق، فلا يقع إلا طلقة واحدة رجعية، وما قام به من معاشرة كاف في الارتجاع على افتراض أن الطلاق وقع، وهو الصواب، وعليه أن لا يعود إلى التلفظ بهذا النوع من الألفاظ، ولو بلغ به الغضب ما بلغ، فلعل من الحكم التي تجعل الطلاق عند الزوج دون الزوجة - في الظروف الطبيعية - هو أن الزوج أملك لنفسه في حال الغضب والتشاجر، فلا تطغى عاطفته على عقله، فعلى زوجك أن يستشعر حجم المسؤولية، كما أن عليك أنت أن لا تلجيء زوجك إلى موقف كهذا تحت أي ظرف من الظروف، وننبهك إلى أن السبب المذكور في سؤالك سبب تافه لا يرقى إلى أن يجعلك تضعين عصمة الزواج في مهب الريح. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(15/38)
ـــــــــــــــــــ
مسألة في الطلاق المعلق
تاريخ 05 صفر 1422 / 29-04-2001
السؤال
لوحلف يمينا منذ عشرين عاما أن الزوجة لم تذهب إلى منزل به العم والعمة وكان مقصده العم وبعد عشرين عاما ذهبت الزوجة للعمة بسبب مرضها وكان العم ترك المنزل منذ أربع سنوات هل يقع اليمين والزوجة نست هذا اليمين ولما سألنا قالوا ما هي نية الزوج ؟ ونيته عدم الطلاق وكان تخويفا ما حكم اليمين هل يقع أم لا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يبدو أن السائل قصد الحلف بالطلاق، وعلى ذلك فالجواب أنه إن كان لا يقصد إلا منعها من دخول بيت فيه العم فقط، ولا إشكال عنده في دخولها على العمة، فإن الطلاق في هذه الحالة لا يقع قطعاً، لأن الشرط الذي علقه عليه لم يقع وهو: دخولها في بيت فيه العم.
وهذا هو الظاهر من مقتضى السؤال، أما إن كان يقصد منعها من دخول ذلك البيت مطلقاً، فإن دخولها فيه تجري عليه أحكام الطلاق المعلق على شرط، وراجع لذلك الجواب رقم 5677
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق ينظر فيه إلى نية صاحبه
تاريخ 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
في حالة غضب قلت لزوجتى " علي الطلاق بالثلاثة لو زوج أختك دخل بيتنا" لكن حضر هذا الشخص إلى المنزل فى اليوم التالي ودخل البيت واقفا جوار الباب من الداخل فقالت له زوجتى وحماتى " اخرج علشان - فلان - حالف بالطلاق لو أنت دخلت البيت " فقال " أنا كنت جاى أعتذر " ثم خرج فورا .
رجاء الإفادة بحكم الشرع فى ذلك .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: نوصيك بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من استوصاه فقد روى أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: "لا تغضب" فردد مراراً قال: "لا تغضب". أخرجه البخاري وغيره.
وذلك أن الإنسان إذا غضب فقد السيطرة على نفسه فقد يتصرف تصرفاً يورثه ندماً.
وأما جواب سؤالك فإن كنت قصدت بما قلته لزوجتك مجرد التهديد بالطلاق وتخويفها به لمنع زوج أختها من دخول البيت ، ولم تقصد تعليق الطلاق على ذلك(15/39)
فقد اختلف أهل العلم في وقوع الطلاق عليها في هذه الحالة إذا دخل زوج أختها ولو لحظة ذاكراً أو ناسيا. فجمهورهم على وقوعه لأن الصيغة نص في تعليق الطلاق على أمر وقد وقع الأمر المعلق عليه، وذهب بعضهم إلى إنها لا تطلق منك ، وجعل هذا من التهديد بالطلاق ، والتهديد بالطلاق ليس طلاقاً. ويلزمك حينئذ كفارة يمين .
أما إن قصدت بما قلته تعليق طلاقها على دخوله، فإنها تطلق بمجرد ذلك وجمهور أهل العلم على أنها تطلق ثلاث طلقات لأنك علقت على الثلاث، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى أنها تطلق طلقة واحدة، إن لم تكن نويت أكثر من ذلك وعلى ما ذهبا إليه .
فإن لك أن ترجعها قبل انقضاء عدتها بدون عقد جديد، وبدون أن تدفع لها مهراً وبدون ولي أو شهود، إلا أن الإشهاد مستحب عند أهل العلم، وبدون رضاها وليس لها أن تشترط عليك أن تدفع لها شيئاً، وإن فعلت أنت ذلك من باب جبر خاطرها وإصلاح ما أفسدته تلك المشادة التي حصلت بينكما فلا حرج.
وننصحك بمراجعة المحاكم الشرعية في البلد الذي أنت فيه.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يقع الطلاق المعلق بتحقق المشروط.
تاريخ 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
أخو زوجتي حلف على زوجته أنها تحرم عليه إن ذهبت إلى أختها ثم بعده بقليل قال لها تبقين طالقا في حال ذهابك إلى أختك وبعدها بيوم وبمروره فى الشارع وجدها عند أختها فيريد أن يعرف ما الحكم الآن علما بأن الزوجه حاليا عند أهلها إلى أن يحل ذلك اليمين أفيدونا بالسرعة اللازمة أفادكم الله .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقول الزوج لزوجته. تبقين طالقاً في حال ذهابك إلى أختك. هو من الطلاق المعلق على شرط.
وجمهور أهل العلم أن الطلاق المعلق على شرط يقع بوقوعه، فإذا ذهبت الزوجة إلى أختها وقع الطلاق.
وذهب بعض العلماء إلى إن الطلاق المعلق له حالتان:
الأولى: أن يقصد وقوع الطلاق عند تحقق الشرط، فتطلق امرأته طلقة واحدة بذلك.
الثانية: أن يكون قصده التهديد أو الحث أو المنع، لا الطلاق، فيلزمه كفارة يمين فقط.
وعلى القول بوقوع الطلاق، تقع طلقة واحدة رجعية، فللزوج أن يرجع زوجته قبل انقضاء عدتها، والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(15/40)
اعتبار نية الحالف وقصده في وقوع الطلاق المعلق
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
رجل طلق زوجته ثم راجعها ثم حدث بيهما خلاف ذهبت على إثره إلى بيت أهلها فأقسم زوجها إن ذهب لإرجاعها في طالق، وقد ذهب إلى بيت أهلها بغرض زيارة ابنه وأم زوجته، ثم حاولت أم زوجته الاصلاح بينهما فصالح زوجته وكلمها بكلام طيب، وقال: سوف أرسل أخي لإرجاعك إلى البيت، وجاء أخوه بعد خمس ساعات، فراحت معه، وبعد سنة من هذا الموضوع طلق زوجته، فهل تكون يمينه المذكورة طلاقاً، وبالتالي تكون هذه الطلقة ثالثة وأخيرة أم ماذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا إشكال في وقوع الطلاق في المرة الأولى وكذلك في المرة الثالثة. وإنما الإشكال فيما حصل في المرة الثانية هل يعتبر طلاقاً أم لا؟. والجواب أنه ينظر في حقيقة قصد الزوج من ذهابه إلى بيت أهل الزوجة فإن كان يعلم فيما بينه وبين ربه أنه ما ذهب ليترضَّاها ويرجعها إلى بيتها، وإنما ذهب ليزور ابنه فقط. وما حصل من تصالح بينه وبين زوجته كان مجرد صدفة، فإن الطلاق في هذه الحالة لم يقع لأنه كان معلقاً على أمر ولم يحصل ذلك الأمر المعلق عليه.
أما إن قصد بالذهاب إلى البيت الذي هي فيه مجرد ترضِّيها وإرجاعها، أو كان ذلك من قصده فإن الطلاق واقع، لأنه قد علق على أمر وحصل، ومذهب أكثر أهل العلم وقوع الطلاق المعلق، وعلى ذلك تكون الزوجة قد بانت منه بينونة كبرى بالطلاق الذي حصل في المرة الثالثة، فلا تحل له إلَّا إذا تزوجت زوجاً غيره ودخل بها، ثم طلقها أو مات، وانقضت عدتها منه.
ونوصي هذا الزوج بضبط أعصابه عند حدوث أي مشكلة بينه وبين أهله، وعدم التسرع في أخذ مثل هذا القرار الذي قد يندم عليه فيما بعد ويبحث له عن علاج في وقت ربما يكون أوان العلاج فيه قد فات. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق على شرط يقع بحصوله
تاريخ 17 ذو الحجة 1424 / 09-02-2004
السؤال
في لحظة غضب قلت لزوجتي: إن خرجت فأنت طالق ، فخرجت، فما هو الحكم مع العلم أن هذه هي الطلقة الأولى؟ وهل أنا ملزم بشيء إن أرجعتها قبل انتهاء العدة؟ وهل لها أن تشترط عند إرجاعها شيئاً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(15/41)
فأولاً: نوصيك بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من استوصاه فقد روى أبو هريرة أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: "لا تغضب" فردد مراراً قال: "لا تغضب". أخرجه البخاري وغيره.
وذلك أن الإنسان إذا غضب فقد السيطرة على نفسه فقد يتصرف تصرفاً يورثه ندماً.
وأما جواب سؤالك فإن كنت قصدت بما قلته لزوجتك مجرد التهديد بالطلاق وتخويفها به، ولم تقصد تعليق الطلاق على خروجها فقد اختلف أهل العلم في وقوع الطلاق عليها في هذه الحالة إذا خرجت فجمهورهم على وقوعه لأن الصيغة نص في تعليق الطلاق على أمر وقد وقع الأمر المعلق عليه، وذهب بعضهم إلى إنها لا تطلق منك إذا خرجت، وجعل هذا من التهديد بالطلاق والتهديد بالطلاق ليس طلاقاً.ويلزمك حينئذ كفارة يمين .
أما إن قصدت بما قلته تعليق طلاقها على خروجها، فإنها تطلق بمجرد خروجها طلقة واحدة، إن لم تكن نويت أكثر من ذلك.
ولك أن ترجعها قبل انقضاء عدتها بدون عقد جديد، وبدون أن تدفع لها مهراً وبدون ولي أو شهود، إلا أن الإشهاد مستحب عند أهل العلم، وبدون رضاها وليس لها أن تشترط عليك أن تدفع لها شيئاً، وإن فعلت أنت ذلك من باب جبر خاطرها وإصلاح ما أفسدته تلك المشادة التي حصلت بينكما فلا حرج.
وننبه إلى أن الرجعة تكون باللفظ الصريح مثل قولك لها: راجعتك أو ارتجعتك إلى نكاحي وهذا لا يحتاج إلى نية ، وبالكناية مثل: أنت امرأتي، ونوى به الرجعة فهذا يحتاج معه إلى نية الرجعة ، وتكون بالفعل كالجماع ومقدماته كالتقبيل ، على خلاف في وقوع الرجعة بالمقدمات.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العبرة في الطلاق المعلق بالنية
تاريخ 15 ربيع الثاني 1422 / 07-07-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الرجاء الجواب على السؤال التالي : رجل وامرأته ذهبا لزيارة قريبة لهما في المستشفى، فوجدا معها رجلاً من غير المحارم،هنالك غضب الرجل وخرج في الحال ،ثم قال لزوجته إذا ذهبت لزيارتها بعد سواءً في المستشفى أو في البيت فأنت طالق. الرجاء أخبرونا هل هاهنا من كفارة، لأن المريضة قريبتنا وليس لها من يساعدها في بلاد الغربة إلا نحن بعد الله ، وهي قد ندمت على سوء التصرف وتابت إلى الله. الرجاء أن تتفضلوا علينا بالجواب. والسلام عليكم ورحمة الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: يبدو أن الرجل حمله على اليمين فظاعة الأمر الذي وجد هذه المرأة متلبسة به فأراد أن(15/42)
يقاطعها ويهجرها. وعليه فإذا كانت المرأة ندمت على ما فعلت وتابت إلى الله تعالى توبة نصوحاً وأقلعت عن الذنب فإنه يسأل هل قصد عند نطقه بالحلف بالطلاق وقوع الطلاق مطلقاً. تابت المرأة أم لم تتب، أم قصد وقوعه إن لم تتب أم لم يكن قصد الطلاق أصلاً وإنما قصد مجرد الزجر. فإن قصد الوقوع مطلقاً فلا يحق لك أن تزوري المرأة بحال وإن زرتِها فأنت طالق، وإن كان قصد وقوع الطلاق إلا أن تتوب فلك زيارتها إن تابت وإن قصد مجرد الزجر باليمين ولم يقصد وقوع الطلاق فللعلماء فيه مذهبان: أحدهما وقوع الطلاق والآخر أن عليه كفارة يمين. والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حَدَّث نفسه بطلاق زوجته
سؤال:
حدث خلاف بيني وبين زوجتي على غسل الملابس فأنا أريد أن تغسل وهي لا تريد ، وبعد جدال وصياح تركتها وذهبت إلى غرفة أخرى وحدثت نفسي بأن أقول لها : ( بتكوني طالق إذا بتغسلي هذا الشهر ، أنا بدي أغسل ) . ولم أبلغها بما حدثت به نفسي . ولم يكن ذلك بصوت عالٍ , حتى لم أكد أسمعه أنا , وحدث ذلك لكي أوقفها عن الجدال في أمر الغسيل لأنها كثيرة الجدال ولم أقصد بذلك الطلاق بل التخويف . وكل ذلك حدث في لحظة غضب . فإن غسلت فهل يقع طلاق أم يكون هنالك يمين فقط ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الطلاق لا يقع بمجرد تحديث النفس به ، أو التفكير فيه ، أو العزم عليه ، ما لم تتلفظ به.
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله عز وجل تجاوز لأمتي ما وسوست به وحدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به ) . رواه البخاري 6664 ، ومسلم 127 .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( وجملة ذلك أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ , فلو نواه بقلبه من غير لفظ , لم يقع في قول عامة أهل العلم ; منهم عطاء , وجابر بن زيد , وسعيد بن جبير , ويحيى بن أبي كثير , والشافعي , وإسحاق . وروي أيضا عن القاسم , وسالم , والحسن , والشعبي ) انتهى من المغني 7/294.
وقولك : ( ولم يكن ذلك بصوت عالٍ , حتى لم أكد أسمعه أنا ) يفهم منه أنك تلفظت بهذا الكلام بصوت منخفض ، فإن كان الأمر كذلك ، فما صدر منك يعتبر من الطلاق المعلق على شرط ، وهو غسل الملابس . وقد ذكرت أنك لا تريد طلاقها ، بل تخويفها فقط . وعلى هذا يكون حكم هذا الطلاق حكم اليمين ، فإن هي غسلت ملابسك فعليك كفارة يمين ، ولا يقع بذلك طلاق . كما أفتى بذلك الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله . انظر : فتاوى إسلامية (3/280-285) .
وكفارة اليمين هي المذكورة في قول الله تعالى : ( لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا(15/43)
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ) المائدة/89 . راجع السؤال رقم (9985) .
وهذا كله مبني على أن هذا الكلام قد تلفظت به ، ولم يقتصر الأمر على حديث النفس .
وإخراجك كفارة اليمين أولى وأحوط .
وخلاصة الجواب :
أنك إن كنت لم تتلفظ بالطلاق ، ولم تحرك به لسانك فلا شيء عليك .
أما إن كنت تلفظت به ولو بصوت منخفض فهذا حكمه حكم اليمين لأنك أردت منعها ولم ترد إيقاع الطلاق .
وسواء علمت المرأة بما حدث أم لم تعلم لا يغير ذلك من الحكم شيئاً .
وعلى المسلم أن يتجنب أمر الطلاق ، تفكيرا أو عزما أو تلفظا ، لما في ذلك من تعريض البيت المسلم للانهيار لأتفه الأسباب .
والله تعالى المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
قال لزوجته : أنت طالق عندما نرجع إلى البلاد
سؤال:
كنت مسافرة مع زوجي وحصل بيننا مشاجرة فقال : أنت طالق عندما نرجع إلى البلاد ، ورجعنا فعلاً ، فهل يقع الطلاق بذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا قال الزوج لزوجته : " أنت طالق عندما نرجع للبلاد " فيقع الطلاق عند رجوعكما للبلاد ؛ لأن هذا تعليق محض ، أي لا يقصد به الحث أو المنع ، أو التصديق أو التكذيب ، بل هو كقول الإنسان : إذا جاء أول الشهر أو دخل رمضان أو قدم السلطان فزوجته طالق ، فزوجك لا يقصد بكلامه هذا منعك أو منع نفسه من الرجوع إلى بلده ، كما لا يقصد الحث على البقاء خارج البلد ، فهو تعليق محض .
ولو فرض أنه قال : أردت أني " سأطلقها " بعد الرجوع ، فهذا لا يقبل منه أيضا ؛ لأن قوله : أنت طالق ، من ألفاظ الطلاق الصريحة ، فلا يقبل منه أن مراده ونيته الوعد بالطلاق .
وأما التعليق الذي يقصد به المنع ، كقوله : أنت طالق إن خرجت من البيت ، يريد منعها من الخروج ، أو التعليق الذي يراد به الحث على الفعل ، كأنت طالق إن لم ترجعي إلى البيت ، فهذا التعليق الذي اختلف فيه الفقهاء ، فجمهورهم على أن الطلاق يقع عند وقوع ما علق عليه ، وذهب جماعة منهم إلى أن الطلاق لا يقع لأنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع .
ونقل ابن قدامة رحمه الله عن القاضي أبي يعلى في بيان الحلف بالطلاق والفرق بينه وبين التعليق المحض قوله : " هو تعليقه على شرط يقصد به الحث على الفعل(15/44)
، أو المنع منه ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، وإن لم تدخلي فأنت طالق . أو على تصديق خبره ، مثل قوله : أنت طالق لقد قدم زيد أو لم يقدم .
فأما التعليق على غير ذلك ، كقوله : أنت طالق إن طلعت الشمس ، أو قدم الحاج ، أو إن لم يقدم السلطان ، فهو شرط محض ليس بحلف " انتهى من "المغني" (7/333) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " الحلف بالطلاق هو التعليق الذي يراد به حث الحالف على شيء ، أو منعه من شيء ، أو حث المستمعين المخاطَبين على تصديقه أو تكذيبه ، هذا هو اليمين بالطلاق ، فهو تعليق ، ومقصوده حث أو منع ، أو تصديق أو تكذيب ، فهذا يسمى يمينا بالطلاق . بخلاف التعليق المحض ، فهذا لا يسمى يمينا ، كما لو قال : إذا طلعت الشمس فزوجته طالق ، أو قال : إذا دخل رمضان فزوجته طالق ، فهذا لا يسمى يمينا ، بل تعليق محض وشرط محض ، متى وجد الشرط وقع الطلاق ، فإذا قال مثلا : إذا دخل رمضان فامرأته طالق ، طلقت بدخول رمضان ، وإذا قال مثلا : إذا طلعت الشمس فزوجته طالق ، طلقت بطلوع الشمس " .
وقال : " أما إذا كان ليس هناك حث ولا منع ، بل هو شرط محض ، فهذا تعليق محض يقع به الطلاق كما تقدم ، مثل لو قال : إذا دخل شهر رمضان فامرأته طالق ، فهذا شرط محض ، وهذا إذا وقع وقع الطلاق ؛ لأن المعلق على الشرط يقع بوقوع الشروط ، وهذا هو الأصل ". انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص 129- 131) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل قال لزوجته : إذا أتاك الحيض ثم طهرت فأنت طالق , ولكنه ظهر له بعد ذلك أن يمسك امرأته ولا يطلقها .
فأجابت : " هذا طلاق معلق على شرط محض , لا يقصد به حث ولا منع , فيقع الطلاق بوجود الشرط , وهو الطهر بعد الحيض , ورجوعه عن هذا التعليق بعد حصوله منه لا يصح " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/174) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق والطلاق في حال الغضب الشديد
سؤال:
ما حكم من يحلف على زوجته بالطلاق إن هي فعلت أمرا ما كقطع للرحم ، وكان الزوج حينذاك في حالة غضب شديد لم يتمالك نفسه إلى درجة عدم مقدرته تذكر ما يقول ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :(15/45)
ينبغي للرجل ألا يستعمل الطلاق كلّما حدث بينه وبين أهله نزاع ، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة . وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق ، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق . . . وهكذا . وهذا نوع تلاعب بكتاب الله ، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله ، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه ، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق ؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا ؟ فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ : أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا أَقْتُلُهُ ؟
قال الحافظ : رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في غاية المرام (261).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم ، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : ( مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري (2679) ، فإذا أرد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل ، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقوله تعالى : ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/ 89 . ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى : لا تكثروا الحلف بالله .
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل : عليّ الطلاق أن تفعل كذا ، أو عليّ الطلاق ألا تفعل ، أو إن فعلت فامرأتي طالق ، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ ، فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/753).
ثانيا :
قول الرجل لزوجته : إن فعلت كذا فأنت طالق ، أو إن لم تفعلي فأنت طالق ، هو من الطلاق المعلق على شرط ، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع هذا الطلاق عند حصول الشرط .
وذهب بعض أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره - إلى أن هذا التعليق فيه تفصيل ، يرجع إلى نية القائل ، فإن قصد ما يقصد باليمين وهو الحث على فعل شيء ، أو المنع من فعل شيء ، أو التصديق أو التكذيب ، فإن هذا حكمه حكم اليمين ولا يقع به طلاق ويلزمه كفارة يمين عند الحنث .
وإن قصد بذلك وقوع الطلاق طلقت زوجته عند حصول الشرط . وأمر نيته لا يعلمه إلا الله الذي لا تخفى عليه خافية ، فليحذر المسلم من التحايل على ربه ، ومن خداع نفسه .
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن قال لزوجته : عليّ الطلاق تقومين معي ، ولم تقم معه . فهل يقع بذلك طلاق ؟
فأجابت : " إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك ، فإنه لا يقع به طلاق ، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء ، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/86).(15/46)
ثالثا :
ينبغي أن يُعلم أن أكثر حالات الطلاق إنما تصدر مع الغضب والضيق والانفعال ، لا مع الفرح والانشراح ، فكون الزوج طلق زوجته حال غضبه لا يعني عدم وقوع الطلاق ، كما يظنه كثير من الناس ، إلا أن يكون الغضب قد بلغ به مبلغا ، فقد معه الشعور والإدراك ، بحيث صار لا يعي ما يقول ، فهذا لا يقع طلاقه باتفاق العلماء .
أما إذا اشتد الغضب ولكنه لم يبلغ إلى حد أن يفقده الشعور والإدراك ، ولكنه كان شديداً بحيث لا يملك الرجل نفسه ، ويشعر وكأنه يدفع إلى الطلاق دفعاً فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الغضب لا يمنع وقوع الطلاق .
وذهب بعضهم إلى أنه يمنع وقوع الطلاق ، وبه كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم ، وهو الراجح إن شاء الله ، وانظر بيان ذلك في جواب السؤال (45174)
وإنما أشرنا إلى مذهب الجمهور حتى يدرك السائل والقارئ خطورة التكلم بالطلاق ، في حال الغضب وغيره ، وأنه قد يهدم بيته ويضر نفسه وأهله بسبب عجلته وانفلات لسانه ، نسأل الله العفو والعافية .
فإن كان هذا الذي حلف على زوجته قد بلغ به الغضب إلى هذا الحد لم يقع طلاقه إن شاء الله تعالى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
علق الطلاق على أمر واستثنى منه شيئا بالنية
سؤال:
أقيم في دولة عربية للعمل بينما تقيم زوجتي وبناتي الاثنتين مع أهلي في بلدي حيث يقوم والدي بالاعتناء بهم . قلت للوالد عبر الهاتف وأنا غاضب ( أبلغ زوجتي أنها إذا لم تفعل كذا في الموعد كذا ستكون طالقاً ) وكنت أعني الطلاق لا التهديد . وبعد مدة اتصلت به وسألته هل فعلت قال ( لا ) لأنني أمرتها ألا تفعل لأن ذلك سيضر بالبنات وبوالدتي فقلت له لقد كسرت يميني يا أبي ، مع العلم بأن ما قلته في الفعل الذي يوقع الطلاق يستثنى منه في النية بصفة عامة ( ما يغضب الله ورسوله ويخالف القوانين ويعترض عليه الوالدان) ولكني لم أقل ذلك .
وتم مراجعة السائل : هل نوى استثناء ما يعترض عليه الوالدان فعلا ؟
فأفاد بأنه بار بأبيه ومطيع له ، ولو كان والده اعترض على هذا الكلام لنزل على رغبة أبيه ، غير أن أباه كان موافقاً له فيما يقول ، ثم غيَّر رأيه فيما بعد .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
قولك عن زوجتك : إذا لم تفعل كذا فهي طالق ، هو من الطلاق المعلق الذي يقع عند تحقق الشرط ، عند جمهور الفقهاء ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن نوى بذلك الطلاق فهو طلاق ، وإن نوى التهديد أو الحث أو المنع من الفعل ، فهو يمين(15/47)
، تلزم فيه كفارة اليمين ، وحيث إنك كنت تنوي الطلاق لا التهديد ، فالطلاق واقع في قول الجميع .
ثانيا :
النية معتبرة في هذا الباب ، فتخصص اللفظ العام ، وتقيد المطلق ، بشرط أن تكون مصاحبة للفظ ، فلو قلت : زوجتي طالق إن لم تفعل كذا ، وتنوي إلا أن يمنعها الوالد مثلا ، فمنعها ، ولذلك لم تفعل ، لم تطلق . وهذا فيما بين الإنسان وبين ربه ، وأما في القضاء ، هل يقبل منه ذلك أو لا ؟ خلاف بين الفقهاء .
وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أن تخصيص اللفظ العام بالنية جائز ومقبول ، كما لو قال نسائي طوالق , يريد بعضهن ، فهذا صحيح ، ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما أراده , دون ما لم يرده .
ومن شرط هذا أن تكون النية مقارنة للفظ , فأما إن كانت النية متأخرة عن اللفظ , فقال : نسائي طوالق . ثم بعد فراغه نوى بقلبه بعضهن , لم تنفعه النية , ووقع الطلاق بجميعهن ...
ومثل ذلك أيضاً : إذا نوى التخصيص بوقت معين أو حال ، مثل أن يقول : أنت طالق . وينوي إن دخلت الدار , أو بعد شهر , فهذا أيضا يقبل فيه قوله ، ويتخصص اللفظ بالنية .
انظر : "المغني" (7/319) .
والذي يظهر لنا من سؤالك ومراجعتك أنك لم تنو استثناء ما يغضب الوالدين ، وإنما تقول : لو اعترض علي والدي لكنت وافقته ، ومثل هذا لا يكون استثناء ، وقد سبق في كلام ابن قدامة رحمة الله أن الاستثناء لا يصح إذا تأخر عن الكلام .
وعلى هذا تكون هذه الطلقة واقعة ، فإذا كانت الأولى أو الثانية فعليك المبادرة برد زوجتك قبل انقضاء عدتها .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
علق الطلاق على أمر وزوجته لا تعلم
سؤال:
زوج خالتي رمى يمين الطلاق على خالتي أن لا تدخل بيتنا ، وخالتي لا تعلم بذلك فدخلت بيتنا بهدف صلة الرحم والصلح معنا ، نحن لا نعلم متى حلف ولكنه قال إنه رمى يمين الطلاق أن لا تدخل ، وعلى فكرة والدي الله يهديه دائماً يحلف بالطلاق ، وأمي لم يبقَ لها سوى طلقة واحدة فقط ، فما هو حكم الشرع في ذلك ؟ وبصراحة والداي دائماً في عراك طوال حياتهم ، وكل مرة تزداد حياتنا تحطيماً .
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم (82400) حكم الطلاق المعلق ، وتفصيل الأقوال فيه ، وفيه أيضاً : التحذير من التسرع في الطلاق ، والحلف به ، فلينظر.(15/48)
ولتعلم خالتك أنها لا يشترط معرفتها بتعليق طلاقها على حصول شيء منها ، كما لا يشترط سماعها لطلاق زوجها ، لكن كان ينبغي لزوجها أن يبين لها ما فعله ، وعدمُ إخبارها بما قاله من تعليق الطلاق على دخول بيت أختِها يبين أنه لم يقصد المنع ، وبالتالي فهو يريد إيقاع الطلاق ، ولو أنه أراد منعها لأسمعها كلامه أو لكان أخبرها به فيما بعد .
وعلى كل حال : فالذي يظهر أنه أراد إيقاع الطلاق ، وتكون قد طلقت بدخولها لبيت أختها ، حتى لو لم تكن تعلم بكلامه .
وانظري جواب السؤال رقم : (43481) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق وما يترتب عليه ... العنوان
ما حكم الطلاق المعلق على شرط ؟ ... السؤال
05/02/2007 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فيقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
من الأسئلة التي تتعلق بالطلاق السؤال عن الطلاق المعلَّق، ومثاله أن يقول الرجل لزَوجه: "إنْ خرجتِ بغيرِ إذْنِي، أو كلَّمْتِ الجارة، أو فعلتِ كذا، فأنت طالق". وحُكمه أنه إنْ كان يقصد تَخْوِيفَهَا ومنعها من الفعل، وهو في نفسه يكره طلاقها، ولا يرغب فيه، وليس لديه من الأسباب ما يجعله يقصد الطلاق ـ كان ذلك لغْوًا من القول لا أثَر له في الحياة الزوجية.
أما إذا كان مُنْطَوِيًا على بُغْضها غير راغب في عِشْرَتِهَا ـ واتَّخذ التعليق مُبررًا له في الطلاق أمام الناس ـ فإنه يقع إذا خالفتِ الزوجة، ويقع واحدةً رجعيَّةً لا غير ولو كان بلفْظ الثلاث أو الستين. وإلى هذا ذهب كثير من العلماء من سلف الأمة وخلفها، وبه أخذ قانون المَحاكم الشرعية المعمول به الآن في مصر .
وإني أرى هنا أن عبارات الطلاق الواردة في القرآن لا تَصْدُقُ لغةً إلا على من نَجَّزَ الطلاقَ وأوقعه بالفعل غير معلِّقٍ له على شيء: فقوله ـ تعالى ـ: (الطلاقُ مَرَّتَانِ). (الآية: 229 من سورة البقرة)؛ وقوله: (فإنْ طَلَّقَهَا). (الآية 230 من سورة البقرة)؛ وقوله: (وإذا طَلَّقَهَا). (الآية: 231 من سورة البقرة). كل هذا لا يُفهم منه إلا شيءٌ واحد، هو إيقاع الطلاق بالفعل.
أما مَن علَّق الطلاق على فعْل غيره زوجة أو غيرها فإنه لا يَصْدُقُ عليه أنه طلَّق، وفي العُرف يُقال في مثله: إن المرأة مثلا أوقعت الطلاق على زوجها.(15/49)
وإلى هذا الرأي ذهبت طائفةٌ من الفقهاء، فلو توسَّع القانون، ووحَّد الحكم بين النوعين في الطلاق المعلَّق لكان مُتَمَشِّيًا مع رُوح الشريعة في تضييق دائرة الطلاق .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق وحكم الرجوع عنه ... العنوان
قلت لزوجتي إن ذهبت إلى بيت أخيك فأنت طالق ولكنني تراجعت عن ذلك وأود أن آذن لها بالذهاب إلى بيت أخيها فما حكم ذلك ؟
... السؤال
01/03/2006 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
الطلاق المعلق اختلف فيه الفقهاء ، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطلاق يقع إن تحقق الشرط المعلق عليه ولا عبرة بنية الزوج في هذه الحالة، أما القول الثاني فقد جعل نية الزوج محل اعتبار فيقع الطلاق إن نواه الزوج ، إما إن نوى الحث على فعل أمر ما أو المنع منه فلا يقع الطلاق واعتبروه يميناً فيه كفارة يمين في حالة حصول الشرط ، وهذا الرأي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو الذي نختاره للفتوى..
أما الرجوع عن تعليق الطلاق فمسألة محل خلاف والراجح جواز ذلك أيضا.
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
الواجب على الزوج أن لا يستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات لأن الطلاق شُرع كآخر حل إن استعصت الحلول الأخرى للمشكلات الزوجية.
وما صدر عن السائل يعرف عند أهل العلم بالطلاق المعلق أي أنه علق طلاقها على شرط وهو ذهابها إلى بيت أخيها والطلاق المعلق يقع عند جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة إن تحقق الشرط المعلق عليه ، وهو هنا ذهابها إلى بيت أخيها بغض النظر عن قصد الزوج بهذا اللفظ هل قصد منعها من الذهاب أم قصد طلاقها فعلاً إن ذهبت.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا بالرأي الذي يرى أن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إن كان قصد المطلق هو الحث على فعل أمر ما أو المنع منه وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجماعة من أهل العلم واعتبروه يميناً فيه كفارة يمين في حالة حصول الشرط .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
[من الصيغ : أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط ; فيقول : إن كان كذا فعلي الطلاق . أو الحج . أو فعبيدي أحرار . ونحو ذلك : فهذا ينظر إلى مقصوده فإن(15/50)
كان مقصوده أن يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور - كمن ليس غرضه وقوع الطلاق إذا وقع الشرط - فحكمه حكم الحالف ; وهو من " باب اليمين " . وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور : كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط : مثل أن يقول لامرأته : إن أبرأتيني من طلاقك أنت طالق . فتبرئه . أو يكون عرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها فيقول : إذا فعلت كذا فأنت طالق ; بخلاف من كان غرضه أن يحلف عليها ليمنعها ; ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها فإنها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشرط فيكون حالفا . وتارة يكون الشرط المكروه أكره إليه من طلاقها . فيكون موقعا لطلاق إذا وجد ذلك الشرط فهذا يقع به الطلاق وكذلك إن قال : إن شفى الله مريضي فعلي صوم شهر فشفي فإنه يلزمه الصوم . فالأصل في هذا : أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده فإن كان غرضه أن تقع هذه الأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط . وإن كان مقصوده أن يحلف بها ; وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها ; لا موقع لها فيكون قوله من " باب اليمين " ; لا من " باب التطليق والنذر " فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة كقوله : إن فعلت كذا فأنا يهودي ; أو نصراني ونسائي طوالق وعبيدي أحرار وعلي المشي إلى بيت الله . فهذا ونحوه يمين ; بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه وكلاهما ملتزم ; لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم كما إذا قال : إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فإن هذا يكره الكفر ولو وقع الشرط : فهذا حالف . والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم ; سواء كان الشرط مرادا له أو مكروها أو غير مراد
له . فهذا موقع ليس بحالف . وكلاهما ملتزم معلق ; لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم.] مجموع الفتاوى 33/59-60.
وانظر كلام العلامة ابن القيم في المسألة في إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/97.
وما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في التفريق في الطلاق المعلق بين ما كان قصد المطلق فيه مجرد الحمل على فعل أو المنع منه وبين حصول الطلاق عند وقوع الشرط إذا كان الطلاق هو المقصود هو القوال الراجح في هذه المسألة وخاصة أن المسألة مسألة اجتهادية لم يرد فيها نصوص صريحة لا من الكتاب ولا من السنة ، ومما يؤيد ذلك ما يلي:
الأول: إنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع مثلاً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى) .
الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة وفي عرف الفقهاء ، ولذا دخل في أيمان البيعة ، وفي عموم اليمين في حديث الاستثناء في اليمين ، وفي عموم اليمين في حديث التحذير من اقتطاع مال امرىء مسلم بيمين فاجرة ، وفي عموم الإيلاء ، وفي عموم حديث (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) وفي عموم حديث (وإياكم والحلف في البيع) كما ذكر ذلك العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية(15/51)
وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين ، وإذا كان يميناً دخل في عموم قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) ، وقوله تعالى :( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ... ) الآية فتجب فيها الكفارة ...
وما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه فإنه إما غير صحيح نقلاً وإما صحيح معارض بمثله وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل أو المنع منه فهو في غير محل النزاع فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده والصواب التفصيل ...] أبحاث هيئة كبار العلماء 2/390- 392.
إذا تقرر هذا فأقول للسائل حيث إن زوجتك لم تذهب إلى بيت أخيها فلا يلزمك شيء ، ولكن الإشكال في تراجعك عن هذا الطلاق المعلق فإن كنت تقصد مجرد منعها من الذهاب فقط ولم تقصد طلاقها فهذا فيه كفارة يمين كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا ، وأما إن كنت تقصد طلاقها فعلاً إن ذهبت إلى بيت أخيها فهذا فيه إشكال كبير فعند جمهور أهل العلم لا يصح الرجوع عن الطلاق المعلق على شرط ، وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد ورد في المادة رقم 96 [ تعليق الطلاق بالشرط صحيح وكذا إضافته إلى المستقبل ورجوع الزوج عن الطلاق المعلق والمضاف لزمان مستقبل غير مقبول].
وأعتقد أن هذه المادة من القانون المذكور تحتاج إلى إعادة نظر حيث إنها تمنع المطلق من الرجوع عما علق عليه الطلاق فقد يكون ذلك الطلاق المعلق قد صدر عنه في وقت كانت علاقته سيئة مع شقيق زوجته ثم تحسنت العلاقة بينهما فأراد أن يأذن لزوجته بالذهاب إلى بيت أخيها فلماذا لا يمكنه التراجع ؟! أو لغير ذلك من الأسباب، وأرى أن فتح باب الرجوع عن الطلاق المعلق هو الأولى لأن فيه تيسيراً على الناس وفيه محافظة على الأسرة وإن كان ذلك على خلاف قول الجمهور .
وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين قولاً في مذهب الحنابلة يجيز الرجوع عن الطلاق المعلق ونسبه الشيخ ابن مفلح الحنبلي لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله، وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط قال ابن مفلح في الفروع (5/103): " ولا يبطل التدبير برجوعه فيه, وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه, كبيعه, ويتوجه في طلاق".
وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض.
وخلاصة الأمر أن الطلاق المعلق إن قصد به الحمل على فعل أمر ما أو المنع منه فحكمه حكم اليمين تلزم به كفارة يمين عند حصول ما علق عليه وإن قصد به الطلاق فعلاً فيقع الطلاق عند وقوع ما علق به.(15/52)
وأما قضية الرجوع عن الطلاق المعلق إن قصد به الطلاق فالمسألة تحتاج إلى إعادة بحث ونظر في قول الجمهور المانعين من الرجوع عن الطلاق المعلق وهو الرأي الذي أخذ به قانون الأحوال الشخصية ، وهنالك رأي يجيز الرجوع عنه ولعله يجري تعديل قانون الأحوال الشخصية في هذه المسألة .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
اختلاف الزوجين في عدد الطلقات ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال : هل ثأثم المرأة في حال قناعتها قناعة كاملة بأن زوجها قد رمى عليها اليمين الثالث على فترات متباعدة شرعية، ثم أنكر هو ذلك بطلب خلع نفسها أمام ممثل الهيئة الإسلامية في بلد الاغتراب؟
... السؤال
13/09/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
إذا تأكدت المرأة من أن الرجل طلقها ثلاثا طلاقا صريحا ، فلا يجوز البقاء معه ، ولكن الواجب عليها عرض ما قاله الزوج،فقد يظن الناس أن بعض الصيغ يقع بها الطلاق ،وليس هناك طلاق ،والواجب الذهاب لأقرب محكمة شرعية أو أقرب شيخ يستفتى في الموضوع.
يقول الدكتور عبد الله الفقيه مشرف مركز الفتوى بموقع الشبكة الإسلامية بقطر :
من علمت يقينا أن زوجها قد طلقها ثلاث مرات، فإنها لا يجوز لها البقاء معه، وإن أنكر هو ذلك ولم تستطع هي إثباته بالبينة، فإن عليها أن لا تمكنه من نفسها، نص على ذلك أهل العلم، ولا حرج عليها في أن تسعى للانفصال عنه ولو بالخلع.
وننصح هذه المرأة بأن تسلط على زوجها أهل الخير والصلاح، ليذكروه بالله جل وعلا ويبينوا له حكم البقاء مع زوجة طلقها ثلاثا، فلا تحل له حتى تنكح زوجا آخر.
وكان ينبغي للسائلة أن تعرض الصيغ التي وردت في كلام الزوج واعتبرتها هي طلاقا، فإن ما يظنه بعض الناس طلاقا، قد لا يكون طلاقا في الواقع، والذي ننصح به هو: عرض الموضوع على محكمة شرعية إن كنتم في بلد فيه محاكم شرعية، فإن لم تكونوا في بلد فيه محاكم شرعية: فليعرض الموضوع على أهل العلم، في البلد الذي أنتم فيه.
هذا كله إذا كان قصد الزوجة باليمين: يمين الطلاق، ويجب التنبه إلا أن الطلاق المعلق يقع إذا وقع ما علق عليه، ولم ينو به الزوج مجرد التهديد،وذلك عند جمهور الفقهاء.
أما إذا نوى به مجرد التهديد، ووقع ما علق عليه ، فمذهب الجمهور: أن الطلاق واقع، وبهذا أخذ الأئمة الأربعة وأكثر أتباعهم، فيما ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وآخرون إلى أن الطلاق غير واقع، وأن الواجب هنا هو كفارة يمين فقط .(15/53)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تمزيق الزوج ورقة الطلاق بعد كتابتها ... العنوان
ما حكم من أخذ ورقة، وكتب فيها إلى زوجته ( أنت طالق) قاصدا بذلك طلاقها، ثم بدا لها أن يرجع عن هذا الطلاق.... فهل له أن يقطع الورقة، ولا يحسب هذا من الطلاق؟
وما حكم من كتب يقول لزوجته( إذا وصلتك ورقتي هذه فاعلمي أنك طالق) هل له أن يحول دون وصول الورقة إليها حتى لا تطلق؟
... السؤال
26/04/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
الطلاق إما مطلق منجز، وإما معلق مشروط... فالأول يقع من وقته سواء أكان ملفوظا، أو منطوقا، ولا يملك الزوج التراجع عنه، ولكنه يملك مراجعة زوجته، وتحسب عليه الطلقة.... وعلى هذا ففي الحالة الأولى يقع الطلاق سواء وصلت الورقة إلى الزوجة أم لا، ولا ينفع الزوج هنا تقطيعها.
وأما النوع الثاني من الطلاق ( وهو الطلاق المعلق والمشروط) الذي يقصد فيه الزوج إيقاع الطلاق عند وجود شرطه فلا يقع إلا عند حصول الشرط، وعلى هذا ففي الحالة الثانية لا يقع الطلاق إلا بوصول الورقة إلى الزوجة، وإذا مزق الزوج الورقة.... فلا يقع الطلاق.
قال ابن قدامة في المغني من كتب الحنابلة :-
إن كتب إلى امرأته : أما بعد ، فأنت طالق طلقت في الحال ، سواء وصل إليها الكتاب ، أو لم يصل، وعدتها من حين كتبه.
وإن كتب إليها : إذا وصلك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب ، طلقت عند وصوله إليها ، وإن ضاع ولم يصلها ، لم تطلق ؛ لأن الشرط وصوله وإن ذهبت كتابته بمحو ، أو غيره ، ووصل الكاغد( أي الورق بلا كتابة) لم تطلق ؛ لأنه ليس بكتاب.
وكذلك إن انطمس ما فيه لعرق ، أو غيره ؛ لأن الكتاب عبارة عما فيه الكتابة.
وإن ذهبت حواشيه ، أو تخرق منه شيء- لا يخرجه عن كونه كتابا- ووصل باقيه طلقت ؛ لأن الباقي كتاب .
وإن تخرق بعض ما فيه الكتابة سوى ما فيه ذكر الطلاق فوصل طلقت ؛ لأن المقصود باق ، فينصرف الاسم إليه .
وإن تخرق ما فيه ذكر الطلاق فذهب ، ووصل باقيه ، لم تطلق ؛ لأن المقصود ذاهب.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ(15/54)
أثر السقط على العدة والطلاق المعلق ... العنوان
ما الحكم لو كانت المرأة حاملا وهي في العدة من الوفاة أو الطلاق وحدث إسقاط الجنين قبل اكتماله؟ هل تنتهي العدة بهذا الإسقاط لو حدث قبل مضي مدة العدة لغير الحامل أم تكمل هذه المرأة عدتها بالمدة؟ ... السؤال
12/09/2002 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الحامل إذا أسقطت الحمل بعد اكتمال خلقته أو تصوره على صورة آدمي ولو صورة غير واضحة ؛ بحيث لو شاء الله وبقي لاكتمل خلقه؛ فالفقهاء متفقون على أن العدة تنتهي بهذا السقط.
وأما إذا سقط الحمل وهو علقة ، أو مضغة ليس فيها صورة آدمي؛ فمذهب الجمهور أن العدة لا تنقضي به، ويرى المالكية أن العدة تنقضي بانفصال الحمل مطلقا.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
عدة الحامل تكون بوضع الحمل لقوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وأجمع أهل العلم في جميع الأمصار أن المطلقة الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل . والمتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فعدتها بوضع الحمل أو أربعة أشهر وعشرة أيام، على خلاف وتفصيل في ذلك .
وإذا نزل السقط تام الخلقة ترتبت عليه الأحكام التي تترتب على الولادة من حيث أحكام النفاس وانقضاء العدة ووقوع الطلاق المعلق على الولادة، وكذلك إن ألقت مضغة تبين فيه خلق إنسان، وأما إذا ألقت مضغة لم يتبين فيها التخلق أو ألقت علقة ففي ذلك خلاف بالنسبة لانقضاء العدة ووقوع الطلاق المعلق على الولادة:
فالحنفية والشافعية والحنابلة يرون أن العلقة والمضغة التي ليس فيها أي صورة آدمي لا تنقضي بها العدة، ولا يقع الطلاق المعلق على الولادة ؛ لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة .
أما المضغة المخلقة والتي بها صورة آدمي ولو خفية؛ وشهدت الثقات القوابل بأنها لو بقيت لتصورت، فإنها تنقضي بها العدة ويقع الطلاق؛ لأنه علم به براءة الرحم عند الحنفية والحنابلة . لكن الشافعية لا يوقعون الطلاق المعلق على الولادة؛ لأنه لا يسمى ولادة.
أما المالكية فإنهم ينصون على أن العدة تنقضي بانفصال الحمل كله ولو علقة .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق المقترن بالظهار ... العنوان
زوجي حلف علي بالطلاق بصيغة "تكوني طالقة ومحرمة علي مثل أمي وأختي وكل المحارم لو أخفيتي علي أي معلومة تخصك من أسرارك وأسرار أولادك، أو أهلك" فهل من حقه ذلك؟ وما حكم هذا ؟(15/55)
... السؤال
07/03/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
فإن هذا القول لا يعدو أن يكون طلاقا معلقا على عدم إخبار الزوجة زوجها بأسرارها وأسرار الآخرين المذكورين ، وهذا الطلاق مختلف فيه ، فقال الجمهور بوقوعه إذا وقع الشيء المعلق عليه الطلاق ، وهو عدم الإخبار بتلك الأسرار ، ولكن بعض الفقهاء يرون أنه لا يقع ، وهذا الرأي هو الراجح والمفتى به ، والمعمول به في بعض المحاكم الشرعية كما هو الحال في مصر .
وأما تحريم الزوجة كالأم وغيرها من المحاوم ، فلا يكون ظهارا ، لأنه لا يقصد به الظهار ، وإنما قصد به تأكيد الطلاق المعلق .
ويجب على الزوج أن يرجع عن ذلك ، ويستغفر الله تعالى ، وعلى الزوجة أن لا تطيعه في إفشاء أسرار الناس ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
يقول الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر :
أما عن الطلاق فيبدوا من خلال أسلوبه ـ إذا لم يكن طلاق تهديد ـ فإنه طلاق معلق على وقوع ما ذكر من أن تخبره زوجته عن أسرارها وأسرار الناس حتى ولو كانوا أبناءه، مما لا يحبون أن يعلمه أحد، والمعتمد من مذاهب الأئمة الأربعة "أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد" أن الطلاق المعلق وقوعه معلق على حصول الشيء الذي علق به فإذا حصل المعلق به وقع الطلاق وإذا لم يحصل لم يقع .
ولكن ذهب بعض المتأخرين من الفقهاء مثل ابن تيمية وابن قيم الجوزية إلى أن مثل هذا الطلاق إن قصد به التهديد لا يعتبر طلاقًا شرعيًا وبناء على هذا لا يقع طلاق في حالة القارئة المذكورة إذا أخفت عن زوجها ما طلب من أسرار .
وهذا الرأي وإن كان مأخذه ضعيفًا إلا أنه قد أفتي به واعتمده كثير من المعاصرين وعليه العلم في قوانين الأحوال الشخصية في مصر.
كما أنه قد علم من حال الحالف أيضًا أنه لا يعرف الظهار ولا يقصده ، حيث ذكر الطلاق قبل تشبيه زوجته بأمه أو أخته أو جمع المحارم ، وأنه قصد تأكيد الطلاق بهذه الأشياء التي أردف ذكرها بعد ذكره لكلمة الطلاق.
وحيث إن نية الحالف لم تكن موجهة إلى حل عقدة النكاح ولكن إلى منع الزوجة عن إخفاء أسرار من ذكر من الناس عنه فإنه لم تتوفر العزيمة المشروطة بقوله تعالى " وإن عزموا الطلاق" وعليه فإن الطلاق حينئذ لم يقع شرعًا ولا قانونًا.
كما لا يفيد ما ذكر من ألفاظ التشبيه ظهارًا، وأما عن زعمه الحق في أن تخبره زوجته بأسرار الآخرين فليس له ذلك ولا له أن يطلبوا من أحد ولا على زوجته أن تجيبه إلى طلبه حيث هو المطلوب من الزوجة ألا تفصح لزوجها عن أسرارها التي لا تحب أن يطلع عليها الناس والتي تتأثر بها الحياة الزوجية، والأسرية فكيف يجوز لها أن تنقل له أسرار الآخرين؟(15/56)
وعلى الأزواج أن يتقوا الله في حقوق زوجاتهم وأهمها حقهن في الاحتفاظ بأسرارهن الخاصة في الماضي والحاضر لديهن، وعلاقاتهن مع أبنائهن وأهليهن.
وعلى الزوجات أن يحتفظن بأزواجهن بعيدًا عن جحيم الشكوك فيهن وفي أولادهن، وليعلم الجميع قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه: لا تتبعوا عورات المسلمين ، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله، أو قال في داخل بيته.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق ... العنوان
ماحكم الطلاق المعلق؟ ... السؤال
06/01/2002 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الطلاق المعلق، أو الطلاق بصفة عامة المراد منه الحمل على شيء أو المنع من شيء، مثل كلمة "علي الطلاق أن تفعلي أو لا تفعلي كذا" أو إن ذهبت عند أهلك تكوني طالق أو غير ذلك، الطلاق هنا لا يراد به حقيقة ما شرع الله فيه الطلاق، فالله شرع الطلاق لحل عقدة الزواج عند تعذر الوفاق، لم نستطع أن نلم الشمل، ولم ينفع وعظ ولا هجر في المضجع ولا إصلاح بينهما، إذن لا يوجد إلا الطلاق.
أما هنا لا يراد ما شرع له الطلاق، بل يريد إرغامها على شيء فنحن هنا بعض علماء السلف قالوا إن هذا الطلاق لا يقع بالمرة والبعض قال لا يقع وفيه كفارة يمين، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وأنا أختار هذا الرأي. فالمسلم الصادق الواعي والحريص على دينه لا يجري الطلاق على لسانه، لا جاداً ولا هازلاً ولا في الرضا ولا في الغضب. لكن بعض الناس للأسف يتخذونه سلاح يهدد المرأة وإذا حدث يكون عليه كفارة يمين ولكن لا يقع.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق وطلاق المكره ... العنوان
ما الحكم إذا حلف الرجل على زوجته أَيْمان الطلاق الآتية: اليَمين الأول: قال لها: "تكوني طالق إذا لم أقم بسداد دَيْني قبل ستة أشهر" ويُقَرِّر أن نيته عدم الطلاق، وإنما كانت لإرضائها وإنهاء المشكلة. اليَمين الثاني: طَلَبَتْ منه الطلاق، وأُكْرِه على إلقاء يَمين الطلاق بقوله لها: "أنتِ طالق" ؟
... السؤال
02/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...(15/57)
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأما الطلاق المعلق فلا يقع إلا إذا نواه الرجل ، فإن كان ينوي شيئا آخر كالتهديد أو الاسترضاء لم يقع.
وأما طلاق المكرَه فقد ذهب الحنفية إلى أنه واقع ، بينما ذهب الجمهور إلى أن طلاق المُكْرَه غيرُ واقع ، ولكنهم اشترطوا للإكراه المانع من وقوع الطلاق شروطا ، وهي:
قدرة المكرِه على فعل ما يهدد به ، واعتقاد أن المُكْرِهَ مُنَفِّذ فيه وعيدَه ، وأن يكون الشيء الذي يتوعده به مما يتحقق بسببه ضرر؛ كالقتل، أو قطع عضو من أعضائه، أو ضرب مُبَرِّح، أو حبس طويل ، وأن يكون الإكراه بغير حق وألاّ يَقصد في نفسه حال التلفظ به إيقاعَ الطلاق ، وأن يأتيَ المُكْرَهُ بنفس اللفظ الذي أُكْرِه عليه.
فإذا تخلف شرط منها لم يكن مُكْرَهًا، ويقع الطلاق.
يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر :
يقول الزوج لزوجته في اليَمين الأول: "تكوني طالق إذا لم أقم بسداد دَيْني قبل ستة أشهر" فهذا اليَمين من قبيل اليَمين المُعَلَّق على فعل شيء أو تركه، ولا يقع به شيء من الطلاق إلا بنية الحالف وقصده، فإن كان الحالف يَقصد به الطلاق يقع به طَلْقة، أما إن كان يَقصد التهديد فلا يقع به طلاق، وحيث إن السائل يُقَرِّر في طلبه بأن نيتَه عدم الطلاق، وإنما كانت لإرضائها وإنهاء مشكلة، فلا يقع به طلاق.
أما قوله في اليَمين الثاني بعد أن طلبت منه الطلاق: "أنتِ طالق" وهو مُكْرَه على إلقائه، كما ذكر بطلبه، فنفيد بأن الفقهاء اختلفوا في وقوع طلاق المُكْرَه وعدم وقوعه، فذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المُكْرَه ، فيقع الطلاق عندهم مع الإكراه.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المُكْرَه غيرُ واقع لحديث: "رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيانُ وما اسْتُكْرِهوا عليه".
ولقد وضع الفقهاء شروطًا للإكراه الذي يمنع وقوع الطلاق، فإذا تَخَلَّف شرط منها لم يكن المطلق مُكْرَهًا ويقع الطلاق، وهي:
أولاً: أن يكون المُكْرِه قاهرًا أو ذا شَوْكة حيث لا يَقْدِر المُكْرَه على دفعه.
ثانيًا: أن يَعتقد المُكْرَه اعتقادًا جازمًا أو يَغلب على ظنه أن المُكْرِه مُنَفِّذ فيه وعيدَه ويفعل معه ما أَكْرَهه به.
ثالثًا: أن يكون الشيء الذي يتوعده به مما يتحقق بسببه ضرر؛ كالقتل، أو قطع عضو من أعضائه، أو كضرب مُبَرِّح، أو حبس طويل.
رابعًا: أن يكون الإكراه بغير حق.
خامسًا: ألا يَقصد في نفسه حال التلفظ إيقاع الطلاق، فلو قَصَدَ الإيقاع وَقَع الطلاق.
سادسًا: أن يأتي المُكْرَه بنفس اللفظ الذي أُكْرِه عليه.
وبناء على ما تقدم، فإذا ما توافرت هذه الشروط جميعها في حال السائل فإنه يكون مُكْرَهًا ولا يقع طلاق، وإذا تَخَلَّف شرط من هذه الشروط انعدم الإكراه ووقع الطلاق.
وعلى السائل أن يتقيَ الله في تطبيق هذه الشروط على حالته من عدمه.(15/58)
ومما ذُكِرَ يُعْلَم الجوابُ عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
يمين الطلاق المعلق ... العنوان
في حالة من الغضب الشديد حلفت على زوجتي بالطلاق بهذه الصيغة( لن نسافر في العطلة الصيفية لزيارة الأهل: أهلي وأهلها، وإذا فعلنا ذلك فستكونين طالقا.علما بأني أشعر أن الدنيا من حولي أطبقت علي من جراء هذا اليمين؛ حيث إن زوجتي لم ترَ أهلها منذ أكثر من 8 سنوات. أبي وأمي أيضا يشتاقان إلى أحفادهما حيث إنهما لم يشاهداهم منذ ولادتهم في بلاد الغربة.علما بأننا لا نستطيع السفر إلا في العطلة الصيفية.أفتوني جزاكم الله خيرا
... السؤال
13/06/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... هذا يسمى اليمين المعلق، واليمين المعلق يعتبر من كنايات الطلاق، فيُرجع فيه الى المطلِّق نفسه، فيسأل ماذا يقصد من وراء هذا اليمين؟ فإذا كان يقصد طلاق زوجته وفراقها، أي إنها إذا أصرت على السفر في هذه العطلة فإنها لا تصلح ان تكون زوجة له بعد ذلك، فإن اليمين يقع، فإذا كان هذا اليمين هو الاول فإنه يستطيع ان يردها، إذا كان ذلك اثناء العدة، أما إن كانت العدة قد انتهت يمكن ان يردها ولكن برضاها وبعقد جديد ومهر جديد. وكذلك إذا كان هذا هو اليمين الثاني، أما اليمين الثالث فإنها تدين منه دينونة كبرى، بحيث لا يستطيع ردها إلا إذا تزوجت شخصا آخر بدون اتفاق معه، ثم طلقها الاخر أو توفي عنها وأراد هذا الزوج ان يعيدها فليعدها، الاحتمال الثاني أن يكون الزوج يريد بهذا اليمين التهديد بمعنى انه لا يريد طلاقها، ولكن يضع هذا اليمين كشرط حتى ترتدع ولا تفكر في السفر؛ لانه لا يرغب في السفر، أي إنه لا يرغب في طلاقها إنما يرغب في عدم السفر؛ فجعل هذا الطلاق بمثابة التهديد لها حتى تطيعه ولا تفكر في السفر، إذا كان الامر كذلك فإن اليمين كطلاق لا يقع، وعليه في هذه الحالة أن يكفر عنه كفارة يمين؛ لأنه استعمل الطلاق كيمين، والله تعالى يقول: "قد جعل الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم" وتحلة اليمين تكون كما قال الله تعالى في سورة المائدة : "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون" والمعنى أن عليه ان يطعم عشرة مساكين من متوسط إطعام أهله أو يكسوهم إن كانت لديه القدرة على ذلك، فإن كان لا يقدر فإن عليه أن يصوم ثلاثة أيام وتصح متفرقة ومتوالية حسب استطاعته وجهده، وملخص ما سبق أن هذا اليمين يرجع فيه الى نية الحالف، فإن
كان يريد الطلاق فهو طلاق، وإن كان يريد التهديد فهو يمين كاليمين بالله. والنبي كان إذا حلف على شيء ورأى أن غيره أفضل منه فعل الذي هو خير وكفر عن(15/59)
يمينه. والواضح من السؤال ان السائل الكريم في حرج شديد من عدم السفر؛ فليسافر على بركة الله، وليكفر عن يمينه إذا كان لا يريد الطلاق.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق ... العنوان
رجل قال لزوجته، إن خرجْت من البيت فأنت طالق فهل يقع الطلاق لو
خرجت؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... الطلاق المعلَّق هو الذي يقصد به إثبات شيء أو نفيه، أو الحث على فعل
شيء أو تركه. وفيه أقوال خسمة ذكره ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان" ص
265 ـ 267 وملخصها هو:
1 ـ أنه لا ينْعقد، ولا يَجب فيه شيء، وعليه أكثر أهل الظاهر؛ لأن الطلاق
عندهم لا يَقبل التعليق كالنكاح، وعليه من أصحاب الشافعي أبو عبد الرحمن.
2 ـ أنه لغْو وليس بشيء وصحَّ ذلك عن طاوس وعكرمة.
3 ـ لا يَقَعُ الطلاق المحلوف به ويَلْزمه كفارةُ يمين إذا حنَث فيه، وبه
قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما.
4 ـ الفرق بين أن يُحلَف على فِعْل امرأته أو على فعل نفسه أو فعل غير
الزَّوجة، فيقول لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق، فلا يقع عليه الطلاق
بفعلها ذلك، وإن حلف على نفسه أو على غير امرأته وحنث لَزِمَه الطلاق، وبه
قال أشهب من المالكية.
5 ـ الفرق بين الحلف بصيغة الشرط والجزاء بين الحلف بصيغة الالتزام، فالأول
كقوله: إن فعلتِ كذا فأنت طالق، والثاني كقوله: الطلاق يلزمني أو علىَّ
الطلاق إن فعلت، فلا يلزمه الطلاق في هذا القسم إن حنث دون الأول. وهذا أحد
الوجوه الثلاثة لأصحاب الشافعي والمنقول عن أبي حنيفة وقدماء أصحابه.
والرأى المختار هو :ـ
الطلاق ينقسم إلى منجَّز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فورًا، وإلى مضاف كأنت
طالق غدًا، وإلى يمين نحو: عليَّ الطلاق لا أفعل كذا، وإلى معلَّق كإن فعلت
كذا فأنت طالق. والمعلَّق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو لحمل على فعل
شيء أو تركه ـ وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه ـ كان في معنى اليمين
بالطلاق، واليمين في الطلاق وما في معناه لاغٍ.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق ... العنوان
أريد أن أعرف ما حكم أن يقول الزوج لزوجته: "عليّ الطلاق ما أنت خارجة" هل يحدث فعلاً الطلاق، وتُحسب طلقة إذا خرجت، أم إنه مجرد قسم له كفارة؟ ... السؤال
... ... الحل ...(15/60)
...
... جمهور العلماء على أن هذا طلاق معلق باللفظ، بمعنى أن الزوج علّق الطلاق على شرط ما -أن تخرج مثلاً- فإذا اختارت طلاقها خرجت، وعند ذلك يقع الطلاق
وعند ابن تيمية -عليه رحمة الله- أنه إذا كان يريد حلفًا ولا ينوي ولا يقصد الطلاق، ولكنه يريد أن يردعها عن الخروج وأقسم عليها بالطلاق وهو لا يقصده، فذلك يمين، له أن يحنث فيه ويكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين، لكلٍّ وجبة واحدة من أوسط ما يطعم به أهله، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام، ولا يلزم التتابع، أي أن تكون ثلاثة أيام متتابعة
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق المعلق ... العنوان
رجل حلف وقال: علي الطلاق لا أركب السيارة ومن بعد اضطر إلى ركوبها، ما حكم ذلك ؟
جزاكم الله خيراً ... السؤال
... ... الحل ...
...
... إذا كان يقصد حقيقة الطلاق أي بينه وبين زوجته مشكلة فلا أراها إلا طلقت أما إن كان يقصد اليمين فعليه الكفارة وهي إطعام عشرة مساكين كما قال الله تعالى.
ـــــــــــــــــــ
حكم اليمين المعلق ... العنوان
في حالة من الغضب الشديد حلفت على زوجتي بالطلاق بهذه الصيغة( لن نسافر في العطلة الصيفية لزيارة الأهل: أهلي وأهلها، وإذا فعلنا ذلك فستكونين طالقا.علما بأني أشعر أن الدنيا من حولي أطبقت علي من جراء هذا اليمين؛ حيث إن زوجتي لم ترَ أهلها منذ أكثر من 8 سنوات. أبي وأمي أيضا يشتاقان إلى أحفادهما حيث إنهما لم يشاهداهم منذ ولادتهم في بلاد الغربة.علما بأننا لا نستطيع السفر إلا في العطلة الصيفية.أفتوني جزاكم الله خيرا ... السؤال
... ... الحل ...
...
... هذا يسمى اليمين المعلق، واليمين المعلق يعتبر من كنايات الطلاق، فيُرجع فيه الى المطلِّق نفسه، فيسأل ماذا يقصد من وراء هذا اليمين؟ فإذا كان يقصد طلاق زوجته وفراقها، أي إنها إذا أصرت على السفر في هذه العطلة فإنها لا تصلح ان تكون زوجة له بعد ذلك، فإن اليمين يقع، فإذا كان هذا اليمين هو الاول فإنه يستطيع ان يردها، إذا كان ذلك اثناء العدة، أما إن كانت العدة قد انتهت يمكن ان يردها ولكن برضاها وبعقد جديد ومهر جديد. وكذلك إذا كان هذا هو اليمين الثاني، أما اليمين الثالث فإنها تدين منه دينونة كبرى، بحيث لا يستطيع ردها إلا إذا تزوجت شخصا آخر بدون اتفاق معه، ثم طلقها الاخر أو توفي عنها وأراد هذا الزوج ان يعيدها فليعدها، الاحتمال الثاني أن يكون الزوج يريد بهذا اليمين التهديد بمعنى انه لا يريد طلاقها، ولكن يضع هذا اليمين كشرط حتى ترتدع ولا تفكر في السفر؛ لانه لا(15/61)
يرغب في السفر، أي إنه لا يرغب في طلاقها إنما يرغب في عدم السفر؛ فجعل هذا الطلاق بمثابة التهديد لها حتى تطيعه ولا تفكر في السفر، إذا كان الامر كذلك فإن اليمين كطلاق لا يقع، وعليه في هذه الحالة أن يكفر عنه كفارة يمين؛ لأنه استعمل الطلاق كيمين، والله تعالى يقول: "قد جعل الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم" وتحلة اليمين تكون كما قال الله تعالى في سورة المائدة : "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون" والمعنى أن عليه ان يطعم عشرة مساكين من متوسط إطعام أهله أو يكسوهم إن كانت لديه القدرة على ذلك، فإن كان لا يقدر فإن عليه أن يصوم ثلاثة أيام وتصح متفرقة ومتوالية حسب استطاعته وجهده، وملخص ما سبق أن هذا اليمين يرجع فيه الى نية الحالف، فإن
كان يريد الطلاق فهو طلاق، وإن كان يريد التهديد فهو يمين كاليمين بالله. والنبي كان إذا حلف على شيء ورأى أن غيره أفضل منه فعل الذي هو خير وكفر عن يمينه. والواضح من السؤال ان السائل الكريم في حرج شديد من عدم السفر؛ فليسافر على بركة الله، وليكفر عن يمينه إذا كان لا يريد الطلاق
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق ... العنوان
أنا شاب متزوج منذ سبع سنوات، وقد حصل لي قبل خمس سنوات أن اتصلت على منزلي امرأة فكلمتني تريد المعاكسة، "فسكّرت" السماعة في وجهها. أكثر من مرة حاولت حتى سايرتها بالكلام، ولكن كان كلامي معها "ناشف"، واتضح أخيرا أنها تريد زرع مشكلة بيني وبين زوجتي وحصل ذلك حيث سجلت كلامي معها وأسمعته زوجتي في غيابي.
الحاصل أن زوجتي فاتحتني بالموضوع، وحصلت مشادات بيني وبينها، فغضبت مني غضبا شديدا، وطلبت الطلاق مني، حاولت أن أهدئها، وفعلا تمكنت من ذلك.. وقالت لي: قل لي أنت طالق إذا خنتك مرة أخرى مع حرمة أو امرأة، ولم أكن مقتنعا بذلك؛ لأنني أعرف أن الشيطان حريص.. وكنت في حالة توتر شديدة وفعلا نفذت رغبتها من أجل أن ترضى، ولكن بداخلي لست راضيا ولست صادقا.
عموما مرت أيام وكان لنا جيران وهي امرأة مطلقة وكان لها ولد كان صديقا لي كنت أكلمه فترد هي أحيانا علي، ولم يكن موجودا وهي كانت في سن والدتي، كنت أسألها عن أخبارهم وعن صحتهم من هذا القبيل.. ولكن لم يحصل أن غازلتها، وحصل أيضا أن كلمت بنتا أخرى، ولكن أيضا كان كلامي معها مرة أو مرتين، وأيضا كان كلاما بدون غزل.. وحاليا تبت عن ذلك. وأسأل الله أن تدوم التوبة.. سؤالي هو: هل حدث الطلاق من زوجتي؟
... السؤال
الدكتور يونس محيي الدين الأسطل ... المفتي
... ... الحل ...
...(15/62)
...
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
قولك أخي لزوجتك: "أنت طالق إذا ختنتك مرة أخرى"، يقع طلقة واحدة، سواء نويت به الطلاق أو لم تنوه؛ لأن الطلاق ليس فيه هزل.. كله جد.
لكن هذا الطلاق معلق على شرط خيانة الزوجة بمعاكسة النساء الأخريات، وما ورد في سؤال الأخ سامي حول الأخذ في الكلام مع والدة صديقه وجاره، ومع بنت أخرى بدون غزل هو أدرى منا في تقدير ما إذا كان بهذا مخلا بالشرط أم لا؟
فإن كان يعتقد أنه بمجموع هذه المكالمات قد أخلّ بالشرط فقد وقعت عليه طلقة بائنة رجعية، وإن كان يعتقد أنه لم يخل بالشرط فإن طلاقه لا زال معلقا لم يقع،
ويترتب على ذلك أن يتأكد من عدم وقوع طلقات سابقة عليه؛ لأنه إذا كانت هذه هي الطلقة الثالثة كانت بائنة بينونة كبرى، ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
أما إذا كان الطلاق لم يقع فعليه أن يحرص على عدم وقوعه، لا لأنه يخشى وقوع الطلاق فقط، ولكن لأن الحديث مع النساء بدون حاجة يوقع في الإثم؛ لأنه قد يجر إلى علاقات آثمة في المستقبل. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق
المفتي
محمد عبده .
ذى القعدة 1319 هجرية
المبادئ
1 - الطلاق المعلق على فعل شىء يقع بوقوع ذلك الفعل متى ثبت الحلف بالطلاق المذكور بالفتوى .
2 - غياب الحالف بعد ذلك لعدم علم حياته أو موته يجوز معه أن تتزوج امرأته بغيره بعد انقضاء عدتها من تاريخ وقوع الطلاق
السؤال
من ع م فى رجل حلف بالطلاق الثلاث أن أخته لا تتزوج بفلان فزوجها والدها بفلان المحلوف عليه ثم سافر الحالف إلى العسكرية واستعلم عنه فلم تعلم حياته ولا موته .
فهل والحالة هذه يسوغ لزوجة الحالف أن تتزوج بغيره لتحققها وقوع الطلاق المذكور ولحصول الحلف المذكور منه على يد بينة نشهد بذلك .
أو ما الحكم
الجواب
من هذا السؤال يعلم وقوع الطلاق على الحالف بزواج أخته بفلان الذى حلف على عدم زواجها .
فإذا كانت الواقعة هكذا وثبت الحلف ووقوع المحلوف عليه فلا شك يجوز لزوجة الحالف أن تتزوج بغيره .(15/63)
واللّه أعلم .
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق على شرط هو يمين بالطلاق
المفتي
محمد بخيت .
رمضان 1337 هجرية - 19 يونية 1919 م
المبادئ
1 - قول الرجل لزوجته (على الطلاق بالثلاثة إذا خرجت يكون هذا يمينا بالطلاق ) ووجد المعلق عليه وهو الخروج الفورى وقع الطلاق واحدة رجعية .
2 - إذا كانت الزوجة وقته مهيأة للخروج وقت الحلف فخلعت ملابسها التى تهيأت للخروج بها ثم خرجت بعد ذلك فلا يقع شىء لأن المعلق عليه إنما هو الخروج الفورى ولم يتحقق
السؤال
من ع ر خ فى رجل طلبت منه زوجته أن تخرج لمقابلة أخيها بمنزلهم فمنعها من الخروج إليه فصممت بأن تخرج غصبا فحلف وقال حلفت بالعظيم ثلاثا إذا خرجت متخشيش البيت فصممت على الخروج فحلف ثانيا وقال على الطلاق بالثلاثة إذا خرجت تكونى طالقة ثم تركها وخرج لحال سبيله فى أشغاله وعاد ولم يجدها بالمنزل وتحقق بأنها توجهت لمناظرة أخيها وعلى ذلك فإن الزوجة حامل حملا مستكنا قريب الوضع وعلى ما توضح فإن الطالب عند حلفه اليمين العظيم كانت الزوجة على استعداد للخروج ولما سمعت ما حلفت به خلعت الملاية والبرقع بعد ما سمعت أيضا يمين الطلاق وأنا خرجت لأشغالى لعلمى أنها لم تخرج أفتونا فى ذلك ولكم الثواب
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن قول الرجل المذكور لزوجته (على الطلاق الثلاث إذا خرجت تكونى طالقا) يمين بالطلاق الثلاث أنها طالق إذا وجد المعلق عليه وهو الخروج فلو فرض وأنها خرجت فورا من المنزل لا يقع إلا الطلاق المعلق وهو طلقة واحدة رجعية فله مراجعتها مادامت فى العدة كما أفتى فى نظير ذلك صاحب الفتاوى المهدية بصحيفة نمرة 200 جزء أول ومع ذلك إذا كان الأمر كما هو فى السؤال من أنها لم تخرج فورا بل غيرت هيئتها التى كانت عليها ثم خرجت فلا يقع طلاق أصلا لأن المعلق عليه فى مثل هذه الحالة هو الخروج فورا وهو لم يتحقق كما صرح بذلك فى متن التنوير
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
ذى الحجة 1345 هجرية - 20 يونيه 1927 م
المبادئ(15/64)
1 - إذا لم يقع المحلوف عليه من الحالف فى الطلاق المعلق ووقع من غيره لا يقع طلاقه
السؤال
رجل حلف بالطلاق الثلاث أو أن لا يزوج ابنته إلا بمائة جنيه مصرى وهذه البنت مقيمة بمنزل جدها وقد زوجها جدها بوكالته لها بأربعين جنيها مصريا ولم يحضر والدها هذا العقد ولم يقبض هذا المهر مع العلم بأن البنت المذكورة بالغة ورشيدة
الجواب
من حيث إن الحالف المذكور لم يزوج بنته البالغة وإنما الذى زوجها جدها بطريق وكالته عنها فهى المزوجة لنفسها فى الواقع ونفس الأمر .
وحنيئذ فلم يقع من الحالف تزويج لها فلا يقع عليه الطلاق .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال . واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق بلفظ كلما تزوجتك طلقت منى
المفتي
عبد المجيد سليم .
19 جمادى الأولى 1360 هجرية - 14 يونية 1941 م
المبادئ
1 - مذهب الحنفية وقوع الطلاق بمجرد التزوج بها ولا ينحل اليمين بل إنه يقع كلما تزوجها .
2 - مذهب الشافعى وأحمد رحمهما اللّه عدم الوقوع بالتزوج لعدم المحل وقت التعليق .
3 - اختير للفتوى أن هذا طلاق معلق قصد به المعلق حمل نفسه على ترك التزوج بها ثانيا بعد طلاقها منه ثلاثا ولا يقع بذلك طلاق طبقا للقانون 25 سنة 1929
السؤال
وقع شجار بين رجل وزوجته أدى إلى أن أوقع عليها طلاقا مكملا للثلاث وأثبتا ذلك فى وثيقة رسمية وكان مما وقع أثناء الغضب أن قال لها بعد إيقاع اليمين المكمل للثلاث ( كلما تزوجتك طلقت منى ) وبعد انقضاء عدتها تزوجت من شخص آخر زواجا شرعيا ومكثت معه مدة ثم طلقها .
فهل يجوز لهذا الرجل بعد انقضاء عدتها أن يتزوج بها من جديد أم لا
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أنه لا شبهة فى أنه يحل للرجل المذكور أن يتزوج مطلقته المذكورة ولكن هل إذا تزوجها يقع الطلاق المعلق .
مذهب الحنفية .
أنه إذا تزوجها طلقت بمجرد التزوج ولا ينحل اليمين بل كلما تزوجها وقع الطلاق، ومذهب الإمام الشافعى والإمام أحمد رحمهما اللّه لا يقع الطلاق بالتزوج لاشتراطهما فى صحة التعليق قيام المحلية للطلاق وقته (أى التعليق) وهذه المرأة(15/65)
وقت التعليق ليست محلا للطلاق وقد استند الإمامان فى اشتراطهما الشرط المذكور إلى أحاديث منها ما أخرجه أبو داود والترمذى عن النبى صلى اللّه عليه وسلم قال (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك .
ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك) .
وهذا والذى جرينا عليه واخترنا للفتوى أن الطلاق المعلق لا يقع إذا قصد به مجرد الحمل على فعل شىء أو تركه وجرى على ذلك قانون المحاكم الشرعية رقم 25 لسنة 1929 وإن لم يكن مذهب الحنفية .
وعلى ذلك لا يقع الطلاق أيضا وذلك لأن الظاهر أن الحالف إنما قصد مجرد حمل نفسه على ترك التزوج بها ثانيا بعد طلاقها منه ثلاثا .
وبهذا علم الجواب حيث كان الحال كما ذكر واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق واقع
المفتي
عبد المجيد سليم .
29 ذى القعدة 1363 هجرية - 15 نوفمبر 1944 م
المبادئ
قول الرجل لزوجته على الطلاق بالثلاث ما كنت موجودا فى مكان كذا .
والحق أنه كان موجودا به . وقع طلاقه بهذه الصيغة .
لأنها وإن كانت من قبيل الطلاق المعلق إلا أن القانون 25 لسنة 1929 لم ينص على عدم الوقوع بها لأنه إنما نص على عدم الوقوع بالطلاق المعلق الذى قصد به مجرد الحمل على فعل شىء أو تركه
السؤال
من م ط ع قال حلفت على امرأتى قائلا على الطلاق أنت خالصة ثم عقدت عليها وبعده قلت حالفا على الطلاق بالثلاث ما كنت موجودا فى مكان كذا والحق كنت موجودا ثم قالت لى بريتك بريتك فقلت لها وأنت بالثلاثة خالصة على ذلك
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن الزوجة المذكورة صارت بائنة من زوجها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تتزوج بزوج أخر زواجا صحيحا ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه هذا والصيغة الثانية وإن كانت من قبيل الطلاق المعلق فإنها مما لم ينص قانون المحاكم الشرعية رقم 25 لسنة 1929 على عدم الوقوع بها لأنه إنما نص على عدم الوقوع بالطلاق المعلق الذى قصد به مجرد الحمل على فعل شىء أو تركه وهذا ليس منه .
وبهذا علم الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
يمين بالطلاق
المفتي(15/66)
حسن مأمون .
24 جمادى الثانية 1375 هجرية - 6 فبراير 1956م
المبادئ
قول الرجل لزوجته ( على الطلاق بالثلاثة إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق ) يساوى فى المعنى والدلالة والحكم قوله ( والله إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق ) وهو طلاق معلق يقع به الطلاق عند قصده الوقوع الفورى، ويقع به واحدة رجعية إذا لم تأت به
السؤال
فى رجل قالت له زوجته إن محتالة أخفت منها مصاغها بحيلة شيطانية ولاذت بالفرار فجن جنونه وشق ثيابه .
وقال لها (ينعل دينك على الطلاق بالثلاثة إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق) .
مع العلم بأن المحتالة مجهولة لا يعلم لها مكان .
فما الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
إن قول هذا الرجل (على الطلاق بالثلاثة إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق) يساوى فى المعنى والدلالة والحكم قوله (والله إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق) وهو إذا قال ذلك كان معلقا طلاقها على عدم الإتيان بمصاغها المسروق، والطلاق المعلق لا يقع به شىء من الطلاق إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه، فإذا كان قصد الحالف مجرد حمل زوجته على إتيانها بالمصاغ لم يقع به شىء من الطلاق، وإذا كان قصده وقوع الطلاق إذا لم تأت به فورا وقع به طلاق رجعى واحد، لأن هذا اليمين وإن كان ظاهرها أنها غير مقيدة بوقت إلا أن نية الحالف فى إرادته إتيانها بالمصاغ فورا بدون إمهال بادية من ثورته وشق ثوبه، والمرجع فى ذلك إلى نيته وقصده فى تعليق هذا الطلاق، فإذا كان ناويا الفورية حين حلفه وقع الطلاق بمجرد الحلف إذا لم تأت به، وإن لم يكن ناويا الفورية لا يحنث ماداما على قيد الحياة، لإمكان وجدان المصاغ المسروق بأى طريق فلو لم تأت به حتى مات أحدهما فإنه يحنث حينئذ لتعذر الرد كما يحنث قبل ذلك إذا تأكد من تعذر رد المصاغ لأى سبب من الأسباب - يراجع رد المحتار والتنقيح - هذا وأما شق الحالف ثوبه عند إخباره بسرقة المصاغ وسبه زوجته بقوله (ينعل دينك) فذلك منه منكر ولا يقره عليه الدين ويجب على كل مسلم أن يتنزه عنه، ويستغفر الله منه ويأخذ نفسه بالتؤده ولسانه بالتعفف، وفعله بعدم الشطط، حتى تكون سبيله وفق أحكام الدين .
وفق الله المسلمين إلى خيرى الدنيا والآخرة، والله الهادى إلى سواء السبيل
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق بكناية من كناياته وردة عن الإسلام
المفتي
حسن مأمون .
ربيع الثانى سنة 1375 هجرية - 19 نوفمبر 1955م
المبادئ(15/67)
1 - الطلاق المعلق كناية من كناياته ان قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه فقط لا يقع به شىء من الطلاق .
وأن قصد به الطلاق عند عدم تنفيذ المحلوف عليه وقع الطلاق .
2 - شرط صحة ردة المسلم عن الإسلام العقل والصحو والطوع فردة المجنون والمعتوه والمدهوش غير معتبرة ومتى كانت كذلك فلا ينفسخ بها عقد الزواج
السؤال
من السيد / ع م س أنه سلم زوجته مبلغ عشرين جنيها أمانة لأصحابها عنده لتحفظها ولما حل ميعاد طلبها منا أحضرت له ستة عشر جنيها منها فقط فثار عليها وحلف قائلا ( والله أن ماكنتيش تجيبى الأمانة دى تكونى على ذمة نفسك مش على ذمتى ) .
وقال أيضا أثناء ثورته وبدون وعى منه ( أنت كفرتينى وضربت نفسى بالنعال، أنا خلاص خرجت من دين المسلمين لدين النصارى ) وقال أنه لم يدرك العقل فى ثورته ولا يقر ما أتاه ولا يقيم عليه بضمير خالص لله - وطلب بيان الحكم الشرعى لما صدر منه
الجواب
أنه يظهر من قول السائل لزوجته بعد أن ظهر لها أنها تصرفت فى جزء من الأمانة التى أودعها عندها ( والله أن ماكنتيش تجيبى الأمانة دى تكونى على ذمة نفسك ومش على ذمتى ) أنه علق طلاقها على عدم الاتيان بباقى الأمانة الذى تصرفت فيه منها، فهو طلاق معلق وحكمه أنه اذا قصد به مجرد حمل زوجته على الاتيان بالأمانة كاملة فلا يقع به شىء، واذا قصد به تطليقها اذا لم تنفذ ما طلبه منها وقع طلاق رجعى .
ويبدو مما جاء بسؤاله أنه أراد بهذه الصيغة حملها على الاتيان بمبلغ العشرين جنيها فورا بدليل أنه ثار لمجرد علمه بأنها لم تحتفظ بالأمانة كاملة الى وقت طلبها، ولا يقصد بها رد الأمانة فى أى وقت ولو طال بها الأجل - كما يظهر أنه علق طلاقها على رد الأمانة ليحملها على المبادرة باكمالها ليتمكن من ردها لأصحابها كاملة حين طلبهم أياها منه، ومع هذا فالأمر موكول إلى غرضه وقصده من تعليق الطلاق المذكور فان قصد به الحمل فقط لم يقع به شىء من الطلاق وان قصد به وقوع الطلاق عند عدم الاتيان بالأمانة كاملة فورا وقع به طلاق رجعى واحد .
كما سبق أن بينا . هذا بالنسبة ليمين الطلاق المذكور - وأما قوله أثناء ثورته وبدون وعى ( أنت كفرتينى وضربت نفسى بالنعال وقوله أيضا أنا خلاص خرجت من دين المسلمين لدين النصارى ) فلا يعتبر ردة ينفسخ بها عقد النكاح بينه وبين زوجته لصدوره منه بدون وعى كما يقول، أى أن ثورته أفقدته عقله فنطق بما صحة ردة المسلم عن الإسلام العقل والصحو والطوع وعلى عدم صحة ردة مجنون ومعتوه ومدهوش، ولكننا مع هذا ننصح السائل بأن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما نطق به بدون وعى وأن يملك نفسه عند الغضب حتى لا يتعرض لمثل هذا الموقف الذى لا يليق بالمسلم والله الهادى إلى سبيل الرشاد
ـــــــــــــــــــ(15/68)
الاختلاف فى تحقق الشرط وعدم تحققه فى الطلاق المعلق
المفتي
حسن مأمون .
ربيع الثانى سنة 1375 هجرية - 4 ديسمبر سنة 1955 م
المبادئ
1 - اذا اختلف الزوجان فى وجود الشرط المعلق عليه الطلاق فقالت الزوجة وجد الشرط وقال الزوج خلاف ذلك فالقول له بيمينه إلا اذا أقامت الزوجة أو غيرها البينة على وجود الشرط .
2 - الطلاق الصريح المنجز يلحق الزوجة بمجرد التلفظ به دون حاجة إلى نية .
3 - قول الرجل لزوجته ( على الطلاق ما أفعل كذا ) من قبيل الحلف بالطلاق والحلف بالطلاق لغو لا يقع به شىء من الطلاق - وانما يجب فيه عند الحنث كفارة يمين
السؤال
من السيد / ع ح ر قال أنه حلف على زوجته الأيمان الآتية أولا اختلف معها فسألته الطلاق فقال لها ( روحى طالق ) ورد اليمين، ثانيا - قال لها ( على الطلاق ما انت ذاهبة إلى والدتك ) وذهبت وقال لأقاربه ( على الطلاق ما انتم مغادرين المنزل ) فغادروه وحلف أيمانا أخرى مماثلة ولم يقصد بها كلها الطلاق .
ثالثا نسبت اليه انه تكلم فى حق أحد الناس بكلام ونفى حدوث ذلك منه وقال ( على الطلاق ما حصل، ولو كان حصل تكونى طالق ) وأنه متأكد من أن الموضوع لم يحدث وهى تصر على أنه حدث .
رابعا أثناء مناقشة حامية بينه وبين زوجته قالت له أن كنت رجلا طلقنى فقال لها ( على الطلاق مطلقة مطلقة مطلقة ) ونيته أنه سيطلقها بعد ذلك حسب رغبتها وأنه متأكد أنه لم ينطق بكلمة أنت أو غيرها وأن الذى قاله هو ما سبق ناويا به ما ذكره و طلب بيان الحكم الشرعى
الجواب
أن ما جاء فى أولا من قبيل الطلاق الصريح المنجز والواقع به طلاق رجعى واحد، وأما ما جاء فى ثانيا فأنه من قبيل الحلف بالطلاق وهو طبقا للمادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1929 المختار لفتوانا لغو فلا يقع به شىء من الطلاق وانما يجب فيه عند الحنث فى كل يمين بفعل المحلوف عليه كفارة يمين وهى اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام .
وهذا بالنسبة للايمان المبينة أولا وثانيا - وأما بالنسبة لليمين الموضحة فى ثالثا فقد جاءت على لسان الحالف مركبة من يمينين الأول ( على الطلاق ما حصل ) والثانى ( ولو كان حصل تكونى طالق ) والأول منهما من قبيل الحلف بالطلاق وحكم أنه لغو كما سبق أن بينا فى ثانيا - أما الثانى منهما فهو من قبيل التعليق وقد اختلف الحالف وزوجته فى تحقيق الشرط وعدم تحققه حتى حلف بقوله ( لو كان حصل تكونى طالق ) والمنصوص عليه شرعا أن الزوجين اذا اختلفا فى وجوه الشرط فقالت وجد الشرط فى الملك فوقع الطلاق وقال هو بخلافه فالقول له مع(15/69)
يمينه لأنه ينكر وقوعه إلا اذا أقامت هى أو غيرها البينة على وجود الشرط لأنها أثبتت أمرا حادثا وأن كان الشرط عدميا فان برهانها عليه مقبول حينئذ .
ومادامت الزوجة لم تقم البينة على وجود مقتضى الشرط ( وهو تكلمه فى حق الناس ) ولم يتقدم غيرها ويقيم البينة على وجوده حسبة لله تعالى فالقول للحالف بيمينه فى عدم وجود الشرط وعدم وقوع الطلاق إلى أن تقيم هى أو غيرها البينة على وجوده فان أقيمت البينة على وجوده وقع الطلاق .
وأما قوله فى رابعا - ( على الطلاق مطلقة مطلقة مطلقة ) فهو من قبيل صريح الطلاق الذى لا يحتاج فى وقوع الطلاق به إلى نية من الحالف بارادة الطلاق به لأنه موضوع لغة وشرعا للطلاق ولكن لابد من وقوعه قضاء وديانة من قصد أضافة الطلاق اليها ولا يلزم كون اضافة الطلاق اليها صريحة فى كلامه بنحو أنت مطلقة مثلا لما فى البحر لو قال طالق فقيل له من عنيت فقال امرأتى طلقت امرأته وجاء فى رد المحتار قالت له طلقنى فقال فعلت طلقت بقرينة الطلب يراجع ابن عابدين ومجمع الأنهر والفتح وعلى ذلك يقع بهذه الصيغة طلاق رجعى واحد لما سبق أن قلناه وعملا بالقانون رقم 25 لسنة 1929 لأن تكرير كلمة مطلقة مطلقة مطلقة كان بنطق واحد فلا يقع به إلا طلاق واحد - ولما كان هذا الطلاق مسبوقا بطلاق واحد قبله فيكون السائل قد طلق زوجته طلقتين اثنتين وله مراجعتها من الطلاق الثانى وهو الأخير فى الايمان الموضحة بالسؤال مادامت فى عدة طلاقها منه فان كانت خرجت من العدة لم يملك مراجعتها ولكن يجوز له أن يعيدها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين وأننا ننصح السائل بأن يقلع عن الطلاق وخاصة لم تبق له إلا طلقة واحدة هى ثالثة الطلقات وفى امكانه أن يعالج مشاكله بغير الطلاق الذى هو أبغض الحلال إلى الله وبهذا علم الجواب عن السؤال والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق
المفتي
أحمد هريدى .
8 يناير سنة 1966م
المبادئ
1 - الطلاق الصريح المنجز يلحق المرأة بمجرد التلفظ به .
2 - الطلاق المعلق لا يقع به الطلاق اذا قصد الحالف الحمل على فعل شىء أو تركه - ويقع به الطلاق اذا قصد به الطلاق عند حصول المعلق عليه .
3 - لا يقع الطلاق المعلق عند دخول الزوجة منزلا آخر غير المحلوف عليه لأن اليمين وقعت على منزل معين فلا يحنث الزوج بغيره
السؤال
من ف م أ بطلبه المتضمن أن السائل قال لزوجته أثر نزاع بينهما ( أنت طالق منى ) ثم قال لها بعد نزاع آخر بينهما ( أنت طالق منى ) ثم قال لها إذا دخلت المنزل تكونى مطلقة وقال أن زوجته لم تدخل إلى الآن المنزل المحلوف عليه وانما هى بمنزل والدها، وطلب بيان الحكم فى هذه الايمان، وهل الطلاق بالصيغة الأخيرة(15/70)
يقع لو دخلت زوجته المنزل أولا واذا ترك الزوجان المنزل المحلوف عليه وعاشا فى منزل آخر غير المحلوف عليه يقع اليمين المبين فى الصيغة الأخيرة أولا
الجواب
ان قول السائل لزوجته فى الصيغتين الأولى والثانية ( أنت طالق منى ) من قبيل الطلاق المنجز الذى يلحق المرأة بمجرد التلفظ به فيقع بهما طلقتان رجعيتان اذا كانت الزوجة مدخولا بها ولم يكونا مسبوقين بطلاق آخر .
وأما قوله بعد ذلك لها ( اذا دخلت المنزل تكونى مطلقة ) فهذه الصيغة من قبيل اليمين المعلق الذى لا يقع به الطلاق اذا قصد به الحالف الحمل على فعل شىء أو تركه، وأما اذا قصد به الطلاق عند حصول المعلق عليه فيقع به الطلاق، وعلى ذلك اذا كان السائل لا يقصد بالصيغة الأخيرة طلاق زوجته اذا دخلت المنزل بل يقصد تخويفها ومنعها من الدخول فلا يقع طلاقه بدخولها المنزل المحلوف عليه واذا كان يقصد بها طلاق زوجته اذا دخلت المنزل بعد دخولها المنزل المحلوف عليه يقع الطلاق ليتحقق الحنث عند وجود الشرط وبهذا الطلاق يكون مكملا للثلاث وتبين زوجته بينونة كبرى لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه ثم يتزوجها الأول بعقد ومهر جديدين باذنها ورضاها وأما دخولها ومعاشرتها بمنزل آخر غير المحلوف عليه فلا يقع الطلاق لو تم ذلك لأن الأيمان مبنية على الألفاظ لا على الأغراض .
فدخلوها منزلا غير المحلوف عليه لا يحنث لأن اليمين وقعت على دار معينة فلا يحنث بغيرها
ـــــــــــــــــــ
تكرار الشرط والجزاء فى الطلاق المعلق
المفتي
أحمد هريدى .
7 مايو سنة 1967م
المبادئ
1 - الحلف بصيغة الظهار فى الطلاق المعلق يعتبر كناية من كنايات الطلاق تتوقف على نية الحالف وقصده .
2 - إذا كرر الزوج الانشاء والتعليق فى الطلاق بعبارتى الشرط والجزاء ثلاث مرات فعند حصول الشرط تعمل العبارات الثلاث عملها ويقع ثلاث طلقات
السؤال
من السيد / م ش ع بالطلب المتضمن أنه زوج للسيدة ع م غ وعلى أثر نزاع بينه وبين زوجته المذكورة قال لها ( على الطلاق تكونى محرمة على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى منزل أختك الذى يقع فى منطقة باب الشعرية ) فردت زوجته عليه بقولها - على الجزمة - 2 .
فقال لها مرة ثانية ( على الطلاق تكونى محرمة على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى بيت أختك - المذكور - ) وردت الزوجة بقولها والمصحف ذاهبة .(15/71)
3 - فقال لها مرة ثالثة ( على الطلاق تكونى محرمة على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى منزل أختك المبين ) وردت الزوجة سأوقع يمينك .
وذهبت فعلا إلى منزل أختها المحلوف عليه . 4 - وفى منزل أختها قال لها ( على الطلاق تكونى محرمة على زى أمى وأختى وليس لك رد ولا صد على مذهب مالك والشافعى وأبو حنيفة ) وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى حالته التى أوضحها
الجواب
أن قول السائل لزوجت ( على الطلاق تكونى محرمة على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى منزل أختك الذى يقع فى منطقة باب الشعرية ) ثلاث مرات يشتمل كل منها على عبارتين الأولى ( على الطلاق ) والثانية ( تكونى محرمى على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى منزل أختك ) والعبارة الأولى - على الطلاق - من قبيل الحلف بالطلاق مثل أن يقول على الطلاق لأفعلن كذا .
أو على الطلاق لا أفعل كذا .
والحلف بالطلاق لغو لا يقع به طلاق مطلقا سواء بر الحالف فى يمينه أو حنث .
أما العبارة الثانية ( تكونى محرمة على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى منزل أختك ) فان الجزء الأول منها - تكونى محرمة على زى أمى وأختى - فى الأصل من كنايات الظهار الذى أشار إليه القرآن فى أول سورة المجادلة .
ولكن جرى العرف بين الناس واستقر الأمر بينهم على استعماله فى انشاء الطلاق .
وهو صالح للطلاق لاشتماله على لفظ التحريم فى قول السائل ( محرمة ) وهذا اللفظ من الفاظ الطلاق .
وعامة الناس لا يعرفون الظهار ولا يعرفون أحكامه ولا يقصدونه .
فيحمل اللفظ على الطلاق .
والسائل يقول لزوجته ( تكونى محرمة على زى أمى وأختى إذا ذهبت إلى منزل أختك ) وكرر هذا القول ثلاث مرات .
وبعد المرة الثالثة ذهبت زوجته إلى منزل أختها المحلوف عليه .
وبعدها قال لها الزوج ( على الطلاق تكونى محرمة على زى أمى وأختى وليس لك رد ولا صد على مذهب مالكى والشافعى وأبو حنيفة ) .
والعبارات الثلاثة السابقة على ذهاب الزوجة إلى منزل أختها من باب تعليق الطلاق على الذهاب إلى منزل الأخت بلفظ من كنايات الطلاق .
فيرجع إلى نية الزوج وقصده فاذا اراد بلفظ ( محرمة ) الطلاق وكان يريد بالتعليق تطليق زوجته عند ذهابها إلى منزل أختها المحلوف عليه وقعت بذهابها إليه ثلاث طلقات ،وتبين بذلك منه بينونة كبرى لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا آخر نكاحا صحيحا شرعا ويدخل بها هذا الزوج الآخر دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضى عدتها منه شرعا ولا يقع بالعبارة الأخيرة التى صدت منه بعد ذهابها إلى منزل أختها شىء .
لأنها لم تصادف محلا لانتهاء علاقة الزوجية بالطلاق الثلاث .
وانما وقعت ثلاث طلقات بالعبارت السابقة على الذهاب إلى منزل الأخت .
لأن الزوج قد كرر الانشاء والتعليق بعبارتى الشرط والجزاء .(15/72)
وعند حصول الشروط تعمل العبارات الثلاث عملها .
كما جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار جزء ثانى صفحة 797 وفى فتح القدير على الهداية للكمال ابن الهمام جزء رابع صفحة 17، أما إذا كان الزوج الحالف لا يقصد بلفظ - محرمة - الطلاق و لا يقصد بالتعليق طلاق زوجته إذا ذهبت إلى منزل أختها المحلوف عليه .
وانما يقصد فقط مجرد تهديدها لمنعها من الذهاب إلى منزل أختها ولا غرض له مطلقا فى الطلاق .
فانه لا يقع بالعبارات الثلاث السابقة على ذهاب زوجته إلى منزل أختها شىء مطلقا .
لكن يقع بالعبارة الأخيرة التى صدرت منه بعد ذهابها إلى منزل أختها .
طلقة واحدة رجعية .
ويكون له مراجعتها مادامت فى العدة واعادتها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين باذنها ورضاها ان كانت قد خرجت من العدة .
وهذا كله إذا لم يكن قد سبق أن طلقها فى غير الحالات المبينة بالسؤال .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
طلاق معلق بكناية من كناياته
المفتي
أحمد هريدى .
ربيع ثان سنة 1389 هجرية - 21 يونية سنة 1969م
المبادئ
قول الزوج لزوجته ( أن لم تشتغلى وتساعدينى على المعاش ما تكونى لى على ذمة ) من قبيل الطلاق المعلق على شرط فى المسقبل بكناية من كناياته التى جرى عرف الناس فى استعمالها فى الطلاق المعلق على شرط ويرجع فيه إلى قصد الحالف وغرضه
السؤال
من السيد / غ ع م بالطلب المتضمن أنه حلف على زوجته الأيمان الآتية قال لها ( إن ما اشتغلتى ما تكونى لى على ذمة ) وكان ذلك فى حالة غضب .
2 - قال لها ( إن لم تشتغلى وتساعدينى على المعاش معى ما تكونى لى على ذمة ) 3 - تناقش معها وحصل بينه وبينها مشادة كلامية بخصوص المعيشة فقال لها ( أنت قاعدة ليه مانتيش على ذمتى ) وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى
الجواب
الصيغتان الأولى والثانية وهما قول السائل لزوجته بالصيغة الأولى ( أن ما اشتغلتى ما تكونى لى على ذمة ) وقوله لها بالصيغة الثانية ( أن لم تشتغلى وتساعدينى على المعاش معى ما تكونى لى على ذمة ) كلاهما من قبيل الطلاق المعلق على شرط فى المستقبل بكناية من كناياته التى جرى عرف الناس فى استعمالها فى الطلاق المعلق على شرط .(15/73)
ويرجع فيه إلى قصد الحالف وغرضه . فان كان قصد السائل بهاتين الصيغتين وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه قع بكل صيغة منهما طلقة رجعية .
أما ان كان لا يقصد وقوع الطلاق بل مجرد حملها على العمل والتكسب فلا يقع بأى منهما طلاق سواء حصل المحلوف عليه أو لم يحصل تطبيقا للقانون رقم 25 سنة 1929 .
أما الصيغة الثالثة وهى قوله ( انت قاعدة ليه مانتيش على ذمتى ) هى من قبيل نفى الزوجية الحاصلة بين السائل وزوجته التى على عصمته وعقد نكاحه ولا يقع بها طلاق على زوجة السائل وان نواه لأنه نفى للزوجية القائمة فىالماضى وهو كاذب فيه .
وعلى ذلك فان لم يكن السائل قد قصد ايقاع الطلاق بالصيغيتن الأوليين .
فلا يكون قد وقع على زوجته بالصيغ الواردة بالسؤال طلاق .
أما ان كان قد قصد وقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه فانه يقع بالصيغة الأولى الطلاق الأول الرجعى ان لم يكن مسبوقا بغيره وبالصيغة الثانية الطلاق الثانى الرجعى ويحل له ان يراجع زوجته بالقول أو الفعل ان كانت لا تزال فى عدته أو أن يعيدها إلى عصمه بعقد ومهر جديدين باذنها ورضاها ان كانت قد خرجت من العدة .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
ظهار بالكناية
المفتي
محمد مجاهد .
رجب سنة 1406 هجرية - 6 أبريل سنة 1986م
المبادئ
1 - قول الرجل لزوجته - تحرمى على - ناويا الظهار كان مظاهرا ويجب عليه حاليا صيام شهرين متتابعين فان عجز فاطعام ستين مسكينا ويحرم عليه الاتيان لزوجته ودواعيه حتى يكفر .
2 - الطلاق المعلق لا يقع به طلاق إلا إذا قصد به الطلاق عند حصول المعلق عليه - واذا لم يستطع الحالف بعد حلفه تحديد نيته طبق عليه أرجح الأقوال من مذهب الامام أبى حنيفة ولا يطبق عليه القانون
السؤال
من السيد / م م س بالطلب المتضمن أنه حلف على زوجته أيمان الطلاق الآتية أولا قال لها ( أنت طالق ) ثم راجعها بالفعل فى العدة .
ثانيا قال لها ( تحرمى على ) وكانت نيته تتجه إلى ايقاع الظهار وليس الطلاق لظنه أن الظهار يتحقق بهذا اللفظ .
ثالثا قال لها ذات مرة ( تكونى طالق لو رحت المدرسة ) واستجابت ولم تذهب الا بعد أن أذن لها ولا يدرى أكان هذا للتهديد أم يقصد الطلاق .
رابعا قال لها ( تكونى طالق لو دخلت باب الشغل ) وكانت نيته التهديد .(15/74)
وتوجهت هى للشغل دون أرادته . وطلب بيان الحكم الشرعى لكل ما صدر منه
الجواب
أولا قول السائل لزوجته فى المرة الأولى ( أنت طالق ) من قبيل الطلاق الصريح الذى يلحق المرأة بمجرد التلفظ به بدون حاجة إلى نية ويقع به طلقة أولى رجعية .
ثانيا قوله لها بعد ذلك ( تحرمى على ) قاصدا الظهار نفيد بأنه قد ورد فى فتح القدير ج 3 ص 196 ما نصه ( واذا قال لأمرأته أنت على حرام سئل عن نيته فان قال - أردت الكذب فهو كما قال لأنه نوى حقيقة كلامه وقيل لا يصدق فى القضاء لأنه يمين ظاهرا ) وأن قال أردت الطلاق فهى تطليقه بائنة إلا أن ينوى الثلاث، وان قال أردت الظهار فهو ظهار وهذا عند أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد ليس بظهار لإنعدام التشبيه بالمحرمة وهو الركن فيه، ولهما أن أطلق الحرمة وفى الظهار نوع حرمة والمطلق يحتمل المقيد .
وقال فى الشرح ( وفى جوامع الفقه نقل عن محمد أنه ظهار إذا نوى به الظهار على ما عرف النقل به عنه ولهما أنه أطلق الحرمة إلخ ) حاصلة أن الحرمة أعم من الحرمة التى هى ظهار أو لا والأعم يحتمل الخصوصيات فيه الظهار نيته محتمل كلامه لا نية خلاف ظاهرة فيصدق قضاء ) .
وعلى ذلك فقول السائل كنت أقصد الظهار يصدق فى هذا القول طبقا لما سبق بيانة ويكون عليه كفارة ظهار وهى ) ثلاث أنواع مرتبة أحدها ( عتق رقبة مؤمنة وهى غير ممكنة الآن فتكون كفارته صيام شهرين متتابعين بحيث يصوم ستين يوما أو يصوم شهرين بالهلال بدون أن يفطر يوما واحدا منهما فان أفطر يوما بعذر أو بغير عذر أستأنف الصوم من جديد وكذا لو جامع التى ظاهر منها فى خلال الشهرين ليلا أو نهارا عامدا أو ناسيا استأنف الصوم أيضا على الصحيح فمن عجز عن صيام شهرين متتابعين فكفارته اطعام ستين مسكينا بنية الكفارة كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو قيمة ذلك .
والصاع قدحان وثلث بالكيل المصرى فان غداهم وعشاهم جاز قليلا كان ما أكلوا أوكثيرا .
هذا ويحرم على المظاهر اتيان زوجته أو مسها أو تقبيلها حتى يكفر عن ظهاره فان وطئها قبل أن يكفر أستغفر الله تعالى ولا شىء عليه غير الكفارة الأولى ولا يعود حتى يكفر لقوله عليه الصلاة والسلام للذى واقع زوجته فى ظهاره قبل الكفارة استغفر الله ولا تعد حتى تكفر .
ثالثا أما قوله لها ( تكونى طالق لو رحت المدرسة ) فهو من قبيل اليمين المعلق والطلاق المعلق لا يقع به الطلاق إلا إذا قصد به الحالف الطلاق عند حصول المعلق عليه أما إذا كان غرض الحالف به التخويف والتهديد فلا يقع به الطلاق عملا بالقانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية المأخوذ من أقوال بعض فقهاء المسلمين وبما أن السائل يقول أنه لا يستطيع الجزم بنيته هل كان يقصد الطلاق أم يقصد تهديد زوجته فانه لا يطبق عليه هذا القانون ويطبق عليه(15/75)
أرجح الأقوال من مذهب الامام أبى حنيفة رضى الله عنه طبقا للمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فيقع عليه بهذا اليمين طلقة ثانية رجعية .
أما قوله لها فى المرة الرابعة ( تكونى طالق لو دخلتى باب الشغل ) قاصدا التهديد فلا يقع بهذا اليمين فقط فلا يقع به طلاق عملا بالقانون 25 لسنة 1929 المذكور .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
كناية طلاق وحلف بالله
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
رجب 1400 هجرية - 26 مايو 1980 م
المبادئ
1 - حلف الرجل بقوله (بالله العظيم أن لم تسافر معى لا تلزمنى) قاصدا التهديد فقط .
هو جمع بين الكناية والحلف بالله. فلا يقع الطلاق سواء سافرت زوجته معه أم لا .
لعدم إرادته . 2 - اليمين بالله منعقدة فى ذلك وعليه التحلل منها بالتكفير عنها مادامت زوجته لم تسافر معه .
3 - اعتزال الزوج فراش زوجته دون حلف أو تطليق لا أثر له
السؤال
بالطلب المقدم من السيد / ى ى ح المتضمن أن السائل سافر هو وزوجته إلى الإسكندرية لزيارة والد زوجته، وعقب انتهاء الإجازة عزما على السفر لأسوان مقر عمله .
ولكن أسرة زوجته قررت عدم سفرها معه دون مبرر لذلك، وتدخل بعض الوسطاء ولكن أهلها أصروا على عدم سفرها معه، فحلف قائلا ( بالله العظيم إن لم تسافر معى لا تلزمنى ) قاصدا تهديد أسرة زوجته .
وقال إنها لم تسافر معه وسافر وحده . فلما علم والده ذهب إليها وأحضرها إليه .
وبعد مدة حدث سوء تفاهم بينه وبين زوجته انتهى الأمر بأن اعتزلها مدة قاصدا بذلك الطلاق .
ولكن لم يحدث منه يمين أو طلاق .
وتدخل أخوه فى الموضوع وعاد إلى فراش الزوجية .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
الأصل أن الطلاق المعلق على فعل شىء أو تركه إنما يقع إذا قصد الحالف وقت الحلف وقوعه عند حصول المحلوف عليه أو عدم حصوله .
أما إذا لم يقصده وإنما أراد التهديد فقط فلا يقع به شىء .
وكذلك كنايات الطلاق وهى ما تحتمل الطلاق وغيره لا يقع بها الطلاق إلا بالنية .(15/76)
وذلك عملا بأحكام القانون رقم 25 لسنة 1929 المأخوذ من أقوال الفقهاء فى بعض المذاهب الإسلامية فى مسائل الأحوال الشخصية .
ولما كان السائل قد حلف بقوله بالله العظيم إن لم تسافر معى لا تلزمنى قاصدا التهديد فقط، وهو بهذا قد جمع بين الكناية والحلف بالله ولم يرد الطلاق فلا يقع بقوله هذا طلاق سواء سافرت معه زوجته أم لا .
ولكن اليمين بالله تعالى منعقدة وعليه التحلل منها ما دامت زوجته لم تسافر معه بأن يكفر عن يمينه .
وكفارة الحنث فى اليمين هى إطعام عشرة مساكين .
ويجزىء فى إطعام كل مسكين ما يجزىء فى صدقة الفطر، وذلك بإعطاء كل مسكين نصف صاع من قمح، والصاع بالكيل المصرى هو قدحان وثلث .
ويجوز عند الحنفية إعطاء القيمة نقدا وفق سعر القمح الجارى فى التعامل .
أو له أن يكسو عشرة مساكين، الكساء المتعارف وأقله ما تجوز فيه الصلاة .
فإن لم يستطع الطعام ولا الكسوة يتعين عليه صوم ثلاثة أيام متتاليات، لقوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون } المائدة 89 ، أما اعتزال الزوج فراش زوجته دون حلف أو تطليق فلا أثر له .
لأن ركن الإيلاء النطق باليمين أو بما يدل على الامتناع عن الوقاع مع الزوجة .
والتطليق يكون بالتلفظ بما يدل على الطلاق .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
رجل قال لزوجته : إن خرجت من البيت فأنت طالق فهل يقع الطلاق لو خرجت ؟
الجواب
الطلاق المعلق هو الذى يقصد به إثبات شىء أو نفيه ، أو الحث على فعل شىء أو تركه . وفيه أقوال خمسة ذكرها ابن القيبم فى كتابه " إغاثة اللهفان " ص 5 6 2 - 67 2 وملخصها هو: - 1 -أنه لا ينعقد، ولا يجب فيه شىء . وعليه أكثر أهل الظاهر، لأن الطلاق عندهم لا يقبل التعليق كالنكاح ، وعليه من أصحاب الشافعى أبو عبد الرحمن .(15/77)
2-أنه لغو وليس بشىء وصح ذلك عن طاووس وعكرمة .
3- لا يقع الطلاق المحلوف به ويلزمه كفارة يمين إذا حنث فيه .
وبه قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما .
4 -الفرق بين أن يحلف على فعل امرأته أو على فعل نفسه أو على فعل غير الزوجة ، فيقول لامرأته : إن خرجت من الدار فأنت طالق ، فلا يقع عليه الطلاق بفعلها ذلك ، وإن حلف على نفسه أو على غير امرأته وحنث لزمه الطلاق ، وبه قال أشهب من المالكية .
5 -الفرق بين الحلف بصيغة الشرط والجزاء وبين الحلف بصيغة الالتزام ، فالأول كقوله : إن فعلت كذا فأنت طالق . والثانى كقوله : الطلاق يلزمنى أو على الطلاق إن فعلت ، فلا يلزمه الطلاق فى هذا القسم إن حنث دون الأول . وهذا أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب الشافعى والمنقول عن أبى حنيفة وقدماء أصحابه . والعمل الآن فى المحاكم المصرية حسب القانون رقم 25 لسنة 1929 م كما تنص عليه المادة الثانية منه ، على أن الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شىء أو تركه لا غير - لا يقع ، وجاء فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون : أن الطلاق ينقسم إلى منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فورا ، وإلى مضاف كأنت طالق غدا ، وإلى يمين نحو: على الطلاق لا أفعل كذا ، وإلى معلق كإن فعلت كذا فأنت طالق . والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل شىء أو تركه -وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه - كان فى معنى اليمين بالطلاق ، واليمين فى الطلاق وما فى معناه لاغ .
ويمكن الرجوع إلى الجزء السادس من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ص 343 لمعرفة أدلة الآراء المختلفة فى هذا الموضوع . ومن المتحمسين لوقوع الطلاق المعلق الإمام تقى الدين السبكى المتوفى سنة 756 هـ فى رسالته " النظر المحقق فى الحلف بالطلاق المعلق " يرد بها على ابن تيمية، وقد فرغ منها قبل وفاة ابن تيمية بسنوات ، ويراجع كتاب " أحكام الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية " ص 291 للشيخ عبد الرحمن تاج -والفتوى على الرأى الذى يطبق فى المحاكم المصرية ، لأن ولى الأمر اختاره ، ومعلوم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ، وينبغى الالتزام به فى الفتوى منعا للبلبلة
ـــــــــــــــــــ
الطلاق
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
سمعنا أن الطلاق محرم فى الأديان الأخرى فلماذا أباحه الإسلام ؟
الجواب(15/78)
الانفصال بين الزوجين معروف من قديم الزمان فى الشرائع الوضعية والأديان السماوية ، لأن الزواج تكوين لشركة تتعاون على تحقيق الهدف منه وهو السكن والمودة ورعاية النسل ، وكل شركة لا توفَّق فى تحقيق أهدافها بعد محاولة إصلاحها كان من الأوفق أن تنحل ، ويسعى أصحابها للبحث عن شركاء آخرين صالحين لإنتاج الخير .
وجاء الإسلام وهو خاتمة الرسالات فأبقى على هذا المبدأ ونظمه ووضع له ضوابط لعدم إساءة استعماله ، فأباح للزوجة إن كانت كارهة لزوجها أن تفتدى منه بمال ، وأباح للزوج إن تضرر من زوجته ولم يطق صبرا على ما يراه منها أن ينفصل عنها بعد محاولة التوفيق بين الطرفين ، وحفظ الحقوق "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " .
ومن وجوه الحكمة فى تقرير مبدأ الطلاق :
1 -قد تكون الزوجة عقيما والرجل يريد نسلا، وطلب النسل مشروع وهو الهدف الأول من الزواج ، ولا ترضى الزوجة بأن يضم إليها أخرى .
أو لا يستطيع هو أن ينفق على زوجتين ، وبالمثل قد يكون بالزوج عيب يمنع من وجود النسل ، وهى تتوق لإشباع غريزة الأمومة، فلا سبيل إلا الطلاق .
2 - وقد يكون بأحدهما مرض معد يحيل الحياة إلى متاعب وآلام ، فيكون العلاج بالطلاق .
3-قد يكون الزوج سيئ العشرة خشن المعاملة لا يجدى معه النصح ، وقد تكون هى كذلك فلا مفر من الفراق .
وقد تكون هناك أسباب أخرى منه أو منها فيكون الطلاق أمرا لابد منه ، والواقع يقرر أن للطلاق مضار بجوار ما فيه من منافع ، فله أثره على المرأة إذا لم يكن لها مورد رزق تعتمد عليه ويخشى أن تسلك مسالك غير شريفة ، وله أثره على الرجل فى تحمل تبعاته المالية والنفسية إذا لم يجد من تعيش معه إذا كان الطلاق بسببه ، كما يتضرر به الأولاد الذين لا يجدون الرعاية الصحيحة فى كنف الوالدين ، فإما أن يعيشوا تحت رعاية زوج أمهم أو تحت رعاية زوجة أبيهم ، وإما أن يتشردوا فلا يجدوا ما يحميهم من الانحراف ، وفى ذلك كله ضرر على المجتمع .
من أجل هذا جعله الإسلام فى أضيق الحدود، ونهاية المطاف فى محاولة التوفيق ، وقرر أنه أبغض الحلال إلى الله ، وبيَّن الحديث الشريف أنه من أهم العوامل التى يستعين بها إبليس على إفساد الحياة البشرية ، فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منزلة أعظمهم فتنة ، يجئ أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا، فيقول له : ما صنعت شيئا، قال ويجئ أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله ، قال فيدنيه ، أو قال : فيلتزم ويقول : نعم أنت " رواه مسلم . وكما حذر منه الرجل حذَر المرأة فقال : "أيما امرأة سألت زوجها طلاقا فى غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذى وقال : حسن . وكان من هدى الإسلام فى الحد منه إلى جانب ما ذكر :(15/79)
1 -أنه وصف الزواج بالميثاق الغليظ وذلك يدعو إلى احترامه وعدم التفكير فى حله ، قال تعالى{وكيف تأخذونه وقد أفض بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء : 21 .
2 -جعل الطلاق على مراحل من أجل التجربة فلم يحكم بهدم الحياة الزوجية من أول نزاع بين الزوجين ، بل جعله على ثلاث مرات يملك بعد كل من الأولى والثانية أن يراجعها ، ولا تحل له بعد الثالثة حتى تتزوج غيره ، قال تعالى{الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى أن قال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة : 229 ، 230 .
3- ندب إلى إمساك الزوجة وعدم طلاقها إن كرهها لأمر وفيها أمور تدعو إلى إمساكها ، قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} النساء : 19 ، وقال صلى الله عليه وسلم " لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر " رواه مسلم .
4 - أمر الزوج بضبط أعصابه والتريث فى تقويم زوجته ، قال تعالى {واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن . فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا} النساء: 34 .
5 -إذا لم يستطع الطرفان علاج المشكلة تدخلت عناصر للعلاج تهمها مصلحة الزوجين قال تعالى{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفِّق الله بينهما . إن الله كان عليما خبيرا} النساء : 35 .
6 - صان قداسة الزوجية من العبث فحذر من صدور كلمة الطلاق حتى على سبيل الهزل . ففى الحديث " ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة" رواه أبو داود .
7-لم يحكم بطلاق المجنون والمكره عليه ففى الحديث "رفع القلم عن ثلاث : عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبى حتى يدرك ومن النائم حتى يستيقظ " رواه أبو داود وصححه وفيه أيضا "إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه أصحاب السنن برجال ثقات وليس فيه علة قادحة ، وفيه "لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق " رواه أبو داود والحاكم وصححه . وفسر الإغلاق بالإكراه كما فسر بالغضب وألحق بعض العلماء السكران بالمجنون .
8 - لا يقع الطلاق بحديث النفس دون تلفظ به ، ففى الحديث "إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به " رواه البخارى ومسلم .
9 -حرم على المرأة أن تشترط لزواجها أن يطلق الزوج من هى تحت يده ، ففى الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما فى صحفتها، فان لها ما قدِّر لها" رواه البخارى ومسلم .
10 - جعل العصمة أصلا بيد الرجل ، لأنه هو الذى دفع المهر، ويتكفل بنفقة الزوجية وهو أضبط لعواطفه وأدرى بالتبعات التى تترتب عليه . وفى دليله مقال .
11 - وهناك تشريعات أخرى كعدم وقوع الطلاق قبل النكاح ، والطلاق المعلق الذى لا يقصد به التطليق ، وما يسمى بالطلاق السنى والبدعى ، وفيها نصوص وخلاف للعلماء .(15/80)
هذه بعض التشريعات التى تساعد على الحد من الطلاق ، وقد علمنا أنه حل يلجأ إليه عند تعذر الإصلاح ، . وأخذت به كل التشريعات قديمها وحديثها ، وما لجأت إليه بعض الدول من تحريمه وإباحة التفريق الجسدى أدى إلى أخطار كثيرة وانحرافات شكا منها المصلحون .
ومحاولات بعض الدعاة للتجديد وتحرير المرأة للحد منه باقتراحات وإجراءات قضائية ، قد تزيد المشكلة تفاقما ، وتقضى على فرصة العودة بعد تجربة الفراق وتكشف ما كان ينبغى أن يبقى مستورا، بل جعلت بعض الشباب يحجم أو يتأخر عن الزواج خشية تبعاته وتبعات الفراق ، وفى ذلك إضرار بالمرأة أيضا من حيث يظن المتحررون أنهم يخدمونها .
وفى اتباع هدى الإسلام تشريعات وخلقا ، مع الإخلاص المتبادل ، ما يغنى عن كل هذه الاقتراحات ، التى لا يعدم من لا ضمير عنده أن يتحايل حتى لا يقع تحت طائلتها ، والواقع يشهد بذلك ، فلنحرص على التمسك بالدين ولنتعلم ما جاء عن الله ورسوله بفهم دقيق وإحاطة وشمول ففيه الخير كله {ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم } آل عمران : 101 .
هذا ، وهناك أحكام كثيرة تتعلق بالطلاق لا مجال لذكرها هنا ، والمقصود هو بيان حكمة مشروعيته ورفع الاعتراض عن تقرير الإسلام له ، أما ما تختلف فيه القوانين المعمول بها فى البلاد الإسلامية فهو فى مسائل فرعية وللاجتهاد فيها مجال كبير، وذلك لا يضر ما دام الأصل سليما وهو مشروعيته وعدم إبطاله . فهو تشريع حق عادل منصف لا عيب فيه ، وإنما العيب على من يجهلونه أو يسيئون تطبيقه .
وقد بحث موضوع الطلاق فى المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد فى سنة 1385 هـ (1965 م )وانتهى فى قرارته إلى أن الطلاق مباح فى حدود ما جاءت به الشريعة الإسلامية ، وأن طلاق الزوج يقع دون حاجة إلى إذن القاضى .
وللاستزادة بعد كتب الفقه يمكن الرجوع إلى :
1 -كتاب الأحوال الشخصية للشيخ عبد الرحمن تاج .
2-أحكام الأسرة فى الإسلام للدكتور محمد مصطفى شلبى .
3-بحث تنظيم الأسرة للشيخ (محمد أبو زهره ) من بحوث المؤتمر الثانى لمجمع البحوث الإسلامية .
4 -الأسرة تحت رعاية الإسلام -الجزء السادس
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق معلق.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 111 لسنة 2004 م المتضمن :- حلفت على زوجتي أيمان الطلاق الآتية :-
في المرة الأولى قلت لها " لو ابنك مدفعش فلوس في البيت تكوني طالق " وكانت نيتي التهديد .
وفي المرة الثانية : واثر خلاف بيننا قلت لها " أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق " وكنت واعيًا ومدركًا .(15/81)
أرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
قول السائل لزوجته في المرة الأولى : " لو ابنك مدفعش فلوس في البيت تكوني طالق " والسائل كان يقصد التهديد كما ذكر بطلبه .
نفيد بأن هذا القول من قبيل الطلاق المعلق الذي لا يقع به طلاق إلا بالنية وبإقرار السائل بطلبه إنه كان يقصد التهديد فلا يقع بهذا القول طلاق .
ويقع بقوله لها في المرة الثانية : " أنتِ طالق أنتِ طالق أنتِ طالق " طلقة أولى رجعية ما لم تكن مسبوقة بطلاق آخر ويقع به طلقة واحدة طبقًا للقانون رقم 25 لسنة 29 الذي ينص على : أن الطلاق المتعدد لفظًا أو إشارة لا يقع به إلا طلقة واحدة .
وعلى ذلك يجوز للسائل مراجعة زوجته إلى عصمته إذا كانت لا تزال في عدتها من هذا الطلاق الأخير . أو إعادتها إليه بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها إذا خرجت من العدة .
ومما ذكر يعلم الجواب
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق لغو.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 1995 لسنة 2003 المتضمن أن السائل يقول حلفت على زوجتي أيمان الطلاق الآتية :-
1 - في المرة الأولى قلت لها علىّ الطلاق ما تروحي بيت أبوك وراحت وكانت نيتي فيها التهديد .
2 - في المرة الثانية قلت لها علىّ الطلاق ما تروحي بيت أبوك وإن رحت تبقي طالق وراحت وكانت نيتي فيها التهديد .
3 - في المرة الثالثة طلقها طلقة أولى على الإبراء لدى المأذون .
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي .
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
بقول الزوج السائل لزوجته في المرة الأولى علىّ الطلاق ما تروحي بيت أبوك فهذا اللفظ من قبيل اليمين بالطلاق واليمين بالطلاق لغو لا يقع به طلاق سواء حصل المحلوف عليه أو لم يحصل عملاً بالقانون رقم 25 لسنة 26 والمأخوذة أحكامه من أقوال بعض فقهاء المسلمين .
وبقوله لها في المرة الثانية علىّ الطلاق ما تروحي بيت أبوك وإن رحت تبقي طالق ويقرر بطلبه أن نيته كانت التهديد فهذا اليمين يشتمل على شقين الأول قوله لها علىّ(15/82)
الطلاق ما تروحي بيت أبوك وهذا اللفظ لا يقع به طلاق كما أشرنا سابقاً ، والشق الثاني قوله لها وإن رحت تبقي طالق فهذا اللفظ من قبيل الطلاق المعلق الذي لا يقع به طلاق إلا بنية الحالف وقصده وحيث أن السائل يقرر بطلبة أن نيته كانت التهديد فلا يقع به طلاق .
وبطلاقه لها في المرة الثالثة لدى المأذون ودون في القسيمة طلقة أولى على الإبراء فتكون زوجته قد أصبحت بائنة منه بينونة صغرى وله أن يتزوجها مرة أخرى بعقد ومهر جديدين وبإذنها ورضاها ويكون قد وقع منه طلقة واحدة فقط .
وعلى السائل أن يتق الله في نفسه وأن لا يتلفظ بمثل هذه الألفاظ مرة ثانية .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: طلاق المعلق.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 2007 لسنة 2003 م المتضمن :-
أن السائل يقول : حلفت على زوجتي يمين الطلاق الآتي :-
قلت : "لو دخل أخوكِ بيتي تبقي طالق" وكانت نيتي التهديد ودخل أخوها البيت ولم يكن هناك أي لفظ طلاق غير هذه المرة .
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
بقول الزوج لسائل لزوجته " لو دخل أخوكِ بيتي تبقي طالق " فهذا اللفظ من قبيل الطلاق المعلق الذي لا يقع به طلاق إلا بنية الحالف وقصده . وحيث أن السائل يقرر في طلبه أن نيته كانت التهديد فلا يقع به طلاق سواء دخل أخوها بيته أو لم يدخل وما زالت الحياة الزوجية بينهما قائمة ومستمرة ما لم يكن هناك طلاق آخر .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: الطلاق المعلق.
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 2027لسنة2003 المتضمن :
أن السائل يقول حلفت على زوجتي أيمان الطلاق الآتية .
في المرة الأولى قلت لها لو نزلت بدون إذني لزيارة أخوالك فأنت طالق وذلك بنية التهديد .
في المرة الثانية قلت لها لو خرجت سر البيت لأهلك فأنت طالق وذلك بنية التهديد .
في المرة الثالثة قلت لها إذا لم أخذ حقي من خالك هاأطلقك وذلك بقصد التهديد .
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي
المفتي :(15/83)
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
بقول السائل لزوجته في المرة الأولى لو نزلت بدون إذني لزيارة أخوالك فأنت طالق وكذا قوله لها في المرة الثانية لو خرجت سر البيت لأهلك فأنت طالق . فهذا اللفظ في اليمينين من قبيل اليمين المعلق الذي لا يقع به طلاق إلا بنية الحالف وقصده وحيث أن السائل يقرر في طلبه أنه كان ينوي التهديد فلا يقع طلاق في هاتين المرتين .
وبقوله لها في المرة الثالثة إذا لم آخذ حقي من خالك هاأطلقك فهذا اللفظ من قبيل الوعد أو التهديد بالطلاق ولا يقع به طلاق . وبناء على ذلك . فان العلاقة الزوجية ما زالت قائمه ومستمرة بين السائل وزوجته ما لم تكن هناك أيمان طلاق أخرى بينهما وعلى السائل أن يتقي الله في تحديد نيته في اليمينين الأول والثاني .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال إذا كان الحال كما ورد به .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الموضوع: الطلاق المعلق.
السؤال:
اطلعنا على الطلب الوارد إلينا عن طريق الإنترنت برقم 2382 لسنة 2003 والمتضمن :
قول ( تكوني طالق ) للتهديد ( لو فعلتِ كذا ) أو عند الغضب هل يوقع الطلاق أم لا عند وقوع الفعل ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:
الصيغة محل السؤال هي صيغة الطلاق المعلق الذي يترتب عليه وقوع الطلاق عند حصول الأمر المعلق عليه وهذا إذا كان الشخص الذي علق الطلاق ينوي بذلك حصول الطلاق عند حصول المعلق عليه ، أما إن كان ينوي التهديد فقط فلا يقع طلاق .
وإذا علق الشخص الطلاق وهو غضبان فإذا كان ناوياً بذلك حدوث الطلاق فيقع الطلاق عند حدوث الأمر المعلق عليه ، ما لم يكن غضبه هذا جعله في حالة لم يدر فيها ما يقول ولا ما يخرج منه ، أو جعل الكلام يخرج منه من غير إرادة منه ، فلا يعتد حينئذ بتعليقه ؛ ففي الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه عن عائشة مرفوعاً " لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " ، فليس كل غضب يترتب عليه عدم وقوع الطلاق أو التعليق .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 259)(15/84)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَقُولُ : إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ تُبَاحُ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ لِلَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا : فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَمَا صِفَةُ النِّكَاحِ الثَّانِي الَّذِي يُبِيحُهَا لِلْأَوَّلِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ مُثَابِينَ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . إذَا وَقَعَ بِالْمَرْأَةِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إنَّهَا تُبَاحُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِدُونِ زَوْجٍ ثَانٍ وَمَنْ نَقَلَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَدْ كَذَبَ . وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ اسْتَحَلَّ وَطْأَهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِدُونِ نِكَاحِ زَوْجٍ ثَانٍ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ - مِثْلَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ بِمَكَانِ قَوْمٍ لَا يَعْرِفُونَ فِيهِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ أَوْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ دِينَ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُبَاحُ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ أَوْ عَلَى اسْتِحْلَالِ هَذَا الْفِعْلِ : فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ وُجُوبَ الْوَاجِبَاتِ وَتَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ وَحِلَّ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْأُمَّةِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ نَبِيِّهَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ . وَظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَنْ يَجْحَدُ وُجُوبَ " مَبَانِي الْإِسْلَامِ " مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحِجِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ جَحَدَ " تَحْرِيمَ الظُّلْمِ وَأَنْوَاعِهِ " كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ أَوْ تَحْرِيمَ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَمَا يَدْخُلُ فِي
ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمِ " نِكَاحِ الْأَقَارِبِ " سِوَى بَنَاتِ الْعُمُومَةِ وَالْخُؤُولَةِ وَتَحْرِيمَ " الْمُحَرَّمَاتِ بِالْمُصَاهَرَةِ " وَهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُهُنَّ وَحَلَائِلُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ حِلَّ الْخُبْزِ . وَاللَّحْمِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَتْ إبَاحَتُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ : فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِمَّا لَمْ يَتَنَازَعْ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ لَا سُنِّيُّهُمْ وَلَا بِدْعِيُّهُمْ . وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ " مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ : كَتَنَازُعِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ فِي " الْحَرَامِ " هَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي " الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ " كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَتَّةِ : هَلْ يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ ثَلَاثٌ ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ ؟ وَكَتَنَازُعِهِمْ فِي " الْمُولِي " : هَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَفِ فِيهَا ؟ أَمْ يُوقَفُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ ؟ وَكَتَنَازُعِ الْعُلَمَاءِ فِي طَلَاقِ السَّكْرَانِ . وَالْمُكْرَهُ وَفِي الطَّلَاقِ بِالْخَطِّ وَطَلَاقِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَطَلَاقِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ وَطَلَاقِ الْحَكَمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجِ بِدُونِ تَوْكِيلِهِ . كَمَا تَنَازَعُوا فِي بَذْلِ أَجْرِ الْعِوَضِ بِدُونِ تَوْكِيلِهَا . وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْعُلَمَاءُ . وَتَنَازَعُوا أَيْضًا فِي مَسَائِلِ " تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ "
وَمَسَائِلِ " الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالنَّذْرِ " كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ الصَّدَقَةُ بِأَلْفِ . وَتَنَازَعُوا أَيْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ " الْأَيْمَانِ " مُطْلَقًا فِي مُوجَبِ الْيَمِينِ وَهَذَا كَتَنَازُعِهِمْ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ : هَلْ يَقَعُ أَوْ لَا يَقَعُ ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ؟ أَوْ بَيْنَ مَا يَكُونُ فِيهِ مَقْصُودٌ شَرْعِيٌّ وَبَيْنَ أَنْ يَقَعَ فِي نَوْعِ مِلْكٍ أَوْ غَيْرِ مِلْكٍ ؟ وَتَنَازَعُوا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ بَعْدَ(15/85)
النِّكَاحِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . فَقِيلَ : يَقَعُ مُطْلَقًا . وَقِيلَ : لَا يَقَعُ . وَقِيلَ : يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّرْطِ الَّذِي يُقْصَدُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ كَوْنِهِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ الَّذِي يُقْصَدُ عَدَمُهُ . وَعَدَمُ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ . " فَالْأَوَّلُ " كَقَوْلِهِ : إنْ أعطيتيني أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ . " وَالثَّانِي " كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَنِسَائِي طَوَالِقُ وَعَلَيَّ الْحَجُّ . وَأَمَّا النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلَّمَ مَالِي الْغَائِبَ فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ الصَّدَقَةُ بِمِائَةِ : أَنَّهُ يَلْزَمُهُ . وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ ؛ بَلْ مَقْصُودُهُ عَدَمُ الشَّرْطِ وَهُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ كَمَا إذَا قَالَ : لَا أُسَافِرُ وَإِنْ سَافَرْت فَعَلَيَّ الصَّوْمُ أَوْ الْحَجُّ أَوْ الصَّدَقَةُ أَوْ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ
: فَالصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ آخِرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : كَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ أَبِي الْعُمَرِ وَغَيْرِهِمَا . وَهَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ أَمْ يَجْزِيهِ الْوَفَاءُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَقِيلَ : عَلَيْهِ الْوَفَاءُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِهِ . وَقِيلَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِحَالِ كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ داود وَابْنِ حَزْمٍ . وَهَكَذَا تَنَازَعُوا عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْعِتَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ . هَلْ يَقَعُ ذَلِكَ إذَا حَنِثَ أَوْ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ ؛ بَلْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً ؛ وَلَكِنْ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . " أَحَدُهُمَا " يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخِطَابَيْ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الَّذِي وَصَلَ إلَيْنَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
وَغَيْرُهُ . وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ و " الثَّانِي " لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 390)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ فَحَلَفَ أَبُوهَا أَنَّهُ مَا يُخَلِّيهَا مَعَهُ وَضَرَبَهَا وَقَالَ لَهُ أَبُوهَا : أَبْرِئِيهِ . فَأَبْرَأَتْهُ وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً ؛ ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا لَمْ تُبْرِهِ إلَّا خَوْفًا مِنْ أَبِيهَا : فَهَلْ تَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ الطَّلْقَةُ ؟ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ إنْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ مُكْرَهَةً بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ . وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ حِجْرِ الْأَبِ وَقَدْ رَأَى الْأَبُ أَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 407)
وَأَمَّا " صِيغَةُ الْقَسَمِ " فَهُوَ أَنْ يَقُولَ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا . فَيَحْلِفُ بِهِ عَلَى حَضٍّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ مَنْعٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى تَصْدِيقِ خَبَرٍ أَوْ(15/86)
تَكْذِيبِهِ : فَهَذَا يَدْخُلُ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ فَإِنَّ هَذَا يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ ؛ فَإِنَّهَا صِيغَةُ قَسَمٍ وَهُوَ يَمِينٌ أَيْضًا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّهَا تُسَمَّى يَمِينًا ؛ وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي حُكْمِهَا . فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ غَلَّبَ عَلَيْهَا جَانِبَ الطَّلَاقِ فَأَوْقَعَ بِهِ الطَّلَاقَ إذَا حَنِثَ . وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَّبَ عَلَيْهِ جَانِبَ الْيَمِينِ فَلَمْ يُوقِعْ بِهِ الطَّلَاقَ بَلْ قَالَ : عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ . أَوْ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِحَالِ . وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِيمَا إذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَقَالَ : إذَا فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ ؛ لَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ اُشْتُهِرَ الْكَلَامُ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَالُوا : إنَّهُ أَيْمَانٌ تَجْزِي فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؛ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ هَذَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ ؛ بِخِلَافِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ إنَّمَا عُرِفَ عَنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَتَنَازَعُوا فِيهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ .
وَالثَّالِثُ " صِيغَةُ تَعْلِيقِ " كَقَوْلِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ . وَيُسَمَّى هَذَا طَلَاقًا بِصِفَةِ . فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُ صَاحِبِهِ الْحَلِفَ وَهُوَ يَكْرَهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّفَةِ . " فَالْأَوَّلُ " حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . وَلَوْ قَالَ : إنْ حَلَفْت يَمِينًا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَحِلْفٌ بِالطَّلَاقِ حَنِثَ بِلَا نِزَاعٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لِقَصْدِ الْيَمِينِ كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ أَوْ هَدْيٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ : الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَعَلَيَّ الْحَجُّ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ لَكِنَّ الْمُؤَخَّرَ فِي صِيغَةِ الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ وَالْمَنْفِيُّ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ مُثْبَتٌ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ . " وَالثَّانِي " وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الصِّفَةِ . فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ كَمَا يَقَعُ الْمُنْجَزُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَكَذَلِكَ إذَا وَقَّتَ الطَّلَاقَ بِوَقْتِ ؛ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ . وَقَدّ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِ هَذَا الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَلَمْ يَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا قَدِيمًا ؛ لَكِنْ ابْنُ حَزْمٍ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ قَوْلُ
الْإِمَامِيَّةِ مَعَ أَنَّ ابْنَ حَزْمٍ ذَكَرَ فِي " كِتَابِ الْإِجْمَاعِ " إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَذَكَرَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ : هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؟ أَوْ لَا يَقَعُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؟ أَوْ يَكُونُ يَمِينًا مُكَفِّرَةً ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : كَمَا أَنَّ نَظَائِرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَيْمَانِ فِيهَا هَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ . وَهَذَا الضَّرْبُ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةِ يَقْصِدُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْحَضِّ وَالْمَنْعِ كَقَوْلِهِ : إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ . هَلْ هُوَ يَمِينٌ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ " أَحَدُهُمَا " هُوَ يَمِينٌ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . " الثَّانِي " أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلِ الْآخَرِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ شَرْعًا . وَلُغَةً . وَأَمَّا الْعُرْفُ فَيَخْتَلِفُ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ : هَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
وَالْيَمِينُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ " نَوْعَانِ " : نَوْعٌ مُحْتَرَمٌ مُنْعَقِدٌ مُكَفِّرٌ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ . وَنَوْعٌ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ ؛ وَلَا مُنْعَقِدٍ وَلَا مُكَفِّرٍ وَهُوَ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ . فَإِنْ كَانَتْ(15/87)
هَذِهِ الْيَمِينُ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ . وَهِيَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ . وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ مِنْ الثَّانِي . وَأَمَّا إثْبَاتُ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ ؛ غَيْرِ مُكَفِّرَةٍ فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَتَقْسِيمُ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ إلَى يَمِينٍ مُكَفِّرَةٍ وَغَيْرِ مُكَفِّرَةٍ كَتَقْسِيمِ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ إلَى خَمْرٍ وَغَيْرِ خَمْرٍ . وَتَقْسِيمِ السَّفَرِ إلَى طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ . وَتَقْسِيمِ الْمُيَسَّرِ إلَى مُحَرَّمٍ وَغَيْرِ مُحَرَّمٍ ؛ بَلْ الْأُصُولُ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ . وَبَسْطُ الْكَلَامِ لَهُ مَوْضُوعٌ آخَرُ لَكِنَّ هَذَا " الْقَوْلَ الثَّالِثَ " وَهُوَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ الْكَفَّارَةِ فِي جَمِيعِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي لَا تَتَنَاقَضُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ : إمَّا فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ . وَإِمَّا فِي بَعْضِهَا . وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَمِينٌ . وَالتَّعْلِيلُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ . وَالصِّيَغُ ثَلَاثَةٌ " صِيغَةُ تَنْجِيزٍ " كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَهَذِهِ لَيْسَتْ يَمِينًا وَلَا كَفَّارَةَ فِي هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ " وَالثَّانِي " صِيغَةُ قَسَمٍ كَمَا إذَا قَالَ :
الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَهَذِهِ يَمِينٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ . " وَالثَّالِثُ " صِيغَةُ تَعْلِيقٍ . فَهَذِهِ إنْ قَصَدَ بِهَا الْيَمِينَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الثَّانِي بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَأَمَّا إنْ قَصَدَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الشَّرْطِ : مِثْلَ أَنْ يَخْتَارَ طَلَاقَهَا إذَا أَعْطَتْهُ الْعِوَضَ فَيَقُولُ : إنْ أَعْطَيْتِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ . وَيَخْتَارُ طَلَاقَهَا إذَا أَتَتْ كَبِيرَةً فَيَقُولُ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت . وَقَصْدُهُ الْإِيقَاعَ عِنْدَ الصِّفَةِ ؛ لَا الْحَلِفِ : فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالصِّفَةِ رُوِيَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعَلِيِّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ وَكَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا نَقَلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالصِّفَةِ لَا يَقَعُ وَإِنَّمَا عُلِمَ النِّزَاعُ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ وَعَنْ ابْنِ حَزْمٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ . وَهَؤُلَاءِ الشِّيعَةُ بَلَغَتْهُمْ فَتَاوَى عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِيمَنْ قَصْدُهُ الْحَلِفُ : فَظَنُّوا أَنَّ كُلَّ تَعْلِيقٍ كَذَلِكَ كَمَا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْجُمْهُورِ بَلَغَتْهُمْ فَتَاوَى عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيمَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهَا : فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَمِينٌ . وَجَعَلُوا كُلَّ تَعْلِيقٍ يَمِينًا كَمَنْ قَصْدُهُ الْيَمِينَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ وَاَلَّذِي
يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ ؛ كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ أُولَئِكَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِ الطَّلَاقِ . وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى فِي الْيَمِينِ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ . كَمَا لَمْ أَعْلَمِ أَحَدًا مِنْهُمْ أَفْتَى فِي التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ حَتَّى قَالَ بِهِ داود وَأَصْحَابُهُ . فَفَرَّقُوا بَيْنَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ كَمَا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي تَعْلِيقِ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ ؛ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَكْرَهُ وُقُوعَ الْجَزَاءِ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ كَقَوْلِ الْمُسْلِمِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ : فَهُوَ يَكْرَهُ الْكُفْرَ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ ؛ إنَّمَا الْتِزَامُهُ لِئَلَّا يُلْزِمَ وَلِيَمْتَنِعَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ ؛ لَا لِقَصْدِ وُجُودِهِ عِنْدَ الصِّفَةِ . وَهَكَذَا الْحَلِفُ بِالْإِسْلَامِ لَوْ قَالَ الذِّمِّيُّ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ . وَالْحَالِفُ بِالنَّذْرِ وَالْحَرَامِ وَالظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَنِسَائِي طَوَالِقُ وَمَالِي صَدَقَةٌ فَهُوَ يَكْرَهُ هَذِهِ اللَّوَازِمَ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِنَّمَا عَلَّقَهَا لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّرْطِ ؛ لَا لِقَصْدِ وُقُوعِهَا وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ(15/88)
فَالتَّعْلِيقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ مِنْ بَابِ الْإِيقَاعِ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ وَأَحْكَامَ الْإِيمَانِ . وَإِذَا قَالَ : إنْ سَرَقْت إنْ
زَنَيْت : فَأَنْتِ طَالِقٌ . فَهَذَا قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا مَعَ هَذَا الْفِعْلِ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ طَلَاقِهَا ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ زَجْرُهَا وَتَخْوِيفُهَا لِئَلَّا تَفْعَلُ : فَهَذَا حَلِفٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِرَاقُهَا أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْمُقَامِ مَعَهَا مَعَ ذَلِكَ فَيَخْتَارُ إذَا فَعَلَتْهُ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ : فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ حَنِقَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ : قُلْ السَّاعَةَ قَالَ السَّاعَةَ وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ . ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَمَقْصُودُهُ تَخْوِيفُهَا بِهَذَا الْكَلَامِ ؛ لَا إيقَاعُ الطَّلَاقِ : لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ . فَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ : إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ لَا يَقَعُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد يَقَعُ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لَكِنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ مَقْصُودُهُ وَاعْتِقَادُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ صَارَ الْكَلَامُ عِنْدَهُ كَلَامًا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَلَمْ يُقْصَدْ التَّكَلُّمُ بِالطَّلَاقِ . وَإِذَا قَصَدَ الْمُتَكَلِّمُ بِكَلَامِ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ : مِثْلَ مَا لَوْ تَكَلَّمَ الْعَجَمِيُّ بِلَفْظِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ [ لَمْ يَقَعْ ] وَطَلَاقُ الْهَازِلِ : وَقَعَ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ . وَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ لَا هَذَا ؛ وَلَا هَذَا وَهُوَ يُشْبِهُ مَا لَوْ رَأَى امْرَأَةً فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً ؛ فَبَانَتْ امْرَأَتُهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ عَلَى الصَّحِيحِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى السبكي - (ج 3 / ص 348)
( الْبَحْثُ الثَّانِي فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ ) الْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيقِ يَنْعَقِدُ سَبَبُهُ وَعِنْدَ الصِّفَةِ يُقَدَّرُ إنْشَاؤُهُ يُجْعَلُ كَالنَّازِلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَقُولُونَ إنَّ التَّعْلِيقَ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ الْعِلَّةُ فَيُؤْثَرُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَا نَقُولُ فِي الْوَقْفِ بَلْ أَوْلَى وَلَعَلَّ خِلَافَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَأْتِي فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ عُمْرًا لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ بَعْدَهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فَهَلْ نَقُولُ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقَالَ بِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ هُوَ الْمُسْتَقِرُّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا } فَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ مِنْ شَرْطِ صِدْقِ اسْمِ أَهْلِ الْوَقْفِ الِاسْتِحْقَاقُ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَنَقُولُ فِي عَمْرٍو إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ قَصَدَهُ الْوَاقِفُ بِخُصُوصِهِ وَسَمَّاهُ وَعَيَّنَهُ وَلَنَا غَرَضٌ فِي ذَلِكَ نُقَدِّمُهُ عَلَى لَفْظِ الْأَوْلَادِ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إجْرَائِنَا هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ هُنَا إجْرَاؤُهُمَا فِي الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَوْلُنَا عَلَى
الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ مِنْ شَيْءٍ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ـــــــــــــــــــ(15/89)
فتاوى السبكي - (ج 4 / ص 58)
( وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْمُنْجَزِ فَقَطْ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَلَهُ مَأْخَذَانِ : إحْدَاهُمَا إبْطَالُ التَّعْلِيقِ جُمْلَةً وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَالْأَصْلُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ وَلَا مُعَارِضَ يَقْتَضِي الْإِبْطَالَ فِي الْجَمِيعِ .
الثَّانِي قَطْعُ الدَّوْرِ مِنْ وَسَطِهِ فَيَصِحُّ الْمُنْجَزُ وَيَبْطُلُ الْمُعَلَّقُ الَّذِي هُوَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفْضِي بُطْلَانَ مَجْمُوعِ الْمُعَلَّقِ وَهُوَ الثَّلَاثُ ، أَمَّا بُطْلَانُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَا ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ كُلِّ جُزْءٍ فَلِمَ لَا يَقَعُ مَا لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعُ اسْتِحَالَتَهُ .
فَإِنْ قُلْت : التَّعْلِيقُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ اقْتَضَى تَأَخُّرَ الشَّرْطِ عَنْ الْمَشْرُوطِ فَكَانَ بَاطِلًا .
قُلْت : الشَّرْطُ فِي اللَّفْظِ لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ } وَأَلْفُ مِثَالٍ لِذَلِكَ .
وَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَعُمُّ وَهُوَ هُنَا الزَّمَانُ الَّذِي قَبْلَ الطَّلَاقِ الْمُنْجَزِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : إنْ قَامَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ .
فَإِنْ قُلْت : الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُتَغَايِرَيْنِ وَالطَّلَاقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ وَالطَّلْقَةُ الْمُنْجَزَةُ وَالثَّلَاثُ إمَّا غَيْرُ مُتَغَايِرَةٍ وَإِمَّا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ أَرْبَعًا ؟ قُلْت مَتَى تَصَوَّرْتَ تَصَوُّرًا صَحِيحًا عَلِمْت التَّغَايُرَ بَيْنَ الطَّلْقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَالثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَبَيْنَ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الطَّلْقَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إمَّا كَوْنُ الطَّلْقَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً فَكَالضَّرْبِ وَالدُّخُولِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ .
وَقَدْ أَشَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ وُقُوعُهَا فِي نِكَاحٍ آخَرَ وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً وَيُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ ، ثُمَّ فَسَخَ نِكَاحَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِعِتْقِ عَبْدِنَا فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا كَوْنُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مُغَايِرًا لِلْمَمْلُوكِ فَتَبْيِينُهُ أَنَّهُ يَقُولُ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ .
وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَا أَشْبَهَهُ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ وَقَدْ يَنْتَهِي إلَى الْأَلْفِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَلَاثًا ، فَالطَّلَاقُ الْمَمْلُوكُ أَعَمُّ وَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ أَخَصُّ ؛ لِأَنَّا نَأْخُذُهُ مُقَيَّدًا بِالْإِضَافَةِ إلَى شَرْطِهِ فَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ ، وَهُوَ يَكْفِي فِي التَّغَايُرِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ أَيْضًا فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ مُتَغَايِرَانِ لَا مَانِعَ مِنْ تَصْحِيحِهِمَا فِيمَا عَدَا مَحَلِّ الدَّوْرِ .
( وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ ) فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنْجَزُ وَطَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ مَعَ الشَّرْطِ أَوْ بَعْدَهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ قَبْلَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنْ شَارِكْ الْأَوَّلَ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ ، وَإِنَّمَا قُلْت بِضَعْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إلْغَاءَ الِاسْتِحَالَةِ بِإِلْغَاءِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ .(15/90)
وَلَا شَكَّ أَنَّ إلْغَاءَهَا بِطَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَاتِ هِيَ الْمُتَصَرَّفُ فِيهَا الْقَابِلَةُ لِلتَّصْحِيحِ وَالْإِلْغَاءِ وَالْقَبْلِيَّةُ زَمَانُ ضِدَّيْنِ ، الْمُرَادُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِيهِ فَهُوَ وَاقِعٌ ثَلَاثًا فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَعْقِبِ لِزَمَانِ التَّنْجِيزِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهَا ثِنْتَانِ إلْغَاءٌ لِمَا أَوْقَعَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَإِيقَاعُ طَلْقَتَيْنِ مَعَ الْمُنْجَزِ إيقَاعٌ لِمَا لَمْ يُوقِعْهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلَا إرَادَةٍ فَهَذَا الْقَائِلُ تَوَقَّعَ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُتَكَلِّمُ وَيَمْنَعُ وُقُوعَ مَا قَصَدَهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ - اعْتِقَادُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الْقَبْلِيَّةِ بِهَذَا ، وَبِهَذَا فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ مَا قُلْنَاهُ .
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَأْخَذٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّرَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ كَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ وَقْتَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقِ أَمْسِ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَكَانَ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْسِ لَكِنْ هَلْ يَلْغُو وَيَقَعُ الْآنَ قَوْلَانِ فَعَلَى الْوُقُوعِ الْآنَ يَصِحُّ هَذَا الْوَجْهُ وَإِنَّهُ يَقَعُ طَلْقَتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ مَعَ الْمُنْجَزِ لَوْ فُعِلَ .
وَهَذَا الَّذِي يَلِيقُ بِأَصْلِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ الْمُعَلَّقَ يُقَدَّرُ إنْشَاؤُهُ وَقْتَ الصِّفَةِ وَعِبَارَتُهُمْ أَنَّهُ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْوَقْتَ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 233)
( سُئِلَ ) عَمَّنْ عَلَّقَ تَعْلِيقًا صُورَتُهُ مَتَى حَضَرَتْ زَوْجَتِي فُلَانَةُ إلَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ إلَى شَاهِدَيْنِ مَثَلًا وَأَخْبَرَتْ أَنَّنِي سَافَرْت عَنْهَا وَغِبْت فِي سَفَرِي مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينَ الْغَيْبَةِ ، وَأَنَّنِي تَرَكْتُهَا بِلَا نَفَقَةٍ وَلَا مُنْفِقَ وَحَضَرَ مَعَهَا مُسْلِمَانِ صَدَّقَاهَا عَلَى ذَلِكَ وَأَبْرَأَتْ ذِمَّتِي زَوْجَتِي الْمَذْكُورَةِ مِنْ خَمْسَةِ أَنْصَافٍ مِنْ صَدَاقِهَا عَلَيَّ ؛ كَانَتْ حِينَ ذَاكَ طَالِقًا فَهَلْ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا وَالْحَالُ أَنَّ هُنَاكَ عُذْرًا مِنْ أَسْرٍ أَوْ عُسْرٍ مِمَّا يَمْنَعُ الدَّفْعَ أَوْ الْوُجُوبَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ صَادِقَةً أَمْ كَاذِبَةً ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي فَتْوَى الشَّيْخِ زَكَرِيَّا أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَصَدَّقَهَا قَرِينَةٌ مِنْ الْمُعَلِّقِ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ صِدْقِهَا وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِهَا لَمْ يَقَعْ بِإِخْبَارِهَا كَاذِبَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْخَادِمِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِإِرَادَةِ صِدْقِهَا أَوْ لَا ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةُ إرَادَةِ صِدْقٍ وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِ سَكَنِهَا طُولَ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَأُقِيمَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْغَيْبَةِ أَوْ لَا لِتَنْزِلَ الْغَيْبَةُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ عَلَى النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَغَيْرُهُ وَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا
فَيَقَعُ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا لِوُجُودِ صِفَاتِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَهِيَ صَادِقَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ إذْ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَدْلُولَاتُ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَتْ بِلَا شَكٍّ .
ـــــــــــــــــــ
( سُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بِدَارِ صِهْرِهِ إلَّا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ فَمَلَّكَهُ صِهْرُهُ حِصَّةً مِنْ الدَّارِ وَسَكَنَهَا ، ثُمَّ إنَّ صِهْرَهُ قَالَ لَهُ : زَوْجَتُك طَلُقَتْ فَقَالَ : لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّك مَلَّكْتنِي الْحِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فَأَنْكَرَ صِهْرُهُ ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ صِهْرِ الْحَالِفِ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْحَالِفُ الْحِصَّةَ الَّتِي ادَّعَى أَنَّهُ(15/91)
مَلَّكَهُ إيَّاهَا بِالنِّسْبَةِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا ، إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَالِفِ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّ صِهْرَهُ مَلَّكَهُ تِلْكَ الْحِصَّةَ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ .
ـــــــــــــــــــ
( سُئِلَ ) عَمَّنْ عَلَّقَ تَعْلِيقًا صُورَتُهُ مَتَى غِبْت عَنْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ مُدَّةَ شَهْرٍ وَتَرَكْتهَا بِلَا نَفَقَةٍ وَلَا مُتْعَةٍ وَلَمْ أُرْسِلْ لَهَا شَيْئًا كَانَتْ طَالِقًا ، ثُمَّ غَابَ عَنْهَا وَأَرَادَتْ إثْبَاتَ الْغِيبَةِ وَالتَّرْكِ وَعَدَمِ الْإِرْسَالِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الْمَذْكُورَةِ لِيَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ فَكَيْفَ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِالتَّرْكِ وَعَدَمِ الْإِرْسَالِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهِيَ شَهَادَةٌ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْلَمَهَا إلَّا مَنْ صَحِبَ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ فَلَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يَغْفُلْ عَنْهُ لَحْظَةً وَاحِدَةً مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ إلَى انْتِهَاءِ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ أَرْسَلَ لَهَا شَيْئًا مَعَ وَكِيلِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ لَهَا إلَّا بِإِعْلَامِهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) قَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِيهَا بِأَنَّ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ لَا تُقْبَلُ فِي التَّرْكِ وَعَدَمِ الْإِرْسَالِ .
( سُئِلَ ) عَمَّنْ قَالَ : إنْ وَضَعَتْ فُلَانَةُ وَهِيَ عَلَى عِصْمَتِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ، ثُمَّ وَضَعَتْ فَهَلْ لَهُ رَدُّهَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ لَهُ تَجْدِيدَ نِكَاحِ مُطَلَّقَتِهِ الْمَذْكُورَةِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِوَضْعِهَا .
( سُئِلَ ) عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَحِلَّ الْيَمِينَ وَيُسْقِطُهَا كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِأَنْ يَقُولَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ هَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ بِوَضْعِ حَمْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ أَنْ تُوجَدَ صِفَةُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ فِي حَالِ بَيْنُونَتِهَا وَهَذَا وَاضِحٌ .
( سُئِلَ ) عَمَّنْ فَعَلَ شَيْئًا وَنَسِيَهُ وَعَلَّقَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى فِعْلِهِ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَصَدَقَ عَلَى فِعْلِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَسِيَهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 8 / ص 424)
بَابُ الْخُلْعِ ( وَسُئِلَ ) فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ مَهْرِهَا وَهُوَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ اتِّفَاقًا أَوْ عِنْد ظُهُورِ آيَةٍ كَكُسُوفٍ وَنَحْوِهِ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا لَيُعْلِمَهَا تَعْلِيقَهُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَأَتَى الرَّسُولُ فَقَالَ أَبِرِئْيِ زَوْجَك فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِتَعْلِيقِهِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ عَالِمَةً مِقْدَارَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ يُفَصَّلُ وَهَلْ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَا تَطْلُقُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ وَالذِّكْرِ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا إنْ بَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ بَرِئَ لِتَصْرِيحِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّبَّاغِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَوْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ فَإِذَا بَرِئَ مَنْ يُظَنُّ أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لِدِينٍ قُدِّرَ فَبَانَ لَهُ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .(15/92)
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِي يَبْرَأُ بَاطِنًا أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَرَاءَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا بَائِنًا وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ هُنَا كَهُوَ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ إنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ عِلْمُ الْمُعَلِّقِ بِفِعْلِهِ بِالتَّعْلِيقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ امْتِنَاعٌ لِأَجْلِهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُعَلِّق بِالْبَرَاءَةِ رَاغِبٌ فِي حُصُولِهَا سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا يَعْلَمُ فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ هُنَا وَجْهٌ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا مِنْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ عَلِمَ فَاعِلُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا فَكَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا بَلْ أَوْلَى .
ـــــــــــــــــــ
( وَسُئِلَ ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ لَا يَبِيعَ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ قَبْل انْفِسَاخِ الشَّهْرِ وَرَاجَعَهَا بِشُرُوطِهِ قَبْلَ انْفِسَاخِ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ ثُمَّ سَافَرَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ هَلْ تَبِينُ مِنْهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا وَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ لَا بُدّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا فِي حُكْمِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يَرَى بِهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ .
( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ إذَا قَيَّدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ قَبْل فَرَاغِهِ تَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا وَوَافَقَهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ وَنُظَرَائِهِ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيمَا ذُكِرَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْمَجْعُولِ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذْ الْخُرُوج عَنْ عُهْدَةِ الْحَلِفِ مُمْكِنٌ لِإِمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِالصِّفَةِ وَمَتَى كَانَتْ مُمْكِنَةً لَا يَسْتَنِد الْوُقُوعُ إلَى مَا قَبْل الْفِعْلِ لِإِمْكَانِهِ بَعْدَهُ بَلْ إلَى آخِرِ زَمَنٍ يَتَحَقَّقُ انْتِفَاؤُهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ وَلَا نِكَاحَ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْخُلْعِ وَفَرَّقَ بَيْن هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ الْآتِيَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فِيهَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُؤَاخَذُ فِيهِ بِالْحِنْثِ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ الِانْتِفَاعُ بِالْخُلْعِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ .
وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِإِفْتَاءِ التَّاجِ الْفَزَارِيِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُ أَخَاهُ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ وَلَا يُوَكِّلُ بِأَنَّ طَرِيقَهُ أَنْ يُخَالِعَ ثُمَّ لَا يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَعْنِي بِسَبَبِ يَمِينِ الْخُلْعِ لِلْبَيْنُونَةِ بِهِ وَأَيَّدَ السُّبْكِيّ ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْل الشَّيْخَيْنِ لَوْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ وَلَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ فَلَمْ يَمْضِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَوْلُهُمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تُفَّاحَتَانِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقُ وَلِأَمَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتَا تَخَلَّصَ بِخُلْعِهِمَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعِيدُهَا أَيْ وَلَوْ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَكْلِ وَبِبَيْعِ الْأَمَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَوَّبَهُ وَوَافَقَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا(15/93)
شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِالْخُلْعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَلْ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ بَانَ حِنْثُهُ قَبْل الْخُلْعِ وَبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحِنْثُ فِيمَا
لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَتَلَف فِي الْغَدِ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ أَكْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ أَنَّهَا تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْد تَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ تُصَلِّ أَوْ لَتَشْرَبْنَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَانْصَبَّ بَعْد إمْكَانِ شُرْبِهِ .
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمَسْأَلَتَيْ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يَتَّضِحُ بِمَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْن إنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَأَفْعَلَنَّ فَإِنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيقٌ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْآخَرِ فَإِذَا صَادَفَهَا الْآخَرُ بَائِنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي فَرْعَيْ الشَّيْخَيْنِ إذْ لَيْسَ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا كَنَظَائِرِهِمَا إلَّا جِهَةُ حِنْثٍ فَإِذَا فَعَلَ لَا يُقَالُ بَرَّ بَلْ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَأَمَّا لَأَفْعَلَنَّ كَمَا فِي صُورَتِنَا وَنَظَائِرِهَا فَالْفِعْلُ مَقْصُودٌ وَهُوَ إثْبَاتٌ جُزْئِيٌّ وَلَهُ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ فِعْلُهُ وَجِهَةُ حِنْثٍ بِالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ وَالْحِنْثُ هُنَا قَضِيَّةُ الْيَمِينِ وَتَفْوِيتُ الْبِرِّ فَإِذَا الْتَزَمَهُ وَفَوَّتَهُ بِخُلْعٍ مِنْ جِهَتِهِ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَعَلَيْهِ فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا بِمَا لَا إشْعَار لَهُ بِالزَّمَانِ مُطْلَقًا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَاثْنَتَانِ لَا يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ بِالْإِثْبَاتِ مُعَلَّقًا بِمَا يُشْعِرُ بِزَمَانٍ كَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَالْحَلِفِ بِلَأَفْعَلَنَّ
وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ قِيَاسُ هَذَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ بِإِنْ لَمْ آكُلْ فَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ بَعْد تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَحْنَثُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي نَظِيرِهِ الْحِنْثُ هُنَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي النَّظَائِرِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قُلْنَاهُ دُون الْمُخَالِفَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ لِمَا رَجَّحَهُ وَالتَّأْيِيدُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَأَنَّهُ مُهِمٌّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ يَنْفَعُهُ قَبْل مُضِيِّ الشَّهْرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ فَإِذَا فَعَلَهُ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ وَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ بَعْد الشَّهْرِ فَحَكَمَ لَهُ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِعَوْدِهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمْ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 9 / ص 170)
الْمُعَوَّلُ فِي التَّرْجِيحِ وَالتَّصْحِيحِ إنَّمَا هُوَ عَلَيْهِمَا بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا إلَّا مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَانْضَمَّ لِذَلِكَ أَيْضًا اعْتِمَادُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمُحَقِّقِيهِمْ لَهُ أَيْضًا كَمَا سَتَعْلَمُهُ فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اعْتِمَادِ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ مِنْ شُبْهَةٍ اللَّهُمَّ إلَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَحُبُّ الرِّشَا الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْعَوَامّ ، فَإِنَّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَعْتَمِدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَدَهُ لَفَاتَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ وَمَا عَلَيْهِ أَنَّهَا سُحْتٌ وَنَارٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَقَوْلُهُ عَنْ كِفَايَةِ الْقَاضِي النَّهَارِيِّ . وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ .(15/94)
إلَخْ مِمَّا يَتَعَقَّبُ النَّهَارِيُّ فِيهِ فَإِنَّهُ نَقَلَ أَنَّ الْإِلْقَاءَ يَنْفَعُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَدْ مَرَّ لَك بُطْلَانُهُ عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ ، الْجُمْهُورُ لَيْسُوا عَلَى صِحَّتِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّهَارِيُّ ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ الْإِلْقَاءَ يَنْفَعُ فِيهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْفَعُ الْإِلْقَاءُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ قَدْ صَحَّ فَلَمْ يَمْلِكْ حَلَّهُ وَلَقَدْ أَطَالَ الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَيَانِ الرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ فَانْظُرْهُ مِنْهُ إنْ شِئْت وَقَوْلُهُ : هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَنِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ مَنْظُورٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعْلِيقَاتِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِفْصَاحِ حَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ قَالَ تَصَفَّحْت كِتَابَ الطَّلَاقِ مِنْ الْإِفْصَاحِ فَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ مُضَافًا إلَى تَصْنِيفِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَلِكَ التَّصْنِيفِ قُلْت : ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا أَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ - وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعْلِيقَاتِ فِيهِ نَوْعُ تَبَرٍّ مِنْ تِلْكَ
النِّسْبَةِ - وَقَوْلَ الْمُهِمَّاتِ فِي نَقْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْثُورِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ الْمَنْثُورِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ نَفْسِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّا يُوَضِّحُ الرَّدَّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَنَاهِيكَ بِهِ وَبِكِتَابِهِ هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْكَرَ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَالَ : قَدْ أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً ظَاهِرًا وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ .
وَقَوْلُهُ : قَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ تَقَدَّمَ مَا يُبْطِلُ هَذَا وَيُفْسِدُهُ وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِذَلِكَ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ : إنَّ تَقْلِيدَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ هُنَا فُسُوقٌ .
وَقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ يَوَدُّ لَوْ مُحِيَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَوْلِ غَيْرِهِمَا إنَّهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّهُ يُشْبِهُ مَذْهَبَ النَّصَارَى .
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَتْ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا يَنْبَغِي بَلْ لَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَلَا الْحُكْمُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَقَوْلُهُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وُقُوعَ الْمُنَجَّزِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَرْهُ بَلْ رَجَّحَهُ كَالرَّافِعِيِّ ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اخْتَارَ وَرَجَّحَ لَكِنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُعَبِّرُ بِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ ، وَقَوْلُهُ : تَعْلِيلًا لِصِحَّةِ الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّ التَّضَادَّ حَاصِلٌ بَيْنَهُمَا .
إلَخْ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِفَسَادِ هَذَا الدَّوْرِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ أَفْسَدُوهُ بِأُمُورٍ طَوِيلَةٍ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهَا ، وَمِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْخَادِمِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ بَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ غَلَطٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ بُطْلَانُ هَذَا الدَّوْرِ ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَجَعَ فِيهِ إلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ .
وَحَاصِلُ ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ وَجَبَ إلْغَاؤُهُ ، وَلَفْظُ الدَّوْرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ فَيَجِبُ إلْغَاؤُهُ فَهَاتَانِ مُقَدِّمَتَانِ إذَا سُلِّمَتَا وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ بُطْلَانُ الدَّوْرِ .(15/95)
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَوَضَّحَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ لَا يَقَعُ الشِّرَاءُ عَنْ زَيْدٍ وَهَلْ يَقَعُ مِنْ الْمُشْتَرِي فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قِيلَ نَعَمْ ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ قَوْلُهُ لِزَيْدٍ فَيَخْتَصُّ الْإِلْغَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَالُ وَيَبْقَى قَوْلُهُ اشْتَرَيْت صَحِيحًا وَقِيلَ لَا بَلْ يُلْغَى جَمِيعُ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُؤَاخَذُ بِبَعْضِ كَلَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ إذْ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ شَرْحٌ لِأَوَّلِهِ فَقَدْ اتَّفَقَ الطَّرِيقَانِ عَلَى إلْغَاءِ الْمُحَالِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يُلْغَى مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ قِيلَ تَطْلُقُ إلْغَاءً لِلشَّرْطِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَالُ إذْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ لِلْمُحَالِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِصِفَةٍ مُتَعَذَّرَةٍ فَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُحَالَ بَاطِلٌ ، فَقَدْ حَصَلَ الْبُرْهَانُ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانُ الْمُقْدِمَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّوْرَ اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا مَوْصُوفَةً بِقَبْلِيَّةٍ رَابِعَةٍ مُحَالٌ ، وَإِذَا كَانَ مُحَالًا فَإِمَّا أَنْ يُلْغَى أَصْلُ كَلَامِهِ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ ، وَإِمَّا أَنْ يُلْغَى الْقَدْرُ الْمُحَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ ، وَقَدْ قَالَ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ
قَائِلُونَ كَمَا مَرَّ فَعُلِمَ أَنَّ الدَّوْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ قَطْعًا وَأَنَّ فِي ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ الدَّوْرَ اللَّفْظِيَّ وَيَمْنَعُ حَسْمَ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِحَالَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ إذْ هُوَ جَزَاءٌ وَلَهُ شَرْطٌ وَهُوَ الزَّمَانُ الْمَوْصُوفُ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الطَّلَاقِ مَعْقُولٌ إذْ لَا مَانِعَ لِلطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَإِذَا أُوقِعَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَانُ الْمَوْصُوفُ بِقَبْلِيَّةِ الطَّلَاقِ مَوْجُودًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ وَهُوَ مَعْنَى الدَّوْرِ فَالْجَوَابُ أَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الشَّرْطَ مُفْرَدًا ، أَوْ أَخَذَ الطَّلَاقَ مُفْرَدًا عَنْ الشَّرْطِ يَسْتَحِيلُ وَلَكِنْ إذَا أَخَذَ الْمَجْمُوعَ اسْتَحَالَ ، وَالتَّعْلِيقُ اشْتَمَلَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لِلْمُحَالِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِبْطَالُ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ طَلَاقٌ وَلَكِنْ عَلَّقَ إيقَاعَهُ بِزَمَانٍ مَوْصُوفٍ بِقَبْلِيَّةِ طَلَاقٍ آخَرَ إذْ لَوْ وَقَعَ غَيْرَ مَوْصُوفٍ بِهَذَا الْوَصْفِ غَيْرُ مَا عَلَّقَهُ وَوَصَفَهُ فَإِنْ وَقَعَ مَوْصُوفًا بِهَذَا الْوَصْفِ كَانَ مُحَالًا فَقَدْ قَصَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ إيقَاعَ مَا هُوَ مُحَالٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ وَأَوْقَعَهُ فَوَجَبَ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُنْحَلُّ بِالْإِيقَاعِ وَهُوَ لَفْظُ الْقَبْلِ .
ا هـ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْبَيَانِ .
وَالظَّاهِرُ حَقِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِرُجُوعِ الْغَزَالِيِّ عَمَّا كَانَ مُعْتَمِدَهُ مِنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ فَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى غَيْرِ الْغَزَالِيِّ بِالْأَوْلَى وَالْأَحْرَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ . وَقَدْ حَكَى التَّاجُ السُّبْكِيّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ وَعَلَيْهِ مَاتَ وَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَمِنْ الْمُعَلَّقِ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا كَانَ صَنَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي نُصْرَةِ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَهُمَا تَصْنِيفَانِ سَمَّى أَحَدَهُمَا قِطْفَ النَّوْرِ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ وَسَمَّى الثَّانِيَ الْغَوْرَ فِي الدَّوْرِ .
ا هـ .
فَوَافَقَ مَا وَقَعَ لَهُ مَا مَرَّ عَنْ الْغَزَالِيِّ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَقَدْ سَاقَهُ بِرُمَّتِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ فَمَنْ أَرَادَ الْإِحَاطَةَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْفَوَائِدِ فَعَلَيْهِ بِهِ(15/96)
فِي مَظِنَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا : إنَّ قَوْلَهُ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا مُتَنَاقِضٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي صِفَةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ حَتَّى يَظْهَرَ فَسَادُهَا كَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ، أَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ شَرْطٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ جَزَاءٌ ، وَالْجَزَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قُدِّمَ عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلًا فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ جَاءَنِي أَكْرَمْته قَبْلَ أَنْ يَجِيئَنِي ، أَوْ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشْرٌ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَذَانِ بَاطِلَانِ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ خَطَأٌ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ فِي الزَّمَانِ قَبْلَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ كَمَا لَوْ قَالَ
طَلَّقْتُك أَمْسِ يُرِيدُ الْإِنْشَاءَ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ أَسْئِلَةً وَأَجَابَ عَنْهَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُك لَا خِلَافَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَقَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَالْجَزَاءُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ هُنَا الطَّلَاقُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ فَلَوْ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ الْجَزَاءَ احْتَجْنَا أَنْ نُبْطِلَ مَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ وُقُوعُهُ لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ ، فَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بَعْدَ وُجُودِ صِفَتِهِ وَقَدْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَدَّ ، وَيُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ ، قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَقْبَلُ الرَّدَّ وَإِلَّا بَطَلَ عِنْدَكُمْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ عَنْ النَّهَارِيِّ ، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِالْخُلْعِ ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ أَحْكَامٍ ثَابِتَةٍ بَعْضُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبَعْضُهَا بِنَصِّ السُّنَّةِ وَبَعْضُهَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فَمَتَى قَالَ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا : مَتَى اسْتَقَرَّ صَدَاقُكِ عَلَيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ وَمَضَتْ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ خَالَفْتُمْ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ قُلْتُمْ يَسْتَقِرُّ طَلُقَتْ
قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَتُشُطِّرَ الصَّدَاقُ وَإِذَا تُشُطِّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَإِذَا لَمْ تَطْلُقْ بَقِيَ يَطَؤُهَا مُدَّةً وَلَا يَسْتَقِرُّ صَدَاقُهَا وَمِنْهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالتَّمْكِينِ فَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ إذَا ثَبَتَ لَك النَّفَقَةُ عَلَيَّ وَطَالَبْتِنِي بِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ ، ثُمَّ مَكَّنَتْهُ فَوَطِئَهَا إنْ قَالُوا : لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فَقَدْ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ وَإِنْ قَالُوا : تَسْتَحِقُّهَا وَلَا تُطَالِبُ بِهَا فَمُحَالٌ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهَا بِلَا تَأْجِيلٍ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَالْمَنْعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ قَالُوا تَسْتَحِقُّهَا وَتُطَالِبُ بِهَا فَإِذَا طَالَبَتْهُ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ فَلَا تَثْبُتُ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهَا لَمْ تَمْلِكْ الْمُطَالَبَةَ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَلَزِمَ بَقَاؤُهَا مَعَهُ فِي طَاعَتِهِ مُدَّةً مِنْ غَيْرِ نَفَقَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ وَمِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَلَوْ قَالَ لِإِحْدَاهَا مَتَى ثَبَتَ حَقُّ الْقَسْمِ فَطَالَبْتِنِي بِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ ثُمَّ بَاتَ عِنْدَ الْأُخْرَى فَإِنْ قَالُوا : إنَّ تِلْكَ لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ فَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالُوا : تَسْتَحِقُّهُ وَلَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ فَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ قَالُوا : تَسْتَحِقُّ(15/97)
وَتُطَالِبُهُ فَإِذَا طَالَبَتْ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ وَإِذَا طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْقَسْمَ وَلَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَتَبْقَى الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا مُدَّةً يَبِيتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرٍ مِنْهَا وَسَاقَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا كَثِيرَةً أَلْزَمَهُمْ مُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا مِنْ جِهَتِهِمْ وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ طُولٌ ثُمَّ أَوْرَدَ لَهُمْ أَيْضًا مَا أَدَّى ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ كَانَ سَاقِطًا مِنْ أَصْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي دَوْرِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَلَكِنْ إنَّمَا يُؤَدِّي قَوْلُهُ : إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَوْ صَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ فَيَقْتَضِي وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ وُقُوعَ الْمُعَلَّقِ قَبْلَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِذَلِكَ بَلْ الَّذِي نَقُولُهُ : إنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَنْعَقِدُ مِنْ أَصْلِهَا فَيَقَعُ الْمُنَجَّزِ وَلَا يُؤَدِّي ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ أَسْئِلَةً وَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا فِيهِ ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ سَبَبَهَا وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ وَالْمُنَجَّزَ مِلْكًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ اجْتَمَعَا هَهُنَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ لِلْآخَرِ فَتَعَارَضَا وَتَسَاقَطَا كَمَا
لَوْ نَكَحَ أُخْتَيْنِ مَعًا وَكَمَا إذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ ثُمَّ رَدَّ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ وَهُوَ انْعِقَادُ هَذِهِ الصِّيغَة وَأَمَّا عِنْدَنَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُنَا إلَّا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ وَهَذِهِ نُبَذٌ مِمَّا ذَكَرَهُ وَأَطَالَ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ - وَلَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ : هَذِهِ جُمْلَةٌ كَافِيَةٌ لِمَنْ تَحَقَّقَ وَتَأَمَّلَ فِيهَا حَقِّيَّةَ التَّأَمُّلِ وَقَاطِعَةٌ لِلْعُذْرِ فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَنْ أَنْصَفَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
ا هـ .
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَوْلُهُ وَقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا الزَّرْكَشِيُّ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ فِي قَوَاعِدِهِ وَذَكَرَ فِيهَا كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَكَلَامَ غَيْرِهِ هَذَا لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا فَذَكَرَ حَشْوًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ إلَّا إيهَامَ السَّامِعِينَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ قَائِلٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ : وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ الْفَتَى عَلَى النَّوَوِيِّ .
إلَخْ يُقَالُ لَهُ الْفَتَى تَابِعٌ لِلْإِسْنَوِيِّ وَقَدْ مَرَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ دَلِيلٍ وَأَوْضَحِهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَتَى دُونَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ بِذَلِكَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُصُورِ وَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ هُوَ وَشَيْخُهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ إلَّا عَلَى كَلَامِ جَمْعٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَلَّدَاهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَهُمْ بِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ وَالتَّنَاقُضَاتِ وَالتَّحْقِيقِ الظَّاهِرِ وَالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ لِكُلِّ مُكَابِرٍ كَمَا بَيَّنْت لَك جَمِيعَ ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ ، وَقَوْلُهُ : وَإِنَّمَا بَيَّنْت هَذِهِ الْمَقَالَاتِ لِتَعْرِفَ الْأَحْكَامَ وَالْمُخَالَفَاتِ يُقَالُ عَلَيْهِ : لَسْت أَهْلًا لِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِك فِي هَذَا الْجَوَابِ تَدُلُّ عَلَى جَهْلِك الْمُفْرِطِ وَغَبَاوَتِك الظَّاهِرَةِ وَإِنَّك حَقِيقٌ بِأَنْ تُؤَدَّبَ عَلَى تَصَدِّيك لِمَا لَسْت أَهْلًا لَهُ وَلَيْتَكَ تَأَسَّيْت بِمَا ذَكَرْته عَنْ صَاحِبِ الْمِفْتَاح مِنْ عَدَمِ تَعْلِيمِ الْعَوَامّ وَعَدَمِ الْحُضُورِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ أَحَدًا إذَا أَدْخَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَمَرْتهمْ بِالرَّدِّ إلَى غَيْرِك لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبَ لَك الدُّخُولَ مَعَهُمْ وَتَعْلِيمَهُمْ وَأَمْرَهُمْ بِرَدِّ نِسَائِهِمْ بَعْدَ حِنْثِهِمْ فِيهِنَّ حُبُّ الْأَمْوَالِ السُّحْتِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، أَوْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَالشُّهْرَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَوْلُهُ : إنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ وَعُلَمَاءَهُمْ صَحَّحُوهَا وَأَفْتَوْا بِهَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مُنْقَسِمُونَ إلَى قِسْمَيْنِ :(15/98)
فَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِهِ فَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ الْجَلِيلُ قَمَرُ تِهَامَةَ وَقُطْبُهَا إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا مُخْتَصَرًا قَالَ فِيهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا حَاصِلُهُ : الْمُفْتُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ قِسْمَانِ : قِسْمٌ حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِهِ تَقْلِيدُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَلَوْ طُولِبَ هَؤُلَاءِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالدَّوْرِ طَلَاقُهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا ذَلِكَ بَلْ يَرَوْنَ أَنَّ كَلَامَ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ كَافٍ فِي الْحُجَّةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا ضَعْفُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ كَثِيرٌ وَجَوَابُ هَؤُلَاءِ أَنْ يُقَالَ : قَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ إلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَمِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الشَّامِلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ قَدْ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً كَبِيرًا .
وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْكِتَابِ الْجَلِيلِ التَّهْذِيبِ قَالَ : الصَّحِيحُ وُقُوعُهُ .
وَكَذَلِكَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي قَطَعَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَهُ وَهَذَا الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ لَهُ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَاتُ الْجَلِيلَةُ : كِتَابُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْخِلَافِ لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ وَكِتَابُ الْكَامِلِ فِي الْمَذْهَبِ بَحْرٌ غَزِيرٌ ، وَلَهُ كِتَابُ الْكَافِي فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
وَكَذَلِكَ الْفَتْوَى لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ : الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ رَجَعَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ قَالَ : وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ .
فَهَذَا جَوَابُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُتُبِ بِالْكُتُبِ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهَمَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ فِي فُتْيَاهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَزِمَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَإِذَا وَقَعَتْ لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ فَجَوَابُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ : إذَا وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ لَا يَصِحُّ بِحَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا بِوَاحِدَةٍ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعًا فَهَذَا التَّعْلِيقُ مُحَالٌ فَلَا يَصِحُّ بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلِّقَ بِالطَّلْقَةِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ فَإِذَا عَلَّقَ بِهَا ثَلَاثًا قُلْنَا : إمَّا أَنْ يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ كُلُّهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا الْمُنَجَّزَةُ ، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَقْيَسُ إذَا تَمَّ هَذَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي رُجُوعِهِ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ إلَى بُطْلَانِهِ وَقَدْ ذَهَبَ لِذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا فَقَالَ : مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً ظَاهِرًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ تَقَدَّمَ
الْمَشْرُوطُ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَالشَّرْطُ هَهُنَا هُوَ الْوَاحِدَةُ وَالْمَشْرُوطُ الثَّلَاثُ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الشَّرْطِ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 9 / ص 268)
وَإِذَا قَالَ : إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي فِي نِكَاحِهِ فَدَخَلَ الدَّارَ حَتَّى وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى فُلَانَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ طَلَقَتْ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ : إنْ فَعَلْت كَذَا مَا لَمْ أَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ . إذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَا وَصْفَيْنِ بِأَنْ(15/99)
قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ وَدَارَ عَمْرٍو أَوْ قَالَ لَهَا : إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو وَأَبَا يُوسُفَ فَأَنْت طَالِقٌ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُمَا فِي الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وَجَدَ أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ وَهِيَ مُبَانَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَوَجَدَ الشَّرْطَ الْآخَرَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَطْلُقُ وَتَنْقَسِمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَقْلًا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : إمَّا أَنْ يُوجَدَ الشَّرْطَانِ فِي الْمِلْكِ فَيَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ يُوجَدَ الْأَوَّلُ فِي الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَلَا يَقَعُ أَوْ يُوجَدَ الْأَوَّلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي فِي الْمِلْكِ وَهِيَ الْخِلَافِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا
فِي التَّبْيِينِ .
ـــــــــــــــــــ
دروس وفتاوى الحرم المدني - (ج 1 / ص 155)
حكم وقوع الطلاق المعلق بشرط
ــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] أنا رجلٌ قلت لزوجتي: لا تذهبي إلى ذلك البيت، فذهبت، فقلت: والله إن ذهبت أنت طالق، فهل يتم هذا الطلاق إذا ذهبت؟
الجواب: أما على المذاهب الأربعة؛ مذهب الشافعي ، و مالك ، و أبي حنيفة ، و أحمد فإن الزوجة تطلق حتى ولو أراد اليمين فإن الزوجة تطلق؛ لأن هذا طلاقٌ معلق على شرط، فإذا وجد الشرط وقع المشروط. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إن أراد الطلاق طلقت، وإن أراد تأكيد المنع وتهديد المرأة فإنها لا تطلق لكن عليه كفارة يمين. وما اختاره الشيخ رحمه الله فهو الصواب إن شاء الله، لكن مع ذلك ننصح جميع إخواننا المسلمين أن يبتعدوا عن هذا القول، لأنكم كما ترون الآن أكثر الأمة، وجميع الأئمة يرون أن الطلاق يقع، ويكون جماع هذا الرجل لزوجته جماعاً محرماً؛ لأنها طالق ما لم ينو الرجعة إذا كان له رجوع، فالمسألة خطيرة وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت).
ـــــــــــــــــــ
فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت - (ج 5 / ص 72)
يمين الطلاق المعلق لا يستطيع الحالف إلغاءه
[1463] حضر إلى اللجنة السيد/ محمود، وقدم الاستفتاء الآتي:
... بعد عقد زواجي على زوجتي وقبل الدخول بها كانت مع والد زوجتي ووجدت من الأنسب الاقتصار والبعد عنه، وحتى لا تنعكس هذه المشاكل على حياتي مع زوجتي.
... حتى أمنع نفسي من دخول منزل والد زوجتي حلفت بالصيغة التالية: لو أدخل بيت حماي تكون زوجتي طالقاً، ولم أقصد بذلك إيقاع الطلاق من قريب أو بعيد لكن كان قصدي أن أضع لنفسي زاجراً لدخول بيته حتى لا تحدث مشاكل.(15/100)
... وقد دخلت بزوجتي ورزقت منها بأطفال، ومن تاريخ حلفي لليمين حتى الآن لم أدخل بيت والد الزوجة، والآن لم يعد لي معه أي مشاكل، وأصبحت لا أخشى انعكاس أي مشاكل على زواجي وأرغب في دخول المنزل المحلوف عليه.
... فهل إذا دخلت منزله تكون زوجتي طالقاً، وبالتالي هل ما صدر مني يعتبر يمينا بالطلاق، يرجى إفتائي أفادكم الله.
... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
... وسألته اللجنة ما يلي:
... ــ كم مرة نطقت على زوجتك بالطلاق؟ قال: هذه هي المرة الأولى.
... ــ وسألته اللجنة عن ظروف الحلف فقرر ما كتبه في طلب الاستفتاء وقال كنت أقصد منع نفسي من دخول بيت حماي ولم أقصد طلاق
كتاب العبادات/ باب الحج والعمرة زوجتي إذا دخلت.
* ... أجابت اللجنة بما يلي:
بأن ما صدر من المستفتي هو يمين معلق فإذا دخل بيت والد زوجته حنث فعليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وتبقى معه زوجته على ثلاث طلقات.والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق/الطلاق المعلق لا يستطيع الزوج إلغاءه
[1590] ... حضر إلى اللجنة السيد/ راشد، وقدم الاستفتاء الآتي:
... أنا متزوج منذ شهرين ومنذ يومين حصل خلاف بيني وبين زوجتي بسبب السفر، فقد ... كانت تريد السفر وأنا غير موافق قلت لها تحرمين علي إذا سافرت وكانت نيتي أطلقها ... لو سافرت وهي الآن تريد أن تسافر ,وأنا غيرت رأيي إذ أنني موافق على سفرها، فما ... الحكم؟ وجزاكم الله خيراً.
... ـ وسألته اللجنة ما يلي:
... ـ كم مرة نطقت على زوجتك بالطلاق؟ قال: هذه هي المرة الأولى.
... ـ ماظروف هذه الطلقة؟ قال: حصلت منذ يومين فقد كانت زوجتي تريد أن تسافر وأنا ... غير موافق فحصل خلاف بيني وبينها بسبب ذلك فقلت لها: تحرمين علي إذا سافرت ... وكانت نيتي طلاقها لو سافرت، ولم أقصد تهديدها وهي لم تسافر حتى الآن،فما الحكم لو ... سافرت؟ وأنا موافق على سفرها.
* ... أجابت اللجنة بما يلي:
... بأنها لوسافرت وقعت طلقة أولى رجعية وله الحق أن يراجعها مادامت في العدة وترجع ... إليه بطلقتين أما إذا لم تسافر فلا شيء عليهما. واللّه أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق/ بعد الطلاق يتوجب الوفاء بحق الزوجة والأولاد
[1882] حضر إلى اللجنة السيد/ عبدالقادر ــ ومعه زوجته السيدة/ زينب ــ وقدم الاستفتاء التالي:
استفتي من اللجنة الموقرة، أنني طلقت زوجتي بطلقة واحدة في سنة 1981م ثم استرجعتها في العدة ثم طلقتها مرة ثانية في شهر فبراير 1989م بطلقة أخرى ثم(15/101)
طلقتها طلاقاً معلقاً، قلت فيه: إن ذهبت إلى البيت الفلاني فأنت طالق، فهل يقع هذا الطلاق المعلق، مع العلم بأنها ذهبت إلى البيت متحدية كلامي. أفيدوني دام فضلكم وشكراً..
* ... وسألت اللجنة الزوج ما يلي:
... كم مرة نطقت بالطلاق؟ قال: ثلاث مرات.
... ما ظروف الطلقة الأولى؟ قال: كانت زوجتي في بلدي وأنا في الكويت وكنت أحاول إحضارها إلى الكويت وهي تصر علي في ذلك وبعد ذلك بعثت لي رسالة تقول فيها: إذا لم تبعث لي الفيزا طلقني، فبعث لها رسالة قلت لها فيها: أنت طالق، وبعد ثلاثة أيام اتصلت بها وقلت لها: أنا رجعتك وقد حصل الطلاق قبل أن أدخل بها ولكني اختليت بها عدة مرات.
... ما ظروف الطلقة الثانية؟ قال: حصلت ونحن في الكويت فقد طلبت منها أن تسافر إلى البلد فرفضت فقلت لها: أنت طالق، ثم راجعتها في نفس اليوم بعد أن وافقت على السفر.
... ما ظروف الطلقة الثالثة؟ قال: الحاصل أنني تزوجت من امرأة أخرى وكانت زوجتي الأولى تذهب إلى بيت أهل زوجتي الثانية وتعمل معهم مشاكل، فطلب مني والد زوجتي الثانية أن أمنع زوجتي الأولى من دخول بيته فقلت لها: إذا رحت بيت فلان ـ أقصد والد زوجتي الثانية ــ فأنت طالق بالثلاثة وثاني يوم قلت لها: إذا رحت بيت فلان أنت طالق لكي أذكرها بالحلف ولكنها خالفتني ودخلت بيت والد زوجتي الثانية فقلت لها بعد أن دخلت: أنت الآن مطلقة لأنني كنت أقصد من الحلف طلاقها إذا دخلت بيت والد زوجتي الثانية.
* ... أجابت اللجنة بما يلي:
بأن الزوجة بانت من زوجها بينونة كبرى لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً صحيحاً لا يقصد به التحليل فإن طلقها الثاني أو مات عنها وانقضت عدتها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، وأن عليه أن يوفي لها حقها وحقوق أولادها ويوفر لهم الرعاية. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق/الطلاق المعلق لم يقع لأنها أطاعته فلم تخرج
[1892] حضر إلى اللجنة السيد/ سيد، وقدم الاستفتاء الآتي:
... أنا متزوج سنة 1984م0 ومنذ سنة ونصف كنت في بلدي، وقد حصل خلاف بيني وبين زوجتي، فقالت لي: بأنها سوف تخرج من البيت وتذهب إلى بيت أهلها فقلت لها: والله لو مشيت من البيت تحرمين عليّ زيّ أمي وأختي، وكنت أقصد منعها من الخروج من البيت في اليوم الذي حصل فيه الحلف فقط، وهي لم تخرج من البيت في اليوم الذي حصل فيه الحلف، وقد استمرت المعاشرة الزوجية بيننا بعد الحلف لمدة أربعة أشهر وبعد ذلك ذهبت إلى بيت أهلها وعادت من بيت أهلها واستمرت المعاشرة الزوجية بيننا، أرجو إفتائي ولكم الشكر.
... ـ واستفسرت اللجنة المستفتي فقرر ما كتب في طلب الاستفتاء، وأفاد بأن هذه هي المرة الأولى، ولم يسبق له أن تلفظ بالطلاق قبلها.(15/102)
* ... أجابت اللجنة بما يلي:
... بأنه لم يقع من المستفتي شيء لأنه طلاق معلق على خروجها إلى بيت أهلها في نفس اليوم وهي التزمت بعدم الخروج. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
... 2ـ طلاق الغاضب: في يوم الثلاثاء الموافق 13/8/1991م، حدث خلاف بيني وبين زوجتي تشاجرنا باللسان وبالأيدي، ثم خرجت من المنزل وخرجت أبحث عنها ثم ذهبت لمنزل والدتي وفي المساء قررت السفر خارج الكويت إلى أختي بالبحرين حيث ستدخل المستشفى لإجراء عملية ومررت على منزلي للسلام على الأولاد وإبلاغ زوجتي بسفري، وعند دخولي غرفة النوم أبلغتها بأني مسافر فأجابت بصراخ، وكان التلفون بيدها أغلقته عند دخولي الغرفة ثم طردتني من غرفة نومي حاولت فتح الباب وهي تدفعه للإغلاق بوجهي، أثناء ذلك كان كل واحد يصارخ علىالثاني فاشتد بي الغضب، وقلت لها: أنت طالقة، وخرجت من المنزل ولم أكن أقصد أن أطلقها ولم يكن في نيتي أن أطلقها لأني كنت ماراً لأسلم قبل سفري، يرجى بيان حالة الطلاق علماً بأني مريض بالأعصاب. وبسرعة الغضب ولدي ما يثبت ذلك.
... وقد مضى على زواجنا 19 سنة ولدينا خمسة أولاد.
... ـ ... واستفسرت اللجنة من الزوج فأفاد بأنه متزوج منذ 19 سنة ونطق على زوجته بالطلاق أكثر من ثلاث مرات. ففي المرة الأولى: لا يذكر ظروف الطلاق فقد قالت له زوجته طلقني فقال لها: طالق ثم راجعها بعد الطلاق مباشرة وسأل أحد المشايخ فأفتاه بأنها أول طلقة ويمكن مراجعتها، وقد حصلت منذ 13 أو 14 سنة تقريباً.
... والمرة الثانية: حصلت منذ سبع سنوات تقريباً فقد طلبت منه الطلاق على سبيل المزاح فقال لها مازحاً: طالق، وقد حصل ذلك أمام أولاده، ثم راجعها بعد أن سأل أحد المشايخ وأفتاه بمراجعتها. والمرة الثالثة: حصلت أثناء الغزو وكانوا حينئذٍ في الإمارات فقد حصل خلاف شديد بينه وبين زوجته، وأثارته بأنها على علاقة مع رجل آخر، وأنها دائماً تتكلم معه بالتلفون، وأنها تفعل ذلك لكي يطلقها فقال لها: أنت طالق، وهو في حالة غضب شديد فسأل أحد المشايخ في الإمارات، وأفتاه بأن طلاق الغاضب لا يقع، والمرة الرابعة حصلت يوم الثلاثاء الموافق 13/8/1991م، وقرر ما كتبه في الاستفتاء وأفاد بأنه أخبر إخوانه بأنه طلقها وفي إحدى المرات قال لها: إذا رحت بيت أهلك فأنت طالق فخالفته وذهبت إلى بيت أهلها. ثم سأل أحد المشايخ فأفتاه بأن الطلاق المعلق لا يقع. وفي إحدى المرات ذهب إلى بيت والدته على أثر خلاف بينه وبين زوجته وقال لها: إذا لم تحضري إلى بيت والدتي خلال ثلاثة أيام لمصالحتي فأنت طالق، وقد حضرت في اليوم الثالث.
ـ ... واستدعت اللجنة الزوجة واستفسرت منها فأفادت بأن زوجها نطق عليها بالطلاق أكثر من ثلاث مرات والمرة الأولى منذ 13 أو 14 سنة فقد حصل خلاف بسيط بينها وبين زوجها فقال لها: أنت طالق ثم راجعها بعد حصول الطلاق مباشرة بحضور أخيها. والمرة الثانية حصلت منذ ست سنوات تقريباً. فقد طلبت منه(15/103)
الطلاق، فقال لها أمام أولادها: أنت طالق، ولم يكن مازحاً بل كان جاداً،. ثم سأل أحد المشايخ فأفتاه بمراجعتها وراجعها، والمرة الثالثة حصلت في الإمارات أثناء الغزو، فقد حصل خلاف شديد بينها وبين زوجها فقال لها: أنت طالق، ... ونفت أنها على علاقة مع رجل آخر وأنها تكلمه بالتلفون كما ذكر الزوج، وأفادت بأنه تركها مع أولادها بعد حصول الطلاق الثالث وسافر إلى أهله في الخارج لمدة ثلاثة أشهر دون أن يراجعها، وقد جاءتها الدورة ثلاث مرات خلال هذه المدة وأكدت بأنه لم يراجعها ولم يخبرها بأنه راجعها خلال هذه المدة، وفي إحدى المرات قال لها: إذا لم تحضري إلى بيت أهلي خلال ثلاثة أيام فأنت طالق، وقد حضرت في اليوم الثالث، وفي إحدى المرات قال لها: إذا لم تعالجي في المستشفى وتأخذي حبوباً فأنت طالق فذهبت إلى المستشفى وأخذت العلاج، وفي إحدى المرات قال لها: إذا ذهبت بيت أهلك فأنت طالق فخالفته وذهبت إلى بيت أهلها. وفي المرة الأخيرة قال لها: أنت طالق، ثم أخبر أولاده وقال لهم: أنا طلقت أمكم.
... * ... أجابت اللجنة بما يلي :
... بأن الزوجة بانت من زوجها بينونة كبرى بثلاث طلقات متفرقات لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً صحيحاً فإن طلقها الثاني أو مات عنها وانقضت عدتها جاز لها أن ترجع إلى الأول بعقد جديد. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق/الطلاق المعلق على شيء يقع بفعله إذا نواه
... [2216] ... حضر إلى اللجنة السيد/ نبيل، وقدم الاستفتاء الآتي:
... اتهمني أخي بأنني قلت بعض الكلام إلى والد زوجته ولكنني نفيت هذا الكلام، فقلت له: تعال نذهب إليه وواجهني به لكي أثبت لك عدم صحة هذا الكلام ونقتل الفتنة في مهدها، ولكنه أصر على أن والد زوجته صادق وأنا كاذب وعلى ذلك حلفت يميناً، وقلت، عليّ الطلاق بالثلاثة كل ما زوجتي تحل تحرم بأنني لا أعاشره في غربة (أي أسكن معه في غرفة واحدة) أو آكل معه في طبق واحد.. رجاء إفادتي عن هذا اليمين حيث حضر أخي إلى الكويت ويسكن في غرفة بجواري وأنا أتعذب لوجوده في عيشة وأنا في عيشة أخرى..ولكم الشكر.
واستفسرت اللجنة من المستفتي فقرر ما كتب في طلب الاستفتاء وأفاد بأنه قصد من الحلف الطلاق.
... * ... أجابت اللجنة بما يلي : :
... بأن هذا يعتبر طلاقاً معلقاً حيث قصد الطلاق إذا سكن مع أخيه في غرفة واحدة أو أكلا معاً في إناء واحد فإن وقع المعلق عليه وقع الطلاق. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 9 / ص 221)
حكم الرجوع عن الطلاق المعلق
يقول السائل: قلت لزوجتي إن ذهبت إلى بيت أخيك فأنت طالق ولكنني تراجعت عن ذلك وأود أن آذن لها بالذهاب إلى بيت أخيها فما حكم ذلك؟(15/104)
الجواب: الواجب على الزوج أن لا يستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات لأن الطلاق شُرع كآخر حل إن استعصت الحلول الأخرى للمشكلات الزوجية. وما صدر عن السائل يعرف عند أهل العلم بالطلاق المعلق أي أنه علق طلاقها على شرط وهو ذهابها إلى بيت أخيها والطلاق المعلق يقع عند جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة إن تحقق الشرط المعلق عليه وهو هنا ذهابها إلى بيت أخيها بغض النظر عن قصد الزوج بهذا اللفظ هل قصد منعها من الذهاب أم قصد طلاقها فعلاً إن ذهبت.
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا بالرأي الذي يرى أن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إن كان قصد المطلق هو الحث على فعل أمر ما أو المنع منه وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وجماعة من أهل العلم واعتبروه يميناً فيه كفارة يمين في حالة حصول الشرط. فقد ورد في المادة رقم 89 من قانون الأحوال الشخصية الأردني ما نصه (لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه) وغير المنجز هو المعلق وقوعه على وقوع شيء. انظر شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني للدكتور عمر الأشقر ص 203-204.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ من الصيغ : أن يعلق الطلاق أو العتاق أو النذر بشرط فيقول : إن كان كذا فعلى الطلاق، أو الحج . أو فعبيدي أحرار، ونحو ذلك، فهذا ينظر إلى مقصوده، فإن كان مقصوده أن يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور ـ كمن ليس غرضه وقوع الطلاق إذا وقع الشرط ـ فحكمه حكم الحالف؛ وهو من [ باب اليمين ] . وأما إن كان مقصوده وقوع هذه الأمور، كمن غرضه وقوع الطلاق عند وقوع الشرط، مثل أن يقول لامرأته : إن أبرأتني من طلاقك فأنت طالق . فتبرئه، أو يكون غرضه أنها إذا فعلت فاحشة أن يطلقها، فيقول : إذا فعلت كذا فأنت طالق، بخلاف من كان غرضه أن يحلف عليها ليمنعها، ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها، فإنها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشرط، فيكون حالفا . وتارة يكون الشرط المكروه أكرم إليه من طلاقها؛ فيكون موقعا للطلاق إذا وجد ذلك الشرط، فهذا يقع به الطلاق، وكذلك إن قال : إن شفي الله مريضي فعلى صوم شهر، فشفي، فإنه يلزمه الصوم . فالأصل في هذا : أن ينظر إلى مراد المتكلم ومقصوده فإن كان غرضه أن تقع هذه الأمور وقعت منجزة أو معلقة إذا قصد وقوعها عند وقوع الشرط . وإن كان مقصوده أن يحلف بها، وهو يكره وقوعها إذا حنث وإن وقع الشرط فهذا حالف بها، لا موقع لها، فيكون قوله من باب اليمين، لا من باب التطليق والنذر، فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقوله : إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نصراني، ونسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وعلى المشي إلى بيت الله فهذا ونحوه يمين، بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق ومعلق فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم وإن وجد الشرط الملزوم، كما إذا قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، فإن هذا يكره الكفر، ولو وقع الشرط، فهذا حالف .(15/105)
والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم، سواء كان الشرط مراداً له، أو
مكروهاً أو غير مراد له، فهذا موقع ليس بحالف . وكلاهما ملتزم معلق، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم . ِ] مجموع الفتاوى 33/59-60. وانظر كلام العلامة ابن القيم في المسألة في إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/97.
وما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في التفريق في الطلاق المعلق بين ما كان قصد المطلق فيه مجرد الحمل على فعل أو المنع منه وبين حصول الطلاق عند وقوع الشرط إذا كان الطلاق هو المقصود هو القوال الراجح في هذه المسألة وخاصة أن المسألة مسألة اجتهادية لم يرد فيها نصوص صريحة لا من الكتاب ولا من السنة ومما يؤيد ذلك ما يلي:[الأول إنه لم يقصد الطلاق وإنما قصد الحث أو المنع مثلاً، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى). الثاني: الطلاق المعلق لقصد المنع أو الحث يسمى يميناً في اللغة وفي عرف الفقهاء ولذا دخل في أيمان البيعة، وفي عموم اليمين في حديث الاستثناء في اليمين وفي عموم اليمين في حديث التحذير من اقتطاع مال امرىء مسلم بيمين فاجرة وفي عموم الإيلاء، وفي عموم حديث (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) وفي عموم حديث (وإياكم والحلف في البيع) كما ذكر ذلك العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين، وإذا كان يميناً دخل في عموم قوله تعالى: { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وقوله تعالى: { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ... } الآية فتجب فيها الكفارة... وما ورد من الآثار عن الصحابة من الفتوى بوقوع الطلاق المعلق عند حصول المعلق عليه فإنه إما غير صحيح نقلاً وإما صحيح معارض بمثله وإما صحيح لكنه فيما قصد به إيقاع الطلاق لا الحث على الفعل
أو المنع منه فهو في غير محل النزاع فلا يكون فيه حجة على ما نحن بصدده والصواب التفصيل...] أبحاث هيئة كبار العلماء 2/390- 392.
إذا تقرر هذا فأقول للسائل حيث إن زوجتك لم تذهب إلى بيت أخيها فلا يلزمك شيء ولكن الإشكال في تراجعك عن هذا الطلاق المعلق فإن كنت تقصد مجرد منعها من الذهاب فقط ولم تقصد طلاقها فهذا فيه كفارة يمين كما هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وما أخذ به قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا وأما إن كنت تقصد طلاقها فعلاً إن ذهبت إلى بيت أخيها فهذا فيه إشكال كبير فعند جمهور أهل العلم لا يصح الرجوع عن الطلاق المعلق على شرط وبهذا أخذ قانون الأحوال الشخصية المطبق في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد ورد في المادة رقم 96 [تعليق الطلاق بالشرط صحيح وكذا إضافته إلى المستقبل ورجوع الزوج عن الطلاق المعلق والمضاف لزمان مستقبل غير مقبول] وأعتقد أن هذه المادة من القانون المذكور تحتاج إلى إعادة نظر حيث إنها تمنع المطلق من الرجوع عما علق عليه الطلاق فقد يكون ذلك الطلاق المعلق قد صدر عنه في وقت كانت علاقته سيئة مع شقيق زوجته ثم تحسنت العلاقة بينهما فأراد أن(15/106)
يأذن لزوجته بالذهاب إلى بيت أخيها فلماذا لا يمكنه التراجع؟! أو لغير ذلك من الأسباب، وأرى أن فتح باب الرجوع عن الطلاق المعلق هو الأولى لأن فيه تيسيراً على الناس وفيه محافظة على الأسرة وإن كان ذلك على خلاف قول الجمهور. وقد ذكر بعض العلماء المعاصرين قولاً في مذهب الحنابلة يجيز الرجوع عن الطلاق المعلق ونسبه الشيخ ابن مفلح الحنبلي لشيخ الإسلام ابن تيمية:[ وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله. وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط قال ابن مفلح في الفروع (5/103): ولا يبطل التدبير برجوعه فيه, وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار
والواضح: له فسخه, كبيعه, ويتوجه في طلاق.وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض قال في الفروع نقلاً عنه (5/356): ووافق على شرط محض, كإن قدم زيد] عن شبكة الإنترنت.
وأرجو أن يقوم ديوان قاضي القضاة والقضاة الأفاضل بإعادة دراسة المادة رقم 96 من القانون والنظر في إمكانية تعديلها وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المسألة محل اجتهاد وأن من أهل العلم من يرى أن الطلاق المعلق لاغٍ ولا عبرة به أصلاً وقد أخذت بذلك بعض مدونات الأحوال الشخصية في بعض البلدان الإسلامية كما جاء في الفصل 52 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية أن (الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه لا يقع) وجاء في الفقرة (ب) من المادة 33 من قانون الأسرة الليبي رقم 10 لسنة 1984م أنه (لا يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه)، وورد في المادة 105 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي أنه (يشترط في الطلاق أن يكون منجزاً)، وهو ما يفهم منه أن الطلاق غير المنجز لا يعتبر، وممن أخذ بهذا القول من الفقهاء المعاصرين الأستاذ علي حسب الله وصرح بميله إليه] عن شبكة الإنترنت.
وخلاصة الأمر أن الطلاق المعلق إن قصد به الحمل على فعل أمر ما أو المنع منه فحكمه حكم اليمين تلزم به كفارة يمين عند حصول ما علق عليه وإن قصد به الطلاق فعلاً فيقع الطلاق عند وقوع ما علق به وأما قضية الرجوع عن الطلاق المعلق إن قصد به الطلاق فالمسألة تحتاج إلى إعادة بحث ونظر في قول الجمهور المانعين من الرجوع عن الطلاق المعلق وهو الرأي الذي أخذ به قانون الأحوال الشخصية وهنالك رأي يجيز الرجوع عنه ولعله يجري تعديل قانون الأحوال الشخصية في هذه المسألة.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 91 / ص 10)
السؤال:-
حلفت يمين طلاق مضطراً، طلبت مني زوجتي أن أعود للسعودية وإنهاء جميع أعمالي والعودة خلال شعبان، وإذا لم أعد حتى نهاية الشهر تكون طالقاً، وحلفت(15/107)
اليمين كما هو: (يمين بالله سوف أعود قبل نهاية شهر شعبان وإنهاء عملي وإذا لم أعد تكوني طالقاً) هذا هو اليمين.
عدت للسعودية ولكن طلبت مني الشركة لا بد أن أستمر حتى نهاية شهر شوال وإعطائي حقوقي وحفاظاً على يمين الله الذي حلفته سافرت قبل نهاية شهر شعبان ولم أعد إلا في شهر رمضان، فهل تعتبر زوجتي مطلقة أم لا؟ وهل العودة تسقط اليمين أم لا؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب:-
هذا الطلاق المعلَّق على عدم العودة إذا لم تقصد الطلاق وإنما قصدت إلزام نفسك بالعودة فيعتبر يميناً مكفره بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ولا يقع الطلاق.
ـــــــــــــــــــ
مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية - (ج 1 / ص 400)
كتاب الطلاق من أخذ ينظر بعد الطلاق في صفة عقد النكاح ولم ينظر في صفته قبل ذلك مثل قوله أنا تزوجت بولي وشهود فساق فلا يقع طلاقي لأن نكاحي كان باطلا فهذا من المعتدين لحدود الله تعالى فإنه يريد أن يستحل محارم الله قبل الطلاق وبعده والطلاق الثلاث قبل الدخول وبعد سواء في تحريم الزوجة عند الأئمة وهو قول أكثر العلماء والنكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة وإذا نوى طلاق زوجته لم يقع بمجرد النية طلاق باتفاق العلماء فلو اعتقد الزوج أنه طلاق فأقر أنه طلقها ومراده تلك النية لم يقع بهذا الإقرار طلاق في الباطن ولكن يؤاخذ به في الحكم ومن قال قلانة كما تزوجتها على مذهب مالك فهي طالق فهذا التزام مذهب بعينه فلا يلزمه بل له أن يقلد مذهبا غيره ومن أكرهها أبوها على إبراء زوجها وطلاقه فأبرأته مكرهة بغير حق لم يصح الإبراء ولم يقع الطلاق المعلق به وإن كنت تحت حجر الأب وقد رأى أن ذلك مصلحة لها فإنه جائز في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وقول في مذهب أحمد ومن قال أنت طالق ثلاثا ونوى الاستثناء وكان اعتقاده أنه إذا قال الطلاق يلزمنه إن شاء الله تعالى أنه لا يقع به ومقصوده تخويفها بالطلاق لم يقع الطلاق فإذا كان قد قال إن شاء الله تعالى في هذه الساعة فلا يقع عند أي حنيفة والشافعي ومذهب مالك وأحمد أن الطلاق المعلق بالمشيئة يقع لكن هذا اعتقاده أنه لا يقع فصار الكلام عنده أنه لا يقع فصار الكلام عنده أنه لا يقع به طلاق فلم يقصد التكلم بالطلاق وإذا قصد التكلم بالطلاق لا يعتقد أنه يقع به طلاق مثل تكلم العجمي بلفظ لا يفهم معناه وطلاق الهازل واقع لأنه قصد التكلم بالطلاق وإن لم يقصد إيقافه وهذا لم يقصد لا هذا ولا هذا ويشبه هذا ما لو رأى امرأة فقال أنت طالق يظنها أجنبية فبانت امرأته فإنه لا يقع طلاقه في الصحيح والله أعلم وطلاق المكره لا يقع عند الجماهير كمالك وأحمد والشافعي وغيرهم وإذا كان حين الطلاق أحاط به
أقوام يعرفون بأنهم يعادونه أو يضربونه ولا يمكنه إذا ذاك أن يدفعهم عن نفسه وادعى أنهم أكرهوه على الطلاق قبل قوله وفي تحليفه نزاع إذا رأى أن يطلق واحدة فسبق لسانه فقال ثلاثا لم يقع إلا واحدا بل لو أراد أن يقول لطاهر فسبق لسانه بطالق لم تطلق فيما بينه وبين الله تعالى ولو قال كل شيء أملكه حرام علي(15/108)
فعليه في غير الزوجة كفارة ظهار وأما الزوجة فمذهب مالك هو طلاق ومذهب أبي حنيفة والشافعي في أظهر قوليه عليه كفارة يمين ومذهب أحمد عليه كفارة ظهار إلا أن ينوي غير ذلك ففيه نزاع والصحيح أنه لا يقع به طلاق فصل إذا قال الرجل على الطلاق لأفعلن كذا أو لا أفعله أو الطلاق لي لازم لأفعلنه أو إن لم أفعله فالطلاق يلزمني أو لازم لي ونحو هذه العبارات التي تتضمن التزاما بالطلاق ثم حنث فهل يقع به الطلاق على قولين للعلماء في المذاهب الأربعة وغيرها أحدهما لا يقع وهو منصوص أبي حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي كالقفال وأبي سعيد المتولي وبه يفتي ويقضي في بلاد الشرق والجزيرة والعراق وخراسان والحجاز ومصر والشام وبلاد المغرب وهو قول داود وأصحابه كان حزم وقول طاوس وكثير من علماء المغرب المالكية وغيرهم وقد دل عليه كلام الإمام أحمد المنصوص عنه وأصول مذهبه في غير موضع ولو حلف بالثلاث فقال الطلاق يلزمني ثلاثا لأفعلن كذا فكان طائفة من السلف والخلف من أصحاب مالك وأحمد وداود وغيرهم يفتون بأنه لا يقع الثلاث لكن منهم من يوقع به واحدة وهذا منقول عن طائفة من الصحابة والتابعين وغيرهم في التنجيز فضلا عن التعليق واليمين وهذا قول من اتبعهم من أصحاب مالك وأحمد وداود في التخيير والتعليق والحلف ومن السلف طائفة من أعيانهم تفرق بين المدخول بها وغيرها والذين لم يوقعوا طلاقا على من قال يلزمني الطلاق الثلاث لأفعلن كذا منهم من لا يوقع به طلاقا ولا يأمره بكفارة ومنهم من يأمره بالكفارة وبكل من القولين أفتى كثير من العلماء وقد بسطت أقوال
العلماء وألفاظهم ومن نقل عنهم في هذه المسألة والكتب الموجود ذلك فيها والأدلة في مواضع أخر تبلغ عن مجلدات والخلاف الذي ذكرته في مذهب أبي حنيفة والشافعي هو فيما إذا حلف بصيغة اللزوم مثل الطلاق يلزمني والنزاع في المذهبين سواء كان منجزا أو معلقا بشرط أو مخلوفا به فهل ذلك صريح أو كناية أو لا صريح ولا كناية فلا يقع به طلاق وإن نواه ثلاثة أقوال وفي مذهب أحمد قولان هل ذلك صريح أو كناية وأما الحلف بالطلاق أو التطليق الذي يقصد به الحلف هل يقع به في مثل هذه الحلف فالنزاع فيه من غيرهم بغير هذه الصيغة فمن قال إن من أفتى بأن الطلاق لا يقع في مثل هذه الصورة مخالف للإجماع ومخالف لكل قول في المذاهب الأربعة فقد أخطأ وقفا ما لا علم له بل أجمع الأربعة وأتباعهم وسائر الأئمة على أن من قضى بأنه لا يقع الطلاق في مثل هذه الصورة لم يجز نقص حكمه ومن أفتى به ممن هو من أهل الفتيا ساغ له ذلك ولم يجز الإنكار عيله باتفاق الأربعة وغيرهم من المسلمين ولا من قلده ولو قضى أو أفتى بقول سائغ يخرج على أقوال الأئمة الأربعة في مسائل الأيمان والطلاق وغيرها مما ثبت فيه النزاع بين علماء المسلمين ولم يخالف به كتابا ولا سنة ولا معنى ذلك بل كان القاضي به والمفتي به يستدل عليه بالأدلة الشرعية فإنه يشرع له أن يحكم ويفتى به ولا ينتقض حكمه اتفاقا ولا يحل منعه من الحكم ولا من الفتيا ولا منع أحد من تقليده ومن قال إنه يسوغ المنع من ذلك فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة بل إجماع المسلمين مع مخالفته لله ورسوله فمن قال يجب اتباع قولنا دون غيره من غير أن يقيم دليلا(15/109)
شرعيا على صحة قوله فقد خالف إجماع المسلمين وتجب عقوبته كما يعاقب أمثاله ويجب استتابته إن أصر فان تاب وإلا قتل وكل يمين من أيمان المسلمين غير المعين بالله تعالى مثل الحلف بالطلاق والعتاق والظهار والحرام والحج والمشي إلى بيت الله والصدقة والصيام وغير ذلك فللعلماء فيه نزاع
معروف سواء حلف بصيغة القسم فقال الحرام يلزمني أو الطلاق يلزمني أو العتق يلزمني أو حلف بصيغة التعليق فقال إن فعلت كذا فعلي الحرام أو نسائي طوالق أو عبيدي أحرار أو مالي صدقة أو على المشي إلى بيت الله فقد اتفق الأئمة أنه يسوغ للقاضي أن يقضي في هذه المسائل جميعها بأنه إذا حنث ولا يلزمه ما حلف به بل إما أن لا يجب عليه من شيء مطلقا وإما أن تجب عليه الكفارة وما زال في المسلمين من يفتي بذلك من حين حدث الحلف بها وإلى هذه الأزمنة منهم من يفتي بالكفارة ومنهم من يفتي بأن لا كفارة ولا يلزم المخلوق عليه شيء كما أن منهم من يفتي بلزوم المخلوف به وهذه الأقوال الثلاثة في الأمة من يفتي بها بالحلف بالطلاق والعتاق والحرام والنذر وأما إذا حلف بالمخلوقات كالكعبة فلا كفارة عليه باتفاق المسلمين فالأيمان ثلاثة أقسام أما الحلف بالله ففيه الكفارة بالاتفاق وأما الحلف بالمخلوقات فلا كفارة فيه بالاتفاق إلا بالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ففيه الكفارة قولا في مذهب أحمد وغيره وقد عزى بعض أصحابه ذلك إلى جميع النبيين وأما من عقد من الأيمان بالطلاق ونحوه وهو هذه الأيمان فللمسلمين فيها ثلاثة أقوال وإن كان من الناس من ادعى الإجماع في بعضها فهو مثل كثير من مسائل النزاع التي يدعى الإجماع فيها من لم يعرف الخلاف ومقصوده أني لا أعلم نزاعا فمن علم النزاع وأثبته كان مثبتا عالما ومقدما على النافي باتفاق فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم ثبت أنهم أثبتوا في الحلف بالطلاق بل في الحلف بالعتق الذي هو أحب إلى الله تعالى من الطلاق أنه لا يلزم الحالف به طلاق ولا عتاق بل يجزئه الكفارة فكيف يكون قولهم في الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله تعالى وقد اتفق المسلمون على أن من حلف بالكفر أنه لا يلزمه الكفر وقال تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم
ـــــــــــــــــــ
هل يقع الخلع الصوري؟
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 15/07/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يعتبر الخلع نافذاً إذا قامت به امرأة عن طريق دفع رشوة لقاض، وبدون علم الزوج؟ فقد قامت امرأة بهذا الفعل، وحصلتْ على ورقة خلع مزور وعليها اعتماد القاضي موقعاً بخط يده؛ وذلك لحاجتها لها لتقديمها إلى سلطات الهجرة في إحدى الدول الأوربية، لأنها لا تستطيع الحصول على تأشيرة دخول لهذه الدولة بسبب(15/110)
مرض زوجها، والسلطات لن تمنحها تأشيرة الدخول بدون ورقة رسمية تثبت طلاقها أو انفصالها عن زوجها. فالمرأة ليست لها نية الطلاق أو الانفصال، وإنما فعلت ذلك للضرورة القصوى وحاجتها للتأشيرة.
وكذلك فإن المرأة لم تحضر أمام القاضي، وإنما تم ذلك بدفع بعض المال. ولم يطلع الزوج على أي شيء مما حصل.
والسؤال: هل زواج المرأة ما زال صالحاً، مع أن الورقة قد صدرت من المحكمة بحسب ما ذكر أعلاه (بالرشوة) والزوج لم يعلم بكل ما حصل؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فزواج المرأة المذكورة في السؤال ما زال على حاله، ولا يقع عليه هذا الخلع؛ لأنه خلع باطل من أوجه:
أولاً: أنه لم يقع من الزوج، ومن شروط الخلع وقوعه من زوج يصح طلاقه.
ثانياً: أن فسخ الحاكم للنكاح بدون رضا الزوج أو حضوره لا يكون إلا في أحوال مخصوصة، كالشقاق بين الزوجين أو إيلاء الزوج أو غيبته ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك حاصلاً فيما ذكر في السؤال.
ثالثاً: أنه مبني على الرشوة وهي محرمة وملعون صاحبها وباطلة، وما بني على باطل فهو باطل.
رابعاً: أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وهذا الخلع صوري لا تقصد حقيقته، فلا عبرة به، وقد نص جمع من الفقهاء أن الخلع إذا وقع حيلة لا يقع، وذلك عندما يريد به الخروج من الطلاق المعلق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "خلع الحيلة لا يصح على الأصح، كما لا يصح نكاح المحلل؛ لأنه ليس المقصود منه الفرقة وإنما يقصد به بقاء المرأة مع زوجها كما في نكاح المحلل والعقد لا يقصد به نقيض مقصوده" أهـ [الإنصاف (22/124)]. وما ذكر في السؤال شبيه بذلك.
هذا كله على ظاهر ما جاء في سؤال السائلة، وعلى أن القاضي مسلم يحكم بشريعة الله تعالى، فإن كان القاضي خلاف ذلك فالحكم كما سبق من باب أولى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
نسي أنه طلق طلاقاً معلقاً
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/العزل والإجهاض وتحديد النسل
التاريخ 28/10/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا رجل ، متزوج وعصبي المزاج، وفي السنين الأولى من الزواج طلقت زوجتي طلقتين، وذات يوم قلت لها: (لو ذهبت إلى بيت أبيك فأنت طالق)، وكنا آنذاك نعيش في نقاشات حادة ومشاكل عديدة وشجارات متواصلة، ومضى الآن على هذا الطلاق(15/111)
(المعلق) حوالي 20 سنة، وكنت طيلة الوقت أريد التحلل منه وكنت أجهل كيف، وفي كل مرة أعجز عن سؤال العلماء حتى نسيته أو تشاغلت عنه (ولم تخرج زوجتي) حتى عام 1997، إذ كان لدي سفر طويل لمدة ستة أشهر، فأذنت لها بالذهاب في غيابي إلى أبيها، متناسيا أو ناسياً تلك الصيغة (أنها معلقة)، ظاناً أني تحللت منه بإذني لها بالخروج، وخرجت هي في مدة سفري إلى بيت أبيها بإذني، ثم قفلت راجعاً من السفر وعدنا كما كنا، لكن في هذا العام جرى بيننا شجار، وفي أثناء ذلك قالت لي: إني لست زوجتك، قلت لها : كيف؟ قالت: لقد قلت لي إن خرجت من البيت فأنت طالق ..وقد خرجت، فقلت لها متسائلاً: متى كان هذا الكلام وكيف قلته؟ قالت: قبل ستة أشهر فقط قلته، ووقعت في حيرة وأقسم بالله إني لا أتذكر أني قلت هذا الكلام، فقلت لها: وكيف قلته؟ قالت: ذات يوم وأنت تضربني...
ولم أستطع تصديقها ولا تكذيبها، فربما قلته حقيقة في حالة غضب ولم أشعر (المهم أني لا أذكر أني قلته)، ولأني عصبي سريع الغضب (ربما قلته دون شعور)، ولما اعتقدت أنها حيلة لتتخلص مني وتعتبر طالقاً سألتها قائلا: يا امرأة لعلك تريدين أن يتفرق شملنا؟ فأجابت: لا، وهي تصر على أني قلت لها ذلك، وأنا لا أتذكره، وهي الآن نادمة على خروجها الذي تسبب في طلاقها، ونحن في حالة طلاق بناء على قولها،السؤال: هل تحللت من الطلاق الأول، هل الطلاق الأخير يقع رغم أني لا أذكره كما ذكرت؟. وفي الأخير بارك الله فيكم.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
من علق الطلاق على شرط أو إلتزمه لا يقصد بذلك إلا الحض أو المنع، فإنه يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث، أي: أن الزوج إن كان يقصد منع زوجته من الذهاب لأبيها بحلفه بالطلاق، ولم يرد إيقاع الطلاق، فعليه كفارة يمين،وهي المذكورة في قوله -تعالى-: "لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"[المائدة:89]، أما إن أراد الجزاء بتعليقه طلقت زوجته أحب الشرط أو لا، أما ما يتعلق بخلاف الزوجين في وقوع الطلاق من عدمه فالقول قول من له بينة تدل على صحة قوله، فإن لم يكن لهما بينة فالقول قول الزوج، قال البهوتي - رحمه الله تعالى-، وإذا ادعت أن زوجها طلقها فأنكرها فقوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح، انظر: كشاف القناع(5/337)، وهل يحلف على أنه لم يطلق؟ اختلف العلماء في ذلك، والمذهب عند الحنابلة والمالكية أنه لا يحلف، انظر: المبدع(10/283)، التاج والإكليل(6/196)، القوانين الفقهية(153). والرواية الثانية: أنه يستحلف،وصححه ابن قدامة - رحمه الله- في المغني (7/387)، وعلى كل حال فلو قيل بالوقوع فالسائل لم يطلق سوى مرتين، فيكون قد بقي له طلقة واحدة ما لم يكن قد صدر منه طلقة ثالثة، أما إن كانت هذه هي الطلقة الثالثة فعلى القول بالوقوع، وأنكر الزوج ذلك فلا يحل للزوجة البقاء معه، قال المرداوي -(15/112)
رحمه الله تعالى-: فإن علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها مساكنته ولا تمكينه من وطئها، وعليها أن تفر منه وتفتدي نفسها،كما قلنا في التي علمت أن زوجها طلقها
ثلاثاً وأنكر" انظر: الإنصاف(9/349)، والمغني(7/387)، أما ما يتعلق بطلاق الغضبان ففيه تفصيل ذكره العلماء،وقد ذكرناه في عدة فتاوى في هذا الموقع فعلى الأخ السائل الرجوع إليها،وأوصيه بتجنب الغضب ما استطاع فإن لم يتمكن فعليه عند غضبه الخروج من البيت حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه، والله -تعالى- أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
تعليق الطلاق بقصد الحث أو المنع!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 05/03/1427هـ
السؤال
أرهقتني زوجتي كثيراً بطلب الطلاق في كل صغيرة وكبيرة، وما زالت تكثر علي من طلب الطلاق والتهديد به -أو طلب الخلع- حتى ضاقت علي الأرض بما رحبت. علمًا أنها لا تريد الطلاق حقيقةً، وإنما تريد به الضغط علي للحصول على بعض الأمور. المهم أنه وقعت بيني وبينها مؤخراً مشاحنة انتهت بطردها لي من المنزل، ونحن في بلاد الغرب حيث تُنْصَر المرأة على زوجها في كل حال، الشاهد أنها طردتني من المنزل، واضطررت إلى أن أستأجر غرفةً في منزل آخر؛ حتى أنظر كيف سينتهي هذا الأمر، بقيت في هذا المكان مدة من الزمن تعبت فيها جداً من كثرة الهموم والفتنة، فأردت أن ينتهي هذا الأمر بسرعة قبل أن أقع في ما حرم الله، فإما أن أعود لبيتي ولزوجتي وأولادي، وإما أن أبحث عن زوجة أخرى أحصن بها نفسي عن الحرام.
فكتبت لزوجتي ورقة طلاق معلَّق، ذكرت فيه أني لم أعد أحتمل هذا الحال -وأني لن أصبر عليه طويلاً، فجعلت تاريخا محدداً هو نهاية صبري على هذا الحال، وأني سأطلق زوجتي طلاقاً معلقاً عند حلول هذا الموعد أو التاريخ، في حال أن الوضع استمر على ما هو عليه، فمرت الأيام وجاء الموعد المحدَّد، ولم تعتذر زوجتي عن شيء.
فأنا اعتبرت أن الطلاق قد وقع، وأن حياتي مع هذه المرأة قد انتهت، لأن هذه هي الطلقة الثالثة.
فهل هذا الطلاق واقع أم لا؟
الجواب
فقد ذكرت -حفظك الله تعالى- أنك علقت طلاق زوجتك بحلول وقت معين مع نيتك إمضاء الطلاق، وحل الوقت، ففي هذه الحالة يقع الطلاق وهو مذهب جماهير العلماء على تفصيل في ذلك، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء ممن يفصلون في مسألة تعليق الطلاق، فقد أوقعوا الطلاق في مثل هذه الصورة،(15/113)
قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وأما إذا قصد إيقاع الطلاق على الوجه الشرعي مثل أن ينجز الطلاق فيطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه فهذا يقع به الطلاق باتفاق العلماء، وكذلك إذا علَّق الطلاق بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها مثل أن يكون مريداً للطلاق إذا فعلت أمراً من الأمور، فيقول لها: إن فعلته فأنت طالق. قصده أن يطلقها إذا فعلته، فهذا مطلق يقع به الطلاق عند السلف وجماهير الخلف، بخلاف من قصده أن ينهاها ويزجرها باليمين، ولو فعلتْ ذلك الذي يكرهه لم يجز أن يطلقها، بل هو مريد لها، وإن فعلته لكنه قصد اليمين لمنعها عن الفعل لا مريدًا أن يقع الطلاق وإن فعلته فهذا حلف لا يقع به الطلاق في أظهر قولي العلماء من السلف والخلف، بل يجزئه كفارة يمين". أ.هـ مجموع الفتاوى (33/70)، الفتاوى الكبرى (2/111).
وقال -رحمه الله تعالى-: "ومن علق الطلاق على شرط أو التزمه لا يقصد بذلك إلا الحض أو المنع فإنه يجزئه فيه كفارة يمين إن حنث، وإن أراد الجزاء بتعليقه طلقت كره الشرط أو لا". الفتاوى الكبرى (5/575).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى ذاكراً أقوال العلماء بتعليق الطلاق بأجل معين: "فصل: وأما تعليق الطلاق بوقت يجيء لا محالة -كرأس الشهر والسنة وآخر النهار ونحوه- فللفقهاء في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنها لا تطلق بحال، وهذا مذهب ابن حزم واختيار أبي عبد الرحمن الشافعي، وهو من أجل أصحاب الوجوه، وحجتهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق بالشرط كما لا يقبله النكاح والبيع والإجارة والإبراء، قالوا: والطلاق لا يقع في الحال ولا عند مجيء الوقت، أما في الحال فلأنه لم يوقعه منجزا وأما عند مجيء الوقت فلأنه لم يصدر منه طلاق حينئذ، ولم يتجدد سوى مجيء الزمان، ومجيء الزمان لا يكون طلاقاً.
وقابل هذا القول آخرون وقالوا: يقع الطلاق في الحال، وهذا مذهب مالك وجماعة من التابعين، وحجتهم أن قالوا: لو لم يقع في الحال لحصل منه استباحة وطء مؤقت، وذلك غير جائز في الشرع؛ لأن استباحة الوطء فيه لا تكون إلا مطلقاً غير مؤقت؛ ولهذا حرم نكاح المتعة لدخول الأجل فيه، وكذلك وطء المكاتبة، ألا ترى أنه لو عري من الأجل -بأن يقول إن جئتني بألف درهم فأنت حرة- لم يمنع ذلك الوطء.
قال الموقعون عند الأجل: لا يجوز أن يؤخذ حكم الدوام من حكم الابتداء، فإن الشريعة فرقت بينهما في مواضع كثيرة، فإن ابتداء عقد النكاح في الإحرام فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على المعتدة فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الأمة مع الطول وعدم خوف العنت فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الزانية فاسد عند أحمد ومن وافقه دون دوامه، ونظائر ذلك كثيرة جداً، قالوا: والمعنى الذي حرم لأجله نكاح المتعة كون العقد مؤقتاً من أصله، وهذا العقد مطلق، وإنما عرض له ما يبطله ويقطعه فلا يبطل كما لو علق الطلاق بشرط وهو يعلم أنها تفعله أو يفعله هو ولابد ولكن يجوز تخلفه.
والقول الثالث: أنه إن كان الطلاق المعلق بمجيء الوقت المعلوم ثلاثا وقع في الحال، وإن كان رجعياً لم يقع قبل مجيئه، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد نص عليه في رواية مهنا، إذا قال: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر، هي طالق(15/114)
الساعة، كان سعيد بن المسيب والزهري لا يوقتون في الطلاق، قال مهنا: فقلت له: أفتتزوج هذه التي قال لها: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر؟ قال: لا ولكن يمسك عن الوطء أبدا حتى يموت. هذا لفظه وهو في غاية الإشكال، فإنه قد أوقع عليها الطلاق منجزا فكيف يمنعها من التزويج، وقوله: يمسك عن الوطء أبدا يدل على أنها زوجته إلا أنه لا يطؤها، وهذا لا يكون مع وقوع الطلاق، فإن الطلاق إذا وقع زالت أحكام الزوجية كلها، فقد يقال: أخذ الاحتياط فأوقع الطلاق ومنعها من التزويج للخلاف في ذلك فحرم وطأها وهو أثر الطلاق، ومنعها من التزويج لأن النكاح لم ينقطع بإجماع ولا نص، ووجه هذا أنه إذا كان الطلاق ثلاثاً لم يحل وطؤها بعد الأجل فيصير حال الوطء مؤقتاً، وإن كان رجعياً جاز له وطؤها بعد الأجل فلا يصير الحال مؤقتاً وهذا أفقه من القول الأول.
والقول الرابع: أنها لا تطلق إلا عند مجيء الأجل وهو قول الجمهور، وإنما تنازعوا هل هو مطلق في الحال، ومجيء رأس الشهر شرط لنفوذ الطلاق، كما لو وكله في الحال، وقال: لا تتصرف إلى رأس شهر، فمجيء رأس الشهر شرط لنفوذ تصرفه لا لحصول الوكالة. بخلاف ما إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وكلتك؛ ولهذا يفرق الشافعي بينهما، فيصحح الأولى ويبطل الثانية، أو يقال: ليس مطلقاً في الحال وإنما هو مطلق عند مجيء الأجل فيقدر حينئذ أنه قال: أنت طالق. فيكون حصول الشرط وتقدير حصول أنت طالق معا، فعلى التقدير الأول السبب تقدم وتأخر شرط تأثيره، وعلى التقدير الثاني نفس السبب تأخر تقديرا إلى مجيء الوقت، وكأنه قال: إذا جاء رأس الشهر فحينئذ أنا قائل لك: أنت طالق، فإذا جاء رأس الشهر قدر قائلاً لذلك اللفظ المتقدم، فمذهب الحنفية أن الشرط يمتنع به وجود العلة، فإذا وجد الشرط وجدت العلة، فيصير وجودها مضافاً إلى الشرط، وقبل تحققه لم يكن المعلق عليه علة بخلاف الوجوب فإنه ثابت قبل مجيء الشرط، فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فالعلة للوقوع التلفظ بالطلاق، والشرط الدخول وتأثيره في امتناع وجود العلة قبله فإذا وجد وجدت، وأصحاب الشافعي يقولون: أثر الشرط في تراخي الحكم، والعلة قد وجدت، وإنما تراخي تأثيرها إلى وقت مجيء الشرط، فالمتقدم علة قد تأخر تأثيرها إلى مجيء الشرط" ا.هـ إغاثة اللهفان (1/172). والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق
هيئة كبار العلماء 14/4/1426
22/05/2005
أبحاث هيئة كبار العلماء 462- 465
قرار هيئة كبار العلماء
رقم (16) وتاريخ 12/11/1393هـ
الطلاق المعلق
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:(15/115)
فبناءً على قرار مجلس هيئة كبار العلماء رقم(14) الصادر عنها في دورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1/4/1393هـ و17/4/1393هـ القاضي بتأجيل دراسة موضوع الطلاق المعلق إلى الدورة الرابعة لمجلس الهيئة - فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمال الهيئة الرابعة المنعقد فيما بين 29/10/1393هـ و12/11/1393هـ، وفي هذه الدورة جرى دراسة الموضوع بعد الاطلاع على البحث المقدم من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء والمعد من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وبعد دراسة الموضوع وتداول الرأي، واستعراض كلام أهل العلم في ذلك، ومناقشة ما على كل قول من إيراد، مع الأخذ في الاعتبار أنه لم يثبت نص صريح لا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله باعتبار الطلاق المعلق طلاقاً عند الحنث وعدم اعتباره، وأن المسألة نظرية للاجتهاد فيها مجال بعد ذلك توصل المجلس بأكثريته إلى اختيار القول بوقوع الطلاق عند حصول المعلق عليه، سواء قصد من علق طلاقة على شرط المحض، أو كان قصده الحث أو المنع، أو تصديق خبر أو تكذيبه؛ لأمور أهمها ما يلي:
1- ما ورد عن الصحابة والتابعين من الآثار في ذلك، ومنه ما أخرجه البخاري في[ صحيحه] معلقاً بصيغة الجزم من أن رجلاً طلق امرأته البتة إن خرجت، فقال ابن عمر: إن خرجت فقد بانت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء. وما روى البيهقي بإسناده عن ابن مسعود في رجل قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فهي طالق. فتفعله، قال: هي واحدة وهو أحق بها،وما رواه أيضاً بإسناده إلى أبي الزناد عن أبيه: أن الفقهاء السبعة من أهل المدينة كانوا يقولون:أيما رجل قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت إلى الليل فخرجت طلقت امرأته، إلى غير ذلك من الآثار، مما يقوي بعضها بعضاً.
2- لما أجمع عليه أهل العلم إلا من شذ في إيقاع الطلاق من الهازل مع القطع بأنه لم يقصد الطلاق، وذلك استناداً إلى حديث أبي هريرة وغيره مما تلقته الأمة بالقبول من أن ثلاثاً جدهن جد، وهزلهن جد : الطلاق، والنكاح، والعتاق".فإن كلاً من الهازل والحالف بالطلاق قد عمد قلبه إلى ذكر الطلاق وإن لم يقصده، فلا وجه للتفريق بينهما بإيقاعه على الهازل به وعدم إيقاعه على الحالف به.
3- لقوله تعالى:" والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين"[النور: 7]، ووجه الاستدلال بها: أن الملاعن يقصد بهذا الشرط التصديق، ومع ذلك فهو موجب اللعنة والغضب على تقديم الكذب.
4- إن هذا التعليق وإن قصد به المنع فالطلاق مقصود به على تقدير الوقوع، ولذلك أقامه الزوج مانعاً له من وقوع الفعل، ولولا ذلك لما امتنع.
5- إن القول بوقوع الطلاق عند حصول الشرط المعلق عليه قول جماهير أهل العلم وأئمتهم، فهو قول الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد،وهو المشهور في مذاهبهم، قال تقي الدين السبكي في رسالته [ الدرة المضيئة]: وقد نقل إجماع الأمة على ذلك أئمة لا يرتاب في قولهم، ولا يتوقف في صحة نقلهم، فمن ذلك الإمام الشافعي-رضي الله عنه- وناهيك به. وممن نقل الإجماع على هذه المسألة الإمام المجتهد أبو عبيد، وهو من أئمة الاجتهاد كالشافعي وأحمد وغيرهم، وكذلك(15/116)
نقله أبو ثور، وهو من الأئمة أيضاً، وكذلك نقل الإجماع على وقوع الطلاق الإمام محمد بن جرير الطبري وهو من أئمة الاجتهاد أصحاب المذاهب المتبوعة، وكذلك نقل الإجماع أبو بكر بن المنذر، ونقله أيضاً الإمام الرباني المشهور بالولاية والعلم محمد بن نصر المروزي، ونقله الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتابيه: [التمهيد]و[الاستذكار] وبسط القول فيه على وجه لم يبق لقائل مقالاً، ونقل الإجماع الإمام ابن رشد في كتاب [المقدمات] له، ونقله الإمام الباجي في [ المنتقى]... إلى أن قال: وأما الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأتباعهم فلم يختلفوا في هذه المسألة، بل كلهم نصوا على وقوع الطلاق وهذا مستقر بين الأئمة، والإمام أحمد أكثرهم نصاً عليها، فإنه نص على وقوع الطلاق، ونص على أن يمين الطلاق والعتاق ليست من الأيمان التي تكفر ولا تدخلها الكفارة. أ.هـ.
وقد أجاب من يرى خلاف ذلك عما ذكره السبكي- رحمه الله- من الإجماع بأنه خاص فيما إذا قصد وقوع الطلاق بوقوع الشرط. وفي[ القواعد النورانية] لشيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه:
قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي: سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يقول لابنه: إن كلمتك فامرأتي طالق وعبدي حر، قال: لا يقوم هذا مقام اليمين، ويلزمه ذلك في الغضب والرضا.اهـ.
وقال أيضاً: وما وجدت أحداً من العلماء المشاهير بلغه في هذه المسألة من العلم المأثور عن الصحابة ما بلغ أحمد. فقال المروزي: قال أبو عبد الله: إذا قال: كل مملوك له حر فيعتق عليه إذا حنث؛ لأن الطلاق والعتق ليس فيهما كفارة.اهـ.
أما المشايخ: عبد الله بن حميد،وعبد العزيز بن باز، وعبد الله خياط، وعبد الرزاق عفيفي، وإبراهيم بن محمد آل الشيخ، ومحمد بن جبير، وصالح بن لحيدان- فقد اختاروا القول باعتبار الطلاق المعلق على شرط يقصد به الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه، ولم يقصد إيقاع الطلاق يميناً مكفرة، ولهم في ذلك وجهة نظر مرفقة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة (1) عبد الله بن محمد بن حميد
(2) عبد الرزاق عفيفي
(3) عبد العزيز بن باز
(4) محمد الحركان
(5) صالح بن غصون
(6) محمد بن جبير
(7) عبد الله خياط
(8) عبد العزيز بن صالح
(9) إبراهيم بن محمد آل الشيخ
(10) عبد الله بن غديان
(11) صالح بن لحيدان(15/117)
(12) محمد الأمين الشنقيطي
(13) عبد المجيد حسن
(14) سليمان العبيد
(15) راشد بن خنين
(16) عبد الله بن منيع
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق
قال لها إن خرجت مع هذا الباب فأنت طالق فخرجت من باب آخر
س - لقد وقع على طلاق لزوجتي بأن قلت لها إن خرجت من هذا الباب فأنت طالق ومحرمة على مثل أمي وأختي ، وللأسف فقد خرجت ولكن ليس من الباب الذي أشرت إليه ، ولأنها قد أنجبت ثلاث أطفال أسال عن الحكم فيما قلت ، وماذا يجب علي لكي أسترجعها ؟
ج- قبل الجواب على هذا السؤال أوجه النصيحة إلى الأخ السائل وإلى غيره بأن لا يتلاعبوا بالألفاظ هذا التلاعب ، وفي إشكالات لا نهاية لها ومن كان يريد أن يحلف فليحلف بالله - عز وجل - مع أن الزوج الحازم لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور ، بل مجرد كلمة تدل على المنع يحصل بها الامتناع منه ، أما الرجل الذي يتضاءل أمام أهله حتى يأتي على أهوائهم ولو كانت مخالف للحق فهذا عنده نقص في الحزم والرجولة ، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان قوياً من غير عنف ، ولينا من غير ضعف ، وأن يجعل كلمته بين أهله لها وزنها ولها قيمته حتى يعيش فيهم عيشة حميدة ، ولست أدعو في ذلك أن يكفرهم أمام أهله ويعبس ولا يربهم وجها طلقاً ، بل أدعو إلى ضد ذلك ، إلى أن يكون معهم هيناً خيراً ، ولكن يكون في ذلك حازماً جاداً في أمره غير مغلوب عليه .
أما الجواب على هذا السؤال فإن الرجل إذا قال لزوجته إن خرجت من هذا الباب فأنت طالق ومحرمة علي كأمي وأختي فلا يخلو من حالتين
إحداهما أن يريد بذلك مجرد منعها لا طلاقها ولا تحريمها ولكنه نظراً لتأكيد ذلك عنده أراد أن يقرن هذا المنع بهذه الصورة ، فإنه في هذه الحال يكون له حكم اليمين ، على القول الراجح من أقوال أهل العلم ، فإذا خرجت من الباب لا تطلق ولكن يجب عليه أن يكفر كفارة يمين ، ولا فرق بين أن تخرج من الباب الذي عينه أو الباب الآخر من أبواب البيت ، لأن الظاهر من قوله أنه يريد ألا تخرج من البيت ، وليس يريد ألا تخرج من هذا الباب المعين ، إلا أن يكون في هذا الباب المعين شيء يقتضي تخصيصه بالحكم فيرجع إلى ذلك .
الحالة الثانية أن ينوي بقوله إن خرجت من هذا الباب فأنت طالق ومحرمة علي كأمي وأختي " أن يريد بذلك وقوع الطلاق ووقوع التحريم عند وجود الشرط وحينئذ يكون شرطاً له حكم الشروط الأخرى ، فإذا وجد الشرط وجد المشروط ، فإذا خرجت من هذا الباب أو غيره من أبواب البيت فإنها تكون طالقاً ويكون مظاهراً ، فإذا طلقت ولم يسبق هذا الطلاق طلقتان فإن له أن يراجعها ولكن لا يقربها حتى يفعل ما أمره الله به في كفارة الظهار ؟ بأن يعتق رقبة فإن لم يجد(15/118)
فيصوم شهرين متتابعين ، فإن لم يستطيع فإطعام ستين مسكيناً ، ولا فرق بين أن تخرج من الباب الذي عينه أو من باب آخر من أبواب البيت ، لأن الظاهر من لفظه ألا تخرج من البيت مطلقاً حتى ولو تسورت الجدار إلا أن يكون في هذا الباب المعين الذي عينه ما يقتضي الحكم به أو الشرط به فيكون خاصاً بهذا الباب ، فإذا خرجت من غيره فإنها لا تطلق ولا يثبت الظهار .
الشيخ ابن عثيمين
ـــــــــــــــــــ
الطلاق المعلق هل يعد حلفا بغير الله
س - هناك بعض الفتاوى عن الطلاق المعلق والذي اعتاد عليه للآسف بعض الناس ، كأن يقول رجل لآخر إذا لم تزرني أو تأكل عندي فامرأتي طالق ؟ ويذكر بعض العلماء أن ذلك الطلاق لا يقع وبعد يميناً يكفر عنها ، هل يعد ذلك يميناً ؟ علما بأنه لا يجوز الحلف بغير الله ، بل يعد ذلك شركاً ؟ وكيف يكفر عن يمين آثمة حلفت بغير الله ؟
ج- الذين قالوا إن الطلاق المعلق بشرط إذا قصد منه المنع أو الحبس أو الألزام فإنه يمين يقولون في حكم اليمين وليس يميناً ، لأن اليمين التي نهى أن تكون بغير الله هي اليمين التي تقع بصيغة القسم بالواو أو الياء أو التاء ، مثل والله وبالله وتالله . وأما التحريم وتعليق الطلاق فإنه حكم اليمين وليس يميناً بالصيغة .
وقد قال الله - عز وجل - " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لتلك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رجيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " . فسمى الله التحريم يميناً ، فإذا قيل هذا يمين فالمعنى أنه في حكم اليمين وليس هو اليمين الذي نهي عن الحلف بها إلا بالله - عز وجل - .
الشيخ ابن عثيمين
ـــــــــــــــــــ
الطلاق بناء على أمر يظن حصوله ثم تبين خلافه
الفتوى رقم ( 263 )
س: رجل جاءه مكاتيب مزيفة على أهله، فظن صدقها، فطلق زوجته لأجل ذلك، ثم تبين له زيفها بعد ذلك، ويسأل هل يقع طلاقه والحال ما ذكر؟
ج: إذا كان الأمر كما ذكر بأن المطلق لم يطلق زوجته إلا بناء على هذه المكاتيب التي كان يعتقد صحة ما فيها، ثم تبين له أنها مزورة ومكذوبة - فإن طلاقه والحال ما ذكر لا يقع؛ لأن الطلاق المذكور على الصفة المذكورة يعتبر من قبيل الطلاق المعلق على شرط لم يقع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
ـــــــــــــــــــ(15/119)
الطلاق المعلق على سبب
الفتوى رقم ( 401 )
س: تزوج امرأة ثم طلقها، وتزوج بامرأة أخرى واشترط عليه أهلها إن رجع إلى زوجته الأولى فيعتبر رجوعه عليها طلاقا لبنتهم، وأنه التزم على نفسه ذلك الشرط، ويسأل هل يترتب عليه في حال رجوعه على زوجته الأولى طلاق الثانية؟
ج: ما دام أن المستفتي التزم لأهل زوجته الثانية بالشرط المتضمن أنه إن رجع على زوجته الأولى فبنتهم طالق، فإذا رجع على زوجته الأولى طلقت زوجته الثانية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: صحيح البخاري الجنائز (1319),صحيح مسلم القدر (2658),سنن الترمذي القدر (2138),سنن النسائي الجنائز (1950),سنن أبو داود السنة (4714),مسند أحمد بن حنبل (2/315),موطأ مالك الجنائز (569). المسلمون على شروطهم
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 172)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع ... عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي
ـــــــــــــــــــ
21 - مسألة في الطلاق المعلق
س : فضيلة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء - حفظه الله - يا صاحب الفضيلة لقد أمرت زوجتي بشيل جميع أغراض بيتها لأهلها ، وطلبت من إخوانها القيام بذلك ، وواعدتهم بأن أعطيهم ورقة طلاقها يوم السبت إن شاء الله وكان ذلك يوم الجمعة ، غير أنني عدلت عن طلاقها ولم يسبقه أو يلحقه طلاق . أرجو التكرم وفتواي عن وعدي لإخوانها ، وشيل أغراض بيتها هل يعتبر طلاقا أم لا حيث لم يحدث أي شيء غير ما ذكر فقط؟ هذا والله يحفظكم أجاب عليه سماحته برقم 1546 / 1 / خ في 19 / 10 / 1398 هـ ج : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بعده :
إذا كان الواقع هو ما ذكرته أعلاه فزوجتك باقية في عصمتك لم يقع عليها طلاق؛ لأنك والحال ما ذكر لم تطلقها ،
وإنما وعدت بإرسال الطلاق ثم عدلت عن ذلك . وفق الله الجميع لما يرضيه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
22 - الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة وفقه الله آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت من سماحته برقم 1191 في 22 / 1 / 1392هـ عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة . :(15/120)
خطابكم الكريم رقم 181 في16 / 1 / 1392 أهـ وصل ، وصلكم الله بهداه وهو المتعلق بطلاق الزوج ز . م . لزوجته . ونفيدكم أني اطلعت على ما أثبته فضيلتكم في الموضوع وسألت الزوج المذكور فأنكر جميع ما ادعاه صهره من الطلاق ما عدا الطلاق المتعلق بإجراء الماء في القايد والطلاق المعلق بتزويج أخته على ع . م . وقد زعم أنه قيد طلاقه المعلق بإجراء الماء في القايد بأنه لا يجري وهو في ملكه فتم ذلك ولم يجر إلا بعد ما صار في ملك أخيه هكذا يزعم وبسؤاله عن قصده في التعليقين المذكورين أجاب بأنه لم يقصد فراق أهله عند وقوع الشرط ، وإنما قصد
منع إجراء الماء والقايد في ملكه ، ومنع تزويج أخته ب ع . المذكور والإلزام بتزويجها على م . ف . ، وقد حلف على ذلك ولا يخفى أن مثل هذا التعليق حكمه حكم نذر اللجاج والغضب في أصح قولي العلماء ، ولهذا أفتيناه بأن التعليق المذكور لا يقع به طلاق وعليه كفارة يمين إذا زوجت أخته بغير م . ف . أما التعليقات الأخرى فلم يعترف بها ، ولو فرضنا اعترافه بها أو ثبوتها بالبينة فحكمها حكم ما ذكر إذا كان قصده منها قصد اليمين لا فراق أهله عند وقوع الشرط . فأرجو من فضيلتكم إشعار صهره بذلك ، وقد أوصيناه بتقوى الله وحفظ لسانه عن التلاعب بالطلاق . وفق الله الجميع لما يرضيه وضاعف لفضيلتكم الأجر ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
23 - الطلاق المعلق بشرط لا يقع قبل وقوع المشروط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الأخ المكرم إ . م . أ . سلمه الله وتولاه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت من سماحته برقم 2161 في 7 / 12 / 1392 هـ .
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 42)
كتابكم المؤرخ 8 / 11 / 1392هـ وصل ، وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة أنه حصل نزاع بين والدتك وزوجتك فسحبت زوجتك إلى بيتها فصارت تبكي ورفعت يديها إلى السماء وقالت : يا رب كسح أم زوجي وخلها تقعد في ركن وتحتاج لي ، فزاد انفعالك وغضبك لشدة ما سمعت فأجبتها على ذلك بقولك : إذا حصل ذلك لوالدتي فأنت طالق بالثلاث وعرفت ذلك بقولك تذكري أنه إذا حدث هذا فأنت طالق بالثلاث ، وتخشى أن يقع ذلك أو أن يكون قد وقع منك شيء بسبب هذا الكلام ورغبتك في الفتوى كان معلوما .
والجواب : إذا أصيبت والدتك بما ذكر - لا قدر الله - فإنه يقع على زوجتك بكلامك المذكور طلقة واحدة ، ولك مراجعتها في الحال إذا كنت لم تطلقها قبل ذلك طلقتين . أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
26 - مسألة في الطلاق المعلق بشرط(15/121)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع . س . م . وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد صدرت برقم 2424 في 25 / 11 / 1389 هـ :
وصل إلي كتابكم المؤرخ 6 / 10 / 1389هـ وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة عن رجل عقد على امرأة وعند العقد شرط عليه عدم استعمال الدخان والمذياع والتلفزيون وأنه إذا عمل أحد هذه الأشياء فإنها تطلق دون مراجعة وبدون تعويض ، وأنه معروف عنه أنه يستعمل الدخان سابقا ، وأنه شرب الدخان ناسيا ، ورغبتك في الفتوى كان معلوما .
والجواب : إذا كان المذكور شرب الدخان ناسيا ، فلا يقع على زوجته بذلك طلاق ؛ لأن من شرط وقوعه أن يكون متعمدا فعل ما علق عليه الطلاق ، والناسي لم يتعمد شرعا . وفق الله الجميع لما فيه رضاه ، وجنبنا وإياكم وسائر المسلمين أسباب سخطه إنه جواد كريم . والسلام عليكم ورحمة الله بركاته .
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 49)
28 - مسألة : في الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ ع . ل . وفقه الله آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده :
كتابكم الكريم المؤرخ 22 / 3 / 1392هـ وصل ، وما أشرتم إليه من جهة طلاق الأخ ح . أ . م . كان معلوما ، وقد حضر عندي الأخ المذكور وسألته عن صفة الواقع فأجاب : أنه جرى بينه وبين الفراش في مسجد سعيد بن جبير المعروف في جدة المدعو ع . ع . م . نزاع طالت مدته فقال على إثر ذلك : علي الطلاق بالثلاث لا يجتمع معه في الوظيفة ، بل إما أن يثبت ح . في الوظيفة ويخرج ع . أو العكس هكذا أجاب ح . كما أجاب أنه لم يطلق زوجته قبل هذا الطلاق . وبناء على ذلك فقد أمرته بإحضارها لديكم لسؤالها عما لديها فإن كانت لا تعلم أنه وقع عليها منه سوى هذا الطلاق فإنه لا حرج عليه أن يشترك مع ع . المذكور في الوظيفة في المسجد المذكور ويقع على الزوجة بهذا الطلاق طلقة واحدة ؛ لأنه قد أراد إيقاع الطلاق عليها إن اجتمع معه في الوظيفة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة وله مراجعتها في الحال بعد اجتماعهما في العمل ، أما إن ادعت خلاف ما قال ح . أو ادعت أنه قد طلقها قبل هذا الطلاق . فأرجو الإفادة بجوابها حتى ننظر في ذلك أثابكم الله وبارك فيكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
29 - حكم الطلاق المعلق بشرط وحكم طلاق السكران
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم المنطقة الشرقية وفقه الله لكل خير آمين .(15/122)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم 1674 في 17 / 10 / 1388هـ :
يا محب اطلعت على شرحكم المؤرخ 27 / 5 / 1388هـ المعطوف على خطابنا المرفق رقم 46 وتاريخ 6 / 1 / 1388 هـ بشأن طلاق الزوج ف . م . ز . زوجته . ونفيدكم بأنه نظرا لإلحاح المذكور في طلب الفتوى حسبما جاء في خطابه المرفق المؤرخ 9 / 9 / 1388هـ ، وبناء على ما أثبته فضيلتكم في خطابكم المرفق رقم 1 وتاريخ 4 / 1 / 1388هـ من صفة الطلاق الواقع من المذكور وهو أنه طلق زوجته المذكورة ، ثم راجعها ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، ثم طلقها عشر طلقات بلفظ واحد ، وتفصيلكم ذلك باعتراف المذكور لديكم أخبر بأن الطلقة الأولى وقعت في حالة سكر ، ولم يكن يعي ما يقول ، وإنما نبهته والدته وزوجته في الصباح فراجعها ، وأن الطلقة الثانية كانت معلقة بشرط ، وهو أنه حصل خلاف بينه وبين زوجته بسبب زوجة أبيه ، فقال لزوجته : إن ذهب أخوك وتخاصم مع امرأة أبي فأنت طالق ، ولم يكن أخوها يعلم عن ذلك ، ولكنه يعلم عن سوء التفاهم الحاصل ، وقد ذهب المذكور لامرأة أبي الزوج وتكلم معها بهدوء طالبا منها الإعراض عن زوج أخته و لم يتخاصم معها ، وأن الطلقة الثالثة الآخرة كانت عشر طلقات بلفظ واحد ، وأن هذا هو تفصيل أقواله عن جميع ما حصل منه من طلاق ، ومصادقة مطلقته ووليها أخيها الشقيق له في ذلك ، وأنها لا تمانع في الرجوع إليه بعد حصول فتوى ، وكذلك أخوها لا يمانع في ذلك .
ـــــــــــــــــــ
30 - الطلاق المعلق بشرط يقع عند وجوده
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ . ع . م . وفقه الله لكل خير آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم 1389 في 5 / 9 / 1388هـ :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 21 / 6 / 1388هـ وصل ، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من السؤال عما إذا كانت هناك وسيلة لإبطال الطلاق المعلق بالصدقة أو الصيام كان معلوما
والجواب : لا أعلم ما يدل على إبطال الطلاق المعلق بالصدقة أو الصيام ، والمعروف عند العلماء أن الطلاق المعلق على شرط يقع عند وجوده ، ولا يجزئ عن ذلك صوم ولا صدقة ، ولكن بعض أهل العلم فصل بين الشروط ، ورأى أن بعضها لا يقع ما علق عليه إذا كان المعلق لم يقصد الإيقاع ، وإنما أراد أمرا آخر ،وهذا القول مرجوح وظاهر الأدلة الشرعية والفتوى على خلافه عند أكثر أهل العلم . وفق الله الجميع للفقه في دينه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 55)
32 - لا ينبغي الإكثار من الطلاق المعلق(15/123)
صاحب الفضيلة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الموقر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
أود أن أوضح لفضيلتكم قضيتي هذه مفصلة راجيا أن أوفق بتلقي إجابتكم عليها صريحة وفقكم الله : أنا رجل في الأربعين من عمري متزوج منذ عشرين عاما يغلب على طبعي سرعة الغضب والانفعال وتوتر الأعصاب وشدة التحفظ والغيرة المفرطة ، وخصوصا على زوجتي التي ما إن دخلت بها حتى أخذت في توجيهها وإرشادها ، وبالتالي تحذيرها وزجرها وعقابها عندما أعتقد مخالفتها متأثرا بما أجمعه أو أشاهده من انحرافات في عصرنا هذا ، حتى أنه بلغ بي ذلك إلى أن قلت - حينما أردت السفر للدراسة بعيدا عنها بعد عام من زواجنا- : ( لو خالفتيني فيما نهيتك عنه أثناء سفري سواء علمت أو لم أعلم فاعتبري نفسك مطلقة وتحملي إثم ذلك ) وكان قصدي بذلك أن تحافظ على نفسها من الاختلاط المتعمد بغير المحارم وممن يشك في تصرفاتهم من الرجال أو النساء ، ثم إنني سافرت بها في السنة الثانية من
دراستي ، بعد أن وافق والدها على سفرها ولم أشأ أن أبحث الماضي ، بعد أن أنجبت أول طفل ؛ ولشدة تعلقي بها وحبي لها واستمرت حياتنا وتكرر مني عبارة (علي الطلاق) على مدار العشرين عاما عندما تثير غضبي لأي أمر يتعلق بشئون البيت أو الأطفال أو الصلاة وغير ذلك مما تعود عليه أهل هذه المنطقة من القسم به والعياذ بالله كأن أقول مثلا : (علي الطلاق لو تكرر هذا . . . . لأفعل كذا) ثم يتكرر ولا أفعل .
ولقد كرهت في نفسي تصرفي هذا وألوم نفسي على ما يقع مني أثناء غضبي ، ثم ما ألبث أن أعود إلى ذلك عند أي إثارة تثيرها ، حتى أصبح يتولد لدي كرهها ، والرغبة في مفارقتها برغم تمسكها بي ، ولقد وسوست بطلاقها أكثر من مرة ، لولا تلاحق ولادة أطفالها وصغر سنهم ، وتدخل بعض أقاربي يمنعني من ذلك ، علما بأنها أنجبت عشرة أطفال أصغرهم في سن الثالثة ، وفي ليلة السبت الموافق 11 من شهر ذي القعدة الحالي حدثت بيننا مشاجرة ، فسمعت منها كلمة فسرتها على أنها عبارة تهديد فطلبت منها إيضاح القصد منها قائلا : (علي الطلاق لو ما تعلميني بقصدك من هذه الكلمة لأطلقك) وكررتها أكثر من ثلاث مرات ، وهي ترد علي في كل مرة قائلة : (والله العظيم إني لم أقصد أي شيء) ثم أخذتها وذهبت بها إلى بيت أهلها دون أن أصرح بأي لفظ سوى ذلك ولا تزال عندهم إلى تاريخه .
صاحب الفضيلة : هذه قضيتي وما حدث بيني وبين زوجتي خلال عشرين عاما بدون أي مبالغة أو تبسيط ، ولقد كان لهذه التصرفات تأثير على نفسيتي وغلبت علي الشكوك ، والاعتقادات بأن زوجتي ربما تكون طلقت مني في أي وقت من الأوقات ، ولا أستطيع مراجعتها بسبب شكوكي وخوفي من الوقوع في المعصية إذا لم أكن قد وقعت من قبل ولا أستطيع البت أو التصريح بطلاقها خوفا على الأطفال وعطفا عليهم وحاجتهم إلى حنان أمهم وتربيتهم التي أصبحت بعيدة عنهم ولا(15/124)
يستطيعون الحياة بدونها . آمل من فضيلتكم إجابتي عن هذه المشكلة على ضوء ما أوضحته من غير أن أزيد أو أنقص . وفقكم الله ، والله يحفظكم .
وعليكم السلام : بعده استفسار شخصي من / ع . ر . أجاب عليه سماحته بتاريخ 19 / 12 / 1403 هـ :
ما كان ينبغي منك إكثار الطلاق ولا سوء الظن بغير موجب ، فنوصيك بالحذر من ذلك مستقبلا ، وتقوى الله عز وجل ، وحسن الظن بأهلك وعدم سوء الظن بهم من دون سبب يوجب ذلك .
أما الجواب عن الواقع فجميع ما صدر منك من الطلاق المعلق إذا كان المقصود منه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب ، وليس المقصود إيقاع الطلاق فهو في حكم اليمين ، وعليك عن كل واحد من ذلك تحنث فيه كفارة يمين ، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد ، وهو كيلو ونصف تقريبا أو كسوتهم ، وإن غديتهم أو عشيتهم ولو متفرقين كفى ذلك ، أما الطلاق الأخير فليس عنه كفارة ، لكونها أخبرتك أنها ما أرادت بالكلمة شيئا مما يسوؤك وحلفت على ذلك . فأما الوساوس بالطلاق فلا يقع بها شيء ، وهكذا نية الطلاق بدون لفظ ولا كتابة لا يقع بها شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أخرجه البخاري برقم 2343 كتاب العتق ، ومسلم برقم 181 ، كتاب الإيمان . إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم أعاذنا الله وإياكم من الشيطان وهدانا جميعا صراطه المستقيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
37 - مسألة في الطلاق المعلق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم الأحساء وفقه الله لكل خير آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت من سماحته برقم 2360 وتاريخ 4 / 10 / 1393 هـ :
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 66)
يا محب كتابكم الكريم رقم 6550 وتاريخ 1 / 9 / 1393هـ ، وصل ، وصلكم الله بهداه واطلعت على جميع الأوراق المشفوعة به المتعلقة بطلاق الزوج أ . ع . ن . لزوجته وأفيدكم أني بعد سؤاله عن قصده بالطلاق والتحريم المعلقين بتزويج بنته د . على غير ع . ع . ق . أجاب بأن قصده من ذلك حث نفسه على تزويج بنته على الشخص المذكور في المستقبل وأنه متى زوجت بغيره بطوعه ورضاه فإن زوجته تكون طالقة بالثلاث ومحرمة عليه هكذا أجاب ، وقد كرر التحريم والطلاق ثلاث مرات بقصد التأكيد هكذا قال .
وبناء على ذلك أفتيته بأن زوجته المذكورة باقية في عصمته ؛ لأن الطلاق والتحريم لم يقع شرطهما إلى حين التاريخ ، ولا يخفى أن المعلق على شيء لا يقع بدونه ، ومتى زوجت ابنته بغير الشخص المذكور وقع على زوجته بذلك طلقة واحدة في أصح قولي العلماء لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المشهور في ذلك وعليه(15/125)
كفارة الظهار أيضا إذا زوجت ابنته بغير الشخص المذكور لكونه أراد تحريمها بذلك فأرجو إشعار والد الزوجة بذلك ليسلمه زوجته شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم وأبرأ ذمة الجميع إنه جواد كريم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 67)
38 - حكم الطلاق المعلق
حضر عندي الزوج (ح . م) و (ع . س) واعترف الزوج المذكور بأنه غضب على زوجته المضمومة في دفتر إقامته وهي أخت ع . س . المذكور فقال إذا خرجت لأخيك فأنت طالق فلم تخرج ثم أمرها بأمر فتوقفت فقال : أنت طالق بالثلاث وذلك من نحو خمسة أيام ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده ، وبسؤالها عما قاله الزوج أجابت بأن ذلك هو الواقع وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده ، أما أخوها ع . س . المذكور فذكر أنه لا يعلم شيئا عن الواقع إلا منهما ، كما أفاد أنه لا يعلم أن الزوج طلقها سوى هذا الطلاق .
وبناء على ذلك أفتيتهما بأن الطلاق المعلق لم يقع به شيء لكونها لم تخرج ، أما الطلاق المنجز فقد وقع عليها به طلقة واحدة وله مراجعتها مادامت في العدة ؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة وقد راجعها عندي بحضرتها وحضرة أخيها وبذلك استقرت في عصمته ، وقد أفهمنا الزوج المذكور أن التطليق بالثلاث لا يجوز وأن عليه التوبة من ذلك . أصلح الله حال الجميع . قاله وأثبته الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه صدرت من سماحته برقم 2729 / خ في 22 / 9 / 1394هـ .
ـــــــــــــــــــ
41 - مسألة في الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت من سماحته برقم 1784 / خ في 8 / 8 / 1393هـ .
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 72)
يا محب كتابكم الكريم رقم 2024 وتاريخ 28 / 6 / 1393هـ الجوابي لكتابي رقم 934 وتاريخ 11 / 5 / 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة عن حضور مطلقة م . م . ووليها والشاهد الذي كان حاضرا وقت الطلاق لدى فضيلتكم وأفادت بأن الزوج المذكور لم يحصل منه إلا ما أشرنا إليه في كتابنا المنوه عنه آنفا كان معلوما .
وقد اطلعت على الصك المرفق الصادر بإملاء فضيلة مساعدكم برقم 286 وتاريخ 18 / 11 / 1391هـ فوجدته ينص على إثبات طلاق الزوج المذكور لزوجته طلقة واحدة بتاريخ 1 / 8 / 1391 هـ وأنه لم يطلقها قبل ذلك ، وبناء على ذلك وعلى ما(15/126)
اعترف به الزوج المذكور عندي كما في كتابي المشار إليه بأنه غضب على زوجته المذكورة بسبب كلام جرى بينه وبينها في الليل فقال لها : إذا ما تمسين بحسن خلق فأنت طالق فقالت : طلقني فدعا أخاه وأخبره بما ذكر وقال له تراها مطلقة من أجل أنها أبت تمسي بحسن خلق وأن قصده بذلك الطلاق المعلق على عدم إمسائها بحسن خلق وأنه سبق أن طلقها طلقة في حال حملها وكتب لها صكا بذلك ثم بعد الولادة تزوجها على يد فضيلتكم ولم يطلقها سوى ذلك ، أفتيته بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بذلك طلقتان وله مراجعتها ما دامت في العدة ، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا ، لأن الأدلة الشرعية تدل على ذلك كما لا يخفى ، فأرجو إشعاره وولي مطلقته بذلك . شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
42 - مسألة في الطلاق المعلق
س : حلفت على زوجتي مرة قائلا : والله العظيم إن لم تذهبي اليوم إلى بيتنا لتكونين طالقة ، وكانت في بيت أبيها في حالة نفاس لم يمر عليها خمسة أيام من وضعها لسوء تفاهم نشب بيني وبين أبيها ، وكنت لا أقصد طلاقها ، ولكن كنت أقصد أن تخاف على نفسها من الطلاق ، وتذهب إلى بيتنا تاركة بيت أبيها ، ولكنني بعد أن هدأت لمت نفسي ، بعد هذا الحلف وخوفا من إصابتها بمرض أثناء ذهابها ، المهم لم ينفذ هذا الذهاب إلى بيتنا ، وبعد مرور عدة سنين ولكثرة كلامها في موضوع لا أرغب في الاستماع إليه ، حلفت عليها قائلا والله العظيم إن لم
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 74)
تسكتي عن هذا الحديث في هذا الموضوع الآن لتكونين طالقة ولكنها تكلمت ، وكان قصدي أيضا أن أمنعها من الحديث ، وأخوفها بالطلاق ولا أقصد تطليقها ، إنما أقصد طاعتي في السكوت ، فهل في هذين الحلفين وقع علي يمين ، أو طلاق رجعي أو يمين وطلاق معا ، وبمرور السنين أيضا حلفت عليها أيضا إذا تصرفت في أي موضوع بدون مشورتي لتكونين علي حراما كأمي وأختي ، أقصد أيضا تهديدها لعدم التصرف بدون مشورتي وطاعتي ، فهل هذا ظهار أم يمين؟ أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرا من ضمن أسئلة برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (51) .
ج : هذا التصرف لا يليق منك ، بل ينبغي التثبت وعدم المسارعة إلى الطلاق ، ولا إلى التحريم أيضا ، ولكن مادام الواقع هو ما ذكرت ، وليس قصدك إلا تخويفها ، وحثها على امتثال أمرك ، فإن هذه الوقائع الثلاث كلها في حكم اليمين ، كل واحدة منها في حكم اليمين ، الطلاق الأول والطلاق الثاني والتحريم الأخير ، كله في حكم اليمين ، وعليك كفارة اليمين عن هذه الوقائع الثلاث ، فعليك كفارات ثلاث ، عن كل واحدة كفارة يمين ، وهي إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد ، من تمر أو غيره وذلك يقارب كيلو ونصفا ، أو كسوتهم بما يجزئ في الصلاة ، أو ما هو أكمل من ذلك من إزار ورداء مثل قميص وعمامة ، يكفي لكل واحد ، وإن عشيتهم في بيتك أو غديتهم في بيتك ، كفى ذلك أيضا ، وعليك التوبة(15/127)
إلى الله من التحريم ، لأنه لا يجوز التحريم لما أحل الله سبحانه وتعالى وهذا الذي قلنا لك هو الأقوى والأصح من أقوال أهل العلم ، أن في هذا كفارة يمين ، ولا يلحقك طلاق ولا تحريم ، هذا هو الأرجح من أقوال أهل العلم في هذه المسائل الثلاث ، نسأل الله لنا ولك الهداية .
ـــــــــــــــــــ(15/128)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الطلاق في الحيض
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(16/1)
الطلاق في زمن الحيض نافذ مع الإثم
تاريخ 17 صفر 1425 / 08-04-2004
السؤال
رجل طلق زوجته الثانية تحت ضغط الزوجة الأولى في أيام الدورة الشهرية وهو يعلم أن الطلاق لايجوز إلا في طهر لم يمسها فيه0
فما حكم الشرع في سريان هذا الطلاق وخصوصاً أنه طلب منه الإعادة بعد الطهر فلم يفعل وقال إنه فعله مؤقتاً وأنكره لمن سأله عنه، إذ قال إنني لم أطلق ولكن الزوجة الأولى وشخص آخر أكدا إجراءه الطلاق، وحلف يمين على القرآن الكريم بالطلاق0
شكراً جزيلاً0
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطلاق في زمن الحيض لا يجوز دل على ذلك الكتاب والسنة، وهو مع ذلك نافذ في قول الجمهور، ويأثم بفعله وانتهاكه للحرمة إذا كان يعلم.
والطلاق لا يثبت إلا بإقرار الزوج به أو شهادة عدلين غير متهمين، فإذا أنكر الزوج الطلاق ولم تقم بينة عليه، فلا تعتبر الدعوى حينئذ، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وعلى هذا فشهادة الزوجة الأولى وشخص آخر لا يثبت به الطلاق ما دام الزوج ينكره.
وإذا كانت الزوجة تعلم في حقيقة الأمر أن زوجها طلقها فلا يجوز لها أن تمكنه من نفسها حتى يراجعها، ومراجعتها تكون بقوله أو فعله المصحوب بالنية ويستحب أن يشهد على ذلك، ولا يشترط رضاها ولا رضى الولي إن كان ذلك قبل الخروج من العدة.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 8507/30001/37090.
وننصح السائلة الكريمة أو من وقعت في طلاق فيه مناكرة أن ترفع أمرها إلى قاضي المحكمة الشرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
قول شيخ الإسلام في طلاق الحائض
تاريخ 06 رجب 1424 / 03-09-2003
السؤال
زوج رمى على زوجته يمين الطلاق وهي حائض، هل يقع الطلاق، مع العلم بأنها الطلقة الـ3، وهناك أخت أفتت لهم بأنه لم يقع لأنها سمعت هذه الفتوى من شيخ قبل ذلك، فقام الزوجان بممارسة حياتهم والآن هذه الأخت مرعوبة مما إذا كانت فتواها غير صحيحة أرجو الإفادة؟
الفتوى(16/2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلاق الحائض لا يجوز لمخالفته للكتاب والسنة، ومع ذلك فإذا حصل من شخص فإنه يقع عند جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، وما دام الطلاق قد وقع منك المرة الثالثة، فإن الزوجة بانت منك بينونة كبرى، ولا سبيل إلى ارتجاعها ما لم تتزوج زواجاً شرعياً.
وما ذكرته الأخت من أن بعض أهل العلم أفتى بعدم وقوع طلاق الحائض، فإنه قول شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه، لكنه خلاف قول جمهور أهل العلم، وبإمكانك أن ترجع إلى المحكمة الشرعية في بلدك لتوضيح الأمر.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض واقع
تاريخ 21 ربيع الثاني 1424 / 22-06-2003
السؤال
طلق زوجته طلقة ثالثة وهي حائض فما هو الحكم؟ وما حكم معاشرته لها بعد ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالحكم أن زوجته قد بانت منه عند جماهير أهل العلم ومعاشرتها بعد ذلك زنا، فليبادر إلى التوبة إلى الله، إن كان وقع شيء من ذلك حذراً من عقوبته وانتقامه، وانظر للأهمية الفتوى رقم: 31362، والفتوى رقم: 5584. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض محرم ووافع
تاريخ 27 صفر 1424 / 30-04-2003
السؤال
فضيلة الشيخ حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المسالة أني طلقت زوجتي ثلاث طلقات متفرقة من حيث الزمان والمكان وأني شخص لا أملك نفسي عند الغضب والمشكلة أن لي منها أولاداً وهي الآن حامل في الشهر الرابع وقد أخبرتني أنها في الطلقة الأولي كانت حائضاً فهل لي حق في إرجاعها أم أنها قد بانت مني بينونة كبري؟ أرجو من فضيلتكم الرد بفتوي عاجله أثابكم الله . جايز الروبلي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالغضب لا يمنع وقوع الطلاق ما دام لم يصل بالإنسان إلى مرحلة فقد الوعي، كما سبق في الفتوى رقم: 12287. وإذا كان غضبك في حال طلاقك مما يقع معه الطلاق، فإن زوجتك قد طلقت منك ثلاثاً، ولا يحل لك نكاحها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيرك ولا يكون محللاً، لأن الطلاق في الحيض محرم وواقع، كما في الفتوى رقم: 8507. والله أعلم.(16/3)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض واقع لكنه مخالف للسنة
تاريخ 11 صفر 1424 / 14-04-2003
السؤال
طلقت زوجتي ثلاثا في ورقة وكانت في حيض فما هو الحكم؟ وهل لي مراجعتها أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الطلاق في الحيض مخالف للسنة، وكذلك إيقاع الطلاق بلفظ الثلاث ومع ذلك فهو واقع وعليه فقد بانت منك زوجتك بينونة كبرى، ولا تحل إلا بعد زوج، وراجع الفتوى رقم: 14765.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في النفاس واقع مع الإثم
تاريخ 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
هل الطلاق يقع أنا فى حالة النفاس وكان آخر يومٍ للنفاس كان آخر يوم فى الأربعين، وكان من قبل طلقتين، والطلقة الثالثة وأنا فى فترة النفاس قال لي: أنتِ طالق، وكان متاكدًا من قوله تمامًا .
أرجو إفادتى مع العلم أنه يريد ان يرجعنى إليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصحيح من أقوال أهل العلم أن الطلاق في الحيض وفي النفاس يقع مع إثم المطلق كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم: 8507.
وننبه هنا إلى أن الدم إذا انقطع عن النفساء قبل الأربعين فهي طاهرة وتلزمها الصلاة والصوم ولا تترك ذلك حتى تكمل الأربعين، وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم:
1619.
وتعرف المرأة الطهر بإحدى علامتين سبق بيانهما في الفتوى رقم:
3893.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طلا ق الحائض واقع على الصحيح(16/4)
تاريخ 23 محرم 1424 / 27-03-2003
السؤال
تزوجت امرأة غير عربيةحديثة الإسلام دون علم الأهل ثم أصر الأهل على طلاقها وهم حتى لم يروها وبعد شهور من الجدل والتهديد بغضب الله وأن سبب إسلامها الوحيد هو أنها تريد الزواج بي وأختلاف الثقافات وقد تهرب بالأولاد وما غير ذلك من أمور، ذهبت لزيارتهم ومناقشة الأمر حيث أني أعمل بدولة أخرى أحضروا أحد المشايخ المقربين وأخذ يقول لي أموراً مثل واجب الطلاق حسب حديث ابن عمر بالرغم أنهم لا يعرفون زوجتي وأن مثلها ما قدموا إلى الغربة إلا للعهر وأن غضب الله علي من عدم رضى والدتي حتى والدي المتوفى غضبان علي في السماء وأن أبغض الحلال حديث ضعيف وأن عمر نهر المسلمين عن الزواج بفارسيات حديثي الإسلام لأن بنات المسلمين أولى فرددت خلفه كلمات الطلاق وكانت زوجتي في فترة الحيض، وقرأت في كتاب الشعراوي أن الطلاق في الحيض لا يقع (كانت نيتي) ورأي الجمهور أنه يقع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طلاق الحائض وإن كان غير جائز إلا أنه واقع في مذهب جماهير العلماء الحنابلة والشافعية والحنفية والمالكية وهو الصحيح المقطوع به، وقد سبق بيانه في الفتوى رقم: 23636، والفتوى رقم: 15478.
وننصح الأخ السائل بطاعة والدته والنزول على رغبة أهله بعدم الرجوع إلى هذه المرأة، وهو إن صحَّ ما يقولونه فقد كفي شر هذه المرأة، وإن لم يصح فالنساء غيرها كثير وتقديم رغبة أمه وأهله أولى، ولعل الله يعوضه بهذا خيراً منها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا منافاة بين وقوع الطلاق في الحيض وكونه محرما
تاريخ 09 رمضان 1423 / 14-11-2002
السؤال
قال زوجي علي الطلاق ما تشربي شيشة( ولا أتذكر أبدا هل أكمل وقال وإن شربت فأنت طالق أم لا ) وأكمل إلا إذا حطيتها بيديه هو في فمي أنا .. هذا ما أفتكره في يمينه ومع علمي أن من هي في حيض لا يقع الطلاق فقمت وشربت شيشة مرة واحدة على أساس أني في حيض ولن أطلق منه وهو على جهل من ذلك وبعدها خفت ولم أكرر ذلك .. وبعد فترة من ذلك ناولني وشربت من يده الشيشة ..
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا فرق بين قول الرجل لزوجته: عليَّ الطلاق، لا تفعلي كذا، وبين قوله: إن فعلت كذا فأنت طالق.(16/5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وأيمان المسلمين التي هي في معنى الحلف بالله مقصود الحالف بها تعظيم الخالق - لا الحلف بالمخلوقات - كالحالف بالنذر والطلاق والعتاق، كقوله: إن فعلت كذا فعلي صيام شهراً أو الحج إلى بيت الله أو قال: عليَّ حرام لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا فكل ما أملكه حرام، أو الطلاق يلزمني لأفعلنَّ كذا أو لا أفعله، أو إن فعلته فنسائي طوالق. وهذا الأخير هو الذي يهمنا هنا
إلى أن قال: فهذه الأيمان للعلماء فيها ثلاثة أقوال: قيل إذا حنث لزمه ما علقه وحلف به، وقيل لا يلزمه شيء، وقيل يلزمه كفارة يمين. اهـ.
والأول من هذه الأقوال هو مذهب الجمهور، أي إذا حصل الحنث حصل ما علقه وحلف به، وهذا كله فيما لو قصد بقوله: إن فعلت كذا فأنت طالق -اليمين،- أما إذا قصد به تعليق الطلاق، أي قصد حصول الطلاق عند حصول ما علقه عليه فهذا يقع به الطلاق عند حصول ما علقه عليه عند جميعهم فيما نعلم.
وعلى مذهب الجمهور الذي ذكرناه فإن السائلة قد طلقت من زوجها، فإن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية فله أن يراجعها في العدة، فإذا انتهت العدة فليس له مراجعتها إلاَّ بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولا يجوز للزوجة أن تكتم عن زوجها أنها فعلت ما علق الطلاق بفعله، فإنه يعاشرها وليس زوجاً لها وهذا لا يجوز.
وبقي أن ننبه إلى أنه لا فرق في وقوع الطلاق بين حال حصول الحيض وحال عدمه، كما ذهب إليه أكثر أهل العلم -ومنهم الأئمة الأربعة- بل حكى عليه غير واحد الإجماع، هذا مع العلم بأن إيقاع الطلاق أثناء الحيض محرم، ولكن لا منافاة بين وقوعه وكونه محرماً وراجعي الجواب رقم: 8507
وأما حكم شرب الشيشة فقد تقدم الجواب عنه في الفتوى رقم: 1671
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تحتسب الحيضة من العدة للمطلقة أثناءها، وهل يصح أن تخطب
تاريخ 27 ربيع الثاني 1423 / 08-07-2002
السؤال
تركني زوجي لمدة شهرين عند أهلي لكرهه لي وطلقني وأنا حائض وأنا لم أجلس معه سوى شهر واحد فقط:
- هل تعتبر هذه الحيضة من الحيضات الثلاث للعدة؟
- هل يجوز أن أخطب وأنا في العدة علما بأني لا أريد الرجوع لزوجي ولا يريد هو ذلك؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطلاق في الحيض طلاق واقع عند جماهير العلماء، مع كونه محرماً وهو من طلاق البدعة، إذ السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه.(16/6)
وعدة المطلقة التي تحيض ثلاثة قروء بالإجماع، لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228].
واختلف العلماء في المراد بالقروء، أهو الحيض أم الطهر؟
فذهب الحنابلة والحنفية إلى أنه الحيض، فتعتد المطلقة عندهم بثلاث حيضات، ولا تحسب الحيضة التي طلقت فيها.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: الحيضة التي تطلق فيها لا تحتسب من عدتها بغير خلاف بين أهل العلم.
وإذا كان الطلاق رجعياً، بأن كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية لم يجز لأحد أن يخطبك لا تصريحاً ولا تعريفاً حتى تنتهي عدتك، ولو كان الزوج لا ينوي إرجاعك.
قال القرطبي رحمه الله: ولا يجوز التعريض لخطبة الرجعية إجماعاً لأنها كالزوجة، وأما من كانت في عدة البينونة، فالصحيح جواز التعريض لخطبتها. والله أعلم. انتهى.
فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة، فقد حللت من عدتك، وجازت لك الخطبة.
ويجب على المرأة أن تبقى في بيت زوجها، ولا يجوز لها أن تخرج منه، ولا يجوز لزوجها أن يخرجها، وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم: 3986، والفتوى رقم: 6922.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كون المرأة حائضاً لا يمنع وقوع الطلاق
تاريخ 12 صفر 1423 / 25-04-2002
السؤال
حصلت مشكلة بيني وبين زوجتي فغضبت غضبا يشهد الله علي أني لم أغضب مثله من قبل لدرجة أنني إدخلت إلى المستشفى بسبب أرتفاع ضغط الدم واضطراب بالقلب. وقبل دخولي عليها كنت أعلم أنها حائض وقلت بنفسي حتى لو حدث طلاق فإنها حائض ولا يقع طلاقها واستندت إلى قصة عبدالله بن عمر رضي الله عنه. ولكن أثناء قمة غضبي قلت: أنت طالق طالق طالق. فهل يقع الطلاق مع العلم أننا متفقان على الرجوع بدون أية شروط..
أفيدونا جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فطلاقك إما أن يكون وقع في حالة غضب أفقدك وعيك، بحيث أصبحت لا تعي ما تقول، وهذا هو الإغلاق على تفسير بعض أهل العلم، والطلاق في هذه الحالة غير واقع، لأنه وقع من فاقد العقل، كالمجنون والمغمى عليه.
وإما أن يكون الطلاق وقع منك في حالة غضب شديد، ولكنك تعي وتعقل ولم تفقد عقلك، فهو واقع وتكون زوجتك قد بانت منك بينونة كبرى، إن قصدت بكل لفظ من(16/7)
ألفاظ الطلاق الثلاث إنشاء الطلاق المستقل وتأسيسه. أما إن كنت تقصد باللفظين الأخيرين تأكيداً للفظ الأول فقط، فإن الجميع يعتبر طلقة واحدة، وراجع الفتوى رقم: 4010، والفتوى رقم: 6396 لأنك طلقتها ثلاثاً، وكونها حائضاً لا يمنع وقوع الطلاق، فطلاق الحائض يقع كما هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وجمهور أهل العلم.
ونلفت النظر إلى أن غالب الطلاق يحدث في حالة الغضب، ويندر أن يحدث الطلاق من الرجل وهو يمازح أهله ويداعبهم، فليس الاعتذار بالغضب عذراً مقبولاً، ما لم يصل إلى مرحلة فقد الوعي كما تقدم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في الحيض
سؤال:
في أول يوم من أيام الحيض نسيتْ أن تخبر زوجها وطلبت منه الطلاق وقام بإيقاع الطلاق ( الثالث ) ثم تذكرت ذلك وأخبرته ؟ ما هو الموقف الشرعي المترتب على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا ؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه ، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء ، خلافاً لقول الجمهور . فجمهور العلماء يرون أنه يقع ، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين ، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع ؛ لأنه خلاف شرع الله ، لأن شرع الله أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض ، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها ، فهذا هو الطلاق الشرعي ، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة ، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الطلاق/1.
والمعنى : طاهرات من غير جماع ، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة ، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع ، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من "فتاوى الطلاق" (ص44) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/58) : " الطلاق البدعي أنواع منها : أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه ، والصحيح في هذا أنه لا يقع " انتهى .(16/8)
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به ، وتظل المرأة في عصمة زوجها .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه لله عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، وكان لا يدري أنها حائض ، فهل يقع هذا الطلاق ؟
فأجاب :
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم ، وطال فيه النقاش ، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا ؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا ، ويحسب على المرء طلقة ، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة : الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه ، أن الطلاق في الحيض لا يقع ، ولا يكون ماضيا ، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة : حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) فالعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله ، فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم ، لا عبرة بعلمه ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع ، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ، ولا إثم على الزوج " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (3/268) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
أحكام الحيض
سؤال:
ما هي الأحكام المترتبة على وجود الحيض للمرأة ؟.
الجواب:
الحمد لله
" للحيض أحكام كثيرة تزيد على العشرين ، نذكر منها ما نراه كثير الحاجة ، فمن ذلك :
الأول : الصلاة :(16/9)
فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها ، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة ، فتجب عليها الصلاة حينئذ ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره .
مثال ذلك من أوله : امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض .
ومثال ذلك من آخره : امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر ، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة .
أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة ، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة ، فإن الصلاة لا تجب عليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) متفق عليه ، فإن مفهومه أن من أدرك ركعة لم يكن مدركاً للصلاة .
* وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد ، والتسمية على الأكل وغيره ، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك ، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكيء في حجر عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن .
وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ـ يعني إلى صلاة العيدين ـ وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى ) .
فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بنفسها ، فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك ، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها ، قال النووي في "شرح المهذب" : جائز بلا خلاف .
وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز .
وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر : هو جائز ، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في "فتح الباري" وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي : لا بأس أن تقرأ الآية .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" : " ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً ، فإن قوله : ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن ) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث . وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة ، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس ، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً ، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك ، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم " انتهى .
* والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال : الأولى للحائض ألا تقرأ القرآن الكريم نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك ، مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى(16/10)
تلقين المتعلمات ، أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك .
الحكم الثاني : الصيام :
فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله ، ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث عائشة رضي الله عنها : ( كان يصيبنا ذلك ـ تعني الحيض ـ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) متفق عليه .
وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة ، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً .
أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح ، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل ؟ قال : ( نعم إذا هي رأت الماء ) . فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله ، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله .
وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة .
وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها ،وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر ، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان ) متفق عليه .
الحكم الثالث : الطواف بالبيت :
فيحرم عليها الطواف بالبيت ، فرضه ونفله ، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) .
وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ومنى ، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها ، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة ، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك .
الحكم الرابع : سقوط طواف الوداع عنها :
فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة ، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها ، فإنها تخرج بلا وداع ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ) متفق عليه .
وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت .
الحكم الخامس : المكث في المسجد :
فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه ، لحديث أم عطية رضي الله عنها : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول(16/11)
: ( يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ) وفيه : ( يعتزل الحيض المصلى ) متفق عليه .
الحكم السادس : الجماع :
فيحرم على زوجها أن يجامعها ، ويحرم عليها تمكينه من ذلك , لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) .
والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) يعني الجماع . رواه مسلم .
ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها .
وقد أبيح له ولله الحمد ما يكسر به شهوته دون الجماع ، كالتقبيل والضم والمباشرة فيما دون الفرج ، لكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حائل ، لقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض . متفق عليه .
الحكم السابع : الطلاق :
فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ، أي : في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق ، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع ، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة ، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع ،فتعتد بالحمل ،أو لم تحمل فتعتد بالحيض ، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر .
فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة ، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ) .
فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم ، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله ورسوله ، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ، ثم تحيض مرة أخرى ، ثم إذا طهرت فإن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها .
ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل :
الأولى : إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها ، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض ، لأنه لا عدة عليها حينئذ ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقوله تعالى : ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) .
الثانية : إذا كان الحيض في حال الحمل .
الثانية : إذا كان الطلاق على عوض ، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض .(16/12)
وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل ، ولا دليل على المنع منه ، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس ، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع .
الحكم الثامن : اعتبار عدة الطلاق به ـ أي الحيض ـ
فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة ، إن كانت من ذوات الحيض ، ولم تكن حاملاً لقوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) . أي : ثلاث حيض . فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله ، سواء طالت المدة أو قصرت لقوله تعالى : ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) . وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض ، فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) . وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم كالمرض والرضاع فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به ، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعاً فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب ، هذا هو القول الصحيح ، الذي ينطبق على القواعد الشرعية ، فإنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض صارت كمن ارتفع حيضها لغير سبب معلوم وإذا ارتفع حيضها لغير سبب معلوم ، فإنها تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل احتياطاً غالب الحمل ، وثلاثة أشهر للعدة .
* أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة ، فليس فيه عدة إطلاقاً ، لا بحيض ولا غيره لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ) .
الحكم التاسع : الحكم ببراءة الرحم :
أي بخلوه من الحمل ، وهذا يحتاج إليه كلما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل :
منها : إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها ، وهي ذات زوج ، فإن زوجها لا يطأها حتى تحيض ، أو يتبين حملها ، فإن تبين حملها ، حكمنا بإرثه ، لحكمنا بوجوده حين موت مورثه ، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض .
الحكم العاشر : وجوب الغسل :
فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ) رواه البخاري .
* وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر ، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم : ( تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً ، حتى تبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة ـ أي قطعة(16/13)
قماش فيها مسك فتطهر بها ـ فقالت أسماء : كيف تطهر بها ؟ فقال : سبحان الله ! فقالت عائشة لها : تتبعين أثر الدم ) رواه مسلم .
* ولا يجب نقض شعر الرأس ، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله ، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ وفي رواية للحيضة والجنابة ؟ فقال : ( لا , إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ) .
وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها ، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل .
وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة ، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول : إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت ، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل ، وتؤدي الصلاة في وقتها ، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل " انتهى .
فهذه أهم الأحكام التي تترتب على وجود الحيض من المرأة .
"رسالة في الدماء الطبيعية للنساء" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
حكم الطلاق البدعي المحرم ... العنوان
أنا رجل متزوج ولي ولد وبنت، وقد وقع خلاف بيني وبين زوجتي أدى إلى الطلاق، وبعد أسبوع من الطلاق تبين أن الزوجة حامل لها ثلاثة أشهر . هل يصح الطلاق أم لا ؟. ... السؤال
01/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
اتفق الفقهاء على حرمة الطلاق البدعي، وهو الطلاق الذي يطلق الزوج فيه زوجته وهي حائض أو في طهر عاشرها فيه، لكنهم اختلفوا حول وقوع الطلاق هل يقع أم لا ؟ وعند الجمهور يقع الطلاق مع الإثم ، وعند غير الجمهور لا يقع الطلاق البدعي المحرم، لأنه غير مشروع، وبالتالي هو هدر ولغو .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
الطلاق في نظر الشريعة الإسلامية عملية جراحية مؤلمة، ولا يلجأ إليها إلا لضرورة توجبها، تفاديًا لأذى أشد من أذى العملية نفسها، ومن هنا جاء في الحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " رواه أبو داود.(16/14)
ولهذا وضعت الشريعة قيودًا عدة على الطلاق، حرصًا على رابطة الزوجية المقدسة أن تتهدم لأدنى سبب، وبلا مسوغ قوي . ومن هذه القيود قيد الوقت فلابد لمن أراد أن يطلق زوجته أن يختار الوقت الملائم الذي يطلقها فيه.
والسنة في ذلك أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، لقوله تعالى: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) (الطلاق: 1) . قال ابن مسعود وابن عباس في تفسير الآية: أي طهر من غير جماع.
والحكمة في ذلك: أن حالة الحيض تجعل المرأة غير طبيعية، فلا يجوز للزوج أن يفارقها حتى تطهر، وتعود إلى وضعها الطبيعي.
وكذلك إذا كانت في طهر جامعها فيه، فلعلها حملت منه وهو لا يدري، وربما لو علم بالحمل لغير رأيه . كما في الحالة التي يسأل عنها الأخ السائل.
فالمشروع إذن أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه، أو تكون حاملاً قد استبان حملها فهذا يدل على أنه أقدم على الطلاق بعد اقتناع وبصيرة.
قال الإمام أحمد: طلاق الحامل طلاق سنة، لحديث ابن عمر: " فليطلقها طاهرًا أو حاملاً ".
فإن طلقها في حالة الحيض، أو في طهر مسها فيه، فليس هذا من السنة، وإنما هو طلاق بدعي حرام . كما في الحالة التي يسأل عنها الأخ، فقد طلق امرأته في طهر مسها فيه . ولكن هل يقع الطلاق في هذه الحالة ؟
جمهور العلماء يقولون بوقوعه، وإن كان حرامًا، ويستحبون للزوج أن يراجع زوجته بعد ذلك، وبعضهم يوجب عليه أن يراجعها كما هو مذهب مالك ورواية عن أحمد، لحديث ابن عمر في الصحيحين: أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها.
وظاهر الأمر الوجوب.
وقال طائفة من العلماء: لا يقع لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى ولا أذن فيه فليس من شرعه فكيف يقال بنفوذه وصحته وقد جاء في الحديث الصحيح: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الطلاق وقت الحمل ... العنوان
السلام عليكم قبل عامان حدث شجار بيني وبين زوجتي وكانت حاملا ثلاث شهور وفي مجلس واحدلفظت ،طالق طالق وتصالحنا وجامعتها كأن شيئا لم يكن وفي عيد الفطر حدث شجار عنيف وقلت تبغين الطلاق؟ أنت طالق وهى حامل ثلاثة شهور وفي نفس الليلة تصالحنا ، وجامعتها كأن شيئا لم يكن ، وعندي ثلاثة أطفال ،فهل هذا يحسب ثلاث طلقات أما ماذا؟ أفيدونا بارك الله فيكم
... السؤال
16/01/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...(16/15)
... بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
الطلاق وقت الحمل يقع عند جمهور الفقهاء ،لأنه طلاق في وقت طهر،فلم يخف عليه ،لأن الحمل قد استبان .
وعليه فمادمت قد قلت لزوجك أنت طالق طالق ،في مرة ،ثم قلت لها أنت طالق مرة أخرى ،فإنه يقع الطلاق مرتين وليس ثلاث مرات ،وتبقى لك مرة أخرى ،فإن لفظت بها كان الطلاق بائنا ،فاتق الله تعالى في زوجك ،فإن العلاقة الأسرية ليس من الحكمة أن تهدم بكلمة ،فتصنع كالذي بنى مبنى شاهقا ،ثم هدمه بدون داع.
قال الفقيه الشافعي عبد الرحيم العراقي في كتابه طرح التثريب:
لو كانت الحامل ترى الدم , وقلنا هو حيض , وهو الأصح فطلقها فيه لم يجزم على الصحيح عندنا , وعند المالكية , وكذا قال الحنابلة إنه لا بدعة في طلاق الحامل قال ابن المنذر , وبه قال أكثر العلماء منهم طاوس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان , وآخرون .
وجاء في كتاب منتقى الأخبار لابن تيمية رحمه الله:
عن ابن عمر : { أنه طلق امرأته وهي حائض , فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال : مره فليراجعها , أو ليطلقها طاهرا أو حاملا } رواه الجماعة إلا البخاري
وعلق الإمام الشوكاني على هذا الحديث في كتابه نيل الأوطار فقال:
قوله : ( ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ) ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها , وبه قال أبو حنيفة , وهو إحدى الروايتين عن أحمد , وأحد الوجهين عن الشافعية . وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع . وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر , فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة , والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض , فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار . واستدل المانعون برواية أخرى من حديث الباب المذكور بلفظ : { ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر . . . }
وقوله : { أو حاملا }استدل به من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور . وروي عن أحمد أنه ليس بسني .
ويقول الإمام ابن قدامة الفقيه الحنبلي في كتابه المغني:
( وإذا قال لها : أنت طالق للسنة . وكانت حاملا أو طاهرا لم يجامعها فيه , فقد وقع الطلاق , وإن كانت حائضا , لزمها الطلاق إذا طهرت , وإن كانت طاهرة مجامعة فيه , فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة , لزمها الطلاق ) . وجملة ذلك أنه إذا قال لامرأته : أنت طالق للسنة . فمعناه في وقت السنة , فإن كانت طاهرا غير مجامعة فيه , فهو وقت السنة, وكذلك إن كانت حاملا .
قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن الحمل طلاقها للسنة . وقال أحمد : أذهب إلى حديث سالم عن أبيه : { ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا } . أخرجه مسلم(16/16)
وغيره . فأمره بالطلاق في الطهر أو في الحمل , فطلاق السنة ما وافق الأمر , ولأن مطلق الحامل التي استبان حملها قد دخل على بصيرة , فلا يخاف ظهور أمر يتجدد به الندم , وليست مرتابة ; لعدم اشتباه الأمر عليها , فإذا قال لها : أنت طالق للسنة . في هاتين الحالتين , طلقت ; لأنه وصف الطلقة بصفتها , فوقعت في الحال . وإن قال ذلك لحائض , لم تقع في الحال ; لأن طلاقها طلاق بدعة . لكن إذا طهرت طلقت ; لأن الصفة وجدت حينئذ , فصار كأنه قال : أنت طالق في النهار . فإن كانت في النهار طلقت , وإن كانت في الليل طلقت إذا جاء النهار . وإن كانت في طهر جامعها فيه , لم يقع حتى تحيض ثم تطهر ; لأن الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة , فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة , طلقت حينئذ , لأن الصفة وجدت . وهذا كله مذهب الشافعي , وأبي حنيفة , ولا أعلم فيه مخالفا . فإن أولج في آخر الحيضة , واتصل بأول الطهر , أو أولج مع أول الطهر , لم يقع الطلاق في ذلك الطهر , لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه , طلقت في أوله . وهذا كله . مذهب الشافعي , ولا أعلم فيه مخالفا .انتهى
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية:
- يصح طلاق الحامل رجعيا وبائنا باتفاق الفقهاء . ويعتبر طلاقها طلاق السنة إن طلقها واحدة عن عامة الفقهاء , أو ثلاثا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند البعض . فإذا طلقها رجعيا صح رجوع الزوج إليها أثناء العدة . ويصح له نكاحها بعد انقضاء العدة أو إذا طلقها بائنا بطلقة أو طلقتين , بخلاف ما إذا طلقها ثلاثا حيث لا يجوز نكاحها مطلقا إلا بعد وضع الحمل ولا تحل لمطلقها ثلاثا إلا بعد أن تنكح زوجا غيره .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم تطليق الحامل ... العنوان
ماحكم تطليق الزوجة وهي حامل؟
... السؤال
24/05/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... المشروع أن تطلق الزوجة في طهر لم يقربهاالزوج فيه، أو تكون حاملاً قد استبان حملها فهذا يدل على أنه أقدم على الطلاق بعد اقتناع وبصيرة.
قال الإمام أحمد: طلاق الحامل طلاق سنة، لحديث ابن عمر: " فليطلقها طاهرًا أو حاملاً
".
والمطلقة إذا كانت حاملا فإنها تستحق نفقة عدة حتى تضع حملها ولو كان الوضع بعد الطلاق بلحظة، وأما غير الحامل فإنها تستحق نفقة مادامت فى العدة، فإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاثة حيض، وإن كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة(16/17)
أشهر، فإذا لم تقر المطلقة بانقضاء عدتها فإنها تستحق نفقة لمدة أقصاها سنة من تاريخ الطلاق
ـــــــــــــــــــ
الطلاق في حالة الحيض ... العنوان
هل يَقَع الطّلاق على المرأة إذا كانت حائِضًا؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... قال تعالى: (يا أيُّها النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنّ لِعِدَّتِهِنَّ) (سورة الطلاق: 1) أي في وقت عِدَّتِهِنّ، وهي الأطْهار كما هو رأي الشافعي ومالك ومن وافقَهما، أو مُستقبِلات لِعدّتهن، وهي الحَيض كَما هو رأي أبي حنيفة ومن وافقَه.
قال العلماء: الطّلاق يكون سُنّيًّا إذا كان على المدخول بها غير الحامِل وغير الصّغيرة والآيِسة، في طُهر غير مجامَع فيه ولا في حَيض قبله، والطّلاق البِدْعِي هو إيقاع الطّلاق على المدخول بها في وقت الحَيض أو في طُهر جامَعها فيه وهي ممّن تحمِل، أو في حَيض قبله، وسُمِّيَ بِدعِيًّا لمخالفته للسُّنّة المشروعة.
روى مالك في الموطأ أن عبد الله بن عمر طلّق امرأتَه وهي حائض على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسَأل عمر رسول الله عن ذلك فقال "مُرْه فليراجِعْها، ثم ليمسِكْها حتّى تطهُرَ، ثَمّ تحَيض ثم تطهُر، ثمّ إن شاء أمسكَها بعد ذلك وإن شاء طلّق قبلَ أن يمَسّ، فتلك العِدة التي أمرَ اللهُ أن يُطلَّق لها النِّساء" ورواه البخاري ومسلم ، وجاء في رواية مسلم "مُره فليراجِعها ثم ليطلِّقْها إذا طهرت وهي حامِل" ورواه البيهقي بوجه آخر، واسم امرأة ابن عمر آمِنة بنت غِفار كما قال النووي وغيره، وقيل اسمها النور "نيل الأوطار".
ومع حُرمة الطّلاق هل يقع أو لا؟ فيه خِلاف بين العلماء السلف والخلف، فقيل: يقع، وعليه الأئمة الأربعة، وقيل: لا يقَع، وارتضى ابن القيم عدم وقوعه، وسمّاه بِدعة، وساق حُجَج الأوّلين وردّ عليها بتطويل يراجع في كتابه "زاد المعاد! ج 2 ص 44 وما بعدها" والشِّيعة الإماميّة وأهل الظاهر على هذا القول "انظر الجزء السادس من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام".
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 19)
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ : وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَسَادُهُ رَاجِحٌ عَلَى صَلَاحِهِ وَلَا يُشْرَعُ الْتِزَامُ الْفَسَادِ مِمَّنْ يُشْرَعُ [ لَهُ ] دَفْعُهُ . وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَأَبَاحَهُ فِي حَالٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ . وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ ؛ يُخَالِفُ فِي هَذَا لَمَّا ظَنَّ أَنَّ بَعْضَ مَا نَهَى عَنْهُ لَيْسَ بِفَاسِدِ كَالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . قَالَ : لَوْ كَانَ النَّهْيُ مُوجِبًا لِلْفَسَادِ لَزِمَ انْتِقَاضُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ(16/18)
مُطْلَقِ النَّهْيِ . وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْعَارِفِينَ بِتَفْصِيلِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ . فَقِيلَ لَهُمْ : بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفَ أَنَّ الْعِبَادَةَ فَاسِدَةٌ وَالْعَقْدَ فَاسِدٌ ؟ قَالُوا : بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ : هَذَا صَحِيحٌ وَهَذَا فَاسِدٌ . وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَعْرِفُوا أَدِلَّةَ الشَّرْعِ الْوَاقِعَةَ ؛ بَلْ قَدَّرُوا أَشْيَاءَ قَدْ لَا تَقَعُ وَأَشْيَاءَ ظَنُّوا أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الشَّارِعِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ . فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ
يَدُلَّ النَّاسَ قَطُّ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَلَا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ : شُرُوطُ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ : كَذَا وَكَذَا . وَلَا هَذِهِ الْعِبَادَةُ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلُوهُ دَلِيلًا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ ؛ بَلْ هَذِهِ كُلُّهَا عِبَارَاتٌ أَحْدَثَهَا مَنْ أَحْدَثَهَا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْكَلَامِ . وَإِنَّمَا الشَّارِعُ دَلَّ النَّاسَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَبِقَوْلِهِ فِي عُقُودٍ : " هَذَا لَا يَصْلُحُ " عُلِمَ أَنَّهُ فَسَادٌ كَمَا قَالَ فِي بَيْعِ مُدَّيْنِ بِمُدٍّ تَمْرًا : " لَا يَصْلُحُ " وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعُقُودِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ كَمَا احْتَجُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ فَسَادُ عَقْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ . وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ فَتَوَقَّفَ . وَقِيلَ : إنَّ بَعْضَهُمْ أَبَاحَ الْجَمْعَ . وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } . وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ الْفَسَادِ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاحِ . فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُحِبُّ الصَّلَاحَ . وَلَا يَنْهَى عَمَّا يُحِبُّهُ . وَإِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا لَا يُحِبُّهُ فَعَلِمُوا أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَاسِدٌ ؛ لَيْسَ بِصَالِحِ . وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ
فَمَصْلَحَتُهُ مَرْجُوحَةٌ بِمَفْسَدَتِهِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ رَفْعُ الْفَسَادِ وَمَنْعُهُ ؛ لَا إيقَاعُهُ وَالْإِلْزَامُ بِهِ . فَلَوْ أُلْزِمُوا مُوجِبَ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَكَانُوا مُفْسِدِينَ غَيْرَ مُصْلِحِينَ وَاَللَّهُ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَقَوْلُهُ : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } أَيْ : لَا تَعْمَلُوا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مُفْسِدٌ وَالْمُحَرَّمَاتُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ فَالشَّارِعُ يَنْهَى عَنْهُ لِيَمْنَعَ الْفَسَادَ وَيَدْفَعَهُ وَلَا يُوجَدُ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ صُوَرِ النَّهْيِ صُورَةٌ ثَبَتَتْ فِيهَا الصِّحَّةُ بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ . فَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ وَالصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ : فِيهِمَا نِزَاعٌ وَلَيْسَ عَلَى الصِّحَّةِ نَصٌّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ الْمُحْتَجِّ بِهِمَا حُجَّةٌ . لَكِنْ مِنْ الْبُيُوعِ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهَا مِنْ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالْمَعِيبِ وَتَلَقِّي السِّلَعَ وَالنَّجْش وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّارِعُ لَازِمَةً كَالْبُيُوعِ الْحَلَالِ ؛ بَلْ جَعَلَهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ وَالْخِيَرَةُ فِيهَا إلَى الْمَظْلُومِ إنْ شَاءَ أَبْطَلَهَا وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ وَالشَّارِعُ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا لِحَقٍّ مُخْتَصٍّ بِاَللَّهِ كَمَا نَهَى عَنْ الْفَوَاحِشِ ؛ بَلْ هَذِهِ إذَا عَلِمَ الْمَظْلُومُ بِالْحَالِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مِثْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ وَيَعْلَمَ السِّعْرَ إذَا كَانَ قَادِمًا بِالسِّلْعَةِ وَيَرْضَى بِأَنْ يَغْبِنَهُ
الْمُتَلَقِّي جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ رَضِيَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ بَيْعِ الْمَعِيبِ مِمَّا فِيهِ الرِّضَا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ فَإِذَا فَقَدَ الشَّرْطَ بَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَهُوَ لَازِمٌ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ وَغَيْرُ لَازِمٍ إنْ كَانَ عَلَى صِفَةٍ . وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ(16/19)
مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَى الْمُجِيزِ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ بِوَقْفِ الْعُقُودِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَد وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ ، كالخرقي وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَحْسِبُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ . ثُمَّ تَقُولُ طَائِفَةٌ أُخْرَى ؛ وَلَيْسَ بِفَاسِدِ . فَالنَّهْيُ يَجِبُ أَنْ يَقْتَضِيَ الْفَسَادَ . وَيَقُولُ طَائِفَةٌ أُخْرَى : بَلْ هَذَا فَسَادٌ . فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ النَّجْشِ إذَا نَجَشَ الْبَائِعُ أَوْ وَاطَأَ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَبَيْعِهِ عَلَى بَيْعِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْسَدَ بَيْعَ الْمَعِيبِ الْمُدَلِّسِ . فَلَمَّا عُورِضَ بِالْمُصَرَّاةِ تَوَقَّفَ . وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ نِكَاحَ الْخَاطِبِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ مُطْلَقًا وَبَيْعُ النَّجْشِ بِلَا خِيَارٍ . وَالتَّحْقِيقُ :
أَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَمْ يَكُنْ النَّهْيُ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ ، كَنِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَبَيْعِ الرِّبَا ؛ بَلْ لِحَقِّ الْإِنْسَانِ ؛ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ صَاحِبَ السِّلْعَةِ يَنْجُشُ . وَرَضِيَ بِذَلِكَ جَازَ . وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَنْجُشُ . وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ مَتَى أَذِنَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فِيهَا جَازَ . وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ هُنَا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ : لَمْ يَجْعَلْهُ الشَّارِعُ صَحِيحًا لَازِمًا . كَالْحَلَالِ ؛ بَلْ أَثْبَتَ حَقَّ الْمَظْلُومِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْخِيَارِ . فَإِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ . فَالْمُشْتَرِي مَعَ النَّجْشِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْمَبِيعَ فَحَصَلَ بِهَذَا مَقْصُودُهُ . وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ إذَا عَلِمَ بِالنَّجْشِ . فَأَمَّا كَوْنُهُ فَاسِدًا مَرْدُودًا وَإِنْ رَضِيَ بِهِ : فَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ . وَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُدَلَّسِ وَالْمُصَرَّاةِ . وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الْمَخْطُوبَةُ إنْ شَاءَ هَذَا الْخَاطِبُ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَ هَذَا الْمُعْتَدِي عَلَيْهِ وَيَتَزَوَّجَهَا بِرِضَاهُ ؛ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَ نِكَاحَهَا فَلَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ إذَا اخْتَارَ فَسْخَ نِكَاحِهَا عَادَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ . إنْ شَاءَتْ نَكَحَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْهُ ؛ إذْ مَقْصُودُهُ حَصَلَ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْخَاطِبِ . وَإِذَا قِيلَ : هُوَ غَيْرُ قَلْبِ الْمَرْأَةِ عَلَيَّ . قِيلَ : إنْ شِئْت عَاقَبْنَاهُ عَلَى هَذَا ؛ بِأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَيَكُونُ هَذَا قِصَاصًا لِظُلْمِهِ إيَّاكَ . وَإِنْ شِئْت عَفَوْت عَنْهُ فأنفذنا نِكَاحَهُ . وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ
الْمَغْصُوبَةِ وَالذَّبْحِ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ . وَطَبْخِ الطَّعَامِ بِحَطَبِ مَغْصُوبٍ . وَتَسْخِينِ الْمَاءِ بِوَقُودٍ مَغْصُوبٍ ؛ كُلُّ هَذَا إنَّمَا حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ ظُلْمِ الْإِنْسَانِ . وَذَلِكَ يَزُولُ بِإِعْطَاءِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ . فَإِذَا أَعْطَاهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَنْفَعَةِ مَالِهِ أَوْ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ : فَأَعْطَاهُ كَرْيَ الدَّارِ وَثَمَنَ الْحَطَبِ وَتَابَ هُوَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ وَصَارَتْ صَلَاتُهُ كَالصَّلَاةِ فِي مَكَانٍ مُبَاحٍ . وَالطَّعَامُ كَالطَّعَامِ بِوَقُودٍ مُبَاحٍ ؛ وَالذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُبَاحَةٍ . وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ لِصَاحِبِ السِّكِّينِ أُجْرَةُ ذَبْحِهِ . وَلَا تَحْرُمُ الشَّاةُ كُلُّهَا ؛ لِأَجْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ . وَهَذَا إذَا كَانَ أَكَلَ الطَّعَامَ وَلَمْ يُوَفِّهِ ثَمَنَهُ ؛ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ طَعَامًا لِغَيْرِهِ فِيهِ شَرِكَةٌ : لَيْسَ فِعْلُهُ حَرَامًا وَلَا هُوَ حَلَالًا مَحْضًا فَإِنْ نَضِجَ الطَّعَامُ لِصَاحِبِ الْوَقُودِ فِيهِ شَرِكَةٌ . وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الظُّلْمِ يَنْقُصُ مِنْ صَلَاتِهِ بِقَدْرِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ كَبَرَاءَةِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً تَامَّةً وَلَا يُعَاقَبُ كَعُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ ؛ بَلْ يُعَاقَبُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ . وَكَذَلِكَ آكِلُ الطَّعَامِ يُعَاقَبُ عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . وَإِنَّمَا قِيلَ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ وَبِالْمَكَانِ : يُعِيدُ ؛ بِخِلَافِ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَا سَبِيلَ(16/20)
لَهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ إلَّا بِالْإِعَادَةِ وَهُنَا يُمْكِنُهُ ذَاكَ بِأَنْ يَرُدَّ أَرْضَ الْمَظْلُومِ ؛ لَكِنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْحَرِيرِ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ : الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ ؛ لَكِنْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ؛ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا . فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ هُنَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ اشْتَمَلَ عَلَى تَعْطِيلِ الصَّلَاةِ وَنَفْسَ الصَّلَاةِ اشْتَمَلَتْ عَلَى الظُّلْمِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ كَمَا اشْتَمَلَتْ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ عَلَى مُلَابَسَةِ الرِّجْسِ الْخَبِيثِ : فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ . وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ ؛ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا : فَهَذَا صَحِيحٌ ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ إلَّا لِكَوْنِهِ شَاغِلًا عَنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْعِ . لَكِنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يَجِيءُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِإِطَالَةِ الْعُدَّةِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الطَّلَاقِ . فَيُقَالُ : وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَذَلِكَ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا لِإِفْضَائِهَا
إلَى فَسَادٍ خَارِجٍ عَنْهَا . فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نُهِيَ عَنْهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْقَطِيعَةُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ النِّكَاحِ . وَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ حُرِّمَا وَجُعِلَا رِجْسًا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الصَّدِّ عَنْ الصَّلَاةِ وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ . وَالرِّبَا حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَذَلِكَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ عَقْدِ الْمَيْسِرِ وَالرِّبَا . فَكُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَعْنًى فِيهِ يُوجِبُ النَّهْيَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لَا لِمَعْنًى فِيهِ أَصْلًا بَلْ لِمَعْنًى أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ عُقُوبَةِ الْإِنْسَانِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ ؛ لَكِنْ فِي الْأَشْيَاءِ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ فَهُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ الذَّرِيعَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ . وَهَذَا مَعْنًى فِيهِ . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ - الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ النَّهْيَ قَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ - مَنْ قَالَ : إنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِوَصْفٍ فِي الْفِعْلِ ؛ لَا فِي أَصْلِهِ . فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ قَالُوا : هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِوَصْفِ الْعِيدَيْنِ ؛ لَا لِجِنْسِ الصَّوْمِ فَإِذَا صَامَ صَحَّ ؛
لِأَنَّهُ سَمَّاهُ صَوْمًا . فَيُقَالُ لَهُمْ : وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ : جِنْسٌ مَشْرُوعٌ ؛ وَإِنَّمَا النَّهْيُ لِوَصْفٍ خَاصٍّ : وَهُوَ الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ . وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَرْقٌ مَعْقُولٌ لَا تَأْثِيرَ فِي الشَّرْعِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ : الْحَيْضُ وَالْحَدَثُ صِفَةٌ فِي الْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَذَلِكَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ . قِيلَ : وَالصِّفَةُ فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ - زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ - كَالصِّفَةِ فِي فَاعِلِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ غَيْرِ عَرَفَةَ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ . وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى أَوْ الْمَرْمِيِّ وَهُوَ صِفَةٌ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ . وَاسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ هُوَ لِصِفَةٍ فِي الْجِهَةِ لَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ وَلَوْ صَامَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ هَذَا زَمَانًا . فَإِذَا قِيلَ : اللَّيْلُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا . قِيلَ : وَيَوْمُ الْعِيدِ(16/21)
لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا كَمَا أَنَّ زَمَانَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ شَرْعًا فَالْفَرْقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَرْقًا شَرْعِيًّا فَيَكُونُ مَعْقُولًا وَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ جَعَلَهُ مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ بِحَيْثُ عَلَّقَ بِهِ الْحِلَّ أَوْ الْحُرْمَةَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ . وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِفُرُوقٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ أَوْ يَمْنَعُ تَأْثِيرَهُ فِي الْأَصْلِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَذْكُرُ وَصْفًا يَجْمَعُ بِهِ
بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا . وَكَذَلِكَ الْمُفَرَّقُ قَدْ يُفَرِّقُ بِوَصْفٍ يَدَّعِي انْتِقَاضَهُ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهَا بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُخْرَى كَقَوْلِهِمْ : النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ أَوْ ذَاكَ لِمَعْنًى فِي وَصْفِهِ دُونَ أَصْلِهِ . وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ النَّهْيُ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا كَمَا يُنْهَى الْمُحْرِمُ عَمَّا يَخْتَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِثْلَ حَلْقِ الرَّأْسِ وَلُبْسِ الْعِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَيُنْهَى عَنْ نِكَاحِ امْرَأَتِهِ وَيُنْهَى عَنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَيُنْهَى مَعَ ذَلِكَ عَنْ الزِّنَا وَالظُّلْمِ لِلنَّاسِ فِيمَا مَلَكُوهُ مِنْ الصَّيْدِ . وَحِينَئِذٍ فَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ أَعْظَمُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللَّهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِحَقِّ الْمَالِكِ . وَلَوْ زَنَى لَأَفْسَدَ إحْرَامَهُ كَمَا يَفْسُدُ بِنِكَاحِ امْرَأَتِهِ وَيَسْتَحِقُّ حَدَّ الزِّنَا مَعَ ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَبِسَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَحْرُمُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا كَالثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا خُيَلَاءُ وَفَخْرٌ ؛ كَالْمُسَبَّلَةِ وَالْحَرِيرِ كَانَ أَحَقَّ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الثَّوْبِ النَّجِسِ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ مُسَبِّلٍ } . وَالثَّوْبُ النَّجِسُ فِيهِ نِزَاعٌ وَفِي
قَدْرِ النَّجَاسَةِ نِزَاعٌ وَالصَّلَاةُ فِي الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بَعْدَ النِّدَاءِ إذَا كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَغَيْرُهُ يَشْغَلُ عَنْ الْجُمُعَةِ ؛ كَانَ ذَلِكَ أَوْكَدَ فِي النَّهْيِ وَكُلُّ مَا شَغَلَ عَنْهَا فَهُوَ شَرٌّ وَفَسَادٌ لَا خَيْرَ فِيهِ . وَالْمِلْكُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ كَالْمِلْكِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَمُخَالَفَتِهِ كَاَلَّذِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي ؛ مِثْلَ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَالْفَاحِشَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { حُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ } فَإِذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ لَا تُمْلَكُ إنْ لَمْ تُتْرَكْ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ كَانَ حُصُولُ الْمِلْكِ بِسَبَبِ تَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ حُصُولَ الْحُلْوَانِ وَالْمَهْرِ بِالْكِهَانَةِ وَالْبِغَاءِ ؛ وَكَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ : إنْ تَرَكْت الصَّلَاةَ الْيَوْمَ أَعْطَيْنَاك عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ كَذَلِكَ مَا يُمْلَكُ بِالْمُعَاوَضَةِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ خَبِيثٌ . وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا وَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ خَبِيثًا مَعَ أَنَّ جِنْسَ الْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ جَائِزٌ كَذَلِكَ جِنْسُ الْمُعَاوَضَةِ جَائِزٌ ؛ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ . وَإِذَا حَصَلَ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ فَلَهُ نَظِيرُ ثَمَنِهِ الَّذِي أَدَّاهُ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ
وَالْبَائِعُ لَهُ نَظِيرُ سِلْعَتِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ إنْ كَانَ قَدْ رَبِحَ وَلَوْ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْفَعْ ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ هُنَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِمَهْرِ الْبَغِيِّ وَهُنَاكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ ؛ لَا يُعْطَى لِلزَّانِي . وَكَذَلِكَ فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَخَذَ صَاحِبُهُ مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً فَلَا يَجْمَعُ لَهُ الْعِوَضَ وَالْمُعَوَّضَ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ(16/22)
بَيْعِهِ . وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُبَاعَ الْخَمْرُ بِالثَّمَنِ فَكَيْفَ إذَا أَعْطَى الْخَمْرَ وَأَعْطَى الثَّمَنَ وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لِلزَّانِي أَنْ يَزْنِيَ وَإِنْ أَعْطَى فَكَيْفَ إذَا أَعْطَى الْمَالَ وَالزِّنَا جَمِيعًا بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُ هَذَا الْمَالِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ الْمُشْتَرَكَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا كَانَ قَدْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَقْتَ النِّدَاءِ بِرِبْحِ وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ فَإِنْ فَاتَتْ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْمُشْتَرِي فَيَكُونُ أَعَانَهُ عَلَى الشِّرَاءِ . وَالْمُشْتَرِي يَأْخُذُ ثَمَنَهُ وَيُعِيدُ السِّلْعَةَ فَإِنْ بَاعَهَا بِرِبْحٍ تَصَدَّقَ بِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ لِلْبَائِعِ فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ لَهُ بَيْنَ رِبْحَيْنِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَقْبُوضِ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ هَلْ يَمْلِكُ ؟ أَوْ لَا يَمْلِكُ ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَ أَوْ لَا يَفُوتَ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 379)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ " الْخُلْعِ " : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَفَسْخٌ لِلنِّكَاحِ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . فَلَوْ خَلَعَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ . وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَصَرُوهُ ؛ وَطَائِفَةٌ نَصَرُوهُ وَلَمْ يَخْتَارُوهُ ؛ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : كَإِسْحَاقِ بْنِ راهويه وَأَبِي ثَوْرٍ وداود وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة . وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ : كطاوس وَعِكْرِمَةَ . و " الْقَوْلُ الثَّانِي " : أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ . وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ ؛ وَيُقَالُ : إنَّهُ الْجَدِيدُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ . وَيُنْقَلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ : كَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة والبيهقي وَغَيْرِهِمْ : النَّقْلَ عَنْ هَؤُلَاءِ ؛ وَلَمْ يُصَحِّحُوا إلَّا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ إنَّهُ فَسْخٌ : وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَا نَعْرِفُ حَالَ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ عُثْمَانَ : هَلْ هُوَ ثِقَةٌ أَمْ
لَيْسَ بِثِقَةِ ؟ فَمَا صَحَّحُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ ؛ بَلْ اعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ صَحَّحَ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ بَلْ أَثْبَتُ مَا فِي هَذَا عِنْدَهُمْ مَا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَمَرَ الْمُخْتَلَعَةَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةِ . وَقَالَ : لَا عَلَيْك عِدَّةٌ . وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ إذْ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْخُلْعِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ . وَقَدْ رَدَّ ابْنُ عَبَّاسٍ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخَلَعَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا وَلَّاهُ الزُّبَيْرُ عَلَى الْيَمَنِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَهُ : إنَّ عَامَّةَ طَلَاقِ أَهْلِ الْيَمَنِ هُوَ الْفِدَاءُ ؟ فَأَجَابَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ وَلَكِنَّ النَّاسَ غَلِطُوا فِي اسْمِهِ .(16/23)
وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ . فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِدْيَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَهَذَا يَدْخُلُ فِي الْفِدْيَةِ خُصُوصًا وَغَيْرِهَا عُمُومًا فَلَوْ كَانَتْ الْفِدْيَةُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا . وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ هُوَ وَمَنْ تَقَدَّمَ اتَّبَعُوا ابْنَ عَبَّاسٍ . وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي " الْمُخْتَلَعَةِ " هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؟ أَوْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ " إحْدَاهُمَا " تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَابْنِ عُمَرَ فِي آخِرِ رِوَايَتَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ حَسَنَةٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَتْ طُرُقُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَالُوا لَوْ كَانَ مِنْهُ لَوَجَبَ فِيهِ تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى ضَعْفِ مَنْ نَقَلَ عَنْ عُثْمَانَ ؛ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَرْضِيِّ أَنَّهُ
جَعَلَهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَوَجَبَ عَلَيْهَا تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . وَإِنْ قِيلَ : بَلْ عُثْمَانُ جَعَلَهَا مُطَلَّقَةً تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ . فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَاتِّبَاعُ عُثْمَانَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ الَّتِي يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : أَوْلَى مِنْ رِوَايَةٍ رَاوِيهَا مَجْهُولٌ وَهِيَ رِوَايَةُ جمهان الأسلمي عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً . وَأَجْوَدُ مَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً مِنْ النَّقْلِ عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ هَذَا النَّقْلُ عَنْ عُثْمَانَ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَالنَّقْلُ عَنْ عُمَرَ مُجْمَلٌ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فُرْقَةٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . فَمِنْ أَصَحِّ النَّقْلِ الثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ وَهَذَا مِمَّا اعْتَضَدَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فَسْخٌ : كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ظَنُّوا تِلْكَ نُقُولًا صَحِيحَةً ؛ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ نَقْدِ الْآثَارِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَضَعِيفِهَا مَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَصَارَ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الَّذِينَ خَالَفُوا ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَجَلُّ مِنْهُ وَأَكْثَرُ
عَدَدًا وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ } وَكَانَ مَا اسْتَنْبَطَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ عَنْ كَمَالِ فِقْهِهِ فِي الدِّينِ وَعِلْمِهِ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فُتْيَا . قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَيُّ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ فُتْيَا ؟ قَالَ : ابْنُ عَبَّاسٍ . وَهُوَ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ طَبَقَةً فِي الصَّحَابَةِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُدْخِلُهُ مَعَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَنَحْوِهِمْ - فِي الشُّورَى وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ يَفْعَلُ هَذِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ طَبَقَتِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ إسناننا لَمَا عَشَّرَهُ مِنَّا أَحَدٌ . أَيْ مَا بَلَغَ عُشْرَهُ . وَالنَّاقِلُونَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَقْوَالِهِ : مِثْلَ طَاوُوسٍ(16/24)
وَعِكْرِمَةَ ؛ فَإِنَّ هَذَيْنِ كَانَا يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ مَعَ الْخَاصَّةِ بِخِلَافِ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِمَا فَقَدْ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ مَعَ الْعَامَّةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوَاصَّ الْعَالِمِ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ كَمَا عِنْدَ خَوَاصِّ الصَّحَابَةِ - مِثْلَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةِ وَابْن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وأبي بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِمْ - مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا
: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الصَّحَابَةِ إلَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ ؛ لَا مَا يُنَاقِضُهُ . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَالَفَهُ فَالْمَرْجِعُ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَالطَّلَاقُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ ثَلَاثًا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَكُلُّ طَلَاقٍ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ غَيْرَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ . وَلِذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَإِذَا كُلُّ طَلَاقٍ فِيهِ فَهُوَ الرَّجْعِيُّ . قَالَ هَؤُلَاءِ : فَمَنْ قَسَّمَ الطَّلَاقَ الْمَحْسُوبَ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؛ بَلْ كُلُّ مَا فِيهِ بَيْنُونَةٌ فَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ؛ فَإِذَا سُمِّيَ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْ الثَّلَاثِ فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا تَنَازُعَ فِيهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَمَا جَازَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ طَلَاقَ الْحَائِضِ وَقَدْ سَلَّمَ لَنَا الْمُنَازِعُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَيْضِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فِي الْحَيْضِ . قَالُوا : وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ لِئَلَّا يُطَلِّقَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ ؛ وَلِهَذَا أُبِيحَتْ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا
وَالْإِحْدَادُ لِغَيْرِ مَوْتِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا وَمُقَامُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا . وَالْأَصْلُ فِي الْهِجْرَةِ وَمُقَامُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ التَّحْرِيمُ . ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ . هَلْ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ فَسْخًا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . " أَحَدُهَا " : أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ . فَمَنْ خَالَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ نَوَاهُ فَهُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ثُمَّ قَدْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ : إذَا عَرِيَ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ فَهُوَ فَسْخٌ . وَقَدْ يَقُولُونَ : إنَّهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا إلَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ . وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ دُونَ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ : كَلَفْظِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْإِبَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا يُفَارِقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَّا بِهَا مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُسَمِّهِ إلَّا فِدْيَةً وَفِرَاقًا وَخُلْعًا وَقَالَ : الْخُلْعُ فِرَاقٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَلَمْ يُسَمِّهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسْخًا وَلَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَسْمِيَتُهُ " فَسْخًا " فَكَيْفَ يَكُونُ لَفْظُ الْفَسْخِ صَرِيحًا فِيهِ دُونَ لَفْظِ الْفِرَاقِ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْثَرُ مَا يُسَمِّيهِ " فُرْقَةً " لَيْسَتْ بِطَلَاقِ . وَقَدْ يُسَمِّيهِ " فَسْخًا " أَحْيَانًا ؛ لِظُهُورِ هَذَا الِاسْمِ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ . " وَالثَّانِي " أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ " الْخُلْعِ " " وَالْمُفَادَاةِ " " وَالْفَسْخِ " فَهُوَ فَسْخٌ
سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ . وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَهَلْ هُوَ فَسْخٌ إذَا عَرِيَ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْكِنَايَاتِ ؟ أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ . وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمَا مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابٍ وَوُجِدَ مُعَادًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِلَفْظِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَكَذَلِكَ عِنْدَ(16/25)
أَحْمَدَ : لَوْ نَوَى بِلَفْظِ الْحَرَامِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ؛ لاسيما عَلَى أَصْلِ أَحْمَدَ . وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْفِدْيَةِ مَعَ الْعِوَضِ صَرِيحَةٌ فِي الْخُلْعِ فَلَا تَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِحَالِ ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْفَسْخِ وَالْعِوَضِ إمَّا أَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً فِي الْخُلْعِ ؛ وَصَرِيحَةً فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةً فِيهِمَا فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ . وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي : لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ كَمَا يَقَعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ ؛ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّرَائِحِ . فَإِنْ قِيلَ : هِيَ مَعَ الْعِوَضِ
صَرِيحَةٌ فِي الطَّلَاقِ . قِيلَ : هَذَا بَاطِلٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِصَرِيحِ عِنْدَهُ لَا يَصِيرُ صَرِيحًا بِدُخُولِ الْعِوَضِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ : إنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَلَيْهَا وَالنِّكَاحُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ ؛ فَإِذَا قَالَ : مَلَّكْتُكهَا بِأَلْفِ وَأَعْطَيْتُكهَا بِأَلْفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبْتُكهَا لَمْ يُجْعَلْ دُخُولُ الْعِوَضِ قَرِينَةً فِي كَوْنِهِ نِكَاحًا : لِاحْتِمَالِ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ . كَذَلِكَ لَفْظُ الْمُفَادَاةِ يَحْتَمِلُ الْمُفَادَاةَ مِنْ الْأَسْرِ . وَلَفْظُ الْفَسْخِ إنْ كَانَ طَلَاقًا مَعَ الْعِوَضِ فَهُوَ طَلَاقٌ بِدُونِ الْعِوَضِ ؛ وَلَمْ يُقَلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ بِدُونِ الْعِوَضِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً . وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ : فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ . " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنَّهُ فَسْخٌ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَشْتَرِطُوا لَفْظًا مُعَيَّنًا وَلَا عَدَمَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ ؛ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ فِي الخلوع بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ ؛ لَا لَفْظَ الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهِ ؛ بَلْ أَلْفَاظُهُمْ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ فُسِخَ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ أَصْرَحَ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي مَعْنَاهُ
الْخَالِصِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ بَلْ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ : كُلّ ما أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقِ . قَالَ : وَأَحْسَبُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 423)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ : هَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
" الْأَصْلُ الثَّانِي " أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ الَّذِي يُسَمَّى " طَلَاقَ الْبِدْعَةِ " إذَا أَوْقَعَهُ الْإِنْسَانُ هَلْ يَقَعُ أَمْ لَا ؟ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِوُقُوعِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَقَعُ . مِثْلَ طَاوُوسٍ وَعِكْرِمَةَ وَخِلَاسٍ وَعُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ وَحَجَّاجِ بْنِ أرطاة وَأَهْلِ الظَّاهِرِ : كداود وَأَصْحَابِهِ . وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَيُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ : داود وَأَصْحَابُهُ ؛ لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَحْرِيمِ الثَّلَاثِ . وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ(16/26)
مَجْمُوعُ الثَّلَاثِ إذَا أَوْقَعَهَا جَمِيعًا ؛ بَلْ يَقَعُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَلَمْ يُعْرَفْ قَوْلُهُ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ ؛ وَلَكِنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ جَمِيعًا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ : إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا ؛ لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ لَا يُعْرَفُ لِقَائِلِهِ سَلَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالشِّيعَةِ ؛ لَكِنْ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَقُولُ بِتَحْرِيمِ جَمْعِ الثَّلَاثِ ؛ فَلِذَا يُوقِعُهَا وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً . وَمِنْهُمْ مَنْ عَرَفَ قَوْلَهُ فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يَعْرِفْ قَوْلَهُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ كَمَنْ
يَنْقُلْ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ . وَابْنِ عُمَرَ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ . وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى أَشْهَرَ وَأَثْبَتَ : أَنَّهُ يَقَعُ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدٍ . وَأَمَّا " جَمْعُ الثَّلَاثِ " فَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فِيهَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ : رُوِيَ الْوُقُوعُ فِيهَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ . وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمْ . وَرُوِيَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ عُمَرَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعَنْ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " الْمُقْنِعُ فِي أُصُولِ الْوَثَائِقِ . وَبَيَانُ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الدَّقَائِقِ " : وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ كَمْ يَلْزَمُهُ مِنْ الطَّلَاقِ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : " ثَلَاثًا " لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُخْبِرًا عَمَّا مَضَى فَيَقُولُ : طَلَّقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُخْبِرُ عَنْ ثَلَاثِ طَلَقَاتٍ أَتَتْ مِنْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ كَانَتْ مِنْهُ فَذَلِكَ يَصِحُّ .
وَلَوْ طَلَّقَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ : طَلَّقْتهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَكَانَ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ ثَلَاثًا يُرَدِّدُ الْحَلِفَ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَقَالَ : أَحْلِفُ بِاَللَّهِ ثَلَاثًا لَمْ يَكُنْ حَلَفَ إلَّا يَمِينًا وَاحِدَةً وَالطَّلَاقُ مِثْلُهُ . قَالَ : وَمِثْلُ ذَلِكَ قَالَ الزُّبَيْرُ ابْنُ الْعَوَّامِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ . روينا ذَلِكَ كُلَّهُ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ يَعْنِي الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ وَضَّاحٍ الَّذِي يَأْخُذُ عَنْ طَبَقَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وسحنون بْنِ سَعِيدٍ وَطَبَقَتُهُمْ . قَالَ : وَبِهِ قَالَ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زنباع شَيْخُ هُدًى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحُسَيْنِيُّ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَابْنُ بقي بْنِ مخلد وأصبغ ابْنُ الحباب وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ وَذَكَرَ هَذَا عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ طُلَيْطِلَةَ الْمُتَعَبِّدِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّلْمِسَانِيُّ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ الرازي مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ حَكَاهُ عَنْ الْمَازِنِيَّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَكَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ أَحْيَانًا الشَّيْخُ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تيمية وَهُوَ وَغَيْرُهُ يَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو داود وَغَيْرُهُمَا عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقَ
الثَّلَاثِ وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا أَمْرًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ ؛ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ } . وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ { أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ :(16/27)
هَاتِ مِنْ هَنَاتِك أَلَمْ يَكُنْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ . فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ وَأَجَازَهُ } . وَاَلَّذِينَ رَدُّوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأَوَّلُوهُ بِتَأْوِيلَاتِ ضَعِيفَةٍ وَكَذَلِكَ كَلُّ حَدِيثٍ فِيهِ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْزَمَ الثَّلَاثَ بِيَمِينِ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً . أَوْ أَنَّ أَحَدًا فِي زَمَنِهِ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً فَأَلْزَمَهُ بِذَلِكَ } مِثْلَ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَآخَرَ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ وَآخَرَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهَا أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ وَيُعْرَفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِنَقْدِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . وَأَقْوَى مَا رَدُّوهُ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا : ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِلُزُومِ الثَّلَاثِ . وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّينَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً ؛ وَثَبَتَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُوَافِقُ حَدِيثَ طَاوُوسٍ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَلَمْ
يَثْبُتْ خِلَافَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمَرْفُوعُ { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ؛ فَرَّدَهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ؛ حَدَّثَنَا أَبِي ؛ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي داود بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ قَالَ : { طَلَّقَ ركانة بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؛ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ : فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَيْفَ طَلَّقْتهَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا قَالَ : فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ . فَإِنَّهَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْجِعْهَا إنْ شِئْت قَالَ فَرَاجَعَهَا ؛ } وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : إنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ . قُلْت وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ فِيهِ ابْنُ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي داود ؛ وداود مِنْ شُيُوخِ مَالِكٍ وَرِجَالِ الْبُخَارِيِّ ؛ وَابْنِ إسْحَاقَ إذَا قَالَ . حَدَّثَنِي . فَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ . وَهَذَا إسْنَادٌ جَيِّدٌ ؛ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ رَوَاهُ أَبُو داود فِي السُّنَنِ ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو داود هَذَا الطَّرِيقَ الْجَيِّدَ ؛ فَلِذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً بَائِنًا أَصَحُّ ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ بَلْ الْإِمَامُ أَحْمَد رَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى تِلْكَ ؛ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَحْمَد . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ ركانة مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ رِوَايَةُ
عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ { رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ ركانة وَنَافِعِ بْنِ عَجِينٍ : أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ و أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْلَفَهُ فَقَالَ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً ؟ } فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَجَاهِيلُ لَا تُعْرَفُ أَحْوَالُهُمْ وَلَيْسُوا فُقَهَاءَ وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَهُمْ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ . وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : حَدِيثُ ركانة فِي أَلْبَتَّةَ لَيْسَ بِشَيْءِ . وَقَالَ أَيْضًا : حَدِيثُ ركانة لَا يُثْبِتُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ ابْنَ إسْحَاقَ يَرْوِيه عَنْ داود بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا } وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ " ثَلَاثًا " أَلْبَتَّةَ . فَقَدْ اسْتَدَلَّ أَحْمَد عَلَى بُطْلَانِ حَدِيثِ أَلْبَتَّةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَبَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي داود بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : هُوَ إسْنَادٌ ثَابِتٌ عَنْ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ(16/28)
الْعُلَمَاءِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ رُوِيَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ } وَصَحَّحَ ذَلِكَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ . وَابْنُ إسْحَاقَ إذَا قَالَ :
حَدَّثَنِي فَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إنَّمَا يُخَافُ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ إذَا عَنْعَنَ وَقَدْ رَوَى أَبُو داود فِي سُنَنِهِ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَكِلَاهُمَا يُوَافِقُ حَدِيثَ طَاوُوسٍ عَنْهُ وَأَحْمَد كَانَ يُعَارِضُ حَدِيثَ طَاوُوسٍ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَنَحْوَهُ . وَكَانَ أَحْمَد يَرَى جَمْعَ الثَّلَاثِ جَائِزًا ثُمَّ رَجَعَ أَحْمَد عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَوَجَدْت الطَّلَاقَ الَّذِي فِيهِ هُوَ الرَّجْعِيُّ . أَوْ كَمَا قَالَ . وَاسْتَقَرَّ مَذْهَبُهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَتَبَيَّنَ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ ؛ لَا مَجْمُوعَةً وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَدِيثَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ ثَلَاثًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ . وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ؛ بَلْ الْقُرْآنُ يُوَافِقُ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ عِنْدَهُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ الثَّابِتَةُ عَنْهُ تَقْتَضِي مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَعُدُولُهُ عَنْ الْقَوْلِ بِحَدِيثِ ركانة وَغَيْرِهِ كَانَ أَوَّلًا لَمَّا عَارَضَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ جَوَازِ جَمْعِ الثَّلَاثِ ؛ فَكَانَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ ؛ ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ وَتَبَيَّنَ لَهُ فَسَادُ هَذَا الْمُعَارِضِ . وَأَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ لَا يَجُوزُ : فَوَجَبَ عَلَى أَصْلِهِ الْعَمَلُ بِالنُّصُوصِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَيْسَ يُعَلُّ حَدِيثِ طَاوُوسٍ بِفُتْيَا ابْنِ عَبَّاسٍ بِخِلَافِهِ ؛
وَهَذَا عِلْمُهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ وَلَكِنْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ عُذْرَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِلْزَامِ . بِالثَّلَاثِ . وَابْنُ عَبَّاسٍ عُذْرُهُ هُوَ الْعُذْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا تَتَابَعُوا فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ عَلَى ذَلِكَ فَعُوقِبُوا بِلُزُومِهِ ؛ بِخِلَافِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُكْثِرِينَ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا أَكْثَرُوا شُرْبَ الْخَمْرِ وَاسْتَخَفُّوا بِحَدِّهَا كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ فِيهَا ثَمَانِينَ وَيَنْفِي فِيهَا وَيَحْلِقُ الرَّأْسَ ؛ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا قَاتَلَ عَلِيٌّ بَعْضَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِمَّا كَانُوا يُعَاقِبُونَ بِهِ أَحْيَانًا : إمَّا مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِمَّا بِدُونِهِ . فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَبَيْنَ نِسَائِهِمْ حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَالْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عُقُوبَةً لَهُ لِيَمْتَنِعَ عَنْ الطَّلَاقِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَالِكِ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ حَرَّمُوا الْمَنْكُوحَةَ فِي الْعِدَّةِ عَلَى النَّاكِحِ
أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَالْحُكْمَانِ لَهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ السَّلَفِ أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بِلَا عِوَضٍ إذَا رَأَيَا الزَّوْجَ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجَةِ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَإِلْزَامُ عُمَرَ بِالثَّلَاثِ لَمَّا أَكْثَرُوا مِنْهُ : إمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عُقُوبَةً تُسْتَعْمَلُ وَقْتَ الْحَاجَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ شَرْعًا لَازِمًا ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَانَتْ لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يُوقِعُونَهُ إلَّا قَلِيلًا : وَهَكَذَا كَمَا اخْتَلَفَ كَلَامُ النَّاسِ فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُتْعَةِ : هَلْ كَانَ نَهْيَ اخْتِيَارٍ لِأَنَّ إفْرَادَ الْحَجِّ بِسَفْرَةِ وَالْعُمْرَةِ(16/29)
بِسَفْرَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّمَتُّعِ ؟ أَوْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْ الْفَسْخِ ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَانَ مَخْصُوصًا بِالصَّحَابَةِ ؟ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالصَّحَابَةُ قَدْ نَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَغَيْرِهِمْ : فِي الْمُتْعَةِ وَفِي الْإِلْزَامِ بِالثَّلَاثِ . وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرَى أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ . وَكَانَ هُوَ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَرَيَانِ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَتَيَمَّمُ وَخَالَفَهُمَا عَمَّارٌ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ
عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ ؛ لَمَّا كَانَ مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا كَثِيرٌ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَا أَخَذَ النَّاسُ بِهِ . وَاَلَّذِينَ لَا يَرَوْنَ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَازِمًا يَقُولُونَ : هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَهُوَ : أَنَّ إيقَاعَاتِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تَقَعُ لَازِمَةً : كَالْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ وَالْكِتَابَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلِهَذَا أَبْطَلُوا نِكَاحَ الشَّغَارِ وَنِكَاحَ الْمُحَلِّلِ وَأَبْطَلَ مَالِكٌ وَأَحْمَد الْبَيْعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ النِّدَاءِ ؛ وَهَذَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَفْسَهُ مُحَرَّمٌ ؛ كَمَا يَحْرُمُ الْقَذْفُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ نَفْسُهَا مُحَرَّمَةٌ : فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى صَحِيحٍ وَغَيْرِ صَحِيحٍ ؛ بَلْ صَاحِبُهَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِكُلِّ حَالٍ فَعُوقِبَ الْمُظَاهِرُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ مَا قَصَدَهُ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُوجِبُ لَفْظِهِ ؛ فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ ؛ وَأَوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ . أَمَّا الطَّلَاقُ فَجِنْسُهُ مَشْرُوعٌ : كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ ؛ فَهُوَ يَحُلُّ تَارَةً وَيَحْرُمُ تَارَةً فَيَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ كَمَا يَنْقَسِمُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ . وَالنَّهْيُ فِي هَذَا الْجِنْسِ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُطْلِقُونَ بِالظِّهَارِ فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ : كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مُحَرَّمٍ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَهُمْ كَانُوا يَقْصِدُونَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الظِّهَارِ ؛ كَلَفْظِ الْحَرَامِ وَهَذَا قِيَاسُ أَصْلِ الْأَئِمَّةِ : مَالِكٍ ؛ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَلَكِنْ الَّذِينَ خَالَفُوا قِيَاسَ أُصُولِهِمْ فِي الطَّلَاقِ خَالَفُوهُ لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ الْآثَارِ . فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اعْتَدَّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالُوا : هُمْ أَعْلَمُ بِقِصَّتِهِ فَاتَّبَعُوهُ فِي ذَلِكَ . وَمَنْ نَازَعَهُمْ يَقُولُ : مَازَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ أَحَادِيثَ وَلَا تَأْخُذُ الْعُلَمَاءُ بِمَا فَهِمُوهُ مِنْهَا ؛ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا رَوَوْهُ ؛ لَا بِمَا رَأَوْهُ وَفَهِمُوهُ . وَقَدْ تَرَكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ : " فَاقْدُرُوا لَهُ " وَتَرَكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا تَفْسِيرَهُ لِحَدِيثِ { الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ } مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . وَتَرَكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ تَفْسِيرَهُ لِقَوْلِهِ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . وَقَوْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَذَا . وَكَذَلِكَ إذَا خَالَفَ الرَّاوِي مَا رَوَاهُ كَمَا تَرَكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا ؛ مَعَ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ { بَرِيرَةَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَهَا بَعْدَ أَنْ بِيعَتْ وَعَتَقَتْ } فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ
بِمَا رَوَوْهُ لَا مَا رَأَوْهُ وَفَهِمُوهُ . وَلِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا بِالثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ قَالُوا : لَا يُلْزِمُونَ بِذَلِكَ إلَّا وَذَلِكَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ ؛ وَاعْتَقَدَ طَائِفَةٌ لُزُومَ هَذَا الطَّلَاقِ وَأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعٌ ؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَعْلَمُوا خِلَافًا ثَابِتًا ؛ لَا سِيَّمَا وَصَارَ(16/30)
الْقَوْلُ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا عَنْ الشِّيعَةِ الَّذِينَ لَمَّ يَنْفَرِدُوا عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحَقِّ . قَالَ الْمُسْتَدِلُّونَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَقُولُونَ جَامِعُ الثَّلَاثِ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ : هَذَا الْقَوْلُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى بَعْضِهِ ؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَلْ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ ؟ أَوْ يَقَعُ ثَلَاثٌ ؟ وَالنِّزَاعُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ ؛ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْعًا لَازِمًا لِلْأُمَّةِ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا : مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ احْتَجَّ عَلَى هَذَا بِالْكِتَابِ وَبَعْضُهُمْ بِالسُّنَّةِ وَبَعْضُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحُجَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لَكِنَّ الْمُنَازِعَ يُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا حُجَجٌ ضَعِيفَةٌ وَأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالِاعْتِبَارَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ اللُّزُومِ وَتُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ ؛ بَلْ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ عَمَّنْ أَلْزَمَ بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِمَّا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ شَرْعًا لَازِمًا كَمَا شَرَعَ تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ ؛ بَلْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِي الْعُقُوبَةِ بِإِلْزَامِ ذَلِكَ إذَا كَثُرَ وَلَمْ يَنْتَهِ النَّاسُ عَنْهُ . وَقَدْ ذُكِرَتْ الْأَلْفَاظُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا بِالثَّلَاثِ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ بِإِيقَاعِهَا جُمْلَةً فَأَمَّا مَنْ كَانَ يَتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فَمَنْ لَا يَعْلَمُ التَّحْرِيمَ حَتَّى أَوْقَعَهَا ثُمَّ لَمَّا عَلِمَ التَّحْرِيمَ تَابَ وَالْتَزَمَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْمُحَرَّمِ : فَهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ ؛ وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ : الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ : مَا يُوجِبُ لُزُومَ الثَّلَاثِ لَهُ وَنِكَاحُهُ ثَابِتٌ بِيَقِينِ وَامْرَأَتُهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْغَيْرِ بِيَقِينِ وَفِي إلْزَامِهِ بِالثَّلَاثِ إبَاحَتُهَا لِلْغَيْرِ مَعَ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَذَرِيعَةٌ إلَى نِكَاحِ التَّحْلِيلِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . و " نِكَاحُ التَّحْلِيلِ " لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ . وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ أَنَّ امْرَأَةً أُعِيدَتْ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ عَلَى عَهْدِهِمْ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ ؛ بَلْ { لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } و { لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ } وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّحْلِيلِ الشُّهُودَ وَلَا الزَّوْجَةَ وَلَا الْوَلِيَّ ؛
لِأَنَّ التَّحْلِيلَ الَّذِي كَانَ يُفْعَلُ كَانَ مَكْتُومًا بِقَصْدِ الْمُحَلِّلِ أَوْ يَتَوَاطَأُ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُطَلِّقُ الْمُحَلَّلُ لَهُ . وَالْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا لَا يَعْلَمُونَ قَصْدَهُ وَلَوْ عَلِمُوا لَمْ يَرْضَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ عِنْدَ النَّاسِ ؛ وَلِأَنَّ عَادَاتِهِمْ لَمْ تَكُنْ بِكِتَابَةِ الصَّدَاقِ فِي كِتَابٍ وَلَا إشْهَادٍ عَلَيْهِ ؛ بَلْ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ وَيُعْلِنُونَ النِّكَاحَ وَلَا يَلْتَزِمُونَ أَنْ يُشْهِدُوا عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . هَكَذَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ . فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَحْلِيلٌ ظَاهِرٌ وَرَأْيٌ فِي إنْفَاذِ الثَّلَاثِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمُحَرَّمِ : فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ . أَمَّا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَإِنْفَاذُ الثَّلَاثِ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ التَّحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ - بِالنَّصِّ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - وَالِاعْتِقَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَالَ مَفْسَدَةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِمَفَاسِدَ أَغْلَظَ مِنْهَا ؛ بَلْ جَعَلَ الثَّلَاثَ وَاحِدَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ كَمَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ أَوْلَى ؛ وَلِهَذَا كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِثْلُ أَبِي الْبَرَكَاتِ يُفْتُونَ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ . وَهَذَا : إمَّا(16/31)
لِكَوْنِهِمْ رَأَوْهُ مِنْ " بَابِ التَّعْزِيرِ " الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ؛ كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ وَالنَّفْيِ فِيهِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ . وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ : فَرَأَوْهُ تَارَةً لَازِمًا . وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ . وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ " شَرْعًا لَازِمًا " إنَّمَا لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَسْخٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْصِدَ هَذَا ؛ لَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ ؛ لَا سِيَّمَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ ؛ وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ : كَالرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ أَوْ يُفَسِّقُونَهُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُقِرَّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْأُمَّةُ مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ : كَعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ : أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكُنَّا نَتَأَوَّلُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَدُلُّ عَلَى نَصٍّ نَاسِخٍ فَوَجَدْنَا مَنْ ذَكَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ نَاسِخًا فَإِنْ كَانُوا أَرَادُوا ذَلِكَ فَهَذَا قَوْلٌ يَجُوزُ تَبْدِيلُ الْمُسْلِمِينَ دِينَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى مِنْ :
أَنَّ الْمَسِيحَ سَوَّغَ لِعُلَمَائِهِمْ أَنْ يُحَرِّمُوا مَا رَأَوْا تَحْرِيمَهُ مَصْلَحَةً ؛ وَيُحِلُّوا مَا رَأَوْا تَحْلِيلَهُ مَصْلَحَةً وَلَيْسَ هَذَا دِينُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُسَوِّغُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ . وَمَنْ اعْتَقَدَ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ كَمَا يُسْتَتَابُ أَمْثَالُهُ ؛ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي فَيُصِيبُ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ وَيُخْطِئُ فَيَكُونُ لَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ . وَمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَرْعًا مُعَلَّقًا بِسَبَبِ " إنَّمَا يَكُونُ مَشْرُوعًا عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ : كَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَبَعْضُ النَّاسِ ظَنَّ أَنَّ هَذَا نُسِخَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ أَغْنَى عَنْ التَّأَلُّفِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وَهَذَا الظَّنُّ غَلَطٌ ؛ وَلَكِنْ عُمَرُ اسْتَغْنَى فِي زَمَنِهِ عَنْ إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَتَرَكَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ لَا لِنَسْخِهِ كَمَا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عُدِمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَارِمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . و " مُتْعَةُ الْحَجِّ " قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ : لَمْ يُحَرِّمْهَا ؛ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْأَفْضَلِ وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدُهُمْ مِنْ دويرة أَهْلِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ حَتَّى إنَّ
مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد مَنْصُوصٌ عَنْهُ : أَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ فِي أَشْهُرِهِ : فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ؛ مَعَ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ الْمُجَرَّدِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إنَّ عُمَرَ أَرَادَ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ . قَالُوا إنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ بِهِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْفَسْخِ كَانَ خَاصًّا بِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ : كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَآخَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَابَلُوا هَذَا وَقَالُوا : بَلْ الْفَسْخُ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ إلَّا مُتَمَتِّعًا : مُبْتَدِئًا أَوْ فَاسِخًا كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالشِّيعَةِ . و " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " : أَنَّ الْفَسْخَ جَائِزٌ وَهُوَ أَفْضَلُ . وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُفْسَخَ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ؛ وَلَا يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ(16/32)
يَحُجَّ حَجَّةً مُجْمَعًا عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَحُجَّ مُتَمَتِّعًا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ . فَأَمَّا حَجُّ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ : فَفِيهِ نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ كَمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَجَوَازِ الْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْقَصْرِ فِي الْجُمْلَةِ . وَعُمَرُ لَمَّا
نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ ؛ بِخِلَافِ نَهْيِهِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّ عَلِيًّا وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ وَافَقُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَ عَلِيٌّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ الْمُتْعَةِ قَالَ : إنَّك امْرُؤٌ تَائِهٌ ؛ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مُتْعَةَ النِّسَاءِ وَحَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ عَامَ خَيْبَرَ فَأَنْكَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ الْحُمُرِ وَإِبَاحَةَ مُتْعَةِ النِّسَاءِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُبِيحُ هَذَا وَهَذَا فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ ذَلِكَ وَذَكَرَ لَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ الْمُتْعَةَ وَحَرَّمَ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ } وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ . وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ . وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا حُرِّمَتْ ؛ ثُمَّ أُبِيحَتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ . فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ ثَلَاثًا ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَنَفَذْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَنْفَذَهُ عَلَيْهِمْ : هُوَ بَيَانُ أَنَّ النَّاسَ أَحْدَثُوا مَا اسْتَحَقُّوا عِنْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَ عَلَيْهِمْ الثَّلَاثَ فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ كَالنَّهْيِ عَنْ مُتْعَةِ الْفَسْخِ ؛ لِكَوْنِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالصَّحَابَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ هَذَا كَانَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ . وَبِهَذَا أَيْضًا تَبْطُلُ دَعْوَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخًا كَنَسْخِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى ذَلِكَ لَازِمًا فَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْهُ اجتهده فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ ؛ لِظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا وَهَذَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ قَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَعَ مَنْ أَنْكَرَهُ . وَهَكَذَا الْإِلْزَامُ بِالثَّلَاثِ . مَنْ جَعَلَ قَوْلَ عُمَرَ فِيهِ شَرْعًا لَازِمًا . قِيلَ لَهُ : فَهَذَا اجْتِهَادُهُ قَدْ نَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَالْحُجَّةِ مَعَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْمَرْجُوحَ . وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُمَرُ جَعَلَ هَذَا عُقُوبَةً تُفْعَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَمْرَيْنِ بِعُمَرِ ثُمَّ الْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ مِنْ " وَجْهَيْنِ " مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ بِذَلِكَ : هَلْ تُشْرَعُ ؟ أَمْ لَا ؟ فَقَدْ يَرَى الْإِمَامُ أَنْ يُعَاقِبَ بِنَوْعِ لَا يَرَى الْعُقُوبَةَ بِهِ غَيْرُهُ كَتَحْرِيقِ عَلِيٌّ الزَّنَادِقَةَ بِالنَّارِ ؛ وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ ( الْمُتَّقِينَ اسْتَحَقَّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهَ لَهُ فَرْجًا وَمَخْرَجًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعُقُوبَةَ . وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ
إلَّا طَلَاقًا سُنِّيًّا . فَإِنَّهُ مِنْ ( الْمُتَّقِينَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ . فَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَوَجَّهُ إلْزَامُهُ بِالثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً ؛ بَلْ يُلْزَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا . وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ عَظِيمَةٌ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ مُجَلَّدَيْنِ ؛ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهَا هَاهُنَا تَنْبِيهًا لَطِيفًا . وَاَلَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ ( الْحَاجَةِ : كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ . وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ فَرَأَوْهُ لَازِمًا وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ . وَأَمَّا الْقَوْلُ بِكَوْنِ لُزُومِ الثَّلَاثِ شَرْعًا لَازِمًا كَسَائِرِ الشَّرَائِعِ :(16/33)
فَهَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لِهَذَا الْمَوْقِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ ؛ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حَائِضًا إذَا كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ وَتَابَ مِنْ الْبِدْعَةِ .
فَصْلٌ وَأَمَّا " الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ " فَمَنْشَأُ النِّزَاعِ فِي وُقُوعِهِ : أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ لَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ } فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : " فَلْيُرَاجِعْهَا " أَنَّهَا رَجْعَةُ الْمُطَلَّقَةِ . وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْحَيْضِ يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا مَعَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ . وَهَلْ هُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ ؟ أَوْ أَمْرُ إيجَابٍ ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . وَالِاسْتِحْبَابُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَالْوُجُوبُ مَذْهَبُ مَالِكٍ . وَهَلْ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَلِي حَيْضَةَ الطَّلَاقِ ؟ أَوْ لَا يُطَلِّقُهَا إلَّا فِي طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَانِيَةٍ ؟ عَلَى " قَوْلَيْنِ " أَيْضًا هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَوَجْهَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الثَّانِي ؟ جُمْهُورُهُمْ لَا يُوجِبُهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ؛ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ يُوقِعُ الطَّلَاقَ ؛ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الدَّلِيلِ . وَتَنَازَعُوا فِي عِلَّةِ مَنْعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ : هَلْ هُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ كَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ أَحْمَد ؟ أَوْ لِكَوْنِهِ حَالَ الزُّهْدِ فِي وَطْئِهَا فَلَا تَطْلُقُ إلَّا فِي حَالِ رَغْبَةٍ فِي الْوَطْءِ ؛ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَمْنُوعًا لَا يُبَاحُ إلَّا لِحَاجَةِ كَمَا يَقُولُ
أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد ؟ أَوْ هُوَ تَعَبُّدٌ لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهُ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : قَوْلُهُ : { مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بَلْ لَمَّا طَلَّقَهَا طَلَاقًا مُحَرَّمًا حَصَلَ مِنْهُ إعْرَاضٌ عَنْهَا وَمُجَانَبَةٌ لَهَا ؛ لِظَنِّهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { لِمَنْ بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ : هَذَا هُوَ الرِّبَا فَرُدَّهُ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ { رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَدَّ أَرْبَعَةً لِلرِّقِّ } وَفِي السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي العاص بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ } فَهَذَا رَدٌّ لَهَا . { وَأَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الَّذِي بَاعَهُ دُونَ أَخِيهِ } . { وَأَمَرَ بَشِيرًا أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الَّذِي وَهَبَهُ لِابْنِهِ } . وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ . وَلَفْظُ " الْمُرَاجِعَةِ " يَدُلُّ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ . ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِعَقْدِ جَدِيدٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } وَقَدْ يَكُونُ بِرُجُوعِ بَدَنِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ هُنَاكَ طَلَاقٌ كَمَا إذَا أَخْرَجَ الزَّوْجَةَ أَوْ الْأَمَةَ مِنْ دَارِهِ فَقِيلَ لَهُ : رَاجِعْهَا . فَأَرْجِعْهَا كَمَا فِي
حَدِيثِ عَلِيٍّ : حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ . وَفِي كِتَابِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى : وَأَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ . وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْمُرَاجَعَةِ " يَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ . وَالرَّجْعَةُ مِنْ الطَّلَاقِ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ بِمُجَرَّدِ كَلَامِهِ فَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَفْظُ الْمُرَاجَعَةِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ بَدَنَ الْمَرْأَةِ إلَيْهِ فَرَجَعَتْ بِاخْتِيَارِهَا فَإِنَّهُمَا قَدْ تَرَاجَعَا كَمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالْعَقْدِ بِاخْتِيَارِهِمَا بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ مِنْ الطَّلَاقِ : هِيَ الرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ . وَتُسْتَعْمَلُ فِي اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ : كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي(16/34)
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَلَاقٌ وَقَالَ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّجْعَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ . وَالرَّجْعَةُ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ وَيُؤْمَرُ فِيهَا بِالْإِشْهَادِ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ عُمَرَ بِالْإِشْهَادِ وَقَالَ : " مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا " وَلَمْ يَقُلْ : لِيَرْتَجِعَهَا " وَأَيْضًا " فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ : كَانَ ارْتِجَاعُهَا لِيُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي زِيَادَةً وَضَرَرًا عَلَيْهَا وَزِيَادَةً فِي الطَّلَاقِ الْمَكْرُوهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لَا لَهُ وَلَا لَهَا ؛ بَلْ فِيهِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ بِارْتِجَاعِهِ لِيُطَلِّقَ مَرَّةً ثَانِيَةً زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَهُوَ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ
الطَّلَاقِ ؛ بَلْ أَبَاحَهُ لَهُ فِي اسْتِقْبَالِ الطُّهْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُرِيدًا لَهُ ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَمْسَحَهَا وَأَنْ يُؤَخِّرَ الطَّلَاقَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُبَاحُ فِيهِ كَمَا يُؤْمَرُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ أَنْ يَرُدَّ مَا فَعَلَ وَيَفْعَلَهُ إنْ شَاءَ فِي وَقْتِهِ . لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ . وَأَمَرَهُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَاقِ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْوَطْءِ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا قَبْلَ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ فِي أَمْرِهِ بِإِمْسَاكِهَا إلَيْهِ إلَّا بِزِيَادَةِ ضَرَرٍ عَلَيْهَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ . " وَأَيْضًا " فَإِنَّ ذَلِكَ مُعَاقَبَةٌ لَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ . وَبُسِطَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاسْتِيفَاءُ كَلَامِ الطَّائِفَتَيْنِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى الْأَقْوَالِ وَمَأْخَذُهَا . لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَلَا يَقُومُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى زَوَالِهِ بِالطَّلَاقِ الْمُحَرَّمِ ؛ بَلْ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت - (ج 3 / ص 220)
حكمة النهي عن طلاق الحائض
[920] عرض على اللجنة الاستفتاء الآتي المقدم من السيد/ نبيل.
... يرجى بيان حكمة النهي عن الطلاق في وقت حيض المرأة إن كانت الحكمة استبانت لأهل العلم.
أجابت اللجنة:
... أن حكمة النهي عن الطلاق وقت الحيض، أن فيه تطويل العدة على المطلقة، لأن الحيض الذي فيه الطلاق لايحتسب فتحتاج إلى ثلاث حيضات أخرى غير التي حصل فيها الطلاق. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق الحائض يقع وإن كان حراما
[ 941] حضر إلى اللجنة السيد/ نزار، وقدم الاستفتاء الآتي:
... طلقت امرأتي وهي حائض، وكنت أعلم من قول شيخ الإسلام ابن تيمية
وتلميذه أن الطلاق في حال الحيض ليحسب، ولكن بعض الإخوة أخبرني أن جماهير أهل العلم قالوا إن طلاق الحائض يحسب.
... وفي الحقيقة لم أكن أريد الطلاق ولذلك طلقت أمرأتي وهي حائض تخويفا لها، وعلمت فيما بعد أن طلاق الحائض يعتبر طلاقا بدعيا فيه معصية للّه ورسوله.(16/35)
... والتعويل في مسألتي هذه يقع على النية حيث أردت تخويفها عن طريق طلاقها وهي حائض، وبحسب ماوصلني من العلم من قوليّ: شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، واللّه المستعان.
وسألته اللجنة مايلي:
... ـ كم مرة نطقت على زوجتك بالطلاق؟ قال: هذه هي المرة الأولى.
... ـ ماظروف هذه الطلقة؟ قال: قلت لزوجتي: أنت طالق، طالق وهي حائض وذلك لتخويفها، ثم رجعتها بالمعاشرة.
... ـ لماذا كررت لفظ الطلاق؟ قال: كررت لفظ الطلاق مرتين وقصدت التأكيد.
أجابت اللجنة:
... أن ماحصل من المستفتي تقع به طلقة أولى رجعية، وقد راجعها فعلا وتبقى معه زوجته على طلقتين، واللّه أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم طلاق الحائض وهل يقع ؟
س - أم لطفلين وقد طلقها زوجها ولكنها وقت الطلاق كانت غير طاهرة ولم تخبر زوجها بذلك حتى حينما ذهبوا إلى القاضي أخفت ذلك عنه إلا عن أمها التي قالت لها لا تخبري القاضي بذلك وإلا فلن تطلقي ثم ذهبت إلى أهلها ثم أرادت الرجوع إلى زوجها خوفاً على الأطفال من الضياع والإهمال فما حكم هذا الطلاق الذي حدث وعليها العادة الشهرية ؟
ج- الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم وطال فيه النقاش، أنه هل يكون طلاقاً ماضياً أم طلاقاً لاغياً ؟ وجمهور أهل العلم على أن يكون الطلاق ماضياً ، ويحسب على المرء طلقة ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق ، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه - أن الطلاق في الحيض لا يقع ولا يكون ماضياً ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " . والدليل في ذلك في نفس المسألة الخاصة حديث رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - ، وقال " مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق " . قال النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق عليها النساء " . فالعدة التي أمر الله بها أن تطلق عليها النساء أن يطلقها الإنسان طاهراً من غير جماع ، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله فيكون مردوداً ، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض ، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة ، نعم لا عبرة بعلمه لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم ، وعدم الوقوع وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق ولا إثم على الزوج .
الشيخ ابن عثيمين(16/36)