الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لقد وجهت هذا السؤال لشيخنا الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين فأجابني عنه بما يلي :
إذا كرهت المرأة أخلاق زوجها كاتصافه بالشدة والحدة وسرعة التأثر وكثرة الغضب والانتقاد لأدنى فعل والعتاب على أدنى نقص فلها الخلع .
ثانياً : إذا كرهت خلقته كعيب أو دمامة أو نقص في حواسه فلها الخلع .
ثالثاً : إذا كان ناقص الدين بترك الصلاة أو التهاون بالجماعة أو الفطر في رمضان بدون عذر أو حضور المحرمات كالزنا والسكر والسماع للأغاني والملاهي ونحوها فلها طلب الخلع .
رابعاً : إذا منعها حقها من النفقة أو الكسوة أو الحاجات الضرورية وهو قادر على ذلك فلها طلب الخلع .
خامساً : إذا لم يعطها حقها من المعاشرة المعتادة بما يعفها لعُنّة ( عيب يمنع القدرة على الوطء) فيه أو زهد فيها أو صدود إلى غيرها ، او لم يعدل في المبيت فلها طلب الخلع ، والله أعلم .
الشيخ عبد الله بن جبرين
تطلب الخلع لإدمان زوجها
سؤال:
السؤال :
امرأة مسلمة أدمن زوجها ويضربها بقسوة وقد حاول قتلها وقد هجرها من أربعة أشهر وهناك شهود على آثار الضرب فطلبت من إمام الجالية الإسلامية في بلدها أن يخلعها من زوجها فطلب منها كتابة الأسباب في ورقة فامتنعت وقالت إنها تبلغ كتابا لو أرادت أن تكتبه وقد سافر زوجها الآن خارج البلد وتركها فماذا تفعل ؟ .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
أولا : إذا صدق الوصف المذكور في السؤال ففيه عبرة وموعظة في تدمير المعصية للبيت وتفكيك الأسرة وتفريق الشَمل وهذا من شؤم المعصية فالواجب على كلّ مسلم التوبة إلى الله والإقلاع عن المعاصي والذنوب .
ثانيا : من المستغرب إحجام هذه الأخت عن كتابة سبب طلبها للطلاق فعليها الاستجابة للطلب المذكور وماذا يضرها لو فعلت ذلك ؟
ثالثا : إذا رأى صاحب الكلمة المسموعة الذي يقوم بأمر الجالية المسلمة في تلك البلدة أنّه لا صلاح للزوجين في مواصلة العشرة الزوجية ، خلعها من زوجها على ما يتصالحان عليه .(9/83)
ونسأل الله أن يقي بيوتنا وبيوت المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يُصلح حالنا أجمعين .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
اعتناق الإسلام لخلع الزوج ... العنوان
فضيلة الأستاذ الدكتور، سلام الله عليك، وبعد:
ما رأيكم فضيلتكم في امرأة نصرانية ترغب في الانفصال عن زوجها، ولما لم يكن هذا جائزا في ملتهم راحت وأعلنت إسلامها ليتأتى لها أن تخلع زوجها، وتهرب من أسره إلى حريتها؟
... السؤال
أ.د. عبد الفتاح إدريس ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والصلاة والسلام على رسول، وبعد:
إذا كان اعتناقها الإسلام لمجرد أنها تريد أنها تريد أن تنفصل عن زوجها، فيجب عليها أن تصرف نيتها هذه إلى اعتناق الدين الإسلامي كدين خاتم لا يجوز لها بعد هذا العدول عنه إلى غيره من الديانات، وإلا فإن الاحتيال على خلع الزوج باعتناق الإسلام قد يكون سببا مشروعا في نظرها للخلاص من هذا الزوج الذي لا يمكن الخلاص منه وفقا للشريعة المسيحية.
إلا أنها ينبغي أن تعلم أنها إذا اعتنقت الإسلام فلا يجوز لها أن ترتد عنه بعد ذلك، وإلا وجب قتلها لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:"من بدل دينه فاقتلوه".
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلاق على مال
المفتي
محمد بخيت .
شعبان 1337 هجرية - 15 مايو 1919 م
المبادئ
1 - لا يشترط فى بدل الخلع أن يكون ذهبا ولا فضة ولكن يشترط فيه أن يكون مما يصلح مهرا .
2 - الخلع أو الطلاق على مال يعتبر عقد معاوضة من قبل الزوجة
السؤال
رجل سألته زوجته أن يطلقها من عصمته على ثمانية عشر سهما فى منزل لها وعلى مؤخر صداقها بموجب قسيمة طلاق تضمن ( سألت الزوجة زوجها المذكور بقولها له طلقنى من عصمتك على ثمانية عشر سهما الكائنة فى المنزل شركتى مع الشيخ ا .(9/84)
ب .
بقيمة ستة جنيهات المحررة شرطية منها له استلمها منها بالمجلس وعلى براءة ذمتك من مؤخر صداقى خمسة عشر قرشا صاغا وعلى نفقة عدتى منك حتى تنتهى شرعا فأجابها زوجها فورا بقوله لها طلقتك على جميع ذلك وقبلت منه الطلاق على البراءة برضاها ) هذا ما تضمنته القسيمة مع العلم بأن الشرطية المنوه عنها لم تحرر واكتفى بقسيمة الطلاق .
فهل أصبحت الثمانية عشر سهما سالفة الذكر بموجب القسيمة المذكورة ملكا للمطلق يتصرف فيها تصرف الملاك فى أملاكهم أم لا
الجواب
نفيد أن علماء الحنفية صرحوا فى كتبهم المعتبرة أن بدل الخلع لا يشترط فيه أن يكون من الذهب أو الفضة بل الشرط أن يكون مما يصلح تسميته مهرا وهو أن يكون مالا مقوما سواء كان من العقار كبيت مثلا أو من المنقول كعشرين إردبا أو قنطارا من القطن أو خاتما من الماس مثلا فإذا قالت المرأة لزوجها خالعنى فى مقابلة هذا البيت أو فى نظير هذه الأرادب من القمح أو القناطير من القطن ففعل صح الخلع ووقع الطلاق البائن ولزمها أن تسلم للزوج ما عين فى العقد إذ هو مال متقوم يصلح تسميته مهرا فصحت تسميته عوضا للخلع ولا يشترط أيضا فى بدل الخلع أن يكون عينا بل يصح أن يكون دينا وأن يكون منفعة فإذا خالعها فى نظير مهرها الذى تستحقه عنده صح الخلع وسقط المهر ومثله ما إذا كان الدين غير المهر وإذا خالعها فى نظير أن تعطيه أرضها لينتفع بها فى مدة معلومة فقبلت صح الخلع أيضا ولزمها تسليم الأرض لينتفع بها الزمن المعين .
كما أنهم صرحوا بأنه لو خالعها على نفقة العدة ومؤنة السكن صح وصرحوا أيضا بأن الخلع أو الطلاق على مال يعتبر عقد معاوضة من قبل الزوجة ومن ذلك يعلم أن الثمانية عشر سهما التى جعلت بدلا من الطلاق المذكور تصير ملكا للمطلق ويتصرف فيها تصرف الملاك فى أملاكهم ولا حاجة إلى تحرير عقد آخر اكتفاء بما جاء بقسيمة الطلاق لأن الطلاق فى نظير العوض المذكور بالقسيمة هو عقد معاوضة من قبل الزوجة خصوصا وأن القسيمة المذكورة من الأوراق الرسمية التى هى حجة بذاتها فيما اشتملت عليه .
واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الخلع يسقط المسمى فقط
المفتي
محمد عبده .
ربيع الأول 1318 هجرية
المبادئ
الخلع لا يسقط إلا المسمى وهو الصحيح
السؤال(9/85)
امرأة سألت زوجها أن يخالعها على براءة ذمته من نصف مؤجل صداقها ونفقة عدتها وخالعها على ذلك وقبلت المرأة وقامت تطالبه بباقى المؤجل فهل ليس لها ذلك، وسقط بالخلع المذكور، حيث إن الخلع يسقط كل حق لكل واحد على الآخر فيما يتعلق بالنكاح كالمهر المقبوض أو غير المقبوض قبل الدخول أو بعده والنفقة الماضية كذلك
الجواب
صرح علماؤنا بأنه إذا خالعها واشترطت عليه أن يدفع لها بعض المهر فإنه صحيح .
وصرحوا أيضا بأن الخلع لا يسقط إلا المسمى وهو الصحيح .
وحيث وقعت المخالعة فى حادثتنا على نصف المؤجل ونفقة العدة فهما اللذان يسقطان بسبب تسميتهما ولا يسقط باقى المؤجل لأن هذه التسمية أفادت اشتراطها عليه دفع باقى المؤجل أما النفقة فيما مضى قبل الطلاق فلا يسقط منها دون الشهر وما زاد على ذلك فإن لم تكن مقضيا بها ولا متفقا على تقديرها من الزوجين بتراضيهما فتسقط بالطلاق بلا نزاع فإن كانت مقضيا بها أو متفقا على تقديرها ففيها خلاف معروف ويحق سقوطها فى حادثتنا لأن الزوجة هى الطالبة للطلاق وهو طلاق خلع فلا يتصور فيه الحيلة من الزوج على إسقاط النفقة فتسقط إلا أن تكون قد تداينتها بإذن قاض .
وما صححوه من عدم سقوط النفقة المفروضة قد عللوه بحسبة اتخاذ الطلاق حيلة لسقوط حقوق النساء وهى فى حادثتنا غير ممكنة لأن الزوجة هى الطالبة كما تقدم واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
خلع
المفتي
بكرى الصدفى .
ذى القعدة 1335 هجرية
المبادئ
1 - يقسط بالخلع والمبارأة كل حق لكل واحد على الآخر فيما يتعلق بالنكاح كالمهر مقبوضا أو غير مقبوض قبل الدخول بها أو بعده والنفقة الماضية تسقط به أيضا إلا نفقة العدة فإنها لا تسقط إلا بالنص عليها .
2 - إذا أبانها ثم عقد عليها بمهر آخر فاختلفت معه على مهرها برىء من الثانى لا من الأول .
3 - الدين الذى على الزوج لها لا يسقط بالخلع لأنه ليس من الحقوق المتعلقة بالنكاح
السؤال
سأل الشيخ م م ع الشافعى بالأزهر فى زوجة طلبت زوجها أمام القاضى الشرعى ليقدر لها نفقة فقدر لها مبلغ 60 قرشا شهريا لأجل النفقة ومبلغ 70 قرشا كل ستة أشهر فى نظير الكسوة وتجمد للزوجة المذكورة على زوجها المذكور فى النفقة(9/86)
والكسوة مبلغ 1425 قرشا وأيضا للزوجة المذكورة على زوجها المذكور 449 قرشا اقترضه منها وليس له تعلق بالنكاح وعليه أيضا باقى مقدم صداقها مبلغ 154 قرشا ثم رفعت عليه دعوى أمام المحكمة الأهلية تطالبه بدين النفقة والكسوة المتجمد وبالمبلغ الذى اقترضه منها وبباقى مقدم صداقها وفى أثناء ذلك سألت الزوجة المذكورة زوجها المذكور أن يخالعها من عصمته على مؤخر صداقها وقدره اثنان بنتو وعلى نفقة عدتها حتى تنقضى منه شرعا وعلى مبلغ قدره ثلاثون جنيها مصريا أخذهما الزوج المذكور من الزوجة المذكورة بالمجلس واشترت عصمتها منه بذلك المبلغ فأجابها الزوج المذكور فور سؤالها بقوله لها .
خالعتك على ذلك وقبلت منه الخلع لنفسها قبولا شرعيا وحصل ذلك بموجب قسيمة تاريخها 28 شوال سنة 1324 وبعد ذلك توفى الزوج بتاريخ 14 خلت من شهر ذى الحجة سنة 1324 فهل بذلك الخلع يسقط دين النفقة المتجمد المذكور ودين القرض وكذا باقى مقدم الصداق كما سقط مؤخر صداقها ونفقة عدتها أم كيف الحال .
أفيدوا الجواب ولكم الثواب أفندم
الجواب
أجاب: فى تنقيح الحامدية ما ملخصه (سئل) فى امرأة اختلعت من بعلها على مبلغ معلوم من الدراهم دفعت له فى المجلس وقامت تطالبه بمؤخر صداقها عليه فهل ليس لها وسقط بالخلع المذكور والجواب بنعم ويسقط بالخلغ والمبارأة كل حق لكل واحد على الآخر مما يتعلق بالنكاح كالمهر مقبوضا أو غير مقبوض قبل الدخول بها أو بعده والنفقة الماضية إلا نفقة العدة فإنها لا تسقط إلا إذا نص عليها فحينئذ تسقط انتهى - وفى التنوير وشرحه ويسقط الخلع والمبارأة كل حق لكل منهما على الآخر مما يتعلق بذلك النكاح حتى لو أبانها ثم نكحها ثانيا بمهر آخر فاختعلت منه على مهرها برىء من الثانى لا الأول انتهى ملخصا ومن ذلك يعلم .
أن النفقة المفروضة الماضية فى هذه الحادثة تسقط بالخلع المذكور وكذا يسقط باقى مقدم الصداق به وأما مؤخره ونفقة العدة فهما مصرح بهما فى بدل الخلع المذكور فيسقطان أيضا .
وأما الدين الذى هو للزوجة المذكورة على زوجها المذكور البالغ مقداره 449 قرشا وهو ما اقترضه منها على الوجه المذكور فإنه لا يسقط بذلك الخلع لأنه ليس من الحقوق المتعلقة بالنكاح واللّه تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
الخلع على التحمل بنفقة الحمل المستكن
المفتي
محمد بخيت .
رجب 1335 هجرية - 25 ابريل 1917 م
المبادئ
1 - إذا تكفلت المرأة بحملها بعد انفصاله من إرضاع ونفقة وحضانة مقابل الطلاق حتى انتهاء الحضانة شرعا أجبرت على ما تكفلت به حتى انتهاء الحضانة .(9/87)
2 - إذا أعسرت بعد ذلك واستصدرت حكما بنفقة وأجور للولد كان ما يدفع لها دينا عليها يرجع به عليها إذا أيسرت
السؤال
رجل خالع زوجته على مؤخر صداقها ونفقة عدتها إلى انقضائها شرعا وعلى تكفلها بحملها بعد انفصاله منها بالإرضاع والنفقة والحضانة حتى تنتهى شرعا وتعهدت فى قسيمة الطلاق أنها لا ترجع على المخالع بشىء ما فى المستقبل ثم بعد وضعها بنحو عام طالبته أمام القضاء الشرعى بنفقة وكسوة وحضانة ولدها منه فقرر المطلق على نفسه طلباتها وقدر مبلغا يدفعه لها شهريا نظير ذلك (وغرضه ونيته أن يرجع عليها وقت اليسار) ولا يزال يواليها بالدفع عاما بعد عام ويأخذ عليها سندا بما تسلمته حتى بلغ الولد السابعة من عمره قطع أبوه ما كان يدفعه شهريا وتسلم الولد منها إلا أن الولد شب على الرذيلة لفساد البيئة التى نشأ فيها فطورا يمكث عند أبيه وطورا يهرب إلى أمه وهكذا حتى بلغ الحادية عشرة من عمره ولم يطلب الوالد من المحكمة الحكم بتسلمه لوجوده عنده فى أغلب الأيام .
فهل يجوز له شرعا الرجوع على المطلقة بجميع ما دفعه لها طول هذه المدة أو بعضه حيث ثبت يسارها بامتلاكها منزلا وإذا لم يجز الرجوع عليها بما دفع .
فهل يكلف الوالد بدفع ما قدر على نفسه أم لا مادام لم يحكم الحاكم بتسليم الولد إليه ولو مضى على ذلك سنون
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه متى خالع الزوج زوجته على تكفلها بحملها بعد انفصاله منها بالإرضاع والنفقة والحضانة حتى تنتهى شرعا تجبر على إرضاعه مدة الرضاع وتلزم بنفقته وحضانته بلا أجر حتى تنتهى الحضانة كما يؤخذ من المادة (286) من الأحوال الشخصية وإذا كانت معسرة وقدر القاضى على الأب نفقة وكسوة وأجرة حضانة لولدها المذكور وقدر لها مبلغا يدفعه لها شهريا نظير ذلك كان ما دفعه مما ذكر دينا للأب فى ذمة الأم المذكورة يرجع به عليها إذا أيسرت كما يؤخذ من المادة (289) من الأحوال الشخصية واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــ
الخلع جائز وموجب لجميع العوض
المفتي
عبد المجيد سليم .
شعبان 1353 هجرية - 13 نوفمبر 1934 م
المبادئ
إذا حصل خلع بين الزوجين بإيجاب وقبول معتبرين شرعا تم الخلع ولزمها العوض كله إذا لم تكن مكرهة وللزوج المطالبة بالمؤجل منه
السؤال
رجل تزوج بامرأة بصحيح العقد الشرعى ومكث يعاشرها معاشرة شرعية حقبة طويلة ثم طلبت منه لسبب ما أن يطلقها فلم يقبل فخالعته على مبلغ معين دفعت جزءا منه وكتبت له سندا بالباقى وكان كل من الزوجين رشيدا عاقلا غير محجور(9/88)
عليه ولا مريضا مرض الموت ولا يوجد لديه ما يمنع من التعاقد تعاقدا صحيحا وكان الاتفاق على الخلع ومقابله فى مجلس واحد فهل هذا العمل جائز وصحيح وهل للزوج الحق فى المطالبة بالجزء المؤجل مما حصل الاتفاق عليه أم يعتبر أن المبالغ التى دفعت والسند الذى حرر تشوبهما شائبة البطلان أيا كانت
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأن الخلع إذا كان بعوض فركنه الإيجاب والقبول فما لم يوجد الإيجاب والقبول المعتبران شرعا فالخلع غير تام قال فى البدائع صحيفة 145 من الجزء الثالث ما نصه وأما ركنه (يعنى ركن الخلع بعوض) فهو الإيجاب والقبول لأنه عقد على الطلاق بعوض فلا تقع الفرقة ولا تستحق العوض بدون القبول .
ونص الفقهاء أن الخلع فى جانب الزوج يمين أى تعليق للطلاق على قبولها ومن جانب الزوجة معاوضة ولذلك رتبوا أحكام اليمين بالنسبة للزوج وأحكام المعاوضة بالنسبة للزوجة فقد جاء فى المبسوط فى صفحة 173 من الجزء السادس ما نصه .
وإن قال لامرأته قد خالعتك أو بارأتك أو طلقتك بألف درهم فالقبول إليها فى مجلسها .
والحاصل أن إيجاب الخلع من الزوج فى المعنى تعليق الطلاق بشرط قبولها لأن العوض الذى من جانبه فى هذا العقد طلاق وهو محتمل للتعليق بالشرط ولهذا لا يبطل بقيامه من المجلس ويصح منه وإن كانت غائبة حتى إذا بلغها فقبلت فى مجلسها تم وإن قامت من مجلسها قبل أن تقبل بطل ذلك .
بمنزلة تعليق الطلاق بمشيئتها وتمليك الأمر منها لأنها تقدر على المشيئة فى مجلسها فيبطل بقيامها فكذلك تقدر على القبول ذلك والذى من جانبها فى الخلع التزام المال فيكون بمنزلة البيع والشراء لا يحتمل التعليق بالشرط حتى إذا بدأت فقالت إخلعنى أو بارئنى أو طلقنى بألف درهم فإنه يبطل بقيامها من المجلس قبل قبول الزوج .
وكذلك بقيام الزوج من المجلس قبل القبول .
كما يبطل إيجاب البيع بقيام أحدهما من المجلس قبل قبول الآخر .
وكذلك إن كان الزوج غائبا حين قالت هذه المقالة لا يتوقف على قبوله إذا بلغه كما لا يتوقف إيجاب البيع على قبول المشترى إذا كان غائبا انتهى .
ويشترط مع هذا فى لزوم بدل الخلع عليها أن تكون بالغة عاقلة غير محجور عليها وغير مريضة مرض الموت ولا مكرهة على القبول حتى لو كانت صغيرة أو غير عاقلة أو محجورا عليها أو مكرهة على القبول لم يلزمها المال .
أما إذا كانت مريضة مرض الموت فللفقهاء فى ذلك تفصيل لا حاجة إلى ذكره .
يراجع البحر فى باب الخلع - ومن هذا يتبين أنه إذا حصل الخلع بين الزوجين المذكورين بإيجاب وقبول معتبرين شرعا تم الخلع ولزمها العوض كله إذا كان حالها كما ذكر بالسؤال ولم تكن مكرهة على القبول فله حنيئذ المطالبة بالجزء المؤجل من هذا البدل ما لم يكن مؤجلا تأجيلا صحيحا ولم يحل الأجل نعم إذا كان الخلع حصل لكراهته لها فقط لم يحل أخذه البدل ديانة - أما مجرد الاتفاق على(9/89)
الخلع ومقابله فى مجلس واحد بدون حصول الإيجاب والقبول المعتبرين شرعا فليس خلعا مستوجبا للزوم المال عليها هذا ما ظهر لنا حيث كان الحال كما ذكر واللّه أعلم
أثر الزواج الثانى على المطلقة
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
لو طلق الزوج زوجته التى أبرأته من حقوقها عنده ثم تزوجها بعد ذلك ، هل تعود إليه بما بقى من عدد الطلقات ، أو بثلاث طلقات ؟
الجواب
المعروف أن المطلقة ثلاثا لا تعود إلى زوجها الأول إلا بعد نكاح صحيح مع الدخول الصحيح ، كما قال تعالى { فإن طلقها } أى الثالثة-{ فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة : 230 . أما المطلقة للمرة الأولى أو الثانية فيمكن رجوعها إلى زوجها الأول بالرجعة إن كانت فى العدة أو بعقد جديد إن انتهت العدة ، أو كان الطلاق عن طريق الخلع ، فإذا عادت إلى زوجها الأول ، فهل تعود بما بقى لها من عدد الطلقات ، أى بطلقة أو طلقتين -أم تعود إليه كزوجة جديدة لها ثلاث طلقات كما تعود المطلقة ثلاثا؟ لم يرد فى هذه المسألة نص من القرآن أو السنة يعتمد عليه ، ولعَل الفقهاء ، قالوا : إذا عادت المطلقة غير البائن بينونة كبرى إلى زوجها الأول ولم تكن قد تزوجت غيره عادت بما بقى لها من عدد الطلقات ، وذلك بالاتفاق .
أما إذا كانت قد تزوجت غيره فهناك خلاف بين العلماء فى العدد الذى تعود به إلى زوجها ، فقال بعضهم : الزواج الثانى يهدم الزواج الأول ، بحيث لو عادت إليه تعود بثلاث طلقات ، وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء بمسألة الهدم ، وقال بعضهم الآخر: الزواج الثانى لا يهدم زواجها الأول ، فتعود إليه بالباقى من عدد الطلقات ، وهذا الخلاف منقول عن الصحابة .
ومن هنا اختلف فقهاء الأحناف ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : تعود إلى الزوج الأول بثلاث تطليقات ، وذهب زفر ومحمد بن الحسن إلى أنها تعود بما بقى ولا يهدم الزواج الثانى الزواج الأول ، ولكل وجهة هو موليها ، والعمل فى مصر على الرأى الأول وهو العودة بالثلاث ، "أحكام الأسرة للدكتور محمد مصطفى شلبى ص 534"
الصداق
المفتي(9/90)
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل فى الإسلام شىء عن مؤخر ومقدم الصداق ، وما رأى الدين فى حالة تنازل المرأة عنه ، وما حكم المغالاة فى المهور ؟
الجواب
الصداق عِوَض يدفع للمرأة عند النكاح ، وهو ملك لها لا يجوز لوليها أو زوجها أن يأخذ شيئا منه إلا برضاها ، كما قال تعالى{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} النساء :
4 ، وقال {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} النساء: 20، 21 .
المهر يجوز أن يدفع مرة واحدة ، وأن يدفع على أقساط ، وذلك حسب الاتفاق وهو يجب بمجرد العقد ويتأكد بالدخول ، ولو طلقها قبل الدخول كان لها النصف ، كما قال تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح } البقرة : 337 ، أما الطلاق بعد الدخول فلا يبيح له استرداد شيء منه ، وما دام المهر ملكا للزوجة فهى حرة التصرف فيه ما دامت عاقلة رشيدة ، ويجوز لها أن تتنازل عنه كله أو بعضه ، . كما تنص عليه الآية المذكورة، وكما يجوز عند الخلع أن تتنازل عنه كله أو بعضه بل تعطيه أكثر مما دفع كما ذهب إليه بعض الفقهاء ، ودليله حديث حبيبة بنت سهل الأنصارية وقد اختلعت من زوجها ثابت بن قيس وردت إليه مهرها وهو حديقة أو حديقتان على خلاف فى الروايات وكان ذلك بأمر النبى صلى الله عليه وسلم ما رواه البخارى ، وذلك بعد قوله تعالى{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } البقرة : 229 .
وليس للصداق حد أدنى فيجوز أن يكون بكل ما يُموَّل، لحديث "التمس ولو خاتما من حديد" ورأى بعض الفقهاء ألا يقل عن ربع دينار، وبعضهم ألا يقل عن عشرة دراهم ، بل يجوز أن يكون منفعة .
ولا حد لأكثره بدليل آية{وآتيتم إحداهن قنطارا" وقد ندب النبى صلى الله عليه وسلم إلى عدم المغالاة فيه ، فقد روى أحمد والبيهقى بإسناد جيد حديث "من يمن المرأة أن تتيسر خطبتها وأن يتيسر صداقها وأن يتيسر رحمها "يعنى بالولادة، ولم يرض لفقير أن يكلف نفسه فوق طاقته فيدفع مهرا كبيرا بالنسبة إليه ، فقد روى مسلم حديث الرجل الذى تزوج على أربع أواق فاستنكره النبى صلى الله عليه وسلم وقال "كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك فى بعث تصيب منه ... " فالمدار كله على طاقة الزوج والناس مختلفون فى(9/91)
ذلك ، والغالب أن المغالاة فى المهور تكون من جهة الزوجة ، إلى جانب ما يطلب من شبكة وهدايا ومصاريف أخرى ، وهو أمر له نتائجه الخطيرة ، فهو يقلل من الإقبال على الزواج وبخاصة فى الظروف الاقتصادية الحرجة ولو استدان الزوج قد يعجز عن الوفاء ، وذلك له أثره على حياتها الزوجية، قد يحس بالنفور والامتعاض من الزوجة التى تسببت له فى الهم بالليل والذل بالنهار .
ومن أجل هذا نهى عمر عن المغالاة فى المهور بما يشبه أن يكون قرارا يسرى على الجميع ، غير أن امرأة ذكرته بقوله تعالى : {وآتيتم إحداهن قنطارا } فرجع عن فكرته .
ومن الواجب أن يكون هناك تعاون بين الطرفين فى تيسير أمر الزواج بل على المجتمع ممثلا فى المسئولين أن يتدخل من أجل مصلحة الجميع
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 225)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ يَقُولُ : إنَّ النُّصُوصَ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ : هَلْ قَوْلُهُ صَوَابٌ ؟ وَهَلْ أَرَادَ النَّصَّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَوْ الْأَلْفَاظَ الْوَارِدَةَ الْمُحْتَمَلَةَ ؟ وَمَنْ نَفَى الْقِيَاسَ وَأَبْطَلَهُ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ : هَلْ قَوْلُهُ صَوَابٌ ؟ وَمَا حُجَّتُهُ عَلَى ذَلِكَ ؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ : النَّصُّ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ وَهُوَ خَطَأٌ ؛ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ النُّصُوصَ وَافِيَةٌ بِجُمْهُورِ أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا وَافِيَةٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعَانِيَ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَالُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشُمُولُهَا لِأَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ وَقَاعِدَةٌ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ تَتَنَاوَلُ أَعْيَانًا لَا تُحْصَى فَبِهَذَا الْوَجْهِ تَكُونُ النُّصُوصُ مُحِيطَةً بِأَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ . مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عَصِيرَ الْعِنَبِ خَاصَّةً ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَمْ يُحَرِّمْ إلَّا ذَلِكَ أَوْ حَرَّمَ مَعَهُ بَعْضَ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُحَرِّمُ عَصِيرَ الْعِنَبِ الْمُشْتَدِّ الزَّبَدِ وَهَذَا الْخَمْرُ عِنْدَهُ وَيُحَرِّمُ الْمَطْبُوخَ مِنْهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ فَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ لَمْ يُحَرِّمْهُ . وَيُحَرِّمُ النِّيءَ مِنْ نَبِيذِ التَّمْرِ فَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ حَلَّ عِنْدَهُ . وَهَذِهِ الْمُسْكِرَاتُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ
خَمْرًا عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهَا حَرَامٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يُسْكِرُ . وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ مُسْكِرٍ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَبِهِ أَفْتَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ . وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَرَّمَ كُلَّ مُسْكِرٍ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ : إمَّا فِي الِاسْمِ وَإِمَّا فِي الْحُكْمِ ؛ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد يَظُنُّونَ أَنَّ تَحْرِيمَ كُلِّ مُسْكِرٍ إنَّمَا كَانَ بِالْقِيَاسِ فِي الْأَسْمَاءِ أَوْ الْقِيَاسِ فِي الْحُكْمِ . وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ : أَنَّ الْخَمْرَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ تَنَاوَلَتْ كُلَّ مُسْكِرٍ فَصَارَ تَحْرِيمُ كُلِّ(9/92)
مُسْكِرٍ بِالنَّصِّ الْعَامِّ وَالْكَلِمَةُ الْجَامِعَةُ لَا بِالْقِيَاسِ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ دَلِيلًا آخَرَ يُوَافِقُ النَّصَّ وَثَبَتَتْ أَيْضًا نُصُوصٌ صَحِيحَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمِ كُلِّ مُسْكِرٍ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ : عِنْدَنَا شَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ يُقَالُ لَهُ : الْبِتْعُ
وَشَرَابٌ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ : الْمِزْرُ ؟ قَالَ : وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ فَقَالَ : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } إلَى أَحَادِيثَ أُخَرَ يَطُولُ وَصْفُهَا . وَعَلَى هَذَا فَتَحْرِيمُ مَا يُسْكِرُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَطْعِمَةِ كَالْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَكَانَ هَذَا النَّصُّ مُتَنَاوِلًا لِشُرْبِ الْأَنْوَاعِ الْمُسْكِرَةِ مِنْ أَيِّ مَادَّةٍ كَانَتْ ؟ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الثِّمَارِ أَوْ مِنْ لَبَنِ الْخَيْلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ . وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ خَمْرَ الْعِنَبِ قَالَ : إنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ هَذِهِ الْمُسْكِرَاتِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْرِ الْعِنَبِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ وَهَؤُلَاءِ غَلِطُوا فِي فَهْمِ النَّصِّ . وَمِمَّا يَبِينُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا حُرِّمَتْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ خَمْرِ الْعِنَبِ شَيْءٌ ؛ فَإِنَّ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَجَرُ الْعِنَبِ وَإِنَّمَا كَانَ عِنْدَهُمْ النَّخْلُ فَكَانَ خَمْرُهُمْ مِنْ التَّمْرِ وَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ أَرَاقُوا تِلْكَ الْأَشْرِبَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ التَّمْرِ وَعَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ الشَّرَابَ هُوَ خَمْرٌ مُحَرَّمٌ فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَخْصُوصًا بِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِمْ فَتَنَاوَلَ [ غَيْرَهُ ] ؛ أَوْ كَانُوا عَرَفُوا التَّعْمِيمَ بِبَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ مُرَادَهُ فَإِنَّ الشَّارِعَ يَتَصَرَّفُ فِي اللُّغَةِ تَصَرُّفَ أَهْلِ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُ اللَّفْظَ
تَارَةً فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَتَارَةً فِيمَا هُوَ أَخَصُّ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَيْسِرِ هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يَتَنَاوَلُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَيَتَنَاوَلُ بُيُوعَ الْغَرَرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ مَيْسِرٌ إذْ الْقِمَارُ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ عَلَى مُخَاطَرَةٍ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ عِوَضُهُ أَوْ لَا يَحْصُلُ ؟ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْآبِقَ وَالْبَعِيرَ الشَّارِدَ وَحَبَلَ الْحَبَلَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَحْصُلُ لَهُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَفْظُ الْمَيْسِرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ وَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا فِيهِ مُخَاطَرَةٌ كَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْبُطُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَفْظُ الرِّبَا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ رِبَا النسأ وَرِبَا الْفَضْلِ ؛ وَالْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالنَّصُّ مُتَنَاوِلٌ لِهَذَا كُلِّهِ ؛ لَكِنْ يَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَةِ دُخُولِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَعْيَانِ فِي النَّصِّ إلَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي يُسَمَّى : تَحْقِيقَ الْمَنَاطِ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَقَوْلُهُ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَنَحْوَ ذَلِكَ
يَعُمُّ بِلَفْظِهِ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ فَهُوَ رَجْعِيٌّ وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ وَقَالُوا : لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ ثَلَاثًا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إلَّا رَجْعِيًّا وَأَنَّ مَا كَانَ بَائِنًا فَلَيْسَ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونُ الْخُلْعُ مِنْ الطَّلَقَاتِ(9/93)
الثَّلَاثِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ ؛ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَكِنْ بَيْنَهُمْ نِزَاعٌ : هَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَخْلُوَ الْخُلْعُ عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ أَوْ بِالْخُلُوِّ عَنْ لَفْظِهِ فَقَطْ ؛ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } و { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ } هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ يَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : كُلُّ يَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَفِيهَا كَفَّارَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَتَنَاوَلُ النَّصُّ إلَّا الْحَلِفَ بِاسْمِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا تَنْعَقِدُ وَلَا شَيْءَ فِيهَا . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هِيَ أَيْمَانٌ يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِهَا مَا الْتَزَمَهُ وَلَا تَدْخُلُ فِي النَّصِّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَمَنْ قَالَ : إنَّ النَّصَّ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ جَمِيعِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ هَذَا رَأْيًا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَدْلُولَ النَّصِّ . وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِ النِّزَاعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا طَلَبَ مَا يَفْصِلُ
النِّزَاعَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَدَ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ النُّصُوصَ شَامِلَةٌ لِعَامَّةِ أَحْكَامِ الْأَفْعَالِ . وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد يَقُولُ : إنَّهُ مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ يُسْأَلُ عَنْهَا إلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ فِيهَا أَوْ فِي نَظِيرِهَا وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَحْتَجُّونَ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِهِمْ بِالنُّصُوصِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُمْ وَكَانُوا يَجْتَهِدُونَ رَأْيَهُمْ وَيَتَكَلَّمُونَ بِالرَّأْيِ وَيَحْتَجُّونَ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ أَيْضًا .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 371)
بَابُ الْخُلْعِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ الْخُلْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْخُلْعُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَارِهَةً لِلزَّوْجِ تُرِيدُ فِرَاقَهُ فَتُعْطِيهِ الصَّدَاقَ أَوْ بَعْضَهُ فِدَاءَ نَفْسِهَا كَمَا يُفْتَدَى الْأَسِيرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُرِيدًا لِصَاحِبِهِ فَهَذَا الْخُلْعُ مُحْدَثٌ فِي الْإِسْلَامِ . وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَتْ مُبْغِضَةً لَهُ مُخْتَارَةً لِفِرَاقِهِ فَإِنَّهَا تَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ فَتَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخَذَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَتُبْرِيهِ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ وَيَخْلَعُهَا كَمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
-ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 379)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ " الْخُلْعِ " : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَفَسْخٌ لِلنِّكَاحِ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . فَلَوْ خَلَعَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ . وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَصَرُوهُ ؛ وَطَائِفَةٌ نَصَرُوهُ وَلَمْ يَخْتَارُوهُ ؛ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : كَإِسْحَاقِ بْنِ راهويه وَأَبِي ثَوْرٍ وداود وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة . وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ : كطاوس وَعِكْرِمَةَ . و " الْقَوْلُ الثَّانِي " : أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ . وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ ؛ وَيُقَالُ : إنَّهُ الْجَدِيدُ(9/94)
وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ . وَيُنْقَلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ : كَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة والبيهقي وَغَيْرِهِمْ : النَّقْلَ عَنْ هَؤُلَاءِ ؛ وَلَمْ يُصَحِّحُوا إلَّا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ إنَّهُ فَسْخٌ : وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَا نَعْرِفُ حَالَ مَنْ رَوَى هَذَا عَنْ عُثْمَانَ : هَلْ هُوَ ثِقَةٌ أَمْ لَيْسَ بِثِقَةِ ؟ فَمَا صَحَّحُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ ؛ بَلْ اعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ صِحَّتَهُ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ صَحَّحَ
مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ بَلْ أَثْبَتُ مَا فِي هَذَا عِنْدَهُمْ مَا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ أَمَرَ الْمُخْتَلَعَةَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةِ . وَقَالَ : لَا عَلَيْك عِدَّةٌ . وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّهُ عِنْدَهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ إذْ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْخُلْعِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ . وَقَدْ رَدَّ ابْنُ عَبَّاسٍ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخَلَعَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا وَلَّاهُ الزُّبَيْرُ عَلَى الْيَمَنِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ لَهُ : إنَّ عَامَّةَ طَلَاقِ أَهْلِ الْيَمَنِ هُوَ الْفِدَاءُ ؟ فَأَجَابَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْفِدَاءَ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ وَلَكِنَّ النَّاسَ غَلِطُوا فِي اسْمِهِ . وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ } { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ . فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْفِدْيَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَهَذَا يَدْخُلُ فِي الْفِدْيَةِ خُصُوصًا وَغَيْرِهَا عُمُومًا فَلَوْ كَانَتْ الْفِدْيَةُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا . وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ هُوَ وَمَنْ تَقَدَّمَ اتَّبَعُوا ابْنَ عَبَّاسٍ . وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي " الْمُخْتَلَعَةِ " هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؟ أَوْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ " إحْدَاهُمَا " تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَابْنِ عُمَرَ فِي آخِرِ رِوَايَتَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ حَسَنَةٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَتْ طُرُقُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَالُوا لَوْ كَانَ مِنْهُ لَوَجَبَ فِيهِ تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى ضَعْفِ مَنْ نَقَلَ عَنْ عُثْمَانَ ؛ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَرْضِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَوَجَبَ عَلَيْهَا تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . وَإِنْ قِيلَ : بَلْ عُثْمَانُ جَعَلَهَا مُطَلَّقَةً تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ .
فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَاتِّبَاعُ عُثْمَانَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ الَّتِي يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : أَوْلَى مِنْ رِوَايَةٍ رَاوِيهَا مَجْهُولٌ وَهِيَ رِوَايَةُ جمهان الأسلمي عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً . وَأَجْوَدُ مَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً مِنْ النَّقْلِ عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ هَذَا النَّقْلُ عَنْ عُثْمَانَ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ(9/95)
الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَالنَّقْلُ عَنْ عُمَرَ مُجْمَلٌ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فُرْقَةٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . فَمِنْ أَصَحِّ النَّقْلِ الثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ وَهَذَا مِمَّا اعْتَضَدَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ فَسْخٌ : كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ظَنُّوا تِلْكَ نُقُولًا صَحِيحَةً ؛ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ نَقْدِ الْآثَارِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَضَعِيفِهَا مَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَصَارَ هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الَّذِينَ خَالَفُوا ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَمْثَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَجَلُّ مِنْهُ وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ
وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ } وَكَانَ مَا اسْتَنْبَطَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ عَنْ كَمَالِ فِقْهِهِ فِي الدِّينِ وَعِلْمِهِ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فُتْيَا . قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ : أَيُّ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ فُتْيَا ؟ قَالَ : ابْنُ عَبَّاسٍ . وَهُوَ أَعْلَمُ وَأَفْقَهُ طَبَقَةً فِي الصَّحَابَةِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُدْخِلُهُ مَعَ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَنَحْوِهِمْ - فِي الشُّورَى وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ يَفْعَلُ هَذِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ طَبَقَتِهِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَوْ أَدْرَكَ ابْنُ عَبَّاسٍ إسناننا لَمَا عَشَّرَهُ مِنَّا أَحَدٌ . أَيْ مَا بَلَغَ عُشْرَهُ . وَالنَّاقِلُونَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَقْوَالِهِ : مِثْلَ طَاوُوسٍ وَعِكْرِمَةَ ؛ فَإِنَّ هَذَيْنِ كَانَا يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ مَعَ الْخَاصَّةِ بِخِلَافِ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَنَحْوِهِمَا فَقَدْ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ مَعَ الْعَامَّةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَوَاصَّ الْعَالِمِ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ كَمَا عِنْدَ خَوَاصِّ الصَّحَابَةِ - مِثْلَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةِ وَابْن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وأبي بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِمْ - مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا : أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ
الصَّحَابَةِ إلَّا مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ ؛ لَا مَا يُنَاقِضُهُ . وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَالَفَهُ فَالْمَرْجِعُ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَالطَّلَاقُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ ثَلَاثًا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ وَكُلُّ طَلَاقٍ فِي الْقُرْآنِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ غَيْرَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ . وَلِذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ : تَدَبَّرْت الْقُرْآنَ فَإِذَا كُلُّ طَلَاقٍ فِيهِ فَهُوَ الرَّجْعِيُّ . قَالَ هَؤُلَاءِ : فَمَنْ قَسَّمَ الطَّلَاقَ الْمَحْسُوبَ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؛ بَلْ كُلُّ مَا فِيهِ بَيْنُونَةٌ فَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ؛ فَإِذَا سُمِّيَ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْ الثَّلَاثِ فَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا تَنَازُعَ فِيهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَمَا جَازَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ طَلَاقَ الْحَائِضِ وَقَدْ سَلَّمَ لَنَا الْمُنَازِعُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَيْضِ ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فِي الْحَيْضِ . قَالُوا : وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَ الْمَرْأَةَ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ لِئَلَّا يُطَلِّقَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ؛ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ ؛ وَلِهَذَا أُبِيحَتْ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا وَالْإِحْدَادُ لِغَيْرِ مَوْتِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا وَمُقَامُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا . وَالْأَصْلُ فِي الْهِجْرَةِ وَمُقَامُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ(9/96)
التَّحْرِيمُ . ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ . هَلْ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ فَسْخًا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . " أَحَدُهَا " : أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ . فَمَنْ خَالَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ نَوَاهُ فَهُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ثُمَّ قَدْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ : إذَا عَرِيَ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ فَهُوَ فَسْخٌ . وَقَدْ يَقُولُونَ : إنَّهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا إلَّا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ . وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ دُونَ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ : كَلَفْظِ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْإِبَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا يُفَارِقُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَّا بِهَا مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُسَمِّهِ إلَّا فِدْيَةً وَفِرَاقًا وَخُلْعًا وَقَالَ : الْخُلْعُ فِرَاقٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَلَمْ يُسَمِّهِ ابْنُ عَبَّاسٍ فَسْخًا وَلَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَسْمِيَتُهُ " فَسْخًا " فَكَيْفَ يَكُونُ لَفْظُ الْفَسْخِ صَرِيحًا فِيهِ دُونَ لَفْظِ الْفِرَاقِ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْثَرُ مَا يُسَمِّيهِ " فُرْقَةً " لَيْسَتْ بِطَلَاقِ . وَقَدْ يُسَمِّيهِ " فَسْخًا " أَحْيَانًا ؛ لِظُهُورِ هَذَا الِاسْمِ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ . " وَالثَّانِي " أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ " الْخُلْعِ " " وَالْمُفَادَاةِ " " وَالْفَسْخِ " فَهُوَ فَسْخٌ سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ . وَهَذَا الْوَجْهُ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَهَلْ هُوَ فَسْخٌ
إذَا عَرِيَ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالْكِنَايَاتِ ؟ أَوْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ . وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِأُصُولِهِمَا مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابٍ وَوُجِدَ مُعَادًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِلَفْظِ الظِّهَارِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَى هَذَا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَحْمَدَ : لَوْ نَوَى بِلَفْظِ الْحَرَامِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ ؛ لاسيما عَلَى أَصْلِ أَحْمَدَ . وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْفِدْيَةِ مَعَ الْعِوَضِ صَرِيحَةٌ فِي الْخُلْعِ فَلَا تَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِحَالِ ؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْفَسْخِ وَالْعِوَضِ إمَّا أَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً فِي الْخُلْعِ ؛ وَصَرِيحَةً فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةً فِيهِمَا فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - لَمْ يَقَعْ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ . وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي : لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ كَمَا يَقَعُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ ؛ وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّرَائِحِ . فَإِنْ قِيلَ : هِيَ مَعَ الْعِوَضِ صَرِيحَةٌ فِي الطَّلَاقِ . قِيلَ : هَذَا بَاطِلٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِصَرِيحِ عِنْدَهُ لَا يَصِيرُ صَرِيحًا بِدُخُولِ الْعِوَضِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ : إنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَلَيْهَا وَالنِّكَاحُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ ؛ فَإِذَا قَالَ : مَلَّكْتُكهَا بِأَلْفِ وَأَعْطَيْتُكهَا بِأَلْفِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ وَهَبْتُكهَا لَمْ يُجْعَلْ دُخُولُ الْعِوَضِ قَرِينَةً فِي كَوْنِهِ نِكَاحًا : لِاحْتِمَالِ تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ . كَذَلِكَ لَفْظُ الْمُفَادَاةِ يَحْتَمِلُ الْمُفَادَاةَ مِنْ الْأَسْرِ . وَلَفْظُ الْفَسْخِ إنْ كَانَ طَلَاقًا مَعَ الْعِوَضِ فَهُوَ طَلَاقٌ بِدُونِ الْعِوَضِ ؛ وَلَمْ يُقَلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ بِدُونِ الْعِوَضِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً . وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ كَوْنِهِ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ : فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ . " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنَّهُ فَسْخٌ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَشْتَرِطُوا لَفْظًا مُعَيَّنًا وَلَا عَدَمَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ ؛ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ ؛ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ(9/97)
أَصْحَابِهِ فِي الخلوع بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ ؛ لَا لَفْظَ الطَّلَاقِ وَلَا غَيْرِهِ ؛ بَلْ أَلْفَاظُهُمْ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ فُسِخَ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ أَصْرَحَ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي مَعْنَاهُ الْخَالِصِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقُلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ بَلْ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَغَيْرِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَكَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ : كُلّ ما أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقِ . قَالَ : وَأَحْسَبُ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ .
وَمِنْ هُنَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ والطحاوي وَنَحْوُهُمَا : أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ نِزَاعًا فِي الْخُلْعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّنِّ لَا يُنْقَلُ بِهِ مَذَاهِبُ السَّلَفِ وَيُعْدَلُ بِهِ عَنْ أَلْفَاظِهِمْ وَعِلْمِهِمْ ؛ وَأَدِلَّتِهِمْ الْبَيِّنَةِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ ؛ وَأَمَّا أَحْمَد فَكَلَامُهُ بَيِّنٌ فِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظًا وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ وَهُوَ مُتَّبِعٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَبِهِ اقْتَدَى . وَكَانَ أَحْمَد يَقُولُ : إيَّاكَ أَنْ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَك فِيهَا إمَامٌ . وَإِمَامُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَنَقَلَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ . فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ بِبَذْلِ الْمَرْأَةِ الْعِوَضَ وَطَلَبِهَا الْفُرْقَةَ . وَقَدْ كَتَبْت أَلْفَاظَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْكَلَامِ الْمَبْسُوطِ . " وَأَيْضًا " فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْن شَمَّاسٍ - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَالَعَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَتْ امْرَأَتُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ لَهُ : لَا أَنْقِمُ عَلَيْهِ خُلُقًا وَلَا دِينًا وَلَكِنْ أَكْرَهُ الْكُفْرَ بَعْدُ فِي الْإِسْلَامِ ؛ فَذَكَرَتْ
أَنَّهَا تُبْغِضُهُ . فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ الْحَدِيقَةَ فَقَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } وَابْنُ عَبَّاسٍ الَّذِي يَرْوِي هَذَا اللَّفْظَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى أَيْضًا { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِحَيْضَةِ اسْتِبْرَاءٍ . وَقَالَ : لَا عِدَّةَ عَلَيْك } وَأَفْتَى بِأَنَّ طَلَاقَ أَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ " الْفِدَاءَ " لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَعَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لَهُ : عَامَّةُ طَلَاقِ أَهْلِ الْيَمَنِ الْفِدَاءُ فَقَالَ لَهُ : لَيْسَ الْفِدَاءُ بِطَلَاقِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ فِرَاقٌ وَلَكِنَّ النَّاسَ غَلِطُوا فِي اسْمِهِ . فَأَخْبَرَهُ السَّائِلُ أَنَّ طَلَاقَهُمْ هُوَ الْفِدَاءُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَأَدْنَى أَحْوَالِهِ أَنْ يَعُمَّ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَعَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْفِدَاءَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَا عَيَّنَ لَهُ لَفْظًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ ؛ بَلْ الْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ لَفْظَ الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُعَلِّمْهَا ذَلِكَ مُعَلِّمٌ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ ؛ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إذَا قِيلَ لَهُ : خَالِعْ امْرَأَتَك . طَلَّقَهَا بِلَا عِوَضٍ وَقَالَ : قَدْ خَلَعْتهَا . فَلَا يَعْرِفُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ الْغَرَضُ فِي أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ .
وَأَهْلُ الْيَمَنِ إلَى الْيَوْمِ تَقُولُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا : طَلِّقْنِي . فَيَقُولُ لَهَا : اُبْذُلِي لِي فَتَبْذُلُ لَهُ الصَّدَاقَ أَوْ غَيْرَهُ فَيُطَلِّقُهَا . فَهَذَا عَامَّةُ طَلَاقِهِمْ وَقَدّ أَفْتَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ هَذَا فِدْيَةٌ وَفِرَاقٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَرَدَّ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَفِدَاءٍ مَرَّةً . فَهَذَا نَقْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفُتْيَاهُ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْقُرْآنِ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ . وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مُقْتَضَى نُصُوصِ أَحْمَد وَأُصُولُهُ فَهُوَ مُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ وَنُصُوصِ الشَّارِعِ ؛ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِمَقَاصِدِهَا وَمَعَانِيهَا ؛ لَا بِأَلْفَاظِهَا . فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِاللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ اخْتِلَافُ حُكْمِهِمَا . وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ إنْ شَاءَ الْعَبْدُ جَعَلَهُ طَلَاقًا وَإِنْ شَاءَ لَمْ(9/98)
يَجْعَلْهُ طَلَاقًا [ كَانَ تَلَاعُبًا ] وَهَذَا بَاطِلٌ وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى هَذَا : أَنَّ الْمُعْتَقَةَ تَحْتَهُ إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَلَهَا أَنْ تَفْسَخَ النِّكَاحَ لِأَجْلِ عِتْقِهَا . قَالُوا : فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ مَعَ الْعِوَضِ يَمْلِكُ إيقَاعَ فَسْخٍ وَيَمْلِكُ إيقَاعَ طَلَاقٍ . وَهَذَا الْقِيَاسُ ضَعِيفٌ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا : فَتَكُونُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ إيقَاعِ فُرْقَةٍ بَائِنَةٍ وَبَيْنَ إيقَاعِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ . وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ ؛ كَمَا يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ أَنْ يَخْلَعَهَا مُفَارَقَةً فُرْقَةً بَائِنَةً وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِلَا عِوَضٍ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛
وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ لِلْأُصُولِ أَنْ يَمْلِكَ فُرْقَةً بَائِنَةً إنْ شَاءَ جَعَلَهَا فَسْخًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا طَلَاقًا وَالْمَقْصُودُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفُرْقَةُ الْبَائِنَةُ ؛ وَالْأَمْرُ إلَيْهِ فِي جَعْلِهَا طَلَاقًا أَوْ غَيْرَ طَلَاقٍ : فَهَذَا هُوَ الْمُنْكَرُ الَّذِي يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ إنْ شَاءَ جَعَلَ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ طَلَاقًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ غَيْرَ طَلَاقٍ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدٌ . " وَأَيْضًا " فَاَلَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْعَبْدِ هُوَ قَصْدُ الْأَفْعَالِ وَغَايَتُهَا ؛ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَإِلَى الشَّارِعِ . فَالشَّارِعُ يُفَرِّقُ بَيْنَ حُكْمِ هَذَا الْفِعْلِ وَحُكْمِ هَذَا الْفِعْلِ ؛ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ بِالْفِعْلَيْنِ . فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الرَّجُلِ بِهَا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَنَفْيِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَقْصُودَ الْفُرْقَةِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ . " وَأَيْضًا " فَمَعْنَى الِافْتِدَاءِ ثَابِتٌ فِيمَا إذَا سَأَلَتْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا بِعِوَضِ ؛ وَاَللَّهُ عَلَّقَ حُكْمَ الْخُلْعِ بِمُسَمَّى الْفِدْيَةِ فَحَيْثُ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ الْخُلْعُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى . " وَأَيْضًا " فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّجْعَةَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ فِي الْقُرْآنِ ؛ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى طَلَاقَ الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا وَأَثْبَتَ فِيهِ الرَّجْعَةَ ؛ فَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا لَثَبَتَ فِيهِ الرَّجْعَةُ وَهَذَا يُزِيلُ مَعْنَى الِافْتِدَاءِ ؛ إذْ هُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ؛ فَإِنَّا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ : إنَّ الْخُلْعَ الْمُطْلَقَ يَمْلِكُ فِيهِ الْعِوَضَ وَيَسْتَحِقُّ فِيهِ الرَّجْعَةَ .
لَكِنْ قَالَ طَائِفَةٌ هُوَ غَيْرُ لَازِمٍ ؛ فَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْعِوَضَ وَرَاجَعَهَا ؛ وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْعِوَضِ : هَلْ يَصِحُّ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ . وَبُطْلَانُ الْجَمْعِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ أَحْمَد . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُوجِبُ الْعِوَضَ وَيَرُدُّ الرَّجْعَةَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُثْبِتُ الرَّجْعَةَ وَيُبْطِلُ الْعِوَضَ . وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ ؛ وَلَيْسَ عَنْ أَحْمَد فِي ذَلِكَ نَصٌّ . وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَد صِحَّتُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا لَوْ بَذَلَتْ مَالًا عَلَى أَنْ تَمْلِكَ أَمْرَهَا . فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ جَوَازُ الشَّرْطِ فِي الْعُقُودِ إلَّا أَنْ يَقُومَ عَلَى فَسَادِهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ بَلْ مَا خَالَفَ مَقْصُودَ الشَّارِعِ وَنَاقَضَ حُكْمَهُ ؛ كَاشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتَقِ وَاشْتِرَاطِ الْبَائِعِ لِلْوَطْءِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَنَحْوَ ذَلِكَ . " وَأَيْضًا " فَالْفَرْقُ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ فِي الْخُلْعِ قَوْلٌ مُحْدَثٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ : لَا الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِيهِمْ . وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ ؛ بَلْ ذَكَرَ : أَنَّهُ يَحْسَبُ أَنَّ الصَّحَابَةَ يُفَرِّقُونَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَقْلًا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ . وَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ هَذَا فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ . وَرَجَّحَ فِيهِ أَنَّ الْخُلْعَ
طَلَاقٌ وَلَيْسَ بِفَسْخِ فَلَمْ يُجِزْ هَذَا الْقَوْلَ لِمَا ظَنَّهُ مِنْ تَنَاقُضِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ بِلَفْظِ طَلَاقًا بَائِنًا مِنْ الثَّلَاثِ وَبِلَفْظِ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ فَلِمَا ظَنَّهُ مِنْ تَنَاقُضِهِ عَدَلَ عَنْ(9/99)
تَرْجِيحِهِ . وَلَكِنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ لَمْ يَنْقُلْهُ : لَا هُوَ ؛ وَلَا أَحَدٌ غَيْرُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَلَا مَنْ اتَّبَعَهُ . كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ ؛ وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد لَمَّا وَجَدُوا غَيْرَهُمْ قَدْ ذَكَرُوا الْفَرْقَ فِيهِ بَيْنَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ؛ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ كَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ والطحاوي : أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا ؛ وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ قَاطِبَةً : إمَّا جَعْلُ الْخُلْعِ فُرْقَةً بَائِنَةً وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَإِمَّا جَعْلُهُ طَلَاقًا . وَمَا رَأَيْت فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ وَلَا اُعْتُبِرَ فِيهِ عَدَمُ نِيَّةِ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ قَدْ يَقُولُونَ كَمَا يَقُولُ عِكْرِمَةُ : كُلُّ ما أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ : مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا مَقْصُودَ الْعَقْدِ ؛ لَا لَفْظًا مُعَيَّنًا وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالنُّصُوصِ . وَبِبُطْلَانِ هَذَا الْفَرْقِ يَسْتَدِلُّ مَنْ يَجْعَلُ الْجَمِيعَ طَلَاقًا : فَيُبْطِلُ الْقَوْلَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَهَذَا الْفَرْقُ إذَا قِيلَ بِهِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ
جَعَلَهُ فَسْخًا ؛ وَلِهَذَا عَدَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ أَهْلَهُ يُفَرِّقُونَ . " وَأَيْضًا " فَفِي السُّنَنِ أَنَّ { فَيْرُوزَ الديلمي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت قَالَ : فَعَمَدْت إلَى أَسْبَقِهِمَا صُحْبَةً فَفَارَقْتهَا } . وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَقَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ وَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ قَدْ تَنَاوَلَ مَا هُوَ فَسْخٌ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ . وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ إذَا قَالَ : قَدْ طَلَقَتْ هَذِهِ كَانَ ذَلِكَ فُرْقَةً لَهَا وَاخْتِيَارًا لِلْأُخْرَى ؛ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : أَنَّهُ إذَا قَالَ لِإِحْدَاهُمَا طَلِّقْهَا كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا لَهَا . قَالُوا : لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا لِزَوْجَةٍ . فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالْعُقُولِ ؛ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ لِلْمَرْأَةِ زَاهِدٌ فِيهَا رَاغِبٌ عَنْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مُخْتَارًا لَهَا مُرِيدًا لِبَقَائِهَا وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا ظَنُّهُمْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَهَذَا ظَنٌّ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ . " وَأَيْضًا " فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ لَهُ لَفْظًا مُعَيَّنًا ؛ بَلْ إذَا وَقَعَ
الطَّلَاقُ بِأَيِّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُهُ وَقَعَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُنَازِعْ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ ؛ وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عَنْ السَّلَفِ . فَإِذَا قَالَ : فَارَقْتُك . أَوْ سَرَّحْتُك . أَوْ : سَيَّبْتُك . وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْكِنَايَاتِ . فَإِذَا أَتَى بِهَذِهِ الْكِنَايَاتِ مَعَ الْعِوَضِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ لَهُ : سَرِّحْنِي أَوْ سَيِّبْنِي بِأَلْفِ أَوْ فَارِقْنِي بِأَلْفِ أَوْ خَلِّنِي بِأَلْفِ . فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ تَقُولَ : فادني بِأَلْفِ أَوْ اخْلَعْنِي بِأَلْفِ أَوْ افْسَخْ نِكَاحِي بِأَلْفِ . وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ . مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَنَوَى بِهِمَا الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَهُمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ . فَأَيُّ فَرْقٍ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . " أَحَدُهُمَا " كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ . " وَالثَّانِيَةُ " يَصِحُّ كَالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهِيَ اخْتِيَارُ الخرقي . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ الطَّلَاقَ وَيَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ لَا يَكُونُ فَسْخًا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ نَصَّ عَلَى(9/100)
ذَلِكَ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَوْ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ فَسْخًا بِلَا عِوَضٍ لَكَانَ الرَّجُلُ يَمْلِكُ فَسْخَ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً وَلَا يُحْسَبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّلَاثِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ عَدَدٍ كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ : وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ عَدَدٌ . فَلَوْ كَانَ لَفْظُ الْفَسْخِ أَوْ غَيْرِهِ يَقَعُ وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ لَكَانَ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ بَدَلَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الطَّلَاقِ بِلَا عَدَدٍ . وَهَذَا بَاطِلٌ . وَإِنْ قِيلَ : هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ . قِيلَ : هَذَا أَشَدُّ بُطْلَانًا ؛ فَإِنَّهُ إنْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ وَلَا يَمْلِكُ طَلَاقًا بَائِنًا بَطَلَ هَذَا . وَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَ طَلَاقٍ بَائِنٍ فَلَوْ جُوِّزَ لَهُ أَنْ يُوقِعَهُ بِلَفْظِ الْفَسْخِ وَلَا يَكُونُ مِنْ الثَّلَاثِ لَزِمَ الْمَحْذُورُ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ الْمَرْأَةَ كُلَّمَا شَاءَ وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّلَاثِ . وَلِهَذَا لَمْ يَتَنَازَعْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ بِلَا عِوَضٍ
وَلَا سُؤَالٍ لَا يَكُونُ فَسْخًا ؛ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً بِلَا عِوَضٍ : هَلْ تَمْلِكُ ذَلِكَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ تَنَازَعُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ . فَقِيلَ : إنْ شَاءَ الزَّوْجُ طَلَّقَ طَلَاقًا بَائِنًا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ . وَإِنْ شَاءَ أَثْبَتَهَا . وَإِنْ شَاءَ نَفَاهَا . وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَد . وَأَظُنُّهُ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ . وَقِيلَ : لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ ابْتِدَاءً بَلْ إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ الْإِبَانَةَ مَلَكَ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا الخرقي . وَقِيلَ : لَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا بِلَا عِوَضٍ ؛ بَلْ سَوَاءٌ طَلَبَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا إلَّا بِعِوَضِ . وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ خزيمة وداود وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ النُّقُولِ الثَّابِتَةِ عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَدُلُّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ الطَّلَاقَ إلَّا رَجْعِيًّا وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ إلَّا بِعِوَضِ لَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بَلْ كُلُّ فُرْقَةٍ تَكُونُ بَائِنَةً فَلَيْسَتْ مِنْ الثَّلَاثِ . و " أَيْضًا " فَإِنَّ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ يَصِحُّ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَجَمِ لَفْظٌ يُفَرِّقُ مَعَ الْعِوَضِ بَيْنَ مَا هُوَ خُلْعٌ وَمَا هُوَ طَلَاقٌ لَيْسَ بِخُلْعِ ؛ وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَا يَخْتَصُّ بِالْخُلْعِ مِنْ دُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ وَطَلَبِ الْمَرْأَةِ الْفُرْقَةَ . فَلَفْظُ الطَّلَاقِ يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ كَقَوْلِهِمْ : طَلَّقْت الدُّنْيَا وَطَلَّقْت وُدَّك . وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ كَمَا تَقُولُ أَنْتِ : طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ طَالِقٌ مِنْ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَلَوْ وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهِ بِلَا رَيْبٍ وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يَصِلْهُ بِلَفْظِ دَيْنٍ وَفِي قَبُولِهِ فِي الْحُكْمِ نِزَاعٌ . فَإِذَا وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ . فَقَالَتْ : قَبِلْت . أَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي بِأَلْفِ . فَقَالَ : طَلَّقْتُك . كَانَ هَذَا طَلَاقًا مُقَيَّدًا بِالْعِوَضِ ؛ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ الطَّلَاقَ الْمُطْلَقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ جَعَلَهُ اللَّهُ رَجْعِيًّا وَجَعَلَ فِيهِ تَرَبُّصَ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَجَعَلَهُ ثَلَاثًا . فَأَثْبَتّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ . وَهَذَا لَيْسَ بِرَجْعِيٍّ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا تَتَرَبَّصُ فِيهِ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ بِالسُّنَّةِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْعَلَ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى " الطَّلَاقِ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ وَإِنَّمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ مَعَ قَيْدٍ كَمَا يُسَمَّى الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ " نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ " فَيُسَمَّى نَذْرًا مُقَيَّدًا ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ النَّذْرِ وَهُوَ فِي(9/101)
الْحَقِيقَةِ مِنْ الْأَيْمَانِ ؛ لَا مِنْ النُّذُورِ : عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْمَاءِ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَنِيَّ ؛ وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى مَاءً مَعَ التَّقْيِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ } { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْخُفِّ " لَا يَتَنَاوَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْمَقْطُوعَ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ خُفٌّ مَقْطُوعٌ . فَلَا يَدْخُلُ الْمَقْطُوعُ فِي لَفْظِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحْرِمَ أَوَّلًا بِقَطْعِ الْخُفَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ لَيْسَ بِخُفِّ ثُمَّ رَخَّصَ فِي عَرَفَاتٍ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ وَلُبْسِ الْخِفَافِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَتْقَ السَّرَاوِيلِ وَلَا قَطْعَ الْخِفَافِ . وَالسَّرَاوِيلُ الْمَفْتُوقُ وَالْخُفُّ الْمَقْطُوعُ : لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى " الْخُفِّ " و " السَّرَاوِيلِ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْبَيْعِ " الْمُطْلَقِ لَا يَتَنَاوَلُ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى بَيْعًا مَعَ التَّقْيِيدِ . وَكَذَلِكَ " الْإِيمَانُ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ وَأَمَّا مَعَ التَّقْيِيدِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْإِيمَانِ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْبِشَارَةِ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
إنَّمَا تَنَاوَلَ الْإِخْبَارَ بِمَا يَسُرُّ ؛ وَأَمَّا مَعَ التَّقْيِيدِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فَالطَّلَاقُ الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَتَنَاوَلُ الطَّلَاقَ الَّذِي يُوقِعُهُ الزَّوْجُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَتَثْبُتُ لَهُ فِيهِ الرَّجْعَةُ وَمَا كَانَ بِعِوَضِ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهِ ؛ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الْمُطْلَقِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ فِدَاءٌ تَفْتَدِي بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا كَمَا تَفْتَدِي الْأَسِيرَةُ نَفْسَهَا مِنْ أَسْرِهَا ؛ وَهَذَا الْفِدَاءُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ سَوَاءٌ وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الْفَسْخِ أَوْ الْفِدَاءِ وَالسَّرَاحِ ؛ أَوْ الْفِرَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْإِبَانَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ . وَلِهَذَا جَازَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ : فَيَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَخْتَلِعَهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَفْتَدِيَ الْأَسِيرَةَ ؛ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْذُلَ الْأَجْنَبِيُّ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ عِوَضًا لِيُعْتِقَهُ ؛ وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِمَا إذَا كَانَ قَصْدُهُ تَخْلِيصَهَا مِنْ رِقِّ الزَّوْجِ ؛ لِمَصْلَحَتِهَا فِي ذَلِكَ كَمَا يَفْتَدِي الْأَسِيرَ . وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَجْهٌ أَنَّهُ إذَا قِيلَ : إنَّهُ فَسْخٌ : لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ . قَالُوا . لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إقَالَةً ؛ وَالْإِقَالَةُ لَا تَصِحُّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيَّةِ . وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ هُوَ فَسْخٌ وَإِنْ كَانَ
مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبَيْنِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ " شَرْحِ الْوَجِيزِ " لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ كَأَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيّ فِي " خِلَافِهِ " وَغَيْرِهِ . وَهَذَا لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ وَكَالْبَذْلِ لِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ ؛ لَا كَالْإِقَالَةِ ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ رَفْعُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْ رِقِّ الْمَرْأَةِ لِتَعُودَ خَالِصَةً مِنْ رِقِّهِ ؛ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ نَقْلَ مِلْكٍ إلَيْهَا ؛ فَهُوَ شَبِيهٌ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ ؛ وَفَكِّ الْأَسِيرِ ؛ لَا بِالْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ فَلِهَذَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ بِدُونِ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى ؛ وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ بأكثر مِنْ الصَّدَقَاتِ ؛ وَيَجُوزُ أَيْضًا بِغَيْرِ جِنْسِ الصَّدَاقِ وَلَيْسَتْ الْإِقَالَةُ كَذَلِكَ ؛ بَلْ الْإِقَالَةُ الْمَقْصُودُ بِهَا تَرَادُّ الْعِوَضِ . وَإِذَا كَرِهْنَا أَوْ حَرَّمْنَا أَخْذَ زِيَادَةٍ عَلَى صَدَاقِهَا فَهَذَا لِأَنَّ الْعِوَضَ الْمُطْلَقَ فِي خُرُوجِهَا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ هُوَ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ الْبُضْعَ لَا(9/102)
يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ كَمَا يُبَاعُ الْمَالُ وَيُوهَبُ وَيُورَثُ وَكَمَا تُؤَجَّرُ الْمَنَافِعُ وَتُعَارُ وَتُورَثُ وَالتِّجَارَةُ وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي الْأَمْوَالِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا التِّجَارَةُ الْمُجَرَّدَةُ فِي الْمَنَافِعِ : مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَارًا وَيُؤَجِّرَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ يُحْدِثُهُ . فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد " أَشْهَرُهُمَا " عَنْهُ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ . " وَالثَّانِي " : لَا يَجُوزُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . قَالُوا . لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ . و " الْأَوَّلُ " أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ . بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْعَيْنِ تَلِفَتْ عَلَى مِلْكِهِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ ؛ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَلَفِ الثَّمَرِ قَبْلَ صَلَاحِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي تُورَثُ قَدْ تُنُوزِعَ فِي جَوَازِ التِّجَارَةِ فِيهَا ؛ فَكَيْفَ بِالْأَبْضَاعِ الَّتِي لَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَرِثُونَ الْأَبْضَاعَ فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ . فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُفَارِقَ الْمَرْأَةَ وَيُزَوِّجَهَا بِغَيْرِهِ لِيَأْخُذَ صَدَاقَهَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ . وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ لَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا دُونَهُ فَلِهَذَا نَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ . وَإِذَا شَبَّهَ الْخُلْعَ بِالْإِقَالَةِ ؛ فَالْإِقَالَةُ فِي كُلِّ عَقْدٍ بِحَسَبِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ : هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ تَدُلُّ النُّصُوصُ وَالْأُصُولُ
. وَعَلَى هَذَا فَإِذَا فَارَقَ الْمَرْأَةَ بِالْعِوَضِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ؛ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ . وَإِذَا قِيلَ : الطَّلَاقُ صَرِيحٌ فِي إحْدَى الثَّلَاثِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْخُلْعِ . قِيلَ : إنَّمَا الصَّرِيحُ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ . فَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِقَيْدِ يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ : فَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُكْمِ الْمُقَيَّدِ كَمَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ . أَوْ مِنْ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ ؛ فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ؛ لَا فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّكَاحِ . وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفِ . فَقَالَتْ : قَبِلْت . فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالْعِوَضِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخُلْعِ ؛ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ أَلْبَتَّةَ فَإِذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ فَقَدْ نَوَى بِاللَّفْظِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِالْخُلْعِ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . فَنِّيَّتُهُ هَذَا الْحُكْمَ بَاطِلٌ كَذَلِكَ نِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى بِالظِّهَارِ الطَّلَاقَ أَوْ نَوَى بِالْإِيلَاءِ الطَّلَاقَ مُؤَجَّلًا مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَعُدُّونَ الظِّهَارَ طَلَاقًا وَالْإِيلَاءَ طَلَاقًا : فَأَبْطَلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ذَلِكَ وَحَكَمَ فِي " الْإِيلَاءِ " بِأَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفِ أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانِ مَعَ تَرَبُّصِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . وَحَكَمَ فِي " الظِّهَارِ " بِأَنَّهُ إذَا عَادَ كَمَا قَالَ : كَفَرَ قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ . وَلِهَذَا كَانَ مَنْ جَعَلَ الْإِيلَاءَ طَلَاقًا مُؤَجَّلًا أَوْ جَعَلَ التَّحْرِيمَ الَّذِي فِي مَعْنَى الظِّهَارِ
طَلَاقًا : قَوْلُهُ مَرْجُوحٌ فِيهِ شَبَهٌ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا بِخِلَافِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَقِيقَةِ الظِّهَارِ ؛ وَحَقِيقَةِ الْإِيلَاءِ وَحَقِيقَةِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّ هَذَا عَلِمَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَلَمْ يُدْخِلْ فِي الْحُدُودِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ مَا هُوَ فِيهِ . وَكَذَلِكَ " الِافْتِدَاءُ " لَهُ حَقِيقَةٌ يُبَايِنُ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ : فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَ حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ فِي حَقِيقَةِ الِافْتِدَاءِ ؛ وَلَا حَقِيقَةَ الِافْتِدَاءِ فِي حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ ؛ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْآخَرِ أَوْ نَوَى بِأَحَدِهِمَا حُكْمَ الْآخَرِ فَهُوَ كَمَا إذَا نَوَى بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ ؛ أَوْ الْخُلْعِ : أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . فَنِيَّةُ هَذَا الْحُكْمِ بَاطِلٌ ؛ وَكَذَلِكَ نِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الثَّلَاثِ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إلَّا بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَمَنْ نَوَى هَذَا(9/103)
الْحُكْمَ بِغَيْرِ هَذَا الطَّلَاقِ فَقَدْ قَصَدَ مَا يُنَاقِضُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ كَذَلِكَ مَنْ نَوَى بِالْفُرْقَةِ الْبَائِنَةِ أَنَّ الْفُرْقَةَ نَقْصُ بَعْضٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَقَدْ قَصَدَ مَا يُنَاقِضُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ قَصَدَ هَذَا أَوْ هَذَا لِجَهْلِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ كَمَا لَوْ قَصَدَ بِسَائِرِ الْعُقُودِ مَا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ ؛ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : رُدُّوا الْجَهَالَاتِ إلَى السُّنَّةِ . وَكَمَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ فِيمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ : هُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُخَالِعِ : وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } إذْنٌ لَهُ فِي الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ بِعِوَضِ وَنَهْيٌ لَهُ عَنْ الزِّيَادَةِ . كَمَا قَدْ بَيَّنَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ " الطَّلَاقَ السُّنَّةَ " أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُرَاجِعُهَا أَوْ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّهُ مَتَى طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَبْلَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ جَدِيدٍ : فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٍ عِنْدَ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَأَحْمَد فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ ؛ وَاخْتِيَارِ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ . وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ وَذِكْرُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدَةً وَزَمَانَ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ ؛ فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ؛ فَلَوْ نَفَّذْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَنْفَذَهُ عَلَيْهِمْ . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى كَلَامِ النَّاسِ فِيهِ بِمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ . وَذَكَرْنَا الْحَدِيثَ الْآخَرَ الَّذِي يُوَافِقُهُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ داود بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ؛ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنْ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ؛ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ ؟ أَمْ مَجَالِسَ قَالَ : بَلْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ } وَقَدْ أَثْبَتَ هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ ؛ وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى فِي حَدِيثِ ركانة . أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ { وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْلَفَهُ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً ؟ قَالَ : مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً . فَرَدَّهَا عَلَيْهِ } فَإِنَّ رُوَاةَ هَذَا مَجَاهِيلُ الصِّفَاتِ لَا يُعْرَفُ عَدْلُهُمْ وَحِفْظُهُمْ وَلِهَذَا ضَعَّفَ أَحْمَد وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ حَدِيثَهُمْ ؛ بِخِلَافِ حَدِيثِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ؛ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِهِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ ؛ وَاَلَّذِينَ رَوَاهُ عُلَمَاءُ فُقَهَاءَ وَقَدْ عَمِلُوا بِمُوجَبِهِ كَمَا أَفْتَى طَاوُوسٌ وَعِكْرِمَةُ ؛ وَابْنُ إسْحَاقَ : أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ . وَقَدْ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : هَذَا أَخْطَأَ السُّنَّةَ فَيُرَدُّ إلَى السُّنَّةِ . وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو داود فِي سُنَنِهِ مِنْ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ أَلْبَتَّةَ ؛ فَإِنَّمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ داود بْنِ الْحُصَيْنِ هَذَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ طَرِيقًا آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَجْهُولٍ . فَقَدَّمَ رِوَايَةَ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ . وَأَمَّا رِوَايَةُ داود بْنَ الْحُصَيْنِ هَذِهِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تِلْكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ؛
وَلَكِنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ لَمْ تَبْلُغْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ كَمَا أَنَّ حَدِيثَ طَاوُوسٍ لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ؛ بَلْ أَكْثَرُهُمْ . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي مَوَاضِعَ وَبَيَّنَ الْكَلَامُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْإِفْتَاءِ بِلُزُومِ الثَّلَاثِ : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ [ لَمَّا ] أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَأَظْهَرُوهُ فَجُعِلَ عُقُوبَةً لَهُمْ . وَذِكْرُ كَلَامِ النَّاسِ عَلَى " الْإِلْزَامِ بِالثَّلَاثِ " : هَلْ فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ شَرْعٌ لَازِمٌ مِنْ النَّبِيِّ(9/104)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَوْ فَعَلَهُ عُقُوبَةَ ظُهُورِ الْمُنْكَرِ وَكَثْرَتِهِ ؟ وَإِذَا قِيلَ : هُوَ عُقُوبَةٌ : فَهَلْ مُوجِبُهَا دَائِمٌ لَا يَرْتَفِعُ ؟ أَوْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ؟ وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَرْعًا لَازِمًا وَلَا عُقُوبَةَ اجْتِهَادِيَّةً لَازِمَةً ؛ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ سايغ مَرْجُوحٌ أَوْ عُقُوبَةٌ عَارِضَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَالْعُقُوبَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهَا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ . فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ وَلَمَّا عَلِمَهُ تَابَ مِنْهُ : فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُ هَذَا بِالثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ ؛ بَلْ إنَّمَا يُلْزَمُ وَاحِدَةً . هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ . فَأَمَّا إذَا كَانَ بِعِوَضِ فَهُوَ " فِدْيَةٌ " كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ أَيْضًا بِالْعِوَضِ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بِالْعِوَضِ إلَّا وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ
كَمَا لَا يُطَلِّقُ بِغَيْرِهِ إلَّا وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ ؛ لَكِنَّ الطَّلَاقَ بِالْعِوَضِ طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ : هُوَ فِدْيَةٌ وَفُرْقَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لَيْسَ هُوَ الطَّلَاقَ الْمُطْلَقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الرَّجْعِيُّ . فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً بِعِوَضِ وَقِيلَ : إنَّ الثَّلَاثَ بِلَا عِوَضٍ وَاحِدَةٌ وَبِالْعِوَضِ فَدِيَةٌ لَا تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ كَانَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ بِفِدْيَةِ لَا تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ وَكَانَ لِهَذَا الْمُفَارِقِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَقْدًا جَدِيدًا وَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفِرَاقُ بِالْعِوَضِ مِنْ الثَّلَاثِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا وَالثِّنْتَانِ مُحَرَّمَةٌ وَالْوَاحِدَةُ مُبَاحَةٌ ؛ وَلَكِنْ تُسْتَحَبُّ الْوَاحِدَةُ بِالْعِوَضِ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّهَا فِدْيَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ ثَلَاثًا ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ وَتَكُونَ مَعَهُ عَلَى ثَلَاثٍ . و " جِمَاعُ الْأَمْرِ " أَنَّ الْبَيْنُونَةَ نَوْعَانِ : " الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى " وَهِيَ إيقَاع الْبَيْنُونَةِ الْحَاصِلَةِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ الْمَرْأَةُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ . و " الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى " وَهِيَ : الَّتِي تَبِينُ بِهَا الْمَرْأَةُ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا . فَالْخُلْعُ تَحْصُلُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى . وَالْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى الْحَاصِلَةُ بِالثَّلَاثِ تَحْصُلُ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقُهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ ؛ أَوْ يُطَلِّقَهَا
وَاحِدَةً وَقَدْ تَبَيَّنَ حَمْلُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ؛ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ . وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ . وَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَوْ ارْتَجَعَهَا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِيَةَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ . فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا الثَّلَاثَ فِي أَطْهَارٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ أَوْ عَقْدٍ ؛ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ . وَلَوْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ إيقَاعًا مُحَرَّمًا : فَهَلْ يَقَعُ الثَّلَاثُ ؟ أَوْ وَاحِدَةٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ . فَإِذَا قِيلَ : إنَّهُ لَا يَقَعُ لَمْ يَمْلِكْ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَبْذُلَ لَهُ الْعِوَضَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الْمُحَرَّمَةِ بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ فَإِذَا أَوْقَعَهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إلَّا الْمُبَاحُ وَالْمُبَاحُ بِالْعِوَضِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيْنُونَةِ الصُّغْرَى دُونَ الْكُبْرَى ؛ بَلْ لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَبَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ عَلَى الْفُرْقَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِ الطَّلَاقِ لَمْ تَقَعْ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ عَلَى قَوْلِنَا : إنَّ الْفُرْقَةَ بِعِوَضِ فَسْخٌ تَحْصُلُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى ؛ فَإِذَا فَارَقَهَا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ
وَقَعَتْ بِهِ " الْبَيْنُونَةُ الصُّغْرَى " وَهُوَ الْفَسْخُ دُونَ الْكُبْرَى . وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِعَقْدِ جَدِيدٍ ؛ لَكِنْ إنْ صَرَّحَتْ بِبَذْلِ الْعِوَضِ فِي الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَكَانَ مَقْصُودُهَا أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ : فَقَدْ بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي غَيْرِ الْبَيْنُونَةِ(9/105)
الصُّغْرَى وَهُوَ يُشْبِهُ مَا إذَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي الْخُلْعِ بِشَرْطِ الرَّجْعَةِ . فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ يُشْبِهُ اشْتِرَاطَهَا الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَهَا فِيهِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ يَمْلِكُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَهَا كَمَا كَانَ يَمْلِكُ قَبْلَ ذَلِكَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 384)
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ؛ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . فَصْلٌ فِي " الْفُرْقَةِ " الَّتِي تَكُونُ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَاَلَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ الثَّلَاثِ ؛ فَإِنَّ انْقِسَامَ الْفُرْقَةِ إلَى هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ - فِيمَا أَظُنُّ - فَإِنَّهُ لَوْ حَدَث بَيْنَهُمَا مَا أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ بِدُونِ اخْتِيَارِهِمَا كَالْمُصَاهَرَةِ - كَانَتْ فُرْقَةً تُعْتَبَرُ طَلَاقًا ؛ لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ " الْمُفَارَقَاتِ " مِثْلَ : " الْخُلْعِ " وَمِثْلَ " الْفُرْقَةِ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ " و " الْفُرْقَةِ لِعَيْبِ فِي الرَّجُلِ " مِثْلَ جَبٍّ أَوْ عُنَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ أَمْ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَسَبَبُ ذَلِكَ " تَنْقِيحُ " " مَنَاطِ الْفَرْقِ " بَيْنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي هَذَا الْبَابِ أَوْسَعُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ ؛ وَلِهَذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا فِي الْخُلْعِ : هَلْ هُوَ طَلَاقٌ ؟ أَمْ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؟ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وطاوس وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لَكِنْ فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ مِنْ
أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ . فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِهِ : فَهُوَ طَلَاقٌ مُنَقِّصٌ . وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ آخَرَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ أَيْضًا . وَإِنْ خَلَا عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ : فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ . وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ كَمَا يَحْتَاجُ مَنَاطُ الْفَرْقِ إلَى تَحْرِيرٍ فَإِنَّ هَذَا يُبْنَى عَلَى أَصْلَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ . " الثَّانِي " تَحْرِيرُ مَعْنَى الْخُلْعِ الْمُخَالِفِ لِمَعْنَى الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ وَإِلَّا فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ الْمَعْدُودَ . وَيَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرُ وَنَوَى ذَلِكَ الْمَعْنَى : لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ الْمَعْدُودُ . وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهُ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مِنْ وَثَاقٍ أَوْ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي : لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ . وَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد . فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُضَافَ إلَى الْمَرْأَةِ يَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ الْمَعْدُودَ وَيَعْنِي بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ . وَقَدْ يُضَافُ الطَّلَاقُ إلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ كَمَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : يَا دُنْيَا قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا لَا رَجْعَةَ لِي فِيك . وَمِثْلُ الشِّعْرِ الْمَأْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ : اذْهَبْ فَوُدُّك مِنْ وِدَادِي طَالِقٌ . وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ
بِهِ الْفُرْقَةُ وَلَا يَكُونُ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ : كَمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد وَأَهْلُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ : أَبُو داود والنسائي وَابْنُ ماجه مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الجيشاني { عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي(9/106)
أُخْتَانِ ؟ قَالَ : طَلِّقْ أَيَّتهمَا شِئْت } هَذَا لَفْظُ أَبِي داود قَالَ . حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ . وَرَوَى أَبُو داود مِنْ حَدِيثِ هشيم وَعِيسَى بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ خَمِيصَةَ بْنِ الشمردل { عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ : أَسْلَمْت وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } وَرَوَاهُ ابْنُ ماجه أَيْضًا . وَقَدْ رَوَى أَحْمَد والترمذي وَابْنُ ماجه وَاللَّفْظُ لَهُ : { أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : أَسْلَمَ غَيْلَانُ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ : هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْبٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : حُدِّثْت عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سويد أَنَّ غَيْلَانَ . . . فَذَكَرَهُ . وَفِي لَفْظِ الْإِمَامِ أَحْمَد . فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ : إنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِك فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِك
وَلَعَلَّك لَا تَمْلِكُ إلَّا قَلِيلًا وَاَيْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَك وَلَتُرْجِعَنَّ مَالَك أَوْ لَأُورِثَهُنَّ مِنْك ؛ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِك فَيُرْجَمُ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رغال . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي مُسْنَدَيْهِمَا فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ مَعْمَرٍ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا ؛ لَكِنْ بَيَّنَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ : أَنَّ هَذَا مِمَّا غَلِطَ فِيهِ مَعْمَرٌ لَمَّا عَدِمَ الْبَصَرَ فَإِنَّهُ حَدَّثَهُمْ بِهِ مَنْ حَفِظَهُ وَكَانَ مَعْمَرٌ يَغْلَطُ إذَا حَدَّثَ مِنْ حَفِظَهُ فَرَوَاهُ الْبَصْرِيُّونَ عَنْهُ كَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ - غُنْدُرٍ - وَغَيْرِهِ عَلَى الْغَلَطِ وَأَمَّا أَصْحَابُهُ الَّذِينَ سَمِعُوا مَنْ كَتَبَهُ كَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ فَرَوَوْهُ عَلَى الصَّوَابِ . فَفِي حَدِيثِ فَيْرُوزَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : طَلِّقْ أَيَّتَهمَا شِئْت } لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الطَّلَاقُ الْمَعْدُودُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا ؛ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ فِرَاقًا لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِنَصِّ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ ؛ بَلْ يُفَارِقُهَا عِنْدَهُمْ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَأَمَّا لَفْظُ الطَّلَاقِ فَلَهُمْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ . وَهَكَذَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ غَيْلَانَ : { أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقِ سَائِرَهُنَّ } وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فُرْقَةً تُحْسَبُ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا بِنَصِّ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ بَلْ أَرَادَ الْمُفَارَقَةَ : وُجُوهٌ . " أَحَدُهَا " أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { خُذْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا كَفَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ طَلَاقٍ فِي الْبَوَاقِي فَلَوْ كَانَ فِرَاقُهُنَّ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَعْدُودِ لَاحْتَاجَ إلَى إنْشَاءِ سَبَبِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَن إحْدَى امْرَأَتَيَّ . فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُحْدِثَ لَهَا طَلَاقًا ؛ فَلَوْ قَالَ أَخَذْت هَذِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَحْدَهُ طَلَاقًا لِلْأُخْرَى . اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : هَذَا مِمَّا قَدْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى مَعَ النِّيَّةِ . " الثَّانِي " أَنْ يُقَالَ : مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ وَمَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى طَلَاقٍ ؛ لَكِنَّ الْمُحَرَّمَةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّعْيِينِ . " الثَّالِثُ " أَنْ يُقَالَ إنَّ : اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ خَصَائِصَ الطَّلَاقِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرْقَةِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إلَى قَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } فَجَعَلَ الْمُطَلَّقَةَ(9/107)
زَوْجُهَا أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا فِي الْعِدَّةِ ؛ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فِي الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : لَهُ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يَرْتَجِعَ وَاحِدَةً مِنْ
الْمُفَارِقَاتِ وَيُطَلِّقَ غَيْرَهَا : وَهَذَا لَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا . " الرَّابِعُ " أَنَّ اللَّهَ قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَجَعَلَ لَهُ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ أَنْ يُمْسِكَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يُسَرِّحَ بِإِحْسَانِ وَهَذَا لَيْسَ لَهُ فِي مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ إذَا فَارَقَهُنَّ ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ : لَهُ الرَّجْعَةُ بِشَرْطِ الْبَدَلِ . " الْخَامِسُ " أَنَّ اللَّهَ قَالَ : { إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } وَهَذَا الْفِرَاقُ لَا يَقْضِي عَلَى الْعِدَّةِ ؛ بَلْ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يُفَارِقَ مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ . وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ . " السَّادِسُ " أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وَهَذِهِ الْمُفَارَقَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ . " السَّابِعُ " أَنَّهُ قَالَ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ . " الثَّامِنُ " أَنَّ فِرَاقَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ وَاجِبٌ بِالشَّرْعِ عَيْنًا . وَاَللَّهُ لَمْ يُوجِبْ الطَّلَاقَ عَيْنًا قَطُّ ؛ بَلْ أَوْجَبَ إمَّا الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ وَإِمَّا التَّسْرِيحَ بِإِحْسَانِ . " التَّاسِعُ " : أَنَّ الطَّلَاقَ مَكْرُوهٌ فِي الْأَصْلِ . وَلِهَذَا لَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ فِيهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ وَحَرَّمَ الزَّوْجَةَ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ : عُقُوبَةً لِلرَّجُلِ لِئَلَّا يُطَلِّقَ وَهُنَا الْفُرْقَةُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَا يُحِبُّهُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ دَاخِلًا فِي الْجِنْسِ الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَارَ هَذَا كَمَا أَنَّ هِجْرَةَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ مَحْظُورَةً فِي الْأَصْلِ رَخَّصَ الشَّارِعُ مِنْهَا فِي الثَّلَاثِ . فَأَمَّا الْهِجْرَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا : كَهِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا خَمْسِينَ لَيْلَةً فَإِنَّهَا كَانَتْ هِجْرَةً يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا تَكُونُ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ أُبِيحَ مِنْهُ الثَّلَاثُ لِلْحَاجَةِ وَكَذَلِكَ إحْدَادُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ لَمَّا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْأَصْلِ أُبِيحَ مِنْهُ الثَّلَاثُ لِلْحَاجَةِ . فَأَمَّا إحْدَادُ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَلَمَّا كَانَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَخَّصَ مِنْهُ فِي ثَلَاثٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ الْفُرْقَةُ الَّتِي يَأْمُرُ اللَّهُ بِهَا وَرَسُولُهُ لَا تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَرَخَّصَ مِنْهُ فِي ثَلَاثٍ لِلْحَاجَةِ . وَالْخُلْعُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا
تَطْلِيقَةً } فَهَذَا فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ . وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَجْعَلُونَ الْخُلْعَ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْخُلْعُ تَفْرِيقٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد : رَأَيْت أَبِي يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ ؛ وداود وَأَصْحَابِهِ ؛ غَيْرَ ابْنِ حَزْمٍ . وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ عيينة عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ(9/108)
إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ؛ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ : أَيَنْكِحُهَا ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمْ . ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي الْآيَةِ وَفِي آخِرِهَا وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ . وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جريج عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ قَالَ : كَانَ أَبِي لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا ؛ وَيُخَيِّرُ لَهُ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ ابْنُ جريج : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ ؛ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقِ . فَهَذَا عِكْرِمَةُ يَقُولُ : إنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ بِمَالِ فَلَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ " الْفِدْيَةُ " لَيْسَتْ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَمَا
بَيَّنَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ هُمَا اللَّذَانِ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِمَا حَدِيثَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ : وَحَدِيثُهُمْ يَرْوِيهِ عِكْرِمَةُ مُرْسَلًا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ : هُوَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ . فَيُقَالُ . هَذَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَسَائِرُ طُرُقِهِ لَيْسَ فِيهَا إرْسَالٌ . ثُمَّ هَذِهِ الطَّرِيقُ قَدْ رَوَاهَا مُسْنَدَةً مَنْ هُوَ مِثْلُ مَنْ أَرْسَلَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَجَلَّ مِنْهُ . وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقْضِي الْمُسْنَدُ عَلَى الْمُرْسَلِ . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ الْمُسَمَّى " بِالْمُسْتَدْرَكِ " وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ أَرْسَلَهُ عَنْ مَعْمَرٍ وَخَرَّجَهُ القشيري فِي أَحْكَامِهِ الَّتِي شَرَطَ فِيهَا أَنْ لَا يَرْوِيَ إلَّا حَدِيثَ مَنْ وَثَّقَهُ إمَامٌ مِنْ مُزَكِّي رُوَاةِ الْأَخْبَارِ وَكَانَ صَحِيحًا عَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْحُفَّاظِ وَأَئِمَّةِ الْفِقْهِ النُّظَّارِ . قَالَ : وَقَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَهُ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا قَالَا : عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ . وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ قَالَ : عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ ؛ وَهُوَ أَصَحُّ عَنْهُ فَيُقَالُ : أَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِ النِّزَاعِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَالسُّنَّةُ قَدْ بَيَّنَتْ أَنَّ الْوَاجِبَ حَيْضَةٌ وَمِمَّا بَيَّنَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ امْرَأَةَ ثَابِتِ
بْنِ قَيْسٍ أَنْ تَحِيضَ وَتَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً ؛ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا . فَلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا إحْدَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَلَزِمَتْهَا عِدَّةُ مُطَلَّقَةٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاق الْمُسْلِمِينَ ؛ بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِدَّةٌ ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضِ . وَالنِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرُوفٌ . أَمَّا الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ فَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ فَقَالَ النسائي : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى المروزي حَدَّثَنِي شاذان بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عبدان حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ . أَنَّ الربيع بِنْتَ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ . وَرَوَاهُ النسائي عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَمِّي ؛ حَدَّثَنَا أَبِي ؛ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مهران عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذٍ . وَرَوَاهُ ابْنُ ماجه عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ؛ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ؛ حَدَّثَنَا عبادة بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ وَكِلَاهُمَا يَزْعُمُ { أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ - وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي - فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ ؛ فَقَالَ لَهُ : خُذْ الَّذِي لَهَا عَلَيْك
وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ : نَعَمْ . فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً ؛ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } . أَيْ بَعْدَ حَيْضَةٍ . وَرَوَاهُ أَبُو داود فِي سُنَنِهِ والترمذي فِي(9/109)
جَامِعِهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " لَهُ : ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنُ غَرِيبٌ . وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ . وَقَالَ أَبُو داود : هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا { عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ : أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أُمِرَتْ - أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الربيع الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَرَوَى النسائي وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَابْنُ ماجه عَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ . اختلعت مِنْ زَوْجِي . ثُمَّ جِئْت عُثْمَانَ فَسَأَلْت مَاذَا عَلَيَّ مِنْ الْعِدَّةِ ؟ فَقَالَ : لَا عِدَّةَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِك فَتَمْكُثِينَ حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً . وَلَفْظُ ابْنِ ماجه :
تَمْكُثِينَ عِنْدَهُ حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً . وَأَمَّا النسائي وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : فَلَمْ يَقُولَا " عِنْدَهُ " قَالَتْ : وَإِنَّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُعَالِيَةِ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ . فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ لِحَدِيثِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الَّتِي خَالَعَهَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ } وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ " مِنْ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ طُرُقٍ . فَيَكُونُ لِلْحَدِيثِ خَمْسَةُ طُرُقٍ أَوْ سِتَّةٌ : ذَكَرَ حَدِيثَ الربيع الَّذِي فِيهِ ذَكَرَ مَرْيَمَ الْمُعَالِيَةِ ؛ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الربيع الْمُتَقَدِّمَ الَّذِي فِيهِ ضَرْبُ ثَابِتٍ لِامْرَأَتِهِ جَمِيلَةَ . وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ ؛ ذَكَرَ : قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ ؛ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثوبان عَنْ الربيع : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُخْتَلِعَةَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ } . وَقَالَ أَيْضًا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ ؛ حَدَّثَنَا أَبُو الْأُسُودِ ؛ عَنْ يَحْيَى بْنِ النَّظْرِ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قسيط عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثوبان ؛ { عَنْ الربيع بِنْتِ
مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ : أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ : أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بَعْضُ الشَّيْءِ وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدَّةٌ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَتْهُ ؛ فَأَرْسَلَ إلَى ثَابِتٍ ؛ ثُمَّ إنَّهُ قَبِلَ مِنْهَا الْفِدْيَةَ فَافْتَدَتْ مِنْهُ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْضَةً } قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ : مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ ؛ لَا طَلَاقٌ : مَا ثَبَتَ بِهِ الْإِسْنَادُ ؛ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى حَدَّثَنَا سويد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - عَنْ عَمْرَةَ { عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ ؛ قَالَتْ : امْرَأَةٌ كَانَ هَمَّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَتَزَوَّجَهَا وَكَانَ فِي خُلُقِ ثَابِتٍ شِدَّةٌ فَضَرَبَهَا . فَأَصْبَحَتْ بِالْغَلَسِ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ : أَنَا يَا رَسُولُ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ . قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ أَنْ جَاءَ ثَابِتٌ ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبْتهَا ؟ قَالَ نَعَمْ .(9/110)
ضَرَبْتهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهَا فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ عِنْدِي كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ . فَقَالَ . فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي بَيْتِهَا } . قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : وَلَمْ
يَذْكُرْ : " طَلَاقًا " . قَالَ : وَفِي " حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُطَلَّقَةٍ ؛ وَكَذَلِكَ فِي عِدَّتِهَا فِي بَيْتِهَا وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَكَانَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ . قُلْت : هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْخُلْعَ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً إذَا كَانَ طَلَاقًا كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وداود . وَابْنِ أَبِي عَاصِمٍ يُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ : مَذْهَبُهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى ؛ عَلَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : وَمِمَّنْ قَالَ تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ : عُثْمَانُ بْنُ عفان وَابْنُ عُمَرَ وَمِمَّنْ قَالَ : فَسْخٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ : ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ . قُلْت : وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ . أَنَّهُ ضَعَّفَ كُلَّ مَا يُرْوَى عَنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي " مُغْنِيهِ " هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " الشَّافِي " عَنْ أَحْمَد مِنْهُ نَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ ؛ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ فَقَالَ : وَأَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ يَقُولُونَ : عِدَّةُ الْمُخْتَلَعَة عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ . مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ . وَمِنْهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ . قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عفان وَابْنِ عُمَرَ ؛ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ : أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ . وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَحْمَد كَمَا { رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّ
امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً } رَوَاهُ النسائي وَعَنْ الربيع بِنْتِ مُعَوِّذٍ مَثَل ذَلِكَ رَوَاهُ النسائي وَابْنُ ماجه . قَالَ : وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْحَيَاةِ فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ كَالْخُلْعِ . فَقَالَ : أَمَّا الْآيَةُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُخْتَلَعَةَ مُطَلَّقَةٌ وَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلَوْ قُدِّرَ شُمُولُ نَصِّ لَهَا فَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ وَالْآيَةُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ : كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَالْحَامِلِ وَالْأَمَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَإِنَّمَا تَشْمَلُ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ . وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ . فَيُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ الْحُكْمَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ النَّاسِ ؛ ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِالْمُفَارَقَةِ لِزَوْجِهَا وَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا الِاسْتِبْرَاءُ . وَأَمَّا الرِّوَايَةُ : هَلْ هِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أبي ؟ أَوْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ ؟ أَوْ أُخْرَى ؟ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا قِصَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ؛ وَإِمَّا أَنَّ أَحَدَ الرَّاوِيَيْنِ غَلَطٌ فِي اسْمِهَا وَهَذَا لَا يَضُرُّ مَعَ ثُبُوتِ الْقِصَّةِ ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ امْرَأَتِهِ . وَقِصَّةُ خُلْعِهِ لِامْرَأَتِهِ مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّقُولُ وَاتَّفَقَ
عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ . وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَأَبُو داود والنسائي { عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ : أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَا شَأْنُك ؟ قَالَتْ : لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ . لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(9/111)
وَسَلَّمَ لِثَابِتِ : خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا } . وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ الِاعْتِدَادِ بِحَيْضَةِ فِي حُجَّةِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَقَالَ : قَالُوا : فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا ؛ لَكِنَّهُ فَسْخٌ ؛ وَلَمْ يُذْكَرْ حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمُرْسَلِ ؛ وَقَالَ : أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَسَاقِطٌ ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ ؛ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِشَيْءِ ؛ وَأَمَّا خَبَرُ الربيع وَحَبِيبَةَ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا لَكَانَا حُجَّةً قَاطِعَةً ؛ لَكِنْ رُوِيَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ . وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ
وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } قَالَ : فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَإِذْ هُوَ طَلَاقٌ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الربيع وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا . فَيُقَالُ لَهُ : أَمَّا قَوْلُك عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : إنَّهُ مُرْسَلٌ . فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي : مِنْ حَدِيثِ هَمَّامِ بْنِ يُوسُفَ مُسْنَدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ أَصْلِك : أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ فَتَكُونُ مَقْبُولَةً وَالْحَدِيثُ قَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ . وَأَمَّا قَوْلُك عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ . فَيُقَالُ : قَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي " كِتَاب أَفْعَالِ الْعِبَادِ " وَأَبُو داود والترمذي والنسائي وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُسْنِدِ : لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَد بْنُ عَدِيّ : وَلَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي اعْتَرَفْت بِصِحَّتِهِ وَجَعَلْته حُجَّةً قَاطِعَةً لَوْلَا الْمَعَارِضُ : فَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } . وَأَمَّا مَا ذَكَرَتْ : أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى فِيهِ زِيَادَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً وَالْمُطَلَّقَةُ تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ : فَلَيْسَ هَذَا زِيَادَةً ؛ بَلْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالطَّلْقَةِ هُنَا الْفَسْخَ : كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُعَارِضَةً لِتِلْكَ ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ فِيهَا
نَصٌّ بِأَنَّهَا تَلْحَقُ بِأَهْلِهَا مَعَ الْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا قَوْلُهُ : { أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ } لَكَانَ هَذَا بَيِّنًا فِي أَنَّهُ أَمَرَهَا بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ لَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا ؛ إذْ لَوْ أَمَرَهَا بِثَلَاثِ لَمَا جَازَ أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ : " أَمَرَهَا بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ " فَكَيْفَ وَقَدْ قَالَ : " وَتَلْحَقُ بِأَهْلِهَا " وَأَيْضًا فَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ مِنْ الطُّرُقِ يُعَاضِدُ هَذَا أَوْ يُوَافِقُ وَقَدْ عَضَّدَهَا عَمَلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان وَهُوَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ طُرُقِ حَدِيثِهِ وَأَنَّهُ اتَّبَعَ فِي ذَلِكَ السُّنَّةَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ . وَأَيْضًا فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّاوِيَةِ الْأُخْرَى : " أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ " لَكَانَ هَذَا تَعَارُضًا فِي الرِّوَايَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ . فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلُهُ : " وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " وَالرَّاوِي لِذَلِكَ هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَصَاحِبُهُ وَهُمَا يَرْوِيَانِ أَيْضًا " أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ " وَهُمَا أَيْضًا يَقُولَانِ : الْخُلْعُ فِدْيَةٌ لَا تُحْسَبُ مِنْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ . وَقَوْلُهُ : " وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " إنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يُقَالَ : الطَّلَاقُ بِعِوَضِ لَا تُحْسَبُ فِيهِ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ؛ وَيَكُونُ هَذَا مَخْصُوصًا مِنْ لَفْظِ الْقُرْآنِ . وَإِذَا قِيلَ : هَذَا فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضِ : فَهُوَ فِي الْخُلْعِ بِطَرِيقِ
الْأَوْلَى . وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً " هُوَ الْخُلْعُ ؛ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ الشَّارِعِ بَيْنَ لَفْظِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِعِوَضِ ؛ فَإِنَّ هَذَا فِدْيَةٌ ؛ وَلَيْسَ هُوَ(9/112)
الطَّلَاقَ الْمُطْلَقَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَهَذَا يَعُودُ إلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ . وَبِكُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ فِي ذَلِكَ عِدَّةً عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ صَرِيحٌ بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَفِيهِ الْعِدَّةُ . وَأَيْضًا : فَهَذَا إجْمَاعٌ فِيمَا نَعْلَمُهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا نَازَعَ فِي هَذَا وَقَالَ : إنَّ الْخُلْعَ طَلْقَةٌ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا عِدَّةَ فِيهِ . وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْمَنْقُولِ عَنْ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ . وَرَوَى يَحْيَى بْنُ بكير حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ سَمِعَ الربيع بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَهِيَ تُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ : إنَّ ابْنَةَ معيذ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَتَنْتَقِلُ ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ : لِتَنْتَقِلْ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ؛ إلَّا أَنَّهَا لَا تَنْكِحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : وَلَعُثْمَانُ خَيَّرَنَا وَأَعْلَمَنَا . قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : فَهَذَا عُثْمَانُ والربيع وَلَهَا صُحْبَةٌ وَعَمُّهَا وَهُوَ
مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَابْنُ عُمَرَ : كُلُّهُمْ لَا يَرَى فِي الْفَسْخِ عِدَّةً . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ طَلَاقٌ كَمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جمهان : أَنَّ أُمَّ بَكْرَةَ الأسلمية كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسِيدً فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَنَدِمَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عفان فَأَجَازَ ذَلِكَ وَقَالَ : هِيَ وَاحِدَةٌ ؛ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت . وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : عِدَّةُ الْمُخْتَلَعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ . وَقَدْ رَوَى أَبُو داود قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا هَمَّامُ عَنْ قتادة عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ } وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ : حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قتادة عَنْ عِكْرِمَةَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرِيرَةَ بِأَرْبَعِ قَضَايَا : أَمَرَهَا أَنْ تَخْتَارَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ } . وَقَالَ : حَدَّثَنَا الحلواني حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قتادة عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَحْسَبُهُ قَالَ فِيهِ : " تَعْتَدِّي عِدَّةَ الْخُلْعِ " فَهَذَا فَسْخٌ أَوْجَبَ فِيهِ الْعِدَّةَ ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : إنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الفسوخ ؛ إلَّا فِي هَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا
يَقُولُ بِالْقِيَاسِ ؛ وَلَيْسَ فِي النَّصِّ إيجَابُ الْعِدَّةِ فِي فَسْخٍ . لَكِنَّ لَفْظَ " الِاعْتِدَادِ " يُسْتَعْمَلُ عِنْدَهُمْ فِي الِاعْتِدَادِ بِحَيْضَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُخْتَلَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ " أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي قَوْلِهِ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ وَالْمُرَادُ بِهَا : " الِاسْتِبْرَاءُ " ؛ فَإِنَّ الْمَسْبِيَّةَ لَا يَجِبُ فِي حَقِّهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ كَمَا { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أوطاس : لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ؛ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةِ } وَقَالَ فِيهِ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَهَكَذَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري فِي سَبَايَا أوطاس مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْخَلِيلِ { حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ } وَفِي هَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ } وَأَبُو سَعِيدٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا . وَعَلَى الْحَدِيثَيْنِ : أُمُّ الْوَلَدِ تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ : وَأَحْسَبُهُ قَالَ : تَعْتَدُّ عِدَّةَ(9/113)
الْحُرَّةِ . شَكٌّ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ . وَعَنْ أَحْمَد فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلَعَةِ رِوَايَتَانِ : ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي " كِتَاب الشَّافِي " قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي : " بَابٌ عِدَّةُ الْمُخْتَلَعَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ وَامْرَأَة عصبى " وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَثْرَمِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ : أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عِدَّةُ كُلِّ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثُ حِيَضٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ إلَّا الْأَمَةَ . قِيلَ لَهُ : الْمُخْتَلَعَةُ وَالْمُلَاعَنَةُ وَامْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ ؟ قَالَ : نَعَمْ . كُلُّ فُرْقَةٍ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ . وَعَنْ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمُخْتَلَعَةِ تَعْتَدُّ مِثْلَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثَ حِيَضٍ . وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَد بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ . قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ : وَالْعَمَلُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ والعبادي : أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ مِنْ الْحَرَائِرِ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَحَدِيثُ الْمُخْتَلِعَةِ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا قُلْت أَذْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان . قُلْت ابْنُ الْقَاسِمِ كَثِيرًا مَا يَرْوِي عَنْ أَحْمَد الْأَقْوَالَ الْمُتَأَخِّرَةَ الَّتِي رَجَعَ إلَيْهَا كَمَا رَوَى عَنْهُ أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ : إنَّهُ مُبَاحٌ وَأَنَّهُ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ الطَّلَاقَ إلَّا رَجْعِيًّا . وَهَكَذَا قَدْ يَكُونُ أَحْمَد ثَبَتَتْ عِنْدَهُ فِي الْمُخْتَلَعَةِ فَرَجَعَ إلَيْهَا فَقَوْلُهُ : عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ . لَا يَكُونُ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ ؛ وَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ . وَلِأَصْحَابِ أَحْمَد فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَجْهَانِ - وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا : إنَّ عِدَّتَهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فَلَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عفان أَنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ .
وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عُثْمَانَ رِوَايَةٌ مَرْجُوحَةٌ وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ وَآخِرُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ خِلَافُهُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ بِإِسْنَادِ ضَعِيفٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ " الْمُشْرِكُونَ " عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ : كَانُوا مُشْرِكِينَ أَهْلَ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ وَمُشْرِكِينَ أَهْلَ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونَهُ فَكَانَ إذَا هَاجَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إلَيْهِ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ . وَلَهُمَا لِلْمُهَاجِرِينَ ؛ ثُمَّ ذُكِرَ فِي " أَهْلِ الْعَهْدِ " مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلَ الْعَهْدِ لَمْ يردوا وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُهَاجِرَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ : حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ فَلَمْ يَكُنْ يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةِ ؛ لَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءِ زَوْجٍ ؛ لَكِنْ زَالَ نِكَاحُهُ عَنْهَا بِإِسْلَامِهَا . فَفِي هَذَا أَنَّ الْفُرْقَةَ الْحَاصِلَةَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ - كَإِسْلَامِ امْرَأَةِ الْكَافِرِ - إنَّمَا
يُوجِبُ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةِ : وَهِيَ فَسْخٌ مِنْ الفسوخ ؛ لَيْسَتْ طَلَاقًا . وَفِي هَذَا نَقْصٌ لِعُمُومِ مَنْ يَقُولُ : كُلُّ فُرْقَةٍ فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ الدُّخُولِ تُوجِبُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ . وَهَذِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ ؛ لَكِنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ وَطْءِ كَافِرٍ .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي امْرَأَةِ الْكَافِرِ هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ ؟ أَمْ اسْتِبْرَاءٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ ؛ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا . وَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رَدِّ إنَاثِ عَبِيدِ الْمُعَاهِدِينَ : فَهُوَ نَظِيرُ رَدِّ مُهُورِ النِّسَاءِ الْمُهَاجِرَاتِ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ وَهُنَّ(9/114)
الْمُمْتَحَنَاتِ اللَّاتِي قَالَ اللَّهُ فِيهِنَّ : { إذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } الْآيَةَ . وَمِنْ أَنَّهُ كَانَ إذَا هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا . فَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ : هَلْ تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةَ مُطْلَقًا ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا ؟ أَوْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِذَا أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ ؟ وَالْأَحَادِيثُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَمِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَمِنْهَا حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ ؛ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ : أَبُو داود وَغَيْرُهُ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { رَدُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ
عَلَى أَبِي العاص بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا } وَفِي رِوَايَةٍ " بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ " وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ إسْحَاقَ ؛ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ . وَرَوَى أَبُو داود وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَتْ ؛ فَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أَسْلَمْت ؛ وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِي : فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ ؛ وَرَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ } وَفِي إسْنَادِهِ سِمَاكٌ . فَقَدْ رَدَّهَا لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَعَلِمَتْ بِإِسْلَامِهِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهُ : هَلْ أَسْلَمَا مَعًا ؟ أَوْ هَلْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ؟ وَتَرْكُ الاستفصال يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ عَامٌّ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا تَتَنَاوَلُهُ صُوَرُ السُّؤَالِ . وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ . وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى مَوَارِيثَ لَمْ تُقَسَّمْ قُسِّمَتْ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ عَلَى عُقُودٍ لَمْ تُقْبَضْ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ فِيهَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَسْلَمَ رَقِيقُ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ؛ بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ ؛ وَاسْتِمْتَاعِهِ بِإِمَائِهِ : أُمِّ وَلَدِهِ وَغَيْرِهَا وَالِاسْتِخْدَامُ فَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ غَيْرِهِ فَهُوَ
كَمَا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ رَقِيقُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِمْ وَالدَّوَامُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْضًا كَذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ ذَلِكَ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِهِ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ مَعَ كَثْرَةِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْعِدَّةِ وَبَيْنَ اسْتِحْقَاقِهَا بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا . وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى الرَّجْعَةِ مِنْ أَبْطَلْ الْقِيَاسِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ . " وَأَيْضًا " فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ فِي السَّبَايَا : لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ ؛ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ } وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إلَّا الْحَيْضُ ؛ أَوْ الْحَمْلُ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ ؛ وَالْأَمَةُ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا فِي حَقِّهَا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إيجَابُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مَنْ لَا تَحِيضُ وَإِيجَابُ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ ؛ وَلِهَذَا اضْطَرَبَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلَى أَقْوَالٍ كُلٌّ مِنْهَا مَنْقُوضٌ . " وَأَيْضًا " فَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا ؛ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مَوْطُوآتٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ . وَأَمَّا الْإِمَاءُ اللَّاتِي كُنَّ يَبِعْنَ عَلَى عَهْدِهِ فَلَمْ يَكُنَّ يوطأن فِي الْعَادَةِ ؛ بَلْ كُنَّ لِلِاسْتِخْدَامِ فِي الْغَالِبِ . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَمْ
يَطَأْهَا سَيِّدُهَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَبْرِئِ اسْتِبْرَاؤُهَا كَمَا لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا تَزَوَّجَتْ ؛ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِي التَّزْوِيجِ : فَفِي التَّسَرِّي أَوْلَى وَأَحْرَى ؛ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا(9/115)
اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُوطَأُ فَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَلَا اسْتِبْرَاءٌ إذَا زُوِّجَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ إذَا وُطِئَتْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحْمِلُ مِثْلُهَا لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاؤُهَا لَا بِحَيْضِ وَلَا بِحَمْلِ . فَهَذَا مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا اسْتَبْرَأَهَا اسْتِبْرَاءً عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِبْرَاءٍ إذَا اسْتَبْرَأَهَا وَكَذَلِكَ الَّذِي قَالَ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا عَلَى حَامِلٍ أَوْ مَوْطُوءَةٍ . وَإِلَيْهِ مَالَ الروياني . وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مَشْرُوعٌ حَيْثُ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَإِنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِبْرَاءِ الْحَامِلَ وَالْحَائِضَ مِنْ الْمَسْبِيَّاتِ اللَّاتِي لَا تُعْلَمُ حَالُهُنَّ . فَأَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِبْرَاءِ . وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلٌ . " وَالْقُرْآنُ " لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ إلَّا عَلَى الْمُطَلَّقَاتِ ؛ لَا عَلَى مَنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا عَلَى مَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ وَلَا عَلَى الْمَزْنِيِّ بِهَا . فَإِذَا مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ الْمُخْتَلَعَةَ إنَّمَا عَلَيْهَا
الِاعْتِدَادُ بِحَيْضَةِ الَّذِي هُوَ اسْتِبْرَاءٌ فَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةِ وَالْمَزْنِيُّ بِهَا أَوْلَى بِذَلِكَ كَمَا هُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد فِي الْمُخْتَلَعَةِ ؛ وَفِي الْمَزْنِيِّ بِهَا . وَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةِ دُونَ الْمَزْنِيِّ بِهَا ؛ وَدُونَ الْمُخْتَلَعَة . . فَبِأَيِّهِمَا أُلْحِقَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا الِاعْتِدَادُ بِحَيْضَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ . " وَالِاعْتِبَارُ " يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ وَلَهَا مُتْعَةٌ بِالطَّلَاقِ وَنَفَقَةٌ وَسُكْنَى فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ فَإِذَا أُمِرَتْ أَنْ تَتَرَبَّصَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ لِحَقِّ الزَّوْجُ ؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ ارْتِجَاعِهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ : كَانَ هَذَا مُنَاسِبًا وَكَانَ لَهُ فِي طُولِ الْعِدَّةِ حَقٌّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ إذَا وَجَبَتْ ؛ فَإِذَا مَسَّهَا كَانَ لَهُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَجْلِ مَسِّهِ لَهَا وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا وَلَهَا بِإِزَاءِ ذَلِكَ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كَمَا لَهَا مَتَاعٌ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ . أَمَّا غَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى وَلَا مَتَاعٌ وَلَا لِلزَّوْجِ الْحَقُّ بِرُجْعَتِهَا : [ فَالتَّأَكُّدُ ] مِنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ تَحْصُلُ بِحَيْضَةِ وَاحِدَةٍ كَمَا يَحْصُلُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ وَكَوْنُهَا حُرَّةً لَا أَثَرَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتَدُّ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِحَيْضَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ
الْفُقَهَاءِ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَهِيَ حُرَّةٌ : فَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةِ لَيْسَتْ خَيْرًا مِنْهَا . وَاَلَّتِي فُورِقَتْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى وَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا وَلَا مَتَاعَ : هِيَ بِمَنْزِلَتِهَا . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يَنْتَقِضُ بِالْمُطَلَّقَةِ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَلَا رَجْعَةَ وَمَعَ هَذَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ ؟ قِيلَ : هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ لَهَا الْمُتْعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَلَهَا النَّفَقَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَلَهَا السُّكْنَى مَعَ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ : فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَتَاعٍ أَوْ سُكْنَى عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ . فَإِذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِإِزَاءِ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مَا لَيْسَ فِي إيجَابِهَا عَلَى مَنْ لَا مَتَاعَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى وَقَدْ ثَبَتَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ لَمَّا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَنْ تَعْتَدَّ و أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ أَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ إلَى بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ } وَالْحَدِيثُ وَإِنْ(9/116)
لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ أَنْ تَعْتَدَّ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؛ فَإِنْ كَانَ هَذَا إجْمَاعًا : فَهُوَ الْحَقُّ وَالْأُمَّةُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إنَّمَا عَلَيْهَا إلَّا الِاسْتِبْرَاءُ لَا الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ : فَهَذَا لَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ طُولَ الْعِدَّةِ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِحْقَاقِ الرَّجْعَةِ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِهَا جُعِلَتْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ . فَمَنْ لَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ؛ وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ ؛ لَا يُخَالِفُهُ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ إلَّا مَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْمَعْرُوفَ لَا يُخَالِفُهُ . فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ قَضَتْ السُّنَّةُ كَانَ حَقًّا مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ . وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ الْمُخْتَلَعَةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ فِيهَا بِمَا ذُكِرَ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ ؛ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا مَا يُوَافِقُهُ لَا يُخَالِفُهُ ؛ فَلَا يُقَاسُ هَذَا بِهَذَا . وَالْمَعَانِي الْمُفَرِّقَةُ بَيْنَ الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ وَالِاسْتِبْرَاءِ إنْ عَلِمْنَاهَا وَإِلَّا فَيَكْفِينَا اتِّبَاعُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الطَّاهِرَةُ الْمَعْرُوفَةُ . وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْمَسْبِيَّاتِ اللَّاتِي يَبْتَدِئُ الرِّقُّ عَلَيْهِنَّ قَدْ تَقَدَّمَ الْإِشَارَةُ إلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي فِيهِ : أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ وَطْأَهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ لَمَّا تَحَرَّجُوا مِنْ وَطْئِهِنَّ وَأَنْزَلَ فِي ذَلِكَ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَقَالَ فِيهِ : إنَّ أَجَلَّ وَطْئِهِنَّ
إذَا نَقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ . { وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أوطاس : لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ } وَرُوِيَ : " حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً " وَالْعُلَمَاءُ عَامَّةً إنَّمَا يُوجِبُونَ فِي ذَلِكَ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةِ وَهُوَ اعْتِدَادٌ مِنْ وَطْءِ زَوْجٍ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ وَوَطْؤُهُ مُحْتَرَمٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا حَرْبِيًّا فَإِنَّ مُحَارَبَتَهُ أَبَاحَتْ قَتْلَهُ وَأَخْذَ مَالِهِ وَاسْتِرْقَاقَ امْرَأَتِهِ . عَلَى نِزَاعٍ وَتَفْصِيلٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ؛ لَكِنْ لَا خِلَافَ أَنَّ نَسَبَ وَلَدِهِ ثَابِتٌ مِنْهُ وَأَنَّ مَاءَهُ مَاءٌ مُحْتَرَمٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدِ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ قَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ : { أَنَّهُ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ : لَعَلَّ سَيِّدَهَا يُلِمُّ بِهَا قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ } و { نَهَى أَنْ يَسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } . لَكِنَّ هَذِهِ الزَّوْجَةَ لَمْ يُفَارِقْهَا زَوْجُهَا بِاخْتِيَارِهِ ؛ لَا بِطَلَاقِ ؛ وَلَا غَيْرِهِ ؛ لَكِنْ طريان الرِّقِّ عَلَيْهَا أَزَالَ مِلْكَهُ إلَى الْمُسْتَرِقِّ أَوْ اشْتِبَاهُ زَوْجِهَا بِغَيْرِهِ أَزَالَ ذَلِكَ . فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحِ زَالَ عَنْ امْرَأَةٍ ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . وَلَوْ أَنَّ الْكَافِرَ تَحَاكَمَ
إلَيْنَا هُوَ وَامْرَأَتُهُ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَأَلْزَمْنَاهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ : فَعُلِمَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ مُطْلَقًا وَأَنَّ هَذِهِ لَمَّا زَالَ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ . فَلَا يُقَالُ : إنَّ كُلَّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ مُفَارَقَةِ زَوْجٍ فِي الْحَيَاةِ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ ؛ بَلْ هَذَا مَنْقُوضٌ بِهَذِهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ .
فَصْلٌ وَهَذَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَآثَارُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ - كَعُثْمَانِ وَغَيْرِهِ - مِنْ أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلَعَة : حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ : يَزُولُ بِهِ الْإِشْكَالُ فِي مَسْأَلَةِ " تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ " : كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ فِي عِدَّتِهَا بِمَنْ أَصَابَهَا ؛ فَإِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَعُمَرِ وَعَلِيٍّ : أَنَّهَا تُكْمِلُ عِدَّةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي فَعَلَيْهَا تَمَامُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَعِدَّةٌ(9/117)
لِلثَّانِي . وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَاخْتَلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ : هَلْ تُبَاحُ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ قَضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا . وَبِهِ أَخَذَ مَالِك . وَقَالَ عَلِيٌّ : هُوَ خَاطِبٌ مِنْ الْخُطَّابِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ . وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إلَّا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّانِي وَتُدْخِلُ فِيهَا بَقِيَّةَ عِدَّةِ الْأَوَّلِ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لَكِنْ لَمْ نَعْرِفْ لِذَلِكَ إسْنَادًا . فَنَقُولُ بِتَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ لَهُ ؛ إذْ لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ إسْقَاطَهَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَدَخَلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ : كَالْحُدُودِ ؛ وَالْكَفَّارَاتِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثُمَّ سَرَقَ : لَمْ يُقْطَعْ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرِبَ ؛ ثُمَّ شَرِبَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ . فَالْحُدُودُ وَجَبَتْ فِي جِنْسِ الذَّنْبِ ؛ لَا فِي قَدْرِهِ . وَلِهَذَا تَجِبُ بِسَرِقَةِ الْمَالِ الْكَثِيرِ
وَالْقَلِيلِ ؛ وَتَجِبُ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ جِنْسُ الذَّنْبِ ؛ لَا قَدْرُهُ . فَإِذَا لَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي الْقَدْرِ لَمْ يَفْتَرِقْ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَعَدِّهِ ؛ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِنْ جِنْسِ الْقَدْرِ وَكَذَلِكَ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ إذَا وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَكْفُرَ . فَمَنْ قَالَ بِتَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ قَالَ : عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنْ سَبَّبَهَا الْوَطْءُ لَيْسَتْ مِثْلَ عِدَّةِ الْوَفَاةِ الَّتِي سَبَّبَهَا الْعَقْدُ ؟ وَهِيَ تَجِبُ مَعَ قَلِيلِ الْوَطْءِ وَكَثِيرِهِ فَإِنَّ الْمُوجِبَ لَهَا جِنْسُ الْوَطْءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ . وَطَرَدَهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً قَدْ اشْتَرَكَ فِي وَطْئِهَا جَمَاعَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ ؛ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ جَمَاعَةً . وَقَدْ نُوزِعُوا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَقِيلَ : بَلْ تُسْتَبْرَأُ لِكُلِّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ اسْتِبْرَاءً وَاحِدًا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِمَا . فَأَمَّا إذَا بَاعَاهَا لِغَيْرِهِمَا : فَهُنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ إنَّ الْأَمَةَ الْمَمْلُوكَةَ بِسَبْيٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَيْهَا استبراءات مُتَعَدِّدَةٌ بِعَدَدِ الْوَاطِئِينَ . وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى رِجْلٌ جَارِيَةً وَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ . قَالَ الْفُقَهَاءُ : وَلَا نَقُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا مَرَّتَيْنِ . وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ سَبَّبَهُ تَعَدُّدُ
الْمِلْكِ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُونَ الِاسْتِبْرَاءَ إذَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَدْ وَطِئَهَا وَيُوجِبُونَهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهَا ؛ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الرِّقُّ . وَالْكَلَامُ فِي عِدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . " وَالْمَقْصُودُ " هُنَا : أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا قَالَ يَتَعَدَّدُ ؛ وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا فَإِنَّ السُّنَّةَ تَخْصِمُهُ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ إلَّا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ : { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ } فَعَلَّقَ الْحِلَّ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَإِذَا كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعِدَّةِ وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَاطِئِ : فَالْعِدَّةُ كَذَلِكَ . هَذَا مَا يَحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا : الْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِآدَمِيٍّ . وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ } الْآيَةَ . قَالُوا : فَقَدْ نَفَى اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ عِدَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ وَلَيْسَ هُنَا عِدَّةٌ لِغَيْرِ الرِّجَالِ فَعَلِمَ أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا حَقٌّ لِلرِّجَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ مَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عِدَّةٌ فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ حَقًّا مَحْضًا لِلَّهِ لَمْ يَقُلْ :
{ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } إذْ لَا عِدَّةَ لَهُمْ لَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ نَوْعَيْنِ نَوْعًا لِلَّهِ وَنَوْعًا فِيهِ حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ : لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ عِدَّةِ الْأَزْوَاجِ مَا يَنْفِي(9/118)
الْعِدَّةَ الْأُخْرَى فَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ فَفِيهَا حَقٌّ لِلْأَزْوَاجِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ فِيهَا حَقٌّ لِرَجُلَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ؛ فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَتَدَاخَلُ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ كَانَ لَهُمَا عِنْدَهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ . فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَاحْتَجُّوا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَقُولُ : لَوْ تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّةً وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْمُدَّةُ حَقًّا مَحْضًا لِلزَّوْجِ ؛ لَأَنَّ الذِّمِّيَّةَ لَا تُؤَاخَذُ بِحَقِّ اللَّهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجِبُهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا ذِمِّيًّا وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَ الْعِدَّةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَهُ الْأَكْثَرُونَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ وَلِمَا قَضَى بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ ؛ وَإِنْ ثَبَتَ فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ إذَا خَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ كَانَ قَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي : تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ
وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . لَكِنْ مِنْ تَمَامِ كَوْنِ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } فَأَمَرَهُنَّ بِالتَّرَبُّصِ ؛ وَجَعَلَ الرَّجُلَ أَحَقّ بِرَدِّهَا فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ طَلَاقٌ إلَّا طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ : إلَّا الثَّالِثَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَذَلِكَ طَلَاقٌ أَوْجَبَ تَحْرِيمَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِعَقْدِ يَكُونُ بِرِضَاهَا وَرِضَا وَلَيِّهَا ؛ فَكَيْفَ تُبَاحُ بِالرَّجْعَةِ . أَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي تُبَاحُ لِزَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ زَوْجَهَا أَحَقّ بِرُجْعَتِهَا فِي الْعِدَّةِ بِدُونِ عَقْدٍ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ طَلَاقٌ بَائِنٌ تُبَاحُ فِيهِ بِعَقْدِ وَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَحَقّ بِهَا ؛ بَلْ مَتَى كانت حَلَالًا لَهُ كَانَ أَحَقّ بِهَا . وَعَلَى هَذَا فَيَظْهَرُ كَوْنُ الْعِدَّةِ حَقًّا لِلرَّجُلِ . فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهَا الرَّجْعَةَ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْجَبَتْ فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهِ بِعَقْدِ ؛ فَإِنَّهُ هُنَا لَا حَقَّ لَهُ إذْ النِّكَاحُ إنَّمَا يُبَاحُ بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا ؛ وَلِهَذَا طَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَهُ ؛ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ عِنْدَهُ يَنْقَسِمُ إلَى : بَائِنٍ وَرَجْعِيٍّ وَلَهُ أَنْ يُوقِعَ
الْبَائِنَ بِلَا رِضَاهَا . جَعَلَ الرَّجْعَةَ حَقًّا مَحْضًا لِلزَّوْجِ : لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا وَلَهُ أَلَّا يُسْقِطَهَا ؛ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهَا ؛ فَلَا تَكُونُ حَقًّا لَهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلتَّسْوِيَةِ . وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ فِيهِ عِدَّةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ ؛ بَلْ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ بِحَيْضَةِ ؛ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةِ حَقٌّ لِلَّهِ ؛ لِأَجْلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ مَوْطُوءَةٍ سَوَاءٌ وُطِئَتْ بِنِكَاحِ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِبَرَاءَةِ رَحِمَهَا مِنْ مَاءِ الْوَاطِئِ الْأَوَّلِ ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاؤُهُ بِمَاءِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ بِالزِّنَى ؛ لِأَجْلِ مَاءِ الْوَاطِئِ الثَّانِي ؛ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاؤُهُ بِمَاءِ الزَّانِي . وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِك وَأَحْمَد . وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُخْتَلَعَة إلَّا عِدَّةٌ بِحَيْضَةِ : فَعَلَى الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْلَى ؛ فَإِنَّهُ لَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا . وَلَا نَفَقَةَ لَهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَفِي حَدِيثِ طليحة أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي أَتَمَّتْ عِدَّةَ زَوْجِهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَتَمَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا لِلْأَوَّلِ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلثَّانِي . وَكَذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ قَضَى أَنَّهَا تَأْتِي بِبَقِيَّةِ عِدَّتِهَا لِلْأَوَّلِ ثُمَّ تَأْتِي لِلثَّانِي بِعِدَّةِ مُسْتَقْبَلَةٍ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَإِنْ شَاءَتْ(9/119)
نَكَحَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْ ؟ قِيلَ : نَعَمْ . لَكِنَّ لَفْظَ " الْعُدَّةِ " فِي كَلَام السَّلَفِ يُقَالُ عَلَى الْقُرُوءِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُهُ . وَحِينَئِذٍ فَعُمَرُ وَعَلِيٌّ إنْ كَانَ قَوْلُهُمَا فِي الْمُخْتَلَعَة وَنَحْوِهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ فَيَكُونَانِ أَرَادَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ . وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ : فَيَكُونُ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلصَّحَابَةِ ؛ فَإِنَّ عُثْمَانَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمُخْتَلَعَة تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ . وَإِنْ قِيلَ : بَلْ قَدْ نَقُولُ : تَعْتَدُّ الْمُخْتَلَعَة بِحَيْضَةِ وَالْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ : فَهَذَا الْقَوْلُ إذَا قِيلَ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اخْتَلَفَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ هَلْ تُبَاحُ لِلثَّانِي ؟ فَقَالَ عُمَرُ : لَا يَنْكِحُهَا أَبَدًا . وَقَالَ عَلِيٌّ : إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا - يَعْنِي مِنْ الثَّانِي - فَإِنْ شَاءَتْ نَكَحَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَنْكِحْ . وَلَوْ كَانَ وَطْءُ الثَّانِي كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ لَمْ يَمْنَعْ الْأَوَّلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَوْ وَطِئَتْ امْرَأَتُهُ بِشُبْهَةِ لَمْ يَزَلْ نِكَاحُهُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ بَلْ يَعْتَزِلُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ وَلَوْ وُطِئَتْ الرَّجْعِيَّةُ بِشُبْهَةِ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّ الزَّوْجِ شَيْءٌ ؟ قِيلَ : أَوَّلًا هَذَا السُّؤَالُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَدْرِ الْعِدَّةِ فَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ اسْتِبْرَاءً بِحَيْضَةِ أَوْ كَانَتْ بِتَرَبُّصِ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ . هَذَا وَارِدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الزَّوْجَ الْمُطَلِّقَ
الَّذِي اعْتَدَّتْ مِنْ وَطْئِهِ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَأَمَّا إنْ فَارَقَهَا فُرْقَةً بَائِنَةً كَالْخُلْعِ - وَنَكَحَتْ فِي مُدَّةِ اعْتِدَادِهَا مِنْهُ : مِثْلَ أَنْ تَنْكِحَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةِ : فَهُنَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا فَإِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعِدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ بِعَقْدِ جَدِيدٍ ؛ فَإِنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الْغَيْرِ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا تَمْنَعُ دَوَامَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِعِدَّةِ ؛ لَا مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَا نِكَاحٍ فَاسِدٍ ؛ بَلْ وَلَا زِنًى ؛ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ أَوْ زِنًى لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ ؛ بَلْ يَجْتَنِبُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا ثُمَّ يَطَؤُهَا . وَإِذَا قِيلَ : فَهَذِهِ مُعْتَدَّةٌ مِنْ الْوَطْءِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ نِكَاحِهَا فِي الْعِدَّةِ ؟ قِيلَ : " أَوَّلًا " هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ الْعِدَّةِ . وَقِيلَ " ثَانِيًا " لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ يُبِيحُ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ أَنْ تَنْكِحَ فِي عِدَّتِهَا ؛ لَكِنْ الْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ فِي مِثْلِ الْمُخْتَلَعَة ؛ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِغَيْرِ النَّاكِحِ . فَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةً مِنْ غَيْرِهِ : فَهُنَا الْمَانِعُ كَوْنُهَا مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُمْنَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ ؛ فَإِنَّ الْخَلِيَّةَ مِنْ عِدَّتِهَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ؛ وَإِذَا كَانَ بِعِدَّةِ مِنْ الْغَيْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ . فَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ مَانِعَةً
مِنْ النِّكَاحِ وَلَا مُوجِبَةً لِحِلِّهِ وَانْتِفَاءُ مَانِعٍ وَاحِدٍ لَا يُبِيحُ الْغَيْرَ إذَا وُجِدَ مَانِعٌ آخَرُ ؛ وَلَكِنْ يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ وَجَبَتْ لِإِبَاحَةِ عَقْدِهِ . وَهَذَا غَلَطٌ . وَأَمَّا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ رَجْعِيًّا فَارْتِجَاعُهُ إيَّاهَا فِي بَقِيَّةِ عِدَّتِهَا مِنْهُ كَارْتِجَاعِهِ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . وَكَذَلِكَ الَّذِي قَضَى بِهِ عَلِيٌّ : أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَنْكِحُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ . وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد . وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ لِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَوْطُوءَةَ فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ . وَأَحْمَد لَهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ رِوَايَتَانِ . " إحْدَاهُمَا " لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ؛ لِيُمَيِّزَ بَيْنَ مَاءِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَمَاءِ الْمُبَاحِ الْمَحْضِ . " وَالثَّانِي " يَجُوزُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَاحِقٌ فِي كِلَيْهِمَا . وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد مَنْ جَوَّزَ لِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ(9/120)
فَاسِدٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ نَصَّهُ وَقَالَ هُنَا : كَانَ يَذْكُرُ فِيهَا عِدَّةً مَنْ الْوَطْءِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْوَاطِئُ الثَّانِي لَمْ تَعْتَدَّ مِنْهُ عَقِبَ مُفَارَقَتِهِ لَهَا ؛ بَلْ تَخَلَّلَ بَيْنَ
مُفَارَقَتِهِ وَعِدَّتُهُ عِدَّةُ الْأَوَّلِ وَهِيَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ لَهُمَا وَتَقْدِيمُ عِدَّةِ الْأَوَّلِ كَانَ لِقِدَمِ حَقِّهِ ؛ وَإِلَّا فَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا أَلْحَقَ بِالثَّانِي لَكَانَتْ عِدَّةَ الثَّانِي مُتَقَدِّمَةً عَلَى عِدَّةِ الْأَوَّلِ فَهِيَ فِي أَيَّامِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلثَّانِي وَفِي الِاعْتِدَادِ مِنْ الثَّانِي عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْأَوَّلِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا بَعْدَ اعْتِدَادِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عُرِضَ عَلَى الْقَافَةِ . فَإِذَا كَانَ لِلْأَوَّلِ حَقٌّ فِي مُدَّةِ عِدَّتِهَا مِنْ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ . فَهَذَا أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْجَدُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي " مُحَرَّرِهِ " . وَأَمَّا مِقْدَارُ الْعِدَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَيْنِ فِي الْمُخْتَلَعَة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا فَرْقٌ شَرْعِيٌّ وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا : إنَّمَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَةِ كَمَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 387)
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ تَخَاصَمَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ مَعَهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَتْ لَهُ : طَلِّقْنِي . فَقَالَ : إنْ أبرأتيني فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ . أَبْرَأَك اللَّهُ مِمَّا يَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ . فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ . وَظَنَّ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : نَعَمْ هُوَ بَرِيءٌ مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً .
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ : طَلِّقْنِي وَأَنَا أَبْرَأَتْك مِنْ جَمِيعِ حُقُوقِي عَلَيْك ؛ وَآخُذُ الْبِنْتَ بِكِفَايَتِهَا يَكُونُ لَهَا عَلَيْك مِائَةُ دِرْهَمٍ . كُلُّ يَوْمٍ سُدُسُ دِرْهَمٍ . وَشَهِدَ الْعُدُولُ بِذَلِكَ فَطَلَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ بِحُكْمِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْكَفَالَةِ : فَهَلْ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ الْبِنْتِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ . إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ حُقُوقِهَا وَتَأْخُذَ الْوَلَدَ بِكَفَالَتِهِ وَلَا تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ . صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمَا ؛ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْمَعْدُومِ الَّذِي يُنْتَظَرُ وُجُودُهُ كَمَا تَحْمِلُ أَمَتُهَا وَشَجَرُهَا . وَأَمَّا نَفَقَةُ حَمْلِهَا وَرِضَاعُ وَلَدِهَا وَنَفَقَتُهُ . فَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُودِهِ وَجَوَازِهِ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ لَهُ : طَلِّقْنِي وَأَنَا أَبْرَأْتُك مِنْ حُقُوقِي وَأَنَا آخُذُ الْوَلَدَ بِكَفَالَتِهِ . وَأَنَا أَبْرَأْتُك مِنْ نَفَقَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ . وَإِذَا خَالَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ يَرَى صِحَّةَ مِثْلِ هَذَا الْخُلْعِ - كَالْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ - لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْقُضَهُ وَإِنْ رَآهُ فَاسِدًا وَلَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا نَفَقَةً لِلْوَلَدِ ؛ فَإِنْ فَعَلَ الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ حَكَمَ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ . وَالْحَاكِمُ متى عَقَدَ عَقْدًا سَاغَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَوْ فَسَخَ فَسْخًا جَازَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ : لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ .
ـــــــــــــــــــ(9/121)
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَالِكِيِّ الْمَذْهَبِ حَصَلَ لَهُ نَكَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِ زَوْجَتِهِ فَحَضَرَ قُدَّامَ الْقَاضِي . فَقَالَ الزَّوْجُ لِوَالِدِ الزَّوْجَةِ : إنْ أَبْرَأَتْنِي ابْنَتُك أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ . فَقَالَ وَالِدُهَا أَنَا أَبْرَأْتُك . فَحَضَرَ الزَّوْجُ وَوَالِدُ الزَّوْجَةِ قُدَّامَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَأَبْرَأَهُ وَالِدُهَا بِغَيْرِ حُضُورِهَا وَبِغَيْرِ إذْنِهَا : فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَنْصُوصِ الْمَعْرُوفِ عَنْهُمْ : أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِمَالِهَا فَلَا يَمْلِكُهُ كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ سَائِرِ دُيُونِهَا . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كانت أَوْ ثَيِّبًا لِكَوْنِهِ يَلِي مَالَهَا وَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ مُطْلَقًا ؛ لِكَوْنِهِ يُجْبِرُهَا عَلَى النِّكَاحِ . وَرُوِيَ عَنْهُ : يُخَالِعُ عَنْ ابْنَتِهِ مُطْلَقًا كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهًا فِي مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي حَقِّ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا بِالْإِبْرَاءِ مِنْ نِصْفِ مَهْرِهَا إذَا قُلْنَا : إنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْوَلِيُّ ؛ وَخَطَّأَهُ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ إسْقَاطَ حَقِّهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ فَجَوَازُ ذَلِكَ لِمَنْفَعَتِهَا وَهُوَ يَخْلَعُهَا مِنْ الزَّوْجِ أَوْلَى ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ كُلِّهِمْ أَنْ يَخْتَلِعَهَا مِنْ الزَّوْجِ بِشَيْءِ مِنْ مَالِهِ ؛ وَكَذَلِكَ لَهَا أَنْ تُخَالِعَهُ بِمَالِهَا إذَا ضَمِنَ ذَلِكَ الزَّوْجُ . فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَخْتَلِعَهَا وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ إلَّا إسْقَاطُ نِصْفِ صَدَاقِهَا . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يُخَرَّجُ عَلَى
أُصُولِ أَحْمَد مِنْ وُجُوهٍ . مِنْهَا أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَيَخْلَعَ امْرَأَةَ ابْنِهِ الطِّفْلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ؛ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ . وَمَالِكٌ يُجَوِّزُ الْخُلْعَ دُونَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ فِي الْخَلْعِ مُعَاوَضَةً . وَأَحْمَد يَقُولُ : لَهُ التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَضَرَرِهَا وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِي إسْقَاطِ حُقُوقِهِ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِ الْمَالِ . " وَأَيْضًا " فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِلْحُكْمِ فِي الشِّقَاقِ أَنْ يَخْلَعَ الْمَرْأَةَ بِشَيْءِ مِنْ مَالِهَا بِدُونِ إذْنِهَا ؛ وَيُطَلِّقَ عَلَى الزَّوْجِ بِدُونِ إذْنِهِ : كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْأَبَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ نِصْفَ الصَّدَاقِ . وَمَذْهَبُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ الصَّدَاقِ : جَازَ لَهُ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالتَّمَلُّكِ هَذَا التَّصَرُّفُ لَمْ يَبْقَ إلَّا طَلَبُهُ لِفُرْقَتِهَا وَذَلِكَ يَمْلِكُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَيَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْأَبِ أَنْ يُعْتِقَ بَعْضَ رَقَبَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لِلْمَصْلَحَةِ . فَقَدْ يُقَالُ : الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ تَحْتَ حِجْرِ الْأَبِ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ مُعَاوَضَةً وَافْتِدَاءً لِنَفْسِهَا مِنْ الزَّوْجِ فَيَمْلِكُهُ الْأَبُ كَمَا يَمِلْك غَيْرَهُ مِنْ
الْمُعَاوَضَاتِ وَكَمَا يَمْلِكُ افْتِدَاءَهَا مِنْ الْأَسْرِ ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ مَصْلَحَةً لَهَا . وَقَدْ يُقَالُ : قَدْ لَا يَكُونُ مَصْلَحَتُهَا فِي الطَّلَاقِ ؛ وَلَكِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ ؛ فَإِذَا بُذِلَ لَهُ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يُمْكِنْهَا مَنْعُهُ مِنْ الْبَذْلِ . فَأَمَّا إسْقَاطُ مَهْرِهَا وَحَقِّهَا الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالنِّكَاحِ فَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ(9/122)
ضَرَرٌ . وَالْأَبُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ بِاخْتِلَاعِهَا حَظَّهُ لَا لِمَصْلَحَتِهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهَا بِمُجَرَّدِ حَظِّهِ بِالِاتِّفَاقِ . فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُ الْإِبْرَاءَ يَقَعُ الْإِبْرَاءُ وَالطَّلَاقُ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ إبْرَاءَهُ إنْ ضَمِنَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِزَاعٍ ؛ وَكَانَ عَلَى الْأَبِ لِلزَّوْجِ مِثْلُ الصَّدَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ . وَعِنْدَهُ فِي الْجَدِيدِ : إنَّمَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَأَمَّا إنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْإِبْرَاءِ . فَقَالَ لَهُ : إنْ أَبَرَّأْتنِي فَهِيَ طَالِقٌ . فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا اعْتَقَدَ الزَّوْجُ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِقَدْرِ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ ؛ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْأُخْرَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا : وَجَدَ الْإِبْرَاءَ . وَأَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَبَ ضَامِنًا بِهَذَا
الْإِبْرَاءِ . وَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ ؛ لَكِنْ عِنْدَ أَحْمَد يَضْمَنُ لِلزَّوْجِ الصَّدَاقَ ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَضْمَنُ لَهُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْزَمْ شَيْئًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 399)
فَالطَّلَاقُ " ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ " بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ : " الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ " وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ وَرِثَهُ الْآخَرُ . و " الطَّلَاقُ الْبَائِنُ " وَهُوَ مَا يَبْقَى بِهِ خَاطِبًا مِنْ الْخِطَابِ لَا تُبَاحُ لَهُ إلَّا بِعَقْدِ جَدِيدٍ . " و الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ لَهَا " لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهُوَ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ كَمَا أَذِنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ : أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ . أَوْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا . أَوْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ . فَهَذَا الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ لَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا طَلَاقٌ بَائِنٌ يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ . وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ . وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ . وداود وَابْنِ خزيمة وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ " الْخُلْعَ " فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ وَفُرْقَةٌ بَائِنَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ .
وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الصَّحَابَةِ : كَابْنِ عَبَّاسٍ . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عفان : وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةِ وَهُوَ قَوْلُ إسْحَاقَ بْنِ راهويه ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَعْرُوفَةٌ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبَيْنَ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْخُلْعَ طَلَاقًا ؛ لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ : كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ ؛ وَابْنِ خزيمة ؛ وَابْنِ الْمُنْذِرِ والبيهقي وَغَيْرِهِمْ . كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْهُمْ .
و " الْخُلْعُ " أَنْ تَبْذُلَ الْمَرْأَةُ عِوَضًا لِزَوْجِهَا ؛ لِيُفَارِقَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا وَلَهُنَّ(9/123)
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ
الْمُطْلِقَاتِ بَعْدَ الدُّخُولِ يَتَرَبَّصْنَ أَيْ يَنْتَظِرْنَ ثَلَاثَ قُرُوءٍ . " وَالْقُرْءُ " عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ : الْحَيْضُ . فَلَا تَزَالُ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ . وَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِطَعْنِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ .
وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } ثُمَّ قَالَ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أَيْ فِي ذَلِكَ التَّرَبُّصِ . ثُمَّ قَالَ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } فَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَحَقَّ بِرَدِّهَا : هُوَ ( مَرَّتَانِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا إذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ : سَبِّحْ مَرَّتَيْنِ . أَوْ سَبِّحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ . فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ : سُبْحَانَ اللَّهِ . سُبْحَانَ اللَّهِ . حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْعَدَدَ . فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُجْمِلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ . لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : الطَّلَاقُ طَلْقَتَانِ . بَلْ قَالَ : ( مَرَّتَانِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ أَلْفًا . لَمْ يَكُنْ قَدْ طَلَّقَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَّةَ : لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْته مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ . سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ . سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ . سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ } أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ
يَسْتَحِقُّ التَّسْبِيحَ بِعَدَدِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ } لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَبَّحَ تَسْبِيحًا بِقَدْرِ ذَلِكَ . فَالْمِقْدَارُ تَارَةً يَكُونُ وَصْفًا لِفِعْلِ الْعَبْدِ وَفِعْلُهُ مَحْصُورٌ . وَتَارَةً يَكُونُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ فَذَاكَ الَّذِي يَعْظُمُ قَدْرُهُ ؛ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ . لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً . وَلَمَا شَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَبَّحَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُحَمَّدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُكَبَّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ . فَلَوْ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ خَلْقَهُ . لَمْ يَكُنْ قَدْ سَبَّحَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً . وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ أَحَدًا طَلَّقَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ فَأَلْزَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّلَاثِ وَلَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ(9/124)
حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَلَا نَقَلَ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَدِّ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا ؛ بَلْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ ؛ بَلْ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ طَاوُوسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ
خِلَافَةِ عُمَرَ : طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً . فَقَالَ عُمَرُ : إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَتَعْلَمُ إنَّمَا كَانَتْ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمْ : وَفِي رِوَايَةٍ : أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : هَاتِ مِنْ هَنَاتِك أَلَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ حَدَّثَنِي داود بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ . { طَلَّقَ ركانة بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا ؛ قَالَ : فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ طَلَّقْتهَا ؟ قَالَ : طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا . قَالَ ؛ فَقَالَ : فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّمَا تِلْكَ وَحْدَةٌ فَأَرْجِعْهَا إنْ شِئْت قَالَ : فَرَجَعَهَا } . فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ ؛ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ المقدسي فِي كِتَابِهِ "
الْمُخْتَارَةِ " الَّذِي هُوَ أَصَحُّ مِنْ " صَحِيحِ الْحَاكِمِ " . وَهَكَذَا رَوَى أَبُو داود وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ } مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي مَجَالِسَ لَأَمْكَنَ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ارْتَجَعَهَا ؛ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ يَقَعُ . وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي جَانِبِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ تَفْصِيلٌ كَقَوْلِهِ : { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ أَوْ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ } وَهُوَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَقَدْ يَحْمِلُ الْخَبَثَ وَقَدْ لَا يَحْمِلُهُ . وَقَوْلُهُ { فِي الْإِبِلِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ } وَهِيَ إذَا لَمْ تَكُنْ سَائِمَةً قَدْ يَكُونُ فِيهَا الزَّكَاةُ - زَكَاةُ التِّجَارَةِ - وَقَدْ لَا يَكُونُ فِيهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } وَمَنْ لَمْ يَقُمْهَا فَقَدْ يُغْفَرُ لَهُ بِسَبَبِ آخَرَ . وَكَقَوْلِهِ : { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ } وقَوْله تَعَالَى تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ } وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَقَدْ يَعْمَلُ عَمَلًا آخَرَ يَرْجُو بِهِ رَحْمَةَ اللَّهِ مَعَ الْإِيمَانِ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ . فَلَوْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهَا رَجْعَةٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ : بِخِلَافِ الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ الَّذِي
جَرَتْ عَادَةُ صَاحِبِهِ بِأَنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا فِيهِ ؛ فَإِنَّ لَهُ فِيهِ الرَّجْعَةَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : { ارْجِعْهَا إنْ شِئْت } وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : { مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } فَأَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ وَالرَّجْعَةُ يَسْتَقِلُّ بِهَا الزَّوْجُ ؛ بِخِلَافِ الْمُرَاجَعَةِ . وَقَدْ رَوَى أَبُو داود وَغَيْرُهُ { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً ؟ فَقَالَ : مَا أَرَدْت بِهَا إلَّا وَاحِدَةً . فَرَّدَهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ(9/125)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَأَبُو داود لَمَّا لَمْ يَرْوِ فِي سُنَنِهِ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ : حَدِيثُ " أَلْبَتَّةَ " أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جريج { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا } لِأَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ أَعْلَمُ ؛ لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَكَابِرَ الْعَارِفُونَ بِعِلَلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِ : كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ : ضَعَّفُوا حَدِيثَ أَلْبَتَّةَ وَبَيَّنُوا أَنَّ رُوَاتَهُ قَوْمٌ مَجَاهِيلُ ؛ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُمْ وَضَبْطُهُمْ وَأَحْمَد أَثْبَتَ حَدِيثَ الثَّلَاثِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ الصَّوَابُ مِثْلَ قَوْلِهِ : حَدِيثُ ركانة لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ . وَقَالَ أَيْضًا : حَدِيثُ ركانة فِي أَلْبَتَّةَ لَيْسَ بِشَيْءِ لِأَنَّ ابْنَ إسْحَاقَ يَرْوِيه عَنْ داود بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا }
وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا طَلَّقَ أَلْبَتَّةَ وَأَحْمَد إنَّمَا عَدَلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الثَّلَاثَ جَائِزَةٌ مُوَافَقَةً لِلشَّافِعِيِّ . فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ : حَدِيثُ ركانة مَنْسُوخٌ . ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ طَلَاقٌ مُبَاحٌ إلَّا الرَّجْعِيُّ عَدَلَ : عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ وَهَذَا عِلَّةٌ عِنْدَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ؛ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَعْذَارَ الْأَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الَّذِينَ أَلْزَمُوا مَنْ أَوْقَعَ جُمْلَةَ الثَّلَاثِ بِهَا مِثْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ جَمْعِ الثَّلَاثِ وَلَا يَنْتَهُونَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِعُقُوبَةِ : رَأَى عُقُوبَتَهُمْ بِإِلْزَامِهَا ؛ لِئَلَّا يَفْعَلُوهَا . إمَّا مِنْ نَوْعِ التَّعْزِيرِ الْعَارِضِ الَّذِي يُفْعَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ وَيَحْلِقُ الرَّأْسَ وَيَنْفِي وَكَمَا مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِنِسَائِهِمْ . وَإِمَّا ظَنًّا أَنْ جَعْلَهَا وَاحِدَةً كَانَ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ وَقَدْ زَالَ كَمَا ذَهَبَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ : إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا مُتْعَةَ الْفَسْخِ . وَالْإِلْزَامُ بِالْفُرْقَةِ لِمَنْ
لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ : مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ؛ لَكِنْ تَارَةً يَكُونُ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ . كَمَا فِي الْعِنِّينِ وَالْمَوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ . وَتَارَةً يُقَالُ : إنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ كَمَا فِي تَفْرِيقِ الْحُكْمَيْنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إذَا لَمْ يَجْعَلَا وَكِيلَيْنِ وَكَمَا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْمَوْلَى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إذَا لَمْ يَفِ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَكَمَا قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : إنَّهُمَا إذَا تَطَاوَعَا فِي الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ فُرِّقَ بَيْنِهِمَا وَالْأَبُ الصَّالِحُ إذَا أَمَرَ ابْنَهُ بِالطَّلَاقِ لِمَا رَآهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَهُ كَمَا قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ كَمَا { أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنْ يُطِيعَ أَبَاهُ لَمَّا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ } . فَالْإِلْزَامُ إمَّا مِنْ الشَّارِعِ . وَإِمَّا مِنْ الْإِمَامِ . بِالْفُرْقَةِ إذَا لَمْ يَقُمْ الزَّوْجُ بِالْوَاجِبِ : هُوَ مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ . فَلَمَّا كَانَ النَّاسُ إذَا لَمْ يُلْزِمُوا بِالثَّلَاثِ يَفْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ رَأَى عُمَرُ إلْزَامَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْزَمُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ ؛ وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ نَازَعُوا مَنْ قَالَ ذَلِكَ ؛ إمَّا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا التَّعْزِيزَ بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَإِمَّا لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَاقِبْ بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَهَذَا فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ . وَأَمَّا مَنْ لَا
يَسْتَحِقُّهَا بِجَهْلِ أَوْ تَأْوِيلٍ فَلَا وَجْهَ لِإِلْزَامِهِ بِالثَّلَاثِ . وَهَذَا شَرْعٌ شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا شَرَعَ نَظَائِرَهُ لَمْ يَخُصَّهُ : وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : إنَّ(9/126)
مَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ - التَّمَتُّعُ كَمَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - هُوَ شَرْعٌ مُطْلَقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ { لِمَا سُئِلَ أَعُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا ؟ أَمْ لِلْأَبَدِ ؟ فَقَالَ : لَا ؛ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وَإِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنَّمَا شُرِعَ لِلشُّيُوخِ لِمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهِمْ مِثْلَ بَيَانِ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ : قَوْلٌ فَاسِدٌ ؛ لِوُجُوهِ مَبْسُوطَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ بِرَدِّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . فَمَا تَنَازَعَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوجِبُ الْإِلْزَامَ بِالثَّلَاثِ بِمَنْ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِكَلِمَةِ أَوْ كَلِمَاتٍ بِدُونِ رَجْعَةٍ أَوْ عُقْدَةٍ ؛ بَلْ إنَّمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْإِلْزَامُ بِذَلِكَ مَنْ طَلَّقَ الطَّلَاقَ الَّذِي أَبَاحَهُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ الْقِيَاسُ وَالِاعْتِبَارُ بِسَائِرِ أُصُولِ الشَّرْعِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ يُبَاحُ تَارَةً وَيَحْرُمُ تَارَةً - كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ - إذَا فُعِلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا نَافِذًا كَمَا يَلْزَمُ الْحَلَالُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا حَرَمَهُ اللَّهُ مِنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَمِنْ النِّكَاحِ . فِي الْعِدَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَقَعُ بَاطِلًا غَيْرَ لَازِمٍ وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْعِ الْمُحْرِمَاتِ : كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ؛ وَالْمَيْتَةِ . وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ مُحَرَّمُ الْجِنْسِ كَالظِّهَارِ وَالْقَذْفِ وَالْكَذِبِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ مِنْ فِعْلِهِ الْعُقُوبَةَ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَارَةً حَلَالًا وَتَارَةً حَرَامًا حَتَّى يَكُونَ تَارَةً صَحِيحًا وَتَارَةً فَاسِدًا . وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مُبَاحًا مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ - كَافْتِدَاءِ الْأَسِيرِ وَاشْتِرَاءِ الْمَجْحُودِ عِتْقَهُ وَرِشْوَةِ الظَّالِمِ لِدَفْعِ ظُلْمَةٍ أَوْ لِبَذْلِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ وَكَاشْتِرَاءِ الْإِنْسَانِ الْمُصَرَّاةَ وَمَا دُلِّسَ عَيْبُهُ وَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِيَفْعَلَ الْوَاجِبَ أَوْ لِيَتْرُكَ الْمُحَرَّمَ وَكَبَيْعِ الْجَالِبِ لِمَنْ تَلَقَّى مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ - الْمَظْلُومَ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَلَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ ؛ بِخِلَافِ الظَّالِمِ فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِلَازِمِ . وَالطَّلَاقُ هُوَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَارَةً وَحَرَّمَهُ أُخْرَى
. فَإِذَا فَعَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا نَافِذًا كَمَا يَلْزَمُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا - وَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - ( مَرَّتَانِ وَبَعْدَ الْمَرَّتَيْنِ : إمَّا { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } بِأَنْ يُرَاجِعَهَا فَتَبْقَى زَوْجَتَهُ وَتَبْقَى مَعَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ . وَإِمَّا { تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } بِأَنْ يُرْسِلَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَهَذَا هُوَ الْخُلْعُ سَمَّاهُ " افْتِدَاءً " لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتَدِي نَفْسهَا مِنْ أَسْرِ زَوْجِهَا كَمَا يَفْتَدِي الْأَسِيرُ وَالْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِمَا يَبْذُلُهُ . قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ طَلَّقَهَا } يَعْنِي الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ(9/127)
زَوْجًا غَيْرَهُ } . { فَإِنْ طَلَّقَهَا } يَعْنِي هَذَا الزَّوْجَ الثَّانِيَ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يَعْنِي عَلَيْهَا وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ { أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } . وَفِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ . فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ . مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ بَعْدُ أَمْسَكَهَا . وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا . فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ } وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ :
{ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا } وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ " قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ : الطَّلَاقُ عَلَى " أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ " : وَجْهَانِ حَلَالٌ . وَوَجْهَانِ حَرَامٌ . فَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَلَالٌ فَأَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا فِي غَيْرِ جِمَاعٍ . أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا . وَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَرَامٌ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا . أَوْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يَدْرِي اشْتَمَلَ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لَا رَوَاهُ الدارقطني وَغَيْرُهُ . وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا ؛ وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ . أَيْ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الطُّهْرَ أَوْ الْعِدَّةَ . فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ يَكُونُ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَيَكُونُ قَدْ طَوَّلَ عَلَيْهَا التَّرَبُّصَ وَطَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِهِ إلَى طَلَاقِهَا . وَالطَّلَاقُ فِي الْأَصْلِ مِمَّا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَهُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا أَبَاحَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ كَمَا تُبَاحُ الْمُحَرَّمَاتُ لِلْحَاجَةِ ؛ فَلِهَذَا حَرَّمَهَا بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ عُقُوبَةً لَهُ لِيَنْتَهِيَ الْإِنْسَانُ عَنْ إكْثَارِ الطَّلَاقِ . فَإِذَا طَلَّقَهَا لَمْ تَزَلْ فِي الْعِدَّةِ مُتَرَبِّصَةً ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ
وَهُوَ مَالِكٌ لَهَا يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ وَلَيْسَ لَهُ فَائِدَةٌ فِي تَعْجِيلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ وَقْتِهِ ؛ كَمَا لَا فَائِدَةَ فِي مُسَابَقَةِ الْإِمَامِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ ؛ بَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ لَا يَزَالُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُسَلِّمَ .
وَلِهَذَا جَوَّزَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِطَلَاقِ ؛ بَلْ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَهُوَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَد ؛ وَلِأَنَّهَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالِاخْتِلَاعِ فَلَهُمَا فَائِدَةٌ فِي تَعْجِيلِ الْإِبَانَةِ لِرَفْعِ الشَّرِّ الَّذِي بَيْنَهُمَا ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْجِيلِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ ؛ بَلْ ذَلِكَ شَرٌّ بِلَا خَيْرٍ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ طَلَاقٌ فِي وَقْتٍ لَا يَرْغَبُ فِيهَا وَقَدْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ ؛ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقْتَ الرَّغْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَاجَةٍ . { وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عُمَرَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } مِمَّا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَهِمَ مِنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ لَزِمَهُ فَأَمَرَ أَنْ(9/128)
يَرْتَجِعَهَا ؛ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ إنْ شَاءَ . وَتَنَازَعَ هَؤُلَاءِ : هَلْ الِارْتِجَاعُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي ؟ وَفِي حِكْمَةِ هَذَا
النَّهْيِ ؟ أَقْوَالٌ : ذَكَرْنَاهَا وَذَكَرْنَا مَأْخَذَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَفَهِمَ طَائِفَةٌ أُخْرَى : أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَارَقَهَا بِبَدَنِهِ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْ الرَّجُلِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اعْتَزَلَهَا بِبَدَنِهِ وَاعْتَزَلَتْهُ بِبَدَنِهَا ؛ { فَقَالَ لِعُمَرِ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا } وَلَمْ يَقُلْ : فَلْيَرْتَجِعْهَا . " وَالْمُرَاجَعَةُ " مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ : أَيْ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِبَدَنِهَا فَيَجْتَمِعَانِ كَمَا كَانَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَلْزَمْهُ فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ فِيهِ الطَّلَاقَ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ إنْ شَاءَ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ لَزِمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ بِالرَّجْعَةِ لِيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثَانِيَةً فَائِدَةٌ ؛ بَلْ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمَا ؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ مَعَ الْأَوَّلِ تَكْثِيرُ الطَّلَاقِ ؛ وَتَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَتَعْذِيبُ الزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ إذَا وَطِئَهَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا ؛ أَوْ تَطْهُرَ الطُّهْرَ الثَّانِيَ . وَقَدْ يَكُونُ زَاهِدًا فِيهَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهُمَا فَتَعْلَقَ مِنْهُ ؛ فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَلِهَذَا لَمْ يُوجِبْ الْوَطْءَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَكِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى الطُّهْرِ الثَّانِي . وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلًا لَكَانَ
لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي إمْسَاكِهَا فَائِدَةٌ مَقْصُودَةٌ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ لَا يُمْسِكُهَا إلَّا لِأَجْلِ الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا زِيَادَةُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا وَالشَّارِعُ لَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ طَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ الَّذِي لَا يُعْقِبُهُ طَلَاقٌ ؛ فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَطِئَهَا أَوْ حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ : فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ وَطْئِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي : دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى طَلَاقِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِيهَا إذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ لَجَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ . قَالُوا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ ابْنَ عُمَرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَهُوَ يَرْتَجِعُهَا لَأُمِرَ بِالْإِشْهَادِ ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ آيَةٍ لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِالرَّجْعَةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ؛ بَلْ قَالَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } فَخَيَّرَ الزَّوْجَ إذَا قَارَبَ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهَا بِمَعْرُوفٍ - وَهُوَ الرَّجْعَةُ - وَبَيْنَ أَنْ يُسَيِّبَهَا فَيُخَلِّيَ سَبِيلَهَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ؛ وَلَا يَحْبِسُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ قَدْ لَزِمَ لَكَانَ حَصَلَ الْفَسَادُ الَّذِي كَرِهَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَذَلِكَ الْفَسَادُ لَا يَرْتَفِعُ بِرَجْعَةِ يُبَاحُ لَهُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا وَالْأَمْرُ بِرَجْعَةِ لَا فَائِدَةَ فِيهَا مِمَّا تَنَزَّهَ عَنْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ رَاغِبًا فِي الْمَرْأَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا وَإِنْ كَانَ رَاغِبًا عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَلَيْسَ فِي أَمْرِهِ بِرَجْعَتِهَا مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ ؛ بَلْ زِيَادَةُ مَفْسَدَةٍ وَيَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَمْرِ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِمَنْعِ الْفَسَادِ فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ زِيَادَةَ الْفَسَادِ وَقَوْلُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَالنُّصُوصِ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَنَاقِضٌ ؛ إذْ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ : أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودَ(9/129)
الْمُحَرَّمَةَ إذَا فُعِلَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً صَحِيحَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازَعَ فِيهِ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فَالصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ كَانُوا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَةِ بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ لَهَا وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُمْ . وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا لَمْ
يَكُنْ عَنْ الشَّارِعِ مَا يُبَيِّنُ الصَّحِيحَ مِنْ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا : النَّهْيُ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ . قَالُوا : نَعْلَمُ صِحَّةَ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ وَفَسَادَهَا بِجَعْلِ الشَّارِعِ هَذَا شَرْطًا أَوْ مَانِعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ . وَلَيْسَ بِصَحِيحِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ مِثْلَ قَوْلِهِ : الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَالْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْعَقْدُ وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ لَا تَصِحُّ . وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ بَلْ إنَّمَا فِي كَلَامِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ وَفِي نَفْيِ الْقَبُولِ وَالصَّلَاحِ كَقَوْلِهِ : { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } وَقَوْلِهِ : { هَذَا لَا يَصْلُحُ } وَفِي كَلَامِهِ : { إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ كَذَا } وَفِي كَلَامِهِ : الْوَعْدُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَلَمْ نَسْتَفِدْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ بَيَّنَ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ قَطْعًا . وَأَيْضًا فَالشَّارِعُ يُحَرِّمُ الشَّيْءَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ . وَمَقْصُودُهُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ وَجَعْلُهُ مَعْدُومًا . فَلَوْ كَانَ مَعَ التَّحْرِيمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَلَالِ فَيَجْعَلُهُ لَازِمًا نَافِذًا كَالْحَلَالِ لَكَانَ ذَلِكَ إلْزَامًا مِنْهُ بِالْفَسَادِ الَّذِي قَصَدَ عَدَمَهُ . فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَسَادُ قَدْ أَرَادَ عَدَمَهُ
مَعَ أَنَّهُ أَلْزَمَ النَّاسَ بِهِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ لِئَلَّا يَنْدَمَ الْمُطَلِّقُ : دَلَّ عَلَى لُزُومِ النَّدَمِ لَهُ إذَا فَعَلَهُ . وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ . فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ صَحِيحًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ . فَيُقَالُ : إنْ كَانَ مَا قَالَهُ هَذَا صَحِيحًا هُنَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ تَحْصُلْ الْقَطِيعَةُ وَهَذَا جَهْلٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ حِكْمَتَهُ فِي مَنْعِهِ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَبَاحَهُ لَلَزِمَ الْفَسَادُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا خَالَتِهَا ؛ فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ } وَنَحْوَ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْفِعْلَ لَوْ أُبِيحَ لَحَصَلَ بِهِ الْفَسَادُ فَحُرِّمَ مَنْعًا مِنْ هَذَا الْفَسَادِ . ثُمَّ الْفَسَادُ يَنْشَأُ مِنْ إبَاحَتِهِ وَمِنْ فِعْلِهِ . إذَا اعْتَقَدَ الْفَاعِلُ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَأَمَّا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ وَالْتِزَامِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَفْسَدَةُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَالْمَفَاسِدُ فِيهَا فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ لَازِمٍ لَمْ يَحْصُلْ الْفَسَادُ . فَيُقَالُ : هَذَا هُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عَنْهُ وَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ لِيَزُولَ الْفَسَادُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَعَلَهُ النَّاسُ وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ فَيَلْزَمُ الْفَسَادُ . وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ وَأَنَّهُ شَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ يُسَمَّى بَيْعًا وَنِكَاحًا وَصَوْمًا . كَمَا يَقُولُونَ فِي نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الشَّغَارِ وَلَعْنِهِ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَنَهْيِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَيُقَالُ : أَمَّا(9/130)
تَصَوُّرُهُ حِسًّا فَلَا رَيْبَ فِيهِ . وَهَذَا كَنَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَعَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ ؛ وَيُدْهَنُ الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ . فَقَالَ : لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمُلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } فَتَسْمِيَتُهُ لِهَذَا نِكَاحًا وَبَيْعًا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا بَاطِلًا بَلْ دَلَّ عَلَى إمْكَانِهِ حِسًّا . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ شَرْعِيٌّ . إنْ أَرَادَ أَنَّهُ
يُسَمَّى بِمَا أَسْمَاهُ بِهِ الشَّارِعُ : فَهَذَا صَحِيحٌ . وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ : فَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَجَعَلَهُ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَيُلْزِمُ النَّاسَ حُكْمَهُ ؛ كَمَا فِي الْمُبَاحِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يَحْتَجُّ بِهِ هَؤُلَاءِ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ مَوَارِدِ النِّزَاعِ ؛ فَلَيْسَ مَعَهُمْ صُورَةٌ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا مَقْصُودُهُمْ ؛ لَا بِنَصِّ وَلَا إجْمَاعٍ . وَكَذَلِكَ " الْمُحَلِّلُ " الْمَلْعُونُ لَعَنَهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ لِلْأَوَّلِ بِعَقْدِهِ ؛ لَا لِأَنَّهُ أَحَلَّهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لَكَانَ قَدْ أَحَلَّهَا بِالْإِجْمَاعِ ؛ وَهَذَا غَيْرُ مَلْعُونٍ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ اللَّعْنَةَ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ . وَعُلِمَ أَنَّ الْمَلْعُونَ لَمْ يُحَلِّلْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدَلَّتْ اللَّعْنَةُ عَلَى تَحْرِيمِ فِعْلِهِ وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ فِعْلُهُ مُبَاحٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُمْ بَلْ الصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَمَا تَنَاقَضَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذِهِ . وَالْأُصُولُ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا مَا أَثْبَتَ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ وَمَا سِوَى ذَلِكَ
فَالتَّنَاقُضُ مَوْجُودٌ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ . وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَنَاقَضُ هُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ؛ بَلْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَدْ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَهَذَا مَعْنَى الْعِصْمَةِ ؛ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَعْصُومِ لَا يَتَنَاقَضُ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصُومٌ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ أَيْضًا مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ ؛ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْإِيمَانَ بِهِ وَطَاعَتَهُ وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ وَهُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ . فَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ الْهُدَى وَالرَّشَادِ : هُمْ مُتَّبِعُونَ . وَالْكُفَّارُ أَهْلُ النَّارِ وَأَهْلُ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ . وَمَنْ آمَنَ بِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَاجْتَهَدَ فِي مُتَابَعَتِهِ : فَهُوَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ السُّعَدَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُؤْمِنِينَ : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : قَدْ فَعَلْت } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ؛ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظِّ وَافِرٍ }(9/131)
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَقَدْ خَصَّ أَحَدَ النَّبِيَّيْنِ الْكَرِيمَيْنِ بِالتَّفْهِيمِ مَعَ ثَنَائِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا . فَهَكَذَا إذَا خَصَّ اللَّهُ أَحَدَ الْعَالِمَيْنِ بِعِلْمِ أَمْرٍ وَفَهْمِهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ ذَمُّ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ . بَلْ كُلُّ مَنْ اتَّقَى اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ مَا فَهِمَهُ غَيْرُهُ . وَقَدْ { قَالَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ - وَبَعْضُهُمْ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَأَدْرَكَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَمَنْ طَلَبَ عِلْمًا فَلَمْ يُدْرِكْهُ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاص وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَهَذِهِ الْأُصُولُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ مِمَّا يَقُولُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ . إنَّهُ لَازِمٌ . وَالسَّلَفُ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْجُمْهُورِ يُسَلِّمُونَ : أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . وَلَا يَذْكُرُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فَرْقًا صَحِيحًا . وَهَذَا مِمَّا تَسَلَّطَ بِهِ عَلَيْهِمْ مَنْ نَازَعُوهُمْ فِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ . وَاحْتَجَّ بِمَا سَلَّمُوهُ لَهُ مِنْ الصُّوَرِ ؛ وَهَذِهِ حُجَّةٌ جَدَلِيَّةٌ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ ؛ وَإِنَّمَا تُفِيدُ أَنَّ مُنَازَعِيهِ أَخْطَئُوا : إمَّا فِي صُوَرِ النَّقْضِ وَإِمَّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ . وَخَطَؤُهُمْ فِي إحْدَاهُمَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ؛ بَلْ هَذَا الْأَصْلُ أَصْلٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِ مَدَارُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ ؛ بَلْ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ لَا تُوَافِقُ بَلْ تُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ . وَمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُشَرِّعْ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ جُمْلَةً قَطُّ . وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ فَإِنَّهُ شَرَعَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ . وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ لِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ الثَّلَاثَ الْمَجْمُوعَةَ إلَّا وَاحِدَةً : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ ؛ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْتِزَامِ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَيَقُولُ لَهُمْ : أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ فِي الْأَمْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ الَّذِي اتَّفَقَ
عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ؛ بَلْ وَفِي الْأَمْرِ الَّذِي مَعَهُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُجَوِّزُ التَّحْلِيلَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : لَا أُوتِيَ بِمُحَلِّلِ وَلَا مُحَلَّلَ لَهُ إلَّا رَجَمْتهمَا . وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ : مِثْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ . وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ مَعَهُمْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ { كَلَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا . وَاَللَّهُ يَرْضَى عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : إنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ . وَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ خَيَّرَ الْمَفْقُودَ إذَا رَجَعَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ خَيَّرَهُ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الْمَهْرِ . وَهَذَا أَيْضًا مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ : كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ . وَذَكَرَهُ أَحْمَد عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ : إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ الَّذِي يُخَالِفُ هَؤُلَاءِ وَمَعَ هَذَا فَأَكْثَرُهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَسَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِهِ . وَعُمَرُ وَالصَّحَابَةُ جَعَلُوا الْأَرْضَ الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْمَغْرِبِ :(9/132)
فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَمْ يُقَسِّمْ عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ أَرْضًا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَلَمْ يَسْتَطِبْ عُمَرُ أَنْفُسَ جَمِيعِ الْغَانِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِينَ ؛ وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ اسْتَطَابُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَادِ ؛ بَلْ طَلَبَ مِنْهُمْ بِلَالٌ وَالزُّبَيْرُ وَغَيْرُهُمَا قِسْمَةَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ عُمَرَ وَالصَّحَابَةَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ مِنْ زَمَنِهِمْ ؛ بَلْ يَنْقُضُ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِحُكْمِهِمْ أَيْضًا . فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ لَمْ يُخَمِّسُوا قَطُّ مَالَ فَيْءٍ وَلَا خَمَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا جَعَلُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ وَمَعَ هَذَا : فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُخَالِفُ ذَلِكَ . وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ . وَالْأَصْلُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ : أَنَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } . وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَظُنَّ بِالصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ شَرِيعَتِهِ . بَلْ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ ؛ وَلَا يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ مَا شَرَعَهُ الرَّسُولُ بِإِجْمَاعِ أَحَدٍ بَعْدَهُ كَمَا
يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنْ الغالطين ؛ بَلْ كُلُّ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَا مُخَالِفًا لَهُ بَلْ كُلُّ نَصٍّ مَنْسُوخٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَمَعَ الْأُمَّةِ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ ؛ تَحْفَظُ الْأُمَّةُ النَّصَّ النَّاسِخَ كَمَا تَحْفَظُ النَّصَّ الْمَنْسُوخَ وَحِفْظُ النَّاسِخِ أَهَمُّ عِنْدَهَا وَأَوْجَبُ عَلَيْهَا مِنْ حِفْظِ الْمَنْسُوخِ وَيَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِ نَصِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَدْ يَجْتَهِدُ الْوَاحِدُ وَيُنَازِعُهُ غَيْرُهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ . هَذَا مِنْهَا كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا . وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَظَنَّ أَنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَازَعَهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَهَا السُّكْنَى فَقَطْ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى . وَكَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى } فَلَمَّا احْتَجُّوا عَلَيْهَا بِحُجَّةِ عُمَرَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } قَالَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا - هَذَا فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } فَأَيُّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ
الثَّلَاثِ وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ مَعَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي " الطَّلَاقِ " لَمَّا قَالَ تَعَالَى : { لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ لَكَانَ الْمُطَلِّقُ يَنْدَمُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَجْعَتِهَا : فَيَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يَنْفَعُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لَا يَكُونُ فِي الثَّلَاثِ وَلَا فِي الْبَائِنِ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 452)(9/133)
وَالْمَرْأَةُ إذَا أَبْغَضَتْ الرَّجُلَ كَانَ لَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وَهَذَا الْخُلْعُ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ إلَّا بِرِضَاهَا وَلَيْسَ هُوَ كَالطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ رَجْعِيًّا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ بِدُونِ رِضَاهَا ؛ لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْخُلْعِ : هَلْ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ ؟ أَوْ تَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بَلْ هُوَ فَسْخٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ . و " الْأَوَّلُ " مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَنُقِلَ عَنْ طَائِفَة مِنْ الصَّحَابَةِ ؛ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَلْ ضَعَّفَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ خزيمة وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ جَمِيعَ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ . و " الثَّانِي " أَنَّهُ فُرْقَةٌ بَائِنَةٌ وَلَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ : كطاوس وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه ؛ وَأَبِي ثَوْرٍ وداود وَابْنِ الْمُنْذِرِ
وَابْنِ خزيمة وَغَيْرِهِمْ . وَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْخُلْعَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا . ثُمَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ تَنَازَعُوا : هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ ؟ أَوْ لَا يَكُونُ إلَّا بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ وَالْمُفَادَاةِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَنْوِيَ الطَّلَاقَ ؟ أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَهُ أَوْ لَا يَنْوِيَهُ وَهُوَ خُلْعٌ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ ؟ عَلَى أَوْجُهٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : أَصَحُّهَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْأَخِيرُ وَهُوَ : أَنَّ الْخُلْعَ هُوَ الْفُرْقَةُ بِعِوَضِ فَمَتَى فَارَقَهَا بِعِوَضِ فَهِيَ مُفْتَدِيَةٌ لِنَفْسِهَا بِهِ وَهُوَ خَالِعٌ لَهَا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ قَطُّ لَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَا عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْخُلْعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ؛ بَلْ كَلَامُهُمْ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ . وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْخُلْعِ هَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَمْ لَا ؟ قَالَ : وَأَحْسَبُ الَّذِينَ قَالُوا هُوَ طَلَاقٌ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ ؟ وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ والطحاوي أَنَّ هَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَحْكِ عَنْ أَحَدٍ هَذَا ؛
بَلْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ . وَهَذَا بَنَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا وَاحِدًا فَإِنَّ حُكْمَهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ . وَفِي مَذْهَبِهِ فِي نِزَاعٍ فِي الْأَصْلِ وَأَمَّا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّ أُصُولَهُ وَنُصُوصَهُ وَقَوْلَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِمَعَانِيهَا لَا بِالْأَلْفَاظِ وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ آخَرَ : أَنَّهُ تَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا يُذْكَرُ فِي التَّكَلُّمِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَلْفَاظَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَلْفَاظَ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَبَيَّنَّا أَنَّهَا بَيِّنَةٌ فِي عَدَمِ التَّفْرِيقِ . وَأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ لَا تَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ وَكَذَلِكَ أَصُولُ أَحْمَد . وَسَبَبُهُ ظَنُّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْآثَارَ الثَّابِتَةَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ دَلَالَةً بَيِّنَةً أَنَّهُ خُلْعٌ ؛ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ تُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ . وَالطَّلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ . قَالَ(9/134)
هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ أَصْلًا بَلْ كُلُّ طَلَاقٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ . وَقَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً لَمْ يَقَعْ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛ كَمَا هُوَ
مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ . قَالُوا : وَتَقْسِيمُ الطَّلَاقِ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ تَقْسِيمٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد ؛ فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَقَعُ إلَّا رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً أَوْ طَلَاقًا بَائِنًا : لَمْ يَقَعْ بِهِ عِنْدَهُمَا إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ . وَأَمَّا الْخُلْعُ فَفِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِهِمَا . فَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ طَرَدَ هَذَا الْأَصْلَ وَاسْتَقَامَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ كَمَا يَتَنَاقَضُ غَيْرُهُ ؛ إلَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : إنَّ الْخُلْعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقًا بَائِنًا فَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا فِي الْجُمْلَةِ طَلَاقًا بَائِنًا مَحْسُوبًا مِنْ الثَّلَاثِ فَنَقَضُوا أَصْلَهُمْ الصَّحِيحَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ : إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ؛ لَا بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا بَائِنًا لِمُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ ؛ وَظَنَّ أَنَّهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَكُونُ طَلَاقًا فَجَعَلَهُ رَجْعِيًّا وَهَذَا خَطَأٌ ؛ فَإِنَّ مَقْصُودَ الِافْتِدَاءِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْبَيْنُونَةِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ جَائِزًا ؛ فَقَالَ : لِلزَّوْجِ أَنْ يَرُدَّ الْعِوَضَ وَيُرَاجِعَهَا ؛ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ
أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجَ وَحْدَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ وَلَكِنْ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى فَسْخِهِ كَالتَّقَايُلِ : فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ آخَرُ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُبَيِّنُ أَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَكُونُ إلَّا رَجْعِيًّا وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ إلَّا قَبْلَ الدُّخُولِ . وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ لَا بِطَلْقَةِ وَاحِدَةٍ مُطْلَقَةٍ ؛ لَا يَحْصُلُ بِهَا لَا بَيْنُونَةٌ كُبْرَى وَلَا صُغْرَى . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ . إنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ عَامَّةً طَلَاقُهُمْ الْفِدَاءُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ الْفِدَاءُ بِطَلَاقِ . وَرَدَّ الْمَرْأَةَ عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَخُلْعٍ مَرَّةً . وَبِهَذَا أَخَذَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ؛ لَكِنْ تَنَازَعَ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ : هَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَعْنَى إذَا كَانَ وَاحِدًا فَالِاعْتِبَارُ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَقَاصِدِ الْعُقُودِ وَحَقَائِقِهَا لَا بِاللَّفْظِ وَحْدَهُ فَمَا كَانَ خُلْعًا فَهُوَ خُلْعٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ إيلَاءٌ فَهُوَ إيلَاءٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمَا كَانَ ظِهَارًا فَهُوَ ظِهَارٌ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " الطَّلَاقُ " و " الْيَمِينُ " و " الظِّهَارُ
" و " الْإِيلَاءُ " و " الِافْتِدَاءُ " وَهُوَ الْخُلْعُ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمًا فَيَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَنَدْخُلَ فِي الطَّلَاقِ مَا كَانَ طَلَاقًا وَفِي الْيَمِينِ مَا كَانَ يَمِينًا وَفِي الْخُلْعِ مَا كَانَ خُلْعًا وَفِي الظِّهَارِ مَا كَانَ ظِهَارًا ؛ وَفِي الْإِيلَاءِ مَا كَانَ إيلَاءً . وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ . وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ بِبَعْضِ فَيَجْعَلُ مَا هُوَ ظِهَارٌ طَلَاقًا : فَيَكْثُرُ بِذَلِكَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الَّذِي يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيَحْتَاجُونَ إمَّا إلَى دَوَامِ الْمَكْرُوه ؛ وَإِمَّا إلَى زَوَالِهِ بِمَا هُوَ أَكْرَهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْهُ وَهُوَ " نِكَاحُ التَّحْلِيلِ " . وَأَمَّا الطَّلَاقُ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ(9/135)
وَرَسُولُهُ فَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ إذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ أَوْ كَانَتْ حَامِلًا قَدْ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا ثُمَّ يَدَعُهَا تَتَرَبَّصُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ : ؟ سَرَّحَهَا بِإِحْسَانِ . ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ هَذَا إرْجَاعُهَا يَتَزَوَّجُهَا بِعَقْدِ جَدِيدٍ ثُمَّ إذَا أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلَّقَهَا فَهَذَا طَلَاقُ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعِ . وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ إلَّا طَلَاقَ السُّنَّةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ نِكَاحِ التَّحْلِيلِ وَغَيْرِهِ ؛ بَلْ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَهُ فِي كُلِّ طَلْقَةٍ
رَجْعَةٌ أَوْ عَقْدٌ جَدِيدٌ : فَهُنَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَا يَجُوزُ عَوْدُهَا إلَيْهِ بِنِكَاحِ تَحْلِيلٍ أَصْلًا ؛ بَلْ قَدْ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ فَلَا يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَوْ أَصْحَابِهِ أَعَادَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إلَى زَوْجِهَا بَعْدَ نِكَاحِ تَحْلِيلٍ أَبَدًا وَلَا كَانَ نِكَاحُ التَّحْلِيلِ ظَاهِرًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ كَانَ مَنْ يَفْعَلُهُ سِرًّا وَقَدْ لَا تَعْرِفُ الْمَرْأَةُ وَلَا وَلِيُّهَا وَقَدْ { لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَفِي الرِّبَا قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ } فَلَعَنَ الْكَاتِبَ وَالشُّهُودَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشْهِدُونَ عَلَى دِينِ الرِّبَا وَلَمْ يَكُونُوا يُشْهِدُونَ عَلَى نِكَاحِ التَّحْلِيلِ . و " أَيْضًا " فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْتَبُ فِيهِ صَدَاقٌ كَمَا تُكْتَبُ الدُّيُونُ وَلَا كَانُوا يَشْهَدُونَ فِيهِ لِأَجْلِ الصَّدَاقِ ؛ بَلْ كَانُوا يَعْقِدُونَهُ بَيْنَهُمْ وَقَدْ عَرَفُوا بِهِ وَيَسُوقُ الرَّجُلُ الْمَهْرَ لِلْمَرْأَةِ فَلَا يَبْقَى لَهَا عَلَيْهِ دِينٌ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ رَسُولُ اللَّهِ فِي نِكَاحِ التَّحْلِيلِ الْكَاتِبَ وَالشُّهُودَ كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الرِّبَا . وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النِّكَاحِ حَدِيثٌ . وَنِزَاعُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . فَقِيلَ : يَجِبُ الْإِعْلَانُ أَشْهَدُوا أَوْ لَمْ يُشْهِدُوا فَإِذَا أَعْلَنُوهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا تَمَّ الْعَقْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ . وَقِيلَ : يَجِبُ الْإِشْهَادُ : أَعْلَنُوهُ أَوْ لَمْ يُعْلِنُوهُ فَمَتَى أَشْهَدُوا وَتَوَاصَوْا بِكِتْمَانِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ . وَقِيلَ : يَجِبُ الْأَمْرَانِ الْإِشْهَادُ وَالْإِعْلَانُ . وَقِيلَ : يَجِبُ أَحَدُهُمَا . وَكِلَاهُمَا يُذْكَرُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 468)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ جَارِهِ ثُمَّ اُضْطُرَّ إلَى الدُّخُولِ فَدَخَلَ : فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى لُزُومِهَا ؟
الْجَوَابُ
وَأَمَّا إذَا قَالَ : إذَا فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي وَمَالِي صَدَقَةٌ وَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَعَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُنَا يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ . وَيُقَالُ : إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَيْهَا وَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَيُسَمِّيه الْفُقَهَاءُ " نَذَرَ اللَّجَاجَ وَالْغَضَبَ " . هَذَا إذَا كَانَ الْمَنْذُورُ قُرْبَةً : كَانَ(9/136)
الْعِتْقُ وَنَحْوُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً كَالطَّلَاقِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِك وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ ؛ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ : أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ . " فَنَذْرُ التَّبَرُّرِ " مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُ النَّاذِرِ حُصُولَ الشَّرْطِ وَيَلْتَزِمُ فِعْلَ الْجَزَاءِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى ؛ كَقَوْلِهِ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ : فَهَذَا النَّذْرُ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَ بِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَأَمَّا " نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ " فَقَصْدُ النَّاذِرِ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرْطُ وَلَا الْجَزَاءُ : مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ : سَافِرْ مَعَ فُلَانٍ . فَيَقُولُ : إنْ سَافَرْت فَعَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَكَذَا أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ . فَمَقْصُودُهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّرْطَ وَلَا
الْجَزَاءَ وَكَمَا لَوْ قَالَ : هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا . أَوْ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَلَا يَكْفُرُ بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ . وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إنْ أَعْطَيْتُمُونِي الدَّرَاهِمَ كَفَرْت فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ ؛ بَلْ يُنَجَّزُ كُفْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ حُصُولَ الْكُفْرِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ . فَطَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ نَظَرُوا إلَى لَفْظِ النَّاذِرِ فَقَالُوا : قَدْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِشَرْطِ فَيَجِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ " نَذْرِ اللَّجَاجِ " و " نَذْرِ التَّبَرُّرِ " . وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْمُحَقِّقُونَ فَقَالُوا : الِاعْتِبَارُ بِمَعْنَى اللَّفْظِ . وَالْمُشْتَرِطُ هُنَا قَصْدُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ؛ وَهُنَاكَ قَصْدُهُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا وَلَا هَذَا ؛ وَلِهَذَا يَحْلِفُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ تَارَةً . وَبِصِيغَةِ الْقَسَمِ أُخْرَى . مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : عَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا فَعَلْت كَذَا أَوْ عَلَيَّ الْعِتْقُ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ لَا فَعَلْت كَذَا . وَهَذَا حُجَّةُ مَنْ أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ فِي الْعِتْقِ وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ : سَافِرْ . فَقَالَ : عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ لَا يَفْعَلُ كَذَا أَوْ إنْ فَعَلَ كَذَا فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ : فَقَصْدُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرْطُ وَلَا الْجَزَاءُ : فَهُوَ حَالِفٌ بِذَلِكَ ؛ لَا مُوقِعَ لَهُ .
قَالُوا : وَهَذَا الْحَالِفُ الْتَزَمَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَهُوَ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ إيقَاعَهُ بِأَنْ يَقُولَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ أَوْ أُطَلِّقَ . وَلَوْ قَالَ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ؛ لَكِنْ فِي وُجُوبِ الْإِعْتَاقِ قَوْلَانِ . فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ ؛ لَكِنْ الشَّافِعِيُّ يُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ إذَا لَمْ يُعْتِقْ وَلَا يُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ إذَا لَمْ يُطَلِّقْ . فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ . وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَأَحْمَد يُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ فِيهِمَا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْمَشْهُورِ : لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ . وَمَذْهَبُ أَحْمَد الْمَشْهُورُ : عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ . قَالَ هَؤُلَاءِ : الْتِزَامُهُ الْوُقُوعَ كَالْتِزَامِهِ الْكُفْرَ ؛ وَلَوْ الْتَزَمَهُ لَمْ يَكْفُرْ بِالِاتِّفَاقِ ؛ بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي إحْدَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ . قَالَ الْمُوقِعُونَ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَا الْتَزَمَ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَهُوَ الْوُقُوعُ وَهُنَاكَ الْتَزَمَ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِهِ وَهُوَ الْإِيقَاعُ كَقَوْلِهِ : فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ عَلَيَّ الصَّوْمُ أَوْ عَلَيَّ الصَّدَقَةُ وَهُوَ فِي الْفِعْلِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيُكَفِّرَ ؛ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . قَالُوا : وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ(9/137)
الْخُلْعَ جَائِزٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ أَعْطَيْتِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ . فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ . فَيُقَاسُ عَلَيْهِ سَائِرُ الشُّرُوطِ إذَا عُلِّقَ بِهَا الطَّلَاقُ وَقَعَ وَكَذَلِكَ ثَبَتَ جَوَازُ الْكِتَابَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ حُرٌّ ؛ وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ . فَهَذَا مُنْتَهَى مَا يَحْتَجُّ بِهِ هَؤُلَاءِ . وَأَمَّا أُولَئِكَ فَيَقُولُونَ . قَوْلُكُمْ إنَّ اللَّازِمَ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُنَاكَ فِعْلُ غَلَطٍ ؛ بَلْ اللَّازِمُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ؛ لَكِنْ فِي إحْدَاهُمَا وُقُوعٌ وَفِي الْآخِرَةِ وُجُوبٌ . فَقَوْلُهُ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ . إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ وُجُوبُ الْحَجِّ ؛ لَا نَفْسُ فِعْلِهِ . ثُمَّ يُقَالُ : لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لَهُ . كَالسَّبَبِ وَالْمُسَبِّبِ اللَّازِمِ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا . فَقَدْ الْتَزَمَ حُكْمًا وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ بِلَا نِزَاعٍ . وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الصَّوْمُ ؛ أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ . فَالْجَزَاءُ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ . ثُمَّ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِحُكْمِ الْوُجُوبِ فَالْوُجُوبُ هُوَ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ ؛ لَيْسَ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ نَفْسَ فِعْلِهِ ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ نَفْسَ فِعْلِهِ لَوُجِدَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَلَكِنَّ الْمُعَلَّقَ وُجُوبُ
الْإِعْتَاقِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ هَذَا الْوُجُوبِ ؛ وَبَيْنَ التَّكْفِيرِ . وَفِيمَا إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ . فَالْجَزَاءُ نَفْسُ الْحُرِّيَّةِ وَمُقْتَضَاهَا تَحْرِيمُ اسْتِعْبَادِهِ وَكَذَلِكَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُوجِبُهُ تَحْرِيمُ اسْتِمْتَاعِهِ . فَالتَّحْرِيمُ هُنَا مُوجِبُ الْجَزَاءِ ؛ لَا نَفْسُ الْجَزَاءِ . وَهَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ ؛ وَذَلِكَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ . وَكَذَا قَوْلُهُ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ ؛ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ صَدَقَةً . فَهَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ؛ لَا فِعْلٌ ؛ لَكِنْ إذَا صَارَ صَدَقَةً لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ . وَلَوْ قَالَ : فَعَبْدِي حُرٌّ الْتَزَمَ أَنْ يَصِيرَ حُرًّا فَلَوْ قَالَ . فَعَلَيَّ أَنَّ أَعْتِقَ هَذَا فَالْمُلْتَزِمُ وُجُوبُ الْعِتْقِ . ثُمَّ إذَا وَجَبَ كَانَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ . وَمَعَ هَذَا فَلَهُ رَفْعُ الْوُجُوبِ ؛ وَإِذَا قَالَ : فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ نَفْسَ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ إذَا صَارَ حُرًّا كَانَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا صَارَتْ طَالِقَةً ثَلَاثًا كَانَ عَلَيْهِ إرْسَالُهَا وَأَنْ لَا يَخْلُوَ بِهَا وَلَا يَطَأَهَا . فَالنَّاذِرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْتَزَمَ الْحُكْمَ وَالْفِعْلُ يَتْبَعُهُ . ثُمَّ إذَا فَعَلَ مَا أَوْجَبَهُ فَهُوَ الْإِيقَاعُ لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ : حَصَلَ الْوُقُوعُ . فَمُوجِبُ التَّعْلِيقِ وُجُوبٌ يَتْبَعُهُ إيقَاعٌ وَوُقُوعٌ . ثُمَّ إذَا قَصَدَ بِهَذَا التَّعْلِيقِ الْيَمِينَ صَارَ يَمِينًا ؛ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْوُجُوبُ وَلَا الْإِيقَاعُ وَلَا الْوُقُوعُ . فَإِذَا كَانَ قَصْدُ الْيَمِينِ مَنْعَ الثَّلَاثَةِ فَلَأَنْ يُمْنَعَ
وَاحِدٌ مِنْهَا وَهُوَ الْوُقُوعُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . قَالُوا : وَلِأَنَّ الْمُظَاهِرَ وَالْمُحَرِّمَ إذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ . إنَّمَا الْتَزَمَ حُكْمًا شَرْعِيًّا ؛ لَمْ يُلْتَزَمْ فِعْلًا . وَمَعَ هَذَا فَدَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ . قَالُوا : فَكَمَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُلْتَزَمُ وُجُوبَ الْعِتْقِ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ أَوْ يُكَفِّرَ فَكَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ وُقُوعَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ وُقُوعَهُ فَيُعْتِقَهُ وَيُرْسِلَ الْعَبْدَ فَيَكُونُ إعْتَاقُهُ إرْسَالَهُ إمْضَاءً لِلْمَنْذُورِ ؛ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُعْتِقَهُ وَلَا يُرْسِلَهُ فَلَا يُكَفِّرَ إمْضَاءً لَهُ ؛ بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَمَا إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَهَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ أَوْ هَذَا الْبَعِيرُ هَدْيٌ وَحِنْثٌ . فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْمَالِ وَيُرْسِلَ الْبَعِيرَ هَدْيًا ؛ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ مُوجِبَ كَوْنِهِ صَدَقَةً وَهَدْيًا ؛ وَبَيْنَ أَنْ يُكَفِّرَ وَيُمْسِكَ الْمَالَ وَالْهَدْيَ فَلَا يُرْسِلُهُ . وَأَمَّا إذَا الْتَزَمَ مُحَرَّمًا ؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ(9/138)
إهَانَةُ الْمُصْحَفِ ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَهُنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ النِّزَاعُ الْمُتَقَدِّمُ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ حُكْمًا لَا يَجُوزُ الْتِزَامُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ . فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْتِزَامُ الْكُفْرِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لَكَانَ كَافِرًا بِالْقَصْدِ . وَالْمَقْصُودُ : أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَا فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي الْعُرْفِ بَيْنَ
أَنْ يَلْتَزِمَ الْحُكْمَ الْمُوجِبَ عَلَيْهِ فِعْلًا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْفِعْلَ حُكْمًا آخَرَ يَقْتَضِي وُجُوبَ فِعْلٍ أَوْ تَحْرِيمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْحُكْمَ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ تَحْرِيمِهِ . فَالْتِزَامُ وُجُوبِ الْفِعْلِ الَّذِي يَقْتَضِي ذَلِكَ الْحُكْمَ كَمَا إذَا قَالَ : فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَ أَوْ أَعْتِقَ . فَإِنَّهُ الْتَزَمَ وُجُوبَ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّطْلِيقِ وَذَلِكَ فِعْلٌ مِنْهُ يُوجِبُ حُكْمًا وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْتِزَامَهُ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْوُقُوعُ أَقْوَى مِنْ الْتِزَامِهِ الْوُقُوعَ ؛ فَإِنَّهُ هُنَاكَ الْتَزَمَ حُكْمَيْنِ وَفِعْلَيْنِ وَهُوَ هُنَا الْتَزَمَ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ وَأَحَدَ الْفِعْلَيْنِ فَاَلَّذِي الْتَزَمَهُ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ فِي بَعْضِ مَا الْتَزَمَهُ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ . فَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ هَذَا فَذَاكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . فَهُوَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ إذَا قَصَدَ بِالتَّعْلِيقِ الْيَمِينَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ يَمِينَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُوفِيَ بِمَا الْتَزَمَهُ فَيُوقِعُ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَالصَّدَقَةَ فَكَذَلِكَ الَّذِي الْتَزَمَهُ فِي مَوَاقِعِ النِّزَاعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . وَالْحِنْثُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ يَكُونُ بِأَنْ يُوجَدَ الشَّرْطُ وَلَا يُوجَدَ الْجَزَاءُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ . فَإِذَا قَالَ : إذَا فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ : لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا فَعَلَهُ وَلَمْ يُوجَدْ الْجَزَاءُ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَإِنْ أَوْقَعَ الْجَزَاءَ الْمُعَلَّقَ
بِهِ لَمْ يَحْنَثْ ؛ كَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا كَقَوْلِهِ : إنْ فَعَلْت كَذَا عَتَقَ عَبْدِي أَوْ طَلُقَتْ امْرَأَتِي . فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ : فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي أَوْ طَلَاقُ امْرَأَتِي . فَالْتِزَامُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُتَضَمِّنٌ لِالْتِزَامِ الْآخَرِ ؛ فَإِنَّ الْوُجُوبَ يَقْتَضِي أَنَّ عَلَيْهِ فِعْلَ الْوَاجِبِ وَالتَّحْرِيمَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ . وَالْإِيجَابُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْوُجُوبِ ؛ وَالتَّحْرِيمُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُرْمَةِ . وَالْوُجُوبُ يَقْتَضِي الْفِعْلَ وَالْإِيقَاعُ مُسْتَلْزِمُ الْوُقُوعِ مُقْتَضٍ لِلْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّرْكِ . فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْإِيجَابَ وَالْوُجُوبَ وَالْفِعْلَ أَوْ التَّحْرِيمَ أَوْ الْحُرْمَةَ أَوْ الْإِيقَاعَ أَوْ الْوُقُوعَ أَوْ الْحُرْمَةَ الَّتِي هِيَ مُوجَبُ ذَلِكَ . قَالَ هَؤُلَاءِ : وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ احْتَجَّ بِالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَتَعْلِيقِ ذَلِكَ بِعِوَضِ فَجَوَابُهُ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ - ابْنِ حَزْمٍ وَنَحْوِهِ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَمَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ . وَلَا يَكْتَفُونَ فِي ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَالْعَهْدِ وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مَنْسُوخَةٌ . وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَاسْمُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ الْمُنْجَزَ وَالْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ وُقُوعَهُ عِنْدَ الشَّرْطِ ؛ فَإِنَّ كِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى التَّطْلِيقِ ؛ بِخِلَافِ مَا يُكْرَهُ وُقُوعُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَمِينٌ دَاخِلُ فِي مُسَمَّى التَّطْلِيقِ . وَعَلَى هَذَا فَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ وَالْجُمْهُورِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمَقْصُودِ وُجُودُهُ وَالشَّرْطِ الْمَقْصُودِ عَدَمُهُ وَعَدَمِ الْجَزَاءِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْحَلِفُ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ ؛ لَا يُعْرَفُ عَنْهُمْ فِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ(9/139)
مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ . فَيُقَالُ : إنَّهُ هُنَا قَصَدَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ كَمَا قَصَدَ ذَاكَ نَذْرَ التَّبَرُّرِ . فَكَمَا أَنَّهُ فَرَّقَ فِي النُّذُورِ الْمُعَلَّقَةِ بِالشُّرُوطِ بَيْنَ مَا يَقْصِدُ فِيهِ ثُبُوتَهَا وَبَيْنَ مَا يَقْصِدُ فِيهِ نَفْيَهَا ؛ كَذَلِكَ هَذَا . فَإِنَّ هَذَا جَمِيعُهُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَهِيَ أَحْكَامٌ مُعَلَّقَةٌ بِشُرُوطِ وَإِذَا كَانَ الشَّرْعُ أَوْ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ تَفَرَّقَ فِي الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ بَيْنَ مَا يَقْصِدُ ثُبُوتَهُ وَبَيْنَ مَا يَقْصِدُ انْتِفَاءَهُ - كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - لَمْ يَجُزْ تَسْوِيَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ . وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِاحْتِجَاجُ بِالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ كُلُّ
مَنْ يَمْنَعُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ جُمْلَةً كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ وَالْإِمَامِيَّةِ أَوْ بَعْضِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطِ لَا يَقَعُ بِحَالِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُمْ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا مَا ثَبَتَ أَنَّ الشَّارِعَ أَذِنَ فِيهِ . قَالُوا : وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَذِنَ فِي هَذَا فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالْقِيَاسِ وَجَعَلُوا مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْحَلِف بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حُجَّةً لَهُمْ ؛ وَلَيْسَ بِحُجَّةِ لَهُمْ ؛ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ طاوس أَنَّهُ لَا يَرَى الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ شَيْئًا وَهَذَا لَا يَقْضِي أَنَّهُ لَا يَرَى تَعْلِيقَهُ بِالشُّرُوطِ بِحَالِ بَلْ قَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمَقْصُودِ ثُبُوتُهُ وَالْمَقْصُودِ عَدَمُهُ كَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُ طَاوُوسٍ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ " نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ " وَلِهَذَا لَمَّا دَخَلَ الشَّافِعِيُّ مِصْرَ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَعَلَيَّ الصَّوْمُ . فَأَفْتَاهُ الشَّافِعِيُّ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ قَوْلَ مَالِكٍ : إنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ . وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا حَنِثَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ أَفْتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ - الَّذِي هُوَ الْعُمْدَةُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ . وَقَالَ : أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَإِنْ عُدْت أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ . وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ مَالِكٍ يُرَجِّحُونَ الْإِفْتَاءَ بِكَفَّارَةِ
يَمِينٍ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرًا . وَأَمَّا جُمْهُورُ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّكْفِيرِ وَبَيْنَ فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ . وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَةٌ : أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ عَيْنًا وَيَذْكُرُ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ . كَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِينَ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُفْتُونَ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَيَحْتَجُّونَ بِمَا رَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَكَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ . وَهَذَا قَوْلُ طاوس وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ . وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَسَائِلُ جَلِيلَةٌ تَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَالْإِفْتَاءُ بِهَذَا الْأَصْلِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْغَالِبِ ؛ بَلْ غَالِبُ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالنَّذْرِ وَالْحَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَوَاعِدَ . " الْقَاعِدَةُ الْأُولَى " إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ أَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ . فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . " أَحَدُهَا " لَا يَحْنَثُ بِحَالِ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَكِّيِّينَ : كَعَطَاءِ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ بْنِ راهويه وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ بَلْ أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَنَظَرْت جَوَابَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَوَجَدْت النَّاقِلِينَ لَهُ بِقَدْرِ النَّاقِلِينَ لِجَوَابِهِ فِي الرِّوَايَةِ(9/140)
الثَّانِيَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ صَاحِبُهُ والخرقي وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَةِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالْيَمِينِ الَّتِي لَا تُكَفِّرُ - عَلَى مَنْصُوصِهِ - وَهِيَ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ . و " الْقَوْلُ الثَّالِثُ " أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْهُ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْحَضَّ وَالْمَنْعَ فِي الْيَمِينِ بِمَنْزِلَةِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ فَإِنَّ الْحَالِفَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ صَدِيقِهِ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُطِيعُهُ هُوَ
طَالِبٌ لِمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ مَانِعٌ لِمَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ وَقَدْ وَكَّدَ طَلَبَهُ وَمَنَعَهُ بِالْيَمِينِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ . وَقَدْ اسْتَقَرَّ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ عَاصِيًا مُخَالِفًا : فَكَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا مُخَالِفًا لِيَمِينِهِ . وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ مُتَأَوِّلًا أَوْ مُقَلِّدًا لِمَنْ أَفْتَاهُ أَوْ مُقَلِّدًا لِعَالِمِ مَيِّتٍ أَوْ مُجْتَهِدًا مُصِيبًا أَوْ مُخْطِئًا . فَحَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُخَالَفَةَ ؛ وَلَكِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْيَمِينِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا . وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إذَا خَالَعَ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ الْخُلْعِ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ يَمِينُهُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَدْخُلُ فِي يَمِينِ الْجَاهِلِ الْمُتَأَوِّلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ هَذَا الْخُلْعَ خُلْعَ الْأَيْمَانِ بَاطِلٌ وَهُوَ أَصَحُّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ صَحِيحًا فَذَلِكَ يَقُولُ : إنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ وَالْمَرْأَةُ لَوْ فَعَلَتْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ الرَّجُلُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَتْهُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : يَلْحَقُهَا
الطَّلَاقُ ؛ فَيَحْنَثُ عِنْدَهُ إذَا وَجَدَتْ الصِّفَةَ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ عَامِّيًّا فَقِيلَ لَهُ : خَالِعْ امْرَأَتَك وَافْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَى الْخُلْعِ فَطِنَ أَنَّهُ طَلَاقٌ مُجَرَّدٌ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ : لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ مَنْ لَا يَحْنَثُ الْجَاهِلُ الْمُتَأَوِّلُ وَكَذَلِكَ لَوْ قِيلَ لَهُ : زِلْهَا بِطَلْقَةِ . فَأَزَالَهَا بِطَلْقَةِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ : لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَتْ الطَّلْقَةُ الْأَوْلَى رَجْعِيَّةً ؛ لَكِنْ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ وَالْجَهْلِ لَا يَحْنَثُ وَتَبْقَى الْيَمِينُ مَعْقُودَةً عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ ؛ وَلَيْسَ فِيهِ نِزَاعٌ إلَّا وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 251)
" الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ " - وَفِيهَا يَظْهَرُ سِرُّ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا - أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ الَّتِي تُسَمَّى " صِيغَةَ الشَّرْطِ وَصِيغَةَ الْمُجَازَاةِ " تَنْقَسِمُ إلَى " سِتَّةِ أَنْوَاعٍ " لِأَنَّ الْحَالِفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ فَقَطْ أَوْ وُجُودَ الْجَزَاءِ فَقَطْ أَوْ وَجُودَهُمَا ؛ وَإِمَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ وُجُودَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ فَقَطْ أَوْ الْجَزَاءِ فَقَطْ أَوْ عَدَمُهُمَا . " فَالْأَوَّلُ " بِمَنْزِلَةِ كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَنَذْرِ التَّبَرُّرِ ؛ وَالْجَعَالَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ . إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ فَقَدْ خَلَعْتُك . أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَدَّيْت أَلْفًا فَأَنْت حُرٌّ أَوْ قَالَ . إنْ رَدَدْت عَبْدِي الْآبِقَ فَلَك أَلْفٌ أَوْ قَالَ : إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ سَلِمَ مَالِي الْغَائِبُ : فَعَلَيَّ عِتْقُ كَذَا ؛ وَالصَّدَقَةُ بِكَذَا :(9/141)
فَالْمُعَلِّقُ قَدْ لَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ إلَّا أَخْذَ الْمَالِ وَرَدَّ الْعَبْدِ وَسَلَامَةَ الْعِتْقِ وَالْمَالِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْجَزَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ كَالْبَائِعِ الَّذِي إنَّمَا مَقْصُودُهُ أَخْذُ الثَّمَنِ وَالْتَزَمَ رَدَّ الْمَبِيعِ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ . فَهَذَا الضَّرْبُ شَبِيهٌ بِالْمُعَاوَضَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْ جَعَلَ الطَّلَاقُ عُقُوبَةً لَهَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : إذَا ضَرَبْت أُمِّي فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنَّهُ فِي الْخُلْعِ عَاوَضَهَا بِالتَّطْلِيقِ عَنْ الْمَالِ لِأَنَّهَا تُرِيدُ الطَّلَاقَ وَهُنَا
عَوَّضَهَا عَنْ مَعْصِيَتِهَا بِالطَّلَاقِ . وَأَمَّا " الثَّانِي " فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا طَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : إذَا مُتّ فَأَنْت حُرٌّ أَوْ إذَا جَاءَ رَأْسُ الْحَوْلِ فَأَنْت حُرٌّ أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ تَوْقِيتٌ مَحْضٌ . فَهَذَا الضَّرْبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْجَزِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَصَدَ الطَّلَاقَ وَالْعِتَاقَ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ إلَى الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَنْزِلَةِ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤَخِّرُ الطَّلَاقَ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ لِغَرَضِ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ ؛ لَا لِعِوَضِ وَلَا لِحَثِّ عَلَى طَلَبٍ أَوْ خَبَرٍ ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ بِطَلَاقِك أَوْ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَأَنْت طَالِقٌ . فَإِنَّهُ إذَا قَالَ : إنْ دَخَلْت أَوْ لَمْ تَدْخُلِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَعْنَى الْحَضِّ أَوْ الْمَنْعِ فَهُوَ حَالِفٌ وَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا كَقَوْلِهِ : إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَاخْتَلِفُوا فِيهِ فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحَالِفِ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " : هُوَ حَالِفٌ . وَأَمَّا " الثَّالِثُ " وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ وُجُودَهُمَا جَمِيعًا فَمِثْلُ الَّذِي قَدْ آذَتْهُ امْرَأَتُهُ حَتَّى أَحَبَّ طَلَاقَهَا وَاسْتِرْجَاعَ الْفِدْيَةِ مِنْهَا فَيَقُولُ : إنْ أبرأتيني مِنْ صَدَاقِك أَوْ مِنْ نَفَقَتِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يُرِيدُ كُلًّا مِنْهُمَا . وَأَمَّا " الرَّابِعُ " وَهُوَ
أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ إذَا وُجِدَ لَمْ يَكْرَهْ الْجَزَاءَ ؛ بَلْ يُحِبُّهُ أَوْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَكْرَهُهُ فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ إنْ زَنَيْت فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ إنْ ضَرَبْت أُمِّي فَأَنْت طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ عَدَمُ الشَّرْطِ ؛ وَيُقْصَدُ وُجُودُ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ بِحَيْثُ تَكُونُ إذَا زَنَتْ أَوْ إذَا ضَرَبَتْ أُمَّهُ يَجِبُ فِرَاقُهَا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ فَهَذَا فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَمَعْنَى التَّوْقِيتِ ؛ فَإِنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ الْفِعْلِ وَقَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ كَمَا قَصَدَ إيقَاعَهُ عِنْدَ أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْهَا أَوْ عِنْدَ طُهْرِهَا أَوْ طُلُوعِ الْهِلَالِ . وَأَمَّا " الْخَامِسُ " وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الْجَزَاءِ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِئَلَّا يُوجَدُ ؛ وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي عَدَمِ الشَّرْطِ : فَهَذَا قَلِيلٌ كَمَنْ يَقُولُ إنْ أَصَبْت مِائَةَ رَمْيَةٍ أَعْطَيْتُك كَذَا . وَأَمَّا " السَّادِسُ " وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ؛ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ لِيَمْتَنِعَ وَجُودُهُمَا فَهُوَ مِثْلُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ . وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ عَلَى حَضٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَصْدِيقٍ أَوْ تَكْذِيبٍ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ؛ تَصَدَّقْ . فَيَقُولُ : إنْ تَصَدَّقَ فَعَلَيْهِ صِيَامُ كَذَا وَكَذَا أَوْ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ فَعَبِيدُهُ أَحْرَارٌ . أَوْ يَقُولَ : إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ نَذْرُ كَذَا أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ . أَوْ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقْصِدُ مَنْعَهُ - كَعَبْدِهِ
وَنَسِيبِهِ وَصَدِيقِهِ مِمَّنْ يَحُضُّهُ عَلَى طَاعَتِهِ - فَيَقُولُ لَهُ : إنْ فَعَلْت أَوْ إنْ لَمْ تَفْعَلْ : فَعَلَيَّ كَذَا ؛ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ؛ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَحْوَ ذَلِكَ : فَهَذَا نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ . وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ يُخَالِفُهُ فِي الْمَعْنَى " نَذْرُ التَّبَرُّرِ(9/142)
وَالتَّقَرُّبِ " وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ " الْخُلْعِ " و " الْكِتَابَةِ " ؛ فَإِنَّ الَّذِي يَقُولُ إنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَوْ سَلَّمَ مَالِي مِنْ كَذَا أَوْ إنْ أَعْطَانِي اللَّهُ كَذَا ؛ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ ؛ أَوْ أَصُومَ ؛ أَوْ أَحُجَّ . قَصْدُهُ حُصُولُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْغَنِيمَةُ أَوْ السَّلَامَةُ ؛ وَقَصَدَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا نَذَرَهُ لَهُ ؛ وَكَذَلِكَ الْمُخَالِعُ وَالْمَكَاتِبُ قَصْدُهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَبَذْلُ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا النَّذْرُ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ إذَا قِيلَ لَهُ : افْعَلْ كَذَا فَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ ثُمَّ قَالَ : إنْ فَعُلْته فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ الصِّيَامُ . فَهُنَا مَقْصُودُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرْطُ ؛ ثُمَّ إنَّهُ لِقُوَّةِ امْتِنَاعِهِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ إنْ فَعَلَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ عَلَيْهِ ؛ لِيَكُونَ لُزُومُهَا لَهُ إذَا فَعَلَ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْفِعْلِ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْته فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ؛ أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ ؛ إنَّمَا مَقْصُودُهُ الِامْتِنَاعُ وَالْتَزَمَ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ مَا هُوَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقِ أَهْلِهِ وَذَهَابِ مَالِهِ ؛ لَيْسَ غَرَضُ هَذَا أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِعِتْقِ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَا أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ . وَلِهَذَا
سَمَّى الْعُلَمَاءُ هَذَا " نَذْرَ اللَّجَاجِ ؛ وَالْغَضَبِ " مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ " { لَأَنْ يَلِجَ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } " فَصُورَةُ هَذَا النَّذْرِ صُورَةُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ فِي اللَّفْظِ ؛ وَمَعْنَاهُ شَدِيدُ الْمُبَايَنَةِ لِمَعْنَاهُ . وَمِنْ هنا نَشَأَتْ " الشُّبْهَةُ " الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي هَذَا الْبَابِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؛ وَيَتَبَيَّنُ فِقْهُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الَّذِينَ نَظَرُوا إلَى مَعَانِي الْأَلْفَاظِ لَا إلَى صُوَرِهَا . إذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الدَّاخِلَةُ فِي قِسْمِ التَّعْلِيقِ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَهَا مَعْنَاهُ مَعْنَى الْيَمِينِ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ ؛ وَبَعْضَهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ . فَمَتَى كَانَ الشَّرْطُ الْمَقْصُودُ حَضًّا عَلَى فِعْلٍ أَوْ مَنْعًا مِنْهُ أَوْ تَصْدِيقًا لِخَبَرِ ؛ أَوْ تَكْذِيبًا : كَانَ الشَّرْطُ مَقْصُودَ الْعَدَمِ هُوَ وَجَزَاؤُهُ ؛ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ ؛ وَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ . " الْقَاعِدَةُ الْأُولَى " أَنَّ الْحَالِفَ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وَقَالَ : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } وَأَمَّا السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمُرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ ؛ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك } " فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْأَمَانَةِ الَّذِي هُوَ الْإِمَارَةُ وَحُكْمَ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ . وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ عَقْدٌ بِاَللَّهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا يَجِبُ بِسَائِرِ الْعُقُودِ وَأَشَدُّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ : فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَعْقِدُ بِاَللَّهِ ؛ وَلِهَذَا عُدِّيَ بِحَرْفِ الْإِلْصَاقِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّبْطِ وَالْعَقْدِ فَيَنْعَقِدُ الْمَحْلُوفُ(9/143)
عَلَيْهِ بِاَللَّهِ كَمَا تَنْعَقِدُ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي الْمُعَاقَدَةِ ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ عَقْدًا فِي قَوْلِهِ : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا
عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ } فَإِذَا كَانَ قَدْ عَقَدَهَا بِاَللَّهِ كَانَ الْحِنْثُ فِيهَا نَقْضًا لِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ لَوْلَا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ مِنْ التَّحِلَّةِ وَلِهَذَا سُمِّيَ حَلُّهَا حِنْثًا . و " الْحِنْثُ " هُوَ الْإِثْمُ فِي الْأَصْلِ فَالْحِنْثُ فِيهَا سَبَبٌ لِلْإِثْمِ لَوْلَا الْكَفَّارَةُ الْمَاحِيَةُ فَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ مَنَعَتْهُ أَنْ يُوجِبَ إثْمًا . وَنَظِيرُ الرُّخْصَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا الرُّخْصَةُ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الظِّهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا وَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا فَإِنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ فَإِنَّ الْإِيلَاءَ إذَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ صَارَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ إذَا وَجَبَ التَّحْرِيمُ فَالتَّحْرِيمُ مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } " وَالتَّحِلَّةُ " مَصْدَرُ حَلَّلْت الشَّيْءَ أُحِلُّهُ تَحْلِيلًا وَتَحِلَّةً كَمَا يُقَالُ كَرَّمْته تَكْرِيمًا وَتَكْرِمَةً . وَهَذَا مَصْدَرٌ يُسَمَّى بِهِ الْمُحَلَّلُ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ فَالْمَعْنَى فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحْلِيلَ الْيَمِينِ وَهُوَ حَلُّهَا
الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَقْدِ . وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ اسْتَدَلَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّ التَّحِلَّةَ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ ؛ فَإِنَّهُ بِالْحِنْثِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ ؛ وَإِنَّمَا تَكُونُ التَّحِلَّةُ إذَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ الْحِنْثِ لِتَنْحَلَّ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْحِنْثِ كَفَّارَةٌ ؛ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْ مَا فِي الْحِنْثِ مِنْ سَبَبِ الْإِثْمِ لِنَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ . فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْيَمِينُ مِنْ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا رَفَعَهُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي جَعَلَهَا بَدَلًا مِنْ الْوَفَاءِ فِي جُمْلَةِ مَا رَفَعَهُ عَنْهَا مِنْ الْآصَارِ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ : { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ } . فَالْأَفْعَالُ " ثَلَاثَةٌ " إمَّا طَاعَةٌ وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ وَإِمَّا مُبَاحٌ . فَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ مُبَاحًا أَوْ لَيَتْرُكَنَّهُ فَهَاهُنَا الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ . وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكَ مُسْتَحَبٍّ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } . وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكَ مُحَرَّمٍ فَهَاهُنَا لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ بَلْ يَجِبُ التَّكْفِيرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ . وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ فَكَانَ الْحَالِفُ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِيَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ لَهُ تَرْفَعُ عَنْهُ مُقْتَضَى
الْحِنْثِ ؛ بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا مَعْصِيَةً لَا كَفَّارَةَ فِيهَا سَوَاءٌ وَفَّى أَوْ لَمْ يَفِ كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعْصِيَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي نَذْرِهِ كَفَّارَةً ؛ وَكَمَا إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ طَاعَةٍ غَيْرَ وَاجِبَةٍ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 256)
و " أَيْضًا " فَإِنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ فِي الْأُمَّةِ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ كَانَ يُحْلَفُ بِهَا عَلَى عَهْدِ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ ؛ وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرُوهَا فِي أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ الَّتِي رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ . وَلَمْ أَقِفْ إلَى السَّاعَةِ عَلَى كَلَامٍ لِأَحَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَإِنَّمَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْهُمْ(9/144)
الْجَوَابُ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ . ثُمَّ هَذِهِ " الْبِدْعَةُ " قَدْ شَاعَتْ فِي الْأُمَّةِ وَانْتَشَرَتْ انْتِشَارًا عَظِيمًا ؛ ثُمَّ لَمَّا اعْتَقَدَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِهَا لَا مَحَالَةَ : صَارَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا مِنْ الْأَغْلَالِ عَلَى الْأُمَّةِ مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَنَشَأَ عَنْ ذَلِكَ " خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْحِيَلِ وَالْمَفَاسِدِ " فِي الْأَيْمَانِ حَتَّى اتَّخَذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ عَلَى تَرْكِ أُمُورٍ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ فِعْلِهَا إمَّا شَرْعًا وَإِمَّا طَبْعًا وَعَلَى فِعْلِ أُمُورٍ يَصْلُحُ فِعْلُهَا إمَّا شَرْعًا وَإِمَّا طَبْعًا وَغَالِبُ مَا يَحْلِفُونَ بِذَلِكَ فِي حَالِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ . ثُمَّ فِرَاقُ الْأَهْلِ فِيهِ
مِنْ الضَّرَرِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا يَزِيدُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَغْلَالِ الْيَهُودِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ اللَّهَ إنَّمَا حَرَّمَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِئَلَّا يُسَارِعَ النَّاسُ إلَى الطَّلَاقِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ . فَإِذَا حَلَفُوا بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ أَوْ الْمَمْنُوعَةِ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى فِعْلِ تِلْكَ الْأُمُورِ أَوْ تَرْكِهَا مَعَ عَدَمِ فِرَاقِ الْأَهْلِ قَدَحَتْ الْأَفْكَارُ لَهُمْ " أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْحِيَلِ " أُخِذَتْ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ " الْحِيلَةُ الْأُولَى " فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَتَأَوَّلُ لَهُمْ خِلَافَ مَا قَصَدُوهُ وَخِلَافَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَصَفَهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفِقْهِ وَيُسَمُّونَهُ " بَابَ الْمُعَايَاةِ " و " بَابَ الْحِيَلِ فِي الْأَيْمَانِ " وَأَكْثَرُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِي الدِّينِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِ الْحَالِفِ عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُشَدِّدُونَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يَحْتَالُ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ . " الْحِيلَةُ الثَّانِيَةُ " إذَا تَعَذَّرَ الِاحْتِيَالُ فِي الْكَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ احْتَالُوا لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ؛ بِأَنْ يَأْمُرُوهُ بِمُخَالَعَةِ امْرَأَتِهِ لِيَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ أَحْدَثُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَظُنُّهَا حَدَثَتْ فِي حُدُودِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الْحِيَلِ إنَّمَا نَشَأَتْ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَحِيلَةُ الْخُلْعِ لَا
تَمْشِي عَلَى أَصْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ فُرْقَةٍ بَائِنَةٌ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ فَيَحْتَاجُ الْمُحْتَالُ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ أَنْ يَتَرَبَّصَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ثُمَّ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ طُولِ الْمُدَّةِ . فَصَارَ يُفْتِي بِهَا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . وَرُبَّمَا رَكَّبُوا مَعَهَا أَحَدَ قَوْلَيْهِ الْمُوَافِقَ لِأَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد مِنْ : أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ ؛ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ . فَيَصِيرُ الْحَالِفُ كُلَّمَا أَرَادَ الْحِنْثَ خَلَعَ زَوْجَتَهُ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ؛ فَإِمَّا أَنْ يُفْتُوهُ بِنَقْصِ عَدَدِ الطَّلَاقِ ؛ أَوْ يُفْتُوهُ بِعَدَمِهِ وَهَذَا الْخُلْعُ الَّذِي هُوَ " خُلْعُ الْأَيْمَانِ " شَبِيهٌ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ سَوَاءٌ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَقَدَ عَقْدًا لَمْ يَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ إزَالَتِهِ وَهَذَا فَسَخَ فَسْخًا لَمْ يَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا قَصَدَ إزَالَتَهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مُحْدَثَةٌ بَارِدَةٌ قَدْ صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ جُزْءًا فِي إبْطَالِهَا وَذَكَرَ عَنْ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ مَا قَدْ ذَكَرْت بَعْضَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . " الْحِيلَةُ الثَّالِثَةُ " إذَا تَعَذَّرَ الِاحْتِيَالُ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ احْتَالُوا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ فَيُبْطِلُونَهُ بِالْبَحْثِ عَنْ شُرُوطِهِ . فَصَارَ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَبْحَثُونَ عَنْ صِفَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ لَعَلَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ بِهِ
فَاسِدًا ؛ لِيُرَتِّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَقَعُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَد فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ أَنَّ الْوَلِيَّ الْفَاسِقَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَالْفُسُوقُ غَالِبٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فَيَنْفُقُ سُوقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِسَبَبِ الِاحْتِيَالِ لِرَفْعِ يَمِينِ الطَّلَاقِ حَتَّى(9/145)
رَأَيْت مَنْ صَنَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُصَنَّفًا مَقْصُودُهُ بِهِ الِاحْتِيَالُ لِرَفْعِ الطَّلَاقِ . ثُمَّ تَجِدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْتَالُونَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ إنَّمَا يَنْظُرُونَ فِي صِفَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَكَوْنِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ عِنْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الَّذِي قَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ فِي الْفَاسِدِ فِي الْجُمْلَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُونَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ؛ بَلْ عِنْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً . وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ اتِّخَاذِ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَمِنْ الْمَكْرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ ؛ إنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالضَّرُورَةُ إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ . " الْحِيلَةُ الرَّابِعَةُ " الشَّرْعِيَّةُ فِي إفْسَادِ الْمَحْلُوفِ بِهِ أَيْضًا ؛ لَكِنْ لِوُجُودِ مَانِعٍ ؛ لَا لِفَوَاتِ شَرْطٍ ؛ فَإِنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ وَطَائِفَةً بَعْدَهُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا
يَقَعُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقٌ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَزِمَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ وَإِذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ امْتَنَعَ وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ فَيُفْضِي وُقُوعُهُ إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَلَا يَقَعُ وَأَمَّا عَامَّةُ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ ؛ بَلْ رَأَوْهُ مِنْ الزَّلَّاتِ الَّتِي يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ كَوْنُهَا لَيْسَتْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ؛ حَيْثُ قَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الطَّلَاقَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ نِكَاحٍ وَأَنَّهُ مَا مِنْ نِكَاحٍ إلَّا وَيُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ : وَسَبَبُ الْغَلَطِ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا صِحَّةَ هَذَا الْكَلَامِ فَقَالُوا : إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ . وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِصَحِيحِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ وُقُوعَ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثِ وَوُقُوعَ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثِ مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ . فَالْكَلَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا . ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَمَامُ الثَّلَاثِ ؟ أَمْ يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ وَلَا يَقَعُ إلَّا الْمُنَجَّزُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَمَا أَدْرِي هَلْ اسْتَحْدَثَ ابْنُ سُرَيْجٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِلِاحْتِيَالِ عَلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ ؟ أَمْ قَالَهُ طَرْدًا لِقِيَاسِ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَاحْتَالَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ لَكِنِّي رَأَيْت مُصَنَّفًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ
الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ صَنَّفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَقْصُودُهُ بِهَا الِاحْتِيَالُ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ . وَلِهَذَا صَاغُوهَا بِقَوْلِهِ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا . لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا لَمْ تَنْفَعْهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ فِي الْحِيلَةِ وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا فِي الدَّوْرِ سَوَاءٌ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَأَنْت طَالِقٌ : لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِتَطْلِيقِ يُنَجِّزُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينُ ؛ أَوْ يُعَلِّقُهُ بَعْدَهَا عَلَى شَرْطٍ فَيُوجَدُ . فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ الَّذِي وُجِدَ شَرْطُهُ تَطْلِيقٌ . أَمَّا إذَا كَانَ قَدْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا قَبْلَ هَذِهِ الْيَمِينِ بِشَرْطِ وَوُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ تَطْلِيقًا ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ لَا بُدَّ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ الْمُطَلِّقِ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ بِصِفَةِ يَفْعَلُهَا غَيْرُهُ لَيْسَ فِعْلًا مِنْهُ . فَأَمَّا إذَا قَالَ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي . فَهَذَا يَعُمُّ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ بَعْدَ هَذَا بِشَرْطِ وَالْوَاقِعُ بَعْدَ هَذَا بِشَرْطِ تَقَدَّمَ تَعْلِيقُهُ . فَصَوَّرُوا الْمَسْأَلَةَ بِصُورَةِ قَوْلِهِ : إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي . حَتَّى إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا قَالُوا لَهُ : قُلْ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا . فَيَقُولُ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَهُ : افْعَلْ الْآنَ مَا حَلَفْت عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْك طَلَاقٌ فَهَذَا " التَّسْرِيجُ "(9/146)
الْمُنْكَرُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومُ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَفْقُه فِي الْغَالِبِ وَأَحْوَجُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ إلَّا الْحَلِف بِالطَّلَاقِ وَإِلَّا فَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَحَدٌ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكَادُ يَقْصِدُ انْسِدَادَ بَابِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ إلَّا نَادِرًا . " الْحِيلَةُ الْخَامِسَةُ " إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَالُ لَا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا وَلَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ إبْطَالًا وَلَا مَنْعًا : احْتَالُوا لِإِعَادَةِ النِّكَاحِ " بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ " الَّذِي دَلَّتْ السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مَعَ دِلَالَةِ الْقُرْآنِ وَشَوَاهِدِ الْأُصُولِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَفَسَادِهِ ثُمَّ قَدْ تَوَلَّدَ مِنْ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِهِ فِي " كِتَابِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " وَأَغْلَب مَا يحوج النَّاسَ إلَى نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ هُوَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا إذَا قَصَدَهُ وَمَنْ قَصَدَهُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مِنْ النَّدَمِ وَالْفَسَادِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنْ اضْطَرَّ لِوُقُوعِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِنْثِ . فَهَذِهِ " الْمَفَاسِدُ الْخَمْسُ " الَّتِي هِيَ الِاحْتِيَالُ عَلَى نَقْضِ الْأَيْمَانِ وَإِخْرَاجِهَا مِنْ مَفْهُومِهَا وَمَقْصُودِهَا ثُمَّ الِاحْتِيَالُ بِالْخُلْعِ وَإِعَادَةِ النِّكَاحِ ثُمَّ الِاحْتِيَالُ بِالْبَحْثِ عَنْ فَسَادِ النِّكَاحِ ثُمَّ الِاحْتِيَالُ
بِمَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ثُمَّ الِاحْتِيَالُ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ : فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّعِبِ الَّذِي يُنَفِّرُ الْعُقَلَاءَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَيُوجِبُ طَعْنَ الْكُفَّارِ فِيهِ كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ كُتُبِ النَّصَارَى وَغَيْرِهَا وَتَبَيَّنَ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ صَحِيحِ الْفِطْرَةِ أَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ بَرِيءٌ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذِهِ الْخُزَعْبَلَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ حِيَلَ الْيَهُودِ ومخاريق الرُّهْبَانِ . وَأَكْثَرُ مَا أَوْقَعَ النَّاسَ فِيهَا وَأَوْجَبَ كَثْرَةَ إنْكَارِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا وَاسْتِخْرَاجِهِمْ لَهَا هُوَ حَلِفُ النَّاسِ بِالطَّلَاقِ وَاعْتِقَادُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحِنْثِ لَا مَحَالَةَ ؛ حَتَّى لَقَدْ فَرَّعَ الْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُرُوعِ الْأَيْمَانِ شَيْئًا كَثِيرًا مَبْنَاهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُرُوعِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي يُفَرِّعُهَا هَؤُلَاءِ وَنَحْوُهُمْ هِيَ كَمَا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ المقدسي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : مِثَالُهَا مِثَالُ رَجُلٍ بَنَى دَارًا حَسَنَةً عَلَى حِجَارَةٍ مَغْصُوبَةٍ فَإِذَا نُوزِعَ فِي اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْحِجَارَةِ الَّتِي هِيَ الْأَسَاسُ فَاسْتَحَقَّهَا غَيْرُهُ انْهَدَمَ بِنَاؤُهُ ؛ فَإِنَّ الْفُرُوعَ الْحَسَنَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى أُصُولٍ مُحْكَمَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ . فَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَاعْتِقَادُ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحِنْثِ قَدْ أَوْجَبَ هَذِهِ الْمَفَاسِدَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْ بَعْضَ أُمُورِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَصَارَ فِي هَؤُلَاءِ شُبَهٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحَلِفِ بِهِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَلَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيمَا أَعْلَمُهُ وَلَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُمْ وَلَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ قَالَهُ أَكْثَرَ مِنْ عَادَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ أُسْنِدَتْ إلَى قِيَاسٍ مُعْتَضِدٍ بِتَقْلِيدِ لِقَوْمِ أَئِمَّةٍ عُلَمَاءَ مَحْمُودِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ وَهُمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَوْقَ مَا يُظَنُّ بِهِمْ ؛ لَكِنْ لَمْ نُؤْمَرْ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ لَيْسَ دُونَهُمْ ؛ بَلْ مِثْلُهُمْ أَوْ فَوْقَهُمْ . فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَعْيَانٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُجْمَعِ عَلَى إمَامَتِهِ وَفِقْهِهِ وَدِينِهِ وَأُخْتِهِ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْنَبَ رَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مِنْ أَمْثَلِ فَقِيهَاتِ الصَّحَابَةِ الْإِفْتَاءَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَوْلَى مِنْهُ . وَذَكَرْنَا عَنْ طاوس وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ عِلْمًا وَفِقْهًا وَدِينًا :(9/147)
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ مُوقِعَةً لَهُ . فَإِذَا كَانَ لُزُومُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِهِ مُقْتَضِيًا لِهَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَحَالُهُ فِي الشَّرِيعَةِ هَذِهِ الْحَالُ : كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا أَفْضَى إلَى هَذَا الْفَسَادِ لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ كَمَا نَبَّهْنَا
عَلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْحَدَائِقِ مَنْ يَزْدَرِعُهَا وَيَسْتَثْمِرُهَا وَيَبِيعُ الْخُضَرَ وَنَحْوَهَا .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى السبكي - (ج 4 / ص 51)
( بَابُ الْخُلْعِ ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ : اخْتِيَارِي فِي لَفْظِ الْخُلْعِ ، الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَقْتَرِنُ بِهِ نِيَّةٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ فُرْقَةٌ لَا بِطَرِيقِ الْفَسْخِ وَلَا بِطَرِيقِ الطَّلَاقِ وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا فَلَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَرْته فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةِ وَأَنَا إذْ ذَاكَ فِي الْقَاهِرَةِ لِعَدَمِ إيضَاحِ الدَّلِيلِ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ .
وَإِنْ كَانَا هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَّضِحْ لِي دَلِيلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ الْمَذْكُورُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ، وَلَكِنَّهُ عِنْدِي قَوِيٌّ لِعَدَمِ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ .
ثُمَّ وَقَعَتْ لِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَنَا حَاكِمٌ بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ تَخَالَعَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا لَفْظِ طَلَاقٍ عَلَى عِوَضٍ فَذَكَرْت مَا كُنْت اخْتَرْته مِنْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ ، وَلَا فَرْقَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَجْرِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ مُقْتَرِنًا بِذِكْرِ الْعِوَضِ وَأَنْ يَجْرِيَ مُجَرَّدًا كِلَاهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ إلَّا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ ، وَكَذَا أَقُولُ : إذَا نَوَى بِهِ الْفَسْخَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى جَوَاز فَسْخِ النِّكَاحِ بِالتَّرَاضِي كَالْبَيْعِ وَإِنَّمَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِالْأُمُورِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفَسْخِهِ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ .
وَلَكِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرِي لَأَنْ أَحْكُمَ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُتَخَالِعَيْنِ لِمُخَالَفَةِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاخْتِيَارَاتِ الْفِقْهِيَّةَ مِنْهَا مَا يَقْوَى قُوَّةً شَدِيدَةً تَنْشَرِحُ النَّفْسُ لِلْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِهِ .
وَمِنْهَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الْوَرَعُ عَنْ تَقَلُّدِهِ ، وَالْقَصْدُ طَاعَةُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ ، كَمَا تَوَرَّعْت عَنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الْمُخْتَلِعَةِ لِهَذَا الرَّجُلِ كَذَلِكَ أَتَوَرَّعُ عَنْ تَمْكِينِهَا بِالِاتِّصَالِ بِغَيْرِهِ حَتَّى تَحْصُلَ فُرْقَةٌ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ الْمُجَرَّدِ عَنْ النِّيَّةِ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ ، وَانْشَرَحَتْ نَفْسِي لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالْمَنْعِ مِنْ تَزْوِيجِهَا بِهَذَا الْمُقْتَضَى ، وَإِنْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا حَتَّى تَحْصُلَ فُرْقَةٌ صَحِيحَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَلَا يَعْتَرِضُ جَاهِلٌ بِأَنَّ هَذِهِ : إمَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بَائِنَةً فَتُزَوَّجُ بِغَيْرِهِ لِأَنِّي أَقُولُ : الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ وَلَكِنَّ مَرَاتِبَ الظُّهُورِ مُتَفَاوِتَةٌ ، وَهَذَا الظُّهُورُ الَّذِي حَصَلَ عَارَضَهُ فَتْوَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِخِلَافِهِ وَعَضَّدَهُ الدَّلِيلُ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا بَلْ ظَنِّيًّا ، وَمَرَاتِبُ الظُّنُونِ مُتَفَاوِتَةٌ كَذَلِكَ .
وَهَذَا لَيْسَ مِنْ أَعْلَاهَا وَالْأَبْضَاعُ يُحْتَاطُ لَهَا فَكَمَا نَحْتَاطُ فَلَا نَرُدُّهَا إلَى هَذَا الرَّجُلِ كَذَلِكَ نَحْتَاطُ فَلَا نُبِيحُهَا لِغَيْرِهِ وَهِيَ أَوْقَعَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ تَرْضَى بِرُجُوعِهَا(9/148)
إلَى زَوْجِهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ يُزِيلُ الشُّبْهَةَ ، وَإِمَّا أَنْ تَصْبِرَ وَإِمَّا أَنْ نُوَافِقَهَا عَلَى إنْشَاءِ طَلَاقٍ بَائِنٍ تَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْهُ .
وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ : إلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ سُلْطَانٍ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وَلِهَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إلَى مُخَالَفَتِهِمَا بِقَوْلِهِ : يَجُوزُ الْخُلْعُ بِسُلْطَانٍ وَغَيْرِ سُلْطَانٍ ، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ : إلَى ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِي الْخُلْعِ وَوَافَقَهُمَا أَبُو ثَوْرٍ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ .
فَإِذَا فُرِضَ اخْتِيَارَ هَذَا الْمُخَالِعِ لِلرَّجْعَةِ قَوِيَ تَمَسُّكُهُ بِهَا ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنْ إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ ، وَالظُّهُورُ الَّذِي عِنْدِي مِنْ اسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ الْأُولَى كَافٍ فِي مَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ حُرْمَةً لِلْأَبْضَاعِ مَعَ مَا عَضَّدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَضْعُفُ مُعَارَضَةُ فَتْوَى الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ فِي هَذَا الظَّرْفِ .
وَحَاصِلُهُ أَنَّا نَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ قَالَ : الِاحْتِيَاطُ لَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ .
قُلْت : حُكْمِي بِمَنْعِهَا مِنْ التَّزْوِيجِ حُكْمٌ بِمَا ظَهَرَ لِي وَلَا مُعَارِضَ لَهُ إلَّا فَتْوَى الْأَكْثَرِ وَلَيْسَتْ مُعَارِضَةً قَوِيَّةً فَلِذَلِكَ يَنْشَرِحُ صَدْرِي لِلْحُكْمِ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَالْحُكْمِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَوَّلِ مُعَارَضٌ بِحُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ وَتَوَقُّفِي عَنْهُ لَيْسَ حُكْمًا بِشَيْءٍ فَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى حُكْمٍ بِمَا لَا أَرَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لِنَبِيِّهِ { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ } هَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كَتَبَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ فِي ثَالِثَ عَشْرَيْ الْقَعْدَةِ سَنَة 52 وَسَبْعِمِائَةِ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى السبكي - (ج 4 / ص 55)
( مَسْأَلَةٌ ) الْخُلْعُ إذَا جَرَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا ، نَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَنَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ فَسْخٌ ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْوِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صَرَاحَتِهِ لَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَوْلُهُمْ تَكَرَّرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الشَّرْعِ مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ هَلْ هُوَ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ لِإِشْعَارِهِ بِهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَحَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ لَيْسَ فِيهِ لَفْظُ الْخُلْعِ بَلْ قَالَ { خُذْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } انْتَهَى .
قَالَ وَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ الْخَطِيبُ تَاجُ الدِّينِ سَلَّمَهُ اللَّهُ : مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَذْهَبٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا شَاذًّا فَلَا يُقَلِّدُهُ فِيهِ مَنْ يُرِيدُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ ، ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحُ الْمِنْهَاجِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَعَلَّهُ رَجَعَ عَنْهُ انْتَهَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 206)
( بَابُ الْخُلْعِ ) .(9/149)
( سُئِلَ ) عَمَّا لَوْ قَالَ وَكِيلُ امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا : طَلِّقْهَا عَلَى كَذَا فَقَالَ الزَّوْجُ : هَاتِ ، أَوْ قَالَ : نَعَمْ ، ثُمَّ قَالَ : طَلَّقْتهَا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَا ذُكِرَ أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا وَلَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَا ذُكِرَ إذْ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا يَسِيرٌ فَلَا يَضُرُّ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 218)
( سُئِلَ ) عَنْ لَفْظِ الْخُلْعِ عَارِيًّا عَنْ لَفْظِ الْمَالِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةٌ فِيهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 224)
( سُئِلَ ) هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحِصْنِيُّ فِي شَرْحُ أَبِي شُجَاعٍ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِيهِ فَقَدْ قَالَ : أَخَذْت مِنْ جَوَازِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ بَذْلِ الْمَالِ لِمَنْ بِيَدِهِ وَظِيفَةً لِيَنْزِلَ عَنْهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِمُجَرَّدِ اسْتِنْقَاذِهَا مِنْهُ ، وَكَانَ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا مِنْهُ إلَّا بِذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا حُرِّمَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ لِوُجُوبِ التَّرْكِ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا جَازَ قَالَ : وَمَا بَرِحْت أُفَكِّرُ فِيهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ رَأْيِي عَلَيْهِ هَذَا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَلِّ بَيْنَ الْبَاذِلِ وَالْآخِذِ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهَا وَأَمَّا تَعَلُّقُ حَقِّ الْمَنْزُولِ لَهُ بِهَا فَلَا بَلْ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى النَّاظِرِ يَفْعَلُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ امْتِنَاعٍ وَإِمْضَاءٍ فَلَوْ شَرَطَ الْبَاذِلُ عَلَى النَّازِلِ حُصُولَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ فَلَوْ رَضِيَ النَّازِلُ وَالْمَنْزُولُ لَهُ وَالنَّاظِرُ بِذَلِكَ الْعِوَضِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ قُلْته اسْتِنْبَاطًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ وَقَوَّاهُ عِنْدِي جَعْلُ الْمَاوَرْدِيِّ رَغْبَةَ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِكَاحِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ غَرَضًا صَحِيحًا فِي مُخَالَعَتِهِ إيَّاهَا .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 234)
( سُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا عَلَى صِفَةٍ إنْ فَعَلَ زَيْدٌ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ، ثُمَّ سَأَلَ الْحَالِفُ الْمَذْكُورُ مَنْ زَيْدٌ الْمَحْلُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَالِعُ زَوْجَتَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ لِيَفْعَلَ زَيْدٌ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَالَ : وَلَا أَخَالِعُ أَيْضًا وَقَصَدَ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ أَيْضًا وَعَدَمَ الْمُخَالَعَةِ قَبْلَ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ، فَهَلْ إذَا خَالَعَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فِي الْخُلْعِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ ؟
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ مَتَى خَالَعَ الْحَالِفُ زَوْجَتَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ قَبْلَ وُجُودِ تِلْكَ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ بِوُجُودِهَا .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الرملي - (ج 4 / ص 252)
( سُئِلَ ) عَنْ رَجُلً بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ جِمَالٌ مُشْتَرَكَةٌ وَبَيْنَهُمَا مَصَارِفُ بِسَبَبِ الْجِمَالِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُخَلِّي الْجِمَالَ تَسْرَحُ إلَى الْغَيْطِ حَتَّى يُحَاسِبَهُ وَالِدُهُ عَلَى الْمَصْرُوفِ الْمَذْكُورِ فَامْتَنَعَ وَالِدُهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَاضْطَرَّ إلَى تَسْرِيحِ الْجِمَالِ فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا عَنْ خَلَاصِهِ مِنْ الْحِنْثِ فَقَالَ لَهُ أَنْ تَخْلَعَ زَوْجَتَك ، ثُمَّ تُعِيدَهَا وَلَمْ يُعَيَّنْ لَهُ قَبْلَ(9/150)
التَّسْرِيحِ وَلَا بَعْدَهُ فَظَنَّ أَنَّ الْخُلْعَ بَعْدَ التَّسْرِيحِ مُخَلِّصٌ لَهُ فَسَرَّحَ الْجِمَالَ مُعْتَمِدًا عَلَى اعْتِقَادِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ يَكُونُ مَعْذُورًا كَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ بِتَسْرِيحِ الْجِمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِاعْتِقَادِهِ انْحِلَالَ يَمِينِهِ اعْتِمَادًا عَلَى فَتْوَى الْفَقِيهِ فَصَارَ مَعْذُورًا كَالنَّاسِي .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 8 / ص 424)
بَابُ الْخُلْعِ ( وَسُئِلَ ) فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ مَهْرِهَا وَهُوَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ اتِّفَاقًا أَوْ عِنْد ظُهُورِ آيَةٍ كَكُسُوفٍ وَنَحْوِهِ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا لَيُعْلِمَهَا تَعْلِيقَهُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَأَتَى الرَّسُولُ فَقَالَ أَبِرِئْيِ زَوْجَك فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِتَعْلِيقِهِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ عَالِمَةً مِقْدَارَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ يُفَصَّلُ وَهَلْ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَا تَطْلُقُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ وَالذِّكْرِ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا إنْ بَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ بَرِئَ لِتَصْرِيحِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّبَّاغِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَوْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ فَإِذَا بَرِئَ مَنْ يُظَنُّ أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لِدِينٍ قُدِّرَ فَبَانَ لَهُ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
ا هـ .
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِي يَبْرَأُ بَاطِنًا أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَرَاءَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا بَائِنًا وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ هُنَا كَهُوَ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ إنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ عِلْمُ الْمُعَلِّقِ بِفِعْلِهِ بِالتَّعْلِيقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ امْتِنَاعٌ لِأَجْلِهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُعَلِّق بِالْبَرَاءَةِ رَاغِبٌ فِي حُصُولِهَا سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا يَعْلَمُ فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ هُنَا وَجْهٌ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا مِنْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ عَلِمَ فَاعِلُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا فَكَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا بَلْ أَوْلَى .( وَسُئِلَ ) عَمَّا لَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأَتْنِي مِنْ الْمَهْرِ بِنْتُك أَوْ غَيْرُهَا فَأَنْتَ وَكِيلٌ فَطَلِّقْهَا أَهُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا فِي النَّفَائِسِ لِلْأَزْرَقِيِّ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الَّذِي فِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِيِّ هُوَ مَا لَفْظُهُ إذَا قَالَ إنْ أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي مِنْ صَدَاقِهَا فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا فَأَبْرَأَتْهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ هَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُون رَجْعِيًّا
قَطْعًا .
وَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنِ بْنِ أَبِي الْخَلِّ بِنَحْوِهِ وَيُسْتَدَلُّ بِأَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الْفَوْرَ وَعَلَى التَّرَاخِي ا هـ .
لَفْظُهُ وَقَالَ قُبَيْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ وَهِيَ تَعْلَمُهُ طَلُقَتْ بَائِنًا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ وَهِيَ تَعْلَمُهُ صَوَابُهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي(9/151)
الْأُولَى مِنْ الْوُقُوعِ رَجْعِيًّا ظَاهِرٌ حُكْمًا لَا تَعْلِيلًا وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ فِي نَظِيرِهِ أَنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ لَهَا طَلَاقُ تَبَرُّعٍ لَيْسَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهَا لَمَّا أَبْرَأَتْهُ الْبَرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ الْوَكِيلُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَلَمَّا طَلَّقَهَا كَانَ طَلَاقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ بَائِنًا إذْ لَا عِوَضَ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ إعْطَاءُ مَالٍ أَوْ تَمْلِيكٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَفْقُودٌ هُنَا وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي .
وَحَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَاخِرَ الْخُلْعِ وَأَقَرَّاهُ بِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي بَرِئَ الزَّوْجُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُطَلَّقْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْوُقُوعِ بَائِنًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ لَهُ شُرُوط أُخَرَ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي فَتْوَى غَيْرِ هَذِهِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْن الصُّورَتَيْنِ قُلْت وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْته فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَّقَ الطَّلَاق عَلَى الْإِبْرَاءِ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهَا فَكَانَ بَائِنًا بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَّقَهُ بِهِ التَّوْكِيلُ فَإِذَا وَجَدَ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ طَلَاقُهُ تَبَرُّعًا لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَته إلَّا إنْ صَحَّ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَفَسَدَ بِفَسَادِهِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا عُلِّقَ الطَّلَاق عَلَيْهِ وَهُنَا الْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ قَبْل أَنْ يُطَلِّقَ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَاقِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْفَسَادِ فَكَانَ طَلَاقُ تَبَرُّعٍ فَوَقَعَ بَائِنًا فَإِنْ قُلْت تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بَاطِلٌ فَكَيْف صَحَّ طَلَاقُ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ قُلْتُ الْبَاطِلُ عِنْد فَسَادِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ خُصُوصُ التَّوْكِيلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ أَمَّا عُمُومُ الْإِذْنِ الَّذِي يَقْتَضِي نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فَهُوَ بَاقٍ وَإِنْ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِهَا
وَلِوُضُوحِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَزْرَقِيُّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
( وَسُئِلَ ) عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مَا الْحُكْمُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً بِأَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ بِقَدْرِ مَا لَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تُبْرِئُهُ مِنْهُ وَهِيَ رَشِيدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ طَلُقَتْ بَائِنًا وَإِلَّا لَمْ تَطْلُقْ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
( وَسُئِلَ ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ لَا يَبِيعَ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ قَبْل انْفِسَاخِ الشَّهْرِ وَرَاجَعَهَا بِشُرُوطِهِ قَبْلَ انْفِسَاخِ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ ثُمَّ سَافَرَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ هَلْ تَبِينُ مِنْهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا وَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ لَا بُدّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا فِي حُكْمِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يَرَى بِهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ .
( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ إذَا قَيَّدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ قَبْل فَرَاغِهِ تَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا وَوَافَقَهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ وَنُظَرَائِهِ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا(9/152)
يَحْصُلُ فِيمَا ذُكِرَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْمَجْعُولِ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذْ الْخُرُوج عَنْ عُهْدَةِ الْحَلِفِ مُمْكِنٌ لِإِمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِالصِّفَةِ وَمَتَى كَانَتْ مُمْكِنَةً لَا يَسْتَنِد الْوُقُوعُ إلَى مَا قَبْل الْفِعْلِ لِإِمْكَانِهِ بَعْدَهُ بَلْ إلَى آخِرِ زَمَنٍ يَتَحَقَّقُ انْتِفَاؤُهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ وَلَا نِكَاحَ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْخُلْعِ وَفَرَّقَ بَيْن هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ الْآتِيَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فِيهَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُؤَاخَذُ فِيهِ بِالْحِنْثِ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ الِانْتِفَاعُ بِالْخُلْعِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ .
وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِإِفْتَاءِ التَّاجِ الْفَزَارِيِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُ أَخَاهُ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ وَلَا يُوَكِّلُ بِأَنَّ طَرِيقَهُ أَنْ يُخَالِعَ ثُمَّ لَا يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَعْنِي بِسَبَبِ يَمِينِ الْخُلْعِ لِلْبَيْنُونَةِ بِهِ وَأَيَّدَ السُّبْكِيّ ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْل الشَّيْخَيْنِ لَوْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ وَلَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ فَلَمْ يَمْضِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَوْلُهُمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تُفَّاحَتَانِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقُ وَلِأَمَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتَا تَخَلَّصَ بِخُلْعِهِمَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعِيدُهَا أَيْ وَلَوْ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَكْلِ وَبِبَيْعِ الْأَمَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَوَّبَهُ وَوَافَقَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِالْخُلْعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَلْ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ بَانَ حِنْثُهُ قَبْل الْخُلْعِ وَبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحِنْثُ فِيمَا
لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَتَلَف فِي الْغَدِ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ أَكْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ أَنَّهَا تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْد تَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ تُصَلِّ أَوْ لَتَشْرَبْنَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَانْصَبَّ بَعْد إمْكَانِ شُرْبِهِ .
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمَسْأَلَتَيْ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يَتَّضِحُ بِمَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْن إنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَأَفْعَلَنَّ فَإِنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيقٌ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْآخَرِ فَإِذَا صَادَفَهَا الْآخَرُ بَائِنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي فَرْعَيْ الشَّيْخَيْنِ إذْ لَيْسَ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا كَنَظَائِرِهِمَا إلَّا جِهَةُ حِنْثٍ فَإِذَا فَعَلَ لَا يُقَالُ بَرَّ بَلْ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَأَمَّا لَأَفْعَلَنَّ كَمَا فِي صُورَتِنَا وَنَظَائِرِهَا فَالْفِعْلُ مَقْصُودٌ وَهُوَ إثْبَاتٌ جُزْئِيٌّ وَلَهُ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ فِعْلُهُ وَجِهَةُ حِنْثٍ بِالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ وَالْحِنْثُ هُنَا قَضِيَّةُ الْيَمِينِ وَتَفْوِيتُ الْبِرِّ فَإِذَا الْتَزَمَهُ وَفَوَّتَهُ بِخُلْعٍ مِنْ جِهَتِهِ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَعَلَيْهِ فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا بِمَا لَا إشْعَار لَهُ بِالزَّمَانِ مُطْلَقًا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَاثْنَتَانِ لَا يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ بِالْإِثْبَاتِ مُعَلَّقًا بِمَا يُشْعِرُ بِزَمَانٍ كَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَالْحَلِفِ بِلَأَفْعَلَنَّ
وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ قِيَاسُ هَذَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ بِإِنْ لَمْ آكُلْ فَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ بَعْد تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَحْنَثُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي نَظِيرِهِ الْحِنْثُ هُنَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي النَّظَائِرِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قُلْنَاهُ دُون الْمُخَالِفَةِ(9/153)
مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ لِمَا رَجَّحَهُ وَالتَّأْيِيدُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَأَنَّهُ مُهِمٌّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ يَنْفَعُهُ قَبْل مُضِيِّ الشَّهْرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ فَإِذَا فَعَلَهُ مَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ وَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ بَعْد الشَّهْرِ فَحَكَمَ لَهُ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِعَوْدِهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمْ .
ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 8 / ص 25)
حكم طلب الزوج مالاً أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع:
___________________________________
السؤال: في حالة المخالعة من الزوجة، إذا طلب الزوج أكثر من المهر المدفوع لها، فهل يجوز ذلك؟ مع العلم أنها لا تستطيع الدفع إلا المهر فقط؟
___________________________________
الجواب: هذه المسألة أعني طلب الزوج أكثر مما أعطى المرأة عند الخلع أجازها بعض العلماء، واستدل بعموم قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]. وقال بعض العلماء: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وأن معنى الآية: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] مما أعطاها، ولا تكلف شيئاً لم يعطها، وفي طلب الزوج أكثر مما أعطاها شيءٌ من الإضرار بها؛ لأن الرجل استحل فرجها واستحقت المهر باستحلال فرجها، فعلى أقل تقدير أن يأخذ ما أعطاها فقط، أما أن يربح عليها فلا، والمشهور من مذهب الحنابلة الوسط بين المنع والجواز حيث قالوا: إنه يكره أن يطلب منها أكثر مما أعطاها. والذي ينبغي للإنسان أن يتقي الله عز وجل، فإذا كان الخطأ من المرأة فلا حرج عليه أن يطلب ما شاء، وأما إذا كان التقصير منه، وأن المرأة سئمت البقاء معه لتقصيره، فليخفف ويكتفي بما تيسر، ثم هناك فرق أيضاً بين المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، وهذا أيضاً ينبغي للزوج أن يراعيه.
ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 54 / ص 5)
امرأة حصلت على الطلاق بأمر المحكمة وزوجها غير راضٍ:
________________________________________
السؤال: رجل تزوج امرأة ثم بعد أيام قليلة طلبت منه الطلاق، وهو يرغب في أن تبقى في عصمته، فقال لها بعد الدخول: إن شئت خالعتك. فرفعت أمرها للقضاء -قضاء المحاكم الدستورية في الكويت - وحصلت على الطلاق، وهو يرغب في بقائها معه، فهل يقع هذا الطلاق؟
________________________________________
الجواب: هذه المرأة التي سألت زوجها الخلع، والخلع معناه: أن يفارق الزوج زوجته بعوض، سواء كان العوض منها أو من أبيها أو من رجل أجنبي. ونحن(9/154)
نقول: أولاً: لا يحل للمرأة أن تسأل زوجها الطلاق إلا لسبب شرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، أما إذا كان هناك سبب شرعي بأن كرهته في دينه، أو كرهته في خلقه، أو لم تستطع أن تعيش معه وإن كان مستقيم الخلق والدين، فحينئذٍ لا حرج عليها أن تسأل الطلاق، ولكن في هذه الحال تخالعه مخالعة، بأن ترد عليه ما أعطاها ثم يفسخ نكاحها. ودليل ذلك: (أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أتردين حديقته؟ وكان قد أصدقها حديقة. فقالت: نعم. يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة) فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل أن يأمره بذلك، قال بعض العلماء: يلزم بأن يخالع؛ لأن في هذه الحال لا ضرر عليه؛ إذ أنه سيأتيه ما قدم لها من مهر، وسوف يريحها. أما أكثر العلماء فيقولون: إنه لا يلزم بالخلع، ولكن يندب إليه ويرغب فيه، ويقال له: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه). وأنا أرى أننا الآن أمام مشكلة: فبقاؤها في عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوجٍ آخر، وظاهراً حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى للخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضاً، حتى يكون ذلك خلعاً شرعياً.
ـــــــــــــــــــ
لقاءات الباب المفتوح - (ج 159 / ص 11)
من أحكام الخلع:
________________________________________
أما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الزوج فإن لها أن تطالب بالفسخ إذا كانت لا تستطيع إطلاقاً، ولكن لابد أن تعطي الزوج ما خسر من المهر، ودليل هذا: امرأة ثابت بن قيس بن شماس، وتعرفون منزلة ثابت بن قيس بن شماس، حيث إنه من خطباء الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان خطيباً مصقعاً، شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله عنه، لكن امرأته كرهته كراهة عظيمة فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت له: (يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين -يعني: خلقه طيب ودينه مستقيم لا أعيب عليه- ولكني أكره الكفر في الإسلام -الكفر يعني كفر العشير ليس هو كفر الدين، يعني: أخشى ألا أقوم بواجبه- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم -حديقته: مهر أعطاها إياه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت زوجها: اقبل الحديقة وطلقها، ففعل) هذا الأمر هل هو للإرشاد أو للإلزام؟ يرى بعض العلماء أنه للإرشاد، ويرى آخرون أنه للإلزام إذا لم يستقم الحال بينهما؛ لأنهما إذا بقيا على غير استقامة صارت عيشتهما نكداً، وإذا كان بينهما أولاد وحصلت الخصومة بينهما عند الأولاد صار هذا أنكد وأنكد، لكن إذا تفرقا فقد قال الله تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ(9/155)
سَعَتِهِ [النساء:130] يجعل الله له فرجاً ولها فرجاً، فيرى بعض العلماء أن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لثابت : (اقبض الحديقة وطلقها) للإلزام؛ وذلك إذا لم يمكن استقامة الحال بينهما، لأن المقصود من الزواج ما ذكره الله عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] فإذا انتفى هذا المقصود فلا فائدة، يبقى كل منهما نكداً حتى ربما يشتغل بهذا النكد عن طاعة الله، يكون همه وتفكيره كله
راجع إلى ما بينه وبين أهله وكذلك المرأة، فالفراق هنا خير من البقاء. والحقيقة أن أحكام النكاح كثيرة لكن لقرب الوقت نقتصر على ما ذكرنا، ولعله يتيسر لنا جلسة أخرى إن شاء الله تعالى نكمل الباقي؛ لأنه مهم، وكثير من الناس تخفى عليه أحكام وكثير من الناس عنده عنجهية لا يبالي بإضاعة الحقوق لا بالنسبة للزوجة ولا بالنسبة للزوج. نسأل الله لنا ولكم الهداية والاستقامة، وأن يجعلنا ممن تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.......
لقاءات الباب المفتوح - (ج 159 / ص 13)
حكم الخلع قبل الدخول مع بيان مقدار الفدية:
________________________________________
السؤال: رجل عقد على امرأة ولم يدخل بها وهي كانت راضية عند العقد، وبعد ذلك وقبل دخوله طلبت من وليها أن يأمره أن يطلقها فوافق الزوج على أن يعطيه مائة ألف ريال، فما الحكم وهو لم يعطها شيئاً؟
________________________________________
الجواب: هذا يسمى خلعاً فله أن يخالعها ولو قبل الدخول، لكن كونه يطلب هذه الفدية لا شك أنه أخطأ في ذلك، ولهذا قال بعض أهل العلم: لا يجوز للزوج أن يطلب فدية من الزوجة إلا بمقدار ما أعطاها فأقل، فمثلاً: إذا كان أصدقها مائة ألف وطلب مائة ألف فهذا يجوز؛ لأنه لم يأتها ضرر، لكن لو أصدقها ألفاً وطلب ألفين فمن العلماء من يقول: إنه لا يحل له ذلك، ولا يعطى ألفين، لا يعطى إلا مقدار ما أعطى فقط، وهذا يرجع إلى اختلافهم في قوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] هل المعنى: فيما افتدت به مطلقاً، أو فيما افتدت به من المهر الذي أعطاها؟ وينبغي أن يرجع في ذلك إلى رأي القاضي الذي يتولى هذه المسألة، فإذا رأى من المصلحة أن يفرق بينهما ولا يعطى الزوج إلا ما أعطى فليفعل لقول النبي عليه الصلاة والسلام لامرأة ثابت: (أتردين عليه حديقته؟)
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 10 / ص 213)
الثانية(1) : إذا نشزت امرأة على زوجها وكثر التردد وبذلت العوض طالبة الخلع فمنع الزوج هل يسوغ للحاكم إجباره ؟
والجواب : لا يخلو سبب النشوز عن واحد من اثنين : بغض المرأة زوجها . أو ادعاؤها التقصير منه عليها . فإن كان السبب البغض فيستحب للزوج طلاقها . حيث أن المودة والرحمة بينهما متعذر حصولهما ، وعليها أن نبذل له العوض ، فإن أبى(9/156)
طلاقها وأحدث نشوزها بعد بذل الجهد في نصحها وتوبيخها وتبشيرها وإنذارها ، فقد ذكر بعض الأصحاب من المقادسة أن للحاكم فسخها منه . وإن كان سبب النشوز ادعاء التقصير فيحقق في هذا الادعاء ، ويجري نحوه ما يقتضيه الوجه الشرعي حسبما نصت عليه الآية الكريمة : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها أن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً } (2) .
(ص-ف4264 في 16-11-1387هـ)
نصح الناشز ثم زوجها
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
رئيس مجلس الوزراء حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد جرى الإطلاع على المعاملة المعادة إلينا وفق خطاب سموكم برقم 782 وتاريخ 10-1-80هـ المتعلقة بقضية المرأة عبدة بنت ...... مع زوجها عبد الله ....... وما حصل من تمنعها وعدم انقيادها لطاعته ، وما نسب عنها من أنها تفضل القتل أو الحرق بالنار على أن تسلم نفسها لزوجها ، وما كان من زوجها من إصراره على إرجاعها إليه وعدم موافقته على ما أبداه فضيلة رئيس محكمة الطائف من أن أفضل طريقة له معها المخالعة .
__________
(1) تقدمت المسألة الأولى في الطرف قبل الرمي . والثالثة تقدمت في غيبة الزوج .
(2) سورة سبأ - آية 15 .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 7 / ص 166)
المرأة والأسرة
عدة المرأة المختلعة
يقول السائل : ما هي عدة المرأة المختلعة من زوجها ؟
الجواب : الخلع هو أن تفتدي المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها ، أو هو فراق الزوجة على مال . معجم المصطلحات الفقهية 2/46-48، فتح الباري 9/490 .
والخلع مشروع بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وانعقد الإجماع على ذلك . قال الله تعالى :( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) سورة البقرة الآية 229 .
وقال تعالى :( وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) سورة النساء الآية 4 .
ويدل على مشروعية الخلع ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ثابت(9/157)
بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكنني أكره الكفر في الإسلام ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . قال رسول الله : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) رواه البخاري .
وعن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من هذه ؟ فقالت : أنا حبيبة بنت سهل قال : ما شأنك ؟ قالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس - لزوجها - فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذه حبيبة بنت سهل وذكرت ما شاء الله أن تذكر وقالت حبيبة : يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس : خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها ) رواه أبو داود وقال الألباني صحيح . انظر صحيح سنن أبي داود 2/420 . وغير ذلك من الأدلة .
وقد اختلف أهل العلم في الخلع هل هو طلاق أم فسخ ؟ فالجمهور على أنه طلاق وقال الإمام أحمد في المشهور عنه إن الخلع يعتبر فسخاً وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن ابن عباس وعثمان وعلي وعكرمة وطاووس وغيرهم . وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم . وقد ترتب على اختلافهم في كونه طلاق أم فسخ خلافهم في عدة المختلعة فذهب الجمهور إلى أن المختلعة تعتد عدة الطلاق ثلاثة قروء بناء على أن الخلع طلاق وذهب الآخرون إلى أنها تعتد بحيضة بناءً على أن الخلع فسخ والقول الثاني قول قوي معتمد على أدلة صحيحة فمن ذلك حديث ابن عباس :( أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدتها حيضة ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2/420 وقال الإمام الترمذي بعد أن روى حديث ابن عباس :[ هذا حديث حسن غريب واختلف أهل العلم في عدة المختلعة فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم : إن عدة المختلعة عدة المطلقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم : عدة المختلعة حيضة قال إسحاق : وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي ] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/306 .
وعن الربيع بنت معوذ أنها اختلعت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أُمرت أن تعتد بحيضة . رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/348 .
وروى أبو داود عن ابن عمر قال : عدة المختلعة حيضة . وقال الألباني صحيح موقوف انظر صحيح سنن أبي داود 2/420 .
وقال الإمام الخطابي معلقاً على قصة زوجة ثابت :[ في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ولو كان طلاقاً لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمس فيه المطلقة ومن كونه صادراً من قبل الزوج وحده من غير مرضاة المرأة فلما لم يتعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - الحال في ذلك فأذن له في(9/158)
مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ألا ترى أنه لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض أنكر عليه ذلك وأمر بمراجعتها وإمساكها حتى تطهر فيطلقها طاهراً قبل أن يمسها . وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقول الله تعالى :( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) سورة البقرة الآية 229 . قال ثم ذكر الخلع فقال :( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) سورة البقرة الآية 229 ثم ذكر الطلاق فقال :( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) سورة البقرة الآية 230 . فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً وإلى هذا ذهب طاووس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ] معالم السنن 3/219-220 .
وقال الإمام الخطابي أيضاً معلقاً على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس :( فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عدتها حيضة ) قال :[ هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وذلك أن الله تعالى قال :( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد ] المصدر السابق 3/220 .
وقال العلامة ابن القيم :[ وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - المختلعة . أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين أحدهما : أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل ؟ فقال عثمان : لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل . فقال عبد الله بن عمر : فعثمان خيرنا وأعلمنا وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية .
قال من نصر هذا القول : هو مقتضى قواعد الشريعة فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء قالوا : ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحداً بائنة ورجعية .
قالوا : وهذا دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق وهو مذهب ابن عباس وعثمان والربيع وعمها ولا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : الخلع تفريق وليس بطلاق . وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو عن طاووس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها ؟ قال ابن عباس : نعم ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك ] زاد المعاد 5/196-198 .(9/159)
وقال العلامة ابن القيم أيضاً :[ وهذا كما أنه موجب السنة وقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموافق لأقوال الصحابة فهو مقتضى القياس فإنه استبراء لمجرد العلم ببراءة الرحم فكفت فيه حيضة كالمسبية والأمة المستبرأة والحرة والمهاجرة والزانية إذا أرادت أن تنكح ] المصدر السابق 5/679 .
ويجب أن يعلم أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق أو الخلع من زوجها بدون عذر شرعي مقبول فقد ورد في الحديث عن ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :[ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة ] رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة .
وورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي قال :( المنتزعات والمختلعات هن المنافقات ) رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن النسائي 2/731 . وصححه أيضاً في السلسلة الصحيحة 2/210-214 . وساق له عدة طرق .
وخلاصة الأمر أن عدة المختلعة حيضة واحدة كما هو مقتضى السنة الثابتة لأن الخلع فسخ وليس بطلاق ،وإن قيل بأنه طلاق فيمكن أن تعتبر السنة فيه قد خصصت عموم قوله تعالى :( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) وإذا اعتدت المختلعة بحيضة واحدة فقد أصابت السنة وإن اعتدت بثلاث حيضات فذلك أحوط خروجاً من الخلاف .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الشيخ ابن جبرين - (ج 89 / ص 5)
السؤال:-
أنا امرأة تزوجت من رجل كنت أظن أنه من أهل الخير والصلاح ولكن لم يكن ظاهره كباطنه، فكان حاداً في التعامل سيئ الطباع بخيلاً، وكان دائماً يضربني ودائماً يشتم أهلي، ويقبحني في شكلي دائماً، حتى وقعت الكراهة بيننا وكرهته كرهاً لا يطاق، وقد وقعت بيننا خلافات مستمرة لا حدود لها، وكلما ذهبت إلى أهلي يعيدونني ويصبروني، وبعد أن زادت الخلافات وتعبت نفسي أرسلني إلى أهلي أنا وولدي الصغير، ومنذ سنتين وإلى هذا الوقت وأنا أطالبه بالطلاق ولكن دون جدوى، وهو يرفض هذا الأمر رفضاً تاماً ويقول: سوف أعلّقها لن تأخذ رجلاً بعدي.
علماً بأنه متزوج من زوجة أخرى ومبسوط معها ولله الحمد وما دام أن الشرع حلل مثنى وثلاث ورباع ولا خلاف أو إشكال في ذلك، ولكنه يريد أن يذلني ويهين كرامتي، وبعد تدخل أهل الخير وكما هي عادته الكذب والخداع والمكر جاء إلى أهلي وقال: أطلقها بشرط الولد ووافقنا على ذلك بعد رفضه للعرض بدل الولد، وبعد أخذه للولد لم يفِ بوعده ولم يطلقني ويقول: سوف أجعلها معلقة طول عمري. وأخبر أنه يجد متعة في ذلك ويعلم تماماً أني لن أرجع لكنه يقول: لا لي ولا لغيري وإذا كنتِ تريدين الولد إلحقيه. وسؤالي هو:
(أ) إن عدت إليه والأحوال كما تعلم بيننا كرهاً شديداً فهل يحق لي طلب الخلع منه؟(9/160)
(ب) هل كذبه وخداعه لي وكراهيته لأهلي وشتمه لهم وضربه لضعف شخصيته وعدم رجولته من الصفات الذميمة لهذا تجعلني أطلب الطلاق؟
(ج) هل تعليقه لي يعتبر ظلماً والذي أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلمات يوم القيامة) كل يوم يضيع من عمري وأنا معلقة بدون زوج ولا أولاد، أرجو توجيه نصيحة له لعله يعود إلى رشده.
الجواب:-
إذا كان الأمر على ما ذكرتم من شدته وقسوته وصعوبة المعيشة معه وعدم القدرة على الصبر سيما مع الضرب والشتم والعيب والثلب والقذف والتحقير وضعف الشخصية وسوء المعاملة، ثم الحبس والمنع من التخلص، فلابد من رفع القضية وإثبات ما ذكرتم عنه من هذه الصفات، وطلب الفراق ولو بعوض وهو الخلع، وعليكم قبل ذلك نصحه وتخويفه وتحذيره من العقوبة العاجلة ومن أخذ عزيز مقتدر، سيما أخذه للطفل الذي لا يصبر عليه سوى أمه، وإنما قصده الضرار المحرم، ومن ضار مسلمة عاقبه الله، ومن شاق شق الله عليه، فإن أبى فلابد من الافتداء وسيجعل الله بعد عسرٍ يسرا، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
هل الإيدز من عيوب النكاح؟
المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/العيوب في النكاح
التاريخ 3/6/1423
السؤال
هل يمكن اعتبار مرض الإيدز من الموانع الشرعية التي تبيح فسخ العقد؟ وما الحكم فيما لو علم أحد الزوجين بهذا العيب ورضي به؟
الجواب
الحمد لله، لا ريب أن مرض الإيدز من أعظم العيوب التي يملك بها أحد الزوجين الفسخ، وإذا كان الفقهاء قد ذكروا جملة من العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح فإن كثيراً منها دون مرض الإيدز في الخطورة، لا سيما وأنه من الأمراض المعدية -نسأل الله السلامة منه-.
وعمدة الفقهاء في باب العيوب ما ثبت عن عمر -رضي الله عنه- في الموطأ من التفريق بالبرص والجنون والجذام روي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال:"أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملاً وذلك لزوجها غرم على وليها" (2/78)، والإيدز شبيه بالجذام بل هو أقبح وأخطر منه، ولكن مما ينبغي معرفته أن العيب الذي يملك به أحد الزوجين الفسخ حين يوجد في الآخر هو ما كان موجوداً قبل العقد لا بعده، فإن وجد العيب بعده فلا يملك أحد الزوجين الفسخ، وإنما للزوج الطلاق وللمرأة الخلع، هذا أحد القولين، وفي المسألة قول آخر: أن العيب يثبت به الفسخ سواءً كان قبل العقد أو بعده، وهو المشهور عند الشافعية والحنابلة.(9/161)
فعلى القول الأول إن كان هذا المرض قد نشأ بعد العقد لأي سبب من الأسباب فلا يثبت به الفسخ.
وننبه هنا إلى أن الفسخ في هذه الحال يرجع إلى القاضي، وكثير من أهل العلم يجعل الفسخ في هذه الحال متوقفاً على حكمه ولا يملك أحد الزوجين مستقلاً ذلك.
وأما لو علم أحد الزوجين بهذا العيب ورضي به فله ذلك لأن الحق له، ومع ذلك فيجب أن يدرك من رضي به خطورته وأنه معدٍ وحينئذٍ فقد يقال بأنه يلقي بنفسه إلى التهلكة.
والأمر الآخر أن هذا المرض إن كان ناشئاً عن علاقة محرمة فإن الرضا بمن فعل ذلك قبل أن يتوب ليس من سمات ذوي العفاف والإيمان، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
طلب الطلاق..والخلع
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /مسائل متفرقة
التاريخ 10/10/1425هـ
السؤال
هل يحل للمرأة طلب الطلاق من زوجها إذا لم تستطيع التكيف مع حياة زوجها المتزوج من قبل؟ وهل يحل للزوج طلب ما تم دفعه من مهر وخلافه في هذه الحالة؟ أفيدونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
لا يحل للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا لم يكن هناك سبب يبيح ذلك، أما إذا كرهت المرأة زوجها لخَلقِه أو خُلقه، أو دينه، أو خشيت ألا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالع زوجها، وذلك بعوض تدفعه إليه لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)[البقرة: من الآية229]. والخلع أمر مجمع على جوازه، كما نقل ذلك ابن عبد البر في الاستذكار(17/175)، فإذا طلبت المرأة ذلك من زوجها استحب له إجابتها، وقد ألزم بعض العلماء الزوج بذلك (الإنصاف22/6)، ولا يجوز للزوج عضل الزوجة لتدفع له المهر، فإن ذلك من الظلم المحرم؛ لقوله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا)[البقرة: من الآية229]. فإذا اتفق الزوجان على الخلع استحب له أن يأخذ مهره ولا يزيد على ذلك، وهذا قول أكثر أهل العلم، كما نقله ابن قدامة في الشرح الكبير(22/45). وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـــــــــــــــــــ
هل أرفض طلاقها حتى ترد عليّ ما أخذت؟
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /مسائل متفرقة(9/162)
التاريخ 14/7/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
حول حديث امرأة ثابت بن قيس، رضي الله عنهما- قال صلى الله عليه وسلم: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟". قالت: نعم. فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "اقْبَلْ الحديقةَ وطَلِّقْها". معنى ذلك أن ثابت بن قيس، رضي الله عنهما، كان أعطى زوجته هذه الحديقة للزواج، أي كانت ملكها، ولكي تطلق كان لزامًا عليها أن ترجع الحديقة له، أنا الآن تزوجت امرأة منذ ثماني سنوات، وهي تصغرني بحوالي عشرين عامًا، وكتبت لها شقة وسيارة، ولكن ظروفي المالية تغيرت، وهي الآن تريد الطلاق، وأنا رافض، وقلت ارفعي خُلعًا عليَّ؛ لأنني حتى الآن أريدها زوجةً، ولكن هي مصممة على الخلع، هل علي ذنب إذا طلبت الشقة والسيارة؟ أنا كتبت كل حاجة باسمها؛ لأنني كنت أريد أن أؤمن المستقبل لها، ظنًّا مني أن الموت هو الذي يفرق بيننا فقط، وإذا كنت أعلم أنها في يوم من الأيام سوف تطلب الطلاق أو الخلع ما كنت لأكتب لها شيئًا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها من غير ما بأس؛ لما رواه أحمد (22440) وأبوداود (2226) وابن ماجه (2055) والترمذي (1187) مرفوعًا: "أيُّمَا امْرأةٍ سأَلتْ زَوْجَها طَلاقَهَا في غَيرِ مَا بَأْسٍ فحَرَامٌ عَلَيْها رائِحَةُ الجنةِ". لكن لو طلبت الطلاق لسبب سائغ شرعًا، ولم يكن طلبها لسبب يعود إليك أيها الزوج من عضل أو تضييق أو منع لحقوقها من القَسْمِ والنفقة ونحو ذلك من حقوقها الشرعية، فإن ذلك جائز، ولك أن ترفض طلاقها حتى ترد إليك ما أصدقتها، ما دام السبب منها، وليس عليك في ذلك شيء؛ لما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: إنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَة"ً.
ـــــــــــــــــــ
العوض في الخلع
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 5/5/1423
السؤال(9/163)
ما رأي فضيلتكم في مسألة الخلع، هل يعاد للرجل جميع ما أعطاه للمرأة؟ وهل المرأة لا تأخذ شيئاً منه حتى حق تمتعه بها؟ أفيدونا ببحث شامل في هذه المسألة، ولكم منا جزيل الشكر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد اتفق جمهور السلف على جواز الخلع، وجواز أخذ الرجل عليه عوضاً أقل من المهر الذي دفعه لها؛ لقول الله -جل وعلا-:"فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به" [البقرة:229].
واختلفوا في أخذ مقدار المهر، والراجح -الذي عليه أكثر أهل العلم من السلف والخلف- الجواز؛ لما أخرجه البخاري (5273) بسنده عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس -رضي الله عنهم- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق، ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة".
واختلف القائلون بجواز أخذ مقدار المهر، هل له أخذ أكثر من المهر؟ فالأكثر قالوا بالجواز، مستدلين بالآية السابقة، فإنها أطلقت الفداء، ولم تحدده بقدر، وهو قول عثمان وابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-، ولم يجز ذلك آخرون؛ لحديث امرأة ثابت بن قيس، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأذن لزوجها أن يأخذ أكثر مما أعطاها، كما جاء مصرحاً به في رواية ابن ماجة (2056) بسند حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر ثابتاً أن يأخذ منها حديقته ولا يزدد، وتوسط قوم بينهم، فقالوا بالجواز مع الكراهة، جمعاً بين الآية والحديث، فتكون الآية دالة على الجواز، والحديث دالاً على الكراهة، وهذا هو الأقرب.
ولا شك أن مقتضى المروءة والخلق الكريم -كما قال الإمام مالك -رحمه الله- ألا يأخذ الرجل شيئاً، خاصة إن كان موسراً، فإن احتاج فلا يزد على المهر الذي دفعه، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حق الزوج في الخلع
المجيب ناصر بن محمد آل طالب
القاضي بمحكمة عرعر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 2/7/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل أستطيع أن أطالب بالخلع لوجود مرض الشك والغَيْرة المرضيَّة في زوجي والعصبية لحد القذف وعدم السيطرة على النفس لدرجه أني بدأت أشك في تصرفاتي؟ مع العلم أني في بيت أهلي منذ مدة وحاولنا الإصلاح من غير جدوى وطلبت الطلاق، ولكن قال لي: أفضل أن أعلقك، أفدني جزاك الله خيراً.(9/164)
الجواب
الحمد لله، ما ذكرته الأخت السائلة من وجود مرض الشك في زوجها والغيرة المرضية التي وصلت لحد قذفها في عرضها وعدم سيطرته على نفسه وعصبيته، كل هذا من الخلق المكروه والطبع المرذول في الزوج، والذي أدى للشقاق بينه وبين زوجته، فاجتمع سوء الخلق ووقوع الشقاق، وهما الأمران اللذان نص أهل العلم على كونهما سببين من أسباب إباحة مطالبة الزوجة الخلع من زوجها. ودليل ذلك ما رواه البخاري (5273) وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس -رضي الله عنه- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول الله ثابت ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام -تعني كرهها له قد يحملها على الوقوع فيما نهى عنه الإسلام- فقال -صلى الله عليه وسلم-:"أتردِّين عليه حديقته؟" قالت: نعم، فقال -صلى الله عليه وسلم-:"اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" فوجهها -صلى الله عليه وسلم- بالخلع من زوجها مع أنه لا نقص في دينه أو خلقه، ولكن لمجرد الكراهية، وحال السائلة -كما ذكرت- أبلغ من حال امرأة ثابت -رضي الله عنه- إذا دخل على حال زوج السائلة العيب في دينه؛ لقذفه لها وسوء خلقه، لشكه فيها وعدم سيطرته على نفسه، فجاز لها طلب الخلع، أما تعليق الزوج زوجته إذا كان لمجرد مضارتها حتى تطلب الخلع من غير بأس منها فهو من العضل المحرم قال -تعالى-:"ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.." فعلى الزوجة ألا تقبل به بل تلجأ لطلب الخلع خصوصاً إذا كانت شابة كحال السائلة عسى أنهما إن تفرقا "يغن الله كلاً من سعته" [النساء:130]، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
أحكام المختلعة الحامل
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
ما هي أحكام العدة في الخلع خصوصاً إذا كانت المرأة حاملاً؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
الخلع هو: (الفرقة بعوض يأخذه الزوج) (روضة الطالبين للنووي(ج5/680)، وقال ابن حزم: (هو الافتداء إذا كرهت المرأة زوجها فخافت ألا توفيه حقه، أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها) المحلى لابن حزم(10/512)، وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: (وجملة ذلك أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خُلقه، أو دينه، أو كبره، أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخشيت أن لا تؤدي حق الله -تعالى- في طاعته جاز لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه؛ لقول الله -تعالى-: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ"[البقرة: من الآية229].
أبرز أحكام المعتدة في الخلع:(9/165)
أولاً: الخلع فراق بين الزوجين فرقة بائنة على الصحيح من كلام أهل العلم(راجع خلاف العلماء في هذه المسألة مطولاً في الشرح الكبير(ج22، ص39)، والمحلى(10/2)، وبناء على هذه القاعدة فإنه يترتب عليها الأحكام الآتية:
أ- سقوط النفقة والسكنى الواجبة على الزوج؛ لأنها صارت كالمرأة الأجنبية إلا أن تكون حاملاً فتستمر النفقة لها لأجل الحمل.
ب- وجوب الحجاب عليها منه.
ج- انقطاع التوارث بينهما فيما لو مات أو ماتت أثناء العدة.
د- أنها لا ترجع إليه باختياره كما هو الحال في الطلاق الرجعي، بل لا بد من عقد جديد بمهر جديد بعد رضاها وموافقتها على ذلك.
مسألة: وهل هذا الفراق طلاق تحسب به طلقة أم فسخ لا تحسب به طلقة؟
الواقع أن أهل العلم اختلفت وجهات نظرهم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن الخلع طلاق تحسب به تطليقة بكل حال على خلاف بينهم هل هو رجعي أم بائن، والصحيح أنه بائن كما ذكرنا.
قال ابن حزم في المحلى (ج9/516)، طبعة دار الفكر: (وبهذا يقول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء وشريح والشعبي وقبيصة بن ذؤيب ومجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي والزهري، ومكحول والأوزاعي، وأبو حنفية ومالك والشافعي، وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (الإنصاف ج22/ص31).
القول الثاني: هو فسخ لا ينقص به عدد الطلاق إذا تحقق فيه شرطان:
أ- ألا ينوي به الطلاق بل ينوي به مجرد الفسخ، فإن نوى الطلاق فهو طلاق بائن.
ب- ألا يوقعه بصريح لفظ الطلاق فإن أوقعه بصريح الطلاق كان طلاقاً، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى-، وذكر صاحب الإنصاف(22/ص31) بأن هذه الرواية هي الرواية الصحيحة من المذهب وعليها جماهير أصحاب الإمام.
القول الثالث: أن الخلع فسخ لا تحسب به تطليقة سواء نوى بذلك طلاقاً أم لا، وسواء صدر منه بلفظ الطلاق أو بلفظ غيره، وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، راجع الإنصاف(22/ص31)، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال في مجموع الفتاوى(ج32/ص309) ما نصه، وهو القول الذي ذكرناه من أن الخلع فسخ تبين به المرأة بأي لفظ كان، وهو الصحيح الذي عليه النصوص والأصول.
والخلاف في هذه المسألة طويل، ولا نريد أن ندخل في تفاصيله، ومن أراد المزيد فليرجع إلى المصادر التالية: (المحلى لابن حزم(9/514)، الشرح الكبير لابن قدامة(22/ص29)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية(ج32/ص289).
أما سؤالك - يا أخي - عن عدة المرأة المختلعة فمن العلماء من يرى أن عدتها عدة المرأة المطلقة، فإذا كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل وإن كانت ذات قروء- أي تحيض فعدتها ثلاثة حيض، وإن كانت آيسة فعدتها ثلاثة أشهر، ومنهم من يرى بأن عدتها حيضة واحدة لاستبراء الرحم، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في(9/166)
المجموع (32/110)، ولكن الأحوط والأبرأ للذمة هو القول الأول، قال ابن قدامة في المغني(9/78) وأكثر أهل العلم يقولون: (عدة المختلعة عدة المطلقة)، منهم سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله، والزهري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وغيرهم) ا.هـ معناه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
خالع زوجته ويريد إرجاعها
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 2/7/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رجل طلق زوجته وأرجعها، ثم تزوج بأخرى، ثم طلق زوجته الأولى ثانية، ثم أرجعها ثم اختلعت ويريد إرجاعها الآن، هل يرجعها بعد العدة أم خلالها؟ بما أنه عليه أن يعقد عليها باعتبار أن الخلع فسخ, هل يقضي معها ثلاثة أيام على التوالي أم يقضي معها يوم يليه يوم عند ضرتها؟وجزاكم الله كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد: من خالع زوجته فقد بانت منه بينونة صغرى، فليس له إرجاعها إلا برضاها ما دامت في العدة، أما إن خرجت من العدة، فليس له إرجاعها إلا بعقد جديد مستكمل الشروط والأركان، أما بالنسبة للمبيت عندها فإن أرجعها قبل أن تخرج من العدة فليس لها قسم خاص بها بسبب الرجعة؛ لكونها لم تخرج من العدة أما إن عقد عليها بعد أن خرجت من عدتها فيقسم لها ثلاثة أيام متتابعة، إلا إذا أسقطت حقها منه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - "للبكر سبعٌ وللثيب ثلاث" رواه مسلم (1460) من حديث أم سلمة رضي الله عنها، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
العقد على المختلعة في عدتها
المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد الخريصي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 3/12/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طلقت امرأة طلاقاً خلعياً، فهل يجوز العقد عليها قبل انقضاء العدة بخمسة وعشرين يوماً؟ وإذا حصل العقد ما الحل؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب(9/167)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد أجمع أكثر العلماء على أن للرجل أن يتزوج المختلعة برضاها في عدتها، وبناء على ذلك يجوز لك العقد عليها بشرط رضاها قبل انقضاء العدة، واشترط العلماء رضاها؛ لأن الخلع كان بسبب وقوع الضرر عليها، فلا بد من زوال المانع عند إرادة العقد عليها ثانية. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الإكراه على الخلع!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 28/10/1426هـ
السؤال
ما حكم طلاق الخلع إن كان بالإكراه؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالإكراه ينقسم إلى قسمين:
الأول: إكراه بحق، وهو الإكراه المشروع الذي لا ظلم فيه ولا إثم، كإكراه المدين القادر على تسديد الدين الحال للدائن، فعن عمرو بن الشريد، قال: حدثني أبي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته"، رواه أحمد (4/389)، والنسائي في الكبرى (6288)، قال الحافظ: "إسناده حسن" [فتح الباري (5/62)]. فعقوبته أن يسجن حتى يدفع ما عليه.
وكما في إكراه المولي على الطلاق بعد مضي أربعة أشهر على إيلائه ورفضه الفيء، قال تعالى: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم" [البقرة:226-227].
الثاني: الإكراه بغير حق، كإكراه الرجل على تطليق زوجته بلا حق وبلا سبب يوجب ذلك، فهنا إن كان الإكراه ملجئاً، كالإكراه على قتله أو إتلاف عضو منه أو نحو ذلك مما يلحقه بسببه ضرر بالغ لم يقع الطلاق، عن أبي قدامة بن إبراهيم، أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تدلى يشتار عسلاً، فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت: لتطلقني ثلاثاً وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله والإسلام فأبت إلا ذلك، فطلقها ثلاثاً ثم خرج إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فذكر ذلك له، فقال: ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق. رواه سعيد بن منصور (1/313)، والبيهقي (7/357).
وشروط الإكراه ثلاثة ذكرها ابن قدامة -رحمه الله تعالى- وهي:
الأول: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب.
الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه.(9/168)
الثالث: أن يكون مما يستضر به ضرراً كثيراً، كالقتل والضرب الشديد والقيد والحبس الطويلين، فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير، فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً بصاحبه وغضا له وشهرة في حقه، فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وإن توعد بتعذيب ولده فقد قيل ليس بإكراهٍ؛ لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى أن يكون إكراهاً؛ لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا. أ.هـ بتصرف يسير: [المغني (7/292]. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
الخلع بغير المال
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 1/2/1425هـ
السؤال
من المعروف في الإسلام أنه في حال طلاق زوجين فإن الأولاد يعودون إلى المرأة، ومن ثم للأب، ولكن بالمجتمع الغربي إذا طلقت المرأة فالأطفال يعودون لها، سؤالي هو: امرأة طلبت الخلع من زوجها لسبب ما، وزوجها وافق على الخلع، ولكن بمقابل، ولم يكن المقابل المال أو المهر أو الشبكة بل كان أطفاله لأنه يعيش بدولة غربية، وامرأته ستحصل على أطفاله وهو يريد أطفاله لضمهم وتعليمهم الإسلام بسبب طيش زوجته. فما هو حكم الإسلام بهذا الأمر؟.وجزاكم الله خيراً.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده وبعد؛ فجمهور العلماء أن الخلع لا يصح إلا بعوض يصح أن يكون مهراً، وذهب بعض العلماء إلى جواز الخلع بدون عوض، ويقع طلاقاً انظر الكافي(3/141)، قال ابن تيمة - رحمه الله تعالى- (وقد اختلف العلماء في صحة الخلع بغير عوض على قولين هما روايتان عن أحمد، أحدهما: كقول أبي حنيفة والشافعي وهي اختيار أكثر أصحابه- أي لا يصح- والثاني: يصح كالمشهور في مذهب مالك وهي اختيار الخرقي، وعلى هذا القول فلا بد أن ينوي بلفظ الخلع الطلاق ويقع به طلاق بائن لا يكون فسخاً على الروايتين نص على ذلك أحمد - رحمه الله- ا.هـ انظر مجموع الفتاوى(32/303)، قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله تعالى- أما الخلع فكما قالوا لا بد أن يكون بعوض لأنه ركنه الذي ينبني عليه، وإذا خلا منه فليس بخلع بل يكون طلاقاً رجعيًّا إذا نوى به الطلاق. ا.هـ انظر الفتاوى السعدية (805)، لذا فإن الأخ السائل إذا خالع زوجته مقابل تنازلها عن تربية أولادها صح، ولكن يقع طلاقاً رجعياً فتحسب عليه طلقة وعليها العدة الشرعية حسب حالها، وله مراجعتها ما دامت في العدة إن لم يسبق ذلك طلقتان، فإن سبقه طلقتان فإنها تبين منه بينونة كبرى وإن رغب الزوجان أن(9/169)
يوقعاه خلعاً لا طلاقاً فعليهما أن يضما لذلك مبلغاً من المال ولو يسيرًا كعشرة دولارات ونحوها تدفعها المرأة لزوجها.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
تنازلت عن المؤخر ليطلقها
المجيب عيسى بن عبد الله المطرودي
القاضي بالمحكمة الكبرى في حائل
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 8/2/1425هـ
السؤال
طلقت زوجتي بناء على رغبتها؛ لإصابتي بالعقم، وقمت بإعطائها كافة حقوقها من شَبْكَةٍ، ومنقولات، ومؤخر، وعند المأذون كان الطلاق على الإبراء، وحلف والدها الموكِّل عنها بأنها تطلب الطلاق، مع إبرائي من المؤخر، وأنا قبلت على ذلك، فهل هذا المؤخر يظل من حقها أم لا؟ وفي حالة أخذها له، هل هذا الطلاق صحيح أم لا؟ وشكراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
المؤخر حق للزوجة، لا يملك أحد التنازل عنه إلا بإذنها، كأن تكون وكلت والدها بالتنازل، وطلب الطلاق؛ فإن كان كذلك فإن الطلاق مقابل التنازل عن المؤخر صحيح. أما إذا كان والدها تقوَّل عليها ولم تفوِّضه، وقد طلق الزوج بشرط تنازل الزوجة عن المؤخر، فهذا الطلاق علق على شرط، والشرط لم يتحقق، فلا يظهر لي وقوع الطلاق إذا لم توافق الزوجة عليه، وعلى الأخ السائل مساءلة زوجته: هل ترغب في الطلاق مقابل تنازلها عن المؤخر؟ فإن قالت: نعم، فالطلاق صحيح - والله أعلم-، ومن أهل العلم من يرى وقوع الطلاق، إذا أبرأ والد الزوجة الزوج، وإن كان الأب غرر بالزوج فإن الزوج يراجع والد الزوجة. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
هل التنازل عن الحضانة خلع؟
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 8/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
إذا قال رجل لزوجته : (إذا تنازلت لي عن حضانة الأولاد أوافق على طلاقك) هل يعتبر هذا خلعاً؟ علماً بأن ذلك لم يكن المهر والرجل لا يعرف ما هو الخلع،كذلك أفيدكم بأن هذا الزوج لا يصلي إلا في بعض الأحيان، والمرأة ترغب في الطلاق(9/170)
منه وهو لا يوافق على طلاقها إلا بالتنازل عن حضانة الأولاد، فهل يجوز لها التنازل له عن الأولاد وهو لا يصلي إلا أحياناً؟ وإذا اعتبر ما حصل خلعاً، هل تعتد خارج البيت؟ وإذا لم يكن جائزا لها أن تعتد خارج البيت هل تستثنى ويحل لها أن تعتد خارج البيت خوفاً من الضرب؟ حيث سبق لزوجها وأن ضربها، وكم مدة عدتها حسب أصح الأقوال؟ -بارك الله فيكم، وجزاكم خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أنه لا يجوز ولا يصح أن يكون التنازل عن الحضانة عوضاً للخلع؛ لأن عوض الخلع لا بد أن يكون ماليًّا أو ما في معناه، وقد ذكر فقهاؤنا - رحمهم الله- ضابطاً لذلك، وهو أن ما صح مهراً من عين مالية أو منفعة مباحة أو دراهم صح الخلع به، لكن يتسامح في ذلك إذا كان هناك جهالة أو غرر، وهذا أولاً.
ثانياً: أن إسقاط النفقة يصح أن يكون عوضاً للخلع؛ لدخوله فيما سبق، بخلاف الحضانة.
ثالثاً: أنه لا يجوز التنازل بالحضانة للأب أو لغيره إذا كان فاسقاً مضيعاً لحدود الله -تعالى- سواء كان ذلك لخلع أو لغيره، وهذا مما يدل على صحة ما ذكرنا، ومما يدل على صحته أيضاً أن المراعى في الحضانة هو مصلحة المحضون، ولذلك فالحضانة تكون تارة حق على الأم، وتارة حق لهما، وتارة حق لها، والأحوال قد تتغير وتتبدل؛ فليس من مصلحة المحضون أن تبقى الحضانة على حالها مع تغير الأحوال.
رابعاً: أن بعض القضاة الذين يحكمون بصحة الخلع والحالة هذه، يرجعون فيحكمون للمختلعة بالحضانة إذا طالبت بها؛ لأنها حق متجدد، ويحكمون للزوج بعوض قدر مهر المثل، أو بقدر المهر الذي دفعه للزوجة، وفي ذلك نظر، لأن القول الصحيح أن الحضانة والنفقة تسقط بإسقاطهما، وليس للزوجة الرجوع في ذلك، كما قرره العلامة ابن القيم في زاد المعاد (5/514-515)، وذكر حقوقاً متجددة عند الفقهاء، قالوا بسقوطها وعدم الرجوع فيها إذا أُسقطت، وفرق بين إسقاط الحق قبل انعقاد سببه بالكلية، وبين إسقاطه بعد إنعقاد سببه - فرحمه الله رحمة واسعة-، ويا ليت طلبة العلم قبل أن يرجحوا أو يحكموا أن يراجعوا كلام شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتلميذه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمهم الله- وماذا قالوا في المسألة،وذلك لتحقيقهم المسائل وتحريرها، وعدم أخذهم بقول أحد، إلا إذا وافق الكتاب والسنة، وكذلك لأن في كلامهم عدل وإنصاف، وتسهيل لما صعب، وتقريب لما بعد، وحل لمشكل قد يرد، وليس ذلك مني تعصباً لاختياراتهم، أو إلزاماً بالرجوع إلى كلامهم، وإنما هو لكون المرء على دراية بما عندهم، وعند غيرهم، وإن ترجح له خلاف رأيهم، وليكون متحرراً، وعلى بصيرة وقناعة بما يرجح، وهذا خامساً.(9/171)
سادساً: أن الشيخ الفقيه العلامة محمد بن عثيمين - رحمه الله- قد رجح عدم صحة الخلع إذا كان عوضه تنازلاً عن الحضانة، كما رجح أن المرأة إذا تنازلت عن حقها في الحضانة أو النفقة، فلا يمكنها الرجوع فيه بعد ذلك، وذلك حين سألته يوم الأربعاء 12/3/1420هـ.
سابعاً: أنه إذا كان الأب فاسداً، أو طرأ عليه ذلك أخيراً، فللقاضي حينئذ أن يجتهد ويحكم بما يراه الأصلح للمحضون، من الحكم بها لهذه المرأة، وإن تنازلت بما سبق أو لغيرها عمن هو أهل لذلك.
ثامناً: أنه لا يلزم المختلعة البقاء في بيت زوجها سابقاً، بل لها أن تذهب لمن شاءت من أقاربها وأهلها، كما أنه لا نفقة لها ولا سكنى، إلا أن تكون حاملاً، وهذا تاسعاً.
عاشراً: أن المختلعة تعتد بحيضة واحدة على الصحيح، لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من أمره للمختلعة أن تتربص بحيضة، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام، وتلميذه العلامة ابن القيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتلميذهما الشيخ محمد بن عثيمين - رحم الله الجميع- والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ـــــــــــــــــــ
طلبت الخلع قبل الدخول بها
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 4/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته. وجزاكم الله خيراً.
فضيلة الشيخ -حفظه الله-: رجل خطب فتاة، وفي الخطبة عقدَ عقد زواج، وأحضر لها مهراً (أسوِرة من ذهب) واشترى لها ألبسة، وقبل الدخول بها لم تعجب الفتاة بالرجل وطلبت إنهاء الزواج بالخلع، فقال الرجل: تعطيني كل ما دفعته من حفلة وألبسة وثمن الذهب، وليس نفس الذهب؛ لأنه إذا أعاده للصائغ سوف ينقص ثمن الصياغة، ما الذي يجوز له أخذه، وما الذي لا يجوز له أخذه؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تصح مخالعة الزوج لزوجته بما أعطاها، وبأقل مما أعطاها من مهر؛ لما رواه البخاري في صحيحه (5273) أن امرأة ثابت بن قيس-رضي الله عنهما- قالت: يا رسول الله: ما أعيب عليه في دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام (تعني كفران الزوج وعدم القيام بحقوقه والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له) فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم، فأمرها بردها وأمره بفراقها.(9/172)
وأما الهدايا التي أهداها له فلا ينبغي له الرجوع فيها أو المطالبة بها، فالهدية كالهبة ليس للواهب الرجوع فيما وهبه؛ لما ثبت في الصحيحين البخاري (2589) ومسلم (1622) عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه"، وعند أبي داود (3539) والترمذي (1299)،"إلا الوالد فيما يعطي ولده" بسند صحيح، وبمعناه في الصحيحين البخاري (2623)، ومسلم (1620) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-، ولكن لو طابت نفس الزوجة بإرجاع الهدايا التي أهداها إياها زوجها إليه فله أخذها، كما يصح الخلع بأكثر مما أصدقها به من مهر إذا تراضيا على ذلك في قول جمهور أهل العلم، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وهو مذهب أحمد إلا أنه يكره عنده ويصح، ويروى عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم- أنهما قالا: لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها وعقاص رأسها كان ذلك جائزاً، ويدل على ذلك عموم قوله - تعالى -: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" [البقرة:229] وروى البيهقي في السنن الكبرى (7/450) وعبد الرزاق في مصنفه (11811 - 11812)عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها- قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان بن عفان - رضي الله عنه-، ومثل هذا يشتهر، فلم ينكر فيكون إجماعاً.
وبناء عليه فللزوج مخالعة زوجته بأكثر من المهر الذي أعطاها، بأن يأخذ - مثلاً- ذهباً أو مالاً زائداً عن المهر، ونحو ذلك بحسب ما يتفقان عليه فلا بأس بذلك. والله -تعالى- أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل يشترط رضا الزوج في الخلع؟!
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 05/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يشترط في الخلع أن يكون برضا الرجل أم ماذا؟ وهل إن تم هذا الخلع باتفاق الزوجين لسبب ما كأن لا يُحسَب بذلك على أنه طلقة, أو ليهرب الرجل من المهر كاملاً لو طلق هو امرأته فتُرجِع المرأة شيئاً من المال له، أو تتنازل عن بعض حقها من المهر؟ وهل يعتبر الخلع طلاقاً أم هو فسخٌ فلا يحتسب بذلك طلقةً؟ وهل يترتب على الخلع لكي يكون خلعاً أن يكون مقابل عِوَض أم لا يشترط ذلك؟ وجزاكم الله تعالى عني كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فالجواب أن من العلماء من يشترط رضا الزوج ومنهم من لا يراه، وألزم به الزوج، وقد ذكر ابن مفلح في (الفروع) أن بعض قضاة الحنابلة المقادسة ألزموا به،(9/173)
واختلف كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك، والصحيح أن للقاضي الإلزام به إذا رأى ذلك مناسباً، ورجحه الشيخ ابن عثيمين، والصحيح أن الخلع فسخ بأي لفظ كان ولو كان بلفظ الطلاق؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، وقد سماه الله افتداء فلا يحسب من الطلاق، ولا بد في الخلع من أن تدفع المرأة عوضاً مالياً، أو تتنازل عن حق مالي أو ما في معناه، وللزوج أن يتنازل عن هذا العوض الواجب له بعد ثبوته في ذمة الزوجة وبعد حصول الخلع، وبالإمكان مراجعة كتاب (زاد المعاد) لابن القيم الجزء الخامس طبعة دار الرسالة.
ـــــــــــــــــــ
هل في الخلع رجعة؟
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 23/04/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الخلع يمنع حق الزوج في مراجعة مطلقته خلال مدة العدة دون إذنها؟ جزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإذا خالع الرجل امرأته (أي اتفقا على أن تعطيه مالاً مقابل طلاقها، سواء أعطته أو أبرأته من باقي مهرها أو غير ذلك)، فإن المرأة تبين منه، فلا تحل له إلا بعقد جديد مستوف لشروطه وأركانه الشرعية؛ وذلك لأنَّ المرأة خالعت زوجها للتخلص منه، فلو جُعل للزوج حق المراجعة لفاتت فائدة الخلع. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
المخالعة من غير بأس
المجيب د.أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
إذا لم يكن بالزوج بأس، فهل للزوجة أن تخلعه عنها إذا كانت لا تريده فقط بغير سبب إلا أنها لا تحبه؟ وكيف يمكن الجمع بين حديث: "أيما امرأة سألت الطلاق في غير ما بأس...". وبين حديث امرأة ثابت ابن قيس، رضي الله عنهما؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(9/174)
عدم محبة الزوجة للزوج، وكونها لا تطيقه هذا بحد ذاته سبب شرعي يجعل طلب الطلاق أو الخلع لا حرج فيه؛ لدليلين:
الأول: حديث امرأة ثابت بن قيس، رضي الله عنهما، فقد طلبت الفراق لأنها لا تحبه. أخرجه البخاري (5273).
الثاني: حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَيُّمَا امرأةٍ سأَلَتْ زوجَها طَلاقًا مِن غيرِ بَأْسٍ فَحَرامٌ علَيها رائحةُ الجَنَّةِ". أخرجه أبو داود (2226) والترمذي (1187).
وعدم محبة الزوجة لزوجها من البأس؛ لأنه يؤدي بها إلى التقصير في حقه الواجب، فتقع في الإثم والعصيان، كما أشار إليه الحافظ في الفتح. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
زوجها غير عفيف، فهل تطلب الطلاق أم تصبر؟
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 12/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
إذا كان الزوج غير عفيف، فهل تكون الزوجة آثمة إذا لم تطالب بالطلاق منه؟ أي أنها تصبر على فعله وتحاول إصلاح حاله، أم يحق لها المطالبة بالطلاق منه كما في حالة تركه للصلاة، وأسأل الله أن يجزل لكم الأجر والمثوبة.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا كان الزوج غير عفيف، أو فيه من أعمال وصفات الفساق، فإن زوجته لها أن تصبر مع نصحه وإرشاده، وهو الأولى، إن ظنَّت أنه ينتفع ويستقيم، ولها أن تطلب الطلاق لتغير حاله إلى الفسق، وهو الأولى، إن ظنت أنه قد يؤثر على سلوكها، وأنه لن يتوب، ولا يلزمها مفارقة الزوج بمجرد معصيته وفسقه وعدم عفته. والله الموفق.
ـــــــــــــــــــ
الخلع بغير رضى الزوج!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 13/05/1426هـ
السؤال
السلام عليكم(9/175)
طلقني زوجي قبل بضعة أسابيع ثم راجعني، وأرغب في طلب الخلع، ويقول لي: إنه لن يقع في نفس الأخطاء (يعني عدم الإنفاق علي، وعدم إسكاني وغير ذلك، لأنني أنا التي كنت أدفع لكل شيء). لا أرغب في مواصلة المعيشة معه، وأريد أن أعرف إذا كان من حقه ألا يعطيني الخلع؟
الجواب
إن الزوج عليه أن ينفق على زوجته، وإذا طلبت الخلع بعد أن أنفق عليها فإن للزوج أن يقبل أو لا يقبل، هذا مذهب جمهور العلماء، وهو أن الزوج ليس ملزماً بقبول طلب المرأة للخلع، لكنه يستحب له أن يقبل إذا طلبت منه ذلك، وأن لا يمسكها وهي كارهة، ثم إذا أصرَّت على طلب الخلع فعلى القاضي أن يتدخل للنظر في المتسبِّب في الشقاق من الزوج أو الزوجة، وأن يبعث حكمين للنظر في شأنهما، يقول الله سبحانه وتعالى: (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) [النساء: 35]. فمسألة الحكمين مسألة مهمة في الشريعة، فإذا ظهر أن الضرر ناشئ من قبل الزوج أوقعا الطلاق وإذا ظهر أن الضرر ناشئ من قبل الزوجة طلبا منها أن تلتزم بآداب الزوجية، فإذا لم يقع بينهما صلح فإن القاضي يطلب من الزوج أن يقبل خلعها.
فمذهب جماهير العلماء أن قبول الخلع ليس واجباً على الزوج، وأن حديث ثابت بن قيس حينما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بطلاق زوجته التي طلبت الخلع، وقال: "أتردين عليه حديقته؟". فقالت: نعم. فأمره أن يفارقها، صحيح البخاري (5273)، إنما ذلك على سبيل الندب والاستحباب، وليس على سبيل الوجوب.
ـــــــــــــــــــ
هل يقع الخلع الصوري؟
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
رئيس المحكمة العامة بمحافظة بلقرن
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 15/07/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يعتبر الخلع نافذاً إذا قامت به امرأة عن طريق دفع رشوة لقاض، وبدون علم الزوج؟ فقد قامت امرأة بهذا الفعل، وحصلتْ على ورقة خلع مزور وعليها اعتماد القاضي موقعاً بخط يده؛ وذلك لحاجتها لها لتقديمها إلى سلطات الهجرة في إحدى الدول الأوربية، لأنها لا تستطيع الحصول على تأشيرة دخول لهذه الدولة بسبب مرض زوجها، والسلطات لن تمنحها تأشيرة الدخول بدون ورقة رسمية تثبت طلاقها أو انفصالها عن زوجها. فالمرأة ليست لها نية الطلاق أو الانفصال، وإنما فعلت ذلك للضرورة القصوى وحاجتها للتأشيرة.
وكذلك فإن المرأة لم تحضر أمام القاضي، وإنما تم ذلك بدفع بعض المال. ولم يطلع الزوج على أي شيء مما حصل.(9/176)
والسؤال: هل زواج المرأة ما زال صالحاً، مع أن الورقة قد صدرت من المحكمة بحسب ما ذكر أعلاه (بالرشوة) والزوج لم يعلم بكل ما حصل؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فزواج المرأة المذكورة في السؤال ما زال على حاله، ولا يقع عليه هذا الخلع؛ لأنه خلع باطل من أوجه:
أولاً: أنه لم يقع من الزوج، ومن شروط الخلع وقوعه من زوج يصح طلاقه.
ثانياً: أن فسخ الحاكم للنكاح بدون رضا الزوج أو حضوره لا يكون إلا في أحوال مخصوصة، كالشقاق بين الزوجين أو إيلاء الزوج أو غيبته ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك حاصلاً فيما ذكر في السؤال.
ثالثاً: أنه مبني على الرشوة وهي محرمة وملعون صاحبها وباطلة، وما بني على باطل فهو باطل.
رابعاً: أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وهذا الخلع صوري لا تقصد حقيقته، فلا عبرة به، وقد نص جمع من الفقهاء أن الخلع إذا وقع حيلة لا يقع، وذلك عندما يريد به الخروج من الطلاق المعلق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "خلع الحيلة لا يصح على الأصح، كما لا يصح نكاح المحلل؛ لأنه ليس المقصود منه الفرقة وإنما يقصد به بقاء المرأة مع زوجها كما في نكاح المحلل والعقد لا يقصد به نقيض مقصوده" أهـ [الإنصاف (22/124)]. وما ذكر في السؤال شبيه بذلك.
هذا كله على ظاهر ما جاء في سؤال السائلة، وعلى أن القاضي مسلم يحكم بشريعة الله تعالى، فإن كان القاضي خلاف ذلك فالحكم كما سبق من باب أولى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
تعيش في تعاسة مع زوجها
المجيب عفاف بنت حمد الونيس
عضو في الإدارة العامة لتقنية التعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/سوء العشرة
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
أنا امرأة مسلمة، متزوجة منذ سنوات عدة، وعندي طفلة عمرها بضع سنوات، أعيش حياة تعيسة مع زوجي من جميع النواحي، ولا توجد بيننا علاقة، وقد ظلمني كثيرًا خاصة أنه يشرب الخمر، ودائم السهر خارج البيت، وله عشيقة من الجنسية الروسية، وأنا تربيت في أسرة طيبة ومسلمة، لكني أحس الآن ببعدي عن الله، خاصة أنني مقصرة في الصلاة، وفي لحظة ضعف تعرفت على شخص محترم ومتزوج، ويريدني زوجة، وتعددت لقاءاتنا وحضنني وقبلني، وأنا الآن نادمة، وأخاف الله كثيرًا، وقلبي يحب هذا الرجل لكني أخاف الله ولا أعرف ما عقوبتي، وأخاف أن أقع في الزنى مع أنني طلبت الطلاق من زوجي كثيرًا لكنه لا يبالي(9/177)
لشيء، أنا تعيسة لأنني تغيرت وأغضبت الله، فهل ما فعلته عندما قبَّلني هذا الرجل يعتبر زنى، وما علي أن أفعل حتى يغفر الله لي؟ أرجوكم ساعدوني أنا تعيسة جدًّا.
الجواب
الأخت الكريمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
في البداية أسأل الله سبحانه وتعالى، لك الثبات على دينه، وأبشرك أن شأن المؤمن كله خير؛ كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". أخرجه مسلم (2999).
أما جواب السؤال فمن شقين:
الأول: يخص الزوج.
والثاني: يخص وضعك مع هذا الرجل.
أولًا: أريد أن أسألك: هل جربت مع زوجك سهام الليل؟ كما قال الشاعر:
سِهَامُ اللَّيلِ لَا تُخْطِي وَلَكِنْ لَهَا أَمَدٌ وَلِلْأَمَدِ انْقِضَاءُ
فإن كنت جربت الدعاء له في جوف الليل بالهداية والصلاح، وأن يرده الله إليك وإلى ابنته- ومع ذلك لم يحصل تحسن، فلعل ذلك من الابتلاء الذي لك أجر الصبر عليه، فإن لم تستطيعي الصبر فاسألي الله العافية.
أما بالنسبة لطلب الطلاق فهو أبغض الحلال إلى الله، ولكن إن كنت ترين أن المودة قد انقطعت بينكما لتعلق كل واحد منكما بآخر، فلا بأس من طلب الطلاق إن كان تاركًا للصلاة، جاحدًا لوجوبها، فإن أبى ففي دين الله سعة؛ فلك طلب الخلع عند القاضي الشرعي، وأنت، ولله الحمد، في بلد إسلامي لا يخلو من المحاكم الشرعية.
ثانيًا: هذا الرجل الذي وصفتيه بالمحترم فأسألك: ما معنى الاحترام؟ هل من يخلو بامرأة ويفعل معها ما ذكرت يسمى محترمًا؟! ما مقياس الاحترام، واحترام ماذا؟ هل هو احترام شعائر الله والوقوف عند المحرمات؟!
أقول: لابد من قطع علاقتك بهذا الرجل إلى حين إنهاء إجراءات الطلاق أو الخلع وانتهاء العدة، ثم يتقدم لخطبتك على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو لعل الله أن يبدلك خيرًا منه.
ـــــــــــــــــــ
هل الخلع يحقق لي السعادة؟
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/مشكلات الطلاق
التاريخ 12/02/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت موظفة بسيطة، قابلت رجلاً يكبرني في السن بأكثر من عشرين سنة، وأقمنا علاقة جنسية ولمدة طويلة، ثم تزوجنا، هو متزوج من زوجة أخرى، ومع ذلك وافقت، علاوة على أنني كانت لي علاقات سيئة مع رجال أجانب، وقد تزوجت(9/178)
زواجاً عرفياً أكثر من مرة، وقمت بأربع عمليات إجهاض، وغير ذلك من الذنوب والمعاصي والآثام والمنكرات، وطبعاً أهلي لا يعرفون شيئاً عن هذا، وقد حججت أنا وزوجي، لكني لا أصلي ولا ألتزم بالحجاب الشرعي، ومنذ حوالي ثلاث سنوات وأنا أفكر في الطلاق، رغم أنني مازلت أحبه وهو يحبني جداً، أنا أحس أنه يكذب علي كثيراً، أنا متأكدة أنه لا يخونني، ولكن إحساسي يقول لي يوجد شيء خطأ، وهو رافض الطلاق ويحاول أن يجعلني أُصلِّي، ولكني عنيدة، وكلما يسألني صليتِ؟ أقول: لا، هذا أمر بيني وبين ربنا، وأنا لا أحب أي شخص يفرض علي شيئاً، وحتى أجبره ليطلقني أقوم بالخروج من البيت كل يوم لوحدي، أذهب عند أهلي، ونروح سينما، أو أجلس على مقهى، وألبس لبساً ضيقاً، وأعمل مكياجاً جميلاً، وأرجع منتصف الليل، وأذهب إلى المصيف مع البنات لوحدنا، وألبس (المايوه)، وحتى الآن هو رافض موضوع الطلاق، ويقول غداً ربنا يهديني، والآن أنا أفكر في الخلع، ولكن ليس عندي سبب غير أنني غير مرتاحة، وأنا متأكدة أن مستقبلي سوف يكون أحسن بدون زوجي هذا، صديقة لي قالت: إذا طلبت الخلع سوف يأخذ منك كل شيء مثل الشقة، والسيارة، والذهب، وحتى الملابس من حقه أن يطلبها، وصديقة أخرى قالت: طالما كتب هذه الأشياء باسمك فلا يستطيع، أريد أن أعرف هذه الأشياء حتى أعرف ما أفعل، زوجي لم يضربني مرة واحدة، ولم يسبني أيضاً، ولم يعايرني بالماضي، ولكن أنا لا أريده، علماً أن ظروفه المالية الآن تعتبر حرجة، ولكن ليس هذا هو السبب. ماذا أفعل؟
والسلام عليكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخت السائلة: لقد قرأت كلامك في هذا السؤال أكثر من مرة، ووجدت أنك تكلمت بكل صراحة ووضوح، ولذا فإني أطلب منك أن تفتحي لي قلبك وترعي لي سمعك، وتقرئي ما سأكتبه لك؛ لأني سأتكلم بكل صراحة ووضوح، فأقول:
واضح أنك تبحثين عن الراحة والسعادة، ولكنك والله أخطأت طريقها، واضح أنك غافلة عما خلقت لأجله، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[الذاريات: 56] إنك - يا أختي - في أمسّ الحاجة إلى شيء واحد، هو التوبة النصوح مما اقترفتيه من الذنوب، أنت تعلمين أن الصلاة واجبة، بل هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفي الحديث قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" أخرجه الترمذي (2616)، وغيره من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، وأنت تعلمين أن ترك الصلاة حرام، بل هو كفر، قال صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة" أخرجه مسلم (82) من حديث جابر -رضي الله عنه-، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: (لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة) أخرجه مالك (84) في الموطأ، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه-: (من ترك الصلاة فلا دين له). فكيف تريدين السعادة والراحة وأنت لا تغتسلين من الجنابة ولا تصلين؟!(9/179)
إنه يجب عليك أن تتوبي إلى الله -تعالى- من الفواحش التي اقترفتيها بأي اسم سميتيها، فهي الزنا بعينه الذي قال الله - عز وجل- عنه: "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً"[الإسراء: 32]، لقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- حال الزناة والزواني في قبورهم أنهم في تنّور أسفله واسع، وأعلاه ضيق، وهم عراة يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا - أي صاحوا من شدة حرّه-. انظر ما أخرجه البخاري (1386) من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- نسأل الله العافية.
عند قوله تعالى: "لها سبعة أبواب" أي لجهنم، قال بعض السلف: (أشد الأبواب غمًّا وحرًّا وكرباً وأنتنها ريحاً للزناة الذين ارتكبوا الزنا بعد العلم).
أنت تعلمين أنه يجب عليك أن تتحجبي، وقد ذكرت أنك حاولت ولم تفعلي كيف لا تفعلين ذلك، وقد أمرك ربك وخالقك والذي شق سمعك وبصرك، وأصحّ بدنك، ورزقك العافية بقوله سبحانه وتعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن" [النور: 31]، فيأمر الله -تعالى- المؤمنات -أسأل الله أن يجعلك منهن- ألا ينظرن بأبصارهن إلى ما حرم الله، ويحفظن فروجهن من الزنا والفواحش، ولا يظهرن زينتهن إلا ما ظهر منها، ولا يمكين سترة من الثياب والعباءة ونحوها، وليرخين بخمرهن -أي حجابهن- على جيوبهن أي أعلا صدورهن، ولا يظهرن زينة إلا للمحارم ثم ذكرهم وهم: (الزوج، والأب، والابن... إلخ..)، وقال تعالى: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب" [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"[الأحزاب: 33]، أتدرين ما هو تبرج الجاهلية الأولى الذي نهى الله -عز وجل- عنه؟ إنه خروج المرأة ومشيها بين الرجال متكشفة -كما هو حالك الذي ذكرتيه في السؤال-، وقال تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً"[الأحزاب: 59]، فهذا أمر الله -تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- أن يأمر النساء بإدناء أي تقريب جلابيبهن، والمراد بها العباءة أن تقربها من رأسها وبدنها حتى تسترها وتتميز المرأة الحرّة بذلك.
يا أختي الكريمة: إن الحجاب للنساء عبادة وفطرة وحياء، وطهارة، وعفة، وكرامة، وسعادة، فإذا كنت تريدينها فدعي عنك التبرج والتهتك والتفسخ، ولا عذر لك في ذلك. إنني أنصحك بالبقاء مع زوجك هذا ما دام يحبك وتحبينه، وتتوبي إلى الله أنت وإياه مما اقترفتموه سابقاً، وتنجبون الأولاد، وتعيشون حياة هانئة سعيدة، إنه زوج فيه خير كثير، يأمر بالصلاة، ولا يعيرك، ولا يسبك، ويحبك، وأنت متأكدة أنه لا يخونك، فكيف تفرطين فيه؟ إن سبب ذلك هو ما تعيشينه من غفلة عما خلقت له حتى ظننتي أن السعادة في الحرية من كل شيء، لا تريدين أحداً يفرض عليك شيئاً، كأنك تريدين أن تعودي لما كنت عليه سابقاً من علاقات كثيرة، وزواج عرفي، وفساد، وهذا والله هو الضياع والتعاسة؛ ولذا أنت تقولين: (إن إحساسي بيقول فيه حاجة غلط، (إنني غير مرتاحة)، (وأنا متأكدة أن مستقبلي سوف يكون أحسن بدون(9/180)
زوجي هذا)، وأنا والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه - سبحانه وتعالى- متأكد أن حالك سيكون أشد تعاسة إذا طلقك زوجك وبقيت على حالة الغفلة التي أنت فيها.
إنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب مقنع -كما هو حالك-، قال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غيرما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" أخرجه الترمذي (1187)، وأبو داود (2226)، وابن ماجة (2055) من حديث ثوبان -رضي الله عنه-، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن المختلعات هنّ المنافقات" أخرجه الترمذي (1186)، وأبو داود (2226)، وابن ماجة (2055) من حديث ثوبان -رضي الله عنه-، إنني أكرر عليك مرة أخرى بأن تتوبي إلى الله -تعالى- وتعودي إليه، فإنه يحب التوابين ويفرح بهم، ويغفر ذنوبهم، ويستر عيوبهم، ويسعدهم مهما كانت الذنوب عظيمة، فإن الله يغفرها لمن تاب. قال عز وجل: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر: 53]. احمدي الله -تعالى- أنه أمهلك إلى الآن ولم يقبضك وأنت على تلك الفواحش والعظائم، واستدركي حالك قبل أن يفاجئك الموت فتندمي ولا ينفع الندم، إنك مع الإيمان والتوبة النصوح والعمل الصالح، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره، تسعدين وينشرح صدرك، وستقولين أين أنا من هذه السعادة، وعند الموت تعودين إلى ربك الذي وعد المؤمنين بالروح والريحان، ودخول الجنان، والنجاة من النيران، كم ستعيشين؟ مائة سنة؟ ثمانين سنة؟ سبعين سنة؟ أقل؟ أكثر؟ وكلها مليئة بالمنكرات والمنغصات، ثم تنتقلين إلى الآخرة، وهناك السعادة الأبدية أو التعاسة والشقاوة السرمدية. إن تلك السنوات المعدودة لا تساوي شيئاً عند حياة أبدية لا تنقطع، فلا تضيعيها بشهوة عابرة وضحكة ساخرة، وضياع وغفلة، قال تعالى: "يا قومي إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" [غافر: 39].
أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب أن يشرح صدرك، ويتوب عليك، ويمن عليك بالسعادة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى إسلامية - (ج 3 / ص 424)
عدة المختلعة وعدة المطلقة إذا طالت المدة
س - إذا طلقت المرأة بعد نشوز طالت مدتها إلى سنة أو سنتين أو أقل وإنما مضت مدة استبراء الرحم قبل الطلاق ، فهل تلزمها العدة أم لا ؟ أو يجوز أن تتزوج ولا عدة عليها وقد طلقها زوجها على عوض ولا يرغب الرجعة ؟
ج- إذا طلقت المرأة وجبت عليها العدةن بعد الطلاق ولو طالت مدتها بعيدها عن زوجها لقوله الله - سبحانه - " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " . ولأن النبي ، - صلى الله عليه وسلم -، أمر زوجة ثابت بن قيس لما اختلعت منه أن تعتد بعد الخلع بحيضة والصواب أنه يكفي المختلعة حيضة واحدة بعد الطلاق لهذا الحديث الشريف وهو مخصص للآية الكريمة المذكورة آنفاً ، فإن اعتدت المختلعة(9/181)
وهي المطلقة على مال بثلاث حيضان كان ذلك أكمل وأحوط خروجاً من خلاف بعض العلم القائلين بأنها تعتد بثلاث حيضات لعموم الآية المذكورة .
الشيخ ابن باز
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ابن الصلاح - (ج 2 / ص 33)
395 مسألة رجل حلف على زوجته بالطلاق الثلاث على فعل شيء يتكرر لا بد لها منه وهو النزول من منزله بدونه وعليه في ذلك مشقة شديدة هل يباح له الخلع مع كونه شافعي المذهب وكيف صفة الخلع
أجاب رضي الله عنه له الخلع والحالة هذه مع أن الأحوط أن يتجنبه لما فيه من خلاف العلماء وصفته أن تبذل له امرأته الرشيدة شيئا من صداقها أو غيره على أن يطلقها طلقة فيطلقها على ما بذلته بأن تقول طلقني طلقة على كذا وكذا فيقول في الحال طلقتك طلقة على هذا العوض الذي ذكرت ثم بعد ذلك يوجد المحلوف عليه والأولى تأخيره إلى ما بعد انقضاء عدتها ثم تجديد نكاحها بشروطه وتعود إليه بما بقي من عدد طلاقه والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الخلع
الفتوى رقم (/227 4 /227 )
س: ذكر في معروضه أنه طلق زوجته طلاق السنة، ويرغب
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 401)
استرجاعها. انتهى. وقد أرفق بالمعروض صكا صادرا من كاتب عدل حجاز بالقرن، المسجل بعدد (227) وتاريخ 19 / 11 / 1391 هـ، وقد جاء فيه هذا النص: تصالحنا وتراضينا بطوعنا واختيارنا، على أن يطلق الزوج (س. م) زوجته (ف. م) ويتنازل (ع. م. ش) عن جميع ما يدعيه لموكلته ضد زوج أخته، من نفقة وخلافهما لأخته ولأولادها، وطلق (س.م) زوجته (ف.م) طلاق السنة طلقة واحدة، اعتبارا من يوم 8 / 11 / س1391 هـ. انتهى المقصود.
بعد دراسة اللجنة للاستفتاء، ولما ورد في الصك أجابت بالجواب التالي: هذا الطلاق الذي حصل هو طلقة واحدة في مقابل تنازل (ع. م.ش) عن جميع ما يدعيه لموكلته ضد زوج أخته من نفقة وخلافها، وبما أنه طلاق مرتب على عوض، فيكون طلاقا بائنا بالنظر إلى ما صدر من الزوج من لفظ الطلاق على عوض، ويكون خلعا من جهة أنه طلاق في مقابل عوض، وبناء على ذلك فإذا لم تكن هذه الطلقة آخر ثلاث فله أن يتزوجها بعقد جديد، بشروطه ورضاها، وإن كانت هذه الطلقة آخر ثلاث، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وعلى ذلك حصل التوقيع.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 402)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس(9/182)
عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 33 )
س2: خالع زوجته الثانية (خ. م. م) على عوض ثلاثة آلاف ريال، استلمها بمجلس الخلع، فهل تحل له؟ انتهى. ومن المرفقات وثيقة تثبت هذا الخلع بشهود.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء والوثيقتين كتبت الجواب التالي: حيث جاء في الوثيقة المرفقة وقوع المخالعة بينك وبين زوجتك بثلاثة آلاف ريال، استلمتها منها بمجلس العقد، والوثيقة فيها شاهدان- فقد وقع الخلع، فلا تحل لك زوجتك إلا بعقد جديد، بشروطه ورضا منها، وعليه حصل التوقيع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... إبراهيم بن محمد آل الشيخ
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 411)
الفتوى رقم ( 8990 )
س: امرأة كرهت زوجها، لا تعيب فيه خلقا ولا دينا، ودفعت له كامل ما أخذته من صداق، فهل يجبر هذا الزوج على طلاق زوجته وإن كان متمسكا بها وهي كارهة جدا له؟
ج: إذا كرهت المرأة زوجها وخافت ألا تقيم حدود الله، شرع حينئذ الخلع، بأن ترد عليه ما أعطاها من الصداق ثم يفارقها؛ لحديث رواه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: البخاري 6 / 170، والنسائي 6 / 169 برقم (3463)، وابن ماجه 1 / 663 برقم (2056)، والدارقطني 3 / 254-255، والطبري في (التفسير) 4 / 552 برقم (4807)، ت: شاكر، والبيهقي 7 / 313، والبغوي 9 / 193 برقم (2349). امرأة ثابت بن قيس، أنها جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أني أخاف الكفر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أتردين عليه حديقته؟ "، فقالت: نعم، فردتها عليه، وأمره ففارقها رواه البخاري . وإذا حصل نزاع بينهما فإن مرد ذلك إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما.
(الجزء رقم : 19، الصفحة رقم: 412)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ(9/183)
الفتوى رقم ( 21355 )
س: سبق أن حصل خصام بيني وبين زوجتي الشرعية (ع. أ. م. ع) وقد رزقت منها بولد وبنت، وحيث قد حصل نزاع مما أدى إلى مخالعة هذه المرأة، وبرد مبلغ أربعين ألف ريال (40 000) قبضتها وصدر لها صك شرعي برقم (126) وتاريخ 24 / 6 / 1418 هـ، وتبين من هذه المرأة وولي أمرها رغبتها العودة إلي، فأرجو الفتوى في ذلك، وما يتوجب على رجوعها إلي؟ جزاكم الله خير الجزاء، والله يحفظكم.
ج: لا مانع من تزوجك لهذه المرأة التي خالعتها بعقد جديد ومهر جديد إذا حصل التراضي بينكما على ذلك؛ لأن الخلع يعتبر بينونة صغرى لا يمنع الزواج على الصفة المذكورة ما لم يكن هذا الطلاق آخر ثلاث تطليقات. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 19 / ص 44)
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 259)
باب الخلع
إذا كرهت الزوجة زوجها ولم تطقه وجب التفريق بينهما
س 118 : امرأة تزوجت ابن عمها ولم يكتب الله في قلبها له مودة ، وقد خرجت من بيته منذ ثلاث عشرة سنة ، وحاولت منه الطلاق أو المخالعة أو الحضور معه إلى المحكمة فلم يرض بذلك ، وهي تبغضه بغضا كثيرا ، تفضل معه الموت على الرجوع إليه ، وقد أسقطت نفسها من السطح لما أراد أهلها الإصلاح بينها وبينه ، فما الحكم ؟ نشر في ( مجلة الجامعة الإسلامية ) بالمدينة المنورة . .
ج : مثل هذه المرأة يجب التفريق بينها وبين زوجها المشار إليه ، إذا دفعت إليه جهازه ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه ، وسمحت برد حديقته إليه : أخرجه البخاري في ( كتاب الطلاق ) برقم ( 4867 ) والنسائي في ( كتاب الطلاق ) برقم ( 3409 ) . اقبل الحديقة وطلقها تطليقة . رواه
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 260)
البخاري في صحيحه ، ولأن بقاءها في عصمته ، والحال ما ذكر يسبب عليها أضرارا كثيرة ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أخرجه ابن ماجه في ( كتاب الأحكام ) باب من بنى في حقه ما يضر بجاره برقم ( 2340 ) وأحمد في ( باقي مسند الأنصار ) برقم ( 21714 ) . لا ضرر ولا ضرار ، ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولا ريب أن بقاء مثل(9/184)
هذه المرأة في عصمة زوجها المذكور من جملة المفاسد التي يجب تعطيلها وإزالتها والقضاء عليها ، وإذا امتنع الزوج عن الحضور مع المرأة المذكورة إلى المحكمة وجب على الحاكم فسخها من عصمته ، إذا طلبت ذلك وردت عليه جهازه للحديثين السابقين وللمعنى الذي جاءت به الشريعة واستقر من قواعدها ، وأسأل الله أن يوفق قضاة المسلمين ؛ لما فيه صلاح العباد والبلاد ؛ ولما فيه ردع الظالم من ظلمه ، ورحمة المظلوم وتمكينه من حقه ، وقد قال الله سبحانه : سورة النساء الآية 130 وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن باز - (ج 19 / ص 46)
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 261)
119 - حكم من طلق بالثلاث على عوض
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ القاضي بمحكمة ينبع ، وفقه الله لكل خير آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده :
يا محب كتابكم الكريم رقم ( 1664 ) وتاريخ 24/ 7/ 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما ، وهذا نصها وجوابها :
س 1 : شخص خالع زوجته مدخولته أو غير مدخولته ، بقوله : قد طلقتها بالثلاث مقابل ما استلمته منها ، وهو مبلغ ألف ريال ، وبعد قبولها لذلك حكمت بصحة الخلع وأفهمت المخالع بأن ليس له على مخالعته هذه رجعة حتى تنكح زوجا غيره ، حيث وقع الخلع بلفظ الطلاق بالثلاث ، وهذا الإفهام بناء على أن الخلع إذا حصل بلفظ الخلع والفسخ ، فلا ينقص به عدد الطلاق ، وتحل له مخالعته بعقد جديد بشرطه ، وكذا لو حصل بلفظ الطلاق بأقل من ثلاث .
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 262)
ج : هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء كما لا يخفى ، والجمهور على ما ذكرتم من تحريمها على المطلق , حتى تنكح زوجا غيره ؛ لكونه طلقها بالثلاث ، ولو كان ذلك بكلمة واحدة بناء على ما رآه عمر - رضي الله عنه - في إمضاء الثلاث الواقعة بكلمة واحدة ، وذهب ابن عباس - رضي الله عنه - في رواية صحيحة عنه ، وجماعة من السلف والخلف إلى أنه لا يقع من الطلقات الثلاث التي أوقعها الزوج ، بكلمة واحدة إلا طلقة واحدة ؛ عملا بحديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم رحمه الله ، وبحديثه الثاني المخرج في مسند الإمام أحمد بسند جيد ، في قصة أبي ركانة ، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله ، وهو الذي نفتي به من نحو ثلاثين سنة لظهور دليله ، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين ، وحل مشكلات عائلية كثيرة ، والله سبحانه ولي التوفيق ، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في كتبه : ( زاد المعاد ) و( إعلام الموقعين ) و( إغاثة اللهفان ) وغيرها .
ـــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 265)(9/185)
121- طلاق الخلع يقع بينونة صغرى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم الحدود الشمالية وفقه الله ، آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده صدرت برقم ( 1157 ) في 21/ 6/ 1391هـ :
خطابكم الكريم المؤرخ 15/ 6/ 1391هـ وصل ، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن صفة الطلاق الواقع من الزوج م . س . على زوجته ، وهو : أنه طلقها بالثلاث بكلمة واحدة على عوض أربعمائة ريال كان معلوما ، وقيد أفاد الزوج المذكور أنه لم يطلقها قبل ذلك ، وأن زوجته ترغب العود إليه ، وإنما قالت عند فضيلتكم : إنها لا ترغب العود إليه ، خوفا من بعض أوليائها ، وعرض علي ورقة تتضمن هذا المعنى .
وبناء عليه فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة ، وله العود إليها بنكاح جديد ؛ لأن طلاقها في حكم الخلع ، وهو يبينها بينونة صغرى ، كما لا يخفى إذا لم يثبت لدى فضيلتكم أنه طلقها قبل هذا الطلاق طلقتين ، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 266)
من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على أن طلاقه المذكور يعتبر طلقة واحدة . فأرجو من فضيلتكم إشعار المرأة ووليها بذلك . وفق الله الجميع لما يرضيه وبارك في جهود فضيلتكم ، إنه خير مسئول ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــ
وفي نيل الأوطار :
كِتَابُ الْخُلْعِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ) .
2878 - ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : وَاَللَّهِ مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ، لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَدِيقَتَهُ وَلَا يَزْدَادَ } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ) .
2879 - ( وَعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ : { أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ثَابِتٍ ، فَقَالَ لَهُ : خُذْ الَّذِي لَهَا عَلَيْكَ وَخَلِّ سَبِيلَهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } رَوَاهُ النَّسَائِيّ ) .(9/186)
2880 - ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ) .
2881 - ( وَعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ : { أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ ) .
وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ : { أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، وَكَانَ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ وَزِيَادَةً ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا وَلَكِنْ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَأَخَذَهَا لَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهَا ؛ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ : قَدْ قَبِلْت قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ : سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ) .
الشَّرْحُ
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَزْهَرَ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ صَدُوقٌ مُسْتَقِيمُ الْحَدِيثِ ، وَبَقِيَّةُ إسْنَادِهِ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ .
وَحَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْأَوَّلُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ هَكَذَا : حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ ، أَخْبَرَنِي شَاذَانَ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ ، الْحَدِيثَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثِقَةٌ ، وَشَاذَانُ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ هُوَ وَأَبُوهُ .
وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ .
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ اسْمُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ .
فَالْحَدِيثُ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّالِثُ قَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُسْنَدًا .
وَحَدِيثُ الرُّبَيِّعِ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَادَةَ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ : { اخْتَلَعْت مِنْ زَوْجِي ، فَذَكَرَتْ قِصَّةً وَفِيهَا أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْضَةً ، قَالَتْ : وَتَبِعَ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ .
} .
وَحَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ مَعَ كَوْنِهِ مُرْسَلًا قَوْلُهُ : ( كِتَابُ الْخُلْعِ ) .
بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ هُوَ فِي اللُّغَةِ : فِرَاقُ الزَّوْجَةِ عَلَى
مَالٍ ، مَأْخُوذٌ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِبَاسُ الرَّجُلِ مَعْنًى .(9/187)
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ إلَّا بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ التَّابِعِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ فِي مُقَابِلِ فِرَاقِهَا شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فَادَّعَى نَسْخَهَا بِآيَةِ النِّسَاءِ ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ .
وَتُعُقِّبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ } وَبِقَوْلِهِ فِيهِمَا : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } الْآيَةَ ، وَبِأَحَادِيثِ الْبَابِ ، وَكَأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُ .
وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ عَلَى اعْتِبَارِهِ ، وَأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ مَخْصُوصَةٌ بِآيَةِ الْبَقَرَةِ وَبِآيَتَيْ النِّسَاءِ الْآخِرَتَيْنِ .
وَهُوَ فِي الشَّرْعِ : فِرَاقُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بِبَدَلٍ يَحْصُلُ لَهُ .
قَوْلُهُ : ( امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالرُّبَيِّعِ أَنَّ اسْمَهَا جَمِيلَةُ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ اسْمَهَا زَيْنَبُ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ لِإِسْنَادِهَا وَثُبُوتِهَا مِنْ طَرِيقَيْنِ .
وَبِذَلِكَ جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ .
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا بِنْتُ سَلُولَ ، وَفِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ وَأَبِي الزُّبَيْرِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهَا بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهَا بِنْتُ أُبَيٍّ ، فَقِيلَ : إنَّهَا أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَجَزَمَا بِأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إنَّهَا بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ وَهْمٌ ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِاتِّحَادِ اسْمِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَأَنَّ ثَابِتًا خَالَعَ الثِّنْتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى قَالَ الْحَافِظُ : وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ ، وَقَدْ كَثُرَتْ نِسْبَةُ الشَّخْصِ إلَى جَدِّهِ
إذَا كَانَ مَشْهُورًا ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ حَتَّى يَثْبُتَ صَرِيحًا .
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّ اسْمَهَا مَرْيَمُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : اضْطَرَبَ الْحَدِيثُ فِي تَسْمِيَةِ امْرَأَةِ ثَابِتٍ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ تَعَدَّدَ مِنْ ثَابِتٍ انْتَهَى .
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ { عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْمٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَهَا عِنْدَ بَابِهِ فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ : أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ ، قَالَ : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ } الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَصْحَابُ السُّنَنِ ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتٍ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : اُخْتُلِفَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَذَكَرَ الْبَصْرِيُّونَ أَنَّهَا جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ ، وَذَكَرَ الْمَدَنِيُّونَ أَنَّهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ .
قَالَ الْحَافِظُ : الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا لِامْرَأَتَيْنِ لِشُهْرَةِ الْخَبَرَيْنِ وَصِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ وَاخْتِلَافِ السِّيَاقَيْنِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي تَسْمِيَةِ جَمِيلَةَ وَنِسْبَتِهَا ، فَإِنَّ سِيَاقَ قِصَّتِهَا مُتَقَارِبٌ فَأَمْكَنَ رَدُّ الِاخْتِلَافِ فِيهِ إلَى الْوِفَاقِ ، انْتَهَى .
وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ : إنَّهَا سَهْلَةُ بِنْتُ حَبِيبٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ وَلَكِنَّهُ انْقَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ .(9/188)
قَوْلُهُ : ( إنِّي مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا ، وَالْعَتَبُ هُوَ الْخِطَابُ بِالْإِدْلَالِ قَوْلُهُ : ( فِي خُلُقٍ ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا : أَيْ لَا أُرِيدُ مُفَارَقَتَهُ لِسُوءِ خُلُقِهِ وَلَا لِنُقْصَانِ
دِينِهِ .
قَوْلُهُ : ( وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ) أَيْ كُفْرَانَ الْعَشِيرِ وَالتَّقْصِيرَ فِيمَا يَجِبُ لَهُ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْبُغْضِ لَهُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهَا أَنَّ شِدَّةَ كَرَاهَتِهَا لَهُ قَدْ تَحْمِلُهَا عَلَى إظْهَارِ الْكُفْرِ لِيَنْفَسِخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ .
وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ { لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا } وَظَاهِرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهَا : { مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَدِينٍ } أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ بِهَا شَيْئًا يَقْتَضِي الشَّكْوَى مِنْهُ ، وَيُعَارِضُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ الْمَذْكُورِ { أَنَّهُ ضَرَبَهَا فَكَسَرَ يَدَهَا } .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ تَشْكُهُ لِذَلِكَ بَلْ لِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْبُغْضُ أَوْ قُبْحُ الْخِلْقَةِ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( حَدِيقَتَهُ ) الْحَدِيقَةُ : الْبُسْتَانُ .
قَوْلُهُ : ( اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ : هُوَ أَمْرُ إرْشَادٍ وَإِصْلَاحٍ لَا إيجَابٍ .
وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْ حَقِيقَتِهِ ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَخْذٌ الْعِوَضِ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا كَرِهَتْ الْبَقَاءَ مَعَهُ .
وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْفِدْيَةِ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَرَى عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا ، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُمَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاسْتَدَلَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } مَعَ قَوْله تَعَالَى : { إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ فَسَّرَتْ الْمُرَادَ بِالْفَاحِشَةِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَعَلَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُمَا ، وَحَمَلَ الْحَافِظُ كَلَامَهُمَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ فَقَطْ ، وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ أَحَادِيثُ الْبَابِ لِأَنَّ
الْكَرَاهَةَ فِيهَا مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ، وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الشِّقَاقِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ الْخُلْعِ .
وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقَعَ الشِّقَاقُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَبِذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِبُغْضِ الزَّوْجِ لَهَا ، فَنُسِبَتْ الْمُخَالَفَةُ إلَيْهِمَا لِذَلِكَ .
وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ اعْتِبَارِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْسِرْ ثَابِتًا عَنْ كَرَاهَتِهِ لَهَا عِنْدَ إعْلَانِهَا بِالْكَرَاهَةِ لَهُ .
قَوْلُهُ : ( تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً ) اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ : إنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ لَا طَلَاق .
وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَالنَّاصِرِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَطَاوُسٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ أَيْضًا عَنْ الصَّادِقِ وَالْبَاقِرِ وَدَاوُد وَالْإِمَامِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ .
وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ .(9/189)
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ الرُّبَيِّعِ أَنَّ الْخُلْعَ لَوْ كَانَ طَلَاقًا لَمْ يَقْتَصِرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَمْرِ بِحَيْضَةٍ .
وَأَيْضًا لَمْ يَقَعْ فِيهِمَا الْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ بَلْ الْأَمْرُ بِتَخْلِيَةِ السَّبِيلِ .
قَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ : إنَّهُ بَحَثَ عَنْ رِجَالِ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا فَوَجَدَهُمْ ثِقَاتٍ .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا لِكَوْنِهِ فَسْخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } ثُمَّ ذَكَرَ الِافْتِدَاءَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا ، لَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّابِعُ وَبِحَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ { أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتٍ : خُذْ مِنْهَا ، فَأَخَذَ وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا } وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الطَّلَاقَ وَلَا زَادَ عَلَى الْفُرْقَةِ .
وَأَيْضًا لَا يَصِحُّ جَعْلُ الْخُلْعِ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَا رَجْعِيًّا .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إهْدَارٌ لِمَالِ الْمَرْأَةِ الَّذِي دَفَعَتْهُ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتٍ بِالطَّلَاقِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ الْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ : { وَخَلِّ سَبِيلَهَا } وَصَاحِبُ الْقِصَّةِ أَعْرَفُ بِهَا ، وَأَيْضًا ثَبَتَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِتَخْلِيَةِ السَّبِيلِ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ وَأَبِي الزُّبَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ : { وَفَارِقْهَا } وَثَبَتَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ أَيْضًا عِنْدِ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ : { وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا } وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ الْوَاحِدِ .
وَأَيْضًا قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْحَدِيثُ بِدُونِ ذِكْرِ الطَّلَاقِ مِنْ طَرِيقَيْنِ كَمَا فِي الْبَابِ .
وَأَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ فَسْخٌ ، وَيَبْعُدُ مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى خِلَافِ مَا يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَكِنَّهُ
ادَّعَى شُذُوذَ ذَلِكَ عَنْهُ .
قَالَ : إذْ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ إلَّا طَاوُسٌ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ طَاوُسًا ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ فَلَا يَضُرُّ تَفَرُّدُهُ ، وَقَدْ تَلَقَّى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ ، وَلَا أَعْلَمُ مَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ ، إلَّا وَجَزَمَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرَاهُ فَسْخًا انْتَهَى .
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ : أَنَّهُ احْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } انْتَهَى وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَيُجَابُ عَنْهُ أَوَّلًا بِمَنْعِ انْدِرَاجِ الْخُلْعِ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، وَثَانِيًا بِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ طَلَاقٌ لَكَانَ ذَلِكَ الْعُمُومُ مُخَصَّصًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ فَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّسْلِيمِ طَلَاقًا عِدَّتُهُ حَيْضَةٌ .(9/190)
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا عَلَى كَوْنِهِ طَلَاقًا بِأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ : قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ : إنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ ، انْتَهَى .
وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي مَقَامِ النِّزَاعِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ إمَّا الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ أَوْ الْقِيَاسُ أَوْ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافٍ فِي الْأَخِيرَيْنِ .
وَأَيْضًا قَدْ عَارَضَ حِكَايَةَ التِّرْمِذِيِّ حِكَايَةُ ابْنِ الْقَيِّمِ فَإِنَّهُ قَالَ : لَا يَصِحُّ عَنْ صَحَابِيٍّ أَنَّهُ طَلَاقٌ أَلْبَتَّةَ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَيْضًا : وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ أَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ كُلُّهَا مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْخُلْعِ : أَحَدُهَا : أَنَّ الزَّوْجَ أَحَقُّ بِالرَّجْعَةِ فِيهِ .
الثَّانِي
: أَنَّهُ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ فَلَا تَحِلُّ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ فِي الْخُلْعِ ، انْتَهَى .
قَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ فِي بَحْثٍ لَهُ : وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا ، يَعْنِي الزَّيْدِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ ذَكَرَهَا .
وَأَجَابَ عَنْهَا بِوُجُوهٍ حَاصِلُهَا أَنَّهَا مَقْطُوعَةُ الْأَسَانِيدِ ، وَأَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِمَا هُوَ أَرْجَحُ ، وَأَنَّ أَهْلَ الصِّحَاحِ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ لَك رُجْحَانُ كَوْنِهِ فَسْخًا ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلسُّنَّةِ ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْحَيْضِ ، وَيَقُولُ بِوُقُوعِهِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ جُمْلَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ الَّتِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْأَزْوَاجِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ عَدَمُ اسْتِفْصَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ لِسَبْقِ الْعِلْمِ بِهِ .
وَقَدْ اشْتَرَطَ فِي الْخُلْعِ نُشُوزَ الزَّوْجَةِ الْهَادَوِيَّةُ .
وَقَالَ دَاوُد وَالْجُمْهُورُ : لَيْسَ بِشَرْطٍ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ اشْتَرَتْ الطَّلَاقَ بِمَالِهَا ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ فِيهِ الرَّجْعَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَلَاقٌ .
قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ : إنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ، هُوَ طِيبُ الْمَالِ لِلزَّوْجِ لَا الْخُلْعُ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ السِّيَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } قَوْلُهُ : ( أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا ) اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ : إنَّ الْعِوَضَ مِنْ الزَّوْجَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا دَفَعَ إلَيْهَا الزَّوْجُ لَا بِأَكْثَرَ
مِنْهُ .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا وَلَا يَزْدَادَ } وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدٍ ، قَالَ أَيُّوبُ : لَا أَحْفَظُ فِيهِ " وَلَا يَزْدَادَ " وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ { وَكَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى } ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ .
قَالَ : وَوَصَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .(9/191)
وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ : هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ ، يَعْنِي : الصَّوَابُ إرْسَالُهُ ، وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يُعْتَضَدُ مُرْسَلُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : إنَّهُ سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْحَافِظُ : فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِلَّا فَيُعْتَضَدُ بِمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ .
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا .
وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْهَادَوِيَّةِ .
وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ : مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى لَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ .
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ .
قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا لِيَدَعْ لَهَا شَيْئًا .
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُخَالِعَ الْمَرْأَةَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا .
قَالَ مَالِكٌ : لَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ قَالَتْ : " كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّي كَلَامٌ وَكَانَ زَوْجَهَا ، قَالَتْ : فَقُلْت لَهُ : لَك كُلُّ شَيْءٍ وَفَارِقْنِي ، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ، فَأَخَذَ وَاَللَّهِ كُلَّ فِرَاشِي ، فَجِئْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ ، فَقَالَ : الشَّرْطُ أَمْلَكُ ، خُذْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى عِقَاصَ
رَأْسِهَا " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَجَازَ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : { كَانَتْ أُخْتِي تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَارْتَفَعَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا : أَتَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : وَأَزِيدُهُ ، فَخَلَعَهَا ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَزَادَتْهُ } وَهَذَا مَعَ كَوْنِ إسْنَادِهِ ضَعِيفًا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَرَّرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ ، بَلْ أَمَرَهَا بِرَدِّ الْحَدِيقَةِ فَقَطْ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ قَوْلِهَا : " وَأَزِيدُهُ " تَقْرِيرٌ .
وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فَإِنَّهُ عَامٌّ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ الزِّيَادَةِ مُخَصِّصَةٌ لِهَذَا الْعُمُومِ وَمُرَجَّحَةٌ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلتَّقْرِيرِ لِكَثْرَةِ طُرُقُهَا وَكَوْنِهَا مُقْتَضِيَةً لِلْحَصْرِ وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ الْإِبَاحَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ .
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ إذَا كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالتَّحْرِيمِ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ } وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ { مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ } وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ .
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ } وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ نَظَرٌ .
الروضة الندية - (ج 2 / ص 288)
باب الخلع(9/192)
وفيه شناعة ما ، لأن الذي أعطاه من المال قد وقع في مقابلة المسيس وهو قوله تعالى وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في اللعان حيث قال : إن صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ومع ذلك فربما تقع الحاجة إلى ذلك فذلك قوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به قلت : دلت الآية الأولى على النهي عن الخلع والثانية على جوازه فتكلم الفقهاء في ترتيبهما . قال البغوي وغيره إذا آذاها بمنع بعض حقوقها حتى ضجرت فاختلعت نفسها فهذا الفعل منه حرام . ولكن الخلع نافد لأن الله تعالى قال في صورة النهي ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن والعضل التضييق والمنع . وقال : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وهذا إشارة طموح بصره إلى غيرها من غير أن يرى منها التقصير . والخلع المباح بلا كراهية أن تكره المرأة صحبة الزوج ولا يمكنها القيام بأداء حقوقه فتخرج فتخلع نفسها لقوله تعالى إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله إلى أن قال : فلا جناح عليهما ولتقريره صلى الله عليه وسلم حبيبة بنت سهل على الخلع حين ذكرت الشقاق . ولو اختلعت نفسها بلا سبب فجائز مع الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يفتشوا عن سبب الإختلاع من جانبها . وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق .
أقول : في قولهم هذا الفعل منه حرام ولكن الخلع نافذ نظراً لأن قوله تعالى : لا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وقوله : لا يحل لكم نصان في تحريم أخذ البدل وهو يقتضي بطلان العقد كما في كثير من مسائل البيوع فإما أن يكون العقد باطلاً من أصله أو يمضي الطلاق ويرد عليها ما لها كما قال مالك والله تعالى أعلم .
واتفق أهل العلم على أنه إن طلقها على مال فقبلت فهو طلاق بائن . واختلفوا في الخلع فقال أبو حنيفة : تطليقة بائنة وهو أصح قولي الشافعي وله قول أنه فسخ وليس بطلاق ولا ينقص به العدد كذا في المسوى .
وإذا خالع الرجل امرأته كان أمرها إليها بعد الخلع لا ترجع إليه بمجرد الرجعة ويجوز بالقليل والكثير ما لم يجاوز ما صار إليها منه لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ، قالت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها وفي رواية لابن ماجة والنسائي بإسناد رجاله ثقات أنها قالت : لا أطيقه بغضاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته قالت : نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الحديقة ولا يزداد وفي رواية للدارقطني بإسناد صحيح أن أبا الزبير قال إنه كان أصدقها حديقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت : نعم وزيادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الزيادة فلا ولكن حديقته قال : نعم فهذه الفرقة إنما كانت بسبب ماافتدت به المرأة فلو لم يكن أمرها إليها كانت الفدية ضائعة . وقد أفاد ما ذكرناه أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ منها أكثر(9/193)
مما صار إليها منه . وقد ذهب إلى هذا علي وطاوس وعطاء والزهري وأبو حنيفة وأحمد واسحق . وذهب الجمهور إلى أنه يجوز أن يأخذ منها زيادة على ما أخذت منه استدلالاً بقوله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به فإنه عام للقليل والكثير . ويجاب بأن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لذلك كحديث أما الزيادة فلا صححه الدارقطني فصلح لتخصيص ذلك العموم كما هو الحق عند الماتن رحمه الله من جواز تخصيص عموم القرآن بالآحاد . ومذاهب
الصحابة فمن بعدهم في هذا مختلفة مبسوطة في المطولات . وأما ما أخرجه البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : كانت أختى تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : أتردين حديقته قالت : وأزيد عليها فردت عليه حديقته وزادته ففي إسناده ضعف مع أنه لا حجة فيه لأنه لم يقررها على تسليم الزيادة وأيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله يدل على منع الأخذ مما آتوهن إلا مع ذلك الأمر فلا بأس بأن يأخذوا مما آتوهن لا كله فضلاً عن زيادة عليه .
ولا بد من التراضي بين الزوجين على الخلع أو إلزام الحاكم مع الشقاق بينهما لقوله تعالى : فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأما اعتبار الزام الحاكم فلارتفاع ثابت وامرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلزامه بأن يقبل الحديقة ويطلق ولقوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها وهذه الآية كما تدل على بعث حكمين تدل على اعتبار الشقاق في الخلع . ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ويدل عليه قصة امرأة ثابت المذكورة وقولها أكره الكفر بعد الإسلام ، وقولها لا أطيقه بغضاً . فلهذا اعتبرنا الشقاق في الخلع .
وهو فسخ وليس بطلاق . ولكن قال الماتن رحمه الله في حاشية الشفاء بخلاف ما قال ههنا ، ورجح أن الخلع طلاق وليس بفسخ وقال هذا هو الحق لأن الله سبحانه ذكر أحكام الخلع بعد قوله : الطلاق مرتان والضمائر من آيات الإختلاع راجعة إلى ذلك كقوله : إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله وقوله : فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقد سماه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم طلاقاً كما في صحيح البخاري وغيره . فإنه قال لثابت بن قيس اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ولا يعارضه ما روي في سنن النسائي أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمرها أن تعتد بحيضة وكذلك في سنن أبي داود لأنه ملازمة بين الاعتداد بحيضة وبين الفسخ بل إذا ورد في بعض المطلقات ما يدل على مخالفة عدتها لعدة سائر المطلقات المصرح بها في القرآن كان ذلك مخصصاً لعموم العدة ، وقد أطال ابن القيم الكلام على ذلك ورجح أن الخلع فسخ ولم يأت ببرهان يشفى سوى ما ذكرنا من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لها أن تعتد بحيضة وهو في غير محل النزاع كما عرفت انتهى .
ثم رجح في فتاواه المسماة بالفتح الرباني كون الخلع فسخاً وقال : الظاهر أنه فسخ لا طلاق ، وهو قول جماعة من العلماء منهم ابن عباس رواه عنه ابن عبد البر في التمهيد ، وكذلك رواه عن أحمد واسحق وداود وهو قول الصادق والباقر ، وأحد قولي الشافعي ، ومن قال بذلك لم يشترط فيه أن يكون للسنة ، وأجازه في الحيض(9/194)
وأوقعه وإن كان لا يرى وقوع الطلاق البدعي ، واحتجوا لذلك بقول الله تعالى الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء ثم عقبة بقوله : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فلو كان الاقتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع . وبحديث الربيع أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فأمرها النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة أخرجه الترمذي . وبحديث ابن عباس الآتي في قصة امرأة ثابت بن قيس قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : بحثت عن رجال الحديثين معاً فوجدتهم ثقات . ولحديث رواه مالك عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها قالت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يارسول الله كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت : خذ منها فأخذ وجلست في أهلها قال ابن عبد البر لم يختلف على مالك في هذا الحديث وهو حديث مسند صحيح ووجه دلالته أنه لم يذكر فيه طلاقاً ولا زاد على الفرقة ، ويدل على ذلك من النظر أنه لا يجعله طلاقاً بائناً ولا رجعياً . أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة . وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة ولا يرد على هذا أعني الاكتفاء في العدة بحيضة قول الله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء لأن الخلع عندهم فسخ لا طلاق فلا يندرج تحت عمومه سلمنا . فالآية في الطلاق الرجعي بدليل آخرها وهو قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن سلمنا . فالآية عامة وأدلتنا خاصة . وذهب الجمهور إلى أنه طلاق مستدلين
بحديث ابن عباس عند البخاري ، وأبي داود بلفظ طلقها تطليقة قلنا ثبت من حديث المرأة نفسها عند الموطأ وأبي داود والنسائي بلفظ وخل سبيلها وعند أبي داود من حديث عائشة بلفظ وصاحب القصة أخص بها قال ابن القيم رحمه الله : لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة . وقال الخطابي في معالم السنن : أنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقوله تعالى الطلاق مرتان انتهى . ومخالفة الراوي لما روى دليل على علمه بناسخ لوجوب حمله على السلامة . قال الترمذي : قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة الطلاق . قلت : قد عرفت أن ابن القيم قال أنه لم يصح عن صحابي ، وعرفت الأدلة الدالة على أن العدة بحيضة ، ولاحجة في أحد غير الشارع . قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : وقد استدل الزيدية في أنه طلاق بثلاثة أحاديث ، وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد ، وأنها معارضة بما هو أرجح ، وأن أهل الصحاح لم يذكروها . واختلف العلماء أيضاً في شروط الخلع ، فالزيدية جعلوا منها النشوز وهو قول داود الظاهري والجمهور على أنه ليس بشرط وهو الحق ، لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها ولذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق . قال العلامة ابن الوزير : ثم تأملت فإذا الأمر المشترط فيه خوف أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع لقوله تعالى : فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ولم يقل في الخلع . يوضحه أنه لوضارها حرم عليه لقوله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن انتهى . ثم قال في السيل الجرار بعد ذكر أدلة الفريقين الدالة على أن الخلع طلاق أو فسخ ما نصه: فهذه الآحاديث تدل على(9/195)
أنه فسخ لا طلاق . قال : والذي ينبغي الجمع به هو أن عدة الخلع حيضة لا غير ، وليس الغير سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره مما يشعر بتخلية السبيل أو بتركها وشأنها من دون أن يجري منه لفظ قط
. قد يكون الوارد في هذا الطلاق الكائن في الخلع مخصصاً لما ورد في عدة المطلقة فتكون عدة الطلاق ثلاثة قروء إلا إذا كان الطلاق مع الإفتداء فإنه حيضة واحدة ، ولا تحسب عليه طلقة إلا إذا جاء بلفظ الطلاق أو بما يدل عليه ، لا إذا لم يقع منه لفظ البتة بل تركها وشأنها فإن هذا لا يحسب عليه طلاقاً بهذا التقرير تجتمع الأدلة ويرتفع الأشكال على كل تقدير ، وأما كونه يمنع الرجعة فلما قدمنا أن الطلاق لا يتبع الطلاق انتهى .
وعدته حيضة لحديث الربيع بنت معوذ عند النسائي في قصة امرأة ثابت أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال له : خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال : نعم فأمرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة واحدة وتلحق بأهلها ورجال إسناده كلهم ثقات . ولها حديث آخر عند الترمذي والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمرها أن تعتد بحيضة وفي إسناده محمد بن اسحق وقد صرح بالتحديث . وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس إختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة وأخرج الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح عن أبي الزبير وفيه فأخذها وخلى سبيلها قال الدارقطني : سمعه أبو الزبير من غير واحد فهذه الأحاديث كما تدل على أن العدة في الخلع حيضة ، تدل على أنه فسخ ، لأن عدة الطلاق ثلاث حيض ، وأيضاً تخلية السبيل هي الفسخ لا الطلاق ، وأما ما وقع في بعض روايات الحديث أنه طلقها تطليقة فقد أجيب عن ذلك بجوابات طويلة قد أودعها الماتن في شرح المنتقى فليرجع إليه . قال ابن القيم : واختلف الناس في عدة المختلعة فذهب اسحق وأحمد في أصح الروايتين عنه دليلاً أنها تعتد بحيضة واحدة وهو مذهب عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وقد حكى إجماع الصحابة ولا يعلم لهما مخالف وقد دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة دلالة صريحة وعذر من خالفها أنها لم تبلغه أو لم تصح عنده أوظن الإجماع على خلاف موجبها . فهذا القول هو الراجح في الأثر والنظر . أما رجحانه أثراً فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المختلعة قط أن تعتد بثلاث حيض بل قد روى أهل السنن عنه من حديث الربيع بنت معوذ وحديث امرأة ثابت بن قيس المتقدمة وهذه الأحاديث لها طرق يصدق بعضها بعضاً فيكفي في ذلك فتاوي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو جعفر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ هو إجماع من الصحابة
انتهى حاصله *
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 251)
الطلاق بعوض "الخلع":
شروط الخلع.
بدل الخلع وشروطه.(9/196)
أحكام الخلع.
المبحث الأول
في التعريف بالخلع وتكييفه الفقهي
الخَلع بفتح الخاء يستعمل في الأمور الحسية كخلع ثوبه خلعاً أزاله عن بدنه، وفي الأمور المعنوية كخلع الرجل امرأته خلعاً إذا أزال زوجيتها، وخلعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه.
والخلع بالضم يستعمل في الأمرين أيضاً لكن الخلاف في أنه حقيقة في إزالة الزوجية أو مجاز باعتبار أن المرأة لباس للرجل وبالعكس "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، هذا وقد قال الفقهاء: إن العرف خص استعمال الخلع بالفتح في إزالة غير الزوجية، والخلع بالضم في إزالة الزوجية، وعرفه فقهاء الحنفية بأنه: إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة.
وهذا التعريف يفيد أن الخلع عندهم لا يتحقق إلا إذا توفرت فيه الأمور الآتية:
-1 أن يكون ملك المتعة قائماً حتى يمكن إزالته. بقيام الزوجية حقيقة أو حكماً، فإذا لم تكن قائمة لا يتحقق كما لا يكون في النكاح الفاسد خلع لأنه لا يفيد ملك المتعة.
-2 أن يكون بلفظ الخلع أو ما في معناه كالإبراء والافتداء، كأن يقول لها: خالعتك على كذا أو بارأتك على كذا أي فارقتك على كذا، أو افتدي نفسك بكذا، وتقول المرأة: قبلت، ولو قال لها: طلقتك على مائة مثلاً لم يكن خلعاً بل طلاقاً على مال، والخلع والطلاق على مال يختلفان في بعض الأحكام فكان لابد من التمييز بينهما في الصيغة التي يقع بها كل منهما.
-3 أن يكون في نظير عوض من جهة الزوجة سواء كان مالاً أو غير مال كما سيأتي تفصيله فإن ذكر العوض فالأمر ظاهر، وإن لم يذكر بأن قال لها: خالعتك أو بارأتك فقط يرجع إلى نيته فإن نوى به الخلع وقع وانصرف البدل إلى مهرها وتوقف على قبولها، وإن نوى به الطلاق كان طلاقاً بائناً بدون توقف على قبول الزوجة، وإن لم ينو به شيئاً ولم توجد قرينة تدل على إرادة أحدهما لا يقع به شيء.
-4 رضا الزوجة به إذا صدر من الزوج، ورضا الزوج إذا صدر من الزوجة، لأنه ليس إسقاطاً محضاً كما في الطلاق المجرد بل فيه معنى المعارضة وبخاصة من جهة المرأة، فلو صدر من الزوج ولم تقبل الزوجة لا يقع به شيء، وكذلك لو قالت المرأة خالعني على مائة مثلاً ولم يقبل الزوج.
أبو حنيفة يرى أن الخلع يعتبر يميناً من جانب الزوج لأن الزوج الذي يقول لزوجته خلعتك على مائة دينار يكون هذا القول منه تعليقاً للطلاق على قبولها دفع المائة، وكأنه قال لها : إن دفعت مائة دينار خلعتك، والتعليق يسمى يميناً في اصطلاح الفقهاء، ولهذا يأخذ الخلع أحكام اليمين بالنسبة للزوج، ويكون معوضة من جهة المرأة، لأنها بقبولها التزمت بما أوجبه الزوج في نظير افتداء نفسها وخلاصها من قيود الزوجية، وكأنها قالت رضيت أن اشتري عصمتي منك بهذا البدل غير أنها ليست معاوضة خالصة بل لها شبه بالتبرعات لأن المعاوضات الخالصة يكون كل من البدلين مالاً أو شيئاً يقوم بالمال، وما يخلص للمرأة في نظير المال ليس إلا(9/197)
خلاص نفسها وهو ليس بمال ولا في حكم المال، ولهذا يأخذ الخلع أحكام المعاوضات بالنسبة للزوجة.
وقد انبنى على اعتبار الخلع يميناً من جانب الزوج الأحكام الآتية:
-1 إذا صدر إيجاب الخلع من جانب الزوج بأن قال لها: خالعتك على مائتي دينار فليس له أن يرجع عن هذا الإيجاب قبل قبول الزوجة، لأن قوله في معنى تعليق الطلاق، والطلاق المعلق كالمنجز لا يصح الرجوع عنه.
-2 إنه لو قام من المجلس الذي أوجب الخلع فيه قبل قبول الزوجة لا يبطل إيجابه فلو قبلت في مجلسها بعد قيامه تم به الخلع لأنها مقيدة بمجلسها هي، ولأن قيامه يعتبر رجوعاً عن الإيجاب دلالة، وإذا لم يملك الرجوع صراحة لا يملكه دلالة من باب أولى.
-3 يجوز للزوج أن يعلق الخلع على أمر سيحدث في المستقبل أو يضيفه إلى زمن مستقبل. كأن يقول لها: إن تزوجت عليك فقد خالعتك على كذا، أو خالعتك على كذا غداً فقبلت عند تحقق الشرط أو مجيء الغد تم الخلع، أما إذا قبلت قبل تحقق الشرط أو مجيء الوقت المضاف إليه يكون قبولها لغواً، لأن التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت إيجاب عند وجود الشرط والوقت.
-4 لا يجوز له أن يشترط الخيار لنفسه في الخلع، كأن يقول لها: خالعتك على كذا على أنى بالخيار ثلاثة أيام، لأن الخلع يمين من جانبه والخيار لا يكون في الأيمان لأنه لا يملك الرجوع فيها، أو أنه إسقاط من جانبه والإسقاطات لا تقبل الخيار.
وانبنى على اعتباره معاوضة من جانب الزوجة الأحكام الآتية:
-1 أن الزوجة لو ابتدأت بالإيجاب في الخلع جاز لها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج، لأن الإيجاب في المعاوضات يصح فيه الرجوع قبل قبول الطرف الآخر.
-2 إذا ابتدأت هي بالمخالعة تقيدت بالنظر إلى كل منهما، فلو قام أحدهما من المجلس قبل تمام الخلع بطل، فإذا قامت قبل قبول الزوج بطل إيجابها، لأن المجلس قد انتهى بقيامها حيث تبطل المعاوضات بتفرق المتعاقدين، وكذلك يبطل إيجابها بقيامه قبل قبوله بهذا المعنى، وإذا ابتدأ بالإيجاب كان عليها القبول في المجلس إن كانت حاضرة، وفي مجلس علمها بالخلع إن كانت غائبة، فلو قامت منه ثم قبلت لا يتم الخلع لأن هذا شأن المعاوضات.
-3 لا يجوز لها أن تعلق الخلع على شرط أو تضيفه إلى زمن مستقبل، لأن المعاوضات لا تقبل واحداً منها.
-4 يجوز لها أن تشترط لنفسها الخيار سواء كانت هي الموجبة، كأن قالت: اختلعت منك بكذا ولي الخيار ثلاثة أيام، أو كانت قابلة: كأن قال لها: خالعتك على كذا. فقالت قبلت ولي الخيار ثلاثة أيام. وفي كلتا الحالتين لها أن ترفض الخلع في تلك المدة أو تقبله فيها فإن رفضته بطل الخلع ولا يلزمها البدل، وإن قبلته فيها أو مضت المدة بدون قبول أو رفض تم الخلع ولزمها البدل عند الإمام. وكذلك لو شرط لها الخيار وقبلته. هذا ما يترتب على كون الخلع من جانبها معاوضة، أو كونها تشبه التبرعات فيترتب عليها أنه لا بد أن تكون من أهل التبرعات بأن تكون بالغة عاقلة غير محجور عليها.(9/198)
هل يجوز الرجوع عندهم؟
إذا صدر الإيجاب منه لا يصح له الرجوع عنه في كل من الخلع والمبارأة قبل قبول الزوجة، ولا يبطل بقيامه من المجلس قبل قبولها ولكنه يبطل بقيامها منه، أو إعراضها عنه، وإذا بطل لا يترتب عليه أثر إلا إذا ذكر لفظ الطلاق معه فإنه يقع به الطلاق دون أن يلزمها البدل لأنه أصبح طلاقاً مجرداً بإعراضها عنه.
أما إذا صدر الإيجاب منها فلها الرجوع عنه قبل قبول الزوج لما فيه من معنى المعاوضة منها، وإذا تم الخلع كان لازماً بالنسبة للزوج ليس له أن يرجع عنه ابتداء، وغير لازم بالنسبة لها فلها أن ترجع في البدل ما دامت في العدة، بشرط أن يعلم برجوعها قبل انقضاء عدتها، فإذا رجعت كان لزوجها أن يرجع تطليقها بشرط ألا يكون تزوج بأختها أو برابعة، فإذا رجع عادت زوجتيه لها كما كانت، وإن لم يرجع بقي الطلاق، ولكن هل يبقى بائناً أو يصير رجعياً؟ رأيان عند الحنفية:
أولهما: يبقى بائناً لأنه حين وقع وقع بائناً فلا يتغير ببطلان العوض.
وثانيهما: أنه يتحول إلى طلاق رجعي لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً ما لم يوجد ما يجعله بائناً كالعوض مثلاً. وهنا وقع بائناً لوجود العوض أولاً، فإذا بطل العوض عاد الطلاق إلى أصله وهو الرجعي.
المبحث الثالث
في شروط الخلع:
يشترط في الزوج أن يكون أهلاً لإيقاع الطلاق. بأن يكون بالغاً عاقلاً. فكل من لا يصح طلاقه لا يصح منه الخلع، لأن من جاز تطليقه بلا عوض جاز تطليقه بعوض بطريق الأولى، فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون والمعتوه. ومن اختل عقله بسبب المرض أو كبر السن، ويشترط في المختلعة أن تكون محلاً للطلاق وأهلاً للتبرع إذا كانت هي الملتزمة ببدل الخلع بأن تكون بالغة عاقلة رشيدة غير محجور عليها، لأن الخلع بالنسبة إليها معاوضة فيها شبه بالتبرعات، وأن تكون راضية غير مكرهة عليه عالمة بمعنى الخلع فإن كانت غير عربية ولقنها زوجها بالعربية كلمات: اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة فقالت هذه الكلمات وهي لا تعرف معناها وقبل الزوج طلقت طلاقاً بائناً ولا شيء له من البدل.
خلع من لم تتوافر فيها الشروط لعدم الأهلية أو نقصانها أو الحجر عليها للسفه أو الإكراه، لكل واحدة من هؤلاء أحكام خاصة، وإليك بيانها:
خلع عديمة الأهلية كالصغيرة غير المميزة والمجنونة.
إذا تولت الخلع بنفسها فالخلع باطل لا يترتب عليه أي أثر، لأنه علق خلعها على قبولها. وهو غير معتبر فلم يتحقق الشرط الذي علق عليه الطلاق، أما إذا تولى أبوها الاتفاق مع الزوج على خلعها أو طلاقها في نظير مال التزم به فيقع الطلاق بائناً في الحالتين، لأن الزوج علقه على قبول الأب وقبوله معتبر هنا، ويلزمه المال للزوج، ولا يسقط بهذا الخلع شيء من حقوق الزوجة التي تسقط بالخلع عند أبي حنيفة.
أما إذا قبل الأب الخلع أو الطلاق على مال ولكنه لم يلتزم دفع البدل من مال نفسه بل أضافه في قبوله إلى مال ابنته وقع الطلاق في الخلع بائناً وفي الطلاق على مال(9/199)
رجعياً، لأنه علق على قبوله وقبوله معتبر على أصح الروايتين عند الحنفية ولا يلزم المال لا الأب لأنه لم يلتزم به ولا الصغيرة لأن الأب أضافه إلى مال لا يملك التبرع منه.
خلع ناقصة الأهلية كالصغيرة المميزة:
إذا تولت الخلع بنفسها وهي تفهم معنى الخلع وآثاره وقبلت ذلك وقع عليها طلاق بائن، لأنه علقه على قبولها وما دامت مميزة فقبولها معتبر في حق وقوع الطلاق وإنما وقع بائناً لأنه كناية والكنايات يقع بها البائن.
ولذلك قالوا: إذا طلقها على مال وقبلت وقع به رجعياً إن كانت مدخولاً بها ولم يكن مكملاً للثلاث لكونه صريحاً، ولا يلزمها البدل في الحالين لأنها ليست من أهل التبرع. ومثلها في ذلك السفيهة المحجور عليها يصح خلعها ويقع عليها الطلاق ولا يلزمها المال. وإذا تولى الخلع أبو الصغيرة المميزة أو القيم على المحجور عليها فحكمه على التفصيل السابق في عديمة الأهلية.
خلع المكرهة:
إذا أكرهت الزوجة على الخلع لا يلزمها المال، لأن الالتزام بالمال مع الإكراه غير صحيح بالإتفاق، أما الطلاق فيقع عليها لأنه علق على مجرد قبولها وقد وجد منها القبول ويقع به طلاق بائن عند الحنفية.
خلع الأجنبي:
إذا باشر الخلع أجنبي ليس وكيلاً عن الزوجة ولا ولاية له عليها فإن أضاف البدل إلى نفسه بحيث يفهم منه التزامه به، كأن يقول للزوج: أخلع زوجتك على مائة دينار من مالي مع الخلع ووقع به الطلاق وكان البدل على ذلك الملتزم، وإن لم يضفه إلى نفسه فإن أضافه إلى غيره بأن قال: أخلعها على كذا يلتزم به فلان فإنه يتوقف على إجازة من أضافه إليه. فإن أجازه صح الخلع ووقع الطلاق ولزمه المال ولا دخل للزوجة في هاتين الحالتين فلا يشترط رضاها، لأنه يشترط عندما تكون هي الملتزمة بالبدل، والطلاق من الحقوق التي يستقل بها الزوج، وإن لم يضف البدل إلى أحد توقف الخلع على قبول الزوجة لأنها الأصل في الخلع، فإن قبلت صح ولزمها البدل، وإذا لم تقبل لم يلزمها المال، أما الطلاق ففيه رأيان في المذهب الحنفي.
خلع المريضة مرض الموت:
إذا خلع الزوج زوجته وهي مريضة مرض الموت كان خلعه صحيحاً يقع به الطلاق البائن ويثبت به البدل، وكذلك لو طلقها على مال وقبلت، غير أن هذا البدل لما كان شبيهاً بالتبرع وهو في هذه الحالة يأخذ حكم الوصية لتعلق حق الورثة والدائنين بالتركة من أول المرض الذي كان سبباً للموت فلا ينفذ إلا في حدود ثلث التركة، لأنها لا تملك التبرع بأكثر من الثلث، فإن ماتت الزوجة في مرضها أثناء عدتها، فالحنفية يوجبون للزوج الأقل من أمور ثلاثة: بدل الخلع، وثلث التركة، ونصيبه من الميراث، لو افترض بقاء الزوجية وورثها بالفعل، وإنما وجب له أقل هذه الأمور الثلاثة احتياطاً ومحافظة على حقوق ورثتها لاحتمال أن يكون الزوجان قد اتفقا على الخلع في هذا المرض ليحصل الزوج على أكثر من نصيبه في الميراث(9/200)
لو بقيت زوجيته إلى وقت وفاتها، وفي هذه الحالة لا يجوز لها أن تحابيه بطريق التبرع لأنه وصية وهي لا تجوز للوارث عند الجمهور ولا تنفذ عند الحنفية إلا بإجازة باقي الورثة. أو يحصل على أكثر مما يمكن لها أن تعطيه له بطريق الوصية لو كان غير وارث بأن انقطعت الزوجية قبل وفاتها لتوقف نفاذ الوصية بما زاد على الثلث على إجازة باقي الورثة. فلو وجب كل البدل لأمكن أن يأخذ أكثر مما يستحقه بطريق الميراث لو كان وارثاً ومن ثلث التركة بطريق الوصية لو لم يكن وارثاً، فمعاملة لهما بنقيض مقصودهما وجب له أقل هذه الأمور الثلاثة، وإن ماتت في مرضها بعد انقضاء عدتها يجب له الأقل من بدل الخلع ومن ثلث تركتها لأن احتمال الإرث منتف في هذه الحالة لانقطاع كل آثار الزوجية التي هي سبب الميراث، ولم يبق إلا احتمال محاباته بأكثر مما يستحق بطريق الوصية وهو الثلث، وإن ماتت بعد أن شفيت من مرضها الذي حصل فيه الخلع استحق الزوج الخالع بدل الخلع كله لظهور أن الخلع تم في حالة الصحة.
المبحث الرابع
بدل الخلع وشروطه:
تحت هذا العنوان نتكلم عن أمور ثلاثة:
أولها: ما يصح أن يكون بدلاً للخلع وما يشترط فيه.
ثانيهما: هل يشترط أن يكون مذكوراً في المخالعة؟.
ثالثها: حكم أخذ الزوج لذلك البدل في الأحوال المختلفة.
ما يصح أن يكون بدلاً للخلع وشروطه:
كل ما صح أن يكون مهراً صح أن يكون بدلاً في الخلع ولا تقدير فيه باتفاق الحنفية، فيصح أن يكون من النقدين أو العقار أو المنقول، كما يصح أن يكون ديناً في ذمة الزوج، أو منفعة تقوم بالمال، كما يصح أن يكون الخلع على إرضاع ولدها منه مدة معينة، أو على حضانته المدة المقررة لها دون أن تأخذ منه نفقة عليها، أو على أن تقوم بالإنفاق عليه مدة معينة وعليها الوفاء بذلك، فإن امتنعت عن القيام بما التزمته أو عجزت عن الوفاء به، أو خرجت عن أهلية الحضانة، أو مات الطفل قبل انتهاء مدة الرضاعة أو الحضانة المتفق عليها كان لمن خالعها الرجوع عليها بما يقابل المدة الباقية، لكنها لا تدفعه إليه أقساطاً، كما كان يستحق عليها لو وفت به المدة كلها.
كما أن له الرجوع على ورثتها لو ماتت قبل الوفاء بما التزمته إلا إذا شرطت عليه ألا يرجع عليها بشيء إذا مات الولد أثناء مدة الرضاعة أو الحضانة، وإذا كانت الزوجة التي خالعت على نفقة ولدها معسرة لا تستطيع الإنفاق جاز لها أن تطالب الزوج بالإنفاق من ماله، ويجبر على إجابة طلبها، وكان ذلك ديناً عليها إذا أيسرت، لأن النفقة حق الولد، وهي في الأصل واجبة على الأب، ولكنها انتقلت إلى الأم لما جعلتها بدلاً في خلعها، فإذا عجزت قام الأب مقامها إحياء للولد من الهلاك وليس في ذلك ضرر به لأنه سيرجع عليها بالنفقة عند ميسرتها.
الشروط في بدل الخلع:(9/201)
يشترط في بدل الخلع إذا كان مالاً: أن يكون متقوماً، فإذا كان غير متقوم لم يلزم الزوجة شيء ويقع الطلاق البائن عند الحنفية.
وصح عند الحنفية وانصرف البدل إلى مهرها إذا لم يمكن تقديره، فإن أمكن وجب المذكور في العقد، وهذا نظير ما لم يذكر بدلاً واللفظ ينبيء عن إيجاب البدل، ووجهه أن الخلع طلاق، وفي الطلاق معنى الإسقاط، لأنه يؤدي إلى إسقاط حق الزواج في المتعة والإسقاطات يدخلها المسامحة، كما يشترط في بدل الخلع ألا يكون فيه عدوان على حق الشارع أو على حق الغير، فإن كان فيه ذلك وجب البدل في حدود ما لا يتضمن العدوان.
فلو خالعها على ألا نفقة لها ولا سكنى صح البدل في النفقة دون السكنى، لأنها حق الشارع عند الحنفية، لما لم يوجبوا لها السكنى فذكرها عندهم وعدم ذكرها سواء، ولو خالعها على أن تبقى حضانتها للصغير إلى وقت بلوغه لم يصح البدل إلا آخر مدة الحضانة المقررة شرعاً وبطل في الباقي، لأن الصغير بعد فترة الحضانة محتاج إلى التربية والتعليم والتخلق بأخلاق الرجل وبقاؤه في حضانة أمه إلى وقت البلوغ عدوان ضار به يجب رفعه شرعاً.
ولهذا قرر فقهاء الحنفية أن الخلع إذا وقع على حضانة الصغيرة إلى البلوغ صح البدل في المدة كلها، وعللوا ذلك بأن بقاءها في حضانة أمها بعد سن الحضانة المقررة شرعاً لا يضر بها لأنها محتاجة إلى أن تعرف آداب النساء وتتعلم شئونهن وتتخلق بأخلاقهن، والنساء أقدر على ذلك من الرجال.
أخذ الزوج البدل ومتى يحل والمقدار الذي يحل أخذه؟
عرفنا أن الخلع مشروع عندما يقع النزاع بين الزوجين المؤدي إلى الشقاق بينهما الذي يخافا معه ألا يقيما حدود الله كما هو صريح القرآن.
لكن هذا الشقاق قد يكون المتسبب فيه الزوج وحده، وقد يكون سببه من قبل الزوجة، وقد يكون منهما معاً، وحل أخذ البدل يختلف باختلاف هذه الأحوال، فإن كان من قبل الزوج فلا يحل له أخذ شيء من الزوجة في نظير فراقها لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 20، 21].
فهذا النص الكريم ينهي الزوج عن أخذ شيء مما أعطاه للزوجة عند إرادة الاستبدال، وهذا طبعاً لا يكون إلا عندما تكون الكراهة منه وحده، وأكد النهى بما جاء في آخره {أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً}، وقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19]، فإنه نهى الأزواج عن عضل الزوجات بإلحاق الأذى بهن ليكون وسيلة إلى أخذ بعض المهر، لكنه استثنى حالة الإتيان بفاحشة مبينة - التي فسرت بالزنا أو بالنشوز - فأباح فيها الأخذ، وهذا يقتضي أن الأخذ عند عدم السبب منها حرام.
وهنا يقرر جمهور الفقهاء، أن هذا هو حكم الديانة بينه وبين الله المعبر عنه بالحل والحرمة، أما في القضاء فيجوز له الأخذ بناء على حكم القاضي به. لأن الزوج أسقط حقه في نظير عوض رضيت به الزوجة وهو من أهل الإسقاط وهي من أهل(9/202)
المعاوضة، أما إذا كان السبب من قبلها وحدها أو اشتركا فيه فيحل له أخذ البدل، لقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
فهذه الآية نفت الجناح عن الزوج في أخذ الفداء، وعن الزوجة في الإعطاء في حالة خوفهما ألا يقيما حدود الله، وهذا الخوف يكون عندما تكون الكراهة من المرأة وحدها، أو منهما معاً.
وإذا حل له البدل في هذه الحالة: فهل يتقيد بمقدار المهر أو تجوز الزيادة؟
في المذهب الحنفي روايتان:
أولاهما: أن أخذ الزيادة جائز لا شيء فيه لإطلاق الآية السابقة {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ به} فإنها رفعت الجناح عنهما في الأخذ والعطاء من الفداء من غير فصل بين ما إذا كان المعطى مساوياً للمهر أو زائداً عليه، ولأن الخلع معاوضة، والبدل فيها يرجع إلى تراضى الطرفين، وحينما أعطت الزيادة أعطتها من مالها بطيب من نفسها. وقد قال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].
وثانيتهما: أن أخذ الزيادة مكروه للآية السابقة، فإن قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ به} رفع الجناح عنهما فيما افتدت به من المهر، لأن آخر الآية مردود إلى أولها، وأول الآية ينهى الأزواج عن أن يأخذوا من الزوجات شيئاً مما أتوهن من المهور، واستثنى من الأخذ في حالة خوفهما ترك إقامة حدود الله، فكان المراد من قوله فيما افتدت به أي مما آتاها، ويؤيد ذلك ما جاء في حديث قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "أتردين عليه حديقته" فقالت: نعم وزيادة، قال: "أما الزيادة فلا"، نهى عن الزيادة مع كون النشوز من قبلها، وقد عرضت الزيادة بطيب من نفسها.
المبحث الخامس
أحكام الخلع:
يترتب على الخلع آثار بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه:
فاتفق الفقهاء على ما يلي:
-1 أنه يقع به طلاق بائن.
-2 أنه لا يتوقف على قضاء القاضي ككل طلاق يقع من الزوج.
-3 أنه لا يبطل بالشروط الفاسدة، كأن تشترط أن تكون لها حضانة الطفل ولو تزوجت بغير ذي رحم محرم منه، أو أن تسقط حضانتها له، فالشرط يبطل وحده ويصح الخلع.
-4 يجب به ما اتفقا عليه من البدل قليلاً كان أو كثيراً، ولا يسقط به شيء من الديون أو الحقوق التي لأحد الزوجين على الآخر مما لا يرتبط بعقد الزواج كثمن مبيع أو وديعة وغيرها.
واختلف الفقهاء في الحقوق التي ترتبط بالزواج ولم تذكر في الخلع ضمن الاتفاق:(9/203)
فأبو حنيفة يسقط به كل حق ثابت بالفعل لكل من الزوجين على الآخر. كالمهر والنفقة المتجمدة للزوجة سواء أكان الخلع بهذا اللفظ أو كان بلفظ المبارأة. لأن المقصود بالخلع قطع الخصومة والمنازعة بين الزوجين، وهذا لا يتحقق إلا بإسقاط كل حق يتعلق بالزواج، فليس للزوجة أن تطالب بمهرها الذي لم تقبضه، ولا بالنفقة المتجمدة لها، وليس للزوج أن يطالبها بالمهر الذي قبضته إلا إذا كان الخلع واقعاً عليه.
ـــــــــــــــــــ
مجموعة الفتاوى الشرعية بالكويت 1-8 - (ج 3 / ص 17)
تشترط النية للخلع بالكتابة
[1215] عرض على اللجنة الاستفتاء الآتي المقدم من السيد/ عبد الحميد.
... السؤال: هل يشترط في الخلع التلفظ أم الكتابة تعتبر صحيحة ونافذة؟
... وهل يشترط إتمام الإجراءات الرسمية لتثبيت المخالعة؟ وجزاكم الله خيراً.
* ... أجابت اللجنة عن الاستفتاء بما يلي:
... إن الذي يطبق الآن هو قانون الأحوال الشخصية رقم (51) لسنة 1984م والمطبق من أول أكتوبر 1984م. في الوقائع التي تحدث من هذا التاريخ وقد نصت المادة (104) منه فقرة (أ) على أنه: " يقع الطلاق باللفظ الصريح فيه عرفا ولا يقع بلفظ الكتابة إلا بالنية "
... والفقرة (أ) من المادة (111) نصت على أن " الخلع يقع بلفظ الطلاق الصريح بلا حاجة إلى نية أو أي أمر آخر، وأما بالنسبة للكتابة فقد اشترط أن الخلع لا يقع إلا بالنية، والمراد بالنية نية الزوج، فإذا قال الزوج: إني نويت بكتابة لفظ الخلع طلاق زوجتي وقع الطلاق، لأنه هو الذي يملك العصمة، وهو الذي يملك أن يقطعها، أما الزوجة فلا تملك إلا طلب الخلع أو الطلاق بأي لفظ كان يدل على طلب الطلاق بلفظ الخلع أو الإبراء أو غيرهما، كأن تقول للزوج طلقني، أو اخلعني، أو أنا أبرئك من كذا نظير الطلاق أو الخلع، ولا دخل لها في النية من عدمها، فإذا سئل الزوج عن الكتابة التي تتضمن الخلع فقال: نويت الطلاق فهو مصدق في هذا، وهذا هو الحكم في كل ما يدل على الطلاق بغير لفظ صريح، وهو ما قاله الفقهاء في أن كتابة الطلاق لا تقع إلا بالنية..
... ولا تشترط الرسمية لإثبات المخالعة، متى اتفق الزوجان المخالعة تمت، ولا يصح الرجوع فيها بعد التمام. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 172)
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا الْقِيَاسُ فَعَارَضَهُ قِيَاسُ الطَّائِفَةِ الأُُولَى , وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلاَ حُجَّةٍ وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلَّا قِسْتُمْ طَلاَقَ الْعَبْدِ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِلْحُرِّ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ , وَعَلَى مَا أَبَاحَ لَهُ مَالِكٌ مِنْ زَوَاجِ أَرْبَعٍ كَالْحُرِّ , وَعَلَى مَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ أَجَلَهُ فِي الإِيلاَءِ كَأَجَلِ الْحُرِّ , وَعَلَى صِيَامِهِ فِي الْكَفَّارَاتِ لاَ سِيَّمَا وَكُلُّهُمْ مُتَنَاقِضٌ إذَا احْتَجُّوا بِزَعْمِهِمْ لِكَوْنِ طَلاَقِ الْعَبْدِ , أَوْ الأَمَةِ نِصْفَ طَلاَقِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ. وَقَدْ أَبْطَلُوا فِي ذَلِكَ , لأََنَّ طَلاَقَ الْعَبْدِ عِنْدَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ : طَلْقَتَانِ ,(9/204)
وَطَلاَقَ الأَمَةِ عِنْدَ الطَّائِفَةِ الأُُخْرَى : ثَلاَثًا طَلاَقُ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ. وَمَا وَجَدْنَا حَدًّا يَكُونُ لِلْعَبْدِ ثُلُثَيْ حَدِّ الْحُرِّ
فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَلْقَةٍ وَنِصْفٍ
قلنا : فَأَسْقِطُوا مَا عَجَزْتُمْ عَنْهُ وَحَرِّمُوهَا بِطَلْقَةٍ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لأََنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَجْهُولٌ مَعَ أَنَّ هَذَا الأَثَرَ السَّاقِطَ يُعَارِضُ ذَيْنك الأَثَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ , فَهِيَ مُتَدَافِعَةٌ مُتَكَاذِبَةٌ , لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهَا لَمَا سَبَقُونَا إلَيْهِ , وَلاَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ , وَلَكِنَّ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ لاَ يَحِلُّ , كَمَا لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنْ جَمَعُوا قِيَاسَ الطَّائِفَتَيْنِ. فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ غَلَبَ الْحُرِّيَّةُ , وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى كَدَعْوَى
فإن قيل : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا أَمَرَ غُلاَمَهُ أَنْ يُرَاجِعَ زَوْجَتَهُ الأَمَةَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ , لأََنَّهُ لاَ يَرَى طَلاَقَ الْعَبْدِ شَيْئًا
قلنا : قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ التَّدْلِيسِ , بَلْ رَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ : لاَ طَلاَقَ لِلْعَبْدِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو مَعْبَدٍ : أَنَّ طَلاَقَهُ جَائِزٌ , وَكِلاَهُمَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ , فَإِذْ لاَ نَصَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ طَلاَقِ الْعَبْدِ , وَطَلاَقِ الْحُرِّ , وَلاَ بَيْنَ طَلاَقِ الأَمَةِ , وَطَلاَقِ الْحُرَّةِ : فَلاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ فِي أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَحْرُمُ إِلاَّ بِثَلاَثٍ فِي حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ , أَوْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ : بِالدَّعْوَى بِلاَ
برهان وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
الْخُلْعُ
1978 - مَسْأَلَةٌ : الْخُلْعُ , وَهُوَ : الأَفْتِدَاءُ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا , فَخَافَتْ أَنْ لاَ تُوفِيَهُ حَقَّهُ , أَوْ خَافَتْ أَنْ يُبْغِضَهَا فَلاَ يُوفِيهَا حَقَّهَا , فَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَيُطَلِّقَهَا , إنْ رَضِيَ هُوَ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ هُوَ ، وَلاَ أُجْبِرَتْ هِيَ إنَّمَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلاَ يَحِلُّ الأَفْتِدَاءُ إِلاَّ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ , أَوْ بِاجْتِمَاعِهِمَا , فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ بَاطِلٌ , وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا , وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ , وَيَبْطُلُ طَلاَقُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهَا فَقَطْ. وَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُ , وَهُوَ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ , إِلاَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلاَثًا , أَوْ آخِرَ ثَلاَثٍ , أَوْ تَكُونَ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ. فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ جَازَ ذَلِكَ أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَيْهَا. وَيَجُوزُ الْفِدَاءُ بِخِدْمَةٍ مَحْدُودَةٍ , وَلاَ يَجُوزُ بِمَالٍ مَجْهُولٍ , لَكِنْ بِمَعْرُوفٍ مَحْدُودٍ , مَرْئِيٍّ , مَعْلُومٍ , أَوْ مَوْصُوفٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخُلْعِ فَلَمْ تُجِزْهُ طَائِفَةٌ , وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ أَجَازُوهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ طَلاَقٌ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَيْسَ طَلاَقًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ : إنَّهُ طَلاَقٌ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا
قلنا
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ بَائِنٌ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِمَا أَصْدَقَهَا , لاَ بِأَكْثَرَ.(9/205)
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَجُوزُ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ مَعَ خَوْفِ نُشُوزِهِ وَإِعْرَاضِهِ , أَوْ أَنْ لاَ تُقِيمَ مَعَهُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ بِأَنْ يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلاً.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ بِأَنْ تَقُولَ : لاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا , وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ الْفَاسِدِ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُنَفَّذُ وَيَتِمُّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُرَدُّ وَيُفْسَخُ :
فأما مَنْ قَالَ : لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ سَأَلْت بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ ، عَنِ الْخُلْعِ قَالَ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قُلْت : فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ قَالَ : نُسِخَتْ هَذِهِ , وَذَكَرَ أَنَّ النَّاسِخَ لَهَا قوله تعالى : وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
قال أبو محمد رحمه الله :
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا : بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ نَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. وَبِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا الْمَخْزُومِيُّ هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ : الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ. قَالَ الْحَسَنُ : لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَسَقَطَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ أَنْ نَحْتَجَّ بِذَلِكَ الْخَبَرِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ الأَوَّلُ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُلْعِ , لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى السَّائِلَةِ الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ وَهَكَذَا نَقُولُ وَلَيْسَ فِي الْبَأْسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُخَافَ أَلَّا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي الزَّوْجَةِ.
وَأَمَّا الآيَتَانِ فَلَيْسَتَا بِمُتَعَارِضَتَيْنِ , إنَّمَا فِي الَّتِي نَزَعَ بِهَا " بَكْرٌ " تَحْرِيمُ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا إثْمًا مُبِينًا وَبُهْتَانًا وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا نَهْيٌ ، عَنِ الْخُلْعِ أَصْلاً.
وَقَالَ تَعَالَى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وَفِي الآيَةِ الأُُخْرَى : حُكْمُ الْخُلْعِ بِطِيبِ النَّفْسِ مِنْهَا فَلَيْسَ إثْمًا ، وَلاَ عُدْوَانًا , وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يَحِلُّ [ الْقَوْلُ بِهِ , وَلاَ ] أَنْ يُقَالَ : فِيهِ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ إِلاَّ بِنَصٍّ , بَلْ الْفَرْضُ الأَخْذُ بِكِلاَ الآيَتَيْنِ لاَ تَرْكُ إحْدَاهُمَا لِلأُُخْرَى وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِمَا بِأَنْ نَسْتَثْنِيَ إحْدَاهُمَا مِنْ الأُُخْرَى.
قال أبو محمد رحمه الله :(9/206)
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ
وَقَالَ تَعَالَى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ فَهَاتَانِ الآيَتَانِ قَاضِيَتَانِ عَلَى كُلِّ مَا فِي الْخُلْعِ.
وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ , وَرَبِيعٍ ، هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ كِلاَهُمَا ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : لاَ يَكُونُ خُلْعٌ إِلاَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ عَتِيقٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ : كَانُوا يَقُولُونَ : لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : لاَ يَكُونُ الْخُلْعُ إِلاَّ حَتَّى يَعِظَهَا , فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا , فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ارْتَفَعَا إلَى السُّلْطَانِ , فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ يَرْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى السُّلْطَانِ مَا يَسْمَعُ مِنْ صَاحِبِهِ , فَإِنْ رَأَى أَنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ , وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْمَعَ جَمَعَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ عَلَى تَصْحِيحِهِ. قَالَ تَعَالَى قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْخُلْعُ لَيْسَ طَلاَقًا , فَاحْتَجَّ بِمَا .
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رُبَيِّعَ ابْنَةَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَهِيَ تُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ : أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ , فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ : إنَّ ابْنَةَ مُعَوِّذٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَنَنْتَقِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ : لَنَنْتَقِلُ ، وَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لَهَا , وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا , إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : فَعُثْمَانُ أَخْبَرُنَا وَأَعْلَمُنَا. فَهَذَا عُثْمَانُ , وَالرُّبَيِّعُ وَلَهَا صُحْبَةٌ وَعَمُّهَا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ ، وَابْنُ عُمَرَ , كُلُّهُمْ لاَ يَرَى فِي الْفَسْخِ عِدَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْخُلْعُ : تَفْرِيقٌ , وَلَيْسَ بِطَلاَقٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ سَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ , ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ , أَيَنْكِحُهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمْ , ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلاَقَ فِي أَوَّلِ الآيَةِ وَفِي آخِرِهَا , وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس قَالَ : كَانَ أَبِي لاَ يَرَى الْفِدَاءَ طَلاَقًا وَيُجِيزُهُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ : مَا أَجَازَهُ الْمَرْءُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : رَأَيْت أَبِي كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلاَقًا(9/207)
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جُمْهَانَ أَنَّ أُمَّ بَكْرَةَ الأَسْلَمِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدَ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ , فَنَدِمَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَ ذَلِكَ وَقَالَ : هِيَ وَاحِدَةٌ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا , فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لاَ تَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً إِلاَّ فِي فِدْيَةٍ أَوْ إيلاَءٍ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَعَطَاءٌ , وَشُرَيْحٌ , وَالشَّعْبِيُّ , وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ , وَمُجَاهِدٌ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَالزُّهْرِيُّ , وَمَكْحُولٌ , وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَبُو حَنِيفَةَ ; وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ.
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلاَقَ , ثُمَّ الْخُلْعَ , ثُمَّ الطَّلاَقَ فَنَعَمْ , هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ , إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ طَلاَقًا , وَلاَ أَنَّهُ طَلاَقٌ , فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَنَظَرَنَا فِي ذَلِكَ فَ
وَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ : أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّةِ , فَذَكَرَتْ اخْتِلاَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِثَابِتٍ : خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا , وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنِي شَاذَانُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ : أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ فَذَكَرَتْ اخْتِلاَعَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْهُ ، وَأَنَّ أَخَاهُ شَكَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ : خُذْ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ : نَعَمْ , فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً , وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : اخْتَلَعَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ زَوْجِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَهَا حَيْضَةً , قَالُوا : فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلاَقًا , لَكِنَّهُ فَسْخٌ
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَسَاقِطٌ , لأََنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَأَمَّا خَبَرُ الرُّبَيِّعِ وَحَبِيبَةَ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا لَكَانَا حُجَّةً قَاطِعَةً. لَكِنْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ ، وَلاَ دِينٍ , وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(9/208)
صلى الله عليه وسلم : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ : نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ [ وَالزِّيَادَةُ ] لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا , وَإِذْ هُوَ طَلاَقٌ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِدَّةَ الطَّلاَقِ , فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد رحمه الله : إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ الأَحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ , لأََنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ : إذَا خَالَفَ الصَّاحِبُ مَا رُوِيَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ ضَعْفِهِ , كَمَا فَعَلُوا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ.
وهذا الخبر لَمْ يَأْتِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَالثَّابِتُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلاَقًا.
وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَلْتَفِتُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا , إنَّمَا هُوَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قلنا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا هَلْ الْخُلْعُ طَلاَقٌ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : كَانَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ , وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولاَنِ فِي الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا : يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ , وَخَالَفَ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْفِدَاءِ : لاَ يُحْسَبُ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لاَ يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ : ابْنُ عَبَّاسٍ , وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي رَجُلٍ اخْتَلَعَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ , فَإِنَّهُ لاَ يُحْسَبُ شَيْئًا , قَالاَ جَمِيعًا : أَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنَّمَا طَلَّقَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَزَعَمَ ابْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفِدَاءِ جَازَ.
وقال أبو حنيفة : هُوَ طَلاَقٌ بَائِنٌ وَيَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ.
وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ : هُوَ طَلاَقٌ بَائِنٌ ، وَلاَ يَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ فِي الْعِدَّةِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ : فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ : إنْ شَاءَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَلْيَرْدُدْ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ , وَلْيُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا قَالَ مَعْمَرٌ : وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ : وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ : لاَ يُرَاجِعُهَا إِلاَّ بِخِطْبَةٍ
قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ الطَّلاَقِ , وَأَنَّ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَقَالَ : فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم طَلاَقًا بَائِنًا لاَ رَجْعَةَ فِيهِ , إِلاَّ الثَّلاَثُ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً , أَوْ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا , وَلاَ مَزِيدَ
وَأَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَآرَاءٌ لاَ حُجَّةَ فِيهَا.(9/209)
وَأَمَّا رَدُّهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا فَإِنَّمَا أَخَذَهُ لِئَلَّا تَكُونَ فِي عِصْمَتِهِ , فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ لَهَا مُرَادُهَا فَمَالُهَا الَّذِي لَمْ تُعْطِهِ إِلاَّ لِذَلِكَ مَرْدُودٌ عَلَيْهَا , إِلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا , فَتَرْضَى , فَلاَ يَرُدُّ عَلَيْهَا شَيْئًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْفِدَاءُ : فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ يَجُوزُ الْفِدَاءُ إِلاَّ بِمَا أَصْدَقَهَا لاَ بِأَكْثَرَ : فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : لاَ يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ ، عَنْ عَلِيٍّ , لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ , وَفِيهِ لَيْثٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ , وَابْنِ جُرَيْجٍ , قَالاَ : ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَقَالَ لِي عَطَاءٌ : إنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى صَدَاقِهَا , فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ إلَيْهَا وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ نَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : مَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ الْقُضَاةُ لاَ تُجِيزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إِلاَّ مَا سَاقَ إلَيْهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ , وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فِدَاءِ امْرَأَتِهِ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إلَيْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : لاَ أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يَدَعَ لَهَا مَا يُغْنِيهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يَأْخُذُ مِنْهَا كُلَّ مَا مَعَهَا فَمَا دُونَ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِهِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ امْرَأَةً نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَرَفَعَهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَذَكَرَ الْقِصَّةَ , وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِزَوْجِهَا : اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ فَخَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلاَةٌ لأَمْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوْبٍ لَهَا حَتَّى مِنْ نُقْبَتِهَا وَصَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ , وَإِبْرَاهِيمَ , وَمُجَاهِدٍ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ.(9/210)
وقال أبو حنيفة : لاَ يَأْخُذُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا , فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَتَصَدَّقْ الزِّيَادَةَ.
قال أبو محمد رحمه الله : احْتَجَّتْ الطَّائِفَةُ الأُُولَى : بِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ لِي عَطَاءٌ : أَتَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُبْغِضُ زَوْجِي وَأُحِبُّ فِرَاقَهُ قَالَ : فَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ قَالَتْ : نَعَمْ , وَزِيَادَةً مِنْ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَّا زِيَادَةٌ مِنْ مَالِكِ فَلاَ , وَلَكِنْ الْحَدِيقَةَ , قَالَتْ : نَعَمْ فَقَضَى عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا مُرْسَلٌ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِهِ , وَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ فَسَقَطَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ نَظَرَنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَوَجَدْنَا : مَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُلْعِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهَذَا مُرْسَلٌ , فَسَقَطَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ. وَلَمْ نَجِدْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُتَعَلَّقًا أَصْلاً.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ , لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو أَخْذُهُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَعْطَاهَا فِي صَدَاقِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَوَاجِبٌ رَدُّهُ إلَيْهَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ , وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِالصَّدَقَةِ بِالزِّيَادَةِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّابِتَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ , وَالأَسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِكَلاَمٍ سَاقِطٍ مُتَنَاقِضٍ , مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ , لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ إِلاَّ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِعُمُومِ قوله تعالى : فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ تَمْوِيهُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا
وَقَوْله تَعَالَى وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ
قال أبو محمد رحمه الله : نَعَمْ , لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا , إِلاَّ أَنْ تَطِيبَ نَفْسُهَا بِهِ ثُمَّ حُكْمٌ آخَرُ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ عُمُومٌ لاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ.
وقال بعضهم : مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ .
فَقُلْنَا : لاَ فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهِ كُلَّ مَا أَعْطَاهَا أَوْ بَعْضَ مَا أَعْطَاهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَيْرَ مُسَرِّحٍ بِإِحْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَخْذَهُ , فَهُوَ مُسَرِّحٌ بِإِحْسَانٍ , وَلَوْ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ قَتْلَهَا لَكَانَ مُحْسِنًا فِي ذَلِكَ.
فإن قيل : أَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِمَا لاَ يَبْقَى لِنَفْسِهِ غِنًى بَعْدَهُ , وَمِنْ أَنْ يَصَّدَّقَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ كُلِّهِ , وَتُبِيحُونَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مَالَهَا كُلَّهُ
قلنا : إنَّمَا نَتَّبِعُ فِي ذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَجَاءَ النَّهْيُ ، عَنِ الصَّدَقَةِ إِلاَّ بِمَا أَبْقَى غِنًى , وَبِأَنْ لاَ يُصْدِقَهَا إزَارَهُ إذْ لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ , وَجَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا(9/211)
افْتَدَتْ بِهِ فَوَقَفْنَا عِنْدَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ نَعْتَرِضْ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّأْيِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْفِدَاءُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ : كَانَ أَبُو قِلاَبَةَ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فَجَرَتْ فَاطَّلَعَ زَوْجُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلْيَضْرِبْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا لاَ مَعْنًى لَهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ : إنَّ أَبَا قِلاَبَةَ , وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَا يَقُولاَنِ : لاَ يَحِلُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلاً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا فِي الإِخْرَاجِ مِنْ الْبُيُوتِ مِنْ الْعِدَّةِ , لاَ فِي الْخُلْعِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ أَنَّ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ سَأَلَ الْحَسَنَ عَمَّنْ رَأَى امْرَأَتَهُ يُقَبِّلُهَا رَجُلٌ غَيْرُهُ قَالَ : قَدْ حَلَّ أَنْ يَخْلَعَهَا.
رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيٍّ ، وَلاَ يَصِحُّ يَطِيبُ الْخُلْعُ لِلرَّجُلِ إذَا قَالَتْ : وَاَللَّهِ لاَ أَبَرُّ لَك قَسَمًا , وَلاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا , وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ , وَلاَ أُكْرِمُ لَك نَفْسًا فِيهَا إسْرَائِيلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى : يَحِلُّ خُلْعُ الْمَرْأَةِ ثَلاَثًا إذَا أَفْسَدَتْ عَلَيْك ذَاتَ يَدِك , أَوْ دَعَوْتهَا لِتَسْكُنَ إلَيْهَا فَأَبَتْ , أَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِك.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ الأَصْفَرُ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ : لاَ يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ : وَاَللَّهِ لاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا , وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسٍ ، عَنْ عَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ , قَالَ أَحَدُهُمَا : لاَ يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى لاَ تَغْتَسِلَ لَهُ مِنْ جَنَابَةٍ , وَلاَ تُطِيعُ لَهُ أَمْرًا , وَلاَ تَبَرُّ لَهُ قَسَمًا , وَقَالَ الآخَرُ : لَوْ فَعَلَتْ هَذَا كَفَرَتْ , وَلَكِنْ حَتَّى تَقُولَ : لاَ أَبَرُّ لَك قَسَمًا , وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ , وَلاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : الْخُلْعُ إذَا قَالَتْ : وَاَللَّهِ لاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ وَكُلُّ هَذَا لاَ
برهان عَلَى صِحَّتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْفِدْيَةِ حَتَّى يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا , أَنْ تُظْهِرَ لَهُ الْبَغْضَاءَ , وَتُسِيءَ عِشْرَتَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ , وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ فِي الْخُلْعِ قَالَ :
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَوْلَ السُّفَهَاءِ : لاَ يَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَقُولَ : لاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ , لَكِنْ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ.(9/212)
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا هُوَ الْحَقُّ , لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وقال الشافعي : الْخُلْعُ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُمَا نُشُوزًا ، وَلاَ إعْرَاضًا ، وَلاَ خَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَهَذَا خَطَأٌ , لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ
برهان.
وَأَمَّا الْخُلْعُ الْفَاسِدُ فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ : وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً , وَكَيْفَ يَجُوزُ عَمَلٌ فَاسِدٌ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ
وقال أبو حنيفة : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُضَارٌّ بِهَا فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ , وَجَازَ لَهُ مَا أَخَذَ.
قال أبو محمد رحمه الله : فِي هَذَا الْقَوْلِ عَجَبٌ , لَئِنْ كَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَمَا يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ , وَلَئِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ أَنَّهُ لِيَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَمَا عَدَا هَذَا فَوَسَاوِسُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ , وَمَالِكٌ : لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ , وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَةٌ , لأََنَّهُ إنْ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَجَبَ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا ، عَنِ الطَّلاَقِ , وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا مِنْ الطَّلاَقِ : لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ , لأََنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ طَلاَقًا مُطْلَقًا , بَلْ طَلاَقًا بِعِوَضٍ , لَوْلاَهُ لَمْ يُطَلِّقْ. وَقَالَ قَتَادَةُ : إنْ أَخَذَهُ مِنْهَا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ , وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ , وَلاَ يَرْجِعُ إلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إِلاَّ بِرِضَاهَا وَهَذَا خَطَأٌ , لأََنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ لَهُ لاَزِمًا , فَاَلَّذِي أَخَذَ لَهُ مِلْكٌ , إِلاَّ إنْ كَانَ يَقُولُ : إنَّ طَلاَقَ الْخُلْعِ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ فَقَدْ
قلنا : إذَا لَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ الَّذِي لَمْ يُعْقَدْ الطَّلاَقُ إِلاَّ عَلَيْهِ : لَمْ يَصِحَّ الطَّلاَقُ الَّذِي لاَ وُقُوعَ لَهُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْمُطَلِّقِ لِمَا أَخَذَ عِوَضًا مِنْ الطَّلاَقِ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مُطَاوِعَةً فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ , وَمَالُهَا لَهَا , إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةُ فَتَذْهَبَ :
رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ , فَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ.
لِمَا ذَكَرْنَا فِي بُطْلاَنِ قَوْلِ قَتَادَةَ , وَمَالِكٍ , وَقَوْلُ طَاوُوس هُوَ الْحَقُّ : رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : إنْ أَخَذَ فِدَاءَهَا ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ رَجَعَ إلَيْهَا مَالُهَا وَرَجَعَتْ إلَيْهِ , وَلَمْ تَذْهَبْ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا وَهَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ , لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ـــــــــــــــــــ(9/213)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الخلوة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(10/1)
الدخول بعد عقد النكاح وحكم الامتناع عن المعاشرة
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1427 / 21-11-2006
السؤال
أرجو أن تفتوني جزاكم الله خيراً فيما يلي:
تقدم لخطبتي شاب ملتزم وأنا كذلك والحمد لله, تمت قراءة الفاتحة بحضور الولي والشهود, وأخذت المهر في نفس اليوم.. وأنا الآن مقيمة في بيت أهلي إلى حين حفل الزفاف إلا أن زوجي يطالبني دائما بمعاشرته جنسياً لأنه حق من حقوقه وكنت أعارض لأننا لم نعقد القران بعد بشهادة رسمية, فاقترح علي يوما أن أسأل أحد المراكز الإسلامية لأتاكد من أن له كامل الحق ليتمتع بحقوقه كزوج، وفعلا دخلت لهذا الموقع وقرأت عدة فتاوى في الأمر، وقمت بطباعتها أيضا، وفعلا مكنته من نفسي, حيث وعدني بأن لا يفض بكارتي إلى ما بعد حفل الزفاف, إلا أنه لم يف بوعده.. والآن مشكلتي أني أتألم كثيراً كلما حصل جماع بيننا وأحيانا لا أرغب في معاشرته، فهل يحق لي الآن أن أمنعه مني بعد أن سبق ومكنته من نفسي، ثم إني متخوفة كثيراً مما فعلت ولهذا طلب مني أن أستعمل حبوب منع الحمل إلى حين الالتحاق ببيتنا معا، فأرجو منكم الإفادة؟ ولكم خالص الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدخول جائز بعد عقد النكاح، ولكن ينبغي مراعاة العرف والاتفاق إذا كان هناك اتفاق على تأخير الدخول مدة معينة، وعليه فما فعلته ليس حراماً ولا شيء عليك فيه، لأنه زوجك بمقتضى العقد الشرعي، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 35026، والفتوى رقم: 2940.
وأما بشأن حكم الامتناع من معاشرة الزوج، فقد نص العلماء على أن المرأة إذا مكنت الزوج طائعة فليس لها الامتناع عنه، إذا سلم مهرها المعجل، قال البيجيرمي في حاشيته على المنهج: وإن وطئها طائعة فليس لها الامتناع بخلاف ما إذا وطئها مكرهة أو صغيرة أو مجنونة لعدم الاعتداد بتسليمهن. انتهى.
فليس لك الامتناع من معاشرة الزوج إذا هيأ لك الظروف المناسبة لذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الخلوة بمن عقد نكاحها عقدا إداريا
تاريخ الفتوى : ... 11 رمضان 1427 / 04-10-2006
السؤال
متزوج إداريا بفتاة (عقد إداري)، بتنا مع بعضنا ليلة فداعبتها لكني لم أجامعها، ما حكم ما فعلت، أعلمكم أني مازلت لم أدفع لها المهر وأننا لم نقرأ الفاتحة في المسجد مع الإمام إنما قرأناها يوم الخطبة بحضور جمع من أهلي وأهلها، أرجو أن لا تحيلوني إلى أسئلة أخرى وأجيبوني على سؤالي من فضلكم؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى(10/2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العقد الإداري قد تضمن شروط النكاح وأركانه من ولي وشهود وإيجاب وقبول فقد تم النكاح صحيحاً، ولا يشترط له قراءة الفاتحة بالمسجد، فإذا كان العقد الإداري كذلك فهو عقد نكاح صحيح وبه تصبح الفتاة زوجة لك يباح لك منها ما يباح للرجل من زوجته، فمن عقد على امرأة عقداً صحيحاً صارت زوجة له، يخلو بها، ويعاشرها، وتجب عليه نفقتها، إذا كانت مكنته من نفسها، وتجب عليها طاعته فيما يأمر به من معروف، فلا فرق في ذلك بين من دخل بالفعل وبين من لم يدخل وقد عقد على المرأة إلا في أمور يسيرة منها: أن الزوج إذا طلق قبل الدخول وجب دفع نصف الصداق فقط، لقول الله تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً {البقرة:237}، والجمهور على أن الخلوة الصحيحة تقوم مقام الدخول في وجوب كل المهر للزوجة، ومنها أن الزوج إذا طلق قبل الدخول والخلوة -على الراجح- فإنه ليس له على المرأة عدة، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا {الأحزاب:49}، فإن كان العقد المذكور قد توفر فيه ما سبق، وقد ذكرت أنه حصلت خلوة بينكما فقد ثبت المهر لها كاملاً في ذمتك، لأن الخلوة كالدخول فيما يترتب عليه، ولا إثم عليكما فيما ذكرت لأنكما زوجان بالعقد المذكور، والباقي من المراسيم إنما هو للإشهار وهو ليس شرطاً في إباحة الزوجة لزوجها، أو للعادات والتقاليد فحسب، ولا يترتب عليه شيء صحة أو فساداً، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 76154، والفتوى رقم: 72339 .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
متى يجوز للمرأة كشف وجهها
سؤال:
نحن نعلم أن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب تغطية المرأة ولكن هناك حالات متعددة لا تستطيع المرأة فيها تغطية الوجه فهل يمكن إلقاء الضوء على هذا الموضوع ؟
الجواب:
الحمد لله
القول الراجح الذي تشهد له الأدلة هو : " وجوب ستر الوجه " ، وعليه فإن المرأة الشابة تُمنع من كشفه أمام الرجال الأجانب سداً لذرائع الفساد ، ويتأكد ذلك عند الخوف من الفتنة .
وقد نص أهل العلم على أنّ ما حرم سداً للذريعة يباح من أجل مصلحة راجحة .
وبناءً علي ذلك نص الفقهاء على حالات خاصة يجوز للمرأة عندها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب عندما تدعو الحاجة إلى كشفه أمامهم ، كما يجوز لهولاء أن ينظروا إليه ، شريطة أن لا يتجاوز الأمر في الحالتين مقدار الحاجة ، لأن ما أبيح للضرورة أو حاجة يقدر بقدرها .(10/3)
ونجمل هذه الحالات فيما يلي :
أولاً : الخِطبة :
يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها أمام مريد خطبتها ، لينظر إليهما في غير خلوة ودون مسّ ، لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال ، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته .
وقال أبو الفرج المقدسي : " ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها .. مجمع المحاسن ، وموضع النظر .. "
ويدل على جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته أحاديث كثيرة منها :
1- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " إن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عيله وسلم ، فصعّد النظر إليها وصوّبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله ، لَإِن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. ) الحديث أخرجه البخاري 7/19 ، ومسلم 4/143 ، والنسائي 6/113 بشرح السيوطي ، والبيهقي 7/84 .
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ قال : لا ، قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً " أخرجه أحمد ( 2/286،299 ) ، ومسلم 4/142 ، والنسائي 2/73 .
3- وعن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى مايدعوه إلى نكاحها فليفعل ) أخرجه أبو داود والحاكم ، وسنده حسن ، وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة ، وصححه ابن حبان والحاكم ، وأخرجه أحمد وابن ماجه ، ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار ، كذا في فتح الباري ( 9/181 ) .
قال الزيلعي : ( ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة أ.هـ ، وفي درر البحار : لا يحل المسّ للقاضي والشاهد والخاطب وإن أمنوا الشهوة لعدم الحاجة .. أ.هـ ) رد المحتار على الدر المختار 5/237 .
وقال ابن قدامة : ( ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة ، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بإمراة فإن ثالثهما الشيطان ) ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، ولا ريبة . قال أحمد في رواية صالح : ينظر إلى الوجه ، ولا يكون عن طريق لذة .
وله أن يردّد النظر إليها ، ويتأمل محاسنها ، لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك " أ.هـ
ثانياً : المعاملة :
ويجوز لها كشف وجهها وكفيها عند حاجتها إلى بيع أو شراء ، كما يجوز للبائع أن ينظر إلى وجهها لتسليم المبيع ، والمطالبة بالثمن ، ما لم يؤد إلى فتنة ، وإلا منع من ذلك .(10/4)
قال ابن قدامة : ( وإن عامل امرأة في بيع أو أجارة فله النظر إلى وجهها ليَعْلَمَها بعينها فيرجع عليها بالدّرَك ( وهو ضمان الثمن عند استحقاق البيع ) ، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ، وكرهه لمن يخاف الفتنة ، أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس " المغني 7/459 ، والشرح الكبير على متن المقنع 7/348 بهامش المغني ، والهداية مع تكملة فتح القدير 10/24 .
وقال الدسوقي : إن عدم جواز الشهادة على المتنقبة حتى تكشف عن وجهها عام في النكاح وغيره ، كالبيع ، والهبة ، والدين ، والوكالة ، ونحو ذلك ، واختاره شيخنا " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/194 .
ثالثاً : المعالجة
يجوز للمرأة كشف مكان العلة من وجهها ، أو أي موضع من بدنها لطبيب يعالج علتها ، شريطة حضور محرم أو زوج ، هذا إذا لم توجد امرأة تداويها ، لأن نظر الجنس إلى الجنس أخفّ ، وأن لا يكون الطبيب غير مسلم مع وجود طبيب مسلم يمكنه معالجتها ، ولا يجوز لها كشف ما يزيد عن موضع المرض .
ولا يجوز للطبيب نظر أو لمس ما يزيد على ما تدعو الحاجة إليه ، قصْراً للأمر على الضرورة التي تقدر بقدرها .
قال ابن قدامة : ( يباح للطبيب النظر إلى ما تدعوا إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها ، فإنه موضع حاجة .
وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال : انظروا إلى مؤتزره ( أي موضع شعر العانة الدالّ على البلوغ من عدمه ) ، فلم يجدوه أنبت الشعر ، فلم يقطعه " المغني 7/459 ، وغذاء الألباب 1/97 .
وقال ابن عابدين : ( قال في الجوهرة : إذا كان المرض في سائر بدنها غير الفرج يجوز النظر إليه عند الدواء ، لأنه موضع ضرورة ، وإن كان موضع الفرج فينبغي أن يعلّم امرأة تداويها ، فإن لم توجد وخافوا عليها أن تهلك ، أو يصيبها وجع لا تحتمله يستروا منها كل شيء إلا موضع العلة ، ثم يداويها الرجل ، ويغض بصره ما استطاع إلا عن موضع الجرح ) رد المحتار 5/237 ، وانظر : الهدائية العلائية ص/245 .
ومِثله من يلي ( يتولى ويُباشر ) خدمة مريض ولو أنثى في وضوء واستنجاء . أنظر : غذاء الألباب 1/97 .
قال محمد فؤاد : ويدل على جواز مداواة الرجل للمرأة - بالقيود التي سبق ذكرها - ما رواه الإمام البخاري بسنده عن الربَيِّع بنت معوذ ، قالت : ( كنا نعزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نسقي القوم ونخدمهم ، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة ) أخرجه البخاري 6/80و10/136 فتح الباري ) ، وأخرجه بنحوه عن أنس : مسلم (5/196) ، وأبو داود ( 7/205 مع عون المعبود ) ، والترمذي ( 5/301-302 ) وقال : حسن صحيح .
وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله : ( باب هل يداوي الرجل المرأة ، والمرأة الرجل ) ؟ فتح الباري ( 10/136 )(10/5)
قال الحافظ ابن حجر : " ويؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس ، وإنما لم يجزم - يعني البخاري - بالحكم ، لاحتمال لأن يكون ذلك قبل الحجاب ، أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجاً لها أو محرماً ، وأما حكم المسألة : فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة ، وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر ، والجسّ باليد ، وغير ذلك " فتح الباري (10/136) .
رابعاً : الشهادة
يجوز للمرأة كشف وجهها في الشهادة أداءً وتحملاً ، كما يجوز للقاضي النظر إليه لمعرفتها صيانة للحقوق من ضياع .
قال الشيخ الدردير : ( ولا تجوز شهادة على امرأة متنقبة حتى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها لتتعين للأداء ) .الشرح الكبير للشيخ الدردير ( 4/194 )
وقال ابن قدامة : ( وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها ، قال أحمد : لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها ) المغني 7/459 ، والشرح الكبير على متن المقنع (7/348 ) بهامش المغني ، والهداية مع تكملة فتح القدير 10/26 .
خامساً : القضاء
يجوز للمرأة كشف وجهها أمام قاض يحكم لها أو عليها ، وله - عند ذلك - النظر إلى وجهها لمعرفتها ، إحياء للحقوق ، وصيانة لها من الضياع .
و..أحكام الشهادة تنطبق على القضاء سواءً بسواء ، لاتحادهما في علة الحكم . انظر : الدرر المختار (5/237) ، الهدية العلائية ( ص/244) ، والهدية مع تكملة فتح القدير ( 10/26) .
سادساً : الصبي المميّز غير ذي الشهوة
يباح للمرأة - في إحدى الروايتين - أن تُبدي أمام الصبي المميز غير ذي الشهوة ما تبديه أمام محارمها ، لعدم رغبته في النساء ، وله أن يرى ذلك كله منها .
قال الشيخ أبو الفرج المقدسي : ( وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت الركبة في إحدى الروايتين ، لأن الله تعالى قال : ( ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم من بعض ) النور :58 وقال تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلُم فليستأذنوا كما استئذن الذين من قبلهم ) النور : 59 فدل على التفريق بين البالغ وغيره .
قال أبو عبد الله : حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام .
والرواية الأخرى : حكمه حكم ذوي المحارم في النظر إذا كان ذا شهوة ، لقوله تعالى : ( أو الطّفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) النور : 31
قيل لأبي عبد الله : متى تغطي المرأة رأسها من الغلام ؟ قال : إذا بلغ عشر سنين ، فإذا كان ذا شهوة فهو كذي المحرم لقوله تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ) الآية النور : 59
وعنه : أنه كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة ، وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم النظر ، ولقوله تعالى : ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات(10/6)
النساء ) النور 31 فأما الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شيء . الشرح الكبير على متن المقنع 7/349، وانظر : المغني 7/458 ، وغذاء الألباب 1/97 .
سابعاً : عديم الشهوة
ويجوز للمرأة أن تُظهر لعديم الشهوة ما تظهره أمام محارمها ، ولكونه لا أرَب له في النساء ، ولا يفطن لأمورهن ، وله أن يرى ذلك كله منها ، قال : ابن قدامة : " ومن ذهبت شهوته من الرجال لكِبَر ، أو عُنّةٍ ، أو مرض لا يُرجى برؤه ، والخصيّ .. ، والمخنث الذي لا شهوة له ، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر ، لقوله تعالى : ( أو التابعين غير أولِي الإربة ) أي غير أولي الحاجة إلى النساء ، وقال ابن عباس : هو الذي لاتستحي منه النساء ، وعنه : هو المخنث الذي لا يكون عنده انتشار ( أي مقدرة على الانتصاب ) .
وعن مجاهد وقتادة : الذي لا أرب له في النساء ، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره ، لأن عائشة قالت : دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أرى هذا يعلم ما ههنا ، لا يدخلنّ عليكم هذا ) فحجبوه . رواه أبو داود وغيره .
قال ابن عبد البر : ليس المخنث الذي تُعرف فيه الفاحشة خاصة ، وإنما التخنيث بشدة التأنيث في الخلِقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل ، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب ، وكان لا يفطن لأمور النساء ، وهو من غير أولي الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفَهِم أمر النساء أمر بحجبه ) المغني 7/463 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/347-348 )
تاسعاً : العجوز التي لا يُشتهى مثلها
ويجوز للعجوز التي لا تُشتهى كشف وجهها وما يظهر غالباً منها أمام الأجانب ، والستر في حقها أفضل .
ألا ترى أن الله تعالى قال : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن ) النور:60 ، قال ابن قدامة : ( العجوز التي لا يُشتهي مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالباً ، لقول الله تعالى : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ) الآية ، قال ابن عباس في قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) النور : 30 ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) الآية النور : 31 ، قال : فنسخ ، واستثنى من ذلك القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ، الآية . وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى ) المغني 7/463 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/347-348 .
تاسعاً : كشف الوجه أمام الكوافر(10/7)
اختلف أهل العلم في المسلمة من الكافرة :
قال ابن قدامة : ( وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء ، ولا فرق بين المسلمين ، وبين المسلمة والذمية ، كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر ، قال أحمد : ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية ، وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ، ولا تقبلها حين تلد . ( أي لا تكون قابلة لأنها ستطلّع على العورة المغلّظة عند الولادة إلا في حالات الضرورة كما تقدّم ) .
وعن أحمد رواية أخرى : أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ، .. لقوله تعالى : ( أو نسائهن ) ، والأول أولى ، لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكنّ يحتجبن ولا أُمرْن بحجاب ، وقد قالت عائشة : جاءت يهودية تسألها ، فقالت : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ، وذكر الحديث ، وقالت أسماء قدمت عليّ أمي وهي راغبة - يعني عن الإسلام - فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصِلُها ؟ قال : نعم . ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ، ولأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما .
فأما قوله تعالى : ( أو نسائهنّ ) فيحتمل أن يكون المراد جملة النساء . المغني 7/464 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/351 بهامش المغني .
قال ابن العربي المالكي : ( الصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء وإنما جاء بالضمير للإتباع ، فإنها آية الضمائر ، إذ فيها خمسة وعشرون ضميراً لم يروا في القرآن لها نظيراً ، فجاء هذا للإتباع ) أحكام القرآن 3/326 .
وقال الآلوسي : ( وذهب الفخر الرازي إلى أنها كالمسلمة ، فقال : والمذهب أنها كالمسلمة ، والمراد بنسائهن جميع النساء ، وقول السلف محمول على الاستحباب .
ثم قال : وهذا القول أرفق بالناس اليوم ، فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات " تفسير الآلوسي 19/143 .
قال محمد فؤاد : إن كان ذلك القول أرفق في زمانهم ، فلا شك أنه أولى ، وأكثر رفقاً ، وأعظم يسراً في زماننا هذا ، سيما لمن ألجأتهم أسباب قاهرة للإقامة في غير بلاد المسلمين ، فاختلطت المسلمات بالذميات ، وتشابكت ظروف الحياة ، بحيث أصبح احتجابهن عنهن مليء بالصعوبات فإنا لله وإنا إليه راجعون .
عاشراً :
يجب على المرأة أن تكشف وجهها وكفيها حالة إحرامها بالحج أو العمرة ، ويحرم عليها - عند ذلك - لبس النقاب والقفازين ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتنقب المرأة المُحرمة ، ولا تلبس القفازين )
فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال بقربها ، أو كانت جميلة وتحققت من نظر الرجال إليها ، سدلت الثوب من فوق رأسها على وجهها ، لحديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مُحرمات مع رسول الله(10/8)
صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه )
قال الجزيري حكاية عنهم : ( للمرأة أن تستر وجهها لحاجة كمرور الأجانب بقربها ، ولا يضر التصاق الساتر بوجهها ، وفي هذا سعة ترفع المشقة والحرج ) الفقه على المذاهب الأربعة /645 .
هذه جملة حالات يصح للمرأة معها كشف وجهها وكفيها حسب التفصيل الذي نص عليه الفقهاء ، وحرره العلماء ، ولكن بقيت مسألة أخرى جديرة بالنظر والاهتمام ، ألا وهي : " حالة الإكراه " التي يفرض بموجبها على المرأة المسلمة كشف وجهها ، فما الحكم في ذلك ؟
الحادي عشر : حالة الإكراه
فرضت بعض الأنظمة المتسلطة أحكاماً جائرة ، وقوانين ظالمة ، خالفت بها دين الإسلام ، وتمردت على الله ورسوله ، ومنعت بموجبها المرأة المسلمة من الحجاب ، بل وصل الحال ببعضها إلى إزاحته عنوة عن وجوه النساء ، ومارست ضدهن أسوأ أنواع التسلط والقهر والإرهاب..
كما حدثت مضايقات للمنقبات في بعض البلاد الأوربية .. وتعرض بعضهن إلى الإيذاء تارة ، والتعرض للإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم تارة أخرى ..
وإزاء ذلك فإنه يجوز للمرأة في حال الضرورة التي تتيقّن فيها أو يغلب على ظنّها حصول الأذى الذي لا تُطيقه أن تكشف وجهها ، وإن الأخذ بقول مرجوح أولى من تعرضها للفتنة على أيدي رجال السوء .
ولئن جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها في الحالات المتقدمة التي لا تصل إلى حد الإكراه ، فإن جواز كشفهما لأذى يلحقها في نفسها أو دينها من باب الأولى ، خاصة إذا كان نقابها سيعرضها لجلاوزة يرفعون حجابها عن رأسها ، أو يؤدي بها إلى عدوان عليها ، والضرورات تبيح المحظورات ، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، كما نص على ذلك أهل العلم .. ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر ويجب إحسان التّقدير للظّرف والوضع الذي تعيش فيه المرأة المسلمة والاعتبار بالتجارب والمواقف التي حصلت لغيرها حتى يكون تقديرها للضرورة صحيحا لا يُصاحبه الهوى ولا الضّعف والخوَر .
وحيث جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها في الحالات الاستثنائية المتقدمة ، فلا يجوز لها ذلك مع الزينة بالمساحيق والحلي الظاهر ، إذ يحرم عليها إظهارها أمام الرجال الأجانب عند جميع الفقهاء ، لقوله تعالى : ( لا يبدين زينتهن ) ولعدم وجود ضرورة أو حاجة ماسة تدعو إلى ذلك . حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ص/239
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
من آداب الزفاف وسننه
تاريخ الفتوى : ... 05 رمضان 1427 / 28-09-2006(10/9)
السؤال
أريد شرحا لآداب ليلة الزفاف والسنن التي يجب أن نقوم بها (لا حياء في الدين) ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من آداب الزفاف وسننه إعلانه بالدف وغيره من الأمور المباحة شرعا، والوليمة عنده، والدعاء المأثور عند الدخول على الزوجة، وصلاة ركعتين معها، واستعمال الطيب، وإذا أراد الجماع فليقدم له ما يكسر الحواجز النفسية من الملاطفة والمؤانسة والملاعبة، وأن يسمي الله ويدعو بالدعاء المأثور، ويجب عليه أن يتجنب الحيضة والدبر ويكتم السر، تجد تفاصيل ذلك وأدلته في الفتاوى التالية أرقامها : 10267 ، 2521 ، 41888 ، 44634 ، نرجو أن تطلع عليها .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
طلب الزوجة من زوجها أن يعجل الدخول بها
تاريخ الفتوى : ... 06 شعبان 1427 / 31-08-2006
السؤال
امرأة عقد قرانها ( عقد شرعي وعقد مدني) منذ حوالي سنة، هل يحق لزوجها أن يفعل بها ما يفعل الزوج بزوجته مع العلم أنها لم تزف إليه بعد ؟ وهل لها الحق أن تطالبه أن يعجل الزفاف مع العلم أن هذا الأخير لديه مال يمكنه الزواج به ولكنه يفضل أن يعمل به ؟
وجزاكم الله خير الجزاء .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجل إذا عقد له على امرأة عقدا شرعيا فقد أصبحت بذلك زوجة له يحل له منها ما يحل للرجل من زوجته، ولكن الأولى اتباع العرف السائد في تأخير البناء بالزوجة بعد العقد عليها دفعا للحرج، وتراجع الفتوى رقم : 6263 ، والفتوى رقم: 2940 ، وللمرأة الحق في أن تطلب من زوجها تعجيل أمر الدخول، والأولى به أن يفعل ذلك إن لم يوجد مانع لما في التعجيل من الخير الكثير ومن ذلك إحصان الزوج نفسه وإحصانه زوجته .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
تمكين الفتاة زوجها من الدخول بها بعد دفع المهر
تاريخ الفتوى : ... 01 جمادي الأولى 1427 / 29-05-2006
السؤال(10/10)
أنا شاب تزوجت مؤخرا وقمت بعقد القران، لكن لحد الآن أنا أعيش في بيت وزوجتي في بيت نظرا للظروف المادية . وزوجتي ترفض أن أدخل بها الآن بدواعي أننا لسنا قادرين على المسؤولية الآن، فماذا تقولون في هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تمكين الزوج من الدخول بالزوجة يجب بعد تسليم معجل الصداق، فإذا سلم الزوج الصداق المعجل، وجب على الزوجة تمكينه من نفسها وسبق بيانه في الفتوى رقم: 13450، والفتوى رقم: 31246 ، ويستثنى من ذلك فترة تجهيز الفتاة لزوجها، فلا يجب عليها التمكين فيها، وسبق في الفتوى رقم:67085.
وعليه فليس من حق زوجتك الامتناع من التمكين إذا كنت قد سلمت لها المهر، ويجب عليك توفير المسكن المناسب لزوجتك للانتقال بها إليه، فإن السكن من النفقة، ولها الحق في طلب فسخ العقد للإعسار بالنفقة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8299.
أما إذا لم تكن سلمت لها المعجل من الصداق فإن من حقها أن تمنع نفسها حتى تسلم لها ذلك الحال، وتراجع الفتوى رقم: 60506.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حق الزوجة في السكن المناسب ... العنوان
إذا أرادت الزوجة أن تستقل بمسكن خاص بها وحدها لا يشاركها فيه أهل الزوج وعارض أهل الزوج(الوالد والوالدة) ذلك ؛ فماذا يفعل هذا الزوج ؟
أفتونا مأجورين
... السؤال
06/03/2007 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من حق المرأة أن يكون لها سكن مستقل خاص بها، ويجب على الزوج أن يوفر لها هذا المسكن، بحسب ما يتناسب مع حالها في حدود قدرة الزوج .
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية : -
لقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة كما جاء عن عقبة بن عامر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت ". رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 )، والحمو : قريب الزوج الذي ليس محرما للزوجة .(10/11)
فلا يجوز لها الخلوة بأحد من أحمائها اللهم إلا إذا كانوا صغاراً لا يُخشى منهم ولا يُخشى عليهم .
ويجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً يسترها عن عيون الناس ويحميها من البرد والحر بحيث تسكن وتستقر وتستقل به ، ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال مع مطبخ وبيت خلاء إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد ، وليس له أن يوجب عليها أن تأكل مع أحدٍ من أحمائها.
وتوفير المسكن يكون على قدر طاقة الزوج بحيث يليق عُرفا بحال الزوجة ومستواها الاجتماعي، ودليل ذلك:
أ ـ قال ابن حزم رحمه الله : ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } [ سورة الطلاق / 6 ] . " المحلى " ( 9/ 253 ) .
ب ـ وقال ابن قدامة رحمه الله : ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى { أسكنوهن ... } ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف .
ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع. "المغني " ( 9 / 237 ) .
ج ـ قال الكاساني رحمه الله : ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربها ، فأبت ذلك عليه فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا ... ولكن لو أسكنها في بيت من الدار _ ( أي في غرفة ) _ وجعل لهذا البيت غِلقاً على حدة كفاها ذلك وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال ."بدائع الصنائع "( 4 / 23 ).
د ـ قال الحصكفي رحمه الله - من السادة الحنفية - : وكذا تجب لها السكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها بقدر حالهما كطعام وكسوة وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق ومراده لزوم كنيف (أي : بيت خلاء ) ومطبخ كفاها لحصول المقصود .أ.هـ.
وعلَّق ابن عابدين فقال : والمراد من ( الكنيف والمطبخ ) أي : بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت (أي : الغرفة ) أو في الدار لا يشاركهما فيهما أحد من أهل الدار .أ.هـ
وعلى هذا فيجوز للزوج أن يسكن الزوجة في غرفة من البيت يتبعها مرافقها إذا لم تكن هناك فتنة أو خلوة بأحد ممن لا تحرم عليهم ، وكانوا في سن البلوغ ، وليس له أن يجبرها على العمل لهم في المنزل أو أن تأكل وتشرب معهم ، وإذا استطاع أن يوفّر لها سكنا منفصلا عن سكن أهله تماما فهذا أحسن .
ولكن إذا كان والداه كبيرين يحتاجان إليه وليس لهما من يخدمهما ولا يُمكن خدمتهما إلا بالسّكن بجوارهما فيجب عليه ذلك .(10/12)
وأخيراً :
ندعو الزوجة إلى التحلّي بالصبر والعمل على إرضاء الزوج ومساعدته ما أمكن في برّ أهله حتى يأتي الله بالفرج والسّعة ، وصلى الله على نبينا محمد .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
وقت الوليمة والدخول
تاريخ الفتوى : ... 18 ذو الحجة 1426 / 18-01-2006
السؤال
جرت العادة عندنا أن العريس يكتب عقد الزوج ثم بعد يومين أو ثلاثة يقوم بالوليمة ثم يدخل على زوجته فهل هذا من السنة أم لا فإن كان لا فكيف تكون الوليمة في السنة مع التفصيل لو أ مكن أثابكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيدخل وقت الوليمة بالعقد وإن لم يدخل الزوج بزوجته، والأفضل فعلها بعد الدخول لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولم بعد الدخول ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة فأرسلني فدعوت رجالا إلى الطعام. فكانت الوليمة بعد الدخول، وليس هناك أمر لازم ينبغي فعله فالأمر فيه سعة.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: سنة - أي الوليمة - بعد عقد النكاح الصحيح للزوج الرشيد ولولي غير أبيه أو جده من مال نفسه ..... ويدخل وقتها بالعقد كما تقرر فلا تجب الإجابة لما تقدمه، وإن اتصل بها.... والأفضل فعلها عقب الدخول للاتباع ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن فيما يظهر كالعقيقة. انتهى.
ولمعرفة حكم الوليمة تراجع الفتوى رقم: 54549.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الاستمتاع بالزوجة بعد العقد الصحيح
تاريخ الفتوى : ... 06 جمادي الأولى 1426 / 13-06-2005
السؤال
ما حكم من أقام علاقة جنسية مع فتاة و حملت ثم سقط الحمل وبعد مدة تزوجها بعقد في البلدية بحضور وليها. (و لم يتم بعد دفع المهر لأجل مصدق عليه أي لم يقم عرسا ولم يتم الدخول أمام الناس) مع العلم أن العلاقة مستمرة .ما حكم الدين وكيف تكون له زوجة في الحلال أي ما هي الكفارة كي تحل له.
و شكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(10/13)
فإن كان العقد تم بحضور الولي وشاهدي عدل وإيجاب وقبول فهو نكاح صحيح والمرأة زوجته، وله أن يستمتع بها ولو لم يدفع المهر بعد ولم تزف إليه، المهم أن يكون العقد قد تم.
مع أننا ننصح بسرعة الزفاف وإعلان النكاح حتى لا يتفاقم الأمر وتنتشر بين الناس سمعة سيئة ، والواجب على الرجل والمرأة أن يتوبا إلى الله تعالى مما وقعا فيه.
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الاستمتاع بالزوجة بعد العقد
تاريخ الفتوى : ... 01 جمادي الأولى 1426 / 08-06-2005
السؤال
جاء في ردكم على سؤال حول استمتاع الرجل العاقد لقرانه بزوجته التي لم يدخل بها ما معناه أنها زوجته شرعا ويجوز له الاستمتاع بها مع مراعاة العرف.
والسؤال إن كان العرف يمنع ذلك وحصل الاستمتاع بها فهل يأثم العاقد شرعا كمن ارتكب محرما ؟
وفى مثل حالتي فإني عاقد لقراني منذ سنتين ولظروف تعليم زوجتي التي لم أدخل بها, أهلها يرفضون الدخول بها حتى تكمل الدراسة وإن كان هناك اتفاق بيني وبينها على أنها لا تمانع الدخول حاليا ولكن لرضا الأسرة فهي نازلة على رغبتهم وهي تعاني ما أعانيه.
هل يحق لي ولها الاسمتاع صيانة لنفسي من الزلل وغضا لبصري وحفظا لفرجي .
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرناه من مراعاة العرف لا يلزم منه حرمة التمتع بالزوجة المعقود عليها عقدا صحيحا مستوفيا الشروط بما في ذلك الوطء والخلوة وغيرهما من الأمور المباحة للزوج من زوجته، وانظر الفتوى رقم: 2940.
ونشير هنا إلى أن القصد من مراعاة العرف تجنب عدم التسبب في الخلاف بين الزوج وأهل زوجته عند علمهم بحصول ذلك، لأن الناس تعيرهم بحصول ذلك من ابنتهم.
على أن من حق ولي المرأة أن يمنع من الدخول بها حتى يسلم لها المهر الحال، والخلاصة أن الاستمتاع بالزوجة بعد العقد عليها جائز في حد ذاته، ولا حرج فيه، لكنه إذا ترتب عليه أمر آخر من الأمور التي تسبب النزاع والخصام لكونه في وقت أو مكان يخالف عادة المجتمع فإن الأولى تجنبه سدا لذريعة الخلاف والشحناء، كما أنه إن كان قبل دفع ما اتفق على تعجيله من الصداق وبدون موافقة ولي المرأة الصغيرة فإنه يكون اعتداء على حقه، إذ له الحق في المنع منه حتى يدفع له المهر الحال.
والله أعلم.(10/14)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
مراعاة العرف بعد عقد النكاح وقبل الدخول
تاريخ الفتوى : ... 16 ربيع الأول 1426 / 25-04-2005
السؤال
لقد قرأت معظم فتاواكم ولقد لا حظت في بعض الفتوى والتي تهم حالتي والخاصة بالفتوى المتعلقة بالمتزوج العاقد وغير المدخل بها حيث رأيت أن بعض السائلين الذين يسألون عن حكم التقبيل فحضرتكم تفنتونهم بالجواز ما دام قد عقد ودفع المهر و في بعض الفتوى تفتونهم بالجواز مع مراعاة العرف السائد في البلاد فماذا تقصدون بالعرف السائد هل هو العادات والطباع مع العلم أن في بعض الدول العربية هناك عادات لا مكان لها في الإسلام والأخلاق أم تقصدون بها الشروط المتفق عليها بين الزوج و أهل الزوجة أم ماذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر الأخ على حرصه على معرفة حكم الشرع فيما أشكل عليه في أمر دينه، ونوضح للأخ ما أشكل عليه في النقاط التالية: بمجرد إتمام العقد الصحيح تصير المرأة المعقود عليها زوجة لمن عقد له عليها، فيجوز له منها ما يجوز للرجل من زوجته كالخلوة والوطء ونحوهما، وليس ذلك الجواز مشروطا بإقامة حفل زفاف في الحال أو في المستقبل أو بدفع المهر كما يظن البعض. 2ـ لا يجوز منع الزوج من زوجته بعد عقد النكاح بغير عذر إلا أنه يجوز للمرأة أو لولي أمرها منع الزوج من الدخول قبل تسليم مهرها الحال. 3ـ لا بأس بالاتفاق على تأخير الدخول بعد العقد فترة من الزمن ويلزم الوفاء بهذا الاتفاق لحديث: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه. 4ـ تجب مراعاة الأعراف والعوائد في ذلك إذ إن المعروف عرفا كالمشروط شرطا كما تقول القاعدة الفقهية، ومقصودنا هنا أنه إذا كان العرف جاريا في بلاد ما بأن الزوج قبل إشهار الزواج وإعلانه يظل بعيدا عن امرأته ولا يخالطها أنه تجب مراعاة هذا العرف وعدم الخروج عليه. 5ـ ليس في هذا الاتفاق أو العرف مصادمة ولا معارضة للشرع فإنه لا يقضي بتحريم ما أحل الله من الاستمتاع بالزوجة المعقود عليها إذ لو كان يقضي بذلك لما كان له قيمة ولم يلزم مراعاته، وإنما يؤخر هذا الاستمتاع حتى يتم الزفاف والإشهار لما تقدم من أن المسلمين عند شروطهم، وأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، ومراعاة لمشاعر أهل الزوجة فإنهم يتحرجون كثيرا في أن تختلي ابنتهم بزوجها قبل زفافها إليه خشية أن يحصل ( شيء ما) قبل الزفاف، فقد يتوفى مثلا الزوج أو يفسخ العقد لسبب أو لآخر، وتكون المرأة قد علق بها حمل فتقع الزوجة وأهلها في الحرج. نرجو أن نكون بهذا البيان قد أزلنا ما أشكل على السائل الكريم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ(10/15)
هل للأب منع ابنته من الخلوة بزوجها قبل إعلان الدخول
تاريخ الفتوى : ... 07 ذو الحجة 1425 / 18-01-2005
السؤال
أنا فتاة تزوجت ولازلت في بيت أبي لإكمال دراستي0 وتحدد موعد الزفاف بعد ستة أشهر0المشكلة أن زوجي يمر بظروف قاسية كوفاة والده وتقدمه في العمر إذ يبلغ من العمر 36 عاما كما يعاني من قرحة في معدته تؤلمه لأكثر من 10 ساعات إن غضب0كما أنه يمر بالكثير من المشاكل بالإضافة إلى وحدته الدائمة0أنا أتألم كثيرا لتألم زوجي كما أمضي ساعات كثيرة في البكاء لأني عاجزة عن إسعاده وأنا متاكدة من حسن نواياه وكم هو جاد للزواج بي وذلك لانتظاره لي لأكثر من ثلاث سنوات وتسليمه المهر الباهظ مع عسر حاله حتى من قبل إتمام العقد وذلك تدليلا على حسن نواياه كما أنه يعلم الجميع كم يحرص هو ويخاف علي0 سؤالي هو: هل يجوز لي أن ألقاه خارج البيت في أماكن عامة كما يطلب زوجي من دون علم والدي (كالجامعة مثلا أو أن يدعوني للطعام وذلك حتى يخرج كلانا من التعاسة التي أصبحنا نعيشها لتدخل الكثير من الناس بيننا) (مع علمي لرفض والدي الشديد الشديد الشديد لأن يلقاني خارج المنزل وكم سيكون حزنه إن خالفت أمره أو عصيته) وأنا لا أريد أن أكون خائنة للأمانة (مع العلم بأن علاقتي النفسية والعاطفية مع زوجي أوشكت على الانتهاء لطول الانتظار وكثرة الخلافات) أبي مصر على رأيه وذلك بناء على العرف القائم في المجتمع وخوفه على إن طلقت لا قدر الله مع العلم بأن العقد مستوف للأمور الشرعية بما فيها الإشهار والجميع يعلم الآن أني تزوجت0
ماذا أفعل أفيدوني حفظكم الله ورعاكم0
السلام عليكم ورحمة الله0
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خلق الله سبحانه الزوجين الذكر والأنثى، وجعل في كل منهما غريزة وميلا للآخر لا تستقر النفس ولا تسكن إلا بإشباع تلك الغريزة. ومن هنا شرع الله سبحانه الزواج لتستقر النفوس وتهدأ، وتسكن القلاقل والاضطرابات؛ قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21} . وقد أمر الله عز وجل به في كتابه فقال: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ{النور: 32}. وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. ولذلك يجب عدم وضع العراقيل في طريق الزواج والعمل على تيسيره، وحتى يسعد الإنسان ويسمو المجتمع. وإن من العراقيل التي وضعت في طريق الزواج ما ورد في سؤال الأخت من انتظار طويل من قبل الفتاة والرجل الذي تقدمت به السن بحجة إكمال الفتاة دراستها، فلا ندري ما المانع بعد عقد النكاح من الدخول، ولماذا(10/16)
كل هذه الفترة بين العقد وبين الدخول، ومتى كان الدخول بالمرأة مانعا لها من إكمال دراستها، ولماذا يمنع الأب ابنته من لقاء زوجها، في حين أنه بمجرد عقد النكاح الصحيح المتسوفي لشروطه يجوز للرجل أن يختلي بزوجته ويفعل معها كل ما يجوز للرجل أن يفعل مع زوجته. فهل هذا جهل بأحكام الدين، أم مراعاة للعادات والتقاليد المخالفة لشرع الله، فليس للأب منع ابنته من زوجها بعد العقد وبعد دفع المهر المعجل إذا طلبها بأي حجة، كما أن الزوج ينبغي له أن يسعى في تعجيل الدخول، وأن لا يطلب منها اللقاء بهذه الصورة التي فيها مخالفة لأمر والدها، وحتى لا يوقع زوجته في الحرج من جراء عصيان والدها أو عصيانه. ومع أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الأب، إلا أننا ننصح الأخت أن تسلك سبيلا وسطا بين طاعة زوجها وعدم مخالفة أمر والدها، إما باستئذان والدها في اللقاء بزوجها في أماكن معينة، أو بالاكتفاء باللقاء في البيت حتى ييسر الله لهما الدخول. مع الدعاء أن يجعل الله لهما من أمرهما يسرا، وأن يعجل فرجهما إنه سميع قريب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الدخول بالزوجة الوقت الفاضل والممنوع
تاريخ الفتوى : ... 03 ذو القعدة 1425 / 15-12-2004
السؤال
هل هناك أيام أو أشهر مكروهة للدخلة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المسارعة بالزواج لمن تتوق نفسه إليه من الأمور المحمودة شرعا، وذلك لما فيه من الفوائد العظيمة والتي ذكر بعضها في قوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. متفق عليه.
ولم ينقل عن أحد من أهل العلم أنه كره فعل هذا في زمن من الأزمان، اللهم إلا إذا كان ذلك زمن الحج أو العمرة وهما محرمان أو أحدهما، فإنه لا يجوز. وقد استحب أهل العلم التزوج والدخول في شوال لما روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني، قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الخلوة بين الزوجين قبل الدخول
تاريخ الفتوى : ... 23 شوال 1425 / 06-12-2004
السؤال(10/17)
أنا امرأة متزوجة من ابن عمي عقد من غير دخلة عندما أريد أن أجلس بجواره أو أكلمه أي كلام ما أمه لا ترضى الجلوس أو الكلام معه، أنا متضررة أفيدوني هل أسمع كلام زوجي وأطيعه أم أطيع أمه لأنها تؤذيني بالكلام أفيدوني أنا حائرة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه بمجرد العقد الصحيح تصير المرأة زوجة لمن عقد عليها يجوز له منها ما يجوز للزوج من زوجته كالخلوة والاستمتاع فأحرى ما دون ذلك من الأمور، إلا أنه إن جرى العرف أن هذه الأمور لا يسمح بها إلا بعد الزفاف، فينبغي مراعاته، وانظري الفتوى رقم: 2940، والفتوى رقم: 13450.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الخلوة بين الزوجين قبل الدخول
تاريخ الفتوى : ... 23 شوال 1425 / 06-12-2004
السؤال
أنا امرأة متزوجة من ابن عمي عقد من غير دخلة عندما أريد أن أجلس بجواره أو أكلمه أي كلام ما أمه لا ترضى الجلوس أو الكلام معه، أنا متضررة أفيدوني هل أسمع كلام زوجي وأطيعه أم أطيع أمه لأنها تؤذيني بالكلام أفيدوني أنا حائرة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه بمجرد العقد الصحيح تصير المرأة زوجة لمن عقد عليها يجوز له منها ما يجوز للزوج من زوجته كالخلوة والاستمتاع فأحرى ما دون ذلك من الأمور، إلا أنه إن جرى العرف أن هذه الأمور لا يسمح بها إلا بعد الزفاف، فينبغي مراعاته، وانظري الفتوى رقم: 2940، والفتوى رقم: 13450.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ما الذي يترتب على الطلاق قبل الدخول والخلوة
تاريخ الفتوى : ... 06 رمضان 1425 / 20-10-2004
السؤال
أنا عُقد قراني على شخص ولي ثلاث سنوات وأنا في ذمته وأريد الطلاق منه وهو رافض، فما حكم المحكمة والشريعة في الطلاق قبل الدخول والاختلاء؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه من المعلوم شرعاً أن الرجل إذا عقد على المرأة عقدا صحيحاً مكتمل الشروط صارت هذه المرأة المعقود عليها زوجته، فيجوز له منها ما يجوز للرجل من(10/18)
زوجته من إباحة الخلوة والاستمتاع، وعلى هذا فندعو هذه الأخت السائلة إلى عدم التسرع في طلب الطلاق، وإن كان بينها وبين زوجها خلاف أن تحاول حله بالطرق المشروعة بما في ذلك توسيط أهل العقل والحكمة من أقاربهما وإن كان السبب عدم القدرة على توفير الصداق وتوابعه فالأحسن أن تعطيه مهلة حتى ييسر الله تعالى له ذلك.
واعلمي أن طلب المرأة للطلاق من غير سبب، منهي عنه شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه أصحاب السنن.
أما إن كان لديك سبب فلا مانع من طلب الطلاق ولو بمخالعته بما تتفقان عليه من مال، هذا وننبه إلى أنه إذا حصل الطلاق قبل الدخول أو الخلوة كما تقولين فإنه لا تلزمك عدة لقول الحق سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا {الأحزاب:49}، ولك نصف الصداق المسمى لقول الله تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ {البقرة:237}، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 1955.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
هل تجاهد المرأة
سؤال:
السؤال :
هل جهاد المرأة غير واجب ؛ سواءٌ أكان جهاد الدعوة أو جهاد الكفار ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
ليس جهاد الكفار بالقتال واجبا على المرأة ، ولكن عليها جهاد بالدعوة إلى الحق ، وبيان التشريع ، في حدود لا تنتهك فيها حرمتها ، مع لبس ما يستر عورتها ، وعدم الاختلاط بالرجال غير المحارم ، وعدم الخضوع بالقول والخلوة بالأجانب ، قال الله تعالى في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم : " واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة " الأحزاب/34 وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد ؟ قال : " نعم ، عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة " أخرجه أحمد 6/68 وابن ماجه 2/968 .
وثبت عنها أيضا أنها قالت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : " لكن أفضل الجهاد حج مبرور " أخرجه أحمد 6/67 والبخاري 2/141 .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى اللجنة الدائمة 12/34.
ـــــــــــــــــــــ(10/19)
مداواة الرجل للمرأة
سؤال:
السؤال :
ما حكم مداواة الطبيب للمرأة المسلمة ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة ، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم ، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم ، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته ، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة . والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز الاستحمام عريانا
سؤال:
السؤال : هل يجوز في الإسلام الاستحمام عرياناً ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
روى البخاري في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ وَإِمَّا آفَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى فَخَلا يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ وَقَامَ الْحَجَرُ فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا صحيح البخاري 3404
استدل العلماء بهذا الحديث على جواز التعري خاليا سيما إذا كان ذلك لحاجة من مثل الغسل وإلى جواز ذلك ذهب أكثر العلماء كما قال الحافظ في الفتح 1/385 وقد بوب البخاري عليه (باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالستر أفضل) وأفضليه الستر مأخوذة من الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن وحسنه(10/20)
الترمذي وصححه الحاكم عن معاوية بن حيدة قال قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك . قلت : يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيى منه من الناس
والله ولي التوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
حكم التعرّي عند الاغتسال
سؤال:
السؤال :
هل يجوز للشخص أن يستحم عرياناً ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
نعم يجوز للشخص أن يستحم عرياناً لما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روت عنه ميمونة رضي الله عنها أنها اغتسلت هي والنبي صلى الله عليه وسلم في قصعة فيها أثر عجين وثبت عنه في غير ما موضع كما في البخاري ومسلم واغتساله مع عائشة رضي الله عنها .
ولا يصح في وجوب الاستتار حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان بعض السلف يؤثر الاستتار عند الاغتسال لكن الشرع لا يوجبه . ويكفي أن يكون بعيداً عن أنظار الناس .
وقد استدل بعض العلماء بحديث الصحيحين في اغتسال موسى عليه السلام عرياناً - البخاري ( 274 ) ومسلم ( 339 ) ، وعليه بوب النووي جواز الاعتسال عرياناً في الخلوة في صحيح مسلم .
وكذا اغتسال أيوب عليه السلام عرياناً كما في صحيح البخاري ( 275 ) .
قال الإمام النووي :
وقد قدمنا في الباب السابق أنه يجوز كشف العورة في موضع الحاجة في الخلوة وذلك كحالة الاغتسال وحال البول ومعاشرة الزوجة ونحو ذلك فهذا كله جائز فيه التكشف في الخلوة ، وأما بحضرة الناس : فيحرم كشف العورة في كل ذلك .
قال العلماء : والتستر بمئزر ونحوه في حال الاغتسال في الخلوة أفضل من التكشف ، والتكشف جائز مدة الحاجة في الغسل ونحوه والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح ...
" شرح مسلم " ( 4 / 32 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ(10/21)
متى يجوز للمرأة كشف وجهها
سؤال:
نحن نعلم أن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب تغطية المرأة ولكن هناك حالات متعددة لا تستطيع المرأة فيها تغطية الوجه فهل يمكن إلقاء الضوء على هذا الموضوع ؟
الجواب:
الحمد لله
القول الراجح الذي تشهد له الأدلة هو : " وجوب ستر الوجه " ، وعليه فإن المرأة الشابة تُمنع من كشفه أمام الرجال الأجانب سداً لذرائع الفساد ، ويتأكد ذلك عند الخوف من الفتنة .
وقد نص أهل العلم على أنّ ما حرم سداً للذريعة يباح من أجل مصلحة راجحة .
وبناءً علي ذلك نص الفقهاء على حالات خاصة يجوز للمرأة عندها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب عندما تدعو الحاجة إلى كشفه أمامهم ، كما يجوز لهولاء أن ينظروا إليه ، شريطة أن لا يتجاوز الأمر في الحالتين مقدار الحاجة ، لأن ما أبيح للضرورة أو حاجة يقدر بقدرها .
ونجمل هذه الحالات فيما يلي :
أولاً : الخِطبة :
يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها أمام مريد خطبتها ، لينظر إليهما في غير خلوة ودون مسّ ، لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال ، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته .
وقال أبو الفرج المقدسي : " ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها .. مجمع المحاسن ، وموضع النظر .. "
ويدل على جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته أحاديث كثيرة منها :
1- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " إن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عيله وسلم ، فصعّد النظر إليها وصوّبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله ، لَإِن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. ) الحديث أخرجه البخاري 7/19 ، ومسلم 4/143 ، والنسائي 6/113 بشرح السيوطي ، والبيهقي 7/84 .
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ قال : لا ، قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً " أخرجه أحمد ( 2/286،299 ) ، ومسلم 4/142 ، والنسائي 2/73 .
3- وعن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى مايدعوه إلى نكاحها فليفعل ) أخرجه أبو داود والحاكم ، وسنده حسن ، وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة ،(10/22)
وصححه ابن حبان والحاكم ، وأخرجه أحمد وابن ماجه ، ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار ، كذا في فتح الباري ( 9/181 ) .
قال الزيلعي : ( ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة أ.هـ ، وفي درر البحار : لا يحل المسّ للقاضي والشاهد والخاطب وإن أمنوا الشهوة لعدم الحاجة .. أ.هـ ) رد المحتار على الدر المختار 5/237 .
وقال ابن قدامة : ( ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة ، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بإمراة فإن ثالثهما الشيطان ) ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، ولا ريبة . قال أحمد في رواية صالح : ينظر إلى الوجه ، ولا يكون عن طريق لذة .
وله أن يردّد النظر إليها ، ويتأمل محاسنها ، لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك " أ.هـ
ثانياً : المعاملة :
ويجوز لها كشف وجهها وكفيها عند حاجتها إلى بيع أو شراء ، كما يجوز للبائع أن ينظر إلى وجهها لتسليم المبيع ، والمطالبة بالثمن ، ما لم يؤد إلى فتنة ، وإلا منع من ذلك .
قال ابن قدامة : ( وإن عامل امرأة في بيع أو أجارة فله النظر إلى وجهها ليَعْلَمَها بعينها فيرجع عليها بالدّرَك ( وهو ضمان الثمن عند استحقاق البيع ) ، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ، وكرهه لمن يخاف الفتنة ، أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس " المغني 7/459 ، والشرح الكبير على متن المقنع 7/348 بهامش المغني ، والهداية مع تكملة فتح القدير 10/24 .
وقال الدسوقي : إن عدم جواز الشهادة على المتنقبة حتى تكشف عن وجهها عام في النكاح وغيره ، كالبيع ، والهبة ، والدين ، والوكالة ، ونحو ذلك ، واختاره شيخنا " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/194 .
ثالثاً : المعالجة
يجوز للمرأة كشف مكان العلة من وجهها ، أو أي موضع من بدنها لطبيب يعالج علتها ، شريطة حضور محرم أو زوج ، هذا إذا لم توجد امرأة تداويها ، لأن نظر الجنس إلى الجنس أخفّ ، وأن لا يكون الطبيب غير مسلم مع وجود طبيب مسلم يمكنه معالجتها ، ولا يجوز لها كشف ما يزيد عن موضع المرض .
ولا يجوز للطبيب نظر أو لمس ما يزيد على ما تدعو الحاجة إليه ، قصْراً للأمر على الضرورة التي تقدر بقدرها .
قال ابن قدامة : ( يباح للطبيب النظر إلى ما تدعوا إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها ، فإنه موضع حاجة .
وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال : انظروا إلى مؤتزره ( أي موضع شعر العانة الدالّ على البلوغ من عدمه ) ، فلم يجدوه أنبت الشعر ، فلم يقطعه " المغني 7/459 ، وغذاء الألباب 1/97 .(10/23)
وقال ابن عابدين : ( قال في الجوهرة : إذا كان المرض في سائر بدنها غير الفرج يجوز النظر إليه عند الدواء ، لأنه موضع ضرورة ، وإن كان موضع الفرج فينبغي أن يعلّم امرأة تداويها ، فإن لم توجد وخافوا عليها أن تهلك ، أو يصيبها وجع لا تحتمله يستروا منها كل شيء إلا موضع العلة ، ثم يداويها الرجل ، ويغض بصره ما استطاع إلا عن موضع الجرح ) رد المحتار 5/237 ، وانظر : الهدائية العلائية ص/245 .
ومِثله من يلي ( يتولى ويُباشر ) خدمة مريض ولو أنثى في وضوء واستنجاء . أنظر : غذاء الألباب 1/97 .
قال محمد فؤاد : ويدل على جواز مداواة الرجل للمرأة - بالقيود التي سبق ذكرها - ما رواه الإمام البخاري بسنده عن الربَيِّع بنت معوذ ، قالت : ( كنا نعزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نسقي القوم ونخدمهم ، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة ) أخرجه البخاري 6/80و10/136 فتح الباري ) ، وأخرجه بنحوه عن أنس : مسلم (5/196) ، وأبو داود ( 7/205 مع عون المعبود ) ، والترمذي ( 5/301-302 ) وقال : حسن صحيح .
وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله : ( باب هل يداوي الرجل المرأة ، والمرأة الرجل ) ؟ فتح الباري ( 10/136 )
قال الحافظ ابن حجر : " ويؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس ، وإنما لم يجزم - يعني البخاري - بالحكم ، لاحتمال لأن يكون ذلك قبل الحجاب ، أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجاً لها أو محرماً ، وأما حكم المسألة : فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة ، وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر ، والجسّ باليد ، وغير ذلك " فتح الباري (10/136) .
رابعاً : الشهادة
يجوز للمرأة كشف وجهها في الشهادة أداءً وتحملاً ، كما يجوز للقاضي النظر إليه لمعرفتها صيانة للحقوق من ضياع .
قال الشيخ الدردير : ( ولا تجوز شهادة على امرأة متنقبة حتى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها لتتعين للأداء ) .الشرح الكبير للشيخ الدردير ( 4/194 )
وقال ابن قدامة : ( وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها ، قال أحمد : لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها ) المغني 7/459 ، والشرح الكبير على متن المقنع (7/348 ) بهامش المغني ، والهداية مع تكملة فتح القدير 10/26 .
خامساً : القضاء
يجوز للمرأة كشف وجهها أمام قاض يحكم لها أو عليها ، وله - عند ذلك - النظر إلى وجهها لمعرفتها ، إحياء للحقوق ، وصيانة لها من الضياع .
و..أحكام الشهادة تنطبق على القضاء سواءً بسواء ، لاتحادهما في علة الحكم . انظر : الدرر المختار (5/237) ، الهدية العلائية ( ص/244) ، والهدية مع تكملة فتح القدير ( 10/26) .(10/24)
سادساً : الصبي المميّز غير ذي الشهوة
يباح للمرأة - في إحدى الروايتين - أن تُبدي أمام الصبي المميز غير ذي الشهوة ما تبديه أمام محارمها ، لعدم رغبته في النساء ، وله أن يرى ذلك كله منها .
قال الشيخ أبو الفرج المقدسي : ( وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت الركبة في إحدى الروايتين ، لأن الله تعالى قال : ( ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم من بعض ) النور :58 وقال تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلُم فليستأذنوا كما استئذن الذين من قبلهم ) النور : 59 فدل على التفريق بين البالغ وغيره .
قال أبو عبد الله : حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام .
والرواية الأخرى : حكمه حكم ذوي المحارم في النظر إذا كان ذا شهوة ، لقوله تعالى : ( أو الطّفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) النور : 31
قيل لأبي عبد الله : متى تغطي المرأة رأسها من الغلام ؟ قال : إذا بلغ عشر سنين ، فإذا كان ذا شهوة فهو كذي المحرم لقوله تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ) الآية النور : 59
وعنه : أنه كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة ، وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم النظر ، ولقوله تعالى : ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) النور 31 فأما الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شيء . الشرح الكبير على متن المقنع 7/349، وانظر : المغني 7/458 ، وغذاء الألباب 1/97 .
سابعاً : عديم الشهوة
ويجوز للمرأة أن تُظهر لعديم الشهوة ما تظهره أمام محارمها ، ولكونه لا أرَب له في النساء ، ولا يفطن لأمورهن ، وله أن يرى ذلك كله منها ، قال : ابن قدامة : " ومن ذهبت شهوته من الرجال لكِبَر ، أو عُنّةٍ ، أو مرض لا يُرجى برؤه ، والخصيّ .. ، والمخنث الذي لا شهوة له ، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر ، لقوله تعالى : ( أو التابعين غير أولِي الإربة ) أي غير أولي الحاجة إلى النساء ، وقال ابن عباس : هو الذي لاتستحي منه النساء ، وعنه : هو المخنث الذي لا يكون عنده انتشار ( أي مقدرة على الانتصاب ) .
وعن مجاهد وقتادة : الذي لا أرب له في النساء ، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره ، لأن عائشة قالت : دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أرى هذا يعلم ما ههنا ، لا يدخلنّ عليكم هذا ) فحجبوه . رواه أبو داود وغيره .
قال ابن عبد البر : ليس المخنث الذي تُعرف فيه الفاحشة خاصة ، وإنما التخنيث بشدة التأنيث في الخلِقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل ، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب ، وكان لا يفطن لأمور النساء ، وهو من غير أولي الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء ، ألا ترى أن النبي صلى الله(10/25)
عليه وسلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفَهِم أمر النساء أمر بحجبه ) المغني 7/463 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/347-348 )
تاسعاً : العجوز التي لا يُشتهى مثلها
ويجوز للعجوز التي لا تُشتهى كشف وجهها وما يظهر غالباً منها أمام الأجانب ، والستر في حقها أفضل .
ألا ترى أن الله تعالى قال : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن ) النور:60 ، قال ابن قدامة : ( العجوز التي لا يُشتهي مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالباً ، لقول الله تعالى : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ) الآية ، قال ابن عباس في قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) النور : 30 ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) الآية النور : 31 ، قال : فنسخ ، واستثنى من ذلك القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ، الآية . وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى ) المغني 7/463 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/347-348 .
تاسعاً : كشف الوجه أمام الكوافر
اختلف أهل العلم في المسلمة من الكافرة :
قال ابن قدامة : ( وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء ، ولا فرق بين المسلمين ، وبين المسلمة والذمية ، كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر ، قال أحمد : ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية ، وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ، ولا تقبلها حين تلد . ( أي لا تكون قابلة لأنها ستطلّع على العورة المغلّظة عند الولادة إلا في حالات الضرورة كما تقدّم ) .
وعن أحمد رواية أخرى : أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ، .. لقوله تعالى : ( أو نسائهن ) ، والأول أولى ، لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكنّ يحتجبن ولا أُمرْن بحجاب ، وقد قالت عائشة : جاءت يهودية تسألها ، فقالت : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ، وذكر الحديث ، وقالت أسماء قدمت عليّ أمي وهي راغبة - يعني عن الإسلام - فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصِلُها ؟ قال : نعم . ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ، ولأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما .
فأما قوله تعالى : ( أو نسائهنّ ) فيحتمل أن يكون المراد جملة النساء . المغني 7/464 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/351 بهامش المغني .
قال ابن العربي المالكي : ( الصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء وإنما جاء بالضمير للإتباع ، فإنها آية الضمائر ، إذ فيها خمسة وعشرون ضميراً لم يروا في القرآن لها نظيراً ، فجاء هذا للإتباع ) أحكام القرآن 3/326 .(10/26)
وقال الآلوسي : ( وذهب الفخر الرازي إلى أنها كالمسلمة ، فقال : والمذهب أنها كالمسلمة ، والمراد بنسائهن جميع النساء ، وقول السلف محمول على الاستحباب .
ثم قال : وهذا القول أرفق بالناس اليوم ، فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات " تفسير الآلوسي 19/143 .
قال محمد فؤاد : إن كان ذلك القول أرفق في زمانهم ، فلا شك أنه أولى ، وأكثر رفقاً ، وأعظم يسراً في زماننا هذا ، سيما لمن ألجأتهم أسباب قاهرة للإقامة في غير بلاد المسلمين ، فاختلطت المسلمات بالذميات ، وتشابكت ظروف الحياة ، بحيث أصبح احتجابهن عنهن مليء بالصعوبات فإنا لله وإنا إليه راجعون .
عاشراً :
يجب على المرأة أن تكشف وجهها وكفيها حالة إحرامها بالحج أو العمرة ، ويحرم عليها - عند ذلك - لبس النقاب والقفازين ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتنقب المرأة المُحرمة ، ولا تلبس القفازين )
فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال بقربها ، أو كانت جميلة وتحققت من نظر الرجال إليها ، سدلت الثوب من فوق رأسها على وجهها ، لحديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مُحرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه )
قال الجزيري حكاية عنهم : ( للمرأة أن تستر وجهها لحاجة كمرور الأجانب بقربها ، ولا يضر التصاق الساتر بوجهها ، وفي هذا سعة ترفع المشقة والحرج ) الفقه على المذاهب الأربعة /645 .
هذه جملة حالات يصح للمرأة معها كشف وجهها وكفيها حسب التفصيل الذي نص عليه الفقهاء ، وحرره العلماء ، ولكن بقيت مسألة أخرى جديرة بالنظر والاهتمام ، ألا وهي : " حالة الإكراه " التي يفرض بموجبها على المرأة المسلمة كشف وجهها ، فما الحكم في ذلك ؟
الحادي عشر : حالة الإكراه
فرضت بعض الأنظمة المتسلطة أحكاماً جائرة ، وقوانين ظالمة ، خالفت بها دين الإسلام ، وتمردت على الله ورسوله ، ومنعت بموجبها المرأة المسلمة من الحجاب ، بل وصل الحال ببعضها إلى إزاحته عنوة عن وجوه النساء ، ومارست ضدهن أسوأ أنواع التسلط والقهر والإرهاب..
كما حدثت مضايقات للمنقبات في بعض البلاد الأوربية .. وتعرض بعضهن إلى الإيذاء تارة ، والتعرض للإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم تارة أخرى ..
وإزاء ذلك فإنه يجوز للمرأة في حال الضرورة التي تتيقّن فيها أو يغلب على ظنّها حصول الأذى الذي لا تُطيقه أن تكشف وجهها ، وإن الأخذ بقول مرجوح أولى من تعرضها للفتنة على أيدي رجال السوء .
ولئن جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها في الحالات المتقدمة التي لا تصل إلى حد الإكراه ، فإن جواز كشفهما لأذى يلحقها في نفسها أو دينها من باب الأولى ، خاصة إذا كان نقابها سيعرضها لجلاوزة يرفعون حجابها عن رأسها ، أو يؤدي بها إلى(10/27)
عدوان عليها ، والضرورات تبيح المحظورات ، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، كما نص على ذلك أهل العلم .. ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر ويجب إحسان التّقدير للظّرف والوضع الذي تعيش فيه المرأة المسلمة والاعتبار بالتجارب والمواقف التي حصلت لغيرها حتى يكون تقديرها للضرورة صحيحا لا يُصاحبه الهوى ولا الضّعف والخوَر .
وحيث جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها في الحالات الاستثنائية المتقدمة ، فلا يجوز لها ذلك مع الزينة بالمساحيق والحلي الظاهر ، إذ يحرم عليها إظهارها أمام الرجال الأجانب عند جميع الفقهاء ، لقوله تعالى : ( لا يبدين زينتهن ) ولعدم وجود ضرورة أو حاجة ماسة تدعو إلى ذلك . حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ص/239
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... حكم الدخول بالفتاة الصغيرة
تاريخ الفتوى : ... 15 محرم 1425 / 07-03-2004
السؤال
لدي عدة أسئلة:
ما علاج السرحان في الصلاة، أنا شاب في العشرين من عمري خطبت فتاة ولكن عمرها 12 سنة هل يجوز الزواج والدخول بها علما بأنها لم تبلغ، معَ أني قادر على الزواج حالياَ والطرفان موافقان، فما رأي الشرع في ذلك، هل الإقلاع عن الاستمناء قبل الزواج بخمسة شهور كاف لأن يزيل آثاره، أحس أني بعد قضاء الصلاة أنها مردودة علي وأن الله لم يقبلها وأن نصيبي من ذلك التعب فقط، أفيدوني؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما علاج السرحان في الصلاة فلك أن تراجع فيه الفتوى رقم: 6598، والفتوى رقم: 9525.
ثم إنه لا مانع من الزواج بمن ذكرت، والدخول بها إن أطاقت الوطء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 21361، والعادة أن من كانت في سن الثانية عشرة تكون مطيقة للوطء مع أن ذلك يختلف من بنت لأخرى.
ثم إن الاستمناء أمر محرم، وكنا قد ذكرنا ذلك في فتاوى كثيرة، فراجع منها الرقم: 7170، وواجب من يمارس هذه العادة السيئة هو أن يتوب إلى الله منها فوراً، بأن يقلع عنها في الحال مع الندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود إليه.
ثم ما الذي تقصده بالآثار التي تسأل عما إذا كان تركه خمسة أشهر كاف لإزالتها، فإن كنت تقصد بها الآثار العضوية التي تصيب عادة الشخص الممارس لتلك العادة السيئة فإنما يسأل عنها أهل الطب، وإن كنت تعني بها الذنوب، فإن التائب من(10/28)
الذنب إذا أخلص توبته، فهو كمن لا ذنب له، كما ورد في سنن ابن ماجه من حديث أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه، ولكن الواجب ترك الذنب حالاً وعدم التسويف بذلك.
ثم ما ذكرته من الإحساس بأن صلاتك ليست مقبولة عند الله، وأن نصيبك منها إنما هو التعب، فإنه من وسوسة الشيطان وكيده، يريد أن يجعلك تترك صلاتك وعبادتك بالكلية، فلا تلتفت إليه، وعليك أن تحسن صلاتك وتحسن بالله الظن، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 8759.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الخلوة قبل الدخول تترتب عليها آثارها
تاريخ الفتوى : ... 11 ذو الحجة 1424 / 03-02-2004
السؤال
حدث بيني وبين زوجي بعد عقد القران خلوة فيها قبل ومداعبات والتصاق العضوين، ولكن بدون إدخال وقد تم الطلاق لمرض الزوج وعند الطلاق قلت لم تحدث خلوة خوفاً من الفضيحة ما رأيكم أفيدوني لأني أخاف من الحرام هل أنا على ذمته أما لا وهل لي عدة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه الخلوة التي حدثت بينكما خلوة صحيحة تترتب عليها آثارها، ومن ذلك أنه تجب عليك العدة بمجرد هذه الخلوة عند جمهور الفقهاء، وتستحقين بإنكارك الخلوة نصف الصداق لا جميعه، قال الدسوقي في حاشيته: وإن نفياه أي الوطء بأن تصادقا على نفيه في الخلوة، لأنها -أي العدة- حق لله تعالى فلا تسقط بذلك، وأخذاً بإقرارهما بنفي الوطء فيما هو حق لهما، فلا نفقة لها ولا يتكمل لها الصداق، ولا رجعة له فيها، أي كل من أقر منهما أخذ بإقراره اجتماعاً أو انفراداً.
وقولك هل أنا على ذمته أم لا، فإن كنت تقصدين صحة الطلاق ووقوع الفرقة، فالجواب أن الطلاق قد وقع بذلك، وراجعي للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 2940، والفتوى رقم: 10331.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... أقوال العلماء في ما ينبني على الخلوة الصحيحة من أحكام
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
تم عقد قراني وتمت خلوه شرعيه بيني وبين زوجي بأن أقمنا في شقه لمدة ثلاثه وعشرين يوما ، ولكنه لم يدخل بي دخولاً حقيقياً أى لم يتم إيلاج أو فض غشاء البكاره و لظروف خلاف شديد بينه و بين أهلي تم طلاقنا على يد مأذون بوثيقة(10/29)
طلاق أبرأته فيها وذكر فيها أنه لم يدخل بي ولم يختل بي وأنه يلزم لكي يتزوجني ثانيةً من عقد ومهر جديدين .
وبسؤال أحد المشايخ أخذ بالرأي الذي يقرر أن الخلوة الشرعية هي في حكم الدخول وعلى ذلك قام زوجي بردي دون عقد ومهر جديدين .
وعلى ذلك دخل بي دخولاً حقيقياً بإيلاج وفض عشاء البكاره .
وبعد ذلك حلف علي يمينين طلاق كل على حدة و كان يقصد الطلاق في الحالتين أي يكون بذلك قد وقع الطلاق ثلاث مرات المرة الأولى أمام المأذون والمرتين الأخيرتين .
والسؤال هنا هل نأخذ بالرأي الذي يقول إن الطلاق الأول بائن بينونه صغرى لأن الدخول لم يكن حقيقياً وإنما خلوة شرعية فقط ويلزم عقد ومهر جديدين وعلى ذلك أكون عندما أوقع علي اليمينين الأخيرين لست زوجته ولست محلاً لإيقاع الطلاق ونقوم بعقد قران جديد ؟
أم نأخذ بالرأى الذي يعتد بالخلوة الشرعية و يعتبرها دخولاً حكمياً وعلى ذلك يقع اليمينان الأخيران وأبين منه بينونه كبرى لآ يحل لي إلا بمحلل ؟
أفتوني يرحمكم الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخلوة الصحيحة تقوم مقام الدخول فيتقدر بها المهر والعدة، كما هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، جاء في مواهب الجليل من كتب المالكية: تعتد امرأة بخلوة بالغ أي بسبب خلوة بالغ، وهي (أي الخلوة) إرخاء الستور فلو لم يكن خلوة لا عدة. انتهى.
وفي شرح حدود ابن عرفة من كتبهم (باب فيما تجب فيه العدة) قال: لخلوتهما ولو بزيارة تحتمل والوطء.
وجاء في الفتاوى الهندية وهي حنفية: ولو خلا بامرأته خلوة صحيحة ثم طلقها صريحاً وقال لم أجامعها فصدقته أو كذبته وجبت عليه العدة.
وفي المبسوط من كتبهم: الخلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء ستر أو باب مغلق يوجب المهر والعدة عندنا. انتهى.
وجاء في التاج والإكليل: إذا تصادقا على نفي ؟؟؟ لم تسقط العدة.
وفي الإنصاف من كتب الحنابلة: الخلوة تقوم مقام الدخول في أربعة أشياء، وذكر منها تكميل الصداق وجوب العدة.... إلخ.
وحكى الطحاوي في مشكل الآثار إجماع الصحابة أن من أغلق باباً وأرخى ستراً فلها الصداق وعليها العدة، وقال ابن قدامة في الكافي: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب المهر ووجبت العدة، وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعاً.
وعلى ما تقدم؛ فإن طلاق زوجك لك في المرة الأولى صحيح ومراجعته لك بدون صداق ولا عقد جديد صحيح، وطلاقك الثاني والثالث واقع وأنت بائنة منه بينونه كبرى لا يحل لك الرجوع إليه إلا بعد نكاح زوج ثان، ثم لتعلمي أن المقلد إذا سأل(10/30)
عالماً فأفتاه وعمل به لا يحل له التراجع عن هذه الفتوى بعد العمل؛ بل حكى الترمذي وابن الحاجب الاتفاق على ذلك، قال صاحب التقريب: لا يرجع المقلد فيما قلد المجتهد فيه أي عمل به اتفاقاً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب
سؤال:
السؤال :
شخص لم يرزق بأولاد ، فأخذ لقيطا من الملجأ فرباه وعلمه وأحسن إليه ، واجتهادا منه وعطفا عليه أضافه إلى اسمه وسجله في الوثائق الرسمية .. فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها الولد اللقيط باسم من تبناه وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء ، لما في ذلك من الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض ، وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح وما إلى هذا من انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة ، لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه أو غير مواليه قال الله تعالى : " وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام " . رواه أحمد والبخاري ومسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة " ، فاجتهاد المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه ويجب العمل على التغيير والتعديل للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية وللحكم التي تقدم بيانها ، وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان إليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم .
اللجنة الدائمة
فتاوى إسلامية 3/12-13
ـــــــــــــــــــــ
هل يزيل ولد الزنا الخلوة بين الزانيين
سؤال:
السؤال :(10/31)
هل تزال الخلوة بين الزانيين بوجود ابنهما من الزنا ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب مشكورا :
تزول الخلوة بينهما بوجود ثالث معهما سواء كان منهما أو من غيرهما وسواء كان ولد زنا أو ولد رشدة ( أي من نكاح صحيح ) بشرط أن يكون مميزا عاقلا وأن تُؤمن الفتنة وأن تكون المرأة بالحجاب الكامل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
الخلوة التي يثبت بها المهر وغيره من الأحكام
تاريخ الفتوى : ... 29 ذو القعدة 1424 / 22-01-2004
السؤال
لقد أتممت عقد القران في الفترة الأخيرة، وأصبحت خطيبتي زوجة لي. غير أنه لم يحصل دخول بعد، و نحن لا نعيش مع بعض. هل نفقتها واجبة علي أم على والدها؟ هل إشهار الدخول واجب؟ هل يتم الدخول بالخلوة فقط أم بالوطء؟ هل هناك إجماع؟ وما هو الرأي الراجح في حالة غياب الإجماع؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا تلزمك النفقة على امرأتك بمجرد العقد عليها أو الخلوة بها، وإنما تلزمك من حين تمكينها لك من الاستمتاع التام بها، وقد فصلنا هذا في الفتوى رقم: 2317، والفتوى رقم: 722.
وأما الخلوة التي يثبت بها المهر وغير ذلك من الأحكام فهي أن يخلو الزوج بامرأته خلوة يمكنه فيها الوطء عادة، وهذا على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وهم الجمهور، كما في الفتوى رقم: 22144، والفتوى رقم: 41127، ودليلهم ما رواه الإمام أحمد والأثرم عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب المهر، ووجبت العدة.
وروى الأثرم أيضاً عن الأحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت أن عليها العدة ولها الصداق كاملاً. قال ابن قدامة في المغني: وهذه قضايا تشتهر ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعاً.
والصواب أنه ليس بإجماع، فقد نقل عن ابن مسعود وابن عباس وبه أخذ شريح والشعبي وطاووس وابن سيرين وهو مذهب الشافعي الجديد، أن المهر لا يستقر إلا بالوطء، وهو مذهب مالك أيضاً.
وأما إشهار الدخول فإن كنت تقصد به إشهار النكاح فمستحب، والمقصود بالإشهار: إعلان النكاح وضرب الدف عليه والغناء المباح وجعله ظاهراً بين الناس لا خفية لا يعلم به إلا بعض الناس، ودليل استحباب الإشهار ما رواه أحمد وابن حبان(10/32)
والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعلنوا النكاح.
وإن كنت تقصد بإشهار الدخول إشهار حصول الخلوة أو الوطء، فهذا ليس بمشروع لعد ورود الدليل بذلك في ما نعلم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
من الآداب المتبعة في ليلة الزفاف
تاريخ الفتوى : ... 29 شوال 1424 / 24-12-2003
السؤال
هل هو فرض وضروري في يوم الزواج على العريس التكبير وقراءة الأدعية في ليلة العرس على العروس؟ وكذلك إذا حصل له مولود وشكرا لكم وشكرا لخدمة الرسائل وإلى الأمام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يسن للرجل ليلة عرسه هو ما ورد في حديث ابن ماجه وحسنه الألباني عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أفاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه. ثم يصليان ركعتين جماعة، وليس شيء من ذلك واجبا، وإنما هو مستحب، وانظر تفصيل ما يستحب للزوج فعله ليلة العرس في الفتويين رقم: 15312، 2521، ورقم: ، وليس من السنة التكبير في تلك الليلة.
وأما الذي يفعله من حصل له مولود، فانظره مفصلا في الفتوى رقم:
13605.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
تعريف الخلوة الشرعية وما ينبني عليها من أحكام
تاريخ الفتوى : ... 01 ذو الحجة 1424 / 24-01-2004
السؤال
ماهي الخلوة الشرعية؟ وهل لحس ولعق فرج المرأة يعتبر من الخلوة الشرعية، وهذا كان تحت كراهية وإجبار مع عدم الدخول بها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فجمهور العلماء على أن الخلوة الصحيحة بالمعقود عليها تترتب عليها آثار، من تقرر المهر كله ووجوب العدة وغير ذلك، ولكنهم يختلفون في تحديد الخلوة الصحيحة. فالأحناف يعرفون الخلوة الصحيحة بأنها التي لا يكون معها مانع من الوطء لا(10/33)
حقيقي ولا شرعي ولا طبيعي. وعند المالكية الخلوة الصحيحة هي خلوة الاهتداء، وهي المعروفة عندهم بإرخاء الستور أو غلق الباب أو غيره. وعند الحنابلة هي الخلوة التي تكون بعيداً عن مميز وبالغ مطلقاً، إن كان الزوج يطأ مثله وكانت الزوجة يوطأ مثلها ولم تمنعه من الوطء، وعليه فإن الصورة المذكورة في السؤال خلوة صحيحة يجب بها كل المهر وتعتد المرأة بها عدة المطلقة، ولا يؤثر عدم رضا المرأة بالدخول بها من عدمه. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الشذوذ الجنسي ...الحكم والعلاج ... العنوان
أنا مسلم ملتزم ، وأسلمت قبل فترة طويلة ، تم التحرش بي جنسياً وأنا طفل ، وأصبحت الآن أُثار غريزيّاً للرجال والنساء ، وهذا شيء أجده في نفسي ، لا أدري كيف أتخلص منه.
أنا لا أفعل المعصية دائماً ولكنني أفعلها أحياناً وأندم على فعلها لأن الله لا يحب هذا الانحراف الجنسي ، والمشكلة أنني لا أستطيع أن أساعد نفسي ، حاولت كثيراً أن أتغير ولكن دون فائدة ، طلبت من الله المعونة واعترفت لبعض المسلمين لكي يساعدوني وذهبت للطبيب النفسي .
أحب الله وأحب دينه وتصرفاتي تعكس هذا الحب ، ودائماً أحاول التقرب لله ، حيث إنني وقعت في هذا المرض ، فقد عرفت لماذا أمرت الشريعة بقتل اللوطي ، جميع أصدقائي مسلمون ومتمسكون بالدين ، ولكن الشيطان قد يحاول أن يدمر إيماني أنا وأصدقائي ، أرجو أن تساعدني وتخبرني بالحل ولو تكلف هذا ذهابي لأي مكان في العالم لأنني لا أريد أن أقترف هذا الذنب مرة أخرى ، ولا أريد أن أكون خطراً على أي شخص من عباد الله . ... السؤال
15/02/2007 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فمن أخبث الذنوب جريمة اللواط، وقد شدد التشريع في تقبيحها، وعقوبتها، ومن المعلوم أن كثيرا من الأمراض تنتشر بسببها، ومع ذلك فقد فتح الله تعالى باب التوبة على مصراعيه لكل تائب ، ويجب على من اقترف الذنب وتاب منه، أن يقترب من الله تعالى ويكثر من الصالحات، ويجالس الصالحين.
يقول فضيلة الشيخ محمد المنجد من علماء المملكة العربية السعودية:
سنتكلم معك في نقاط أربعة وهي : قبح وشناعة فاحشة اللواط ، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية ، وبيان سعة رحمة الله للتائبين ، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة .
أما الأمر الأول : وهو قبح وشناعة فاحشة اللواط :
فقد قال ابن القيم – عن قوم لوط - :(10/34)
ذكر جمهور الأمة ، وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة - : ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط ، وهي تلي مفسدة الكفر ، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل - كما سنبينه إن شاء الله تعالى-.
قالوا : ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين ، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمَّة غيرهم ، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات : من الإهلاك ، وقلب ديارهم عليهم ، والخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة من السماء ، وطمس أعينهم ، وعذَّبهم ، وجعل عذابهم مستمراً ، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم ، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة ، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها ، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم ، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى ، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها .
وقتْل المفعول به خيرٌ له من وطئه ، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا تُرجي الحياة معه ، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد ، وربما ينتفع به في آخرته .
وقال :
وأتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله ، لم يختلف منهم فيه رجلان ، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله ، فظنَّ بعض الناس ذلك اختلافاً منهم في قتله ، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة ، وهي بينهم مسألة إجماع .
ومن تأمل قوله سبحانه:" ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً " الإسراء، وقوله في اللواط :" أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين" الأعراف ، تبين له تفاوت ما بينهما ؛ فإنه سبحانه نكَّر الفاحشة في الزنا ، أي : هو فاحشة من الفواحش ، وعرَّفها في اللواط ، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة ...
ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم فقال :" ما سبقكم بها من أحد من العالمين" ، ثم زاد في التأكيد بأن صرَّح بما تشمئز منه القلوب ، وتنبو عنها الأسماع ، وتنفر منه أشد النفور ، وهو إتيان الرجل رجلا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى ، فقال :" أئنكم لتأتون الرجال ".
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه الرجال ، وقلبوا الطبيعة التي ركَّبها الله في الذكور ، وهي شهوة النساء دون الذكور ، فقلبوا الأمر ، وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء ، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها ، وكذلك قلبهم ، ونكسوا في العذاب على رؤوسهم .
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد ، فقال :" بل أنتم قوم مسرفون".
فتأمل هل جاء ذلك – أو قريبٌ منه - في الزنا ، وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله:" ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث" ، ثم أكَّد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال :" إنهم كانوا قوم سوء فاسقين" الأنبياء ، وسماهم مفسدين في قول نبيهم فقال :" رب انصرني على القوم المفسدين" الأنبياء ، وسماهم ظالمين في(10/35)
قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام : " إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين" العنكبوت.
فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه الذمات .
وأما الأمر الثاني : فهو ما تسببه هذه الفاحشة من مضار صحيَّة :
قال الدكتور محمود حجازي في كتابه " الأمراض الجنسية و التناسلية " - وهو يشرح بعض المخاطر الصحية الناجمة عن ارتكاب اللواط - :
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق الشذوذ الجنسي ( اللواط ) هي :
1- مرض الأيدز، وهو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت .
2- التهاب الكبد الفيروسي .
3- مرض الزهري .
4- مرض السيلان .
5- مرض الهربس .
6- التهابات الشرج الجرثومية .
7- مرض التيفوئيد .
8- مرض الأميبيا .
9- الديدان المعوية .
10- ثواليل الشرج .
11- مرض الجرب .
12- مرض قمل العانة .
13- فيروس السايتو ميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج .
14- المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي .
ثالثاً : التوبة منه :
ومما سبق يتبين عظم وقبح وشناعة هذه الفاحشة ، وما يترتب على فعلها من آثار ضارة ، ومع ذلك فالباب مفتوح لتوبة العاصين ، والله تعالى يفرح بتوبتهم .
وتأمل قول الله تعالى : " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون . ومن يفعل ذلك يلق أثاماً . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً . إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " الفرقان .
وعند التأمل في قوله تعالى :" فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات" يتبين لك فضل الله العظيم .
وقد قال المفسرون هنا معنيين للتبديل :
الأول : تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا .
والثاني : تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة .
فالواجب عليك التوبة إلى الله توبة عظيمة ، واعلم أن رجوعك إليه سبحانه هو خير لك ولأهلك ولإخوانك وللمجتمع كافة .(10/36)
واعلم أن الحياة قصيرة ، وأن الآخرة خير وأبقى ، ولا تنس أن الله تعالى أهلك قوم لوط بما لم يهلك بمثله أحداً من الأمم غيرهم .
رابعاً : وأما العلاج لمن ابتلي بهذه المصيبة :
1- الابتعاد عن الأسباب التي تيسر لك الوقوع في هذه المعصية وتذكرك بها مثل :
- إطلاق البصر ، والنظر إلى النساء أو الشاشات .
- الخلوة بأحد من الرجال أو النساء .
2- اشغل نفسك دائماً بما ينفعك في دينك أو دنياك كما قال الله تعالى : ( فإذا فرغت فانصب ) فإذا فرغت من عمل في الدنيا فاجتهد في عمل من عمل الآخرة كذكر الله وتلاوة القرآن وطلب العلم وسماع الأشرطة النافعة ...
وإذا فرغت من طاعة فابدأ بأخرى ، وإذا فرغت من عمل من أعمال الدنيا فابدأ في آخر ... وهكذا ، لأن النفس أن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فلا تدع لنفسك فرصة أو وقت فراغ تفكر في هذه الفاحشة .
3-قارن بين ما تجده من لذة أثناء هذه الفاحشة ، وما يعقب ذلك من ندم وقلق وحيرة تدوم معك طويلاً ، ثم ما ينتظر فاعل هذه الفاحشة من عذاب في الآخرة ، فهل ترى أن هذه اللذة التي تنقضي بعد ساعة يقدمها عاقل على ما يعقبها من ندم وعذاب ، ويمكنك لتقوية القناعة بهذا الأمر والرضا به القراءة في كتاب ابن القيم ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) فقد ألفه رحمه الله لمن هم في مثل حالك – فرج الله عنا وعنك - .
4-العاقل لا يترك شيئاً يحبه إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه . وهذه الفاحشة تفوت عليك نعيم الدنيا والآخرة ، ومحبة الله لك ، وتستحق بها غضب الله وعذابه ومقته .
فقارن بين ما يفوتك من خير ، وما يحصل لك من شر بسبب هذه الفاحشة، والعاقل ينظر أي الأمرين يقدّم .
5-وأهم من ذلك كله : الدعاء والاستعانة بالله عز وجل أن يصرف عنك هذا السوء ، واغتنم أوقات الإجابة وأحوالها ، كالسجود ، وقبل التسليم من الصلاة ، وثلث الليل الآخر ، ووقت نزول المطر ، وفي السفر ، وفي الصيام ، وعند الإفطار من الصيام .
نسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يتوب عليك ، ويجنبك سوء الأعمال والأخلاق . أ.هـ
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
مؤاخذة المرأة بزوال بكارتها دون ترو ظلم لها
تاريخ الفتوى : ... 18 ربيع الثاني 1424 / 19-06-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم سؤالي يقول: عندنا فى ليلة الدخلة أو الزفة تحدث عندنا مشاكل تصل أحيانا إلى مرحلة الطلاق، ومن عاداتنا أن نكشف شرف المرأة لوالديها وللأخرين إن كانت مصابة فى عرضها أو غير مصابة، فهل هذا يجوز فى(10/37)
الشرع، وهناك من يقول ربما تكون المرأة مظلومة لسبب وجود أحوال تصاب فيها دون أن يدخل عليها رجل، وهذا وارد فى كتب الفقه حسب ما يقولون، هل هذا صحيح، نرجو منكم الإجابة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن هذه عادة قبيحة منكرة، لما فيها من هتك ستر المسلمة وإيذائها، واحتمال الاطلاع على عورتها المغلظة، ورميها بالفجور في حال الاطلاع على زوال بكارتها، فيجب عليكم نبذ هذه العادة فالمسلم رجلاً كان أو امرأة يحمل على الطهارة والعفة. والواجب على الزوج إذا وجد زوجته على خلاف ما كان يظن أن يحسن الظن بها ويلتمس لها أحسن المخارج، ولا سيما إذا كانت ممن لا يعرفن بالفجور، فالبكارة قد تزول بعدة أمور غير الجماع ذكرها أهل الفقه، كالوثب والجلوس على شيء حاد، وشدة الحيض، وغير ذلك. وقد تزول بدون شعور من المرأة، وعليه فمؤاخذة المرأة بزوال بكارتها بدون تروٍّ ظلم لها، واعتداء على عرضها، وإفشاء لسر يجب أن لا يفشى، نسأل الله تعالى لنا وللمسلمين العافية. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم الخلوة باللوطي
سؤال:
السؤال :
ما حكم الخلوة باللوطي ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا هذا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب حفظه الله بقوله :
إذا كان يأمن على نفسه الفتنة فلا بأس . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
النظر إلى عدة نساء بغرض الزواج
سؤال:
السؤال :
هل يجوز للمسلم أن ينظر إلى العديد من النساء بغرض الزواج ، أم أن عليه أن ينظر إلى الأولى فإن لم يرغب فيها ، نظر إلى الثانية ؟
الجواب:
الجواب :
النظر على المخطوبة إنما جاز للحاجة من السكن والإطمئنان وتطبيق السنة ، كما في حديث المغيرة غيره ولا يسوغ إلا بأربعة شروط :(10/38)
الأول العزم على النكاح ، والثاني عدم الخلوة ، والثالث أمن الفتنة والرابع ألا يزيد على القدر المشروع وهو النظر إلى ما يظهر منها غالباً وهو ما تكشفه لأبيها وأخيها ونحوهما راجع سؤال رقم ( 2572 ) ، وبناء على ذلك فلا ينظر إلا إلى التي عزم على نكاحها فإن رضيها وإلا انتقل على غيرها ، والله أعلم .
الشيخ الوليد الفريان .
ـــــــــــــــــــــ
الفتوى : ... يحل للعاقد ما يحل للرجل من زوجته
تاريخ الفتوى : ... 08 ربيع الثاني 1423 / 19-06-2002
السؤال
أريد أن أعرف هل للعاقد في البداية حق بالخلوة بزوجته علما أن الزفاف لم يتم بعد-والعقد تم بولي
أمر وشاهدي عدل- أفيدونا أرجوكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يحل للعاقد ما يحل للرجل من زوجته من خلوة وجماع وغيره، وتأخر الزفاف لا يمنع من ذلك، لأنها صارت زوجته شرعاً، وقد سبقت الإجابة على ذلك في الفتوى رقم:
6263 والفتوى رقم: 3561.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
خطورة التساهل في الخلوة بالمخطوبة ... العنوان
تقدمت لخطبة فتاة من أهلها فقبلوا ووافقوا، وأقمنا لذلك حفلاً دعونا فيه الأقارب والأحباء، وأعلنا الخطبة، وقرأنا الفاتحة، وضربنا بالدفوف .. ألا يعتبر هذا الاتفاق، وذلك الإعلان زواجًا من الناحية الشرعية يبيح لي الخلوة بخطيبتي لا سيما أن ظروفي لا تسمح بعقد رسمي يوثقه المأذون ويسجل في دفاتر الحكومة ؟. ... السؤال
14/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الخطبة لا تعتبر زواجا مهما صاحبها من إعلان واحتفال ، ولا يترتب عليها شيء من آثار الزواج؛ إلا حظر خطبة المخطوبة مرة أخرى من غير خاطبها، فيظل الخاطبان أجنبيين عن بعضهما لا تحل لهما الخلوة ولا غيرها مما يبحه عقد الزواج، فعلى الخاطب أن يحفظ نفسه، كما يستحب له التعجيل بعقد الزواج.
وهذا ما أفتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فقال :(10/39)
الخطبة لغة وعرفًا وشرعًا شيء غير الزواج، فهي مقدمة له، وتمهيد لحصوله، فكتب اللغة جميعًا تفرق بين كلمتي الخطبة والزواج.
والعرف يُميِّز جيدًا بين رجل خاطب، ورجل متزوج.
والشريعة فرَّقت بين الأمرين تفريقًا واضحًا، فالخطبة ليست أكثر من إعلان الرغبة في الزواج من امرأة معينة، أما الزواج فعقد وثيق، وميثاق غليظ، له حدوده وشروطه وحقوقه وآثاره.
وقد عبر القرآن عن الأمرين فقال في شأن النساء المتوفى عنهن أزواجهن: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة 235
والخطبة مهما يقام حولها من مظاهر الإعلان فلا تزيد عن كونها تأكيدًا وتثبيتًا لشأنه .
والخطبة على أية حال لا يترتب عليها أي حق للخاطب، إلا حجز المخطوبة بحيث يحظر على غير الخاطب أن يتقدم لخطبتها، وفي الحديث: " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ". (متفق عليه).
والمهم في هذا المقام أن المخطوبة أجنبية عن الخاطب حتى يتم زواجه بها، ولا تنتقل المرأة إلى دائرة الزوجية إلا بعقد شرعي صحيح، والركن الأساسي في العقد هو الإيجاب والقبول . وللإيجاب والقبول ألفاظ معهودة معلومة في العرف والشرع.
وما دام هذا العقد - بإيجابه وقبوله وشروطه- لم يتحقق فالزواج لم يحدث أيضًا لا عرفًا ولا شرعًا ولا قانونًا، وتظل المخطوبة أجنبية عن خاطبها لا يحل له الخلوة بها، ولا السفر معها دون وجود أحد محارمها كأبيها أو أخيها.
ومن المقرر المعروف شرعًا أن العاقد إذا ترك المعقود عليها دون أن يدخل بها يجب عليه نصف مهرها، قال تعالى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (البقرة: 237).
أما الخاطب إذا ترك المخطوبة بعد فترة طالت أو قصرت فلا يجب عليه شيء إلا ما توجبه الأخلاق والتقاليد من لوم وتأنيب، فكيف يمكن - والحالة هذه - أن يباح للخاطب ما يباح للعاقد سواء بسواء ؟
إن نصيحتنا للسائل أن يعجل بالعقد على خطيبته، فبه وحده يباح له ما يسأل عنه وإذا لم تسمح ظروفه بذلك، فالأجدر بدينه ورجولته أن يضبط عواطفه، ويكبح جماح نفسه، ويلجمها بلجام التقوى، ولا خير في أمر يبدأ بتجاوز الحلال إلى الحرام.
كما ننصح الآباء والأولياء أن يكونوا على بصيرة من أمر بناتهم، فلا يفرطوا فيهن بسهولة باسم الخطبة، والدهر قُلَّب، والقلوب تتغير، والتفريط في بادئ الأمر قد(10/40)
يكون وخيم العاقبة، والوقوف عند حدود الله أحق وأولى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 229) . (} وَمَن
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ). (النور: 52).
ويقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ
إن الخطبة مقدمة للزواج وهي مجرد وعد للزواج وليست زواجاً ، وقد نص الفقهاء على أن الخطبة ليست إلا وعداً بالزواج ، وهذا الوعد غير ملزم فيحق لكل واحدٍ منهما العدول عن الخطبة متى يشاء .
كما أن الفقهاء قرروا أن عقد الزواج لا يتم بقبض أي شيءٍ على حساب المهر أو بقبول الهدية أو ما يسميه الناس اليوم ( قراءة الفاتحة ) فكل ذلك لا يعتبر عقداً للزواج ويجوز العدول عن ذلك .
وبناءً على ذلك فيعتبر كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر فلا يحل لهما الاختلاط دون وجود محرم وما يفعله كثير من الناس اليوم مخالف للشرع ، بالسماح لهما بالخروج معاً إلى الأماكن العامة والجلوس على انفراد والذهاب والإياب معاً فكل ذلك حرام شرعاً لأن الخاطب ما زال يعتبر أجنبياً عن المخطوبة ، ولا يحل له من المخطوبة سوى ما أباحه الشارع الحكيم ألا وهو النظر .
عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن ينظر منها ما يدعو إلى نكاحها فليفعل ) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه .
وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب إمرأةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديثٌ صحيح . ومعنى يؤدم بينكما : أن تقع الألفة والملائمة بينكما .
وعن أبي هريرة قال :( كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج إمرأةً من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ فقال : لا ، قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ) رواه مسلم .
ففي هذه الأحاديث أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم الخاطب إلى النظر إلى المخطوبة لما يترتب على النظر من فوائد لمصلحة الاثنين .
فيجوز النظر إلى الوجه والكفين فقط على الراجح من أقوال أهل العلم والوجه والكفان يدلان على ما سواهما من أعضاء الجسم .
وإذا فسخ أحد الخاطبين الخطبة فلا شيء عليه في ذلك لأن الخطبة كما قلت هي مجرد وعد بالزواج ، وإن كان الأولى ألا يعدل أحدهما عن الخطبة إلا لسبب شرعي فإذا حصل العدول عن الخطبة فيجوز للخاطب أن يسترد ما قدمه للمخطوبة على أنه من المهر سواء أكان نقداً أم ذهباً أم أثاث بيت أو نحو ذلك وسواء كان العدول من الخاطب أو المخطوبة .
وأما ما قدمه للمخطوبة على سبيل الهدية فهو محل خلافٍ بين الفقهاء والذي أميل إليه أن العدول إن كان من الخاطب فلا يسترد شيئاً من الهدايا التي قدمها للمخطوبة وإن كان العدول من المخطوبة فيسترد الخاطب تلك الهدايا إن أراد .(10/41)
وبهذه المناسبة أود التذكير بأن على الآباء إن يتقوا الله في بناتهم وألا يقدموا على تزويجهنَّ إلا بعد ما يتأكدوا من صفات الخاطب الحسنة وأنه صاحب خلقٍ ودين ولو كان فقيراً لأن السعادة التي يرجونها لبناتهم قد لا تتحقق بالمال وحده فليست المناصب والمال والجاه والحسب والنسب هي مؤهلات الزوج الصالح فقط فكم من صاحب مالٍ أو جاهٍ أو منصب أشقى زوجته وأتعسها، ولكن المعيار الحقيقي هو معيار الشرع يقول عليه الصلاة والسلام ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فإن لم تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير ) رواه الترمذي والبيهقي وهو حديثٌ حسن .
وكما أذكر الشباب بأن السعادة الزوجية لا تحقق في جمال الزوجة فقط فكثيراً ما نسمع عن الصفات التي يرغب الشباب في توفرها في المرأة والتي يريدونها زوجة المستقبل بأن تكون غايةً في الجمال . نعم إن الجمال مطلوب ولكن ليس هو فقط.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري ومسلم .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين فلأمة سوداء ذات دين أفضل ) رواه البيهقي وابن ماجة .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
تريد الخروج مع الخاطب للتأكد من حاله حتى لا تحدث كارثة
سؤال:
السؤال :
سؤالي متعلق بموضوع سبب لي الكثير من القلق منذ فترة، فقد طُلقت منذ سنة تقريبا وليس عندي أطفال. لقد مضى علي سنة الآن. والسؤال : حيث أني لم أكن أعرف الرجل قبل زواجي به, وتزوجته لأن والداي ظنا أنه يناسبني. والآن ، وقد وقع ما وقع لي, فقد فكرت أنه من الأفضل أن أكون أعرف الشخص قبل أن أتزوج به. أنا لا أقصد أن أخرج معه في مواعيد, بل مجرد الحديث والتعرف إذا ما كان يناسبني أم لا. والنقطة التي أريد أن أوضحها هي أني لا أريد أن أجرح نفسي، أو أن ينتهي بي المطاف بالطلاق مرة أخرى. وسؤالي هو هل يُبيح الإسلام للفتاة أن تختار رجلا وتتزوج به؟ أنا بحاجة لأن توضح لي هذا الموضوع. وسأقدّر مساعدتك.
وشكرا، والله يحفظك.
الجواب:
الجواب :
لقد شرع الإسلام استئذان الأب لابنته حين يزوجها ، سواء كانت بكراً أم ثيباً ( التي سبق لها الزواج )
ومن حق الفتاة أن تعرف ما يكفي عن الشخص المتقدّم للزواج بها ، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق السؤال عنه بالطّرق المختلفة ، مثل أن توصي الفتاة بعض أقاربها(10/42)
بسؤال أصدقائه ومن يعرفونه عن قرب فإنه قد تبدو لهم الكثير من صفاته الحسنة والسيئة التي لا تبدو لغيرهم من الناس .
لكن لا يجوز لها الخلوة معه قبل العقد بأي حال ، ولا نزع الحجاب أمامه ، ومن المعروف أن مثل هذه اللقاءات لا يبدو فيها الرجل على طبيعته بل يتكلف ويجامل ، فحتى لو خلت به وخرجت معه فلن يُظهر لها شخصيته الحقيقية وكثير من الخارجات معصية مع الخاطبين انتهت بهم الأمور إلى نهايات مأساوية ولم تنفعهم خطوات المعصية التي قاموا بها مع الخاطب خلوة وكشفا .
وكثيرا ما يلعب معسول كلام الخاطب بعواطف المخطوبة عند خروجه معها ويُظهر لها جانبا حسنا لكن إذا سألت عنه وتحسّست أخباره من الآخرين اكتشفت أمورا مختلفة ، إذن الخروج معه والخلوة به لن تحلّ المشكلة ولو فرضنا أنّ فيه فائدة في اكتشاف شخصية الرجل فإنّ ما يترتّب عليه من المعاصي واحتمال الانجراف إلى ما لا تُحمد عُقباه هو أكثر من ذلك بكثير ولذلك حرّمت الشريعة الخلوة بالرجل الأجنبي - والخاطب رجل أجنبي - والكشف عليه .
ثمّ إننا يجب أن لا ننسى أمرا مهما وهو أنّ المرأة بعد العقد الشرعي وقبل الدّخول والزفاف لديها فرصة كبيرة ومتاحة للتعرّف على شخصية الرجل والتأكّد عن كثب وقُرب مما تريد التأكّد منه لأنها يجوز لها أن تخلو به وتخرج معه ما دام العقد الشّرعي قد حصل ، ولو اكتشفت أمرا سيئا لا يُطاق فيمكن أن تطلب منه الخُلع وفي الغالب لن تكون النتيجة سيئة ما دامت عملية السؤال عن الشخص والتنقيب عن أحواله قبل العقد قد تمّت بالطريقة الصحيحة .
نسأل الله أن يختار لك الخير وييسره لكِ حيث كنتِ وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
حدود النظر إلى المخطوبة وحكم مسها والخلوة بها وهل يُشترط إذنها
سؤال:
السؤال :
قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي يجيز للرجل أن يرى المرأة التي ينوي الزواج بها ، سؤالي هو : ما هو المسموح رؤيته للرجل في المرأة التي ينوي خطبتها للزواج هل يسمح له أن يرى شعرها أو راسها بالكامل ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بغض البصر وتحريم النّظر إلى المرأة الأجنبية طهارة للنّفوس وصيانة لأعراض العباد واستثنت الشّريعة حالات أباحت فيها النّظر إلى المرأة الأجنبية للضرورة وللحاجة العظيمة ومن ذلك نظر الخاطب إلى المخطوبة إذ إنّه سينبني على ذلك اتّخاذ قرار خطير ذي شأن في حياة كل من المرأة والرجل ، ومن النصًوص الدالة على جواز النظر إلى المخطوبة ما يلي :(10/43)
1- عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) قال : " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها " وفي رواية : " وقال جارية من بني سلمة ، فكنت أتخبأ لها تحت الكرب ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها ، فتزوجتها " صحيح أبو داود رقم 1832 و 1834
2- عن أبي هريرة قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ) رواه مسلم رقم 1424 والدار قطني 3/253(34)
3- عن المغيرة بن شعبة قال : خطبت امرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها ؟ ) قلت : لا ، قال : ( فانظر إليها فأنه أحرى أن يؤدم بينكما ) . وفي رواية : قال : ففعل ذلك . قال : فتزوجها فذكر من موافقتها . رواه الدارقطني 3/252 (31،32) ، وابن ماجه 1/574 .
4- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " إن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عيله وسلم ، فصعّد النظر إليها وصوّبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله ، لإِن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. ) الحديث أخرجه البخاري 7/19 ، ومسلم 4/143 ، والنسائي 6/113 بشرح السيوطي ، والبيهقي 7/84 .
من أقوال العلماء في حدود النّظر إلى المخطوبة :
قال الشافعي - رحمه الله - : " وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة ، وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية بإذنها وبغير إذنها ، قال تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال : الوجه والكفين " ( الحاوي الكبير 9/34 )
وقال الإمام النووي في ( روضة الطالبين وعمدة المفتين 7/19-20 : " إذا رغب في نكاحها استحب أن ينظر إليها لئلا يندم ، وفي وجه : لا يستحب هذا النظر بل هو مباح ، والصحيح الأول للأحاديث ، ويجوز تكرير هذا النظر بإذنها وبغير إذنها ، فإن لم يتيسر النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له . والمرأة تنظر إلى الرجل إذا أرادت تزوجه ، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها .
ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهراً وبطناً ، ولا ينظر إلى غير ذلك .
وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين . بداية المجتهد ونهاية المقتصد 3/10 .
قال ابن عابدين في حاشيته ( 5/325 ) :
" يباح النظر إلى الوجه والكفين والقدمين لا يتجاوز ذلك " أ.هـ ونقله ابن رشد كما سبق .
ومن الروايات في مذهب الإمام مالك :(10/44)
- : ينظر إلى الوجه والكفين فقط .
- : ينظر إلى الوجه والكفين واليدين فقط .
وعن الإمام أحمد - رحمه الله - روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها ويديها .
والثانية : ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما .
ونقل ذلك ابن قدامة في المغني ( 7/454 ) والإمام ابن القيم الجوزية في ( تهذيب السنن 3/25-26 ) ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 11/78 ) .. والرواية المعتمدة في كتب الحنابلة هي الرواية الثانية .
ومما تقدّم يتبيّن أن قول جمهور أهل العلم إباحة نظر الخاطب إلى وجه المخطوبة وكفّيها لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال ، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته .
قال أبو الفرج المقدسي : " ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها .. مجمع المحاسن ، وموضع النظر .. "
حكم مس المخطوبة والخلوة بها
قال الزيلعي رحمه الله : ( ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة أ.هـ ، وفي درر البحار : لا يحل المسّ للقاضي والشاهد والخاطب وإن أمنوا الشهوة لعدم الحاجة .. أ.هـ ) رد المحتار على الدر المختار 5/237 .
وقال ابن قدامة : ( ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة ، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بإمراة فإن ثالثهما الشيطان ) ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، ولا ريبة . قال أحمد في رواية صالح : ينظر إلى الوجه ، ولا يكون عن طريق لذة .
وله أن يردّد النظر إليها ، ويتأمل محاسنها ، لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك " أ.هـ
إذن المخطوبة في الرؤية :
يجوز النظر إلى من أراد خطبتها ولو بغير إذنها ولا علمها ، وهذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 9/157 ) : " وقال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها " أ.هـ
قال الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني في السلسة الصحيحة (1/156) مؤيدا ذلك : ومثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( وإن كانت لا تعلم ) وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم ، عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عبد الله ، فإن كلاً منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها . ... " أ.هـ
فائدة :
قال الشيخ حفظه الله في المرجع السابق ص 156 :(10/45)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتزوج امرأة ، فبعث امرأة تنظر إليها فقال : شُمِّي عوارضها وانظري إلى عرقوبيها " الحديث أخرجه الحاكم (2/166 ) وقال : " صحيح على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي وعن البيهقي ( 7/87 ) وقال في مجمع الزوائد ( 4/507 ) : " رواه أحمد والبزار ، ورجال أحمد ثقات "
قال في مغني المحتاج ( 3/128 ) : " ويؤخذ من الخبر أن للمبعوث أن يصف للباعث زائداً على ما ينظره ، فيستفيد من البعث ما لا يستفيد بنظره " أ.هـ والله تعالى أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
لا تريد أن تسكن مع أهل زوجها
سؤال:
السؤال :
أعيش مع أهل زوجي منذ 7 سنوات ولا أتوافق مع والد زوجي وطلبت من زوجي أن ننتقل من هذه الشقة وهذا الأمر يؤلمه جداً فإنه يقول إنه لا يمكن أن يعيش بدون والديه وأنا لا يمكنني أن أعيش مع والديه وأخيه الأصغر فهل ما أطلبه كثير ؟ وماذا يقول الإسلام في هذا الأمر أجيبوني بأسرع ما يمكن أرجوكم فأنا لا أتحمل وأريد أن يحيا زوجي معي في سعادة .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
أولا : لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة كما جاء عن عقبة بن عامر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " . رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
فلا يجوز لها الخلوة بأحد من أحمائها اللهم إلا إذا كانوا صغاراً لا يُخشى منهم ولا يُخشى عليهم .
ثانيا : يجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً يسترها عن عيون الناس ويحميها من البرد والحر بحيث تستكن وتستقر وتستقل به ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال مع مطبخ وبيت خلاء إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد ، وليس له أن يوجب عليها أن تأكل مع أحدٍ من أحمائها . وتوفير المسكن يكون على قدر طاقة الزوج بحيث يليق عُرفا بحال الزوجة ومستواها الاجتماعي .
أ. قال ابن حزم رحمه الله :
ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } [ سورة الطلاق / 6 ] . أ . هـ . " المحلى " ( 9/ 253 ) .(10/46)
ب. وقال ابن قدامة رحمه الله :
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى { أسكنوهن ... } ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن ، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون ، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع . أ . هـ . " المغني " ( 9 / 237 ) .
ج. قال الكاساني رحمه الله :
ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربها ، فأبت ذلك عليه : فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا ... ولكن لو أسكنها في بيت من الدار _ ( أي في غرفة ) _ وجعل لهذا البيت غِلقاً على حدة كفاها ذلك وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال أ.هـ "بدائع الصنائع "( 4 / 23 ).
د. قال ابن قدامة أيضاً :
وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً لأن عليهما ضرراً ، لما بينهما من العداوة والغيرة ، واجتماعهما يثير المخاصمة وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى الأخرى ( أي : جامعها ) أو ترى ذلك . فإن رضيتا بذلك ( أي بالسكن في مسكن واحد ) جاز لأن الحق لهما فلهما المسامحة بتركه . أ.هـ . " المغني " ( 8 / 137 ) .
وليس مراده رحمه الله أن يعاشر الواحدة تحت بصر الأخرى وسمعها الأخرى وإنما قصده بيان جواز سكنهما في بيت واحد ، بحيث يأتي كل واحدة منهما في ليلتها في مكان من المسكن لا تراهما الأخرى .
وإذا جعل كل زوجة في جناح من البيت فيه مكان للنوم والخلاء والطّبخ كان ذلك كافيا وكذلك لو جعل كلّ واحدة في دور مستقل أو شقة مستقلة .
قال الحصكفي رحمه الله - من الأحناف - : وكذا تجب لها السكنى في بيت خالٍ عن أهله وأهلها بقدر حالهما كطعام وكسوة وبيت منفرد من دار له غلق ومرافق ومراده لزوم كنيف (أي : بيت خلاء ) ومطبخ كفاها لحصول المقصود .أ.هـ.
وعلق ابن عابدين فقال : والمراد من ( الكنيف والمطبخ ) أي : بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت (أي : الغرفة ) أو في الدار لا يشاركهما فيهما أحد من أهل الدار .أ.هـ
"الدر المختار " ( 3 / 599 - 600 ) .
قلت : ومما يدل على أن المراد بالبيت : "الغرفة " قول الكاساني رحمه الله : ولو كان في الدار بيوت ففرغ لها بيتا وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا : إنها ليس لها أن تطالبه ببيت آخر .أ.هـ .
"بدائع الصنائع " ( 4 / 34 ) . ) .
وعلى هذا فيجوز له أن يسكنك في غرفة من البيت يتبعها مرافقها إذا لم تكن هناك فتنة أو خلوة بأحد ممن لا تحرمين عليهم وكانوا في سن البلوغ ، وليس له أن يجبرك على العمل لهم في المنزل أو أن تأكلي وتشربي معهم ، وإذا استطاع أن(10/47)
يوفّر لك سكنا منفصلا عن سكن أهله تمام فهذا أحسن بالنسبة لكِ ولكن وإذا كان والداه كبيرين يحتاجان إليه وليس لهما من يخدمهما ولا يُمكن خدمتهما إلا بالسّكن بجوارهما فيجب عليه ذلك .
وأخيراً : ندعوك أيتها الأخت المسلمة إلى التحلّي بالصبر والعمل على إرضاء الزوج ومساعدته ما أمكن في برّ أهله حتى يأتي الله بالفرج والسّعة ، وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
هل تقطع العلاقة بأخيها بالتبني
سؤال:
السؤال :
صديقتي لها أخ بالتبني ولم يرضع من أمها ، تبنته أمها عندما كان عمره 3 سنوات من وكالة للتبني ، ليس هناك قرابة بينهم ، هي مسلمة وهو مسلم ولكنه ارتد عن الإسلام ، يغتابها دائماً ويقول للناس عنها الأكاذيب ، هل يمكن أن تقطع علاقتها به لأنه أخوها بالتبني وليس هناك أي صلة قرابة بينهما ؟
هل تسلم عليه حتى بعد أن أرتد ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
هذا الولد لا يربطه بهذه الأسرة أي رابط لا نسب ولا رضاع وعلى هذا فلا يجوز اختلاطه بهم ونظره إلى المحارم إذا كان مكلفاً هذا لو بقي على إسلامه فضلاً عن كونه ارتد عن الإسلام .
فلا يجوز لها مصافحته ولا الخلوة به ولا الكشف عليه لأنه ليس بمحرم ( يراجع السؤال رقم 5538 ) ، ولا تسلم عليه ولا ترد عليه السلام مادام مرتداً ، نسأل الله السلامة والعافية للجميع .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
تريد الإسلام ولا تريد ترك زوجها الكافر
سؤال:
تواجهنا في المراكز الإسلامية وأثناء دعوة النساء الكافرات إلى الإسلام مشكلة تعلّق الزوجة بزوجها الكافر الذي لا يريد أن يسْلم ويصعب عليها أن تضحي بزواجها منه وخصوصا عندما يكون بينهما أولاد وزوجها حسن الخلق فيتغلّب حبها له ونحن نعلم أنّ المرأة الكافرة إذا أسلمت لا يجوز لها البقاء في عصمة الرجل الكافر لقوله تعالى : ( لا هنّ حِلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ ) فكيف نتعامل مع هذه المشكلة وهل يجوز أن نركز على إسلامها ونترك باقي الموضوع ؟(10/48)
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
امرأة تقول : أريد الإسلام وزوجي جيد ولا أريد الانفصال عنه ، فماذا أفعل ؟
الجواب :
لابد أن تنفصل عنه ، ولكن هل من الممكن أن تدعوه للإسلام ؟ فتقول : إني أريد أن أسلم فإن أسلمْت فقد فسخ العقد إلا أن تسلم ، فلعلها إذا ذكرت هذا له يوافق على الإسلام .
سؤال :
إذا أسلمت ، فهل تكون في البيت حين دعوته أم تترك البيت ؟
جواب :
إذا كانت ترجو إسلامه تبقى في البيت حتى تنتهي العدة .
سؤال :
وهل تكشف عليه أثناء العدة أم لا ؟
جواب :
الاحتياط أن لا تكشف ؛ لأنه ليس مؤكدا أنه يوافق .
سؤال :
ولا الخلوة ؟
جواب :
ولا الخلوة .
سؤال :
إذا كان إخبارها بهذا قد يصدها عن الإسلام ، فهل يجوز لنا شرعا أن نحجب عنها النصف الثاني من الجواب ، فنقول : أسلمي أولا ثم نجيبك بعد ذلك عن حكم الاستمرار ؟
الجواب :
لا ، لو قلنا هذا ثم أُخبرت فارتدت صارت المشكلة أعظم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين بعثه لأهل خيبر : أدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه .
سؤال :
فهذه الآن لو بقيت معه بمعاشرة بعد الإسلام فهي صاحبة كبيرة ؟
جواب :
نعم ، ولكن هل يجوز الإصرار على الزنا ؟!!
سؤال : ما ملخص ما نجيبها به ؟
جواب :
نقول لها : أسلمي ، واعلمي أنك إذا أسلمت ولم يسلم زوجك فإنه ينفسخ النكاح . انتهى .(10/49)
وينبغي التركيز في الحديث مع النّساء اللاتي يتعرّضن لهذه القضية على الأمور التالية مع الشّرح المستفيض :
- تقديم محبّة الله ورسوله على محبّة كلّ أحد
- أنّها إذا أخلصت في دعوته والدّعاء له فقد يهديه الله على يديها
- أن من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه
- أنّ الله لا يُضيّع عبده الذي ضحّى بما يحبّ من أجله
وكذلك أن يُسعى في حلّ مشكلة مثل هذه المرأة إذا أسلمت وانفصلت عن زوجها بأن يتقدّم من الاخوة المسلمين من يتزوجها ويضمّ إليه أولادها أو يوجد من أهل الخير المسلمين من ينفق عليها وعليهم ، نسأل الله الهداية والتوفيق والسّداد ، وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ـــــــــــــــــــــ
لماذا يحرم إقامة علاقة بين المرأة والرجل الأجنبي ؟
سؤال:
السؤال : لماذا لا يمكن للمسلم أن يعطي مواعيد ويتقابل مع امرأة ؟ إنني امرأة نصرانية متشددة ولي صديق مسلم وأحاول فهم هذا.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
منع الإسلام من الخلوة بالمرأة الأجنبية ولو كان يعلمها القرآن وهو كتاب الله ، وذلك لأن الشيطان يدخل بينهما ، قال نبي الاسلام عليه الصلاة والسلام : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " . فإذا كانت هذه المرأة ترغب أن تسمع الإسلام وأن تقرأ عنه قراءة مفصلة ففي إمكانها ان تأخذ الكتابات التي كتبت عن الإسلام المترجمة بعدّة لغات ، فتأخذ اللغة التي تفهمها حتى إذا فهمت ما يدعوها إلى الإسلام أسلمت . وإن كانت لا تفهم وتريد من يشرح لها فإنه يجوز إن لم يكن هناك خلوة بحيث يكون معها محرمها أو وجود عدد من النساء وكان الرجل مسلما ثقةً ، أو عدد من الرجال الثقات فيجلسون مع هذه المرأة فيعلمونها الإسلام حتى تفهمه ويقيموا الحجة عليها فهذا جائز .
الشيخ عبد الله بن جبرين .
والله عز وجل يريد أن يطهر المسلمين ولذلك حرم عليهم كل وسيلة تؤدي إلى الشر والفساد والفاحشة وأنت تعلمين أيتها السائلة أن الرجل إذا خلا بأمرأة واقام معها علاقة فإن هذه العلاقة كثيراً ما تتطور إلى ما لا يُحمد عقباه ، وإن الخلوة هي طريق إلى الفساد والوقوع في الفاحشة ، ولا يجوز للانسان أن يزكي نفسه وأن يقول أنا لا أتأثر من الخلوة بالنساء .
والاسلام لا ينتظر إلى أن تتطور أمور الشخص في الحرام ، ولكنه يبعده عنه من أول الطريق ، وأحكام الشريعة نزلت لعموم الناس ، ولا عبرة بوجود حالات من(10/50)
الخلوة لم تؤد إلى الفاحشة ولا إلى أي استمتاع محرم كاللمس والتقبيل ، فلماذا يُعرض الشخص نفسه للفتنة ؟
أليس إذا جلس رجل مع امرأة أجنبية في خلوة ليس معها أحد قد يقع في نفسها أو في نفسه فعل شيء محرم حتى ولو لم يحدث عملياً ثم مع التكرار قد يحدث فعلاً .
والشريعة في هذا الأمر تحتاط وتغلق الطريق الذي يمكن أن يؤدي إلى الشر .
وإذا كانت هناك أي فائدة عند الرجل تحتاجها امرأة أو العكس فيمكن تحصيلها بإرسالها إليه رسالة أو إرساله إليها دون لقاء ، أو يكون اللقاء من وراء حجاب ، أو بوجود أشخاص تزول بهم الخلوة ، هذا مع الحشمة واللباس الساتر .
والله الهادي إلى سواء السبيل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
خلوة الراكبة مع سائق سيارة الأجرة
سؤال:
السؤال : هل يجوز للمسلم أن يقود سيارة تاكسي فقد يحدث أن تركب معه امرأة بمفردها وتصبح خلوة؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ : " لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ " . رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546 وقال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام : ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ .. ) الآية سورة يوسف 23
فلا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية لا في بيت ولا في مكتب ولا في عيادة ولا في مصعد ولا في سيارة ولا غير ذلك من الأماكن لأنّ ذلك سببا وذريعة إلى الوقوع في الحرام والشّيطان حريص على إيقاع العبد في الحرام وتزيينه له ، وقد اتفق الفقهاء على أنّ الخلوة بالأجنبية محرّمة ، وقالوا : لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا زوجة بل أجنبية لأنّ الشّيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لايحلّ . الموسوعة الفقهية 19/267 ، ولا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية حتى ولو كان يعلّمها القرآن ولا يجوز أن يؤمها في الصلاة بمفردهما ، وضابط الخلوة المحرمة أن يخلو بها بحيث تحتجب شخوصهما عن الناس : فتح الباري 9/333 ، وسائق سيارة الأجرة لا يخلو أن يمرّ بشارع خال أو طريق سريع كما أن هيكل السيارة يخفي أكثر جسد الراكب ، ولا يُؤمن أيضا من تبادل حديث محرّم ، أو انجرار إلى اتّفاق على أمر محرّم ، وكم حصل من مآسٍ وقصص مؤلمة ومعاصٍ مهلكة بسبب الخلوة مع السّائق الأجنبي، وهذه الشريعة حكيمة مُحكمة تسدّ منافذ الشرّ والطرق المؤدية إلى الحرام ، فالواجب الامتناع التامّ عن الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيين ، وصاحب سيارة الأجرة عليه أن لا يحمل امرأة بمفردها ويمتنع(10/51)
عن إركابها إلاّ في حالة الضرورة كالإسعاف في الحوادث ونحو ذلك ، والله وليّ التوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
حكم صلاة التراويح للنساء
سؤال:
هل على النساء صلاة تراويح ، وهل يستحسن لهن أداؤها في المنزل أم الذهاب للمسجد لهذا الغرض ؟.
الجواب:
الحمد لله
صلاة التروايح سنة مؤكدة ، ويبقى الأفضل في حق النساء قيام الليل في بيوتهن لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ . " رواه أبو داود في سننه باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد : باب التشديد في ذلك . وهو في صحيح الجامع 7458
بل كلّما كانت صلاتها في موضع أخفى وأكثر خصوصية كان ذلك أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم : " صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد وهو في صحيح الجامع 3833
وعن أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ . رواه الإمام أحمد ورجال إسناده ثقات
ولكنّ هذه الأفضلية لا تمنع من الإذن لهنّ من الذهاب إلى المساجد كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا قَالَ فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ رواه مسلم 667
ولكنّ ذهاب المرأة إلى المسجد يشترط فيه ما يلي :
1- أن تكون بالحجاب الكامل
2- أن تخرج غير متطيّبة
3- أن يكون ذلك بإذن الزّوج
وأن لا يكون في خروجها أيّ مُحرّم آخر كالخلوة مع السّائق الأجنبي في السّيارة ونحو ذلك .(10/52)
فلو خالفت المرأة شيئا مما ذُكِر فإنه يحقّ لزوجها أو وليها أن يمنعها من الذّهاب بل يجب ذلك عليه .
وقد سألت شيخنا الشيخ عبد العزيز عن صلاة التراويح هل لها على وجه الخصوص أفضلية للمرأة في صلاتها في المسجد فأجاب بالنفي وأنّ الأحاديث في أفضلية صلاة المرأة في بيتها عامة تشمل التراويح وغيرها هذا والله تعالى أعلم .
ونسأل الله لنا ولسائر إخواننا المسلمين الإخلاص والقبول وأن يجعل عملنا على ما يحبّ ويرضى وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
لا تجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة
سؤال:
هل يجوز أن يخرج شاب مسلم مع فتاة في موعد قبل الزواج؟ وإذا خرجا، فما الذي يترتب على فعلهما؟ ماذا يقول الإسلام بشأن خروج الرجل والمرأة قبل الزواج؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يحل للرجل أن يخلو بامرأة لا تحل له ، لأن ذلك مدعاة إلى الفجور والفساد ، قال عليه الصلاة والسلام : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " . فإن كان للنظر إليها حال عزمه على الزواج ، ومع عدم الخلوة بأن يكون بحضور والدها ، أو أخيها ، أو أمها ونحو ذلك ، ونظر إلى ما يظهر منها غالبا كالوجه ، والشعر ، والكفين ، والقدمين فذلك مقتضى السنة مع أمن الفتنة .
الشيخ وليد الفريان .
ـــــــــــــــــــــ
عمل الممرضات مع المرضى الرجال
سؤال:
هل يجوز أن تمرضنا امرأة ونحن رجال ، خاصة مع وجود ممرضين من الرجال ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المستشفيات جميعاً أن يكون الممرضون للرجال والممرضات للنساء ، هذا واجب ، كما أن الواجب أن بكون الأطباء للرجال والطبيبات للنساء ، إلا عند الضرورة القصوى إذا كان المرض لا يعرفه إلا الرجل فلا حرج أن يعالج امرأة لأجل الضرورة ، وهكذا لو كان مرض الرجل لم يعرفه إلا امرأة فلا حرج في علاجها له ، وإلا فالواجب أن يكون الطبيب من الرجال للرجال والطبيبة من النساء للنساء ، هذا هو الواجب ، وهكذا الممرضات والممرضون ، الممرض للرجال والممرضة للنساء ، حسماً لوسائل الفتنة ، وحذراً من الخلوة .(10/53)
كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/425.
ـــــــــــــــــــــ
همٌّ وغمّ نتيجة علاقة محرَّمة
سؤال:
أنا حاليا في وضع عاطفي صعب جداً ولا أفكر في شيء غير الموت . أنا لا أستطيع التفكير في أي شيء يتعلق بمستقبلي أو أي شيء آخر سوى الموت . ومع ذلك , فإني لا أريد أن أموت الآن ، وأنا آمل من الله القدير الرحمن أن يغفر لي خطيئتي التي ارتكبتها .
المشكلة هي أنني أقمت علاقة حميمة مع امرأة خلال الأشهر القليلة الماضية ، لم تكن عندي أي نية لإقامة أي علاقة محرمة معها إطلاقاً ، لكن السبب الذي جعلني أتقرب إليها هو أني أردت إقناعها بالعدول عن قتل نفسها ، لقد كانت مقتنعة بفكرة الانتحار ، وكانت تتعاطى العقاقير بجرعات عالية ، كنت أحاول إقناعها وإرشادها كي تعدل عن ارتكاب تلك المعصية (الانتحار) ، وكنت أريد أن أبعدها عن الوقوع في النار ، ولكن الذي حصل هو أن الأمور بدأت تتطور تدريجيا إلى أن تكونت تلك العلاقة بيني وبينها ... نحن لم نمارس الجنس أبدا , ولم تكن لدي أي نية لأقع في الفاحشة معها . هذه المرأة متزوجة . والمشكلة هي أنها تدعي أني وقعت عليها مرة . أنا لا أصدق ما تزعمه لأني لم أخلع ملابسي أبدا , لكنها كانت نصف عارية . أنا أخاف من أني أكون قد ارتكبت معصية ، ولو أني لم أقع عليها . ولكن ، إن كنت قد وقعت فيما تقوله تلك المرأة , فأنا أخاف أن يكون قد قُضي علي .
أنا لا أصدقها لأني وجدتها لا تضمر لي الخير ، ولأن أمر انتحارها ذلك ربما لم يكن إلا لتتقرب إلي ...
وأنا الآن قلق جداً . ولا أستطيع النوم ولا القيام بأي شيء . أنا نادم على ما حصل . وأدعو الله أن يغفر لي .. كل ما أردت فعله هو أن أخلص نفسا من النار, لكني الآن أخشى أن أكون قد تسببت في تدمير نفسي .
الجواب:
الحمد لله
أولا : عليك أيها الشاب بالتوبة إلى الله من الصّداقة مع تلك المرأة ، فإنّ هذه المعصيةَ التي وقعت فيها ، بسبب تساهلك في هذه العلاقات والخلوة بالنساء ، فإنها معصية لله تستوجب عقابه وعذابه ، انظر للأهمية سؤال 1114 و9465 .
ثانياً : قطع العلاقة نهائيا مع تلك المرأة ومع أيّ امرأة أخرى أنت على علاقة بها ، لأنّ أغْلَبَ هذه العلاقات تَنْتَهِي بالوقوع في الزنا المحرم أو أيّ نوع من الاستمتاع المحرم والعياذ بالله ، حتى وإن كانت في البداية كما تقول علاقات عفيفة فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . واعلم بأن الخلوة بالمرأة الأجنبية لا يمكن أن تسمى علاقة عفيفة أبداً
والآن عليك بالإسراع والمبادرة بالتوبة إلى الله توبة نصوحا ، وذلك بالندم على ما مضى والإقلاع عن هذه العلاقة والعزم الصادق على عدم العودة إلى أي علاقات(10/54)
محرمة أخرى ، فهذه المرأة الخبيثة تحاول أن توهمك وتقنعك أنك ارتكبت معها الفاحشة حتى تتخذ ذلك وسيلة لارتكاب الفاحشة معها مرات أخرى ، وحتى لو كان الأمر كما تزعم هذه المرأة من وقوعك معها في المحرم ، فلا تجعل الشيطان يستغل هذه الفرصة و يجعلك تيأس من رحمة الله ، فيتمادى بك حتى يهون عليك أمر الوقوع في الفاحشة مرة أخرى والمداومة على فعلها فيهيئ لك أن التوبة أصبحت أمراً صعباً ، والشيطان حريص على أن يتمكن هذا الشعور منك ، ولكن رحمة الله واسعة فبادر بالتوبة ، قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الذين أسرفوا على أنفسِهِم لا تَقْنَطُوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنَّه هو الغفور الرحيم ) الزمر/53 ، فإن الله عز وجل يَغْفِرُ ذنب من صدق وأخلص في توبته ، قال تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ له العذَاب يومَ القِيَامة ويَخْلُد فيه مُهَاناً إلا من تاب وآمن وعَمِلَ عَمَلاً صالحاً فأولئك يُبَدِّل الله سيئاتِهِمْ حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) الفرقان/69 .
و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ : فَنَزَلَتْ ( وأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي )ِ ( وفي لفظ ) قَالَ : أَصَابَ رَجُلٌ مِنْ امْرَأَةٍ شَيْئًا دُونَ الْفَاحِشَةِ ، أي دون الزنا في الفرج " رواه مسلم ( التوبة/4964) .
وأكثر من الأعمال الصالحة والصلاة والاستغفار ، وابحث عن رفقة طيبة متدينة لتكون بديلاً عن هذه العلاقات المحرمة المشبوهة ، واعلم أن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها وأن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .
وعليك أخيرا بالمبادرة إلى اتخاذ الطريق الشرعي الذي تحفظ به نفسك بإذن الله وهو الزواج الذي تدرأ به نفسك الوقوع في الحرام .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
ما يحل للزوج من زوجته بعد العقد
سؤال:
إذا عقد زوجان نكاحهما في محكمة شرعية ، ولكنها لم يُقيما حفل الزفاف بعد ، وفي الحقيقة أن جميع معارفهم يعلمون أنهما متزوجان رسمياً ، فهل هما يُعتبران متزوجان عند الله ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا تم عقد النكاح بالشروط الشرعية فهما زوجان في شريعة رب العالمين ، ويجوز لهما الجلوس والحديث
والخلوة بحرِّية تامة .(10/55)
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما الذي يحل للزوج من زوجته بعد عقد القران وقبل البناء بها فأجابت :
يحلّ ما يحل للزوج من زوجته التي دخل بها من النظر وقبلة وخلوة وسفر بها وجماع .. إلخ
انظر الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/2 ص/540
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
شخص يرافق إحدى الداعيات بزعم أعمال الخير !!
سؤال:
اطلعت على مقالة لأحد الكتاب أثنى فيها على زوجة أحد الدعاة القدامى وأنه كان معها طيلة الوقت لمصلحة مشتركة بينهما في الذهاب لمقابلة المحامين من أجل السعي للإفراج عن المعتقلين وأنه رأى في خلال الأيام التي صاحبها من قوة شخصيتها ولباقتها وحسن تصرفها وحكمة حديثها ما يدعوا إلى الإعجاب فما هو التعليق الشرعي على هذا الأمر ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا حصلت الخلوة بينهما في وقت كان كلٌ منهما بالغاً فعليه أن يتوب ؛ لأن الخلوة بالمرأة الأجنبية ومرافقتها في الذهاب والمجيء عمل محرم لا يجوز وهو من أبواب الفتنة .
أما إن كانت المرافق صغيراً حين المرافقة على وجه تؤمن عليهما الفتنة أو كان محرماً من محارمها أو كانت المرافقة دون خلوة مع حجابها التام ونحو ذلك فعليه أن يبين ذلك لئلا يُتهم ، وينبغي على المسلم أن يستبرأ لدينه وعرضه والله المستعان ...
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
الشروط المعتبرة في المحرم الذي يصح معه السفر ، وتندفع به الخلوة
سؤال:
هل أمر المحرم متوقف على العمر؟ أي أنه بعد عمر محدد (مثلا 0 إلى 9، 10 أو السبعينات والثمانينات إلخ) هل تنطبق شروط المحرم؟ ما هو حكم المحرم في الجنائز؟ (أي زيارة الجنازة إلخ) هل تنطبق نفس الشروط؟ أرجو الشرح.
الجواب:
الحمد لله
وبعد : فهذا السؤال يتضمن ثلاثة أمور :
الأول : العمر المعتبر في الشخص حتى يصح أن يكون محرما للمرأة .(10/56)
فيقال : أما المحرم الذي يصح أن تسافر معه ، فيشترط أن يكون : ( مسلما ، ذكرا بالغا ، عاقلا ) يحرم عليها على التأبيد كالأب والأخ والعم والأخ من الرضاع وأبي الزوج ... الخ
الثاني : الخلوة بالأجنبية
وأما بالنسبة للخلوة بالمرأة الأجنبية ( داخل البلد ) فإنها تندفع بوجود المحرم البالغ أو الكبير الذي يستحيا منه ، ولا يكتفى بالطفل الصغير ، كما تندفع الخلوة بوجود امرأة أخرى أو رجل آخر بشرط عدم الريبة ، وأمن الخطر. ( الفتاوى الجامعة للمرأة 3 / 935 ،938 ) .
قال النووي رحمه الله ( 9 / 109 ) : " وأما إذا خلا أجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء ، وكذا لو كان معها من لا تستحي منه لصغره ، لا تزول به الخلوة المحرمة "
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " ولابد أن يكون الشخص الذي تزول به الخلوة كبيرا ، فلا يكفي وجود الطفل ، وما تظنه بعض النساء أنه إذا استصحبت معها طفلا زالت الخلوة ظن خاطئ ( مجموع الفتاوى 10/ 52 ) .
الثالث : زيارة النساء للقبور
أما بالنسبة لزيارة المرأة للقبور فإن الصحيح من قولي العلماء أن زيارة القبور لا تجوز للنساء ويراجع السؤال رقم (8198 ) والسؤال رقم ( 14522 ) .
نسأل الله أن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن .. آمين .
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
تقدم لها شخص عنده هفوات وهي تعالجه وتناقشه
سؤال:
أحتاج إلى نصيحة منكم بخصوص مشكلة أواجهها في حياتي الشخصية ، لقد حصلت على عرض زواج ، وقد صليت صلاة الاستخارة ، مع ذلك لم أحصل على أي إشارة تجاه ما يجب عليَّ عمله ، يحصل لي ذلك دائما وهو يحصل الآن ، أنا أطبِّق الإسلام ولي بعض الهفوات كما هو الحال بالنسبة للجميع ، لدي تعطش للعلم الشرعي ، وأعمل لتعلم الإسلام بنفسي والحصول على علم مقدس ! الشيء الذي أتطلع له وأتمناه في شريك الحياة أن يكون قدوة أكثر مني حتى يساعدني لأكون أفضل شخصٍ يحب ويعيش من أجل الله سبحانه وتعالى ويكون شخصا أرجع إليه ليعلمني ويكون صاحبا مناسبا لي ، العرض الحالي له صفات إيجابية كثيرة ما عدا أشياء بسيطة تشغلني .
أولا : لدينا اختلاف بسيط في مستوى الحديث ، بالرغم من أنه جامعي إلا أنه ليس بمتحدث فكري (أعتقد أنه يجب علي النظر في هذه المسألة).
ثانيا : لقد قضى وقتاً أقصر مني في تطبيقه للإسلام ، لذا أعتقد أن لدي علم أكثر منه ، والذي أعتقده أنه يفترض أن يكون دليلاً لي وليس العكس ، ولكن لديه تعطش للعلم وهو يدرس الدين ويرغب بالسفر للخارج لدراسة سنة أو أكثر لتعلم الدين ( وهو نفس الشيء الذي أرغبه أنا كذلك) .(10/57)
بعيداً عن هذين الأمرين أجد أننا متفقين في أشياء أخرى كثيرة ، لدينا نفس الرؤية للحياة ، عندما أديت صلاة الاستخارة لم أحصل على إشارات واضحة ما عدا بعض الأحيان أجد في قلبي أمراً يشدني لترك الموضوع ، ومرات أخرى أفكر وأقول عليَّ أن أُقدم على الأمر ما دام له صفات جيدة كثيرة ، لا أعلم ماذا أفعل فأنا في حيرة من أمري ، لا أعلم ماذا يعني هذا الشعور بقلبي ، لقد قابلته مرة وسيكون هنالك مقابلة أخرى هذه الجمعة ، لا أريد أن أطيل الأمر أكثر من اللازم وأن ألعب بمشاعر الآخرين ، أرجو أن ترد علي بسرعة حيث أني بحاجة إلى النصيحة ، خاصة فيما يتعلق بالاستخارة فإنها تحيرني .
الجواب:
الحمد لله
الأصل أن المرأة إذا تقدَّم لها الشخص المرضي في دينه وخلقه وأمانته أن تقبل به مادام ليس أمامها من يفوقه في الخلق والدين ، فإن كان الذي عرض عليك الزواج بهذه الصفة وكان حريصاً على تعلم العلم الشرعي كما تقولين فهذه علامة خير ، إلا إن كانت الهفوات التي أشرت إليها في السؤال هي من الكبائر أو معاصٍ هو مصر عليها أو مجاهرٌ بها ، فننصحك أن تنتظري من هو أفضل ، ما لم تخشي على نفسك من الوقوع في محرم أو تتعرضي لفتنة ومفسدة أشد.
ثانياً :
لا يشترط في الاستخارة أن يشعر الشخص بشيء معين بعدها بل إذا استشار وتدّبر في الأمر وتبيّن له أنّ فيه مصلحة له في دينه ودنياه ، فإنه يستخير ويقدم عليه ولا ينتظر إشارة ولا مناماً ولا شعوراً نفسياً بل يتوكل على الله ويُقدم بعدما استخار وتجدين إجابة وافية فيما يتعلق بالاستخارة وأحكامها تحت سؤال رقم ( 5882) .
ثالثاً :
الحذر الحذر من الخلوة أو الكشف على هذا الرجل الذي لا زال أجنبياً عنك وستجدين في إجابة السؤال رقم ( 12182 ) من هذا الموقع إجابة وافية على سؤالك فيما يتعلق بالخطبة وما يتعلق بالجلوس مع من عرض عليك الزواج أو مقابلته ، من المهم أن ترجعي إليه .
رابعاً : الأمنية التي تتمنينها في زوجك وهي أن يعيش من أجل الله هي أمنية عظيمة نتمنى أن ييسر الله لك ذلك ، لكن ينبغي أن تعلمي أن المرأة الصالحة هي من أعظم ما يعين الرجل على هذا الأمر بمعاونته و مناصحته ، وحثه على المزيد ، والصبر على ما قد يحصل في حقها من تقصير بسبب انشغاله ببعض الأعمال الصالحة .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير .آمين .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
يريد الحديث مع امرأة قبل أن يخطبها
سؤال:(10/58)
أنا أدرس حاليا في إحدى الجامعات البريطانية ، وتوجد في الجامعة فتاة أعجبت بها.
لم يسبق لي التحدث إليها مطلقا، وأنا لا أحادث النساء في العادة . إلا أننا نتبادل السلام أحيانا.
كيف يمكنني التقدم لطلب الزواج بها، وأنا متمسك بالإسلام، ولا أحادث النساء، فما هي أفضل طريقة لذلك؟
هل أذهب وأتحدث إليها وأحاول التعرف عليها أولا، دون تجاوز الحدود الشرعية؟ أم أتقدم لها مباشرة؟
أخشى إن أنا تقدمت لها مباشرة بدون التعرف عليها أولا أن ترفض طلبي على الفور لأنها لا تعرفني حق المعرفة، ولأنها تنتمي لثقافة غير التي أنتمي إليها. وفي المقابل، فأنا أخاف أن أنا تحدثت معها بقصد التعرف إليها، أن يكون فعلي يخالف الإسلام.
أنا في وضع صعب، فما هو أفضل ما يمكنني عمله؟.
الجواب:
الحمد لله
وبعد : اعلم وفقك الله أن محادثة الرجل للمرأة الأجنبية يجوز في الشرع بضوابط وشروط مهمة الغرض منها كلها هو سد باب الفتنة ومنع الوقوع في المعصية .من هذه الشروط :
1- أن لا يستطيع توصيل الكلام إليها عبر محرمها أو عبر امرأة من محارمه .
2- أن يكون بدون خلوة .
3- أن لا يكون خارجا عن الموضوع المباح .
4- أن تؤمن الفتنة فلو تحركت شهوته بالكلام أو صار يتلذّذ به حرُم عليه .
5- أن لا يكون من المرأة خضوع بالقول .
6- أن تكون المرأة بكامل الحجاب والحشمة أو يخاطبها من وراء الباب والأحسن أن يكون بالهاتف وأحسن منه أن يكون برسالة مكتوبة أو بالبريد الألكتروني مثلا .
7- أن لا يزيد على قدر الحاجة .
فإذا تحققت هذه الشروط ، وأمنت الفتنة فلا بأس ـ والله أعلم ـ
قال الشيخ صالح الفوزان في جوابه عن حكم مخاطبة الفتيان للفتيات عبر الهاتف : " مخاطبة الشباب للفتيات لا تجوز لما في ذلك من الفتنة ؛ إلا إذا كانت الفتاة مخطوبة لمن يكلمها ، وكان الكلام مجرد مفاهمة لمصلحة الخطوبة ، مع أن الأولى والأحوط مخاطبة وليها بذلك ." المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ( 3 / 163 ، 164 ) ، وأنت لم تخطب هذه المرأة بعد فيجب أن تكون شديد الاحتراس لنفسك من الوقوع في أسباب الفتنة باتخاذ كل إجراء يمكّنك من تحصيل مقصودك دون الاقتراب من هذه المرأة .
والأصل في هذا هما آيتان في كتاب الله :
أولاهما : قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (الأحزاب:32) .(10/59)
وثانيهما : قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ) (الأحزاب: من الآية53)
وبعد ذلك أود تذكيرك بأنه ينبغي أن يكون مقياس المسلم في اختيار المرأة التي يتزوجها هو المقياس الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغّب فيه بقوله : " فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ( 5090 ) ومسلم ( 1466 ) .
ثم أحذرك من كل ما يوقعك في الحرام أو يقربك منه . كالخلوة بها ، أو الخروج معها ، أو غير ذلك .
أسأل الله أن ييسر لك المرأة التي تعينك على طاعته .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
قيادة المرأة للسيارة بين المجيزين والمانعين ... العنوان
ثارت في هذه الأيام قضية قيادة المرأة للسيارة وارتفعت الأصوات بين من قال نعم لقيادة المرأة للسيارة وبين من قال لا لقيادة المرأة للسيارة فعلي أي أساس أباح هؤلاء أو منع هؤلاء، وجزاكم الله خيرا
... السؤال
13/02/2007 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
السيارة من المخترعات الحديثة التي فتح الله بها على الإنسان المعاصر؛ وأصبحت في هذه الأيام من الوسائل التي تشتد حاجة الناس إليها، ولا غنى لهم عنها، ولا نجد لها حكما عند علمائنا السابقين، ولم يتطرق لها الفقهاء في كتبهم، وقد اجتهد علماؤنا في تنزيلها على القواعد الشرعية، فمن أباح أباح بناء على أن الأصل في الأشياء الإباحة، ومن حرَّم حرَّم بناء على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن ما أفضى إلى حرام فهو حرام، وإليك فتاوى الفريقين المجيزين والمانعين .
أولا فتاوى المجيزين:
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي ـ من علماء سوريا:
من المقرر شرعًا أنه لا يحجر أي لا تمنع المرأة من ممارسة الأعمال المباحة شرعًا.
ومثل هذا العمل جائز سواء كانت المرأة تقود السيارة منفردة، أو معها غيرها، وذلك لأن النساء في صدر الإسلام وفي العصور الإسلامية المختلفة كن يركبن الإبل والخيول وبقية الدواب، ولا يعد ذلك محظورًا شرعًأ.
ولكن الشرط الأساسي في هذا، أن تلتزم المرأة في تحركاتها، وممارساتها العملية لقيادة السيارة أو غيرها، وأن تكون ملتزمة الحجاب الشرعي حتى لا تكون فتنة للناظرين. أهـ(10/60)
ويقول فضيلة الشيخ يوسف أبرام ـ عضو المجلس الأوروبي للإفتاء:
القيادة أمر مباح، ولكنه إذا أفضى أو سيفضي إلى محرم؛ فإنه سيحرم للسبب المفضي إليه، وعليه فإذا ما تيسر لك أن تتعلمي القيادة في مدرسة بدون اختلاط، وفي جو محترم، وحبذا برفقة أخت مسلمة، ثم بعد الحصول على الرخصة استعملت السيارة لما ينفعك وينفع الأسرة؛ فأرى أنه لا مانع من ذلك أهـ
ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الفتاح عاشور ـ من علماء الأزهر:
ما دامت المرأة قد خرجت من بيتها ملتزمة بشرع الله، فلا حرج عليها من أن تقود سيارتها، وما دمنا قد اقتنعنا بأن المرأة شريكة للرجل ومساوية له تتعلم كما يتعلم، وتعمل في الوظائف المختلفة، وتخرج من بيتها لمثل هذه الأمور -فلا حرج عليها من قيادة السيارة، ولعل من منع ذلك إنما منعها من باب الحذر والاحتياط، وهذا الحذر والاحتياط لم يعد له مكان الآن في ظل خروج المرأة لكل نواحي الحياة، وفي ظل مشاركتها للرجال في كل موقع من مواقع الأعمال.
وكل الذي يجب أن نؤكد عليه هو ضرورة الالتزام بآداب الإسلام، وألا تخرج بسيارتها إلى أماكن فيها شبهات أو أماكن تتعرض فيها للخطر، وما عدا ذلك فليس هناك مانع يمنعها من القيام بهذه المهمة، وهذا أفضل بل أولى من ركوبها مع رجل أجنبي لا تعرفه ولا يعرفها. أهـ
ثانيا فتاوى المانعين:
قال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
قد كثر حديث الناس .. عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) الأحزاب/33 الآية ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) الأحزاب/59 ، وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " ، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي(10/61)
المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات ؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة .
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك، وهذا لا يخفى، ولكن الجهل بالأحكام الشرعية، وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ، وقال سبحانه : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) البقرة/168 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه .أهـ
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن قيادة المرأة للسيارة، وأنها أي ـ قيادة المرأة للسيارة ـ أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟ فقال رحمه الله:
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين :
القاعدة الأولى : أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم . والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام/108 ، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى .
القاعدة الثانية: أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح . والدليل قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ(10/62)
كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/219 ، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما .
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة . فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها :
1- نزع الحجاب : لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها ، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة ، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه ، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد ، فيقال جميلة اليدين ، أو جميلة الشعر ، أو جميلة القدمين . وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين .
وقد يقول قائل : إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب ، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين .
والجواب على ذلك أن يقال : هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة ، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى ، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا ، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى ، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة .
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : نزع الحياء منها ، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال ( أحيا من العذراء في خدرها ) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .
3- ومن المفاسد : أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده ، لأنها وحدها في سيارتها ، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل . وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب ، فما بالك بالشابات ؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله ، وربما خارجه أيضاً .
5- ومن المفاسد : أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها ، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه ، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة .
6- ومن مفاسدها : أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة : في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق ، فتحتاج المرأة إلى إسعافها ، فماذا تكون حالتها حينئذ ؟ ربما تصادف رجلا سافلا(10/63)
يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها ، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : كثرة ازدحام الشوارع ، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر .
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة ، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره ، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء ، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد ، وإن كان أسوأ مما عندها . ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة . وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها ، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد .
أما قول السائل : وما رأيكم بالقول : ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي)؟
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر ، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما .
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة ، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها .
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه ، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا . قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة . ا.هـ
مع الأخذ في الاعتبار أن فتوى العالمين الجليلين كانت لنساء المملكة فقط لا لعموم نساء الأرض.
قال فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ـ من علماء السعودية:
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين ، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات؛ فإنهم أعلم بأحوال بلادهم.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
يريد الحديث مع امرأة قبل أن يخطبها
سؤال:
أنا أدرس حاليا في إحدى الجامعات البريطانية ، وتوجد في الجامعة فتاة أعجبت بها.
لم يسبق لي التحدث إليها مطلقا، وأنا لا أحادث النساء في العادة . إلا أننا نتبادل السلام أحيانا.
كيف يمكنني التقدم لطلب الزواج بها، وأنا متمسك بالإسلام، ولا أحادث النساء، فما هي أفضل طريقة لذلك؟(10/64)
هل أذهب وأتحدث إليها وأحاول التعرف عليها أولا، دون تجاوز الحدود الشرعية؟ أم أتقدم لها مباشرة؟
أخشى إن أنا تقدمت لها مباشرة بدون التعرف عليها أولا أن ترفض طلبي على الفور لأنها لا تعرفني حق المعرفة، ولأنها تنتمي لثقافة غير التي أنتمي إليها. وفي المقابل، فأنا أخاف أن أنا تحدثت معها بقصد التعرف إليها، أن يكون فعلي يخالف الإسلام.
أنا في وضع صعب، فما هو أفضل ما يمكنني عمله؟.
الجواب:
الحمد لله
وبعد : اعلم وفقك الله أن محادثة الرجل للمرأة الأجنبية يجوز في الشرع بضوابط وشروط مهمة الغرض منها كلها هو سد باب الفتنة ومنع الوقوع في المعصية .من هذه الشروط :
1- أن لا يستطيع توصيل الكلام إليها عبر محرمها أو عبر امرأة من محارمه .
2- أن يكون بدون خلوة .
3- أن لا يكون خارجا عن الموضوع المباح .
4- أن تؤمن الفتنة فلو تحركت شهوته بالكلام أو صار يتلذّذ به حرُم عليه .
5- أن لا يكون من المرأة خضوع بالقول .
6- أن تكون المرأة بكامل الحجاب والحشمة أو يخاطبها من وراء الباب والأحسن أن يكون بالهاتف وأحسن منه أن يكون برسالة مكتوبة أو بالبريد الألكتروني مثلا .
7- أن لا يزيد على قدر الحاجة .
فإذا تحققت هذه الشروط ، وأمنت الفتنة فلا بأس ـ والله أعلم ـ
قال الشيخ صالح الفوزان في جوابه عن حكم مخاطبة الفتيان للفتيات عبر الهاتف : " مخاطبة الشباب للفتيات لا تجوز لما في ذلك من الفتنة ؛ إلا إذا كانت الفتاة مخطوبة لمن يكلمها ، وكان الكلام مجرد مفاهمة لمصلحة الخطوبة ، مع أن الأولى والأحوط مخاطبة وليها بذلك ." المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان ( 3 / 163 ، 164 ) ، وأنت لم تخطب هذه المرأة بعد فيجب أن تكون شديد الاحتراس لنفسك من الوقوع في أسباب الفتنة باتخاذ كل إجراء يمكّنك من تحصيل مقصودك دون الاقتراب من هذه المرأة .
والأصل في هذا هما آيتان في كتاب الله :
أولاهما : قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (الأحزاب:32) .
وثانيهما : قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ) (الأحزاب: من الآية53)
وبعد ذلك أود تذكيرك بأنه ينبغي أن يكون مقياس المسلم في اختيار المرأة التي يتزوجها هو المقياس الذي حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغّب فيه بقوله : " فاظفر بذات الدين تربت يداك " رواه البخاري ( 5090 ) ومسلم ( 1466 ) .(10/65)
ثم أحذرك من كل ما يوقعك في الحرام أو يقربك منه . كالخلوة بها ، أو الخروج معها ، أو غير ذلك .
أسأل الله أن ييسر لك المرأة التي تعينك على طاعته .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
حكم مصافحة الطالب لزميلته في المدرسة
سؤال:
ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة وماذا يفعل لو مّدت يدها للسلام عليه ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة أو في كرسي واحد ، بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن وليسس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حيت بيعته للنساء : ( إني لا أصافح النساء ) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) وقد قال عز وجل : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) الأحزاب/21 ، ولأن مصافحة النساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركهما .
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به لقول الله عز وجل : ( يا نساء النبي لستن كأحد من نساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قبله مرض وقلن قولاً معروفاً ) الأحزاب/32 ، ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلِّمن عليه ويستفتينه فيم يشكل عليهن وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن .
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس .
اللجنة الدائمة للإفتاء في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص988
ـــــــــــــــــــــ
أحبته وأحسن إلى يتمتها وأهلهما يرفضان زواجهما
سؤال:
ارتبطت أنا وإنسان فاضل جداً بقصة حب شديدة ولكن أهله يرفضوني بشدة ، السبب الأول في الرفض أني كنت متزوجة قبل ذلك وعندي طفلة ، والسبب الآخر هو أني قد خدعتهم بكذبة كبيرة قبل ذلك ولكني ـ والله العظيم ـ أكفر عن هذه الكذبة(10/66)
الآن ، وأدعو الله أن يسامحني وأن يسامحوني ، وأنا الآن والحمد لله أصبحت أكثر التزاماً بالدين وارتديت النقاب وأحفظ كتاب الله ـ والحمد لله ـ
والسؤال الآن : هل يصح زواجنا بدون موافقة أهله ؟ وهل زواجه بي يعتبر عقوقاً لهم ؟ رغم أننا متحابَّين جدا ، واعترف والحمد لله أن هذا الشخص غيَّر أشياء كثيرة بي وجعلني أكثر تديُّناً
وهل يجوز لي الزواج بدون ولي لأن والدي أيضا يصر علي موافقة أهله ، أو يرفض أي شئ طالما أن أهله رافضين ، مع العلم أن أبي يتركني ولا يسأل عنيَّ إلا نادراً ، وهذا الرجل ـ جزاه الله كل خيرـ هو الذي يرعاني أنا وابنتي ، ويعطي لنا كل الحب والأمان ، ويعطي ابنتي اليتيمة مكانة الأب المتوفى ، يعمل معها ما لم يعمله معها أهلها من حب ورعاية ، سيدي الفاضل أنا وابنتي في حاجة شديدة لحبه ورعايته لنا . أرجو من سيادتكم الإفادة ولكم جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله
سؤالك ـ رعاك الله ـ يتضمن عدة أمور ، بعضها توجه إليه السؤال ، وبعضها يحتاج إلى التنبيه عليه :
فمما ورد السؤال عنه : سؤالك عن موافقة والدك : فلا بدَّ أن تعلمي أن الشرع قد اشترط الولي لصحة العقد لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " . رواه الترمذي ( 1101) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله ( 6 / 235 ) .
ولله تعالى الحكمة البالغة فيما شرعه من اشتراط الولي ، منها أن الأصل في الرجال أنهم أكمل عقلاً وأدرى بالمصالح وأشد إطلاَّعاً على أحوال الرجال ومعرفة ما يناسب المرأة وأقدر على اتخاذ القرار ، لاسيما وأن المرأة قد تغلبها عاطفتها وتغطي عليها ، ولو فُرض وجود عائق في الولي لا يجعله أهلاً لتولي شئون موليته أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء وليس له عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً . ( وراجعي في تفاصيل هذه المسألة السؤال رقم 7193 في الموقع ) .
أما موافقة أهله : فإنها ليست شرطاً لصحة الزواج لأن الرجل هو ولي نفسه فزواجه لا يحتاج إلى موافقة أهله ، وليس لهم أن يمنعوه من الزواج بغير سبب شرعي ، أما مراعاته لرضاهم لا سيما الوالدين فهو أمر مستحسن ، ويمكن الوصول إليه من خلال الإحسان إلى الوالدين ، وإظهار ما يمكن أن يجعلهم يوافقون على اختياره ، ويستعين على هذا بالدعاء والمناقشة بالحسنى وسلوك سبيل الإقناع الهادئ ويسعدنا أيتها السائلة أن نهنئكِ على ما منَّ الله به عليكِ من التوفيق إلى التقيُّد بالحجاب الشرعي ، وما يسّره لكِ من حفظ كتابه الكريم ، ونسأله أن يجعلنا وإيَّاك من العاملين به .
ونودُّ أن ننبهك أيتها الأخت الكريمة إلى بعض ما ذكرتيه في السؤال من قولك " بقصة حب شديدة " ، " إننا متحابين جدا " , " يعطي لنا كل الحب " و " أنا وابنتي بحاجة شديدة لحبه " ، فينبغي عليك أن تعلمي أن على المسلم والمسلمة أن يصون(10/67)
نفسه عن أسباب تعلُّق القلب بمن ليس زوجاً له ، ومع التسليم بأن من المحبة ما لا يد للإنسان فيها ، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي يقوم بها المرء مما يحصل بها زيادة التعلُّق ، وهذه هي التي يتوجه إليها النهي ، ومن أمثلة ذلك الحديث بين الرجل والمرأة الذي يترتب عليه تحرك لهذه العواطف والغرائز ، وكالزيارات المتكررة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) . فإن هذه الأمور تحرم سداً للباب ودفعاً لما قد ينشأ عنها ، ومن حكمة هذا ألاَّ يتعلق القلب بمن قد لا يتيسر له الزواج منه فيحصل في هذا الأمر من التعذُّب للطرفين ما يُعلم مثله من أحوال من المحبين في القديم والحديث ، ويسبِّب هذا الأمر إشغالاً للقلب عن ما يجب عليه من محبة الله تعالى وطاعته . وقد أفاض في الكلام عن أضرار هذا التعلُّق ابن القيم في بعض كتبه ككتاب " الداء والدواء" و " إغاثة اللهفان " فيحسن أن ترجعي إليهما ، ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم 9465 .
والذي نوصيك به مادام الله تعالى قد وفقك للحجاب أن تُكمِّلي حجاب الثوب بحجاب القلب بأن تنظري بكل تجرُّد إلى العلاقة الحالية معه ، وأن تبتعدي عن كل ما يُثير عندك التعلُّق به ، من مثل التحدث معه أو زيارته لكم ، أو نحو ذلك مما يكون محرماً أو مشتبهاً فيه ، وأن يحرص هو ـ وهو على ما ذكرت ِمن التدُّين ـ أن يكون أشدَّ بعداً عن هذه الأمور ؛ خشية دخول الشيطان بينكما .
أما إحسانه إلى ابنتك فنسأل الله أن يأجره عليه ، ولكن يجب ألاَّ يلزم من ذلك محظور كدخوله عليكِ وليس معكِ غير ابنتك ؛ لأن وجودها معك لا يزيل الخلوة المحرَّمة التي حذَّر منها النبي صلّى الله عليه وسلَّم بقوله ( لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) . رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546. ويمكنك الرجوع إلى السؤال 2986 .
أما ما ترجينه من خير في زواجك به ، ورجاؤك أن يتم ذلك فإننا نوصيك بأمور :
1. الإكثار من صلاة الاستخارة حتى يختار لك مولاك سبحانه وتعالى الأصلح لك في أمر الدنيا والآخرة . ويمكنك مراجعة كيفيتها في السؤال رقم 2217 .
2. الابتعاد عمّا تمت الإشارة إليه من أسباب التعلُّق ، إذ إن من أهم ما يتوصل به العبد للمطلوب الذي يريده امتثاله لشرع الله وتقيُّده به .
3. السعي لتخفيف حَدِّة ما ورد ذكره في السؤال من هذه المحبة من خلال إدراك خطرها ، وربط القلب بالله تعالى والتدبُّر في كلامه سبحانه الذي زيًّن الله قلبك بحفظه .
4. التقرُّب من والدك والإحسان إليه والحرص على برِّه ، لعلّ ذلك أن يلِّين قلبه وأن يجعله يحرص على ما يكون فيه سعادتك واستقرارك .
5. الاعتذار إلى أهل الزوج ومعاملتهم بما يدلُّ على ندمك عمَّا بدر منكِ تجاههم لعل الله أن ييسر قبولهم بهذا الزواج ، مما ييسر من أمر قبول أبيك .
6. تهيئة النفس وتوطينها على الرضا بما يقدِّره الله ـ ولو لم يكن محبوباً للنفس ـ وتوقُّع أشدِّها على النفس ، كعدم تيسُّر الزواج مطلقاً ، إذ من فوائد هذا التوطين(10/68)
للنفس ألاَّ تحدث صدمة عند وقوع ما لا يحبه الإنسان فتؤدي إلى إحباط أو ضعف في الإيمان ، أو ظن سيئ بالله تعالى وحكمته .
7. الحرص على تنشئة هذه اليتيمة التي جعلها الله تحت يدك تنشئة إسلامية ، والإحسان إليها ، إذ في تربية اليتيم وكفالته من الأجر ما لعله أن يكون سبباً جالباً للبركة لكِ في وقتكِ والتوفيق في جميع أمورك .
نسأل الله تعالى أن يتمم عليك نعمه ، وأن يثبت الإيمان في قلبك ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن ييسر هذا الزواج إن كان الخير لكما فيه ، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
حكم تأخير الزواج بسبب الدراسة لمن تخاف على نفسها من الحرام
سؤال:
لقد نشأت في مجتمع نصراني وقد أسلمت بعد أن درست الإسلام. قبل إسلامي سمحت لمسلم عاصٍ أن يمسني ولكن بعد ذلك تبت ولم أسمح له بلمسي أو الكلام معي بكلام غير مناسب وهو كذلك تاب. أهله يعينونني لفهم الإسلام ومعاني القرآن. لقد طلب مني الزواج وأنا أتمنى ذلك ولكن أهله طلبوا الانتظار حتى إنهاء الدراسة بالكلية. فهل نؤجل الخطبة حتى إنهاء الكلية أم تتم الخطبة حالياً ؟ أنا أعرف أنه من الأفضل أن نتزوج حتى لا نقع في معصية ، فإنه حتى ولو لم نرى بعضنا فإنني أخاف من الوقوع في الحرام لأن الشيطان سيزينه لنا في أذهاننا. وفي نفس الوقت أحترم هذه الأسرة المسلمة والتي تعتبر الوحيدة التي تعرفت عليها. أرجو منكم المساعدة لأنني لا أريد الوقوع في الحرام.
الجواب:
فالحمد لله الذي هداك للإسلام ، وأنعم عليك بهذه النعمة العظيمة ونسأله لك الثبات ، ومن نعم الله تعالى عليك أن الإسلام يهدم كل ما كان قبله من الذنوب ، فنسأل الله أن يتقبل منك ومن كل تائب .
وأما بالنسبة لما يتعلق بالخطبة والزواج فإن النصيحة لك ولهذا الشاب ، أن تبادرا به مادام ذلك ممكنا ، خاصة وأنت تخشين من الوقوع في المحرم ففي هذه الحال يكون أمر الزواج مقدما حتى على الدراسة ، وما دام الزواج هو رغبتكما معاً فينبغي أن يجتهد في إقناع أهله بهذا الأمر ، ويذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم للشباب : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " رواه البخاري ( 5065) ومسلم ( 1400) . ويذكرهم أيضا بكثرة الفتن التي يتوجب على المسلم أن يتحرز منها بكل وسيلة شرعية ، ولاشك أن الزواج هو من أعظم الوسائل المشروعة للوقاية من هذه الفتن ؛ بل قد نص العلماء على أن الزواج يكون واجبا في هذه الحال. ( المغني 9 / 341 ) ويمكن الاكتفاء بالعقد الشرعي المستوفي للشروط ريثما وليمة النكاح ويحصل الدخول لأن هذا يبيح له الخلوة بك ومَسِكِ لأنه(10/69)
يعتبر في هذه الحالة زوجاً شرعياً لك ، فإن تيسر ذلك فهذا حسن . وإن أصر أهله على الرفض ، فإن كان هذا الشاب يخشى على نفسه من الوقوع في الحرام فيجب عليه أن يسعى إلى الزواج إن كان في مقدوره ولو لم يأذن له والداه ، مع سعيه في إرضاء أهله قدر جهده . فإن عجز عن ذلك ، فإما أن تصبري وتستعيني بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمن لم يستطع الزواج وهي الصيام ؛ وتجتهدي في البعد عن مواطن الفتن والشهوات المثيرة حتى يجمع الله بينكما على خير ، وإلا فعلى وليك الشرعي أن يجتهد في البحث عن شخص آخر من الصالحين . حتى تسلمي من الوقوع في المحرم .
وينبه هنا على أنه إذا تمت الخطبة الشرعية بينكما ، فإنها لا تبيح له مجالستك أو مسك أو الخروج معك أو تكليمك لغير حاجة حتى يتم العقد بينكما بالشروط المعتبرة شرعا .
وللتعرف على هذه الشروط يراجع سؤال (2127) و (7193) . والله أعلم .
نسأل الله أن ييسر لكما الخير ويصرف عنكما السوء والفحشاء .. آمين .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
حكم تقبيل الرجل للمرأة واحتضانها بدعوى الصداقة
سؤال:
هل يجوز للمسلم تقبيل مسلمة من غير محارمه على وجنتها (قبلة صديق) ؟ وما هو الحكم في احتضانه لها بصداقة؟
وهل الذنب هو بنفس الحجم حتى وإن فعله ذلك الشخص وهو في حال يحتاج فيه إلى مرافقة صديق، ولم يكن بإمكان أي شخص غير تلك الفتاة تقديم الرفقة المطلوبة؟.
الجواب:
الحمد لله
يحرم على الرجال اتخاذ صديقات من النساء ، يراجع جواب سؤال رقم 1114 .
وينبغي على الإنسان أن يكون عاقلا ، لأن من يقول بأن الشخص يقبِّل صديقته على وجنتها قبلة صداقة ويحتضنها بصداقة ، إن قول ذلك يعتبر سفاهة وقلة عقل ، لأنه لا يخفى على أي عاقل أن هذه التصرفات إنما تُأجِّج الشهوة وتوقدها وهذا هو طريق الزنا ، ولا يقال بأن القلب سليم ، لأن الله فطر الرجل على الميل إلى المرأة ، ولذلك حرم الله عز وجل النظر إلى النساء فأمر بغض البصر فقال سبحانه : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) النور/30 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العين تزني وزناها النظر " رواه أبو داود (النكاح/1840) ، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 1884 .
ولذلك حرم الاختلاط بالنساء والخلوة بهن مع لبسهن الحجاب فكيف إذا كانت المرأة متبرجة والآيات والأحاديث كثيرة جداً على تحريم ذلك ، وحرم مصافحتهن يراجع سؤال رقم 2459 ، وقد يدعي الشخص الذي يزعم ذلك أنه يمارس الزنا معها بعد(10/70)
ذلك بصداقة , ولا يقال إن ذلك بسبب ظروف صعبة يحتاج فيها إلى شخص يواسيه . فإن كل ذلك مُحرَّم ولا يجوز . وعلى من وقع في مثل هذه الأمور المبادرة إلى التوبة من هذا الذنب توبةً نصوحا ، واللجوء إلى الله والندم على ما فعل . وعلى المسلم أن يعلم أنه إذا لجأ إلى الله فيما يصيبه ويعرض له من المصائب والمشكلات في الدنيا فإن الله سيجعل له فرجاً ومخرجاً من ذلك وليتق الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) الطلاق/2 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) الطلاق/4 . والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
مفتون بالقنوات ومواقع الإنترنت الإباحية
سؤال:
أنا شاب مفتون مع الأسف بالدشوش ومواقع الانترنت لدرجة أصبحت مقصر جدا في أمور ديني ، أرجو منكم المساعدة والدعاء لي بالهداية .
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يهديك ، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء ، وأن يجعلك من عباده المخلَصين.
وخير ما نوصيك به هو تقوى الله تعالى ، والحذر من نقمته وغضبه، وأليم عقابه ، فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل ، وما يؤمنك أن يطلع الله عليك وأنت على معصيته فيقول : وعزتي وجلالي لا غفرت لك.
وانظر إلى هذه الجوارح التي تسعى بها إلى المعصية ، ألا ترى الله قادرا على أن يسلبك نعمتها ، وأن يذيقك ألم فقدها ؟
ثم انظر إلى ستر الله تعالى لك ، وحلمه عليك ، وأنت تعلم غيرته على عباده ، فما يؤمّنك أن يغضب عليك ، فينشكف أمرك ، ويطلع الناس على سرك ، وتبوء بفضيحة الدنيا قبل الآخرة .
وهل ستجني من النظر المحرم إلا الحسرة ، والشقاء ، وظلمة القلب ؟
وهب أنك شعرت بمتعة أو لذة ، يوما أو يومين ، أو شهرا أو سنة .. فماذا بعد ؟
موت .. ثم قبر .. ثم حساب ، فعقاب ... ذهبت اللذات وبقيت الحسرات .
وإذا كنت تستحيي من أن يراك أخوك على هذه المعصية ، فكيف تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك ؟!
أما علمت أن الله يراك ، وأن ملائكته تحصي عليك ، وأن جوارحك غدا ستنطق بما كان ؟
واعتبر بما أصبح عليه حالك بعد المعصية : هم في القلب ، وضيق في الصدر ، ووحشة بينك وبين الله .
ذهب الخشوع .. ومات قيام الليل .. وهجرك الصوم ... فقل لي بربك ما قيمة هذه الحياة ؟(10/71)
كل نظرة تنظرها إلى هذه النوافذ الشيطانية ، تنكت في قلبك نكتة سوداء ، حتى يجتمع السواد فوق السواد ، ثم الران الذي يعلو القلب ، فيحرمك من لذة الطاعة ، ويفقدك حلاوة الإيمان .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه ، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) " رواه الترمذي (3257) وابن ماجة (4234) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 3422.
صقل : أي نُقي وطُهر .
فكن ممن نزع واستغفر وتاب ، وأكثر من التضرع لله تعالى أن يُطهر قلبك وأن يُحصن فرجك ، وأن يُعيذك من نزغات الشيطان.
واجتنب كل وسيلة تدعوك أو تذكرك بالحرام ، إن كنت صادقا راغبا في التوبة .
فبادر بإخراج هذا الدش من بيتك ، واقطع صلتك بمواقع السوء في الانترنت ، واعلم أن خير وسيلة تعينك على ترك ما اعتدته من الحرام ، أن تقف عند الخاطرة والهم والتفكير ، فادفع كل خاطرة تدعوك للمشاهدة ، قبل أن تصبح رغبة وهمّا وقصدا ثم فعلا.
قال الغزالي رحمه الله : ( الخطوة الأولى في الباطل إن لم تدفع أورثت الرغبة ، والرغبة تورث الهم ، والهم يورث القصد ، والقصد يورث الفعل ، والفعل يورث البوار والمقت ، فينبغي حسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر ، فإن جميع ما وراءه يتبعه ) إحياء علوم الدين 6/17
وهذا مأخوذ من قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) النور/21
وإن أمكنك الاستغناء التام عن الانترنت فافعل ، إلى أن تشعر بثبات قلبك ، وقوة إيمانك .
واحرص على الرفقة الصالحة ، واحرص على أداء الصلوات في أوقاتها ، وأكثر من نوافل العبادة ، وتجنب الخلوة والتفكير في الحرام ما أمكن .
والخلاصة في العلاج فتح منافذ الخير ، وسد منافذ الشر .
نسأل الله أن يوفقنا وإياك للتوبة الخالصة النصوح.
والله أعلم.
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
ما هي علاقة المرأة بمن طلقها ؟
سؤال:
هل يجوز لي الخروج مع طليقي في صحبة أولادنا على فترات متباعدة - وذلك لكي يجتمعوا بوالديهم مثل كل الأطفال ، وذلك في الأماكن العامة - وهو لا يصلي ؟ وهل إنفاقه عليهم حرام ؟ .
الجواب:(10/72)
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات ، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها ، فإنها تصبح أجنبية عنه ، ولا يحل له الخلوة بها ، ولا لمسها ، ولا النظر إليها .
وعلاقة المطلِّق بمطلقته كعلاقته بأي امرأةٍ أجنبيَّة أخرى ، وليس وجود الأولاد بينهما بمسوغ للنظر والخلوة والسفر معها ، ويمكنه أن يخرج مع أولاده دون وجودها ، أو أنها تحضر مع أحدٍ من محارمها ، من غير وقوع في محذورٍ شرعي مما ذكرنا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية وليس له عليها حكمٌ أصلاً .
" الفتاوى الكبرى " ( 3 / 349 ) .
وأما قبول نفقة الوالد المطلِّق على أبنائه فلا يُمنع منها ولو كان لا يصلي ، وعليها تذكير أبنائها بضرورة نصيحة والدهم بالصلاة ، لعل الله أن يهديه بهذه النصيحة .
وإن خشيت الأم على أولادها من والدهم الكافر بحيث يؤثر على أخلاقهم أو يوقعهم فيما حرم الله ، فلا يجوز لها أن تسمح لهم بالخروج معه ، لأن خروجهم معه ضرر عليهم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
مساعدة المرأة الكبيرة في بيتها
سؤال:
إذا أسلمت امرأة كبيرة في سنها , فهل يجوز لشاب مسلم أن يدخل بيتها ليساعدها في تنظيف البيت وغسل ثيابها والطبخ لها وما إلى ذلك ؟ وهل يجوز الدخول إلى بيتها بقصد تعليمها الإسلام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا بد أن نعلم أن الشارع نهى عن الدخول على النساء الأجنبيات والدليل على ذلك :
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال الحمو الموت " .
رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
والحمو هم أقارب الزوج من الأجانب .
وعن ابن عباس رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم " .(10/73)
رواه البخاري ( 2844 ) ومسلم ( 1341 ) .
ثانياً :
أنه مما هو معلوم أن لكل ساقطة لاقطة ، ومعنى هذا الكلام : أن المرأة حتى ولو كانت كبيرة فإن الشيطان قد يزينها في أعين الشاب أو الرجل الكبير أو العكس ، وقد يستدرجه للوقوع في الفاحشة ، وفي ذلك قصص كثيرة .
ثالثاً :
الأوْلى أن يوكل بعض الشباب زوجته أو أخته أو ابنته ، أو تُوكَّل بعض الأخوات في هذا العمل الخير ، وهذا أفضل من أن يخدمها رجل ، والمرأة مع المرأة أفضل في التعامل وأدعى للاستفادة من الرجل وخصوصا فيما يتعلق بأحكام النساء ، وأما إذا لم يوجد فيجوز أن تخدمها ولكن بشرط عدم الخلوة فيذهب معك أخ أو أكثر ويكون بضوابط شرعية من حجاب وغيره ويكون المكث عندها بقدر الحاجة .
ورابعاً :
جزاكم الله على هذا العمل الصالح خير الجزاء ، ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لنا ولكم ولجميع المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
حرمة إقامة أحد الزوجين علاقة مع غيره للتسلية
سؤال:
ما حكم المسلم الذي يغش زوجته ( بإقامة علاقة مع غيرها سواء أكانت العلاقة بالكلام أم بما هو أبعد عن ذلك ) ؟ وما هو الحكم في المسلمة التي تقيم – على علم – علاقة مع رجل متزوج لمجرد التسلية ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إقامة علاقة محرَّمة بين أجنبي وامرأة ليس فيه – فقط – غش لزوجته بل فيه – أيضاً – إثم ومعصية لربِّه تعالى ، فقد حرَّم الله عز وجل إقامة مثل هذه العلاقات ، وأغلق الطريق والمنافذ التي قد تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا ، وهو الذي أشير إليه في السؤال .
والمحاذير التي يقع فيها أصحاب هذه العلاقات كثيرة ، ومنها : الخلوة والمصافحة والنظر وغيرها ، وهي ذنوب جاءت النصوص بتحريمها لذاتها ولما تؤدي إليه من فاحشة الزنا .
ثانياً :
وإقامة المسلمة علاقة محرَّمة مع رجل أجنبي عنها – متزوج أو غير متزوج – هو – أيضاً – من كبائر الذنوب وهو أكثر إثماً وأكبر فحشاً مما جاء في القسم الأول من السؤال لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب أو شك الزوج في أولاده هل هم منه أم لا مما يؤدي إلى الفساد العريض .(10/74)
وهذه فتاوى لبعض العلماء فيما هو أقل من اللقاءات بين الجنسين ، فكيف بما هو أكثر ؟ :
1. قال الشيخ ابن عثيمين :
لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبيَّة عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسِل أنه ليس هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به .
وقد أمر صلى الله عليه وسلم مَن سمع الدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه .
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير ، ويجب الابتعاد عنها ، وإن كان السائل يقول إنه ليس فيها عشق ولا غرام .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 578 ) .
2. وقال الشيخ عبد الله الجبرين – وقد سئل عن المراسلة مع المرأة الأجنبيَّة - :
لا يجوز هذا العمل ؛ فإنه يثير الشهوة بين الاثنين ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال ، وكثيراً ما تحدث تلك المغازلة والمراسلة فتناً وتغرس حبَّ الزنى في القلب مما يوقع في الفواحش أو يسببها ، فننصح من أراد مصلحة نفسه وحمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها ، حفظاً للدين والعرض ، والله الموفق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 578 ، 579 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
مجالسة أقارب الزوج ومصافحتهم
سؤال:
تسخر مني عائلة زوجي دائما بسبب لبسي لغطاء الرأس حتى عندما أكون معهم في المنزل أثناء التجمعات العائلية أو احتفالات الأعياد ، وهم يقولون إنني غير مضطرة إلى التغطية في وجود أفراد العائلة ، أعرف عن قواعد عورة المرأة أمام غير المحارم في الإسلام وأود أن أحافظ عليها ، كيف أواجه تعليقاتهم دون جرح شعورهم ، وفي نفس الوقت أعرفهم بمزايا الإتباع الصحيح للإسلام كذلك ، هل أبناء أخ أو أخت الزوج من المحارم للزوجة ؟ لقد راجعت بعض الأساتذة في هذا وقالوا إنهم ليسوا من المحارم ، ولكن لأسباب عائلية ولإصرار الزوج (وحتى لا نجرح شعورهم) فإنني أسلم عليهم باليد ، لا أزال ، حيث أن هذه الممارسة عادية في العائلة ، أشعر بعدم الارتياح في هذا الأمر ، وأرجو من الله أن يرشدني إلى طريق الخير وأن يعفو عني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يعينك على الخير ، وأن ييسر لك أمراً يكشف به همَّك ، فإن ما تسمعه المرأة المسلمة وتراه ممن بعُد عن دين الله تعالى أو رقَّ ورعه كثير ، وعليها أن(10/75)
تصبر على ذلك وأن تحتسب ما يصيبها عنده سبحانه وتعالى ، فترجو ربها وتسأله العون والتثبيت .
ولا يجوز لها أن ترضخ لطلباتهم ولا أن تستجيب لنزواتهم وشهواتهم من الاختلاط والنظر والمصافحة وترك الحجاب ؛ فإنها إن أرضتهم بذلك فإنها تُسخط ربَّها عز وجل .
ثانياً :
أبناء أخ وأخت الزوج ليسوا من المحارم بل هم ممن يجب الاحتياط منهم أكثر ؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم بمثابة الموت .
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخولَ على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " .
رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
قال النووي :
اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم ، والأختان أقارب زوجة الرجل ، والأصهار يقع على النوعين .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه : أن الخوف منه أكثر من غيره ، والشر يتوقع منه ، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي ، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه ، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم ، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه ، فهذا هو الموت ، وهو أولى بالمنع من أجنبي لما ذكرناه ، فهذا الذى ذكرته هو صواب معنى الحديث .
" شرح مسلم " ( 14 / 154 ) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
يجوز للمرأة أن تجلس مع اخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجَّبة الحجاب الشرعي ، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها ؛ لأنها عورة وفتنة إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة ، أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر : فلا يجوز ، وهذا كالجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك ، ولا يجوز لها الخلوة بواحدٍ منهم أو غيرهم ممن ليس مَحْرَماً لها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرم " متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يخلون رجل بامرأة ؛ فإن الشيطان ثالثهما " أخرجه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيحٍ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
والله ولي التوفيق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 422 ، 423 ) .
ثالثاً :
أما المصافحة بين المرأة والأجنبي فحرام ، ولا يجوز لكِ التساهل فيه بناءً على رغبة أقربائكِ أو أقرباء زوجكِ .(10/76)
عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت : " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته ، قال : اذهبي فقد بايعتك " .
رواه مسلم ( 1866 ) .
فهذا المعصوم خير البشرية جمعاء سيد ولد آدم يوم القيامة لا يمس النساء ، هذا مع أن الأصل في البيعة أن تكون باليد ، فكيف غيره من الرجال ؟ .
عن أميمة ابنة رقيقة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أصافح النساء " .
رواه النسائي ( 4181 ) وابن ماجه (2874) .
والحديث صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 2513 ) .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى - :
مصافحة النساء من وراء حائل – فيه نظر – والأظهر المنع من ذلك مطلقا عملا بعموم الحديث الشريف ، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إني لا أصافح النساء " ، وسدّاً للذريعة ، والله أعلم .
" حاشية مجموعة رسائل في الحجاب والسفور " ( 69 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
عمل الرجل طبيبا للنساء ... العنوان
هل يجوز للرجل أن يعمل طبيبا للنساء ، وما حكم الأجر الذي يأخذه ؟
... السؤال
30/01/2007 ... التاريخ
السيد مبروك صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فالأصل أن لا يتم كشف المرأة عند طبيب رجل ، اللهم إلا لضرورة، بأن لم توجد امرأة مسلمة ولا غير مسلمة ، أو وجدت ولكن لم يكن لديها القدرات الضرورية اللازمة لحالة المرأة المريضة.
وعلى هذا ونظرا للواقع والتجربة فإن أكثر طبيبات النساء لا يتميزن بالمهارة الكافية ، مما يضطر كثيرا من النساء للذهاب إلى طبيب ذكر في نهايةالأمر بعد تجربة شبه فاشلة مع الطبيبة المرأة، ويترتب على هذا حاجة النساء إلى طبيب ماهر في كثير من أمور طب النساء والتوليد، ولهذا يجوز للرجل المسلم أن يتخصص في طب النساء ويعمل فيه إذا رأى أن النساء المسلمات في حاجة إليه ، فهو خير من الطبيب غير المسلم، ولكن عليه أن يراعي الله تعالى في مهنته ، فإذا اضطرت امرأة للذهاب إليه في مسائل لا تسعفها فيها الطبيبة المرأة، فعليه أن يراعي شروط الكشف عليها ، من وجود محرم معها وعدم الخلوة بها أيا كان الأمر، والاقتصار(10/77)
على كشف الجزء اللازم والضروري للعلاج ، وكذلك الاقتصار على مس ما يلزم مسهوبقدر الضرورة العلاجية دون توسع، وعليه أن يستعين في تطبيبه النساء بامرأة تساعده فيما يمكن أن تغنيه عن مباشرته من أمر المريضة، وتجهز له وضع المريضة للكشف والمداواة ، وما إلى ذلك.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
ضوابط ترشيح المرأة للمجالس النيابية ... العنوان
هل يجوز للمرأة الترشيح للمجالس النيابية، فبعض العلماء يرفضون هذا الأمر ويستدلون عليه بأدلة كثيرة من القرآن والسنة والقواعد الأصولية ؟ ... السؤال
28/11/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
يجوز للمرأة التقدم للترشيح للمجالس النيابية ، حيث إن الأصل في مثل هذه الأشياء هو الجواز لا المنع ، والأدلة التي استدل بها المانعون أدلة غير صريحة في التحريم ، فنعود للأصل.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في فتوى مطولة نختصر منها ما يلي :
المرأة إنسانمكلف مثل الرجل، مطالبة بعبادة الله تعالى، وإقامة دينه، وأداء فرائضه، واجتنابمحارمه، والوقوف عند حدوده، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكل خطابات الشارع تشملها، إلا مادل دليل معين على أنه خاص بالرجال، فإذا قال الله تعالى : " يا أيها الناس " أو " يا أيها الذين آمنوا " فالمرأة داخلة فيه بلا نزاع.
ولهذالما سمعت أم سلمة رضي الله عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : " أيها الناس " وكانت مشغولة ببعض أمرها، هرعت لتلبية النداء، حتى استغرب بعضهم سرعة إجابتها،فقالت: لهم أنا من الناس.
والأصل العام أن المرأة كالرجلفي التكليف إلا ما استثنى ؛ لقوله تعالى :" بعضكم من بعض " (آل عمران : 195) وقوله -صلى الله عليه وسلم- : " إنما النساء شقائق الرجال " . رواه أحمد، والترمذي، وأبوداود والدارمي.
والقرآن الكريم يحمل الجنسين الرجال والنساء جميعًا، مسئولية تقويم المجتمع وإصلاحه وهو ما يعبر عنه إسلاميًا بعنوان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . يقول الله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله " (التوبة : 71).(10/78)
ذكر القرآن في هذا المقام سمات أهل الإيمان، بعد أن ذكر سمات أهل النفاق بقوله : " المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ". (التوبة : 67(
تنبيهات مهمة:
وأود أن أنبه هنا على جملة أمور مهمة:
الأول :أننا يجب ألا نلزم أنفسنا إلا بالنصوص الثابتة الصريحة الملزمة.
أما ما لا يثبت من النصوص كالأحاديث الضعيفة، أو ما كان محتملا في فهمه لأكثر من وجه، وأكثر من تفسير - مثلما جاء في شأن نساء النبي - فليس لأحد أن يلزم الأمة بفهم دون آخر، وخصوصًا في الأمور الاجتماعية العامة التي تعم بها البلوى، وتحتاج إلى التيسير.
الثاني :أن هناك أحكامًا وفتاوى لا نستطيع أن نفصلها عن عصرها وبيئتها . ومثلها قابل للتغير بتغير موجباته ولهذا قرر المحققون أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف.
الثالث: أن العلمانيين اليوم يتاجرون بقضية المرأة، ويحاولون أن يلصقوا بالإسلام ما هو براء منه، وهو أنه جار على المرأة، وعطل مواهبها وقدراتها، ويحتجون لذلك بممارسات بعض العصور المتأخرة، وبأقوال بعض المتشددين من المعاصرين.
أدلة من ذهبوا إلى تحريم دخول المرأة المجالس النيابية والردعليها:
على هذا الأساس يجب أن ننظر في موضوع دخول المرأة في " مجلس الشعب " أو الشورى، ومشروعية ترشيحها، ومشروعية انتخابها لهذه المهمة في ضوء الأدلة الشرعية.
فمن الناس من يرى ذلك حرامًا وإثمًا مبينًا، ولكن التحريم لا يثبت إلا بدليل لا شبهة فيه . والأصل في الأشياء والتصرفات الدنيوية الإباحة، إلا ما قام الدليل على حرمته، فما الدليل على التحريم، الذي يسوقه هؤلاء؟.
1ـ آية : " وقرن في بيوتكن " :
بعضهم يستدل هنا بقوله تعالى : " وقرن في بيوتكن " فلا يجوز للمرأة أن تدع بيتها إلا لضرورة أو حاجة.
وهذا الدليل غيرناهض:
أولا :لأن الآية تخاطب نساء النبي كما هو واضح من السياق، ونساء النبي لهن من الحرمة وعليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن . ولهذا كان أجر الواحدة منهن إذا عملت صالحًا مضاعفًا، كما جعل عذابها إذا أساءت مضاعفًا أيضًا.
وثانيًا :أن أم المؤمنين عائشة، مع هذه الآية، خرجت من بيتها، وشهدت " معركة الجمل " استجابة لما تراه واجبًا دينيًا عليها، وهو القصاص من قتلة عثمان . وإن أخطأت التقدير فيما صنعت.
وثالثًا :أن المرأة قد خرجت من بيتها بالفعل، وذهبت إلى المدرسة والجامعة، وعملت في مجالات الحياة المختلفة، طبيبة ومعلمة ومشرفة وإدارية وغيرها، دون(10/79)
نكير من أحد يعتد به، مما يعتبره الكثيرون إجماعًا على مشروعية العمل خارج البيت للمرأة بشروطه.
ورابعًا :أن الحاجة تقتضي من " المسلمات الملتزمات " أن يدخلن معركة الانتخاب في مواجهة المتحللات والعلمانيات اللائي يزعمن قيادة العمل النسائي، والحاجة الاجتماعية والسياسية قد تكون أهم وأكبر من الحاجة الفردية التي تجيز للمرأة الخروج إلى الحياة العامة.
وخامسًا :أن حبس المرأة في البيت لم يعرف إلا أنه كان في فترة من الفترات - قبل استقرار التشريع - عقوبة لمن ارتكبت الفاحشة : " فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " (النساء : 15) فكيف يظن أن يكون هذا من الأوصاف اللازمة للمرأة المسلمة في الحالة الطبيعية ؟.
2ـ سد الذرائع:
وهناك من ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، هي زاوية " سد الذرائع " . فالمرأة عندما ترشح للبرلمان، ستتعرض في أثناء الدعاية الانتخابية للاختلاط بالرجال وربما الخلوة بهم، وهذا حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام.
ولا شك أن سد الذرائع مطلوب، ولكن العلماء قرروا أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، وقد يترتب عليها ضياع مصالح كثيرة، أكبر بكثير من المفاسد المخوفة.
وهذا الدليل يمكن أن يستند إليه من يرى منع المرأة من الإدلاء بصوتها في الانتخاب خشية الفتنة والفساد، وبهذا تضيع على أهل الدين أصوات كثيرة، كان يمكن أن تكون في صفهم ضد اللادينيين .... ولا سيما أن أولئك يستفيدون من أصوات النساء المتحللات من الدين.
ومن هنا نقول : إن المسلمة الملتزمة - إذا كانت ناخبة أو مرشحة - يجب أن تتحفظ في ملاقاتها للرجل من كل ما يخالف أحكام الإسلام، من الخضوع بالقول، أو التبرج في الملبس، أو الخلوة بغير محرم، أو الاختلاط بغير قيود . وهو أمر مفروغ منه من قبل المسلمات الملتزمات.
3ـ المرأة والولاية على الرجل:
وهناك من يستدلون على منع المرأة من الترشيح للمجلس النيابي بأن هذا ولاية على الرجال، وهي ممنوعة منها بل الأصل الذي أثبته القرآن الكريم أن الرجال قوامون على النساء، فكيف نقلب الوضع وتصبح النساء قوامات على الرجال ؟.
وأود أن أبين هنا أمرين:
الأول :أن عدد النساء اللائي يرشحن للمجلس النيابي محدود، وستظل الأكثرية الساحقة للرجال، وهذه الأكثرية هي التي تملك القرار، وهي التي تحل وتعقد فلا مجال للقول بأن ترشيح المرأة للمجلس سيجعل الولاية للنساء على الرجال!.
الثاني :أن الآية الكريمة التي ذكرت قوامية الرجال على النساء، إنما قررت ذلك في الحياة الزوجية، فالرجل هو رب الأسرة، وهو المسئول عنها، بدليل قوله تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم " (النساء : 34) فقوله : " بما أنفقوا من أموالهم " يدلنا على أن المراد القوامة على(10/80)
الأسرة، وهي الدرجة التي منحت للرجال في قوله تعالى : " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة ". (البقرة : 228).
ومع قوامية الرجل على الأسرة، ينبغي أن يكون للمرأة دورها، وأن يؤخذ رأيها فيما يهم الأسرة، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في مسألة فطام الرضيع : " فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ". (البقرة : 233) .
وكما جاء في الحديث الذي رواه أحمد : " آمروا النساء في بناتهن " أي استشيروهن في أمر زواجهن.
أما ولاية بعض النساء على بعض الرجال - خارج نطاق الأسرة - فلم يرد ما يمنعه، بل الممنوع هو الولاية العامة للمرأة على الرجال.
4ـ شبهة وردها:
ومن الشبهات التي أثارها بعض المعارضين لترشيح المرأة في المجلس النيابي قولهم : إن عضو المجلس أعلى من الحكومة نفسها، بل من رئيس الدولة نفسه، لأنها - بحكم عضويتها في المجلس - تستطيع أن تحاسب الدولة ورئيسها . ومعنى هذا أننا منعناها من الولاية العامة، ثم مكناها منها بصورة أخرى.
وهذا يقتضي منا إلقاء الضوء بالشرح والتحليل لمفهوم العضوية في المجلس الشورى أو النيابي.
مهمة عضو المجلس النيابي:
ومن المعلوم أن مهمة المجالس النيابية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة ذات شقين، هما : المحاسبة والتشريع. وعند تحليل كل من هذين المفهومين يتضح لنا ما يأتي:
معنى المحاسبة:
المحاسبة أو المراقبة في تحليلها النهائي حسب المفاهيم الشرعية، ترجع إلى ما يعرف في المصطلح الإسلامي بـ " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وبـ"النصيحة في الدين" وهي واجبة لأئمة المسلمين وعامتهم.
والأمر والنهي والنصيحة مطلوبة من الرجال والنساء جميعًا. والقرآن الكريم يقول بصريح العبارة : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ".
والرسول -صلى الله عليه وسلم- حين قال - فيما رواه مسلم - " الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم " لم يجعل ذلك مقصورًا على الرجال وحدهم.
ولقد رأينا المرأة ترد على أمير المؤمنين عمر في المسجد، فيرجع عن رأيه إلى رأيها، ويقول : " أصابت المرأة وأخطأ عمر " . كما رواه ابن كثير وجود إسناده.
وقد استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة في غزوة الحديبية فأشارت عليه بالرأي السديد، وقد بادر إلى تنفيذه، فكان من ورائه الخير.
وما دام من حق المرأة أن تنصح وتشير بما تراه صوابًا من الرأي، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقول : هذا صواب وهذا خطأ، بصفتها الفردية فلا يوجد دليل شرعي يمنع من عضويتها في مجلس يقوم بهذه المهمة.(10/81)
والقول بأن مجلس الشعب أو الشورى أو الأمة - حسب تسمياته المختلفة - أعلى مرتبة من الحكومة أو السلطة التنفيذية نفسها، ومنها رئيس الدولة، لأنه هو الذي يحاسبها، قول غير مسلم على إطلاقه.
فليس كل محاسب أعلى منزلة ممن يحاسبه، وإنما المهم أن يكون له حق المحاسبة وإن كان أدنى منه.
فمما لا ريب فيه أن أمير المؤمنين، أو رئيس الدولة أعلى منزلة، وأعلى سلطة في الدولة، ومع هذا نجد أن من حق أدنى فرد في رعيته أن ينصح له ويحاسبه ويأمره وينهاه، على نحو ما قاله الخليفة الأول : " إن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني ".
وما قال الخليفة الثاني : " من رأى منكم في اعوجاجًا فليقومني ".
على أن المجلس إن كان أعلى من الحكومة - بوصفه الذي يشرع لها ويحاسبها - فذلك باعتبار مجموعة لا باعتبار كل فرد فيه، والأغلبية في المجموع للرجال.
جانب التشريع فيالمجلس:
والشق الثاني من مهمة مجلس الشعب يتعلق بالتشريع.
وبعض المتحمسين يبالغون في تضخيم هذه المهمة، زاعمًا أنها أخطر من الولاية والإمارة، فهي التي تشرع للدولة، وتضع لها القوانين، لينتهي إلى أن هذه المهمة الخطيرة الكبيرة لا يجوز للمرأة أن تباشرها.
والأمر في الحقيقة أبسط من ذلك وأسهل . فالتشريع الأساسي إنما هو لله تعالى . وأصول التشريع الآمرة الناهية هي من عند الله سبحانه، وإنما عملنا نحن البشر هو استنباط الحكم فيما لا نص فيه . أو تفصيل ما فيه نصوص عامة . وبعبارة أخرى عملنا هو " الاجتهاد " في الاستنباط والتفصيل والتكييف.
والاجتهاد في الشريعة الإسلامية باب مفتوح للرجال والنساء جميعًا، ولم يقل أحد : إن من شروط الاجتهاد - التي فصل فيها الأصوليون - الذكورة . وأن المرأة ممنوعة من الاجتهاد.
وقد كانت أم المؤمنين عائشة من مجتهدات الصحابة ومن المفتيات بينهن، ولها مناقشات واستدراكات على علماء الصحابة، جمعت في كتب معروفة. (مثل كتاب الإمام الزركشي " الإجابة لاستدراكات عائشة على الصحابة " ولخصه السيوطي في كتابه " عين الإصابة ".
وهذا مطلوب من المرأة في مجلس الشعب، والمرأة في مجلس الجامعة، والمرأة في مجلس الكلية، والمرأة في عملها خارج البيت أيًا كان هذا العمل.
ومن المطلوب في دولة تراعي آداب الإسلام أن يكون للنساء موقعهن الخاص في المجلس : صفوف خاصة، أو ركن خاص لهن، أو نحو ذلك، مما يوفر لهن جوا من الطمأنينة والبعد عن أي فتنة يخافها المتوجسون.
واللهأعلم
ـــــــــــــــــــــ
ضوابط كشف العورة للتداوي ... العنوان(10/82)
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف عورتها أمام الأطباء الرجال لحاجتها للتداوي؟ وما الحكم إذا تعذر وجود طبيبة تقوم بهذا الأمر؟ ... السؤال
03/09/2006 ... التاريخ
المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فالأصل الشرعي هو وجوب ستر العورة ولا يجوز لأحد أن يكشف عورته إلا لعذر شرعي، وكشف العورة للتداوي حاجة معتبرة شرعا، ويجب أن يقوم بتطبيب المرأة طبيبة مسلمة فإذا لم يوجد فطبيبة غير مسلمة وإلا فطبيب مسلم وإذا لم يوجد فطبيب غير مسلم، ولا يجوز للطبيب أن يقوم بعلاج المرأة إلا في وجود الزوج أو أحد محارمها أو امرأة ثقة مأمونة، والنظر إلى العورة يكون بقدر ما تدعو إليه حاجة التداوي،
وهذا ما قرره المجمع الفقهي –بمكة المكرمة- وإليك قرار المجمع بشيء من التفصيل:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. أما بعد :
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي، في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت 20من شعبان 1415هـ-21/1/1995م: قد نظر في هذا الموضوع وأصدر القرار التالي :
1- الأصل الشرعي: أنه لا يجوز كشف عورة المرأة للرجل، ولا العكس، ولا كشف عورة المرأة للمرأة، ولا عورة الرجل للرجل .
2- يؤكد المجمع على ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بقراره رقم 85/12/85. في 1-7/1/1414هـ وهذا نصه: (الأصل أنه إذا توافرت طبيبة مسلمة، متخصصة، يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة، فإن لم يتوافر ذلك، يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم، يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم. على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة، في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه، بحضور محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة، خشية الخلوة)انتهى .
3- وفي جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز أن يشترك مع الطبيب، إلا من دعت الحاجة الطبية الملحة لمشاركته، ويجب عليه كتمان الأسرار إن وجدت .
4- يجب على المسئولين في الصحة والمستشفيات: حفظ عورات المسلمين والمسلمات، من خلال وضع لوائح وأنظمة خاصة، تحقق هذا الهدف، وتعاقب كل من لا يحترم أخلاق المسلمين، وترتيب ما يلزم لستر العورة، وعدم كشفها في أثناء العمليات، إلا بقدر الحاجة من خلال اللباس المناسب شرعًا .
5- ويوصي المجمع بما يلي :(10/83)
أ- أن يقوم المسئولون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية، فكرًا، ومنهجًا، وتطبيقًا بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوه عنايتهم الكاملة، لدفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم، وصيانة أعراضهم .
ب- العمل على وجود موجه شرعي، في كل مستشفي، للإرشاد والتوجيه للمرضى .
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
حجاب المرأة أمام المعاق ذهنيا ... العنوان
هل يجب على المرأة ارتداء الحجاب أمام المعاق ذهنيا؟؟؟؟ وذلك لأن أحد أقاربي شاب معاق ذهنيا عمره الحقيقي 20 عام تقريبا، و لكن عقله كطفل عمره سنتين.
فما الحكم في التعامل معه؟ هل يعامل معاملة الرجل أم الطفل وهل يجب ارتداء الحجاب أمامه؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
03/08/2006 ... التاريخ
الأستاذ محمد سعدي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولى الإسلام عناية بالغة بالمعاقين، وأحسن الله إليك بإحسانك إلى هذا الفتى المعاق ذهنيا، وعن حجاب المرأة أمام المعاق ذهنيا، فنقول: هذا المعاق إن كان لا يدري أمور النساء، وليس له ميل نحوهن لكونه لا شهوة لديه لا للجماع ولا لمقدماته فلا حرج من وضع الحجاب أمامه؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى: "أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَال"
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
وقال المالكية والشافعية والحنابلة , وهو رأي للحنفية : حكم غير أولي الإربة حكم المحارم في النظر إلى النساء , يرون منهن موضع الزينة مثل الشعر والذراعين , وحكمهم في الدخول عليهن مثل المحارم أيضا لقوله تعالى : { أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } . أهـ
أما إن كان يعلم أمور النساء وله شهوة لهن فلا يجوز للمرأة أن تلقي حجابها أمامه، كما تحرم الخلوة بينهما إلا مع ذي محرم.
والأولى أن تستر المرأة نفسها، فالسلامة لا يعدلها شيء.
وقد فسَّر الإمام الألوسي التابعين غير أولي الإربة من الرجال، فقال:
أي: الذين يتبعون ليصيبوا من فضل الطعام غير أصحاب الحاجة إلى النساء، وهم الشيوخ الطاعنون في السن الذين فنت شهواتهم، والممسوحون الذين قطعت ذكورهم وخصاهم .(10/84)
وفي المجبوب ـ وهو الذي قطع ذكره ـ والخصي ـ وهو من قطع خصاه ـ خلاف، واختير أنَّهما في حرمة النظر كغيرهما من الأجانب.
وقال ابن قدامة في المغني:
" ومن ذهبت شهوته من الرجال لكِبَر، أو عُنّةٍ، أو مرض لا يُرجى برؤه، والخصيّ أو الشيخ , أو المخنث الذي لا شهوة له، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر، لقوله تعالى : ( أو التابعين غير أولِي الإربة ) أي غير أولي الحاجة إلى النساء.
وقال ابن عباس :هو الذي لا تستحي منه النساء، وعنه : هو المخنث الذي لا يكون عنده انتشار ( أي مقدرة على الانتصاب ) .
وعن مجاهد وقتادة :الذي لا أرب له في النساء، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره، لأن عائشة قالت : دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أرى هذا يعلم ما ههنا، لا يدخلنّ عليكم هذا ) فحجبوه . رواه أبو داود وغيره .
قال ابن عبد البر : ليس المخنث الذي تُعرف فيه الفاحشة خاصة، وإنما التخنيث بشدة التأنيث في الخلِقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب، وكان لا يفطن لأمور النساء، وهو من غير أولي الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفَهِم أمر النساء أمر بحجبه .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
ترغب بالزواج من شخص تحبه وأهلها رافضون
سؤال:
تريد الزواج من شخص وأهلها رفضوا والسبب أنهم قالوا بأنه لن يعاملها جيداً لأنهم رأوه في نقاش حاد معها وهي تحبه فماذا تفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمرأة – بِكراً كانت أم ثيِّباً – الزواج إلا بإذن وليها ، وقد سبق بيان ذلك في عدة أجوبة ، فليراجع السؤال رقم ( 2127 ) .
ثانياً :
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها ؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها .
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل ، وأما إذا رد أولياء المرأة الأزواج من غير سبب صحيح ، أو كان ميزانهم في الاختيار(10/85)
غير شرعي كما لو قدموا الغني الفاسق على صاحب الدين والخلق فهنا يجوز للبنت أن ترفع أمرها للقاضي الشرعي لإسقاط ولاية من منعها من الزواج وتحوليها إلى غيره ، وهذا غير موجود في سؤال الأخت ، حيث أن الذي منع الأهل من الموافقة على الزوج ما رأوه أنه من مصلحة ابنتهم ، وهو ما يتعلق بخلق الزوج .
ثالثاً :
الحب الذي يقع بين الشاب والشابة قد تكون مقدماته غير شرعية كالاختلاط والخلوة والكلام وتبادل الصور وما شابه ذلك ، فإن كان الأمر كذلك : فلتعلم المرأة أنها وقعت في حرام ، وأن هذا ليس بمقياس لحب الرجل لها ، فإنه قد جرت العادة أن يُظهر الرجل في هذه الفترة أحسن ما يستطيع من خُلُق ومعاملة ليكسب قلب البنت حتى يحصِّل مبتغاه ، فإن كان مبتغاه محرَّماً فإنها ستكون ضحية لذئب أفقدها أعز ما تملك بعد دينها ، وإن كان مبتغاه شرعيّاً – وهو الزواج – فيكون قد سلك طريقاً غير شرعيَّة ، ثم إنها قد تفاجأ بأخلاقه وتعامله معها بعد الزواج ، وهذا هو مصير أكثر الزواجات .
ومع هذا فعلى الأهل أن يحسنوا الاختيار لابنتهم ، ولهم أن يسألوا أكثر عن الزوج ، ولا يمكن تصنيف رجل من خلال نقاش حادٍّ قد يكون له ما يسوغه ، فالعبرة بالخلق والدين ، وليعلم الأهل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لم نرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح " - رواه ابن ماجه ( 1847 ) وصححه البوصيري والألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 624 ) - .
وعلى البنت الطاعة لأهلها ، فإنهم أدرى بمصلحتها ولا يريدون إلا أن تكون سعيدة مع زوج يرعى حرمتها ويعطيها حقَّها .
كما ننصح الأخت السائلة أن تنظر في إجابة السؤال رقم ( 23420 ) فهو مهم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
ترغب في العمل وزوجها يمنعها
سؤال:
زوجي لا يسمح لي بالعمل ولا بالدراسة ، وأنا أرى أن عندي وقت فراغ وعندي القدرة على ذلك ، فهل يحق له أن يمنعني من العمل أو الدراسة ، هو لا يستمع لي مما يسبب لي الأذى ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على كلا الزوجين أن يحتكما إلى الشرع في جميع شئون حياتهما ، فما حكم به الشرع وجب تنفيذه وامتثاله ، وهذا هو سبيل السعادة والراحة في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " النساء / 59 .
وبخصوص عمل المرأة وخروجها من منزلها نقول :(10/86)
1- الأصل هو قرار المرأة في بيتها ، وقد دل على ذلك قوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب / 33 ، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك ، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين .
ودل على ذلك أيضا : قول النبي صلى الله عليه وسلم " المرأة عورة ، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها ) رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم 2688
وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد : " وبيوتهن خير لهن " رواه أبو داود (567) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
2- يجوز للمرأة أن تعمل أو تدرس إذا توفرت جملة من الضوابط :
- أن يكون هذا العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها ، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك .
- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص ، لا اختلاط فيه ، فلا يجوز لها أن تدرس أو تعمل في مدرسة مختلطة .
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي .
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم .
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم ، كالخلوة مع السائق ، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها .
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها والقيام بشئون زوجها وأولادها .
3- ما ذكرت من وجود القدرة والرغبة لديك في العمل والتدريس أو الدراسة أمر حسن ، ولعلك تستغلين ذلك في طاعة الله ، كأن تقومي بتدريس فتيات المسلمين في بيتك أو في مركز إسلامي – وفق الضوابط السابقة – أو ممارسة شيء يعود بالنفع عليك وعلى أسرتك كالخياطة ونحوها ، مما يكون وسيلة للخروج من حالة الملل والشعور بالفراغ .
كما يمكنك أن تلتحقي بإحدى الجامعات الإسلامية المفتوحة ، التي تتيح لك الدراسة عن بعد ، لتزدادي علما وفقها ، مع ما في ذلك من الدرجة والمنزلة عند الله ، فإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء . كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي 2682 وأبو داود 3641 ، والنسائي 158 ، وابن ماجه 223 والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وسلي الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة ، فإن القيام على تربية هذه الذرية لا يدع للمرأة وقتا ولا فراغا ، وهي مأجورة في ذلك كله ، والحمد لله .
وتذكري أن طاعة الزوج واجبة في غير المعصية ، وعليه فإذا أمر الزوج زوجته ألا تخرج لعمل ولا لدراسة وجب عليها امتثال أمره ، وفي ذلك سعادتها ونجاتها ، ففي الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه " إذا صلت المرأة خمسها وصامت(10/87)
شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت " والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 661
ولا ينبغي للزوج أن يستغل هذا الحق في إيذاء مشاعر زوجته ، ومصادرة رأيها ، والتعنت في حرمانها من رغباتها ، بل عليه أن يتقي الله عز وجل ، وأن يحرص على مشاورة زوجته ومحاورتها ، وتبيين الحكم الشرعي لها ، وتوفير البدائل المباحة التي تسعدها ، وتنمي قدراتها ، وتحقق شيئا من رغباتها.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
إنفراد سائق الحافلة بالمرأة
سؤال:
هناك مشاركات في أحد مراكز تحفيظ القران يتم تجميعهم بحافلة والسائق لا يوجد معه محرم كزوجته والسؤال هو: بالنسبة للراكبة الأولى صباحاً والأخيرة ظهراً ، وهل يعتبر وجودها مع السائق خلوة محرمة ؟.
الجواب:
الحمد لله
تتابعت فتاوى أهل العلم على تحريم خلوة السائق بالمرأة الأجنبية ، للنص على تحريم الخلوة بالأجنبية ، ولما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى على أحد ، سواء كان الذهاب إلى مراكز التحفيظ أو إلى المساجد ، ومن باب أولى إلى الأسواق وما شابهها ، وهذا الحكم يتعلق – كما في السؤال – بالراكبة الأولى صباحاً ، وبالأخيرة ظهراً ، وحتى يرتفع الحرج هنا فينبغي أن تركب طالبتان صباحاً معاً ، وتنزل طالبتان ظهراً معاً ، وهذه بعض فتاوى أهل العلم :
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
لم يبق شك في أن ركوب المرأة الأجنبية مع صاحب السيارة منفردة بدون محرم يرافقها : منكر ظاهر ، وفيه عدة مفاسد لا يستهان بها ، ... ، والرجل الذي يرضى بهذا لمحارمه ضعيف الدين ، ناقص الرجولة ، قليل الغيرة على محارمه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " – رواه الترمذي ( 2165 ) وصححه الألباني ( 1758 ) ، وركوبها معه في السيارة أبلغ من الخلوة بها في بيت ونحوه ؛ لأنه يتمكن من الذهاب بها حيث شاء من البلد أو خارج البلد ، طوعاً أو كرهاً ، ويترتب على ذلك من المفاسد أعظم مما يترتب على الخلوة المجردة .
ولا يخفى آثار فتنة النساء والمفاسد المترتبة عليها ؛ ففي الحديث " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " رواه البخاري ( 5096 ) ومسلم ( 2740 ) ، وفي الحديث الآخر " اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " رواه مسلم ( 2742 ) .(10/88)
لهذا وغيره مما ورد في هذا الباب ، وأخذاً بما تقتضيه المصلحة العامة ويحتمه الواجب الديني علينا وعليكم : نرى أنه يتعيَّن البت في منع ركوب أي امرأة أجنبية مع صاحب التاكسي بدون مرافق لها مِن محارمها أو مَن يقوم مقامه مِن محارمها أو أتباعهم المأمونين المعروفين .. ..
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 553 ، 554 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معهما غيرهما ؛ لأن هذا في حكم الخلوة ، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم " رواه البخاري ( 5233 ) ومسلم ( 1341 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يخلونَّ رجل بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما" .
أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر : فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة ؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر .
وهذا في غير السفر ، أما في السفر : فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرَم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرَم " متفق على صحته .
ولا فرق بين كوْن السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر ، والله ولي التوفيق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 556 ) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين :
إنه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالمرأة الواحدة في السيارة إلا أن يكون محرَماً لها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " .
أما إذا كان معه امرأتان فأكثر : فلا بأس ؛ لأنه لا خلوة حينئذٍ بشرط أن يكون مأموناً وأن يكون في غير سفرٍ ، والله الموفق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 554 ، 555 ) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم ، لا في الذهاب إلى المسجد ولا إلى غيره ؛ لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له .
وإذا كان مع السائق جماعة من النساء : فالأمر أخف لزوال الخلوة المحذورة ، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء ، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه ؛ لقوله تعالى { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً } الأحزاب / 32 .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 556 ، 557 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
-ـــــــــــــــــــــ
ظهور المرأة أمام الرجال
سؤال:(10/89)
كثير من الرجال في بعض الأسر يسمح لزوجته أو ابنته أو أخته بالظهور أمام الرجال غير المحارم كجماعته وأصدقائه وزملائه والجلوس معهم والتحدث إليهم كما لو كانوا محرما لها ، وإذا نصحناهم قالوا إن هذه عاداتهم وعادات آبائهم ، كما أنهم يزعمون أن قلوبهم نظيفة ، ومنهم المكابر والمعاند وهو يفهم الحكم ، ومنهم من يجهله فما نصيحتكم لهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات بل يجب عرضها على الشرع المطهر فما أقره منها جاز فعله وما لا فلا ، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فما أباح الله ورسوله فهو مباح ، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس ، فإذا اعتاد الناس التساهل بالخلوة بالأجنبية أو بكشف وجهها لغير محارمها فهذه عادات باطلة يجب أن تترك كما لو اعتاد الناس الزنا أو اللواط أو شرب المسكر فإن الواجب عليهم تركها وليست العادة حجة لهم في ذلك ، بل الشرع فوق الجميع فعلى من هداه الله للإسلام أن يبتعد عما حرم الله عليه من خمر وزنا وسرقة وعقوق وقطيعة الرحم وسائر ما حرم الله عز وجل ، وأن يلتزم بما أوجب الله عليه.
وهكذا الأسرة يجب عليها أن تحترم أمر الله ورسوله وأن تبتعد عما حرم الله ورسوله فإذا كان من عاداتهم كشف نسائهم لغير المحارم أو الخلوة بغير المحارم وجب عليهم ترك ذلك.
فليس للمرأة أن تكشف وجهها أو غيره لابن عمها ولا لزوج أختها ولا لإخوان زوجها ولا لأعمامه ولا لأخواله ، بل يجب عليها الاحتجاب وستر وجهها ورأسها وجميع بدنها عن غير محارمها ، أما الكلام فلا بأس به كرد السلام والبداءة به مع الحجاب والبعد عن الخلوة لقول الله سبحانه : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب / 53 وقوله عز وجل : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) الأحزاب / 32 ، فنهى الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يخضعن بالقول وهو تليينه وتكسيره حتى يطمع من كان في قلبه مرض أي مرض الشهوة ويظن أنها مواتية ولا مانع عندها ، بل تقول قولا وسطا ليس فيه عنف ولا خضوع ، وأخبر سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59 ، والجلباب ثوب يطرح على الرأس والبدن تطرحه المرأة على رأسها وتغطي به بدنها فوق ثيابها ، وقال عز وجل : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ(10/90)
بُعُولَتِهِنَّ ...الآية ) النور / 31 ، فهؤلاء المذكورون في الآية لا حرج في إبداء المرأة زينتها لهم .
والواجب على جميع النساء المسلمات تقوى الله سبحانه وتعالى ، والحذر مما حرم الله عليهن من إبداء الزينة لغير من أباح الله إبداءها له .
فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز 6 / 406 .
ـــــــــــــــــــــ
لها عشيق يباشرها في ليالي رمضان
سؤال:
سمعت بأن الجماع يجوز في ليالي رمضان ، مشكلتي بأنه لدي عشيق منذ 3 سنوات وحصل بيننا ضم وتقبيل وكل شيء عدا الجماع ولا أنوي هذا لأنه محرم جداً، أود أن أعرف هل ما أفعله محرم وما هي العقوبة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن اتخاذ العشيقات من قِبَل الرجال ، واتخاذ العشَّاق من قِبل النساء من كبائر الذنوب ، والجماع والمباشرة لا يحلان إلا للزوجين أو للزوج وأمَته ، ويحرم عليكِ أن تتخذي عشيقاً ، ويحرم عليكماِ المصافحة والخلوة فضلاً عن الضم والتقبيل والمباشرة وكل هذا من زنا الجوارح ، وهو محرَّم في غير رمضان ، وفي رمضان يكون أشد تحريماً تعظيماً للشهر سواء كان في الليل أو في النهار .
وقوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } إنما هو خطاب للأزواج .
وعلى هذا العشيق أن يتوب إلى الله من فعله هذا معك ، وعليك أنت أن تتوبي إلى الله ، ثم بعدها يحل لكما الزواج ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لم يُر للمتحابين مثل النكاح " والحديث صححه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجه " .
ونرجو الاطلاع على أجوبة الأسئلة التالية : ( 23349 ) و ( 1114 ) و(11195) و ( 9465 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
أولاد الزوج محرم لزوجة أبيهم
سؤال:
أخت زوجتي تزوجت من أخ له طفلين من زواج سابق ، قامت بتربية هذين الطفلين كأنهم أولادها ، لا أدري إذا كانا يعلمان بأنها ليست والدتهما الحقيقية ، ولكنني أعلم بأنهما لم يرضعا منها، جميع عائلة زوجتي حتى زوجتي يعاملونهما كأنهما أبناء أختها . قارب هذا الولد وأخته على البلوغ وأريد أن أعرف هل يجب على زوجتي أن تتحجب أمام هذا الولد وهل يجب على تلك الفتاة أن تتحجب أمامي ؟
الجواب:
الحمد لله(10/91)
زوجتك ليس لها صلة بأولاد زوج أختها ، لأنهم ليسوا أولاداً لأختها لا بالنسب ولا بالرضاع ، وعلى هذا يلزم زوجتك أن تتحجب أمام هذا الولد لأنه أجنبي عنها .
وأنت كذلك أجنبي عن هذه البنت ، فلا يحل لك الخلوة أو السفر بها ، ولا يحل لها كشف وجهها أمامك .
أما ما يتعلق بزوجة أب الأولاد فإنه لا يجب عليها أن تحتجب عنهم لأنهم من محارمها ، قال تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف ) " تفيد الآية أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج من تزوجها أبوه أو جده ، وإن علا سواءً كان الجد من قبل الأم أو من قبل الأب وسواء دخل بالمرأة أم لم يدخل بها .
فإذا عقد الرجل على امرأته عقداً صحيحاً حرمت على أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا . " ا.هـ من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من الفتاوى الجامعة 2/591
أنظر السؤال (20750) و(5538)
والله اعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
مخاطر الاختلاط مع أبناء العم والأقارب
سؤال:
مسلمة ولدت وعاشت في أمريكا ، تذهب لبلدها مرة أو مرتين في السنة مع أهلها، لها ابن عم في بلدها ، في كل مرة ينفرد بها ويمسك بها ويقبلها ويدخلها غرفته ويغلق الباب و. . . . ولكنه لم يزن بها ، والحمد لله ، لا تحب أفعاله وتتضايق منها وتشعر بالندم ، وتريد أن تعرف ماذا تفعل لأنها ستسافر قريباً .
الجواب:
الحمد لله
لاشك أن ما يفعله ابن عمك معك حرام بَيّن ، ومنكر ظاهر ؛ إذ هذا لا يجوز إلا مع الزوجة التي أباح الله الاستمتاع بها .
والواجب عليك أن تنكري ذلك وأن ترفضيه وإلا كنت شريكة في الإثم والوزر ، فإن الرجل لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا برضا المرأة واختيارها غالبا .
وينبغي أن تعلمي أن ابن عمك أجنبي عنك كسائر الأجانب ، فلا يجوز أن يخلو بك ولا أن تكشفي أمامه شيئا من بدنك . وهو مأمور بغض البصر عنك كما أنك مأمورة بذلك أيضا .
ومثل هذا المجترئ على محارم الله يجب زجره وردعه والإغلاظ له في القول وتهديده بإخبار أهلك وأهله .
وإذا حاول الإمساك بك لزمك دفعه ، والهروب منه .
واحذري من التهاون أو اللين في معاملته فإن الشيطان قد يزين لك هذا الإثم ، فترضين به ، فيحل بك غضب الله ومقته .
وإن مما يؤسف له تساهل كثير من الناس في حفظ بناتهم وأولادهم ، وإفساح المجال أمامهم للوقوع في هذا البلاء والشر ، لا سيما مع أبناء الأعمام والعمات والأخوال(10/92)
والخالات ، جهلا منهم بوجوب التستر عن هؤلاء، أو ضعفا في الإيمان والغيرة ، والله المستعان.
وعليك التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم ، ومجرد الندم لا يكفي ، بل لا بد لصحة التوبة من الإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العود إليه .
وعليك أن تتجنبي الأسباب التي قد تجرك إلى هذا الفعل المحرم ، كالخلوة بابن عمك أو مصافحته أو مقابلته ومحادثته ، فعليك مجانبته تماماً ، دفعاً للشر ، ومنعاً للفساد ، وسداًّ لباب الفتنة والمعصية .
والله تعالى يغفر لمن تاب ، وأقلع عن ذنبه وأناب .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
وقعت في المحرم مع أخي زوجها
سؤال:
زوجي يسافر كثيراً في أعمال له وهو يغيب لأوقات طويلة وفي أول حياتنا الزوجية عاملني بطريقة سيئة تجاهلني وأساء إلي نفسياً وجنسياً ولقد أحضر أخاه ( 19 عاماً ) ليعيش معنا رغم اعتراضي وقد صار أن كنت أنا وأخوه بمفردنا في البيت وحدث بيننا شيء يسير لكنني تبت منه فهل يحمل زوجي وزراً في هذا لأنه هو الذي تسبب في هذا الموقف ؟ ثم حدث أن اكتشف زوجي ما حدث عن طريق الضغط البدني والنفسي وبرر لي محاولاته للمعرفة بأن له الحق في أن يكتشف خيانتي له . كل ما أريد أن أعرفه هو هل له الحق في التفتيش في ماض ذهب وليس لديه ما يثير شكوكه أو اعتقاده أن هذه العلاقة ما زالت مستمرة أجيبوني جزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون ...
لقد وقع زوجك فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث حذر من دخول الرجال على النساء فقيل له : أفرأيت الحمو قال : " الحمو الموت " ، والحمو هو أخو الزوج وأقاربه كابن عمه ، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحمو الموت ) أن الخوف منه أكثر من غيره لأنه يتمكن من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير أن يُنكر عليه أحد ، لأن دخوله البيت أمر لا يستغربه الناس ، وكم سمعنا من المآسي التي وقعت بسبب دخول إخوان الزوج على زوجة أخيهم بل إنه حصل الزنا والحمل من أخي الزوج ، والله المستعان .
ولا يجوز لزوجك أن يبحث عن الماضي وسوئه ، بل يجب عليه أن يستر كما ستر الله ، خاصة بعد التوبة عن مثل هذا ، لأن قلبه من بعدها لن يصفو ، وسيفسر كل عمل يراه منكِ بعد ذلك على أنه من هذا القبيل .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يُبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله تعالى عز وجل " .(10/93)
رواه الحاكم في " المستدرك على الصحيحين " ( 4 / 425 ) والبيهقي ( 8 / 330 ) . وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 149 )
والقاذورات : يعني المعاصي .
وعن أبي هريرة قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من الناس وهو في المسجد فناداه : يا رسول الله إني زنيتُ - يريد نفسه - فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قِبَلَه ، فقال : يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعرض عنه ، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبك جنون ؟ قال : لا يا رسول الله ، فقال : فهل أحصنتَ ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : اذهبوا به فارجموه . رواه البخاري ( 6430 ) ومسلم ( 1691 ) . وقد جاء في بعض الروايات أن رجلاً من أسلم أتى أبا بكر فقال له : إن الآخر قد زنى يعني نفسه فقال : فتب إلى الله واستتر بستر الله ثم أتى عمر كذلك ... انظر فتح الباري ( 12/125 )
قال الحافظ ابن حجر :
ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز .
وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك " ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر .
وفيه : أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها ، ولا يخبر بها أحداً ويستتر بستر الله ، وإن اتفق أنه أخبر أحداً : فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر .
" فتح الباري " ( 12 / 124 ، 125 ) .
وعليه :
فليس للرجل حق في البحث عن الماضي الذي قد تابت عنه زوجته لما قدمنا ، ولا ينبغي للمرأة أن تصارح زوجها بما قد حصل في الماضي وتابت منه ، ولتستتر بستر الله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تريد العمل وخطيبها يرفض
سؤال:
أنا مخطوبة منذ ثلاث سنوات ، وخلال تلك السنوات تطورت الخلافات بيني وبين خطيبي مع أن أغلبها أشياء بسيطة ، ولكن هناك مشكلة دائماً نتشاجر عليها وهي عملي بعد الزواج ، يصر خطيبي أنه يحرم على المرأة أن تعمل بعد الزواج فقط لرغبة في العمل وليس للحاجة .(10/94)
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا بد من التنبيه إلى قول الأخت السائلة أنها " مخطوبة " ومنذ ثلاث سنوات ، والذي يظهر أنها تجلس مع خطيبها وتحادثه ولعله يختلي بها ، وأنها قالت إنها تتشاجر معه على عملها بعد " الزواج " .
وقد انتشر بين الناس كلام المخطوبين معا وخروجهم سويّاً قبل إتمام عقد الزواج ، وهذا لا شك أنه محرَّم ، فلم يُؤذن للخاطب أكثر من رؤية مخطوبته ، وحرم عليه خلوته بها ومصافحته لها ، فهي أجنبية عنه إلا أن الشرع أباح له النظر حتى يعزم الخطبة .
وبعض الناس يطلق على الزواج الذي عقد على زوجته ولكنه لم يدخل بها أنه " خاطب " فإنه كان الأمر كذلك ، فأنتما زوجان ولزوجك مصافحتك والخلوة بك والسفر معك ، فإن لم بينكما عقد فهذه اللقاءات محرمة .
ثانياً :
إن وظيفة المرأة التي تليق بها وتتناسب مع طبيعتها هي أن تقرَّ في بيتها , وتقوم بشؤونه وشؤون زوجها وأولادها إذا رزقها الله تعالى بأولاد ، وهو عمل عظيم ليس بالهيِّن ، أما العمل خارج البيت فلا يتناسب مع طبيعتها أصلاً , ولكن إذا احتاجت إليه فلها أن تمارس منه ما كان أقرب لطبيعتها وأليق بحالها , مع الالتزام بشرع الله تعالى في التستر وحفظ البصر وعدم الاختلاط المحرم بالرجال ونحو ذلك .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
من المعلوم بأن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط المذموم والخلوة بهن , وذلك أمر خطير جدّاً له تبعاته الخطيرة , وثمراته المرة , وعواقبه الوخيمة , وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها و القيام بالأعمال التي خصها وفطرها الله عليها مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال .
والأدلة الصريحة والصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى ما لا تحمده عقباه , منها قوله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا . واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا } وقال تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما } ، وقال الله جل وعلا : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن } .(10/95)
وقال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء " - يعني الأجنبيات - قيل : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ فقال : " الحمو الموت " ، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق وقال : " إن ثالثهما الشيطان " ، ونهى عن السفر إلا مع ذي محرم سدّاً لذريعة الفساد وغلقاً لباب الإثم , وحسماً لأسباب الشر , وحماية للنوعين من مكائد الشيطان , ولهذا صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كان في النساء " ، وقال عليه الصلاة والسلام " ما تركت بعدي في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء " .
وهكذا الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب الابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد , وتقويض الأسر , وخراب المجتمعات ، وعندما ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية نجدها أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تقوم في غير وظيفتها , لقد نادى العقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها الله له وركبها عليه جسميا وعقليا , ولكن بعد ما فات الأوان .
وفي ميدان عمل النساء في بيوتهن وفي التدريس وغيره مما يتعلق بالنساء ما يغنيهن عن التوظيف في ميدان عمل الرجال .
عن كتاب " الشيخ ابن باز ومواقفه الثابتة " الرد رقم ( 22 ) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين :
المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً , وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك , وأما العمل في مجالات تختص بالرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " ، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 981 ) .
ونود من الأخت السائلة النظر في جواب الأسئلة التالية لتزداد علماً وبصيرة : ( 6666 ) ، و ( 1200 ) ، و ( 22397 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
ما هي الخلوة المحرمة ؟
سؤال:
هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما ، بعيداً عن أعين الناس ، أو هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس ؟.
الجواب:
الحمد لله(10/96)
ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيداً عن أعين الناس فقط ، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها ، وتدور بينهما الأحاديث ، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما ، سواء كان ذلك في فضاء أم سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك ، لأن الخلوة مُنعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه ، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيداً عن أعين الناس .
وبالله التوفيق
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 17/57
ـــــــــــــــــــــ
قريبه مسجون ويجلس مع زوجته وأولاده ليرعاهم
سؤال:
عندي قريب من بعيد يوجد في السجن ، وأنا أقوم على حاجة أهله من تدريس الأطفال وشراء مستلزمات المنزل ووعظ أهل قريبي ، وأنا أجلس معهم دون محرم ، ولكني أكن لهم كل الاحترام والتقدير وأخوة في الله ، وهي مختمرة وكاشفة عن وجهها ويدها ، والذي دفعني إلى ذلك محارمها الذي لا يبالون بها ولا بحالها ، فأريد معرفة وضعي تجاه الشرع ، هل ما أفعله حرام أم حلال ، علماً أن كل ما أفعله في سبيل الله ولمعرفتي لواجبي تجاه قريبي الغائب ؟.
الجواب:
الحمد لله
ما عملته مع عائلة قريبك الغائب عمل طيب وتشكر عليه ، لأن القيام على الضعفة بقضاء حوائجهم من الأعمال الصالحة ، ولكن لا يحل لك الخلوة بالمرأة ، لأنها أجنبية منك ، ولا يجوز لها أن تكشف وجهها عندك ، لأنك لست من محارمها .
وبالله التوفيق
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء 17/61
ـــــــــــــــــــــ
المحادثة بين الرجال والنساء عبر برامج المحادثة ( الشات )
سؤال:
أنا فتاة مسلمة وأقوم بالدخول على "البالتوك" ثم إلى الغرف الإسلامية حتى أحصِّلَ شيئا من العلم الشرعي . وعندما أكون في تلك الغرف ، يحدث أحيانا أن يطلب أحد المسلمين (وهو يبحث عن زوجة) أن نتحادث شخصيا (عن طريق التشات) ليتعرف كل منا على الآخر . وقد طرح علي بعض الأسئلة وهي من قبيل : أين أقيم ، وعمري ، وما إذا كنت متزوجة (بالمناسبة فأنا غير متزوجة) ، وما إذا كنت أعتزم الزواج ، وما إذا كنت أقيم مع أهلي ، وما إلى ذلك .
ومشكلتي هي أني لا أعرف إن كان يجوز لي شرعا أن أقدم مثل تلك المعلومات المتعلقة بي لمسلم من غير محارمي . هل التحدث كتابة مع شاب يعد معصية حقاً ؟؟.
الجواب:(10/97)
الحمد لله
لا حرج على المرأة المسلمة في الاستفادة من الإنترنت ، ودخول موقع " البالتوك " لهذا الغرض ، ما لم يؤد ذلك إلى محذور شرعي ، كالمحادثة الخاصة مع الرجال ، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا ، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك ، ابتغاء مرضاة الله ، وحذرا من عقابه .
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء ، حتى أوقعتهم في عشق وهيام ، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك ، والشيطان يخيل للطرفين من أوصاف الطرف الآخر ما يوقعهما به في التعلق المفسد للقلب المفسد لأمور الدنيا والدين .
وقد سدت الشريعة كل الأبواب المفضية إلى الفتنة ، ولذلك حرمت الخضوع بالقول ، ومنعت الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية ، ولا شك أن هذه المحادثات الخاصة لا تعتبر خلوة لأمن الإنسان من إطلاع الآخر عليه ، غير أنها من أعظم أسباب الفتنة كما هو مشاهد ومعلوم .
وما جرى معك خير شاهد على صحة ما ذكرنا ، فإن هذه الأسئلة الخاصة ، يصعب على الرجل أن يوجهها إلى فتاة مؤمنة إلا عبر هذه الوسائل التي أُسيء استخدامها .
فاتق الله تعالى ، وامتنعي عن محادثة الرجال الأجانب ، فذلك هو الأسلم لدينك ، والأطهر لقلبك ، واعلمي أن الزواج بالرجل الصالح منة ونعمة من الله تعالى ، وما كانت النعم لتنال بالمعصية .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام ؟
فأجاب :
( لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول : إنه ليس فيها عشق ولا غرام ) انتهى ، نقلا عن : فتاوى المرأة ، جمع محمد المسند ، ص 96
ولاشك أن التخاطب عبر الشات أبلغ أثرا وأعظم خطرا من المراسلة عن طريق البريد ، وفي كل شر .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
حكم مقدمات الزنى من التقبيل واللمس والخلوة
سؤال:
ما حكم من كان يتمتع في النساء بحيث لا يزني من قبلات وغيره ؟.
الجواب:(10/98)
الحمد لله
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج ، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم ، وزنا العين وهو النظر المحرَّم ، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، والنفس تمنَّى وتشتهي ، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه " . رواه البخاري ( 5889 ) ومسلم ( 2657 ) .
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات ، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا .
قال الله تعالى : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } الإسراء / 32 .
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان ، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة ، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } النور / 30 – 31 .
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات ، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار ، وحفظ الفروج ، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة ، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك ، ولهذا قال سبحانه : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة ، نسأل الله العافية من ذلك .
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس ، وأنه لا يخفى عليه خافية ، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه ، والإعراض عما شرع الله له ، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } غافر / 19 .
" انتهى من التبرج وخطره " .
فعلى المسلم أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن ، وأن يبتعد عما حرَّمه الله عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا .
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا ، فإن الشيطان لن يتركه . وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع ( الزنى ) ، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي .(10/99)
قال ابن القيم :
( وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع : نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ; فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف - , والثاني : كالوطء في نهار رمضان ، والوطء في الإحرام , والثالث : كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية ، والخلوة بها ، ودخول الحمام بغير مئزر ، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك ) " إعلام الموقعين " ( 2 / 77 ) .
وعلى من أبتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، فإن من تاب تاب الله عليه ، والتائب من الذنب من لا ذنب له .
ومن أعظم ما يكفر هذه المعاصي المحافظة على الصلوات الخمس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (1/209)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
كيف ينصح امرأة أجنبية ؟
سؤال:
كانت لي زميلة أيام دراستي بالسنة المتوسطة ، ولكن الحمد لله أنني ألتزمت بقوله صلى الله عليه وسلم الذي نص فيه بتحريم الخلوة بالأجنبية ، وسؤالي هو : أنني أعلم أن لها أخلاقاً حسنة وحميدة ، وأريد نصحها وإرشادها ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوة ، والله سبحانه وتعالى نهى عن النظر الأجنبية ، فكيف أقوم بدعوتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأمر كما ذكرت من تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية وتحريم النظر إليها ، وإذا أردت نصيحتها فبالإمكان تكليمك لها بذلك مع تسترها عنك ، ومن غير خلوة بها ، وبالإمكان أيضاً إهداء الكتاب المفيد والشريط المفيد لها في أحكام دينها ، وكتابة النصيحة لها إلى غير ذلك من الوسائل المفيدة التي لا يترتب عليها فتنة ، وهي تؤدي الغرض المطلوب .
وبالله التوفيق
اللجنة الدائمة 14/70 .
ـــــــــــــــــــــ
الصداقة والعشق بين الرجل والمرأة
سؤال:
أنا شاب عمري خمسة عشر سنة وأعلم بأن اتخاذ عشيقة قد يدمر العائلة ولكن ماذا إذا كنا أصدقاء فقط بالسر ولا يدري بنا أحد ، بهذه الطريقة أضمن أن نبقى سويّاً(10/100)
ولا نقترف جريمة الزنا حتى موعد الزواج . هل هناك حالة كهذه في قصص الحب القديمة ؟ .
الجواب:
أولاً :
ليس اتخاذ العشيقة مدمِّراً للأسرة فحسب ، بل هو مدمِّر للمجتمعات ، وأهله متوعدون بعذاب الله وسخطه وانتقامه ، فالعشق مرضٌ يدمر قلب أهله ، ويقودهم إلى الفحشاء والمنكر ، ولا يزال الشيطان ينصب حبائله ويمهد الطرق حتى تقع الفاحشة فينال كل واحد مبتغاه من صاحبه .
وفي هذا الأمر من المحاذير الشيء الكثير ، فمنه الاعتداء على أعراض الناس ، وخيانة الأمانة ، والخلوة ، والملامسة ، والتقبيل ، والكلام الفاحش ، ثم الفاحشة العظيمة التي تكون في نهاية هذا الطريق وهي فاحشة الزنا .
وقول السائل " ولا يدري بنا أحد " من العجائب ، فهل غفل عن ربه تعالى الذي يعلم السر وأخفى ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ؟ .
فالنصيحة لك أخي السائل وأنت لا زلت في أول شبابك أن تلتفت لنفسك فتربيها على طاعة الله تعالى ومراقبته ، وأن تتقي الله في أعراض الناس ، وأن تعمل ليومٍ تلقى فيه ربَّك بأعمالك ، وأن تتذكر فضيحة الدنيا والآخرة ، وأن تعلم أن عندك أخوات وسيكون عندك زوجة وبنات فهل ترضى لواحدة منهن ما تفعله أنت ببنات المسلمين ؟ الجواب : قطعا أنك لا ترضى ، فكذلك الناس لا يرضون ، واعلم أنك قد ترى نتائج معاصيك هذه في بعض أهلك عقوبة لك من ربك تبارك وتعالى .
عليك بالصحبة الصالحة ، وعليك بإشغال نفسك بما يحب الله ويرضى ، واهتمَّ بمعالي الأمور وعاليها ، ودعك من رذائل الأمور وسوافلها ، ولتستغل شبابك هذا في طاعة الله ، وفي طلب العلم والدعوة إلى الله ، ولتعلم أن من كان في سنك بل وأصغر منه كانوا رجالاً يحفظون القرآن ، ويطلبون العلم ، ويبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم دعاةً إلى الله وإلى الدخول في دين الإسلام .
وننصحك بالزواج من امرأة صالحة متدينة تحفظ لك دينك وتحثك على الالتزام بشرع الله تعالى ، وتحفظ لك أولادك وتربيهم على الخلق والدين ، ودع عنك من رضيت لنفسها أن تخرج مع أجنبي يحرم عليها مقابلته والحديث معه ، ومن رضيت لنفسها هذا فما الذي سيمنعها منه مستقبلاً ؟ .
وتذكر أنك تغضب ربك تعالى بمثل هذه المعاصي من الخلوة واللقاء والحديث والكلام ، وما بعد ذلك من الوقوع فيما هو أعظم .
واعلم أن الزنا ليس فقط في الفرج ، بل العين تزني ، والأذن تزني ، واليد تزني ، والرِّجل تزني ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك تمهيد لزنا الفرْج ، فلا يغرنك الشيطان ، فإنه عدو لك يريد لك الشر والسوء ويأمرك بالفحشاء والمنكر .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين :
التواصل بين المتحابين على غير وجهٍ شرعي هذا هو البلاء ، وهو قطع الأعناق والظهور ، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل ،(10/101)
ويقول إنه يرغب في زواجها ، بل يخبر وليها أنه يريد زواجها ، أو تخبر هي وليها أنها تريد الزواج منه ، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما .
وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل فتنة .
" أسئلة الباب المفتوح " ( السؤال رقم 868 ) .
ثانياً :
أما عن سؤالك عن وجود مثل هذه العلاقات المحرمة في قصص الحب القديمة فإن وجودها عند السابقين لا يمكن أن يستدل بها على حكم شرعي لأن الأحكام الشرعية المتعلقة بالتحريم والإباحة للشيء تؤخذ من الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وما فيها من أمر أو نهي .
وبعض من نقلت عنه هذه القصص كان قبل الإسلام كعنترة وغيره ، ويوجد مثل هذا في كل الثقافات الأخرى كما هو معلوم ، وهذا لا يمكن أن يؤخذ منه حكم شرعي لأن الإسلام جاء لإخراج النفس من شهوتها لعبودية الله رب العالمين .
نسأل الله لك الهداية والتوفيق .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
حكم عمل الخادمات في البيوت وهل هن إماء ؟!
سؤال:
أنا مسلم إندونيسي ، وأريد فتوى في عمل النساء في الشرق الأوسط .
هل النساء اللاتي يعملن في البيوت ويسكنَّ في البيوت يعتبرن من الإماء ؟
من المهم جدّاً أن نعرف عن حالة النساء العاملات لأن هذا الموضوع يستغله بعض الكفار ليشوهوا صورة الإسلام هنا . أرجو أن ترفق فتوى من بعض العلماء أو المنظمات .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء ، بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط ، كالموظف .
وقد تقدم الكلام عن الخادمات وحكم إحضارهن من بلادهن ، والمحاذير التي يقع فيها أهل البيوت التي تعمل فيها الخادمات ، وذلك عند الجواب على السؤال رقم ( 26282 ) .
ثانياً :
ما يقع من ظلم من بعض أصحاب البيوت لهؤلاء الخدم ، أمر لا يقره الإسلام بل ينهى عنه ويحذر منه ، ولا يجوز أن يتخذ من ذلك وسيلة للطعن في الإسلام أو تشويه صورته ، لأن هذه أخطاء من بعض المسلمين وقد حرمها الإسلام نفسه .
روى البخاري (30) ومسلم (1661) عن أَبي ذَرٍّ قَالَ : سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ(10/102)
جَاهِلِيَّةٌ ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ . فإذا كان هذا عدل الإسلام مع العبيد الذين هم ملك للإنسان ، فكيف يكون الحال مع الخدم الذين لا يملكهم ، وإنما استأجرهم للعمل فقط ؟!
ثالثاً :
هؤلاء الخدم من النساء لا يجوز الخلوة بهن ولا النظر إليهن لأنهن أجانب عن الرجال من أهل البيت .
وكذلك الخدم من الرجال أجانب عن أهل البيت فلا يجوز للنساء الكشف عليهم ولا الخلوة بهم .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
ما حكم مقابلة الخدم والسائقين ، وهل يعتبرون في حكم الأجانب ، علما بأن والدتي تطلب مني الخروج أمام الخدم وأن أضع على رأسي إشارب ، فهل يجوز هذا في ديننا الحنيف الذي أمرنا بعدم معصية أوامر الله عز وجل ؟
فأجاب :
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم ، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما " ، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.
" التبرج وخطره " للشيخ ابن باز .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
ترتكب المحرمات مع خطيبها
سؤال:
أنا فتاة مسلمة واصلي وأخاف ربي كثيراً ولكن عندي مشكلة أني أعرف شخص وتقدم لخطبتي وأبي وافق ولكن كل مرة يؤجل الموضوع لأسباب عائلية ونحن لا نستطيع الصبر فكل ما يمر الوقت أجد نفسي متعلقة به كثيراً وهو كان يطلب مني مقابلته كثيرا ، واجتمعنا أكثر من مرة ونتحدث ، ونقبل بعضنا كأننا متزوجان وحتى الملامسة واعرف انه حرام وخطاْ وبعد المقابلة أتشاجر معه واكره نفسي واستغفر ربي واصلي صلاة الاستخارة في هذا الشخص إذا كان صالحاً لي أم لا وكل مرة أقول له خلاص لا نجتمع إلا بالحلال ونعاود نفس الخطأ أريد حلاً ساعدوني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(10/103)
ذكرت من سؤالك أنك محافظة على الصلوات الخمس كما أنك تخافين الله عز وجل كثيراً ، فنرجو أن تكوني على خير ، ونسأل الله عز وجل أن يثبتك على الإيمان والعمل الصالح وأن يبعد عنك الشر والفساد .
ثانياً :
إن الشرع المطهر قد سد جميع الطرق المفضية إلى الوقوع في الفواحش ، قال تعالى : ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) فعبر بالقرب منها المفضي إلى الوقوع فيها ، كما حذرنا الشرع من اختلاط الرجال بالنساء ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ، فقالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) متفق عليه .
والحمو هم أقارب الزوج من الأخ وابن عمه وابن خاله وغيرهم .
كما حذرنا من الخلوة بالأجنبية فقال صلى الله عليه وسلم : ( ما خلا رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان ) أخرجه أحمد ، والترمذي ، والحاكم ، وقال الألباني : صحيح ( صحيح الجامع برقم 2546 ) .
كل هذا من أجل حماية الأعراض من الوقوع في الفاحشة وسد كل الطرق المفضية إلى جريمة الزنا .
ثالثاً :
إن الخاطب أجنبي عن مخطوبته حتى يتم العقد ، فخروجك مع هذا الرجل الأجنبي ومقابلتك له واجتماعك به وما يتبع ذلك من الأمور التي ذكرتها كل ذلك من المحرمات ، فاتقي الله وامتنعي عن مقابلته حتى يتم العقد الشرعي وصارحيه بذلك .
انظري السؤال رقم ( 2572 ) و ( 23432 ) .
رابعاً :
هذا الشخص لو رأى منك الحزم والشدة والاستقامة والصلاح فإنه سيزداد تمسكه بك لأنه رأى منك شخصية قوية لا تستسلمي لعواطفك ، ومن هذا الذي لا يحب أن تكون زوجته قوية الشخصية حريصة على عرضها ، وبالتالي فإن هذا سينعكس في حياته ويغير مسيرة حياته إلى استقامة وصلاح كان سببه أنت .
خامساً :
ثقي بالله عز وجل وأكثري من الدعاء ، لاسيما في أوقات الإجابة ، وتحلي بالصبر وتذكري ما أعد الله عز وجل للصابرين ، قال تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .
سادساً :
نذكرك بقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ... ) الآية . والشيطان يتدرج في دعوته إلى الباطل فقبل أن يوقع المسلم في الزنا يجره إليه عبر الخلوة بالمرأة ، ومحادثتها ومن ثم تقبيلها ثم يكون اللقاء المحرم ، والكبيرة المنكرة الزنا والعياذ بالله .
وكما قال القائل : نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء .(10/104)
سابعاً :
ينبغي لك أن تبعدي الثقة العمياء بكل أحد ، فكم من امرأة وكم من فتاة قالت خطيبي شريف وهو غير ما يتوقعه الناس ، فوقعت فريسة نتيجة سذاجتها ، فلا ينبغي في مثل هذا حسن الظن ، بل احرصي غاية الحرص واحذري غاية الحذر ..
ثامناً :
ينبغي لك أن تتريثي في هذا الزوج وتتحرين عنه كثيراً لأنه سيكون شريك الحياة ، فهل يصلح أن يكون هذا شريكاً لحياتك رغم محاولته وبقائه على المحرم .
تاسعاً :
ابحثي عن العوائق والمشكلات التي قد تعرقل الزواج باللتي هي أحسن مع والدك ، فإن لم يمكن مخاطبته مباشرة فبإمكانك أن تدخلي من يؤثر عليه سواء والدتك أو إخوانك أو أي شخص له عند والدك مكانة ووجاهة ، فيحثه على المبادرة والإسراع في إجراء عقد النكاح ، ويبين له خطورة بقاء المرأة من غير زوج ، لاسيما مع تقدم السن ، فقد لا تكرر الفرصة ويذكره ويخوفه بسوء العاقبة إن هو أهمل أو فرط .
وبعض الأولياء – هداهم الله – يجعلون المشكلات العائلية حتى اليسيرة منها عائقة لمثل هذه الأمور التي يكتوي بنارها آخرون دون مبالاة ولا شعور بالمسؤولية .
وأخيراً :
نسأل الله أن يوفقك لكل ما فيه خير ، كما نسأله جل وعلا أن يصلح خطيبك هذا أو ييسر لك من ترضين دينه وخلقه .. إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل تكشف وجهها أمام زوج أختها ؟
سؤال:
زوج أختي ينام عندنا في البيت أحيانا ويبقى أحيانا طوال النهار ، ولا أستطيع أن أغطي وجهي أمامه ، فهل أنا آثمة بهذا ؟ وما هو الحل ؟.
الجواب:
الحمد لله
زوج الأخت أجنبي عنكِ ، والواجب عليكِ تغطية وجهكِ عنه ، وعدم الخلوة به ، وكذلك هو يحرم عليه أن ينظر إليكِ ويخلو بكِ ، وللأسف يتهاون الناس في بيوتهم مع أقارب الزوج وأقارب الزوجة ، مع أن الشرع شدَّد في جهتهم أكثر من غيرهم لوجود الخلطة في البيوت معهم ، وثقة أهل البيت بهم .
فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت .
رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
والحمو : هو قريب الزوج .(10/105)
وأنت تلاحظ أن الصحابي أراد أن يستثني قريب الزوج من الحكم فجاء التشديد من جهته ، لأن دخوله البيت لا يُستغرب .
قال النووي :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " الحمو الموت " فمعناه : أن الخوف منه أكثر من غيره , والشر يتوقع منه , والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه , بخلاف الأجنبي ، والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه ، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها , ولا يوصفون بالموت , وإنما المراد الأخ , وابن الأخ , والعم , وابنه , ونحوهم ممن ليس بمحرم ، وعادة الناس المساهلة فيه , ويخلو بامرأة أخيه , فهذا هو الموت , وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه ، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ... وقال ابن الأعرابي : هي كلمة تقولها العرب , كما يقال : الأسد الموت , أي لقاؤه مثل الموت ، وقال القاضي : معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين , فجعله كهلاك الموت , فورد الكلام مورد التغليظ .
" شرح مسلم " ( 14 / 154 ) .
فننصح السائلة وغيرها بتقوى الله عز وجل والحرص على الحجاب أما الرجال الأجانب .
وللأهمية تُراجع الأسئلة ( 13728 ) و ( 6408 ) و ( 13261 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل ما فعله للتعرف على صفات مخطوبته صحيح ؟
سؤال:
لي ابنة خالة ، وتبدو أنها ذات دين وخلق ، ولكن لا أعلم كثيراً عن شخصيتها وفلسفتها في الحياة ونسبه التفاهم بيننا ، قد استعملت الإنترنت سبيلا للتعرف عليها مع التشدد في الالتزام بالآداب ، وخاصة أننا من عائلة محافظة ، والحمد لله توصلت إلى قرار الزواج منها إن شاء الله ، ولكن ذلك قد يستغرق سنتين أو أكثر حتى أتمكن من تأهيل نفسي ، فأنا لا أزال طالباً في آخر سنة من الجامعة .
والسؤال هو : هل ما قمت به جائز ، خاصة أنه استغرق حوالي سنة ؛ ولأن عادات الزواج عندنا لا تتيح للشخص التعرف على شخصية الآخر إلا بالخطبة ، ولو أنه بعد الخطبة اتضح أنه لا يمكن الاستمرار قد تولد بعض المشاكل وقطيعة الرحم ؟ وأشعر بضيق مما قمت به وأخشى أنه يعتبر معصية وخيانة ، وهل يجوز أن أتابع مراسلتها إلى أن أتقدم إلى خطبتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا تجوز المراسلة والمحادثة مع المرأة الأجنبية ، وإذا قصد الرجل الخطوبة فعليه أن يسلك الطريق الشرعية إلى ذلك ، وإذا كانت المرأة التي يود الاقتران بها من(10/106)
أقاربه فإن الأمر يكون أسهل بالنسبة له ، فإما أن يكون هو على علم بأحوالها أو يستطيع أن يعرف أحوالها وأخلاقها عن طريق النساء من أهله .
ولا يمكن أن يقف الرجل ولا المرأة على الأخلاق الحقيقية لكل واحد من الطرفين من خلال المراسلة والمحادثة قبل الزواج ؛ إذ لن يظهر من كل منهما إلا عذوبة العبارة وحسن المنطق والمجاملات .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله :
إذا كان الرجل يقوم بعمل المراسلة مع المرأة الأجنبية وأصبحا متحابين هل يعتبر هذا العمل حراماً ؟ .
فأجاب :
لا يجوز هذا العمل ؛ لأنه يثير الشهوة بين الاثنين ، ويدفع الغريزة إلى التماس اللقاء والاتصال ، وكثيرا ما تُحْدِثُ تلك المغازلة والمراسلة فتنًا وتغرس حب الزنى في القلب ، مما يوقع في الفواحش أو يسببها ، فننصح من أراد مصلحة نفسه حمايتها عن المراسلة والمكالمة ونحوها ، حفظا للدين والعرض ، والله الموفق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 578 ، 579 ) .
وقد سبق تحريم المراسلة بين الجنسين في أجوبة الأسئلة : ( 26890 ) و ( 10221 ) فلينظرا .
وقد أبيح للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة دون ما سوى ذلك من الخلوة والمصافحة ، ولك أن تعقد عليها وتؤخر الدخول ، ليكون لقاؤك معها شرعيّاً ، وتستطيع في هذه الفترة تركيز التعرف عليها أكثر وأكثر .
وفي جواب السؤال رقم ( 7492 ) كلام مهم لمثل هذه المسألة فلينظر .
وانظر جواب الأسئلة : ( 7757 ) و ( 2572 ) و ( 20069 ) لتعلم حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
أقام علاقة مع فتاة لمدة عامين فهل له أن يتقدّم لخطبتها ؟
سؤال:
أنا شاب طالت بي الهموم فلم أجد من مأوى خاصة في غياب الذين يدعون الصداقة فلم أجد من مأوى فأويت إلى فتاة احتضنتني بوفائها الدائم الذي لن أنساه ما حييت والآن بعد مضي عامين من خروجي معها لم أفعل خلالها أي مكروه كالزنى عافانا الله منه ومن سيئات أعمالنا فقط أريد التقدم لخطبتها فهل تجوز هذه العلاقة أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذه العلاقة المذكورة في السؤال هي علاقة محرّمة وإثم بين ، إذ لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية ، يتصادقان ويخرجان ويدخلان ، لما في ذلك من الوقوع فيما حرم الله من النظر أو اللمس أو الخلوة أو الخضوع بالقول ، ولا تخلو هذه العلاقات من شيء من ذلك .(10/107)
ومن إغواء الشيطان أنه يُحسِّن للإنسان مثل هذه العلاقات بجعله يشعر أن همومه قد زالت أو خفّت بسبب هذه العلاقة ، وهذا ظاهر من لهجة كلامك " أويت " " احتضنتني " " بوفائها الدائم " " لن أنساه " ، وكذلك من نفيك أيّ مكروه معها ، مع أن ما تم هو نوع من أنواع العلاقات المحرّمة ، ولو فُرِض أنها لم تصل إلى الفاحشة الكبرى .
والواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تعتقد في قرارة نفسك فساد ما كنت عليه وسوءه لمخالفته لشرع الله وأمره ، وتقلع عن هذا المنكر، وتندم على ما اقترفت، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يستأذنه في الزنا : " أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال أفتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم قال أفتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال أفتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال أفتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم " رواه أحمد (22265) وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند.
وأما التقدم لخطبتها ، فلا مانع من ذلك ، وبعد أن تتأكد من استقامتها ومواظبتها على أداء الفرائض ، وبعدها عن المحرمات ، وتوبتها من هذه العلاقة الآثمة .
والله أعلم .
Islam Q&A
ـــــــــــــــــــــ
من خصائصه صلى الله عليه وسلم : جواز الخلوة بالمرأة الأجنبية والنظر إليها
سؤال:
قد سمعت أن هناك رأياً بإجماع الأمة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر محرما لكل نساء المسلمين لما قد أمره الله في الكتاب ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن ) وبهذا قد حرم عليه الله كل النساء فهل أصبح بذلك محرما أي يجوز التكشف أمامه كأحد المحارم بالنسبة للنساء الأوائل من قبل بالطبع أو كان رسول الله بعد هذا الأمر يبيت في بيوت المسلمين لأنه محرم لنسائهم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ذهب كثير من أهل العلم إلى من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز خلوته بنساء أمته ونظره إليهن وإركابهن خلفه على الدابة .
قال الحطاب المالكي : "ومن خصائصه عليه الصلاة والسلام جواز خلوته بالأجنبية كما نقل الدماميني في حاشيته على البخاري في أول كتاب الجهاد في دخوله صلى الله عليه وسلم على أم حرام بنت ملحان وقال الشيخ جلال الدين في المباحات : واختص صلى الله عليه وسلم بإباحة النظر للأجنبيات والخلوة بهن وإردافهن ( أي إركابهن خلفه ) " انتهى من مواهب الجليل 3/402(10/108)
وقال البجيرمي الشافعي في حاشيته على الخطيب : ( أما هو – صلى الله عليه وسلم- فقد اختص بإباحة النظر إلى الأجنبيات والخلوة بهن وإردافهن على الدابة خلفه ; لأنه مأمون لعصمته ; وهذا هو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية , وأما الجواب بأنها كانت محرمة من رضاع فرده الدمياطي بعدم ثبوته ) انتهى من حاشية البجيرمي 3/372
وقال الحافظ ابن حجر في شرح حديث الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قالت : جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ : ( دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ ) رواه البخاري (4750)
قال الحافظ : ( والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها ، وهو الجواب الصحيح عن قصة أم حرام بنت ملحان في دخوله عليها ونومه عندها وتفليتها رأسه ولم يكن بينهما محرمية ولا زوجية ) انتهى من الفتح 9/203.
وقد اختار كثير من العلماء أن أم حرام كانت من محارم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بل حكاه النووي اتفاقاً للعلماء .
وقال في مطالب أولي النهى (5/34) – من كتب الحنابلة- : ( وله أن يردف الأجنبية خلفه لقصة أسماء . وروى أبو داود عن امرأة من غفار : أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبته . وله أن يخلو بها لقصة أم حرام ) اهـ .
وحديث أسماء الذي أشار إليه رواه البخاري (4823) ومسلم (4050) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ : كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ ( والفرسخ ثلاثة أميال ) فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ ( كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه ) لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي .
وأما حديث المرأة التي من غفار فقد رواه أبو داود (313) عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالَتْ : أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ . . . الحديث . ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود .
والرحل ما يركب عليه على البعير ، وحقيبة الرحل زيادة تجعل في مؤخرة الرحل .(10/109)
وليست هذه المسألة من المسائل التي أجمع عليها العلماء ، بل في كلام بعضهم تصريح بخلاف ذلك ، قال العراقي في "طرح التثريب" (5/167) في شأن دخول النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير: ( دخوله عليه الصلاة والسلام على ضباعة عيادة أو زيارة وصلة فإنها قريبته كما تقدم وفيه بيان تواضعه وصلته وتفقده صلى الله عليه وسلم ، وهو محمول على أن الخلوة هناك كانت منتفية فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يخلو بالأجنبيات ولا يصافحهن وإن كان لو فعل ذلك لم يلزم منه مفسدة لعصمته , لكنهم لم يعدوا ذلك من خصائصه فهو في ذلك كغيره في التحريم ) اهـ .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يختلف حكم قيادة السيارة من بلد إلى آخر ؟
سؤال:
مساحة الدول الإسلامية شاسعة ، ونجد أن هناك فرقاً بين دولة وأخرى ، في اللباس والعادات والتقاليد ، فمثلا نجد أنه في بعض الدول تلتزم فيها أخواتنا بالنقاب ، حيث إنهم يتبعون الفتوى القائلة إن النقاب واجب ، ولكن ذلك ليس منتشراً في دول أخرى ، والرأي الذي يأخذونه هناك أن النقاب ليس واجباً بل مستحب ، كذلك قيادة المرأة للسيارة ففي بعض الدول حرَّمها المشايخ لما لها من أضرار لو سمح بها ، بينما في دول أخرى- قيادة المرأة للسيارة أمر عادي جدّاً ، وله عشرات السنين .
فإلى أي مدى تكون هناك مرونة في الأحكام ؟ وهل ما يحدث صحيح أقصد أن الشيء يصبح واجباً في مناطق ومستحبّاً في مناطق أخرى ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأحكام الشرعية نوعان :
الأول : ما دلت الأدلة الصحيحة على حكمه ، بقطع النظر عن العادات المختلفة أو ما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد .
فهذا حكمه ثابت ولا يختلف من مكان إلى آخر ولا من شخص لآخر إلا إذا كان الإنسان مضطراً أو مريضاً أو معذوراً فإنه يسهل له الحكم حسب حاله على ما جاء به الشرع .
ومن هذا النوع : وجوب الصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب العلم ، ..إلخ .
ومنه أيضاً : سترة المرأة المسلمة جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان ، فإن هذا الحكم واجب ولا يختلف من مكان إلى آخر .
وقد سبق في إجابة السؤال : ( 21134 ) و ( 13647 ) بيان الأدلة على هذا .
النوع الثاني : أحكام بنيت على أسباب معيّنة أو كان حكمها التحريم أو الإباحة أو الوجوب ـ مثلاً ـ بناء على ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد ، ولم ترد الأدلة الشرعية بحكم ثابت لها لا يختلف ، وقد يكون من هذا النوع قيادة المرأة للسيارة .(10/110)
وقد أفتى العلماء بتحريمه لما يترتب عليه من مفاسد .
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين ، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات فإنهم أعلم بأحوال بلادهم .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
فقد كثر حديث الناس في صحيفة " الجزيرة " عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) الأحزاب/33 الآية ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) الأحزاب/59 ، وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " ، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات ؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة .
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ، وقال سبحانه : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) البقرة/168 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟(10/111)
قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 351 – 353 ) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة ، وما رأيكم بالقول:
( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ )
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين :
القاعدة الأولى : أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم . والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام/108 ، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى .
القاعدة الثانية : أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح . والدليل قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/219 ، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما .
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة . فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها :
1- نزع الحجاب : لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها ، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة ، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه ، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد ، فيقال جميلة اليدين ، أو جميلة الشعر ، أو جميلة القدمين . وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين .
وقد يقول قائل : إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب ، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين .
والجواب على ذلك أن يقال : هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة ، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى ، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا ، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في(10/112)
البلاد الأخرى ، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة .
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : نزع الحياء منها ، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال ( أحيا من العذراء في خدرها ) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .
3- ومن المفاسد : أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده ، لأنها وحدها في سيارتها ، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل . وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب ، فما بالك بالشابات ؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله ، وربما خارجه أيضاً .
5- ومن المفاسد : أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها ، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه ، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة .
6- ومن مفاسدها : أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة : في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق ، فتحتاج المرأة إلى إسعافها ، فماذا تكون حالتها حينئذ ؟ ربما تصادف رجلا سافلا يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها ، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : كثرة ازدحام الشوارع ، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر .
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة ، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره ، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء ، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد ، وإن كان أسوأ مما عندها . ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة . وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها ، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد .
أما قول السائل : وما رأيكم بالقول : ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟ ).
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر ، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما .(10/113)
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة ، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها .
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه ، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، ويستظلون برايتنا . قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة .
ا.هـ كلام الشيخ ابن عثيمين
( وأما في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة فعلى المرأة المسلمة تجنّب ذلك ما أمكنها للأسباب السابق ذكرها .
وأما في حالات الضرورة كإسعاف مصاب أو فرار من مجرم فإنه لا حرج على المرأة المسلمة أن تستخدم السيارة في مثل هذه الحالات إذا لم تجد رجلاً تستنجد به .
وتبقى حالات أخرى مثل النساء اللاتي لا بد لهن من الخروج إلى العمل فليس لها زوج أو أب أو وليّ يكفيها ولا من المرتبات الحكومية ما يقوم بحاجتها ، ولم تجد عملاً يكفيها تقوم به في منزلها كبعض وظائف الإنترنت ، واضطرت إلى الخروج فإنها تستخدم أقل وسائل المواصلات خطراً عليها .
وقد تكون هناك مواصلات عامة خاصة بالنساء أو سائق يُستأجر لعدة نساء يوصلهن إلى العمل أو الجامعة ، وقد تكون سيارات الأجرة الخاصة ـ لمن قدرت عليها ماليا ـ أرحم لها من الحافلات العامة التي قد تتعرض فيها للإهانة والاعتداء فتستعمل سيارات الأجرة دون خلوة مع السائق .
وإذا اضطرت في النهاية إلى قيادة السيارة في حالات الحاجة الشديدة الماسة التي لا غنى عنها فإنها تسوقها بجلبابها الشرعي الكامل مع تقوى الله .
وقد تقدم ذكر حال الاضطرار
وتستعين بفتوى علماء بلدها الثقات ـ من غير المتساهلين ـ الذين يفقهون الشريعة ويعرفون وضع البلد .
وقد قال الله تعالى : ( فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/6
نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل زوجة الابن من الرضاع من المحارم
سؤال:
لي ابن من الرضاعة أرضعته زوجتي ، فهل أكون محرماً لزوجته ؟.
الجواب:
الحمد لله(10/114)
زوجة الابن من الصلب محرم لأبيه ، لقول الله تعالى في جملة المحرمات : ( وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) النساء/23 ، فإذا كان الإنسان له ابن متزوج من امرأة ، صار أبوه محرما لها له السفر بها والخلوة والنظر إلى وجهها ونحوه . أما ابنه من الرضاع فأكثر العلماء على أنه كابنه من الصلب ، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية أبى ذلك وقال : إن الرضاع لا يؤثر في المصاهرة ، وأن زوجة ابنه من الرضاع أجنبية منه ، لا تكشف له ، ولا يخلو بها ، ولا يسافر بها ، لأنها أجنبية منه ، والله عز وجل يقول : ( وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) النساء/23 ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) . وزوجة الابن ليست حراما على أبيه من النسب ولكنها حرام عليه من المصاهرة ، فليس بين أبيه وبينها نسب بل هي حرام عليه بالمصاهرة . وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الذي أراه صحيحا .
فضيلةالشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (لقاءات الباب المفتوح 529).
ـــــــــــــــــــــ
هل أخت الزوجة تعتبر من المحارم؟
سؤال:
هل أخت الزوجة تعتبر من المحارم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أخت الزوجة تعدُّ أجنبيّة عن زوج أختها ، فلا يحل له النظر إليها ، ولا الخلوة بها ، ولا مصافحتها .
ويظن بعض الناس بسبب تحريمها على الزوج أنه يجوز أن ينظر إليها ويخلو بها ويصافحها ، وهذا خطأ ، فالتحريم هنا معناه أنه لا يجوز له أن يجمع بينها وبين أختها ، وهي في ذلك مثل عمة الزوجة وخالتها ، فقد جاء النهي في القرآن عن الجمع بين المرأة وأختها ، فقد ذكر الله تعالى في المحرمات من النساء ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ ) النساء/23 ، وجاء في السنة الصحيحة النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، رواه البخاري (4821) ومسلم (1408) .
إذاً فالمحرَّم هو الجمع بين الأختين وليست أخت الزوجة محرماً على زوج أختها تحريماً مؤبداً .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة تسكن مع أختها المتزوجة ولا تحتجب من زوج أختها ، وتقول : إنه بالنسبة لها محرم مؤقت ، فما هو جوابكم على هذا ؟
فأجاب :
هذه المرأة عندها شبهة وهي : أنه لا يجوز لزوج أختها أن يتزوجها ما دامت أختها معه ، فهي محرمة عليه تحريماً إلى أمد لا تحريماً مؤبداً ، ولكن فهمها خطأ فإن المحرمات إلى أمد لسن محارم .
المحارم هن : المحرمات إلى الأبد بنسب أو سبب مباح ، والنسب هو القرابة ، والسبب المباح : أي الصهر والرضاع ، وهذه المحرمات ، قال تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً(10/115)
*حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء/22-23 ، ولم يقل عز وجل ( وأخوات نسائكم ) فالمحرم هو الجمع بين الأختين .
وبناء على هذا فنقول للأخت السائلة التي تقول إن أختها تتكلم وتتحدث مع زوج أختها ولا تحتجب منه ، وتقول إن بينها وبينه تحريماً مؤقتاً ، نقول لها : إن هذا قول خطأ وليس بصواب ، وهذا التحريم ليس تحريماً مؤقتاً ، لأن المحرم هو االجمع بين الأختين ، كما قال تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) وليس أخت الزوجة كما فهمت السائلة . فتاوى ابن عثيمين (2/877).
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز لأخي الزوج أن يذهب بزوجة أخيه إلى الدكتور؟
سؤال:
هل يجوز لأخي الزوج أن يذهب بزوجة أخيه للدكتور ، إذا كان أخوه غير موجود ، أو اعتذر وهو موجود ، والمستشفى داخل البلد ؟.
الجواب:
الحمد لله
" لا يجوز للزوجة أن تركب في السيارة وحدها مع أخي زوجها ، لأن ذلك من الخلوة التي حذر منها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال : ( إياكم والدخول على النساء . قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ومسلم .
ماذا تفهمون يا عباد الله من هذه الكلمات التحذير أو الإباحة ؟ لا شك أن المفهوم التحذير لا الإباحة ، فلا يجوز للرجل أن يخلو بزوجة أخيه ، لا في السيارة ولا في البيت ، وأنكر من ذلك ما يفعله بعض الناس يأتيه الضيف وهو في عمله ، وليس في البيت إلا زوجته ، ثم تفتح له الباب فيدخل ينتظر صاحب البيت ، والمهم أنه لا يجوز لأي امرأة أن تخلو مع أحد من الرجال (الأجانب عنها) ، ولو كان من أقارب زوجها ، أو من أقاربها ، أو من جيرانها، إلا أن يكون معها محرم ، سواء في البلد أو في السفر ، مع أن السفر يحرم أن تسافر ولو بدون خلوة إذا لم يكن معها محرم ، لما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ) .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين "مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة" ص(46-47).
ـــــــــــــــــــــ
قام بعملية تغيير الجنس من رجل إلى امرأة فهل له الخلوة بالنساء
سؤال:(10/116)
رجل في بلاد غير إسلامية...يعاني نفسيا من اعتقاده بأنه امرأة .... لكنه (في محاولة لعلاج نفسه) تزوج وأنجب ابناً ، لكن لم تحل المشكلة ، في الأخير قام بعمليه إزالة الأعضاء الذكرية ، وعاش بعدها كامرأة وبعد ذلك بعشر سنوات ...أسلم بعد أن تعرف عبر الانترنت بإنسانة مسلمة...والتي كلمته على أساس أنه امرأة وليس رجلا وعندما عرفت بأنها كانت يوما ما رجلا ...ارتبكت ، وهي الآن لا تعرف هل تتعامل معها كامرأة (بكل المعاني ) أم ماذا ؟
وهل إذا رغب هذا (الرجل المرأة) أن يأتي لزيارتها في بلد الحرمين....أن تقبل استضافته على أساس أنه رجل أم امرأة....أم لا تقبل استضافته ؟
مع العلم (أنه / أنها) تحتاج إلى من يقف ( معه / معها ) في الإسلام....( لأنه / لأنها) مازال من المؤلفة قلوبهم ، ولم يثبت الإسلام ثباتا قويا في قلبه....ونخاف من أن يتسبب عدم قبول الضيافة في بيتها ....صدا..أو حتى ارتدادا عن الدين ، ولا احد يريد تحمل مثل هذه المسؤولية.
الجواب:
الحمد لله
هؤلاء الذين يشعرون بكراهية الجنس الذي خلقوا عليه ، ويتمنون أن يكونوا من الجنس الآخر ، هم في الحقيقة مرضى نفسيون ، دفعهم سوء التربية أحيانا ، وطبيعة المجتمع الذي نشؤوا فيه أحيانا أخرى ، إلى كراهية ما هم عليه ، فاعترضوا كما يقول الدكتور بعض الباحثين على مشيئة الله تعالى ، ورغبوا في تحويل جنسهم إلى جنس آخر .
وعملية تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى لها أسباب ، وما ذكر في السؤال هو عبارة عن رغبة داخلية فقط ، مع أن الأعضاء الذكرية كاملة ، وليس هناك حالة ما يسمى عند الفقهاء ( الخنثى ) ، بل هو ذكر طبيعي ، له كل المواصفات الذكرية ، لكنه يرغب في التحول إلى أنثى ، فتجرى له عملية لاستئصال الذكر ، والخصيتين ، ثم يقوم الأطباء ببناء مهبل ، وتكبير الثديين ، والحقن بهرمونات لفترات طويلة حتى ينعم الصوت ، وتتغير طبيعة توزيع اللحم ، ويظهر الشخص بمظهر الأنثى ، لكنه في حقيقته ذكر .
وهذه العملية محرمة شرعا عند جميع من يعتد بقولهم من العلماء المعاصرين ، وإن لم يكن للسابقين فيها كلام ، فذلك لأنها لم تكن معروفة أو ممكنة في زمانهم ، ويدل على تحريمها عدة أدلة ، منها :
أولا :
قول الله تعالى : ( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ) النساء/117–121 ، ولا شك أن إجراء مثل تلك العمليات هو نوع من العبث ، وتغييرٌ لخلق الله تعالى .
ثانيا :(10/117)
ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسم - المشتبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال ) رواه البخاري (5546)
قال ابن حجر : وتشبه النساء بالرجال ، والرجال بالنساء من قاصد مختار ، حرام اتفاقاً .
وقال أيضاً : " أما ذم الكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك ... فتركه ، بغير عذر ، لحقه اللوم " .
ثالثا :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول المخنث على النساء ، إذا فطن إلى المرأة ومحاسنها ، بل أمر بإخراجه من البيوت ، إلى حيث يُتَّقى شره . ففي حديث .. " تقبل بأربع وتدبر بثمان .. رواه البخاري ومسلم
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث ترجمتين : 1- في باب ما يُنهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة " 2- وباب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت "
قال ابن حجر : ويُستفاد منه – حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقاً لردعه ، وظاهر الأمر وجوب ذلك " اهـ.
وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة (4928) بسند في ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمخنّث قد خضب يديه .. وليس بالبقيع ؟؟؟؟)
رابعاً :
أنه قد ثبت بشهادة المختصين من الأطباء أن هذا النوع من الجراحة لا تتوفر فيه أي دواع أو دوافع معتبرة من الناحية الطبية ، وأنه لا يعدو كونه رغبة للشخص .
إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على التحريم ، وللمزيد راجع أحكام الجراحة الطبية ص 199
ويقول الدكتور محمد علي البار : " ورغم أن الشكل الخارجي لمثل هذا الشخص قد يخدع الإنسان فيظنه بالفعل أنثى ، إلا أن التركيب البيولوجي لا يزال ذكراً ، وإن كان ممسوخا تماما ، وبالتالي لا يوجد مبيض ولا رحم ولا يمكن أن تحيض ( أو يحيض ) مثل هذا الشخص ، كما أنه لا يمكن أن يحمل قطعا . "
وبناءً على ما سبق فلا يجوز بأي حال أن تخلو به امرأة لوحدها ، أو تتكشف له وترفع حجابها عنده ، لأنه ذكر في الحقيقة ، وإن كانت ميوله الآن نحو الأناث ، لكثرة الهرمونات الأنثوية التي يحملها ، ولا شك أن هؤلاء وأمثالهم شر من المخنثين الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم من دخولهم على النساء ، وأمر بنفيهم وإخراجهم من البيوت .
لذا فالتقاء أكثر من شخص به يمكن أن يكون مناسبا ، كما أنه من المناسب عرضه على طبيب نفسي ثقة ، يعالجه مما ألم به ، نسأل الله أن يهديه ويصلح حاله .
ويمكن تدارك الحالة الواقعة بأن تكلموا أحد الثقات من المشايخ أو طلبة العلم ليستقبل ذلك الشخص ، ويعرفه أمر دينه وأحكامه ، ويقوي صلته بالإسلام ، ويثبته عليه ، وذلك عن طريق حضور أكثر من شخص ،(10/118)
واعلمي أنه بعد القيام بما نستطيعه تجاه ذلك الشخص ، فإن الهداية بيد الله عز وجل ، يهدي بها من يشاء من عباده .
والله أعلم .
راجع السؤال رقم ( 21277 ) و ( 6285 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
حديث الطالبة مع مدرسها في الجامعة
سؤال:
يقوم بتدريسنا في الجامعة شاب ، فهل يجوز لنا سؤاله والحديث معه في نطاق الدراسة ؟.
الجواب:
الحمد لله
سبق في السؤال رقم ( 1200 ) بيان حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء ، وبيان ما فيه من مفاسد دينية ودنيوية .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن الواجب عليك أيتها الأخت الفاضلة ألا تمكثي في مكان فيه اختلاط بين الرجال والنساء إلا لضرورة ، فإن كانت الجامعة للبنات ، وكان المدرسون من الرجال ، فالخطر أقل ، لكن لا يزال الأمر بأهل الأهواء والشهوات حتى يزيلوا كل حاجز بين الجنسين ، فنوصيك بتقوى الله عز وجل ، ومراقبه في السر والعلن .
يراجع السؤال ( 8827 )
أما حديث المرأة مع الرجل لأجل الحاجة فلا حرج فيه ، بشرط ألا يكون ذلك في خلوة ، ولو كانت هذه الخلوة في مكتب أو قاعة للدراسة لا يوجد غيركما ، مع التزام الحشمة والوقار ، والحجاب الشرعي ، ومراعاة التحدث بما فيه الحاجة دون زيادة أو خضوع بالقول ، مع أمن الفتنة ، فإن كانت المرأة تحس بشهوة أو تتحدث مع الرجل لمجرد الاستئناس ، أو كان الرجل كذلك ، كان الحديث بينهما محرما ، لما يفضي إليه من الفتنة والمعصية .
والله أعلم .
يراجع السؤال ( 1121 ، 10156 ) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
اجتماع العائلة في مواسم المولد وعاشوراء
سؤال:
هل يجوز اجتماع العائلة - الإخوة وأبناء العم - والأكل معاً في المواسم والأعياد (أقصد بالمواسم مثل المولد وعاشوراء وغيرها، وما الحكم فيمن يفعل ذلك ، أيضا بعد حفظه للقرآن (ختمه) ؟.
الجواب:
الحمد لله(10/119)
لا شك أن التزاور ، واجتماع الأخوة وأبناء العم وذوي القربى ، في الأعياد الشرعية ( الفطر ، الأضحى ) ، والمناسبات السارة ، لا شك أن ذلك من دواعي السرور ، وأسباب زيادة المحبة ، وتقوية الصلة بين الأرحام غير ما يحدث في كثير من هذه الاجتماعات العائلية ، من اختلاط الرجال بالنساء ، ولو كانوا من أبناء القرابة والعمومة ونحوهم ، من العادات السيئة المخالفة لما جاء في الكتاب والسنة من الأمر بغض البصر ، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة ، ومصافحة المرأة الأجنبية ، وسائر الأسباب المفضية إلى الفتنة . وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطر التساهل مع الأقارب ، وذلك في قوله : ( إياكم والدخول على النساء ) فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله فرأيت الحمو؟ قال : ( الحمو الموت ) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ، ابن العم ونحوه . رواه مسلم أيضا . ( يمكن مراجعة السؤال 1200 حول موضوع الاختلاط ) .
وأما الاحتفال بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عاشوراء ، أو غيرها من الأيام ، وجعله موسماً وعيداً للناس ، فقد سبق أن بينما أن العيد في الإسلام يومان فقط هما يوم الفطر ويوم الأضحى ، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم . راجع الأسئلة ( 5219 ) و( 10070 ) و( 13810 ) ولمعرفة حكم الاحتفال بعاشوراء راجع السؤال ( 4033 ) .
وأما إظهار الفرح والسرور ، واجتماع الأهل احتفاء بمن أتم حفظ القرآن ، فلا يظهر فيه شيء إن شاء الله ، وليس ذلك من الأعياد والاحتفالات المحدثة ، إلا أن يجعلوا هذا اليوم عيداً ، يحتفلون به كل عام ، أو نحو ذلك .
ويترجح ذلك العمل إذا كان الذي أتم به حفظ القرآن صغير السن ، يحتاج إلى تشجيعه وتقوية عزمه على ضبطه والعناية به ، وعدم إهماله ونسيانه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
لا يوجد من يحلق لها العانة وهي في الثمانين فهل تحلقها لها الخادمة؟
سؤال:
امرأة كبيرة في السن فوق الثمانين ضعيفة الجسم والبصر تعيش مع العاملة ومتوفى زوجها فهل يجوز أن تحلق لها العاملة شعر العانة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز للعاملة أن تحلق لها شعر العانة ، للحاجة إلى ذلك ، وقد نص على ذلك الفقهاء رحمهم الله .
قال المرداوي رحمه الله في الإنصاف (8/22) :
"من ابتلي بخدمة مريض أو مريضة في وضوء أو استنجاء أو غيرهما فحكمه حكم الطبيب في النظر والمس . نص عليه [ يعني : الإمام أحمد رحمه الله ] . كذا لو(10/120)
حلق عانةَ مَنْ لا يحسن حلق عانته . نص عليه . وقاله أبو الوفاء , وأبو يعلى الصغير " انتهى .
وقال في كشاف القناع (5/13) :
" وللطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى فرجها وباطنه ، لأنه موضع حاجة . . . . وليكن ذلك مع حضور محرم أو زوج ، لأنه لا يأمن مع الخلوة مواقعة المحظور ؛ ويستر منها ما عدا موضع الحاجة ، لأنها على الأصل في التحريم .
ومثله - أي : الطبيب - مَنْ يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما ، وكتخليصها من غرق وحرق ونحوهما ، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته " . انتهى باختصار .
ومداواة الطبيب الرجل للأنثى ، مقيد بضوابط ، منها : عدم وجود طبيبة ولو كافرة .
وينظر جواب السؤال (5693) .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
خال المرأة محرم لها يجوز له أن ينفرد بها
سؤال:
ما حكم زيارة خال الزوجة على الزوجة وهي تكون وحيدة في فترة عمل الزوج ؟ حيث تكرر الموضوع أكثر من مرة .
الجواب:
الحمد لله
الخال محرم لجميع بنات أخواته وبناتهن ، لقوله تعالى في بيان المحرمات في سورة النساء : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ ) النساء/23 .
فلا حرج في زيارته لبنت أخته وخلوته بها ، وسفره معها ، ما لم تكن هناك ريبة ، كما لو كان فاسقاً غيرَ مأمونٍ على بنت أخته ، فإن وجدت ريبة ، مُنع من الخلوة بها وزيارتها في غياب زوجها .
وراجع للفائدة السؤال رقم (21953) .
وقد ذهب بعض السلف – كعكرمة والشعبي - إلى أن الخال والعم وإن كان يحرم عليه أن يتزوج بابنة أخته ، وابنة أخيه إلا أنه لا يجوز لها أن تبدي زينتها أمامه ، ويلزمها الحجاب معه ، واستدلوا على ذلك بدليلين :
1- أن الخال والعم لم يُذكرا في آية سورة الأحزاب التي تبيح للمرأة أن تبدي زينتها أمام المحارم ، قال الله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) الأحزاب/55 . فلم يذكر الله تعالى العم والخال .
2- قالوا : ولأن الخال والعم قد يصفان المرأة لأبنائهم .(10/121)
وذهب عامة أهل العلم إلى أن الخال والعم من المحارم الذين يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمامهم ، وأجابوا عن عدم ذكر الخال والعم في الآية :
1- بأنهما لم يُذكرا لأنهما بمنزلة الوالدين ، ولذلك سمى الله تعالى العم أباً في قوله : ( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة/13 . وإسماعيل عم ليعقوب ، عليهما الصلاة والسلام .
2- أو لم يُذكرا اكتفاء بذكر ابن الأخ وابن الأخت ، فالعم والخال أولى منهما بهذا الحكم .
قال السعدي رحمه الله (ص 788) :
" ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ ) أي في عدم الاحتجاب عنهم ، ولم يذكر فيها الأعمام والأخوال لأنهن إذا لم يحتجبن عَمَّن هُنَّ عماته وخالاته من أبناء الإخوة والأخوات مع رفعتهن عليهم ، فعدم احتجابهم عن عمهن وخالهن من باب أولى " انتهى .
وأما ما ذكروه من التعليل وهو قولهم : ( لأن الخال والعم قد يصفان المرأة لأبنائهم ) فأجاب الجمهور عن هذا التعليل بأنه ضعيف ، لأنه لو قيل بهذا ، لكان لازم ذلك أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي زينتها أمام أي امرأة لأنها قد تصفها لأبنائها !
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه الجمهور من جواز إظهار المرأة زينتها لعمها وخالها ، وجواز دخولهما عليها والخلوة بها ، ما رواه البخاري (4796) ومسلم (1445) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَقُلْتُ : لا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِي ؟ عَمُّكِ ! قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ ! فَقَالَ : ائْذَنِي لَهُ ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ.
فإذا كان العم من الرضاعة يجوز له الدخول على المرأة والخلوة بها ، فالعم من النسب أولى ، والخال مثله .
انظر : تفسير القاسمي (13/298)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز لزوج أختها المبيت عندهم في المنزل
سؤال:
أختي وزوجها يبيتون عندنا وأنا لا زلت آنسة ، وأكبر منها ، والشقة: 2غرفة للنوم ، وصالون .
هل المبيت عندنا حرام شرعا ؟ حيث إنني لم أتزوج بعد ، ووجوده يدفعه لاستخدام كل مكان بالمنزل ، وهل قضاء بعض الاحتياجات خارج المنزل معه حرام ؟.
الجواب:(10/122)
الحمد لله
زوج أختك يعتبر أجنبيا عنك ، فلا يجوز الخلوة بينكما ، ولا المجالسة من غير محرم ، ولا الخروج معه خارج المنزل ، ولا كشف الوجه له ، فحاله كحال أي رجل أجنبي .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة ، ويعتبر أجنبيا عنها ، لا يحل لها أن تكشف وجهها له ، ولا تصافحه ، ولا تخلو به ، ولا أن تسافر معه ، شأنه شأن الرجال الأجانب ، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى .
كما جاء في فتاوى اللجنة (17/160) السؤال التالي :
أنا وابنة أخي متزوجتان أخوين ، وأنا ابنة عمه ، ونعيش في بيت واحد منذ قديم الزمان ، وأجلس مع شقيق زوجي متحجبة حجابا غير كامل ، حيث إن وجهي مكشوف ، ولكني غير متبرجة ، فما حكم هذا العمل ؟
فأجابت :
" يجب على المرأة أن تغطي وجهها عن زوج ابنة عمها ، وزوج أختها ، وزوج ابنة أخيها ؛ لأنهم أجانب منها ، فلا يجوز لها كشف وجهها عندهم كغيرهم من الرجال غير المحارم ؛ لأن الوجه من أعظم العورة التي يجب سترها عن الرجال ؛ لأنه محل الفتنة والنظر " انتهى .
ومجرد مبيته عندكم ليس محرماً في حد ذاته ، إذا حصل التحفظ التام ، وأُمِن الوقوع فيما حرم الله .
ولكن . . لما كان حال البيت الذي تسكنون فيه ما ذكرت من الضيق ، فعلى أختك وزوجها البحث عن مسكن آخر لهم والانتقال إليه – إن كانوا ساكنين معكم على الدوام - ، أو تخفيف مدة الزيارة لكم – إن كان سكنهم معكم مدة الزيارة فقط - ، وأثناء ذلك كله لا تفرطي في احتجابك عنه ، ولو شق ذلك عليك ، فهذا أمر الله سبحانه وتعالى ، وهو أعلم بما يصلح أحوال عباده .
وانظري سؤال رقم (6408) (13261) (13728) (40618)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
نصحتْه فجاء ليشكرها فوقعا في الزنا !
سؤال:
أنا فتاة من عائلة معروفه جدّاً ، طوال عمري ملتزمة وخلوقة بشهادة الجميع ، ولكن لا أعرف ما السبب الذي دفعني للتعرف على شاب وكنت أريد مساعدته لأنه متعرض لصدمة من وفاة والده وهو المسؤول عن إخوته وأمه وذهب في طريق رفقاء السوء ، نصحته وأحسست أنه من واجبي الوقوف بجانبه ونصحه ، مع الأيام عاد لدراسته وترك رفقاء السوء وتغير كليّاً ، سألتْه أمه عن السبب فحدَّثها عني ، فكلمتني وشكرتني على صبري مع ولدها ، أتى ذات يوم زيارة ليراني ، لا أعرف(10/123)
لماذا لم أتردد ، وذهبت لأراه ، وأحسست كأنه أخي ، وأخذنا الوقت وحدث ما حدث ، للأسف ، يريد الآن التقدم لخطبتي ، ولكن مستحيل ، فهو يصغرني بـ 3 سنوات ، وهو من غير جنسيتي ، وأنا الآن حامل أريد الستر والتوبة .
أعلم أني أخطأت ، وسوف تلومونني بشدة ، ولكن أريد التوبة ، وأريد الحل .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لعلك رسالتك تكون عظة وعبرة للذين يزعمون " براءة " العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه ، ولمن يزعم " شرعية " هذه العلاقات إذا كانت في النصح والتوجيه ، ولمن يريد " تمييع " الدين فيفتح المجال للعلاقات بين الرجال والنساء بحجة تقدم العصر ، وعدم وجود ما يمنع ، وبقدرة المرأة على الحفاظ على نفسها . . . إلى آخر هذه المبررات الساقطة !!
وعظة وعبرة لكل من غفل عن شرع الله تعالى فتهاون في تحذير ربنا تبارك وتعالى من اتباع خطوات الشيطان ، فراح يتساهل في الأمور حتى يقع على أم رأسه ، وها أنتِ قد تهاونتِ مع هذا الشاب فتجرأتِ على الحديث معه ونصحه ، ثم رضيتِ أن تستقبليه في بيتك ، ثم رضيتِ الخلوة معه ، ثم زيَّن لكِ الشيطان أنه بمثابة أخيك ، ثم ماذا ؟ ثم وقع الزنى في المجلس نفسه وفي بيتك وممن أوهمك الشيطان أنه مثل أخيك ! فأين هي الخطوة الأولى للشيطان ؟ إنها الحديث مع هذا الرجل الأجنبي ، ثم تتابعت خطوات الشيطان حتى أوقعك فيما وقعت فيه من أقبح المعاصي ، ومن هنا نعلم الحكمة في قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء/32 ، فهو تعالى لم ينه عن الزنا فحسب ، بل نهى عن قربانه ، والمقصود به النهي عن تعاطي أسبابه المؤدية إليه ، ونسأل الله تعالى أن يستر عليك ، وأن يغفر لك ، وأن يعينك على تحقيق التوبة الصادقة .
ثانياً :
لا شك أن ذنب الزنا ذنب عظيم ، وهو من كبائر الذنوب ، ولذا جاء فيه من العقوبة ما يدل على عظَمه وقبحه في الشرع والعقل والفطرة .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وخصَّ سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص :
أحدها : القتل فيه بأشنع القتلات ، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد ، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة .
الثاني : أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه ؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم ، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة ؛ فهو أرحم منكم بهم ، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة ؛ فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره ... .
الثالث : أنه سبحانه أمر أن يكون حدُّهما بمشهد من المؤمنين ، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد ، وذلك أبلغ في مصلحة الحد ، وحكمة الزجر " انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 144 ، 115 ) .(10/124)
ثالثاً :
ومع عظَم هذا الذنب ، وقبح هذه المعصية إلا أن الله تعالى فتح باب التوبة لأصحابها ، ووعدهم إن هم صدقوا في توبتهم أن يبدل سيئاتهم حسنات .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ماذا يجب على من وقع في جريمة الزنا للخلاص من آثار فعلته تلك ؟
فأجاب :
" الزنا من أعظم الحرام وأكبر الكبائر ، وقد توعد الله المشركين والقتلة بغير حق والزناة بمضاعفة العذاب يوم القيامة ، والخلود فيه صاغرين مهانين ، لعظم جريمتهم وقبح فعلهم ، كما قال الله سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا ) الفرقان/68، 69 ، فعلى من وقع في شيء من ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى التوبة النصوح ، واتباع ذلك بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، وتكون التوبة نصوحا إذا ما أقلع التائب عن الذنب ، وندم على ما مضى من ذلك ، وعزم عزما صادقا على أن لا يعود في ذلك ، خوفا من الله سبحانه ، وتعظيما له ، ورجاء ثوابه ، وحذر عقابه ، قال الله تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 ، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحذر هذه الفاحشة العظيمة ووسائلها غاية الحذر ، وأن يبادر بالتوبة الصادقة مما سلف من ذلك ، والله يتوب على التائبين الصادقين ويغفر لهم .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 9 / 442 ) .
رابعاً :
ولا يجوز للزانييْن أن يتزوجا إلا بعد التوبة الصادقة ؛ لأن الله تعالى حرَّم ذلك على المؤمنين فقال : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .
وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم ( 14381 ) و ( 22448 ) و ( 11195 ) فلتنظر .
خامساً :
وإذا كان الجنين قد تمَّ نفخ الروح فيه فإن إسقاطه جريمة أخرى غير جريمة الزنا ، وقد سبق بيان حكم هذه المسألة في جواب السؤال رقم ( 13317 ) و (11195 ) و ( 40269 ) فلتنظر .
سادساً :
والحل لمشكلتك أن تطلعي عقلاء أهلك على موضوعك ، ولا بدَّ للمرء الذي يخالف شرع الله تعالى أن يتحمل تبعات معصيته في كثير من الأحيان ، ولا بدَّ للأهل أن يقفوا مع ابنتهم الآن قبل غدٍ ، فهي وإن أسقطت جنينها إن كان قبل نفخ الروح فيه : فهي لم تعد بكراً ، وهذه – أيضاً – لها تبعات عند الزواج ، فهم في كل الأحوال لا بدَّ لهم من أن يحلوا مشكلة ابنتهم ، وهي قد تابت وأنابت و" التائب من الذنب كمن لا ذنب له " – رواه ابن ماجه ( 4250 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب(10/125)
" ( 3145 ) – وهي إن لم يكن لها ذنب من حيث الإثم بعد توبتها ، لكن لذنبها آثار عظيمة ينبغي حلها قبل استفحال الأمر وانتشاره بما يؤذي الأسرة كلها ، وليس الحل في تزويجها لذلك الزاني قبل التوبة ؛ لأن زواج الزاني محرم – كما سبق - ، فإن تابا فلا حرج عليهما إن شاء الله تعالى في زوجهما .
كما لا يجوز لها التزوج من غيره إلا بعد استبراء رحمها ، واستبراؤها يكون بوضع الحمل ، والدليل على هذا : ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة ) رواه أبو داود ( 2157 ) ، وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " ( 1 / 171 ، 172 ) : إسناده حسن .
ولمعرفة عظيم فضل الله تعالى في توبته على عباده ، وأنه تعالى يقبل التوبة من التائبين مهما بلغت ذنوبهم عظمة وكثرة : نرجو الإطلاع على أجوبة الأسئلة التالية : ( 624 ) و ( 13990 ) و ( 47834 ) و ( 23485 ) و ( 20983 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز له السكن مع عمه وعنده بنات بالغات ؟
سؤال:
هل يجوز له السكن مع عمه وعنده بنات بالغات ؟
الجواب:
الحمد لله
الذي ننصحك به هو عدم السكن مع عمك وأسرته ؛ لأنك لست محرماً لزوجة عمك ولا لبناته ، وهذا ما سيسبب لك ولهن حرجاً شرعيّاً في السكن معهن .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدخول على النساء ، ولمَّا سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أقارب الزوج شدَّد في أمره أكثر من غيره ؛ فاسمع للحديث ، وانظر كلام أهل العلم عليه .
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
قال النووي رحمه الله :
" اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه , وأخيه , وابن أخيه , وابن عمه , ونحوهم ... .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( الحمو الموت ) فمعناه : أن الخوف منه أكثر من غيره , والشر يتوقع منه , والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه , بخلاف الأجنبي .
والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه ، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها , ولا يوصفون بالموت , وإنما المراد الأخ , وابن الأخ , والعم , وابنه , ونحوهم ممن ليس بمحرم ، وعادة الناس المساهلة فيه ,(10/126)
ويخلو بامرأة أخيه , فهذا هو الموت , وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه ، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ... .
وقال ابن الأعرابي : هي كلمة تقولها العرب , كما يقال : الأسد الموت , أي لقاؤه مثل الموت ، وقال القاضي : معناه الخلوة بالأحماء (أقارب الزوج) مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين , فجعله كهلاك الموت , فورد الكلام مورد التغليظ " انتهى .
" شرح مسلم " ( 14 / 154 ) .
وأنت ترى أن الحديث ينطبق على حالتك في حال دخولك على زوجة عمك وبناته الأجنبيات عنك ، فكيف يكون حكم سكنك معهم ؟!
ثانياً :
وإذا لم يكن لك بدٌّ إلا السكن معهم ، أو أنك ستسكن لفترة مؤقتة حتى تجد بيتاً آخر : فاعلم أنه يجب عليك مراعاة الأمور التالية :
1. البعد عن الخلوة بزوجة عمك أو واحدة من بناته .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر إلا ومعها ذو محرم ) رواه البخاري ( 2844 ) ومسلم ( 1341 ) .
2. أن تلتزم أنت والنساء بغض البصر بعضكم عن بعض .
قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ...الآية ) النور/30،31 .
3. أن لا يكون الكلام معهن ومنهن فيه خضوع وميوعة .
قال الله عز وجل : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32 .
4. أن تلتزم زوجة عمك وبناته أمامك بالحجاب الشرعي الذي يستر جميع البدن .
والأحسن أن لا تسكن معهم ، وأن تبحث عن بيت لك تسكن فيه ، وأن ترفع عن نفسك وعنهم الحرج الشرعي ، وأن لا تكون سبباً في التضييق عليهم ، وإذا كان بيتهم كبيراً وكان لك منه غرفة مستقلة بمنافعها فيجوز لك السكن فيها ، أما أن تسكن في غرفة في بيتهم ، وتشاركهم منافعها المشتركة فلا نرى ذلك جائزاً ، ونرى أن الشروط التي ذكرناها للجواز صعبة التطبيق من كثيرين .
وانظر جواب السؤال رقم ( 13261 ) ففيه فائدة هامة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
يعمل في مكان مختلط ويخاف على صيامه
سؤال:(10/127)
أنا أعمل في شركة ليس بها سواي من الرجال ، فهل اختلاطي بالنساء يؤثر علي صيامي ؟.
الجواب:
الحمد لله
الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل ، له آثاره السيئة ، ومفاسده الواضحة ، على كلٍّ من الرجل والمرأة ، ومن ذلك :
1- حصول النظر المحرم ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، فقال سبحانه: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) النور/30، 31 .
وفي صحيح مسلم (2159) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة ، فأمرني أن أصرف بصري ) .
2- قد يحصل فيه اللمس المحرم ، ومنه المصافحة باليد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) .
3- أن الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، وهذا محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وفي رواية : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان ) رواه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في غاية المرام (180) .
4- ومن مفاسده : تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها ، أو العكس ، وذلك من جراء الخلطة ، وطول المعاشرة .
5- ما يترتب على ذلك من دمار الأسر وخراب البيوت ، فكم من رجل أهمل بيته ، وضيع أسرته ، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل ، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب ، بل : كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة ، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها ؟!
ولهذا - وغيره - جاءت الشريعة بتحريم الاختلاط المفضي إلى هذه المفاسد ، وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط مفصلة في جواب السؤال رقم (1200) فراجعه مشكورا مأجورا .
وعليه ؛ فالنصيحة لك أيها السائل أن تدع العمل المختلط ، وأن تبحث عن عمل آخر ، تسلم فيه من هذه المحاذير ، مع اليقين بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأن من اتقى الله جعل الله من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق/2-3 .(10/128)
فإن ابتليت بالبقاء في هذا العمل ، فاتق الله تعالى ، وغض بصرك عن النساء ، وتجنب مصافحتهن ، والخلوة معهن ، وراقب الله تعالى ، واعلم بأنه سبحانه يعلم السر وأخفى ، وأنه ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) غافر/19 .
رزقنا الله وإياك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
يحرم على الخاطب أن يخلو بمخطوبته أو يقبلها
سؤال:
أرجو توضيح ما يلي : هل القبلة من الخد بين المخطوبين توجب الطهارة الكبرى ؟ وكيف الحال إذا كانت من الفم ؟
وهل هذه الأخيرة تنقض الوضوء عند المتزوجين ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الرجل مع مخطوبته ليسا زوجين ، بل هي أجنبية عنه حتى يتم العقد ، وعلى هذا فلا يحل له أن يخلو بها أو يسافر بها ، أو يلمسها أو يقبلها ، ولا ينبغي لأحد أن يتساهل في هذا الأمر ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
وعن حكم مس المخطوبة والخلوة بها قال الزيلعي رحمه الله : " ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة " انتهى من "رد المحتار على الدر المختار " (5/237) .
وقال ابن قدامة : " ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة ، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بامراة فإن ثالثهما الشيطان ) ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، ولا ريبة " انتهى .
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الخلوة بالمرأة الأجنبية ، فقال : ( ما خلا رجل بامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان ) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2546) .
ثانيا :
وأما وجوب الطهارة الكبرى ( الاغتسال ) بمجرد القبلة فلا تجب ، وإنما تجب الطهارة الكبرى إذا حصل إذا حصل إنزال المني أو جماع ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (7529) .
ثالثا :
أما نقض الوضوء بمس المرأة ، فقد سبق في جواب السؤال (2178) .(10/129)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
سفر المرأة لطلب العلم بلا محرم
سؤال:
ما حكم الإسلام في سفر المرأة لطلب العلم بغير محرم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
دلت الأدلة الصحيحة الصريحة على أن المرأة ليس لها أن تسافر إلا مع محرم ، وهذا من كمال الشريعة وعظمتها ، ومحافظتها على الأعراض ، وتكريمها للمرأة ، واهتمامها بها ، والحرص على صيانتها وحفظها ووقايتها من أسباب الفتنة والانحراف ، سواء كانت الفتنة لها أو بها .
ومن هذه الأدلة : ما رواه البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ . فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ . فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَهَا ) .
وبناء على ذلك فلا يجوز للمرأة أن تسافر لطلب العلم بغير محرم ، وعليها أن تحصّل العلم الواجب عليها بالطرق الكثيرة المتاحة ، كالاستماع للأشرطة ، وسؤال أهل العلم عن طريق الهاتف ، ونحو ذلك مما يسره الله تعالى في هذه الأزمنة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل خروج المرأة لتعلم الطب إذا كان واجبا أو جائزا ، إذا كانت سترتكب في سبيله هذه الأشياء مهما حاولت تلافيها :
أ - الاختلاط مع الرجال : في الكلام مع المريض - معلم الطب - في المواصلات العامة.
ب السفر من بلد مثل السودان إلى مصر ، ولو كانت تسافر بطائرة ، أي لمدة ساعات وليست لمدة ثلاثة أيام.
ج- هل يجوز لها الإقامة بمفردها بدون محرم من أجل تعلم الطب ، وإذا كانت إقامة في وسط جماعة من النساء مع الظروف السابقة.
فأجابت :
أولا : " إذا كان خروجها لتعلم الطب ينشأ عنه اختلاطها بالرجال في التعليم أو في ركوب المواصلات اختلاطا تحدث منه فتنة فلا يجوز لها ذلك ؛ لأن حفظها لعرضها فرض عين ، وتعلمها الطب فرض كفاية ، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية . وأما مجرد الكلام مع المريض أو معلم الطب فليس بمحرم ، وإنما المحرم أن تخضع بالقول لمن تخاطبه وتلين له الكلام ، فيطمع فيها من في قلبه مرض الفسوق والنفاق ، وليس هذا خاصا بتعلم الطب .
ثانيا : إذا كان معها محرم في سفرها لتعلم الطب ، أو لتعليمه ، أو لعلاج مريض جاز. وإذا لم يكن معها في سفرها لذلك زوج أو محرم كان حراما ، ولو كان السفر(10/130)
بالطائرة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) متفق على صحته ، ولما تقدم من إيثار مصلحة المحافظة على الأعراض على مصلحة تعلم الطب أو تعليمه ... إلخ .
ثالثا : إذا كانت إقامتها بدون محرم مع جماعة مأمونة من النساء من أجل تعلم الطب أو تعليمه ، أو مباشرة علاج النساء جاز ، وإن خشيت الفتنة من عدم وجود زوج أو محرم معها في غربتها لم يجز. وإن كانت تباشر علاج رجال لم يجز إلا لضرورة مع عدم الخلوة " انتهى من "فتاوى الجنة الدائمة" (12/178) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تحب شخصا وطلب منها الخروج معه فماذا تعمل ؟
سؤال:
أنا أطلب منك المساعدة أنا أحب شابا وطلب مني أن أخرج معه ولكني لا أعرف ما أقوله أنا محتارة أرجو المساعدة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يسرنا كثيراً طلبك المساعدة في هذا الأمر ، قبل أن تقدمي عليه ، ونحن لا نرضى لك إلا ما نرضاه لبناتنا وأخواتنا ، حافظي على أثمن ما تملكين ، وإياك أن يخدعك الشيطان بمسمى الحب تارة أو التسلية أخرى .
ابنتي ... يسرنا كثيراً محافظتك على الصلاة ، والتزامك بالحجاب ، وتخلقك بالعفة والحياء ، وتمسكك بتعاليم الدين الذي جاء ليعلي من شأن الإنسان ويزكي نفسه ويطهرها .
ويسوؤنا كثيراً أن تكوني بخلاف ذلك ، يسوؤنا أن يجرك الشيطان إلى هلاكك ، فتكوني كالذبيحة تساق إلى موتها وهي لا تشعر !!
ابنتي .. إنه كلام جد وليس بالهزل ، قد سلك في هذا الطريق كثيرات غيرك ، وكانت النهاية تعيسة ، وندمن .
ولكن .. بعد فوات الأوان ، وقت لا ينفع الندم ، ولعلك تجدين في هذا الموقع قصصاً كثيرة في هذا ، لك فيها عبرة ، وإياك أن تكوني أنت عبرة لغيرك .
ثانياً :
لا يجوز للمرأة أن تقيم علاقة مع رجل أجنبي عنها ، ولو كان في نيتهما الزواج ، لأن الله تعالى حرم الخلوة بالأجنبية ، ومصافحتها والنظر إليها – إلا لحاجة كالخطبة والشهادة – وحرم عليها أن تتبرج بالزينة ، وأن تكشف عن عورتها أمام الرجال الأجانب عنها ، وأن تخرج متعطرة بينهم ، وأن تخضع بالقول لهم ، وهذه المحرمات معلومة بأدلة الكتاب والسنة ، وليس فيها استثناء لمن عزم على الزواج ، بل ولا لمن خطب بالفعل ؛ لأن الخاطب يظل أجنبيا عن المرأة حتى يعقد النكاح عليها .(10/131)
1- فمما جاء في تحريم الخلوة بالأجنبية ولو كانت مع خاطبها : ما رواه البخاري (3006) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أَلا ، لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
2- ومما جاء في تحريم نظر الرجل إلى المرأة : قوله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .
وروى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي .
و ( نظر الفجأة ) هو أن تقع عينه على المرأة من غير قصد ، كما لو كان ينظر إلى الطريق ونحو ذلك .
وأما المرأة فلها أن تنظر إلى الرجل من غير شهوة ، إذا أمنت الفتنة ، وأما مع الشهوة أو خوف الفتنة فلا يجوز .
3- ومما جاء في تحريم مصافحة المرأة الأجنبية : قوله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5045) ، والإثم هنا على الرجل والمرأة سواء .
4- ومما جاء في تحريم تبرج المرأة ، وإظهارها لزينتها أمام الرجال الأجانب عنها : ما روى مسلم (2128) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) .
والبخت : نوع من الإبل طويلة الأعناق .
5- ومما جاء في تحريم خروجها متعطرة بحيث يشم الرجال الأجانب ريحها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) رواه النسائي (5126) وأبو داود (4173) والترمذي (2786) وحسنه الألباني في صحيح النسائي .
6- ومما جاء في تحريم الخضوع بالقول قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/32 ، وإذا كان هذا في حق أمهات المؤمنين الطاهرات ، فإن غيرهن من باب أولى .
ثالثاً :
إن ما يسمى بالحب بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه ، لا يخلو من محرم من هذه المحرمات ، إن لم تجتمع كلها ، وما هو أزيد منها ، عافانا الله وإياك من كل سوء .(10/132)
فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى ، والحذر من غضبه وانتقامه ، وقطع هذه العلاقة مع الشاب فوراً ، فلا تفكري في اللقاء به ، ولا تستجيبي لطلبه في الخروج معك ، بل ينبغي أن تقطعي الاتصال معه تماما ، فإن بداية الشر هو تعلق قلبك به ، وهذا من استدراج الشيطان لك ، أنك نظرت إليه أو تكلمت معه حتى دخل حبه في قلبك ، فلا تزيدي الأمر شرا وبلاء بالكلام أو الخروج معه .
واعلمي أن أكثر المصائب إنما تبدأ بخطوات يسيرة ، ثم يقع ما لم يكن في الحسبان ، وكم من امرأة وثقت في نفسها ثقة زائدة ، وأن ذلك الشاب لن ينال منها أي شيء ، ثم كانت النتيجة أنها خسرت كل شيء ! ثم تخلّى عنها ذلك الذئب الذي كان يعدها ويمنيها بالزواج ، لأنها لم تعد صالحة له ، وهيهات أن يثق بها وقد سمحت لنفسها أن تتعلق برجل أجنبي عنها .
ونحن إذ نقول ذلك لك ، فإنما نقوله من باب النصح وإرادة الخير لك ، نسأل الله أن يحفظك من كل سوء ومكروه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تسكن مع عائلة زوجها ، فهل تلتزم الحجاب ؟
سؤال:
أريد أن أستفهم من المرأة المختمرة إذا ما تزوجت بشخص يعيش مع أهله ، ولديه إخوة بَالِغِين ، وليس لديه المال الكافي ليشتري بيتا أو حتى حجرة ، ومضطرة لأن تساعد والدته في المطبخ مثلا ، وإخوة زوجها يدخلون ويخرجون من المطبخ في حاجاتهم .
فهل تنزع الخمار والقفاز عن وجهها وكفيها أمام إخوة زوجها وتحافظ عليه أمام غيرهم من الأجانب ، رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحمو : ( الحمو الموت ) ، وحذر منهم أكثر من غيرهم من الأجانب ؟ ومثل ذلك بالنسبة للأقارب الأجانب ( أبناء العم أو زوج الأخت ) ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المرأة ستر وجهها وكفيها عن جميع الرجال الأجانب ، وتجنب الخلوة بهم ، وخاصة أقرباؤها من غير محارمها ، فإنهم بحكم قربهم أسرعُ فتنة من غيرهم ، ويتأكد أيضاً وجوب الستر في مثل الحالة التي سألت عنها ، حيث تعيشين مع إخوة زوجك في بيت واحد ؛ وذلك أن كثرة المخالطة مع غير المحارم تضعف الحياء ، وتكسب النفس جرأة على المعصية ، فإذا رافق ذلك كشف الوجه ، وتساهل في أمر الستر ، كان أدعى إلى الفتنة ، وأقرب إلى وقوع المعصية ، وكم وقعت حوادث من ذلك ، فتهدمت بيوت ، وتقطعت أرحام بسبب التساهل في هذه الحالات .
سئل علماء اللجنة الدائمة :(10/133)
أنا رجل موظف ومتزوج ، ولكن ظروف والدي الصحية والمادية جعلتنا نسكن في منزل واحد ، مع العلم أن لي اثنين من الإخوة ، يبلغ عمر الأصغر منهما حوالي 17 سنة ، فما رأي فضيلتكم في بقائي أنا وزوجتي مع والدي وإخواني في منزل واحد ؟ .
فأجابوا :
" لا حرج في سكنى إخوانك معك في مسكن واحد ، بشرط أن تكون زوجتك محتشمة في لباسها ، ومتحجبة ، وعدم خلوة أحد من إخوانك بها في المنزل " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 19 / 366 ، 367 ) .
وفي موقعنا مجموعة من الأسئلة التي هي شبيهة بهذا السؤال ، يمكنك مراجعة أجوبتها والاستفادة منها ، ومنها : ( 6408 ) ، ( 13261 ) ، ( 40618 ) ، ( 47764 ) ، ( 52814 ) .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز أن يبقى مع مطلقته في بيت واحد ؟
سؤال:
هل من الممكن أن يعيش الرجل مع مطلقته في بيت واحد من أجل المحافظة على الأولاد ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا طلَّق الزوجُ امرأتَه آخر ثلاث تطليقات ، أو طلقها طلقتين أو واحدة وانتهت عدتها ، فإنها تصبح أجنبية عنه ، ولا يحل له الخلوة بها ، ولا لمسها ، ولا النظر إليها .
ولاشك أن بقاءهما في بيت واحد يصعب معه الالتزام بهذه الضوابط الشرعية ، من عدم الخلوة ، ومن لزوم احتجابها عنه ، كما تحتجب من سائر الأجانب ، إلا إذا كان في البيت متسع ، وأمكن تخصيص جزء له ، بمرافقه ومدخله الخاص به ، وأما أن يكونا جميعا في بيت واحد ، يشتركان في مدخله ، ومرافقه ، فإنه يتعذر جدا السلامة من المحظورات السابقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المطلقة ثلاثا هي أجنبية من الرجل بمنزلة سائر الأجنبيات , فليس للرجل أن يخلو بها كما ليس له أن يخلو بالأجنبية , وليس له أن ينظر إليها إلى ما لا ينظر إليه من الأجنبية " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3 / 349).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : حصل لوالدي مرض وأدخل المستشفى وبعد خروجه أصيب بمرض آخر وبترت ساقه ، والحمد لله على قضاء الله جل شأنه ، ثم أصيب بشلل لا يستطيع الجلوس ، وإنه موجود لدي في المنزل ... وطلب من والدتي التي هي في عصمته وقال : أنت طالق ، وقال : سامحيني وأسامحك ، ولا زالت والدتي(10/134)
في البيت وتقوم بتنظيفه ؛ لأنه عاجز عن الذهاب لدورة المياه ، وتؤكله لأننا في المدارس وموظفون .
فأجابت :
" إذا كان هذا الطلاق هو الطلقة الثالثة فإنه لا يجوز لأمك البقاء معه والكشف له ومعاشرته ؛ لأنها أجنبية عنه ، وأما إذا كانت الطلقة المذكورة الأولى أو الثانية فإن أمك تعتبر مطلقة طلاقا رجعيا ، وله مراجعتها ما دامت في عدتها ، ولها ما للزوجات ، وتخدم أباك ويعاشرها ، فإذا خرجت من عدتها ولم يراجعها بلفظ أو بوطء في العدة فإنها تكون أجنبية عنه ، لا يجوز بقاؤه معها وخلوته بها إلا بعقد جديد " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/226) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز خلوة كبير السن بالخادمة ؟
سؤال:
أسأل عن حكم إبقاء خادمة مع جدي الكبير في السن بعد وفاة جدتي (زوجته) هذه الخادمة قامت جدتي بتربيتها منذ صغر سنها وكانت تناديهم بأمي وأبى مجازا فهما لم يتبنياها بالطبع , وجدي الآن رجل كبير مسن75 عاما ويعيش بمفرده بعد وفاة جدتي ، فهل يجوز بقاء الخادمة معه لخدمته ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية ؛ لما روى البخاري (3006) ومسلم (1341) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً ، قَالَ : اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ).
وقوله صلى الله عليه وسلم ( رجل ) نكرة في سياق النفي ، فتعم كل رجل ، ولو كان شيخا كبيرا .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (29/295) : " يرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة أجنبية , لأن الشيطان يكون ثالثهما , يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحل , قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) ولفظ الرجل في الحديث يتناول الشيخ والشاب , كما أن لفظ المرأة يتناول الشابة والمتجالة (العجوز) " انتهى .
ويمكن لجدك إذا كان يحتاج إلى أحد يخدمه لكبر سنه أن يختار ما يناسبه من الخيارات الآتية حتى لا يقع في الخلوة المحرمة :(10/135)
1- أن يتزوج هذه المرأة التي تخدمه أو غيرها ، حتى لا يكون بقاؤها معه في البيت فيه مخالفة شرعية ، وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أن من مقاصد النكاح : الخدمة ، كحالة جدك هذه . وانظر : "الشرح الممتع" (10/383) .
2- أن يقوم بخدمته أحد من أولاده أو أحفاده ، ويستغني عن خدمة هذه المرأة .
3- إذا لم يمكن قيام أحد من أولاده بخدمته فلا أقل من أن يوجد أحدهم معه في البيت في الفترة التي تكون الخادمة موجودة فيها حتى لا يكون هناك خلوة .
4- فإن لم يمكن هذا أيضا ، يمكنه الاتفاق مع الخادمة أن تأتيه في وقت محدد ، وينزل هو من البيت في هذا الوقت لشراء بعض ما يحتاج إليه ، أو أداء الصلاة في المسجد ، والجلوس فيه ، أو زيارة صديق أو قريب ونحو ذلك .
كل هذا فراراً من الوقوع فيما حرم الله .
ونسأل الله تعالى أن يوفقه لكل خير ، ويعصمه من الزلل .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يلزمها الجلوس مع زوج أختها والكلام معه ؟
سؤال:
هل زوج الأخت من صلة الرحم ؟ لأنني لا أريد الذهاب لبيته أنا منتقبة وقد رآني مرتين ، بدون قصد مني ، ولكنه كان متعمداً ، وبعدها قاطعته ، وهو يتضايق من لبسي للنقاب ، هل أقتصر على صلة أختي فقط بالهاتف ؟ علما أنها تزورنا باستمرار؟ هل من الواجب أن أذهب للجلوس معه عند مجيئه إلى بيتنا (خصوصا أنه من النوع الذي يحب نجلس معه ونتحدث)؟ أم ألقي السلام فقط وأعلم أن هذا الشيء سيزعجه ؟ أم أجلس في الغرفة لوحدي ولا أطلع ؟ أرجوكم أريد أن أعرف كيف أتصرف؟ وهل أنا آثمة حين رآني ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ارتداؤك للنقاب الذي يستر الوجه ، عمل مشروع ، بل واجب ، لأدلة كثيرة سبق بيانها في الجواب رقم (11774) ، فلا وجه لاعتراض زوج أختك على ذلك ، بل ينبغي أن يفرح كل مؤمن بانتشار الحشمة ، وشيوع الفضيلة .
ولا إثم عليك في رؤيته لك ، من غير قصد منك ، ويأثم هو إن تعمد النظر ؛ لما روى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي .
ثانيا :
زوج أختك ليس من الرحم المأمور بصلتها ، ولا هو من المحارم الذين تباح مصافحتهم أو رفع الحجاب أمامهم ، بل هو أجنبي عنك ، يلزم منه التستر ، وتحرم مصافحته والخلوة معه .(10/136)
وعليه ؛ فلا يلزمك الذهاب إلى بيته ، ولا الاتصال به ، ولا الجلوس معه ، وإن جلست بنقابك ، في وجود أختك أو محرم لك ، فلا حرج ، إذا انتفت الريبة ، وأُمنت الفتنة .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/420) :
" زوج الأخت ليس من محارم المرأة ، ويعتبر أجنبيا عنها ، لا يحل لها أن تكشف وجهها له ، ولا تصافحه ، ولا تخلو به ، ولا أن تسافر معه ، شأنه شأن الرجال الأجانب ، لكن إذا جلست معه مع وجود محرم من محارمها ومع احتجابها وتسترها وتحفظها فلا بأس " انتهى .
وانظري السؤال رقم (40618) .
على أن النصيحة لك : أنك لا تجلسين معه ولو في وجود محرم ، ما دام يتقصد النظر إليك وأنت من غير حجاب ، ويحب أن تجلسي وتتحدثي معه .
ثالثا :
ينبغي ألا يؤثر هذا على علاقتك بأختك وصلتك لها ، لأنها من الرحم الواجب صلتها . فإذا تحققت الصلة بالاتصال وبزيارتها لكم ، كفى ذلك . وإن رغبت في زيارتك لها فزوريها ، تطييبا لخاطرها ، وتطمينا لها ، وعليك اختيار الأوقات التي لا يكون زوجها موجوداً في البيت فيها .
رابعا :
قد علم مما سبق أنه لا يجب عليك الجلوس مع زوج أختك ، عند زيارته لكم ، وإن كان يحب ذلك ، ولو سلمت وانصرفت كان حسنا ، والمهم أن تتمسكي بما أنعم الله عليك من الستر والحياء والعفة .
نسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يتزوجان ويتفقان على عدم المعاشرة حتى تتحسن حالتهما المادية ؟
سؤال:
في حالة ما إذا أعجب مسلم بفتاة مسلمة وقرر كل منهما إتمام عقد النكاح وهما يعلمان أنه (الشاب) لا يزال يدرس وأنه لا يملك حتى الآن ما يكفي للنفقة عليها ، وهما موافقان على الامتناع عن المعاشرة إلى أن تتحسن حالتهما المادية بما يكفي لإقامة عائلة . فهل يجوز ذلك في الإسلام ؟.
الجواب:
الحمد لله
الزواج سبب من أسباب الرزق ، كما قال الله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .
قال القرطبي رحمه الله : " الأيامى منكم أي الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء "(10/137)
وقال : " قوله تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) أي لا تمتنعوا عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة ، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله . وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلب رضا الله واعتصاماً من معاصيه . وقال ابن مسعود : التمسوا الغنى في النكاح ، وتلا هذه الآية . وقال عمر رضي الله عنه : عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح ، وقد قال الله تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) . وروي هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً "
وقال القرطبي أيضا : " هذه الآية دليل على تزويج الفقير ، ولا يقول كيف أتزوج وليس لي مال ؟ فإن رزقه على الله . وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي أتته تهب له نفسها لمن ليس له إلا إزار واحد " انتهى من "تفسير القرطبي" (12/218) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) رواه الترمذي (1579) والنسائي (3166) وابن ماجه (2509) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
فإذا كان هذا الشاب سيعقد النكاح ، وتبقى زوجته في بيت أبيها ، حتى يتيسر لهما إقامة بيت الزوجية ، فلا حرج في ذلك ، وعليه أن يسعى لتحصيل عملٍ ينفق منه على نفسه وأهله وبيته ، حتى لا تتضرر الزوجة ولا يتضرر أهلها بطول المدة .
وإن كان المراد أن زوجته ستنتقل إلى بيته ، وقد اتفقا على عدم المعاشرة ، حتى لا ينجبا في هذه المرحلة ، فهذا لا ينبغي لأمور :
1- أن الامتناع عن المعاشرة فيه تفويت لشيء هو من أهم مصالح النكاح وهو حصول الولد .
2- أن الامتناع عن الإنجاب خشية الفقر ينافي التوكل على الله تعالى ، وفيه مشابهة لأهل الجاهلية الذي كانوا يقتلون الأولاد خشية الفقر ، وقد تكفل الله تعالى برزق كل نفس فقال : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) هود/6 ، وقال : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) الذاريات/22 .
وهنا ينبغي التنبيه على أمرين :
الأول : أن النكاح لابد فيه من اجتماع أركانه وشروطه ، من رضا المتعاقدين ، وخلوهما من الموانع الشرعية كالمحرمية والرضاع ، ووجود ولي المرأة ، وشاهدين ، وإلا كان نكاحا غير صحيح .
الثاني : أنه لا يجوز إقامة علاقة بين المرأة والرجل ، قبل الزواج ، لما يترتب عليها من المفاسد الكثيرة ، كتعلق القلب ، ومرضه ، وحصول النظر والخلوة والخضوع بالقول وغير ذلك مما حرم الله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
ماذا يحل للزوج بعد عقده على زوجته وقبل إعلان الدخول ؟(10/138)
سؤال:
فهمت من الإجابات الموجودة في موقعكم أنه لا توجد أية قيود بين الرجل والمرأة عقب إتمام النكاح ، مع أن الزواج لم يتحقق بعد ، وقد قرأت بعض الإجابات حول هذا الموضوع في موقعكم ، لكني لم أتمكن من الوصول لإجابة شافية للعبارة العامة التي تقضي استنتاج البعض أن على المسلم أن يتبع طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الرجل والمرأة يجب ألا يلتقيان بمفردهما ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلتق بعائشة رضي الله عنها إلا بعد إتمام زواجهما بعد عدة سنوات من النكاح ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتق بها بمفرده خلال الفترة ما بين النكاح إلى إتمام الزواج : فما هو الدليل الذي بنى عليه العلماء تبريرهم الذي يجيز أن يلتقي الرجل بالمرأة بعد النكاح وقبل إتمام الزواج ؟
الجواب:
الحمد لله
يكون الرجل أجنبيّاً عن المرأة ولا يحل له أن ينظر إليها ولا أن يصافحها ولا أن يختلي بها ، فإذا رغب في نكاحها فإنه يذهب لخطبتها ، وفي هذه الحال يباح له – فقط – النظر إليها ، دون مصافحتها أو الخلوة بها ، فإن هم رضوا وزوجوه صار زوجاً ، وصارت المرأة زوجةً له , فيحل له منها كل شيء من النظر والخلوة واللمس والمصافحة والاستماع , لقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم ) والزوجية تثبت بمجرد العقد . ولذلك إذا مات أحد الزوجين بعد العقد ورثه الآخر ، ولو كان ذلك قبل الدخول .
فهذا هو الدليل الذي استدل به العلماء على هذه المسألة .
وقد تعارف الناس فيما بينهم أن يكون إعلان عقد الزواج مغايراً لإعلان الدخول ، ليس لأن الدخول محرم بعد العقد بل لأن ظروف الزوج قد لا تكون موائمة لأخذ زوجته لبيت الزوجية ، فصار هناك ما يعرف بـ " إعلان الدخول " أو " ليلة الدخلة " ، فإذا كان الأمر كذلك فعلى الزوج أن لا يدخل بزوجته إلا بعد إعلان الدخول , لأن دخوله بها قبل ذلك قد يوقعه وإياها في حرج شديد ، فقد يطلقها أو يتوفى عنها ، وقد تكون بِكراً فضَّ بكارتها ، وقد تصير حاملاً ، فتعرض المرأة نفسها لشبهات وتدخل هي وأهلها في متاهات قد لا يكون لها ما يوقفها ، وانظر جواب السؤال رقم (52806) .
وأما قول السائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلتق بعائشة بمفرده في الفترة ما بين العقد إلى الدخول , فهذه مجرد دعوى , فمن الذي يستطيع أن يجزم بهذا النفي , وقد كانت تلك الفترة ثلاث سنوات , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أبا بكر في بيته كل يوم مرتين : بكرة وعشيا , كما ثبت ذلك في صحيح البخاري (476) .
فمن يستطيع بعد ذلك أن يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخلُ بعائشة طوال هذه الفترة ؟
ثم هب أن هذا النفي صحيح , فإن هذا لا يعني تحريم ذلك , لأنه قد ثبت جوازه بدليل من القرآن - كما سبق بيانه - .
والله أعلم .(10/139)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل حجت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بدون محرم ؟
سؤال:
زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم حججن أكثر من مرة بعد وفاته ، فهل يمكن لهذا أن يكون دليلا على جواز حج المرأة بدون محرم ولكن مع مجموعة نساء معهم محارمهم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم هو مذهب الحنفية والحنابلة القائلين بعدم جواز سفر المرأة للحج أو غيره من غير محرم ؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تُسَافِر الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ) رواه البخاري ( 1862 ) ومسلم ( 1341 ) .
وقد سبق بيان ذلك في أجوبة الأسئلة : ( 3098 ) و ( 34380 ) و ( 47029 ) .
إلا أن بعض أهل العلم كالشافعية ، والمالكية ، وبعض السلف ، قالوا بجواز سفر المرأة للحج من غير محرم إذا وجدت الرفقة المأمونة .
واستدلوا بما ذكره السائل من أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حججن من غير محرم ، وذلك فيما أخرجه البخاري رحمه الله ( 1860 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذِن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها ، فبعث معهن عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف .
وللعلماء أصحاب القول الأول عدة أجوبة على هذا الاستدلال ، فمن ذلك :
1. قالوا : ليس في الحديث أنه لم يكن معهن محرم ، فلعل محارمهن كانوا معهن في قافلة الحج نفسها ، وبعثُ عمرَ بنِ الخطاب معهنَّ عثمانَ بن عفان وعبدَ الرحمن بن عوف زيادةٌ في الإكرام والاطمئنان ، ولا يُظن بالصحابة مخالفة نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة من غير محرم ، خاصة وقد جاء في بعض الروايات – وإن كان في سندها مقال – ما يدل على وجود محارمهن .
فقد روى ابن الجوزي في " المنتظم " في حوادث سنة ( 23 هـ ) عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم قالوا : حجَّ عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم معهن أولياؤهن ممَنْ لا تحتجبن منه ، وجعل في مقدم قطارهن : عبد الرحمن بن عوف ، وفي مؤخره : عثمان بن عفان .. الخ .
ثم إنه يبعد جدا ألا يكون معهن أحد من محارمهن ، مع كثرة المسافرين للحج معهن من المدينة ، فالغالب أنه لن يخلو الأمر من أخ أو جد أو خال أو عم أو أحد المحارم من الرضاعة ، وقد كانت الرضاعة كثيرة في ذلك الوقت .
2. ثم على فرض أنه لم يكن معهن محرم : فهو اجتهاد منهن ، ومعلوم أن اجتهاد الصحابي لا يُقبل إذا خالف نصّاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الصنعاني رحمه الله :
" ولا تنهض حجة على ذلك ؛ لأنه ليس بإجماع " .(10/140)
" سبل السلام " ( 2 / 930 ) .
3. وأجاب فريق ثالث من أهل العلم بخصوصية ذلك بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنهن أمهات المؤمنين ، وجميع الرجال محارم لهن .
قال أبو حنيفة رحمه الله :
"كان الناس لعائشة محرماً ، فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم ، وليس الناس لغيرها من النساء كذلك " انتهى .
" عمدة القاري " ( 10 / 220 ) .
إلا أن جواب أبي حنيفة هذا غير مُسَلَّم ؛ لأن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في مقام أمهات المؤمنين في تحريم النكاح ، وليس في المحرمية ، وإلا فلو كن أمهاتٍ للمؤمنين في المحرمية أيضا لجاز لهن خلع الحجاب أمامهم والخلوة بهم ونحو ذلك من أحكام المحرمية ، وذلك ما لم يقل به أحد .
يقول ابن تيمية في " منهاج السنة " ( 4 / 207 ) عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم :
" إنهن أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية " انتهى .
والمعتمد في الجواب هو الجواب الأول .
والحاصل : أنه لا يجوز أن تُرد الأحاديث الصحيحة الصريحة بما يستنبط من بعض أفعال الصحابة المحتملة ، والواجب هو اتباع ما ثبت وليس ما هو محتمل .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : يقولون إن عائشة رضي الله عنها حجت مع عثمان بدون محرم ؟
فأجاب :
"هذا يحتاج إلى دليل ، لا يجوز أن يقال : حجت بدون محرم بغير دليل ، لا بد أن يكون معها محرم ، فعندها أبناء أخيها ، عندها عبد الرحمن أخوها ، عندها أبناء أختها أسماء ، الذي يقول إنها حجت بدون محرم يكون قوله كذباً إلا بدليل ، ثم لو فرضنا أنها حجت بدون محرم فهي غير معصومة ، كل واحد من الصحابة غير معصوم ، الحجة في قال الله وقال رسوله ، ما هو بحجة قول فلان أو فلان ، ما خالف السنة فلا حجة فيه ، الحجة في السنة المطهرة الصحيحة ، هذا هو المعروف عند أهل العلم ، وهو المجمع عليه .
يقول الشافعي رحمه الله : أجمع الناس على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس .
وقال مالك رحمه الله : ما منَّا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ، (يعني : النبي صلى الله عليه وسلم) .
المقصود : أن الواجب على أهل الإسلام والمؤمنين هو الأخذ بالسنَّة ، لا يجب أن تعارض لقول فلان أو فلان أو فلانة ، ثم لا يظن بعائشة رضي الله عنها وهي الفقيهة المعروفة أفقه نساء العالم ، لا يظن بها أن تخالف السنَّة وتحج بغير محرم ، وهي التي سمعت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز" ( 25 / 361 ، 362 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :(10/141)
"إذا قال قائل : هذا الحجيج ليس فيه أن معهن محرَماً ، فهل يقال هذا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنهن أمهات المؤمنين ، ليس بمحرمية ولكن باحترام .
أو يقال المحرم هنا مسكوت عنه ، وأُرسل معهن هذان الصحابيان الفاضلان مع المحارم ؟ الأول محتمل ، والثاني محتمل .
فإذا أخذنا بالقاعدة أن يُحمل المتشابه على المُحكم ماذا نقول ؟
الجواب : نقول بالاحتمال الثاني ونقول : لابد أن محارمهن معهن لكن جُعل معهن هذان الصحابيان الجليلان تشريفاً وتعظيماً لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن " انتهى .
" شرح كتاب الحج من صحيح البخاري " ( شريط رقم 19 ، الوجه الثاني ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل تواصل دراسة الطب أم تتزوج وتدرس؟
سؤال:
أنا طالبة جامعية في بداية دراستي في كلية الطب ، تمت خطبتي لشاب ذي أخلاق حسنة ودين وأنا موافقة عليه. مشكلتي أنني محتارة ما بين إكمال الدراسة وتأجيل التفكير في الزواج ولكنه يريد أن يتم الزواج بسرعة مع وعده بمساندته لي لإكمال الدراسة فهل من الأفضل أن أتزوج قريبا أم أؤجل ذلك ؟ وإذا تم الزواج هل أستطيع التوفيق ما بين الدراسة والزواج ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل هو استحباب المبادرة إلى الزواج للقادر عليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ , فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري ( 5065) ومسلم ( 1400) لا سيما في هذه الأزمنة التي كثرت فيها الفتن والمغريات .
وأيضا فكونك في بداية الدراسة يعني طول مدة الانتظار ، وهذا ليس في صالح الشاب أو الشابة ، بصفة عامة ، ولا في صالح الخطيبين بصفة خاصة ، فمن أمكنه الزواج في سن العشرين لم يكن من الصالح له تأخيره إلى الخامسة والعشرين ونحوها ، إضافة إلى أن طول فترة الخطبة ليس محمودا ، لما فيه من ربط الخاطبين وتعليقهما ، على فرض السلامة من محظورات الاختلاط والخلوة ونحوها .
وينبغي أن يعلم أن من خشي على نفسه الوقوع في الحرام وجب عليه الزواج ، وكان مقدما على الدراسة عند التعارض ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ، إذا وُجدت القدرة المالية .(10/142)
ثانيا :
لا حرج في إكمال الدراسة بعد الزواج ، لكن هل يمكن التوفيق بين الدراسة ومهام البيت ؟ هذا يختلف من شخص لآخر ، بحسب الإمكانات والظروف المحيطة ، كما يختلف باختلاف نوع الدراسة ، ووجود الأولاد أو عدم وجودهم ، والمشاهد أن من الناس من يمكنه ذلك ، ومنهم من يعجز عنه .
وننصحك بالاستخارة والاستشارة قبل اتخاذ هذا القرار ، ونسأل الله لك التوفيق لكل خير وفلاح .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
اختيار صاحب العمل سكرتيرة للعمل
سؤال:
سؤالي : هل يجوز عمل المرأة كسكرتيرة في إحدى شركات الخدمات ، علماً بأن الشركة عبارة عن مكتب مكون من غرفتين واستقبال ، وأصحاب الشركة هم من ذوي الأخلاق والدين ، وحجتهم في اختيار الفتاة للعمل أنه هكذا جرت عليه العادة في بلدنا ، بالإضافة إلى أنها أقدر في أمور السكرتارية وأعمال الكمبيوتر !! هل في ذلك إثم على أصحاب الشركة ، وهل يجوز العمل مع الالتزام بالحشمة والدين ؟ وهل يجوز لهم إحضار عاملة في الشركة للتنظيف وخلافه ؟ أرجو التوضيح مع الأدلة : هل هناك فرق بين الخلوة والاختلاط ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان تختلط فيه مع الرجال ، لما يترتب على ذلك من مفاسد ومحاذير ، كالخلوة والنظر والمصافحة وتعلق القلب بأصحاب العمل أو زملائها فيه ، وغير ذلك مما هو معلوم ، ولا يكاد يسلم العمل المختلط من هذه المحاذير أو بعضها .
وقد سبق بيان أدلة تحريم الاختلاط في الجواب رقم (1200)
ثانيا :
لا يجوز لصاحب العمل أن يوظف امرأة تعمل بين الرجال ، سواء كانت في السكرتارية أو في النظافة أو غير ذلك ؛ لما فيه من الإعانة على الاختلاط المحرم .
وكون العادة في بلد السائل جرت على هذا ، لا يعتبر مسوغا له من جهة الشرع ، بل الواجب إخضاع العوائد لأحكام الشرع ، وضبطها على وَفقه .
والادعاء بأن المرأة أقدر على أمور السكرتارية وأعمال الكمبيوتر ، ليس صحيحا ، ففي الرجال من يحسن ذلك أيضا ، والأمر راجع إلى حسن الاختيار ، والرجل أحق وأولى بالعمل لأنه الذي يقوم على الأسرة ، ويرعاها ، وهو المطالب بالنفقة شرعا . والمرأة إن تيسر لها عمل مباح خال من المحاذير فذاك ، وإلا فبيتها خير لها .
ثالثا :(10/143)
الخلوة بين الرجل والمرأة محرمة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ) رواه الترمذي (2165) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ) رواه البخاري (3006) ومسلم (1341).
وضابط الخلوة هو اجتماعهما في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما .
وأما الاختلاط : فقد يكون بلا خلوة ، كاجتماع عدد من الرجال بعدد من الإناث ، والمحرم منه ما ترتب عليه شيء من المحاذير السابقة ، كالنظر واللمس والخضوع بالقول ، وتعلق القلب ، وهذا – كما سبق- لا يكاد يسلم منه عمل مختلط ؛ لأن كثرة اللقاء وطول الجلوس ، يسقطان الكلفة ، ويوجبان التوسع في المعاملة ، خاصة في ضيق المكان ، محدود الأشخاص ، كالحالة التي ورد السؤال عنها ، فهنا تكون فرصة التعارف والتعلق أقوى وأقوى !!
وقد يسلم الاختلاط من الخلوة ، لكنه لا يمنع المواعدة عليها ، وعلى ما هو أعظم منها .
ومن تأمل أدلة تحريم الاختلاط - وهي في الجواب المحال عليه - علم حكمة الشرع في سد هذا الباب ، وأن الأمر مبني على معرفة طبيعة الجنسين ، وما ينشأ عن تقاربهما وتجاورهما ، وحرص الشريعة على صيانة كل منهما .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/156): " الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة ، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا ، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء ، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك " .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
الاختلاط في بعثات التعليم
سؤال:
ما حكم الذهاب لمأمورِيَّة علمية مع زملاء من الجنسين إلى دول إسلامية وغير إسلامية ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المسلم شكر نعمة الله تعالى عليه بالطاعة ، والالتزام بأحكام الشرع ، والابتعاد عن كل ما يوجب غضب الرب سبحانه وسخطه ، والله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده المؤمنين أن ينتهكوا حرماته ، والاختلاط المحرَّم واحد من هذه الحرمات .(10/144)
ماذا سيجني العبد من الاختلاط بالنساء ، والسفر معهن ، ومحادثتهن ، ومعاملتهن ، ومشاهدتهن ، سوى مرض القلب وفتنة الدين ، وكل نفس تعلم في فطرتها أن الجنس الآخر يمثل هدفا وحاجة من حاجاتها ، ولكن بعض الناس يسعى إلى حاجته بالحلال ، وآخرون يسلكون الحرام .
وقد سبق في موقعنا – والحمد لله – العديد من الأجوبة التي بيَّنَّا فيها حرمة الاختلاط بين الجنسين من حيث العموم ، وأن الشريعة جاءت بسد الذرائع ، والاختلاط المستهتر هو من أعظم ذرائع الفاحشة .
انظر (1200) (8827) (45883) (47554) (72448)
ولكن يبدو أن الأخ السائل ظَنَّ أن مأمورية التعليم – أو بعثة التعليم – تمثل عذرا شرعيا للاختلاط ، ولكن الصواب هو العكس ، فإن السفر في مهمة علمية مع زملاء وزميلات يمثل أكبر خطر على دين المرء ، وذلك أن السفر خلوة واحتجاب عن أنظار كل من يمكن أن ينكر عليك ، والنفس تطمع حينئذ ، والشيطان يملي ويُسَوِّل .
كما أن السفر في شأن علمي يستلزم مجالسات طويلة وإعدادات كثيرة ، ومناقشات ومداولات في الشأن العلمي الذي خرجتم لأجله ، وقد يستغرق النهار كله مع زميلةٍ أو زميل ! كما قد يستلزم المؤاكلة والمساكنة ونحو ذلك ، وكلما زاد الاختلاط والمماسة بين الجنسين فإن الفتنة والمعصية تكون أعظم وأقرب ، ولا أظن عاقلا يجادل في مثل ذلك .
ولعل السائل الكريم يظن في نفسه الخير ويقول : أنا لا يخطر في بالي شيء مما تذكرون !
فنقول له : وكثيرون أيضا ، بل أكثر من يقع في حبائل الشيطان ، إنما كانت بدايتهم كهذه : تهاون في الاختلاط ، والكلام والسلام ، ثم ... :
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
وإن كنت قد تضمن نفسك وقلبك – وفي ذلك مكابرة للحس والعقل – فهل تضمن من معك من الرجال والنساء ؟! وخاصة أن النساء فيهن من الضعف ما قد لا ينتبه له الرجال ، وإذا خَرَجَت في سفر بعيد – وفي دول تستبيح المعاصي ، سواء إسلامية أو غير إسلامية – فذلك ولا شك باب من أعظم أبواب الفساد ، ويفتح على القلب من الشر والإثم الأمر العظيم .
وأنت في غِنًى تام عن مثل هذه المأموريات أو البعثات ، إذ تستطيع الاعتذار عنها من الجهة التي كلفتك بها ، وتكتفي بالحال التي أنت عليها حتى ييسر الله لك بعثة تخلو من الاختلاط ، وإن قلت سأخسر منصبا أو درجة علمية ! فأقول لك : ولكنك ربحت دينك وقلبك ، وشتان بين التجارتين .
وقد تكلم العلماء في حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين للدراسة ، فكيف لو صاحب ذلك اختلاط فاحش بين المبعوثين من كلا الجنسين ؟!
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (24/44) :
ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة ؟(10/145)
فأجاب :
" الوصية الحذر من ذلك ، إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة ، يدعو إلى الله ، ويعلم الناس ، ولا يخشى على دينه ؛ لأنه صاحب علم وبصيرة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين ) رواه الترمذي (1530) ، والله جل وعلا قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) النساء/97-98
وفي الحديث الصحيح : ( لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين ) رواه النسائي (2521) والمعنى حتى يفارق المشركين .
فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين والجلوس بينهم ، لا للتجارة ، ولا للدراسة ، إلا من كان عنده علم وهدى وبصيرة ، ليدعو إلى الله ، وتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده ، ويظهر دينه ، فهذا لا بأس به ، كما فعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم ، وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة " انتهى .
وننصحك ـ أخي السائل ـ بقراءة الرسالة النافعة : " تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، والاختلاط المستهتر " لفضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
الخلوة مع وجود المحرم الصغير ... العنوان
زوجي مسافر وأحيانا يأتي عم الأولاد لتفقد أحوالهم ولكن أطفالي صغار دون سن البلوغ أعمارهم من 8 سنوات إلى 12 سنة فهل دخوله علينا حال وجود الأولاد من الخلوة المحرمة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
جزاكم الله عنا كل خير ... السؤال
26/07/2006 ... التاريخ
الشيخ عصام الشعار ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اتفق الفقهاء على تحريم الخلوة بالأجنبية في سفر أو غيره، وينقطع حكم الخلوة بوجود المحرم البالغ أو الزوج، واختلف الفقهاء في المحرم الصغير هل يقطع حكم الخلوة أم لا؟(10/146)
فذهب جمهور الفقهاء خلافا للمالكية إلى اشتراط أن يكون المحرم بالغا، وذهب المالكية وبعض الشافعية إلى أنه يكفي أن يكون المحرم مميزا ولا يشترط فيه البلوغ.
وعلى هذا فالأمر فيه سعة فإن وجد المحرم الكبير فهذا أفضل خروجا من الخلاف، وإن تعذر ذلك فلا حرج في زيارة أخي الزوج لأولاد أخيه متى كانوا مميزين.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
المحرم من يحرم نكاحها على التأبيد , إما بالقرابة, أو الرضاعة, أو المصاهرة , ويحرم على الرجل الخلوة بها , والأصل في ذلك, قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"...
والمحرم الأمين المشروط في استطاعة المرأة للحج –وكذا كل سفر مباح تسافره المرأة- هو كل رجل مأمون عاقل بالغ يحرم عليه بالتأبيد التزوج منها سواء كان التحريم بالقرابة أو الرضاعة أو الصهرية . . . ونحو ذلك يشترط في الزوج عند الحنفية والحنابلة بزيادة شرط الإسلام في المحرم.
وقال المالكية بذلك في حقيقة المحرم لكن لا يشترط في المحرم البلوغ بل التمييز والكفاية.
وعند الشافعية : يكفي المحرم الذكر , وإن لم يكن ثقة فيما يظهر , لأن الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي , إذا كان له غيرة تمنعه أن يرضى بالزنى " .
ويقول الإمام النووي في المجموع:
المحرم الذي يجوز القعود مع الأجنبية مع وجوده يشترط أن يكون ممن يُستَحى منه فإن كان صغيرا عن ذلك كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فوجوده كالعدم بلا خلاف.
وجاء في كتاب مواهب الجليل للحطاب -المالكي-:
هل يشترط في المحرم البلوغ أو يكفي فيه التمييز ووجود الكفاية لم أر فيه نصا والظاهر أنه يكفي في ذلك وجود الكفاية وللشافعية في ذلك خلاف.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
المعسكرات المختلطة في الصيف ... العنوان
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
هذه هي المرة الأولى التي أرسل إليكم، و أرجو سرعة الرد على هذه الرسالة..
أنا شاب بإحدى الجامعات التي تنظم سنويا معسكرات صيفية بمنطقة "باجوش" قرب مرسى مطروح، و بالطبع فإن هذه المعسكرات تكون مختلطة، و لكني كنت قد ذهبت إليه في العام الماضي، و لم اشعر أنني ارتكبت معاصي في هذا المعسكر، إذ كان معظم وقتي مع أصدقائي البنين، و حتى علاقتي مع الطالبات كانت كلها في إطار الأدب و الحياء، لا أنكر أنه كانت هناك علاقات غير سليمة، و لكني كنت حريصا أن أبتعد عنها، و كما قلت لك :إنني لم اشعر أنني ارتكبت معصية في هذا المعسكر.
فما رأي حضرتك في هذا الموضوع، نظرا لأنني أرغب في الذهاب إليه هذا العام مرة أخرى؟ وجزاكم الله خيرا(10/147)
... السؤال
01/07/2006 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فالاختلاط بين الجنسين بصفة عامة أمر جائز، ما دام الهدف من ورائه نبيلا، وروعيت فيه الضوابط الشرعية للعلاقة بين الجنسين من حيث اللباس، وطريقة الكلام ، وعدم الخلوة بين الرجل والمرأة، وغير ذلك، وفي مرحلة الشباب يكون الأمر أكثر انضباطا وتؤخذ التدابير والاحتياطات في هذه المرحلة أكثر مما قبلها وما بعدها، وهذا خلاصة ما ذكره السادة العلماء في فتواهم التالية:
يقول فضيلة الدكتور محمد البهي - رحمه الله- عميد كلية أصول الدين سابقا حول الرحلات المختلطة :
الرحلات المشتركة ـ وهى الرحلات التي يَختَلِط فيها الذكور بالإناث ـ إن كان المشترِكون فيها من النوعين في سِنِّ الطفولة، أي إلى ما قبل سِنِّ المراهقة.. فلا بأس منها. بل قد تكون مثمِرة إذا ساعدت على تبادل الاحترام بين الجنسين.
أمّا التي يختلط فيها الذكور بالإناث في سِنِّ المُراهقة والشباب.. فهي رحلات لا تساعد على نموِّ التفاهم بين الجنسين ـ كما يقولون ـ إلا في دائرة الرِّباط الجنسيّ، وتكوين العلاقات التي قد تجُرُّ إلى خَيْبة الآمال وفواجِع الآباء والأمهات في أولادهم ذكورًا وإناثًا، وإصابة مستقبل هؤلاء الأولاد بشلل أو بعُقْم، وقد لا يُداوَى إلى آخر حياتهم.
ونصيحة القرآن الكريم إلى نساء الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهى نصيحة موجَّهة إلى كل مؤمِنة بدين الله ـ تُوَضِّح: تجنُّب الاختلاط، كوِقاية من الآثار الضارّة التي قد تترتَّب عليه، فيقول ـ الله تعالى ـ: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ـ أي لكُنَّ القيادة في مجتمع المؤمنات. ولذا يجب أنْ تَكُنَّ القُدوةَ لِغيرِكُنَّ في السلوك والتطبيق ـ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ـ أي إن تَجنَّبْتُنَّ الاختلاط وتمسَّكتنَّ بدين الله في ذلك كان خيرًا لكُنَّ ـ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ "إذ عندئذٍ يُعَدُّ تجنُّب الاختلاط منكُنَّ وقاية لكن من التأثُّر بالقول المعسول والثَّناء الكاذب من كل مريضٍ في نفسه، ممَّن يدفعه الاختلاط بالنِّساء إلى مُفاتَحتِهِنَّ بلغو الغزل، أو بتوجيه الإهانة إنْ أعرضْنَ عَنه" وقُلْنَ "أي في تجنُّب التحادُث مع الأجنبي عنكنَّ" قَوْلاً مَعْروفًا) أي: قولاً مهذَّبًا يَليق بكرامة المرأة ورِقَّتِها. (الأحزاب: 32).. فتجنُّب الاختلاط ـ إذن ـ هو وقاية من آثاره الضّارَّة. وكما يُقال: الوقاية خير من العلاج.
ولكي يؤكّد القرآن: أن الوقاية من آثار الاختلاط الضارّة خير من العلاج يقول بعد ذلك: (وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ "أي أَقمنَ في بُيوتكن كسبيل للوقاية من آثار الاختلاط وتجنب الحديث المريض إذا لم تكن لكنّ حاجة مُلِحّة إلى الخروج منها" ولاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليّةِ الأُولَى) (الأحزاب: 33) أي: ولا تقصدنَ من الخروج من المنازل إلى إظهار مفاتنكُنَّ وإغراء الرجال ودفع مَرضى النفوس منهم إلى الحديث معكُنَّ أو(10/148)
الإساءة إليكُنَّ"..وما يُقال عن الحِجَاب في الإسلام هو إذن الوِقاية من آثار الاختلاط الضارَّة. ولكن ليس هو عدم الخروج من المنازل على الإطلاق. والخروج من المنازل أمر مشروع إذا كان لقضاء حاجة أو أداء وظيفة في المجتمع. وهو مُحَرَّم إذا كان خالِصًا للإغراء بالكشف عن مفاتن البدن، ولقصد اجتذاب الرجال ومُغازَلَتِهم. وهذا ما كان في الجاهليَّة، والجاهلية هي الوقت الذي تَسُود فيه الحياة المادِّية بكل معالِم الانحلال والإلحاد، وتَشِحُّ فيه المعاني الإنسانية الكريمة، في أيِّ قرن وزمن.انتهى نقلا عن كتاب ( يسألونك للدكتور محمد البهي رحمه الله)
ويقول الدكتور عبد العظيم الديب أستاذ الشريعة بقطر :
الرحلات التي فيها العري والتكشف، لا تليق بمسلم يخاف ربه، ويحافظ على دينه، وماذا سيقول هؤلاء يوم تُشْوى جباههم، وجنوبهم، وظهورهم في نار جهنم، هذه الأجساد العارية والتي تسبح أمام الأجانب، وتشارك الفاسدين والمفسدين، ألا يذكرون يوم يسبحون في جهنم، التي وقودها الناس والحجارة.
إذا كان لا بد من الترفيه فهناك وسائل كثيرة، وأماكن كثيرة ليس فيها تهتك ولا تكشف، ولا عري ولا فساد، فلماذا نختار مثل هذه الأماكن، هل تشبهًا وتقليدًا للأجانب أم ماذا؟ (انتهى نقلا عن الفتاوى المباشرة التي أجريت مع الشيخ من خلال موقع الإسلام على الانترنت)
ويقول الدكتور القرضاوي في الاختلاط بين الجنسين :
اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين ، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم: الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.(10/149)
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4 ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5 ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.
6 ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
(انتهى نقلا عن الفتاوى المعاصرة لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي)
ويقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر حول العلاقة بين الجنسين :
إن الصداقة بين الجنسين في غير المجالات المشروعة تكون أخطر ما تكون في سن الشباب، حيث العاطفة القوية التي تغطي على العقل، إذا ضعف العقل أمام العاطفة القوية كانت الأخطار الجسيمة، وبخاصة ما يمس منها الشرف الذي هو أغلى ما يحرص عليه كل عاقل من أجل عدم الالتزام بآداب الصداقة بين الجنسين في سن الشباب كانت ممنوعة، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، ومن تعاليمه البعد عن مواطن الشبه التي تكثر فيها الظنون السيئة، والقيل والقال، ورحم الله امرأ ذب الغيبة عن نفسه.
ولا يجوز أن ننسى أبدا شهادة الواقع لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرحال من النساء" رواه البخاري ومسلم .( انتهى نقلا عن كتاب أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام لفضيلة الشيخ عطية صقر)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز للمرأة المسلمة التداوي عند الأطباء الرجال ؟
... السؤال
18/06/2006 ... التاريخ(10/150)
أ.د. عبد الفتاح إدريس ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فقد أجاز الفُقَهاء تولِّي الرجال تداوي المرأة المريضة ، إذا لم تُوجَد امرأة يُمكِنُها تَطْبِيب المرأة أو توليدها أو تمريضها ، أو وُجِدَت وكان الرجل أمهر منها في ذلك ، ولكن بقيود منها : عدم الخلوة ، وأن لا يكشف الطبيب إلا مقدار الحاجة ، وأن تكون المرأة بحاجة إلى المُداوَاة ، وأن لا يكون الطبيب كافرًا مع وجود المسلم ، وأمن الفتنة.
يقول أ.د.عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
التداوي من المرض مشروع، وقد رغَّب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التداوي، وأُثِر هذا عنه في أحاديث كثيرة، كما تداوى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأمراض التي كانت تصيبه، ومن الأحاديث الدالَّة على هذا: ما رُوي عن أبي الدرداء أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الله أنزل الداءَ والدواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوْا، ولا تتداوَوْا بحرام"، وما رُوِي عن أسامة بن شريك قال: "كنت عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله أنَتدَاوَى؟ فقال: نعم يا عباد الله، تداوَوْا؛ فإن الله ـ عز وجل ـ لم يضعْ داءً إلا وضع له شفاءً، غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال: الهَرَم"، وما رُوِي عن ابن مسعود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، جَهِلَه مَن جَهِلَه، وعلِمَه مَن عَلِمَه".
والمرأة قد يُصيبها المرض، فتفتقر إلى مَن يداويها، أو يُجري لها جراحة أو يُمَرِّضها، أو تحتاج إلى مَن يُوَلِّدها، أو نحو هذا، والأَوْلَى أن يتولَّى ذلك منها امرأة، إن كانت مُتَخَصِّصة في مثل هذا من المريضة؛ لأن نظرَها إلى مثلها أخف، ومسَّها بدن المريضة كذلك، بخلاف الرجل، إلا أنه قد يتعذَّر وجود امرأة تُحسن مُداواة المرأة أو مُعالجتها أو توليدها أو تمريضها أو نحو ذلك، ولهذا أجاز الفُقَهاء تولِّي الرجال ذلك من المرأة المريضة، إذا لم تُوجَد امرأة يُمكِنُها تَطْبِيب المرأة أو توليدها أو تمريضها، أو وُجِدَت وكان الرجل أمهر منها في ذلك، ولكن بقيود عدة هي:
1ـ أن يكون مع الطبيب ومَن في معناه والمريضة، ما يمنع من الخَلْوة المحرَّمة بينهما، كمحرَم المريضة، أو زوجها، إذا كان المكان مما يُمكن الاختلاء بها فيه، كأن كان المكان حجرة مُغلَقة، يأمنان فيه من اطِّلاع الغير عليهما فيها، وكانت هذه المرأة أجنبية عن الطبيب ومَن في حكمه، ويرى بعض الحنفية أن الخَلْوة المحرَّمة تنتفي كذلك بوجود رجل مع الطبيب والمريضة ولو كان أجنبيًّا عنهما، أو وجود امرأة من محارم الطبيب: كأمه أو أخته أو بوجود زوجته، أو امرأة ثقة، وإن كانت أجنبية عن الطبيب والمريضة، وهذا هو الراجح من مذهب الشافعية كذلك.
2ـ أن لا يكشف الطبيب ومن في معناه من المرأة إلا مقدار الحاجة، ويستر ما عداه، ثم ينظر إلى الموضع الذي يُداويه أو يُعالجه ويَغُضُّ بصره عن غيره ما استطاع؛(10/151)
وذلك لأنه نظر دعَتْ إليه الضرورة، فيُباح بقَدْرها، وما زاد على ذلك باقٍ على أصل الحُرْمة.
3ـ أن تكون المرأة بحاجة إلى المُداوَاة أو المُعالجة أو التوليد أو نحو ذلك، بحيث إذا لم يقم الطبيب ومَن في حكمه بذلك منها هلكت أو أصيبتْ بضرَر لا تحتَمِله.
4 ـ أن لا يكون الطبيب ومَن في معناه كافرًا مع وجود المسلم الذي يُمكنه القيام بذلك، إن كانت المريضة مسلمة، ويرى الشافعية أنه إذا كان الكافر أمهر من المسلم في مُداواة المسلمة ومُعالَجَتِها وتوليدها أو كان يرضى بأجرة المِثْل والمسلم لا يرضى إلا بأكثر منها، قُدِّم الكافر على المسلم في مداواتها، إلا أن جمهور الفقهاء يَرَوْنَ عدم جواز غير المسلم بمداواة المسلمة إلا عند فَقْد الطبيب المسلم الذي يُمكِنُه القيام بذلك.
5ـ أن يكون الطبيب ومَن في حكمه أمينًا، عند القيام بمُداوَاة المرأة الأجنبية عنه أو علاجها أو توليدها أو نحو ذلك.
6ـ أن لا يَخشى الطبيب ومَن في حكمه الافتتان بالمرأة التي يُداويها، أو يُعالجها، فإن خاف الافتِتان بها، لم يَجُز له ذلك منها.
ومما يدل على جواز تولِّي الرجل مُداواة المرأة أو مُعالجتها، ونظره إلى ما تدعو الحاجة إلى النظر إليه منها، ما رواه جابر عن أم سلمة، رضي الله عنه: "أنها استأذنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحِجامة فأذِن لها، وأمر أبا طَيْبة أن يَحجُمَها"، وقد كان أبو طيبة غلامًا لبعض الأنصار بالمدينة، وكان يتولَّى حِجامة الناس بها، وهذا يدل على أن الشريعة السمحة أباحت مُداواة الرجل للمرأة الأجنبية عنه، إن دعت الحاجة إليه بضوابطها السابقة.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
لماذا حرم الله مقدمات الزنا !؟ ... العنوان
اختلفنا حول تعريف ( الزنا ) : فقال فريق : هو الفاحشة الكبرى - وما كان غير ذلك لا يعتبر زنا ، ولا تترتب عليه أحكام ، وحينئذ يمكن للرجل أن يأتي المرأة في جزء من جسمها وليس عليه إثم الزنا ، والفريق الآخر قال : إن الإنزال بإحدى هذه الطرق يعتبر زنا ، فما المقصود بالزنا وحكم الاستمتاع بما دونه ؟
... السؤال
01/06/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد رشيد رضا ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالزنا له مراتب أدناها النظر بشهوة عمدًا وأقصاها الفاحشة ، والاستمتاع بما دون الزنا ضار في ذاته ومؤدٍّ إلى الفاحشة حتمًا ، وعلى المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا(10/152)
ينخدع لهواه ويتجرأ على الاستمتاع بغير حليلته الشرعية غشًّا لنفسه بأن هذا مقدمة للزنا ليس فيه كبير ضرر فإن هذا من وسواس الشياطين .
يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
إن أرادوا بالزنا ما يَحُدُّ الحاكمُ صاحبَه الحدَّ المعروف في الفقه فهو ما عرفه به الفريق الأول ، وإن أرادوا ما حرمه أحكم الحاكمين على عباده وجعله من أسباب مقته وسخطه فهو أعم مما قال الفريق الثاني ؛ فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة ؛ فالعينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرِّجْل زناها الخُطا ، والقلب يهوى ويتمنى ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ) وفي رواية لمسلم : ( والفم يزني وزناه القُبل ) ، وظاهر أن المراد بالنظر : هو النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة ، والمراد بالبطش : لمسها ، وفي معنى اليد غيرها ، فكل ملامسة محرمة .
فاستمتاع الرجل بغير امرأته محرم كيفما كان ، سواء أنزل أم لم ينزل ، ومقتضى الحديث الصحيح الذي تقدم أن هذا الاستمتاع يسمى زنا ، وأن للزنا مراتب أدناها النظر بشهوة عمدًا وأقصاها الفاحشة الكبرى المعروفة ، وإنما وضع الحد على من انتهى إلى الدرجة القصوى ؛ لأن المضرات البدنية والمدنية والأدبية التي يعاقب الحكام مرتكبيها لا تظهر إلا في هذه الدرجة ، فالنظر مما يكثر وقوعه ، ولا يعرف كونه بشهوة إلا من الناظر ، فترتيب الحد عليه حرج عظيم ؛ لأنه من اللَّمم الذي ترجى مغفرته باجتناب ما وراءه ؛ [ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ ]( النجم : 32 ) .
وأما اللمس والتقبيل فمضراته في الإصرار ؛ ومنها تجرئة مرتكبه على المحارم إذا لم يبادر إلى التوبة منه ، وهي مضرة روحية لا أثر لها في الأمة - أو في الهيئة الاجتماعية كما يقولون - إلا إذا تعدى الرجل على المرأة أو فعل ذلك بحضور الناس ، ولذلك درجات تختلف باختلاف الأشخاص والمكان والزمان ليس من العدل أن توضع لها عقوبة معينة لا تختلف كما هو معنى الحد ؛ وإنما عقوبتها التعزير الذي يفوض إلى رأي الحاكم ، فعلم من ذلك أن عدم وضع الحد على مثل هذه الأمور ليس دليلاً على إباحتها ولا على كونها هينة عند الله تعالى .
ويتوهم بعض الناس أن ما أشرنا إليه من أنواع الاستمتاع بالنساء دون الوقاع لم يحرم إلا لأنه مقدمة للوقاع الذي تترتب عليه المفاسد الكثيرة ، وإن من وثق بنفسه وقدر على منعها من الوقاع حل له أن يستمتع بالمرأة الأجنبية كما يشاء ؛ إذ لا مفسدة في هذا ( بزعمهم ) ، ومن كان من هؤلاء مجاورًا في الأزهر بعض سنين ، أو متلقيًا شيئًا من كتب الدين يستدل على ذلك بنص [ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ]( النساء : 31 ) ، وبقول بعض الفقهاء : لا كبيرة بما دون الفاحشة الكبرى وهي الوقاع .
وقد كان سألني مشافهة أحد تلامذة المدارس العالية في مصر عن ذلك ، وقال : إن التلامذة وغيرهم من الشبان في مصر يعاشرون البنات العذارى ، ويستمتعون منهن(10/153)
بما عدا الفاحشة المبينة فهل يحل ذلك أم يحرم ؟ ! فأجبته بأنني أتعجب أشد التعجب من كون هذا مما يخفى تحريمه على مسلم ويرى أنه مما يستفتى فيه .
نعم ، إنه لم يحرم شيء في الشريعة الإسلامية إلا لأنه ضار بفاعله أو بالناس مباشرة أو مفضٍ إلى الضرر ، وإن استباحة استمتاع الرجال بالنساء فيما دون الوقاع ضار بالمستمتعين والمستمتعات وبغيرهم .
وبيان هذا بالتفصيل لا يذكر في جواب سؤال ؛ ولكننا نذكر ما يخطر لنا من ذلك الآن بالإيجاز فنقول : إن لذلك مضرات كثيرة :
(أحدها): أن هذا الاستمتاع يغري صاحبه بالشهوة ، ويولعه باللذة ، حتى لا يكون له همّ سواها ، فإن من طبيعة نفس الإنسان أنها إذا أخذت بمبادئ الأمر المستلذ بالطبع تتدرج فيه حتى تصل إلى غايته ، وتكون قبل الوصول إلى الغاية في بلبال وهم ، واشتغال فكر وقلب ، وهذا ضرر في نفسه وهو أصل لمضرات أخرى تنشأ عنه كما يعلم مما يأتي .
(ثانيها): أنه يورث النفس الصغار والضعة ؛ لأن الولوع بملاعبة النساء شر من الولوع بملاعبة الأطفال أو الحمام ، فإن هذه على كونها اشتغالاً بالمحقرات والسفاسف التي تنافي كبر العقل وعزة النفس ليس فيها من الخنوثة ومهانة النفس ما في الولوع بملاعبة النساء .
(ثالثها): أنه يملك الهوى وحب اللذة زمام الإرادة ، وقلما تجد عند صاحبه عزيمة ثابتة إلا ما عساه يكون في طلب لذته ، ومن يستحل الزنا فيرتكبه عند شدة الداعية إليه في المواخير العامة لا يكون عرضة لهذه الغائلة وما قبلها كالمسترسل في ملاعبة النساء والاستمتاع بهن في غير المسيس ، وإن كان للزنا مضرات أخرى شر منهما .
(رابعها): أنه لا بد أن ينتهي أمر هذا الاستمتاع بالفاحشة الكبرى لما فيه من الإلحاح بالإغراء ، والتجرئة على العصيان ، فإن كان الفاسق يستمتع بعذراء يحافظ على شرفها ، ويخشى عاقبة فضيحتها ، وقوي لذلك على ضبط نفسه معها ، فإنه لا بد أن يجمح به سلطان الهوى المطاع إلى غيرها .
(خامسها): أن وازع الدين والحياء من الله تعالى يضعف ويضمحل في نفس هذا المستمتع ، وفي ذلك من الضرر الروحاني ما لا محل لشرحه هنا .
(سادسها): أن هذا العاصي لسلطان الدين ، الخاضع لسلطان الشهوة ، لا يكتفي غالبًا بالاستمتاع بامرأة واحدة لا سيما إذا كانت الخلوة بها لا تتيسر له دائمًا فهو إذا جاء الوقت تهم به داعية الشهوة بدافع من التأثر والتأثير العصبي فيلتمس غير مَن عرفها أولاً حتى يضيع كثيرًا من وقته ، ويُحرم بذلك من إتقان عمله في معيشته .
(سابعها): أن هذا العاصي يُفسد بإسلاس قياده للذة - كثيرًا من النساء وهذا شر في نفسه ، وربما يتولد منه شرور أخرى كالتنازع بين الفاسقين أو بين الفاسق وأقارب المرأة .
(ثامنها): أن في هذا التنقل في الفسق من إتلاف المال ما يقل عنه كل إتلاف.(10/154)
(تاسعها): أن من اعتاد على التنقل في راتع الفسق كثيرًا ما يرغب عن الزواج ويكتفي بالمسافحة أو اتخاذ الأخدان ، وفي ذلك من المفاسد ما فيه وشرحه شرح لمضار الزنا ، وإنما كلامنا في الاستمتاع بما دونه إلى أن يؤدي إليه .
(عاشرها): أن من اعتاد ذلك يُحرم في الغالب من السعادة البيتية التي ملاكها قناعة كل من الزوجين بالآخر ، ومن تنقّل في راتع الفسق لا يكاد يرضى بمن يتزوج بها لا سيّما إذا اعتاد الاستمتاع بمن هي أجمل منها شكلاً ، أو ألطف في ذوقه دلاً ، وكذلك المرأة ، وناهيك بما في فقد هذه القناعة من ضروب الشقاء ، والجناية على النسل ، فإنه مخرب للبيوت التي تتألف منها الأمة .
وجملة القول أن الاستمتاع المسئول عنه ضار في ذاته ومؤدٍّ إلى الفاحشة حتمًا ؛ ولكنه شر طريق إليها ؛ لأن من وقع في الفاحشة ابتداءً يوشك أن يدرك قبحها ويتوب منها قبل الاسترسال فيها ؛ ولكن من يقدم لها تلك المقدمة المهيجة فإنه ينغمس فيها حتى يغرق ويكون من الهالكين ، فعلى المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا ينخدع لهواه ويتجرأ على الاستمتاع بغير حليلته الشرعية غشًّا لنفسه بأن هذا مقدمة للزنا ليس فيه كبير ضرر فإن هذا من وسواس الشياطين .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
خلوة الشاب بالمرأة العجوز ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالبداية أحب أن أشكركم على ما تبذلونه من مجهود جبار مما جعل هذا الموقع من صفوة المواقع التي يرتادها الإخوة.
سؤالي يتركز حول مفهوم الخلوة في الإسلام
فأنا أعيش لدى امرأة عجوز في بلد غربي تبلغ من العمر 85 سنة وهي مسيحية الدين حركتها صعبة لا تخرج من المنزل إلا للضرورة ، ومن مظاهر القسوة في حياتها أن أولادها بعيدون عنها.
بالنسبة لي فعمري 31 غير متزوج مسلم ولله الحمد اعتبرها بمنزلة جدتي أساعدها في تأمين مستلزماتها من الدواء والغذاء ، كما أساعدها في الأعمال التي تحتاج إلى بعض القوة كالعمل في حديقة المنزل فتخصم ذلك من أجرة السكن علما بأن كلا منا له غرفته الخاصة وكذلك المطبخ والحمام.
ومن شروطها أن لايدخن المستأجر ولا يشرب الخمر أو أي مسكر، وأن لايكون له صديقة .
وهي تراعي مشاعري كمسلم فلا تشتري لحم الخنزير أي أني مرتاح بالسكن
عندها والحمد لله ، علما أني في البداية سكنت في المدينة الجامعية
وأنتم تعرفون ماذا أعني بذلك سؤالي هل على إثم بسكني .
إن الله وحده يعرف نيتي من العمل علما أني مرة دعوتها للإسلام
فلم أفلح ولم أكرر المحاولة ولن أستطيع بالمستقبل أن أكررها.
أطلت بسؤالي كي يتكون لديكم فكرة عن وضعي .
والسلام عليكم(10/155)
... السؤال
21/05/2006 ... التاريخ
... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
يرى جمهور الفقهاء أنه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة مطلقا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان )
وقالوا: ولفظ الرجل في الحديث يتناول الشيخ والشاب , كما أن لفظ المرأة يتناول الشابة والمرأة كبيرة السن .
وخالف بعض الحنيفة الجمهور ، فذهبوا إلى جواز الخلوة بالعجوز التي لا يشتهيها الرجال و نقل ابن عابدين عن بعض مشايخ المذهب : العجوز الشوهاء والشيخ الذي لا يجامع مثله بمنزلة المحارم .
وأجاز الشاذلي من المالكية خلوة الشيخ الهرم بالمرأة شابة أو متجالة( العجوز) وخلوة الشاب بالمتجالة( المرأة العجوز) .
وضابط الخلوة اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة ، فتحدث معه ما هو محرم، بخلاف أن يقطع الريبة شيء ، فلا يعد خلوة .
ونقل الإمام ابن عابدين في تنقيح الفتاوى الحامدية :
(سئل) في رجل يدخل على امرأة أجنبية ويختلي بها متعللا بأنه وكيل عنها في مصالحها ويمنعه أبوها من ذلك فهل له ذلك ولا عبرة بتعلل الرجل المذكور؟
(الجواب) : نعم قال في الأشباه من الحظر والإباحة الخلوة بالأجنبية حرام إلا لملازمة مديونة هربت ودخلت خربة , وفيما إذا كانت عجوزا شوهاء , وفيما إذ كان بينهما حائل.ا هـ راجع : تنفيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين ، ج2/321
وقد ذكر الإمام الشوكاني في وجوب المحرم مع المرأة في السفر أن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهى .
و السبب في خلاف الفقهاء في هذا : هل التحريم هنا لمطلق النص، وأنه لا يجوز خلوة رجل بامرأة أيا كانت ، أم أنه لأجل علة ما قد يحدث في الخلوة مما يحدث بين الجنسين من الحرام؟
فنظر الجمهور إلى النص بمفهومه المطلق، بينما نظر بعض الحنفية إلى علة التحريم ، وعليه أجازوا خلوة الشاب بالمرأة العجوز، كضابط أولا ، ثم إنها لا تشتهى كضابط آخر.
والذي يترجح أنه تجوز الخلوة بالعجوز بشروط:
1-أن تكون عجوزا .
2-ألا تكون مشتهاة ، فإن كانت مشتهاة حرم .
3-أن تكون هناك ضرورة تدعو إلى هذا .
4-أن تكون الفتنة مأمونة من الجانبين بين الرجل والمرأة .(10/156)
ومما يؤكد رأي بعض الحنيفة من أن علة النهي في الخلوة هو ما يخشى من الوقوع في الحرام ما أخرجه مالك عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند عبد الله بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده .
فإن اعترض عليه بما ورد في حديث " أفعمياوان أنتما "، فيجاب عنه بما نقله ابن حجر عن الإمام القرطبي، فقال : " وقال القرطبي بعد أن قرر أن أمر سودة بالاحتجاب للاحتياط وتوقي الشبهات : ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق أمهات المؤمنين كما قال " أفعمياوان أنتما " فنهاهما عن رؤية الأعمى مع قوله لفاطمة بنت قيس " اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى " فغلظ الحجاب في حقهن دون غيرهن" فتح الباري، ج19/147
و مما يرجح أيضا جواز خلوة الشاب بالعجوز أن الصحابة ،وهم أفهم الناس لمراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانت لبعضهم خلوة بالعجائز، من ذلك ما ورد أن عمر كان يتعاهد الأرامل فيستقي لهن الماء بالليل ، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة ، فدخل إليها طلحة نهارا ، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة ، فسألها : ما يصنع هذا الرجل عندك ؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى ، فقال طلحة: ثكلتك أمك طلحة ، عثرات عمر تتبع ؟ أبو نعيم في " الحلية " 1/47 - 48
وورد أن أبا وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم ، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن . أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/285 – 286
ولكن يجب أن توضع النصوص الشرعية مكانها، فلا يخلو شاب بامرأة كبيرة السن، وهي ليست عجوزا، أو كبيرة مشتهاة ، ويدلل بما فعله عمر، أو بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس أن تعتد عند رجل أعمى ، بل لو كان أعمى وغير مؤتمن، فلا يجوز، لأن الأعمى قد يفعل ما يشاء بالمرأة.
والخلاصة: أن الأصل حرمة الخلوة، ولكن تجوز في حالات استثنائية بشروط، منها أن تكون المرأة عجوزا، غير مشتهاة ، وهناك ضرورة داعية لذلك، كما أن هناك أمنا للفتنة .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
هل حرم الإسلام الزنا وأباح مقدماته ؟ ... العنوان
ما حكم من كان يتمتع في النساء بحيث لا يزني من قبلات وغيره ؟. ... السؤال
21/04/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:-(10/157)
الزنا جريمة منكرة، وذنب عظيم، والزنا لن يتم فجأة بلا مقدمات، بل تسبقه محاولات ومقدمات ، ولذلك حرم الله عز وجل ذلك كله فقال: ( ولا تقربوا الزنا) ولم يقل: ( ولا تزنوا) فدل هذا على أن ذلك كله حرام، وإن كان الحد لا يجب إلا في الزنا، فإن من حق الحاكم المسلم أن يعزر من يأتي مقدمات الزنا، ويزجره بما يرعه هو وأمثاله.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد ـ من علماء المملكة العربية السعودية:-
ليس الزنا هو فقط زنا الفرْج ، بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم ، وزنا العين وهو النظر المحرَّم ، وإن كان زنا الفرْج هو الذي يترتب عليه الحد .
فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، والنفس تمنَّى وتشتهي ، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه " . رواه البخاري ومسلم.
ولا يحل للمسلم أن يستهين بمقدمات الزنا كالتقبيل والخلوة والملامسة والنظر فهي كلها محرّمات ، وهي تؤدي إلى الفاحشة الكبرى وهي الزنا .
قال الله تعالى : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } الإسراء / 32 .
والنظرة المحرمة سهم من سهام الشيطان ، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة ، وإن لم يقصدها في البداية ولهذا قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } النور / 30 – 31 .
فتأمل كيف ربط الله تعالى بين غض البصر وبين حفظ الفرج في الآيات ، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج لأن البصر رائد القلب .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : -
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار ، وحفظ الفروج ، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة ، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك ، ولهذا قال سبحانه : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ، فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب العطب والعذاب في الدنيا والآخرة ، نسأل الله العافية من ذلك .
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس ، وأنه لا يخفى عليه خافية ، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه ، والإعراض عما شرع الله له ، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } غافر / 19 .
" فعلى المسلم أن يتقي الله ربَّه في السر والعلن ، وأن يبتعد عما حرَّمه الله عليه من الخلوة والنظر والمصافحة والتقبيل وغيرها من المحرَّمات والتي هي مقدمات لفاحشة الزنا .(10/158)
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا ، فإن الشيطان لن يتركه . وليس في هذه المعاصي كالقبلة ونحوها حد لأن الحد لا يجب إلا بالجماع ( الزنى ) ، ولكن يعزره الحاكم ويعاقبه بما يردعه وأمثاله عن هذه المعاصي .
قال ابن القيم:-
وأما التعزير ففي كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ; فإن المعاصي ثلاثة أنواع : نوع فيه الحد ولا كفارة فيه , ونوع فيه الكفارة ولا حد فيه , ونوع لا حد فيه ولا كفارة ; فالأول - كالسرقة والشرب والزنا والقذف - , والثاني : كالوطء في نهار رمضان ، والوطء في الإحرام , والثالث : كوطء الأمة المشتركة بينه وبين غيره وقبلة الأجنبية ، والخلوة بها ، ودخول الحمام بغير مئزر ، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير , ونحو ذلك . "
وعلى من أبتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، فإن من تاب تاب الله عليه ، والتائب من الذنب من لا ذنب له .
ومن أعظم ما يكفر هذه المعاصي المحافظة على الصلوات الخمس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم .
والله أعلم .
نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــــ
رؤية المخطوبة وضوابطها ... العنوان
ما حكم الدين في رؤية الخاطب لخطيبته ؟ وما حدود العلاقة بينهما ؟
... السؤال
10/03/2006 ... التاريخ
الشيخ عبد الحليم محمود - رحمه الله ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فيقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-إجابة عن مثل هذا السؤال:
إذا أراد الإنسان الزواجَ بآنسة أو بأرملة فإن الشرع يَحُثُّه على أن يراها ويتحدث معها.
أما رؤيتها ؛ فذلك لأن الأذواق تختلف فيما يتعلق بالجمال المرغوب فيه ، وتختلف في القُبْح الذي يُنَفِّر الإنسان منه ، وقد تكون المرأة لا بأس بها في نظر إنسان فيرضاها زوجةً ، وقد لا يستريح إلى النظر إليها ـ هي نفسها ـ إنسان آخر ، فيَعْدِل عن الزواج بها .(10/159)
وحثَّ الشرع على الرؤية ؛ لترى هي ـ أيضًا ـ مَن ستُعاشره مُعاشرةً دائمة إذ إنه قد لا ترى فيه مثَلَها الأعلى فترفضه .
وحثَّ الإسلام على الرؤية ؛ لأنه يُريد للعِشْرة الزوجية أن تكون رِبَاطًا مقدسًا دائمًا ، ومن أجل ذلك يحكم أساسَها بالرؤية .
ويحكم أساسَها بشيء آخر ؛ وذلك أن الرؤية شكل ومظهر ، فكان لابد من الحديث حتى يتبين الاثنان عقل كل منهما وذكاءه ، ومن أجل ذلك يَحُثُّ الشرع ـ أيضًا ـ على الحديث مع مَن يُريد الإنسان أن تكون شريكةَ حياته .
وسواء أكُنَّا بصدد الحديث أم بصدد الرؤية فإن ذلك لا يكون في خَلْوَة خاصة ؛ فإن الخلوة الخاصة قد حرَّمها الإسلام قبل العقد .
أما إذا زادت العلاقة عن الرؤية والحديث بأن كانت اتصالًا جنسيًّا أو لمسًا قريبًا من الاتصال الجنسي فإن ذلك مُحَرَّم تحريمًا مُطلَقًا في نظر الإسلام ، وهو يُعْتَبَر زنا وعقوبة الزنا في الإسلام معروفة ، وما دام لم يعقد العقد فإن كل علاقة غير الرؤية والحديث تكون مُحَرَّمة .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
تحويل الجنس وأثره على الخلوة بالنساء ... العنوان
رجل في بلاد غير إسلامية...يعاني نفسيا من اعتقاده بأنه امرأة .... لكنه (في محاولة لعلاج نفسه) تزوج وأنجب ابناً ، لكن لم تحل المشكلة ، في الأخير قام بعمليه إزالة الأعضاء الذكرية ، وعاش بعدها كامرأة وبعد ذلك بعشر سنوات ... أسلم بعد أن تعرف عبر الانترنت بإنسانة مسلمة...والتي كلمته على أساس أنه امرأة وليس رجلا وعندما عرفت بأنها كانت يوما ما رجلا ...ارتبكت ، وهي الآن لا تعرف هل تتعامل معها كامرأة (بكل المعاني ) أم ماذا؟
وهل إذا رغب هذا (الرجل المرأة) أن يأتي لزيارتها في بلد الحرمين....أن تقبل استضافته على أساس أنه رجل أم امرأة....أم لا تقبل استضافته؟
مع العلم (أنه / أنها) تحتاج إلى من يقف ( معه / معها ) في الإسلام....( لأنه / لأنها) مازال من المؤلفة قلوبهم ، ولم يثبت الإسلام ثباتا قويا في قلبه....ونخاف من أن يتسبب عدم قبول الضيافة في بيتها ....صدا..أو حتى ارتدادا عن الدين ، ولا احد يريد تحمل مثل هذه المسؤولية.
... السؤال
28/01/2006 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الميول الأنثويّة عند رجل كامل الأجهزة المحدّدة لنوعه هي أعراض نفسيّة لا تنقله إلى حقيقة الأنثى، ويحرم القيام بعملية جراحية لتحويل الجنس لمجرّد الرغبة في(10/160)
التغيير دون دواعٍ جسديّة صريحة غالبة، ومن أجريت له جراحة مع تحقق كمال ذكوريته فهذا يحرم الخلوة معه لأن هذه الجراحة لا تقطع عنه حكم الذكورة..
وعلى هذا فيجب التعامل مع هذا الإنسان على أنه ذكر، وما كان من أمره فلا مؤاخذة عليه شرعا فالإسلام يَجُبُ ما قبله، ويعهد به إلى أحد من طلبة العلم أو أهل التقى والصلاح ليكونا عونا له على الثبات على الدين.
وإليك فتوى فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد –من علماء السعودية-:
هؤلاء الذين يشعرون بكراهية الجنس الذي خلقوا عليه ، ويتمنون أن يكونوا من الجنس الآخر ، هم في الحقيقة مرضى نفسيون ، دفعهم سوء التربية أحيانا ، وطبيعة المجتمع الذي نشؤوا فيه أحيانا أخرى ، إلى كراهية ما هم عليه ، فاعترضوا على مشيئة الله تعالى ، ورغبوا في تحويل جنسهم إلى جنس آخر .
وعملية تحويل الجنس من ذكر إلى أنثى لها أسباب ، وما ذكر في السؤال هو عبارة عن رغبة داخلية فقط ، مع أن الأعضاء الذكرية كاملة ، وليس هناك حالة ما يسمى عند الفقهاء ( الخنثى ) ، بل هو ذكر طبيعي ، له كل المواصفات الذكرية ، لكنه يرغب في التحول إلى أنثى ، فتجرى له عملية لاستئصال الذكر ، والخصيتين ، ثم يقوم الأطباء ببناء مهبل ، وتكبير الثديين ، والحقن بهرمونات لفترات طويلة حتى ينعم الصوت ، وتتغير طبيعة توزيع اللحم ، ويظهر الشخص بمظهر الأنثى ، لكنه في حقيقته ذكر .
وهذه العملية محرمة شرعا عند جميع من يعتد بقولهم من العلماء المعاصرين ، وإن لم يكن للسابقين فيها كلام ، فذلك لأنها لم تكن معروفة أو ممكنة في زمانهم ، ويدل على تحريمها عدة أدلة ، منها :
أولا: قول الله تعالى : ( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا * لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ) النساء/117–121 ، ولا شك أن إجراء مثل تلك العمليات هو نوع من العبث ، وتغييرٌ لخلق الله تعالى .
ثانيا :
ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال : (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسم - المشتبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري.
قال ابن حجر : وتشبه النساء بالرجال ، والرجال بالنساء من قاصد مختار ، حرام اتفاقاً .
وقال أيضاً : " أما ذم الكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك ... وإلا متى كان ترك ذلك ممكنا ولو بالتدريج فتركه ، بغير عذر ، لحقه اللوم " .
ثالثا :(10/161)
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول المخنث على النساء ، إذا فطن إلى المرأة ومحاسنها ، بل أمر بإخراجه من البيوت ، إلى حيث يُتَّقى شره . ففي حديث .. " تقبل بأربع وتدبر بثمان .. رواه البخاري ومسلم
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله على هذا الحديث ترجمتين : 1- في باب ما يُنهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة " 2- وباب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت "
قال ابن حجر : ويُستفاد منه – حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقاً لردعه ، وظاهر الأمر وجوب ذلك " اهـ.
وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بال هذا فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر فنفي إلى النقيع فقالوا يا رسول الله ألا نقتله فقال إني نهيت عن قتل المصلين) –الحديث صححه الشيخ الألباني-.
رابعاً : أنه قد ثبت بشهادة المختصين من الأطباء أن هذا النوع من الجراحة لا تتوفر فيه أي دواع أو دوافع معتبرة من الناحية الطبية ، وأنه لا يعدو كونه رغبة للشخص .
ويقول الدكتور محمد علي البار -طبيب وفقيه مصري- : " ورغم أن الشكل الخارجي لمثل هذا الشخص قد يخدع الإنسان فيظنه بالفعل أنثى ، إلا أن التركيب البيولوجي لا يزال ذكراً ، وإن كان ممسوخا تماما ، وبالتالي لا يوجد مبيض ولا رحم ولا يمكن أن تحيض ( أو يحيض ) مثل هذا الشخص ، كما أنه لا يمكن أن يحمل قطعا . "
وبناءً على ما سبق فلا يجوز بأي حال أن تخلو به امرأة لوحدها ، أو تتكشف له وترفع حجابها عنده ، لأنه ذكرٌ في الحقيقة، وإن كانت ميوله الآن نحو الأناث ، لكثرة الهرمونات الأنثوية التي يحملها ، ولا شك أن هؤلاء وأمثالهم شر من المخنثين الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم من دخولهم على النساء ، وأمر بنفيهم وإخراجهم من البيوت .
لذا فالتقاء أكثر من شخص به يمكن أن يكون مناسبا ، كما أنه من المناسب عرضه على طبيب نفسي ثقة ، يعالجه مما ألم به ، نسأل الله أن يهديه ويصلح حاله .
ويمكن تدارك الحالة الواقعة بأن تكلموا أحد الثقات من المشايخ أو طلبة العلم ليستقبل ذلك الشخص ، ويعرفه أمر دينه وأحكامه ، ويقوي صلته بالإسلام ، ويثبته عليه ، وذلك عن طريق حضور أكثر من شخص ،
واعلمي أنه بعد القيام بما نستطيعه تجاه ذلك الشخص ، فإن الهداية بيد الله عز وجل ، يهدي بها من يشاء من عباده.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
مبيت أخت الزوجة عند زوج أختها ...
عنوان الفتوى
... أحمد نجيب ...(10/162)
اسم المفتى
... 20761 ...
رقم الفتوى
... 04/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
هل يجوز أن تبيت أخت زوجتي معنا في البيت؟ مع العلم أننا نراعي الأمور الشرعية من ارتداء للحجاب وغض للبصر وبالطبع تبيت في غرفة بمفردها.
هل هناك أمور شرعية أخرى يجب مراعتها أو أمور يجب تجنبها أم أن الأمر أصلا لا يجوز، وإذا كان يجوز فما هي الشروط الواجب توفرها حتى لا يكون هناك حرج شرعي؟
عذرا للإطالة، ولكن قد يترتب على هذا المبيت فوائد دعوية بعون الله فما الحكم وقتئذ؟ وجزاكم الله خيرا
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
بداية نعتذر إليك عن تأخرنا في الرد على رسالتكم، ونسأل الله أن تصلكم فينفعكم الله بها.
أقول مستعيناً بالله تعالى:
مع ما يبدو لي من صعوبة التزام المرأة المسلمة بالأحكام و الآداب الشرعيّة في حال المبيت أو المكث لأوقاتٍ طويلة خارج بيتها (سواءً كان بيت أبيها الذي تعيش فيه ، أو بيت الزوجيّة) من التزام الحجاب ، و مجانبة الاختلاط ، و ما إلى ذلك ؛ فعلى افتراض تمكّنها من ذلك فلا بأس فيه .
و لا أعلم دليلاً يمنع المرأة من المبيت في بيت محارمها ما لم يكن في ذلك ارتكابٌ لمحرّم أو ذريعة مفضيةٌ إليه فيحرُم لأجله .
و لكن النهي ثابت في حالة ما إذا كانت المرأة عرضةٌ للتعرّي أو التجرّد من ثيابها خارج بيت زوجها ، فقد روى الترمذيّ بإسنادٍ حسّنه ( و هو كما قال ) عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها و بين ربها ) .
و قد علّل المباركفوري شارح سنن الترمذي هذا النهي بقوله : ( لأنها – أي المرأة - مأمورة بالتستر و التحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضا إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به ) .
و الخلاصة أن الأصل فيما ورد السؤال عنه الإباحة ، ما لم يكن فيه محرّمٌ أو يؤدي إلى محرّمٍ ، و الله أعلم .(10/163)
ـــــــــــــــــــــ
مبتلى بحب المردان فكيف يتخلص من مرضه هذا ؟
سؤال:
ابتليت بحب المرد والرغبة عن النساء ، ربما بسبب تجارب سيئة في طفولتي ، أصابر ما استطعت ، وأغض بصري ، وأعلم أن هذا حرام ، ولا أستحله ، وأستغفر الله منه ، وأدعو " اللهم طهر قلبي وحصِّن فرجي " ، لا أظن الزواج حلاًّ لي لأني لا أجد رغبة في النساء ، أصوم الاثنين والخميس ، ولكن هذا الأمر لا يزال في قلبي ، ما العمل ؟ وهل هناك ما يعوضني في الجنة ؟ أستغفر الله إن كان هذا اعتداء في السؤال .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اعلم يا أخي السائل أن هذه البلية من أعظم البلايا ، واعلم أنها قد تُهلك صاحبها ، تصيبه في عقله فيصير مجنوناً ، وتصيبه في بدنه فينقلب مريضاً ، وتصيبه في دينه فيهلك ، ويختم له بشر ، فالحذر الحذر من الاستمرار على هذا الأمر ، وابذل جهدك مستعيناً بربك للتخلص منه ، وانظر في حال من أصيب به لتعتبر .
قال ابن القيم رحمه الله :
" ويروى أن رجلاً عشق شخصاً ، فاشتد كلفه به ، وتمكن حبه من قلبه ، حتى وقع ، ألماً به ، ولزم الفراش بسببه ، وتمنَّع ذلك الشخص عليه ، واشتد نفاره عنه ، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده ، فأخبر بذلك البائس ، ففرح ، واشتد سروره ، وانجلى غمه ، وجعل ينتظر للميعاد الذي ضربه له ، فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال : إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع ، فرغبت إليه وكلمته ، فقال : إنه ذكرني ، وفرح بي ، ولا أدخل مداخل الريب ، ولا أعرِّض نفسي لمواقع التهم ، فعاودته ، فأبى ، وانصرف ، فلما سمع البائس ذلك أُسقط في يده ، وعاد إلى أشد مما كان به ، وبدت عليه علائم الموت ، فجعل يقول فى تلك الحال :
أسلم يا راحة العليل ... ويا شفاء المدْنَف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل !!
فقلت له : يا فلان اتق الله ، قال : قد كان !!
فقمت عنه ، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت !
فعياذاً بالله من سوء العاقبة ، وشؤم الخاتمة " انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 117 ) .
فما رأيك أخي السائل ؟ هل يتمنى مسلم عاقل أن يموت كما مات ذلك العاشق البائس ، والذي جعل رضا محبوبه مقدَّماً على رضا خالقه الذي خلقه وصوره ورزقه وهداه للإسلام ، وأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة ؟! فإن قلت إنك لا تتمنى ذلك – وهذا هو الظن بك - : فينبغي أن تعلم أنك سائر على طريقه ، وأنه قد يصيبك ما أصابه إن لم تتدارك نفسك .(10/164)
واعلم أن هذا أول طريقٍ سلكه قوم لوط ، وهو العشق للمردان ، ولذا عاقبهم الله تعالى بما لم يعاقب به أمَّة قبلهم ولا بعدهم ، فقلب الله تعالى ديارهم ، وخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة ، وطمس أعينهم .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان أنواع العشق :
"وعشقٌ هو مقتٌ عند الله وبُعدٌ من رحمته ، وهو أضر شيءٍ على العبد في دينه ودنياه : وهو عشق المردان ، فما ابتليَ به إلا مَن سقط مِن عين الله ، وطرد عن بابه ، وأبعد قلبه عنه ، وهو من أعظم الحُجب القاطعة عن الله ، كما قال بعض السلف : إذا سقط العبد مِن عين الله ابتلاه بمحبة المردان ، وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت ، وما أوتوا إلا مِن هذا العشق ، قال الله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) " انتهى .
" الجواب الكافي" ( ص 173 ، 174 ) .
ثانياً :
واعلم أن هذا البلاء له أسباب ، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه ، فمن أراد النجاة مما هو فيه : فليقف على هذه الأسباب ، وليتخلَّص منها ، وإلا فهو راضٍ عن حاله ، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير ، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله :
1. ضعف الإيمان ، وبُعد القلب عن حب الله تعالى ، وقلة الخوف من عقابه .
2. إطلاق النظر للمردان ، والتمتع بجمالهم وهيئتهم .
وهذا هو أول طريق المعصية التي سلكها هذا المبتلى ، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات ، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما ترك الأمر ووقع في النهي : أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه ، فقضى عليه .
قال ابن القيم رحمه الله :
"والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولِّد الفكرة شهوة ، ثم تولِّد الشهوة إرادة ، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " .
"الجواب الكافي" ( ص 106 ) .
ومن هنا فإن العلماء قد حرموا النظر إلى الأمرد ، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء .
قال النووي رحمه الله :
"وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة ، سواءً كان بشهوةٍ أم لا ، سواءً أمن الفتنة أم خافها ، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين ، نص عليه الشافعي ، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى - ، ودليله : أنه في معنى المرأة ، فإنه يُشتهى كما تشتهى ، وصورته في الجمال كصورة المرأة ، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء ، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر : وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة" انتهى .
" شرح مسلم " ( 4 / 31 ) .(10/165)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم ، والمرأة الأجنبية بالشهوة ، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء ، أو شهوة التلذذ بالنظر ، فلو نظر إلى أمِّه ، وأخته ، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية : كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام ، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 413 ) و ( 21 / 245 ) .
وقال - رحمه الله – أيضاً - :
ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه ، أو أدامه ، وقال : إني لا أنظر لشهوة : كذب في ذلك ، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر : لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 419 ) و ( 21 / 251 ) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى : ما يشاهدونه في القنوات الفضائية ، والصحف والمجلات ، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان ، وهو ما يهيجهم على الفاحشة .
3. التقصير في الواجبات والنوافل .
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها ، وبشروطها وواجباتها : لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت/45 ، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل ؟! .
4. هجر القرآن ، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة .
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء ، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي ، وهو خير علاج لمن وقع فيها .
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء : اتخذهم قدوة له ، وأنس بصحبتهم ، وترفع عن الرذائل والقبائح .
5. التقصير في طلب العلم .
فالعلم نور ، وبه يعرف الحلال فيفعله ، والحرام فيجتنبه ، وبه يتعرف على ربه تعالى ، على أسمائه وصفاته وأفعاله ، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه ، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة ، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة .
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين .
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة ، والرياضة ، والأعمال المباحة ، وطلب العلم : لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها .
7. اتخاذ أصدقاء السوء ، وجلساء الشر .
وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير ، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه ، وإما أن يشم منه رائحة خبيثة .
8. ترك الزواج .(10/166)
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية ، وجعلها تصريفها في النساء ، والطريق المباح لذلك هو الزواج ، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور ، وينزل بذلك عن درجة البهائم ، فها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً ؟
ثالثاً :
ومن أراد علاج مرضه ، والتخلص من بلائه : فليبحث عن الأسباب التي أدَّت به للوقوع في المحرَّمات من النظر والخلطة والمصاحبة للمردان ، وليتخلص منها بتركها ، وعلاج دون ترك لسبب المرض علاج فاشل غير ناجح ، وهذه طرق العلاج لمن أراد التخلص من بلائه ، والسعي نحو تخليص نفسه من شرَك الشيطان ، والمشي في طريق رضا الرحمن ، ومنها :
1. تقوية الإيمان بالطاعات ، ومنها الصوم ، وتعمير القلب بمحبة الله ، واستشعار الخوف من عقابه .
2. منع نفسه من النظر للمردان بشهوة وبغير شهوة ، وترك مصاحبتهم والجلوس معهم مطلقاً ، وترك الخلوة بهم ، ولو لتدريس القرآن .
قال النووي رحمه الله :
"والمختار : أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة ، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة ، إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين" انتهى .
" شرح النووي " ( 9 / 109 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وأما صحبة المردان ، وعلى وجه الاختصاص بأحدهم ، كما يفعلونه ، مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن ، ومبيته مع الرجل ، ونحو ذلك : فهذا من أفحش المنكرات ، عند المسلمين ، وعند اليهود والنصارى ، وغيرهم " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 542 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم ؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وكم من أناس كانوا قتلى لهذا الأمرد فأصبحوا فريسة للشيطان والأهواء ، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى .
" الشرح الممتع " ( 1 / 294 ، 295 ) .
3. المحافظة على الصلوات في أوقاتها ، والحرص على فعل الرواتب والنوافل .
4. الالتزام بورد من القرآن يقرؤه ، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء ، والنظر في كتب تراجم الأئمة وحياتهم .
5. طلب العلم ، قراءة وسماعاً ومشاهدة ، وهو أمرٌ واجب على المسلم أصلاً .
6. إشغال الوقت بالطاعة ، وبما هو مفيد لدينه ودنياه .
7. هجر الصحبة الفاسدة ، والبحث عن الصحبة الصالحة والتزامها مجالسةً واستفادة من علمهم وأخلاقهم .
8. السعي المباشر للزواج ؛ لإطفاء الشهوة بطريق مباح .(10/167)
9. الاستعانة بالله تعالى بالدعاء أن يخلصه مما هو فيه من مرض وابتلاء .
10. التأمل في حال الواقعين في هذا العشق المحرَّم وما أدى بهم إلى الجنون والأمراض والردة – والعياذ بالله – .
قال ابن القيم :
ودواء هذا الداء الردي : الاستعانة بمقلِّب القلوب ، وصِدق اللجأ إليه ، والاشتغال بذِكْره ، والتعوض بحبِّه وقربه ، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق واللذة التي تفوته به فتُرتب عليه فوات أعظم محبوبٍ وحصول أعظم مكروه ، فإذا قدِمت نفسه على هذا وآثرته : فليكبِّر على نفسه تكبير الجنازة ، وليعلم أن البلاء قد أحاط به .
"الجواب الكافي" ( ص 174 ) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم ( 27176 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تطلب سكنا مستقلا فهل يعد ذلك تفريقا بين الزوج وأهله؟
سؤال:
تزوجت بنت خالي منذ شهر ونصف ولم أشعر بالسعادة في هذا الزواج فهي قليلة الاحترام لي كثيرة الخروج من البيت لزيارة أهلها ، ولا تطيعني في بعض الأمور وجاء يوم وقالت فيه : أريد بيتاً مستقلاً ، مع العلم أني أسكن مع أخي وزوجته وأختي والكل راضٍ باجتماعنا وبقائنا أسرة واحدة فحلفت يميناً لها بأن طلبها سينفذ ولكن اصبري بعض الوقت ، فرفضت ثم ذهبت إلى بيت أهلها . بلغ الخبر والدتي وعرفت أن زوجتي تريد أن تفرق بيني وبين أخي بالمسكن، فقالت إن سكنت مع زوجتك في بيت مستقل فلن أدخل منزلك أبداً ولا أخوك ولا جميع أفراد عائلتك . وأنا الآن في حالة سيئة 1- هل أعصي والدتي وأطيع زوجتي ، أم أخسر زوجتي و أطيع أمي ؟ علماً أنها لم تشترط علي في عقد الزواج المسكن بل شرطت فقط إكمال الدراسة . 2- عائلتي تريدني أن أطلقها وأسترد مالي لأنها ناشز . 3- عائلتي وجماعتي يعتبرون خروجي عن البيت الذي أسكن فيه مع أخي عيباً - سؤالي هو هل زوجتي ناشز حقاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقةَ محبة ومودة وصلةٍ وبر ، لا سيما إذا كان بينهما قرابة ، فيجتمع حق القرابة مع حق الزوجية ، وينبغي أن يسعى الطرفان إلى تحقيق هذه العلاقة .
وما يقع من سوء العشرة بين الزوجين ، قد يكون مردّه إلى الزوج أو الزوجة أو كليهما ، وعليه فينبغي أن تبحث في أسباب قلة احترامها لك ، أو عدم طاعتها لأوامرك ، وتسعى في علاج ذلك .(10/168)
وبعض النساء حديثات العهد بالزواج لا يدركن أهمية طاعة الزوج ، ولا مفهوم القوامة التي يختص بها ، ولهذا يحتجن شيئا من الوقت لإدراك ذلك ، وربما احتجن إلى من ينبههن ويعلمهن ، ولعلك تستعين ببعض الأشرطة والكتب النافعة التي تتحدث عن العلاقة الزوجية وأسس نجاحها .
وفي الوقت ذاته يبالغ بعض الرجال حيث يريد من زوجته أن تسمع وتطيع له طاعة مطلقة في كل شيء ، فلو ناقشته أو اقترحت أو تأخرت قليلا في تنفيذ ما يأمر به ، اتهمها بالنشوز والعصيان ومخالفة أمر الله ، وعدم احترامه .
ولا ينبغي أبدا أن يعامل الرجل زوجته كما يعامل خادمته ، فللزوجة ما تستحق من احترام ومشورة وإبداء رأي ونقاش للوصول إلى ما هو خير وأصلح .
ثانيا :
من حق الزوجة أن يكون لها مسكن خاص مع زوجها وأولادها ، لا يشاركها فيه أحد ، لا أب ولا أم ولا قريب .
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه وإخوته .
قال الكاساني في بدائع الصنائع (4/24): " ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك ; عليه أن يسكنها في منزل مفرد ; لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة ، وإباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث " انتهى.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا كان الزوج فقيراً وعاجزا عن إيجاد سكن مستقل لزوجته ، فليس لها أن تطالب بما يعجز عنه . نقله عنه في "مطالب أولي النهى" (5/122) . بل تصبر حتى يغنيه الله .
والحاصل أن السكن المستقل حق للزوجة ، ولو لم تشترطه في العقد ، ولها أن تطالب به الآن ، ولا تعد ناشزا بذلك ، وما يشيع عند بعض الناس من أن ذلك يعني التفريق بين الإخوة ، كلام لا يعوّل عليه ؛ لأن هذا حق شرعي للزوجة ، وفيه مصلحة للزوجين أيضا ، من جهة عدم الاختلاط ، وأمن النظر والاطلاعِ على ما لا يحل ، ومما يؤسف له أن كثيرا من البيوت العائلية المشتركة ، يطلع فيها الرجل على زوجة أخيه ، وربما حصلت المصافحة والخلوة ، وما يتبع ذلك من الغيرة ، والحسد ، والخلاف والشقاق ، مع ما قد ينشأ من الخلافات بسبب الأولاد ، ولا شك أن الرجل أجنبي عن زوجة أخيه ، فلا يجوز له أن يصافحها أو يخلو بها أو يتعمد النظر إليها ، إلا أن يكون محرما لها من جهة أخرى كالرضاع .
والذي ينظر إلى البيوت العائلية المشتركة يجزم أن الحكمة والمصلحة فيما قاله العلماء ، من إفراد الزوجة بسكن مستقل ، حيث يكثر في هذه البيوت المشاكل والخلافات بين الزوجين ، وبين الرجل وأخيه ، وبين الزوجة وأم زوجها . . . وهكذا ، مع فيها من منكرات ومخالفات للشرع كثيرة .
والذي ننصحك به في ختام هذا الجواب أن تسعى للتوفيق بين زوجتك ووالدتك وعائلتك ، وأن تعطي كل ذي حق حقه ، فتعطي الزوجة حقها في السكن المستقل ،(10/169)
ولا يضرك أن يغضب أحد منهم لانفرادك بالسكن ، لأنك لم تخطئ في ذلك ، ولكن عليك الاستمرار في صلة أقاربك وأمك وإخوانك .
وإذا كنت لا تستطيع في الوقت الحالي أن توفر سكنا مستقلا لزوجته ، فيمكنك أن تعدها وعدا حسنا ، وتوصيها بالصبر والتحمل حتى يغنيكم الله من فضله .
نسأل الله تعالى أن يصلح حالكم ، ويجمع كلمتكم ، ويزيدكم ألفة ومحبة وبرا .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يكفي إخبار المخطوبة بالعيب أم يلزم إخبار أهلها؟
سؤال:
أنا أبلغ من العمر 25 عاماً , وعندي نسبة خصوبة السائل المنوي قليلة ، تتراوح النسبة من 1% إلى 5% من المستوى الطبيعي, رأي الأطباء أنه من الصعب حدوث حمل بهذه النسبة , وممكن اللجوء للإخصاب الصناعي ولكن النسبة قليلة جدا أيضا . أنا الآن مقبل على التقدم لخطبة فتاة , وقد صارحتها بكل شيء وقد وافقت برضا وبإيمان أن كل شيء بيد الله . سؤالي : هل المفروض مصارحة الأهل بهذا الأمر أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا رضيت الفتاة بالزواج ، مع علمها بما ذكرتَ من قلة الخصوبة واحتمال عدم الإنجاب ، وهي بالغة رشيدة ، فهذا كافٍ ، ولا يتوقف الأمر على معرفة وليها ؛ لأن الحقّ لها .
وقد نص الفقهاء على أن الزوج أو الزوجة إذا علم أحدهما بالعيب الموجب للفسخ ، عند العقد أو بعده ورضي به ، أنه يسقط خياره في الفسخ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب , أن لا يكون عالما بها وقت العقد , ولا يرضى بها بعده , فإن علم بها في العقد , أو بعده فرضي , فلا خيار له ، لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (7/142).
وفي "المدونة" (2/144) : " قلت : أرأيت إن تزوجتْ مجبوبا (أي : مقطوع الذكر) أو خصيا وهي تعلم ؟ قال : فلا خيار لها , كذلك قال مالك . قال : قال مالك : إذا تزوجت خصيا وهي لا تعلم فلها الخيار إذا علمت , فقول مالك إنها إذا علمت فلا خيار لها " انتهى .
وقال في "كشاف القناع" (5/111) : " فإن كان أحد الزوجين الذي لا عيب به عالماً بالعيب في الآخر وقت العقد فلا خيار له ، أو علم بالعيب بعد العقد ورضي به فلا خيار له . قال في المبدع : بغير خلاف نعلمه " انتهى بتصرف .
وقال السرخسي الحنفي : " ولو تزوجت واحدا من هؤلاء [أي المجبوب أو الخصي أو العنين] وهي تعلم بحاله , فلا خيار لها فيه ؛ لأنها صارت راضية به حين أقدمت على العقد مع علمها بحاله , ولو رضيت به بعد العقد بأن قالت : رضيت ، سقط(10/170)
خيارها " انتهى من "المبسوط" (5/104) .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (29/69).
ومعلوم أن ضعف الخصوبة دون هذه العيوب التي ذكرها العلماء بمراحل .
فظهر كلام العلماء في ذلك : أنه يكفي علم المرأة بالعيب ، ولا يشترط إخبار أهلها به .
ومسألة الإنجاب ، لا ينبغي أن تحمل لها همّا ، فكم من رجل قيل له ما قيل لك ، ثم رزقه الله تعالى بالذرية ، فالأمر له سبحانه ، والفضل بيده ، وعليك ببذل الأسباب في المعالجة ، وسؤال الله تعالى من فضله .
وننبهك إلى أن المخطوبة أجنبية عن خطيبها فلا يجوز له الخلوة بها ولا ملامستها ، وليكن الحديث في أمر الزواج مع وليها .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز لها العمل في مكتب وحدها لاستقبال الزبائن ؟
سؤال:
أعمل في مكتب يملكه والدي حيث لا يعمل هنا إلا أنا ووالداي وأخي ، وعادة ما يكون والداي بعيدين عن المكتب في ساعات الصباح ، ويقع مراراً أن يضطر أخي للخروج لإنهاء مهام معينة ، ويتركني وحدي لفترات طويلة ، أنا أعمل في مكتب الاستقبال ، مما يستوجب عليَّ مقابلة الزبائن ، أنا أرتدي ملابس مناسبة تتمثل في عباءة ونقاب وقفازين ... إلخ . وسؤالي هو : هل يجوز لي أن أبقى في المكتب وحدي عندما يخرج أخي منه ؟ لقد أخبرت والداي باعتراضي على هذا الوضع لكنهما لا يقبلان بأن هذا الوضع خاطئ ، أرجو منك النصيحة .
الجواب:
الحمد لله
لا مانع من أن تعمل المرأة عملاً مباحاً وفي ظروف شرعية ، فإذا كان عملها في بيع وشراء وتصنيع محرمات ، أو كانت ظروفه غير شرعية كوجود الاختلاط مع الرجال أو الخلوة المحرمة - سواء مع موظف أو مع زبون - : فإن عملها يكون محرَّماً .
وعملكِ مع أهلكِ شرعي ليس فيه محذور ، لكنَّ بقاءكِ وحدك في مكتب الاستقبال يعرضكِ للوقوع في المحذور وهو الخلوة المحرمة ؛ وذلك باحتمال دخول رجل عليكِ وحده ، وهي الخلوة التي نهى عنها الشارع .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) . رواه البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1341 ) .
قال الحافظ ابن حجر :(10/171)
"قوله : ( ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) فيه منع الخلوة بالأجنبية ، وهو إجماع , لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات ؟ والصحيح : الجواز لضعف التهمة به " انتهى .
" فتح الباري " ( 4 / 77 ) .
وقال النووي :
"وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما : فهو حرام باتفاق العلماء , وكذا لو كان معهما من لا يستحي منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك , فإن وجوده كالعدم , وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام ، بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب , فإن الصحيح جوازه " انتهى .
" شرح مسلم " ( 9 / 109 ) .
فالذي يجب على أهلكِ هو الاستجابة لحكم الشرع في عدم بقائك وحدك في المكتب لاستقبال الناس ، وقد ذكرنا أنه يجوز لك العمل معهم بشرط التزامك بالحجاب الكامل ، وكون العمل مباحاً في نفسه ، ولا يكون اختلاط محرم ولا خلوة ، ثم إن في بقائكِ وحدك خطراً عليكِ من الناحية الأمنية ؛ لكثرة السفهاء الذين يتصيدون فرائسهم في الأسواق والمكاتب ويبحثون عن فرصٍ كهذه تكون المرأة فيه في مكان وحدها ، وقد رأينا وسمعنا عن تعديهم على النساء في الأماكن العامة وفي وضح النهار فكيف بهذه ؟! فنسأل الله أن يتمم عليكِ ستره ، وأن يحفظكِ من الشر والسوء ، ولا بدَّ لكِ ولأهلك من الأخذ بالأسباب لحفظ النفس .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تعرفت عليه في الإنترنت وخطبها وليس بينهما تفاهم
سؤال:
عملت لمدة سنتين بعيداً عن أهلي ( ذقت فيها مرارة الغربة والتعب وتأثرت نظرتي للحياة كثيراً ) والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي : ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً ، وساعة ونصف إياباً ، تدور حياتي في محيط الأسرة والدراسة والعمل ، ليس لي صديقات ، ولا أزور أقاربي أو معارفي إلا نادراً ، وتقريباً لا أخرج من المنزل إلا للضرورة ، أو التنزه مع أسرتي أو للذهاب إلى عملي ، أو إحدى الدورات ، وفي فترة من الفترات اشتركت في نادي صحي مع أمي ( وذلك لظروف صحية ، وحفاظا على لياقتي ) ، تربيت في أسرة على الحشمة والالتزام المتوسط ، والمحافظة على الصلاة ، وتأدية ما فرضه الله علينا ، وبحكم عملي وتغربي ومركزي بين أخوتي ( الكبرى ) تعودت على الاستقلال والاعتماد على النفس ، وعلى احترام الآخرين لرأيي ، والداي هما أقرب أصدقاء لي ، لا أخفي عنهما أي سرٍّ من أسراري ، تعرفت على الإنترنت منذ عام 1422 هـ ، اطلعت على كثير من المواقع ، وكان هدفي هو تحسين لغتي الإنجليزية ، وتطوير طريقة تدريسي لها ، وكنت أبحث عن مواضيع مختلفة خاصة بالمرأة والأسرة والحياة الزوجية ، قبل ستة أشهر بينما كنت في أحد برامج ممارسة اللغة(10/172)
الإنجليزية جاءتني رسالة خاصة من أحد الأشخاص يريد أن يناقشني في بعض المسائل المتعلقة بتدريس اللغة الإنجليزية والصعوبات التي نواجهها مع الطالبات ، خصوصا أنه خريج قسم لغة إنجليزية - ينتظر وظيفته ، ويصغرني بعامين - وبعد مقابلتين أو ثلاث في هذا البرنامج ، وعن طريق الرسائل الكتابية القصيرة : سألني أسئلة شخصية مثل عمري / مدينتي / عادات أهلي ، أخيراً أخبرني أنه يريد خطبتي فأعطيته رقم والدي لمجرد اختبار صدقه ، وبالفعل اتصل بوالدي ، وبعد أسبوعين – تقريباً - زارنا وأهله ، في البداية تردد أهلنا ، خصوصا لتحسسهم من طريقة التعارف ، ولعاداتنا وتقاليدنا واختلاف الطباع ( خاصة أنني حضرية وهو شريف ) ، وبعد عدة زيارات من أهله ، ومفاوضات مع أهلي : استطعنا أنا وهو أن نجعلهم يتقبلون الموضوع ، والحمد لله تعيَّن خطيبي في قرية تابعة لمدينته ، وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا ، بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف ( أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران ) ومن خلال هذه الأحاديث تعرفنا على بعض بصورة أكبر ، ولاحظت عليه عدة أمور : أمور إيجابية : ( المحافظة على الصلاة ( هذا شيء شجعني للارتباط به ، خصوصا أنني رفضت قبله أشخاصاً لسبب وحيد هو عدم الصلاة ، أو التهاون فيها ( والالتزام وعدم سماع الأغاني ) ، ( وعدم التدخين أو التعسيل أو التشييش ) ، وهذا شيء شجعني للارتباط به خصوصا أنني رفضت قبله أشخاصاً لسبب وحيد هو التدخين ، ( طيبته وبساطته ) ، ( وجود أمور كثيرة مشتركة بيننا خصوصا في رأينا حول مواضيع مختلفة ) ، ( تخصصنا الدراسي ) ، ( وظائفنا ) ، ( حتى في الأحلام المستقبلية حول الأسرة والأولاد ومواصلة الدراسة ) .
أمور سلبية : أحس أن التزامه لا ينبع من الدين بقدر من تربيته وعادات أهله ، وأنه يريد أن يفرض عليَّ أموراً ، ليس لأنها من الدين بقدر أن مظهره الاجتماعي كشخص متدين لا يسمح ، ونظرته وأهله لي ولأهلي ، يظنون أننا غير متمسكين بالدين وغير محتشمين ، نساؤنا متسلطات ، ومتحكمات يسيِّرن الرجال على أهوائهن - مع أني أرى تقريبا غالب الرجال في العالم يسيرون حسب أراء زوجاتهم ، وحتى ولو أظهروا عكس ذلك - ، ثم نظرتهم إلينا على أننا أقل منهم في النسب ، وأصعب شيء في العلاقة الزوجية إذا احتقر طرف من الأطراف الآخر ، أو لم يثق فيه وفي قدرته على القيام بالواجبات في الحياة الزوجية ، يريد مني التفرغ له ولأولاده ، ووقف حياتي عليهم ، والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما ، وطي كل أحلامي في إكمال دراستي ، أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر ، أو حتى الالتحاق بنادي صحي ، وإن مارست يكون ذلك كرما منه لأن الوقت الذي أقضيه في تلك الأمور من حقه و حق أولاده !
أنا لست ضد الزواج ولا رعاية الأبناء ولا خدمة الزوج ، ولكن أعتقد من حق الزوجة أن يكون لها مساحتها الخاصة .
يرى أن أعمال البيت من واجباتي ، وفي حال استقدام خادمة يجب أن تكون على حسابي ؛ لأنها تقوم بواجباتي ، معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد(10/173)
القران ، ويرى أن ذلك يشوه مظهره أمام أهله ، وأن شروطي تعجيزية ، معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات ؟ مع العلم أن أهلي لم يشترطوا ذلك إلا خوفا عليَّ من المشاكل التي تقع فيها المرأة العاملة مع زوجها بسبب الخادمة ، ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج ، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه أو يستقدم الخدم ، وإن قامت بها الزوجة فهو كرم منها وفضل ! ، مع العلم أنني لا أحب وجود الخادمة في البيت ، فبقليل من التعاون بين الزوجين والأبناء واستخدام وسائل التكنولوجيا ، أو المعاونات الخارجية مثل : كوي الملابس عند المكوجي ووضع الأبناء في حضانة فترة العمل يستطيعون الاستغناء عن الخادمة وشرها ومشاكلها ، ورجال اليوم ليسوا بأفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله والقيام بأعمال البيت .
يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس ، مع أني أخبرته برأيي في هذه الأمور ، الأغاني : لا أرتاح لها وسأتركها في أقرب فرصة ، مشاهدة الأفلام والتمثيل : لا أرى حرمة لها ، بالنسبة للإنجليزية : طريقة للتدرب على سماع اللغة الإنجليزية ، أما التمثيل : فلا أتابع غير الهادف والمفيد منها ، لبس البنطلونات : فأخبرتك أنني إنسانة عاقلة وأعرف ألبس حسب المكان والمناسبة والأشخاص الذين سأقابل ، فأنا في المدرسة وزياراتي الرسمية أو زياراتي لأناس غريبين عني لا أرتديها ، ولكن أحب ارتداءها في الإجازات والخرجات خصوصا أنها أستر لي لأني كثيرة الحركة ، أما بالنسبة لعباءة الرأس فلا أؤيد لبسها ؛ لأنه أساسا لا يوجد شكل معين لحجاب المسلمة ، وبحكم تجربتي وجدت أنها لا تناسبني ، فالعباءة على الكتف المقفلة من الأمام مع وضع طرحة فضفاضة وتغطية الوجه أفضل لي وأستر ، خصوصا لو كنت أحمل أشياء أو أطفال ، أو أسير لمسافة طويلة ، يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي ( أسواق ، منتزهات على البحر ، مراكز ترفيهية ، حتى الكورنيش ) أماكن مختلطة ، لا يستطيع أن يأخذني إليها ، حاولت تفهم غيرته ، ولكني بصراحة قلقة وخائفة من أنه يحبسني في البيت ، ولا يكون خروجي إلا لزيارات الأهل والأقارب التي لا أحبها كثيراً ، خاصة بسبب ما يحدث بين النساء من غيبة ونميمة وحسد وحقد ، يقول : إني لا أعرف كيف أتفاهم معه ، وأسلوبي جاف ، وكثيراً ما أخطئ في حقه ، فأرجوك علِّمني ؛ لأني فعلا بدأت أشك في قدراتي ، وأشعر بالندم الشديد عندما أراه مجروحاً مني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من عادتنا في الأجوبة على الأسئلة التي تردنا أن ننبه على الأخطاء الشرعية التي تأتي في ثنايا السؤال ، وبعضها قد يكون له تعلق في السؤال ، وبعضها الآخر ليس كذلك ، لكنه من المهم لنا أن نبين للسائل الصواب فيما يرد في كلامه ، أداء للنصيحة التي أوجبها الله علينا .
ثانياً :(10/174)
ويمكن إجمال ما رأيناه من المخالفات الشرعية في السؤال سواء ما يتعلق بالزوجة أو الزوج فيما يأتي :
1. السفر من غير محرم :
وقد فهمنا هذا من خلال قول الأخت السائلة : " والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي : ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً ، وساعة ونصف إياباً " .
فإن كان هذا هو الواقع ، وأنه لا يسافر معها محرم لها : فلتعلم أنه " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم " ، ولا تكفي عصبة النساء – كما يراه بعض العلماء – لتسافر المرأة من غير محرم ، ويجب على كل امرأة منهن أن يكون لها محرم .
وانظري تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة : ( 3098 ) و ( 69337 ) و ( 45917 ) و ( 4523 ) .
2. المراسلة مع أجنبي في الإنترنت .
وهو ما حصل منكِ مع الرجل الأجنبي عنك ، وإذا كان هذا الأجنبي عنكِ قد تقدم للزواج منكِ فإن الآلاف لم يفعلوا مع من أوقعوهنَّ في حبائلهم ، وقد تُبنى العلاقة الزوجية التي تقوم على مثل هذه المقدمات على الشك والريبة والتهمة ، وبالتالي لا يُكتب للزواج النجاح .
وقد سبق ذِكر تحريم المراسلة بين الجنسين في جواب السؤالين : ( 26890 ) و ( 10221 ) .
3. القرض الربوي المحتال عليه باسم " المرابحة " :
وقد جاء هذا في قولك عن خطيبك : " وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا " .
وتسمية عامة الناس لهذه المعاملة بـ " القرض " إنما هو تسمية لحقيقتها ، وإن احتالت البنوك على الناس بتسميتها مرابحة ، إذ حقيقتها اقتراض بفائدة ربوية .
وانظري تفصيل المسألة في جواب السؤال رقم : ( 36408 ) .
4. المحادثة أثناء الخطوبة .
قلتِ في سؤالكِ : " بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف ( أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران ) " .
فالواجب الحذر من الخلوة بالمخطوبة ، أو الخروج معها ، أو التوسع في الاختلاط بها ، والحديث إليها ، وخاصة في الهاتف ، وحيث لا يكون هناك محرم أو رقيب .
وانظري جواب الأسئلة ( 7757 ) و ( 2572 ) و ( 20069 ) لتعلمي حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة .
5. الاشتراط في الزواج :
قولكِ : " معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات ؟ " .
والجواب : نعم ، معقول ، واشتراط الأمور الصعبة على الزوج مما يساهم في تعقيد الحياة الزوجية ، وقد يكون فيها تكليف الزوج ما لا يطيق ، فيؤثر ذلك سلباً على نفسيته وحياته وتعامله مع زوجته وأهلها .(10/175)
ثم إن اشتراط الأشياء الصعبة والطلبات على الزوج لا يدل على رجاحة عقل ولا شرف نسب ، وهذه فاطمة رضي الله عنها وهي من أشرف نساء العالمين ، وابنة سيد المرسلين لم تَشترط في زواجها شروطاً ( صعبة ) ، ولا كان فيه كثرة ( طلبات ) ، وكذا نقول في بنات النبي صلى الله عليه وسلم وبنات أصحابه المشرفات المكرمات نسباً وديناً وعقلاً .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [ قصيفة ] وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةِ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفُ الْإِذْخِرِ ) .
رواه أحمد (644) والنسائي (3384) وصححه الألباني .
وقد جاء في السنة المشرفة ما يدل على خلاف ذلك الظن الذي تظنينه ، وهو الترغيب بتيسير الخِطبة ، وقلة مؤنة الزواج .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ : تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ) .
رواه أحمد ( 23957 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 2235 ) .
6. خدمة المرأة لزوجها :
قولكِ : " ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج ، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه ، أو يستقدم الخدم ، وإن قامت بها الزوجة : فهو كرم منها وفضل ! " .
وهذا وإن كان هو قول الجمهور لكنه قول ضعيف مرجوح ، وليست خدمة المرأة في بيتها كرماً منها وفضلاً ، بل هو واجب عليها ولا شك ، وإنما يكون ذلك بحسب قدرتها وطاقتها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية ، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .
" الفتاوى الكبرى " ( 4 / 561 ) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين - حفظه الله -:
قرأت في إحدى الصحف هنا فتوى لأحد العلماء يقول فيها إن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجبة عليها أصلاً وإنما عقده عليها للاستمتاع فقط ، أما خدمتها له فذلك من باب حسن العشرة ، وقال إنه يلزم الزوج إحضار خدم لزوجته لو كانت لا تخدمه أو تخدم نفسها لأي سبب ، هل هذا صحيح وإذا كان غير صحيح فالحمد لله أن هذه الصحيفة ليست واسعة الانتشار ، وإلا لأصبح الأزواج بعضهم عزابا عندما تقرأ بعض النسوة هذه الفتوى ؟ .
فأجاب :
هذه الفتوى غير صحيحة ، ولا عمل عليها ؛ فقد كانت النساء الصحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها للزبير بن العوام ، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي رضي الله عنهما وغيرهما ، ولم يزل عُرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور ، وكذا في سقي الدواب وحلبها ، وفي(10/176)
الحرث ونحوه ، كلٌّ بما يناسبه ، وهذا عُرفٌ جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير ، ولكن لا ينبغي تكليفها بما فيه مشقة وصعوبة ، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة ، والله الموفق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 662 ، 663 ) .
وانظري جواب السؤالين : ( 12539 ) و ( 10680 ) .
7. حكم التمثيل ومشاهدة الأفلام .
قولكِ : " مشاهدة الأفلام والتمثيل : لا أرى حرمة لها " .
ولا شك أن هذا خطأ ، وفي الأفلام كثير من المنكرات كخروج النساء سافرات ، وقصص الحب والعشق المحرم ، وشرب الخمور ، والعلاقات المحرَّمة ، وإشاعة الجريمة والجرأة على الأخلاق الفاضلة .
وللتفصيل : ينظر جواب السؤالين : ( 21227 ) و ( 13956 ) .
8. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس " .
أما المعازف والأغاني : فينظر تفصيل الحكم في حرمتهما : أجوبة الأسئلة : ( 43736 ) و ( 5000 ) و ( 5011 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 8555 ) للوقوف على حكم لبس المرأة العباءة على الكتف .
وأما الأفلام والتمثيل : فقد سبقت الإحالة على الأجوبة التي فيها حكمهما .
ثالثاً :
وللإنصاف فقد جاء في سؤالك ذِكر شيء ينكره الخاطب وهو أمر جائز لكِ شرعاً ، وهو اشتراط والدكِ عليه الخادمة ، كما جاء في قولكِ " معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد القران " .
لكن لوجود الخادمة في البيت أحكام ومفاسد ، فانظري جواب السؤالين : ( 22980 ) و ( 26231 ) .
رابعاً :
هناك أشياء يطلبها الخاطب وهي صحيحة ، ليس لكِ أن تنكري شيئاً منها ، ومنها :
1. قولكِ " يريد مني التفرغ له ولأولاده ، ووقف حياتي عليهم والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما وطي كل أحلامي في إكمال دراستي أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر ، أو حتى الالتحاق بنادي صحي " .
فتفرغ المرأة لبيتها وأولادها وزوجها من أعظم أعمال المرأة ، وهو عمل ما يفوق في مدته وعظَم شأنه وحتى تكلفته المادية ما يقوم به الزوج من أعمال خارج المنزل .
وقد كثرت أصوات النساء في الغرب الداعيات إلى الرجوع بالمرأة إلى عملها الذي تحسنه ، والذي تحافظ فيه على مروءتها وكرامتها ، وهو عمل البيت ، والذي لا تكفيها ساعات النهار والليل للقيام به ، فكيف إن كانت مفرطة بكثرة الخروج من بيتها للعمل المستمر ؟! .(10/177)
2. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس " .
وقد سبق التنبيه على هذه المسائل .
3. قولكِ " يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي ( أسواق ، منتزهات على البحر ، مراكز ترفيهية ، حتى الكورنيش ) أماكن مختلطة ، لا يستطيع أن يأخذني إليها ) .
وهو صادق في كون تلك الأماكن مختلطة ، لكنه يمكنه التحرز عن أماكن الاختلاط في بعضها ، واختيار الزمان والمكان المناسبيْن للذهاب إلى تلك الأماكن .
ويجب أن تعلمي أن دافعه في عدم اصطحابك لتلك الأماكن هي غيرته عليكِ ، وهو أمر محمود وجوده في الزوج ، وليست هي غيرة سيئة كتلك التي يصاحبها التهمة والريبة ، بل هي غيرة محمودة ينبغي لك تشجيعه على وجودها وتنميتها فيه ، ويمكنك التلطف في طلب اختيار الأماكن المناسبة والأوقات الملائمة لزيارة تلك الأماكن أو بعضها .
وانظري جواب السؤال رقم : ( 8901 ) ففيه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في حكم الذهاب لأماكن الترفيه التي تكثر فيها المنكرات .
خامساً :
وأخيراً :
الحياة الزوجية حياة رائعة ، وهي قائمة على التفاهم والانسجام ، والله تعالى يجعل فيها بين الزوجين مودة ورحمة من أجل استمرارها وديمومتها .
وإذا رأت المرأة من نفسها أو ممن تقدم لها عدم الانسجام في المواقف والتلاقي في الأفكار : فإن من الأفضل أن تتأنى في إتمام ذلك الزواج ، وخاصة إذا حصلت خلافات قبل الدخول ، أو حول أمور يصعب على كل من الطرفين أن يتقبل وجهة نظر الآخر فيها ، أو يتفهم موقفه ، أو يستغني عنها في حياته ، فهنا يصبح الإقدام على إتمام ذلك الزواج مخاطرة غير مأمونة.
والذي ننصحك به : هو إصلاح نفسكِ وترك الأفعال المحرَّمة التي نبهناكِ عليها – ولا علاقة لهذا التنبيه بالزواج فهي حرام حتى لو لم تتزوجي - ، وبعدها يمكنك التفاهم مع خطيبك على ما يحل لك شرعاً ، فإن رضي بهذا التفاهم وانشرح صدره له ، وذلَّل العقبات : فلعل الاستمرار في الزواج أن يكون خيراً للطرفين ، وإن رضيتِ لنفسك الاستمرار فيما نبهناكِ عليه مما لا يحل لك شرعاً فعله : فإننا لا ننصحه بالتزوج منك ، ومن حقه بل من الواجب عليه أن لا يفعل .
واعلمي أن السعادة هي في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وأن الموفَّق للطاعة يجعل الله تعالى صدره منشرحاً ، وإذا وفق الله تعالى الطائع لزواج مبارك وأسرة طيبة : فإنه يكون في جنَّة قبل جنَّة الخلد ، فاحرصي على الطاعة ، وابحثي عن زوج يرعى حدود الله تعالى ، فإن الخير كل الخير لك في الدنيا هو في البحث عن رضا الله تعالى .
وللأهمية : نرجو منكِ النظر في جواب السؤالين : ( 33710 ) و ( 22397 ) .
والله الموفق(10/178)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
أهلها يعترضون على سكنها مع عائلة زوجها
سؤال:
أنا متزوج منذ 4 أشهر، ولقد وعدت زوجتي بأن أسكنها لوحدها ، لكن لصعوبة العثور على سكن لائق في مدينتي ، طلبت منها أن نسكن مؤقتا مع أهلي . فهل يجوز لوالديها أن يعترضا على انتقالها السكن مع أهلي؟
الجواب:
الحمد لله
السكن حق من حقوق الزوجة الواجبة على زوجها اتفاقا؛ لأن الله تعالى جعل للمطلقة الرجعية السكنى على زوجها فقال سبحانه: ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) فوجوب السكنى للتي هي في صلب النكاح أولى؛ ولأن الله تعالى أوجب المعاشرة بين الأزواج بالمعروف فقال : ( وعاشروهن بالمعروف ) ومن المعروف المأمور به أن يسكنها في مسكن تأمن فيه على نفسها ومالها , كما أن الزوجة لا تستغني عن المسكن ; للاستتار عن العيون والاستمتاع وحفظ المتاع ، فلذلك كانت السكنى حقا لها على زوجها .
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن للزوجة الحق في سكن مستقل عن أقارب الزوج ، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه أو أحدهما .
وذهب المالكية إلى التفريق بين الزوجة الشريفة والوضيعة , وقالوا بعدم جواز الجمع بين الزوجة الشريفة والوالدين , وبجواز ذلك مع الزوجة الوضيعة , إلا إذا كان في الجمع بين الوضيعة والوالدين ضرر عليها . ينظر : الموسوعة الفقهية (25/109) ، الشرح الصغير على مختصر خليل (2/737).
لكن المقصود بالسكن عند الفقهاء ، يتحقق بغرفة لها باب وقفل ، مع كنيف (بيت الخلاء) ومطبخ ، إلا أن يكونوا من الفقراء الذي يرضون بالاشتراك في المطبخ وبيت الخلاء .
قال ابن عابدين في حاشيته (3/600) : (( قوله وبيت منفرد ) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين ... والظاهر أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار ( قوله له غَلَق ) بالتحريك : ما يغلق ويفتح بالمفتاح ... ( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت أو في الدار ، لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار . قلت : وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش ؛ بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه وبعض المرافق مشتركة كالخلاء والتنور وبئر الماء).
وانظر السؤال رقم (7653)
ثانيا :
إذا قبلت الزوجة السكن مع أهلك ، فلا حرج في ذلك ، لأنه تنازل منها عن حقها ، وليس لوالديها الاعتراض على ذلك ، ما دامت بالغة رشيدة .(10/179)
ولها أن ترجع عن هذه الموافقة ، لأن حقها في السكن المستقل لا يسقط بتنازلها .
ثالثا :
إسكان الزوجة مع أهل الزوج ينبغي أن يقيد بالسلامة من المحظور ، كالخلوة والاطلاع عليها من قبل أحماء الزوج ، كإخوانه وأعمامه ونحوهم .
ومعلوم أن المرأة لا يجوز لها أن تخلو أو تصافح أو تكشف شيئا من عورتها لإخوان زوجها ، لأنهم أجانب عنها كسائر الأجانب ، بل الاحتياط منهم أولى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله فرأيت الحمو ؟ قال: ( الحمو الموت ) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172) قال الليث بن سعد : الحمو أخ الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه. رواه مسلم .
وينبغي ـ أيضا ـ أن يقيد بحال كل من الزوجة وأهل الزوج ، وما إذا كان كل من الطرفين يحتمل المشاركة في السكن ، والخلطة في المعيشة ، فقد دل واقع الناس اليوم على أن الحياة الزوجية تتأثر كثيرا بمثل هذه الظروف في السكن ، وأن كثيرا من المشاكل بين الطرفين يكون سببه هذه الخلطة ، حتى لقد أصبحت استقامة الحياة الزوجية وهدوؤها ، مع الاشتراك في السكن مع أهل الزوج أمرا عزيزا نادر الحدوث ؛ ولعله ـ لما يرى الناس جميعا من ذلك ـ اعترض أهل زوجتك على انتقالك للسكن مع أهلك ، حفاظا على استقامة حياتكما الزوجية ، وليس تعنتا أو تحكما فيما يخصك ويخص زوجك .
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح ، وأن يصلحك ويصلح لك أهلك وزوجك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تحرش المحارم
سؤال:
تحرش بي عمي من قبل عدة مرات ، وبعد ذلك صارحت والدي بما حدث ، فلم أجد منه سوى رد فعل لا يقارن بما فعله بي عمي , وأجد والدي الآن على علاقة طيبة جدّاً بعمي ، ويدعوه إلى البيات معنا في منزلنا ، ويعامله معاملة حسنة جدّاً ، وأنا لا أتحمل هذا ، فما عقاب والدي ؟ وهل إذا شعرت بالكراهية تجاه والدي هل يوجد ذنب عليَّ ؟ وجزاكم الله كل خير .
الجواب:
الحمد للَّه
قد أحسنتِ حين شكوتِ أمر عمكِ إلى والدك ، فقد كان تصرفا حكيما يدل على عقل وخلق ودين ، نسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله ويحفظك بحفظه ، ولكن لا تعجلي في الحكم على والدك بالكراهة ، أو التشكك في حرصه على حفظك ورعايتك .(10/180)
نعم الواجب عليه أن يكون أكثر صرامة مع أخيه الذي تكرر منه التحرش ، وأقل ما جب عليه فعله هو عدم السماح له بالمبيت في منزلكم ، وعدم استئمانه على بيته وأهله وعرضه ، بل عدم السماح له بزيارتكم ورؤيتكم ، والغيرة الشرعية تقتضي منه توعد أخيه بقطع العلاقة معه ، فالأولاد أمانة في عنق والدهم ، وهو مسؤول عن حفظ ورعاية هذه الأمانة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَلَا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنهُم ) رواه البخاري ( 2554 ) ومسلم ( 1829 ) .
ولكن قد يقصر بعض الآباء في ذلك بسبب قلة الوعي وسوء تقدير للأمور ، أو لثقة زائدة في أخيه ، أو شعور بأن أخاه قد تاب وندم ، وأن تحرشه إنما كان زلة .
فلا تتعجلي في اتهام والدك والظن بإهماله عرضه وعرض بناته ، وتجاوزي ذلك بمصارحته ومحاورته والاستعانة بالوالدة والإخوان ، وحاولي إقناعه بخطورة الأمر وأنه لا ينبغي التساهل فيه ، خاصة وأنه قد اتخذ موقفا من أخيه ، لكنه رد فعل ضعيف كما وصفته أنت في السؤال ، وهو على كل حال يدل على حرص من والدك ولو إلى حد ما .
فإن أراد أن يمنح أخاه فرصة أخيرة فلا يكون ذلك بالإذن له بالمبيت عندكم ، فإن في ذلك إعانة للشيطان عليه ، بل يكون بالبعد عنكم وعن مخالطتكم ، وإن أراد أن يبقى على اتصال به فليكن بينهما دون أن يكون لكم أنتم أهل بيته شأن في الموضوع .
فإن أصر والدك – لا قدر الله – على اختلاط أخيه بكم ، والتوسعة له في منزلكم ، فلا يجوز لك السكوت والرضا حينئذ ، ويجب أن تتحلي بالقوة والشجاعة كي تشكي أمر والدك لأقرب الناس إلى أسرتكم ممن ترين فيه الدين والخلق والحكمة ، واستعيني بهم على حل المشكلة التي تواجهين ، ولا بد أن تجدي من يتفهم الموقف ويكون خير معين لك إن شاء الله .
وعليك أنت خلال ذلك المحافظة على الحجاب الشرعي الكامل ، فإن كثيرا من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم ، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً ، وتكشف ساقيها وذراعيها وأكثر من ذلك ، بدعوى أنها تجلس مع محارمها ، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل محرَّم ، وأن المحرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه ، خاصة إذا كان شابّاً عزباً .
وعليك الابتعاد عن المكان الذي يراك فيه عمك هذا ، وقطع العلاقة به تماما ، فلا تجلسي في مجلس يكون فيه ، ولا تلقي عليه السلام ، وإن وجدت بيتا من بيوت محارمك من أصحاب الخلق والدين فاخرجي إليه حتى يخرج عمك السيء من منزلكم .
بل إننا ننبهك هنا إلى مسألة مهمة ، في حال عدم تصرف التصرف المناسب أمام تلك المشكلة ، وعدم مبالاته بالتصرف الشائن لهذا الأخ الخائن ؛ ننبهك إلى أنه سوف يكون عليك أن تتحملي مسئولية كبيرة تجاه نفسك ودينك ، مسئولية في تعويض ذلك المقدر المفتقد من غيرة والدك ، وحسن قوامته عليك ، ورعايته لك ،(10/181)
خاصة فيما يتعلق بأمر الدين والفضيلة ، والحفاظ على حجابك ، والبعد عن الاختلاط والخلوة المحرمة .
والله سبحانه وتعالى مطلع على حالك ، ويعلم أنك تحبين الفضيلة وتكرهين الرذيلة ، وأنك تجاهدين في سبيل درء كل فتنة ، وسيكتب لك أجرك إن شاء الله تعالى كاملا موفرا غير منقوص .
قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الأحزاب/35 .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
هل يتزوج من تطلقت لأجله ؟
سؤال:
أنا رجل متزوج منذ 13 سنة ، وعندي ثلاثة أولاد ، منذ حوالي سنتين وأنا منفصل عن فراش زوجتي ، علاوة على أن زوجتي أصبحت سمينة جدّاً ، ولا تهتم بنفسها !!
تعرفت منذ سنة ونصف على امرأة متزوجة ، ووقعت هذه المرأة في حبي الشديد ، لدرجة أنها تركت زوجها وطفلتيها وتطلقت ، منذ طلاقها وهي ملتصقة بي التصاقاً شديداً ، حتى إنها قدمت من بلدها لتزورني هنا وتقيم معي لعدة أيام ( عائلتي موجودة في بلد آخر ) ، تتصل بي يوميّاً وعن طريق الإيميل ، اتفقنا مرات كثيرة على الزواج ، ولكنني أتراجع في كل مرة خوفا على أولادي وبيتي من الهدم ، ولكن بنفس الوقت فأنا أشفق عليها جدّاً ؛ لأنها ضحت بحياتها وبناتها من أجل سعادتنا معا ( رغم أنني لم أطلب منها الطلاق ) ، أريد أن أتزوج هذه المرأة ، ولكنني بنفس الوقت لا أستطيع نسيان أنها كانت زوجة لرجل قبلي وكانت تمارس معه الجنس ، أنا الآن ملتزم دينيّاً منذ رمضان ، ولا أفوِّت أي فرض صلاة في المسجد ، وأقرأ القرآن ، وأتصدق ، وأخلاقي أصبحت ممتازة مقارنة بما كانت عليه ، وأيضا هي أصبحت ممتازة جدّاً ، أخاف من الله أن أكون قد تسببت بهدم حياتها الأولى ، وأريد أن أعيش معها كزوجة ثانية ، ولكني أخاف على بيتي وأولادي من الهدم ، وأخاف أن لا أنسى زواجها الأول
أرجوكم أرشدوني ، فتأنيب الضمير يقتلني ، ويفسد علي عبادتي ، علما أنني قادر ماديّاً على الزواج .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
عجيب أمر تلك النفوس التي تأبى إلا سلوك سبيل الردى والهلاك .(10/182)
وغريب حال تلك النفوس التي تتخبط في كل واد في سبيل تحصيل لذة فانية ، أو سعادة متوهمة .
فمن رزقه الله سبحانه بيتا وأولاداً ؛ ثم لا يقنع بعد ذلك إلا بإفساد بيوت الناس وهدم سعادتهم ، فليت شعري ؛ عن أي سعادة يبحث ، وفي أي سبل الأهواء يسير ؟!
ثم ها أنت ذا ، أيها السائل الكريم ، لم تعد ترى من زوجك وأم أولادك إلا أنها أصبحت سمينة جدا ، ولا تهتم بنفسها !!
فيا عجبا كل العجب ، من الشيطان حين يزين للإنسان ما حرم الله عليه ، ويصده عما أحله الله له بكل سبيل !!
ولمن تعتني زوجك بنفسها ، وأنت قد هجرت فراشها من زمن طويل ، ثم لم تكتف بذلك حتى صرت تسكن ببلد ، وزوجك وأولادك ببلد آخر ؟!!
أهكذا تكون البيوت ؟!! أم هكذا يكون قيامك بشأن أسرتك ورعيتك التي استرعاك الله عليها ؟!!
وإذا قدر أن رجلا لم تكفه زوجته الأولى ، أو قصرت في بعض شأنه ، فقد أوسع الله علينا – نحن المسلمين – فأباح لنا أربعا من الزوجات ، تقوم الواحدة منهن بإكمال نقص الأخرى ، في مقابل قيام الزوج على أمورهن وأمور أبنائهن والعدل بينهن .
فسد حاجة النفس لا يكون بالنظر إلى ما من الله به على بعض الناس ، أو فضلهم به علينا ، من زوجة أو أولاد أو أموال : ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32 .
وإذا كان الله تعالى قد من الله علينا من الحلال بما فيه الكفاية ، فما حاجتنا إلى سبل الغواية في إعفاف النفس وسد حاجاتها ؛ اللهم إلا أن يكون كل هم المرء أن يجري خلف الشهوات المسعورة ؟!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) . رواه أبو داود ( 2175 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وروى أبو داود ( 5170 ) – أيضاً - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي – رحمه الله - :
( مَن خبَّب ) : بتشديد الباء الأولى ، أي : خدع وأفسد .
( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها .
" عون المعبود " ( 6 / 159 ) .
وقال :
( مَنْ خَبَّب زوجة امرئ ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك .(10/183)
" عون المعبود " ( 14 / 52 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن إمام المسلمين : خبب امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو بها ، فهل يُصَلَّى خلفه ؟ وما حكمه ؟ .
فأجاب :
في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه ) فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين ، لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها هو ، مع إصراره على الخلوة بها ، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك ، ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين إلا أن يتوب ، فان تاب تاب الله عليه ، فاذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغى أن يصلى خلفه ، فلا يصلَّى خلفَ من ظَهَرَ فجوره لغير حاجة ، والله أعلم .
" مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، وتبرأ منه ، وهو من أكبر الكبائر ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه : فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما ، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا ؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها ، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق ، له المطالبة به يوم القيامة ، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله ، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة ، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة ، وقيل له : خذ من حسناته ما شئت ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : فما ظنكم ؟! أي : فما تظنون تبقى له من حسناته ، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً ، أو ذا رحم محرم : تعدد الظلم ، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار ، ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا من لا يأمن جاره بوائقه .
" الجواب الكافي " ( ص 154 ) .
وإفساد الزوجة على زوجها ليس فقط بأن تطلب منها الطلاق ، بل إن محاولة ملامسة العواطف والمشاعر ، والتسبب في تعليقها بك أعظم إفساد ، وأشنع مسعى يمكن أن يسعى به بين الناس .
نعم – أخي السائل – لقد أتيت أمرا عظيما حين تعرفت على تلك المرأة واتصلت بها حتى هدمت أسرتها ، كما أتت هي أيضا أمرا عظيما حين تعلقت بغير زوجها ، حتى طلبت منه الطلاق ، فخربت بيتها بيدها ، وسألت ما لا يحل لها .(10/184)
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) .
رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ونحن إنما نرجو بهذا العتاب الشديد أن يقذف الله في قلب كل من يقرأ هذا الجواب فظيع عاقبة التعدي على الحرمات ، والتساهل في أمور الاتصال بالجنس الآخر والحديث إليه ، وقد أشرنا مرارا إلى كلام أهل العلم في تحريم ذلك .
انظر ( 26890 ) ، ( 52768 ) ، ( 66266 ) ، ( 59907 ) .
كما نرجو أن يكون ذلك حافزاً لكما على إخلاص التوبة لله تعالى ، والإنابة إليه ، وسؤال المغفرة منه سبحانه على ما فات ، وأخيرا رد المظالم إلى أهلها .
واعلم – أخي الكريم – أن الله سبحانه يقبل التوبة عن عبادة إذا صدقوا بها ، وأن باب رحمته مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ، بل كثيرا ما يكون العبد بعد المعصية والتوبة خيرا منه قبلها .
يقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/53-54 .
ويقول عز وجل : ( إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/222 .
ثانياً :
من شروط التوبة الصادقة رد المظالم إلى أهلها ، فإن المؤاخذة لا تسقط حتى ترجع المظلمة ويأخذ المظلوم حقه في الدنيا قبل الآخرة .
فالواجب على تلك المرأة الرجوع إلى بيتها ، ومحاولة الاعتذار إلى زوجها السابق عن طريق بعض المقربين منهما ، ولو رفع الأمر إلى القاضي لما أجاز أي عقد على تلك المرأة حتى تتوب وترجع إلى زوجها .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 5 / 251 ) :
وقد صرّح الفقهاء بالتّضييق عليه وزجره ، حتّى قال المالكيّة بتأبيد تحريم المرأة المخبّبة على من أفسدها على زوجها معاملةً له بنقيض قصده ، ولئلاّ يتّخذ النّاس ذلك ذريعةً إلى إفساد الزّوجات . انتهى .
والزواج الذي يبدأ بمعصية الله تعالى لن يوفق في الغالب ، وسينقلب نقمة على صاحبه .
فإذا عفا الزوج وسامح فالحمد لله ، فإن رفض ولم يقبل إرجاع زوجته ، فلا حرج عليكما أن تتزوجا حينئذ ، مع استشعار الندم وسؤال الله تعالى العفو والمغفرة .
وجمهور العلماء يرون صحة عقد من أفسد على رجل زوجته حتى طلقها ثم تزوجها هو ، رغم إثم التخبيب – وهو القول الراجح - ، وخالف في ذلك بعض أهل العلم من المالكية والحنابلة فأبطلوا العقد .
ففي " الإقناع " ( 3 / 181 ) – وهو من كتب الحنابلة - :
وقال في رجل خبب امرأة على زوجها : يعاقب عقوبة بليغة ، ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ، ويجب التفريق بينهما . انتهى .(10/185)
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 11 / 19 ، 20 ) :
انفرد المالكيّة بذكرهم الحكم في هذه المسألة ، وصورتها : أن يفسد رجل زوجة رجل آخر ، بحيث يؤدّي ذلك الإفساد إلى طلاقها منه ، ثمّ يتزوّجها ذلك المفسد .
فقد ذكروا أنّ النّكاح يفسخ قبل الدّخول وبعده بلا خلاف عندهم ، وإنّما الخلاف عندهم في تأبيد تحريمها على ذلك المفسد أو عدم تأبيده ، فذكروا فيه قولين :
أحدهما - وهو المشهور - : أنّه لا يتأبّد ، فإذا عادت لزوجها الأوّل وطلّقها ، أو مات عنها جاز لذلك المفسد نكاحها .
الثّاني : أنّ التّحريم يتأبّد ، وقد ذكر هذا القول يوسف بن عمر كما جاء في شرح الزّرقانيّ ، وأفتى به غير واحد من المتأخّرين في فاس .
هذا ومع أنّ غير المالكيّة من الفقهاء لم يصرّحوا بحكم هذه المسألة ، إلاّ أنّ الحكم فيها وهو التّحريم معلوم ممّا سبق في الحديث المتقدّم . انتهى .
وفي " كتب أئمة الدعوة النجدية " ( 7 / 89 ) :
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد - رحمهما الله - : عن رجل خبب امرأة على زوجها وتزوجها ؟ .
فأجاب :
نكاح الثاني الذي خببها على زوجها : باطل ، ويجب أن يفارقها ؛ لأنه عاص لله في فعله ذلك. انتهى .
ونرجو لكَ ، بحسن توبتك وصدقك مع الله تعالى أن يوفقك إن تزوجت هذه المرأة ، إذا بدأت أولا بمحاولة إصلاح ما أفسدت من شأنها مع وزجها الأول .
وأما أنها كانت زوجة لغيرك ، وكان بينهما ما يكون بين المرء وزوجه ، فهذا هاجس لا قيمة له في واقع الأمر ؛ فالذي يأنف الحر منه أن تكون امرأة لوثت نفسها بعشرة في الحرام ، وأما ما أحله الله له لعباده وشرعه لهم ، فلا وجه للأنفة منه !!
قال الله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) (التحريم:5) ؛ فجعل الله تعالى النعمة بزواج الثيب ، كالنعمة بزواج البكر .
ثم ما تخشاه من ضياع أولادك ، هو وارد في زيجة تفكر فيها ، بعد زواجك الأول ؛ والذي نرجوه أنك ، إذا تزوجت هذا المرأة أو غيرها ، ألا تبني بيتا جديدا على أنقاض بيتك الأول ، الذي فيه زوجك الأولى وأولادك ؛ بل الواجب على من أراد خوض تلك التجربة أن يكون عنده من الحكمة والكياسة ما يعينه على تدبير أمر بيته ، وسياسة رعيته ، وأن يكون عنده من العدل بين نسائه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، ما لا يبقي عليه تبعة لأحد ، ولا مظلمة يطلبه بها عند ربه .
قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على جمعهنّ؟
قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش !! [ عيون الأخبار 1/396] .
ونسأل الله لنا ولكما العفو والتوفيق
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب(10/186)
ـــــــــــــــــــــ
العمل في إنتاج رقائق إلكترونية تستخدم في التلفاز والدش والحواسب والسيارات
سؤال:
أعمل مهندس بشركة علمية في مجال الميكروإلكترونية (Microelectronic). هذه الشركة تنتج نظما على الرقائق (System on Chip ) تستعمل في عديد المجالات: تلفاز ، حواسب ، هاتف جوال، طائرات، سيارات، دش... نواجه كذلك الاختلاط وهذا ما لا مفر منه في الشركات في بلدنا لكن الحمد لله لدي صحبة صالحة في العمل نتواصى بالحق ، وينصح بعضنا البعض. سؤالي هو هل مأكلي حلال ؟ وأرجو النصح والإرشاد.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى لكم العون والتوفيق والثبات ، ونوصيكم بمزيد من الألفة والتعاون على البر والتقوى ، والسعي في نشر الخير ، والدعوة إليه بما يتاح من الوسائل .
ثانيا :
العمل في الأماكن المختلطة ، له مفاسد ومضار لا تخفى على أحد ، لكن من ابتلي بذلك ، ولم يجد مجالا آخر للعمل ، فليتق الله تعالى ، وليعتصم بغض البصر ، والبعد عن الخلوة ، والمصافحة ، وأسباب الفتنة والشر ، وليجتهد في البحث عن عمل آخر ، يسلم له فيه قلبه ودينه ، ولو كان براتب أقل ، فإن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس والمال . وراجع السؤال رقم (50398) .
ثالثا :
إذا كانت الشركة تنتج رقائق متعددة ، تستعمل بعضها في الحواسب ، وأخرى في الطائرات ، وثالثة في أجهزة التلفاز والدش . . إلخ ، فاجتنب العمل في إعداد ما يتصل بالتلفاز والدش ؛ لأن الغالب هو استعمال هذه الأجهزة في المعصية ، نظرا واستماعا .
وكل ما غلب استعماله في المعصية لم يجز الإعانة عليه ، بتصنيعٍ أو تصليحٍ أو تركيبٍ أو بيع ، إلا لمن عُلم أنه يستخدمه في المباح . وانظر السؤال رقم (39744) .
وإذا كان النظام المنتج مما يمكن استعماله في هذه الأمور كلها (التلفاز والحواسب والسيارات ...) ، فلا حرج في العمل في إنتاجه ، لغلبة المباح .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
تظهر زينتها أمام إخوة زوجها
سؤال:
السؤال هو : زوجة أخي لا تستحي أو تخجل من إخوتي ، تظهر أمامهم بحركات ولباس لا يليق بها ، وهي سيئة الخلق معنا نحن أخوات زوجها ، تتعامل معنا(10/187)
بوقاحة ، ومع إخوتي الرجال بلطف ولين ودلع ، وتغريهم بحركاتها وكلامها ، حتى إن أحد إخواني بدأ ينتقد زوجته على كل شيء ، وحوَّل حياتها إلى جحيم بسبب زوجة أخي هذه ، حاولنا أن نعلمها أو نصلحها دون فائدة ، قلنا لزوجها بما تفعله من حركات وكيف علاقتها بنا ، وهو لا يعلم عنها كل شيء ؛ لأنه يقضى معظم وقته في العمل ، كل الأهل يعرفون أنها سيئة الخلق ، وأخي أحياناً يضربها على أفعالها ، ولكنه متمسك بها بإصرار من والدتي ، لا يريد طلاقها ، فما هو الحل معها ؟ وكيف يمكن التعامل معها ؟ وهل أترك المنكر هذا ولا أهتم به ؟ فكرت أن أسعى لتزويج أخي بامرأة أخرى صالحة ، أرجو منكم إفادتي .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أوجب الله تعالى على المسلمين نصح بعضهم بعضاً ، وأوجب على من نُصح بالحق أن يستجيب لأمر الله تعالى ، وأن يكف عن القبائح التي يرتكبها ، لذا فإن عليكم واجب النصح :
1. لزوجة أخيكم أن تكف عن فعل ما حرَّمه الله عليها من الكشف عن شيء من جسمها أمام إخوة زوجها ، ومن التكسر في كلامها ، وأفعالها ومن الإساءة لكُنَّ .
2. ولأخيكم نفسِه أن يَمنع زوجته من مخالطة الرجال الأجانب ، وأن يمنعها من الإساءة لأخواته ، وأن ينتبه للشرور التي يمكن أن تُحدثها في البيت من التفرقة بين إخوته ونسائهم .
3. وعلى والديكم أن يكون لهم موقف من أفعال زوجة ابنهم .
4. وعلى إخوة الزوج أن لا يجلسوا مع زوجة أخيهم ، ولا يستمعوا لكلامها ، وأن يحذروا أن تكون سبباً للفرقة بين الأسرة الواحدة ، والفرقة بينهم وبين نسائهم .
ثانياً :
ويجب عليها أن تعلم حدود الله تعالى فتقف عندها ، وواجب على زوجها – كذلك – أن يعلم أن زوجته من رعيته التي أوجب الشرع عليه أن يقوم برعايتها ، وليعلم أنه مسئول يوم القيامة عنها وعن أفعالها .
ومما يوجبه الإسلام عليها:
1. أن تحافظ على حيائها ، وعفتها ، وتغض بصرها عما حرَّم الله عليها .
قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :(10/188)
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 396 ) .
2. المحافظة على حجابها الكامل أمام الرجال الأجانب ، ولتعلم أن إخوة زوجها منهم ، بل يجب أن تحتاط في لباسها وزينتها وكلامها أمامهم أكثر من غيرهم ، وفي الآية السابقة من سورة النور بيان من يجوز لهم إظهار زينتها أمامهم .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
وانظري شرح الإمام النووي لهذا الحديث في جواب السؤال ( 12837 ) .
3. أن تلتزم أحكام الشرع في كلامها مع الأجانب ، وفي مشيتها ، فلا يكون في كلامها ولا أفعالها ميوعة وتكسر ، قال تعالى : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/ من الآية 32 .
4. تجنب وضع الطيب الذي يجد ريحه الأجانب .
فعَنْ أَبي مُوسى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) .
رواه الترمذي ( 2786 ) وأبو داود ( 4173 ) والنسائي ( 5126 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود "
5. تمتنع عن الخلوة بأحدٍ من إخوة زوجها ، كما تمتنع عن الاختلاط بهم .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) ، رواه البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1341 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
هل يجوز للمرأة أن تجلس مع أقارب زوجها وهي محجبة حجاب السنَّة ؟
فأجاب :
" يجوز للمرأة أن تجلس مع إخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجبة الحجاب الشرعي ، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها ؛ لأنها عورة وفتنة ، إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة ، أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر : فلا يجوز ، وهكذا الجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك .
ولا يجوز لها الخلوة بواحد منهم أو غيرهم ممن ليس محرماً لها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ) أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 422 ، 423 ) .
ويجب على الزوج أن يقف على هذه الأوامر والنواهي ، وأن يعلم أنه مسئول عن زوجته ، فيجب عليه نصحها وتوجيهها للخير ، وهدايتُها أحب إلينا من تسريحها وتطليقها .(10/189)
كما يجب على الوالدين أن يكون لهما موقف حازم تجاه هذه المسألة ، وعلى الأم أن تقف مع الحق والصواب ، ولا تقدم عاطفتها على الشرع والعقل ، وعليها أن تعلم أن استمرار زوجة ابنها بتلك التصرفات معناه تخريب بيوت أبنائها ، وها هي بوادر ذلك واضحة كما جاء في السؤال .
كما يجب على إخوة الزوج أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم ، وأن يكتفوا بالحلال الذي رزقهم الله إياه ، ويجب عليهم نصح أخيهم والأخذ على يده ويد زوجته لئلا تفسد علاقتهم بنسائهم ، وعليهم المحافظة على غض البصر ، وترك الجلسات المختلطة .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
خلوة المرأة بابن زوجها ... العنوان
هل يجوز للمرأة أن تختلي بابن زوجها وخاصة إذا كان الزوج كبيرا وابنه شابا؟ نرجو بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة، التي تسبب عنها الكثير من المشاكل لعدم معرفة الجائز منها والممنوع.
... السؤال
08/11/2005 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
فقد أباح الإسلام للمرأة أن تتخفف أمام ابن زوجها ، بقوله تعالى :( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن) وذلك رفعا للحرج الذي قد يصيبها ، لأن ابن زوجها غالبا ما يسكن معها ، ولكن ذلك مشروط بأمن الفتنة ، فإن كان يخشى من ابن الزوج الفتنة ، حرم على المرأة ما أحل لها ، كأن يكون هناك تقارب في السن، كما أن المباح هو إبداء بعض الزينة ، وليس الخلوة به .
يقول فضيلة الشيخ القرضاوي – حفظه الله - :
إن الشرع الشريف حينما أباح للمرأة أن تبدي بعض الزينة لبعض الفئات من الناس، ومنهم أبناء بعولتهن، أراد الشارع بذلك أن يرفع الحرج وأن يدفع العنت والمشقة عن الناس، فلو كلفنا المرأة وهي تسكن في بيت واحد مع أبناء زوجها أن تغطي جسمها كله من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، كلما دخل عليها أحد أبناء زوجها، أو كلما دخلت هي عليه، لكان في ذلك حرج كثير. لهذا قال: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن.. الآية).
فابن البعل اعتبر بهذا من الناس المخالطين والمعاشرين دائما، فلم يطلب من المرأة أن تتحفظ منه كما تتحفظ من الأجنبي تماما، كأن نطلب منها أن تغطي شعرها وألا(10/190)
تكشف شيئا من ذراعها، أو رقبتها أو غير ذلك ... لأن في ذلك حرجا شديدا، وما جعل الله في هذا الدين من حرج.
ولكن ليس معنى هذا أن يصبح ابن البعل كالابن تماما، أو كالأخ، له مثل هذه المحرمية، لا.. لا بد أن يراعى الفرق، كما نبه على ذلك الإمام القرطبي وغيره، من الأئمة المحققين، وخاصة إذا تزوج رجل كبير السن فتاة لا يزيد عمرها عن عشرين سنة مثلا، وله ابن في مثل سنها، وفي مثل هذه الحالة نجد فرقا شاسعا بين المرأة وزوجها، بينما نجد تقاربا وتماثلا في السن بينها وبين ابنه، وهنا تخشى الفتنة، وعلى هذا نص الفقهاء، وقالوا: إن كل ما أبيح في مثل هذا الموضوع يحرم عند خوف الفتنة.. سدا للذريعة، كما أن كل ما حرم هنا يباح عند الضرورة أو الحاجة وذلك مثل علاج المرأة على يد طبيب لا يوجد سواه من الطبيبات. وفي مقابل ذلك، يمنع ما أبيح عند خوف الفتنة، كالمسألة التي نحن بصددها.
فلو فرضنا أن هذا الزوج سافر، نقول بجواز أن يختلي ابنه الشاب بزوجة أبيه الشابة مع خشية الفتنة؟ طبعا لا.. وإنما خفف الشارع على المرأة في موضوع التستر، وأما الخلوة التي تبعث على الريب، وتسبب الفتنة فلا ... كما لا يجوز للرجل أن يعرض زوجته للفتنة.
ومثل هذا أيضا الحماة -وهي بطبيعة الحال بمنزلة الأم- ولكن إذا خشيت الفتنة ينبغي على المرء أن يتجنب دواعيها. قد لا يكون هناك تفكير في الشر ولكن حينما يفتح الباب قد يؤدي إلى الشر -والشيطان ينتهز الفرصة، ليوقع الفتنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
لهذا ينبغي الحذر والاحتياط في مثل هذه الحالات، وسد أبواب الفساد، حتى نتجنبه ولا نقع فيه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
كفالة اليتيم: حكمها وشروطها ... العنوان
ما حكم كفالة اليتييم ؟وما هي شروطها ؟ وهل تتوقف عند سن معينة ؟ وما حكمها عند وجود أبناء آخرين مختلفين عنه في الجنس ؟ وما هو وضعه بالنسبة للأسرة ؟
... السؤال
11/06/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكفالة اليتيم أمر قد رغبنا الإسلام فيه ترغيبا شديدا ووعد عليه بالجنة ، ووصي باليتيم خيرا ، وحذر من الإساءة إليه ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى :( وآتوا اليتامى أموالهم ) وقوله تعالى:(ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم ) وكذلك قوله:( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى) وقوله: ( أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ) وقوله سبحانه: ( وأما اليتيم فلا تقهر).(10/191)
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) ، وأشار بأصبعيه : السبابة والوسطى ( متفق عليه).
وليست هناك شروط لهذه الكفالة إلا العدل والإحسان وتجنب ظلم اليتيم .
وهذه الكفالة مرتبطة باليتم ، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال ، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيما ، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته ، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج ، لقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ).
فإذا بلغ الصبي اليتيم رشيدا ولكنه فقير فيكون الإحسان إليه من باب أنه فقير .
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعةالأزهر:
اعلمْ أن اليتيم شرعًا هو صغيرٌ ماتَ أبوه، فإذا بلغ الحُلُم لم يَعُدْ يَتِيمًا، ولكن لا يُسلَّم له مالُه ـ إن كان له مال ـ إلا إذَا بلغ الرشد، وذلك يُعرَف باختباره في التصرُّفات المالية وغيرها، فإذا رأيناه يُحسن التصرُّف سلَّمناه ماله، لقوله تعالى: (وابْتَلُوا اليَتَامَى حتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إليهم أمْوالَهمْ ...) الآية (سورة النساء: 6) ومعنى (ابْتَلُوا اليتامى): اخْتَبِرُوهمْ في الأعمال والتصرُّفات المالية وغيرها حتى تَعلموا أنهم قادرون على إدارة أموالهم بخِبرة وحِكْمة.(انتهى)
أما وضع اليتيم مع الأسرة
: فإنه أجنبي عنها ، فإذا بلغ وجب معاملته كأجنبي ، وقدأبطل الله التبني وحرمه ، مع الترغيب في كفالته ، فلا يحرم تزوجه من أولاد المتبني ؛ مالم يوجد مانع آخر كالرضاعة، ويجب على زوجته وبناته التحجب أمامه منذ البلوغ أو انتباهه لأمور النساء ، ويحرم عليهن الخلوة به وغير ذلك مما ينطبق على الأجنبي .
كما يجب أن يفصل بينه وبين أولاد الكافل له المختلفين عن جنسه ؛ في المضجع الذي ينامون فيه ، إذا قارب البلوغ ،لأن الفصل بين الذكور والإناث واجب منذ بلوغهم العاشرة ولو كانوا إخوة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ). فاليتيم الذي هو أجنبي أولى.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
حكم الدراسة الجامعية للمرأة ...
عنوان الفتوى
... أحمد نجيب ...
اسم المفتى
... 20787 ...
رقم الفتوى
... 04/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(10/192)
أنا طالبة في معهد التعويضات السُنِّية ( صناعة الأسنان ) في جامعة دمشق و مدة الدراسة فيه سنتان ، و قد أنهيتُ العام الأول منهما.
و السؤال هو عن حكم الدراسة في هذا المعهد مع التنويه إلى الأمور التالية :
1 - المعهد مختلط , و خاصة في قسم الدراسة العملية الذي يصل أحياناً إلى 5 – 7 ساعات من العمل و الحركة يومياً و اضطرُّ فيه إلى خلع القفازين .
2 - المواصلات كذلك فيها اختلاط بشكل كبير ومزعج وأقطع يومياً 100 كم لوحدي .
3 - العمل بعد التخرج ليس فيه اختلاط إذ إن المتخرج يعمل في مخبره ، و قد يكون المخبر غرفةً في المنزل ، و قد لا أعمل و أوكل من يعمل في المخبر المفتوح باسمي بناءً على شهادتي .
4 - أنا و لله الحمد ملتزمة بالحجاب الشرعي الكامل مع غطاء الوجه في كل الأوقات و لا أكلِّم أحداً و أحاول قدر المستطاع الالتزام بالحشمة و تجنب الاختلاط مع الشباب .
5 - هذا المعهد مكلف جداً , و قد تم دفع مبالغ كبيرة خلال هذا العام .
6 - أنا ولله الحمد أقوم بنشاط دعوي بين أخواتي الطالبات قدر المستطاع .
و الحال هو أني كرهت هذا المعهد و سئمت ما فيه من الفساد و المضايقات و قررت أن أتركه ، ثم استخرت الله و أخبرت والدي فرفض بشدة ، و غضب غضباً شديداً ، و منعني من ذلك مهدداً إيّاي بالغضب عليّ إلى يوم الدين إن فعلت ، و لا سبيل إلى ذلك بحال من الأحوال ، إذ هو و اثق من ابنته ، ولا يرى في الاختلاط بأساً على الاطلاق ، كما رفض التحويل إلى فرع آخر ، بل هو مصر على هذا الفرع لأن مستقبله جيد .
فهل أنا آثمة إن تابعت الدراسة بعد ما ذكرت من أمور و أهمها موقف والدي ، أم يجب عليّ الصبر حتى أنهي السّنة الدراسيّة الباقية ، و أستعين بالله إن لم يكن ذلك يغضب ربي مع العلم أني استخرت مرتين قبل التسجيل في بداية العام و تيسرت جميع أموري .
و إن كان الجواب أنه يلزمني الترك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فما هو الحل الأنسب ، و الطريقة الأمثل ؟
و ما هو الرد على من يقولون بأننا نعيش في بلد ، الجامعات فيها مختلطة ، فهل تجلس كل البنات في البيت و يتركن الدراسة و الاقتصاد و الوظائف لغير المسلمين ؟
ثم إن الناس اليوم بحاجة إلى رؤية الملتزمين ، و أصحاب الأخلاق في كل الميادين فمن يدعو هؤلاء النساء إلى الله ؟
و هل خروج المرأة إلى هذه الجامعات يعد جهاداً باعتبارها تقاوم الفساد و ترفع من مكانة دينها بثباتها عليه؟
نص الفتوى(10/193)
إن هذا السؤال ليس مجرّد استفتاء ، و لكنّه عرض لإحدى القضايا التي عمّت بها البلوى و طمّت في عصرنا الحاضر ، و تباينت آراء الناس علماءَ و عامةً أيّما تبايُن في الحُكم عليها ، و التعامل معها .
و قد اختصرت الأخت السائلة علينا طريق الإجابة بوَضعها النقاط على الحروف ، و تحديد مواطن الخلل الباعثةِ على التباس الحكم في قضيّةٍ هامّةٍ عامّةٍ كهذه ، و إليها و إلى من يطّلع عليه من المسلمين الجواب مرتباً في نقاط :
النقطة الأولى : في حكم طلب العلم الدنيوي ، كالمهن التي فيها صلاح الناس في معاشهم ، و تيسير أمور حياتهم ، و منه الطب و الهندسة و الاقتصاد و ما إلى ذلك .
و المعروف من كلام أهل العلم القُدامى و المُعاصرين أنّ تحصيل هذه العلوم يدور بين الإباحة و الاستحباب و فرضِ الكفاية ، أي أنّه إذا قامَ به البعض سقَط الإثم عن الباقين ، و إن لم يقوموا به أثموا جميعاً .
و مثال فرض الكفاية ما يحتاجه المسلمون من آلة الحرب و وسائله ، التي تحمي ديار الإسلام ، و تصون دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم ، و تردّ المعتدين و تدفع الصائلين ، فإذا بلغَ الأمر حدّ الكفاية بقيام من يقدر عليه ، سقط التكليف بطَلبه عن باقي المسلمين .
و يسقط الإثم عن الأمّة إذا حصلت على المطلوب و لو بطريق الشراء أو الإجارة و نحوهما ، إذ إن التاريخ حافلٌ بالأخبار الدالّة على استعمال المسلمين أدوات الحرب المصنّعة بأيدي غير المسلمين كالسيوف الهنديّة ( الشهيرة ) و غيرها .
و فيما يتعلّق بمهنّة الطب و ما يُلحق بها من علوم الصيدلة و التمريض و المخابر ، تتعدّد الأحكام الشرعيّة بحسب حاجة المسلمين إلى هذه العلوم :
فقد تكون دراستها مباحةً كالطب النفسي الذي لا يُعارضُ كتاباً و لا سنّة .
و قد تكونُ فَرضاً على الكفاية على النساء دون الرجال كالاختصاص في مراض النساء و الولادة و ما إلى ذلك ، إذ إنّ في عَدَم وجود الطبيبة المسلمة الثقة في دينها و خُلُقها ، المتمكنة من مهنتها و اختصاصها ، مفاسد كثيرة ، منها اضطرار المسلمات لكشف ما لا يحلّ كشفه من أجسامهنّ أمام غير المسلمين من الأطباء رجالاً و نساءً ، و لا أمام الطبيب المسلم غير المحرَم .
و إذا عُذرت المريضة المسلمة في طلب العلاج على يد هؤلاء بحكم الاضطرار ، فإنّ هذا لا يَعذُُُر القادرات على سدّ هذا الثغر لقعودهنّ عنه من غير عُذر .
و قد تكون مندوبةً يثاب عليها من طلبها احتساباً كفروع عِلمِ الطب الذي لا مفسدة في أن يلتمس المريض فيها علاجاً عند طبيبٍ غير مسلم إذا كان المريض رجلاً ، و طبيبة غير مسلمة للأنثى و أمثلته كثيرةٌ منها طبُّ الأنف و الأذن و الحنجرة و ما إليها .
و عليه فما احتاجه المسلمون من علوم الطب ، لا بأس أن تُقدِم المرأة على دراسته ، إذا صلُحَت فيه النيّة ، بل قد يتعيّن عليها ذلك إذا لم يقم من بنات جِنسِها من يسد الحاجة و يؤدي الواجب الكِفائي .(10/194)
و إن كان في ذلك بعض المفاسد قوبلت بما يترتّب عليه من المصالح ، و روعي الأرجح ، عملاً بالقاعدة الفقهيّة ( يُتَحمّل الضرر الخاص لدَفع ضرر عام ) ، فإذا اقتَصرت مفسدة الدراسة في الجامعة على خلع القفّازَين ( مع الحفاظ على غطاء الوجه عند من يذهب إلى وُجوبه ) ، و إمكانيّة اجتناب الجلوس في مقاعد مشتركة تجمع الذكور و الإناث جنباً إلى جنب ، و عدم الخلوة بين الجنسين ، بل و ما ذَكرته السائلة من عدم محادثة الطالبات للطلاّب أصلاً أو العكس ، مع قيامها بالدعوة إلى الله تعالى بين الطالبات ؛ فإن المفسدة المترتّبة على دراستها أقلّ بكثير من المفسدة المترتّبة على قصد مئات الآلاف من المسلمات عيادات الأطبّاء غير المحارم ، أو الطبيبات غير المسلمات أو مخابر تصنيع الأسنان و العلاج الفيزيائي ( و منه التدليك ) طلباً للعلاج .
و من دلائل النبوّة الواضحة الجليّة أنه في بَلَد السائلة – رغم ما شاع من صنوف الفتن و فنون الفساد – يحقّ للطالبة في الجامعات الالتزام بالزيّ الشرعيّ كاملاً بما فيه غطاء الوجه و الكفّين ، و قد دَرَستُ و درَّستُ في دمشق و لا تزال في ذاكرتي صور عشرات الفتيات يجلسن في قاعات الدراسة منزويات في الصفوف المتأخّرة بعيداً عن الذكور ، متلفّعاتٍ بالسواد ، لا تُرى منهنّ الوجوه و لا الكفوف ، و أرجو أن يكون الحال على ما كان عليه ، أو خيرٍ منه في يومنا هذا .
و لم يكن هذا في كلّية الشريعة خاصّةً ، بل فيها و في غَيرها ، فقد درَسَتْ إحدى أخوَاتي و تخرّجت في كليّة الطب بجامعة حَلَب ، و لم تُُُضطَرّ قطّ إلى خَلعِ نقابها ، أو الاختلاط المحرّم بغير بنات جنسها خلال ستِّ سنواتٍ كاملةٍ متتاليةٍ ، و هذا من توفيق الله و تثبيته لمن يشاء من عباده .
روى أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسن صحيح ) عَنْ قُرَّةَ المزني رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ » .
فإذا أمكنكِ تحاشي الوقوع في المحظورات الشرعيّة في الدراسة فأطيعي والدك و أتمّي دراستك ، أمّا إن تعذّر عليك الالتزام بالشرع الحنيف ، و لم تكن دراستك متعيّنة عليكِ ( بحسب الاختصاص و الحاجة إليه كما تقدّم ) ، فاعتذري لأبيك بالتي هي أحسن ، و تذرّعي إليه بالأدب و البرّ و الإحسان ، علّ الله يشرح صدرَه ؛ فيدعك و شأنك ، و يأذن لك في تغيير الاختصاص أو الانصراف عن الدراسة إلى ما هو خيرٌ منها .
النقطة الثانية : الاختلاط على صورته المعهودة في عصرنا الحاضر مفسدةٌ بالغة الخطورة على الدين و الخُلُق ، و الكلام عن الاختلاط بشكلٍ عام يحتاج إلى تفصيل :
• فإذا أريد بالاختلاط اجتماع الرجال و النساء في مكان ما ، من غير تعمّد كالحال في الأسواق و الطرقات ، إذ يسعى الجميع في حاجته ذهاباً و جيئةً ، و يبيعون و يشترون ، فلا بأس في هذا ما لم يتلبّس من وَقع فيه بمحرّم خارجٍ عنه ، و ليست هذه الصورة للاختلاط من الصور المحرّمة في شيء ، بل هو مما تعمّ به البلوى ، و يضطر إليه الناس لمعاشهم في كلّ زمانٍ و مكان .(10/195)
• و من الصوَر التي لا حَرجَ فيها اجتماع الرجال و النساء في المسجد الواحد لأداء فريضة أو عبادة ، كما هو الحال منذ صدْرِ الإسلام و حتى يومنا هذا ، في المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال و غيرِها ، و قد كانت النساء يشهدن الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه و سلّم في المسجد ، و لم يَنه عن ذلك ، كما لم يأمر بضرب حاجزٍ بين صفوف الرجال و صفوف النساء فقد روى الشيخان و أبو داود و مالك و أحمد ، و اللفظ للبخاري عَنِ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَ الْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَ قَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَ يَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى ؟ قَالَ ابن عمر : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ » .
غير أنّهن كنّ يُصلّين في صفوفٍ خاصةٍ خلف صفوف الرجال امتثالاً لهديه صلى الله عليه و سلّم ، في قوله : « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا » رواه مسلم و أصحاب السنن و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
• أمّا انفراد الرجل بالمرأة ، بدون محرم ؛ فهو الخلوة المحرّمة ، التي حذّر النبيّ صلّى الله عليه و سلّم منها فيما رواه أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسنٌ صحيح ) عَن عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » .
• و من الصور المحرّمة أيضاً اجتماع رجل بامرأة ، و لو كان ذلك في مكانٍ عامٍ إذا ترتّبت عليه ريبةٌٌ أو سوء ظنّ فيه ، ما لم يُزِل اللبس الذي قد يقَع في نفس من رآه ظنّاً أو يقينا ، لما رواه الشيخان و أبو داود و ابن ماجة و أحمد عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَىٍّ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفاً ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِى لِيَقْلِبَنِى - أي ليعيدها إلى البيت - فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : « عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ » . فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَ إِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا سُوءاً » ، أَوْ قَالَ : « شَيْئاً » .
• و يحرم كذلك ما شاع من الاختلاط في هذا الزمان عند الأضرحة و ما يُزعمُ أنّها مقامات أولياء ، و في الاحتفالات و المواسم المبتدَعة كالموالد ، حيث يختلط الرجال بالنساء في هيئات بالغةِ الفساد ، و ظاهرةِ الانحراف ، و هذا أولى بالذمّ ، بل هو مما تبتلى به الأمّة في آخر الزمان لقوله صلّى الله عليه و سلّم : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ) رواه ابن أبي عاصم في ( السنّة ) و الطبراني في ( الصغير ) بإسنادٍ حَسَن ، و ذو الخلصة صنَمٌ بتبالة .
• و معظم ما يقع في الجامعات و المدارس ، فضلاً عمّا في النوادي و المحافل العامّة وحتّى وسائل النقل لغير المضطرّ هو من صور الاختلاط المحرّم ، المفضي إلى الرذائل و الفواحش ، لذلك نذهب إلى القول بتحريمه ، و نحذّر منه أسوةً بما جرى عليه معظم العلماء العاملين ، الذين عرَفوا حقيقته ، و سبروا غُواره ، و(10/196)
وقفوا على مفاسده ، و سدّاً للذرائع ، و قطعاً لدابر الرذيلة و الفاحشة ، و ما يُفضي إليهما .
النقطة الثالثة : ذَكرت الأخت السائلة أنّها تُضطرُّ للانتقال قرابة المئة كيلو متر يومياً في وسائل النقل العامّة ، و هذا من السفر الذي لا يحلّ للمرأة إلاّ مع ذي محرَم ، فقد روى الشيخان و أصحاب السنن إلا النسائي و أحمد عَنِ عبد الله بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ » .
و روى البخاري و الترمذي و أحمد عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ رضي الله عنه أنّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ » .
و قد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّه يحرم عليها الخروج بغير محرم في كل سفر طويلاً كان أو قصيراً .
و أباح الحنفيّة لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم .
و على كلا القولين فإنّه يحرم على المرأة أن تسافر أكثر من اثنين و ثمانين كيلو متراً ( عند من يرى التحديد بالمسافة ) و أن تشرع فيما يعتبر سفراً في عُرف الناس عادةً ( باعتبار العادةِ محكّمةً كما في القاعدة الفقهيّة ) .
و من فرّقَ من المعاصرين بين سَفَرٍ و سفر ، و ذهبَ إلى عدم اشتراط المحرَم في السفر بوسائل النقل المعاصرة لما يكتنفُها من الأمان ، محجوج بعموم الدليل الوارد في التحريم ، و لا حجّة في قول أحدٍ ما لم يُقِم عليه دليلاً من الكتاب أو السنّة .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى عِلمٍ يُخالف في أن الله فرض اتباع أمر رسول الله r و التسليم لحكمه ، و أن الله عزّ و جل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه ، و أنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله r ، و أنّ ما سواهما تبع لهما ، و أن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله r واحد ) [ الأم : 7 / 273 ] .
النقطة الرابعة : دأبَ بعض الناس في هذا الزمان ، و خاصّة المختصّين في العلوم الصحيّة كالصيادلة و الممرّضين و فنّيي المخابر ، و بعض الفروع النظريّة كالقانون على تأجير شهاداتهم إلى من يستثمرها ، و يؤدّي إليهم مبلغاً مقطوعاً أو نسبةً من دَخله لقاءَ ذلك ، و من أمثلة ذلك أنْ يقوم الصيدلي بعد تخرّجه باستخراج ترخيص لافتتاح صيدليّةٍ خاصّة و العمل فيها ، أو المخبَريّ باستخراج ترخيص لتأسيس مخبرٍ للتحاليل الطبّيّة ، فإذا تمّ له الأمر اعتزل المهنة و خوّل شخصاً غيرَ مختصٍ بالعمل في صيدليّته أو مخبره ، و كأنّ الأمر لا يعدو أن يكون استثماراً ، و إن كان فيه توسيد أمرٍ إلى غير أهله .
روى البخاري في صحيحه و أبو داود في سننه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ أعرابياً سأل النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » .(10/197)
و في تأجير الشهادة إلى غير الأكفاء من تضييع الأمانة ، و التفريط في أدائها ما لا يخفى ، و هو مخالفٌ لقوله تعالى : ( و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون ) [ المعارج : 32 ] ، و قوله عليه الصلاة و السلام : « الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ » الذي رواه البخاري معلّقاً و أبو داود عن أبي هريرة و الترمذي عن عَوْفٍ الْمُزَنِىُّ ، و قال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
كما تترتّب على تأجير الشهادات مفاسدُ كثيرةٌ قد تؤدّي إلى الإضرار بالمريض ، و تعريض النفوس للخَطَر .
و مع أنّ الشرع لم يشترِط – من حيث المبدأ – الحصول على شهادةٍ ما لممارسة مهنة مباحةٍ أصلاً ، لا يمكننا تبرير التجاوزات في هذا المجال الخطير بعد أن وَقَفنا على حالاتٍ كثيرةٍ من الإفساد الذي تسببت فيه ، بل نذهَب إلى تحريمه لما تقدّم من أدلّة ، و سدّاً للذرائع ، و بالله التوفيق .
و بالجملة فإنّ دراسة الفتاة المسلمة في الجامعات المعاصرة محفوفةٌ بالخَطَر ، و القول بمشروعيّتها يختلف من حال إلى حال ، فإذا كانت الحاجة إلى الاختصاص الدراسي الذي أقدَمَت عليه الفتاة ماسّة ، و لا يوجد في بنات جنسها من المسلمات من تُسدّ بوجودهن الحاجة ، و تسقط فرضيّة الكفاية ، و غلبَ على ظنّها عدم وجود محظورات شرعيّة في دراستها ، أو إمكانيّة التغلّب على ما وُجد منها ، جاز لها ذلك ، و قد تكون أهلاً للثواب بمقدار مجاهدتها لنفسها ، و إشاعتها الخير و الدعوة إلى الله في محيطها ، إن أقدَمت على ذلك احتساباً ، و إلا فلا .
و الله الموفّق ، و صلى الله و سلّم على نبيّه محمّد و آله و صحبه أجمعين ، و الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات .
ـــــــــــــــــــــ
ضوابط الاختلاط بين الجنسين ...
عنوان الفتوى
... أحمد نجيب ...
اسم المفتى
... 21852 ...
رقم الفتوى
... 30/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
تنظم الشركة التي أعمل بها إفطارًا جماعيًا في أحد الفنادق ويمكن اصطحاب زوجات الموظفين وأزواج الموظفات ومنهن المحجبات ومنهن المتبرجات .
ما هو رأى الدين في هذا الاختلاط ؟
نص الفتوى
بسم الله ،والحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:(10/198)
الاختلاط في حد ذاته ليس محرما،فتواجد جماعة النساء مع الرجال في المساجد والأسواق أمر معهود منذ عهد النبوة ،ولكن المحرم من الاختلاط هو ما أدى إلى مفسدة في الدين ،كخلوة الرجل مع المرأة دون محرم،أو الاختلاط المشين في النوادي والحفلات والموالد مالم تراع فيه الآداب الإسلامية من الثياب المحتشمة ،وعدم كشف العورات،وغير ذلك.
يقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا
الاختلاط على صورته المعهودة في عصرنا الحاضر مفسدةٌ بالغة الخطورة على الدين و الخُلُق ، و الكلام عن الاختلاط بشكلٍ عام يحتاج إلى تفصيل :
فإذا أريد بالاختلاط اجتماع الرجال و النساء في مكان ما ، من غير تعمّد كالحال في الأسواق و الطرقات ، إذ يسعى الجميع في حاجته ذهاباً و جيئةً ، و يبيعون و يشترون ، فلا بأس في هذا ما لم يتلبّس من وَقع فيه بمحرّم خارجٍ عنه ، و ليست هذه الصورة للاختلاط من الصور المحرّمة في شيء ، بل هو مما تعمّ به البلوى ، و يضطر إليه الناس لمعاشهم في كلّ زمانٍ و مكان .
و من الصوَر التي لا حَرجَ فيها اجتماع الرجال و النساء في المسجد الواحد لأداء فريضة أو عبادة ، كما هو الحال منذ صدْرِ الإسلام و حتى يومنا هذا ، في المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال و غيرِها ، و قد كانت النساء يشهدن الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه و سلّم في المسجد ، و لم يَنه عن ذلك ، كما لم يأمر بضرب حاجزٍ بين صفوف الرجال و صفوف النساء فقد روى الشيخان و أبو داود و مالك و أحمد ، و اللفظ للبخاري عَنِ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَ الْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَ قَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَ يَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى ؟ قَالَ ابن عمر : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ » .
غير أنّهن كنّ يُصلّين في صفوفٍ خاصةٍ خلف صفوف الرجال امتثالاً لهديه صلى الله عليه و سلّم ، في قوله : « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا » رواه مسلم و أصحاب السنن و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
أمّا انفراد الرجل بالمرأة ، بدون محرم ؛ فهو الخلوة المحرّمة ، التي حذّر النبيّ صلّى الله عليه و سلّم منها فيما رواه أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسنٌ صحيح ) عَن عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » .
و من الصور المحرّمة أيضاً اجتماع رجل بامرأة ، و لو كان ذلك في مكانٍ عامٍ إذا ترتّبت عليه ريبةٌ أو سوء ظنّ فيه ، ما لم يُزِل اللبس الذي قد يقَع في نفس من رآه ظنّاً أو يقينا ، لما رواه الشيخان و أبو داود و ابن ماجة و أحمد عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَىٍّ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفاً ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِى لِيَقْلِبَنِى - أي ليعيدها إلى البيت - فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : «(10/199)
عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ » . فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَ إِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا سُوءاً » ، أَوْ قَالَ : « شَيْئاً » .
و يحرم كذلك ما شاع من الاختلاط في هذا الزمان عند الأضرحة و ما يُزعمُ أنّها مقامات أولياء ، و في الاحتفالات و المواسم المبتدَعة كالموالد ، حيث يختلط الرجال بالنساء في هيئات بالغةِ الفساد ، و ظاهرةِ الانحراف ، و هذا أولى بالذمّ ، بل هو مما تبتلى به الأمّة في آخر الزمان لقوله صلّى الله عليه و سلّم : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ) رواه ابن أبي عاصم في ( السنّة ) و الطبراني في ( الصغير ) بإسنادٍ حَسَن ، و ذو الخلصة صنَمٌ بتبالة .
و معظم ما يقع في الجامعات و المدارس ، فضلاً عمّا في النوادي و المحافل العامّة وحتّى وسائل النقل لغير المضطرّ هو من صور الاختلاط المحرّم ، المفضي إلى الرذائل و الفواحش ، لذلك نذهب إلى القول بتحريمه ، و نحذّر منه أسوةً بما جرى عليه معظم العلماء العاملين ، الذين عرَفوا حقيقته ، و سبروا غُواره ، و وقفوا على مفاسده ، و سدّاً للذرائع ، و قطعاً لدابر الرذيلة و الفاحشة ، و ما يُفضي إليهما .
و الله الموفق ، و هو الهادي إلى سواء السبيل .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
الخلوة الصحيحة ترتب آثارها الشرعية ...
عنوان الفتوى
... جاد الحق علي جاد الحق ...
اسم المفتى
... 20910 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل: بالطلب المقيد برقم 263 سنة 1978 المتضمن أن للسائل بنتا جامعية تقدم لخطبتها مهندس يعمل بالسعودية، وقدم لها شبكة من الذهب وبعض الهدايا، وعند الاتفاق على المهر خيره المهندس بين أن يدفع مهرا إلى بنته مهما كان كبيرا وبين أن يقوم هو بإعداد بيت الزوجية بتأثيث ثلاث غرف تليق بالزوجية وبمركز الأسرة الاجتماعي، على أن يحرر بهذا الجهاز قائمة لصالح الزوجة بأن جميع الأثاث ملك خالص لها، وقد اختار السائل هذا الوضع الثاني على أن تكون قيمة الأثاث الذي يؤثثه لبيت الزوجية بمثابة المهر، وتم الاتفاق بين السائل وخاطب ابنته على هذا الأساس ثم سافر هذا الخاطب إلى السعودية ومكث بها سنة، ثم عاد إلى مصر وطلب من السائل عقد القران على ابنته، وتم عقد القران فعلا بتاريخ 21/ 4/(10/200)
1977 وقد ذكر في هذا العقد أن مقدم الصداق هو 25 قرشا ومؤخر الصداق هو 300 جنيه، على أساس أن الاتفاق بين الطرفين هو تأثيث بيت الزوجية من جانب الزوج هو المعمول به بدلا من مقدم الصداق الذي هو كرمز فقط بالعقد. ثم سافر الزوج مرة أخرى إلى السعودية ثم حضر في أواخر شهر مارس سنة 1978، وطوال هذه المدة لم يقم بالإنفاق على زوجته ثم مكث فترة مدعيا أنه يبحث عن شقة لتأثيث سكن الزوجية، وكان يحضر إلى زوجته أسبوعيا يوم الخميس ويعود إلى القاهرة يوم السبت، وقد حصلت خلوة شرعية بين الزوجين عدة مرات، ثم حضر إليهم مبديا رغبته في إجراء الطلاق بدون أسباب ولا مبررات على شرط أن يسترد الشبكة والهدايا والمصاريف التي أنفقها في حفل عقد القران، وبين لهم أن كل ما يلزمه هو أن يدفع لهم نصف مؤخر الصداق. وطلب السائل بيان الحكم الشرعي في حالة الطلاق قبل الدخول مع حدوث خلوة شرعية عدة مرات بين الزوجين وذلك بالنسبة للآتى: 1 ـ الشبكة التي قدمت للزوجة في فترة الخطبة. 2 ـ الهدايا. 3 ـ مقدم الصداق وإمكان طلب تحليفه اليمين الحاسمة أمام القضاء لبيان حقيقة مقدم الصداق الذي تم الاتفاق عليه خلافا للثابت بوثيقة الزواج. 4 ـ النفقة الشرعية من تاريخ الزواج حتى تاريخ الطلاق أو التطليق. 5 ـ مؤخر الصداق. 6 ـ التعويض اللازم للزوجة لما أصابها من أضرار مادية وأدبية ونفسية ناتجة عن هجر الزوج لها، وطلب الطلاق قبل الدخول وبعد حدوث الخلوة الشرعية الصحيحة
نص الفتوى
المبادئ التي يستند إليها: 1 ـ ثبوت الخلوة الصحيحة بين الزوجين يستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيما عدا التوارث بينهما للطلاق البائن. 2 ـ الشبكة والهدايا في هذه الحالة وبعد أن تم عقد الزواج لا حق للزوج في استردادها. 3 ـ إذا اتفق على قدر المهر في السر ثم ذكر في العقد مهر أقل حكم بالمهر المتفق عليه في السر. 4 ـ وثيقة الزواج ورقة رسمية في خصوص الزواج فقط، وتعتبر ورقة عرفية فيما عدا ذلك يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات. 5 ـ التعويض بمعناه المعروف في القانون المدنى غير مقرر في الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية. أجاب: من المقرر فقها وقانونا أن نفقة الزوجة التي سلمت نفسها لزوجها ولو حكما تجب عليه من وقت امتناعه من الإنفاق عليها مع وجوبه دون توقف على قضاء أو رضاء ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، وأن الخلوة الصحيحة بين الزوجين إذا ثبتت بالإقرار أو البينة تستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيتأكد بها جميع المهر عاجله وآجله للزوجة وتجب عليها العدة إذا طلقت ولها النفقة مدة العدة شرعا أو إلى سنة من تاريخ الطلاق، ويحل لها مؤجل الصداق بالطلاق لأنه بائن، وأما عن الشبكة والهدايا في موضوع السؤال وبعد أن تم عقد الزواج فلا حق للزوج في استردادها،لأنها وإن اعتبرت جزءا من المهر بالاتفاق أو جرى العرف باعتبارها جزءا منه أخذت حكم المهر، وإذا لم تكن كذلك أخذت حكم الهبة فتصبح حقا للزوجة لا يجوز للزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع في الهبة شرعا. وتعتبر باقي الهدايا من قبيل الهبة وتأخذ ذات الحكم، وأما عن مقدم الصداق الثابت بالوثيقة ومقداره خمسة وعشرون قرشا، فإن الفقهاء قد تحدثوا فيما(10/201)
سموه بمهر السر ومهر العلن، وعلى هدى أقوال فقهاء المذهب الحنفي فإنه إذا اتفق على قدر المهر في السر ثم ذكر في العقد مهر أقل فإنه يحكم بالمهر المتفق عليه في السر. وفي واقعة السؤال إذا كان قد تم الاتفاق على أن يجهز الزوج ثلاث غرف تليق بالزوجة ومركز أسرتها ويحرر بها قائمة تمليك للزوجة كما جاء بالسؤال وثبت هذا الاتفاق بطريق من طرق الإثبات الشرعية، فإن هذا المتفق عليه يكون مقابل مقدم المهر. هذا ووثيقة الزواج ليس لها صفة الرسمية في مقدار المهر لأنها لم تعد لإثبات ذلك، فيجوز إثبات عكس ما جاء فيها بكافة طرق الإثبات ومنها يمين المدعى عليه ونكوله، أما التعويض بالمعنى المعروف في القانون المدنى فهو غير مقرر في الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية، أما الأضرار الأدبية فإن مؤجل الصداق ونفقة العدة إذا ثبتت الخلوة كل أولئك التزامات أوجبها الله ترضية للمطلقة وجبرا لما يكون قد لحقها، ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد به السؤال، والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــــ
خصوصيات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ... العنوان
كثيرًا ما نقرأ في الكتب عن حُكْمٍ من الأحكام فيقال إنه من خُصوصيات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلماذا كانت هذه الخصوصيات ، وهل يمكن أن تُعْرَف؟
... السؤال
15/05/2005 ... التاريخ
الشيخ عطية صقر ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الخصوصيات لسيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك لسائر الأنبياء أمر تقتضيه طبيعة مُهِمتهم، فالقادة والزعماء والحُكام في كلِّ مُجْتَمع وفي كلِّ عصر لهم مميزات ليست لغيرهم، وهذه المُميزات ليست كُلُّها تيسيرًا أو زيادة في التمتع بطَيِّبات الحياة، بل منها ما هو شديد يفرض سلوكًا مُعينًا فيه مُعاناة نفسية في مقابل التكريم والتشريف الذي رَفَعَ الله به منازلهم على غيرهم من عامَّة الناس، فالشيء الغالي والثمين يُبْذَل في الحصول عليه أكبر مما يُبْذَل في غيره، فمن طلب الحسناء لم يغله المهر، ولابد دون الشهد من إبر النَّحل.
ويكفي في الاستدلال على ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُم الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (التوبة : 111) وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ "أفلا أكونُ عَبدًا شَكُورا" عندما وَجَدَتْه يقوم الليل حتى تَوَرَّمَتْ قدماه مع أن الله قد غَفَرَ له ما تقدَّم من ذنبه. رواه البخاري ومسلم.
ومعرفة خصوصيات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال بعض العلماء لا فائدة فيها "الزرقاني على المواهب ج 5 ص 206" لكن النووي قال: إنَّ معرفتها جائزة بل مُسْتَحبة بل قد تكون واجبة؛ لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتًا في الحديث(10/202)
الصحيح فعمل به أخذًا بأصل التَّأسي والاقتداء، فوجب بيانها لتُعرف فلا يُعْمَل بها، وقد تكون هناك خصائص لا حاجة لمعرفتها في السلوك، ولكن مجرد المعرفة لا يخلو من فائدة.
وقد وردت أحاديث كثيرة نصَّ فيها على بعض الخُصوصيات. وهي كثيرة حاول بعض المُؤلفين حَصْرها كابن سبع والنووي وابن المُلقن وغيرهم وقام القسطلاني في المواهب بجَعْلِهَا في مجموعات أربعة: الأولى في الواجبات والثانية في المُحَرَّمَات والثالثة في المُباحات والرابعة في الفضائل والكرامات.
فمن الواجبات التي تتناسب مع قُدرته ويَعْظُم بها أجره والتي اختلف في وجوبها بعض العلماء، صلاة الضُّحى والوتر وركعتي الفجر وصلاة الليل والسِّواك والأضْحية والمشاورة ومصابرة العدو وتغيير المُنكر في كل الأحوال، وقضاء الدَّيْن عمن مات مسلمًا مُعْسِرًا، وتخيير نسائه في فِراقه أو البقاء معه، وإمساكهن بعد اختيارهن له وعدم التبدُّل بهن مُكافأة لهن.
ومما اختص به من المُحَرَّمَات: تحريم الزكاة والصَّدقة عليه، وتحريم أَكْل ما له رائحة كريهة كالثوم والبصل لتوقُّع مجئ الملائكة والوحي له، وتحريم الكتابة والشعر أي التوصل إليهما، وتحريم نزع لأْمَته ـ عدة الحرب ـ إذا لبسها حتى يُقاتل ، والمَنُّ لِيَسْتَكْثِر أي إعطاء شيء طالبًا أكثر منه، ومَدُّ الأعين لما مَتَّعَ الله به الناس، ونِكَاح مَنْ لَمْ تُهَاِجر إلى المدينة، وتحريم إمساك من كرهته، ونِكاح الكتابية؛ لأن زوجاته أمهات المؤمنين وزوجات له في الآخرة ومعه في درجته في الجنة، وكذلك نِكاح الأَمَة المُسْلِمة بخلاف التسري بها فهو حلال.
ومما اختص به من المُباحات وإن لم يفعل أكثرها: عدم نَقْض وضوئه بالنوم ، وعدم نَقْضه بلمْس المرأة الأجنبية على الأصح، وإباحة الصلاة بعد العصر، والصلاة على المَيت الغائب عند بعض الأئمة، وتقبيل زوجاته في الصيام، وجواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها كما في قصة أم حِرام بنت ملحان، ونِكاح أكثر من أربع نسوة، والنِّكاح بلفظ الهِبة من جهة المرأة، والنِّكاح في حال الإحرام، والنِّكاح بلا ولي ولا شهود كنكاحه لزينب بنت جحش ـ والقتال بمكة ودخولها من غير إحرام، والقضاء بعِلْمِه دون حاجة إلى شهود.
وأما ما اختص به ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الفضائل والكرامات فكثير جدًا لا يتسع لبعضه المقام ويمكن الاطلاع على المواهب اللدنية للقسطلاني مع شرح الزرقاني "ج 5 ص 242" لتعرف الأدلة على الخصوصيات كلِّها وما كان منها مَحل اتفاق وما كان مَحل اختلاف.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
من مقاصد الشريعة: نشر العفة ومحاربة الرذيلة ... العنوان
من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ العرض، فكيف يتم تحقيق هذا المقصد في زماننا الذي ماجت به الفتن والتبس به الحق بالباطل؟
... السؤال
23/03/2005 ... التاريخ(10/203)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من الكليات والمقاصد التي أمرت الشريعة الإسلامية بحفظها : حفظ النسل والنسب والعرض ، وهذه مرتبطة بالعفة والطهارة ، وقد سلك الإسلام لإقرار العفة ونشرها في المجتمع عدة أمور؛ فقد حرم الفواحش ، وأيقظ الإيمان في النفوس ، وأغلق أبواب الفتن ، وأمر بصحبة الصالحين .
يقول الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني : أستاذ مادة أصول الفقه ومقاصد الشريعة بجامعة محمد الخامس - بالعاصمة المغربية: الرباط.
لقد قرر العلماء أن من الضروريات والمقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية حفظ النسل وحفظ النسب وحفظ العرض، وكل هذه الأمور متوقفة على توفير العفة والعلاقات الشرعية بين الجنسين .
بينما يعد انتشار الفواحش كالزنا واللواط ومختلف أشكال الشذوذ والانحراف الجنسي خطرا على حفظ هذه الضروريات، التي بها يصان الجنس البشري وبها يستمر وبها تحفظ تربيته وتنشئته السليمة .
والإسلام في هذه القضية كما في قضايا أخرى يعتمد أولا على تنمية الإيمان والرغبة في ما عند الله من ثواب والخوف مما عنده من عقاب لكي تكون العفة نابعة من ذات الشخص ومن إيمانه .
كما أنه سلك مسلك الترغيب والترهيب والإفهام والإقناع لكي يدفع الناس إلى العفة واجتناب الفواحش كما قال تعالى:" وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً "، وقد جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا فقال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا جعلني الله فداك. قال أترضاه لأختك؟ أترضاه لخالتك؟؟ لعمتك؟.. وفي كل ذلك كان الشاب يأنف ويتبرأ من مثل هذا الفعل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكذلك الناس جميعا لا يرضى أحد أن تزني بأخته ولا بابنته ولا بأي من محارمه.
بمعنى أنك كما تكره الزنا في قريباتك ولا ترضاه لهن فكذلك لا يليق أن توقعه بنساء غيرك.
ومن جهة أخرى فإن الإسلام وضع عدة أحكام احتياطية وقائية فقد نهى عن التبرج وإبراز المفاتن وعناصر الإثارة والاستفزاز وأمر النساء والرجال بأن يغضوا من أبصارهم وحرم الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه لقطع الطريق على الشيطان ووساوسه وبالإضافة إلى هذا كله وضع الإسلام عقوبات زاجرة شديدة على جرائم الزنا والشذوذ قد تكون بالجلد وقد تكون بالرجم.
ولا شك أن عوامل الفتنة اليوم صارت طاغية وكاسحة، وصار من الصعب على الإنسان أن ينجو من آثارها ولكني أقول كما قال صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة في موضوع آخر: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فمن اعتصم بالله وخاف مقامه واستعان به ثم استعان بالمؤمنين الصادقين فاتخذهم(10/204)
عشيرة وبطانة لا شك أنه سيتمكن من حفظ نفسه وصيانة عرضه وبالله تعالى التوفيق.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
حكم ذهاب المسلمة إلى طبيب للكشف عليها ...
عنوان الفتوى
... حسام الدين عفانة ...
اسم المفتى
... 20940 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم ذهاب المرأة إلى طبيب رجل في مستوصف خاص علمًا بوجود طبيبة في مستوصف عام وذلك بحجة العناية في المستوصفات الخاصة؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
الأصل في المرأة المسلمة إذا مرضت واحتاجت للعلاج أن تراجع طبيبة مسلمة كانت أو غير مسلمة ولا يحل لها مراجعة الطبيب الرجل إذا وجدت الطبيبة وكان بإمكانها مراجعتها فإن لم توجد الطبيبة أو تعذرت مراجعتها أو لم تكن من أهل الاختصاص بمرض تلك المرأة فيجوز حينئذ أن تراجع الطبيب الرجل وهنا لا بدّ من الالتزام بالضوابط التالية في تعامل الطبيب مع المرأة الأجنبية :
1. أن تتم المعاينة والكشف بحضور محرم للمرأة أو زوجها أو امرأة موثوقة خشية الوقوع في الخلوة المنهي عنها شرعاً .
2. ألا يطلع الطبيب على شيء من بدنها إلا بمقدار ما تقتضيه ضرورة العلاج فيجب على الطبيب أن يستر جسد المريضة إلا موضع المعالجة .
3. إذا استطاع الطبيب معالجة المرأة بالنظر دون اللمس فهو الواجب وعلى الطبيب أن يغض بصره وأن يتق الله ربه في ذلك .
4. ينبغي للمرأة المسلمة إذا احتاجت للمعالجة عند طبيب رجل أن تختار الطبيب الثقة الأمين صاحب الخلق والدين.
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم عمل المرأة ...
عنوان الفتوى
... حسام الدين عفانة ...
اسم المفتى(10/205)
... 20942 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
الأخوة الأفاضل نداء الإيمان/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعمل في مجال المقاولات الحرة متزوج من فتاة من عائلة كريمة منذ 4 سنوات ولي ابنة تبلغ من العمر سنة ونصف وأسكن بمسكن ملائم لحياة كريمة وحالتي المادية ميسورة ولله الحمد والمنة
المسألة : هو أن عند خطبتي لزوجتي لم يكن لديها ولا لأهلها أي شروط مادية أو مالية إلا شرطاً واحداً ألا وهو استمرار زوجتي في العمل.
حيث كانت زوجتي في فترة الخطوبة تعمل محامية تحت التمرين وقبلت أنا بذلك
فبعد الزواج استمرت في فترة التمرين حتى أنهتها بالكامل ولمدة 8 أشهر تقريباً دون أي اعتراض مني وبعدها بقيت بالبيت لفترة دامت 3 سنوات في هذه المدة أبلغتها بأنني لم أعد أرغب في أن تعمل مرة أخرى منذ شهر تقريباً تحصل لها والدها على عمل في مكتب محاماة خاص وقبل البدء به أبلغتها وذكرتها بأنني لا أوافق على عملها وذكرتها برفضي لذلك منذ مدة ومع ذلك بدأت بالعمل دونما رضائي وسبب رفضي لذلك الأسباب تالية الذكر:
أ) عدم حاجتي المادية لعملها
ب) رغبتي في بقاء زوجتي متفرغة للبيت وتربية الأولاد وتوفير بذلك الاستقرار والسكينة لنا جميعاً.
ج ) وجوب طاعة الزوج في غير معصية الله حيث لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق.
د) رفضي لمبدأ اختلاط النساء بالرجال وخاصةً في العمل
والخلوة التي قد تضطرها ظروف العمل لها في بعض الأحيان بالمكتب مع العلم بأنني أثق بزوجتي كامل الثقة ولا يراودني أدنى شك في أخلاقها وسلوكياتها وهذا من باب الحرص وإتقاء الشبهات والله على ما أقول شهيد
السؤال: فهل يحق لي شرعاً منعها من العمل للأسباب سابقة الذكر وهل يجب عليها طاعتي بحكم أنني وليها أو لا يحق لي ذلك؟
أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله عنا كل خير سرعة ردكم سيكون له الأثر الكبير في نفسي لما يتعلق عليه في حياتي الأسرية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد(10/206)
الشروط التي يتفق عليها عند العقد نوعان:
1- شرط يجب الوفاء به كالشرط الذي يقتضيه العقد كالإنفاق على الزوجة مثلاً وهذا يجب الوفاء به بلا خلاف.
2- شرط لا ينافي مقتضى عقد الزواج ولا يخل بمقصوده الأصلي كالشرط المذكور في السؤال وهذا اختلفوا فيه.
فالذي عليه الحنابلة أنه يجب الوفاء بهذه الشروط وإذا لم يف الزوج بهذا الشرط – استمرار الزوجة في عملها – فلها أن تطلب فسخ عقد الزواج، ولكن مع تقييد ذلك بأن لا يلحق الشرط ضرراً بأحد الزوجين والذي أراه في هذه المسألة أن عمل المرأة خارج البيت إذا لم يكن متعارضاً مع مصلحة الزوج والأولاد وكان هذا العمل فيما أجازه الشرع فعلى الزوج أن يأذن لها بذلك وعليه الوفاء بالشرط .
وأما إذا كان عملها خارج البيت فيه مس بمصلحة الزوج والأولاد أو كان عملها في مجال لا يجيزه الشرع فعلى الزوج منعها من ذلك ولا شيء عليه إن لم يف بالشرط .
وقد استدل الحنابلة لقولهم بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) رواه البخاري ومسلم .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( المسلمون علىشروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح .
وبما رواه البيهقي وغيره ( أن رجلاً تزوج إمرأةً وشرط لها دارها ثم أراد نقلها فخاصموه إلى عمر فقال : لها شرطها فقال الرجل : إذاً يطلقننا !.
فقال عمر ( مقاطع الحقوق عند الشروط ) وهذا أثر صحيح كما قال الشيخ الألباني.
والذي يظهر مما قلته إن كان الحال كما قلت أنه يجب على الزوجة الطاعة فيما تأمرها به لأن ذلك مخالف للشرع حيث به اختلاط وقد يؤدي إلى الخلوة المحرمة ولا حاجة بها إلى العمل ولا حاجة للعمل بها والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19002 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
وردت إلينا أسئلة عديدة عن حكم انتخاب المرأة لعضوية مجلس النواب أو الشيوخ فى الشريعة الإسلامية .(10/207)
إذا قامت ضجة من جانب بعض النساء للمطالبة بتعديل قانون الانتخاب الذى حرمت نصوصه انتخابهن بحيث يكون لهن الحق فى الانتخابات .
نص الفتوى
بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله .
عنى الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل فى بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم .
وفى حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين، فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة، ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيؤها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأما مربية وربة منزل مدبرة، وكانت دعامة قوية فى بناء الأسرة والمجتمع - وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان فحرم على الرجل الأجنبى الخلوة بها والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال فى مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم وأعفاها فى الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثم من يوليها بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها .
كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة عنها والافتتان بها حذرا من أن يحيق المجتمع ما يفضى إلى انحلاله وانهيار بنائه والله أعلم بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع وبما للنفوس من ميول ونوازع والناس يعلمون والحوادث تصدق .
ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر الله تعالى نساء نبيه ت صلى الله عليه وسلم بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمة واحتراما، وأن النبى صلى الله عليه وسلم - لم تمس يده ( وهو المعصوم ) أيدى النساء اللاتى بايعنه، وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية فى عهده ولا فى عهد الخلفاء الراشدين ولا فى عهود من بعدهم من الملوك والأمراء ولا حضرت مجالس تشاوره - صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من المهاجرين والأنصار .
ذلك شأن المرأة فى الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار، وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان فتزاحم فى الانتخابات والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفاع، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثما وأعظم خطرا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها .
واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركة زوجها وأطفالها وبيتها وديعة فى يد من لا يرحم إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام .(10/208)
بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء . اللهم إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء، ولا حسبان فى ميزان الحق لهؤلاء - على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه من عمل فهو مقطع الحق وفصل الخطاب، ولا خفاء فى أن دخول المرأة فى معمعة الانتخابات والنيابة غير جائز لما بيناه .
وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة من النواحى الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة فى حدود طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار الانتخاب والنيابة، وأن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة فى الأزياء والمظاهر والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة .
ولهن منا جميعا إذا فعلن ذلك خالص الشكر وعظيم الإجلال .
ذلك خير لهن والله يوفقهن لما فيه الخير والصلاح .
ـــــــــــــــــــــ
الزوجة ترث زوجها ولو لم يدخل أو يختل بها ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 15684 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : من السيد محمد لطفى بطلبه المتضمن أن رجلا عقد قرانه على امرأة وتوفى قبل الدخول بها والخلوة فهل ترثه شرعا ام لا وهل تستحق جميع المهر أم لا .
نص الفتوى
الحمد لله
ان الزوجية التى هى سبب من أسباب الارث تثبت شرعا بمجرد العقد والزوجة ترث زوجها شرعا ولو لم يدخل بها أو يختل بها قبل الوفاة فيكون لها فى تركته الربع فرضا ان لم يكن له فرع وارث والثمن فرضا ان كان له فرع وارث ولم يكن له زوجة سواها أما إذا كان له أكثر من زوجة فانهن يشتركن فى هذا الفرض إلى الحالين ويقسم بينهن بالتساوى وبوفاة الزوج قبل الدخول والخلوة يتأكد المهر جميعه فى ذمته ولا يسقط إلا بالأداء اليها من تركته أو ابرائها زوجها المتوفى منه لأنه من الديون الصحيحة التى تقضى من التركة قبل قسمتها بين الورثة والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
اقرار بطلاق بائن قبل الدخول والخلوة وأنه الثالث ...(10/209)
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 15628 ...
رقم الفتوى
... 22/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : بالطلب أن رجلا ذهب إلى مأذون السيدة زينب، وطلق زوجته البكر قبل الدخول والخلوة الطلاق المكمل للثلاث بعد إقراره فى الإشهاد بأنه طلقها قبل ذلك طلاقين غير مقيدين وأن المأذون أثبت هذا الطلاق، وفهم الرجل المطلق بأنها بانت منه بينونة كبرى، لا تحل له بعد حتى تنكح زوجا غيره .
وسأل هل يجوز لهذا الزوج أن يعيد زوجته هذه إلى عصمته .
نص الفتوى
أجاب : إن المطلقة قبل الدخول بها والخلوة تبين من زوجها بينونة صغرى لا تحل له من بعد إلا بعقد ومهر جديدين بإذنها ورضاها وبإقرار م .
ع بتاريخ 30 ديسمبر سنة 1957 بأنه طلق زوجته م.ط قبل الدخول والخلوة طلاقين غير مقيدين قبل هذا التاريخ، تبين منه زوجته هذه بينونة صغرى بالأول منهما، فلا يلحقها الطلاق الثانى الذى أقر به ولا الطلق الثالث الذى وثقه المأذون، لأن الزوجية انقطعت بالطلاق الأول البائن، ولم تصبح الزوجة محلا لإيقاع الطلاق عليها فلا يلحقها واحد منهما ويلغو كل منهما، ومن ثم يكون توثيق المأذون هذا الطلاق الأخير ووصفه بأنه الطلاق المكمل للثلاث غير صحيح شرعا، ويكون لهذا المطلق شرعا الحق فى إعادتها إلى عصمته بعقد ومهر جديدين فإذنها ورضاها بما تبقى له عليها من الطلاق وهو طلقتان فقط وبهذا علم الجواب عن السؤال والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
خدمة النساء للاضرحة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 16051 ...
رقم الفتوى
... 09/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(10/210)
صدر قرار من المجلس الصوفى سنة 1923 بتعين حرمة خادمة لضريح سيجى محمد خليفة بمديرية القليوبية .
وقد تعرض لها الشيخ إبراهيم بكر السكراتى وأبى أن يسلمها مفتاح الضريح بحجة أنه من نسل صاحب الضريح الذى لا يجوز شرعا قيام امرأة بخدمته .
فهل يجوز شرعا قيام امرأة بخدمة الضريح أم لا .
نص الفتوى
الحمد لله
نفيد أن الشريح الذى قرر المجلس الصوفى الحرمة المذكورة خادمة له لم يخرج عن كونه قبرا من قبور المسملين التى رخص فى زيارتها النبى صلى اللّه عليه وسلم بعد نهيه عنها بقوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبول ألا فزوروها) ويستوى فى خدمتها الرجال والنساء من حيث حفظها وفراشتها وتنظيفها إلا أن خدمة الرجال لها أليق فى العادات وأبعد فى نظر الشريعة الغراء من مثار الشبهات الناشئة من المحادثة والمخالطة فى هذه المزارات .
ومن نظر فى قول فقهائها إنه يكره أذان المرأة وإقامتها للصلاة وجهرها بقراءة القرآن فى الصلاة الجهرية وقولهم إنها تعتكف فى بينها لا فى المسجد وإن الأفضل تباعدها عن البيت فى الطواف وإن الخلوة بالأجنبية حرام والكلام معها مكروه إلى غير ذلك من الأحكام الخاصة بالنساء، جزم بأن الأولى عدم إقامتها خادمخة للضريح المذكور توقيا من الوقوع فى حرام أو مكروه شرعا .
واللّه تعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
عورة المرأة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 16110 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بكتاب المركز الإسلامى - كولونيا - ألمانيا الاتحادية المحرر فى 8 رجب 1401 هجرية 12 مايو 1981 م المقيد برقم 189 سنة 1981 وقد جاء به المفهوم لدينا أن زوج الأخت ليس من المحارم الذين ذكرهم الله فى سورة النور، وقد أجازت سورة النور فى القرآن الكريم أن تضع المرأة حجابها أمام عبدها، كما أجازت وضع الحجاب عند تحرير العبد أو مكاتبته .
فهل يجوز - بالنسبة لزوج الأخت .(10/211)
أن تظهر عليه أخت زوجته دون حجاب، طالما أن أختها زوجته على قيد الحياة بحكم حرمتها عليه .
ثم تتحجب أمامه عند موت أختها، باعتبار أنها أصبحت حلا له .
نص الفتوى
الحمد لله
قال الله سبحانه { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } النور 31 ، فى هذه الآية الكريمة بيان ما يجوز للمرأة إبداؤه من زينتها وما لا يجوز ومن يحل لها أن تبدى بعض الزينة أمامهم من الرجال، ولقد جاءت كلمة (ولا يبدين زينتهن) مرتين فى هذه الآية الأولى بقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وقد اختلف العلماء فى تحديد المقصود بكلمة (ما ظهر منها) وقدره، هل يكون معناه ما ظهر بحكم الضرورة من غير قصد، أو يكون ما جرت العادة بإطهاره وكان الأصل فقيه الظهور ، وقد أثر واشتهر عن أكثر السلف من فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين .
الرأى الثانى، فلقد اشتهر عن ابن عباس وعن أنس أنهما قالا فى تفسير (ما ظهر منها) الكحل والخاتم .
وإباحة إبراز هذين يلزم منها إظهار موضعيهما، وهما الوجه والكفان .
وهذا ما أميل للأخذ به، لأن إظهار ( بهذا قال المفسرون الطبرى والقرطبى والزمخشرى والرازى والشوكانى فى فتح القدير وغيرهم فى تفسير هذه الآية ) الوجه والكفين ضرورة للتعامل وقضاء المصالح، ولأن فى سترهما حرجا للمرأة التى قد تخرج لكسب قوتها أو تعول أولادها كما أشار إلى هذا الفخر( ص 205 و 206 ج - 23 ) الرازى فى تفسيره .
وقوله سبحانه فى الآية للمرة الثانية { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } هذا القول حث للنساء ونهى للمؤمنات عن كشف الزينة الخفية من أجسادهن، كزينة الأذن والشعر والعنق والصدر والساق أمام الأجنبى من الرجال، حيث رخص الله لها فى إبداء الوجه والكفين فقط، كما فى افتتاح الآية (إلا ما ظهر منها) .
وقد استثنت الآية من حظر إبداء الخفية اثنى عشر صنفا من الناس هم : 1 - بعولتهن أى أزواجهن، فللزوج أن يرى من زوجته ما يشاء وكذلك المرأة .
وفى الحديث ( أخرجه الامام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقى - البيان والتعريف بأسباب وردود الحديث ج - 1 ص 99 ) (احفظ عورتك إلا من زوجتك) .
2 - آباؤهن ويدخل فيهم الأجداد لأب أو لأم، والأعمام والأخوال، إذ الصنفان الخيران بمنزلة الآباء عرفا وفى الحديث ( رواه مسلم ) (عم الرجل صنو أبيه) .(10/212)
3 - آباء أزواجهن فقد صار لهم حكم الآباء بالنسبة لهن، حيث وقع التحريم بقوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } النساء 23 .
4 - أبناؤهن ومثلهم فروع هؤلاء الأبناء وذريتهم ذكروا وإناثا .
5 - أبناء أزواجهن لضرورة الاختلاط الحاصل فى العشرة والمنزل ولأنها صارت بمثابة الأم فهى محرمة على هؤلاء الأبناء بقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } النساء 22 .
6 - إخوانهن سواء أكانوا أشقاء أو من الأب أو من الأم .
7 - بنو إخوانهن للتحريم الواقع مؤبدا بين الرجل وعمته .
8 - بنو أخواتهن لأن حرمة الخالة على الرجل أبدية أيضا بنص آية التحريم فى القرآن .
9 - نساؤهن أى النساء المتصلات بهن نسبا أو دينات، أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المرأة المسلمية ما خفى، بل يجوز أن ترى ما أبيح للرجل الأجنبى رؤيته على أصح الأقوال .
10 - ما ملكت أيمانهن أى عبيدهن وجواريهن، لأن الإسلام ضم هؤلاء إلى الأسرة فصاروا كأعضائها ن وقد خص بعض الأئمة هذا بالإناث دون الذكور من المملوكين ( تفسير القرطبى ج - 12 ص 233 و 234 و 237 وفيه تفصيل ) .
11 - التابعون غير أولى الإربة من الرجال وهم الأتباع والأجراء الذين لا شهوة لهم فى النساء لسبب بدنى أو عقلى، فلابد من توافر هذين الوصفين، التبعية للبيت الذى يدخلون على نسائه ، وفقدان الشهوة الجنسية، وكما قال القرطبى من لا فهم له ولا همة بنتبه بها إلى النساء .
12 - الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء وهم الصغار الذين لم تثر فى أنفسهم الشهوة الجنسية، فإذا ما لوحظ ظهورها عليهم حرم على المرأة إبداء زينتها الخفية أمامهم وإن كانوا دون البلوغ .
لما كان ذلك كان كل ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة يجب سترها ويحرم كشفها .
وكانت عورتها بالنسبة للرجال الأجانب عنها وغير المسلمات من النساء على الأصح جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكانت عورتها بالنسبة للأصناف الاثنى عشر المذكورين فى آية سورة النور ( الآية 31 ) تتحدد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التى أبيح إبداؤها لهؤلاء الأصناف، أما ما وراء ذلك مثل الظهر والبطن والفخذين وما بينهما وما وراءهما فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج .
كما يدل على هذا حديث ( سبق تخريجه وانظر البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث الشريف ابن حمزة الدمشقى ج - 1 ص 99 ) بهز بن حكيم عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل إذا كان القوم بعضهم فى بعض قال إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها .
قيل إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس .(10/213)
هذا وقد قال القرطبى ( ج - 12 ص 232 ) لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوى المحارم وسوى بينهم فى إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما فى نفوس البشر، فلا مرية ان كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لابن الزوج .
وفى موضع آخر ( المرجع السابق ص 237 ) قال والله تعالى قد حرم المراة على الإطلاق لنظر أو لذة، ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين، ثم استثنى الزينة لاثنى عشر شخصا، العبد منهم، وقدط تأول بعضهم الآية فى شأن الأصناف الأخيرة فقال إن التقدير أو ما ملكت أيمانهن من غير أولى الإربة أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال .
وإذ كان ذلك وكان زوج الخت لم يرد ذمن هذه الأصناف الاثنى عشر - كان أجنبيا من أخت زوجته، لا يحل له كما لا يحل لها أن تبدى أمامه إلا الزينة الظاهرة التى هى الوجه والكفان .
ويبين هذا ويؤكده أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من خلوة المرأة بأحمائها فقال (إياكم والدخول على النساء فقال رجل ومن الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو - الموت) ( متفق عليه ) قال النووى ( فتح البارى بشرح البخارى ج - 9 ص 271 و 272 فى باب النكاح ) الحمو أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم وإنما المراد غير المحارم كابن العم، لأنه يحل لها تزوجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه، ليخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبى .
فهذا الحديث الشريف يحذر - سدا للذرائع - من الدخول على النساء والخلوة بهن، إلا فى الحدود التى أباحها الله سبحانه وبينها فى القرآن الكريم ( من الآيات 22 و 23 من سورة النساء ) وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه، وبين دخول الرجل على أخت زوجته، فهو أجنبى عنها فى كلا الحالين، والمحرم على زوج الأخت هو الجمع بين المرأة وأختها قال تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } النساء 23 ، فالتحريم للجمع لا لأصل الزواج، بدليل أنها تحل له إذا ما فارق زوجته بموت أو طلاق .
هذا ولا قياس فى الحل والتحريم، لأن الحكم فيه من الله لا سيما بعد أن دلت الآية الكريمة فى سورة النور وآيات المحرمات فى سورة النساء على أن الرجل أجنبى من أخت زوجته، بمعنى أنه غير محرم لها، وأن التحريم إنما فى الجمع بينها وبين أختها (زوجته) .
واتقاء الشبهات لون من التربية الإسلامية التى جاءنا بها رسول الإسلام، حيث قرر هذا المبدأ فى قوله عليه الصلاة والسلام ( رواه الشيخان عن النعمان بن بشير، وهذا اللفظ من رواية الترمذى ) الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور متشابهات لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هى أم من الحرام فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سمل، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أن من يرعى حول الحمى ( الحمى مكان محدود يحجزه السطان لترعى فيه ماشيته وحدها ويمنع(10/214)
غيرها من دخوله ) ، أوشك أن يواقعه إلا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه .
وبهذا البيان المستمد من نصوص القرآن والسنة، لا يحل للرجل أن يطلع من أخت زوجته على أكثر من الوجه والكفين، كما يحرم عليها تمكينه مما وراء هذا من جسدها كما ترحم عليهما الخلوة، ولا قياس فى هذا الموضع، إذ لا قياس ثمت فى الحلال والحرام .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
أمهات المؤمنين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19516 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : لماذا جعل الله زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فى قوله { وأزواجه أمهاتهم } ولم يجعل النبى أباهم فى قوله { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } ؟ .
نص الفتوى
أجاب : جعل الله سبحانه زوجات الرسول أمهات المؤمنين بقوله { وأزواجه أمهاتهم } الأحزاب : 6 ، ولا يقال لهن : أمهات المؤمنات كما روى البيهقى فى سننه عن عائشة رضى الله عنها ، وذلك فى نطاق خاص وليس فى كل الأحوال ، فيحرم التزوج منهن بقوله تعالى { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما } الأحزاب : 53 .
فالعلة هنا هى الزوجية للرسول وليست الأمومة، ولسن كالأمهات فى النظر إليهن والخلوة معهن ونقض الوضوء باللمس والتوارث وفى زواج بناتهن ، فقد تزوج على فاطمة وعثمان من رقية ثم من أم كلثوم ، وهن بنات السيدة خديجة أم المؤمنين .
والرسول صلى الله عليه وسلم ليس أبا لأحد من رجال المؤمنين ، فقد مات أولاده الذكور منها قبل التكليف بأوامر الرسالة ، والآية نصت على أنه ليس أبا من النسب لأى رجل من المؤمنين وإن كان أبا روحيا بالرسالة والتعليم كما جاء فى الحديث " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده " رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه وابن حبان عن أبى هريرة ، ورواه أبو يعلى عن عائشة ، وفى سنده مصعب بن ثابت ، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة .(10/215)
وسبب نزول هذه الآية أن الإسلام أبطل التبنى، وكان الرسول متبنيا زيد بن حارثة من قبل ، ولما بطل التبنى وتزوج مطلقته زينب بنت جحش أرجف الكفار وقالوا : محمد تزوج امرأة ابنه ، فبيَّن الله أن محمدا ليس أبا من النسب لزيد ولا لأحد من رجال المؤمنين ، ومن هنا يصح له أن يتزوج مطلقة من تبناه ، فهو ليس ابنا له من النسب .
ـــــــــــــــــــــ
الدخول بالمرأة والخلوة بها ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19518 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : لو عقد شخص على امرأة ثم قبَّلها أو سافر بها فى مكان بعيد عن أهلها ولم يتصل بها جنسيا ثم طلقها، هل يعتبر طلاقا قبل الدخول أو بعده ؟ .
نص الفتوى
أجاب : الدخول الحقيقى الذى تترتب عليه أحكامه يحصل باللقاء الجنسى المعروف ، وذلك عند جمهور الفقهاء ، فالتقبيل أو الخلوة الخالية من ذلك لا تترتب عليه أحكام الدخول ، لكن الإمام أبا حنيفة جعل للخلوة أحكاما تشترك فيها مع الدخول ، واشترط أن تكون الخلوة صحيحة ، وتكون صحيحة إذا كان الزوج مع الزوجة فى مكان يأمنان فيه من دخول أحد عليهما أو إطلاعه على سرهما ، وألا يكون هناك ما يمنع من الاختلاط ، مستدلا بما رواه الدارقطنى " من كشف خمار امرأته ونظر إليها وجب الصداق ، دخل بها أو لم يدخل " وبما روى عن زرارة بن أبى أوفى أنه قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه إذا أرخى عليها الستور وأغلق الباب فلها الصداق كاملا وعليها العدة ، دخل بها أم لم يدخل . وحكى الطحاوى من أئمة الحنفية أن على هذا إجماع الصحابة من الخلفاء الراشدين وغيرهم .
فإذا لم تكن الخلوة صحيحة فلا تكون فى الحكم كالدخول . كأن كانا فى مكان لا يأمنان فيه من دخول أحد أو إطلاعه عليهما ، أو كان معهما شخص ثالث يعقل ، أو كان هناك مانع من الاختلاط .
والمانع إما حسى كالمرض أو صغر السن ، أو كانت الزوجة بها مانع خلقى لا يمكن معه الاختلاط ، وإما مانع شرعى كالحيضى أو صيام رمضان أو إحرام بالحج أو العمرة .
والخلوة الصحيحة تشارك الدخول الحقيقى عند الأحناف فى أحكام وتخالفه فى أحكام ، فالمشاركة فى خمسة :(10/216)
ا -تأكد المهر كله للزوجة .
2-وجوب العدة عليها إذا وقعت فرقة بعد الخلوة بها .
3- وجوب نفقة العدة على المطلق .
4 -ثبوت نسب الولد منه .
5 - حرمة التزوج بامرأة أخرى محرم لها كالأخت وتزوج خامسة وذلك فى أثناء العدة .
6 -وقوع الطلاق عليها ما دامت فى العدة .
والمخالفة فى سبعة :
ا - لا يثبت بها إحصان فلا ترجم إن زنت .
2 - حرمة الربيبة فإن الشرط الدخول بأمها دخولا حقيقيا .
3- حل المطلقة ثلاثا لا يكون إلا بالدخول .
4 - الرجعة فلا تحصل عنده إلا بالاتصال الجنسى .
5 -إرجاعها بدون عقد فلا يجوز إلا بعد الدخول الحقيقى .
6 -الميراث فلا يرث أحدهما الآخر قبل الدخول الحقيقى لو طلقها ومات فى العدة .
7 - لا تعامل معاملة الثيب لو طلقها قبل الدخول الحقيقى وأرادت أن تتزوج . بل تعامل كالبكر. [ ملخص من كلام الشيخ عبد الرحمن تاج فى كتابه " أحكام الأحوال الشخصية ص 131 - 1136 ] .
ثم تحدث عن المذاهب بخصوص المهر ، فقال : إن الخلوة الصحيحة توجب المهر كله عند الحنفية والحنابلة، ولا توجبه عند الشافعية، وأما المالكية فقالوا : إن اختلى بها مدة طويلة كسنة مع عدم الموانع من المخالطة ، كانت الخلوة كالدخول فى تأكد المهر كله حتى لو اعترف الطرفان بعدم المخالطة . ويراجع الكتاب لاستكمال رأى المالكية انظر تفسير القرطبى فى سورة النساء "وقد أفضى بعضكم إلى بعض "ج 3 ص ه . 2 ، ج ه ص 102 .
ـــــــــــــــــــــ
زواج التحليل ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19531 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : كثر الكلام فى ذم زواج التحليل وأن المحلل والمحلل له ملعونان ، فهل معنى ذلك أنه حرام ، وكيف تعود المطلقة طلاقا بائنا بينونة كبرى إلى زوجها الأول ؟ .
نص الفتوى(10/217)
أجاب : المقصود بزواج التحليل هو زواج المطلقة ثلاثا لتحل لزوجها الأول ، وهو أمر مشروع دل عليه الكتاب والسنة والإِجماع ، قال تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ثم قال فى الآية التى تليها { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } البقرة :
229 ، 230 ، قال العلماء : المعنى فإن طلقها للمرة الثالثة . قال القرطبى :
وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه . وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه " رواه الأئمة واللفظ للدارقطنى عن عائشة .
وحتى يكون زواج التحليل محققا للغرض منه لابد فيه من أمرين أساسيين ، أولهما أن يكون العقد صحيحا ، والثانى أن يكون معه دخول صحيح ، فإذا اختل واحد منهما لم يكن مشروعا، ولتوضيح ذلك نقول :
1 -حتى يكون العقد صحيحا لابد من استيفاء الأركان والشروط المعروفة فى كل زواج ، وزاد العلماء عليه أن يكون خاليا من نية التحليل ، ونية التحليل لها حالتان :
أ-الحالة الأولى أن يصرح بها فى العقد، كأن يقول : تزوجتك على أن أحلك لزوجك ، وهو باطل لا تترتب عليه آثاره عند جمهور الفقهاء :
مالك والشافعى وأحمد وعده ابن القيم من الكبائر لا فرق بين أن يكون اشتراط ذلك بالقول أو التواطؤ " زاد المعاد ج 4 ص 6 " وذلك لأحاديث ، منها ما رواه الترمذى عن ابن مسعود وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجة وأحمد عن ابن عباس ، والحاكم وصححه "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " وما رواه ابن ماجة والحاكم من حديث عقبة بن عامر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال " ألا أخبركم بالتيس المعار"؟ قالوا : بلى يا رسول اللَّه ، قال " هو المحلل ، لعن اللَّه المحلل والمحلل له " .
وأما أهل الرأى " أبو حنيفة وأصحابه " فقال أبو حنيفة وزفر: يصح العقد ويحلها للأول ، لأن الشرط الفاسد يُلْغَى ويصح العقد ، وقال محمد : إن العقد صحيح مع هذا الشرط ، لأن الشرط يلغى ولكن هذا العقد لا يحلها للأول ، وقال أبو يوسف : العقد باطل -كرأى الجمهور -ولا يحلها للأول .
هذا ، وحكى الماوردى عن الشافعى أنه إن شرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأول ، وإن شرطاه فى العقد بطل النكاح ولم يحلها للأول :
وهذا قول الشافعى " تفسير القرطبى ج 3 ص 150 " .
ب - الحالة الثانية ألا يصرح بنية التحليل فى العقد وإن كان أمرا معروفا بين الناس أو على الأقل بين الأطراف الثلاثة ، المطلق والمطلقة والمحلل ، قال مالك : العقد غير صحيح ولا تحل للأول ، لأن العبرة فى الأحكام بالنيات ، وكذلك قال أحمد بن حنبل ، جاء فى " المغنى " لابن قدامة الحنبلى أن نكاح المحلل باطل إن شرط أنه إذا أحلها فلا نكاح بينهما، وإن نوى التحليل من غير شرط فالنكاح باطل ، وفى قول : إن شرط عليه التطليق قبل العقد ولم يذكره فى العقد ولم ينو فالعقد صحيح .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : ينعقد صحيحا مع الإثم ، ويترتب عليه حلها للأول بعد الدخول والطلاق وانتهاء العدة، لأن العبرة فى الأحكام بالظاهر، وأما الشافعى فله(10/218)
قولان ، القول الأول هو القديم كقول مالك وأحمد ، والقول الثانى وهو الجديد كقول أبى حنيفة وأصحابه .
2 -أما الشرط الثانى وهو الدخول الصحيح ، فهو أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة وجمهور العلماء ، ولا يكتفى فيه بمجرد الخلوة حتى لو كانت صحيحة، بل لابد فيه من اللقاء الجنسى، والدليل على ذلك ما رواه البخارى وغيره عن عائشة رضى اللّه عنها لما طلق رفاعة القرظى امرأته فبتَّ طلاقها تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فجاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أن عبد الرحمن ضعيف فى الناحية الجنسية ، فتبسم الرسول وقال " لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة ؟ لا، حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك " .
وجاء فى سنن النسائى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت . قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " " العسيلة الجماع ولو لم ينزل " . وجاء فى سنن النسائى عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما : سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ، فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، فقال " لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر " .
وتشدد الحسن البصرى فلم يكتف بمجرد الجماع ، بل اشترط أن يكون معه إنزال للنص فى الحديث على ذوق العسيلة، ولكن الجمهور اكتفوا بمجرد الجماع ، بناء على تفسير الرسول للعسيلة، بالجماع ولو لم ينزل .
ولم يخالف فى شرط الدخول بالزوجة إلا سعيد بن المسيب من كبار التابعين وسعيد ابن جبير وبعض الخوارج ، وقولهم مرفوض بدليل الأحاديث السابقة . وعدم تحقيقه لحكمة التشريع .
والحكمة من اشتراط المحلل وتأكيد دخوله بالمرأة باللقاء الجنسى ، التنفير من الطلاق الثلاث ، وتنبيه الزوج إلى التريث فى استعمال حق الطلاق الذى جعله اللَّه على مرات ، ومراعاة للشعور بالغيرة على أن يحل محله رجل آخر فى التمتع بزوجته .
هذه هى الآراء فى زواج التحليل وما شرط فيه لتترتب عليه آثاره ، وقد حمل بعض العلماء عليه حملة عنيفة بصورة تجعله كأنه غير مشروع ، دون مراعاة لبعض الظروف الضاغطة التى يتحقق بها يسر الإِسلام ، والحق هو التمسك بما اتفق عليه العلماء ، مع ترك الحرية للاختيار فيما اختلفوا فيه .
وقد رأينا بعد هذا العرض الاتفاق على وجوب صحة الزواج ووجوب المعاشرة الجنسية ، ورأينا الاختلاف فى نية التحليل أو التصريح به واشتراطه فى العقد ، فعند أبى حنفية أن نية التحليل -شرطت أم لم تشرط - لا تمنع من صحة العقد ولا من حل المرأة لزوجها الأول ، وعند الشافعى قولان فى عدم الاشتراط ، قول كمالك وأحمد بالمنع ، وقول كأبى حنيفة بالجواز، وتحمل الآثار الواردة فى التنفير منه على الكراهة ، وفى المسائل الخلافية لا يفرض رأى من الآراء ، إلا باختيار ولى الأمر، والعمل فى مصر على رأى أبى حنيفة وهو الجواز، لأنه الراجح فى المذهب ، ولا مانع من اختيار أى رأى من الآراء وبخاصة عند اقتضاء .
المصلحة .(10/219)
ـــــــــــــــــــــ
الفرق بين الخمار والنقاب والحجاب ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19554 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : نرجو تحديد معانى هذه الألفاظ وهى الخمار والنقاب والحجاب ؟ .
نص الفتوى
أجاب : من القواعد العلمية ما يعرف بتحديد المفاهيم ، أو تصور الموضوع تصورا صحيحا حتى يمكن الحكم عليه ، فلابد من معرفة معانى الخمار والنقاب والحجاب قبل الحكم عليها .
1 - الخمار : هو واحد الخُمُر التى جاءت فى قوله تعالى {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } النور : 31 ، وهو ما يغطى به الرأس بأى شكل من الأشكال كالطرحة والشال وما يعرف بالإيشارب ، ويقال فى ذلك : اختمرت المرأة وتخمرت ، وهى حسنة الخِمْرَة .
2 - للنقاب : هو ما تضعه المرأة على وجهها لستره ، ويسمى أيضا " البرقع " أو " النصيف " وهو معروف من زمن قديم عند اليهود كما فى سفر التكوين " إصحاح : 24" أن " رفقة " رفعت عينيها فرأت إسحاق ، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد : من هذا الرجل الماشى فى الحقل للقائى ؟ فقال : هو سيدى ، فأخذت البرقع وتغطت ، كما كان معروفا عند العرب قبل الإسلام ، وسمى باللثام ، كما يسمى بالخمار أيضا . قال النابغة الذبيانى يصف " المتجردة " امرأة النعمان ابن المنذر لما سقط برقعها وهى مارة على مجلس الرجال :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد .
3- الحجاب : فى اللغة هو الساتر كما قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } الأحزاب : 53 ، وكما قال { فاتخذت من دونهم حجابا } مريم : 17 .
ويراد به فى الشرع ما يمنع الفتنة بين الجنسين ، ويتحقق ذلك بستر العورة والغض من البصر ، ومنع الخلوة والكلام اللين و اللمس .
فالحجاب أعم من الخمار ومن النقاب ، وهما من مقوماته التى تتحقق بها حكمة التشريع وهى منع الفتنة بين الرجال والنساء ، أو تنظيمها ليؤدى كل من الجنسين رسالته فى هذا الوجود .(10/220)
وبتحديد هذه المعانى يعرف حكم كل واحد منها ، وهو مفصل فى الجز الثانى من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام " وقد نتعرض له فى مواضع أخرى .
ـــــــــــــــــــــ
المرأة وزوج بنتها ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19565 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : هل يجوز شرعا لزوج بنتى أن يدخل بيتى ويجلس مع أمها في حالة حضورى أو غيابى عن البيت ، ولوجود خلاف شديد ونزاع مستمر داخل الأسرة بسبب هذا الموضوع ؟ .
نص الفتوى
أجاب : وجود المرأة مع زوج ابنتها في مكان خال بدون وجود محرم أو طرف ثالث - أمر جائز شرعا ، لأنه من المحارم ، أى من يحرم التناكح بينهما، فهى بمنزلة أمه ، وهو بمنزلة ابنها، قال تعالى في المحرمات من النساء{وأمهات نسائكم } النساء : 23 ، والحديث الشريف يقول "لايبيتن رجل عند امرأه ثيب إلا أن يكون ناكحا - أى زوجا - أو ذا حرم " رواه مسلم ويقول "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخاري ومسلم .
فإذا أحس الزوج أن هناك ريبة في هذه الخلوة كان على المرأة أن تستجيب لرغبة زوجها، وتمتنع عن الخلوة مع زوج بنتها على الرغم من أن ذلك حلال ، وبخاصة إذا كان في المرأة ما يغرى ، وكان زوج بنتها شابا لا يستطيع التحكم فى نفسه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه خيرا له من زوجة صالحة : إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله " رواه ابن ماجه ويقول "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا ، رجل أمَّ قوما وهم له كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان " رواه ابن ماجه وابن حبان والترمذي وحسنه .
ـــــــــــــــــــــ
الولد للفراش ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19569 ...(10/221)
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : تزوج رجل بفتاة وبعد ثلاثة أشهر اكتشف خيانتها فطلقها، وبعد ثلاثة أشهر تزوجت برجل آخر وبعد ستة اشهر وضعت طفلا وتوفيت على الأثر فلمن ينسب هذا الطفل ؟ .
نص الفتوى
أجاب : ثبت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر "رواه البخاري ومسلم ، وقد ولد هذا الطفل على فراش الزوجية الأخيرة .
فهو ينسب إلى هذا الأب الثاني ، ومدة الحمل هي من ستة أشهر من حين اجتماع الزوجين أو من حين العقد على خلاف فى ذلك . فقد روى أن رجلا تزوج امرأة فولدت لستة أشهر، فهمَّ عثمان رضي اللّه عنه برجمها، فقال ابن عباس : لو خاصمتكم بكتاب اللَّه لخصمتكم قال تعالى{وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } وقال {وفصاله في عامين } فلم يبق للحمل إلا ستة أشهر وقد درأ عثمان الحد ، واشتهر ذلك بين الصحابة ولم ينكره أحد، فلو ولدته قبل ستة أشهر من الدخول أو الخلوة فلا يثبت نسبه إلا إذا ادعاه الزوج .
أما العقاب فأمره متروك إلى اللَّه ، لأنه هو الذي يعلم السر كله فى هذا الموضوع ، وليسن لنا إلا الحكم بالظاهر، حفاظا على الأعراض والأنساب ومنعا للفتنة .
ـــــــــــــــــــــ
العلاقة بين الخطيبين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19577 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : خطبت فتاة قريبة وأحببت أن أجلس معها وأحدثها ليتعرف كل منا أخلاق الآخر فمنعنى أقاربها ، فهل الدين يحرم ذلك ؟ .
نص الفتوى
أجاب : أباح الإسلام بل ندب للخطيب أن ينظر إلى خطيبته فى حدود الوجه والكفين ليرى منها ما يرغِّبه فى زواجها ، وذلك بشرط أن يكون جادا فى خطبتها ،ودليله قول النبى صلى الله عليه وسلم وفعله ، أما قوله فمنه ما رواه مسلم أن رجلا تزوج(10/222)
امرأة من الأنصار فقال له "أنظرت إليها" ؟ قال لا، ،قال "فاذهب فانظر إليها فإن فى أعين الأنصار شيئا" . وروى الترمذى وحسَّنه والنسائى وابن ماجة من حديث المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال له النبى "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أى تحصل الموافقة والملاءمة بينكما .
وأما فعله فقد روى البخارى في سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسى، فنظر إليها فصعَّد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه . . . . . .
ويجوز عند أحمد بن حنبل النظر إلى أكثر من الوجه والكفين ، مما لا يخدش حياء أو يثير فتنة، بناء على الحديث الذى رواه ، وهو "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " ولذلك قال ابن الجوزى فى كتابه "صيد الخاطر" ومن قدر على مناطقة المرأة أو مكالمتها بما يوجب التنبيه ثم ليرى ذلك منها ، فإن الحسن فى الفم والعينين - فليفعل هذا .
هذا هو الطريق لمعرفة جمالها وصحتها ، أما معرفة أفكارها وثقافتها وأخلاقها فيكون إما بسؤال أهل الثقة والخبرة ، وإما بمعرفة ذلك بنفسه عن طريق المحادثة والمجالسة والمحادثة نفسها لا مانع منها شرعا ، والمحرم منها هو لين الكلام أو اشتماله على محرم ، أما المجالسة فلا تجوز أن تكون فى خلوة بل لا بد من وجود طرف آخر يمنع وسوسة الشيطان لهما بالسوء على حد قول الحديث الشريف الذى رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء ، فوالذى نفسي بيده ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما" وقد صح فى تحريم الخلوة "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " رواه البخارى ومسلم فإذا وجد المحرم أى القريب الذى يحرم زواجه منها كالأب والأخ والعم والخال فلا حرمة .
أما ما وراء النظر والمجالسة مع المحرم من مثل التلامس باليدين بدون حائل ، أو ما هو أكبر من تلامس اليدين فهو حرام ، وإذا كان هناك اجتماع عام كما هو فى الشوارع أو الأسواق بحيث يطلع الناس على الخطيبين فلا يعد ذلك خلوة ، بل هو جائز. هذا هو الشرع فى حدوده التى وضعها لتلاقى الخطيبين ، وهى حدود معتدلة ليس فيها تزمت ولا تفريط ، فالذين يمنعون النظر إلى الوجه والكفين والكلام العادى بحضور محرم -مخالفون للشريعة ، والذين يبيحون النظر بدون حدود والكلام واللقاء الحر بدون ضوابط -مخالفون للشريعة . والخير فى اتباع الهدى النبوى، حماية للشرف وصيانة للعرض ، ومنعا للتهمة وسوء الظن ، وإذا كان لبعض الناس عرف يخالف ذلك فالدين يحكم على العرف لوجود النص فى المسألة ، ولا يجوز للعرف أن يحرِّم ما أحل الله أو يحلل ما حرَّم الله ، "انظر الجزء الأول والثانى من موسوعة :
الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
ـــــــــــــــــــــ
تبرج الجاهلية الأولى ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...(10/223)
اسم المفتى
... 19587 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما هى الجاهلية الأولى ، وماذا كانت عليه من التبرج المنهى عنه ؟ .
نص الفتوى
أجاب : قال تعالى { وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} الأحزاب :
32 ، الآية مذكورة فى سياق النداء لنساء النبى صلى الله عليه وسلم .
ترشدهن إلى الاستقرار فى بيوتهن وعدم التبرج كما كان عند الجاهلية الأولى .
والتبرج قيل : هو المشى مع تبختر وتكسر، وقيل : هو أن تلقى المرأة خمارها على رأسها ولا تشده ، فتنكشف قلائدها وقرطها وعنقها، وقيل : هو أن تبدى من محاسنها ما يجب ستره . وهو مأخوذ من البَرَج -بفتح الباء والراء -أى السعة، كما توصف العين الحسنة بالسعة، وكما يقال فى أسنانه برج ، إذا كانت متفرقة . وقيل : هو من البرج -بضم الباء، أى القصر العالى .
ومعنى تبرجت ظهرت من برجها، وهو بهذا المعنى يجعل جملة "ولا تبرجن " مؤكدة لجملة "وقرن " .
والجاهلية الأولى مختلف فى تحديد زمنها . وملخص الأقوال كما فى تفسير القرطبى "ج 14 ص 179 " :
ا -ما بين آدم ونوح . وهى ثمانمائة سنة . قاله الحكم بن عيينة .
2 -ما بين نوح وإدريس ، كما قاله ابن عباس .
3-ما بين نوح وإبراهيم ، كما قاله الكلبى .
4 -ما بين موسى وعيسى، كما قاله جماعة .
5 -ما بين داود وسليمان . كما قاله أبو العالية .
6-ما بين عيسى ومحمد، كما قاله الشعبى .
وكلها أقوال لا يسندها دليل صحيح . فالقدر المتفق عليه أنها قبل البعثة النبوية بزمن طويل ، لأن وصفها بالأولى يشعر بأن هناك جاهلية ثانية أتت بعدها ، وهى أقرب منها إلى البعثة .
وكانت المرأة فى الجاهلية الأولى تلبس الدرع من اللؤلؤ، أو القميص من الدر غير مخيط الجانبين ، وتلبس الرقاق من الثياب ولا توارى بدنها، فتمشى وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال .
وهذا يشعر بأن ذلك العهد عهد ترف ، فهل كان فى أيام عاد وثمود حيث جاء فى القرآن الكريم ما يدل على أن هؤلاء كان فيهم حضارة وقوة وترف يبنون بكل مكان آية على قوتهم يعبثون ولا يجدّون بشكر الله . ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون . وأمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون ، وينحتون من الجبال بيوتا فارهين ؟ ربما(10/224)
يكون ذلك هو عهد الجاهلية الأولى، ومهما يكن من شىء فإن الجاهلية الثانية المتصلة ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ما كانت بهذا الثراء الفاحش ، لكن كان فى بعض نسائها بعض مظاهر التبرج ، الذى قد يصل إلى العرى الكامل فى بعض الأحيان . فقد ذكر مسلم فى صحيحه "كتاب التفسير" أن المرأة كانت تطوف بالبيت وهى عريانة - وفى لسان العرب : إلا أنها كانت تلبس رهطا من سيور-فتقول : من يعيرنى تطوافا-بفتح التاء وكسرها-تجعله على عورتها وتقول :
اليومَ يبدو بعضُه أوكلُّهُ * فما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزل قوله تعالى { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الأعراف : 31 وكان إعطاء المرأة ما تطوف به يُعد من البر .
ووصف التبرج بأنه تبرج الجاهلية الأولى ، لا يعنى أن المنهى عنه هو ما كان على هذه الصورة الفاضحة ، بل هذا الوصف لبيان الواقع وليس قيدا لإخراج ما عداه من الحكم. ويراد به بيان شناعته ومضادته للذوق والفطرة السليمة .
فلا يقال : إن التبرج البسيط معفو عنه ما دام لم يكن فاضحا حسب العرف الذى يحدده ، ومثاله قوله تعالى فى الربا {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} فالمراد النهى عنه مطلقا حتى لو كان بسيطا، لكن ذلك هو ما كان عليه العرب كمظهر من مظاهر الجشع والاستغلال .
والتبرج المنهى عنه فى الإسلام هو كشف العورة التى يختلف حجمها أو مساحتها باختلاف من يطلعون عليها ، فمع المحارم كالأب والابن والأخ ، هى ما بين السرة والركبة، ومع الرجال الأجانب هى جميع البدن ما عدا الوجه والكفين ، والخدم الموجودون الآن رجال أجانب ، وعورة المرأة مع المرأة كعورتها مع المحارم . وليس من المحارم ابن العم وابن العمة وابن الخال وابن الخالة ، وأخو الزوج وكل أقاربه ما عدا والده .
وإذا جاز لها كشف الوجه مع الأجانب فليكن من غير أصباغ ومغريات فاتنة ، فالمقصود من النهى عن التبرج هو عدم الفتنة وسد باب الفساد .
وإذا كان النهى موجها . إلى نساء النبى فغيرهن أولى، لعدم وجود ما لديهن من الشرف والحصانة والانتساب للرسول والبيئة الصالحة .
ويتبع كشف العورة لين الكلام والتعطر والخلوة والتلامس وكل ما يدعو إلى الفتنة .
ـــــــــــــــــــــ
الخلوة بين الجنسين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19627 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...(10/225)
نص السؤال
سئل : أنا فتاة ملتزمة للحجاب الشرعى ، وأعمل سكرتيرة لأحد رجال الأعمال ، وفى بعض الأحيان نمض ساعات وحدنا لمراجعة الأعمال ، فما رأى الدين فى ذلك ؟ .
نص الفتوى
أجاب : ليكن معلوما أن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة وصيانة المجتمع من الفساد-عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها ، فالأحاديث كثيرة فى النهى عنها لخطورتها ، ومنها ما رواه البخارى ومسلم " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى محرم " وما رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء ، فو الذى نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما" .
إن الغريزة الجنسية تتحين أية فرصة للاستجابة لرغبتها ، ومن أجل ذلك حرم الإسلام النظر واللمس والخضوع بالقول ، والخلوة ، أخرج أبو داود والنسائى أن رجلا من الأنصار مرض حتى صار جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية تعوده وحدها فهشَّ لها ووقع عليها، فدخل عليه رجال من قومه يعودونه فأخبرهم بما حصل منه وطلب الاستفتاء من النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لرسول الله : ما رأينا بأحد من الضر مثل ما الذى هو به ، ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلدة على عظم ، فأمر رسول الله : بإقامة الحد عليه ، بضربه بمائة شمراخ ضربة واحدة .
إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة فى هذه الأيام ، فقد تكون فى البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة ، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية ، حتى فى الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار .
إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط ، أو باجتماع امرأة برجلين ، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال ، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين ، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء .
والخلوة لا تجوز إلا للضرورة ، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو فى بعض الأحيان ، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة ، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم ، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2 )وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها ، أو المخدوم بخادمته ، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك ، وليس هؤلاء الخدم مملوكين ملك اليمين حتى يكون لهم مع سادتهم وضع خاص ، بل هم أجانب تجرى عليهم كل أحكام سائر الناس .
وفى حكم الخلوة سائقو السيارات الخاصة ، المترددون على النساء كثيرا فى البيوت ، دون أن يكون هناك من يخشى معهم السوء .(10/226)
هذا ، ولا يعتبر من الخلوة المحرمة وجود الطالبات مع الطلبة فى أماكن الدراسة ، كما لا تتحقق الخلوة فى الشوارع والمحال التجارية والمواصلات التى تغص بالرجال والنساء ، وإنما المطلوب هو الحشمة فى الملابس والأدب فى الكلام ، وعدم الاحتكاك بين الطرفين ، وبخاصة فى الزحام ، وحديث الطبرانى يقول "لأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له " وحديثه أيضا "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وحديث البيهقى "إذا استقبلتك المرأتان فلا تمر بينهما ، خذ يمنة أو يسرة" .
هذا ، والرحلات المختلطة إذا أمنت فيها الفتنة وكانت تحت رقابة مؤمنة يقظة، وكانت النساء ملتزمات بالآداب الشرعية فى الستر والجدية والعفاف ، لا بأس بها ، وإلا حرمت والأولى أن تكون الرحلات ؟ لنوع واحد، اطمئنانًا للقلب وصيانة للشرف ومنعا للتهم والظنون .
ـــــــــــــــــــــ
مزاحمة الرجال النساء ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19677 ...
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : هل من الحديث ما يقال "لأن يزحم أحدكم خنزيرا متلطخا بالطين خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له "؟ .
نص الفتوى
أجاب : هذا حديث رواه الطبرانى عن أبى أمامة وقال عنه : إنه غريب ، أى رواه راو واحد ، وظاهر الحديث أن المزاحمة بالمناكب مع سترها ممنوعة فكيف إذا كانت غير مستورة؟ والحديث يدل على خطر الاحتكاك بين الجنسين بأية وسيلة من الوسائل ، فهو يؤدى إلى الفحشاء التى وضع الإسلام لها احتياطات كثيرة، كغض البصر وعدم الكلام اللين وعدم الخلوة .
ويؤيد ذلك حديث "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من ان يمس امرأة لا تحل له " رواه الطبرانى والبيهقى عن معقل ابن يسار، ورجال الطبرانى ثقات رجال الصحيح .
ـــــــــــــــــــــ
سكن المطلق مع مطلقته ...
عنوان الفتوى(10/227)
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19683 ...
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : رجل طلق زوجته طلاقا بائنا ولم يجد مسكنا لأولاده حيث ستكون هى حاضنة لهم ، إلا السكن الذى هو فيه ، فهل يجوز أن يسكن هو فى هذا البيت أم لا بد من الفصل بينه وبينها بمسكن آخر؟
نص الفتوى
أجاب : إذا حدث الطلاق صارت المرأة أجنبية عن زوجها فى بعض الأحكام . وإذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى أو كبرى فلا يحل له أن يتمتع بها بأى نوع من أنواع التمتع بل يحرم عليه أن يختلى بها أو ينظر إلى غير وجهها وكفيها ، أما إذا كان الطلاق رجعيا فله كل ذلك ما دامت فى العدة ، لأنها فى حكم الزوجة .
ومن المقرر شرعا أن المطلقة طلاقا بائنا لها الحق فى حضانة أولادها الصغار ما لم تتزوج ، ونفقتهم ونفقة حضانتها على أبيهم ، ومن النفقة إعداد المسكن اللائق لذلك ، وهو مسكن لها ولا صلة للمطلق به . فإن لم يجد لها مسكنا أو لم يجد هو لنفسه مسكنا يستقل فيه بعيدا عن مسكنها فلولى الأمر تمكينه من البقاء فى مسكن الزوجية السابقة،وذلك بصفة مؤقتة - نظرا لأزمة المساكن فى بعض البلاد- حتى يجعل الله له من بعد عسر يسرا، على شرط أن يكون وجوده فى هذا المسكن المشترك كالرجل الغريب تماما عنها ، وذلك من حيث حرمة النظر والخلوة والملامسة وغيرها . فلكل منهما غرفة أو جزء من المسكن مستقل ، كأنهما نازلان فى فندق ، وإن كان الالتزام بذلك صعبا جدا .
وهذا -كما قلت- إجراء مؤقت حتى يستقل كل منهما بمسكن ، وللضرورة أحكام ولا تظهر هذه الصعوبة إلا إذا كان هناك أولاد يحق لها حضانتهم ، التى قد تستمر سنوات طوالا، أما إذا لم يوجد أولاد للحضانة فالأمر سهل ، وهذا إجراء يجب أن يعطينا درسا فى التفكير أكثر من مرة عند الزواج وعند الطلاق . "انظر فتوى الشيخ أحمد هريدى سنة 1965 فى الفتاوى الإسلامية- المجلد السادس ص 2200" .
ـــــــــــــــــــــ
الاختلاط فى العمل ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19688 ...(10/228)
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما حكم الدين فى العمل بالشركات مع الرجال والنساء الأجانب غير الملتزمات بالملابس التى تراعى الآداب والأخلاقيات ، وإذا لم أجد عملا إلا فى هذا الجو فماذا أفعل ؟ .
نص الفتوى
أجاب : العمل بأية مؤسسة فيها رجال ونساء مثل المشى فى الطرقات وارتياد الأسواق والاجتماعات العامة، وعلى كل جنس أن يلتزم بالآداب الموضوعة فى الشريعة، التى من أهمها ما جاء فى قوله تعالى : {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } النور: 30 ، وقوله :{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن . . .} النور: 31 ، وما جاء فى السنة النبوية من عدم الخلوة المريبة والملامسة المثيرة والكلام الخاضع والعطر النفاذ والتزاحم إلى غير ذلك من الآداب .
ومع حفاظ كل جنس على الآداب المطلوبة عليه أن يوجه من يخالفها ، من منطلق قوله تعالى : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} التوبة : 71 ، وذلك بأسلوب حكيم يرجى منه الأمثال ، أو على الأقل تبرأ به ذمته من وجوب الوعظ على كل حال كما قال تعالى : {واذ قالت أمة منهم لِمَ تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } الأعراف : 164 .
ولا يجوز السكوت على مخالفة الآداب اعتمادا على قوله تعالى {عليكم أنفسكم . لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } المائدة : 105 ، فالاهتداء لا يكون إلا بعد القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما جاء فى نصوص أخرى، وإن لم ينتج النصح ثمرة وجب الإنكار بالقلب ، وهو يظهر فى معاملة المخالفين معاملة تشعرهم بعدم الرضا عنهم ، فقد يفكرون فى تعديل سلوكهم .
ومن العسير أن يترك الإنسان العمل فى مثل هذا المجال المختلط ، فالمجالات كلها أو أكثرها فيها هذا الاختلاط ، سواء على المستوى المحلى أو العالمى ، فعلى من يلجا إلى هذا العمل أن يلتزم بالآداب مع القيام بواجب النصح بالحكمة والموعظة الحسنة .
ـــــــــــــــــــــ
سر الزوجين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى(10/229)
... 19695 ...
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : هل يجوز للزوج أو الزوجة أن يفشى السر الخاص بينهما لطلب مشورة أو حل مشكله ؟ .
نص الفتوى
أجاب : إفشاء السر له خطورته ، وبخاصة إذا كان فى الأمور الهامة، على المستوى العام كأسرار الدول والحكومات ، وعلى المستوى الخاص كأسرار الأسر والشركات والجماعات ، وإفشاء السر منهى عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحقوق الغير، فى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى وحسَّنه "إذا حدَّث الرجل الحديث ثم التفت فهى أمانة" وفى تاريخ الإسلام أحداث كان إفشاء السر فيها خطيرا ، من ذلك نقل حاطب بن أبى بلتعة سر مسيرة النبى وصحبه لغزو مكة، ولم يعصمه من القتل إلا أنه قد شهد بدرا ، وكان قصده حسنا ، ونقل بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حديثه إلى بعضهن كما قال تعالى {وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض } التحريم : 3 .
ومن الأسرار التى لها حرمتها ما يحصل بين الزوج وزوجته فى الخلوة الخاصة، وقد أخرج أحمد بن حنبل عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنها كانت عند الرسول والرجال والنساء قعود عنده فقال "لعل رجلا يقول ما فعل بأهله ، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرمَّ القوم ، أى سكتوا ، فقالت يا رسول الله ، إى والله إنهم ليفعلون ، وإنهن ليفعلن ، فقال ما معناه : "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فكان منهما ما كان والناس ينظرون " وروى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفض إلى المرأة وتفضى إليه ، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه " .
هذا فى السر الخاص ، أما الأسرار الأخرى للبيوت فلا ينبغى إفشاؤها لغير من تهمهم مصلحة الأسرة من الأقارب ، بل إن البيوت الكريمة تحاول أن تخفى أسرارها حتى عن أقرب الناس إليها ، لأن السر إذا خرج أوغر الصدر، إلى جانب ما يترتب عليه من آثار ضارة ، أقلها الشماتة عند معرفة العيوب التى يشكو منها أحد الزوجين ، وكثير من الناس يتصيدون أخبار البيوت للإفساد، وللنساء فى مجالسهن الخاصة أحاديث متشعبة وخبر أم زرع بشأن النسوة اللاتى تحدثن عن أزواجهن معروف .
على أنه لا بأس بإفشاء بعض الأسرار عند الحاجة بقصد الإصلاح ، كما شكت هند إلى النبى تقتير زوجها أبى سفيان ، وذلك عند التقاضى ، أما الحديث لمن لا يرجى(10/230)
عنده إصلاح فممنوع ، ففى حديث مسلم "ومن ستر مسلما ستر الله فى الدنيا والآخرة" ومن كتم سره كان الخيار بيده .
ـــــــــــــــــــــ
صورة من الخلوة بين الجنسين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19712 ...
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : هل يجوز ركوب امرأة أو مجموعة من النساء مع سائق أجنبى عنهم ليوصلهن إلى مكان قريب داخل المدينة أو فى سفر طويل ؟
نص الفتوى
أجاب : الخلوة المنهى عنها والتى هى مظنة الغلط تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية فى مكان واحد لا يراهما فيه أحد ، أما الاجتماع فى الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات فلا تتحقق به الخلوة المحرمة ، وإن تحقق به محظور آخر، كالسفور والنظر إلى المفاتن والكلام اللين والملامسة ونحوها .
ومحصل ما قاله العلماء فى اجتماع الجنسين هو :
1- إذا كان الاجتماع ثنائيا ، أى بين رجل وامرأة فقط ، فإن كان الرجل ، زوجا أو محرما جاز وإن كان أجنبيا حرم .
2 - وإذا كان الاجتماع ثلاثيا ، فإما أن يكون بين امرأة ورجلين ، وإما أن يكون بين امرأتين ورجل ، فإن كان الأول جاز إن كان أحدهما زوجا أو محرما ، وإلا حرم "النووى على مسلم ج 9 ص 159 " وإن كان الثانى فإن كانت إحداهما محرما جاز وإلا ففيه قولان ، وقد ذكر النووى فى شرح المهذب والخطيب على متن أبى شجاع "ج 2 ص 120 " جواز الخلوة بامرأتين .
3-وإن كان الاجتماع رباعيا فأكثر فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إذا تساوى العدد فى الطرفين ، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة ، كمن دخلوا على زوجة أبى بكر الصديق أسماء بنت عميس وكان غائبا ، وإلا حرم .
ويشترط فى المحرم الذى تجوز الخلوة بالأجنبى مع حضوره ألا يكون صغيرا لا يستحيا منه ، كابن سنة أو سنتين ، وقال بعض العلماء :
تجوز الخلوة بالأجنبية إذا كانت عجوزا لا تراد، ولكن مع الكراهة ، أما الشابة مع كبير السن من غير أولى الإربة فقيل لا تجوز الخلوة به ، وقيل :(10/231)
تجوز مع الكراهة .
هذا ملخص ما قاله العلماء فى الخلوة ومنه يعرف أن السائق الذى يوصل امرأة واحدة إن كان فى طريق مكشوف والناس ينظرون فلا حرمة فى ذلك ، وإن كان معه مجموعة من النساء فلا حرمة أيضا، أما الطريق الخالى من الناس كطرق الصحراء وغيرها فيحرم سفر امرأة واحدة مع سائق أجنبى ، أما مع مجموعة فينظر التفصيل السابق . ومثل السائق المدرس الخصوصى للبنت والبنات ، حتى لو كان يعلمهن القرآن الكريم .
ـــــــــــــــــــــ
أثر عدم الإبصار على الخلوة بين الزوجين ... العنوان
فضيلة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هل تثبت الخلوة بين الزوجين ، إن كان الزوج لا يبصر ؟ ولكم جزيل الشكر ... السؤال
12/03/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لغير المبصر حاسة قوية، يستطيع أن يميز بها ما حوله، فإذا استطاع التمييز ثبتت الخلوة بين الزوجين، وإذا تزوجت المرأة من كفيف فدخلت عليه وعرفها فتثبت الخلوة إن أرخي الستر، ولها نصف الصداق، ولو منعت نفسها منه فكأنه لم يدخل بها.
يقول فضيلة الدكتور الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله:
جاء في الفقه الحنفي : لا تَتِمُّ الخُلْوة مع وجود الأعمى ثالثًا لهما( للزوجين)؛ لأن الأعمى يحسُّ ، و لا تَنعقدُ الخلوة الصحيحة بين الزوج والزوجة إذا كان معهما رجل مكفوف البصر .
وجاء في المغني : وإذا تزوَّج المكفوف المرأة فأُدْخِلَتْ عليه، فأَرْخَى السِّتْر وأَغلقَ الباب، فإن كان لا يعلم بدخولها عليه، فلها نِصْف الصَّدَاق، وإذا نشزتْ عليه أو كانت كبيرةً ومنعتْه نفسَها لا يكمل صداقها؛ لأنه لم يُوجَد التمكين من جهتها، فأشبه ما لو لم يدخلُ بها .
وفي مذهب الزيدية: جاء في " شرح الأزهار " : لا تمنع الزوجةُ نفسَها عن زوجها عند حضور الأعمى في بعض الأحوال، وفي حكم العَمَى الظُّلْمة مع عدم ملاصقة الحاضر للخاليَيْنِ، ما لم يَفطنْ الأعمى تفصيل ما هما فيه. أ.هـ
وعليه فالعبرة بشعور الأعمى بمن حوله ، وإدراكه لما يتم بينهما .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
عقد زواج عرفى فاسد ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى(10/232)
... 20103 ...
رقم الفتوى
... 17/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
من السيدة / ب م ف بطلبها المقيد برقم 495 سنة 1965 وعلى الصورة العرفية من عقد الزواج العرفى المرافق ، وقد تضمنت الصورة العرفية من عقد الزواج العرفى أن السيد / ع ل أ والسيدة / ب م ف قد تم الاتفاق بينهما على زواجهما ببعض وتليت الصيغة الشرعية بينهما على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت السيدة ب م ف زوجة شرعية للسيد / ع ل أ بايحاب وقبول شرعيين بعد تلاوة الصيغة الشرعية بينهما بعقد زواج عرفى بيد كل منهما نسخة منه وذلك بتاريخ 17/5/1963 دون شهادة شاهدين على هذا العقد وطلبت السائلة بيان ما إذا كان العقد العرفى بزواجهما دون شهادة شاهدين يعتبر عقد زواج رسمى وبالتالى هل يكون صحيحا شرعا .
نص الفتوى
المنصوص عليه فى فقه الحنفية أن عقد الزواج باعتباره عقدا موصلا لاستباحة الوطء واحلاله يجب أن يظهر امتيازه بهذا الاعتبار عن الوطء المحرم وطريق ذلك اعلانه واشهاره والاشهاد عليه ولهذا أوجب عامة العلماء اعلانه .
واشهاره والاشهاد عليه واستدلوا على ذلك بما روى عن عمران بن حصين عن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل ذكره أحمد بن حنبل فى رواية ابنه عبد الله وذكره الامام الشافعى رضى الله عنه من وجهة أخرى عن الحسن مرسلا .
وقال هذا وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به وروى ابن حيان عن طريق عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه والمقرر فى فقه الحنفية أيضا أنه إذا خلا عقد الزواج من شهادة الشاهدين يكون عقدا فاسدا لفقده شرطا من شروط الصحة وهو شهادة الشاهدين ويكون دخول الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد معصية وحكم الزواج الفاسد أنه لا يحل للرجل فيه الدخول بالمرأة ولا يترتب على هذا العقد شىء من آثار الزوجية فإن دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد الفاسد كان ذلك معصية ووجب تعزيرهما والتفريق بينهما ويترتب على الدخول الآثار الآتية : 1- يدرا حد الزنى عنهما لوجود الشبهة .
2- إن كان قد سمى مهر كان الواجب الأقل من المسمى ومهر المثل .
3- تثبت بالدخول حرمة المصاهرة .(10/233)
4- تجب فيه العدة على المرأة وابتداؤها من وقت مفارقة الزوجين أو أحدهما للآخر أن تفرقا باختيارهما ومن وقت تفريق القاضى بينهما إن لم يتفرقا اختيارا وتعتد المرأة لهذه الفرقة عدة طلاق حتى فى حالة وفاة الرجل .
5- يثبت به نسب الولد من الرجل إذا حصل حمل من ذلك الدخول وذلك للاحتياط فى احياء الولد وعدم تضييعه .
ولا يثبت شىء من هذه الأحكام إلا بالدخول الحقيقى فالخلوة ولو كانت صحيحة لا يترتب عليها شىء من هذه الأحكام أما غير ذلك من أحكام الزوجية فلا يثبت فى الزواج الفاسد، فلا يثبت توارث بين الرجل والمرأة ولا تجب فيه نفقة ولا طاعة زوجية وطبقا لما ذكر يكون العقد العرفى المبرم بين السائلة وبين الشخص الذى ذكرته على فرض أنه أبرم بالألفاظ التى تستعمل فى انشاء عقد الزواج شرعا عقدا فاسدا لخلوه من شهادة الشاهدين وتترتب عليه الآثار التى سبق بيانها وانه يجب عليهما أن يتفرقا فورا وإن لم يتفرقها فرق القاضى بينهما ويجب عليها العدة من تاريخ تفرقهما إن تفرقا اختيارا ومن تاريخ تفريق القاضى بينهما إن لم يتفرقا اختيارا والعدة هى أن ترى الحيض ثلاث مرات كوامل من تاريخ التفريق، وأقل مدة تصدق فيها أنها رأت الحيض ثلاث مرات كوامل ستون يوما إذا كانت من ذوات الحيض أو بوضع الحمل إن كانت حاملا فإن لم تكن من ذوات الحيض ولا حاملا فعدتها ثلاثة أشهر أى تسعون يوما فإذا انقضت عدتها حل لها أن تتزوج بأخر متى تحققت الشروط الواجبة فى ذلك شرعا ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
عقد زواج فاسد ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20130 ...
رقم الفتوى
... 17/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
إن رجلا تزوج امرأة بعقد عرفى وعاشرها معاشرة الأزواج ثم تزوجها ابنه بعقد رسمى وطلقها قبل الدخول والخلوة - وطلب الإفادة عما إذا كانت المرأة المذكورة تحل للأب بعد طلاقها من ابنه علما بأن الوالد متزوج بأخت جدة هذه المرأة لأبيها وأنها حامل من الأب الذى كان يعاشرها بعقد عرفى .
نص الفتوى
بأن عقد الزواج العرفى إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية تحل به المعاشرة بين الزوجين ديانة .(10/234)
وبما أن من تزوجها الرجل فى السؤال بالعقد العرفى لا تحل له شرعا لأنه متزوج بأخت جدتها لأبيها، ولا يحل للرجل أن يجمع بين امرأة وبنت بنت أختها، لأنه لو فرضت إحداهما رجلا لا يحل له الزواج بالأخرى .
وعلى هذا يكون زواج الرجل بالعقد العرفى للمرأة المذكورة عقدا فاسدا، وبما أنه صاحب العقد العرفى الفاسد دخول بالمرأة المعقود عليها فيترتب عليه بعض أحكام الزوجية الصحيحة ومنها حرمة المصاهرة، فتحرم المرأة بالدخول فى العقد الفاسد على أصول الرجل وفروعه - وبذلك تكون هذه المرأة محرمة على ابنه لصلبه ويكون عقد الابن على مدخولة أبيه عقدا فاسدا أيضا - ومن كل هذا يتبين أنه لا يحل للأب الزواج من المرأة المذكورة مادامت أخت جدتها فى عصمته أو فى عدته من طلاق لعدم جواز الجمع بينهما شرعا، كما لا يحل للابن المذكور زواج تلك المرأة أصلا لمعاشرة والده لها بعقد فاسد ونظرا لأن هذه المرأة حامل من الأب الذى تزوجها بعقد فاسد فإن النسب يثبت منه لأن الوطء بشبهة العقد يثبت به النسب شرعا .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
يحرم الجمع بين المرأة وأخت جدتها ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20133 ...
رقم الفتوى
... 17/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
فى رجل قال إنه تزوج بامرأة تدعى ر .
ثم بعد ذلك جمع بينها وبين امرأة أخرى اسمها ت .
بعقد عرفى، وأن ر. زوجته الأولى أخت لجدة ت .
زوجته الثانية، وأنه دخل بزوجته الثانية ت .
وانفصلا، ثم تزوجها ابنه بعقد رسمى وطلقها قبل الدخول والخلوة طلاقا رسميا، وأن السائل طلق زوجته الأولى ر .
بإشهاد تاريخه 18/9/1956 وقد انقضت عدتها منه، ويسأل هل يجوز له أن يتزوج من ت .
مرة ثانية أو لا .
نص الفتوى(10/235)
إن المنصوص عليه شرعا أنه يحرم على الرجل أن يجمع بين امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا لم تحل للأخرى سواء كانت لنسب أو رضاع وزوجة السائل الأولى ر .
المذكورة لو فرضناها ذكرا حرمت عليه لأن بنت الأخت وإن نزلت تحرم على خالها .
قال صاحب مجمع الأنهر ( وتحرم أخته وبنتها وبنت أخيه وإن سفلتا ) ولو فرضنا ت .
ذكرا كانت ر .
زوجته الأولى خالته لوالدته نسبا وهى محرمة عليه تحريما مؤيدا، وبعقده على ت .
وفى عصمته ر. يكون عقده عليها غير صحيح شرعا، وبدخوله بها دخولا حقيقيا تثبت حرمة المصاهرة بينهما، فتحرم هى على أصوله وفروعه، وبذا يكون عقد ابنه عليها غير صحيح شرعا لأنها محرمة عليه حرمة المصاهرة، وبتطليقه إياها قبل الدخول والخلوة ومفارقة كل منهما الآخر لا تثبت حرمة المصاهرة بينهما أى لا تحرم على أصله .
وبتطليق السائل زوجته الأولى ر .
فى التاريخ المذكور وانقضاء عدتها منه بعد هذا الطلاق زال المانع من زواجه ب ت .
ثانية، لأن زواجه الأول بها حرمها على أصوله وفروعه فقط ولم يحرمها عليه، وحينئذ يجوز له العقد عليها شرعا ما لم يكن هناك مانع آخر .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
الزواج العرفى بغير شهود ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20198 ...
رقم الفتوى
... 18/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
فى زواج عرفى محرر بين كل من السيد ع ك م والسيدة ط ح ق وقد تم الاتفاق بينهما على زواجهما ببعض، وتليت الصيغة الشرعية بينهما على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واصبحت السيدة ط ح ق زوجة شرعية للسيد ع ك م بإيجاب وقبول شرعيين بعد تلاوة الصيغة الشرعية بينهما، وبيد كل منهما نسخة منه وذلك بتاريخ 17/5/1963 دون شهادة شاهدين على هذا العقد .(10/236)
وطلبت السائلة بيان ما إذا كان العقد العرفى بزواجهما دون شهادة شاهدين يعتبر عقد زواج رسمى .
وبالتالى هل يكون صحيحا شرعا أم لا .
نص الفتوى
المنصوص عليه فى فقه الحنفية أن عقد الزواج باعتباره عقدا موصلا لاستباحة الوطء وإحلاله يجب أن يظهر امتيازه بهذا الاعتبار عن الوطء المحرم، وطريق ذلك إعلانه وإشهاره والإشهاد عليه، ولهذا أوجب عامة العلماء إعلانه وإشهاره والإشهاد عليه، واستدلوا على ذلك بما روى عن عمران ابن حصين عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل ) ذكره أحمد بن حنبل فى رواية ابنه عبدالله وذكره الإمام الشافعى رضى الله عنه من وجه آخر عن الحسن مرسلا وقال هذا وإن كان منقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به، وروى ابن حبان عن طريق عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال ( لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فإن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له ) ( ورد هذا الحديث فى كتاب نيل الأوطار للشوكانى ص 125 جزء سادس بالنص الآتى ( عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل فإن تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له ) ) .
ولأنه يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه .
والمقرر فى فقه الحنفية أيضا أنه إذا خلا عقد الزواج من شهادة الشاهدين يكون عقدا فاسدا لفقده شرطا من شروط الصحة وهو شهادة الشاهدين ، ويكون دخول الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد معصية .
وحكم الزواج الفاسد أنه لا يحل للرجل فيه الدخول بالمرأة ولا يترتب على هذا العقد شىء من آثار الزوجية، فإن دخل الرجل بالمرأة بناء على هذا العقد الفاسد كان ذلك معصية ووجب تعزيرهما والتفريق بينهما .
ويترتب على الدخول الآثار الآتية : 1 - يدرأ حد الزنا عنهما لوجود الشبهة .
2 - إن كان قد سمى مهر كان الواجب الأقل من المسمى ومهر المثل .
3 - تثبت بالدخول حرمة المصاهرة .
4 - تجب فيه العدة على المرأة، وابتداؤها من وقت مفارقة الزوجين أو أحدهما للآخر إن تفرقا باختيارهما ومن وقت تفريق القاضى بينهما إن لم يتفرقا اختيارا، وتعتد المرأة لهذه الفرقة عدة طلاق حتى فى حالة وفاة الرجل .
5 - يثبت به نسب الولد من الرجل إذا حصل حمل من ذلك الدخول وذلك للاحتياط فى إحياء الولد وعدم تضييعه .
ولا يثبت شىء من هذه الأحكام إلا بالدخول الحقيقى، فالخلوة ولو كانت صحيحة لا يترتب عليها شىء من هذه الأحكام، أما غير ذلك من أحكام الزوجية فلا يثبت فى الزواج الفاسد .
فلا يثبت توارث بين الرجل والمرأة، ولا تجب فيه نفقة ولا طاعة زوجية، وطبقا لما ذكر يكون العقد العرفى المبرم بين السائلة وبين الشخص الذى ذكرته على فرض(10/237)
أنه أبرم بالألفاظ التى تستعمل فى إنشاء عقد الزواج شرعا عقدا فاسدا لخلوه من شهادة الشاهدين، وتترتب عليه الآثار التى سبق بيانها، وأنه يجب عليهما أن يتفرقا فورا، وإن لم يتفرقا فرق القاضى بينهما وتجب عليها العدة من تاريخ تفرقهما إن تفرقا اختيارا، ومن تاريخ تفريق القاضى بينهما إن لم يتفرقا اختيارا، والعدة هى أن ترى الحيض ثلاث مرات كوامل من تاريخ التفرق، وأقل مدة تصدق فيها أنها رأت الحيض ثلاث مرات كوامل ستون يوما إذا كانت من ذوات الحيض، أو بوضع الحمل إن كانت حاملا، فإن لم تكن من ذوات الحيض ولا حاملا فعدتها ثلاثة أشهر أى تسعون يوما، فإذا انقضت عدتها حل لها أن تتزوج بآخر متى تحققت الشروط الواجبة فى ذلك شرعا، ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
حكم المهر والشبكة فى الطلاق قبل الدخول والخلوة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20203 ...
رقم الفتوى
... 19/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بالطلب المتضمن أن شخصا عقد قرانه على فتاة، ودفع هذا الشخص لهذه الفتاة مهرا قدره ( 400) جنيه معجل صداق و ( 100 ) جنيه مؤخر صداق - وقدم لها شبكة عبارة عن أسورتين من الذهب، ثم حدث خلاف بين الزوجين أدى إلى الطلاق قبل الدخول .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى المهر والشبكة المذكورين .
وهل هما من حق الزوجة أو من حق الزوج .
نص الفتوى
المقرر فقها أنه إذا حصل طلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة فإن المهر جميعه ( عاجله وآجله ) يتنصف بين الطرفين، فيكون من حق الزوجة شرعا نصف جميع المهر، ويكون من حق الزوج شرعا أن يسترد مازاد عن نصف جميع المهر .
لقوله تعالى فى كتابه العزيز { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون } البقرة 237 ، إلى آخر الآية الكريمة - كما أن المقرر فقها أن الشبكة إذا لم تذكر ضمن المهر تصبح فى حكم الهبة شرعا - وقد نص الفقهاء على أن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة شرعا .
وعلى هذا ففى الحادثة موضوع السؤال يكون من حق الزوجة شرعا إذا كان طلاقها قد تم قبل الدخول والخلوة الصحيحة نصف جميع المهر وهو هنا ( 250 )(10/238)
جنيه، ويكون للزوج شرعا الحق فى استرداد ما زاد عن نصف جميع المهر، ومقدار ما يسترده هنا هو ( 150 ) مائة وخمسون جنيها .
أما الشبكة فتكون جميعها من حق الزوجة شرعا لأنها والحالة هذه فى حكم الهبة شرعا ، والزوجية من موانع الرجوع فى الهبة شرعا .
ومن هذا يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
التقليد بعد العمل غير جائز شرعا ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20447 ...
رقم الفتوى
... 25/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سيدة حامل طلقها زوجها ثلاثا ويريد رجوعها إلى عصمته فهل يجوز أن يعقد عليها - وهى حامل - على زوج آخر ( محلل ) ثم يطلقها المحلل لتعود لزوجها الأول، أم يجب الانتظار حتى تضع الزوجة حملها ثم يعقد عليها المحلل ثم يطلقها، وهل بعد انقضاء العدة تعود لزوجها الأول بمهر جديد وعقد جديد، وهل صحة الزواج بالمحلل تتم بالمضاجعة أم يكتفى بالخلوة الشرعية - وما الرأى فى تغيير المذهب .
نص الفتوى
بأنه لا يجوز عقد النكاح على الحامل المطلقة طلاقا مكملا للثلاث حتى تضع حملها، لأنها لا تزال فى عدة المطلق، ولا تحل له بعد أن بانت منه بينونة كبرى حتى تنكح غيره نكاحا صحيحا ويدخل بها حقيقة ويطلقها وتنقضى عدتها .
وأما تغيير المذهب الحنفى الذى أجرى عليه العقد - والعقد من جديد على مذهب آخر بغير حاجة إلى زواج من آخر ليحلل الزوجة للأول فغير جائز شرعا، لأن العقد الأول انعقد صحيحا على مذهب أبى حنيفة وترتب عليه آثاره - والمنصوص عليه فى كتب الأصول أن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا، ففى مسلم الثبوت لا يرجع المقلد عما عمل به اتفاقا، وفى جمع الجوامع وشرح الجلال المحلى عليه وإذا عمل العامى بقول مجتهد فى حادثة فليس له الرجوع عنه إلى غيره فى مثلها، لأنه قد التزم القول بالعمل به، بخلاف ما إذا لم يعمل به، وقيل يلزمه العمل بمجرد الإفتاء فليس له الرجوع إلى غيره فيه، ونص العلامة ابن حجر وهو من علماء الشافعية المعتد بأقوالهم فى كتابه التحفة على أنه لو ادعى بعد الثلاثة عدم التقليد لم يقبل منه لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذى لزمه باعتبار ظاهر فعله، وأيضا ففعل المكلف يصان عن الإلغاء لاسيما إن وقع منه ما يصرح بالاعتداد به(10/239)
كالتطليق ثلاثا، وفى التحفة أيضا فمن نكح مختلفا فيه فإن قلد القائل بصحته أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثا تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه، لأنه تلفيق للتقليد فى مسألة واحدة وهو ممتنع قطعا .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
ما يترتب على الطلاق قبل الدخول والخلوة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 20591 ...
رقم الفتوى
... 26/08/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بالطلب المتضمن أن بنت السائل قد عقد قرانها منذ سنة ونصف ودفع لها مهر مقدمه 300 جنيه ومؤخره (100) جنيه كما دفعت لها شبكة تقدر بمبلغ (80) جنيها وكذلك دفع لها الزوج مبلغ 100 جنيه - جمعية وهدايا .
وبعد هذا أراد الزوج طلاقها تعسفا دون ذنب ولم يدفع لها نفقة عن هذه المدة - ولم يدخل الزوج ببنت السائل ولم يختل بها خلوة صحيحة، وقد طلقها غيابيا بتاريخ 28/7/1978 وطلب السائل بيان الحكم الشرعى فى استحقاق هذه الزوجة للمهر مقدمه ومؤخره، والشبكة والنفقة عن مدة السنة والنصف والجمعية التى وصلت الزوجة وكذلك الهدايا التى وصلت إليها من هذا الزوج .
نص الفتوى
المنصوص عليه فقها أن الطلاق قبل الدخول والخلوة الصحيحة يقع بائنا لا إلى عدة .
وتستحق المطلقة فى هذه الحالة نصف جميع المهر المسمى معجله ومؤجله، كما تستحق النفقة على زوجها اعتبارا من تاريخ عقد الزواج إلى تاريخ الطلاق فى نطاق سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى عملا بالقانون رقم 44 سنة 1979 .
أما الشبكة فان كانت جزءا من المهر باتفاقهما أو جرى العرف باعتبارها كذلك فإنها تأخذ حكم المهر، وبذلك يكون من حق الزوجة نصفها كالمهر فى هذه الحالة .
أما إذا لم تكن جزءا من المهر اتفاقا أو عرفا وكانت قد قدمت لها قبل عقد القران فإنها تأخذ حكم الهبة والهدية فى فقه المذهب الحنفى الذى ينص على أن الهبة والهدية ترد إن كانت قائمة بذاتها، فإن هلكت أو استهلكت امتنع الرجوع فيها ولا يضمنها الموهوب له .(10/240)
وإن كانت الشبكة قد قدمت على أنها هبة أو هدية بعد عقد الزواج امتنع كذلك على الزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع فى الهبة فى الفقه الحنفى والشأن كذلك فيما أهدته هى إليه .
فإن كان بعد عقد الزواج لم يحق لها الرجوع فيه، وإن كان قبل العقد فلها الرجوع فى الهبة إن كانت قائمة بذاتها ولا يضمن قيمتها بالهلاك أو الاستهلاك .
أما المبلغ المؤدى بوصفه جمعية فيعتبر قرضا له استرداده، إذ العرف يقضى بذلك لأن الجمعيات التى يتعاون فيها الناس لتوفير النقود تدخل فى باب القروض والقرض دين يتحتم أداؤه على المقترض شرعا وقانونا .
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
تمريض المرأة للرجال ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10759 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز أن تمرضنا امرأة ونحن رجال ، خاصة مع وجود ممرضين من الرجال؟
نص الفتوى
الحمد لله
الواجب على المستشفيات جميعا أن يكون الممرضون للرجال والممرضات للنساء ، هذا واجب ، كما أن الواجب أن يكون الأطباء للرجال والطيبات للنساء ، إلا عند الضرورة القصوى إذا كان المرض لا يعرفه إلا الرجل فلا حرج أن يعالج المرأة لأجل الضرورة ، وهكذا لو كان مرض الرجل لم يعرفه إلا امرأة فلا حرج في علاجها له ، وإلا فالواجب أن يكون الطبيب من الرجال للرجال والطبيبة من النساء للنساء ، هذا هو الواجب ، وهكذا الممرضات والممرضون ، الممرض للرجال والممرضة للنساء ، حسما لوسائل الفتنة ، وحذرا من الخلوة المحرمة .
ـــــــــــــــــــــ
علاج المرأة عند الطبيب الرجل ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 4428 ...(10/241)
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم
شعري يتساقط بكثرة، وأنا في بلد أجنبي وبه بروفسور متخصص للشعر أيجوز أن أكشف على شعري عنده علما بأنه يقوم بفحصه بيده وأخذ عينة منه أفيدوني جزاكم الله خيرا.
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
لا شك أن قضية المرأة والطبيب قضية مهمة ، وفي الحقيقة أنها متعبة كثيراً ، ولكن إذا رزق الله المرأة التقوى والبصيرة فإنها تحتاط لنفسها وتعتني بهذا الأمر ، فليس لها أن تخلو بالطبيب وليس للطبيب أن يخلو بها ، وقد صدرت الأوامر والتعليمات في منع ذلك من ولاة الأمور ، فعلى المرأة أن تعتني بهذا الأمر وأن تتحرى التماس الطبيبات الكافيات ، فإذا وجدن فالحمد لله ولا حاجة إلى الطبيب ، فإذا دعت الحاجة إلى الطبيب لعدم وجود الطبيبات فلا مانع عند الحاجة إلى الكشف والعلاج ، وهذه من الأمور التي تباح عند الحاجة لكن لا يكون الكشف مع الخلوة بل يكون من وجود محرمها أو زوجها إن كان الكشف في أمر ظاهر كالرأس واليد والرجل أو نحو ذلك ، وإن كان الكشف في عورات فيكون معها زوجها إن كان لها زوج أو امرأة ، وهذا أحسن وأحوط ، أو ممرضة أو ممرضتان تحضران ، ولكن إذا وجد غير الممرضة امرأة تكون معها يكون ذلك أولى وأحوط وأبعد عن الريبة ، وأما الخلوة فلا تجوز .
ـــــــــــــــــــــ
حكم مصافحة الطالب لزميلته ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10047 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة ؟ وماذا يفعل لو مدت يدها للسلام عليه ؟
نص الفتوى(10/242)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة واحدة ، أو في كراس واحدة بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن .
وليس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه . ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين بيعته للنساء : (إني لا أصافح النساء) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) وقد قال الله عز وجل : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ولأن المصافحة للنساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركها .
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به ، لقول الله عز وجل : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلمن عليه ويستفتينه فيما يشكل عليهن ، وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن .
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس ، والله ولي التوفيق .
ـــــــــــــــــــــ
المرأة والطبيب ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10174 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما رأي فضيلة الشيخ في قضية كثيرا ما يسأل عنها وهي محرجة للمسلمين؛ القضية هي قضية المرأة والطبيب وبم تنصحون الأخوات المسلمات حول هذا ، وكذلك أولياء الأمور؟ .
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
لا ريب أن قضية المرأة والطبيب قضية مهمة ، وفي الحقيقة إنها متعبة كثيرا ، ولكن إذا رزق الله المرأة التقوى والبصيرة فإنها تحتاط لنفسها وتعتني بهذا الأمر .(10/243)
فليس لها أن تخلو بالطبيب وليس للطبيب أن يخلو بها . وقد صدرت الأوامر والتعليمات في منع ذلك من ولاة الأمور . فعلى المرأة أن تعتني بهذا الأمر وأن تتحرى التماس الطبيبات الكافيات . فإذا وجدن فالحمد لله ولا حاجة إلى الطبيب .
فإذا دعت الحاجة إلى الطبيب لعدم وجود الطبيبات فلا مانع عند الحاجة إلى الكشف والعلاج ، وهذه من الأمور التي تباح عند الحاجة لكن لا يكون الكشف مع الخلوة بل يكون مع وجود محرمها أو زوجها إن كان الكشف في أمر ظاهر كالرأس واليد والرجل أو نحو ذلك . وإن كان الكشف في عورات فيكون معها زوجها إن كان لها زوج أو امرأة ، وهذا أحسن وأحوط ، أو ممرضة أو ممرضتان تحضران ، ولكن إذا وجد غير الممرضة امرأة تكون معها يكون ذلك أولى وأحوط وأبعد عن الريبة ، وأما الخلوة فلا تجوز .
ـــــــــــــــــــــ
ظهور المرأة أمام الرجال ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10268 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
كثير من الرجال في بعض الأسر يسمح لزوجته أو ابنته أو أخته بالظهور أمام الرجال غير المحارم كجماعته وأصدقائه وزملائه والجلوس معهم والتحدث إليهم كما لو كانوا محرما لها ، وإذا نصحناهم قالوا إن هذه عاداتهم وعادات آبائهم ، كما أنهم يزعمون أن قلوبهم نظيفة ، ومنهم المكابر والمعاند وهو يفهم الحكم ، ومنهم من يجهله فما نصيحتكم لهم ؟
نص الفتوى
الحمد لله
الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات بل يجب عرضها على الشرع المطهر فما أقره منها جاز فعله وما لا فلا ، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فما أباح الله ورسوله فهو مباح ، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس ، فإذا اعتاد الناس التساهل بالخلوة بالأجنبية أو بكشف وجهها لغير محارمها فهذه عادات باطلة يجب أن تترك كما لو اعتاد الناس الزنا أو اللواط أو شرب المسكر فإن الواجب عليهم تركها وليست العادة حجة لهم في ذلك ، بل الشرع فوق الجميع فعلى من هداه الله للإسلام أن يبتعد عما(10/244)
حرم الله عليه من خمر وزنا وسرقة وعقوق وقطيعة الرحم وسائر ما حرم الله عز وجل ، وأن يلتزم بما أوجب الله عليه.
وهكذا الأسرة يجب عليها أن تحترم أمر الله ورسوله وأن تبتعد عما حرم الله ورسوله فإذا كان من عاداتهم كشف نسائهم لغير المحارم أو الخلوة بغير المحارم وجب عليهم ترك ذلك.
فليس للمرأة أن تكشف وجهها أو غيره لابن عمها ولا لزوج أختها ولا لإخوان زوجها ولا لأعمامه ولا لأخواله ، بل يجب عليها الاحتجاب وستر وجهها ورأسها وجميع بدنها عن غير محارمها ، أما الكلام فلا بأس به كرد السلام والبداءة به مع الحجاب والبعد عن الخلوة لقول الله سبحانه : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. وقوله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}. فنهى الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يخضعن بالقول وهو تليينه وتكسيره حتى يطمع من كان في قلبه مرض أي مرض الشهوة ويظن أنها مواتية ولا مانع عندها ، بل تقول قولا وسطا ليس فيه عنف ولا خضوع ، وأخبر سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. والجلباب ثوب يطرح على الرأس والبدن تطرحه المرأة على رأسها وتغطي به بدنها فوق ثيابها ، وقال عز وجل : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} الآية فهؤلاء المذكورون في الآية لا حرج في إبداء المرأة زينتها لهم .
والواجب على جميع النساء المسلمات تقوى الله سبحانه وتعالى ، والحذر مما حرم الله عليهن من إبداء الزينة لغير من أباح الله إبداءها له.
ـــــــــــــــــــــ
حكم ذهاب المرأة للسوق بدون محرم ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10291 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز الاختلاء بزوجة العم والخال والأخ وغيرهم من الأقارب ؟ وهل يجوز الذهاب بهن إلى السوق وغيره ؟(10/245)
نص الفتوى
الحمد لله
لا تجوز الخلوة بزوجة الأخ ولا بزوجة الخال ولا العم ولا غيرهن من غير محارمه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) متفق على صحته ونهى عن الخلوة بالمرأة وقال :(إن الشيطان ثالثهما) فلا يجوز الخلوة بالأجنبية مطلقا وزوجة الأخ والخال والعم تعتبر أجنبية ، والذهاب إلى السوق إذا كان يتضمن الخلوة لا يجوز أما إذا كان معها غيرها على وجه لا ريب فيه فلا بأس . والله ولي التوفيق .
ـــــــــــــــــــــ
العلاق بين الرجل والمرأة فترة الخطوبة ...
عنوان الفتوى
... سيد سابق ...
اسم المفتى
... 21227 ...
رقم الفتوى
... 11/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هي الأشياء المباحة في فترة الخطوبة؟
وهل يجوز لهما الجلوس مع بعضهما فى أماكن عامة دون وجود محرم؟
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
لقد بح صوتنا ونحن ننادي أن الخطبة لا تعدو كونها وعد بالزواج كثيرا ما يختلف وينفصل الخطيبان كل إلى طريق وعندها يندم كل منهما على ما كان منه من خطأ ما يحل لك من خطيبتك هو ما يحل لك من أي امرأة لا تربطك بها أية علاقة.
فلا تجوز الخلوة معها ولا المواعدة بينك وبينها لأنها تجر إلى ما بعدها فأقصى ما يتاح لك هو زيارتها في بيتها في وجود محارمها أو الاتصال للاطمئنان عليها ولا يجرك الكلام معها إلى ما هو أكثر من مجرد الاطمئنان عليها وسوف تجد حلاوة ذلك حين ينعم الله عليك بالزواج وتتم فرحتك فتحسان أن الطهارة تلفكما والنقاء يحيط بكما وتعيش حياتك كلها وأنت واثق أشد الثقة في زوجك لا تأخذك بها ريبة ولا يتطرق إلى حياتكما الشك أسأل الله أن يتم عليك فرحتك ويهنيك مع زوجك إن شاء الله
ولقد كان من حسن الطالع أن جاءتني هذه الرسالة من إحدى الفتيات تندم أشد الندم على ما فرطت في حق نفسها وفي حق ربها أسأل الله أن يمن عليها بالتوبة تقول صاحبة الرسالة "فتاة كانت مخطوبة ولكن الآن تم الانفصال وفى أيام الخطوبة حدث الكثير والكثير بينها وبين خطيبها والكثير هذا هو كل ما تتخيلوه فتقريبا حدث(10/246)
كل شئ بينهم ماعدا الجماع الشرعي. فقد كان دائما الشيطان ثالثهما وأغواهما وهي تستغفر الله كثيرا جدا جدا و تبكي دائما كلما تتذكر لحظة الوقوف أمام الله.
فماذا تفعل بالله عليكم لترتاح من العذاب التي هى فيه وهل هذا يدخل فى إطار الزنا وما الحكم هنا وما الكفارة
فهل ترضى لنفسك أو زوجك أن تكون في هذا الموقف.
وأنصحك بالرجوع إلى باب الخطبة في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق ففيه الكفاية إن شاء الله.
هدانا الله وإياك إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة ويسرنا تواصلك الدائم معنا.
ـــــــــــــــــــــ
حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة ...
عنوان الفتوى
... صبري عبد الرؤوف محمد ...
اسم المفتى
... 21306 ...
رقم الفتوى
... 12/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز للرجل أن يتحدث مع خطيبته عبر الهاتف؟
نص الفتوى
عزيزي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
أجاب الأستاذ الدكتور صبري عبد الرؤوف عن حدود العلاقة فترة الخطبة فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
أولا: الفتاة لا تزال أجنبية فترة الخطبة ولا يحق للخاطب أن يتعامل معها تعامل الزوج مع زوجته، كما لا يحق له أن يتعامل مع أمها كتعامله مع أم الزوجة؛ لأن هذه الفتاة ما زالت حتى الآن أجنبية عنه فعليه أن يتعامل معها كأية فتاة أجنبية؛ فالخلوة غير جائزة، وأي حديث في الهاتف يحرك الغريزة أو الشهوة فإنه محرم، والإنسان مسئول عن كل كلمة ينطق بها قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} فاتق الله في تعاملك مع الفتاة وأسرتها ولا تتعجل حتى لا تندم، والله أعلم.
ومن هنا فالحديث العادي عبر الهاتف والذي لا يثير الشهوة هو على أصل الحل كأية فتاة أجنبية مادام في حدود المعاملات اليومية العادية، وإن كان الحديث في الهاتف سوف يفتح بابا للشيطان فسارع إلى إغلاقه وعف نفسك حتى يغنيك الله ويتم عليك زواجك
وبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
ويسرنا تواصلك الدائم مع نداء الإيمان
ـــــــــــــــــــــ(10/247)
الخطبة لا تبيح التقبيل أو الجماع ...
عنوان الفتوى
... عبد الله الفقيه ...
اسم المفتى
... 21490 ...
رقم الفتوى
... 30/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم .. قرأت الفاتحة أنا وخطيبتي في أجواء عائلية ولكننا لم نتزوج إلى الآن. فهل تجوز معاشرة خطيبتي معاشرة الأزواج؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالخاطب أجنبي عن مخطوبته، فلا يحل له النظر إليها ولا التقبيل ولا ما هو أعظم منه مما ذكرت، بل هو كسائر الناس حتى يتم عقد النكاح، وإنما أباح الشارع له أن ينظر إلى من يريد خطبتها أول الأمر ليكون ذلك مرغباً له في نكاحها ومعرفاً له لصفة من يرتبط بها، وهذا إنما يكون مرة واحدة أو مرتين عند الحاجة.
وأما ما يفعله بعض الناس من تمكين الخاطب من رؤية مخطوبته والجلوس معها والخلوة بها، فهذا منكر عظيم وإثم مبين، ومن مكن الخاطب ممن هي في ولايته يجلس معها ويذهب بها ويجيء كيف شاء فهو ديوث.
فالواجب على ولي أمر الفتاة أن يصونها عن هذا العمل المحرم، وأن يمنعها من الخاطب، كما يمنعها من غيره من الرجال الأجانب، والواجب عليك أيتها السائلة أن تتوبي إلى الله تعالى مما سبق وأن تصري على عدم العودة لذلك، وأن تندمي عليه أشد الندم، واعلمي أن من أرادت التوفيق والسعادة في حياتها الزوجية فعليها أن تبدأها بطاعة الله تعالى لا بالمعصية والإثم، ويجب ألا تغتري ولا تنخدعي بما يظهره لك هذا الخاطب من العاطفة والحب، فإن الحرام لا عبرة به، ولا يقاس عليه، لأن الشيطان يزينه والنفس تميل إليه، وكم من خاطب أظهر هذا الود المحرم، ثم بدا منه خلافه بعد الزواج، وقد يكون عقوبة من الله تعالى للزوجين لاقترافهما ما حرم الله عليهما. وأما قول الخاطب: إنك أصبحت الآن زوجتي أمام الله فهذا كلام من أبطل الباطل وأبينه، فإن الخطبة ليست زواجاً، ورضى المرأة بالخاطب لا يجعلها زوجة له، ما لم يتم العقد الصحيح المشتمل على ولي المرأة والشهود.
ولهذا نؤكد على ما سبق بيانه من أن ما يحصل بين الرجل والمرأة أثناء مدة الخطبة من نظر زائد، أو خلوة أو تقبيل منكر عظيم، وحرام ظاهر، بل هذا نوع من الزنا، كما جاء في الحديث: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام، واليد زناها(10/248)
البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوي ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه" رواه مسلم.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
الخلوة بالزوجة بعد عقد القران وقبل الدخول بها ...
عنوان الفتوى
... عبد الله الفقيه ...
اسم المفتى
... 22750 ...
رقم الفتوى
... 27/03/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هو المباح لمن عقد قرانه دون أن يتم إعلان الدخول، وما حكم من عقد قرانه إذا قام بمداعبة من عقد عليها مداعبة ينتج عنها استمتاع وإنزال دون حدوث إيلاج؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرجل يملك بضع المرأة بمجرد العقد وتصير زوجة له يحل له أن يختلي بها، وأن يرى منها ما شاء، وأن يطأها متى شاء في الأوقات المباحة.
إلا أنه ينبغي على العاقد أن يراعي العرف الجاري في بلده وأن يوفي بالاتفاق مع ولي المرأة إن كان هنالك اتفاق على أن الدخول مرجأ إلى موعد متأخر عن العقد، أو كان هنالك عرف قائم مقام الاتفاق. ولا يخالف هذا العرف نصاً من كتاب ولا سنة ، بل إن الشرع علق أحكاماً على مجرد العقد وأخرى على الدخول ، ومما علقه على مجرد العقد، حرمة الأم بمجرد العقد على البنت وأن المرأة المعقود عليها تصير محرمة على التأبيد على أب الزوج.
ومن الأحكام التي علقها الشارع على الدخول : وجوب جميع المهر ، وإيجاب العدة عليها بالطلاق.
فعلى الرجل أن يراعي ما اتفق عليه وأن يسير على العرف الجاري لديهم ، وإن حدث جماع أو خلوة شرعية صحيحة فلا إثم عليه إن شاء الله ، لأنها زوجته حقيقة ، وتنبني على ذلك أحكام الدخول كلها ، فالولد ولده والمهر يلزمه كاملاً إلخ.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حدود الزينة للمخطوبة ...
عنوان الفتوى
... عبد الله الفقيه ...
اسم المفتى(10/249)
... 23033 ...
رقم الفتوى
... 22/05/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ذهبت مع والدي وكبار عائلتي لخطبة فتاة بكر وقوبلنا بالإيجاب بعد أن سأل ولي أمر الفتاة واستشار أهلها وشهد جلسة الخطوبة الرسمية جمع من الناس من أهلي وأهلها وحدد لاحقا المهر وباقي الأمور بإتفاق الطرفين ولم نسجل هذا العقد بالمحكمة لأسباب تمنع أهل الفتاة من تسجيله وصار لنا الآن أكثر من عشرة شهور ونحن بأفضل حال والحمد لله وسؤالي هل يجوز أتكتشف علي بشعرها وزينتهاهل شرط أن يسجل العقد بالمحكمة لكي تكتشف علي ؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فيا أخي الكريم طالما أنك لم تعقد على هذه الفتاة فلا يجوز لك أن تنظر إلى شعرها أو أن تظهر هي شيء من مفاتنها لك وفي ذلك يقول الدكتور عبد الله الفقيه مفتي الشبكة الإسلامية:
يجوز للخاطب أن ينظر إلى وجهها وكفيها وله أن يكرر النظر ويتأمل محاسنها إذا لم يحصل المقصود إلا بذلك، ولكن لا يكون نظره إليها نظرة شهوة وتلذذ.
فإذا أعجبته أقدم على الزواج منها إن رغبت فيه، وإن لم تعجبه أو لم يعجبها فليكن أميناً على ما رأى ولا يحدث به الناس.
فهذه هي الخطبة الشرعية. ولا بأس بما تعارف عليه الناس من إقامة الحفلات والولائم في مناسبة الخطبة، لكن بشرط أن لا يتخللها محظور شرعي كاختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وتبرج المخطوبة أمام خطيبها، وما يعرف بلبس الخاتم (الدبلة) ونحوه من المنكرات الدخيلة على عاداتنا تقليداً للمجتمعات الكافرة، فإنه لا يحل له مس شيء من بدنها، ولو كان إصبعها
ولا يجوز للمخطوبة الخروج بمفردها مع خطيبها، ولا الخلوة به، ولا أن تبدي له من زينتها غير ما ذكر سالفاً، لأنه لا يزال رجلاً أجنبياً عنها هو وغيره من الرجال الأجانب سواء، حتى يعقد عليها عقد النكاح. فإذا أتم العقد فلها أن تجلس أمامه وتتزين له، وأن تخرج معه إلى الأماكن العامة لأنها أصبحت زوجة له، وليراع في ذلك الآداب الشرعية والعرفية، بأن يستأذن وليها حتى لا تحدث الخلافات والمشاكل من أول الطريق، الأمر الذي قد يؤثر على العلاقات بين الأسرتين.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم ترك الزوجة عند بيت الوالد ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...(10/250)
اسم المفتى
... 17860 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أسافر أحيانًا، فأغيب عن البيت قرابة الأسبوع، وفي تلك الفترة أترك زوجتي في منزل والدي، وبطبيعة الحال فإخواني وأخواتي موجودون في المنزل، وربما غاب والدي عن البيت؛ فهل لابد من وجود محرم لبقاء زوجتي في المنزل؟ أفتونا عفا الله عنكم؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا بأس بترك زوجتك في بيت والدك، ولو كان فيه إخوانك؛ لأن ذلك ليس من الخلوة المحرمة التي تحتاج إلى وجود محرم مادام في البيت عدة أفراد من العائلة.
ـــــــــــــــــــــ
حكم ركوب المرأة السيارة مع السائق وحدها؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17904 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بعض النساء تركب في السيارة هي والسائق ومعها امرأة أخرى؛ بحجة أنها محرم؛ فما رأيكم؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تركب وحدها مع السائق الذي ليس محرمًا لها؛ لأن هذا من الخلوة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم [انظر: "صحيح البخاري" (6/158، 159).].
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يخلونَّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان"، رواه أحمد [رواه الإمام أحمد في "مسنده" (3/339).].(10/251)
أما إذا كان معها من تزول به الخلوة؛ من امرأة أخرى فأكثر؛ فلا بأس بركوب جماعة النساء مع السائق في البلد إذا كن متسترات محتشمات ملازمات للحياء والعفة، لا لأن المرأة محرم، ولكن لزوال الخلوة المحرمة.
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز للمرأة أن تذهب للمسجد لأداء التراويح مع سائقها الأجنبي؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17905 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز للمرأة أن تذهب للمسجد لأداء التراويح مع سائقها الأجنبي؟ وهل يختلف الحكم إذا كان أكثر من امرأة مع السائق؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم؛ لا في الذهاب إلى المسجد ولا إلى غيره؛ لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له.
وإذا كان مع السائق جماعة من النساء؛ فالأمر أخف؛ لزوال الخلوة المحذورة، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه؛ لقوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [سورة الأحزاب: آية 32.].
ـــــــــــــــــــــ
حكم مصافحة الرجل للمرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10762 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(10/252)
انتشر بين كثير من الناس عادت سيئة، وهي مصافحة الرجل للمرأة التي ليست محرما له، وكذلك مصافحة المرأة للرجل، وتقبيل رأسها، والجلوس معها وإبداء شيء من زينتها؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
معلوم أن هذا لا يجوز، فإن المرأة الأجنبية لا يحل لها مصافحة الأجانب، ولو كانوا أبناء عمها أو أبناء خالها، كما أنه لا يحل لها كشف الوجه وإبداء الزينة، ولو كانوا من أقاربها غير المحارم، ولا يحل تقبيل رأسها، ولا تقبيلها رأس أجنبي غير محرم كما لا يحل لها الخلوة بالأجنبي ولو كان لتعليم الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم (ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) ولقول عائشة (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، كان إذا أراد البيعة لهن قرأ عليهن الآية ثم قال قد بايعتكن) بخلاف الرجال فإنه يقبض يد الرجل عند المبايعة، ولا يقول إني لا أشتهي أو إني واثق بنفسي ونحو ذلك، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم اختلاط المرأة بالرجل في العمل ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10919 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل عمل المرأة في البلاد العربية من الإسلام أم لا؟ وهل يجوز للمرأة الاختلاط بالرجال في بعض أنواع العمل؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا بأس أن تعمل المرأة في الدوائر الخاصة بالنساء، أو التي لا يحصل فيها اختلاط بالرجال، وذلك كالمدارس النسائية، وأقسام المستشفيات التي تعالج النساء، فأما أماكن الاختلاط فلا يحق لها العمل فيها كما لا يجوز لها التبرج والتكشف أمام الرجال، ولا الأكل في المطاعم المختلطة، وذلك حفاظاً على أنوثتها، وخوفاً عليها أن تفتن الرجال أو تفتتن بهم، لضعف المرأة وخطر النظر إليها والخلوة بها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). وقد أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهن {يدنين عليهن من جلابيبهن} (الأحزاب:59) وقال {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}(النور:31) وقال {ولا(10/253)
يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}(النور:31) وكل هذا شرع حفاظاً على المرأة،وخوفاً عليها من الفتنة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم جلوس النساء مع الرجال الغير محارم ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10994 ...
رقم الفتوى
... 16/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
يوجد جماعات تجمعهم روابط القرابة والنسب والصحبة، اعتادوا أن يجلسوا مع بعضهم نساء ورجالاً. فالبعض غير محارم لبعضهم بعضاً، ويتكلم بعضهم مع البعض في الدين، وقصص الحياة، دون نظرات فيها اشتياق وشهوة، أو قلوب مريضة، وغير ذلك. فهل أعمال هؤلاء أعمال خيّرة، وطاعات وعبادات، وقربات مقبولة عند الله، ومغفور لهم، ومعفو عنهم، بالرغم من عادتهم هذه ... رجاء من فضيلتكم الإفادة، جزاكم الله خيراً.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يجوز جلوس النساء مع الأقارب إذا كان معهم محارم، لكن بشرط التحفظ والاحتشام، والحجاب الكامل بتغطية الوجه كاملاً، ويجوز الكلام معهم بما لا خضوع فيه، ولا ذكر للعورات والفواحش، وإنما يتكلمون كلاماً عاديا، أما خلوة المرأة برجل أجنبي حتى ولو كان قريباً أو نسيباً أو صاحبا فلا يجوز، وقد يتسامح في ذلك إذا زالت الخلوة، بأن كان هناك رجال، وعدد من النساء، وحصل التحفظ والتحجب، ولم يكن هناك خلوة طويلة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم تنظيم المحاضرات للنساء ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11172 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...(10/254)
نص السؤال
قام المركز الإسلامي في مدينتنا بتنظيم محاضرة للنساء، وقام المحاضر بإلقاء المحاضرة مباشرة من دون حاجز أو حجاب رغم معارضة بعض النساء لذلك وعدم رضاهن، ورغم وجود نساء كاشفات لوجوههن وأيديهن، وكان بالإمكان إلقاء المحاضرة من وراء ستار، ونتيجة لذلك حدثَ نقاش طويل بين بعض المسلمين عندنا، خصوصاً وأن إدارة المسجد ممثلة في اللجنة المنظمة رفضت أن يقوم أحد طلبة العلم في نفس اليوم بإلقاء محاضرة من وراء حجاب، وقد زاد من الخصومة أن المحاضر قال: إن آية {وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجاب} (الأحزاب:53) خاصة نزولاً وحكماً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تطبيقها على غيرهن؟وقال أيضاً إجابة على سؤال حول الاختلاط: (إن المحرَّم شرعاً هو الخلوة فقط، ولذلك لا مانع من استضافة المرأة للرجل الأجنبي في حال عدم الخلوة؟) وقال أيضاً: (إنه لا يرى أن تنتقب المرأة في البلاد الغربية حتى لا تعطي صورة غير مقبولة عن الإسلام)؟
السؤال: ما رأيكم فيما حدث؟ وهل يجوز ذلك شرعاً؟ وما رأيكم فيما قاله المحاضر حول الاختلاط والنقاب؟ وهل يجوز الإنكار عليه؟ أفيدونا مأجورين.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن ما فعله هذا المحاضر لا يجوز في الإسلام، فإن وقوف الرجل أمام النساء المتبرجات من أعظم أسباب الفتنة ولو أمنه هذا الرجل لم يأمنه غيره، ومتى فتح الباب لهم توصلوا إلى المحظور من النظر المحرم وما يجره من الفواحش، وقد نهى الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج بقوله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}(الأحزاب:33) وهذا الخطاب يعم كل المؤمنات لأن الله ذمّه بإضافته إلى الجاهلية، والتبرج هو إبداء الزينة ولا شك أن الوجه هو مجمع محاسن المرأة وبه تحصل الفتنةو يحصل التقارب، فإن بقية جسدها قد لا يحصل به تفاوت بين النساء ولا شك أن النساء فتنة لكل مفتون، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)(أخرجه أحمد وهو عند مسلم)، ولّما أذن لهن في الصلاة في المسجد قال: (وليخرجن تفلات)(أخرجه أحمد وأبو داود).
ـــــــــــــــــــــ
سفر المرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11177 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(10/255)
... ...
نص السؤال
ما حكم ركوب المرأة مع أختها من الرياض إلى الدّلم مع وجود زوجته وأولاده الصغار دون العاشرة؟ ومتى تباح الضرورة في ذلك؟ أفيدونا مأجورين.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ورد في الحديث: (ما خلا رجل بامرأة إلاَّ كان الشيطان ثالثهما). لكن هذا يختص بالخلوة وحدهما، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم). فهاهنا لا توجد الخلوة لوجود زوجة الرجل وأولاده ولو كانوا صغاراً فإنها تزول الخلوة، ولا يطلق على هذا سفراً لقصر المدة وأمن الطريق وانتفاء الخلوة ووجود الحاجة مع القرابة والأمانة والثقة ونحو ذلك فهذه الأمور لها اعتبارها والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم مصافحة زوجة الأخ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11178 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا من إخوانكم في الله، ومنَّ الله عليَّ بالإِستقامة ولله الحمد، وأسكن أنا وأخي في بيت واحد، وكلٌ منا متزوج، فهل يجوز أن أصافح زوجة أخي مع حضور المحرم كزوجها أو زوجتي أو أطفالنا؟ وهل يجوز أن أجلس معها مع حضور المحرم وهي بلباس الرداء المعتاد عندنا والنقاب المعروف عندنا بالبرقع بدون أن تضع على وجهها خماراً؟ وهل يجوز أن أُعَلمَهَأ أمور الدين كذلك هل يجوز أن أسألها عن نواقص البيت؟ وجهوني جزاكم الله خيراً.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يجوز أن تصافح زوجة أخيك فأنت غير محرم لها، فلا يحل لمس امرأة أجنبية ولو كان بحضور زوجها أو أحد محارمها أو نساء غيرها أو أطفال عندكم، فأما الجلوس معها فلا يجوز مع الخلوة والانفراد، ولو كانت متحجبة متسترة، فإن كان هناك محرم أو نساء زالت الخلوة بشرط التستر الكامل للوجه والبدن أي البرقع ضيق الفتحات والرداء الساتر للبدن كله، فأما تعليمها ومناقشتها في أمور الدين(10/256)
وسؤالها عن نواقص البيت فيجوز ذلك بشرط التستر الكامل وعدم الخلوة ويكون بكلام معتاد بقدر الحاجة والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
اعكتاف المرأة المتوفى عنها زوجها ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11180 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
امرأة ذهبت مع أخيها وزوجته للاعتكاف في العشر الآواخر من شهر رمضان المبارك لهذا العام، وهذه المرأة قد توفي عنها زوجها، وعندها اثنان من الأبناء أعمارهما ما فوق سن الخامسة عشرة -أي قد بلغا- ولديها خادمة في المنزل، فذهبت إلى الحرم المكي بقصد الاعتكاف وتركت الأبناء والخادمة وحدهم في المنزل، علماً أن لها ابن من غير هؤلاء الأبناء متزوج، فما حكم ذهاب هذه المرأة؟ وما توجيه فضيلتكم لها ولمثيلاتها من النساء؟ وما توجيهكم لأخيها؟ أفيدونا مأجورين.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يجوز لها أن تترك هذه الخادمة في المنزل ومعها هؤلاء الشباب البالغون، فإنه يؤدي إلى الخلوة المحذورة، ولو كان قصدهم الاعتكاف في العشر الأواخر، وعلى أخيها أن لا يلبي طلبها بل هو مسؤول عنها وعن سفرها وتركها لهؤلاء الشباب يخلون بهذه الخادمة الأجنبية ويتعرضون للفتنة وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم سفر المرأة بالطائرة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11181 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(10/257)
ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم كالزوج أو الأب إذا اضطرت المرأة إلى السفر ولم يتيسر للمحرم صحبتها فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار فلا يفارقها حتى تركب الطائرة ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة، وذلك لعدم الخلوة المنهي عنها ولعدم المحذور من سفرها وحدها الذي تكون عرضة للضياع أو لاعتراض أهل الفساد، وأيضاً فالمدة قليلة إنما هي ساعة أو بضع ساعات، هذه المدة قد لا تسمى سفراً أصلاً، لأن السفر هو الذي يسفر عن أخلاق الرجال، فلا ينطبق على المدة القصيرة ولأن الضرورات لها أحكامها، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــ
مشروعية حضور النساء لصلاة التراويح ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11278 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما مشروعية حضور النساء لصلاة التراويح؟ وما رأيكم -أحسن الله إليكم- في مجيء بعضهن مع السائق بدون محرم، وربما جئن متبرّجات أو متعطرات؟ وكذلك بعضهن يصطحبن أطفالهن الصغار، مما يسبب التشويش على المصلين، بكثرة إزعاجهم بالصياح والعبث فما توجيهكم؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال في مجالس شهر رمضان: ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد، إذا أمنت الفتنة منهن وبهن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". متفق عليه. ولأن هذا من عمل السلف الصالح -رضي الله عنهم-، لكن يجب أن تأتي متسترة متحجّبة، غير متبّرجة ولا متطّيبة، ولا رافعة صوتاً، ولا مبدية زينة، لقوله -تعالى-: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)(النور:31). أي لكن ما ظهر منها، فلا يمكن إخفاؤه، وهي الجلباب والعباءة ونحوهما، ولأن النبي صلى الله(10/258)
عليه وسلم، لما أمر النساء بالخروج إلى الصلاة يوم العيد قالت أم عطّية: يا رسول الله: إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لتُلبسها أختها من جلبابها". متفق عليه.
والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال، ويبعدن عنهم، ويبدأن بالصف المؤخر، عكس الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها. وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها". رواه مسلم، وينصرفن عن المسجد فور تسليم الإمام، ولا يتأخرن إلا لعذر، لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سلَّم حين يقضي تسليمه، وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم، قالت: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال. رواه البخاري أ.هـ.
ولا يجوز لهنَّ أن يصطحبن الأطفال الذين هم دون سن التمييز، فإن الطفل عادة لا يملك عن العبث، ورفع الصوت، وكثرة الحركة، والمرور بين الصفوف، ونحو ذلك، ومع كثرة الأطفال يحصل منهم إزعاج للمصلين، وإضرار بهم، وتشويش كثير بحيث لا يُقبل المصلي على صلاته، ولا يخضع فيها، لما يسمع من هذه الآثار، فعلى الأولياء والمسئولين الانتباه لذلك، والأخذ علي أيدي السفهاء عن العبث واللعب، وعليهم احترام المساجد وأهلها، والله أعلم.
أما ركوب المرأة وحدها مع قائد السيارة فلا يجوز، لما فيه من الخلوة المحرمة، حيث جاء في الحديث عنه، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم". وقال -أيضاً-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان". فعلى المرأة المسلمة أن تخشى الله، ولا تركب وحدها مع السائق، أو صاحب الأجرة، سواء إلى المسجد، أو غيره خوفاً من الفتنة، فلا بد من أن يكون معها غيرها من محارم أو جمع من النساء، تزول بهن الوحدة مع قرب المكان، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
متى تستحق المرأة الصداق كاملاً؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10696 ...
رقم الفتوى
... 27/05/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
متى تستحق المرأة الصداق كاملاً؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:(10/259)
إذا سمي لها الصداق عند العقد، أو بالاتفاق بين الزوج وولي المرأة، ثم عقد عليها ملكت الصداق بمجرد العقد، فإن طلق قبل الدخول رجع له نصفه، فإن دخل بها الخلوة الشرعية فإنها تملك الصداق كله، أما إذا عقد ولم يذكر الصداق فمتى دخل بها فلها صداق مثلها، تملكه بالدخول.
ـــــــــــــــــــــ
حكم الاعتكاف ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11327 ...
رقم الفتوى
... 13/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هنالك -أحسن الله إليكم- سنة قد تهاون فيها أكثر الناس، ألا وهي سنة الاعتكاف فما توجيهكم؟ وما شروط الاعتكاف؟ وما يجوز وما لا يجوز؟ وهل يجوز للمرأة أن تعتكف؟ وأين يكون؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله، وهو سنة مؤكَّدة في كل زمان، وتتأكَّد في العشر الأواخر من رمضان، كما روت عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفّاه الله -عز وجل-، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وروى البخاري عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعتكف في كل رمضان عشرة أيّام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.
قال ابن رجب في اللطائف: "وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف في العشر قطعاً لأشغاله، وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه، وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيراً يتخلى فيها من الناس". ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس، حتى ولا لتعليم علم، أو إقراء قرآن؛ بل الأفضل له الانفراد بنفسه، وهو الخلوة الشرعية لهذه الأمة، وإنما كان في المساجد لأن لا يترك به الجمعة والجماعات.
فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقبله وقالبه على ربه، وما يقرْبه منه، فما بقي له همّ سوى الله وما يرضيه عنه، فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق، للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة والمحبة له، والأنس به، أورثت صاحبها الانقطاع إليه بالكليّة على كل حال". اهـ.(10/260)
ولا يصحّ الاعتكاف إلا بشروط:
(الأول): النية، لحديث: "إنّما الأعمال بالنيات".
(الثانية): أن يكون في مسجد، لقوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد). وكان صلى الله عليه وسلم، يعتكف في مسجده.
(الثالث): أن يكون ذلك المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة حتى لا يتكرّر خروجه لكل وقت، مما ينافي الاعتكاف.
ولا يخرج المعتكف إلا لما لا بدّ له منه، ولا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ويحرم عليه مباشرة زوجته، ويستحبّ اشتغاله بالقربات، واجتناب ما لا يعنيه.
وله أن يتحدَّث مع من يزوره. وله أن يتنظف ويتطيَّب، ويخرج لقضاء حاجة وطهارة. وأكل وشرب، إذا لم يجد من يأتيه بهما.
وأما المرأة فالأفضل في حقها البقاء في بيتها، والقيام بخدمة زوجها وولدها، ولا يشغلها ذلك عن عبادة ربها. ولأن خروجها مظنّة الفتن بها، وفي انفرادها ما يعرضها للفسقة وأهل الفساد.
ولكن إن أمنت هذه المفاسد، وكانت كبيرة السن، وكان المسجد قريباً من أهلها ومحارمها، جاز لها الاعتكاف فيه، وعلى ذلك يحمل اعتكاف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، بعده، لقربهن من المسجد.
وبالجملة لا يصح اعتكافها في مسجد بيتها، وهو مصلاها فيه، ويصحّ في كل مسجد، ولو لم يكن فيه جماعة مستمّرة، ويكره خروجها وانفرادها محافظة على نفسها. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم جلوس الرجال مع النساء ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 8921 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
يوجد جماعات تجمعهم روابط القرابة والنسب والصحبة، اعتادوا أن يجلسوا مع بعضهم نساء ورجالاً. فالبعض غير محارم لبعضهم بعضاً، ويتكلم بعضهم مع البعض في الدين، وقصص الحياة، دون نظرات فيها اشتياق وشهوة، أو قلوب مريضة، وغير ذلك. فهل أعمال هؤلاء أعمال خيّرة، وطاعات وعبادات، وقربات مقبولة عند الله، ومغفور لهم، ومعفو عنهم، بالرغم من عادتهم هذه ... رجاء من فضيلتكم الإفادة، جزاكم الله خيراً.
نص الفتوى(10/261)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
يجوز جلوس النساء مع الأقارب إذا كان معهم محارم، لكن بشرط التحفظ والاحتشام، والحجاب الكامل بتغطية الوجه كاملاً، ويجوز الكلام معهم بما لا خضوع فيه، ولا ذكر للعورات والفواحش، وإنما يتكلمون كلاماً عاديا، أما خلوة المرأة برجل أجنبي حتى ولو كان قريباً أو نسيباً أو صاحبا فلا يجوز، وقد يتسامح في ذلك إذا زالت الخلوة، بأن كان هناك رجال، وعدد من النساء، وحصل التحفظ والتحجب، ولم يكن هناك خلوة طويلة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
الخروج مع الخطيب هل يجوز ...
عنوان الفتوى
... فيصل مولوي ...
اسم المفتى
... 21356 ...
رقم الفتوى
... 13/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يعتبر من الحرام خروج الفتاة مع شاب صرح لها بأنه يرغب بالزواج منها بهدف التعرف عليه أكثر علماً أنها لم تتوصل لقناعة كافية به ولا تريد أن ترتبط حتى لو بخطبة قبل تكوين فكرة عنه بالإضافة لكونه محترم في التعامل معها ؟
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليكم ورحمته وركاته، وبعد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الخاطب أجنبي عن مخطوبته ،لا يحل له شيء منها إلا بعد العقد الشرعي
يقول الشيخ فيصل مولوي أمين عام الجماعة الإسلامية بلبنان ،والقاضي الشرعي:
الفتاة المسلمة أجنبية غريبة بالنسبة لخاطبها الذي يريد الزواج منها ما لم يتمم إجراء العقد؛ وبالتالي فلا يجوز لها مع هذا الإنسان إلا ما يجوز لها مع غيره: فالخروج مثلاً إذا كان بحضور أحد محارمها ومع المحافظة على حجابها جائز، كما أن أي اتصال بين الخاطبين قبل إتمام عقد الزواج لا يعتبر جائزاً إلا إذا كان منضبطاً بالضوابط الشرعية التي تتعلّق بالتواصل بين المرأة وأي إنسان أجنبي.
إن الخطبة وهي وعد بالزواج لا ترتّب أثراً بين الخاطبين يبيح ما هو محرّم، ولكنها تعتبر مبرراً للتواصل بالهاتف أو بالرسائل أو بالزيارات مع الاحتفاظ بالضوابط الشرعية كما أسلفنا.
والأصل الشرعي في كلّ ذلك أن الخاطبين قبل العقد يعتبران غريبين تماماً، وبعد العقد فقط يعتبران زوجين ويحلّ لهما كلّ الأمور الزوجية التي يحلّها الشرع.(10/262)
وذكر المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء :إن التعامل بين الجنسين ليس محرما على إطلاقه وليس مباحا على إطلاقه ولكنه مباح بالضوابط والشروط التالية التي وضعها المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء وإليك نص فتواه في هذه المسألة
اللقاء والتعاون والتكامل بين الرجال والنساء أمر فطري، ولا يمكن منعه واقعاً، ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلاق، وإنما أحاطه بالضوابط التالية:
1- منع الخلوة (وهي وجود رجل وامرأة أجنبية عنه في موضع لا يراهما فيه أحد) امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" أخرجه أحمد (رقم: 114، 177) والترمذي (رقم: 2165) من حديث عمر بن الخطاب، ولفظه: "لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان". وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"..
2- توقي التَّماسّ (وهو التلاصق والتراص بالأبدان بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه) حذر الإثارة والفتنة.
3- تجنب التبرج (وهو الكشف عما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بستره من البدن)، إذ يجب على المرأة حين اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تستر كل جسدها ما عدا الوجه واليدين، على مذهب جمهور الفقهاء.
4- التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها، فلا تتصنع من الكلام والحركات ما يؤدي إلى إثارة الغرائز، قال تعالى: {إن اتقيتنَّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولاً معروفاً} [الأحزاب: 32]، وقال تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} [النور: 31].
فإذا التزم الرجال والنساء في أي لقاء أو نشاط بهذه الضوابط الشرعية، فلا حرج عليهم في ذلك، ما كان موضوع اللقاء أو النشاط جدياً، سواء أكان علمياً أم ثقافياً ونحو ذلك.
ولا فرق في ضرورة الالتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلق الأمر بفتيات مسلمات أو غير مسلمات؛ لأن الإثارة محتملة في الحالتين، على أن الانفصال في المجلس الواحد في المقاعد بين الرجال والنساء هو الأفضل، خصوصاً إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلافه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
حقوق المتوفى عنها قبل الدخول ...
عنوان الفتوى
... لجنة الفتوى بالأزهر ...
اسم المفتى
... 4008 ...
رقم الفتوى
... 16/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...(10/263)
نص السؤال
إذا تم عقد قران الزوجين ولم يدخلا بعد، وتوفى الزوج فهل للزوجة نصيب في ميراث المتوفى؟ وما هي النسبة؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
جاء في فتاوى الأزهر:
فللزوجة التي مات زوجها عنها وهى في عصمته بعد العقد الصحيح عليها وقبل دخوله بها جميع مهرها المعجل منه والمؤجل فيؤخذ المؤجل من تركته بالطريق الشرعي .
فإن المهر كما يتأكد بالدخول أو الخلوة الصحيحة يتأكد بالموت .
وللزوجة أيضا ميراث الزوجة من تركة زوجها إن لم يكن هناك مانع ، وهو الربع إن لم يكن له ولد من غيرها ، والثمن إن كان له ولد ، بعد أن تأخذ مهرها كاملا ، لأنه ما دام عقد الزواج قد تمَّ فكل من الزوجين يرِث الآخر عند الموت سواء كان قبل الدخول أو بعده.
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
الحمامات العامة ...
عنوان الفتوى
... لجنة الفتوى بالأزهر ...
اسم المفتى
... 19064 ...
رقم الفتوى
... 27/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما حكم الإسلام فى دخول الحمامات العامة ؟ .
نص الفتوى
أجاب : الحمامات أماكن خاصة للاستحمام ، وكانت للبيوت الموسرة حمامات خاصة بها ، ثم اقيمت حمامات عامة للناس ، وهى قديمة موجودة قبل الإسلام ، يقول المقريزى ، فى خططه " ج 3 ص 129 " : قال محمد بن إسحاق فى كتاب " المبتدى" : إن أول من اتخذ الحمامات والطلاء بالنورة سليمان وإنه لما دخله ووجد حميمه قال : أوَّاه من عذاب الله أواه ! ! وذكر المستحى فى تاريخه أن أول من بنى الحمامات فى القاهرة " العزيز باللَّه نزار بن المعز " وكان بها ثمانون حماما فى سنة 685 ط . وأقل حمامات كانت ببغداد زمن الناصر أحمد بن المستنصر ألفا حمام . انتهىـ . .(10/264)
ولهذه الحمامات آثار باقية إلى الآن بالشام . وهى آخذة فى الانقراض . وقد ألف الحافظ ابن كثير كتابا فى الحمام . ووردت فيه أحاديث كثيرة لم يتفق على صحة شىء منها ، قال المنذرى :
وأحاديث الحمام كلها معلولة ، وإن ما يصح منها فهو عن الصحابة "نيل الأوطار ج 1 ص 277 " .
ومن هذه الأحاديث ما يأتى :
1 - روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنها ستفتح لكم أرض العجم ، ،ستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات . فلا يدخلها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء ، إلا مريضة أو نفساء " نيل الأوطار ج ا ص 178 والترغيب والترهيب ج ا ص 65 . وقد تكلم فى هذا الحديث بما يضعف حجيته .
2 -وأخرج المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب "ج ا ص 66 أن نساء من أهل حمص ، أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت : أنتن اللاتى تدخلن نساءكن الحمامات ؟ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " رواه الترمذى وقال : حديث حسن وأبو داودو وابن ماجه والحاكم وقال : صحيح على شرطهما . وروى معنى هذا الحديث عن أم سلمة حين دخل عليها نساء حمص . رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم .
3- وعن طاووس عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " احذروا بيتا يقال له الحمام " . قالوا : يا رسول اللَّه ينقى الوسخ . قال " فاستتروا " رواه البزار وقال : رواه الناس عن طاووس مرسلا . قال الحافظ المنذرى : رواته كلهم محتج بهم فى الصحيح . ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم . ورواه الطبرانى فى الكبير بنحو ما رواه الحاكم " الترغيب ج ا ص 65 " وصححه الألبانى .
4 -عن عائشة قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " الحمام حرام على نساء أمتى " رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد " الترغيب ج 1 ص 65" .
د -وعن جابر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئرر. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام " . رواه النسائى والحاكم وصححه ، وحسنه الترمذى "المرجع السابق " وفي ص 66 روى مثله عن طريق أبى سعيد الخدرى .
قال القرطبي فى تفسيره "ج 12 ص 224 ": حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجُحْفَة ، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك النساء للضرورة، والأولى بهن البيوت إن أمكن . وذكر حديثا لم يصح : أن النبى صلى الله عليه وسلم لقى أم الدرداء عندما خرجت من الحمام فقال لها " والذي نفسى بيده ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهى هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل " وذكر حديثا هو أصح إسنادا عن طاووس عن ابن عباس " تقدم تحت رقم 3 " .(10/265)
ثم يقول القرطبي : دخول الحمام فى زماننا حرام على أهل الفضل والدين ، لعدم مراعاة الأدب فى ستر العورة ، لا سيما بالديار المصرية ، ثم ذكر أن العلماء اشترطوا لدخوله عشرة شروط :
أ - أن يدخل بنية التداوى أو التطهر من العرق إثر الحمى .
2 -أن يتعمد أوقات الخلوة أو قلة الناس .
3-أن يستر عورته بإزار صفيق .
4 -أن يكون نظره إلى الأرض أو الحائط ، لئلا يقع على محظور .
د -أن يغير ما يرى من منكر برفق ، نحو، استتر سترك الله .
6 -إن دلكه أحد فلا يمكنه من عورته ، من سرته إلى ركبته .
7 - أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس .
8 -عدم الإسراف فى الماء .
9 -إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع أمناء على الدين على كرائه .
10 -أن يتذكر به جهنم .
وذكر حديثا فيه مدح دخوله الحمام ، لانه يذكر الإنسان بالنار، فيستعيذ منها ويسأل الجنة ، وفيه ذم دخول بيت العروس ، لأنه يرغبه فى الدنيا وينسيه الآخرة، ولكن الحديث ليس صحيحا .
وجاء فى القرطبي أيضا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة :
إنه بلغنى أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين ، فامنع من ذلك ، وحُلْ دونه ، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة . فقام أبو عبيدة وابتهل وقال : أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسوَّد الله وجهها يوم تبيض الوجوه . انتهىـ . "ج 12 ص 224 ". وفى الشوكانى "ج 1 ص 145 " أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل الحمام ويتنور ، أى يستعمل النورة لإزالة الشعر، ولم يبين درجة هذا الحديث ، مع أن الحمام لم يكن معروفا ببلاد العرب ، أو لم يكن شائعا على الأقل ، ويبدو-إن صح هذا الحديث - أن المراد به مكان منعزل يستحم فيه الشخص ، وليس حماما عاما بالمعنى المعروف .
وإذا كانت الحمامات المبنية لا يرغب فى دخولها ، فما بالك بالحمامات المكشوفة فى النوادى والساحات ، وعلى الشواطىء التى لا يلتزم فيها حجاب يستر العورة ولا يعزل الجنسين بعضهما عن بعض ؟ إنها أشد نكرا .
ـــــــــــــــــــــ
الشات بين الجنسين ...
عنوان الفتوى
... مجموعة علماء ...
اسم المفتى
... 22771 ...
رقم الفتوى
... 29/03/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(10/266)
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أدخل إلى مواقع الدردشة بالإنترنت
وأنا أتكلم مع فتاة مسلمة من فنزيلا ونحن نتفق على بعض الأعمال اليومية كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة سورة يس بشكل يومي وأنا أحافظ عليها والحمد لله فما حكم الإسلام في هذا أرجوا الرد بسرعة؟
وجزاكم الله كل الخير
السلام عليكم ورحمة الله
نص الفتوى
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
الإنترنت ولوازمه من المحادثة عبر الشات والماسنجر وسيلة قد تكون سببا في تحصيل الخير، من تبادل العلوم النافعة، والدعوة إلى الله، والتعرف على أحوال المسلمين، وقد تكون سببا للمفاسد والشرور، وذلك حينما تكون بين الرجل والمرأة.
ولذلك لا يجوز تكوين صداقات بين الرجال والنساء عبر هذه الوسائل للأسباب التالية:-
1- لأن هذا من اتخاذ الأخدان الذي نهى الله عز وجل عنه في كتابه الكريم.
2-لأنه ذريعة إلى الوقوع في المحظورات بداية من اللغو في الكلام، ومرورا بالكلام في الأمور الجنسية وما شابهها، وختاما بتخريب البيوت، وانتهاك الأعراض، والواقع يشهد بذلك ( ولا ينبئك مثل خبير).
3-لأنه موطن تنعدم فيه الرقابة، و لا توجد فيه متابعة ولا ملاحقة، فيفضي كلا الطرفين إلى صاحبه بما يشاء دون خوف من رقيب ولا حذر من عتيد.
4-لأنه يستلزم الكذب إن عاجلا أو لاحقا، فإذا دخل الأب على ابنته ، وسألها ماذا تصنع، فلا شك في أنها ستلوذ بالكذب وتقول: إنني أحدث إحدى صديقاتي ، وإذا سألها زوجها في المستقبل عما إذا كانت مرت بهذه التجربة فإنها لا شك ستكذب عليه.
5-لأنه يدعو إلى تعلق القلوب بالخيال والمثالية حيث يصور كل طرف لصاحبه أنه بصفة كذا وكذا، ويخفي عنه معايبه وقبائحه حيث الجدران الكثيفة، والحجب المنيعة التي تحول دون معرفة الحقائق، فإذا بالرجل والمرأة وقد تعلق كل منهما بالوهم والخيال، ولا يزال يعقد المقارنات بين الصورة التي طبعت في ذهنه ، وبين من يتقدم إلى الزواج به، وفي هذا ما فيه.
وليس معنى هذا حرمة الحديث بين الجنسين مطلقا عبر هذه الوسائل، ولكننا نتكلم عن تكوين العلاقات والصداقات بين الجنسين.
أما ما توجبه الضرورة، أو تستدعيه الحاجة مثل الحديث بين المراسلين الإخباريين، وبين العالم والمربي ومن يقوم على تربيتهن أو دعوتهن، والحديث الذي تقتضيه دواعي العمل بين الجنسين فليس حراما ما دام لم يخرج عن المعروف ، ولم يدخل دائرة المنكر، ولم يخرج عما تقتضيه الحاجة، وتفرضه الضرورة.(10/267)
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية:-
لا حرج على المرأة المسلمة في الاستفادة من الإنترنت، ودخول " البالتوك " ما لم يؤد ذلك إلى محذور شرعي ، كالمحادثة الخاصة مع الرجال ، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا ، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك ، ابتغاء مرضاة الله ، وحذرا من عقابه .
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء ، حتى أوقعتهم في عشق وهيام ، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك ، والشيطان يخيل للطرفين من أوصاف الطرف الآخر ما يوقعهما به في التعلق المفسد للقلب المفسد لأمور الدنيا والدين .
وقد سدت الشريعة كل الأبواب المفضية إلى الفتنة ، ولذلك حرمت الخضوع بالقول ، ومنعت الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية ، ولا شك أن هذه المحادثات الخاصة لا تعتبر خلوة لأمن الإنسان من إطلاع الآخر عليه ، غير أنها من أعظم أسباب الفتنة كما هو مشاهد ومعلوم .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام ؟
فأجاب : ( لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول : إنه ليس فيها عشق ولا غرام )
انتهى ، نقلا عن : فتاوى المرأة ، جمع محمد المسند ، ص 96
ولاشك أن التخاطب عبر الشات أبلغ أثرا وأعظم خطرا من المراسلة عن طريق البريد ، وفي كل شر .انتهى.
ويقول الشيخ عبد الخالق الشريف- من علماء مصر- لشاب سأله عن نفس السؤال :-
ما الغرض من هذه المحادثة، وإذا كان بغية التبادل الثقافي والفكري والمعرفي والمحاورة، فلماذا لا يكون مع شاب مسلم، وماذا أنت قائل لشاب يفعل ذلك مع أختك أنت، واعلم أن الشاعر قد قال: كل الأشياء مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر... فالنار العظيمة التي تحرق المدن لا تبدأ إلا بشرارة قليلة، وقد قال شوقي: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء..
فابتعد واستمع إلى هذا الحديث المتفق على صحته "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمها كثير من الناس فمن بعد عن الشبهات (نكرر بعد) فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام"، أسأل الله أن يحفظك وأبناءنا وشباب المسلمين من هذا كله. انتهى.
ويقول الشيخ عبد الخالق الشريف في فتوى أخرى:-
فإن الله خلق هذا الجنس البشري من الرجال والنساء وجعل كل طرف يميل إلى الآخر بغريزة أودعت في النفس لبقاء النسل، ولبقاء هذه الحياة، ولقد حدد الإسلام(10/268)
طريقة ومنهج العلاقة التي يجب أن تكون بين الذكر والأنثى، فإما أنها علاقة مع المحارم كالأمهات والبنات، أو علاقة مع ما أحلها الله له من الزوجات بضوابطها الشرعية، أما كل علاقة بين الرجل والمرأة خارج هذا النطاق، فلا تتم من المسلم إلا على سبيل الاضطرار أو الحاجة، كشهادة المرأة أمام قاضٍٍ في محكمة، أو ما يضطر إليه مما لا يملك تغييره، كمدرس متدين عُيِّن في الجامعة يدرس للذكور والإناث، وفي هذه الحالة الاضطرارية يجب ألا تكون العلاقة إلا عابرة وفي حدود التعلم والتعليم؛ لأن الاختلاط منهي عنه شرعًًا، فإذا تطور إلى الخلوة كان محرمًًًا، وعلى هذا الأمر فإنه لا يوجد ما يُسمَّى علاقة عادية مع البنات، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعًًًا إلى الحق. انتهى.
ويقول الشيخ نظام يعقوبي من علماء البحرين مبينا حكم المراسلة بين الجنسين عن طريق الوسائل الحديثة :-
هل تختلف المراسلة عبر البريد الإليكتروني عن المراسلة عبر البريد العادي، أو عبر صفحات الجرائد والمجلات؟ لا شك أن المحصلة واحدة مع فارق طبيعة الوسيلة، ولكن العبرة في الحكم بالجواز أو عدم الجواز ليست في الوسيلة الناقلة للخطاب، ولكن في مضمون الخطاب نفسه، وما إذا كان هذا المضمون منضبطاً بضوابط الشرع أم لا، وحيث إن هذه الوسيلة، وسيلة البريد الإليكتروني، تتيح لمستخدمها قدراً كبيراً من الخصوصية والبعد عن الرقيب وحرية التعبير والمراسلة بمختلف أنواع المصنفات الفنية، الصوتية والمرئية، فإنها تصبح أكثر إغراء من غيرها على التمادي والغواية، والاقتراب من خطوات الشيطان وقد نهانا الله تعالى عن اتباع خطوات الشيطان فقال تعالى {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.
فالأولى الابتعاد عن ذلك، حتى لا ينجر المرء إلى ما بعد ذلك ؛ من التدرج في موضوعات المراسلة إلى ما نهى الله عنه، فعندما نهانا الله تعالى عن الزنا نهانا عنه وعن مقدماته وعما يقربنا إليه فقال تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا}. ولا نقول هنا أن مثل هذه المراسلات ستؤدي بالقطع إلى الوقوع في الزنا والعياذ بالله، ولكنها تظل مظنة الوقوع فيما لا يرضي الله.
وإذا كان لا بد للمرء أحياناً من المراسلة بغرض التبادل الثقافي والمعرفي في هذا الزمن الذي بدأت فيه وسيلة الإنترنت تحتل حيزاً كبيراً في حياة الناس، فالأولى أن تكون المراسلة بين أفراد من جنس واحد،ما لم يكن هناك ضرورة خاصة تقتضي المراسلة مع الجنس الآخر، وفي هذه الحالة يجب التأدب والاحتياط خشية الوقوع فيما يغضب الله.انتهى.
وجاء بموقع الشبكة الإسلامية:-
حرم الله سبحانه وتعالى اتخاذ الأخدان أي الأصدقاء والصديقات على كل من الرجال والنساء، فقال في خصوص النساء: ( محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ) [النساء:25] وفي خصوص الرجال: ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) [المائدة:5] واتخاذ الأخدان محرم سواء كان عبر الهاتف أو الدردشة في(10/269)
الإنترنت أو اللقاء المباشر، وغيرها من وسائل الاتصال المحرمة بين الرجل والمرأة.
وما يعرف اليوم بمواقع الدردشة فهي في معظمها أوكار فساد ومصايد للشيطان، أفسدت دين ودنيا كثير من أبناء وبنات المسلمين، فعلى المسلم أن يحذر منها، وأن يستغل وقته ويبذل جهده فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه.انتهى.
ويقول الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر:-
إن الصداقة بين الجنسين لها مجالات وحدود وآداب فمجالها الصداقة بين الأب وبناته والأخ وأخوته، والرجل وعماته، وخالاته، وهي المعروفة بصلة الرحم والقيام بحق القرابة، وكذلك بين الزوج وزوجته، وفي كل ذلك حب أن ضعفت قوته فهي صداقة ورابطة مشروعة، أما في غير هذه المجالات كصداقة الزميل لزميلته في العمل أو الدراسة، أو الشريك لشريكته في نشاط استثماري مثلا، أو صداقة الجيران أو الصداقة في الرحلات وغير ذلك، فلابد لهذه الصداقة من التزام كل الآداب بين الجنسين، بمعنى ستر العورات والتزام الأدب في الحديث، وعدم المصافحة المكشوفة، والقبل عند التحية، وما إلى ذلك مما يرتكب من أمور لا يوافق عليها دين ولا عرف شريف، والنصوص في ذلك كثيرة في القرآن والسنة لا يتسع المقام لذكرها.
إن الصداقة بين الجنسين في غير المجالات المشروعة تكون أخطر ما تكون في سن الشباب، حيث العاطفة القوية التي تغطي على العقل، إذا ضعف العقل أمام العاطفة القوية كانت الأخطار الجسيمة، وبخاصة ما يمس منها الشرف الذي هو أغلى ما يحرص عليه كل عاقل من أجل عدم الالتزام بآداب الصداقة بين الجنسين في سن الشباب كانت ممنوعة، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار، ومن تعاليمه البعد عن مواطن الشبه التي تكثر فيها الظنون السيئة، والقيل والقال، ورحم الله امرأ ذب الغيبة عن نفسه.
ولا يجوز أن ننسى أبدا شهادة الواقع لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرحال من النساء" رواه البخاري ومسلم.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
ضوابط الاتصال بالمخطوبة ...
عنوان الفتوى
... مجموعة علماء ...
اسم المفتى
... 22921 ...
رقم الفتوى
... 16/05/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(10/270)
السلام عليكم أنا شاب الحمد الله أرتبط بفتاه تصلى وتصوم ومن عائله محافظه وليست ملتزمه ولظروف عملى فان فى سفر وباقى لى على الزواج سنه وأنا لم اجلس مع الفتاه غير 10 أيام فأنا أتصل بها كل فتره وأتكلم معها فما هى الطريقه الصحيه التى أتكلم معها فى التلفون لكى لا أحمل إثم وخصوصا هى صغير أصغر منى 15 سنه يعنى فى سن المراهقه وأنتم عارفين التلفزيونات والفضائيات وكلام الغزل الا بيعلموه للبنات وأريد أن أتقرب منها وتتقرب منى وأنا لا أريد أن أفعل شى يغض الله أرجوكم لاتنسونى بالدعاء؟
نص الفتوى
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالمحادثة التي تكون بين الفتى والفتاة في حال الخطبة الإسلام لا يمنعها بل يضع لها الضوابط التي تحكمها كألا يتحادثا في ما يخدش الحياء ، ولا يكون الكلام غير مباح غير متعارف عليه.
والحديث عبر الهاتف مع المخطوبة إن كان فيه غزل وغرام فحرام لأن لمخطوبة فتاة أجنبية عن الرجل لا يحل لهما أن يتبادلا مثل هذا الكلام.
وإن كان الحديث من أجل مصلحة دينية أو دنيوية فلا بأس من ذلك، وعليهما أن يراقبا الله عزوجل في أفعالهما، وأن يجتهدا في ألا يجعلا للشيطان عليهما سبيلا.
يقول الأستاذ الدكتور عطية عبد الموجود لاشين ـ الأستاذ بجامعة الأزهر:
فإنَّ كلام الخاطب مع مخطوبته في التليفون أو غير ذلك من وسائل الاتصال يتوقف على نوع وطبيعة الكلام؛ فإن كان كلامًا ليس خارجًا على الآداب الشرعية، بل يذكرها بالله (عز وجل)، أو يطمئن عليها أو على أهلها، أو يعرفها بأمر من أموره الدنيوية المتصلة بمستقبلهما فيما بعد، فهذا لا شيء فيه، ولا ضير منه.
أما إن كان الكلام محرمًا، مثيرًا للعواطف، مهيجًا للمشاعر؛ فهذا كلام محرم؛ لأن المخطوبة لا تزال أجنبية عن الخاطب، وهي لا تختلف في هذا الحكم عن المرأة الأجنبية. وقد وقع كلام بين أصحاب رسول الله، والصحابيات في أمور تتصل بشرع الله عز وجل؛ كأن تسأل الصحابية عن حديث انفردت بسماعه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم). وكان هذا أمرًا معهودًا ومألوفًا من قِبل السلف الصالح، ولم يقُل بحرمته أحد.
أما إذا كان الحديث فيه خضوع بالقول، وبعيدًا عن المصالح الدينية والدنيوية؛ فهذا أمر محرم، يستوي في ذلك الأجنبية والمخطوبة، ودل على ذلك قول الله (عز وجل): "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض".
أهـ
ويقول فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي -حفظه الله-:
إذا كان الكلام في حدود المعروف فلا مانع منه، الممنوع هو الخلوة أو التبرج أو التلاصق والتماس، أو الخضوع بالقول: "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا"، القول المعروف من الرجل ومن المرأة لا حرج فيه شرعًا، إلا إذا خيف من وراء ذلك فتنة تبدو دلائلها، فإذا لم تخف أي فتنة ولم تدل على ذلك أي دلالة فالأصل الإباحة.(10/271)
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
حكم رؤية شعر المخطوبة ...
عنوان الفتوى
... محمد صالح المنجد ...
اسم المفتى
... 22686 ...
رقم الفتوى
... 05/04/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز للرجل رؤية شعر العروس عندما يريد أن يطلب يدها للزواج (وهي متحجبة)؟ هل يجوز له رؤية خصله من شعرها أو صوره لها من غير حجاب؟
نص الفتوى
الحمد لله
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بالأمر بغض البصر وتحريم النّظر إلى المرأة الأجنبية طهارة للنّفوس وصيانة لأعراض العباد واستثنت الشّريعة حالات أباحت فيها النّظر إلى المرأة الأجنبية للضرورة وللحاجة العظيمة ومن ذلك نظر الخاطب إلى المخطوبة إذ إنّه سينبني على ذلك اتّخاذ قرار خطير ذي شأن في حياة كل من المرأة والرجل ، ومن النصًوص الدالة على جواز النظر إلى المخطوبة ما يلي :
1- عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ) قال : " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها " وفي رواية : " وقال جارية من بني سلمة ، فكنت أتخبأ لها تحت الكرب ، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها ، فتزوجتها " صحيح أبو داود رقم 1832 و 1834
2- عن أبي هريرة قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها ؟ ) قال : لا ، قال : ( فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ) رواه مسلم رقم 1424 والدار قطني 3/253(34)
3- عن المغيرة بن شعبة قال : خطبت امرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنظرت إليها ؟ ) قلت : لا ، قال : ( فانظر إليها فأنه أحرى أن يؤدم بينكما ) . وفي رواية : قال : ففعل ذلك . قال : فتزوجها فذكر من موافقتها . رواه الدارقطني 3/252 (31،32) ، وابن ماجه 1/574 .
4- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " إن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول(10/272)
الله صلى الله عيله وسلم ، فصعّد النظر إليها وصوّبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله ، لإِن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. ) الحديث أخرجه البخاري 7/19 ، ومسلم 4/143 ، والنسائي 6/113 بشرح السيوطي ، والبيهقي 7/84 .
من أقوال العلماء في حدود النّظر إلى المخطوبة :
قال الشافعي - رحمه الله - : " وإذا أراد أن يتزوج المرأة فليس له أن ينظر إليها حاسرة ، وينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية بإذنها وبغير إذنها ، قال تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال : الوجه والكفين " ( الحاوي الكبير 9/34 )
وقال الإمام النووي في ( روضة الطالبين وعمدة المفتين 7/19-20 : " إذا رغب في نكاحها استحب أن ينظر إليها لئلا يندم ، وفي وجه : لا يستحب هذا النظر بل هو مباح ، والصحيح الأول للأحاديث ، ويجوز تكرير هذا النظر بإذنها وبغير إذنها ، فإن لم يتيسر النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له . والمرأة تنظر إلى الرجل إذا أرادت تزوجه ، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها .
ثم المنظور إليه الوجه والكفان ظهراً وبطناً ، ولا ينظر إلى غير ذلك .
وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين . بداية المجتهد ونهاية المقتصد 3/10 .
قال ابن عابدين في حاشيته ( 5/325 ) :
" يباح النظر إلى الوجه والكفين والقدمين لا يتجاوز ذلك " أ.هـ ونقله ابن رشد كما سبق .
ومن الروايات في مذهب الإمام مالك :
- : ينظر إلى الوجه والكفين فقط .
- : ينظر إلى الوجه والكفين واليدين فقط .
وعن الإمام أحمد - رحمه الله - روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها ويديها .
والثانية : ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما .
ونقل ذلك ابن قدامة في المغني ( 7/454 ) والإمام ابن القيم الجوزية في ( تهذيب السنن 3/25-26 ) ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 11/78 ) .. والرواية المعتمدة في كتب الحنابلة هي الرواية الثانية .
ومما تقدّم يتبيّن أن قول جمهور أهل العلم إباحة نظر الخاطب إلى وجه المخطوبة وكفّيها لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال ، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته .
قال أبو الفرج المقدسي : " ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها .. مجمع المحاسن ، وموضع النظر .. "
حكم مس المخطوبة والخلوة بها
قال الزيلعي رحمه الله : ( ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة أ.هـ ، وفي درر البحار : لا يحل المسّ(10/273)