ونسأل الله لولاة أمورهم أن يهديهم إلى الحق ولا أظن هذا الإجبار إلا إذا خرجت المرأة من بيتها وأما في بيتها فلن يكون هذا الإجبار وبإمكانها أن تبقى في بيتها حتى تسلم من هذا الأمر أما الدراسة التي تترتب عليها معصية فإنها لا تجوز ، بل عليها دراسة ما تحتاج إليها في دينها ودنياها وهذا يكفي وهذا يمكنها ذلك في البيت غالباً . خلاصة القول إنه لا يجوز طاعة ولاة الأمور في أمر منكر أبداً . (1)
(1) فتاوى المرأة 1/75 المسن
ـــــــــــــــــــ
اظهار الزينة في الأسواق
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين :
ما رأي فضيلتكم في أن كثيراً من النساء اللاتي يخرجن إلى الأسواق لقصد الشراء يخرجن أكف أيديهن والبعض الآخر يخرجن الكف مع الساعد وذلك عند غير محارمهن وهذا أكثر الموجود في الأسواق ؟
الاجابة:
لا شك أن إخراج المرأة كفيها وساعديها في الأسواق أمر منكر ــــــــــــ (1)فتاوى المرأة 1/83. وسبب للفتنة لا سيما أن بعض هؤلاء النساء يكون على أصابعهن خواتم وعلى سواعدهن إسورة وقد قال الله تعالى للمؤمنات : - (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ )-(النور: من الآية31)وهذا يدل على المرأة المؤمنة لا تبدي شيئاً من زينتها وأنه لا يحل لها أن تفعل شيئاً يعلم به ما تخفيه من الزينة فكيف بمن تكشف زينة يدها ليراها الناس . إنني أنصح النساء المؤمنات بتقوى الله عز وجل وأن يقدمن الهدى على الهوى ويعتصمن بما أمر الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي هن أمهات المؤمنين وأكمل النساء أدباً وعفة حيث قال لهن : -(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)- (الأحزاب:33) ليكون لها نصيب من هذه الحكمة العظيمة )-ِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)-(الأحزاب: من الآية33) وانصح رجال المؤمنين الذين جعلهم الله قوامين على النساء أن يقوموا بالأمانة حملوها واسترعاهم الله عليها نحو هؤلاء النساء فيقوموهن بالتوجيه والإرشاد والمنع من أسباب الفتنة فإنهم عن ذلك مسئولون ولربهم ملاقون فلينظروا بماذا يجيبون-(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)-(آل عمران: من الآية30) والله أسأل أن يصلح عامة المسلمين وخاصتهم ورجالهم ونساءهم وصغارهم وكبارهم وأن يرد كيد أعداءهم في نحورهم إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين (1) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)فتاوى منفردة مكتوبة وموقعة من الشيخ ابن عثيمين .
ـــــــــــــــــــ
حكم لبس القفازين
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه(5/1380)
سئل فضيلة الشيخ ابن جبرين :
هل ارتداء الجوارب أو القفازين في اليدين لقصد سترهما أثناء الخروج من البيت أم هو جائز ؟ وهل رؤية الرجل الأجنبي للكفين حرام إذا لم يكن بها زينة ؟
الاجابة:
لبس المرأة لما يستر بدنها وعورتها يجب لا سيما عند الخروج إلى الأسواق ونحوها ومن ذلك جوارب القدمين وقفاز الكفين حتى لا يبدوا من المرأة ما يكون سبباً للفتنة بها ، إخراج الكفين غير مستورين بقفاز فيجوز للحاجة حيث أن الكف ليس مزيناً بخضاب أو حلي ونحوهما وأن اليدين تتشابهان في الناس بدون تميز عن أخرى . ( 1) * * *
(1) فتاوى المرأة 1/77 جمع المسند
ـــــــــــــــــــ
حكم خروج اليد ولبس القفازين
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان :
ما حكم خروج يدي المرأة في السوق خاصة ؟ وهل يفضل لبس قفاز أسود لليدين أو الأبيض ؟ علماً بأن البعض قال : لا حرج في ظهورها ، وأن لبس القفاز إدعاء للتدين ، ما رأي فضيلتكم بذلك ؟
الاجابة:
يجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها وسائر بدنها عن الرجال الذين هم ليسوا محارم لها ، فإذا خرجت إلى السوق فإنه يتأكد عليها ذلك ، وكذلك أمرت بأن ترخي ثيابها وأن تزيد فيها ، لتستر عقبيها ، فستر الكفين من باب أولى لأن ظهور الكفين فيه فتنة ، ويجب على المرأة أن تسترهما عن الرجال الذين ليسوا محارم لها ، وسواء سترتهما في ثوبها أو عباءتها أو في القفازين (1)
(1) كتاب المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان ج 3 ص 315
ـــــــــــــــــــ
حجاب الصغيرة
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز :
ما حكم البنات اللاتي لم يبلغن الحلم ؟ وهل يجوز لهن الخروج من غير سترة ؟ وهل يجوز لهن الصلاة من غير خمار ؟
الاجابة:
يجب على وليهن أن يؤدبهن بآداب الإسلام ، فيأمرهن بأن لا يخرجن إلا ساترات لعورتهن خشية الفتنة وتعويداً لهن على الأخلاق الفاضلة حتى لا يكن سبباً في انتشار الفساد ، ويأمرهن بالصلاة في خمار ، ولو صلت بدونه صحت صلاتها لقول النبي (ص) : *( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )* رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجة .(1) * * *
(1) فتاوى المرأة 1/77 جمع المسند(5/1381)
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف الوجه لأخ الزوج
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما حكم الزوجة التي تكشف لأخ زوجها إذا كان أخ الزوج صالحاً موثوقاً به ؟
الاجابة:
أخو الزوج ليس بمحرم لزوجته بمجرد أُخوته للزوج وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف له ما لا تكشفه إلا لمحارمها ولو كان صالحاً موثوقاً به فإن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في قوله تعالى : -( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ )- (النور: من الآية31) وليس أخ الزوج منهم بمجرد أخوته له ولم يفرق الله في ذلك بين صالح وغيره ، وفي الحديث أن النبي (ص) ، سأل عن الحمو وقال : *( الحمو الموت )* والمراد بالحمو أخو الزوج ونحوه ممن ليس من محارم الزوجة ، فعلى المسلم أن يحافظ على دينه وأن يحافظ على عرضه .(1) * * *
(1) مجلة البحوث الإسلام
ـــــــــــــــــــ
الكشف لأبي الزوج من الرضاعة
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين :
ما حكم كشف المرأة وجهها لأبي زوجها من الرضاعة ؟
الاجابة:
الجواب : المرأة كشف وجهها لأبي زوجها من الرضاعة لا يجوز على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : *( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب )* وأبو الزوج ليس حراماً على زوجة ابنه من جهة النسب لكنه حرام من جهة الصهر ولأن الله يقول : -(وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ )-(النساء: من الآية23) والابن من الرضاعة ليس من أبناء الصلب وعلى هذا فالمرأة إذا كان لزوجها أب من الرضاعة فإنه يجب عليها أن تتحجب عنده ولا تكشف وجهها له ولو فرض أنها فارقت ابنه من الرضاعة لا تحل بالزواج احتياطاً لأن ذلك هو رأي جمهور العلماء . (1) * * *
(1) فتاوى المرأة 1/81 جمع المسند
ـــــــــــــــــــ
حكم التحجب عن زوج البنت
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
س 746(5/1382)
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
الاجابة:
زوج ابنة المرأة من محارمها بالمصاهرة، يجوز له أن يرى منها ما يجوز من أمه وأخته وابنته وسائر محارمه، فسترها وجهها أو شعرها أو ذراعها ونحو ذلك عن زوج ابنتها من الغلو في الحجاب ، والامتناع من مصافحته عند اللقاء غلو أيضاً في التحفظ ، وقد يوجب ذلك نفرة وقطيعة ، فينبغي لها أن تترك الغلو في ذلك إلا إذا أحست منه ريبة أو وجدت منه عيناً خائنة ، فهي محسنة فيما فعلت . (1) * * *
(1) فتاوى المرأة 1/81 جمع المسند
ـــــــــــــــــــ
حكم الكشف أمام الخدم والسائقين
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
س 747
سئل سماحة الشيخ ابن باز:
الاجابة:
السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليس من المحارم ولا يجوز السفور لهما ، ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي (ص) : *( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما )* ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور ، لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله .(1) * * *
(1) فتاوى المرأة 1/81 جمع المسند
ـــــــــــــــــــ
كشف المرأة وجهها عند الكفيف
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
س 748
وسئل سماحة الشيخ ابن باز:
الاجابة:
لا حرج على المرأة في السفور عند الرجل الكفيف لما ثبت في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما طلقت : ( اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فلا يراك ) وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ) ( فأما حديث نبهان عن أم سلمة أن ابن أم مكتوم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أم سلمة وميمونة فأمرهما بالاحتجاب منه قالتا : إنه رجل أعمى لا يبصرنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ؟) فهو حديث ضعيف لشذوذه ومخالفته للأحاديث الصحيحة وإن حسنه الترمذي وصححه القاعدة التي قررها علماء الأصول وعلماء مصطلح الحديث إن الحديث إذا كان صحيح السند وخالف ما هو أصح منه فإنه يعتبر شاذ ضعيفاً لا يعمل به لأن من شرط الحديث الصحيح ألا يكون شاذاً فحديث نبهان هذا شاذ على فرض صحته ، وله(5/1383)
علة أخرى توجب ضعفه وهي : أن نبهان المذكور لم يوثقه من يعتمد عليه وهو قليل الرواية ولا يعتمد في مثل هذا الحديث وقد حمله بعض أهل العلم على إنه خاص بأمهات المؤمنين دون غيرهن وهذا لا وجه له لأن التخصيص يحتاج إلى دليل عليه وليس لدينا دليل على التخصيص . (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1)كتاب فتاوى الدعوة للشيخ ابن باز 2/222
ـــــــــــــــــــ
القواعد من النساء
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
س 749
وسئل سماحة الشيخ ابن باز :
الاجابة:
قال تعالى : -(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)- (النور:60) والقواعد هن العجائز اللاتي لا يرغبن في النكاح ولا يتبرجن بالزينة فلا جناح عليهن أن يسفرن عن وجوههن لغير محارمهن لكن تحجبهن أفضل وأحوط لقوله سبحانه : -( وأن يسْتعْفْفنَ خيرٌ لهنَ )- ولأن بعضهن قد تحصل برؤيتها فتنة من أجل جمال صورتها وإن كانت عجوزاً غير متبرجة بزينة أما مع التبرج فلا يجوز لها ترك الحجاب ومن التبرج تحسين الوجه بالكحل ونحوه . (1)
(1)كتاب فتاوى الدعوة للشيخ ابن باز 2/222
ـــــــــــــــــــ
القواعد من النساء
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
س 749
وسئل سماحة الشيخ ابن باز :
الاجابة:
قال تعالى : -(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)- (النور:60) والقواعد هن العجائز اللاتي لا يرغبن في النكاح ولا يتبرجن بالزينة فلا جناح عليهن أن يسفرن عن وجوههن لغير محارمهن لكن تحجبهن أفضل وأحوط لقوله سبحانه : -( وأن يسْتعْفْفنَ خيرٌ لهنَ )- ولأن بعضهن قد تحصل برؤيتها فتنة من أجل جمال صورتها وإن كانت عجوزاً غير متبرجة بزينة أما مع التبرج فلا يجوز لها ترك الحجاب ومن التبرج تحسين الوجه بالكحل ونحوه . (1)
(1)كتاب فتاوى الدعوة للشيخ ابن باز 2/222
ـــــــــــــــــــ
تزين القواعد مع خلع الملابس
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
750(5/1384)
وقال فضيلة الشيخ عبدالله الفوزان
الاجابة:
لم يجز لها أن تضع خمارها أو غطاء وجهها أو غباءتها ونحو ذلك مما يؤدي إلى ظهور الزينة .(1)
(1) زينة المرأة لعبدالله الفوزان ص
ـــــــــــــــــــ
حكم البراقع
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
751
سئل سماحة الشيخ ابن باز :
الاجابة:
لا حرج في استعمال البرقع إذا كان يستر الوجه ما عدا العينين أو إحداهما وبذلك تعتبر المرأة متحجبة غير مبدية للزينة ولكل قوم عادتهم في ذلك . ( 1) * * *
(1) كتاب فتاوى الدعوة للشيخ ابن باز 1/183
ـــــــــــــــــــ
لبس البرقع والقفازين
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
752
وقال فضيلة الشيخ عبد الله الفوزان :
الاجابة:
ينبغي للمرأة استعمال القفازين لستر الكفين ويجوز استعمال البرقع إذا كان يستر الوجه ما عدا العينين أو إحداهما لحاجة الإبصار ويدل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها في المرأة المحرمة ( لا تتلثم ولا تتبرقع ولا تلبس ثوباً بورس أو زعفران ) وما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر كان يقول : لا تتنقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين . فهذا يدل على أن المرأة في غير حالة الإحرام تلبس البرقع والقفازين إذا لم يكن كذلك لم يكن هناك في من نهيها عنها حال الإحرام ويرى بعض علمائنا عدم الإفتاء بجواز لبس البرقع في عصرنا هذا لأنه ذريعة إلى الفساد حيث أصبحت النساء يظهرن مع العينين جزءاً من الوجه مما يجلب الفتنة ولا سيما إن كثيراً منهن تكتحل عند لبسه فمنعه وجيه جداً من باب درء المفسدة والله أعلم .(1) * * *
(1) زينة المرأة لعبدالله الفوزان ص 33
ـــــــــــــــــــ
حكم النقاب
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
753
سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
الاجابة:(5/1385)
قال أبو عبيد في صفة النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العينين وكان اسمه عندهم الوصوصة والبرقع . وأما حكمه فالجواز الأصل في ذلك ما جاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال : *( لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين )* رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه في رواية قال:(سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهي النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب ) رواه أحمد وأبو داود ونهيه صلى الله عليه وسلم المحرمة أن تتنقب يدل على جوازه في غير الإحرام ثم إنه لا يفهم من هذا الحديث أن المحرمة يجوز لها كشف وجهها إذا كان الرجال الأجانب يرونها بل يجب عليها أن تسدل الخمار أو النقاب إلى أن يجاوزوها والأصل في ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حازوناسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه . (1) * * *
(1)مجلة البحوث الإسلامية 24/91
ـــــــــــــــــــ
النقاب ومضاره
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين :
الاجابة:
أقول إن على النساء أن يتقين الله عز وجل وتقوى الله لا تكون إلا بامتثال أوامره واجتناب نهيه والبعد عن الفتنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعظ النساء قال : *( إني رأيتكن أكثر أهل النار)* وأمرهن بالصدقة فالنساء في الحقيقة فتنتهن عظيمة وإذا استقامت النساء فإن المجتمع سوف يكون سليماً من أسباب الفتنة والواجب درء الفتنة بقدر المستطاع . ومن ذلك أن تغطي المرأة وجهها لأن الوجه حقيقة هو محل الفتنة ولا أحد يشك في أن الشيطان يوحي إلى من يغويه بالنظر إلى الوجه ولا أحد تتعلق رغبته بالنسبة للمرأة إلا بوجهها وهذا أمر معلوم والرجل الخاطب إذا خطب امرأة وأرسل من ينظر إليها إذا لم يتمكن من رؤيتها فإنه يسأل عن وجهها إذا كان الوجه مما يعجبه فإن ماسواه يكون هيناً لكن إذا كان لا يعجبه فإن بقية جسمها لا يهتم به . فمحط رغبة النساء ومحل الفتنة هو وجه المرأة وربما يكون أيضاً أشد ما يكون من المراعاة في وجهها العين لأن العين لها أثر كبير في جمال المرأة ولو فرض أن المرأة وجهها من أجمل النساء ولكنها عمياء فلا تتعلق بها الرغبة ولهذا أيضاً تجد أن الناس الذين لهم رغبة في الجمال يسألون عن الأعين ، العين فتنة ونحن إذا أجزنا النقاب للمرأة في وقت كثرت فيهاالفتنن فإن المرأة لن تقتصر على إخراج العين فقط ، سوف تخرج العين لمدة شهر وبعد ذلك تخرج العين والحاجب ثم العين والوجنة ثم العين والأنف ثم العين والفم ثم العين والفم والجبهة وحينئذٍ تنكشف وهذا أمر وإن كان قد لا يكون من النساء المؤمنات لكن عموم النساء قد يحصل منهن ذلك ولهذا نحن لا نفتي بأن تستعمل المرأة النقاب لأنه ذريعة قريبة جداً إلى التبرج والسفور التام . فنصيحتي لأخواتي المؤمنات أن يتقين الله عز وجل(5/1386)
وأن يتجنبن كل ما فيه فتنة وأن يصبرن لأن الدين صبر واحتساب فلتصبر ولتحتسب الأجر من الله وانتظار الثواب من الله سبحانه وتعالى . (1)
(1) دروس وفتاوى الحرم المكي للشيخ العثيمين 3/268
ـــــــــــــــــــ
حجاب المراة المسلمة أمام الكافرة
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
756
سئل سماحة الشيخ ابن باز :
الاجابة:
الصحيح أن المرأة تكشف للمرأة سواء كانت مسلمة أو كافرة ما فوق السرة وتحت الركبة أما ما بين السرة والركبة فهو عورة في حق الجميع لا تراه المرأة من المرأة سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة قريبة أو بعيدة كالعورة للرجل مع الرجل فللمرأة أن ترى من المرأة صدرها ورأسها وساقها ونحو ذلك كالرجل يرى من الرجل صدره وساقه ورأسه وأما قول بعض أهل العلم أن المرأة الكافرة لا تكشف لها المؤمنة فهو قول مرجوح في أصح قولي العلماء لأن اليهوديات كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا الوثنيات يدخلن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجتهن ولم يحفظ أنهن كن يتحجبن منهن وهن اتقى النساء وأفضلهن . (1) * * *
(1) مجلة البحوث الإسلامية 33/113
ـــــــــــــــــــ
حجاب الخادمة
الفتاوي الجامعة للمرأة > كتاب اللباس والزينة > باب الحجاب وكشف الوجه
757
وسئل سماحة الشيخ ابن باز :
الاجابة:
نعم عليها أن تحتجب عن مخدومها وألا تتبرج بالزينة لديه ، ويحرم عليه الخلوة بها لعموم الأدلة ، ولأن في عدم تحجبها وفي تبرجها بالزينة ما يثير الفتنة بها وهكذا خلوته بها من أسباب تزيين الشيطان له الفتنة بها والله المستعان . (2) * * *
(2)كتاب فتاوى الدعوة للشيخ ابن باز ج 2 ، ص 22
ـــــــــــــــــــ
مبيت أخت الزوجة عند زوج أختها ...
عنوان الفتوى
... أحمد نجيب ...
اسم المفتى
... 20761 ...
رقم الفتوى
... 04/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(5/1387)
... ...
نص السؤال
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله.
هل يجوز أن تبيت أخت زوجتي معنا في البيت؟ مع العلم أننا نراعي الأمور الشرعية من ارتداء للحجاب وغض للبصر وبالطبع تبيت في غرفة بمفردها.
هل هناك أمور شرعية أخرى يجب مراعتها أو أمور يجب تجنبها أم أن الأمر أصلا لا يجوز، وإذا كان يجوز فما هي الشروط الواجب توفرها حتى لا يكون هناك حرج شرعي؟
عذرا للإطالة، ولكن قد يترتب على هذا المبيت فوائد دعوية بعون الله فما الحكم وقتئذ؟ وجزاكم الله خيرا
نص الفتوى
الأخ الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
بداية نعتذر إليك عن تأخرنا في الرد على رسالتكم، ونسأل الله أن تصلكم فينفعكم الله بها.
أقول مستعيناً بالله تعالى:
مع ما يبدو لي من صعوبة التزام المرأة المسلمة بالأحكام و الآداب الشرعيّة في حال المبيت أو المكث لأوقاتٍ طويلة خارج بيتها (سواءً كان بيت أبيها الذي تعيش فيه ، أو بيت الزوجيّة) من التزام الحجاب ، و مجانبة الاختلاط ، و ما إلى ذلك ؛ فعلى افتراض تمكّنها من ذلك فلا بأس فيه .
و لا أعلم دليلاً يمنع المرأة من المبيت في بيت محارمها ما لم يكن في ذلك ارتكابٌ لمحرّم أو ذريعة مفضيةٌ إليه فيحرُم لأجله .
و لكن النهي ثابت في حالة ما إذا كانت المرأة عرضةٌ للتعرّي أو التجرّد من ثيابها خارج بيت زوجها ، فقد روى الترمذيّ بإسنادٍ حسّنه ( و هو كما قال ) عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها و بين ربها ) .
و قد علّل المباركفوري شارح سنن الترمذي هذا النهي بقوله : ( لأنها – أي المرأة - مأمورة بالتستر و التحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضا إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به ) .
و الخلاصة أن الأصل فيما ورد السؤال عنه الإباحة ، ما لم يكن فيه محرّمٌ أو يؤدي إلى محرّمٍ ، و الله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
حكم الدراسة الجامعية للمرأة ...
عنوان الفتوى
... أحمد نجيب ...
اسم المفتى(5/1388)
... 20787 ...
رقم الفتوى
... 04/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا طالبة في معهد التعويضات السُنِّية ( صناعة الأسنان ) في جامعة دمشق و مدة الدراسة فيه سنتان ، و قد أنهيتُ العام الأول منهما.
و السؤال هو عن حكم الدراسة في هذا المعهد مع التنويه إلى الأمور التالية :
1 - المعهد مختلط , و خاصة في قسم الدراسة العملية الذي يصل أحياناً إلى 5 – 7 ساعات من العمل و الحركة يومياً و اضطرُّ فيه إلى خلع القفازين .
2 - المواصلات كذلك فيها اختلاط بشكل كبير ومزعج وأقطع يومياً 100 كم لوحدي .
3 - العمل بعد التخرج ليس فيه اختلاط إذ إن المتخرج يعمل في مخبره ، و قد يكون المخبر غرفةً في المنزل ، و قد لا أعمل و أوكل من يعمل في المخبر المفتوح باسمي بناءً على شهادتي .
4 - أنا و لله الحمد ملتزمة بالحجاب الشرعي الكامل مع غطاء الوجه في كل الأوقات و لا أكلِّم أحداً و أحاول قدر المستطاع الالتزام بالحشمة و تجنب الاختلاط مع الشباب .
5 - هذا المعهد مكلف جداً , و قد تم دفع مبالغ كبيرة خلال هذا العام .
6 - أنا ولله الحمد أقوم بنشاط دعوي بين أخواتي الطالبات قدر المستطاع .
و الحال هو أني كرهت هذا المعهد و سئمت ما فيه من الفساد و المضايقات و قررت أن أتركه ، ثم استخرت الله و أخبرت والدي فرفض بشدة ، و غضب غضباً شديداً ، و منعني من ذلك مهدداً إيّاي بالغضب عليّ إلى يوم الدين إن فعلت ، و لا سبيل إلى ذلك بحال من الأحوال ، إذ هو و اثق من ابنته ، ولا يرى في الاختلاط بأساً على الاطلاق ، كما رفض التحويل إلى فرع آخر ، بل هو مصر على هذا الفرع لأن مستقبله جيد .
فهل أنا آثمة إن تابعت الدراسة بعد ما ذكرت من أمور و أهمها موقف والدي ، أم يجب عليّ الصبر حتى أنهي السّنة الدراسيّة الباقية ، و أستعين بالله إن لم يكن ذلك يغضب ربي مع العلم أني استخرت مرتين قبل التسجيل في بداية العام و تيسرت جميع أموري .
و إن كان الجواب أنه يلزمني الترك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فما هو الحل الأنسب ، و الطريقة الأمثل ؟
و ما هو الرد على من يقولون بأننا نعيش في بلد ، الجامعات فيها مختلطة ، فهل تجلس كل البنات في البيت و يتركن الدراسة و الاقتصاد و الوظائف لغير المسلمين ؟
ثم إن الناس اليوم بحاجة إلى رؤية الملتزمين ، و أصحاب الأخلاق في كل الميادين فمن يدعو هؤلاء النساء إلى الله ؟(5/1389)
و هل خروج المرأة إلى هذه الجامعات يعد جهاداً باعتبارها تقاوم الفساد و ترفع من مكانة دينها بثباتها عليه؟
نص الفتوى
إن هذا السؤال ليس مجرّد استفتاء ، و لكنّه عرض لإحدى القضايا التي عمّت بها البلوى و طمّت في عصرنا الحاضر ، و تباينت آراء الناس علماءَ و عامةً أيّما تبايُن في الحُكم عليها ، و التعامل معها .
و قد اختصرت الأخت السائلة علينا طريق الإجابة بوَضعها النقاط على الحروف ، و تحديد مواطن الخلل الباعثةِ على التباس الحكم في قضيّةٍ هامّةٍ عامّةٍ كهذه ، و إليها و إلى من يطّلع عليه من المسلمين الجواب مرتباً في نقاط :
النقطة الأولى : في حكم طلب العلم الدنيوي ، كالمهن التي فيها صلاح الناس في معاشهم ، و تيسير أمور حياتهم ، و منه الطب و الهندسة و الاقتصاد و ما إلى ذلك .
و المعروف من كلام أهل العلم القُدامى و المُعاصرين أنّ تحصيل هذه العلوم يدور بين الإباحة و الاستحباب و فرضِ الكفاية ، أي أنّه إذا قامَ به البعض سقَط الإثم عن الباقين ، و إن لم يقوموا به أثموا جميعاً .
و مثال فرض الكفاية ما يحتاجه المسلمون من آلة الحرب و وسائله ، التي تحمي ديار الإسلام ، و تصون دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم ، و تردّ المعتدين و تدفع الصائلين ، فإذا بلغَ الأمر حدّ الكفاية بقيام من يقدر عليه ، سقط التكليف بطَلبه عن باقي المسلمين .
و يسقط الإثم عن الأمّة إذا حصلت على المطلوب و لو بطريق الشراء أو الإجارة و نحوهما ، إذ إن التاريخ حافلٌ بالأخبار الدالّة على استعمال المسلمين أدوات الحرب المصنّعة بأيدي غير المسلمين كالسيوف الهنديّة ( الشهيرة ) و غيرها .
و فيما يتعلّق بمهنّة الطب و ما يُلحق بها من علوم الصيدلة و التمريض و المخابر ، تتعدّد الأحكام الشرعيّة بحسب حاجة المسلمين إلى هذه العلوم :
فقد تكون دراستها مباحةً كالطب النفسي الذي لا يُعارضُ كتاباً و لا سنّة .
و قد تكونُ فَرضاً على الكفاية على النساء دون الرجال كالاختصاص في مراض النساء و الولادة و ما إلى ذلك ، إذ إنّ في عَدَم وجود الطبيبة المسلمة الثقة في دينها و خُلُقها ، المتمكنة من مهنتها و اختصاصها ، مفاسد كثيرة ، منها اضطرار المسلمات لكشف ما لا يحلّ كشفه من أجسامهنّ أمام غير المسلمين من الأطباء رجالاً و نساءً ، و لا أمام الطبيب المسلم غير المحرَم .
و إذا عُذرت المريضة المسلمة في طلب العلاج على يد هؤلاء بحكم الاضطرار ، فإنّ هذا لا يَعذُُُر القادرات على سدّ هذا الثغر لقعودهنّ عنه من غير عُذر .
و قد تكون مندوبةً يثاب عليها من طلبها احتساباً كفروع عِلمِ الطب الذي لا مفسدة في أن يلتمس المريض فيها علاجاً عند طبيبٍ غير مسلم إذا كان المريض رجلاً ، و طبيبة غير مسلمة للأنثى و أمثلته كثيرةٌ منها طبُّ الأنف و الأذن و الحنجرة و ما إليها .(5/1390)
و عليه فما احتاجه المسلمون من علوم الطب ، لا بأس أن تُقدِم المرأة على دراسته ، إذا صلُحَت فيه النيّة ، بل قد يتعيّن عليها ذلك إذا لم يقم من بنات جِنسِها من يسد الحاجة و يؤدي الواجب الكِفائي .
و إن كان في ذلك بعض المفاسد قوبلت بما يترتّب عليه من المصالح ، و روعي الأرجح ، عملاً بالقاعدة الفقهيّة ( يُتَحمّل الضرر الخاص لدَفع ضرر عام ) ، فإذا اقتَصرت مفسدة الدراسة في الجامعة على خلع القفّازَين ( مع الحفاظ على غطاء الوجه عند من يذهب إلى وُجوبه ) ، و إمكانيّة اجتناب الجلوس في مقاعد مشتركة تجمع الذكور و الإناث جنباً إلى جنب ، و عدم الخلوة بين الجنسين ، بل و ما ذَكرته السائلة من عدم محادثة الطالبات للطلاّب أصلاً أو العكس ، مع قيامها بالدعوة إلى الله تعالى بين الطالبات ؛ فإن المفسدة المترتّبة على دراستها أقلّ بكثير من المفسدة المترتّبة على قصد مئات الآلاف من المسلمات عيادات الأطبّاء غير المحارم ، أو الطبيبات غير المسلمات أو مخابر تصنيع الأسنان و العلاج الفيزيائي ( و منه التدليك ) طلباً للعلاج .
و من دلائل النبوّة الواضحة الجليّة أنه في بَلَد السائلة – رغم ما شاع من صنوف الفتن و فنون الفساد – يحقّ للطالبة في الجامعات الالتزام بالزيّ الشرعيّ كاملاً بما فيه غطاء الوجه و الكفّين ، و قد دَرَستُ و درَّستُ في دمشق و لا تزال في ذاكرتي صور عشرات الفتيات يجلسن في قاعات الدراسة منزويات في الصفوف المتأخّرة بعيداً عن الذكور ، متلفّعاتٍ بالسواد ، لا تُرى منهنّ الوجوه و لا الكفوف ، و أرجو أن يكون الحال على ما كان عليه ، أو خيرٍ منه في يومنا هذا .
و لم يكن هذا في كلّية الشريعة خاصّةً ، بل فيها و في غَيرها ، فقد درَسَتْ إحدى أخوَاتي و تخرّجت في كليّة الطب بجامعة حَلَب ، و لم تُُُضطَرّ قطّ إلى خَلعِ نقابها ، أو الاختلاط المحرّم بغير بنات جنسها خلال ستِّ سنواتٍ كاملةٍ متتاليةٍ ، و هذا من توفيق الله و تثبيته لمن يشاء من عباده .
روى أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسن صحيح ) عَنْ قُرَّةَ المزني رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ » .
فإذا أمكنكِ تحاشي الوقوع في المحظورات الشرعيّة في الدراسة فأطيعي والدك و أتمّي دراستك ، أمّا إن تعذّر عليك الالتزام بالشرع الحنيف ، و لم تكن دراستك متعيّنة عليكِ ( بحسب الاختصاص و الحاجة إليه كما تقدّم ) ، فاعتذري لأبيك بالتي هي أحسن ، و تذرّعي إليه بالأدب و البرّ و الإحسان ، علّ الله يشرح صدرَه ؛ فيدعك و شأنك ، و يأذن لك في تغيير الاختصاص أو الانصراف عن الدراسة إلى ما هو خيرٌ منها .
النقطة الثانية : الاختلاط على صورته المعهودة في عصرنا الحاضر مفسدةٌ بالغة الخطورة على الدين و الخُلُق ، و الكلام عن الاختلاط بشكلٍ عام يحتاج إلى تفصيل :
• فإذا أريد بالاختلاط اجتماع الرجال و النساء في مكان ما ، من غير تعمّد كالحال في الأسواق و الطرقات ، إذ يسعى الجميع في حاجته ذهاباً و جيئةً ، و يبيعون و يشترون ، فلا بأس في هذا ما لم يتلبّس من وَقع فيه بمحرّم خارجٍ عنه ، و ليست هذه(5/1391)
الصورة للاختلاط من الصور المحرّمة في شيء ، بل هو مما تعمّ به البلوى ، و يضطر إليه الناس لمعاشهم في كلّ زمانٍ و مكان .
• و من الصوَر التي لا حَرجَ فيها اجتماع الرجال و النساء في المسجد الواحد لأداء فريضة أو عبادة ، كما هو الحال منذ صدْرِ الإسلام و حتى يومنا هذا ، في المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال و غيرِها ، و قد كانت النساء يشهدن الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه و سلّم في المسجد ، و لم يَنه عن ذلك ، كما لم يأمر بضرب حاجزٍ بين صفوف الرجال و صفوف النساء فقد روى الشيخان و أبو داود و مالك و أحمد ، و اللفظ للبخاري عَنِ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ : كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَ الْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَ قَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَ يَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى ؟ قَالَ ابن عمر : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ » .
غير أنّهن كنّ يُصلّين في صفوفٍ خاصةٍ خلف صفوف الرجال امتثالاً لهديه صلى الله عليه و سلّم ، في قوله : « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا » رواه مسلم و أصحاب السنن و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
• أمّا انفراد الرجل بالمرأة ، بدون محرم ؛ فهو الخلوة المحرّمة ، التي حذّر النبيّ صلّى الله عليه و سلّم منها فيما رواه أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه : ( حسنٌ صحيح ) عَن عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » .
• و من الصور المحرّمة أيضاً اجتماع رجل بامرأة ، و لو كان ذلك في مكانٍ عامٍ إذا ترتّبت عليه ريبةٌٌ أو سوء ظنّ فيه ، ما لم يُزِل اللبس الذي قد يقَع في نفس من رآه ظنّاً أو يقينا ، لما رواه الشيخان و أبو داود و ابن ماجة و أحمد عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَىٍّ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفاً ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِى لِيَقْلِبَنِى - أي ليعيدها إلى البيت - فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : « عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ » . فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَ إِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا سُوءاً » ، أَوْ قَالَ : « شَيْئاً » .
• و يحرم كذلك ما شاع من الاختلاط في هذا الزمان عند الأضرحة و ما يُزعمُ أنّها مقامات أولياء ، و في الاحتفالات و المواسم المبتدَعة كالموالد ، حيث يختلط الرجال بالنساء في هيئات بالغةِ الفساد ، و ظاهرةِ الانحراف ، و هذا أولى بالذمّ ، بل هو مما تبتلى به الأمّة في آخر الزمان لقوله صلّى الله عليه و سلّم : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ) رواه ابن أبي عاصم في ( السنّة ) و الطبراني في ( الصغير ) بإسنادٍ حَسَن ، و ذو الخلصة صنَمٌ بتبالة .
• و معظم ما يقع في الجامعات و المدارس ، فضلاً عمّا في النوادي و المحافل العامّة وحتّى وسائل النقل لغير المضطرّ هو من صور الاختلاط المحرّم ، المفضي إلى(5/1392)
الرذائل و الفواحش ، لذلك نذهب إلى القول بتحريمه ، و نحذّر منه أسوةً بما جرى عليه معظم العلماء العاملين ، الذين عرَفوا حقيقته ، و سبروا غُواره ، و وقفوا على مفاسده ، و سدّاً للذرائع ، و قطعاً لدابر الرذيلة و الفاحشة ، و ما يُفضي إليهما .
النقطة الثالثة : ذَكرت الأخت السائلة أنّها تُضطرُّ للانتقال قرابة المئة كيلو متر يومياً في وسائل النقل العامّة ، و هذا من السفر الذي لا يحلّ للمرأة إلاّ مع ذي محرَم ، فقد روى الشيخان و أصحاب السنن إلا النسائي و أحمد عَنِ عبد الله بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ » .
و روى البخاري و الترمذي و أحمد عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ رضي الله عنه أنّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ » .
و قد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّه يحرم عليها الخروج بغير محرم في كل سفر طويلاً كان أو قصيراً .
و أباح الحنفيّة لها الخروج إلى ما دون مسافة القصر بغير محرم .
و على كلا القولين فإنّه يحرم على المرأة أن تسافر أكثر من اثنين و ثمانين كيلو متراً ( عند من يرى التحديد بالمسافة ) و أن تشرع فيما يعتبر سفراً في عُرف الناس عادةً ( باعتبار العادةِ محكّمةً كما في القاعدة الفقهيّة ) .
و من فرّقَ من المعاصرين بين سَفَرٍ و سفر ، و ذهبَ إلى عدم اشتراط المحرَم في السفر بوسائل النقل المعاصرة لما يكتنفُها من الأمان ، محجوج بعموم الدليل الوارد في التحريم ، و لا حجّة في قول أحدٍ ما لم يُقِم عليه دليلاً من الكتاب أو السنّة .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى عِلمٍ يُخالف في أن الله فرض اتباع أمر رسول الله r و التسليم لحكمه ، و أن الله عزّ و جل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه ، و أنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله r ، و أنّ ما سواهما تبع لهما ، و أن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله r واحد ) [ الأم : 7 / 273 ] .
النقطة الرابعة : دأبَ بعض الناس في هذا الزمان ، و خاصّة المختصّين في العلوم الصحيّة كالصيادلة و الممرّضين و فنّيي المخابر ، و بعض الفروع النظريّة كالقانون على تأجير شهاداتهم إلى من يستثمرها ، و يؤدّي إليهم مبلغاً مقطوعاً أو نسبةً من دَخله لقاءَ ذلك ، و من أمثلة ذلك أنْ يقوم الصيدلي بعد تخرّجه باستخراج ترخيص لافتتاح صيدليّةٍ خاصّة و العمل فيها ، أو المخبَريّ باستخراج ترخيص لتأسيس مخبرٍ للتحاليل الطبّيّة ، فإذا تمّ له الأمر اعتزل المهنة و خوّل شخصاً غيرَ مختصٍ بالعمل في صيدليّته أو مخبره ، و كأنّ الأمر لا يعدو أن يكون استثماراً ، و إن كان فيه توسيد أمرٍ إلى غير أهله .
روى البخاري في صحيحه و أبو داود في سننه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ أعرابياً سأل النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » .(5/1393)
و في تأجير الشهادة إلى غير الأكفاء من تضييع الأمانة ، و التفريط في أدائها ما لا يخفى ، و هو مخالفٌ لقوله تعالى : ( و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون ) [ المعارج : 32 ] ، و قوله عليه الصلاة و السلام : « الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ » الذي رواه البخاري معلّقاً و أبو داود عن أبي هريرة و الترمذي عن عَوْفٍ الْمُزَنِىُّ ، و قال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
كما تترتّب على تأجير الشهادات مفاسدُ كثيرةٌ قد تؤدّي إلى الإضرار بالمريض ، و تعريض النفوس للخَطَر .
و مع أنّ الشرع لم يشترِط – من حيث المبدأ – الحصول على شهادةٍ ما لممارسة مهنة مباحةٍ أصلاً ، لا يمكننا تبرير التجاوزات في هذا المجال الخطير بعد أن وَقَفنا على حالاتٍ كثيرةٍ من الإفساد الذي تسببت فيه ، بل نذهَب إلى تحريمه لما تقدّم من أدلّة ، و سدّاً للذرائع ، و بالله التوفيق .
و بالجملة فإنّ دراسة الفتاة المسلمة في الجامعات المعاصرة محفوفةٌ بالخَطَر ، و القول بمشروعيّتها يختلف من حال إلى حال ، فإذا كانت الحاجة إلى الاختصاص الدراسي الذي أقدَمَت عليه الفتاة ماسّة ، و لا يوجد في بنات جنسها من المسلمات من تُسدّ بوجودهن الحاجة ، و تسقط فرضيّة الكفاية ، و غلبَ على ظنّها عدم وجود محظورات شرعيّة في دراستها ، أو إمكانيّة التغلّب على ما وُجد منها ، جاز لها ذلك ، و قد تكون أهلاً للثواب بمقدار مجاهدتها لنفسها ، و إشاعتها الخير و الدعوة إلى الله في محيطها ، إن أقدَمت على ذلك احتساباً ، و إلا فلا .
و الله الموفّق ، و صلى الله و سلّم على نبيّه محمّد و آله و صحبه أجمعين ، و الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات .
ـــــــــــــــــــ
السترة بين الرجل والمرأة في الصلاة ...
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 13329 ...
رقم الفتوى
... 17/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل تجوز السترة بين الرجال والنساء في صلاة رمضان وغيرها؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا بأس بوضع سترة من القماش ونحوه بين الرجال والنساء في صلاة رمضان وغيرها من الصلوات فريضة كانت أو نافلة ولوصلين صفوفا خلف صفوف الرجال بلا سترة فذلك جائز وعليهن الحجاب في هذه الحالة وهو الذى كان عليه العمل في(5/1394)
عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم والأمر في ذلك واسع والحمد لله .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن قعود
عضو: عبدالله بن غديان
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
ـــــــــــــــــــ
حكم صلاة المرأة بدون حجاب ...
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 14847 ...
رقم الفتوى
... 20/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السؤال رقم (8708)
منذ فترة كنت أصلي بدون حجاب، لأنني كنت لا أعلم بوجوب الحجاب في الصلاة فهل تجب إعادة تلك الصلاة مع أنها كانت فترة طويلة (6سنوات) تقريباً أو أكثر من النوافل والسنن؟
نص الفتوى
الحمد لله
إذا كان الواقع ما ذكر من جهلك بما يجب ستره في الصلاة فلا إعادة عليك لصلاة المدة الماضية، وعليك التوبة إلى الله من ذلك، ويشرع لك الإكثار من الأعمال الصالحة، لقول الله تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} وما جاء في معناها من الآيات، مع العلم بأن الوجه يشرع للمرأة كشفه في الصلاة إذا لم يكن لديها من يجب التحجب عنه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن قعود
نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
ـــــــــــــــــــ
حكم لبس المرأة السروال في الصلاة ...(5/1395)
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 14850 ...
رقم الفتوى
... 20/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السؤال رقم (12259)
هل يوجد حكم شرعي يدل على نزع السروال وهذا بالنسبة للمرأة في الصلاة. علماً أنها تلبس الحجاب وأن السروال طاهر؟ وإن كان هذا من الشرع فما السر في ذلك؟.
نص الفتوى
الحمد لله
ليس هناك دليل شرعي على مطالبة المرأة وغيرها بنزع السروال عند الصلاة إذا كان طاهراً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن غديان
نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
ـــــــــــــــــــ
المدارس الأجنبية ...
عنوان الفتوى
... جعفر الطحلاوي ...
اسم المفتى
... 20932 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ألحقت بناتي بمدرسة أجنبية من المدارس المنتشرة في ديار المسلمين ووجدت بعض أقاربي ينكرون علي ذلك فما الخطورة علي أبناء المسلمين وبناتهم في التحاقهم بهذه المدارس والمعاهد في بلادنا العربية وغيرها
نص الفتوى(5/1396)
إنهم يدسون السم في العسل ويعملون جاهدين على تنشئة جيل من أبناء المسلمين تحت أعينهم يكون أداتهم الطيعة لتنفيذ مخططاتهم التي استحال عليهم القيام بها بأنفسهم ولسوف أستشهد هنا بما خرج من أفواه القوم، تقول إحدى الصليبيات (آنا مليجان) فيما أورده صاحب كتاب في مسألة السفور والحجاب قالت [ليس هناك طرق لهدم الإسلام أقصر مسافة من تعليم بنات المسلمين في مدارس التبشير الخاصة إن القضاء على الإسلام يبدأ من هذه المدارس التي أنشئت خصيصا لهذه الغاية. والتي تستهدف صياغة المرأة المسلمة علي النمط الغربي الذي تختفي فيه كلمة الحرام والحياء والفضيلة.. ليس هناك طريق لهدم الإسلام أقصر مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة] من صفحات4:26 من الكتاب المذكور. هذا وتسلسل الانحلال في المجتمع أوله فساد المرأة وطغيانها بتجاوزها لحدود الله وتركها لهدى الله تبارك وتعالى جاء في كتاب (نظرات في إصلاح النفس والمجتمع) يجب أن نعلم أن قضية المرأة في المجتمع في عصرنا هي أهم ما يدور عليه صلاح المجتمع وفساده، وإذا نظرنا إلى الأحاديث التي تشير إلى هذا المعنى، وإلى تسلسل الانحلال الذي أوله فساد المرأة نجد أن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال: (كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبانكم وتركتم جهادكم؟ قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله؟! قال:نعم، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا وما أشد منه يا رسول الله ؟ قال كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه؟ قال كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون يقول الله تعالى في حديثه القدسي فيما معناه: بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيراناً - رواه أبو يعلى. سلسلة متصلة الحلقات تطغى المرأة فيتبعها فجور الشباب، ويغفل كل عن واجبه ويصير من الغريب أن تخرج المرأة محتشمة متسترة، ويترتب على ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يتدرج الأمر إلى أن يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا، ثم تكون الفتنة التي تجعل الحليم في الأمة حيرانا ولا يدري ماذا يصنع؟ صفحة 71 - وفي المقابل لا تجد أبدا السفارات الأجنبية وكذا الجاليات الأجنبية في البلاد العربية والإسلامية تقبل أن تلحق أولادها من ذكور وإناث في المدارس الإسلامية الحكومية منها ولا المدارس الخاصة، وإنما تقوم بإنشاء وافتتاح مدارس خاصة ومراكز ومعاهد ودورات تربي فيها أولادها لينشأوا على تقاليدهم وأعرافهم ومللهم ومعتقداهم. والطغيان - كما في الحديث طغى نساؤكم - هو تجاوز الحد في الظلم والغلو فيه. وذلك أن الظلم منه صغيرة ومنه كبيرة فمن تجاوز منزلة الصغيرة فقد طغى، ومنه قوله تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى" (العلق: 6) أي يتجاوز الحد في الخروج عن الحق وظلم المرأة يتمثل في تبرجها وسفورها وخروجها علي أمر الله وكتابه وهدي نبيه(صلى الله عليه وسلم) وقد تنبأ (صلى الله عليه وسلم) بطغيان النساء ومجاوزتهن الحد في العصيان والمعاونة على العصيان والفساد والإفساد وقد أدرك الغرب الكافر هذا فسعى بكل(5/1397)
جهده لإفساد المرأة بشتى الوسائل والسبل المنظم منه والعابر ومن الإفساد المنظم إنشاء المدارس في ديار المسلمين لتعليم بنات المسلمين فنون الفجور وأنماط الفساد بحجة التعليم ودعوى الاهتمام باللغة الأجنبية والتركيز عليها فتألف البنت الجلوس إلى الولد وتخلع جلباب الحياء ورداء الفضيلة منذ نعومة أظفارها ومن شب على شيء شاب عليه وتتعدد مضار وأخطار الاختلاط وتعود البنت لرؤية المعلمة متبرجة وسافرة فتحاكيها وتترسم خطاها في حياتها وحرصا من هذه المدارس التنصيرية على قيامها بمنهجها المرسوم وخطها تعمل على الاكتفاء الذاتي ولا سيما في مجال المعلمين والمعلمات. وهذه المدارس والمعاهد تتخذ من مواقعها معابد تقيم فيها طقوس عباداتها الباطلة وهي بذلك تمثل بؤر فساد وفيروسات تأتي على بنيان المجتمع الإسلامي من الداخل إذ المرأة وعاء الحياة وهي وسيلة الإنتاج البشري وهي المؤثر الأول والأساسي في حياة الرجل، إذ إنها الأم والأخت والزوجة والابنة فلا شك أن صلاح المرأة يتبعه صلاح أسرتها وبالتالي مجتمعها كما يتبع فسادها وانحلالها فساد الأسرة ودمار المجتمع. من هذا كله يتضح لنا خطورة إلحاق أولادنا بهذه المدارس
ـــــــــــــــــــ
الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة ...
عنوان الفتوى
... حسام الدين عفانة ...
اسم المفتى
... 20948 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أود أن أعرف الوصف الدقيق للباس المرأة المسلمة؟ وهل أغطية الرأس التي ترتديها النساء في الوقت الحاضر شرعية و هل يجب أن نغطي وجوهنا؟
الرجاء التفصيل قدر الامكان؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
يقول الله سبحانه وتعالى :( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) . وقال أيضاً :( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) . إن ستر المرأة لجميع بدنها إلا ما استثني واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى على المرأة المسلمة وبينت نصوص الكتاب والسنة شروط هذا اللباس وهي :(5/1398)
أولاً : أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على قول جمهور أهل العلم لما جاء في حديث عائشة عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها : يا أسماء إن المرأة إن إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا ، وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ) رواه أبو داود والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ ناصر الدين الألباني . فينبغبي للمرأة المسلمة أن تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ويدخل في ذلك القدمان ويلاحظ أن بعض النساء يتساهلن في ستر أقدامهن وهذا مخالف لشرع الله .
ثانياً : أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق لأن الضيق يصف جسم المرأة وهذا يتنافى مع المقصود من الحجاب ولا يتحقق ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع . ثالثاً : أن يكون صفيقاً غير شفاف أي ثخيناً سميكاً فلا يشف عما تحته وقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام :( سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عاريات على رؤوسهن كأسمنة البخت العنوهن فإنهن ملعونات ) رواه الطبراني بسندٍ صحيح كما قال الشيخ الألباني .
رابعاً : أن لايكون زينةٍ في نفسه فلا يجوز للمرأة أن تلبس ما يبهر العيون من الملابس التي عليها نقوشٌ وزخارف مذهبة ونحو ذلك لأن هذه الملابس زينة في نفسها وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها قال تعالى :( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ..) ونهى الله سبحانه وتعالى عن التبرج في قوله تعالى :( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) .
خامساً : أن لا يكون معطراً مطيباً فلا يحل للمرأة أن تستعمل الطيب والعطور إذا خرجت من بيتها لقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما إمرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح . سادساً : أن لا يشبه لباس الرجل ، إن المرأة بطبيعتها وتكوينها الجسدي تختلف عن الرجل فلها لباسها وللرجل لباسه فلذلك لا يحل للمرأة أن تتشبه بالرجل وكذلك لا يحل للرجل أن يتشبه بالمرأة فقد جاء في الحديث ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ) رواه ابن داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي . وجاء في الحديث عن ابن عباس قال ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) رواه البخاري .
سابعاً : أن لا يشبه لباس غير المسلمات لأن الإسلام نهى عن التشبه بغيرهم في أمور كثيرة وللمسلمين شخصيتهم وهيئتهم الخاصة بهم فعليهم أن يخالفوا غيرهم في ذلك ( فعن عبد الله بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها ) رواه مسلم .
ثامناً : أن لا يكون لباس شهرة وهو كل ثوب قصد به الإشتهار يبن الناس كأن يكون نفيساً جداً ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألسبه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً ) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديثٌ حسن . هذه شورط لباس المرأة المسلمة وينبغي للمرأة المسلمة أن تحقق هذه(5/1399)
الشروط في لباسها حتى يكون شرعياً وقبل أن أختم حديثي أود التنبيه على بعض الأمور ، منها : - أن ما تلبسه النساء على شكل تنورة وبلوزة ليس شرعياً لأن مقتضى ذلك اللباس أن يصف المرأة ويكون ضيقاً في الغالب فلا يجوز لبسه . - ومنها وضع بعض النساء على رؤوسهن فوق غطاء الرأس ما يشبه العقال الذي يلبسه الرجال ويكون مزيناً ومزخرفاً فهذا مما لا يجوز لبسه لأن فيه تشبهاً واضحاً بالرجال . - ومنها أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تستعمل أدوات الزينة ومساحيق التجميل والعطور عند خروجها من بيتها . - ومنها أن بعض النساء تلبس معطفاً وتحته بنطال وتزعم أن ذلك يغني عن الجلباب فهذا ليس بصحيح ولا يجوز لها الخروج على تلك الهيئة . - ومنها أنه لا يشترط في لباس المرأة المسلمة لونٌ معين فيجوز أن يكون بأي لونٍ إلا أن عليها تجنب الألون اللافتة للأنظار . وأخيراً فإنه يجب أن التنبيه على أن المرأة المسلمة ملزمة بلباسها الشرعي كلما خرجت من بيتها وليس فقط عندما تذهب إلى الصلاة كما تفعل بعض النساء عندما يذهبن إلى الصلاة في المساجد فيحملن ملابس الصلاة بأيديهن فإذا وصلنَّ إلى المسجد ارتديناها فإذا قضيت الصلاة خلعنها فهذا حرام شرعاً واستهزاء بدين الله هو كبيرة من الكبائر لأن الله سبحانه وتعالى فرض على المرأة اللباس الشرعي دائماً وباستمرار . ملحوظة : أنصح كل امرأةٍ أن تقرأ كتاب حجاب المرأة المسلمة للشيخ ناصر الدين الألباني أو جلباب المرأة المسلمة كما في طبعته الجديدة . ففيه خيرٌ عظيم وقد استفدت منه كثيراً .
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 16075 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
وردت إلينا أسئلة عديدة عن حكم انتخاب المرأة لعضوية مجلس النواب أو الشيوخ فى الشريعة الإسلامية .
إذا قامت ضجة من جانب بعض النساء للمطالبة بتعديل قانون الانتخاب الذى حرمت نصوصه انتخابهن بحيث يكون لهن الحق فى الانتخابات .
نص الفتوى
الحمد لله
بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله .(5/1400)
عنى الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل فى بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم .
وفى حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين، فرفع شأنها وكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة، ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيؤها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأما مربية وربة منزل مدبرة، وكانت دعامة قوية فى بناء الأسرة والمجتمع - وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان فحرم على الرجل الأجنبى الخلوة بها والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال فى مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم وأعفاها فى الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثم من يوليها بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها .
كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة عنها والافتتان بها حذرا من أن يحيق المجتمع ما يفضى إلى انحلاله وانهيار بنائه والله أعلم بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع وبما للنفوس من ميول ونوازع والناس يعلمون والحوادث تصدق .
ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر الله تعالى نساء نبيه ت صلى الله عليه وسلم بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمة واحتراما، وأن النبى صلى الله عليه وسلم - لم تمس يده ( وهو المعصوم ) أيدى النساء اللاتى بايعنه، وأن المرأة لم تول ولاية من الولايات الإسلامية فى عهده ولا فى عهد الخلفاء الراشدين ولا فى عهود من بعدهم من الملوك والأمراء ولا حضرت مجالس تشاوره - صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من المهاجرين والأنصار .
ذلك شأن المرأة فى الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار، وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان فتزاحم فى الانتخابات والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفاع، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثما وأعظم خطرا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها .
واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركة زوجها وأطفالها وبيتها وديعة فى يد من لا يرحم إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام .
بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء . اللهم إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء، ولا حسبان فى ميزان الحق لهؤلاء - على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه من عمل فهو مقطع الحق وفصل الخطاب، ولا خفاء فى أن دخول المرأة فى معمعة الانتخابات والنيابة غير جائز لما بيناه .(5/1401)
وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة من النواحى الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة فى حدود طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار الانتخاب والنيابة، وأن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة فى الأزياء والمظاهر والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة .
ولهن منا جميعا إذا فعلن ذلك خالص الشكر وعظيم الإجلال .
ذلك خير لهن والله يوفقهن لما فيه الخير والصلاح .
ـــــــــــــــــــ
عورة المرأة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 16110 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
بكتاب المركز الإسلامى - كولونيا - ألمانيا الاتحادية المحرر فى 8 رجب 1401 هجرية 12 مايو 1981 م المقيد برقم 189 سنة 1981 وقد جاء به المفهوم لدينا أن زوج الأخت ليس من المحارم الذين ذكرهم الله فى سورة النور، وقد أجازت سورة النور فى القرآن الكريم أن تضع المرأة حجابها أمام عبدها، كما أجازت وضع الحجاب عند تحرير العبد أو مكاتبته .
فهل يجوز - بالنسبة لزوج الأخت .
أن تظهر عليه أخت زوجته دون حجاب، طالما أن أختها زوجته على قيد الحياة بحكم حرمتها عليه .
ثم تتحجب أمامه عند موت أختها، باعتبار أنها أصبحت حلا له .
نص الفتوى
الحمد لله
قال الله سبحانه { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } النور 31 ، فى هذه الآية الكريمة بيان ما يجوز للمرأة إبداؤه من زينتها وما لا يجوز ومن(5/1402)
يحل لها أن تبدى بعض الزينة أمامهم من الرجال، ولقد جاءت كلمة (ولا يبدين زينتهن) مرتين فى هذه الآية الأولى بقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } وقد اختلف العلماء فى تحديد المقصود بكلمة (ما ظهر منها) وقدره، هل يكون معناه ما ظهر بحكم الضرورة من غير قصد، أو يكون ما جرت العادة بإطهاره وكان الأصل فقيه الظهور ، وقد أثر واشتهر عن أكثر السلف من فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين .
الرأى الثانى، فلقد اشتهر عن ابن عباس وعن أنس أنهما قالا فى تفسير (ما ظهر منها) الكحل والخاتم .
وإباحة إبراز هذين يلزم منها إظهار موضعيهما، وهما الوجه والكفان .
وهذا ما أميل للأخذ به، لأن إظهار ( بهذا قال المفسرون الطبرى والقرطبى والزمخشرى والرازى والشوكانى فى فتح القدير وغيرهم فى تفسير هذه الآية ) الوجه والكفين ضرورة للتعامل وقضاء المصالح، ولأن فى سترهما حرجا للمرأة التى قد تخرج لكسب قوتها أو تعول أولادها كما أشار إلى هذا الفخر( ص 205 و 206 ج - 23 ) الرازى فى تفسيره .
وقوله سبحانه فى الآية للمرة الثانية { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } هذا القول حث للنساء ونهى للمؤمنات عن كشف الزينة الخفية من أجسادهن، كزينة الأذن والشعر والعنق والصدر والساق أمام الأجنبى من الرجال، حيث رخص الله لها فى إبداء الوجه والكفين فقط، كما فى افتتاح الآية (إلا ما ظهر منها) .
وقد استثنت الآية من حظر إبداء الخفية اثنى عشر صنفا من الناس هم : 1 - بعولتهن أى أزواجهن، فللزوج أن يرى من زوجته ما يشاء وكذلك المرأة .
وفى الحديث ( أخرجه الامام أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقى - البيان والتعريف بأسباب وردود الحديث ج - 1 ص 99 ) (احفظ عورتك إلا من زوجتك) .
2 - آباؤهن ويدخل فيهم الأجداد لأب أو لأم، والأعمام والأخوال، إذ الصنفان الخيران بمنزلة الآباء عرفا وفى الحديث ( رواه مسلم ) (عم الرجل صنو أبيه) .
3 - آباء أزواجهن فقد صار لهم حكم الآباء بالنسبة لهن، حيث وقع التحريم بقوله تعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } النساء 23 .
4 - أبناؤهن ومثلهم فروع هؤلاء الأبناء وذريتهم ذكروا وإناثا .
5 - أبناء أزواجهن لضرورة الاختلاط الحاصل فى العشرة والمنزل ولأنها صارت بمثابة الأم فهى محرمة على هؤلاء الأبناء بقوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } النساء 22 .
6 - إخوانهن سواء أكانوا أشقاء أو من الأب أو من الأم .
7 - بنو إخوانهن للتحريم الواقع مؤبدا بين الرجل وعمته .
8 - بنو أخواتهن لأن حرمة الخالة على الرجل أبدية أيضا بنص آية التحريم فى القرآن .(5/1403)
9 - نساؤهن أى النساء المتصلات بهن نسبا أو دينات، أما المرأة غير المسلمة فلا يجوز لها أن ترى من زينة المرأة المسلمية ما خفى، بل يجوز أن ترى ما أبيح للرجل الأجنبى رؤيته على أصح الأقوال .
10 - ما ملكت أيمانهن أى عبيدهن وجواريهن، لأن الإسلام ضم هؤلاء إلى الأسرة فصاروا كأعضائها ن وقد خص بعض الأئمة هذا بالإناث دون الذكور من المملوكين ( تفسير القرطبى ج - 12 ص 233 و 234 و 237 وفيه تفصيل ) .
11 - التابعون غير أولى الإربة من الرجال وهم الأتباع والأجراء الذين لا شهوة لهم فى النساء لسبب بدنى أو عقلى، فلابد من توافر هذين الوصفين، التبعية للبيت الذى يدخلون على نسائه ، وفقدان الشهوة الجنسية، وكما قال القرطبى من لا فهم له ولا همة بنتبه بها إلى النساء .
12 - الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء وهم الصغار الذين لم تثر فى أنفسهم الشهوة الجنسية، فإذا ما لوحظ ظهورها عليهم حرم على المرأة إبداء زينتها الخفية أمامهم وإن كانوا دون البلوغ .
لما كان ذلك كان كل ما لا يجوز للمرأة إبداؤه من جسدها عورة يجب سترها ويحرم كشفها .
وكانت عورتها بالنسبة للرجال الأجانب عنها وغير المسلمات من النساء على الأصح جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وكانت عورتها بالنسبة للأصناف الاثنى عشر المذكورين فى آية سورة النور ( الآية 31 ) تتحدد فيما عدا مواضع الزينة الباطنة من مثال الأذن والعنق والشعر والصدر والذراعين والساقين التى أبيح إبداؤها لهؤلاء الأصناف، أما ما وراء ذلك مثل الظهر والبطن والفخذين وما بينهما وما وراءهما فلا يجوز إبداؤه لامرأة أو لرجل إلا للزوج .
كما يدل على هذا حديث ( سبق تخريجه وانظر البيان والتعريف بأسباب ورود الحديث الشريف ابن حمزة الدمشقى ج - 1 ص 99 ) بهز بن حكيم عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قيل إذا كان القوم بعضهم فى بعض قال إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها .
قيل إذا كان أحدنا خاليا قال الله أحق أن يستحيا منه من الناس .
هذا وقد قال القرطبى ( ج - 12 ص 232 ) لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنى بذوى المحارم وسوى بينهم فى إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما فى نفوس البشر، فلا مرية ان كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ابن زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لابن الزوج .
وفى موضع آخر ( المرجع السابق ص 237 ) قال والله تعالى قد حرم المراة على الإطلاق لنظر أو لذة، ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين، ثم استثنى الزينة لاثنى عشر شخصا، العبد منهم، وقدط تأول بعضهم الآية فى شأن الأصناف الأخيرة فقال إن التقدير أو ما ملكت أيمانهن من غير أولى الإربة أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال .(5/1404)
وإذ كان ذلك وكان زوج الخت لم يرد ذمن هذه الأصناف الاثنى عشر - كان أجنبيا من أخت زوجته، لا يحل له كما لا يحل لها أن تبدى أمامه إلا الزينة الظاهرة التى هى الوجه والكفان .
ويبين هذا ويؤكده أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من خلوة المرأة بأحمائها فقال (إياكم والدخول على النساء فقال رجل ومن الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو - الموت) ( متفق عليه ) قال النووى ( فتح البارى بشرح البخارى ج - 9 ص 271 و 272 فى باب النكاح ) الحمو أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، لأنهم محارم وإنما المراد غير المحارم كابن العم، لأنه يحل لها تزوجه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه، ليخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبى .
فهذا الحديث الشريف يحذر - سدا للذرائع - من الدخول على النساء والخلوة بهن، إلا فى الحدود التى أباحها الله سبحانه وبينها فى القرآن الكريم ( من الآيات 22 و 23 من سورة النساء ) وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا فرق بين دخول الأخ على زوجة أخيه، وبين دخول الرجل على أخت زوجته، فهو أجنبى عنها فى كلا الحالين، والمحرم على زوج الأخت هو الجمع بين المرأة وأختها قال تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } النساء 23 ، فالتحريم للجمع لا لأصل الزواج، بدليل أنها تحل له إذا ما فارق زوجته بموت أو طلاق .
هذا ولا قياس فى الحل والتحريم، لأن الحكم فيه من الله لا سيما بعد أن دلت الآية الكريمة فى سورة النور وآيات المحرمات فى سورة النساء على أن الرجل أجنبى من أخت زوجته، بمعنى أنه غير محرم لها، وأن التحريم إنما فى الجمع بينها وبين أختها (زوجته) .
واتقاء الشبهات لون من التربية الإسلامية التى جاءنا بها رسول الإسلام، حيث قرر هذا المبدأ فى قوله عليه الصلاة والسلام ( رواه الشيخان عن النعمان بن بشير، وهذا اللفظ من رواية الترمذى ) الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور متشابهات لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هى أم من الحرام فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سمل، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أن من يرعى حول الحمى ( الحمى مكان محدود يحجزه السطان لترعى فيه ماشيته وحدها ويمنع غيرها من دخوله ) ، أوشك أن يواقعه إلا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارمه .
وبهذا البيان المستمد من نصوص القرآن والسنة، لا يحل للرجل أن يطلع من أخت زوجته على أكثر من الوجه والكفين، كما يحرم عليها تمكينه مما وراء هذا من جسدها كما ترحم عليهما الخلوة، ولا قياس فى هذا الموضع، إذ لا قياس ثمت فى الحلال والحرام .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــ
صلاة غير المحجبة ...
عنوان الفتوى(5/1405)
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19138 ...
رقم الفتوى
... 05/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : أنا غير محجبة ولكن أصوم رمضان 0 فهل يقبل الله صلاتى وصيامى ؟
نص الفتوى
أجاب : العبادة إذا صحت يرجى أن يقبلها الله إذا كانت خالصة لوجهه ، ولا ينبغى أن نجزم بالقبول ، فالأمر مفوض إلى الله سبحانه وهو القائل "إنما يتقبل الله من المتقين " والراجح أن المراد بالمتقين هنا المؤمنون لا المشركون ، لأنها وردت فى قصة هابيل وقابيل ، أما المتقون من المؤمنين فهم الذين لا يعصون الله ، وإن عصوه بادروا بالتوبة ، وهؤلاء أعمالهم الصالحة مقبولة كما أخبر الله ، وذلك من باب التفضل منه ، وليس من باب الوجوب عليه وهم فى الدرجة العليا من القبول .
أما المؤمنون الذين يعصون الله فإن أعمالهم الصالحة لا يحرمهم الله من قبولها ، كما قال سبحانه { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} الكهف : 30 ، إلى جانب أن يعاقبهم الله على سيئاتهم كما قال سبحانه { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } الزلزلة : 7 ، 8 .
فالتى تصلى وتصوم صوما صحيحا خالصا لوجه الله يرجى قبول عملها ، ومع ذلك تعاقب على خلع الحجاب لأنه معصية ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود :
114 ، فهو أعلم بحجم المعصية وهل يمكن لثواب الطاعة أن يذهب عقابها ، ذلك أمر موكول إليه سبحانه .
والمؤمن لا ينبغى أن يركن إلى العفو ويؤمل المغفرة ، وينزع من قلبه الخشية والخوف من الله حتى لا يتمادى فى العصيان . بل الواجب عليه إذا فعل معصية أن يبادر بالاستغفار والتوبة حتى يغفر الله له . قال تعالى { وإنى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} طه : 82 ، وفى الحديث الذى رواه الترمذى " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .
وأنبه إلى أن المتمردة على الحجاب غير خائفة من الله ، لا تبالى بأمره ولا تخشى عقابه ، فهل إذا صلت أو صامت تكون خائفة من عقاب الله إذا لم تصل ولم تصم ؟ لو كانت صلاتها أو صيامها مع هذا الخوف اللازم للقبولا لكان لهذا الخوف أثره على سلوكها فالتزمت الحجاب ، فتمردها على الحجاب أمارة على أنها كانت تصلى وتصوم بدون خوف من الله ، وبالتالى لا يقبل الله منها صلاتها ولا صيامها . قال تعالى { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } العنكبوت : 45 ، وفى المأثور: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا .(5/1406)
روى من حديث الحسن مرسلا بإسناد صحيح . ورواه الطبرانى وأسنده ابن مردويه فى تفسيره بإسناد لين ، والطبرانى من قول ابن مسعود : من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد من الله إلا بعدا وإسناده صحيح " العراقى على الإحياء ج 1 ص 134 " وفى الحديث الصحيح أن امرأة ذكرت عند الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة صيامها وصلاتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها فأخبر أنها لا خير فيها وأنها فى النار .
فالخلاصة أن علامة قبول الطاعة استقامة السلوك ، مع العلم بأن قبول العبادة شىء وصحتها شىء آخر، فقد تكون الصلاة صحيحة بأركانها وشروطها ولكنها غير مقبولة عند الله ولا يحكم عليها بأنها باطلة فليس هناك ربط بين الصحة والقبول . وقد جاء فى الحديث " إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها أو خمسها أو ربعها أو ثلثها أو نصفها " رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه .
ومع كل ما تقدم لا ننسى قوله الله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء : 48 ، لكن لا ينبغى أن نرتكن على المشيئة فربما لا يشاء الله المغفرة للإنسان ، كما لا ينبغى الارتكان على قوله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ، إن الله غفور رحيم } التوبة : 102 ، بل ينبغى أن نبادر بالتوبة من المعصية رجاء أن يختم الله لنا بالخير .
ـــــــــــــــــــ
ما حكم الإسلام فى عمل المرأة؟ ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19536 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما حكم الإسلام فى عمل المرأة ؟ .
نص الفتوى
أجاب : هذا الموضوع طويل وضحته فى كتبى : الأسرة تحت رعاية الإسلام ، الإسلام دين العمل ، الحجاب وعمل المرأة .
ويكفى أن أقول : إن العمل حق لكل إنسان رجلا كان أو امرأة ، بل هو واجب لأنه وسيلة العيش وبقاء الحياء ، وتحقيق الخلافة فى الأرض ، ومجالاته كثيرة ، فى الحقل والمصنع والمتجر والبيت ، فى البر والبحر والجو ، قال تعالى { هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه } الملك :15 ولكل من(5/1407)
الرجل والمرأة أن يعمل فى المجال الذى يناسب استعداده ، والعمل يستقيم دائما إذا وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب ، واللَّه سبحانه جعل لكل من الرجل والمرأة مواهب واستعدادات وطاقات تتناسب مع المهمة التى توكل إليه ، والطرفان شريكان فى جمعية تعاونية ، لا يمكن أن يستغنى أحدهما عن الآخر .
والجزاء هو على قدر العمل المشروع أيَّاً كان حجمه ، قال تعالى { فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } آل عمران 195 ، وقال تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } النحل : 97 ، .
ورسالة المرأة فى البيت لا تقل أهمية عن رسالة الرجل خارجه ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت يزيد بن السكن وافدة النساء ما معناه " حسن تبعل المرأة لزوجها وقيامها بواجبها نحوه يعدل ما يقوم به الرجل من جهاد وغيره " كما رواه البزار والطبرانى ، والشاعر المصرى يقول :
فى بيتهن شؤونهن كثيرة * كشؤون رب السيف والمزراق ومع ذلك فللمرأة أن تزاول عملا خارج البيت ، وبخاصة إذا احتاجت إليه ، أو كان العمل محتاجا إليها ، بل يكون ذلك واجبا عليها لاحقًّا لها ، وقد قرر العلماء : أن خروجها للعمل مرهون بعدم التقصير فى الواجب الأساسى وهو المنزل الذى يوفر السكن والمودة ويربى النشء ويعده لاستمرار الحياة الاجتماعية والإنسانية ، وذلك مرهون بإذن الزوج لها ، فهو المشرف المسئول عنها فى النفقة والحماية ، كما يجب عليها أن تحافظ على كل الآداب الخاصة بالعلاقة بين الجنسين ، حتى لا يكون هناك انحراف يتنافى تماما مع المقصود من مزاولة النشاط خارج البيت ، وتفصيل هذه الآداب يرجع إليه فى الكتب السابقة .
والتقصير فيها هو الذى أثار الجدل والنقاش حول عودة المرأة العاملة إلى بيتها ، فلابد من الموازنة بين الكسب والخسارة ، شأن التاجر الواعى البعيد النظر ، فالعمل للمرأة خارج المنزل - مع أن مجالات العمل والكسب داخله كثيرة - جائز مع كل التحفظات المشروعة ، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما رواه البخارى " إن اللَّه أذن لكنَ أن تخرجن لقضاء حوائجكن " والحوائج عامة غير مخصوصة بعمل معين ، وكان النساء يباشرن أعمالا خارج البيت ، كطلب العلم وكسب العيش ، أيام النبى صلى الله عليه وسلم ، وروى البخارى ومسلم أنه رأى أسماء بنت أبى بكر ، زوجة الزبير تحمل على رأسها النوى لتعلف به الناضح - الجمل أو الفرس -فلم ينكر عليها ، بل دعاها إلى الركوب خلفه شفقة عليها .
وإذا كان اللَّه سبحانه قال لنساء النبى صلى الله عليه وسلم { وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } الأحزاب : 33 ، فالقرار فى البيت وسيلة عدم التبرج أى الظهور والبروز وهو الأمر المهم فى الموضوع ، ومع ذلك فهو خاص بنساء النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يمنعهن من الخروج من البيت للصلاة أو الاعتكاف فى المسجد أو حضور مهرجان العيد ، أو الحج إلى بيت اللّه .
وللعلماء كلام طويل فى بيان المجالات المناسبة لعملها خارج البيت يرجع فيه إلى الكتب المذكورة آنفا .(5/1408)
ـــــــــــــــــــ
خدمة الزوجة للضيوف ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19552 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : يتحمس بعض المجددين لإعطاء المرأة حقها فى النشاط الاجتماعى ولا يرون بأسا فى مجالسة الزوجة لأصدقاء زوجها وخدمتهم ، فما حكم الدين فى ذلك ؟ .
نص الفتوى
أجاب : فى حديث رواه البخارى وترجم له بقوله " باب قيام المرأة على الرجال فى العرس وخدمتهم بالنفس " وروى عن سهل بن سعد قال :
لما عَرَّس أبو أسَيْد الساعدى دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فما صنع لهم طعاما ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد ، بَلَّتْ تمرات فى تور من حجارة بالليل ، فلما فرغ النبى من طعامه ماثته له فسقته تتحفه بذلك .
والتور إناء يشرب فيه وقد يتوضأ منه ويصنع من صفر أو حجارة ، ومعنى ماثته : خلطته بالماء .
يقول العلماء : هذه الحادثة إما أن تكون قد وقعت قبل فرض الحجاب أو بعد فرضه ، فإن كانت قبل فرضه فلا يصح أن يستدل بها على ما يدعيه بعض المتحمسين لتحرر المرأة واندماجها فى المجتمع وإن وقعت بعد فرض الحجاب - وهو لم يفرض إلا بعد الهجرة بثلاتَ سنوات أو أربع أو خمس فهل جاء فى الحديث أن أم أسيد كانت كاشفة لما أمر اللّه بستره ، تسلم وتصافح المدعوين وتشاركهم الحديث وما يتبعه ؟ إن من المقطوع به أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يقرها على ذلك مطلقا إذا حدث ، ومن هنا تكون أم أسيد قد التزمت الحجاب الذى فرضه اللَّه .
ونقول : إن خدمة المرأة للرجال فى حدود الحشمة الشرعية بكل مقوماتها القولية والفعلية ، بل ومشاركتها لهم فى تناول الطعام غير ممنوع ، وجاء فى موطأ الإمام مالك رضى اللّه عنه أن المرأة يباح لها أن تأكل مع الرجال . ويقول ابن القطان بناء على هذا : فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويدها للأجنبى ، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا وإذا قال القرطبى فى تفسيره "ج 9 ص 68 " فى الحديث : إنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ويستخدمها لهم - فلابد من الحذر فى فهم هذا الكلام حتى لا يتعارض مع مقررات الشرع -وقد قال بعد ذلك ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب .(5/1409)
إن مثل هذا النص لا يجوز أبدا أن يتخذ منطلقا للإباحة للمرأة أن تجالس أصدقاء الزوج على النحو المعروف الآن ، ولابد لأى نص دينى أن يؤخذ مع النصوص الأخرى التى توضحه بالأساليب المعروفة ، منعا لسوء الاستغلال ، وعدم الاندفاع فى تيار التقليد ا لعصرى الذى يخلق مشكلات وأخطار يعرفها الجميع .
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين الخمار والنقاب والحجاب ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19554 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : نرجو تحديد معانى هذه الألفاظ وهى الخمار والنقاب والحجاب ؟ .
نص الفتوى
أجاب : من القواعد العلمية ما يعرف بتحديد المفاهيم ، أو تصور الموضوع تصورا صحيحا حتى يمكن الحكم عليه ، فلابد من معرفة معانى الخمار والنقاب والحجاب قبل الحكم عليها .
1 - الخمار : هو واحد الخُمُر التى جاءت فى قوله تعالى {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } النور : 31 ، وهو ما يغطى به الرأس بأى شكل من الأشكال كالطرحة والشال وما يعرف بالإيشارب ، ويقال فى ذلك : اختمرت المرأة وتخمرت ، وهى حسنة الخِمْرَة .
2 - للنقاب : هو ما تضعه المرأة على وجهها لستره ، ويسمى أيضا " البرقع " أو " النصيف " وهو معروف من زمن قديم عند اليهود كما فى سفر التكوين " إصحاح : 24" أن " رفقة " رفعت عينيها فرأت إسحاق ، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد : من هذا الرجل الماشى فى الحقل للقائى ؟ فقال : هو سيدى ، فأخذت البرقع وتغطت ، كما كان معروفا عند العرب قبل الإسلام ، وسمى باللثام ، كما يسمى بالخمار أيضا . قال النابغة الذبيانى يصف " المتجردة " امرأة النعمان ابن المنذر لما سقط برقعها وهى مارة على مجلس الرجال :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد .
3- الحجاب : فى اللغة هو الساتر كما قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } الأحزاب : 53 ، وكما قال { فاتخذت من دونهم حجابا } مريم : 17 .
ويراد به فى الشرع ما يمنع الفتنة بين الجنسين ، ويتحقق ذلك بستر العورة والغض من البصر ، ومنع الخلوة والكلام اللين و اللمس .(5/1410)
فالحجاب أعم من الخمار ومن النقاب ، وهما من مقوماته التى تتحقق بها حكمة التشريع وهى منع الفتنة بين الرجال والنساء ، أو تنظيمها ليؤدى كل من الجنسين رسالته فى هذا الوجود .
وبتحديد هذه المعانى يعرف حكم كل واحد منها ، وهو مفصل فى الجز الثانى من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام " وقد نتعرض له فى مواضع أخرى .
ـــــــــــــــــــ
الحجاب بين أمر الله وإرادة البشر ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19575 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : هل توافق الزوجة على أمر زوجها لها بخلع الحجاب ؟ وهل يجوز للفتاة المتحجبة خلع الحجاب ليلة الزفاف ؟ .
نص الفتوى
أجاب : حجاب المرأة مفروض بالكتاب والسنة ، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزوج الذى يأمر زوجته بخلعه عاص لأنه يأمرها بمعصية ، كقوله لها لا تصلى ولا تصومى ، وذلك إثم عظيم لأنه يأمر بالمنكر، وبالتالى يحرم على الزوجة أن تطيعه فى ذلك ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
وطاعة الزوجة لزوجها فى المقصود الأصلى من الزواج ، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه ، ولا سلطان عليها فيما عدا ذلك من الأمور العامة التى يشترك فيها الرجال والنساء ، فالله هو الذى يأمر وينهى .
ولا يقال : إنها مكرهة على ذلك فتعفى من المسئولية ، فغاية عصيانه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانه ، وسيهيئ لها من يرعاها ويحميها فى غير هذا البيت الذى تنتهك فيه حرمات الله ، ولا خوف على أولادها منه ، فهو المتكفل بالإنفاق عليهم وعلى أمهم الحاضنة لهم .
ولتعلم الزوجة أنها لو أطاعته فى خلع الحجاب -وهو عنوان الشرف . والعفاف - فسيسهل عليها طاعته فيما هو أخطر من ذلك لأن مثل هذا الزوج لا غيرة عنده ولا كرامة وستجره المدنية إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يعاب بالرجعية إن لم تكن زوجته مجارية للعرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين .(5/1411)
فليتق الله أمثال هذا الزوج ، وليحمدوا ربهم أن أعطاهم زوجات عفيفات محافظات على شرفهن وعلى شرفهم ، ولا يستهينوا بسفور الزوجة زاعمين أنه شيء بسيط ، فإن معظم النار من مستصغر الشرر .
أما خلع العروس حجابها ليلة الزفاف فهو حرام ما دام هناك أجنبى، فلم يرد الشرع ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبة ، ولا يجوز أن نطوِّع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يدينون بالإسلام ، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتها فى الماضى البعيد والقريب ما دام المحتفلون بها هم النساء والأقارب المحارم كالأب والأخ والعم والخال ، وذلك بمعزل عن الرجال الأجانب .
وما يعمل الآن فى الأماكن العامة التى يختلط فيها الرجال مع النساء دون التزام بالحجاب الشرعى لا يقره الإسلام ، ومن شارك فيه فهو مخطئ مهما كانت شخصيته ولا ينتظرن أحد أن يفتى عالم ديني بجوازه للضرورة أو الحاجة ، فليست هناك ضرورة ولا حاجة ، والزوجة للزوج لا لغيره ، وزينتها له لا لغيره ، ومن خرج على حدود الدين فهو آثم ، والحلال بيِّن والحرام بيِّن ، ولأن يرتكب الحرام على أنه حرام أخف من أن يرتكب على أنه حلال ، وإن كان الكل عصيانا لله ، وعصيان يفضى إلى توبة أخف من عصيان يفضى إلى كفر .
ـــــــــــــــــــ
وجه المرأة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19578 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : يقول البعض : أن الحديث الذى روته السيدة عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذى يحل ظهور كفَّى المرأة ووجهها فقط حديث ضعيف . لأن الآية التى تتحدث عن الحجاب نزلت بعد هذا الحديث ، وأن اللذين رويا هذا الحديث أحدهما لم يكن موجودا فى حياة السيدة عائشة والآخر كذاب ، فما صحة هذا القول ؟ .
نص الفتوى
أجاب : حديث السيدة عائشة رواه أبو داود وابن مردويه والبيهقى عن خالد بن دريك عنها، وهو أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " وأشار إلى وجهه وكفيه .(5/1412)
يقول الحافظ المنذرى فى " الترغيب والترهيب ج 3 ص 33" : هذا مرسل ، وخالد بن دريك لم يدرك عائشة ، وذكره القرطبى فى تفسيره وقال : إنه منقطع. وقال ابن قدامة فى " المغنى " : إن صح هذا الحديث فيكون قبل نزول الحجاب .
وبناء على هذا لا يوجد دليل يستثنى وجه المرأة وكفيها من وجوب سترهما .
ويؤكد ذلك الشوكانى بأن المسلمين من قديم الزمان على ذلك ، ويميل إلى هذا فى زمن يكثر فيه الفساق . والخلاف موجود بين الأئمة، وفى قول فى مذهب مالك : للمرأة أن تكشف وجهها وعلى الرجل أن يغض بصره ، وقيل : يجب ستره، وقيل : يفرق بين الجميلة فيجب وبين غيرها، فيستحب .
وجاء فى "خليل " وشرحه ومحشِّيه كراهة انتقاب المرأة فى الصلاة وغيرها ، لأنه من الغلو فى الدين ، إذ لم ترد به السمحة ، ما لم يكن من عادتهم ذلك .
وفى الموطأ جواز أكل المرأة مع غير ذى رحم . وقال ابن القطان : فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبى ، إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا ، وقد أبقاه الباجى على ظاهره .
وتوجد نصوص أخرى للمالكية فى قولهم بجواز كشف المرأة وجهها أمام الأجانب " يراجع ذلك فى الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام " .
وما دام الأمر خلافيا فلا يحكم ببطلان رأى ولا يجوز التعصب لغيره ، وللإنسان حرية الاختيار، وكل هذا الخلاف ينتهى إذا كان وجه المرأة جميلا تخشى منه الفتنة فيجب ستره .
ـــــــــــــــــــ
الخلوة بين الجنسين ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19627 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : أنا فتاة ملتزمة للحجاب الشرعى ، وأعمل سكرتيرة لأحد رجال الأعمال ، وفى بعض الأحيان نمض ساعات وحدنا لمراجعة الأعمال ، فما رأى الدين فى ذلك ؟ .
نص الفتوى
أجاب : ليكن معلوما أن الحجاب الشرعى ليس قاصرا على تغطية الجسم بما يمنع رويته للأجنبى، بل إن من مقوماته التى تتعاون كلها على منع الفتنة وصيانة المجتمع من الفساد-عدم خلوة المرأة برجل أجنبى عنها ، فالأحاديث كثيرة فى النهى عنها لخطورتها ، ومنها ما رواه البخارى ومسلم " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذى(5/1413)
محرم " وما رواه الطبرانى "إياك والخلوة بالنساء ، فو الذى نفسى بيده ما خلا رجل بامرأة إلا دخل الشيطان بينهما" .
إن الغريزة الجنسية تتحين أية فرصة للاستجابة لرغبتها ، ومن أجل ذلك حرم الإسلام النظر واللمس والخضوع بالقول ، والخلوة ، أخرج أبو داود والنسائى أن رجلا من الأنصار مرض حتى صار جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية تعوده وحدها فهشَّ لها ووقع عليها، فدخل عليه رجال من قومه يعودونه فأخبرهم بما حصل منه وطلب الاستفتاء من النبى صلى الله عليه وسلم ، فقالوا لرسول الله : ما رأينا بأحد من الضر مثل ما الذى هو به ، ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلدة على عظم ، فأمر رسول الله : بإقامة الحد عليه ، بضربه بمائة شمراخ ضربة واحدة .
إن فرص الخلوة بين الجنسين كثيرة فى هذه الأيام ، فقد تكون فى البيوت والفنادق والمكاتب ودواوين القطارات المغلقة ، والسيارات الخاصة والمصاعد الكهربائية ، حتى فى الأماكن الخلوية البعيدة عن الأنظار .
إن مجرد الخلوة حرام حتى لو لم يكن معها سفور أو كلام مثير، وتتحقق باجتماع رجل وامرأة فقط ، أو باجتماع امرأة برجلين ، أو باجتماع امرأتين مع رجل على بعض الأقوال ، فإن كان الاجتماع رباعيا أو أكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز، وكذلك إن تساوى العدد فى الطرفين ، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، هكذا حقق الفقهاء .
والخلوة لا تجوز إلا للضرورة ، وليس من الضرورة كسب العيش بالعمل الذى يستلزمها ولو فى بعض الأحيان ، كما أنه ليس من الضرورة خلوة المدرس الخصوصى بالمتعلمة ، فقد يكون الشيطان أقوى سلطانا على النفس من العلم ، ومن مأثور السلف قول عمر بن عبد العزيز: لا تخلون بامرأة وإن علمتها سورة من القرآن (المستطرف ج 2 ص 2 )وليس من الضرورة خلوة المخدومة بخادمها ، أو المخدوم بخادمته ، فكم من مآسٍ ارتكبت بسبب ذلك ، وليس هؤلاء الخدم مملوكين ملك اليمين حتى يكون لهم مع سادتهم وضع خاص ، بل هم أجانب تجرى عليهم كل أحكام سائر الناس .
وفى حكم الخلوة سائقو السيارات الخاصة ، المترددون على النساء كثيرا فى البيوت ، دون أن يكون هناك من يخشى معهم السوء .
هذا ، ولا يعتبر من الخلوة المحرمة وجود الطالبات مع الطلبة فى أماكن الدراسة ، كما لا تتحقق الخلوة فى الشوارع والمحال التجارية والمواصلات التى تغص بالرجال والنساء ، وإنما المطلوب هو الحشمة فى الملابس والأدب فى الكلام ، وعدم الاحتكاك بين الطرفين ، وبخاصة فى الزحام ، وحديث الطبرانى يقول "لأن يزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له " وحديثه أيضا "أن يطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " وحديث البيهقى "إذا استقبلتك المرأتان فلا تمر بينهما ، خذ يمنة أو يسرة" .(5/1414)
هذا ، والرحلات المختلطة إذا أمنت فيها الفتنة وكانت تحت رقابة مؤمنة يقظة، وكانت النساء ملتزمات بالآداب الشرعية فى الستر والجدية والعفاف ، لا بأس بها ، وإلا حرمت والأولى أن تكون الرحلات ؟ لنوع واحد، اطمئنانًا للقلب وصيانة للشرف ومنعا للتهم والظنون .
ـــــــــــــــــــ
الملابس الضيقة ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19705 ...
رقم الفتوى
... 18/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سئل : ما حكم الدين فى ارتداء المرأة للملابس الطويلة والحجاب ، ولكنها ضيقة توضح أعضاء الجسم ، وهل يعتبر هذا الزى ساترا لجسد المرأة؟
نص الفتوى
أجاب : الشرط فى ملابس المرأة التى تسترها وتمنع الفتنة بها ألا تصف وألا تشف ، يعنى ألا تكون ضيقة تصف أجزاء الجسم وتبرز المفاتن .
وألا تكون رقيقة شفافة لا تمنع رؤية لون البشرة، ومن النصوص التى تنهى عن لبس ما يصف جسم المرأة ما رواه أحمد أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى أسامة بن زيد قبطية كثيفة، فأعطاها لامرأته فقال له "مرها أن تجعل تحتها غلالة، فإنى أخاف أن تصف حجم عظامها" والقبطية لباس من صنع مصر يلتصق بالجسم ،والغلالة شعار يلبس تحت الثوب .
وأخرج أبو داود نحوه عن دحية الكلبى . وفى رواية للبيهقى أن عمر رضى الله عنه لما أعطى الناس الثياب القباطى نهى عن لبس النساء لها ، لأنها إن لم تشف فإنها تصف .
واخرج ابن سعد بسند صحيح أن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما ردت ثوبا أهدى إليها من ثياب "مرو" وقيل لها : إنه لا يشف فقالت : لكنه يصف .
وبهذا يعلم أن ثياب المرأة حتى لو لم تكن رقيقة شفافة، وحتى لو كانت سابغة تغطى كل جسمها حتى قدميها، لو كانت محددة لأجزاء جسمها ضيقة تبرز مفاتنها فهى محرمة ، لأنها لا تحقق الحكمة من مشروعية الحجاب وهى عدم الفتنة .
وأحذر من الاغترار بالإعلانات عن الأزياء الخاصة بالمحجبات فإن فيها لمسة فتنة لا تخفى على أى إنسان ، والعبرة فى التنفيذ ليس بالشكل ولكن بتحقيق الهدف منه .
ـــــــــــــــــــ
حكم مشاهدة التلفزيون ...(5/1415)
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19819 ...
رقم الفتوى
... 21/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مشاهدة التلفاز <<التلفزيون>>؟
نص الفتوى
التلفزيون هو جهاز الرؤية من بُعد ، ينقل الصوت والصورة معا ، بل ينقل الصورة متحركة كأنها حية، وتاريخ اختراعه مشار إليه فى الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ، وهو يعرض أمورا متعددة ، كما يذيع الراديو مواد مختلفة قد يصعب على الكثيرين الحصول عليها لو لم تكن هذه الأجهزة فما كان من هذه الأمور والمواد حلالا فى أصله ، ولم يؤثر تأثيرا سيئا على العقيدة أو الأخلاق ، ولم يترتب عليه ضياع واجب كان السماع حلالاً والمشاهدة أيضا حلالا، وما خالف ذلك كان ممنوعا يتحمل تبعته المذيعون والمستقبلون . وأكثر ما يسأل عنه هو النظر إلى النساء الراقصات أو الممثلات أو غيرهن ممن يبدين زينتهن ويكشفن ما أمر الله بستره ، فقد يقال :
إن الناظر لا ينظر امرأة ولكن ينظر صورتها، وقد تحدَّث الفقهاء قبل أن يظهر التلفزيون عن حكم النظر إلى صورة المرأة فى المرآة ، هل يعطى حكم النظر إليها أو لا ؟ ووضحه الكمال بن الهمام ، ونقله الشيخ طه حبيب فى فتوى نشرت له بمجلة الأزهر "نور الإسلام " عام 1932 فى المجلد الثالث ص 492 وقال ما نصه : والذى تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب هو أن النظر إلى المرأة الأجنبية إنما كان محرما بسبب أنه داع وذريعة إلى الوقوع فيما هو أشد منه حرمة ، وهو الوقوع فى المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبية المعينة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز لأنه ذريعة إلى محرَّم ، وكل ما كان كذلك فهو حرام ، سواء أكان ذلك مباشرة أو بواسطة المرآة . انتهى .
وإذا كانت هذه الفتوى بشأن الصورة الجامدة التى يخشى من النظر إليها الفتنة ، فإن النظر إلى الصورة المتحركة أولى بالمنع لشدة الفتنة بها ، وإذا كان المقياس هو الفتنة فالناس مختلفون فيما يفتن وما لا يفتن وكل أدرى بنفسه .
ومما يشهد لجواز مشاهدة المسرحيات والألعاب البريئة ما رواه البخارى ومسلم عن عائشة رضى الله عنها قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترنى بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية ، فاقدروا قدر الجارية العَرِبَة - المحبة للعب - الحديثة السن . وفى رواية فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال "تشتهين تنظرين "؟ فقلت :(5/1416)
نعم فأقامنى وراءه خدِّى على خده ، وهو يقول "دونكم يا بنى أرفدة" حتى إذا مللت قال "حسبك " قلت : نعم ، قال "فاذهبى" وبنو أرفدة لقب للحبشة، ولفظ "دونكم " يفيد الإغراء والاستزادة ، وكان لعب الحبشة بإلقاء الحراب وتلقيها كما ورد فى رواية أبى سلمة ويحى بن عبد الرحمن بن حاطب "صفوة التصوف للمقدسى" وجاء فى المطالب العالية لابن حجر "ج 4 ص 128 " أن عائشة كانت تتفرج على "الدركلة" وهى ضرب من لعب الصبيان ، وقيل :
هو الرقص . وفى تأكيد سماحة الإسلام فى-التمتع البرىء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وهو ينهى الجوارى عن الغناء لعائشة يوم العيد "دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد ، لتعلم اليهود أن فى ديننا فسحة ، وإنى أرسلت بالحنيفية السمحة" رواه أحمد عن عائشة ، وذكر الحافظ ابن حجر فى فتح البارى رواية ذلك عن ابن السراج عن عائشة "فتح البارى ج 2 ص 515" وما جاء فى الجامع الصغير للسيوطى أن هذا القول كان بمناسبة لعب الحبشة فضعيف .
ولا داعى للقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز لها مشاهدة لعب الحبشة وسماع الأغانى ، لأنها كانت صغيرة غير بالغة ، أو أن ذلك كان قبل أن يفرض الحجاب ويُحرم اللهو، فإن ذلك احتمال لا يفيد القطع ، وإلا ما كان هناك خلاف للفقهاء فى هذه الأحكام "انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ج 3 ص 138 " .
ـــــــــــــــــــ
حكم النقاب في الحج ...
عنوان الفتوى
... سعاد إبراهيم صالح ...
اسم المفتى
... 21085 ...
رقم الفتوى
... 10/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنسبة للنقاب فى الحج هل تكون بالخمار فقط أى تظهر وجهها فى الطواف والسعى ووقفة عرفات لأن السيدة عائشة قالت إذا مر الركب أسدلنا فلم يراهم أحد
أي أنهم يلبسون النقاب وهل يوجد مواضع إظهار وجهها ومواضع لا
هل يمكن أن تلبس بيشة واحدة فقط بدلا من النقاب ثم البيشة
رجاء سرعة الرد على هذه الأسئلة وجزاكم الله خيرا لسرعة الرد السابق
نص الفتوى
أخي الكريم كان ردنا عليك واضحا وهو أن النقاب لا يلبس في الحج إلا لخوف الفتنة فإذا خافت المرأة على من حولها أن يفتنهم جمالها كان لها أن تلبس النقاب، وإلا فلا(5/1417)
حاجة للبس النقاب في الحج، والمتفق عليه عند الجمهور هو مشروعية خلع النقاب، ومسألة لبسه مختلف فيها فعليكم الخروج من الخلاف وعدم لبس الحجاب أثناء الحج ولا داعي أيضا لوضع هذه البيشة طالما أن الشرع فيه سعة فلماذا نضيق نحن على أنفسنا وأكرر لكم فتوى الدكتورة سعاد الصباح "بالنسبة للإحرام، اتفق الفقهاء على أن إحرام المرأة في وجهها، وأجمع الفقهاء على أن المرأة المحرمة لا تغطي وجهها، ولا تلبس القفازين.
وقد روى ابن عمر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطّي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، ويدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حازونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا رفعنا"، وهذا هو المسنون عن زوجات النبي رضوان الله عليهن، وعلى ذلك فإن جميع الفقهاء وعامة العلماء متفقون على أن إحرام المرأة في وجهها، وأنها منهية عن تغطيته إلا إذا خافت الفتنة، أو مرّ الركبان، فإنه يجوز لها أن تسدل غطاء رأسها على وجهها ثم ترفعه بعد زوال هذا المعنى. ولا يؤثر هذا في صحة الحج أو العمرة ولا يوجب كفارة، ولكن ينبغي على المرأة المسلمة أن تلتزم في ذلك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
الجمعة ليست واجبة على المرأة ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 11931 ...
رقم الفتوى
... 22/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
وردت بعض الأمور بودي لو نستفسر عنها لو تكرمتم حتى لا يكون هناك إشكال متوقع بالنسبة للجمعة والمرأة إذا صلتها في بيتها؟
نص الفتوى
الحمد لله
الجمعة ليست واجبة على المرأة بل هي على الرجال ، وهكذا الجماعة ليست واجبة على المرأة بل هي على الرجال ، والسنة أن تصلي المرأة في بيتها في الجمعة وغير الجمعة في بيتها أفضل لها ، لكن إن صلتها مع الناس أجزأتها الجمعة عن الظهر إذا(5/1418)
كانت متسترة متحفظة متحجبة ، وتخرج من غير طيب فلا بأس عليها لسماع الفائدة ولسماع الخطبة وسماع المواعظ ، لكن عليها أن تكون حريصة على الحجاب والستر والبعد عن الفتنة وتكون في طريقها غير متطيبة ولا متبرجة بل متحجبة متسترة وتصلي مع الناس ، كما كان بعض النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يصلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: (وليخرجن تفلات). أي بدون رائحة طيبة لئلا يفتتن الرجال بهن وليكن غير متبرجات في الخروج ، قال صلى الله عليه وسلم: (وبيوتهن خير لهن). لكن لو صلت مع الجماعة مع الستر والحجاب والعناية والبعد عن أسباب الشر والفتنة وعن الرائحة الطيبة فلا بأس بذلك .
ومن هذا نفهم أن المرأة ليس عليها جمعة بل تصلي في بيتها ظهرا ، ولكن إذا صلتها مع الناس جمعة أجزأتها وكفتها عن الظهر ، كالمريض ليس عليه صلاة جمعة إنما يصلي ظهرا ومع هذا لو صلى مع الناس أجزأته الجمعة عن الظهر ، وكالعبد المملوك ليس عليه جمعة وإنما عليه الظهر وإذا صلى مع الناس الجمعة أجزأته ، وهكذا المسافر ليس عليه جمعة لكن لو صلى مع الناس الجمعة أجزأته عن الظهر .
والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
الواجب الثبات على الحق ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10843 ...
رقم الفتوى
... 03/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا مسلمة والحمد لله وأعمل كل ما يرضي الله وملتزمة بالحجاب الشرعي ولكن والدتي سامحها الله لا تريد مني أن ألتزم بالحجاب وتأمرني أن أشاهد السينما والفيديو . . إلخ ، وتقول لي : إذا لم تتمتعي وتنشرحي تكونين عجوزا ويبيض شعرك؟
نص الفتوى
الحمد لله
الواجب عليك أن ترفقي بالوالدة وأن تحسني إليها وأن تخاطبيها بالتي هي أحسن ؛ لأن الوالدة حقها عظيم ، ولكن ليس لك طاعتها في غير المعروف ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الطاعة في المعروف) وقوله عليه الصلاة والسلام : (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وهكذا الأب والزوج وغيرهما لا يطاعون في معاصي الله للحديث المذكور ، ولكن ينبغي للزوجة والولد ونحوهما أن يستعملوا الرفق والأسلوب الحسن في حل المشاكل وذلك ببيان الأدلة الشرعية ووجوب طاعة الله(5/1419)
ورسوله والحذر من معصية الله ورسوله مع الثبات على الحق وعدم طاعة من أمر بمخالفته من زوج أو أب أو أم أو غيرهم .
ولا مانع من مشاهدة ما لا منكر فيه من التلفاز والفيديو وسماع الندوات العلمية والدروس المفيدة والحذر من مشاهدة ما يعرض فيهما من المنكر ، كما لا يجوز مشاهدة السينما لما فيها من أنواع الباطل .
ـــــــــــــــــــ
حكم صلاة المرأة وهي لم تغط رأسها ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10983 ...
رقم الفتوى
... 21/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
إذا اضطرت غير المحجبة إلى الصلاة أو لم تكن محجبة وفق الشريعة الإسلامية ، كأن يكون بعض شعر رأسها ظاهرا أو بعض ساقها لظرف من الظروف فما الحكم ؟
نص الفتوى
الحمد لله
أولا : ينبغي أن يعلم أن الحجاب واجب على المرأة ، فلا يجوز لها تركه أو التساهل فيه ، وإذا وجب وقت الصلاة والمرأة المسلمة غير متحجبة الحجاب الكامل أو غير متسترة فهذا فيه تفصيل :
1- فإن كان عدم الحجاب أو عدم التستر لظروف قهرية ، فتصلي حينئذ على حسب حالها ، وصلاتها صحيحة ولا إثم عليها؛ لقول الله تعالى : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وقوله سبحانه : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
2- وإن كان عدم الحجاب أو التستر لأمور اختيارية ، مثل اتباع العادات والتقاليد ونحو ذلك :
فإن كان عدم الحجاب مقتصرا على الوجه والكفين ، فالصلاة صحيحة مع الإثم إذا كان ذلك بحضرة الرجال الأجانب .
وإن كان الكشف وعدم التستر للساق أو الذراع أو شعر الرأس ونحو ذلك فلا يجوز لها الصلاة على تلك الحال ، وإذا صلت حينئذ فصلاتها باطلة ، وهي آثمة أيضا من وجهين :
من جهة الكشف مطلقا إذا كان عندها رجل ليس من محارمها ، ومن جهة دخولها في الصلاة على تلك الحال .(5/1420)
أما إذا لم يكن لديها رجل غير محرم ، فإن السنة لها كشف الوجه حين الصلاة ، أما الكفان فهي مخيرة فيهما ، فإن شاءت سترتهما ، وإن شاءت كشفتهما في أصح قولي العلماء ، ولكن سترهما أفضل.
ـــــــــــــــــــ
أدلة غطاء الوجه ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 1592 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الرجاء التكرم إرسال أدلة غطاء وجه المرأة بصورة عاجلة بارك الله فيكم.
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
في هذه الفتوى للشيخ عبد العزيز بن باز وردت بعض الأدلة على وجوب تغطية الوجه وإليك نصها:
تجب تغطية الوجه عن الرجل الأجنبي وهو من ليس محرما للمرأة في أصح قولي العلماء سواء كان الأجنبي ابن عم وابن خال أو من الجيران أو من غيرهم لقوله تعالى يخاطب المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يأتي بعدهم : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ
وهذا يعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من المؤمنات كما قال سبحانه : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ والجلباب ما يوضع على الرأس والبدن فوق الثياب وهو الذي تغطي به النساء الرأس والوجه والبدن كله وما يوضع على الرأس يقال له خمار . فالمرأة تغطي بالجلباب رأسها ووجهها وجميع بدنها فوق الثياب كما تقدم ، وقال الله جل وعلا : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ الآية ، فقوله ( إلا ما ظهر منها ) فسره ابن مسعود رضي الله عنه وجماعة بالملابس الظاهرة وفسره قوم بالوجه والكفين ، والأول أصح لأنه هو الموافق للأدلة الشرعية وللآيتين السابقتين وحمل بعضهم قول من فسره بالوجه والكفين إن هذا كان قبل وجوب الحجاب ؛ لأن المرأة كانت في أول الإسلام تبدي وجهها وكفيها للرجال ثم نزلت آية الحجاب فمنعن من ذلك ووجب عليهن ستر الوجه والكفين في جميع الأحوال ثم قال سبحانه : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ(5/1421)
عَلَى جُيُوبِهِنَّ والخمر جمع خمار وهو ما يستر به الرأس وما حوله ، سمي خمارا لأنه يستر ما تحته ، كما سميت الخمر خمرا لأنها تستر العقول وتغيرها .
والجيب : الشق الذي يخرج منه الرأس ، فإذا ألقت الخمار على وجهها ورأسها فقد سترت الجيب وإذا كان هناك شيء من الصدر سترته أيضا ثم قال تعالى : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ إلى آخر الآية ، والزينة تشمل الوجه والرأس وبقية البدن فيجب على المرأة أن تغطي هذه الزينة حتى لا تفتن ولا تفتن ، ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما سمعت صوت صفوان بن معطل فخمرت وجهي وكان قد رآني قبل الحجاب فعلم بذلك أن النساء بعد نزول آية الحجاب مأمورات بستر الوجه وأنه من الحجاب المراد في الآية الكريمة وهي قوله عز وجل : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ الآية .
وأما ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه
فهو حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به لعلل منها : انقطاعه بين عائشة والراوي عنها ، ومنها : ضعف بعض رواته وهو سعيد بن بشير ، ومنها : تدليس قتادة رحمه الله وقد عنعن ، ومنها : مخالفته للأدلة الشرعية من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب تحجب المرأة في وجهها وكفيها وسائر بدنها ، ومنها : أنه لو صح وجب حمله على أن ذلك قبل نزول آية الحجاب جميعا بين الأدلة . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
مع العلم بأن هذه الأدلة لقيت من المعارضات الكثير والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم مصافحة الطالب لزميلته ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10047 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة ؟ وماذا يفعل لو مدت يدها للسلام عليه ؟
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:(5/1422)
لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة واحدة ، أو في كراس واحدة بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن .
وليس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه . ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين بيعته للنساء : (إني لا أصافح النساء) وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) وقد قال الله عز وجل : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ولأن المصافحة للنساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركها .
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به ، لقول الله عز وجل : {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلمن عليه ويستفتينه فيما يشكل عليهن ، وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن .
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس ، والله ولي التوفيق .
ـــــــــــــــــــ
نصح المؤمنة لأختها ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10055 ...
رقم الفتوى
... 24/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
إذا كان المنكر الذي تراه الأخت المؤمنة : الاختلاط وعدم الحجاب ، فكيف تنصحهم ؟
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
تنصحهم ، تقول لأختها في الله الواجب عليك عدم الاختلاط ، وعدم السفور والاهتمام بأمر التحجب عن الرجال الذين ليسوا محارم لك ، قال الله تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وقال تعالى : {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية .(5/1423)
فتأتي بالآيات والأحاديث التي في المقام ، وفيها إيضاح المطلوب والتحذير مما يخالف الشرع المطهر ، وتوضح لأخواتها في الله أن الواجب علينا جميعا أن نحذر مما حرم الله ، ونتعاون على البر والتقوى ، ونتواصى بالحق والصبر عليه .
ـــــــــــــــــــ
ظهور المرأة أمام الرجال ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 10268 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
كثير من الرجال في بعض الأسر يسمح لزوجته أو ابنته أو أخته بالظهور أمام الرجال غير المحارم كجماعته وأصدقائه وزملائه والجلوس معهم والتحدث إليهم كما لو كانوا محرما لها ، وإذا نصحناهم قالوا إن هذه عاداتهم وعادات آبائهم ، كما أنهم يزعمون أن قلوبهم نظيفة ، ومنهم المكابر والمعاند وهو يفهم الحكم ، ومنهم من يجهله فما نصيحتكم لهم ؟
نص الفتوى
الحمد لله
الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات بل يجب عرضها على الشرع المطهر فما أقره منها جاز فعله وما لا فلا ، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فما أباح الله ورسوله فهو مباح ، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس ، فإذا اعتاد الناس التساهل بالخلوة بالأجنبية أو بكشف وجهها لغير محارمها فهذه عادات باطلة يجب أن تترك كما لو اعتاد الناس الزنا أو اللواط أو شرب المسكر فإن الواجب عليهم تركها وليست العادة حجة لهم في ذلك ، بل الشرع فوق الجميع فعلى من هداه الله للإسلام أن يبتعد عما حرم الله عليه من خمر وزنا وسرقة وعقوق وقطيعة الرحم وسائر ما حرم الله عز وجل ، وأن يلتزم بما أوجب الله عليه.
وهكذا الأسرة يجب عليها أن تحترم أمر الله ورسوله وأن تبتعد عما حرم الله ورسوله فإذا كان من عاداتهم كشف نسائهم لغير المحارم أو الخلوة بغير المحارم وجب عليهم ترك ذلك.
فليس للمرأة أن تكشف وجهها أو غيره لابن عمها ولا لزوج أختها ولا لإخوان زوجها ولا لأعمامه ولا لأخواله ، بل يجب عليها الاحتجاب وستر وجهها ورأسها وجميع بدنها عن غير محارمها ، أما الكلام فلا بأس به كرد السلام والبداءة به مع(5/1424)
الحجاب والبعد عن الخلوة لقول الله سبحانه : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. وقوله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}. فنهى الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يخضعن بالقول وهو تليينه وتكسيره حتى يطمع من كان في قلبه مرض أي مرض الشهوة ويظن أنها مواتية ولا مانع عندها ، بل تقول قولا وسطا ليس فيه عنف ولا خضوع ، وأخبر سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. والجلباب ثوب يطرح على الرأس والبدن تطرحه المرأة على رأسها وتغطي به بدنها فوق ثيابها ، وقال عز وجل : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} الآية فهؤلاء المذكورون في الآية لا حرج في إبداء المرأة زينتها لهم .
والواجب على جميع النساء المسلمات تقوى الله سبحانه وتعالى ، والحذر مما حرم الله عليهن من إبداء الزينة لغير من أباح الله إبداءها له.
ـــــــــــــــــــ
عورة المرأة في الصلاة ...
عنوان الفتوى
... عبد الرحمن الجزيري ...
اسم المفتى
... 21334 ...
رقم الفتوى
... 12/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم صلاة المرأة بدون خمار وبدون أن تستر قدميها وما صفة الحجاب الشرعى وهل تصلح الجوارب التى تكشف ما خلفها؟
نص الفتوى
أختي السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
إليك أولا آراء العلماء في عورة المرأة في الصلاة
الحنفية قالوا: حد عورة المرأة الحرة هو جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها، لقوله صلى الله عليه وسلم "المرأة عورة" ويستثني من ذلك باطن الكفين، فإنه ليس بعورة، بخلاف ظاهرهما، وكذلك يستثني ظاهر القدمين، فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما، فإنه عورة، عكس الكفين.(5/1425)
الشافعية قالوا: حد العورة من المرأة الحرة جميع بدنها حتى شعرها النازل عن أذنيها، ويستثني من ذلك الوجه والكفان فقط ظاهرهما وباطنهما.
الحنابلة قالوا: في حد العورة كما قال الشافعية، إلا أنهم استثنوا من الحرة الوجه فقط وما عداه منها فهو عورة.
المالكية قالوا: إن العورة في المرأة بالنسبة للصلاة تنقسم إلى قسمين: مغلظة، ومخففة، ولكل منهما حكم، فالمغلظة للحرة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر، والمخففة لها هي الصدر وما حاذاه من الظهر، والذراعين والعنق والرأس، ومن الركبة إلى آخر القدم، أما الوجه والكفان ظهراً وبطناً فهما ليستا من العورة مطلقاً.
فمن صلت مكشوفة العورة المغلظة كلها أو بعضها ولو قليلاً، مع القدرة على الستر ولو بشراء ساتر أو استعارته، أو قبول إعارته لا هبته ، بطلت صلاتها إن كانت قادرة ذاكرة، وأعادت الصلاة وجوبا أبداً، أي سواء أبقى وقتها أم خرج، أما العورة المخففة فإن كشفها كلاً أو بعضاً لا يبطل الصلاة، وإن كان كشفها حراماً، أو مكروهاً في الصلاة، ويحرم النظر إليها، ولكن يستحب لمن صلى مكشوف العورة المخففة، أن يعيد الصلاة في الوقت مستوراً على التفضيل، وهو أن تعيد الحرة في الوقت إن صلت مكشوفة الرأس أو العنق أو الكتف أو الذراع أو النهد أو الصدر، أو ما حاذاه من الظهر، أو الركبة أو الساق إلى آخر القدم ظهراً لا بطناً، وإن كان بطن القدم من العورة المخففة؛ وأما الرجل فإنه يعيد في الوقت إن صلى مكشوف العانة أو الإليتين أو ما بينهما حول حلقة الدبر، ولا يعيد بكشف فخذيه، ولا بكشف ما فوق عانته إلى السرة، وما حاذى ذلك من خلفه فوق الإليتين.
وعليه فعلى المرأة وهي في الصلاة أن تستر جميع بدنها على خلاف بين العلماء في الوجه والكفين.
أما الحجاب الشرعي فهو ببساطة شديدة أن تستر المرأة جميع بدنها بساتر لا يشف (لا يظهر ما تحته) ولا يصف (لا يجسم البدن كالبنطلون والملابس الضيقة) على الخلاف المشهور حول الوجه والكفين والقدمين أيضا وبالنسبة للجوارب فإن أخذت المرأة برأي من قال أن القدم عورة فلا تصلح الجورارب التي تصف ما تحتها وتظهره فهي كعدمها، وإن أخذت برأي من قال أنها ليست عورة فيمكنها لبس هذه الجوارب أو خلعها والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم السفر بلا محرم ...
عنوان الفتوى
... عبد الستار فتح الله سعيد ...
اسم المفتى
... 21346 ...
رقم الفتوى
... 12/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(5/1426)
... ...
نص السؤال
السلام عليكم،
أولا: أشكركم كثيرا على الرد الذي كنت أنتظره بفارغ الصبر، وسوف أحاول أن أفعل ما نصحتني به بشأن الحجاب لكن النصيحة الأخرى فأعتقد أنها غير جيدة أو غير منطقية، لقد نصحتني بضرورة البحث عن محرم، معذرة فأنا فتاة فلسطينية ولا أستطيع إحضار أحد من إخوتي بسبب الظروف التي لا تخفى على أحد، وقد كنا قبل هذه المنحة ننتظر وظيفة، ولكن هذه المنحة جاءتنا من الله ونحن بدونها ليس لدينا أي شيء نفعله، ولعلك تقول لماذا لا تتزوجين رجلا مسلما وتسافرين معه؟! لقد طلب الزواج مني رجال مسلمون ولكنهم لم يكونوا على القدر الكافي من التدين، أم أنك تطلب مني أن أتزوج أي شخص لمجرد الحصول على محرم، حتى ولو كان غير ملتزم، ما الحل المناسب لي وآسفة إن كنت استخدمت بعض المعاني الخاطئة، أنا فقط أريد أن أكون مسلمة ملتزمة
وجزاكم الله خيرا
نص الفتوى
أختي السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته
أعتذر إليك عن تأخري في الرد وذلك لتتابع الأسئلة قبل شهر الصيام أعاده الله علينا وعليك بالخير واليمن والبركة، فكل عام وأنت بخير
وقد توجهت بالرد الذي وافيتني به لفضيلة الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير والحديث وأحد العلماء الذين عاشوا في المجتمعات الأوربية ويعرف عنها الكثير فأفاد فضيلته أن سفر المرأة بلا محرم من الأخطاء الشرعية، التي يترتب عليها الكثير من الضرر وخاصة في المجتمعات المفتوحة التي لا تراعي حرمة ولا تحافظ على دين، ولكن ما دامت المرأة قد سافرت فإنه يجوز لها الاستمرار مع الاستغفار والتوبة ومداومة البحث عن المحرم، وأقصد به بالطبع الزوج الصالح الذي ترينه مناسبا لك، وينصحك فضيلة الشيخ ـ بناءا على قول بعض الفقهاء بجواز سفر المرأة بلا محرم إذا كانت في صحبة رفقة مأمونة ـ بالسكن بالقرب من التجمعات الإسلامية، والمراكز الإسلامية ومداومة التردد عليها وغض البصر قدر الطاقة والإمكان والانشغال بالدراسة عما عداها، والبعد عن التجمعات المختلطة والحرص على التواجد دائما مع رفقة النساء المأمونات حتى ييسر الله لك العودة إلى بلادك في أمان إن شاء الله، مع الأخذ في الاعتبار أن الأمر لا يصير حلالا وإنما يحتاج منك إلى الاستغفار الدائم والتوبة إلى الله تعالى
ويسرنا تواصلك الدائم مع نداء الإيمان
ـــــــــــــــــــ
خلع الحجاب خشية الاضطهاد ...
عنوان الفتوى
... عبد الفتاح عاشور ...
اسم المفتى(5/1427)
... 21397 ...
رقم الفتوى
... 13/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
زوجة مقيمة مع زوجها في الولايات المتحدة وهما يعملان في وظيفة لا تتنافى مع التعاليم الإسلامية و منذ أحداث 11 من سبتمبر وهما يتعرضان للاضطهاد فى عملهما، وفي حياتهما العامة وفرصة الحصول على أي وظيفة أخرى مستحيلة وتتعرض الزوجة بوجه خاص للكثير من الضغوط لخلع الحجاب، فهل يجوز للزوجة خلع الحجاب في هذه الظروف على أن تعود لارتدائه بعد انتهاء هذة الظروف؟
نص الفتوى
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحجاب فريضة شرعية ،لا يجوز خلعه أو التنازل عنه ،ويمكن للمسلمة في أمريكا أن تلبس مايستر عورتها ولا يشترط أن تلبس الحجاب المعهود للناس ،فالإسلام لم يأمر بهيئة معينة ،فإن كان ارتداء الحجاب سيؤدي إلى إهلاكها إهلاكا محققا،فيجوز ساعتها أن تخلع الحجاب حتى يزول الخوف،فإن زال الخوف عادت إليه،وإلا كانت آثمة عند ربها ،مضيعة لحيائها .
يقول الدكتور عبد الفتاح عاشور الأستاذ بجامعة الأزهر:
الضرورات تبيح المحظورات، ومن المعلوم لديكن أن الحجاب فريضة مقررة في دين الله، ولا يجوز للمسلمة أن تخلع حجابها، وهذه الضرورة تقدر بقدرها، فإذا كان في الإمكان المحافظة على الحجاب مع تحمل بعض المضايقات؛ فهذا أمر لا بد من تحمله، وهو من باب الاختبار لإيمان المؤمنة، وقد قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }
فلتصبرن على ما يصيبكن من أذى في سبيل الله، والله سوف يحفظكن بحفظه، فإذا وصل الأمر إلى الحد الذي تستحيل معه الحياة وتتوقف؛ فيمكن التخفيف من الحجاب الكامل إلى شيء من الحجاب فيه مجرد غطاء للرأس والرقبة، وهذا ربما لا يظهر المرأة المسلمة في مظهر يجعلها في نظر هؤلاء عرضة للأذى، وإلا فلا سبيل إلا أن تخلعن هذا الحجاب حتى تهدأ الأمور.
ولكن أخشى إذا ما قلنا هذا، وتم خلع الحجاب ألا تعدن إليه مرة أخرى، وتكون هذه مكيدة شيطانية للابتعاد عن دين الله، فاخترن لأنفسكن ما ترين، والله بفضله يحفظكن من كل سوء ومكروه.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم خلع الحجاب لخوف الضرر ...
عنوان الفتوى(5/1428)
... عبد الفتاح عاشور ...
اسم المفتى
... 21398 ...
رقم الفتوى
... 14/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا فتاة متزوجة وأقيم مع زوجى بالخارج للدراسة .لقد اضطر زوجى للسفر لبلد أخري لإتمام بعض التجارب اللازمة لبحثه لمدة حوالي ثلاثة أشهر وفي هذه الأثناء اضطررت لخلع حجاب رأسي بالاتفاق بالطبع مع زوجي وذلك لسببين:
1ـ خوفي بعد الأحداث التي جرت في الولايات المتحدة وذلك لأن نظرة الناس لكل من ترتدي الحجاب سيئة وأنا كنت أخاف الحياة وحدي وخصوصا أن عندي طفلة لم تتعد بعد ثمانية أشهر وبحكم دراستي وعملي في المعمل كنت اضطر للتأخير في بعض الأحيان وبالتالي أعود وحدي بالبنت إلى البيت وهذا ربما به خطورة علينا لو كنت بالحجاب لكره الأجانب لنا بعد الأحداث الأخيرة.
2ـ لحمايتي من الشباب العرب للأسف وذلك لتعرضهم لأي فتاة محجبة وقد قام شباب عرب هنا من قبل باغتصاب زوجة مسلمة ومرتدية الحجاب وقد كانت مع زوجها فما بالك بي وأنا أعيش وحدي دون زوج أو أي قريب، أريد أن أعرف رأي الدين فيما فعلت ولقد فعلت ذلك لعلمي أن رسول الله (ص) قد قال للمسلمين أن يخفوا إسلامهم إذا كان سيعود عليهم بالضرر.
والله أعلم
نص الفتوى
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحجاب فريضة شرعية ،لا يجوز خلعه أو التنازل عنه ،ويمكن للمسلمة في أمريكا أن تلبس مايستر عورتها ولا يشترط أن تلبس الحجاب المعهود للناس، فالإسلام لم يأمر بهيئة معينة، فإن كان ارتداء الحجاب سيؤدي إلى إهلاكها إهلاكا محققا، فيجوز ساعتها أن تخلع الحجاب حتى يزول الخوف، فإن زال الخوف عادت إليه، وإلا كانت آثمة عند ربها ،مضيعة لحيائها .
يقول الدكتور عبد الفتاح عاشور الأستاذ بجامعة الأزهر:
الضرورات تبيح المحظورات، ومن المعلوم لديكن أن الحجاب فريضة مقررة في دين الله، ولا يجوز للمسلمة أن تخلع حجابها، وهذه الضرورة تقدر بقدرها، فإذا كان في الإمكان المحافظة على الحجاب مع تحمل بعض المضايقات؛ فهذا أمر لا بد من تحمله، وهو من باب الاختبار لإيمان المؤمنة، وقد قال تعالى: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"..(5/1429)
فلتصبرن على ما يصيبكن من أذى في سبيل الله، والله سوف يحفظكن بحفظه، فإذا وصل الأمر إلى الحد الذي تستحيل معه الحياة وتتوقف؛ فيمكن التخفيف من الحجاب الكامل إلى شيء من الحجاب فيه مجرد غطاء للرأس والرقبة، وهذا ربما لا يظهر المرأة المسلمة في مظهر يجعلها في نظر هؤلاء عرضة للأذى، وإلا فلا سبيل إلا أن تخلعن هذا الحجاب حتى تهدأ الأمور.
ولكن أخشى إذا ما قلنا هذا، وتم خلع الحجاب ألا تعدن إليه مرة أخرى، وتكون هذه مكيدة شيطانية للابتعاد عن دين الله، فاخترن لأنفسكن ما ترين، والله بفضله يحفظكن من كل سوء ومكروه.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الستر أمام الصبي ...
عنوان الفتوى
... عبد الله الفقيه ...
اسم المفتى
... 23123 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز للمرأة المرتدية للنقاب إن تكشف وجهها وشعرها أمام أطفال أقل من عشر سنوات؟
وما هو سن الولد الذى يجب أن تستر المرأه وجهها أمامه؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالطفل المذكور ما دام صبيا غير مميز، فلا يلزمك أن تستتري أمامه.
فقد قال ابن قدامة في "المغني": فأما الغلام فما دام طفلا غير مميز لا يجب الاستتار منه في شيء. انتهى.
فإذا وصل إلى مرحلة المراهقة وهي ما قارب خمس عشرة سنة فيجب عليك ارتداء الحجاب أمامه. قال أحمد بن حجر الهيثمي في تحفة المحتاج: والأصح أن المراهق وهو من قارب الاحتلام أي باعتبار غالب سنه وهو قرب الخمسة عشر لا التسع ويحتمل خلافه كالبالغ فيلزمها الاحتجاب منه كالمجنون. انتهى.
ولا حرج عليك في النظر إلى وجهه بغير شهوة، لما ثبت في الصحيحين وللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. انتهى.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ(5/1430)
خلع الحجاب عند الضرورة ...
عنوان الفتوى
... عبد الوهاب لطف الديلمي ...
اسم المفتى
... 22743 ...
رقم الفتوى
... 29/03/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هو حكم عدم ارتداء المراة التونسية للحجاب مع العلم أنه وللأسف الحجاب ممنوع فى تونس؟
نص الفتوى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
في مثل هذا الوضع الشاذ المؤلم في ديار المسلمين الأولى بالمرأة المسلمة أن تلزم بيتها، خاصة إذا كان عندها من أولياء أمورها من يكفلها ويقوم برعايتها ويضمن لها حاجاتها، ولا تخرج إلا عند الضرورة خوفًا من الفتنة التي تتعرض لها، ولكن إذا خرجت للضرورة وخشيت على نفسها أن تتعرض لفتنة حسب ما جاء في السؤال، فإذا خرجت سافرة في مثل هذا الحال فلا إثم عليها؛ لأن الأمر خارج عن اختيارها، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف وجه المرأة أمام زوج الأخت ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16382 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لي زوج أخت يقول إنني محرم على أخواتك تحريمًا مؤقتًا فيجوز أن يظهرن عليّ من غير نقاب بهذه الصفة فماذا أقول له وما هو القول الفصل في حكم النقاب؟
نص الفتوى
الحمد لله
هذا القول منه خطأ فأخوات زوجته وإن كنّ يحرمن عليه ما دامت أختهن في عصمته تحريمًا مؤقتًا فإنه أجنبي منهن لا يجوز لهنّ أن يكشفن وجوههنّ عنده أو يعتبرنه(5/1431)
محرمًا لهنّ لأنه أجنبي منهن فقوله هذا خطأ ووهم لا يجوز إقراره عليه ويجب عليهن الحجاب منه، وأما بالنسبة للنقاب فتغطية الوجه واجبة على الصحيح من قولي العلماء وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة لقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.] ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.] وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن من نساء المسلمين وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة وهي قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.] فالعلة عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن ولغيرهن من النساء والطهارة مطلوبة للجميع لقوله تعالى في الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: آية 59.].
لما نزلت هذه الآية الكريمة بادر نساء الصحابة وخرجن إلى صلاة الفجر كأن على رؤوسهن [انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص497.] الغربان من سترهن لوجوههن ورؤوسهن وحديث عائشة صريح في هذا أيضًا وهو قولها "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات وكنّا إذا مرّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه" [رواه أبو داود في سننه ج2 ص173. ورواه ابن ماجه في سننه ج2 ص979. حديث عائشة رضي الله عنها.]، فهذا دليل على أنّ تغطية الوجه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن المرأة لا يجوز لها أن تكشف وجهها عند الرجال والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ما حكم الجلوس مع زوج الأخت بحضرة الأهل ؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16710 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم الجلوس مع زوج الأخت بحضرة الأهل وبحشمة حيث لا يظهر إلا الوجه واليدان؟
نص الفتوى
الحمد لله
أما الجلوس مع زوج الأخت والأهل إذا لم يكن هناك خلوة فلا بأس بذلك أن تجلس المرأة مع زوج أختها وغيره بحضرة أهلها وتكون متحشمة، لكن ما ذكرت من أنها(5/1432)
كاشفة للوجه واليدين هذا لا يجوز، لأنها يجب عليها أن تستر وجهها وكفيها عن الرجل الأجنبي ولو كان زوج أختها، لأن الوجه والكفين عورة فيجب سترهما عن الرجال لقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.]، وهذا يلزم منه ستر الوجه، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 59.]، وقد فسر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما بأن تغطي وجهها إلا عينًا واحدة تبصر بها الطريق كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره من المفسرين [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/497).]، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بنا الركبان سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه) [رواه أبو داود في »سننه« (2/173) من حديث عائشة رضي الله عنها.]، إلى غير ذلك من أدلة وجوب الحجاب.
ـــــــــــــــــــ
حكم مصافحة نساء الجيران ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16769 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
يسكن بجوارنا أناس منذ مدة طويلة وأنا أعتبرهم كأهلي لطول معاشرتهم لنا فهل يجوز لي مصافحة نسائهم؟
نص الفتوى
الحمد لله
المجالسة مع أفراد الجيران لا تصيرهم إخوة من حيث إباحة النظر والمحرمية، لأنهم أجانب ولا تبيح الاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب وترك الحجاب وإن كانوا جيرانًا طيبين، ولا تبيح أن يصافح الرجل النساء اللاتي ليس من محارمهن، ويجب عزل النساء عن الرجال الذين ليسوا من محارمهن ويجب على النساء الحجاب الكامل منهم، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [سورة النور: الآيتين 30، 31.].
ـــــــــــــــــــ(5/1433)
حكم حجاب المرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16959 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم الحجاب في حق المرأة المسلمة فكثيرًا ما تتعرض المرأة المحجبة عندنا للسخرية من الغير، فهل هو واجب في جميع المذاهب الأربعة؟ وما تفسير الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الآية [سورة النور آية: 31.]، وهل معنى قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور آية: 31.] أي يغطين رؤوسهن وصدورهن مع العنق وهل يدخل الوجه في ذلك إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور آية: 31.]؟
نص الفتوى
الحمد لله
الحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.]، والضمير وإن كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لجميع نساء الأمة لقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.]، فهذا تعليل يشمل الجميع؛ لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل الأمة، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: آية 59.]، فهذا عام لجميع النساء من أمهات المؤمنين وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين، فالحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، والسفور حرام، وأما المراد بقوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.]، فالصحيح من قولي المفسرين أن المراد بما ظهر منها: زينة الثياب والحلي، فالمراد بذلك الزينة التي تلبسها المرأة لا زينة الجسم، وإنما المراد بالزينة الظاهرة الزينة التي تلبسها المرأة إذا ظهر منها شيء بغير قصد، فإنها لا تؤاخذ على ذلك، أما إذا تعمدت وأظهرته فإنها تأثم بذلك ويحرم عليها، فقوله: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.] أي: ظهر من غير قصد، فإذا ظهر شيء من زينة ثياب المرأة أو من حليها من غير قصد فإنها لا تأثم بذلك، ولكن إذا علمت بذلك وتركته أو تعمدت إخراجه وإظهاره فإنها تأثم لما في ذلك من الفتنة للرجال.(5/1434)
وأما قضية إسدال الخمار المأمور به في قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.]، فالمراد بالخمار غطاء الرأس، والمعنى: أنها تغطي بخمارها وجهها ونحرها، فتدلي الخمار من رأسها على وجهها وعلى نحرها خلافًا لما كان عليه الأمر في الجاهلية، فإن نساء الجاهلية كن يكشفن نحورهن وصدورهن ويسدلن الخمار من ورائهن كما جاء في كتب التفسير، والله جل جلاله أمر نساء المسلمين أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والمراد بالجيب فتحة الثوب من أعلاه من الأمام، فهذا يستلزم أن تغطي المرأة وجهها ونحرها ولا يظهر شيء من جسمها، لأن الوجه أعظم زينة في جسم المرأة، وهو محل الأنظار، وهو محل الفتنة، وهو مركز الحسن والجمال، فهذا هو الصحيح في تفسير الآية الكريمة أن الوجه يجب ستره، وإن كان بعض العلماء يرى جواز كشفه وكشف الكفين، ولكن كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول لا يتناسب مع سياق الآية وما فسرها به أئمة السلف من الصحابة والتابعين حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله عبيدة السلماني عن معنى قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 59.] أدنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الغطاء على وجهه وأبدى عينًا واحدة [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/497).]، فهذا تفسير منه للآية، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفسر قوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.] بأن المراد زينة الثياب [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/274).] كما ذكرنا، وليس زينة الوجه كما قاله، من قاله فيكون ابن عباس إذًا رجع إلى قول ابن مسعود في آخر الأمرين كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه كان في أول الأمر يجوز للمرأة أن تبدي وجهها، ولكن بعدما نزلت آية الحجاب نسخ ذلك، وصارت يجب عليها تغطية وجهها [انظر "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (22/110).].
ـــــــــــــــــــ
ما هو الحجاب ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17706 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل الحجاب بالنسبة للمرأة مختص بالكلام، أم مختص بحجب جسمها وبدنها، حيث إن كثيرًا من النساء احتجبن عن الكلام ورد السلام، وما هي حقيقة الحجاب الشرعي؟
نص الفتوى
الحمد لله(5/1435)
الحجاب الشرعي: أن تستر المرأة جميع جسمها عن الرجال غير المحارم بلباس غير شفاف وغير ضيق.
قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب: آية 53.].
فإن قال قائل: المراد بهذا نساء النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا: إذا أمرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب مع طهرهن وورعهن؛ فغيرهن من باب أولى، وأيضًا الله سبحانه علل ذلك بقوله: {مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب: آية 53.]؛ أي: من وراء ساتر من جدار، أو باب أو ثياب تغيب جميع جسم المرأة عن مرأى الرجال حفاظًا عليهم وعليها من الفتنة.
وكذلك قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.]، والخمار غطاء رأس المرأة، أمر الله أن تضفيه على وجهها ونحرها بعد تغطية جميع رأسها.
وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: آية 59.]، والجلباب: هو الثوب الكبير الذي تغطي به المرأة جسمها، أمر الله أن يضفى على الوجه الذي هو أعظم مفاتن المرأة؛ لتسلم من أذى نظر الرجال إليها والافتتان بها.
وأما تكليم المرأة للرجل؛ فلا بأس به إذا أمنت الفتنة وكان للحاجة، ويكون صوتها عاديًّا، ليس فيه ترخيم يفتن السامع؛ كما قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [سورة الأحزاب: 32.]؛ فلا ترفع صوتها وترققه، ولا تتكلم مع الرجل إلا بقدر الحاجة وبصوت عادي لا فتنة فيه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف المرأة للوجهها ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17707 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
تقوم بعض النساء بالكشف عن وجهها، وتتستر كليًّا؛ بأن تغطي شعرها ويديها خلاف ذلك، ولا تتزين إطلاقًا؛ فهل يجوز ذلك؟
نص الفتوى
الحمد لله
يجب على المرأة أن تغطي وجهها في أصح قولي العلماء؛ لأن الوجه أعظم زينة في المرأة، وإليه تتجه الأنظار، وبه كان يتغزل الشعراء، والأدلة على وجوب ستره كثيرة من الكتاب والسنة منها:(5/1436)
قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.].
أمر الله النساء أن يسدلن الخمر – وهي أغطية الرؤوس – على فتحات الجيوب؛ ليسترن بذلك ما يظهر من نحورهن، ويلزم من ذلك ستر الوجه؛ لأن الخمار إذا أسدل من على الرأس ليستر النحر؛ لزم أن يمر بالوجه ويضفى عليه.
وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.].
والحجاب يراد به ما يستر المرأة عن الرجل الذي ليس محرمًا لها، سواء كان هذا الساتر جدارًا أو بابًا أو لباسًا، وهذا يدل على ستر الحجاب لجميع بدن المرأة، ومنه الوجه، وعلّله بأنه أطهر لقلوب الرجال والنساء، والطهارة مطلوبة، والفتنة محذورة ومتوقعة إذا ترك الحجاب.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 59.]، والجلباب هو الكساء.
أما الأدلة من السنة: فمنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فكنا إذا مر بنا الرجل، سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا، كشفناه [رواه أبو داود في "سننه" (2/173)، ورواه أيضًا ابن ماجه في "سننه" (2/979).].
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17775 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند الرجال الذين ليسوا من محارمها؛ لا في الحج، ولا في غيره؛ لأن الله أمر المرأة بالحجاب أمرًا عامًّا في جميع الأحوال، وفي الحج خاصة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تنتقب [رواه البخاري في "صحيحه" (2/215).]؛ أي: أن تغطي وجهها بالنقاب؛ مما يدل على أنه معروف تغطية النساء وجوههن، ونهين عن هذا النوع من الأغطية خاصة؛ كما نهي الرجال عن لبس المخيط في حالة الإحرام، ولم تنه عن تغطية وجهها بغير النقاب؛ فقد جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها هي والنساء كنّ مع(5/1437)
النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بهن الرجال؛ سدلت إحداهن خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزهن الرجال؛ كشفت وجوههن [رواه أبو داود في "سننه" (2/173)، ورواه أيضًا ابن ماجه في "سننه" (2/979).]؛ فهذا دليل صريح في وجوب تغطية المرأة وجهها في الحج وغيره، مع أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ليس هذا موضع بسطها، بل إن المرأة في الحج أحرى أن تلتزم الحجاب وغيره من الواجبات؛ لأنها في عبادة عظيمة وفي موطن عظيم.
ـــــــــــــــــــ
حكم خروج المرأة مع زوجها للشراء؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17903 ...
رقم الفتوى
... 14/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أخرج أنا وزوجتي للسوق لشراء حاجات خاصة بها أو بالمنزل، وتخرج معي وهي ترتدي الحجاب كاملاً والحمد لله، ولا تخاطب أحدًا من البائعين؛ فهل في خروجها هذا إثم أم لا؟ أفيدوني أفادكم الله.
نص الفتوى
الحمد لله
خروج المرأة لشراء الحاجات من السوق إذا لم يكن هناك من يقوم بشرائها لا بأس به مع التستر الكامل والبعد عن مخالطة الرجال والكلام معهم كلامًا لا حاجة إليه، وإذا كان معها رجل من محارمها؛ فهذا أتم وأحسن، أما إن كان هناك من يقوم بشراء الحاجات؛ فلا داعي لخروجها؛ لما في الخروج من الفتنة والمخاطر، خصوصًا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وقل الحياء؛ إلا من رحمه الله، وبقاء النساء في البيوت مهما أمكن هو الواجب؛ لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [سورة الأحزاب: آية 33.].
ـــــــــــــــــــ
أيهما أفضل للمرأة صلاتها التراويح في بيته أم صلاتها مع المسلمين في المسجد؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17917 ...
رقم الفتوى
... 23/06/2004 ...(5/1438)
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أيهما أفضل للمرأة صلاتها التراويح في بيته أم صلاتها مع المسلمين في المسجد؟
نص الفتوى
الحمد لله
الأفضل للمرأة صلاتها في بيتها، ويجوز لها أن تصلي في المسجد مع الجماعة صلاة الفريضة وصلاة التراويح والكسوف وصلاة الجنازة؛ بشرط أن تكون متسترة بالحجاب الكامل ومتجنبة للزينة في بدنها وفي ثيابها، ومتجنبة للطيب في بدنها وفي ثيابها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" [رواه البخاري في "صحيحه" (1/216).]، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تَفِلات" [رواه أبو داود في "سننه" (1/152).]؛ أي: غير متزينات ومتطيبات.
فالحديث يدل على جواز خروجها للمسجد بالشرط المذكور، وهو أن تكون ملازمة للحياء والستر، تاركة للزينة والطيب، وأن تصف خلف الرجال؛ فمع التزامها بهذه الشرط؛ فصلاتها في بيتها خير لها؛ لما في ذلك من صيانتها وعدم افتتانها والافتتان بها، أما إذا لم تلتزم بهذا الشرط؛ فإن خروجها حرام عليها، تأثم به، ولو كان قصدها الصلاة.
ـــــــــــــــــــ
حكم حجاب المرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 18947 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم الحجاب في حق المرأة المسلمة فكثيرًا ما تتعرض المرأة المحجبة عندنا للسخرية من الغير، فهل هو واجب في جميع المذاهب الأربعة؟ وما تفسير الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الآية [سورة النور آية: 31.]، وهل معنى قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور آية: 31.] أي يغطين رؤوسهن وصدورهن مع العنق وهل يدخل الوجه في ذلك إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور آية: 31.]؟(5/1439)
نص الفتوى
الحمد لله
الحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.]، والضمير وإن كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لجميع نساء الأمة لقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.]، فهذا تعليل يشمل الجميع؛ لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل الأمة، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: آية 59.]، فهذا عام لجميع النساء من أمهات المؤمنين وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين، فالحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، والسفور حرام، وأما المراد بقوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.]، فالصحيح من قولي المفسرين أن المراد بما ظهر منها: زينة الثياب والحلي، فالمراد بذلك الزينة التي تلبسها المرأة لا زينة الجسم، وإنما المراد بالزينة الظاهرة الزينة التي تلبسها المرأة إذا ظهر منها شيء بغير قصد، فإنها لا تؤاخذ على ذلك، أما إذا تعمدت وأظهرته فإنها تأثم بذلك ويحرم عليها، فقوله: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.] أي: ظهر من غير قصد، فإذا ظهر شيء من زينة ثياب المرأة أو من حليها من غير قصد فإنها لا تأثم بذلك، ولكن إذا علمت بذلك وتركته أو تعمدت إخراجه وإظهاره فإنها تأثم لما في ذلك من الفتنة للرجال.
وأما قضية إسدال الخمار المأمور به في قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.]، فالمراد بالخمار غطاء الرأس، والمعنى: أنها تغطي بخمارها وجهها ونحرها، فتدلي الخمار من رأسها على وجهها وعلى نحرها خلافًا لما كان عليه الأمر في الجاهلية، فإن نساء الجاهلية كن يكشفن نحورهن وصدورهن ويسدلن الخمار من ورائهن كما جاء في كتب التفسير، والله جل جلاله أمر نساء المسلمين أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والمراد بالجيب فتحة الثوب من أعلاه من الأمام، فهذا يستلزم أن تغطي المرأة وجهها ونحرها ولا يظهر شيء من جسمها، لأن الوجه أعظم زينة في جسم المرأة، وهو محل الأنظار، وهو محل الفتنة، وهو مركز الحسن والجمال، فهذا هو الصحيح في تفسير الآية الكريمة أن الوجه يجب ستره، وإن كان بعض العلماء يرى جواز كشفه وكشف الكفين، ولكن كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول لا يتناسب مع سياق الآية وما فسرها به أئمة السلف من الصحابة والتابعين حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله عبيدة السلماني عن معنى قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 59.] أدنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الغطاء على وجهه وأبدى عينًا واحدة [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/497).]، فهذا تفسير منه للآية، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفسر قوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: آية 31.] بأن المراد زينة الثياب [انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/274).] كما ذكرنا، وليس زينة الوجه كما قاله، من قاله فيكون ابن(5/1440)
عباس إذًا رجع إلى قول ابن مسعود في آخر الأمرين كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه كان في أول الأمر يجوز للمرأة أن تبدي وجهها، ولكن بعدما نزلت آية الحجاب نسخ ذلك، وصارت يجب عليها تغطية وجهها [انظر "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (22/110).].
ـــــــــــــــــــ
حكم جلوس الرجال مع النساء ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 8921 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
يوجد جماعات تجمعهم روابط القرابة والنسب والصحبة، اعتادوا أن يجلسوا مع بعضهم نساء ورجالاً. فالبعض غير محارم لبعضهم بعضاً، ويتكلم بعضهم مع البعض في الدين، وقصص الحياة، دون نظرات فيها اشتياق وشهوة، أو قلوب مريضة، وغير ذلك. فهل أعمال هؤلاء أعمال خيّرة، وطاعات وعبادات، وقربات مقبولة عند الله، ومغفور لهم، ومعفو عنهم، بالرغم من عادتهم هذه ... رجاء من فضيلتكم الإفادة، جزاكم الله خيراً.
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
يجوز جلوس النساء مع الأقارب إذا كان معهم محارم، لكن بشرط التحفظ والاحتشام، والحجاب الكامل بتغطية الوجه كاملاً، ويجوز الكلام معهم بما لا خضوع فيه، ولا ذكر للعورات والفواحش، وإنما يتكلمون كلاماً عاديا، أما خلوة المرأة برجل أجنبي حتى ولو كان قريباً أو نسيباً أو صاحبا فلا يجوز، وقد يتسامح في ذلك إذا زالت الخلوة، بأن كان هناك رجال، وعدد من النساء، وحصل التحفظ والتحجب، ولم يكن هناك خلوة طويلة، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ما هي صفة الحجاب الشرعي ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10791 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...(5/1441)
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
فضيلة الشيخ هلا ذكرت لنا الحجاب الإسلامي الكامل؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحجاب الإسلامي للمرأة أن تقر في منزلها، ولا ترى الرجال الأجانب، ولا يرونها، لقوله تعالى {وقرن في بيوتكن} (الأحزاب:33). أمر بالقرار في البيت، وعدم الخروج إلا لضرورة، وإذا احتاجت للخروج والبروز أمام الرجال نهيت عن التبرج {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}(الأحزاب:33) والتبرج إبداء شيء من البدن كالوجه أو اليد أو القدم بل عليها أن تستر بدنها كله بثياب صفيقة، ساترة واسعة، لا تبين شيئاً من تفاصيل الجسم، بل تستر بدنها كله، ولا تظهر شيئاً من الزينة كالثياب الجميلة، والحلي، والبدن، لقوله تعالى {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} (النور:31) فهذا هو الحجاب الكامل، أي ستر الوجه والبدن كله وتوسيع الثياب، والمشالح والأردية، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب الشرعي ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11174 ...
رقم الفتوى
... 03/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما الحجاب الإسلامي الكامل؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحجاب الإسلامي للمرأة أن تقر في منزلها ولا ترى الرجال الأجانب ولا يرونها، لقوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}(الأحزاب:33)، أمر بالقرار في البيت وعدم الخروج إلا لضرورة وإذا احتاجت للخروج والبروز أمام الرجال نهيت عن التبرج: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}(الأحزاب:33) والتبرج إبداء شيء من البدن كالوجه أو اليد أو القدم بل عليها أن تستر بدنها كله بثياب صفيقة ساترة واسعة لا تبين شيئاً من تفاصيل الجسم بل تستر بدنها كله ولا تظهر شيئاً من الزينة كالثياب الجميلة والحلي والبدن لقوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من(5/1442)
زينتهن}(النور:31) فهذا هو الحجاب الكامل، أي: ستر الوجه والبدن كله وتوسيع الثوب والمشالح والأردية والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
حدود نظر الأخ من الرضاع إلى أخته ...
عنوان الفتوى
... محمد صالح المنجد ...
اسم المفتى
... 21494 ...
رقم الفتوى
... 30/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ماذا يجوز للأخ من الرضاعه أن يشاهد من اخته فى الرضاعة00وهل هو في نفس درجه المحارم الأخ الشقيق وهل يجوز للأخ من الرضاعة أن يشاهد من اخته شعرها وشئ من جسمها؟؟ والسلام عليكم
نص الفتوى
الجواب :
الحمد لله
.يجوز للمرأة أن تخلع حجابها أمام محارمها .
والمحرم للمرأة هو من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة ( كالأب وإن علا والابن وإن نزل والأعمام والأخوال والأخ وابن الأخ وابن الأخت ) أو رضاع ( كأخي المرأة من الرضاعة وزوج المرضعة ) أو صهرية ( كزوج الأم وأبي الزوج وإن علا وولد الزوج وإن نزل ) . وإليك أيتها السائلة تفصيلا للموضوع :
المحارم من النسب :
وهؤلاء هم المذكورون في سورة النور في قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن .. ) سورة النور/31 . وقد قال المفسرون : إن محارم المرأة من الرجال بسبب النسب على ما صرحت به هذه الآية الكريمة أو دلت عليه هم من يأتي :
أولاً : الآباء ، أي آباء النساء وإن علوا من جهة الذكور والإناث كآباء الآباء وآباء الأمهات ، أما آباء بعولتهن فهم من المحارم بالمصاهرة كما سنبينه .
ثانياً : الأبناء : أي أبناء النساء ، فيدخل فيهم أولاد الأولاد وإن نزلوا من الذكور والإناث مثل بني البنين ، وبني البنات ، أما ( أبناء بعولتهن ) في الآية الكريمة فهم أبناء أزواجهن من غيرهن ، وهؤلاء محارم بسبب المصاهرة لا بسبب النسب كما سنبينه لاحقاً .
ثالثاً : إخوانهن سواء كانوا اخوة لأم وأب ، أو لأب فقط أو لأم فقط .
رابعاً : بنو إخوانهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بنات الأخوات .(5/1443)
خامساً : العم والخال وهما من المحارم من النسب ولم يذكروا في الآية الكريمة لأنهما يجريان مجرى الوالدين ، وهما عند الناس بمنزلة الوالدين ، والعم قد يسمى أبا قال تعالى : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق .. ) البقرة /133 . وإسماعيل كان العم لبني يعقوب . تفسير الرازي 23/206 ، وتفسير القرطبي 12/232و233 ، وتفسير الآلوسي 18/143، وفتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حين خان 6/352 .
المحارم بسبب الرضاع
ومحارم المرأة قد يكونون بسبب الرضاع ، جاء في تفسير الآلوسي : ( ثم إن المحرمية المبيحة لإبداء الزينة للمحارم كما تكون من جهة النسب تكون من جهة الرضاع ، فيجوز أن يبدين زينتهن لآبائهن أو أبنائهن من الرضاع تفسير الآلوسي 18/143 لأن المحرمية بسبب الرضاع كالمحرمية بسبب النسب تمنع النكاح على التأبيد بالنسبة لأطراف المحرمية ، وهذا ما أشار إليه الإمام الجصاص وهو يفسر هذه الآية فقال - رحمه الله - : ( لما ذكر الله تعالى مع الآباء ذوي المحارم الذين يحرم عليهم نكاحهن تحريماً مؤبداً ، دل ذلك على أن من كان في التحريم بمثابتهم فحكمه حكمهم مثل أم المرأة والمحرمات من الرضاع ونحوهم ) أحكام القرآن للجصاص 3/317 .
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب :
وقد جاء في السنة النبوية الشريفة : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ، ومعنى ذلك أن المحارم للمرأة كما يكونون بسبب النسب يكونون أيضاً بسبب الرضاع ، فقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( إن أفلح أخا أبي قٌعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب ، فأبيت أن آذن له ، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمر أن آذان له ) صحيح البخاري بشرح العسقلاني 9/150 وقد روى هذا الحديث الإمام مسلم ولفظه : ( عن عروة عن عائشة أنها أخبرته أن عمها من الرضاعة يسمى أفلح استأذن عليها فحجبته ، فأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها : لا تحتجبي منه ، فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) صحيح مسلم بشرح النووي 10/22 .
محارم المرأة من الرضاع مثل محارمها من النسب :
وقد صرح الفقهاء متبعين ما دل عليه القرآن والسنة ، بأن محارم المرأة بسبب الرضاع مثل محارمها من النسب ، فيجوز لها أن تبدي زينتها لمحارمها من الرضاع كما تبدي زينتها لمحارمها من النسب ، ويحل لهم النظر من بدنها ما يحل لمحارمها من النسب من النظر إلى بدنها .
المحارم بسبب المصاهرة :
محارم المرأة بسبب المصاهرة هم الذين يحرم عليهم نكاحها على وجه التأبيد ، مثل زوجة الأب ، وزوجة الابن ، وأم الزوجة شرح المنتهى 3/7 .(5/1444)
فالمحرم بالمصاهرة بالنسبة لزوجة الأب هو ابنه من غيرها ، وبالنسبة لزوجة الابن هو أبوه ، وبالنسبة لأم الزوجة هو الزوج ، وقد ذكر الله تعالى في آية سورة النور : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن .. ) وآباء بعولتهن وأبناء بعولتهن من محارم المرأة بالمصاهرة ، وقد ذكرهم الله تعالى مع آبائهن وأبنائهن وساواهم جميعاً في حق إبداء الزينة لهم . المغني 6/555
ـــــــــــــــــــ
حجاب المرأة المسلمة ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 21941 ...
رقم الفتوى
... 07/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هو الحجاب الشرعي للمراة المسلمة ؟!
نص الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد مما يخرج المرأة عن حد التبرج أن تكون ملابسها موافقة لأدب الشرع الإسلامي، واللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية: أولا: أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله: (إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان ثانيا: ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟. ثالثا: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها. فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث ... وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة. رابعا: ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل(5/1445)
معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل ... فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها ... حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ... فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة ... فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته ... فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء. فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها. هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به ... ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا واستراحوا ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال ... وذلك شر وفتنة من فتن العصر ... أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته ... قفي عند حدك ... بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته ... لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة ... ولا أن يقول لها شيئا من ذلك ... ضعف الرجال ... لضعف الدين ... وضعف اليقين ... وضعف الإيمان. والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم ... لا بد من هذا ... ولا بد أن نقاوم هذا الزحف ... وهذا التيار.. ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم ... وبتعاليمه القويمة ... سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته ... والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
هل تعمل المرأة جزارة ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20996 ...
رقم الفتوى
... 06/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...(5/1446)
نص السؤال
هل يجوز للمرأة أن تعمل جزارة.
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته
لم يحرم الإسلام على المرأة العمل ولكن نظرا لطبيعتها الشخصية فإن الإسلام قد اختار لها العمل المناسب الذي يناسب طبييعتها التي فطرت عليها، وإليك الشروط التي يجب توافرها في عمل المرأة حتى يكون مباحا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: (بعضكم من بعض) (آل عمران: 195) والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا
والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) (آل عمران 195)، وهي مثابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طيبة). (النحل: 97).
والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا.
على أن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال، الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمة، وبه تتكون أعظم ثرواتها، وهي الثروة البشرية.
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق.
ومثل ذلك عملها في رعاية بيتها ؛ وإسعاد زوجها، وتكوين أسرة سعيدة، قائمة على السكون والمودة والرحمة، وقد ورد: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعد جهادًا في سبيل الله.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم.
وعلى هذا الأساس نقول: إن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.
وقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي(5/1447)
ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: (قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير). (القصص: 23).
وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة.
وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء وتمريضهن، وتعليم البنات، ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة.. فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل.
وقبول الرجل في بعض الأحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة.
وإذا أجزنا عمل المرأة، فالواجب أن يكون مقيدًا بعدة شروط:.
1- أن يكون العمل في ذاته مشروعًا، بمعنى ألا يكون عملها حرامًا في نفسه أو مفضيًا إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادمة لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به، أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا، أو عاملة في " بار " تقدم الخمر التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقيها وحاملها وبائعها، أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها تقديم المسكرات، والسفر البعيد بغير محرم، بما يلزمه من المبيت وحدها في بلاد الغربة، أو غير ذلك من الأعمال التي حرمها الإسلام على النساء خاصة أو على الرجال والنساء جميعا.
2ـ أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها في الزي والمشي والكلام والحركة: (وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (النور: 31).(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (النور: 31).(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب :32).
3ـ ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها وهو واجبها الأول وعملها الأساسي.
والله أعلم
وفي فتاوى مركز الفتوى بالشبكة الإسلامية:
اضطرت المرأة للعمل وجب عليها أن لا تعمل في مكان تختلط فيه مع الرجال. وإن كانت طبيعة عملها تستوجب التعامل مع الرجال فليكن ذلك بدون اختلاط وبغاية قصوى من الحذر. ويجب على المرأة أن تكون متحجبة بالحجاب الشرعي ومحتشمة وإن اضطرت إلى مكالمة الرجال فلا تخضع بالقول كما قال الله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض). [الأحزاب: 32] . كما يجب عليها أن تحذر مس الطبيب غاية الحذر، وأن لا تسمح لنفسها بالخلوة بأحد من الرجال فهذا من أعظم المنكرات. والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
ضوابط عمل المرأة ...
عنوان الفتوى(5/1448)
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20997 ...
رقم الفتوى
... 06/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا حاصلة علي ماجيستير اللغة الإنجليزية وأعمل مدرس مساعد بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. أريد أن أعرف إذا كان عملي هذا حلال أم حرام حيث إنني ألقي محاضرات أمام الطلبة من البنين والبنات وأضطر أحيانا إلي التحدث مع الطلاب والزملاء الرجال. فهل هذا اختلاط محرم. ولقد قرأت رأي الشيخ الشعراوي الذي يقول أن المرأة تعمل فقط عند الحاجة فهل هذا يعني أنني لا يجب علي العمل إن كنت في غير احتياج مادي. أم أن العلم الذى أدرسه يعتبر ذو فائدة للإسلام ويجب علي الاستمرار في هذا العمل. أرجو من فضيلتكم الإفادة.
نص الفتوى
الأستاذة الفاضلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
بداية لابد أن نقرر مجموعة من الحقائق:
الأولى: ضرورة وحتمية التزام المرأة بالحجاب الشرعي حين الخروج سواء كان للعمل أو غير العمل.
الثانية: أن المرأة نصف المجتمع وأنه من الضروري أن تشارك في العمل.
الثالثة: أن مبنى أمر المسلمة على الستر وأن عملها مع بنات جنسها أفضل إذا توفر.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: (بعضكم من بعض) (آل عمران: 195) والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا
والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) (آل عمران 195)، وهي مثابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طيبة). (النحل: 97).
والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا.
على أن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال، الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام(5/1449)
المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمة، وبه تتكون أعظم ثرواتها، وهي الثروة البشرية.
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق.
ومثل ذلك عملها في رعاية بيتها ؛ وإسعاد زوجها، وتكوين أسرة سعيدة، قائمة على السكون والمودة والرحمة، وقد ورد: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعد جهادًا في سبيل الله.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم.
وعلى هذا الأساس نقول: إن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.
وقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: (قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير). (القصص: 23).
وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة.
وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء وتمريضهن، وتعليم البنات، ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة.. فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل.
وقبول الرجل في بعض الأحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة.
وإذا أجزنا عمل المرأة، فالواجب أن يكون مقيدًا بعدة شروط:.
1 أن يكون العمل في ذاته مشروعًا، بمعنى ألا يكون عملها حرامًا في نفسه أو مفضيًا إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادمة لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به، أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا، أو عاملة في " بار " تقدم الخمر التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقيها وحاملها وبائعها، أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها تقديم المسكرات، والسفر البعيد بغير محرم، بما يلزمه من المبيت وحدها في بلاد الغربة، أو غير ذلك من الأعمال التي حرمها الإسلام على النساء خاصة أو على الرجال والنساء جميعا.
2ـ أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها في الزي والمشي والكلام والحركة: (وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (النور: 31).(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من(5/1450)
زينتهن) (النور: 31).(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب :32).
3ـ ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها وهو واجبها الأول وعملها الأساسي.
والله أعلم
أما عن العمل مع الرجال فاللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.(5/1451)
5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.
6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
ضوابط النظر بين الرجل والمرأة ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20814 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة وبركاته، وبعد
الله تعالى يخاطب النساء بغض البصر يعني عن الرجال ولكن كيف, هل عن عورة الرجل أم عن وجهه أم عن ماذا كذلك مع تبيان؟ حديث الرجل الأعمى ونساء الرسول (ص) عندما أمرهن بغض البصر
جزاكم الله خيرًا
نص الفتوى
أخي السائل سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
يقول الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي. في ضوابط النظر بين الرجل والمرأة "خلق الله الأحياء كلها أزواجًا بل خلق الكون كله أزواجًا كما قال تعالى : (سُبحَان الذي خلَقَ الأزواج كلها مما تُنْبِت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) (يس: 36).وقال: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون). (الذاريات: 49).
وعلى هذه السنة الكونية العامة كان خلق الإنسان من زوجين: ذكر وأنثى، حتى يمكن أن تستمر الحياة الإنسانية وتنمو وتكتمل،.وجعل في كل جنس منهما قابلية الانجذاب إلى الجنس الآخر، فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ومنذ خلق الله آدم خلق له ومنه زوجًا ليسكن إليها، ويأنس بها، وتأنس به، فإنه بحكم فطرته لا يستطيع أن يسعد وحده، وإن كان في الجنة يأكل منها رغدًا حيث شاء.(5/1452)
وكان أول تكليف إلهي موجها إلى الاثنين معًا آدم وزوجه: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغَدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين). (البقرة: 35).
فعاشا في الجنة معًا، وأكلا من الشجرة المنهي عنها معًا، وتابا إلى الله معًا، ونزلا إلى الأرض معًا، وتوجهت إليهما التكاليف الإلهية معًا: (قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هُدًى فمن اتَّبَع هداي فلا يَضِلّ ولا يَشْقَى). (طه: 123).
واستمرت الحياة بعد ذلك لا يستغني الرجال عن النساء، ولا يستغني النساء عن الرجال (بعضكم من بعض)، فأعباء الدين والدنيا مشتركة بينهما.
ولهذا لا يتصور أن يعيش الرجل وحده بعيدًا عن المرأة لا يراها ولا تراه، إلا إذا خرج عن سواء الفطرة، واعتزل الحياة، كما فعلت الرهبانية التي ابتدعها النصارى، وقسوا فيها على أنفسهم قسوة لا تقرها فطرة سليمة ولا شريعة قويمة، حتى إنهم كانوا يهربون من ظل المرأة، ولو كانت مَحْرَمًا، أمًّا أو أختًا . ولهذا حرموا على أنفسهم الزواج، واعتبروا الحياة المثالية للمؤمن هي التي لا يتصل فيها بامرأة، ولا تتصل به امرأة، على أي وجه من الوجوه.
ولا يتصور كذلك أن تعيش المرأة وحدها في عزلة تامة عن الرجال، فالحياة قائمة على تعاون الجنسين في أمور المعاش والمعاد: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض). (التوبة: 71).
وقد ذكرنا في موضع آخر أن القرآن جعل إمساك المرأة في البيت بحيث لا تخرج منه، عقوبة للمرأة التي ترتكب الفاحشة علانية حتى يشهد عليها أربعة من الرجال المسلمين، وذلك قبل استقرار التشريع، وإيجاب الحدود المعلومة.. قال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). (النساء: 15).
كما أن هنا حقيقة أخرى يجب أن تذكر إلى جوار حاجة كل من الرجل والمرأة إلى الآخر وهي أن الله سبحانه غرس في فطرة كل واحد من الجنسين قابلية الانجذاب إلى الجنس الآخر، والميل إليه ميلاً شهويًّا غريزيا، بسببه يحدث اللقاء والإنجاب وبقاء النوع، وعمران الأرض.
فلا يجوز أن ننسى هذه الحقيقة، حين نتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، ولا يقبل من بعض الناس أن يدَّعوا لأنفسهم أنهم أكبر من أن تؤثر فيهم الشهوات أو تستثار فيهم الغرائز، أو يضحك عليهم الشيطان.
وفي ضوء هذه المسلَّمات يجب أن ننظر في قضية نظر المرأة إلى الرجل.
من المتفق عليه: أن النظر إلى العورة حرام، بشهوة أم بغير شهوة، إلا إن وقع ذلك فجأة بغير قصد ولا تعمد، وهو ما جاء فيه الحديث الصحيح الذي رواه جرير بن عبد الله: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة فقال: " اصرف بصرك ".رواه مسلم.
ولكن يبقى البحث هنا عن عورة الرجل ما هي ؟.(5/1453)
فالسوءتان عورة مغلظة متفق على تحريم كشفها أو النظر إليها، إلا في حالة الضرورة كالعلاج ونحوه، وحتى لو كانت مغطاة بما يجسمها ويبرزها أو يشف عنها، فهو محظور شرعا.
وأكثر الفقهاء على أن الفخذين من العورة، وأن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، وقد استدلوا على ذلك ببعض الأحاديث التي لم تسلم من التعليل، وبعضهم حسنها وربما صححها بمجموع طرقها، وإن كان كل واحد منها في ذاته يقصر عن الاحتجاج به على إفادة حكم شرعي.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الفخذ ليس بعورة، مستدلين بحديث أنس أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حسر عن فخذه في بعض المواضع، ونصر هذا المذهب أبو محمد بن حزم.
ومذهب المالكية المنصوص عليه في كتبهم أن العورة المغلظة من الرجل هي السوءتان فقط أي القبل والدبر.. وهي التي تبطل الصلاة بكشفها أبدًا مع القدرة.
وحاول فقهاء الحديث الجمع بين الروايات المتعارضة إن أمكن ذلك، أو الترجيح بينها، فقال الإمام البخاري في صحيحه: (باب ما يذكر في الفخذ: وروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: أن الفخذ عورة، وقال أنس: " حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه "، وحديث أنس أسند أي أقوى سندًا وحديث جرهد أحوط) (يلاحظ أن البخاري علق الحديث بصيغة التضعيف " روي " مما يدل على ضعفه عنده، كما ذكر في الترجمة).
واتجه الشوكاني في " نيل الأوطار " إلى توجيه الأحاديث التي ذكرت أن الفخذ عورة على أنها حكاية حال لا عموم لها.
أما المحقق ابن القيم فقال في " تهذيب سنن أبي داود " :.
(وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم: أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة، فالمغلظة السوءتان، والمخففة الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة، والله أعلم).
وفي هذا رخصة للرياضيين وغيرهم ممن تستلزم هواياتهم وممارساتهم الملابس القصيرة، مثل "الشورت " ونحوه، وكذلك من يشاهدونهم.. وكذلك الكشافة والجوالة، وإن كان يجب على المسلمين أن يفرضوا على تلك المنظمات العالمية طابعهم الخاص وما تقتضيه قيمهم الدينية ما استطاعوا.
وينبغي التنبيه هنا، أن ما كان عورة من الرجل، فالنظر إليه حرام من المرأة والرجل جميعًا وهذا أمر واضح.
وأما ما لم يكن عورة من الرجل، كالنظر إلى وجهه وشعره وذراعيه وساقيه وما إلى ذلك، فالقول الصحيح أنه جائز، ما لم يصحب ذلك شهوة، أو خوف فتنة.. وهذا هو رأي جمهور فقهاء الأمة، وهو الذي دل عليه عمل المسلمين منذ عصر النبوة، وما بعده من خير القرون، ودلت عليه أحاديث صحيحة صريحة لا تقبل طعنًا(5/1454)
وذهب بعض الفقهاء إلى منع المرأة من رؤية الرجال عامة، مستدلين بما ذكرته السائلة في سؤالها.
أما حديث فاطمة رضي الله عنها، فلا قيمة له من الناحية العلمية، ولم أره في كتاب من كتب أدلة الأحكام، ولا استدل به فقيه من الفقهاء، حتى المتشددون الذين منعوا المرأة من النظر إلى الرجل لم يذكروه، وإنما ذكره الإمام الغزالي في " الإحياء "، وقال الحافظ العراقي في تخريجه: رواه البزار والدارقطني في "الأفراد " من حديث على بسند ضعيف. (ذكره في كتاب النكاح، باب آداب المعاشرة، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد جـ 2/202 وقال: رواه البزار وفيه من لم أعرفه).
وأما الحديث الآخر، فنجد الرد عليه فيما ذكره ابن قدامة في تلخيص الرأي في المسألة، حيث قال في " المغني " فأوجز وأحسن:.
(فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان:.
إحداهما: لها النظر إلى ما ليس بعورة.
والأخرى: لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر، وهذا أحد قولي الشافعي.
لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت: كنت قاعدة عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " احتجبا منه "، فقلت: يا رسول الله، إنه ضرير لا يبصر، قال: " أفعمياوان أنتما لا تبصرانه ؟ " رواه أبو داود وغيره.
ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به.
ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسًا على الرجال.
يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة، وهذا في المرأة أبلغ، فإنها أشد شهوة وأقل عقلاً، فتسارع الفتنة إليها أكثر.
ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس: " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فلا يراك " متفق عليه. (وفي رواية لمسلم: " فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين " ومعنى هذا أنه أراد الرفق بها والتيسير عليها، فلا تظل طوال اليوم ملتزمة بالثياب الساترة للجسم كله إذا بقيت عند أم شريك كثيرة الضيفان.. أما ابن أ م مكتوم فإنه لا يراها، فيمكنها بعض التخفف).
وقالت عائشة: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد " متفق عليه.
ويوم فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطبة العيد " مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة ".
ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب، كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم.(5/1455)
فأما حديث نبهان، فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين. يعني هذا الحديث، وحديث " إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه " وكأنه أشار إلى ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول.
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة.
ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذلك قال أحمد وأبو داود.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كأن حديث نبهان لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، وحديث فاطمة لسائر الناس ؟ قال: نعم. (وقال أبو داود بعد رواية الحديث: وهذه لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ؟.انظر سنن أبي داود، حديث 4112).
وإن قدر التعارض، فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال). (المغني لابن قدامة 6/563،564).
بقي هنا قيد مفروغ منه، وهو ما ذكرناه في نظر الرجل إلى المرأة، وأعني به ألا يكون مصحوبًا بالتلذذ والشهوة، وإلا حرم، ولهذا أمر الله المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، كما أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم سواء.. قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَّ من أبصارهن ويحفظن فروجهن...). (النور: 30، 31.الآية).
صحيح أن المرأة تثير الرجل وتحرك شهوته، أكثر مما يثير الرجل المرأة، وأن المرأة أكثر جاذبية للرجل، وهي المطلوبة غالبًا والرجل هو الطالب، ولكن هذا كله لا يمنع أن من الرجال من يجذب عين المرأة وقلبها بشبابه ووسامته، أو بقوته وفحولته، أو بغير ذلك من المعاني التي ترنو إليها أعين بعض النساء، أو تهفو إليها قلوبهن.
وقد قص علينا القرآن الكريم قصة امرأة العزيز مع فتاها يوسف، الذي شغفها حبًا وكيف غدت هي الطالبة لا المطلوبة، وكيف راودته عن نفسه وقالت: (هيت لك قال معاذ الله). (يوسف :23).
كما قص علينا موقف نسوة المدينة حينما رأين يوسف لأول مرة بما آتاه الله من شباب وحسن ونضارة وقوة: (فلما رأينه أكْبَرْنَه وقَطَّعْن أيديهن وقُلْن حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.. قالت فَذَلِكُنّ الذي لُمْتُنَّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَنَنَّ وليكونًا من الصاغرين). (يوسف "31،32).
فإذا نظرت المرأة إلى رجل معين، فتحركت فيها عوامل الأنوثة، فعليها أن تغض بصرها، ولا تتابع النظر إليه، بعدًا عن مظنة الفتنة، ويزداد الأمر خطرًا إذا بادلها الرجل النظر بنفس الرغبة والشهوة.. فهذا هو النظر الذي سموه (بريد الزنى) والذي وُصِف بأنه (سهم مسموم من سهام إبليس) وهو الذي قال فيه الشاعر:.
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر!.
فالسلامة في البعد عن مواضع الشرر، ومواقع الخطر، ونسأل الله العافية في الدين والدنيا... آمين.(5/1456)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
عمل المرأة وعلاقتها بالمدير ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20869 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل يجوز عمل المرأة بشكل عام؟
هل يجوز الاستماع للمدير عند الحديث في أموره الشخصية (إنني أستمع ولكن لا أرد عليه).
نص الفتوى
الأخت السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
بالنسبة للضوابط الشرعية التي تجيز عمل المرأة فيحدثك عنها فضيلة الدكتور القرضاوي قائلا: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: (بعضكم من بعض) (آل عمران: 195) والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا
والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) (آل عمران 195)، وهي مثابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طيبة). (النحل: 97).
والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا.
على أن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال، الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمة، وبه تتكون أعظم ثرواتها، وهي الثروة البشرية.
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق.(5/1457)
ومثل ذلك عملها في رعاية بيتها ؛ وإسعاد زوجها، وتكوين أسرة سعيدة، قائمة على السكون والمودة والرحمة، وقد ورد: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعد جهادًا في سبيل الله.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم.
وعلى هذا الأساس نقول: إن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.
وقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: (قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير). (القصص: 23).
وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة.
وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء وتمريضهن، وتعليم البنات، ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة.. فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل.
وقبول الرجل في بعض الأحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة.
وإذا أجزنا عمل المرأة، فالواجب أن يكون مقيدًا بعدة شروط:.
1 أن يكون العمل في ذاته مشروعًا، بمعنى ألا يكون عملها حرامًا في نفسه أو مفضيًا إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادمة لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به، أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا، أو عاملة في " بار " تقدم الخمر التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقيها وحاملها وبائعها، أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها تقديم المسكرات، والسفر البعيد بغير محرم، بما يلزمه من المبيت وحدها في بلاد الغربة، أو غير ذلك من الأعمال التي حرمها الإسلام على النساء خاصة أو على الرجال والنساء جميعا.
2ـ أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها في الزي والمشي والكلام والحركة: (وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (النور: 31).(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (النور: 31).(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب :32).
3ـ ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها وهو واجبها الأول وعملها الأساسي.
والله أعلم(5/1458)
أما عن العمل مع الرجال فاللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.(5/1459)
6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال. والله أعلم أ. هـ
أما مسألة حديث المدير عن أموره الشخصية فإن كان المراد بها الحديث عن علاقته الخاصة مع زوجته أو غير زوجته فهذا لا يجوز استماع الرجل إليه فما بالنا بالمرأة وهو الطريق إلى الفاحشة والمعصية.
أما إن كان من باب الهموم والمشاكل فإن روعيت الضوابط الشرعيىة من التزامك بالحجاب وعدم الخلوة فلا يجوز لك مثلا أن تدخلي عليه مكتبه وهو بمفرده فمن الممكن إذا كان في حضور جمع أن تسمعي له.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
نظر المرأة إلى الرجل في التلفاز ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20870 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم أود معرفة المقصود بالنظرة الحرام وهل إذا نظرت إلى رجل في التلفاز حرام، أفيدونا جزاكم الله خيرا.
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
يقول الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي. في ضوابط النظر بين الرجل والمرأة:
"خلق الله الأحياء كلها أزواجًا بل خلق الكون كله أزواجًا كما قال تعالى : (سُبحَان الذي خلَقَ الأزواج كلها مما تُنْبِت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) (يس: 36).وقال: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون). (الذاريات: 49).
وعلى هذه السنة الكونية العامة كان خلق الإنسان من زوجين: ذكر وأنثى، حتى يمكن أن تستمر الحياة الإنسانية وتنمو وتكتمل،.وجعل في كل جنس منهما قابلية الانجذاب إلى الجنس الآخر، فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ومنذ خلق الله آدم خلق له ومنه زوجًا ليسكن إليها، ويأنس بها، وتأنس به، فإنه بحكم فطرته لا يستطيع أن يسعد وحده، وإن كان في الجنة يأكل منها رغدًا حيث شاء.(5/1460)
وكان أول تكليف إلهي موجها إلى الاثنين معًا آدم وزوجه: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغَدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين). (البقرة: 35).
فعاشا في الجنة معًا، وأكلا من الشجرة المنهي عنها معًا، وتابا إلى الله معًا، ونزلا إلى الأرض معًا، وتوجهت إليهما التكاليف الإلهية معًا: (قال اهبطا منها جميعًا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هُدًى فمن اتَّبَع هداي فلا يَضِلّ ولا يَشْقَى). (طه: 123).
واستمرت الحياة بعد ذلك لا يستغني الرجال عن النساء، ولا يستغني النساء عن الرجال (بعضكم من بعض)، فأعباء الدين والدنيا مشتركة بينهما.
ولهذا لا يتصور أن يعيش الرجل وحده بعيدًا عن المرأة لا يراها ولا تراه، إلا إذا خرج عن سواء الفطرة، واعتزل الحياة، كما فعلت الرهبانية التي ابتدعها النصارى، وقسوا فيها على أنفسهم قسوة لا تقرها فطرة سليمة ولا شريعة قويمة، حتى إنهم كانوا يهربون من ظل المرأة، ولو كانت مَحْرَمًا، أمًّا أو أختًا . ولهذا حرموا على أنفسهم الزواج، واعتبروا الحياة المثالية للمؤمن هي التي لا يتصل فيها بامرأة، ولا تتصل به امرأة، على أي وجه من الوجوه.
ولا يتصور كذلك أن تعيش المرأة وحدها في عزلة تامة عن الرجال، فالحياة قائمة على تعاون الجنسين في أمور المعاش والمعاد: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض). (التوبة: 71).
وقد ذكرنا في موضع آخر أن القرآن جعل إمساك المرأة في البيت بحيث لا تخرج منه، عقوبة للمرأة التي ترتكب الفاحشة علانية حتى يشهد عليها أربعة من الرجال المسلمين، وذلك قبل استقرار التشريع، وإيجاب الحدود المعلومة.. قال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً). (النساء: 15).
كما أن هنا حقيقة أخرى يجب أن تذكر إلى جوار حاجة كل من الرجل والمرأة إلى الآخر وهي أن الله سبحانه غرس في فطرة كل واحد من الجنسين قابلية الانجذاب إلى الجنس الآخر، والميل إليه ميلاً شهويًّا غريزيا، بسببه يحدث اللقاء والإنجاب وبقاء النوع، وعمران الأرض.
فلا يجوز أن ننسى هذه الحقيقة، حين نتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، ولا يقبل من بعض الناس أن يدَّعوا لأنفسهم أنهم أكبر من أن تؤثر فيهم الشهوات أو تستثار فيهم الغرائز، أو يضحك عليهم الشيطان.
وفي ضوء هذه المسلَّمات يجب أن ننظر في قضية نظر المرأة إلى الرجل.
من المتفق عليه: أن النظر إلى العورة حرام، بشهوة أم بغير شهوة، إلا إن وقع ذلك فجأة بغير قصد ولا تعمد، وهو ما جاء فيه الحديث الصحيح الذي رواه جرير بن عبد الله: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة فقال: " اصرف بصرك ".رواه مسلم.
ولكن يبقى البحث هنا عن عورة الرجل ما هي ؟.(5/1461)
فالسوءتان عورة مغلظة متفق على تحريم كشفها أو النظر إليها، إلا في حالة الضرورة كالعلاج ونحوه، وحتى لو كانت مغطاة بما يجسمها ويبرزها أو يشف عنها، فهو محظور شرعا.
وأكثر الفقهاء على أن الفخذين من العورة، وأن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، وقد استدلوا على ذلك ببعض الأحاديث التي لم تسلم من التعليل، وبعضهم حسنها وربما صححها بمجموع طرقها، وإن كان كل واحد منها في ذاته يقصر عن الاحتجاج به على إفادة حكم شرعي.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الفخذ ليس بعورة، مستدلين بحديث أنس أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حسر عن فخذه في بعض المواضع، ونصر هذا المذهب أبو محمد بن حزم.
ومذهب المالكية المنصوص عليه في كتبهم أن العورة المغلظة من الرجل هي السوءتان فقط أي القبل والدبر.. وهي التي تبطل الصلاة بكشفها أبدًا مع القدرة.
وحاول فقهاء الحديث الجمع بين الروايات المتعارضة إن أمكن ذلك، أو الترجيح بينها، فقال الإمام البخاري في صحيحه: (باب ما يذكر في الفخذ: وروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: أن الفخذ عورة، وقال أنس: " حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه "، وحديث أنس أسند أي أقوى سندًا وحديث جرهد أحوط) (يلاحظ أن البخاري علق الحديث بصيغة التضعيف " روي " مما يدل على ضعفه عنده، كما ذكر في الترجمة).
واتجه الشوكاني في " نيل الأوطار " إلى توجيه الأحاديث التي ذكرت أن الفخذ عورة على أنها حكاية حال لا عموم لها.
أما المحقق ابن القيم فقال في " تهذيب سنن أبي داود " :.
(وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم: أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة، فالمغلظة السوءتان، والمخففة الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة، وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة، والله أعلم).
وفي هذا رخصة للرياضيين وغيرهم ممن تستلزم هواياتهم وممارساتهم الملابس القصيرة، مثل "الشورت " ونحوه، وكذلك من يشاهدونهم.. وكذلك الكشافة والجوالة، وإن كان يجب على المسلمين أن يفرضوا على تلك المنظمات العالمية طابعهم الخاص وما تقتضيه قيمهم الدينية ما استطاعوا.
وينبغي التنبيه هنا، أن ما كان عورة من الرجل، فالنظر إليه حرام من المرأة والرجل جميعًا وهذا أمر واضح.
وأما ما لم يكن عورة من الرجل، كالنظر إلى وجهه وشعره وذراعيه وساقيه وما إلى ذلك، فالقول الصحيح أنه جائز، ما لم يصحب ذلك شهوة، أو خوف فتنة.. وهذا هو رأي جمهور فقهاء الأمة، وهو الذي دل عليه عمل المسلمين منذ عصر النبوة، وما بعده من خير القرون، ودلت عليه أحاديث صحيحة صريحة لا تقبل طعنًا(5/1462)
وذهب بعض الفقهاء إلى منع المرأة من رؤية الرجال عامة، أما حديث فاطمة رضي الله عنها، فلا قيمة له من الناحية العلمية، ولم أره في كتاب من كتب أدلة الأحكام، ولا استدل به فقيه من الفقهاء، حتى المتشددون الذين منعوا المرأة من النظر إلى الرجل لم يذكروه، وإنما ذكره الإمام الغزالي في " الإحياء "، وقال الحافظ العراقي في تخريجه: رواه البزار والدارقطني في "الأفراد " من حديث على بسند ضعيف. (ذكره في كتاب النكاح، باب آداب المعاشرة، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد جـ 2/202 وقال: رواه البزار وفيه من لم أعرفه).
وأما الحديث الآخر، فنجد الرد عليه فيما ذكره ابن قدامة في تلخيص الرأي في المسألة، حيث قال في " المغني " فأوجز وأحسن:.
(فأما نظر المرأة إلى الرجل ففيه روايتان:.
إحداهما: لها النظر إلى ما ليس بعورة.
والأخرى: لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر إليه منها اختاره أبو بكر، وهذا أحد قولي الشافعي.
لما روى الزهري عن نبهان عن أم سلمة قالت: كنت قاعدة عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " احتجبا منه "، فقلت: يا رسول الله، إنه ضرير لا يبصر، قال: " أفعمياوان أنتما لا تبصرانه ؟ " رواه أبو داود وغيره.
ولأن الله تعالى أمر النساء بغض أبصارهن كما أمر الرجال به.
ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسًا على الرجال.
يحققه أن المعنى المحرم للنظر خوف الفتنة، وهذا في المرأة أبلغ، فإنها أشد شهوة وأقل عقلاً، فتسارع الفتنة إليها أكثر.
ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت قيس: " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فلا يراك " متفق عليه. (وفي رواية لمسلم: " فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين " ومعنى هذا أنه أراد الرفق بها والتيسير عليها، فلا تظل طوال اليوم ملتزمة بالثياب الساترة للجسم كله إذا بقيت عند أم شريك كثيرة الضيفان.. أما ابن أم مكتوم فإنه لا يراها، فيمكنها بعض التخفف).
وقالت عائشة: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد " متفق عليه.
ويوم فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطبة العيد " مضى إلى النساء فذكرهن ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة ". ولأنهن لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب، كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم. فأما حديث نبهان، فقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين. يعني هذا الحديث، وحديث " إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه " وكأنه أشار إلى ضعف حديثه، إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول.(5/1463)
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة.
ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذلك قال أحمد وأبو داود.
قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كأن حديث نبهان لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، وحديث فاطمة لسائر الناس ؟ قال: نعم. (وقال أبو داود بعد رواية الحديث: وهذه لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ؟.انظر سنن أبي داود، حديث 4112).
وإن قدر التعارض، فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال). (المغني لابن قدامة 6/563،564).
بقي هنا قيد مفروغ منه، وهو ما ذكرناه في نظر الرجل إلى المرأة، وأعني به ألا يكون مصحوبًا بالتلذذ والشهوة، وإلا حرم، ولهذا أمر الله المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، كما أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم سواء.. قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَّ من أبصارهن ويحفظن فروجهن...). (النور: 30، 31.الآية).
صحيح أن المرأة تثير الرجل وتحرك شهوته، أكثر مما يثير الرجل المرأة، وأن المرأة أكثر جاذبية للرجل، وهي المطلوبة غالبًا والرجل هو الطالب، ولكن هذا كله لا يمنع أن من الرجال من يجذب عين المرأة وقلبها بشبابه ووسامته، أو بقوته وفحولته، أو بغير ذلك من المعاني التي ترنو إليها أعين بعض النساء، أو تهفو إليها قلوبهن.
وقد قص علينا القرآن الكريم قصة امرأة العزيز مع فتاها يوسف، الذي شغفها حبًا وكيف غدت هي الطالبة لا المطلوبة، وكيف راودته عن نفسه وقالت: (هيت لك قال معاذ الله). (يوسف :23).
كما قص علينا موقف نسوة المدينة حينما رأين يوسف لأول مرة بما آتاه الله من شباب وحسن ونضارة وقوة: (فلما رأينه أكْبَرْنَه وقَطَّعْن أيديهن وقُلْن حاش لله ما هذا بشرًا إن هذا إلا ملك كريم.. قالت فَذَلِكُنّ الذي لُمْتُنَّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجَنَنَّ وليكونًا من الصاغرين). (يوسف "31،32).
فإذا نظرت المرأة إلى رجل معين، فتحركت فيها عوامل الأنوثة، فعليها أن تغض بصرها، ولا تتابع النظر إليه، بعدًا عن مظنة الفتنة، ويزداد الأمر خطرًا إذا بادلها الرجل النظر بنفس الرغبة والشهوة.. فهذا هو النظر الذي سموه (بريد الزنى) والذي وُصِف بأنه (سهم مسموم من سهام إبليس) وهو الذي قال فيه الشاعر:.
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر!.
فالسلامة في البعد عن مواضع الشرر، ومواقع الخطر، ونسأل الله العافية في الدين والدنيا... آمين.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم الاختلاط لطلب العلم ...(5/1464)
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20871 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وبعد أسأل الله أن يسدد خطاكم ويجزل لكم الثواب أبعث لكم اليوم سائلة عن حكم الدراسة في الجامعات المختلطة مع الالتزام بالحجاب والنقاب حيث إنني مبتعثة مع زوجي إلى كندا وبقي على إقامتنا ثلاث سنوات ولدي رغبة ملحة في مواصلة الدراسة والحصول على درجة الماجستير ويعلم الله أن ذلك من باب تحصيل العلم النافع واستغلال الفرصة فما رأي الشرع في ذلك أفيدوني جزاكم الله كل خير مع العلم أنني التحقت بالدراسة عن طريق المراسلة تجنبا للاختلاط فتبين لي فيما بعد عدم الاعتراف بشهادتها كما أرجو من حضرتكم إرشادي للبديل إن لم يكن الأمر جائزا أكرر لكم شكري وتقديري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
يحدثك عن الاختلاط حقيقته وضوابطه الدكتور يوسف القرضاوي فيقول: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، مشكلتنا كما ذكرت وأذكر دائمًا أننا في أكثر القضايا الاجتماعية والفكرية، نقف بين طرفي الإفراط والتفريط، وقلما نهتدي إلى " التوسط " الذي يمثل إحدى الخصائص العامة والبارزة لمنهج الإسلام ولأمة الإسلام.
وهذا أوضح ما يكون في قضيتنا هذه وقضايا المرأة المسلمة المعاصرة بصفة عامة.
فقد ظلم المرأة صنفان من الناس متقابلان بل متناقضان :.
1-صنف المستغربين الذين يريدون أن يفرضوا عليها التقاليد الغربية، بما فيها من فساد وتحلل من القيم وأعظمها الدين ـ وانحراف عن سواء الفطرة، وبعد عن الصراط المستقيم، الذي بعث الله الرسل، وأنزل الكتب لبيانه، ودعوة الناس إليه.
وهم يريدون من المرأة المسلمة أن تتبع سنن المرأة الغربية، " شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع " كما صور الحديث النبوي: حتى لو دخلت جحر ضب لدخلته وراءها، على ما في جحر الضب من الالتواء والضيق، وسوء الرائحة، ومع هذا لو دخلته المرأة الغربية لدخلته المرأة المسلمة بعدها، أو بعبارة أخرى: لظهرت " موضة " جديدة يروج لها المروجون تسمى " موضة جحر الضب "!.
وهؤلاء يغفلون ما تشكو منه المرأة الغربية اليوم، وما جر عليها الاختلاط " المفتوح " من سوء العاقبة على المرأة وعلى الرجل، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع كله، ويسدون آذانهم عن صيحات الاستنكار التي تجاوبت بها الآفاق في داخل العالم(5/1465)
الغربي نفسه، وعن كتابات العلماء والأدباء، ومخاوف المفكرين والمصلحين على الحضارة كلها من جراء إلغاء القيود في الاختلاط بين الجنسين.
كما ينسى هؤلاء أن لكل أمة شخصيتها التي تكونها عقائدها وتصورها للكون والحياة والوجود ورب الوجود، وقيمها وتراثها وتقاليدها.. ولا يجوز أن يغدو مجتمع صورة مكررة من مجتمع آخر.
2ـ والصنف الثاني هم الذين يفرضون على المرأة تقاليد أخرى، ولكنها تقاليد الشرق لا تقاليد الغرب، وإن صبغت في كثير من الأحيان بصبغة الدين، ونسبها من نسبها إلى ساحته، بناءً على فهم فهمه، أو رأي قلده، أو رجحه، لأنه يوافق رأيه في المرأة، وسوء ظنه بها، بدينها وبعقلها وسلوكها.
ولكنه على أية حال لا يخرج عن كونه رأيًا لبشر غير معصوم، متأثر بمكانه وزمانه، وشيوخه ومدرسته، تعارضه آراء أخرى، تستمد حجيتها من صريح القرآن العظيم، ومن هدي النبي الكريم، ومن مواقف الصحابة وخير القرون.
وأود أن أبادر هنا فأقول: إن كلمة " الاختلاط " في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على " المعجم الإسلامي " لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر، ولعلها ترجمة لكلمة " أجنبية " في هذا المعنى، ومدلولها له إيحاء غير مريح بالنظر لحس الإنسان المسلم.
وربما كان أولى منها كلمة " لقاء " أو " مقابلة " أو " مشاركة " الرجال للنساء، ونحو ذلك.
وعلى كل حال، فإن الإسلام لا يصدر حكمًا عامًا في مثل هذا الموضوع، وإنما ينظر فيه على ضوء الهدف منه، أي المصلحة التي يحققها، والضرر الذي يخشى منه، والصورة التي يتم بها، والشروط التي تراعي فيه.. إلخ.
وخير الهَدْي في ذلك هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهدي خلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين.
والناظر في هذا الهدي يرى أن المرأة لم تكن مسجونة ولا معزولة كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين.
فقد كانت المرأة تشهد الجماعة والجمعة، في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان عليه الصلاة والسلام يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف الأخيرة خلف صفوف الرجال، وكلما كان الصف أقرب إلى المؤخرة كان أفضل، خشية أن يظهر من عورات الرجال شيء، وكان أكثرهم لا يعرفون السراويل.. ولم يكن بين الرجال والنساء أي حائل من بناء أو خشب أو نسيج، أو غيره.
وكانوا في أول الأمر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق لهم، فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول والخروج، فقال -عليه السلام- : " لو أنكم جعلتم هذا الباب للنساء ".فخصصوه بعد ذلك لهن، وصار يعرف إلى اليوم باسم "باب النساء".
وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة، ويسمعن الخطبة، حتى إن إحداهن حفظت سورة "ق " من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طول ما سمعتها من فوق منبر الجمعة.(5/1466)
وكان النساء يحضرن كذلك صلاة العيدين، ويشاركن في هذا المهرجان الإسلامي الكبير، الذي يضم الكبار والصغار، والرجال والنساء، في الخلاء مهللين مكبرين.
روى مسلم: عن أم عطية قالت: " كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة والبكر".
وفي رواية قالت: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق (جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، أو التي قاربت البلوغ).والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. (الخطبة والموعظة ونحوها)، قلت : يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: " لتلبسها أختها من جلبابها ". (أي تعيرها من ثيابها ما تستغني عنه، والحديث في كتاب " صلاة العيدين " في صحيح مسلم حديث رقم 823).
وهذه سنة أماتها المسلمون في جل البلدان أو في كلها، إلا ما قام به مؤخرًا شباب الصحوة الإسلامية الذين أحيوا بعض ما مات من السنن، مثل سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وسنة شهود النساء صلاة العيد.
وكان النساء يحضرن دروس العلم، مع الرجال عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويسألن عن أمر دينهن مما قد يستحي منه الكثيرات اليوم. حتى أثنت عائشة على نساء الأنصار، أنهن لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، فطالما سألن عن الجنابة والاحتلام والاغتسال والحيض والاستحاضة ونحوها.
ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واستئثارهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فطلبن أن يجعل لهن يومًا يكون لهن خاصة، لا يغالبهن الرجال ولا يزاحمونهن وقلن في ذلك صراحة: " يا رسول الله، قد غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك " فوعدهن يومًا فلقيهن فيه ووعظهن وأمرهن. (رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه).
وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي في خدمة الجيش والمجاهدين، بما يقدرن عليه ويُحسنَّ القيام به، من التمريض والإسعاف ورعاية الجرحى والمصابين، بجوار الخدمات الأخرى من الطهي والسقي وإعداد ما يحتاج إليه المجاهدون من أشياء مدنية.
عن أم عطية قالت: " غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى " رواه مسلم. (برقم 1812).
وروى مسلم عن أنس (برقم 1811).: " أن عائشة وأم سليم، كانتا في يوم أحد مشمِّرتين، تنقلان القرب على متونهما وظهورهما ثم تفرغانها في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها" ووجود عائشة هنا وهي في العقد الثاني من عمرها يرد على الذين ادعوا أن الاشتراك في الغزوات والمعارك كان مقصورًا على العجائز والمتقدمات في السن، فهذا غير مسلّم.. وماذا تغني العجائز في مثل هذه المواقف التي تتطلب القدرة البدنية والنفسية معًا ؟.
وروى الإمام أحمد: أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر خيبر: يتناولن السهام، ويسقين السويق، ويداوين الجرحى، ويغزلن الشَّعر، ويعنّ في سبيل الله، وقد أعطاهن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصيبًا من الغنيمة.(5/1467)
بل صح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات والمعارك الإسلامية بحمل السلاح، عندما أتيحت لهن الفرصة.. ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم أحد، حتى قال عنها -صلى الله عليه وسلم- : " لمقامها خير من مقام فلان وفلان ".
وكذلك اتخذت أم سليم خنجرًا يوم حنين، تبقر به بطن من يقترب منها.
روى مسلم عن أنس ابنها: أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها، فرآها أبو طلحة زوجها فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر ! فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " ما هذا الخنجر" ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه ! فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك. (رواه مسلم برقم 1809).
وقد عقد البخاري بابًا في صحيحه في غزو النساء وقتالهن.
ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشاركة في الغزو عند المعارك المجاورة والقريبة في الأرض العربية كخيبر وحنين.. بل طمحن إلى ركوب البحار، والإسهام في فتح الأقطار البعيدة لإبلاغها رسالة الإسلام.
ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عند أم حرام بنت ملحان خالة أنس يومًا، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: " ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكًا على الأسرَّة، أو مثل الملوك على الأسرة "، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها (انظر الحديث (1912) من صحيح مسلم)... فركبت أم حرام البحر في زمن عثمان، مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص، فصرعت عن دابتها هناك، فتوفيت ودفنت هناك، كما ذكر أهل السير والتاريخ.
وفي الحياة الاجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، كما قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..). (التوبة: 71).
ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في المسجد في قضية المهور، ورجوعه إلى رأيها علنًا، وقوله :" أصابت المرأة وأخطأ عمر ".وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النساء، وقال: إسنادها جيد.
وقد عين عمر في خلافته الشِّفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة على السوق.. والمتأمل في القرآن الكريم وحديثه عن المرأة في مختلف العصور، وفي حياة الرسل والأنبياء لا يشعر بهذا الستار الحديدي الذي وضعه بعض الناس بين الرجل والمرأة.
فنجد موسى وهو في ريعان شبابه وقوته يحادث الفتاتين ابنتي الشيخ الكبير، ويسألهما وتجيبانه بلا تأثم ولا حرج، ويعاونهما في شهامة ومروءة، وتأتيه إحداهما بعد ذلك مرسلة من أبيها تدعوه أن يذهب معها إلى والدها، ثم تقترح إحداهما على أبيها بعد ذلك أن يستخدمه عنده ؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة.
لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص : (ولما وَرَدَ ماء مَدْيَنَ وَجَدَ عليه أُمّةً من الناس يَسْقُون ووجد من دونهم امرأ تين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما(5/1468)
أنزلت إليّ من خير فقير.. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين.. قالت إحداهما يا أبتي استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين). (القصص: 23 -26).
وفي قصة مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب، ويسألها عن الرزق الذي يجده عندها :(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). (آل عمران: 37).
وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر سليمان: (قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون.. قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين.. قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعِزَّةَ أهلها أذِلَّةً وكذلك يفعلون). (النمل: 32 - 34).
وكذلك تحدثت مع سليمان -عليه السلام- وتحدث معها: (فلما جاءت قيل أهكذا عَرْشُكِ قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين.. وصَدَّهَا ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين.. قيل لها ادخلي الصَّرْحَ فلما رأته حسبته لُجَّةً وكَشَفَتْ عن ساقيها قال إنه صَرْحٌ مُمَرَّدٌ من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين). (النمل: 42 - 44).
ولا يقال: إن هذا شرع من قبلنا فلا يلزمنا ؛ فإن القرآن لم يذكره لنا إلا لأن فيه هداية وذكرى وعبرة لأولي الألباب، ولهذا كان القول الصحيح: أن شرع من قبلنا المذكور في القرآن والسنة هو شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه.. وقد قال تعالى لرسوله: (أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُداهم اقْتَدِه). (الأنعام :90).
إن إمساك المرأة في البيت، وإبقاءها بين جدرانه الأربعة لا تخرج منه اعتبره القرآن في مرحلة من مراحل تدرج التشريع قبل النص على حد الزنى المعروف عقوبة بالغة لمن ترتكب الفاحشة من نساء المسلمين، وفي هذا يقول تعالى في سورة النساء: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا). (النساء: 15).
وقد جعل الله لهن سبيلاً بعد ذلك حينما شرع الحد، وهو العقوبة المقدرة في الشرع حقًا لله تعالى، وهي الجلد الذي جاء به القرآن لغير المحصن، والرجم الذي جاءت به السنة للمحصن.
فكيف يستقيم في منطق القرآن والإسلام أن يجعل الحبس في البيت صفة ملازمة للمسلمة الملتزمة المحتشمة، كأننا بهذا نعاقبها عقوبة دائمة وهي لم تقترف إثمًا ؟.
والخلاصة:.
أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن(5/1469)
ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.
6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب بين العادة والتشريع
... العنوان(5/1470)
تتعالى بعض الأصوات في هذه الأونة منادية أن الحجاب عادة اجتماعية وليس هناك دليل من القرآن أو السنة على فرضيته ،فما الرأي في ذلك؟
... السؤال
24/08/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
لم يكن الحجاب في الإسلام يوما ما عادة اجتماعية ، ولا يعني وجود الشيء قبل الإسلام أنه ليس من الإسلام ،فكثير من الأمور الحميدة التي وجدت قبل الإسلام أقرها،لأن الإسلام دين الفطرة النقية ، وقد جاءت نصوص شرعية كثيرة تدل على فرض الحجاب دون تحديد هيئة أو شكل له ، وجاءت نصوص أخرى تحذر من التبرج والتعري ، فكان هذا دليلا واضحا على شرعية الحجاب وستر عورة المرأة .
يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر :
رُزِئ المجتمع الإسلامي في أيامنا هذه بمَن يُريدون التخلُّص من أسُس الإسلام وثوابته؛ توطئةً لهدم الإسلام في جُملته، وانطلاقًا من هذا المَقصِد السيئ تعرَّض البعض لموضوع حجاب المرأة، فزعم أنه ليس من أمر التشريع الإسلامي، وإنما هو مجرد ملبَس جرى عُرْف النساء في المجتمع على ارتدائه حتى قبل ظهور الإسلام، وبوُسْع المجتمع أن يتخلَّص منه إذا ظهر أنه لا جدوى من ارتدائه، لا سيما أنه مُعَوِّق للعمل، ولا يُعَدُّ دليلًا على التزام مَن ترتديه من النساء بأحكام الإسلام وتعاليمه، فضلًا عن عدم مناسبته لمكانة المرأة التي ينبغي أن لا يُنظَر إليها كجسد، يجب تغطيته وحبسه في البيت، إلى غير ذلك مما يتذَرَّع به نُفاة الحجاب.
وفي البداية نقرر أن الحجاب ليس عادة اجتماعية، كما توهَّم البعض، وإنما هو أمر تشريعي وفريضة فرضها الله تعالى على نساء هذه الأمة؛ صيانة لهن وخوفًا عليهن من أذًى قد يتعرَّضْنَ له من غير المُبالين بالحلال والحرام، وسدًّا للذريعة إلى الفساد في المجتمع المسلم، ومن الأدلة الكثيرة الدالَّة على فرضية ستر المرأة عورتها ما يلي :
قول الله تعالى: (وَقُلْ للمؤمناتِ يَغْضُضْنَ من أبصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُروجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظهرَ منها وَلْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جُيوبِهِنَّ...) إلخ الآية، إذ المقصود من الزينة في الآية ما تتزيَّن به المرأة من الحُلِيِّ وغيرها، ونَهْي النساء عن إبداء هذه الزينة نهي عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأولى، مبالغة في الأمر بالتصوُّن والتستُّر.
وقوله سبحانه: (وقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهليةِ الأُولَى)، وهو نهي كذلك عن إبداء المرأة عورتها.
وقوله جل شأنه: (يَا أَيُّهَا النبيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وبناتِكَ وَنِساءِ المُؤمنينَ يُدْنِينَ عليهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ).
وفي هذه الآية أمر بستر المرأة كذلك، الذي هو أدْعى إلى عدم تعرُّض المرأة المستورة العورة لأذًى من فُسَّاق الرجال.(5/1471)
ورُوِي عن أم سلمة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: إِذَا كَانَ لإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبِ، فملكَ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْه" أي أن العبد ـ وهو مَن استثناهم الشارع من حُرْمة النظر إلى عورة سيدته في قوله: (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) إذا كاتبتْه سيدتُه، وملك ما يُحَرِّر به نفسَه من الرقِّ، وجب على سيدته أن تَحتَجِب منه.
وروي عن عائشة قالت: "إن أسماء دخلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعليها ثياب رِقاق، فأعرض عنها، وقال: إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يَصلُح أن يُرَى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفَّيْهِ".
وتوعَّد الشارع مَن تُبدي عورتَها بالعذاب الأليم، فرُوِي عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "صنفانِ من أهل النارِ لم أرهما... ونساء كاسِيَات عارِيَات مُميلات مائلاتٌ، رؤوسهن كأسنِمة البُخْت المائلة، لا يدخُلْن الجنةَ ولا يَجِدْنَ ريحها"، ومعنى نساء كاسِيَات عارِيَات، أي يبدين بعض أبدانهنَّ ويستُرْن البعض الآخر، إظهارًا لجمالهن.
كل هذا وغيره دليل قاطع على أن الحجاب من التشريع وأنه مفروض على نساء هذه الأمة، وليس هناك موديل معيَّن لثياب المرأة المسلمة، يتحقَّق به ستر عورتها، فبوُسْع كل امرأة أن تختار من هذه الموديلات ما يكون مناسبًا لبدنها أو عملها، سواء كانت تعمل داخل المنزل أو خارجه، بحيث تكون الثياب المختارة غير مُلْتَصِقة ببدن المرأة، وأن تكون سميكة نوعًا ما، حتى لا تصف تفصيلات البدن إن كانت ضيقة، أو تبدي شيئًا منه إن كانت رقيقة "شفافة"، فإذا اختارت المرأة ما يناسبها من ذلك فلا يُتصور أن تُعَوِّقها عن العمل، إلا أن تكون المرأة قد اختارت ما لا يُناسبها منها، فتكون بهذا قد أساءت الاختيار، وعليها في هذه الحالة أن تبحث عما يُناسبها.
وليس في أحكام الحجاب ما يُفهَم منه أن الإسلام ينظر إلى المرأة كجسد يجب أن يُغَطَّى.. إلخ، بل إن الذين يريدون التبرُّج للمرأة والتنكُّب عن شرع الله، هم الذين ينظرون إليها كجسد، يجب أن يتعرَّى لتعود المرأة به إلى عصر النِّخاسة، وقت أن كانت الإماء تُعرَض فيه كما تُعرَض الدواب، مُتَجَرِّدات من كل ما يستُرُهن، ليرُقنَ في نظر مَن يُريد شراءهن، وهذه الصورة المُهِيِنة، التي لم يردها الإسلام للنساء الحرائر، يريد نُفاة الحِجاب أن يرتدوا بالمرأة إليها؛ تحقيرًا لشأنها، وتحبيذًا على أن تكون في هذه الحياة مجرد جسد، تتعَلَّق الأعين بمواضع الفتنة والإثارة فيه في غُدُوِّه ورواحه، والإسلام الذي كرَّم المرأة، ورفع من منزلتها، وحفظ لها حقوقها أسوةً بالرجل، ينأَى بها أن تهوى إلى هذا المستَنْقَع الذي يريده لها نُفاة الحجاب، فما قصد الإسلام من أحكام الحجاب إلا صيانةَ المرأة وتكريمها وحمايتها من أن تُصاب بأذًى، وهذا يُدرِكُه المتصفِّح لنصوص الشريعة، ولو لم يكن متفَقِّها في هذه الأحكام.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حجاب المرأة بين الغلو والتفريط ... العنوان
ثار عندنا جدال طويل حول موضوع السفور والحجاب . وبالذات حول وجه المرأة:(5/1472)
أهو عورة، فيجب تغطيته أم لا ؟ ولم يستطع أحد الفريقين أن يقنع الآخر أو يلزمه فلجأنا إليكم لنجد عندكم الجواب الحاسم مستمدًا من نصوص الشرع وأدلته ؟. ... السؤال
02/10/2001 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم - بعد الإيمان بالله واليوم الآخر - على رعاية الفضيلة والعفاف والتصون في العلاقة بين الرجل والمرأة، ومقاومة الإباحية والتحلل والانطلاق وراء الشهوات.
وقد قام التشريع الإسلامي في هذا الجانب على سد الذرائع إلى الفساد، وإغلاق الأبواب التي تهب منها رياح الفتنة كالخلوة والتبرج، كما قام على اليسر ودفع الحرج والعنت بإباحة ما لابد من إباحته استجابة لضرورات الحياة، وحاجات التعامل بين الناس كإبداء الزينة الظاهرة للمرأة . مع أمر الرجال والنساء جميعًا بالغض من الإبصار، وحفظ الفروج: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم) (النور: 30 - 31)، (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن). (النور: 30 - 31).
وقد روى المفسرون عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (النور: 31)، قال: الكف والخاتم والوجه، وعن ابن عمر: الوجه والكفان، وعن أنس: الكف والخاتم، قال ابن حزم: وكل هذا عنهم في غاية الصحة، وكذلك عن عائشة وغيرها من التابعين.
وتبعًا للاختلاف في تفسير (ما ظهر منها) اختلف الأئمة في تحديد عورة المرأة اختلافًا حكاه الشوكاني في " نيل الأوطار ". (نيل الأوطار، جـ 2، ص 68).
فمنهم من قال: جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وإلى ذلك ذهب الهادي والقاسم في أحد أقواله، وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه، ومالك . ومنهم من قال: ما عدا الوجه والكفين والقدمين والخلخال . وإلى ذلك ذهب القاسم في قول، وأبو حنيفة في رواية عنه، والثوري، وأبو عباس.
وقيل: بل جميعها إلا الوجه، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود.
الوجه ليس بعورة:
ولم يقل أحد بأن الوجه عورة إلا في رواية عن أحمد - وهو غير المعروف عنه - وإلا ما ذهب إليه بعض الشافعية.
والذي تدل عليه النصوص والآثار، أن الوجه والكفين ليسا بعورة، وهو ما روي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين والأئمة، واستدل ابن حزم - وهو ظاهري يتمسك بحرفية النصوص - بقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن) (الخمر: جمع خمار، وهو غطاء الرأس، والجيوب: جمع جيب، وهي فتحة الصدر في الثوب)(5/1473)
على إباحة كشف الوجه، حيث أمر بضرب الخمر على الجيوب لا على الوجوه، كما استدل بحديث البخاري عن ابن عباس أنه شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى، ثم أتى النساء، ومعه بلال، فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن أن يتصدقن . قال: فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه - أي المال - في ثوب بلال . قال: فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة ليست بعورة.
وروى الشيخان وأصحاب السنن عن ابن عباس، أن امرأة من خثعم، استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل ابن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: أن الفضل جعل يلتفت إليها - وكانت امرأة حسناء - وأخذ النبي يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، وفي بعض ألفاظ الحديث " فلوّى صلى الله عليه وسلم عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما " وفي رواية: فلم آمن عليهما الفتنة ".
وقد استنبط بعض المحدثين والفقهاء من هذا الحديث: جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بتغطية وجهها، ولو كان وجهها مغطى، ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء، وقالوا: لو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن فهمه صحيحًا ما أقره النبي عليه.
وهذا بعد نزول آية الحجاب قطعًا، لأنه في حجة الوداع سنة عشر، والآية نزلت سنة خمس.
معنى الغض من البصر:
والغض من البصر الذي أمر الله به ليس إغماض العين، أو إطراق الرأس، حتى لا يرى الإنسان أحدًا، فهذا ليس بمستطاع، وإنما معناه خفضه وعدم إرساله بحيث لا يغلغل النظر وراء المفاتن المثيرة، وهذا سر التعبير بالغض من الأبصار لا بغض الأبصار . فيجوز للرجل أن ينظر إلى ما ليس بعورة من المرأة ما لم يكن بشهوة . فإن كان بشهوة وخاف على نفسه الفتنة صح القول بالتحريم سدًا للذريعة.
والمرأة، في هذا كالرجل، فيجوز لها أن تنظر - مع الأدب والغض - ما ليس بعورة من الرجل . وقد روى أحمد وغيره عن عائشة أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله في يوم عيد . قالت: فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكبيه، فجعلت انظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت، ثم انصرفت.
وذهب بعض الشافعية إلى أنه لا يجوز للرجل أن يرى امرأة، ولا للمرأة أن ترى رجلاً، واستند إلى ما رواه الترمذي عن أم سلمة وميمونة - زوجي النبي - أن رسول الله أمرهما بالاحتجاب من عبد الله بن أم مكتوم . . فقالتا له: أليس أعمى لا يبصرنا ؟ قال: " أفعمياوان أنتما . . . ألستما تبصرانه ؟ ! ".
وليس لصاحب هذا الرأي حجة بهذا الحديث، فالحديث لم يسلم من الطعن: طعن في سنده وطعن في دلالته ومهما تسوهل فيه فليس في درجة الأحاديث التي رويت في الصحيحين، وهي تفيد جواز الرؤية، ومنها أحاديث فاطمة بنت قيس التي أمرها(5/1474)
الرسول أن تقضي عدتها في بيت ابن أم مكتوم، وقال لها: إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده.
وقال الحافظ ابن حجر: إن الأمر بالاحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن يتكشف منه شيء وهو لا يشعر به . وقد كان كثير من العرب لا يلبسون السراويل.
وجعل أبو داود حديث أم سلمة وميمونة، مختصًا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم . وحديث فاطمة بنت قيس وما في معناه لعامة النساء، واستحسنه ابن حجر وغيره، وهو الذي نميل إليه . فإن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وضعًا خاصًا بحيث ضاعف الله العذاب مرتين لمن يأتي منهن بفاحشة، كما ضاعف الأجر مرتين لمن تعمل منهن صالحًا . وقال القرآن: (يا نساء النبي، لستن كأحد من النساء . . . .)، وجعل لهن أحكامًا خاصة لمنزلتهن وأمومتهن الروحية للمؤمنين، وقد تكفلت ببيانها سورة الأحزاب.
عادة الحجاب:
أما الغلو في حجب النساء عامة الذي عرف في بعض البيئات والعصور الإسلامية، فهو من التقاليد التي استحدثها الناس احتياطًا منهم، وسدًا للذريعة في رأيهم، وليس مما أمر به الإسلام.
فقد أجمع المسلمون على شرعية صلاة النساء في المساجد مكشوفات الوجوه والكفين - على أن تكون صفوفهن خلف الرجال، وعلى جواز حضورهن مجالس العلم.
كما عرف من تاريخ الغزوات والسير أن النساء كن يسافرن مع الرجال إلى ساحات الجهاد والمعارك، يخدمن الجرحى، ويسقينهم الماء، وقد رووا أن نساء الصحابة كن يساعدن الرجال في معركة " اليرموك ".
كما أجمعوا على أن للنساء المحرمات في الحج والعمرة كشف وجوههن في الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار وغيرها، بل ذهب الجمهور إلى تحريم تغطية الوجه - ببرقع ونحوه - على المحرمة لحديث البخاري وغيره: " لا تنتقب (لا تلبس النقاب) المرأة المُحْرِمة، ولا تلبس القفازين ".
ومن الفتاوى السديدة ما أفتى به ابن عقيل الفقيه الحنبلي ردًا على سؤال وُجِّه إليه عن كشف المرأة وجهها في الإحرام - مع كثرة الفساد اليوم -: أهو أولى أم التغطية.
فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ورفع حكم ثبت شرعًا بحوادث البدع لا يجوز، لأنه يكون نسخًا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسًا . وليس ببدع أن يأمرها الشرع بالكشف، ويأمر الرجل بالغض، ليكون أعظم للابتلاء، كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه . ا هـ . نقله ابن القيم في بدائع الفوائد.
هذا موجز رأي الشريعة في مسألة الحجاب والسفور، كما بينته مصادرها الصحيحة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حجاب المرأة المسلمة : شروطه وأوصافه ... العنوان
ما شروط حجاب المرأة المسلمة وما أوصافه؟ ... السؤال(5/1475)
06/01/2002 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
مما يخرج المرأة عن حد التبرج أن تكون ملابسها موافقة لأدب الشرع الإسلامي، واللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية:
أولا: أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله: (إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان -
ثانيا: ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟.
ثالثا: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها.
فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث ... وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة.
رابعا: ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل ... فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها ... حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ... فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة ... فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته ... فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء.(5/1476)
فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها.
هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به ... ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا واستراحوا ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال ... وذلك شر وفتنة من فتن العصر ... أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته ... قفي عند حدك ... بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته ... لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة ... ولا أن يقول لها شيئا من ذلك ... ضعف الرجال ... لضعف الدين ... وضعف اليقين ... وضعف الإيمان.
والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم ... لا بد من هذا ... ولا بد أن نقاوم هذا الزحف ... وهذا التيار..
ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم ... وبتعاليمه القويمة ... سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته ... والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الحجاب بين أمر الله وإرادة البشر ... العنوان
هل توافِق الزوجة على أمر زوجها لها بخلْع الحجاب؟ وهل يجوز للفتاة المُتحجِّبة خلعُ الحجاب ليلة الزِّفاف؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... حجاب المرأة مفروض بالكِتاب والسُّنّة، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقَّف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزّوج الذي يأمر زوجته بخلعه عاصٍ؛ لأنه يأمرها بمعصية، كقوله لها لا تصلِّي ولا تصومي، وذلك إثمٌ عظيم؛ لأنّه يأمر بالمنكر، وبالتالي يحرّم على الزوجة أن تُطيعه في ذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وطاعة الزّوجة لزوجِها في المقصود الأصلي من الزواج، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه، ولا سلطانَ عليها فيما عدا ذلك، من الأمور العامّة التي يشترك فيها الرجال والنِّساء، فالله هو الذي يأمر وينهى.
ولا يُقال: إنها مُكرهَة على ذلك فتُعفَى من المسؤولية، فغاية عصيانِه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانَه، وسيُهيِّئ لها مَن يَرعاها ويَحميها في غير هذا البيت الذي تُنْتَهك فيه حُرُمات الله، ولا خوف على أولادها منه، فهو المتكفِّل بالإنفاق عليهم وعلى أمِّهم الحاضنة لهم.
ولتعلَم الزوجة أنها لو أطاعته في خلع الحجاب ـ وهو عنوان الشّرف والعَفاف ـ فسيسهُل عليها طاعتُه فيما هو أخطر من ذلك؛ لأن مثل هذا الزواج لا غيرةَ عنده ولا(5/1477)
كرامة وستجرُّه المدنيّة إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يُعاب بالرجعيّة إن لم تكن زوجته مجارية للعُرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين.
فليتقِّ اللهَ أمثالُ هذا الزّوجِ، وليحمِدوا ربهم أن أعطاهم زوجاتٍ عفيفاتٍ محافظاتٍ على شرفِهن وعلى شرفِهم، ولا يستهينوا بسفور الزّوجة زاعمين أنه شيء بسيط، فإن معظم النار من مستصغَر الشرر.
أما خلع العروس حجابها ليلة الزفاف فهو حَرام ما دام هناك أجنبي، فلم يرد الشرع ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبةِ، ولا يجوز أن نطوِّع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يَدينون بالإسلام، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتِها في الماضي البعيد والقريب ما دام المحتفِلون بها هم النِّساء والأقارب المحارم كالأبِ والأخ والعم والخال، وذلك بمَعزِل عن الرجال والأجانب.
وما يُعمل الآن في الأماكن التي يختلط فيها الرِّجال مع النساء دون التزام بالحجاب الشرعي لا يُقرُّه الإسلام، ومن شارَك فيه فهو مُخطئ مهما كانت شخصيته، ولا ينتظرنَّ أحد أن يُفْتِيَ عالم ديني بجوازِه للضرورة أو الحاجة، فليستْ هناك ضرورة ولا حاجة، والزوجة للزوج لا لغيره، وزينتُها له لا لغيره، ومن خَرج على حدود الدِّين فهو آثم، والحلال بَيِّن والحرام بَيِّن، ولأن يُرتكب الحرام على أنه حَرام أخفُّ من أن يُرتكب على أنه حَلال، وإن كان الكلُّ عِصيانًا لله، وعِصيانٌ يُفضِي إلى توبة أخفُّ من عِصيان يُفضي إلى كُفْر.
ـــــــــــــــــــ
حق المرأة في الحجاب ... العنوان
إنني فتاة أنهيت دراسة الثانوية وقدمت أوراقي إلى الجامعة وحصلت على قبول في الجامعة، ولكن الوضع لدينا قانونًا يمنع الحجاب وأنا محجبة؛ فهل أخلع الحجاب وأدخل الجامعة، أم أترك الجامعة وأمكث في البيت، مع العلم أنني بذلت كل ما في وسعي للحصول على هذا القبول، وأحتاج إلى الرأي السديد في هذا؛ فهناك فتيات كثيرات في نفس وضعي، وأريد الدليل عندما ترسلوا لي الإجابة. أرجو الرد سريعًا جدًّا على رسالتي. وشكرا ... السؤال
أ.د محمد عبد القادر ابو فارس ... المفتي
... ... الحل ...
...
... الحقيقة أن ستر الرأس واجب شرعي، بنص القرآن الكريم لقوله تعالى: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" والخُمُر جمع خِمار وهو غطاء الرأس، و"ليضربن" فعل مضارع مقترن بلام الأمر؛ فهو من صيغ الوجوب، فالآية توجب ستر الرأس والعنق
ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تكشف شعرها أو عنقها.. وهذا هو التبرّج الذي نهى الله عنه في قوله: "ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى" فحرم هذا التبرج ونهى عنه، ولا نستطيع أن نفتي للأخت السائلة أن تخالف كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، والأوْلى أن تتمسك بدينها، وتفضّل دينها على دنياها، وآخرتها الباقية على دنياها الفانية(5/1478)
أعان الله الأخت على الالتزام بأحكام الإسلام
ـــــــــــــــــــ
وقت ارتداء الحجاب ... العنوان
في أي عمر يجب على البنت أن ترتدي الحجاب ؟
... السؤال
11/06/2001 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فارتداء الحجاب واجب ، وهو من الأحكام الشرعية ، والأحكام الشرعية واجبة على البالغين من المسلمين والمسلمات ، فالبلوغ ـ مع العقل ـ سبب التكليف ، فمن بلغ عاقلاً فهو مكلف بكل الأحكام الشرعية ،سواءٌ في ذلك الذكر والأنثى، وللبلوغ علامات يعرف بها :
منها الحيض أو الحمل بالنسبة للإناث، ولو حصل ذلك دون خمسة عشرة سنة من عمرهن ومنها نزول المني مناماً أو يقظةً بشهوة بالنسبة للذكور والإناث، ولو كان ذلك منهم قبل خمس عشرة سنة، ومنها أن يبلغ الإنسان خمس عشرة سنة سواءً كان ذكرًاً أم أنثى، ومن ذلك إنبات شعر العانة الخشن ، وظهور شعر الإبط أيضا .
فإذا حاضت البنت ، أو احتلمت ، أو أنزلت المني في اليقظة ، أو ظهر شعر عانتها ـ حول الفرج ـ أو شعر إبطها ، أو برز ثديها وجب عليها ارتداء الحجاب ، كما يعرف بلوغها بنعومة صوتها ، وكذلك إذا بلغت خمس عشرة سنة ولم يظهر منها أي علامة.
ولا يجب عليها قبل ذلك ، ولكن يستحب أن ترتدي الحجاب قبل البلوغ ، حتى تعتاد لبسه ولا يصعب عليها عند البلوغ ، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء أن يأمروا أولادهم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، وأن يضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، إذا لم يلتزموا بها.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
معارضة الوالدين للحجاب ... العنوان
أناطالبة بالمدارس الثانوية أردتُ أن أكون محتشِمة في ملابسي اتباعًا لتعاليم الدين، وعرضتُ الأمر على أمِّي فعارضتْ معارضة شديدة، بحُجّة أن هذا سيُظهرني كبيرة السِّنِّ، ويُثير سخرية الناس ضدي وتمسَّكْت برأيها، وأبي تردَّد في الأمر: مرّة معي ومرة مع أمي. فماذا أفعل؟ ... السؤال
25/06/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:(5/1479)
أختي الفاضلة: نسأل الله أن يحبب إليك الإيمان وأن يكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، أما عن سؤالك فمن المعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا قضى الله سبحانه أمرا فلا نملك إلا التسليم لحكمه مصداقا لقوله تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً" فالواجب عليك أختي الفاضلة أن تلتزمي بما أمرك به الله وترتدي زيك الذي أمرك به الله
يقول فضيلةالدكتور محمد البهي رحمه الله –عميد كلية أصول الدين سابقا- :
كثرة شيوع الخطأ لا يبرِّر صحته، كما لا يبرِّر اتباعه. فشيوع شرب الخمر في مجتمع لا يدلُّ على أن شربها صواب ويجب اتباعه. بل على العكس، ذيوع شُربِها دليل على وجود مرض اجتماعيٍّ يجب أن يعالَج المجتمع منه. وشيوع "الخَنفسة" بين المراهقين في وقت ما لا يدلُّ إلا على شيوع رُوح "اللامبالاة" وعدم الاكتراث بينهم، أكثر منها دلالة على صحة اتجاههم وصواب مسلكهم.
وعلى هذا النحو: إيثار البنت المراهقة أو المرأة الشابّة للباس يكشف عن ساقَيْها وفخذيها ومواضع الفتنة فيها لا يدلُّ على صحة فَهمها للحياة وأخذها بأسباب التقدُّم فيها. وإنما يدلُّ على تمكُّن "غريزة التقليد" منها. فهي تقلِّد ولو كان فيما تقلِّده ما يحمل على السخرية منها وابتذالها.
والاحتشام في الملبس على العكس لا يعرِّض البنت المراهقة أو المرأة الشابّة للسخرية. بل يوفِّر لها الاحترام، بجانب ما تتمتع به من خَفَر وحياء. وإذا نهى القرآن الكريم عن التبرُّج في قوله: (ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليّةِ الأولَى) (الأحزاب: 33). فإنّه يُؤثِر للمرأة البُعد عن جوِّ الابتذال. كما يؤثِر لها أن تصونَ كرامتَها كأنثى، لا تعرِض نفسَها على الرجل كما تُعرَض السلعة على المشتري، وإنما تدعوه هو يحرص على طلبها كشيء عزيز ينشده. والتبرُّج هو أن تعرِض المرأة من بدنها ما يغرِي الرجل بها.
وما يجب أن يفعله الإنسان لا يتوقّف على مجاراة الآخرين له في مباشرته. وإنما يتوقف فقط على الامتناع به. ولو أنَّ كل واحد انتظر في أدائه ما يجب على فعل الآخرين له ما وقع أداء واجب في المجتمع. وإذنْ لا عليكِ ـ أيّتُها السائلة ـ في أن تحتشمي في ملبسكِ مهما تبرَّج غيرك من نظيراتك. بل إصرارك على الاحتشام سيكون عنوانًا على استقلال شخصيتك مما يلفت النظر إليك بالإعجاب، وليس بالسخرية.
أمّا معارضة والدتك لاحتشامك في ملابسك فهي ـ كما تذكرين ـ تخشى أن تَكسُد سوقكِ في الإقبال عليك في سِنٍّ الزواج.. من أن تتهافت عليك العشَرات ممّن لا يعرفون سوى أنانيتهم وأهوائهم.
ـــــــــــــــــــ
طاعة الزوج وخلع الحجاب ... العنوان
زوجي يجبرني على خلع الحجاب هل توافق الزوجة على أمر زوجها لها بخلع الحجاب؟ وهل يجوز للفتاة المتحجبة خلع الحجاب ليلة الزفاف؟ ... السؤال
02/07/2001 ... التاريخ(5/1480)
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الزوج الذي يأمر زوجته بخلع الحجاب آثم ، ولا يجوز للزوجة أن تطيعه ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وأما ليلة الزفاف فإنه لا يجوز فيها أن تخلع المرأة حجابها وتكشف رأسها أو غيره من عورتها أمام الأجانب ، وإنما لها أن تخلع الحجاب أمام النساء والمحارم إذا كانت معهم في مكان لا يوجد فيه رجال أجانب.
يقول الشيخ محمود عاشور ، وكيل الأزهر الشريف :
حجاب المرأة مفروض بالكتاب السنة، وإذا كان الله ورسوله قد أمرا به فلا يتوقف التنفيذ على إذن أحد من البشر، والزوج الذي يأمر زوجته بخلعه عاصٍ لأنه يأمر بمعصية، كقوله لها لا تصلي ولا تصومي، وذلك إثم عظيم لأنه يأمر بالمنكر، وبالتالي يحرم على الزوجة أن تطيعه في ذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وطاعة الزوجة لزوجها تكون في المقصود الأصلي من الزواج، وهو المتعة ورعاية البيت والاستقرار فيه، ولا سلطان عليها فيما عدا ذلك من الأمور العامة التي يشترك فيها الرجال والنساء، فالله هو الذي يأمر وينهي.
ولا يقال إنها مكرهة على ذلك فتعفى من المسئولية، فغاية عصيانه أنه سيطلقها ورزقها ليس عليه بل على الله سبحانه، وسيهيئ لها من يرعاها ويحميها في غير هذا البيت الذي تنتهك فيه حرمات الله، ولا خوف على أولادها منه، فهو الملزم بالإنفاق عليهم وعلى أمهم الحاضنة لهم.
ولتعلم الزوجة أنها لو أطاعته في خلع الحجاب ـ وهو عنوان الشرف والعفاف ـ فسيسهل عليها طاعته فيما هو أخطر من ذلك ، لأن مثل هذا الزوج لا غيرة عنده ولا كرامة ، وستجره المدنية إلى تجاوز حدود الدين حتى لا يعاب بالرجعية إن لم تكن زوجته مجارية للعرف الحديث بما فيه من أمور يأباها الدين.
فليتق الله أمثال هذا الزواج، وليحمدوا ربهم أن أعطاهم زوجات عفيفات محافظات على شرفهن وعلى شرفهم، ولا يستهينوا بسفور الزوجة زاعمين أنه شيء بسيط ، فإن معظم النار من مستصغَر الشرر.
أما خلع العروس حجابها ليلة الزفاف فهو حرام ما دام هناك أجنبي، فلم يرد الشرع ؛ ولم يقل أحد من العلماء باستثناء هذه المناسبة، ولا يجوز أن نطوع الدين لهذا السلوك الوافد علينا ممن لا يدينون بالإسلام، فقد كانت العروس تظهر بكامل زينتها في الماضي البعيد والقريب ما دام المحتفلون بها هم النساء والأقارب المحارم كالأب والأخ والعم والخال، وذلك بمعزل عن الرجال الأجانب.
وما يعمل الآن في الأماكن العامة التي يختلط فيها الرجال مع النساء دون الالتزام بالحجاب الشرعي لا يقره الإسلام،ومن شارك فيه فهو مخطئ مهما كانت شخصيته، ولا ينتظرن أحد أن يفتى عالم ديني بجوازه للضرورة أو الحاجة، والزوجة للزوج لا لغيره، وزينتها له لا لغيره، ومن خرج على حدود الدين فهو آثم، والحلال بين والحرام بين، ولأن يرتكب الحرام على أنه حرام أخف من أن يرتكب على أنه حلال،(5/1481)
وإن كان الكل عصيانًا لله، وعصيان يفضي إلى توبة أخف من عصيان يفضي إلى كفر.
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الحجاب بين فقه العفة وفقه المراحيض ... العنوان
قرأت لأحد الكتاب كلاما اندهشت له وتعجبت من جرأة هذا الكاتب وقوله على الله بغير علم، ومما أثاره هذا الكاتب، أن الخمر ليست محرمة بل الأمر بتركها على سبيل الاستحباب، كما ذهب إلى أن اللواط فعل مستهجن وأنكر حد اللواط، وثالثة الأثافي زعمه أن الحجاب كان خاصا بزمن النبوة فحسب ليتميز الحرائر عن الإماء أثناء خروجهن لقضاء الحاجة أما في عصر الحرية على حد زعمه فالمراحيض موجودة داخل البيوت ومن ثم فالمرأة ليست بحاجة إلى لبس الحجاب فقد مضى عصر العبودية فلتتبرج النساء كما تشاء نريد معرفة الرد على مثل هذه المزاعم والأباطيل؟ نسأل الله أن يجعل الحق في قلوبكم وأن يجريه على قلمكم.
... السؤال
18/11/2006 ... التاريخ
أ.د.محمد عمارة ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فدعاة الانحلال والمنحرفون موجودون في كل عصر ومصر، ويزين لهم الشيطان فيلبسون الزيغ والضلال ثوب الحق فتراهم يلوون أعناق النصوص ليبرروا بها شذوذهم وفساد فطرتهم، فالنصوص التي تدل على فرضية الحجاب نصوص قطعية لازمة عامة فليست خاصة بالحرائر دون الإماء بل الستر واجب على الجميع، وليست هذه النصوص خاصة بعصر النبوة فحسب والقول بغير ذلك كذب وافتراء، وآية الحجاب التي وردت في سورة الأحزاب بينت علة الوجوب وهو عدم التعرض للأذى بسبب التبرج والسفور فهذه العلة لازمة.
يقول المفكر الإسلامي فضيلة الدكتور محمد عمارة-من علماء مصر-:
مع الاتجاه الغربي إلى " عولمة" منظومة القيم المنحلة، التي تقنن لزواج الشواذ، والإباحية الجنسية، واعتبار النشاط الجنسي حقًا من حقوق الجسد، بصرف النظر عن الحلال والحرام الديني، وإباحة العشرات الجنسية للمراهقين والمراهقات، مع إعطاء الحق في تنظيم النسل والإجهاض للجميع... مع ظهور هذا الاتجاه الغربي،ومحاولة "عولمته" عبر وثائق يسمونها " دولية" ظهر في بعض البلاد العربية " كتاب" يؤلفون فقهًا "ينسبونه إلى الإسلام، كي يخدم هذا الانحلال.
إنكار تحريم الخمر:
ووجدنا واحدًا من هؤلاء الكتاب في إحدى البلاد العربية يكتب " إن الخمر في القرآن مأمور باجتنابها وليست محرمة"!! وهو يكرر هذا "الكلام" في أربعة كتب وينسي أو يتناسى أن أمر القرآن باجتناب الخمر إنما يعني التحريم (يا أيها الذين آمنوا إنما(5/1482)
الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة آية: 90 خصوصًا وهي مقترنة بالميسر، والأحجار التي يعظمها الوثنيون، وموصوفة بأنها رجس، ومن عمل الشيطان، فهل ـ مع كل ذلك ـ يمكن لعاقل أن يقول إن الأمر الإلهي بالاجتناب هنا لا يعني التحريم؟!
وهل عبادة الأوثان ليست محرمة؟ وكذلك قول الزور؟ وعبادة الطواغيت؟ وكلها قد أمر القرآن باجتنابها (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) الحج آية: 30 [ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل آية: 36، فهل الأمر بالاجتناب لا يفيد التحريم لعبادة الأوثان والطواغيت، وقول الزور، والخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وسائر أعمال الشيطان؟! أم أن هذا "الفقه العجيب" قد صنع خصيصًا ليفتح الباب لعولمة الانحلال؟.
عقوبة اللواط:
ولا يكتفي هذا "الفقه المنحل " بنفي تحريم الخمر، وإنما يذهب إلى فتح الأبواب للشذوذ الجنسي،بالقول "إن اللواط مجرد فعل مستهجن لم ينص القرآن ولا نصت السنة" على عقوبة له "!!
وهو بذلك يكذب على سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويتجاهل الحديث الذي رواه " ابن عباس رضي الله عنهما، والذي قال فيه الرسول " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه" رواه مسلم ـ والنسائي والترمذي وابن ماجة ومالك والإمام أحمد.
شبهات حول وجوب الحجاب:
ولا يكتفي "فقيه عولمة القيم الغربية المنحلة" بتحليل الخمر، ونفي العقوبة الدينية على اللواط، وإنما يذهب إلى جعل التشريع القرآني والنبوي لحجاب النساء وستر العورات تشريعاً مؤقتا، وخاصًا بالمجتمع النبوي، وليس تشريعًا مُحْكَمًا ودائمًا ولازمًا وملزمًا، فيقول إن الآية –59- من سورة الأحزاب (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) كانت علة الحجاب فيها تمييز النساء الحرائر عن الإماء، أثناء خروج النساء للتبرز خارج البيوت، لعدم وجود المراحيض في البيوت يومئذ وبما أن مجتمعاتنا لم تعد فيها جواري تتميز عنهن الحرائر، وأصبح في البيوت مراحيض فلا مبرر للحجاب في مجتمعاتنا المعاصرة.
وإذا كان من نكد الدنيا علي العلم الإسلامي أن يضطر إلي مناقشة مثل هذا الكلام فإننا نتحمل هذا النكد ونقول:
الحجاب عصمة للمرأة من التحرش والأذى:
1 - إن نص الآية القرآنية يعلل فريضة الحجاب والحشمة بأنها المانعة من وقوع الأذى بالنساء عندما يراهن غير المحارم وهذه علة لازمة ودائمة.. والإحصاءات في جرائم الاغتصاب تقول إن التبرج من الأسباب المغرية والمؤدية إلي الاغتصاب.. كما أن هذه الإحصاءات تقول إن أعلي نسبة لاغتصاب النساء إنما تتم في المجتمعات الغربية التي يشيع فيها التبرج.. فلا يزال وسيظل الحجاب والحشمة من موانع الأذى الذي يلحقه التبرج بالنساء، ولا علاقة للحجاب بوجود المراحيض خارج البيوت أو(5/1483)
في داخلها.. فالتشريع خاص بالستر للزينة خارج المنزل، سواء أكان الخروج للمرحاض أم للمسجد أم إلي السوق.. اللهم إلا إذا كنا بإزاء فقه المراحيض دون سواه.
الحجاب داخل البيت:
2 – ثم إن الإسلام يشرع الحجاب حتى داخل المنزل، إذا حضر مجلس النساء أو رآهن أحد من غير المحارم الذين حددهم القرآن علي سبيل الحصر والإحصاء "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا علي عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون". النور: 30: 31
فالتشريع بوجوب ستر الزينة والخمار والحشمة فريضة قرآنية حتى داخل البيوت، ولا علاقة له بتميز الحرائر عن الإماء ولا بفقه المراحيض.
ويؤكد هذه الحقيقة حقيقة وجوب الحجاب حتى داخل البيوت إذا حضر غير المحارم، ما جاء في السنة النبوية عن المرأة الأنصارية التي ذهبت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم تقول: يا رسول الله إني أكون في بيتي علي حال لا أحب أن يراني عليه أحد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا علي تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت آية سورة النور 27 "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا علي أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون".. فالتشريع هو للحجاب وستر عورات النساء، وتحقيق خصوصية الأنثى في جسدها وزينتها، والابتعاد بها عن المشاعية الحيوانية حتي في داخل البيوت ومع الأهل من غير المحارم الذين حصرهم وأحصاهم القرآن الكريم، ولا علاقة للمراحيض بعلة هذا التشريع القرآني، الذي بينته السنة النبوية، ومارسته الأمة علي امتداد تاريخها، ولا تزال تمارسه، بل والذي تقبل عليه الأوربيات والأمريكيات اللائي يكتشفن فيه حريتهن وكرامتهن عندما يتعرفن علي شريعة الإسلام.
وإذا كانت هناك حاجة لمزيد من البراهين فإن حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كان عن زي المرأة في المنزل فلقد دخلت عليه صلي الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا" وأشار إلي وجهه وكفيه رواه أبو داود.. فأسماء بنت أبي بكر قد دخلت علي الرسول بالمنزل.. والحديث تشريع عام.. ولم يقل الرسول لها: يا أسماء عندما تذهبين إلي المرحاض فلا يري منك إلا الوجه والكفين، إنه تشريع لكل من وصلت إلي مرحلة النضج والبلوغ بصرف النظر عن الزمان والمكان.
وجوب الحجاب عام في الحرائر والإماء:(5/1484)
3 – وأخيرا فمن الذي قال إن الحجاب وستر العورات هو امتياز خاص بالحرائر دون الإماء؟
إن الأحاديث النبوية ومنها حديث أسماء بنت أبي بكر تتحدث عن المرأة التي بلغت المحيض مطلق المرأة حرة كانت أم أمة.. والآيات القرآنية تتحدث عن نساء المؤمنين وليس عن الحرائر منهن فقط بل إن الحجاب وستر العورات لأنه طريق العفة والكرامة قد عرفته كل الشرائع السماوية وجميع الفطر السوية فنموذج المرأة في النصرانية هي مريم عليها السلام وهي محجبة ساترة لزينتها وهكذا صورها في الكنائس حتى الآن.
وكذلك صورة الراهبة في النصرانية، وحتى الشعوب الأوربية كانت ملتزمة للحشمة عندما كانت العفة قيمة من قيمها الإيمانية ولم تدخل عصر العري والانحلال إلا بعد انقلابها العلماني علي الدين واللاهوت.
فنحن وفي الإسلام خاصة أمام نظام إسلامي وتشريع إلهي مفصل في العفة وعلاقتها بستر العورات عن غير المحارم وهو تشريع عام في كل مكان توجد فيه المرأة مطلق المرأة مع غير محرم ولم تعرف حياتنا الفكرية ربط الحجاب والحشمة بوجود المراحيض خارج البيوت إلا عند هذا الكاتب الذي ذهب علي هذا الطريق إلي حد تحليل الخمر واللواط.
إنه فقه عولمة الانحلال الغربي.. وليس فقه الإسلام والمسلمين.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
إلزام غير المسلمات في بلاد الإسلام بالحجاب ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم ، فضيلة الشيخ، نحن هنا في نيجيريا حيث فرضت الشريعة الإسلامية في ولاية من الولايات، وكنا قد علمنا سابقا أن تطبيقات الشريعة لا تُلزم إلا المسلمين فقط، ولكن الحكومة خاطبت غير المسلمين بها، فطالبت الممرضات في المستشفى التي أعمل بها أن يلتزمن بالحجاب أو يقدمن الاستقالة، فقدمن استقالتهن متذمرات ..فهل ما فعلته الحكومة صواب أم لا؟ وهل يحق للحاكم المسلم أن يلزم غير المسلمات في بلده بالحجاب كما يلزم به المسلمات ؛ حفاظا على الشباب من الفتنة ؟
... السؤال
27/07/2002 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن العلماء اختلفوا في حكم إلزام غير المسلمات في بلاد الإسلام بالحجاب ، بناء على اختلافهم في مطالبة غير المسلمين بفروع الشريعة الإسلامية ، فقال بعضهم بوجوب التزامهن بالحجاب مراعاة للآداب العامة، وقال البعض بعدم التزامهن به لأنه خاص بالمسلمات .(5/1485)
ولكن الكل متفقون على أن الحاكم المسلم من حقه أن يلزمهن بالحجاب إذا كان تبرجهن يؤدي إلى مفسدة ، على أن يلزم المسلمات به أولا .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
الكافر في حال كفره هل هو مخاطب بفروع الشريعة ومكلف بها أم لا ؟ قال النووي : المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور بها , والمنهي عنها , ليزداد عذابهم في الآخرة .
وفي " البحر المحيط " للزركشي الشافعي :
هل يخاطب الكافر بالفروع ؟
في هذه المسألة مذاهب :
أحدها : أنهم مخاطبون بها مطلقا في الأوامر والنواهي بشرط تقدم الإيمان , لقوله تعالى : { ما سلككم في سقر ، قالوا لم نكن من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين ، ..} الآيات , ولأنه تعالى ذم قوم شعيب بالكفر ونقص المكيال , وقوم لوط بالكفر وإتيان الذكور , وذم عادا قوم هود بالكفر وشدة البطش بقوله تعالى : { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } ونص عليه الشافعي في مواضع : منها : تحريم ثمن الخمر عليهم .
وقال القاضي عبد الوهاب وأبو الوليد الباجي ـ من المالكية ـ : إنه ظاهر مذهب مالك ، وكذلك نقلوه عن أحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه , وهو محكي عن الكرخي والجصاص من الحنفية أيضا . وقال أبو زيد الدبوسي من الحنفية: إنه قول أهل الكلام , ومذهب عامة مشايخ أهل العراق من الحنفية , لأن الكفر رأس المعاصي فلا يستفيد به سقوط الخطاب .
والثاني : أنهم غير مكلفين بالفروع وهو قول جمهور الحنفية , وبه قال عبد الجبار من المعتزلة والشيخ أبو حامد الإسفراييني من الشافعية.
والثالث : أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر , لأن الانتهاء ممكن في حالة الكفر , ولا يشترط فيه التقرب , فجاز التكلف بها دون الأوامر ،.. ألا ترى أنهم يعاقبون على ترك الإيمان بالقتل والسبي وأخذ الجزية , ويحد في الزنا والقذف ويقطع في السرقة , ولا يؤمر بقضاء شيء من العبادات , وإن فعلها في كفره لم تصح منه ؟
وذهب بعض الشافعية إلى أنه لا خلاف في تكليفهم بالنواهي , وإنما الخلاف في تكليفهم بالأوامر .
يقول الشيخ عكرمة صبري ، مفتي القدس وعموم فلسطين :
نعم يحق للحاكم المسلم أن يلزم النساء جميعا المسلمات وغير المسلمات بالحجاب؛ أي غطاء الرأس في الأماكن العامة حفاظا على الأخلاق.
ونعم ما قامت به الحكومة في نيجيريا ، وهو عين الصواب، وإن ولي الأمر الشرعي له الحق في الإلزام. وأتساءل: لو أن مسيحيا دخل في قسم الشرطة ألا يُلزم بلبس معين خاص بالشرطة؟!! ولو أن مسيحية أصبحت ممرضة في أي دولة ألا تلتزم بالزي المتعلق بالمهنة؟!! والستر أمر مطلوب لجميع النساء سواء كن مسلمات أم غير مسلمات
ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور ، الأستاذ بجامعة الأزهر :(5/1486)
إن الإسلام يدعو إلى حماية الأعراض من الاعتداء ، ويطالب بستر العورات ، وكان مما نزل في القرآن في سورة الأحزاب : قوله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذَين ، وكان الله غفورا رحيما )الآية 59.
وقد نزلت سورة الأحزاب في العام الخامس الهجري ، وفي العام التالي ، وهو السادس الهجري نزلت آيات من سورة النور ، وفيها قوله تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، وليضربن بخمرهن على جيوبهن ..) الآية 31.
وبمجرد نزول هذه الآيات التزم نساء المؤمنين بالحجاب الذي شرعه الله عز وجل .
ولم نعرف أن الإسلام وهو يطبق هذا الحكم قد طالب غير المسلمات من نساء أهل الكتاب ـ كاليهوديات اللاتي كن كثيرات في المدينة ـ ؛ لم يطالبهن بما طالب به المؤمنات ، ولم ينقل عن أحد الخلفاء الراشدين في البلاد المفتوحة أنه أوجب الحجاب على غير المسلمات ، لأن الحجاب فرع من فروع الشريعة الإسلامية كالصلاة والزكاة ، يطالب بها المسلمون وحدهم .
أما غير المسلمين فلا سلطان لأحد عليهم في هذا الجانب؛ إلا إذا أدى تبرج غير المسلمات الفاضح إلى مفسدة ، فهنا يحق لولي أمر المسلمين أن يدرأ هذه المفسدة بمطالبة غير المسلمات بالتحجب ، أو بعدم التبرج على الأقل ، وهذا ما نراه في هذه المسألة ، والله ولي التوفيق .
ويقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد ، الأستاذ بجامعة الأزهر :
نعم الحجاب يلزم غير المسلمات في البلاد التي يطبق فيها الإسلام ، لأن الدين الإلهي على لسان موسى وعيسى وداود عليهم السلام ، فهذه الشرائع كانت توجب على المرأة أن تغطي جسمها عدا وجهها وكفيها ، وذلك الأمر ظاهر في ملابس الراهبات ، ، وهو عنوان التدين ، وليس عنوان الانعزال عن الدنيا والزهد فيها ، وأما التبرج فهو مظهر للخروج على التدين .
فالإسلام يلزم غير المسلمات كأهل الكتاب في بلاد الإسلام بالآداب العامة الظاهرة ، فكما لا يجوز أن يظهروا شرب الخمر والزنى فلا يجوز لهم الإعلان بالتبرج ، ولو كانوا يستحلوه ، ولهم أن يفعلوا ما يشاءون في بيوتهم أو كنائسهم ، بل إن المرأة النصرانية تستحي أن تتبرج أمام القسيس ، فأولى لها أن لا تتبرج في الشارع.(انتهى).
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
أمي تنزع حجابي !! ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
في الواقع أطلب منكم - بعد شكركم على هذا الموقع، جزاكم الله عنه كل الخير - أن أستشيركم في حلِّ مشكلةٍ لا بدَّ أنَّها عُرِضت عليكم، وأرجو أن تطلعوني على رأي العارفين بالأمر.(5/1487)
المشكلة تتلخَّص فيما يلي: أنا فتاة عازبة، ارتديت الحجاب مؤخَّرًا دون طلب رأي أهلي، بحيث أنِّي لم أعد أسكن معهم بسبب وظيفتي الجديدة. المهم: أنا الكبرى وسط 9 أطفال، الكل فخور بي، أحرزت دائمًا أحسن النتائج بل وأحسن الوظائف، وعائلتي محتاجة جدّا لي، بل ليس لها أحدٌ غير الله ثم أنا لإعالتها. وأنا لا أدري ما العمل ؟، والدتي نزعت حجابي أمام الملأ، وحلفت ألا أدخل بيتها ولست ابنتها إن لم أخلعه، واعتبرت أنَّ الولد وما يملك ملك أبيه، وبما أنَّها هي التي سهرت على رعايتنا منذ طلاقها من أبي ترى أنَّه بإمكاني أن أتحجَّب بزواجي، وأنَّها ستمنع أخواتي من الدراسة التي أوفِّرها لهم. لا أدري ما العمل؟ أعلم أنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية لله، ولكنَّها أمِّي ويرق قلبي لحالها.
صديقاتي يقُلن: إنَّ الله يريد أن يبتليني.. والله العظيم أريد الحجاب وأريد لأمِّي كلَّ الخير.. أخاف من الله وأخاف أن أقوم بعمل لا يرضيه.. ماذا أفعل ؟؟
وجزاكم الله عنِّي خير الجزاء. ... السؤال
الدعوة الفردية, الدعوة النسائية, العائلة ... الموضوع
الأستاذة سميرة المصري ... المستشار
... ... الحل ...
...
... الأخت سلمى،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تهانينا القلبية على التزامك بفريضة الحجاب، ورزقك الله الثبات على طاعته.
اعلمي - أختي سلمى - أنَّ المسلم البالغ ليس بحاجةٍ إلى طلب رأي أهله أو تعليق التزامه بأوامر الله على موافقتهم، فالله تعالى يقول: "كلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة"، ويقول أيضًا: "وكلُّهم آتيه يوم القيامة فردًا".
فلا عذر لك عند ربِّك على التقصير في الفرائض بسبب رفض والدتك، مع عِظَم قدرها وتحذيره سبحانه وتعالى من عقوقها وعدم الإحسان إليها، لكن رغم ذلك كان الأفضل لو تدرَّجت في إعلام والدتك رغبتك في التزام الحجاب حتى لا تصطدمي بردِّ فعلها المفاجئ.
والصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص – وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة - كانت له تجربةٌ مريرةٌ مع والدته بعد إيمانه، فقد روى الطبراني بإسناده أنَّ سعدًا رضي الله عنه قال: أُنزلت فيّ هذه الآية: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما"، قال: كنت رجلاً بَرّا بأمِّي، فلمَّا أسلمْتُ، قالت: يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت ؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيَّر بي، فيقال: يا قاتل أمه. فقلت: لا تفعلي يا أماه، فإنِّي لا أدَع
ديني هذا لشيء؛ فمكثَتْ يومًا وليلة لم تأكل، فأصبحَتْ قد جَهَدَتْ، فمكَثَتْ يومًا آخر وليلة لم تأكل، فأصبحَتْ قد جَهَدتْ، فمكثتْ يومًا وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتدَّ جهدها، فلما رأيتُ ذلك قلت: يا أماه، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نَفسًا نَفْسًا ما تركت ديني هذا لشيء؛ فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلَتْ.(5/1488)
لقد قال كلماتٍ ثمينة حفظها له التاريخ، وأصبحت شعارًا يستشهد به كلُّ من آثر اللهَ ورسولَه على جواذب الأرض مهما كانت قوتها.
إنَّ الضغوط التي تمارسها والدتك من أجل ثنيك عن الحجاب لا تقارَن بتجربة الصحابي الذي كان خياره بين الكفر والإيمان. وأرى أنَّ ظروفك العائلية، وبُعْد سكنك عن أهلك، وإعالتك لهم، ومعرفتك بفضل والدتك الذي تؤكدينه من خلال حسن تعاملك.. كلها نقاط إيجابيَّة تساعدك على الثبات على موقفك، والأغلب أنَّها سوف تتراخى بعد فترةٍ، ويضعف ردُّ فعلها السلبي أمام إصرارك.
والحياة حافلة بتجارب مرَّت بفتيات عانَيْن بسبب الحجاب من أهاليهن، وخاصةً في فترة سابقة، وهذه مرحلة عايشتُها كما عايشها غيري. ولولا الإصرار والثبات على الموقف لما انتشر الحجاب بين النساء ولما سهُل على الأخريات التزامه.
إنَّ ما تمرِّين به هو ابتلاءٌ وفتنة، والله يمتحن صبرك وصدقك معه، وسوف يتضاعف أجرك وثوابك على قدر معاناتك. والله تعالى هو القائل: "أحسب الناس أن يُترَكوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يفتنون . ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين".
فطوبى لمن صدق مع الله، وتجاوز محنته، وانتصر في جهاده الذي يتنوَّع.
وثمن الجنة غالٍ، وعلى المسلم تأدية ضريبة السعي للفوز بها.
ومع يقيني بحيرتك الصادقة بين طاعة الله وغضب الوالدة، وما يتبعها من ضررٍ على إخوتك إذا أصرَّت والدتك على موقفها وحَرَمَتْهم من التعليم، لكنِّي أشك بقدرتها على تنفيذ تهديدها؛ لأنَّ إخوتك هم أولادها، وسوف تتضرَّر من عدم إرسالهم إلى المدرسة أكثر منك، لكنَّها تستغل نقطة ضعفك المتمثِّلة بحبِّك لهم وشعورك بالمسئولية تجاههم.
وأنصحك أن تبتعدي - مؤقتًا - عن زيارتها، حتى تهدأ ثائرتها، وتفكِّر بعقلانية أكثر، ولتلتمسي لها العذر، وإياك أن تعنفيها أو تقولي لها كلامًا يجرح كرامتها، أو تفعلي معها فعلاً لا يليق بمكانة الأم، مصداقًا لقول الله عز وجل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا".
وحبذا لو طلبت تدخل بعض الأهل أو الأصدقاء تُحَمّلينهم إليها كلماتٍ طيبة وهدية تحبها، مع الثبات على موقفك؛ لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس " رواه الترمذي بسند صحيح. وليحاولوا إقناعها أن ارتداء الحجاب بالنسبة للمرأة فريضة شرعية يجب أن تؤدَّى، مثلها مثل الصلاة والصيام والزكاة، وغيرها من الفروض.
لا تستسلمي لهذا الواقع المؤقت، وتابعي السعي لإقناعها بخيارك وطاعة ربك؛ لأنَّها هي الخاسرة أيضًا من عصيانك لله، فهي راعية ومسئولة عن صلاح أبنائها، ورضاها عن التزامك الديني سوف يضيف إلى أجرها عند الله.
مع تمنياتي القلبية لك بالثبات، وأسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يعينك على طاعته، آمين.
ـــــــــــــــــــ(5/1489)
الدعوة للحجاب .. مفاهيم ووسائل ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
من خلال الدراسة في الجامعات المختلطة يشعر الفرد بحالة استياءٍ عندما يرى كثيرًا من بنات المسلمين للأسف غير محجَّبات، أحيانا بعضهنَّ يكنَّ محجَّباتٍ ونراهنَّ تدريجيّا يخلعن الحجاب.
هل من أسلوبٍ دعويٍّ مناسبٍ لهذه الطبقة من المجتمع ؟! حيث المعظم يبرِّر موقفه بأنَّها لم تبلغ العمر الذي يجب فيه عليها الحجاب، ومن المعروف أنَّ السنَّ الجامعيَّ ما بين 18 إلى 25 أو أكثر.
أرجو منكم النصيحة.
وجزاكم الله كلَّ خيرٍ على ما تفعلونه. ... السؤال
الدعوة النسائية, فنون ومهارات, شباب وطلاب ... الموضوع
فريق الاستشارات الدعوية ... المستشار
... ... الحل ...
...
... تقول الأستاذة تقوى سيف الحق من فريق الاستشارات:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمَّا بعد؛
جزاك الله أخي الكريم على غيرتك وهمِّتك خير الجزاء.
أخي الكريم؛
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ من ورائكم أيامًا الصبر فيهنَّ القبض على الجمر، للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم" رواه الترمذي بسندٍ حسن، وأحسب أنَّنا في هذا الزمان – أخي الكريم. فقد كثُرت الفتن والمغريات الحياتيَّة، وكثر التشدُّق بمزاعم وأقوال لا ترضي المولى عزَّ وجلَّ، وبعض تلك الأقوال والمزاعم للأسف تُدارَى تحت ستار الدين.
ولقد حظي الحجاب بقسط كبير من هذا الأمر، فكم سمعنا عن أحكامٍ وفتاوى تخصُّ الحجاب، وكأنَّ الناس يريدون أن يسمعوا كلمة: "إنَّ الحجاب ليس من الإسلام وإنَّما هو تقليدٌ من التقاليد يمكن التخلُّص منه متى أردنا".
وأذكِّرك - أخي الكريم - بأنَّ معاول الهدم عملت بالنفس الإنسانيَّة أعوامًا طوالاً لتصل بها إلى هذه الحالة التي نحن عليها الآن.. ولكن هيهات، فلا يزال الدين نابضًا في القلوب، ولا يزال حبُّ العقيدة ساكنًا في العقول والوجدان، فكانت تطلق صرخات من أجل احتواء هذا الغازي المتعدِّي، إلا أنَّها كانت صرخاتٌ ضعيفةٌ واهيةٌ، ولكنَّها استمدَّت قوَّتها من نبض الشباب الملتزم لتصبح قويَّةً بإذن الله.
أخي الكريم؛
ما أردت أن أخبرك به.. هو أنَّ التخلِّي عن الحجاب ليس نتاج لحظاتٍ قليلةٍ، بل هو نتيجةٌ لقرونٍ عمل فيها أعداء الشريعة جاهدين ليسقطوا تاج الوقار عن البيت المسلم.(5/1490)
وقد نصحنا أحد الدعاة ذات مرَّةٍ قائلاً: "انظروا إلى الجانب الممتلئ من الكأس واعملوا على تنقيته وإن كان قليلاً.. ولكن لا تهملوا الفارغ، بل اعملوا على تهيئته إن استطعتم، واذكروا قول الله تعالى: "فذكِّر إنَّما أنت مذكِّر . لست عليهم بمسيطر".
ومعنى كلامه رحمه الله: ألا يأخذك التشاؤم لدرجة عدم رؤية الصلاح بالناس عامَّة، ولكن احرص أن تنقل لهم ممَّا علمت وأحببت، واتَّبع الوسائل الكثيرة التي من خلالها تستطيع عمل الكثير بإذن الله.
أخي، صحيح أن الحجاب مظهر التزام وعلامة خير ومساعد في حفظ المجتمع وصيانته، ولكننا نريد الحجاب وما وراء الحجاب، نريد أن يكون الحجاب علامة على خُلُق من تحمله، لا أن تحمله من تشوه صورته، لذا يجب أن نراعي ذلك في وسائلنا الدعوية المستخدمة في الدعوة إليه، فلا نفرح للإنجاز المظهري، بقدر ما يجب أن نعمل لتحقيق إنجاز على مستوى الجوهر والباطن والعقل والقلب والروح.
وتتضح لك هذه الفكرة أكثر إذا قرأت الاستشارة التالية:
كيف أقنعهم بالحجاب ؟؟ .. تهيئة التُربة أولاً
ومن الوسائل التي يمكن أن تعينك في ذلك إن شاء الله:
1- المعارض التي تجسِّد واقع المسلمين المرير، والتي تبرز بشكلٍ لافتٍ ما يواجهه المسلمون في شتَّى أصقاع الأرض، فمن الممكن أن يكون لهذه المعارض الأثر الكبير في النفوس.
2- الكتاب المميَّز.. وأقصد به الكتاب الذي يخاطب كلا من العقول والقلوب، ويحثُّهما على العودة إلى سبيل الله.
3- النشرات – الأوراق التي توزع مجانًا - والتي تحتوي على مواضيع عدَّة، وتمتاز هذه النشرات عادةً بالقصص الهادفة والمتنوِّعة، فليس عليك تخصيص نشرةٍ كاملةٍ لموضوع الحجاب، وذلك لأنَّ بعض ضعاف النفوس قد لا يقرؤها من الأصل.. ولكن إذا وَجَد التنوُّع قرأها.
4- نشر التوعية الدينيَّة عن طريق الندوات التي تتحدَّث عن أخلاقيَّات المجتمع الإسلامي، ويا حبَّذا لو كانت هناك دعواتٌ تُوزَّع على الفتيات والنساء ليكون هذا محفزًا لقدومهن.
5- مجلات الحائط، والتي قد تعمل عمل النشرات، بحيث تكون ذات مظهرٍ جميلٍ ومواضيع متعدِّدة، وليس بالضرورة أن تكون مقتصرة على مواضيع دينيَّة بحتة.
6- عمل احتفال بالمحجَّبات الجدد، وإن كان حجابهنَّ ناقصًا بعض الشيء، فهذا سيعطيهنَّ الأمل ويشجعهن بأنَّهنَّ لسن وحدهنّ.
7- بيان أهمِّيَّة الحجاب في المجتمع، وكيف أنَّ النساء الغربيَّات يسعين للإسلام من أجل الحجاب، وما يوفره لهنَّ من أمان، ويمكنك من خلال هذا الأمر أن تنشر قصص حجاب بعض الأجنبيَّات، وهي موجودةٌ بكثرةٍ على الإنترنت.
8- أنصحك - أخي الكريم - أن تقرأ كتابًا للأستاذ عبد الحميد البلالي وهو بعنوان "أختي غير المحجَّبة.. ما المانع من الحجاب؟" والذي يضع فيه الأستاذ البلالي بعض الأسباب التي تمنع النساء من الحجاب.. وكيفيَّة الردِّ عليها، ومن ضمنها الادِّعاءات بصغر السنِّ وانتظار الزواج، وغيرها الكثير.(5/1491)
أخي الكريم؛
قد تتعدَّد الوسائل التي من خلالها يمكنك العمل على دعوة الفتيات إلى الحجاب، بل إلى كل شعائر الدين، ولكن أريد أن أذكِّرك بأمرٍ يتلخَّص بالآية الكريمة: "ادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة"، فإنَّ خُلُق المسلم يدلُّ عليه.
فاحرص - أخي الكريم - على الالتزام بأحكام دينك، وبالخلق الحسن، وكثرة الدعاء، لعلَّ الله ييسر لك الطريق ويهدي أناسًا على يديك ويدخلك الجنَّة ويجيرك من النار بإذنه.
أمَّا عن سنِّ ارتداء الفتاة للحجاب، فإنَّ هذه الفتوى قد أجابت على ذلك وأوضحته:
في أي عمر يجب على البنت أن ترتدي الحجاب ؟
وفي وصف حجاب المرأة المسلمة أقدِّم إليك هذه الفتوى:
حكم الحجاب وأوصافه
ـــــــــــــــــــ
الحجاب تخلُّف.. قواعد في الحلال والحرام ... العنوان
السلام عليكم، إلى علماء هذه الأمَّة، إلى دعاتها، يؤسفني أن انتقلت لكم صورةٌ من صور الفهم الجديد لأوامر الإسلام والتماشي مع العصر كما يحلو أن يسمِّيه البعض أو عدم الانغلاق، وكلامٌ كثيرٌ وشعاراتٌ جوفاء أدَّت إلى بعض الملتزمات والداعيات إلى خلع النقاب أو ترك الحجاب ولبس شيءٍ يسمّونه غطاء الرأس أو "تحجيبة"، وهناك من تضع المساحيق بشكلٍ خفيف، أو وضع زينةٍ بجوار التحجيبة بعد النقاب، نعم بعد النقاب.
الداعية إلى الإسلام خلعت النقاب وارتدت التحجيبة تمشِّياً مع عصر الإسلام وكأنَّ الحجاب أو الخمار كان تخلُّفاً ولم يكن مع روح الإسلام، وإذا كان ذلك يجوز في حقِّ العوامِّ فلا يجوز في حقِّ الدعاة.
فقولوا لي بالله عليكم: ماذا يكون على الدعاة من حقٍّ وهم القدوة والمثل الأعلى؟ كيف بالله عليكم نوجِّه أخواتنا الداعيات إلى سبيل الرشاد ونعلمهنَّ أنهنَّ قدوةٌ لا ينبغي أن يفرِّطن في الخمار، حتى وإن كان في حقِّ الناس جميعاً جائزاً فإنَّ النساء ينظرن إليهنَّ أنَّ ذلك هو الإسلام، وأنَّ ما كنَّ يقمن به في الماضي من ارتداء الخمار هو نوعٌ من أنواع التخلُّف، وأنهنَّ لم يكنَّ يفهمن حقيقة الخمار ولا حقيقة الحجاب؟
والكلام يطول.. والسلام عليكم. ... السؤال
الدعوة النسائية, قضايا وشبهات, ثقافة ومعارف ... الموضوع
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الحل ...
...
... أخي الكريم عبد الله
أشكر لك بدايةً هذه "الحميميَّة" البادية في حديثك، وهذا الحرص الواضح، أسأل الله تعالى أن يثيبك على ذلك وأن يوجِّهه فيما يخدم الإسلام والمسلمين.
أخي الكريم،(5/1492)
لن أتحدَّث معك حول شكل الحجاب الشرعيِّ وأوصافه، نظراً لأنَّنا لسنا مكاناً للفتوى هنا، رغم احتياجنا لها كجزءٍ لا يتجزَّأ من الدعوة، فالدعاة يتعاملون مع القواعد والأصول العامَّة الحاكمة لنا، ويأخذون الأحكام بعد ذلك من أهل الأحكام، وهم الفقهاء، ولذلك سأترك الحديث في الاختلاط كحكمٍ شرعيٍّ وسأرفق عناوين بعض الفتاوى حول الاختلاط والموجودة في بنك الفتوى بالموقع، سأرفقها في آخر هذه الاستشارة.
وأعود الآن إلى القواعد العامَّة لديننا، لأتحدَّث عن قاعدةٍ هامَّةٍ يجب أن تحكم حياتنا، وإليك بيانها تفصيلا:
قاعدةٌ في الحلال والحرام:
وتنقسم إلى ثلاث نقاط:
أ- لا حلال إلا ما أحلَّه الشرع.. ولا حرام إلا ما حرَّمه الشرع:
- قال الإمام مالك بن أنس:" لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركتُ أحداً أقتدي به يقول في شيء: "هذا حلالٌ وهذا حرام"، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنَّما كانوا يقولون: نكْرَه هذا ونرى هذا حسنا، ونتَّقي هذا ولا نرى هذا، ولا يقولون حلالٌ ولا حرام، أما سمعت قول الله عزَّ وجلّ: "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أَذِن لكم أم على الله تفترون"، الحلال ما أحلَّه الله ورسوله، والحرام ما حرَّمه الله ورسوله".
- قال الإمام ابن القيِّم: "نهى الله تعالى أن يقول أحدٌ هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لما لم يحرِّمه الله ورسوله نصّا، وأخبر أنَّ فاعل ذلك مفترٍ على الله الكذب فقال: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب".
- قال الأستاذ عبد الحميد بن باديس في معرض تعليقه على الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها"، فقال بلال بن عبد الله بن عمر: "والله لنمنعهنّ، إذن يتخذِّنه دَغَلا- أي خداعاً يخدعن به أزواجهنّ-"، فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبًّا سيِّئاً ما سمعت مثله قط –كما يقول الراوي- وقال عبد الله: "أُخبِرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول.. والله لنمنعهنّ؟!".
قال الأستاذ عبد الحميد بن باديس: "هذا الذي وقع من بلالٍ كثيراً ما يقع مثله أو نحوه من أهل الجهل والبدعة الذين شبُّوا عليهما وشاخوا، حتى صارت البدعة عندهم سنَّة والسنَّة بدعة، فإذا ذكرتَ لهم الحكم الشرعيَّ بدليله من الكتاب والسنَّة صدُّوا ونفروا وأبَوا واستكبروا وصارحوا بالمخالفة، أو سكتوا وأضمروا الخلاف، وما هذا من شأن المؤمنين، فحذار إذا سمعت حكماً شرعيًّا ونصًّا قرآنيًّا أو حديثاً صحيحاً نبويًّا أن تقابل بالخلاف، بل انشرح لذلك صدرا، ولا يكن في صدرك من حرجٌ ممَّا قضى الله ورسوله، وسلِّم تسلميا".
ب- تحريم الحلال كتحليل الحرام:
إذا ثبت أوَّلاً أنَّه لا حلال إلا ما أحلَّه الشرع، ولا حرام إلا ما حرَّمه الشرع، فإنَّه يجب التذكير بأنَّ تحريم الحلال كتحليل الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ محرِّم الحلال كمحلِّ الحرام"رواه الطبرانيّ، ورجاله رجال الصحيح.(5/1493)
فإذا كان تحليل المحرَّمات جُرْماً كبيراً وعدواناً صارخاً على سلطان الله تعالى، فمثله في الجُرْم والعدوان تحريم المباحات، أي لا فرق بين من اعتدى على سلطان الله فأباح قدراً من حِمَى الله في أرضه، وبين من اعتدى على سلطان الله فحرَّم قدراً من زينة الله التي أخرج لعبادة، قال تعالى: "يا أيُّها الذين أمنوا لا تحرِّموا طيِّبات ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين".
جـ- الحلال بيِّن.. والحرام بيِّن.. ولا يوجد في الشرع غير ذلك:
أقرَّت الشريعة أنَّ الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن، وبينهما مُشْبَهات –وفي رواية مسلم مشتبهات- لا يعلمها كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقى المشْبَهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه"رواه البخاريُّ ومسلم، وقد يلتبس على البعض هذا الحديث، فتتَّسع عندهم دائرة المشبهات، وتبتلع كثيراً من المباحات حتى تنمحي تماماً من ساحة الشريعة، هذا رغم أنَّ الحديث يقول: "بينهما مشبهاتٌ لا يعلمها كثيرٌ من الناس"، أي أنَّ هذه المشبهات حكمها بيِّنٌ واضحٌ عند القليل من الناس وهم العلماء، وهذا يعني أنَّ المشتبهات إنَّما تشتبه على كثيرين في وقتٍ ما، وعليهم اجتنابها عندئذ، ولكنَّ عليهم أيضاً أن يلجأوا إلى من عنده علمٌ فيتبيَّنوا منه الحكم وتزول الشبهة، وعندها يندرج الأمر إمَّا في دائرة الحلال وإمَّا في دائرة الحرام، واقرأ شرح الحديث في كتب الشروح لتجد ذلك.
الخلاصة:
نخلص من كلِّ ما سبق أنَّ الذي يحكمنا كمسلمين هو الشرع لا غيره، ولا يجوز لإنسانٍ أيًّا كان أن يحلِّل أو يحرِّم، لأنَّ أمور الشرع ظاهرةٌ بادية، وما خفي منها على العامَّة وضح عند أهل العلم، "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
أخي عبد الله،
دعنا نطبِّق هذه القاعدة على ما تفضَّلتَ به حول الحجاب، فأؤكِّد أنَّ الحجاب الشرعيَّ هو ما أمر الله به لا ما قرَّره البشر، وما دام لباس المرأة –أيِّ امرأة- قد حقَّق الوصف الشرعيَّ للحجاب، فقد حقَّقت المرأة حكم الله تعالى ولا شيء عليها، بصرف النظر تماماً عن المسمَّيات: "حجاب- خمار- تلفيحة- تحجيبة- إيشارب- نقاب..." المهمُّ النتيجة لا الاسم، وفي هذا السياق أقول: إن التزمت الداعية بحكم الشرع وتحديداته وحدوده فهي ليست عاصيةً أو مقصِّرة، وإن لم تلتزم فهي عاصيةٌ مقصِّرة، ولا شيء بعد ذلك.
أمَّا ما يمكن أن تلام عليه الداعية فهو أن تصف الحجاب أو أيَّ لباسٍ تلبسه الأخت المسلمة مطابقاً لأحكام الشرع بأنَّه تخلُّف وجزءٌ من الماضي، هذا إن حدث فيجب أن يكون التعنيف واجباً واللوم شديدا، وتستوي في ذلك كلُّ النساء في كلِّ مكان، بصرف النظر عن كونها داعيةً أو أيَّ شيءٍ آخر.
أمَّا مسألة وضع المكياج، فالحكم فيها واضح، يقول الدكتور علي جمعة: (يجوز للمرأة أن تضع المكياج الخفيف والثقيل على وجهها لزوجها في بيتها، والدليل على ذلك أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تحمِّر فتياتها وهو ما يطلق عليه الآن المكياج،(5/1494)
ولا تخرج المرأة بذلك إلى الشارع لا بخفيفٍ ولا بثقيل؛ وذلك لقول ربِّنا سبحانه وتعالى "ولا يبدين زينتهنّ").
أخي عبد الله،
ما أظنُّ داعيةً تدَّعي أنَّ الالتزام تخلُّف، وسماع أوامر الله رجعيَّة، وأظنُّ المسألة فيها لبسٌ يحتاج إلى تبيانٍ واستيضاحٍ ممَّن قالت ذلك، فلربَّما في الأمر شيء.
المسألة –يا أخي عبد الله- ليست مسألة فهمٍ معاصرٍ أو تمشِّياً مع روح العصر بقدر ما هي أحكامٌ شرعيَّةٌ علينا جميعاً الالتزام بها أيًّا كانت أسماؤها، فمن التزم بها فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن خالفها وقع في الحرام، ولزمه اللوم والعتاب.
أتمنَّى لو راعت أخواتنا الداعيات الحرص في حديثهنَّ وخطابهنَّ حتى لا يُفْهَمن خطأ، خاصَّةً في المسائل الحسَّاسة وذات الخصوصيَّة.
شكراً لك أخي عبد الله على حماستك، ومرحباً بك دائما.
فتوتان في الحجاب:
- ما حكم الحجاب؟ وما أوصافه؟
- صفة حجاب المرأة
استشارتان سابقتان تعرَّضتا لمسألة الحجاب:
- داعيةٌ بلا حجاب.. ما هكذا تورَد الدعوة
- بين الحجاب والخمار: "المفهوم" و"الملتزمون"
ـــــــــــــــــــ
داعيةٌ بلا حجاب.. ما هكذا تورَد الدعوة ... العنوان
الأخوة الكرام، السلام عليكم، ما رأيكم في أختٍ داعيةٍ تعيش في الغرب ولا تغطِّي شعرها، ولكنَّها تلبس ملابس فضفاضةً و... إلخ من شروط زيِّ المرأة، ليس بسبب الاضطهاد أو ما شابه، ولكن لأنَّ الناس هناك "ينفرون" من المسلمين، فلا تتاح الفرصة حتى لإيصال كلمةٍ واحدة، وهي ترى أنَّ عدم تغطية الشعر يعطيها فرصةً أكبر للوقوف على قلوب الناس، فربَّما استطاعت أن تدخل يوماً ما، في حين أنَّ النفور لمجرَّد رؤيتها بهيئةٍ معيَّنةٍ يحرمها من هذه الفرصة ...
As they said: “you don't have a second chance to make a good first impression”.
... السؤال
الدعوة النسائية, قضايا وشبهات, آداب وأخلاق, ثقافة ومعارف ... الموضوع
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الحل ...
...
... أخانا الكريم، أهلاً بك،
للإجابة على قضيَّة حجاب المرأة، يقول الأستاذ مسعود صبري المحرِّر بقسم الفتوى: "إنَّ الإسلام احترم العقل، وجعل العقل في الشرع مناط التكليف، وقد رُفِع القلم عن المجنون والنائم والذي لم يبلغ الحلم لأنَّ عقله إمَّا غائب، وإمَّا لم يكتمل بعد، ومع هذا، فإنَّ الإسلام يعني الاستسلام لأمر الله، وهل يُتصوَّر أنَّ الله تعالى يفرض على الناس شيئاً يعذِّبهم به؟! الإجابة الطبيعيَّة: لا، فالله تعالى حينما فرض الحجاب فرضه(5/1495)
لأنَّ هناك قبولاً ومَيْلاً بين الرجل والمرأة، ولمَّا كان لم يكن ليتركه هكذا كشهوة الحيوان، ضبطه سبحانه بأمور: بالحجاب الشرعيّ، وبغضِّ البصر، وبالسرعة في الزواج.
وأمَّا حجاب المرأة المسلمة فإنَّه قانونٌ إلهيٌّ لا يمكن لأحدٍ أن يجتهد فيه إلا ضمن الحدود الإلهيَّة، وهذا أمرٌ متَّفقٌ عليه بين المسلمين كافَّة، نعم اختلف المسلمون في حدود الحجاب، فمنهم من قال بأنَّه يجب أن تستر كلَّ بدنها، ومنهم من قال بأنَّه يجوز لها أن تُظهِر وجهها وكفَّيها، والأدلَّة القرآنيَّة تؤيد الرأي الثاني أكثر من الأوَّل، والمهمُّ في المقام عادةً أن نبحث عن فلسفة الحجاب، ولماذا أوجب الإسلام الحجاب على المرأة؟ أليس ذلك تقييداً من حريَّة المرأة، ومانعاً لها من ممارسة أعمالها؟ وقد أجاب العلماء عن هذه المسألة، ويمكن أن نلخِّص إجابتهم في الجوانب التالية:
أ – جانب الاحترام: فالمرأة في الإسلام مخلوقٌ له كيانه واحترامه، فلأجل الحفاظ على احترامها أمرها بالحجاب كي لا تؤذى من الناس، ولكي تبقى مخلوقاً محترماً له كيانه وشخصيَّته المستقلَّة، وقد بيَّن القرآن الكريم هذا الجانب في قوله تعالى: "يا أيُّها النبيُّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدنى أن يُعرَفن فلا يُؤذَين".
ب - الجانب النفسيّ: وهو إبقاء المجتمع في حالةٍ نفسيَّةٍ بعيدةٍ عن الإثارات التي تفسد أخلاقه، وتهيِّج غرائزه، فتعطِّله عن وظيفته الأساسيَّة في بناء المجتمع، لذلك أمر المسلمين كافَّةً رجالاً ونساء أن يغضُّوا من أبصارهم، أي لا ينظروا إلى بعضهم البعض نظرة تلذُّذ، وأمر الله المرأة بالحجاب، كي لا يكون هناك حرجٌ بين الناس.
جـ – الجانب العائليُّ والاجتماعيّ: لقد أكَّد الإسلام كثيراً على بناء الأسرة الجيِّدة في المجتمع، وكلُّ أمرٍ يقوِّي الرابطة العائليَّة بين الزوجين أَمَر به الإسلام، وكلُّ أمرٍ يؤدِّي إلى تفكيك كيان الأسرة نهى عنه الإسلام، وممَّا يؤدِّي إلى تقوية الرابطة العائليَّة أن يكون كلُّ زوجٍ خالصاً لزوجه، والحجاب وغضِّ البصر من الأمور التي تحقِّق ذلك، وهذا يؤدِّي إلى تقوية الرابطة الزوجيَّة والعلاقة العائليَّة، ممَّا يجعل من الأسرة مؤسَّسةً فعَّالةً في المجتمع، لأنَّ الزوج أو الزوجة عندما يكونان مطمئنِّين نفسيًّا يكون عطاؤهما أكبر ونشاطهما الفكريُّ أكثر.
من هنا تظهر حكمة التشريع الإسلاميِّ في ارتداء المرأة للحجاب".
وبعد إجابة الأستاذ مسعود شكر الله له، أنقل لك -أخي- فتوى قيِّمةً للشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى، أجاب بها عمَّن سأله عن عددٍ من النساء الأمريكيَّات اللواتي اعتنقن الإسلام عن قناعةٍ ورضا، غير أنَّ موضوع الحجاب ظلَّ صعباً عليهنَّ الالتزامُ به، سواء بسبب الاقتناع، أو للصعوبة التي تواجههنَّ إذا أردن إكمال حياتهنَّ موظَّفاتٍ وعاملاتٍ كما تقتضي ضرورة الحياة هناك، أجاب الشيخ الزرقا رحمه الله تعالى: "إنَّ من اعتنقن الإسلام من النِّساء الأجنبيَّات عن قناعةٍ ورضا، ويَصعُب عليهنَّ الالتزام بالحجاب (سَتْرُ ما يجب سَتْره من بدن المرأة) لا نستطيع تغيير حكم الإسلام الشرعيِّ لأجلهنّ، وإباحة السفور والحُسور لهنّ؛ لأنَّ هذا تناقضٌ عندئذٍ في حكم الإسلام بين الإباحة والمنع، ولكنْ إذا سفَرْن وحسَرْن يجب أن يكون هذا مع اعتقاد أنَّ هذا حرامٌ في الإسلام، وعلى هذا يكون ممارسة السُّفور والحُسور من(5/1496)
هؤلاء المسلمات الجُدُد دون اعتقادهنَّ للإباحة، بل بانتظار أن تقوَى إرادتهنَّ وعزيمتهنَّ أوْلى من بقائهنَّ على الكفر، والله أعلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء"رواه مسلم (اللهم اجعلنا منهم)، وبهذه المناسبة أقول: يجب إفهام هؤلاء النِّسوة أنَّ احتمالهنَّ لهذا الحجاب اليسير، وإن كان فيه بعض المشقَّة عليهنّ، فيه لهنَّ ثوابٌ إضافيٌّ عند الله أكثر ثواباً لمن تعيش في بيئةٍ إسلاميَّة".
ووجه الشبه بين هذه الفتوى وبين سؤالك -أخي الكريم- هو أنَّنا لا نملك تغيير حكم الله تعالى أيًّا كانت الأسباب، غير أنَّ بإمكان هذه الأخت ألا تتحجَّب، ولكن مع اقتناعها الأكيد بأنَّ ما تقوم به خطأ.
وأمَّا مسألة إعاقة الحجاب للدعوة، فلا يمكن ولا يجوز أن أصل إلى الحقِّ عن طريق الباطل، ولا إلى الصواب عن طريق الخطأ، لسنا "مكيافلِّيِّين" يا أخي، ولا الغاية عندنا تبرِّر الوسيلة، كما أنَّك -يا أخي- لا تستطيع أن تصل إلى الشاطئ نقيًّا طاهرا، إذا كان طريقك للوصول إليه أرضاً سبخةً طينيَّةً ملوَّثة! أليس كذلك؟
وأمَّا مسألة الانطباع الأوَّل "The first Impression" التي تفضّلتَ بذكرها، فجوابها أحد أمرين:
الأوّل: إخبار كلِّ معترضٍ أو ممتعضٍ أو متقزِّزٍ بأنَّ الأمر مرجعه إلى الحريَّة الشخصيَّة، وأظنُّ أنَّ للحريَّة الشخصيَّة في الغرب مكانة عالية.
الثاني: من قال أنَّ مبدأ "الانطباع الأوَّل" صحيح؟ أنت تملك يا أخي في تعاملك مع الناس الانطباع الأوَّل والثاني والثالث والرابع...، وثق بأنَّك لو كنتَ مسلماً حقّا، فأنَّك لن تحتاج إلى أكثر من الانطباع الثاني، فبحسن خُلُقك، وببشاشتك، وبصدقك، وبالتزامك، تستطيع أن تفتح أعتى القلوب وأقساها، القضيَّة يا أخي ليست انطباعات بقدر ما هي سلوكٌ وممارسات.
قديماً لام قومٌ رجلاً اسمه "سعد" لأنَّه تعامل مع الإبل بطريقةٍ خاطئة، فقالوا:
أورَدَها سعدٌ وسعدٌ مُشْتَملْ ... ... . ما هكذا يا سعدُ تورَد الإبلْ
إنَّ لكلِّ أمرٍ في الدنيا طريقةٌ للتعامل معه، فـ"ما هكذا يا أختي تورَد الدعوة".
وكن متواصلاً معنا يا أخانا الكريم ... المحرر
ـــــــــــــــــــ
بين الحجاب والخمار: "المفهوم" و"الملتزمون" ... العنوان
أنا في الوقت الحالي خاطبٌ لفتاةٍ طيِّبةٍ ومطيعة، ولكنَّها تجادلني في أمر الخمار، لا لأنَّها رافضةٌ له، ولكن لأنَّها تريد الاقتناع التامَّ به، حيث إنَّها تقول لي أنَّ المقصود في قوله تعالى: "وليضربنَّ بخمرهنَّ على جيوبهنّ" إلى آخر الآية الكريمة المقصود بـ"جيوبهنّ" هي حدود الصدر على لسان شيخٍ جليلٍ قال هذا في التليفزيون، وبالتالي لا تريد أن تلبسه في مقدِّمة حياتنا إلا بعد فترةٍ طويلة.
أريد منكم التكرُّم علينا بما يفيدني لإقناعها بلبس الخمار بكلِّ ما ورد في أمر الخمار من فائدته لها دينيًّا ودنيويّا، وما الطريقة المناسبة للحديث عن هذا الأمر بدون إثارة الضيق لها عند الحديث عن هذا الأمر؟ أرجو أن أكون أوصلت ما أريده منكم، أثابكم الله. ... السؤال(5/1497)
الدعوة الفردية, ثقافة ومعارف, العائلة ... الموضوع
الدكتور كمال المصري ... المستشار
... ... الحل ...
...
... أخي الكريم شريف، بارك الله لك حرصك والتزامك، ولا أكتمك حديثاً أنَّني توقَّفت كثيراً أما استشارتك، فسؤالك –أخي الكريم- غير واضحٍ بعض الشيء، ولم أستطع أن أفهم بوضوحٍ الفارق بين ما تريده وما عليه خطيبتك، وأقصى ما وصل إليه فهمي هو أنَّها محجَّبةٌ حجاباً شرعيّا، وأنت تريدها أن ترتدي ما تعارف "الملتزمون" على تسميته بـ"الخمار" وهو لباسٌ له صفةٌ وهيئةٌ تزيد على صفة وشكل الحجاب، والحقيقة أنَّني لا أدري من أين أتى "الملتزمون" بهذا المعنى، إذ أنَّ المعنى اللغويَّ ليس في صالح هذا المصطلح، إذ الحجاب أوسع وأعمُّ معنىً من الخمار، والخمار جزءٌ من مكوِّنات الحجاب، عموماً ليس هذا مجال حديثنا، وإنَّما هي ملاحظةٌ عابرةٌ قد تفيد في إعادة تصحيح المفاهيم –أيَّة مفاهيم- في أذهاننا.
ولأهميَّة هذا الأمر، أمر الحجاب والخمار، فقد رأيت أن أترك الحديث فيه لأهله، فطلبت من الأخت داليا يوسف المحرِّرة المسؤولة عن صفحة "حوَّاء وآدم" بالموقع أن تجيب على استشارتك، فأجابت طلبي مشكورةً وقالت:
"بدايةً نهنِّئك –أخي- على خطبتك، ودعاؤنا أن يبارك الله لك ولعروس المستقبل الطيِّبة المطيعة -كما وصفتها- ويبدو أنَّ الله قد أكرمها أيضاً بخاطبٍ له من ذات الخصال الطيِّبة، إذ أنَّك تُعنَى بشأنها، وتتلَّمس طرق نصحها دون أن تسبِّب لها ضيقاً أو حرجا.
والآن، دعنا نحدِّد مدخل حديثنا، إذ يبدو لي من سطور رسالتك أمر، وهو أنَّه لا خلاف بينك وبين خطيبتك حول حكم الحجاب، فهي ترتديه، وإنَّما الخلاف بينكما حول أوصافه، وقد أوضح العلماء والمفسِّرون أوصاف الحجاب، والذي ورد حكمه في الآية الكريمة في سورة النور: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنّ.."، وأوصاف الحجاب كما يلي:
1- أن يغطِّي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله "إلا ما ظهر منها"، وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنَّه الوجه والكفَّان.
2- ألا يشفَّ الثوب ويصف ما تحته.
3- ألا يحدِّد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه.
فإذا كانت ما ترتديه خطيبتك يحوي هذه المواصفات أيًّا ما كان شكل حجابها؛ مستديراً أو مستطيلا، ملفوفاً أو مسدلا، فقد أدَّت فرض ربِّها بعيداً عن القوالب والأسماء التي اعتدنا أن نطلقها على شكلٍّ معيَّنٍ لزيٍّ معيَّن، فإذا ما وجدتَّها قد خالفتْ وبالغتْ في عدم مراعاة هذه المواصفات فأكرمها –كما أكرمها دينها- بنقاشٍ هادئٍ يخاطب القلب والعقل معا.
أخي، إنَّني ما تطلَّعتُ إلى أمرٍ من أمور ديننا أو دنيانا ممَّا اعتدنا على رؤيته أو إتيانه إلا وجدتني في حاجةٍ إلى الوقوف أمامه، وإعادة اكتشافه وتجديد الإحساس به، ولن(5/1498)
أضيف شيئاً إذا ما تحدَّثت عن الحجاب فلو جُمِع ما كُتِب في أمره لأقام بنايةً شاهقة، ولن تجد صعوبةً في الحصول -من هذه المؤلَّفات- على بغيتك، ولكنَّني أذكر أمرين منها فقط، لأنَّهما يجدِّدان –دائماً- الإحساس بالحجاب لا كأمرٍ مفروض وكفى، بل كمفردةٍ في منظومةٍ كاملةٍ لهذا الدين:
أولهما: أنَّه إعلان موقف "طاعة" شأنه شأن العبادات التي ظاهرها المشقَّة والتقييد، وباطنها الرحمة والتحرُّر من سلطان البشر والشهوة، والحجاب في هذا الإطار لا يُعدُّ بضعة أشياء زائدة، بل سمتٌ وخصوصيَّةٌ لها ديمومتها التي لا تتغيَّر مع حوادث البدع.
ثانيهما: أنَّني ما أمعنت النظر في مسألة الحجاب إلا وجدتُّها غاية التكريم للإنسان عامَّة، وللمرأة على وجه الخصوص، بما استقرَّ له من أثرٍ في صون العفَّة، وفي الضبط الاجتماعيّ، فالحجاب فرضٌ على المرأة حينما تخرج للمجتمع تحديداً لأنوثتها، وإبرازاً لحقيقة تكليفها شأنها شأن الرجل كما في قوله تعالى:"من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحييَّنَّه حياةً طيبةً ولنجزينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"، هذا التكليف الذي أوجد لها مكاناً معلوماً في مدرسة النبوَّة، فهي: تصلِّي في المسجد، وتحضر دروس العلم، وتسافر مع الرجال إلى مسافات الجهاد، وتخدم الجرحى وتسقي الماء، هذا المناخ الذي توافر للجميع حتى جعل من بينهنَّ من قدَّمت نماذج في مختلف المجالات: في ساحات العلم فتظهر عائشة تتفقَّه وتروي وتحدِّث، وتظهر في ميادين الجهاد نسبية بنت كعب تحمل السلاح وتذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحنكة والسياسة كما فعلت أمُّ سلمة حين أشارت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يحلق يوم الحديبية.
وهذا كلُّه لم يمنع أن تكون داخل بيتها الزوجة المحبَّة، والأنثى الرقيقة، التي تبدي زينتها، وتتفنَّن لتصير لزوجها سكنا، ويكون لها كذلك وهي الابنة أن تنعم بين محارمها بتدلُّلها الحييِّ وبالحرِّيَّة والأمان معا.
أمَّا حينما نتخلَّى عن هذا التكريم فسيظهر -كما اتضَّح لنا- أشدُّ أنواع العنف ضدَّ المرأة فيما يُظَنُّ أنَّه موضع تحرُّرٍ من القيود، إذ تتوه المعايير التي تحدِّد قيمة ما تؤدِّيه من تكليفاتٍ لهذا المجتمع، وتعامَل كسلعةٍ قابلة للاستهلاك، وهو أمرٌ يستدعي الإشفاق أكثر ممَّا يستدعي السخط على من يُقدِم عليه.
هذا آخر ما أردت أن ألقي الضوء عليه، ودعنا نقول: إنَّه في ظلِّ حكمة هذا الشرع الكريم، اسمح لي أن نخرج من هذه المساحة التي نتَّفق بشأنها إلى مساحة مراجعةٍ لخطابك بل لخطابنا في مناخ مَن يُعرَفون بـ"الملتزمين" أو مَن في طريقهم لذلك، ولا تظنَّني أخصُّك بهذا الحديث فأنا أعلم أنَّك لا تقصد ذلك، وإنَّما هي دعوةٌ كي نُراجع مقولاتنا جميعا، فإنَّ ما أثار هذا الأمر هو حرصك الواضح في رسالتك على مناقشة أمر شكل حجاب خطيبتك، ذلك أنَّنا قد وضعنا في خطابنا للمرأة تحديداً مركزيَّةً شديدةً لمسألة الحجاب، وما مراجعتي لهذا الأمر إنكاراً لضرورته أو تهميشاً لأمره، أبدا، إنَّما رغبةً في أن ننظر لمنظومة القيم التي اشتملت على الحجاب، وجاءت –كما أسلفت- لتنفذ إلى القلب والعقل معا، منظومةٍ ضمنت العدل والحقَّ والعفَّة وحسن الخُلُق ونظافة اليد.(5/1499)
نحتاج إلى مراجعةٍ تدعو لتسيير تلك المنظومة لنخلق بها مناخاً تصلح معه أمور ديننا ودنيانا، وقتها يسكن الحجاب تلقائيًّا في مكانه على خريطة حياتنا.
كان سؤالي وأنا أتلفَّتُ يمنةً ويسرى في سنواتي الجامعيَّة عن المعارض السنويَّة التي تقوم بها جماعات النشاط في المسجد والجامعة عن الحجاب، والملصقات التي اكتست بها الحوائط والأبنية، لماذا لم تُعَدَّ معارض وأنشطة توعيةٍ مماثلةٍ تتحدَّث عن ظواهر امتلأت بها ساحاتنا الجامعيَّة ومقاعد الدراسة؛ كالغشِّ الجماعي – استغلال النفوذ – انحدار المستوى العلميِّ للطلبة والأساتذة على السواء، لماذا لا نستجيب استجابةً فاعلةً لما يحدث حولنا؟ وهل الالتزام مرادفٌ لطقوسٍ ومظاهر نظلُّ نجهر وننادي بها دون التفاتٍ لمقاصدها وغاياتها.
إنَّ الالتزام الحقيقيَّ يخلق وعياً بما حولنا، وعياً اجتماعيّا، مثَّله أروع تمثيلٍ الفاروق عمر رضي الله عنه، حين قال له رجل: إنَّ فلاناً رجل صدق، فقال له: "هل سافرت معه؟" قال: لا، قال: "فهل كانت بينك وبينه معاملة؟" قال: لا، قال: "فهل ائتمنته على شيء؟" قال: لا، قال: "فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد؟!".
هكذا أخي التزام المرء –ذكرٍ أو أنثى- يُعْرَف ويستدلُّ به عليه بسلوكه في حياته طولها وعرضها.
دعنا نسهم في أن نخلق وعياً لأنفسنا وللآخرين بهذه الحقيقة، وأن ننحت مفهوماً معاشاً لكلمة الالتزام ووصف الملتزمين، فمن يتابع ما يصل إلينا في الموقع في هذه المساحة الفاعلة المضيئة أو في غيرها من الصفحات كـ "مشاكل وحلول الشباب" أو "الاستشارات التربويَّة" تتأكَّد له حقيقةٌ هامَّة، وهي ضرورة وقوفنا على هذه الكلمة وتحليلنا لمردودها في أذهاننا وفي حياتنا.
فاعتنِ أخي وخطيبتك بأن تتعارفا وتتناقشا حول منظومةٍ كاملةٍ من القيم نقاشاً وتعارفاً واعياً بالواقع من حولكما، واحرص على أن تنسج من خيوط صفات خطيبتك -الرقيقة- رباطكما الوثيق، وأن تحفظها وعقلها فتكون الفائز برفيقة دربٍ وشريكة عمرٍ تتمتَّع بالخُلُق الكريم والعقل الواعي في عالمنا المفتوح الذي يموج بالتقلُّبات والتغيُّرات، ويحتاج لمن يمتلك رؤيةً واعية، ويقف على أرضيَّةٍ ثابتةٍ من دينه ومبادئه، ويتعامل ويشتبك مع واقعه بثقةٍ منطلقةٍ من فهمٍ ووعي.
أتمَّ الله نعمته عليكما، ورزقنا بكما بيتاً مسلماً يضمُّ بين جنباته زوجاً كريماً وزوجةً تقيَّةً وأبناءً يكونون قرَّة عينٍ لكما وللمسلمين، ورزقنا وجميع أخواتنا العفَّة في أسمى معانيها، حتى تُقتَبس منَّا كما وصف الشاعر محمود حسن إسماعيل هذا المعنى قائلا:
قدسيَّة الألحاظ إمَّا رنت ... ... . قبَسْتُ من أجفانها عفَّتي
وعلى الله قصد السبيل".
وبنهاية حديث الأستاذة داليا، لم يبقَ إلا أن أثنِّي على دعوتها ضرورة أن نراجع مفاهيمنا من جديد، وأن نفكِّر فيها ونمحِّصها، فما احتاج منها إلى تصحيحٍ صحَّحناه، وما تثبَّتنا من صحَّته أكَّدنا عليه في نفوسنا أوَّلاً ثمَّ مع الناس، واقتنعنا بأنَّنا نأوي إلى ركنٍ شديد.(5/1500)
ويبقى موضوع "الحجاب" و"الخمار" أخي شريف بيديكما، وبعيداً عن المسميَّات، إن كان حجابها حجاباً شرعيًّا كاملا، فلا حاجة لك –في رأيي- إلى إرغامها على ما هو أكثر منه، وإن كان ليس كذلك فاطلب منها أن تكمله حتى ترضي به ربَّها سبحانه ورسولها عليه الصلاة والسلام، وفي إرضائهما رضى الكون وما فيه.
ولعلَّه من المفيد أن تطَّلع -أخي الكريم- على فتوى الدكتور القرضاوي في الحجاب، وعنوانها:
ما حكم الحجاب؟ وما أوصافه؟
بارك الله لك فيها، وبورك لها فيك، وأنتظر منك الجديد.
ـــــــــــــــــــ
لباس المرأة المسلمة: حكمه وأوصافه ... العنوان
ما هو حكم الحجاب ،وما هي أوصافه؟ ... السؤال
28/02/2006 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد
فيقول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي:
المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم - بعد الإيمان بالله واليوم الآخر- على رعاية الفضيلة والعفاف والتصون في العلاقة بين الرجل والمرأة، ومقاومة الإباحية والتحلل والانطلاق وراء الشهوات .
وقد قام التشريع الإسلامي في هذا الجانب على سد الذرائع إلى الفساد، وإغلاق الأبواب التي تهب منها رياح الفتنة كالخلوة والتبرج، كما قام على اليسر ودفع الحرج والعنت بإباحة ما لا بد من إباحته استجابة لضرورات الحياة، وحاجات التعامل بين الناس كإبداء الزينة الظاهرة للمرأة. مع أمر الرجال والنساء جميعا بالغض من الأبصار، وحفظ الفروج: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم)، (وقل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين من زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن.(.
وقد روى المفسرون عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) ، قال: الكف والخاتم والوجه، وعن ابن عمر: الوجه والكفان، وعن أنس: الكف والخاتم، قال ابن حزم: وكل هذا عنهم في غاية الصحة، وكذلك عن عائشة وغيرها من التابعين.
وتبعا للاختلاف في تفسير (ما ظهر منها) اختلف الأئمة في تحديد عورة المرأة اختلافا حكاه الشوكاني في "نيل الأوطار"، فمنهم من قال: جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وإلى ذلك ذهب الهادي والقاسم في أحد أقواله، وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه، ومالك. ومنهم من قال: ما عدا الوجه والكفين والقدمين والخلخال. وإلى ذلك ذهب القاسم في قول، وأبو حنيفة في رواية عنه، والثوري، وأبو العباس.(5/1501)
وقيل: بل جميعها إلا الوجه، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود.
الوجه ليس بعور:
ولم يقل أحد بأن الوجه عورة إلا في رواية عن أحمد -وهو غير المعروف عنه- وإلا ما ذهب إليه بعض الشافعية.
والذي تدل عليه النصوص والآثار، أن الوجه والكفين ليسا بعورة، وهو ما روي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين والأئمة، واستدل ابن حزم -وهو ظاهري يتمسك بحرفية النصوص- بقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن) على إباحة كشف الوجه، حيث أمر بضرب الخمر على الجيوب لا على الوجوه، كما استدل بحديث البخاري عن ابن عباس أنه شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى، ثم أتى النساء، ومعه بلال، فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن. قال: فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه -أي المال- في ثوب بلال. قال: فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة ليست بعورة.
وروى الشيخان وأصحاب السنن عن ابن عباس، أن امرأة من خثعم، استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل ابن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: أن الفضل إلى الشق الآخر، وفي بعض ألفاظ الحديث "فلوى صلى الله عليه وسلم عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أرأيت شابا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما" وفي رواية: فلم آمن عليهما الفتنة ".
وقد استنبط بعض المحدثين والفقهاء من هذا الحديث: جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بتغطية وجهها، ولو كان وجهها مغطى، ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء، وقالوا: لو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن فهمه صحيحا ما أقره النبي عليه.
وهذا بعد نزول آية الحجاب قطعا، لأنه في حجة الوداع سنة عشر، والآية نزلت سنة خمس.
وبناء على ما سبق يكون اللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية: ـ
أولا:أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله(إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان -كما سبق ذكره -.
ثانيا:ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟.(5/1502)
ثالثا:ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها.
فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث ... وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة.
رابعا:ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل ... فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها ... حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ... فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة ... فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته ... فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء.
فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها.
هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به ... ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا واستراحوا ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال ... وذلك شر وفتنة من فتن العصر ... أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته ... قفي عند حدك ... بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته ... لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة ... ولا أن يقول لها شيئا من ذلك ... ضعف الرجال ... لضعف الدين ... وضعف اليقين ... وضعف الإيمان.
والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم ... لا بد من هذا ... ولا بد أن نقاوم هذا الزحف ... وهذا التيار..
ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم ... وبتعاليمه القويمة ... سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته.
عادة الحجاب :(5/1503)
أما الغلو في حجب النساء عامة الذي عرف في بعض البيئات والعصور الإسلامية، فهو من التقاليد التي استحدثها الناس احتياطا منهم، وسدا للذريعة في رأيهم، وليس مما أمر به الإسلام.
فقد أجمع المسلمون على شرعية صلاة النساء في المساجد مكشوفات الوجوه والكفين -على أن تكون صفوفهن خلف الرجال، وعلى جواز حضورهن مجالس العلم.
كما عرف من تاريخ الغزوات والسير أن النساء كن يسافرن مع الرجال إلى ساحات الجهاد والمعارك، يخدمن الجرحى، ويسقينهم الماء، وقد رووا أن نساء الصحابة كن يساعدن الرجال في معركة "اليرموك ".
كما أجمعوا على أن للنساء المحرمات في الحج والعمرة كشف وجوههن في الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار وغيرها، بل ذهب الجمهور إلى تحريم تغطية الوجه -ببرقع ونحوه- على المحرمة لحديث البخاري وغيره: "لا تتنقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين "
ومن الفتاوى السديدة ما أفتى به ابن عقيل الفقيه الحنبلي ردا على سؤال وجه إليه عن كشف المرأة وجهها في الإحرام -مع كثرة الفساد اليوم-: أهو أولى أم التغطية.</
فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ورفع حكم ثبت شرعا بحوادث البدع لا يجوز، لأنه يكون نسخا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسا. وليس ببدع أن يأمرها الشرع بالكشف، ويأمر الرجل بالغض، ليكون أعظم للابتلاء، كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه. اهـ. نقله ابن القيم في بدائع الفوائد.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
شبهات حول الحجاب والرد عليها
الشبهة الأولى: الحجاب تزمّت والدين يسر:
يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأنّ الحجاب تزمّت في الدين، والدين يسر لا تزمّتَ فيه ولا تشدّد، وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا[1].
الجواب:
1- إن تعاليم الدين الإسلامي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر لا عسرَ فيها، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:232]. فهذه الآيات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على الناس في أحكام الشرع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا))[2]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا))[3].(5/1504)
فالشارع لا يقصد أبدًا إعنات المكلَّفين أو تكليفهم بما لا تطيقه أنفسهم، فكلّ ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخلٌ في مقدورهم وطاقتهم[4].
2- ثم لا بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب مراعاتها وهي:
أ- أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكلّ ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة، ولا شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد.
ب- أن لا تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح، فلا تعارض القرآن الكريم؛ لأن معرفة المقاصد الشرعية إنما تمّ استنادًا إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلّها راجعة إلى الكتاب، فلو عارضت المصلحة كتابَ الله لاستلزم ذلك أن يعارض المدلولُ دليله، وهو باطل. وكذلك بالنسبة للسنة، فإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمومًا. ولا يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة.
ج- أن لا تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح.
د- أن لا تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أهمّ منها أو مساوية لها.
3- قاعدة: "المشقّة تجلب التيسير" معناها: أنّ المشقة التي قد يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي أن لا تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع الضوابط السابقة للمصلحة، فلا بد للتخفيف أن لا يكون مخالفًا لكتابٍ ولا سنّة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
ومن المصالح ما نصّ على حُكمة الكتاب والسنة كالعبادات والعقود والمعاملات، وهذا القسم لم يقتصر نصّ الشارع فيه على العزائم فقط، بل ما من حكم من أحكام العبادات والمعاملات إلا وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه. فالصلاة مثلا شرِعت أركانها وأحكامها الأساسية، وشرع إلى جانبها أحكام ميسّرة لأدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلاة من جلوس. والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الأساسية رخصةُ الفطر بالسفر والمرض. والطهارة من النجاسات في الصلاة شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الاحتراز منه. وأوجب الله سبحانه وتعالى الحجابَ على المرأة، ثم نهى عن النظر إلى الأجنبية، ورخّص في كشف الوجه والنظر إليه عند الخِطبة والعلاج، والتقاضي والإشهاد.
إذًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في مقابلة عزائم أحكامه ما يخلّ بالوفاق مع ضوابط المصلحة، ومعلومٌ أنه لا يجوز الاستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، كأن يقال: إنّ مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلاة عنهم، أو يقال: إن مشقة التحرّز عن الربا في هذا العصر تقتضي جوازَ التعامل به، أو يقال: إنّ مشقة التزام الحجاب في بعض المجتمعات تقتضي أن يباحَ للمرأة التبرّج بدعوى عموم البلوى به[5].
الشبهة الثانية: الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية:(5/1505)
قالوا: إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية، لأنّ العرب طبِعوا على حماية الشّرف، ووأدوا البنات خوفًا من العار، فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام بذمّها وإبطالها، حتى إنّه أبطل الحجاب[6]، فالالتزام بالحجاب رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم.
الجواب:
1- إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ الله تعالى تبرّج نساء الجاهلية، فوجه نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى لا يتشبهن بنساء الجاهلية، فقال جلّ شأنه: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} [الأحزاب:33].
كما أن الأحاديث الحافلة بذمّ تغيير خلق الله أوضحت أنّ وصلَ الشعر والتنمّص كان شائعًا في نساء اليهود قبل الإسلام، ومن المعروف أنه مما تستخدمه المتبرّجات.
صحيح أن الإسلام أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقرّها الإسلام فلم يبطلها، كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك.
وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرّجات كاشفات الوجوه والأعناق، باديات الزينة، ففرض الله الحجاب على المرأة بعد الإسلام ليرتقي بها ويصونَ كرامتها، ويمنع عنها أذى الفسّاق والمغرضين[7].
2- إذا كانت النساء المسلمات راضياتٍ بلباسهن الذي لا يجعلهن في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في ذلك؟! وإذا كنّ يلبسن الحجاب ولا يتأفّفن منه فما الذي حشر التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن تسمع منهم الدعوةَ إلى الحرية الشخصية وتقديسها، فلا يجوز أن يمسّها أحد، ثم هم يتدخّلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا من الثياب[8].
3- إنّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على متخلّف عن مستوى الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدّم والحضارة متعلّقَين بلباس الإنسان؟! إنّ الحضارة والتقدم والتطور كان نتيجةَ أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره[9].
الشبهة الثالثة: الحجاب وسيلة لإخفاء الشخصية:
يقول بعضهم: إنّ الحجابَ يسهّل عملية إخفاء الشخصية، فقد يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش[10].
الجواب:
1- يشرع للمرأة في الإسلام أن تستر وجهها لأن ذلك أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات. وكل عاقل يفهم من سلوك المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها لا تبدي وجهًا ولا كفا ـ فضلاً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الاستعفاف والصيانة، وكل عاقل يعلم أيضًا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها وقلة حيائها وهوانها على نفسها، ومن ثم فهي الأَولى أن يُساء بها الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث(5/1506)
تعرِض زينتها كالسلعة، فتجرّ على نفسها وصمة خُبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب البشرية[11].
2- إنّ من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا الزمان تذوق الويلات من الأجهزة الحكومية والإدارات الجامعية والحملات الإعلامية والسفاهات من المنافقين في كل مكان، ثم هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة، فإذا حاولت فاسقة مستهترة ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن الأعين بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذًا؟!
إن الاستثناء يؤيد القاعدة ولا ينقضها كما هو معلوم لكلّ ذي عقل، مع أنّ نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الأراجيف قد بلغت من الانحدار والتردّي في مهاوي التبرّج والفسوق والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر، ولا يحوِجهنّ إلى التواري عن الأعين.
وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأنّ في هذا خطرًا على ما يسمّونه الأمن فليبينوا كيف يهتزّ الأمن ويختلّ بسبب المتحجبات المتسترات، مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات والمتبرجات!![12].
3- لو أن رجلاً انتحل شخصية قائد عسكري كبير، وارتدى بزته، وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبررًا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز للعسكريين مثلاً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!
وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس الفتوّ، وزيّ الرياضة، فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل: إنّ على الأمة أن تحارب شعارَ العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب: "لا" فلماذا يقف أعداء الإسلام من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟![13].
4- إن الإسلام كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات خلق ودين، إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الجلباب، ويقول لها: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]، حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر والاحتجاب، فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الآخر تكون كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد.
إن التصدي لهؤلاء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلال الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الأهواء، فمثل هذا التشديد جائز شرعًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس ووقاية العرض، وجعلتهما فوق كل اعتبار، وإذا كان التخوف من سوء استغلال الحجاب مخطرة محتملة إلا أن المخطرة في التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل عاقل[14].
الشبهة الرابعة: عفة المرأة في ذاتها لا في حجابها:(5/1507)
يقول البعض: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس كاشفة المفاتن لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها ولا إلى سلوكها[15].
الجواب:
إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة، ولا أن تمنحه استقامة معدومة، وربَّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟! ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، وليس حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها فقط، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان إلا أن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة: إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغرياتِ النساء وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى حلّ، فكان في شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحلّ الإلهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا، ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم[16].
الشبهة الخامسة: دعوى أن الحجاب من وضع الإسلام:
زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية[17].
الجواب:
1- إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟(5/1508)
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: "إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[18].
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
2- وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت[19].
3- وأما في الجاهلية فنجد أن الأخبار الواردة في تستّر المرأة العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها، وانتهاكُ سترها كان سببًا في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الأول؛ إذ إن شبابًا من قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في سوق عكاظ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة العربية، يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسرورًا بمقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه *** يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترًا *** فاليوم حين برزن للنظار
فالحالة العامّة لديهم أن النساء كن محجبات إلا في مثل هذه الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها، لأن الفجيعة قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة[20].
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها:
الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله لا أمنحها شرارها *** ولو هلكت مزقت خمارها
وجعلت من شعر صدارها(5/1509)
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند[21].
النقاب: قال أبو عبيد: "النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستوره"[22].
الوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق، قال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصًا
البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء العرب، قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[23]
الشبهة السادسة: الاحتجاج بقاعدة: "تبدل الأحكام بتبدّل الزمان":
فهم أعداء الحجاب من قاعدة: "تبدل الأحكام بتبدل الزمان" وقاعدة: "العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر الأزمان فلا بدّ أن تكون الأحكام الشرعية كذلك[24].
الجواب:
لا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولاً على ظاهره لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم لا يخلو من حالات:
1- إما أن يكون هو بعينه حكمًا شرعيًا أيضًا بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده، مثال ذلك: الطهارة من النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص والحدود وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعدّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها العقاب، سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيّدًا ومحسّنًا له كحكم القسامة والديه والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك، وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة وتطورت العادات والأحوال؛ لأنها بحدّ ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء: "العادة محكَّمة".
2- وإما أن لا يكون حكمًا شرعيًا، ولكن تعلّق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلّة بالمروءة والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير ذلك.(5/1510)
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية ولكنها متعلَّق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء: "العادة محكمة"، فالأحكام المبنيّة على العرف والعادة هي التي تتغيّر بتغيّر العادة، وهنا فقط يصحّ أن يقال: "لا ينكر تبدّل الأحكام بتبدل الزمان"، وهذا لا يعدّ نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره. يوضّحه أنّ العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو أن الحكم الأصلي باق، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه[25].
الشبهة السابعة: نساء خيِّرات كنّ سافرات:
احتجّ أعداء الحجاب بأن في شهيرات النساء المسلمات على اختلاف طبقاتهن كثيرًا ممن لم يرتدين الحجاب ولم يتجنّبن الاختلاط بالرجال.
وعمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها وينقبون فيها بحثًا عن مثل هؤلاء النساء حتى ظفروا بضالتهم المنشودة ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين ـ فيما نقلته الأخبار عنهن ـ أن يظهرن سافرات أمام الرجال، وأن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج[26].
الجواب:
1- من المعلوم والمتقرر شرعا أن الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فضمن أيّ مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأنّ أغلبها وقع بعد من التشريع وانقطاع الوحي؟![27].
2- وإذا علِم أن أحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قياس صحيح عليهما أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم لم يصحّ حينئذ الاستدلال بالتصرّفات الفردية من آحاد الناس أو ما يسمّيه الأصوليون بـ"وقائع الأحوال"، فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلاً شرعيًا لأيّ حكم شرعيّ حتى لو كان أصحابها من الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم فكيف بمن دونهم؟!
بل المقطوع به عند المسلمين جميعًا أن تصرفاتهم هي التي توزن ـ صحة وبطلانًا ـ بميزان الحكم الإسلامي، وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، وصدق القائل: لا تعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله[28].
3- ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلاً قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرّضين للخطأ والعصيان، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فحقَّ عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء))، وإلاّ فما بالنا لا نقول مثلاً: يحل شرب الخمر فقد وجِد فيمن سلف في القرون الخيِّرة من شربها؟![29].(5/1511)
4- وما بال هؤلاء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلاء النسوة من شتى الطبقات والعصور، وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد عظيم وجمع غفير من النساء المتحجّبات الساترات لزينتهن عن الأجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة ولم يجعلها حجة بدلاً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!
يقول الغزالي: "لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"[30]، ويقول ابن رسلان: "اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات"[31].
ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلاً راسخًا من أصول البنية الاجتماعية؟![32].
الشبهة الثامنة: الحجاب كبت للطاقة الجنسية:
قالوا: إنّ الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة الضغط يولّد الانفجار، وحجاب المرأة يغطّي جمالها، وبالتالي فإنّ الشباب يظلون في كتب جنسيّ يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث الاغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقلّ طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب الكبت والاختناق[33].
الجواب:
1- لو كان هذا الكلام صحيحًا لكانت أمريكا والدول الأوربية وما شاكلها هي أقلّ الدول في العالم في حوادث الاغتصاب والتحرّش في النساء وما شاكلها من الجرائم الأخلاقية، ذلك لأن أمريكا والدول الأوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا بحجة الحرية الشخصية، فماذا كانت النتائج التي ترتبت على الانفلات والإباحية؟ هل قلّت حوادث الاغتصاب؟ هل حدث التشبّع الذي يتحدّثون عنه؟ وهل حُميت المرأة من هذه الخطورة؟
جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا": إنه تتم جريمة اغتصاب بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا[34]. ويعني بالقوة: أي تحت تأثير السلاح.
وقد بلغ عدد حالات الاغتصاب في أمريكا عام 1978م إلى مائة وسبعة وأربعين ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين حالة، لتصل في عام 1987م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين حالة. فهذه الإحصائيات تكذّب هذه الدعوى[35].
2- إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء، وهي سرّ أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة لحِكَم كثيرة، منها استمرار النسل. ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذه الغريزة، ثم يطلب من الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعرّي دونما اعتبار لوجود تلك الغريزة[36].
3- إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة مناظر التبرّج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى نتيجتين:(5/1512)
الأولى: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم الشهوات والعورات البادية من فئة المخصيّين، فانقطعت شهوتهم، فما عادوا يشعرون بشيء من ذلك الأمر.
الثانية: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم العورات الظاهرة من الذين أصابهم مرض البرود الجنسي.
فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟![37].
الشبهة التاسعة: الحجاب يعطل نصف المجتمع:
قالوا: إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع، إذ إن الإسلام يأمرها أن تبقى في بيتها[38].
الجواب:
1- إن الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} [الأحزاب:33]. ولا يعني هذا الأمر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها، بل هو التوظيف الأمثل لطاقاتها[39].
2- وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من الواجبات، وما يُسمح لها به من الأعمال، ولا يحول بينها وبين اكتساب المعارف والعلوم، بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع المحافظة على حجابها وتجنبها الاختلاط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللاتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن عن مخالطة الطلاب قد أحرزن قصب السبق في مضمار الامتحان، وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين والطلاب[40].
3- بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها الأعمال التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف المجتمع، بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد وانتشار الجرائم وانفكاك الأسَر، لأن مهمة رعاية النشء وتربيتهم والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ أضحت بلا عائل ولا رقيب.
الشبهة العاشرة: التبرج أمر عادي لا يلفت النظر:
يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية لا يثير انتباه الرجال، بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة متحجبة حجابًا كاملاً يستر جسدها كله، فيريدون التعرّف على شخصيتها ومتابعتها؛ لأنّ كلَّ ممنوع مرغوب[41].
الجواب:
1- ما دام التبرج أمر عادي لا يلفت الأنظار ولا يستهوي القلوب فلماذا تبرّجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تحمّلت أدوات التجميل وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟![42].
2- وكيف يكون التبرج أمرًا عاديًا ونرى أن الأزواج ـ مثلاً ـ تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزينّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقًا متنوعًا جميلاً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ الطعم؟![43].(5/1513)
3- إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية، لا تتغير مدى الدهر، وهي شيء يجري في عروقهما، وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها، بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر؛ ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلاقها وأفكارها وميولها، كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان، ولن تتغير حتى تقوم الساعة[44].
4- أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سرًّا من أسراره، وحكمة من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف الطب ـ مرض يستوجب العلاج والتداوي[45].
5- إن أعلى نسبة من الفجور والإباحية والشذوذ الجنسي وضياع الأعراض واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء مترجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إن أعلى نسبة من الأمراض الجنسية ـ كالأيدز وغيره ـ في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى، بالإضافة إلى الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب والفتيات للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الأخلاق[46].
6- أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ولا تتابع المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا، لا تعلم محتوياته وعدد صفحات وما يحمله من أفكار، فطالما كان الأمر كذلك، فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم محتوياته، ولن نعرفها، بل ولن نتأثر بها، وبما تحمله من أفكار، وهكذا المتحجبة غلافها حجابها، ومحتوياتها مجهولة بداخله، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة، لم تظفر بِشَروَى[47] نقير ولا بأقلّ القليل.
أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتوحًا تتصفّحه الأيدي، وتتداوله الأعين سطرًا سطرًا، وصفحة صفحة، وتتأثّر بمحتوياته العقول، فلا يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه، فتثنت بل تمزق بعضها، إنه يصبح كتابًا قديمًا لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة، فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟![48].
الشبهة الحادية عشرة: السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم:
زعموا أن السفور حقّ للمرأة، سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت، ويرون أن الحجاب ظلم لها وسلب لحقها[49].
الجواب:(5/1514)
1- لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وَضعُ القضية في أوربا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون لها الخيرة في الأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36][50].
2- إن الحجابَ في ذاته لا يشكل قضية، فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفذ في عهد، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه، لأنه كان قائمًا في خير القرون على الإطلاق، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله[51].
الشبهة الثانية عشرة: الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي والتطرف الديني:
زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف والغلو، وعلامة من علامات التنطع والتشدد، مما يسبب تنافرا في المجتمع وتصادما بين الفئتين، وهذا قد يؤول إلى الإخلال بالأمن والاستقرار.
الجواب:
1- هذه الدعوى مرفوضة من أساسها، فالحجاب ليس رمزا لتلك الأمور، بل ولا رمزا من الرموز بحال، لأن الرمز ما ليس له وظيفة إلا التعبير عن الانتماء الديني لصاحبه، مثل الصليب على صدر المسيحي أو المسيحية، والقلنسوة الصغيرة على رأس اليهودي، فلا وظيفة لهما إلا الإعلان عن الهوية. أما الحجاب فإن له وظيفة معروفة وحِكَما نبيلة، هي الستر والحشمة والطهر والعفاف، ولا يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن نفسها وعن دينها، لكنها تطيع أمر ربها، فهو شعيرة دينية، وليس رمزا للتطرف والتنطع.
ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا: إن حجابَ اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز الطائفي؟! لماذا لم يقولوا: إن تعليق الصليب رمز من رموز التطرف الديني وهو الذي جرّ ويلات الحروب الصليبية؟! لماذا لم يقولوا: إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر والإرهاب في فلسطين المحتلة؟!
2- إن هذه الفرية يكذّبها التاريخ والواقع، فأين هذه المفاسد المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
3- إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية، فهي لم تلزَم بالحجاب بقوة الحديد والنار، ولم تدعُ غيرها إلى الحجاب إلا بالحكمة والحجج(5/1515)
الشرعية والعقلية، بل عكس القضية هو الصحيح، وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها وجعل ذلك قانونا وشريعة لازمة هو رمز التعصب والتطرف اللاديني، وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الأفعال السيئة، لأنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
-----------------
شبهات حول المرأة :
أولاً : الحجاب
[1] عودة الحجاب: محمد أحمد إسماعيل المقدم (3/391).
[2] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر (39).
[3] أخرجه مسلم في الجهاد (1732).
[4] عودة الحجاب (3/393).
[5] انظر: عودة الحجاب (3/395-396).
[6] المتبرجات للزهراء فاطمة بنت عبد الله (122).
[7] انظر: المتبرجات (122).
[8] المتبرجات (124) بتصرف.
[9] المترجات (124-125).
[10] عودة الحجاب (3/412).
[11] عودة الحجاب (3/412-413) باختصار.
[12] عودة الحجاب (3/412-413).
[13] إلى كل أب غيور يؤمن بالله لعبد الله ناصح علوان (44)، انظر: عودة الحجاب (3/414).
[14] عودة الحجاب (3/415).
[15] إلى كل فتاة تؤمن بالله. د.محمد سعيد البوطي (97).
[16] إلى كل فتاة تؤمن بالله (97-99).
[17] يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي للشيخ صالح البليهي (124).
[18] يا فتاة الإسلام (128-126) باختصار.
[19] يا فتاة الإسلام (126).
[20] المرأة بين الجاهلية والإسلام، محمد الناصر وخولة درويش (169، 170).
[21] المرأة بين الجاهلية والإسلام (171).
[22] غريب الحديث (2/440-441)، عند شرح قول ابن سيرين: "النقاب محدث".
[23] انظر: المرأة بين الجاهلية والإسلام (171-172)..
[24] عودة الحجاب (3/403).
[25] عودة الحجاب (3/403-404). ... [26] عودة الحجاب (3/409).(5/1516)
[27] عودة الحجاب (3/409).
[28] عودة الحجاب (3/409-410).
[29] عودة الحجاب (3/410).
[30] إحياء علوم الدين (2/74).
[31] انظر: عون المعبود (4/106).
[32] عودة الحجاب (3/410-411).
[33] أختي غير المحجبة ما المانع من الحجاب؟ لعبد الحميد البلالي (7).
[34] هذا بالنسبة لعام (1988م) على ما في الكتاب.
[35] أختي غير المحجبة (8، 10) بتصرف.
[36] أختي غير المحجبة (12).
[37] أختي غير المحجبة (12-13).
[38] أختي غير المحجبة (64).
[39] أختي غير المحجبة (64).
[40] يا فتاة الإسلام اقرئي (39-40).
[41] المتبرجات (117).
[42] المتبرجات (117).
[43] المتبرجات (117).
[44] التبرج لنعمت صافي (23-24).
[45] الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي بمشاركة: د.السيد الجميلي. انظر: المتبرحات (119-120)
[46] المتبرجات (120) وللمزيد من ذلك انظر: المرأة المتبرجة وأثرها السيئ في الأمة لعبد الله التليدي (12-25).
[47] الشَّروى كجدوى: المثل. (القاموس المحيط، مادة: شرى).
[48] المتبرجات (118).
[49] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (21).
[50] قضية تحرير المرأة (19).
[51] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (19-20).
المصدر : موقع المنبر
ـــــــــــــــــــ
شبهات حول الحجاب والرد عليها ج1
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخوات الفضليات / السلام عليكن جميعا ورحمة الله وبركاته ... تحية طيبة وبعد
لا شك اخواتي الكريمات في ان الحجاب فرض اوجبه الله تعالى على كل مسلمة منكن لورود الكثير من الايات والاحاديث الدالة على ذلك ، ولكن للاسف نرى بعض الفتيات – وهن قلة بحمد الله تعالى- لا يلتزمن بلبس الحجاب الاسلامي الذي جعله الله(5/1517)
تعالى للفتاة المسلمة المؤمنة حصنا ووقاية لها من الاثارة والفتنة ومن اذى الرجال والشباب .
ومما يؤسف القلب ويحز في النفس ان بعض هؤلاء الفتيات المتبرجات قد استمعن الى اقوال اعداء الاسلام في الحجاب واقتنعن بها بل واصبحن من دعاة التحرر والسفور وتمسكن بحجج باطلة ودعاوى ضعيفة واقوال واهية –وهن ايضا قلة قليلة جدا- بحمد الله تعالى .
لذلك احببت ان اطرح عليكن هذا الموضوع للمناقشة والحوار عل الله تعالى ان يتوب علينا جميعا ، وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ... انه سميع مجيب .
وقد تقول احداكن : ان هذا الموضوع لا يناسب القسم من المنتدى وان مكانه الصحيح هو المنتدى الاسلامي ...
فاقول : حقا ان هذا الموضوع ديني في المقام الاول ... والاولى ان يتم نشره في المنتدى الاسلامي ... ولكن هذا الموضوع يخص الفتيات لان الحجاب خاص بالفتاة ... واذا تم نشره هناك في المنتدى الاسلامي فلن يطلع عليه الا قلة من الفتيات ... وبالتالي لن يستفيد منه احد ... والغرض من نشر هذا الموضوع وغيره من الموضوعات هو الاستفادة من هذه الموضوعات والا فالاولى ان نتوقف عن الكتابة ... لذلك قمت بنشره هنا بين ايديكن واسال الله تعالى ان يجد القبول منكن ... وان يصلح احوالنا واياكن اجمعين ... اللهم امين
ولقد اخترت قسم الازياء والموضة بالتحديد لان الحجاب يختص بملابس الفتاة المسلمة وهو موضوع هذا القسم فاحببت ان اوضح للاخوات الكريمات هاهنا ماذا يعني الحجاب الاسلامي وما هي شروطه ...
وسأقسم مشاركتي الى ثلاثة اقسام فساذكر في الجزء الاول اهمية الحجاب لدى الفتاة ، مستشهدا ببعض الايات القرانية والاحاديث النبوية الدالة على وجوب الحجاب وفرضيته .
ثم اذكر في الجزء الثاني بعض الحجج والاباطيل التي ترددها بعض الفتيات حول الحجاب وارد عليها ، واخيرا اختم هذا الحديث بذكر بعض الوصايا والنصائح عن الحجاب لاخواتنا المسلمات والمؤمنات في الجزء الثالث من هذا الموضوع ... فنقول وبالله التوفيق :
اهمية الحجاب تكمن في انه اعز ما تملكه الفتاة :
ان اعز ما تملكه المراة هو الحياء ، واهم ما في حياء المراة حجابها ، ولذلك فان اعداء الاسلام حين يريدون هدم أي مجتمع من المجتمعات يركزون في هجماتهم على المراة ، ولو ان كل اخت من الاخوات او بنت من البنات او زوجة من الزوجات(5/1518)
تمسكت بحجابها ولم تستجب لدعوى اعداء الاسلام بتحرير المراة لاستقام المجتمع . لانه باختصار لو استقامت المراة لاستقام المجتمع .
واذا كان الحياء في حق الرجل فريضة فانه في حق المراة فرائض ، ولو كان الحديث عن الحياء للرجل مرة فانه يكون للمراة الف مرة ، لان طبيعتها للحياء اقرب وفي حقها اوجب حتى ان الفتاة العذراء البكر ليضرب بها المثل في الحياء ، واعظم حياء المراة ان تداري جسدها ومفاتنها عن اعين الناس ...
نعم والله ايتها الاخت المسلمة ان اعظم ما تمتلكينه هو حياؤك ، واعظم حياء المراة يكمن في حجابها .
واسمحن لي ان اطرح عليكن سؤالا ايتها الفتيات : بالله عليكن لو ان لدى احداكن شيئا غاليا ثمينا ، الا تحافظ عليه وتحفظه بعيدا ليس فقط عن اعين الناس وانما قد تحفظه بعيدا عن نفسها هي ايضا ؟.
الاجابة بلا شك : نعم .
فكذلك الحياء هو اغلى شيء تمتلكه الفتاة ، واغلى ما في حيائها حجابها ، الم تروا ايتها الاخوات ان اللؤلؤة وهي في قاع البحر تحفظها المحارة وقد تكون هذه المحارة ليست بديعة الشكل وليست جميلة ومع ذلك فانها ضرورية ولا غنى عنها لحفظ اللؤلؤة فكذلك الحجاب لا غنى عنه للحفاظ على المراة .
سؤال غريب ولكن :
وقد تقول احداكن ايتها الفتيات : لماذا فرض الحجاب على المراة ؟ ولم يفرض على الرجل ؟!!!
سؤال قد يبدو غريبا ولكن لا مانع من الاجابة عليه فنقول :
لان مائة رجل لا يستطيعون ان يجعلوا امراة واحدة تتعلق بهم اذا لم ترد هي ان تتعلق باحدهم ، لكن امراة واحدة تستطيع ان تجعل مائة رجل يتعلقون بها اذا ارادات هي ذلك .
ولذلك فرض الحجاب على المراة لانها مصدر التاثير على الشباب والرجال .
سمو الاسلام ورفعته وارتقاؤه بالذوقيات :
ولقد كان الجمال عند اليونان والرومان قديما في جسد المراة ، فلو سالت احدهم في ذلك الوقت :
ما اكثر شيء يعجبك في المراة ؟ لقال لك : جسدها .
فجاء الاسلام ليطهر هذه النفوس والقلوب والارواح ، ويرتقي بالاذواق ، ويبين لاتباعه وللبشرية جميعا ان جمال المراة ليس في جسدها في المقام الاول وانما في اخلاقها وسلوكها ومشاعرها .
ولذلك يقولون : ان جمال النفس والاخلاق ، لا يقل اهمية عن جمال الشكل والاذواق ، ان لم يكن اهم منها على الاطلاق .
بعض الايات والاحاديث الدالة على فرضية الحجاب ووجوبه :(5/1519)
وناتي الى الايات الدالة على فرضية الحجاب لاقناع بعض الفتيات بوجوبه :
الدليل الاول : يقول الله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين .
الجلباب : هو الثوب الذي يغطي الجسد .
وانظري اختي المسلمة الى قول الله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين .
حتى لا تقول احداكن ان هذا الامر او الخطاب خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم . كلا ، بل انه عام يدخل فيه جميع نساء المؤمنين . لقوله تعالى في نفس الاية : ... ونساء المؤمنين . وهذا يشمل جميع النساء المؤمنات في كل زمان ومكان الى قيام الساعة .
ومعنى قوله تعالى : ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين : أي ان ذلك اولى وافضل ان تكون مرتدية ملابس الحجاب ، حتى اذا راها الناس عرفوا انها متدينة ، فلا يؤذيها احد .
كيف يعرفك الناس وخاصة الشباب والرجال انك فتاة متدينة او غير متدينة ؟
طبعا من ملابسك التي تلبسينها ، فكما يقولون : ان الخطاب يُعْرَفُ من عنوانه .
فكذلك الفتاة المتدينة يعرفها الناس من ملابسها ، ويراعيها المجتمع فلا احد يؤذيها .
الدليل الثاني : يقول سبحانه وتعالى في اية اخرى : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ...
فقوله تعالى : الا ما ظهر منها : اجمع العلماء على انه الوجه والكفين وليس غير ذلك .
والان ايتها الاخت المتبرجة : بالله عليك هل قرأت او سمعت في يوم من الايام عن تفصيل دقيق في أي لباس من الملابس كالتفصيل في لباس المراة وثيابها ؟
الموضوع الوحيد الذي فُصِّل في القران الكريم تفصيلا دقيقا هو ملابس المراة ، لم يفصل القران الكريم في ملابس الرجل ، فلم يقل ان الرجل لا بد ان يلبس كذا وكذا من الثياب ، ولم يفصل في ملابس الاحرام ولا في ملابس الصلاة ... وانما فصل في ملابس المراة لماذا ؟ لاهميته الكبيرة وخطورته العظيمة .
وقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن : هذا نهي عن اظهار الزينة وامر من الله تعالى باخفائها عن اعين الناس ، فهل هناك دليل اكبر من ذلك ؟
من منكن تجرؤ بعد هذه الاية ان تقول : ان الحجاب ليس فريضة ؟ او تقول : ان الايات التي نزلت فيه خاصة بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم .
ان الكلام والخطاب في هذه الايات واضح حيث يقول تعالى : وقل للمؤمنات ... الست انت اختي الفاضلة من المؤمنات ؟
وتختم هذه الاية بقول الله تعالى : وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .
الدليل الثالث : يقول سبحانه في اية ثالثة : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى .(5/1520)
ما معنى التبرج ؟
التبرج هو : ان تظهر المراة مفاتنها ومحاسنها .
وما المقصود بتبرج الجاهلية الاولى ؟ هل تعلمن ايتها الاخوات الفضليات ما هو التبرج الذي كان موجودا عند نساء العرب في الجاهلية ، هل كانت النساء تلبس ما يعرف الان بالميني جيب او الميكرو جيب او البودي او التيشرت او الاستريتش ... ؟
كلا ابدا ، لم يكن عندهن شيء من ذلك اطلاقا ، بل كانت النساء تلبس ملابس طويلة ، ولكن كانت المراة تظهر رقبتها وجزء من صدرها مع بعض شعرها . فقط ليس اكثر من ذلك .
ومع ذلك نهى الله تعالى المؤمنات ان يفعلن مثلهن فقال سبحانه : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى .
فبالله عليكن ايتها الفتيات : ماذا نسمي التبرج الحاصل الان في مجتمعاتنا العربية والاسلامية ؟؟؟
وللاسف ان بعض الفتيات المحجبات ( هداهن الله ) تتبرج تبرج الجاهلية الاولى الان وهي محجبة ، كيف ذلك ؟؟؟
تلبس ملابس طويلة وتغطي نصف شعر راسها فقط وليس كله وتظهر رقبتها وجزءا من صدرها .
الدليل الرابع : يقول صلى الله عليه وسلم : خير نسائكم الودود الولود المواسية -أي تواسي وتعامل زوجها بحنان- اذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات . أي التي تمشي بعجب وخيلاء وكبر .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد وصف الفتاة المتبرجة بانها من شر النساء فهل ترضى عاقلة منكن بذلك ؟؟؟
الدليل الخامس : يقول صلى الله عليه وسلم : صنفان يدخلون النار لم ارهما : قوم معهم اسياط كاذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كاسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وان ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ... او كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم .
وورد عنه صلى الله عليه وسلم في حديث اخر : ان ريح الجنة لتشم من مسيرة خمسمائة عام .
هذا الحديث من دلائل ومعجزات نبوته صلى الله عليه وسلم لانه لم توجد في زمانه المراة الكاسية العارية وانما وجدت في زماننا هذا ، فكيف عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الا عن طريق الوحي .
ومعنى : مائلات : أي عن الحق . ومميلات : أي تصرف غيرها من البنات عن الحق .
بالله عليك اختي المسلمة الا تخافين على نفسك من هذا الحديث ؟
وانتم ايها الازواج والاخوة والاباء الستم خائفون على زوجاتكم واخواتكم وبناتكم من هذا الحديث ؟.(5/1521)
هل تعلمن ايتها الفتيات ان النبي صلى الله عليه وسلم قام بغزوة كاملة لاجل امراة مسلمة واحدة انكشفت عورتها وتعرت ؟
هذه الغزوة هي غزوة بني قينقاع ، يهود بنو قينقاع كانوا يعيشون في المدينة وكان عندهم سوق وفي يوم دخلت امرأة من الصحابيات تشتري شيئا من السوق ، فجاء واحد من اليهود الخبثاء – والمراة جالسة- فربط طرف ثوبها في راسها حتى اذا قامت ارتفع الثوب معها حين تقوم فتنكشف فحدث ذلك ، فضحك منها اليهود فقام واحد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده مروءة فقتل ذلك اليهودي ، فقام اليهود فقتلوا هذا الصحابي فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في جيش حاصر يهود بنو قينقاع وطردهم من المدينة .
لماذا ؟ لاجل امراة مسلمة واحدة انكشفت عورتها .
بالله عليكن اخواتي الكريمات بعد هذا المجهود الكبير الذي بذله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في سبيل تبليغنا هذا الدين وتوصيله الينا ... بعد هذا كله بالله عليكن هل هذا ما يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم منا اليوم ؟
تبرج وسفور واختلاط ...
بالله عليكن ، انظرن الى غيرة النبي صلى الله عليه وسلم على امته شبابا وفتيات ، رجالا ونساء ؟ ثم انظرن الى بعض الاخوات المتبرجات اليوم وهي لا تغار على نفسها .
بالله عليكن لو ان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام جاءوا الينا الان ورأوا حياتنا هكذا ماذا سيفعلون بنا وماذا سيقولون لنا ، ونحن ماذا سنقول لهم يوم القيامة ؟
وانت اختي المسلمة المتبرجة ماذا ستقولين لهم الان ، وماذا ستقولين للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ؟؟؟
بل ماذا ستقولين لربك جل جلاله يوم الحساب ؟؟؟
الامام احمد بن حنبل رحمه الله تعالى كان ذات يوم ماشيا في الطريق وكانت تمشي امامه امراة محجبة لا يظهر منها شيء ، فجاءت بعض الريح فاطارت ثوبها من على قدمها فانكشف كعب المراة فقط ، ليس اكثر من ذلك ، فماذا فعل الامام احمد وماذا قال ؟
امسك ثوبه وغطى به راسه وقال : هذا زمان فتن . لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
بالله عليكن تخيلن معي لو ان الامام احمد رحمه الله تعالى موجود اليوم في هذا الزمان وراى بعض البنات المتبرجات ماذا سيقول عنهن ؟؟؟
واكتفي بهذا القدر من الحديث عن الحجاب في هذه المشاركة وساذكر حجج هؤلاء الفتيات المتبرجات حول الحجاب وارد عليها في الجزء الثاني من هذا الموضوع ان شاء الله تعالى ...(5/1522)
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم اجمعين ...
والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته
اخوكن / حسام
ـــــــــــــــــــ
الحجاب والجلباب
...
...
24
...
الأسرة والمجتمع
...
...
المرأة
...
صالح بن عبد الله بن حميد
...
...
مكة المكرمة
...
...
...
المسجد الحرام
محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية(5/1523)
ملخص الخطبة
من أعظم مقاصد الدين إقامة مجتمع طاهر عفيف – عفة المؤمنة نابعة من دينها ظاهرة في سلوكها – الأمر بالحجاب وآدابه وأهميته – معنى الجلباب وإدنائه , ومعنى ( إلا ما ظهر منها ) وحكم ستر وجه المرأة – شبهات حول الحجاب – وظيفة المرأة ودورها
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل؛ فمن اتقى الله حفظه، ويسر له أمره، وهداه إلى رشده.
عباد الله، لقد بعث الله نبيه محمداً بالهدى ودين الحق، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. فشمل دينه أحكاماً ووصايا، وأوامر وتوجيهات في نظام متكامل مربوط برباط الفضيلة بجميع أنواعها وشتى كمالاتها ووسائلها.
وإن من أعظم مقاصد هذا الدين؛ إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمع لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه عوامل الفتنة، تضيق فيه فرص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة.
ولقد خُصَّت المؤمنات بتوجيهات في هذا ظاهرة، ووصايا جليلة.
فعفة المؤمنة نابعة من دينها، ظاهرة في سلوكها، ومن هنا كانت التربية تفرض الانضباط في اللباس سترة واحتشاماً، ورفضاً للسيرة المتهتكة والعبث الماجن.
فشرع الحجاب ليحفظ هذه العفة ويحافظ عليها، شرع ليصونها من أن تخدشها أبصار الذين في قلوبهم مرض.
وأحكام الحجاب في كتاب الله، وفي سنة رسوله صريحة في دعوتها، واضحة في دلالته، ليست مقصورة على عصر دون عصر، ولا مخصوصة بفئة دون فئة.(5/1524)
ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:59].
تقول أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما: ((لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية))[1].
والجلباب: كل ساتر من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، من ملاءة وعباءة، وكل ما تلتحف به المرأة فوق درعها وخمارها.
وإدناء الجلباب يعني: سدله وإرخاؤه على جميع بدنها، بما في ذلك وجهها. وفي تفسير ابن عباس رضي الله عنهما: هوتغطية الوجه من فوق رأسها، فلا يبدو إلا عين واحدة.
وما خوطب به أمهات المؤمنين أزواج النبي مطالب به جميع نساء المؤمنين.
يانِسَاء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاْولَى [الأحزاب:32، 33].
فنهى عن الخضوع بالقول والتبرج؛ تبرج الجاهلية الأولى، وأمر بالمعروف من القول، ولزوم القرار في البيوت.
نساء المؤمنين في ذلك كنساء النبي ، بل هو في حق نساء المؤمنين آكد وأولى كما لا يخفى.
وما قوله سبحانه: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء [الأحزاب:32]. إلا تأكيداً لهذا؛ إذ المقصود بيان أنهن محل الأسوة والامتثال الأول، ومن بعدهن أسوتهن.
وفي هذا يقول أبو بكر الجصاص: وهذا الحكم وإن نزل خاصاً في النبي وأزواجه، فالمعنى فيه عام فيه وفي غيره.
وفي مقام آخر ـ أيها المؤمنون والمؤمنات ـ يقول الله عز وجل: وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ [النور:31].(5/1525)
ولقد ذكر في الآية زينتان: إحداهما لا يمكن إخفاؤها وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولم يقل إلا ما أظهرن منها، فعُلم بهذا: أن المراد بالزينة الأولى زينة الثياب، أما الزينة الثانية، فزينة باطنة يباح إظهارها لمن ذكرتهم الآية: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ... إلخ الآية، وأنت خبير أيها المؤمن- وخبيرة أيتها المؤمنة- بأن ممن رخص في إبداء الزينة أمامهم: الأطفال، وغير أولي الإربة من الرجال. والوجه مجمع الحسن ومحط الفتنة، فهل يرخص كشفه للبالغين وأولي الإربة من الرجال. الأمر في هذا جلي.
وفي نفس الآية الكريمة: وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [النور:31].
وهو ما يتحلى به في الأرجل من خلخال وغيره، فإذا كان صوت الخلخال بريداً إلى الفتنة، فكيف بالوجه الذي يحكي الجمال والشباب والنضارة؟! وصوت الخلخال يصدر من فتاة وعجوز، ومن الجميلة والدميمة.
أما الوجه فلا يحتمل إلا صورة واحدة.
يقول صاحب الدر المختار في فقه أبي حنيفة رحمه الله: وتُمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لخوف الفتنة كمسِّه، وإن أُمن الفتنة. ويقول عليه الشارح ابن عابدين رحمه الله: المعنى أنها تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة، وأما قوله: (كمسه) أي: كما يمنع من مس وجهها وكفيها، وإن أمن الشهوة؛ لأنه سبيل إلى الشهوة والفتنة، فكذلك يُغطى الوجه؛ لأنه طريق إلى الفتنة.
وقبله قال أبو بكر الجصاص: والمرأة الشابة مأمورة بستر وجهها، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج؛ لئلا يطمع فيها أهل الريب.
وفي السنة أيها المؤمنون والمؤمنات حين أبيح للخاطب النظر من أجل الخطبة، فغير الخاطب ممنوع من النظر. والمقصود الأعظم من النظر هو الوجه؛ ففيه يتمثل جمال الصورة.
وحينما قال عليه الصلاة والسلام: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة))، قالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع الناس بذيولهن؟ - أي: الأطراف السفلى من الجلباب والرداء- قال: ((يرخين شبراً)) قالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: ((فيرخينه ذراعاً، ولا يزدن عليه))[2].(5/1526)
فإذا كان هذا في القدم فالوجه أكثر فتنة فلا يعدو أن يكون تنبيهاً بالأدنى على الأعلى. والحكمة والنظر تأبيان ستر ما هو أقل فتنة، والترخيص في كشف ما هو أعظم فتنة.
أيها الإخوة والأخوات:
ومهما قيل في الحجاب، في كيفيته وصفته، فما كان يوماً عثرة تمنع من واجب، أو تحول دون الوصول إلى حق، بل كان ولا يزال سبيلاً قويماً يمكِّن المرأة من أداء وظيفتها بعفةٍ وحشمةٍ وطهرٍ ونزاهةٍ على خير وجهٍ وأتم حال.
وتاريخ الأمة شاهد صدق لنساء فُضْلَيات جمعن في الإسلام أدباً وحشمةً وستراً ووقاراً وعملاً مبروراً، دون أن يتعثرن بفضول حجابهن، أو سابغ ثيابهن.
وإن في شواهد عصرنا من فتياتنا المؤمنات، متحجبات بحجاب الإسلام، متمسكات بهدي السنة والكتاب قائمات بمسؤولياتهن، خيرٌ ثم خيرٌ ثم خير من قرينات لهن، شاردات كاسيات، عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، متبرجات بزينتهن تبرج الجاهلية الأولى.
وليعلم دعاة السفور، ومن وراءهم أن التقدم والتخلف له عوامله وأسبابه، وإقحام الستر والاحتشام والخلق والالتزام عاملاً من عوامل التخلف، خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على غُفُلٍ ساذج، في فكره دخل، أو في قلبه مرض.
ودعاة السفور ليسوا قدوة كريمة في الدين والأخلاق، وليسوا أسوة في الترفع عن دروب الفتن، ومواقع الريب إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55، 56].
أيها الإخوة، إن وظيفة المرأة الكبرى، ومهمتها العظمى في بيتها وأسرتها وأولادها، وكل ما تتحلى به من علم ووعي يجب أن يكون موجهاً لهذه المهمة وتأهيلاً لهذه الوظيفة.
الرجل هو الكادح في الأسواق والمسؤول عن الإنفاق، والمرأة هي المربي الحاني، والظل الوارف للحياة، كلما اشتد لفحها، وقسا هجيرها.
وإن انسلاخ أحد الجنسين عن فطرته من أجل أن يلحق بجنس ليس منه؛ تمرد على سنة الله، واعوجاج عن الطريق المستقيم. ولن يفيد العالم من ذلك إلا الخلل والاضطراب، ثم الفساد والدمار. وما لُعن المتشبهون من الرجال بالنساء ولا المتشبهات من النساء بالرجال، إلا من أجل هذا.(5/1527)
وسوف تحيق اللعنة، ويتحقق الإبعاد عن مواقع الرحمة في كل من خالف أمر الله، وتمرد على فطرة الله.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه محمد . أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح، أخرجه أبو داود في: اللباس، باب: في قوله تعالى: يدنين عليهن من جلابيبهن (4101)، وصححه الألباني في: صحيح أبي داود (3456).
[2] صحيح، أخرجه أوله البخاري في: المناقب – باب: قول النبي : ((لو كنت متخذاً خليلاً)) (3665)، ومسلم في: اللباس والزينة، باب: تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز (2085)، وتمامه عند الترمذي في: اللباس – باب: ما جاء في جر ذيول النساء (1731) وقال: حديث حسن صحيح، وكذا عند النسائي في: الزينة، باب: ذيول النساء (5336)، وصححه المناوي في: فيض القدير (6-113).
الخطبة الثانية
الحمد لله على جزيل النعماء، والشكر له على ترادف الآلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، كما أُمرت المؤمنة بلزوم الحجاب عند خروجها ومقابلة غير المحارم فقد أمرت أن تقر في بيتها فبيتها خيرٌ لها، ووظيفتها في بيتها من أشرف الوظائف في الوجود، وما يُحسنها ولا يتأهل لها إلا من استكمل أزكى الأخلاق، وأنقى الأفكار.
إن من الخطأ في الرأي والفساد في التصور، الزعم بأن المرأة في بيتها قعيدة لا عمل لها، فما هذا إلا جهل مركب، وسوء فهم غليظ، سوء فهم بمعنى الأسرة، وجهلٌ بطبيعة المجتمع الإنساني، والتركيب البشري.(5/1528)
والأشد والأنكى: الظن بأن هذه الوظيفة قاصرة على الطهي والخدمة... إنها تربية الأجيال والقيام عليها؛ حتى تنبت نباتاً حسناً ذكوراً وإناثاً، إنها في الإسلام تعدل شهود الجُمَع والجماعات في حق الرجال، وتعدل حج التطوع والجهاد.
جاءت أسماء بنت السكن الأنصارية الأشهلية رضي الله عنها الملقبة بخطيبة النساء. جاءت إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، إن الله بعثك للرجال وللنساء كافة فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات، مقصورات مخدورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجُمَع والجماعات، وفضلتم علينا بشهود الجنائز، وعيادة المرضى، وفضلتم علينا بالحج بعد الحج، وأعظم من ذلك الجهاد في سبيل الله. وإن الرجل منكم إذا خرج لحجٍ أو عمرةٍ أو جهادٍ؛ جلسنا في بيوتكم نحفظ أموالكم، ونربي أولادكم، ونغزل ثيابكم، فهل نشارككم فيما أعطاكم الله من الخير والأجر؟ فالتفت النبي بجملته[1] وقال: ((هل تعلمون امرأة أحسن سؤالاً عن أمور دينها من هذه المرأة؟)) قالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تسأل سؤالها. فقال النبي : ((يا أسماء، افهمي عني، أخبري من وراءك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتباعها لرغباته يعدل ذلك كله)) فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر وتردد: يعدل ذلك كله، يعدل ذلك كله[2].
فهل يفقه هذا نساء المؤمنين؟!
[1] أي: بجسده كله.
[2] أخرجه ابن عبد البر في: الاستيعاب (4-1788)، والبيهقي في: شعب الإيمان (8743)، وفي إسناده مسلم بن عبيد الراوي عن أسماء لم أجد له ترجمة.
ـــــــــــــــــــ(5/1529)
شبهات حول الحجاب
(حوارحول التبرج والحجاب)
أعده
إسلام محمود دربالة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن المرأة هي إحدى صمامات الأمان للمجتمع الإسلامي وهي عنصرٌ فعال في مسيرة الأمة الإسلامية لا يمكن إغفال دورها ومكانتها أو تجاهله فهي الأم وهي الأخت وهي الزوجة وهي الابنة وهي الخالة وهي العمة ... فهي تمثل نسبة كبيرة من المجتمع الإسلامي ولها دور فعال في إصلاح المجتمع أو إفساده، لذا فقد ترسخ في عقول أعداء الإسلام ضرورة استغلال هذا العنصر الفعال في مجتمعاتنا فانتلقوا يتبارون في سبيل نخر الأساس وتشويه المفاهيم وبث الشبهات والسموم .
وقد حاول أعداء الإسلام تجريد المرأة المسلمة من أسلحتها الدفاعية ومنطلقات عزتها التي هي خير عون لها على سبيل الإصلاح .
فتارة نجد الأعادي يصولون ويجولون لأجل إخراج المرأة من قلعتها الحصينة التي أمرها الله عز وجل بلزومها فقال سبحانه (وقرن في بيوتكن).
وتارة يثيرون الشبهات حول حجابها وهم يريدون الخلوص إلى عفتها وطهرها، وقد علمت بنت الإسلام أنه فريضة محكمة فزادتها تلك الشبهات تمسكًا بدينها وحجابها استجابة لأمر ربها (قل للمؤمنات يدنين عليهن من جلابيبهن)
وبالرغم من تمسك الموحدات بحجابهن وقيم الإسلام العظيمة فإن أعداء الإسلام لا يفتأون عن حربها من خلال وسائل الإعلام والمجلات ودور التعليم وغيرها.(5/1530)
ولكن ... (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) .
إلا أنه مما يحزن له قلب الموحد وينشغل به لب العاقل تأثر بعض المنتسبين إلى الإسلام من رجال ونساء بتلك الشبهات التي يثيرها الأعداء وبتلك السموم التي يدسونها في معسول المقال .
لأجل ذلك رأيت أن أرد على تلك الشبهات المثارة حول الحجاب في رسالة لطيفة الحجم حتى يسهل تداولها وتتيسر قراءتها، وقد جعلتها في صورة سؤال وجواب زيادة في التيسير والتسهيل وتجديدًا في الأسلوب، عسى الله أن ينفع بها ويرد أولئك المفتونين إلى الهدى والحق ويقطع دابر المشبهين ويرد كيدهم وعدوانهم .
وما هذه إلا مشاركة يسيرة في الدفاع عن دين الحق وشريعة رب الخلق عسى الله أن يثبتنا وعباده الموحدين ويلهمنا سبل الرشاد حتى نلقاه على التوحيد والسنة، ونعوذ بعزته أن يفتننا، أو أن نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله.
وكتبه حامدًا ومصليا
إسلام محمود دربالة
فرضية الحجاب
س: بعض الناس يقولون: إن الحجاب عادة وليس عبادة؟
ج: هذه دعوى باطلة إذ إن الحجاب فريضة فرضها ربنا عز وجل في كتابه وشرعها نبينا صلى الله عليه وسلم في سننه، وأجمع المسلمون على فرضيته.
ومن أدلة فرضية الحجاب من كتاب ربنا:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31] في هذه الآية الكريمة ثلاث مواضع استُدل بها على وجوب تغطية المرأة كامل جسدها بما في ذلك وجهها:
الأول: قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.
الثاني: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}.
الثالث: قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}.[عودة الحجاب(3/262)].
س: وما المقصود بقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}؟
ج: استمعي أختي لكلام شيخنا أبي بكر الجزائري وهو يقول: ((إن دلالة هذه الآية على الحجاب الكامل أظهر وأقوى من الآيات السابقة؛ وذلك لأن إثارة الفتنة بسماع صوت الخلخال في الرجل إذا ضربت المرأة برجلها وهي تمشي أقل بكثير من فتنة(5/1531)
النظر إلى وجهها وسماع حديثها، فإذا حرم الله بهذه الآية على المرأة أن تضرب الأرض برجلها خشية أن يُسْمَعَ صوت حليها فيفتن به سامعه، كان على تحريم النظر إلى وجهها وهو محط محاسنها أولى وأشد حرمة)) [فصل الخطاب في المرأة والحجاب ص 34].
س: وماذا عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 59]؟
ج: هذه الآية أحد أدلة وجوب الحجاب وتغطية المرأة كامل جسدها.
قالت أم سلمة لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها)[رواه أبو داود بسند صحيح].
س: وما المقصود بالجلباب في هذه الآية؟
ج: ((المقصود من الجلباب أن لا ينحصر باسم ولا بجنس ولا بلون، وإنما هو كل ثوب تشتمل به المرأة ستر مواضع الزينة، والجلباب أكمل من ضرب الخمار لأنه يحيط ببدن المرأة كلها ويستر جميع ما يعلو بدنها من الزينة أو ما يصف جسمها؛ لأن لبس الثياب التي تصف حجم المرأة حرامٌ عليها استعمالها بحضرة الرجال الأجانب. [نظرات في حجاب المرأة المسلمة (ص 48)].
س: لو ذكرت لنا بعض كلام أهل العلم المعتبرين حول هذه الآية؟
ج: يقول الحافظ ابن كثير: ((يقول الله تعالى آمرًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات خاصة أزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء [تفسير ابن كثير (3/470)].
س: وهل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هي خاصة بأمهات المؤمنين؟
ج: ((إن الأمر بالحجاب في هذه الآية لا يختص بأمهات المؤمنين، وإن كان ضمير النسوة يرجع إليهن لأجل أنهن هن المذكورات في السياق، ولأنهن الأسوة والقدوة لنساء المسلمين في جميع نواحي الحياة)) [عودة الحجاب (3/244)].
س: اذكر لي -رحمك الله وعفا عنك- بعض أقوال أهل العلم حول هذه الآية الشريفة؟
ج: يقول السيوطي: ((هذه آية الحجاب التي أُمر بها أمهات المؤمنين بعد أن كان النساء لا يحتجبن)) [الإكليل في استنباط التنزيل ص (179)]، ويقول الشيخ أبي بكر الجزائري: ((فهذه الآية الكريمة تعرف بآية الحجاب إذ هي أول آية نزلت في شأنها وعلى أثرها حجب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وحجب المؤمنون نساء هم وهي نص في فرض الحجاب)) [فصل الخطاب في المرأة والحجاب (ص 34)].
س: اذكر بعض أدلة وجوب الحجاب من السنة المطهرة؟
ج: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة -رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخين شبرًا)) فقالت: تنكشف أقدامهن، قال:(5/1532)
((فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه)) [رواه أبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح] فإذا كان يجب على المرأة ستر قدمها لئلا يراه أجنبي فكيف ببقية جسدها؟!.
س: وهل يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والدخول على النساء)) على فرضية الحجاب؟
ج: نعم، يستفاد منه فرضية حجاب النساء، قال العلامة الشنقيطي: ((هذا الحديث الصحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحذير الشديد من الدخول على النساء فهو دليلٌ واضح على منع الدخول عليهن وسؤالهن متاعًا إلا من وراء حجاب)) [أضواء البيان (6/592)].
س: وكيف نجيب على من يقول بأن الحجاب حرية شخصية؟
ج: تقدم ذكر أدلة فرضية الحجاب وأنه عبادة وشريعة ربانية.
فإذا ثبت ذلك فالواجب على العبيد الخضوع لشريعة ملك السموات والأرض وامتثال أوامره {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
التبرج
س: وما هو التبرج كثيرًا ما أسمعهم يقولون: التبرج حرام أو فلانة متبرجة؟
ج: التبرج كلمة إذا استعملت للمرأة فلها ثلاثة معان هي:
1-أن تبدي للأجانب جمال وجهها ومفاتن جسدها.
2-أن تبدي لهم محاسن ملابسها وحليها.
3-أن تبدي لهم نفسها بمشيتها وتمايلها وتبخترها. [تفسير آيات الحجاب-للمودودي].
س: وما هي الأدلة على تحريم التبرج؟
ج: الأدلة كثيرة منها قوله تعالى:
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: 33]، ومعنى الآية: ((لا تكثرن الخروج متبرجات متجملات أو متطيبات كعادة أهل الجاهلية الأولى الذين لا علم عندهم ولا دين) [تفسير السعدي (6/107)].
س: لو ذكرت بعض أدلة السنة على تحريم التبرج؟
ج: الأدلة من السنة كثيرة منها:
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)) [رواه مسلم].
انتشار السفور
س: ما دام أن الحجاب فرضٌ والتبرج حرام فما الذي أدى إلى انتشار السفور؟
ج: هناك أمور عديدة ساعدت على ذلك منها.
1-ضعف الإيمان.
2-عدم الخوف من الله أو ضعفه.
3-التقليد الأعمى.
4-اتباع الموضات.(5/1533)
5-تزيين أعداء الإسلام للتبرج والمتبرجات.
6-عدم قيام الرجل بالدور المطلوب منه نحو المرأة من القوامة والرعاية والأمر بالمعروف.
س: لو ذكرت لنا بعض أضرار التبرج على المرأة؟
ج: من أضراره: تمرد المرأة على مجتمعها المسلم وعصيانها أوامر خالقها عز وجل.
2-كون المرأة مستعبدة لتبرجها فتستغل من أجل ذلك وتصبح سلعة رخيصة.
3-التبرج يجرد المرأة من حيائها.
4-التشبه بالمجتمعات الكافرة.
5-من أضرار التبرج: عدم اكتفاء الرجل بزوجته ولا المرأة بزوجها وتطلع كل منهما إلى غير الآخر.
6-التبرج يجعل المرأة عرضة للعبث والاغتصاب.
س: وما هي أضرار التبرج على المجتمع؟
ج: من أضرار التبرج على المجتمع:
1-محو الشخصية الإسلامية.
2-التهييج الجنسي، أو البرود الجنسي بحسب أحوال الأشخاص الذين يتعرضون لتلك المناظر.
3-انتشار الزنا والفواحش.
4-تفكك الأسر حيث تفتر المشاعر الزوجية، وربما مال الزوج إلى غير زوجته.
5-انهيار الاقتصاد حيث تصرف الأموال على الزينة والأزياء [النساء والموضة والأزياء].
شبهات في وجه الحجاب
س: ناقشت بعض السيدات حول الحجاب وقلن: ما دمن هن مؤدبات ونيتهن سليمة فلا يضرهن التبرج، كما أن الإيمان في القلب هل هذا صحيح؟
ج: الجواب عن ذلك أن الإيمان قول باللسان وعمل بالجوارح واعتقاد في القلب، فإذا كان في القلب إيمان فإنه لابد وأن يظهر أثر ذلك الإيمان في الأقوال والأفعال، فإذا كان في القلب إيمان صحيح لزم أن يأتي العبد بأعمال الجوارح وامتثال أوامر الله.
س: ولكنَّ كثيرًا من النساء يرون أن الحجاب من الأمور الهامشية، وليس من الأسس؟
ج: كيف يكون الحجاب أمرًا هامشيًا والله عز وجل أمرنا به في كتابه وهو فريضة، كما أن الصلاة والصوم والزكاة والحج فرائض.
س: هل هذا يعني أن اعتقاد القلب وإيمانه وتصديقه لا يكفي في الإيمان؟
ج: لا يكفي بل لابد من القول والعمل والاعتقاد ولابد من إصلاح الظاهر والباطن.
س: ولكن الكثيرات نيتهن طيبة وهن لا يردن فتنة الرجال، وإنما يردن إرضاء رغبتهن في التزين والتجمل؟
ج: يمكن للمرأة أن تتجمل وتتزين لزوجها وفي بيتها وتستر زينتها إذا خرجت امتثالاً لأمر الله، وخضوعًا لشرعه. والنية الطيبة لا تكفي كما تقدم.(5/1534)
س: هناك كثيرٌ من النساء لا يرتدين الحجاب لأنه يضر بالشعر ويؤثر على نموه؟
ج: هذا كلامٌ غير صحيح؛ بل إننا نجد كثيرًا من المحجبات لهن شعرٌ طويل وقويٌّ وجميل، وهن يعطينه التهوية والعناية في البيت وهن متسترات.
س: بعض الأهالي والفتيات يعتقدن أن الحجاب يقلل من فرض الزواج للفتاة؟
ج: هذا غير صحيح بل إننا نجد أن كثيرًا من المحجبات المتسترات يتزوجن قبل أقرانهن من المتبرجات؛ لأن الرجال يرغبون في المرأة المتسترة من الأنظار، المصونة في خدرها، صاحبة الحياء.
والزواج والعنوسة من قدر الله عز وجل.
س: ولكنَّ كثيرًا من الناس يسخرون من المحجبة ويقولون عن الحجاب: إنه خيمة؟
هذا أمرٌ لا يعيق عن الحجاب؛ لأنك تمتثلين أمر الله، وتفعلين ما يرضيه فلو أنك أرضيت الله لأرضى عنك الناس, إضافةً إلى أن ما قد يلحقك من أذى وسخرية كل ذلك في ميزان حسناتك، وقد أوذي أنبياء الله والصالحون من بعدهم وصبروا في سبيل مرضاة الله.
س: ولكن ما حكم من يسخر بالحجاب؟
ج: أنقل الجواب هنا عن هذا السؤال من كلام فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله، وهو أحد أئمة المسلمين.
سئل رحمه الله: ما حكم من يستهزئ بمن ترتدي الحجاب الشرعي وتغطي وجهها وكفيها؟ فأجاب رحمه الله: من يستهزئ بالمسلمة أو المسلم من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافرٌ سواء كان ذلك في احتجاب المسلمة احتجابًا شرعيا أم في غيره.
لما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال رجل في غزة تبوك في مجلس: ((ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجلٌ: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقًا بحقب ناقةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ}[التوبة: 65، 66] فجعل استهزائهم بالمؤمنين استهزاءٌ بالله وآياته ورسوله، وبالله التوفيق [مجلة البحوث الإسلامية العدد 21].
س: كثيرٌ من النساء يعتقدن أن التبرج عنوان التحضر والمدنية؟
ج: إن الحضارة والمدنية لابد أن تكون خاضعة لشريعة الله وتعاليم دينه الخاتم؟
والإسلام هو دين الحضارة، ولا تعارض بين الإسلام والحضارة القويمة.
والتبرج هو أحد أسلحة أعداء الإسلام لإفساد المسلمين يقول اليهود في بروتوكولاتهم: ((علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدت إلينا المرأة يدها ربحنا القضية)) [بروتوكولات حكماء صهيون].
س: وكيف ترتدي المرأة الحجاب والمحجبات محاربات ومطاردات؟
هذا أيضا من الابتلاء {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فعليك بالصبر احتسابًا للأجر، وتجنبًا لأهل السوء والباطل {والعصر إن الإنسان لفي خسر..} إلى آخر الآيات [العصر](5/1535)
س: هناك مشكلة أخرى وهي أن بعض المحجبات لا يلتزمن بمقتضى الحجاب ويسئن إلى المحجبات؟
ج: هذه حجة من حجج أهل النفاق أجاب الله عنهما بقوله: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} وهذا كلام أعداء دين الله لينفروا الناس عن الدين والشرع، وكل فئة من الناس فيها الصالح والطالح، وليس خطأ البعض دليلاً على خطأ الآخرين.
س: وأيضا الحجاب ملفت للنظر والناس تتتبع المحجبة بالنظر؟
ج: وحتى إذا تتبع الناس المحجبة بالنظر فماذا سيحصلون عليه من المتحصنة المتسترة (يرتد إليك البصر وهو حسير).
يقول أبو حيان في قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}[الأحزاب: 59].
قال: ((لِتَسَتُّرهن بالعفة فلا يتعرض لهن، ولا يلقين ما يكرهن؛ لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها، بخلاف المتبرجة فإنها مطموعٌ فيها. [البحر المحيط (7/250)]
س: هناك مسألة أخرى وهي أن كثيرًا من النساء الشهيرات سافرات غير محجبات بل بعض منهن يكتبن كتابات دينية؟
ج: إن الحق لا يعرف بالأشخاص ولكن الأشخاص هم الذين يعرفون بالحق فاعرفي الحق تعرفين أهله والنبي صلى الله عليه وسلم فقط هو قدوتنا {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}[الإسراء: 15].
س: ولكن ألا ترى أن الحجاب فيه تضييقٌ على المرأة والسفور فيه رفقٌ بها، وقد أمر الشرع بالرفق بالمرأة، والإسلام دين السماحة؟
ج: لاشك أن الإسلام هو دين اليسر والسماحة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه)) إلا أن تشريعات الإسلام هي اليسر بعينه.
وحجاب المرأة هو مصلحةٌ لها وصيانة وطهارة، وهو في مصلحة المجتمع بحيث تسلم نفوس الرجال من التعلق بأشخاص النساء الأجنبيات.
والسفور شرٌ عام على الرجال والنساء.
س: ولكن أليس أحكام الإسلام تتغير بتغير الزمان، وزماننا يرى بعض الناس أنه لا يصلح فيه الحجاب؟
ج: أحكام الإسلام لا تتغير ولا تتبدل وهي ثابتة، وقد أكمل الله لنا الدين قال عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: 5] ولكن الفتوى هي التي تتبدل وتتغير بحسب الزمان وبحسب الأشخاص.
وفرقٌ بين الفتوى والحكم الشرعي الأحكام الشرعية كالصلاة والزكاة والحج والصيام والحجاب وغيرها هذه ثابتة لا تتغير أما الفتوى فقد تتغير.
النقاب وتغطية الوجه
س: بعض الناس يقولون أن تغطية الوجه بدعة؟(5/1536)
ج: البدعة هي الأمر الحادث في الدين بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فهل تغطية الوجه لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلو ، وهل كانت الصحابيات يخرجن سافرات الوجوه، وهل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن سافرات الوجوه، ينبغي للعاقل أن يتأمل ويعقل ما يقول قبل أن يتكلم.
س: اذكر بعض كلام أهل العلم في وجوب الحجاب وستر الوجه؟
ج: قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
((إن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلّم، ذلك الخلق الكريم، خلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلّم من الإيمان، وشعبة من شعبه، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعاً وعُرفاً احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الريب. وإن مما لا شك فيه أن احتجابها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها لهو من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة.
ولقد كان الناس ... على طريق الاستقامة في ذلك فكان النساء يخرجن متحجبات متجلببات بالعباءة أو نحوها بعيدات عن مخالطة الرجال الأجانب، ... لكن لما حصل ما حصل من الكلام حول الحجاب ورؤية من لا يفعلونه ولا يرون بأساً بالسفور صار عند بعض الناس شك في الحجاب وتغطية الوجه هل هو واجب أو مستحب؟ أو شيء يتبع العادات والتقاليد ولا يحكم عليه بوجوب ولا استحباب في حد ذاته؟ ولإزالة هذا الشك وجلاء حقيقة الأمر أحببت أن أكتب ما تيسر لبيان حكمه، راجياً من الله تعالى أن يتضح به الحق، وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الذين رأوا الحق حقّاً واتبعوه ورأوا الباطل باطلاً فاجتنبوه فأقول وبالله التوفيق: اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه كتاب ربك تعالى، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلّم، والاعتبار الصحيح، والقياس المطرد)) [مقدمة رسالة الحجاب – للعلامة العثيمين]
س: عندي استفسار بسيط: سمعت أن ما تعم به البلوى هو من الأمور المعفو عنها أفلا يكون كشف الوجه مما تعم به البلوى فيجوز كشف الوجه؟
ج: لا يصح هذا القول لعدة أمور:
1-أنه لا حاجة تدفع إلى كشف الوجه.
2-أن الوجه هو أزين شيء في المرأة وأجمل ما يدعو إليها.
3-أن كشف الوجه أكبر مثير لشهوة الناظرين.
4-أن من حكمة التشريع الإلهي تقليل الشر بمنع وسائله، وتكثير الخير بتقريب أسبابه.
س: هل من زيادة بيان حول مسألة عموم البلوى؟
ج: نعم أنقل هنا كلام الشيخ عبد العزيز بن خلف يقول -رحمه الله:(5/1537)
((وعلى هذا فلم يكن هذا التقليد الذي يخالف السنة مبيحًا لما ثبت من المنهيات الشرعية وأخذت به الأمة الإسلامية، فالبلوى لها حكمها والمجتمعات لها أحكامها، لأن البلوى لا تبيح محرمًا في نفس الأمر كما لا تبيحه عادات المجتمعات أو لا ينقلب الحرام مباحًا بتغير الزمان والمكان، إن الفتنة هي قاعدةٌ من قواعد التحريم فلو قلنا بانتفاء الفتنة عمن كانت في ((لندن)) مثلاً بحيث أن السفور هو العادة المتبعة وربما تنتفي الفتنة غالبًا فهل يقال: إن هذا السفور مباحٌ للمرأة المسلمة؟
نقول: لا يكون السفور مباحًا؛ لأنه لا يجوز لها أن تكشف وجهها للرجال الأجانب لعموم النص، ولو انتفت الفتنة غالبًا)) [نظرات في كتاب المرأة المسلمة (35-36)].
س: هناك حديثٌ جاء فيه: ((أن النساء كن يصلين الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجعن إلى بيوتهن لا يعرفهن أحد من الغلس)).
فهذا يدل على أنهن كن سافرات، ولكن الذي عاق الرجال عن معرفتهن هو الغلس وليس الحجاب؟
ج: هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم، ولكن هذا الفهم لم يفهمه علماء الإسلام الأكابر، ولتوضيح فهم هذا الحديث أنقل كلام الشيخ عبد العزيز خلف يقول: ((هذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن ويتسترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى أنهن من شدة مبالغتهن في التستر والتغطية الوجوه لا يعرف بعضهن بعضًا، ولو كن يكشف وجوههن لعرف بعضهن بعضًا كما كان الرجال يعرف بعضهم بعضًا)).
س: هلا زدت الأمر توضيحًا وبيانًا؟
ج: نعم, هناك حديثٌ صريحٌ يوضح الأمر: عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، فانقلب رجالهن إليهن يتلون ما أنزل فيهن، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان)) [فتح الباري (8/490)], والاعتجار هو لف الخمار على الرأس مع تغطية الوجه، فهذا صريح الدلالة أن الذي منع الرجال من معرفتهن هو الخمار أولاً، ثم الغلس، لا الغلس وحده.
س: ولكن بعض النساء يقلن: الحجاب تغطية الوجه يؤثر على الرؤية؟
ج: ألسنا نرى من يمارسون حياتهم بعين واحدة، وهناك من تصاب عينه في حادث ويقود السيارة بمهارة، وكذلك القاعدة الفقهية تقول: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمصلحة في تستر المرأة عامة، وإذا كانت هناك مضرة فهي خاصة.
ثم إن الذي أمر بستر الوجه هو أعلم بما يصلح عباده.
س: قل لي -بالله عليك- ما هو الداعي إلى الحجاب إذا كان الرجال مأمورين بغض البصر، وإذا كان الوجه والجسم مغطى فعن ماذا يغضون أبصارهم؟
ج: نعم وردت آيات وأحاديث فيها الأمر بغض البصر منها: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}[النور: 30]. وعن جرير بن عبد الله قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري)) [رواه مسلم], ولكن(5/1538)
أعداء الحجاب ودعاة السفور قالوا: إذا كان هناك أمرٌ بغض البصر فلابد أن هناك شيئًا مكشوفًا من المرأة.
والجواب: أن الأمر بغض البصر هو أمرٌ من الله تعالى يجب التزامه ولا يلزم منه أن يكون الوجه والكفين للمسلمة مكشوفًا.
بل هناك أحوال تستوجب غض البصر مثل: أن في المدينة زمن التنزيل كان هناك نساء اليهود والسبايا والإماء وربما بقي النساء غير المسلمات في المجتمع الإسلامي سافرات الوجوه كاشفات فأمروا بغض البصر.
وكذلك قد يظهر من جسم المحجبة شيء طارئ نتيجة سقوطها أو نتيجة هواء أو رياح أو ما شابه فيجب غض البصر.
وكذلك لو اجترأت امرأةٌ وكشفت سترها فيجب غض البصر عنها.
س: ذكر لي أحد زملائي في الجامعة أن امرأة مدت يدها من وراء ستارة إلى رسول الله صلى الله فلم يمد يده إليها وقال: ((لا أدري أيدُّ رجل أم يد امرأة))؟ فقالت: بل امرأة.
قال زميلي: فهذا دليلٌ على إباحة السفور هل هذا صحيح؟
ج: أختي الكريمة قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أذكِّركِ وأحذرك من رفقة السوء فإن الصاحب ساحب إلى الخير أو إلى الشر، والمرء على دين خليله فاحذري، كما أن اختلاط المرأة بالرجال فتنةٌ عظيمة، وباب شرٍّ وخيم.
أما عن السؤال: فابتداءً هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضعفه علماء الحديث، وممن حكم بضعفه: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في كتابه ضعيف الجامع برقم (4846)، والقول الصحيح الراجح: أنه لا يجوز العمل بالحديث الضعيف لا في العقائد ولا في العبادات ولا في فضائل الأعمال.
ثانيًا: إذا افترضنا صحة الحديث فليس فيه دليلٌ على إباحة السفور
س: وماذا عن حديث أخر سمعته جاء فيه أن النساء كن يهوين بأيديهن في صلاة العيد يلقين الذهب في ثوب بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدٌ وكذلك ابن عباس؟
ج: نعم، هذا حديثٌ صحيح رواه البخاري وأذكر نصه أولاً: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قيل له: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن أبي الصلت فصلى فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يَشُقهم، ثم أتى النساء ومعه بلال فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا...}[الممتحنة: 12] فتلا هذه الآية حتى فرغ منها، ثم قال حين فرغ منها: ((أنتن على ذلك؟)) فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن: نعم يا نبي الله، ثم قال: ((هلم لكن فداكن أبي وأمي)) فرأيتهن يهوين يقذفنه، وفي رواية: ((فجعلن يلقين الفُتُخَ والخواتم في ثوب بلال، ثم انطلق هو وبلال إلى بيته)) رواه البخاري.(5/1539)
س: كنت قد قرأت في كتاب المحلى لابن حزم قال: ((فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة وما عداهما ففرضٌ ستره))
ج: يجاب عن هذا الكلام بعدة أجوبة: أولاً: أنه ليس في الحديث ذكر الوجه على الإطلاق فأين إذن ما يدل على أن الوجه ليس بعورة من الحديث.
ثانيا: إنه وإن ورد في الحديث ذكر الأيدي لكن ليس فيه تصريح بأنها كانت مشكوفة حتى يتم الاستدلال به على أن يدي المرأة ليست بعورة.
ثالثًا: حتى وإن ثبت في الحديث أن ابن عباس رأى وجوههن وأيديهن فليس في ذلك دليلٌ على جواز السفور، ولا حجة فيه على إباحة كشف الوجه والكفين.
فقد جاء في الحديث من قول ابن عباس -رضي الله عنهما: ((ولولا مكاني من الصغر ما شهدته)) فهذا يدل على أن ابن عباس كان صغيرًا ليس عليه حرج ولا جناح، ولا على النساء إن أظهرت وجوههن أمامه لأنه لم يبلغ.
وأختم بكلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- قال في فتح الباري: قوله: ((ثم أتى النساء)) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطاتٍ بهم، قوله: ((ومعه بلال)) فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهدٍ ونحوه، لأن بلالاً كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره.
س: هناك حديثٌ مشهورٌ جدًّا وفيه حجةٌ قويةٌ على جواز كشف المرأة وجهها وكفيها وهو نص في هذه المسألة؟
ج: وما هو هذا الحديث المشهور جدًّا.
س: حديث أسماء -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا ينبغي أن يظهر منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه، هل عندك جوابٌ على هذا النص الصريح.
ج: الجواب سهل: فمع وضوح هذا النص وصراحته يكفي أن نقول: إن هذا الحديث ضعيفٌ وفيه ثلاث علل: ففي سنده راويان الأول ضعيف والثاني مدلس وهناك إرسالٌ في إسناده.
وقد تقدم أن الحديث الضعيف لا يجوز العمل به.
س: لو ألقيت بعض الضوء على هذه العلل الثلاث:
ج: 1-أما الإرسال فقد قال أبو داود عقب رواية الحديث: ((هذا مرسلٌ؛ خالد بن دريك لم يدرك عائشة)).
2-في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن البصري قال الحافظ: ((ضعيف)).
3-فيه أبو قتادة وهو مدلس وقد عنعنه، وفيه أيضا الوليد بن مسلم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية وقد عنعنه.
س: وكيف الإجابة عن هذا الحديث لو صح؟(5/1540)
ج: قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: ((ثم على تقدير الصحة- أي صحة حديث أسماء –يحمل على ما قبل الحجاب لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه)).
س: وهل هناك أجوبة أخرى عن هذا الحديث.
ج: نعم من الأجوبة:
1-أنه مخالفٌ لحال أمهات المؤمنين ونسائهم فعن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: ((كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه))
س: وماذا عن تفسير ابن عباس -رضي الله عنهما- لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور: 31] قال: الكحل والخاتم اهـ. ومعلوم أن الكحل في الوجه والخاتم في اليد.
ج:لم يثبت هذا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بل: (إسناده ضعيفٌ جدًّا بل هو منكر)
س: وورد أيضًا عن ابن عباس أنه فسر الآية السابقة بقوله: (ما في الكف والوجه).
ج: هذا التفسير أيضًا إسناده ضعيفٌ لضعف راويين فيه.
س: وما هي الأقوال الثابتة عن الصحابة -رضي الله عنهم- في تفسير هذه الآية؟
ج: قد صح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- تفسير قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} بالثياب.
روى ابن جرير الطبري في تفسيره (18/119) قال: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني الثوري، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: {لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الثياب. اهـ.
وقد رواه أيضا ابن أبي شيبة في مصنفة، والحاكم في مستدركه وقال: ((هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص)).
س: وماذا عن حديث المرأة سفعاء الخدين التي ورد أن جابر -رضي الله عنه- رآها يوم العيد؟
ج: أذكر أولاً نص الحديث: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: ((شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: ((تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)) فتكلمت امرأةٌ من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: ((لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير)) قال: فجعلن يتصدقن من حليهن ويلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن)) رواه البخاري ومسلم هذا نصه والحديث ليس فيه حجةٌ على إباحة التبرج.
س: عندي سؤال عن معنى قوله: ((سطة النساء))؟
ج: معنى قوله: ((سطة النساء)) أي جالسة في وسطهن.
س: وما معنى قوله: ((سفعاء الخدين))؟ في خديها تغير وسواد.(5/1541)
س: إذًا فقد ثبت أن جابر -رضي الله عنه- قد رأى وجه المرأة؟
ج: صحيح لكن لو رجعنا إلى كلام أهل العلم على هذا الحديث لوجدنا ما يشفي الصدور.
س: وماذا قال أهل العلم عن معنى هذا الحديث؟
ج: قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله: في تفسيره القيم أضواء البيان (6/597) ((وأجيب عن حديث جابر هذا بأنه ليس فيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها كاشفة عن وججها، وأقرها على ذلك، بل غاية ما يفيده الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم الحديث أن جابرًا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عن قصد، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد فيراه بعض الناس في تلك الحال كما قال النابغة الذبياني:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... ... فتناولته واتقتنا باليد
فعلى المحتج بحديث جابر المذكور أن يثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآها سافرة، وأقرها على ذلك ولا سبيل إلى إثبات ذلك)).
س: وهل أجاب علماء آخرون عن هذا الحديث.
ج: نعم ((قد روى هذا القصة المذكورة من الصحابة غير جابر -رضي الله عنه- ولم يذكروا كشف المرأة المذكورة عن وجهها, وقد ذكر مسلم في صحيحه ممن رواها غير جابر: أبا سعيد الخدري، وابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- وذكره غير عن غيرهم، ولم يقل أحدٌ ممن روى القصة غير جابر أنه قد رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدين)) [حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ص (541)].
قال الشيخ حمود التويجري في كتابه الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور ص (122): ((ومما يدل على أن جابرًا -رضي الله عنه- قد انفرد برؤية وجه المرأة التي خاطبت النبي صلى الله وسلم أن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري -رضي الله عنهم- رووا خطبة النبي صلى الله علية وسلم وموعظته للنساء ولم يذكر واحدٌ منهم ما ذكره جابر -رضي الله عنه- من سفور تلك المرأة وصفة خديها)).
س: وهل هناك أجوبة أخرى عن حديث المرأة سفعاء الخدين؟
ج: نعم هناك, ومن الأجوبة: أن هذا المرأة ربما تكون من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا فلا تثريب عليها في كشف وجهها على النحو المذكور، ولا يمنع ذلك من وجوب الحجاب على غيرها قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[النور: 60] وأيضا: ليس في هذا الحديث ما يدل على أن هذه القصة كانت قبل الحجاب أو بعده، فيحتمل أنها كانت قبل أمر الله تعالى النساء أن يضربن بخمرهن على جيوبهن وأن يدنين عليهن من جلابيبهن.
س: وماذا قال العلامة محمد بن صالح العثمين -رحمه الله- عن هذا الحديث؟
قال -رحمه الله- في رسالة الحجاب ص (29): ((إما أن تكون هذا المرأة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحًا فكشف وجهها مباح ولا يمنع وجوب الحجاب على غيرها.(5/1542)
أو يكون قبل نزول آية الحجاب فإنها كانت في سورة الأحزاب سنة خمس أو ست من الهجرة، وصلاة العيد شرعت في السنة الثانية من الهجرة)).
س: ولكن أخي، الإسلام ليس دين المظاهر فأنا -والحمد لله- أصلي وأصوم وأعامل الناس بخلق حسن وأساعد الفقراء.
فما الداعي للحجاب مع كل هذه العبادات والله تعالى لا ينظر إلى صورنا وأجسامنا ولكن ينظر إلى قلوبنا؟
ج: من المعلوم أن التبرج من الفحشاء والمنكر، والله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45] فلو أنك تؤدين الصلاة على الوجه المطلوب بخشوعٍ كما أمر الله لكان ذلك دافع لك إلى الالتزام بالحجاب الشرعي وليس العكس.
ولو كان الحجاب مظهرًا من المظاهر لما توعد الله عز وجل المتبرجات بالنار، والحرمان من الجنة وعدم شم ريحها على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
-وكذلك فإن الحجاب هو الذي يميز بين المسلمة العفيفة الطائعة والمتبرجة العاصية.
س: ولكن في الحديث ((إن الله لا ينظر إلى صوركم))؟
ج: ليس في الحديث ما يدل على ما تقولين، فإن القلوب إذا طهرت استقامت الجوارح وانقادت إلى طاعة الله تعالى، وكانت الأعمال موافقة لمرضاة الله تعالى.
وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى الأعمال الصالحة والحجاب منها.
أما الصور والأموال التي لا ينظر الله عز وجل إليهما فهي التي في غير طاعة الله، وهي التي فيها الكبر والخيلاء والإعجاب بالنفس.
س: ولكن المرأة لا تعيش مرتين، والحجاب يقيد حريتي ويمنعني من التمتع بشبابي؟
ج: اسمحي لي أن أقول: أن تمتعك بشبابك لابد أن يكون وفق شرع الله تعالى، وليس وفق هواك، وهناك أمورٌ مباحة كثيرة يمكنك أن تتمتعي بها.
وهل معنى التمتع بالشباب هو فعل المنكرات والتبرج؟
س: ولكن الحجاب يمنعني من الذهاب إلى المتنزهات والسينما والمسارح والشواطئ، والإنسان يحتاج إلى تغيير، نحن بشر.
ج: يمكن للمرأة أن تغير من حياتها في الأمور المباحة من زيارة الأقارب والصديقات التقيات في غير تبرج ولا معصية.
وكذلك يمكن الخروج مع المحارم في غير تبرج ولا زينة ولا اختلاط محرم, أما السينما والمسارح والشواطئ فهي لا تخلوا من منكرات ومحرمات وتزيد المرء أثامًا وتذهب بالحسنات.
س: ولكن الإسلام لا يريد من الإنسان الجمود والعزوف عن الحياة؟
ج: صحيح بل الإسلام يريدك مرحة في نفسك تألفين وتُؤلفين، نشيطة في غير ابتذال, متواضعة في غير ذلة عزيزة في غير فخر، كثيرة الحياء، قليلة الأذى، صدوقة اللسان, قليلة الكلام، كثيرة العمل، قليلة الزلل برة وصولة، شكورةٌ صبورة، راضيةٌ(5/1543)
حليمة، رقيقةٌ عفيفة، لا لكاعة ولا سبابة ولا نمامة ولا مغتابة، ولا عجولة ولا حقودة و لا بخيلة ولا حسودة، بشاشة هشاشة، ميسرة غير معسرة من رأك احترمك، ومن صاحبك أحبك، دائمة البشر مع أخواتك المسلمات.
س: ولكن أليس في الحجاب تزمت؟
ج: وكيف يكون الحجاب تزمتًا والله عز وجل هو الذي فرضه.
إن التشدد والتزمت هو المبالغة والتنطع في تطبيق الشريعة، وليس في الحجاب أي مبالغة أو تنطع، والحجاب فريضة فرضها الله، وليس في تعاليم الإسلام ما هو عسرٌ بل تعاليم الإسلام وفرائضه كلها يسر قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 85].
س: ولكن التبرج في هذه الأيام هو اليسر لأنه أصبح أمرًا مألوفًا؟
ج: كيف يكون التبرج يسرًا وهو كبيرةٌ من الكبائر، وكيف يكون يسرًا وصاحبته لا تجد ريح الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم!! والإلف والعادة إذا خالف الشرع فهو فسادٌ وشر وفتنة ولا شك.
س: ولكن كثير من الرجال يرون النساء المتبرجات ويخالطوهن ولا تحصل لهن إثارة؟
ج: هذا قولٌ مردودٌ ويبطله الواقع الذي نعيش فيه.
إن لم ينظر الشباب وهم على قارعة الطريق إلى الفتيات المتهتكات العاريات.
وهل معنى هذا الكلام أن الشباب والرجال الكبار لا ينظرون إلى المتبرجة وهي تتمايل في الطريق؟
س: هلا زدت هذا الأمر توضيحًا؟
ج: إن زينة المرأة وظهور جمالها بين الرجال غواية وإغراء وشرارة تضرم ما كمن وخمد في نفوسهم من شهوة حيوانية، كما أن رؤية الطعام وشم رائحته يوقظان الشهية، والنفس لا تشتهي إلا ما تقدمه لها العين، ولذلك أمر الله تعالى الرجال أن يغضوا أبصارهم وأتبعها بقوله: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، وكذلك أمر النساء بأن يغضضن من أبصارهن، وأتبعها بقوله: {وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ}، ومعنى ذلك: أن النظر بريد الزنا، فما بال النساء قد غفلن وخادعن أنفسهن فزعمن أن التبرج قد أصبح أمرًا عاديًا مألوفًا لا يؤثر على الأخلاق ولا يثير دفائن الشهوات، ولا يوقد نار المحروم من اللذات! أما إنهن لو عقلن لعلمن أن هذا الزعم باطلٌ ومحالٌ ولا شك، فإنه لو كان الأمر كذلك بصدق في حالة الزوج مع زوجته لانقلبت المودة بينهما عداوة والشوق نفورًا، ولأصبح كلٌّ من الزوجين حريصًا على أن يغير زوجته بعد حينٍ من الزمن فهل هذا الواقع؟!
كلا فإن الرجولة هي الرجولة، والأنوثة هي الأنوثة، وإن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية لا تتغير ولن تتغير مدى الدهر، وهي شيءٌ يجري في عروقهما، وينته في كلٍّ من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة فتؤثر على المخ والأعصاب وغيرها من الأعضاء، بل إن جزءًا من كلِّ جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر.(5/1544)
ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها، وفي أخلاقها وأفكارها وميولها, كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته، وصوته وأعماله وميوله، وهذه قواعد فطرية طبيعية لم تتغير من يوم أن خلق الله الإنسان ولن تتغير حتى تقوم الساعة
{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم: 30].
س: ولكن إذا كان التبرج يثير الرجال حقيقة كما تقول فإن الرجل يحتاج أن ينفس عما بداخله بالفطرة أو الضحكة أو الدعابة حتى يهدأ ويرتاح باله؟
ج: هذا كلام فاسد فإن النظرات والضحكات لا تنفس ولكنها تزيد الأمر، إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تثار، فعمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، والنظرة الخائنة والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنع شيئًا إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون، ولقد شاع في وقتٍ من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق والاختلاط الميسور والدعابة المرحة بين الجنسين، والاطلاع على مواطن الفتنة المغبوءة... شاع أن كل هذا تنفيس وترويح ووقاية من الكبت ومن العقد النفسية ... شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه عن الحيوان والرجوع إلى القاعدة الحيوانية الفارقة في الطين- وبخاصة نظرية فرويد ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية يرى الإنسان في أشد البلاء إباحية وتفلتًا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية ما يكذبها وينقضها من الأساس، نجد في البلاد التي ليس فيها قيدٌ واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجسدية وترويضها إنما ينتهي إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع.
ونشاهد من الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهومًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان، نشاهدها بوفرة بين من يمارسون الشذوذ الجنسي بكل أنواعه.
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق وإثارته في كل حين تزيد من عرامته فالنظرة تثير والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات, وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام مع تهذيب الطبع وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة غير تلبية دافع اللحم.
س: ولكن هناك من يقول: إن الحجاب هو عادة جاهلية من عادات العرب؟
ج: كيف يكون الحجاب من عادات الجاهلية والعرب قبل الإسلام وهم في جاهليتهم لم يعرفوا الحجاب بل ذم الله تعالى تبرج نساء الجاهلية وحذر نساء المسلمين أن يتبرجن مثلهن فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب: 33]. فلما جاء الإسلام وفرض الحجاب على المرأة أراد بذلك أن يرتقي بها من هذه الجاهلية العفنة إلى حيث العفة والاحتشام وصون الكرامة ومنع أذى الفساق والمغرضين.
س: ولكن اسمح لي أن أقول: إن بعض الناس يعدون التبرج انفتاحًا وحرية وانطلاقًا إلى الحياة؟(5/1545)
ج: وماذا فعل هذا الانفتاح والحرية بالمرأة لقد خرجت المرأة كاسيةً عارية، وتفننت في إغرائها للرجال فماذا حدث؟ زاد الفساد وعم الفجور، وانهار البنيان الاجتماعي والسلوكي والخلقي والصحي.
ومن أنكر ذلك فليراجع صفحات الجرائد التي تعج كل يوم بالمآسي والأحداث التي كانت من آثار تبرج المرأة وانفلاتها.
س: وهناك من يقول: إن التبرج مدنية وتحضر؟
ج: إن من يزعمون أن التبرج هو ما تقتضيه المدنية قومٌ جهلوا معنى الاستسلام والانقياد لأوامر الله تعالى، وقومٌ حُرموا من أسمى معاني الأخلاق والحياء والعفة.
فأي مدنية هذه التي تحض على معصية الله تعالى؟!
وأي مدنية هذه التي تصرف عن طاعة الله تعالى؟!
وأي تحضر الذي يصد عن دين الله تعالى؟!
وأي تحضر الذي يسلب الحياء والعفة؟
س: ولكن في الحقيقة الحجاب يصرف الخطاب بينما التبرج يجعل الفتاة تتزوج بسرعة؟
ج: هذه خدعة باطلة توحي بعكس الواقع والحقيقة, وهي خدعة يصنعها دعاة الباطل، وتنطلي على أفكار الفتيات وأمهاتهن جهلاً وخداعًا.
ولو تأملت الواقع الذي نعيش فيه لرأيت نسبة الإقبال على الأسر والفتيات المحافظات للزواج منهن أكثر مما يقارب الضعف من الإقبال على الأسر المتحررة, بل إن الزواج عمومًا يشيع بين الأسر المحافظة المتدينة أكثر مما يشيع بين الأسر الأخرى بنسبة تزيد على الضعف، ويعلم ذلك وتفاصيله كل من يرجع إلى الإحصائيات المفصلة في هذا الشأن.
س: هناك بعض الفتيات يقلن: طاعة الوالدين فرض وهما يمانعان من ارتدائي للحجاب؟
ج: إن حقيقية العبودية في الإسلام هي الاستسلام التام أو الخضوع لأوامر الله عز وجل حتى يبقى القلب مملوءًا بخشية الله تعالى ولا يزاحمه أحدٌ غير الله عز وجل، وتظل الجوارح مسفرة في طاعة ربها جل وعلا.
إن من مظاهر عبوديتك لله عز وجل تقديم حكم الله تعالى على حكم غيره، وتقديم طاعة الله على طاعة غيره، وتقديم رضي الله على رضى غيره، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: 24] فمن علامات حبك لله ورسوله صلى الله عليه وسلم تقديم طاعتهما على طاعة أي مخلوق على الأرض وإلا كنت كاذبة في دعواك المحبة لله عز وجل والمحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم هل ينفعك والدك أو أحدهما يوم القيامة؟ وهل سيدفع أحدٌ منهم عنك عذاب الله تعالى؟.
س: هناك بعض النساء أزواجهن يمنعهن من الحجاب؟(5/1546)
ج: اعلمي أنه بسبب تبرجك وسفورك ومعصيتك ابتلاك الله تعالى بهذا الزوج الفاسق الذي يريد أن يفسد عليك دينك، لأنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.
وعليك أن تكلمي زوجك بالحسنى وترشديه إلى أنك تخافين عليه من عقاب الله تعالى إن هو أصر على منعك من التحجب، وأبى عليك إلا أن تسيري متبرجة.
وذكِّريه بأن خروجك متبرجة تعرضين نفسك على زملائه وأصحابه وغيرهم حتى يريهم أنه إنسان عصري ومتحضر، أخبريه وذكريه أن هذا همجية وانحلال وتفسخ وبهيمية ورجعية. وذكريه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ لا يدخلن الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: ومنهم الديوث)) [رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي]
س: هناك بعض الفتيات يقلن: أنا لا أرغب في الحجاب برغم علمهن بفرضيته؟
ج: هؤلاء الفتيات عليهن أن يراجعن إيمانهن؛ لأن هذا القول محادة لله ورسوله قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[المجادلة: 5] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ}[المجادلة: 20].
إن غلبة الشهوة في نفس العبد حتى تطغى على الأحكام الشرعية فتؤدي إلى إهمالها بل ومعارضتها ومحادتها هذا مرضٌ في القلب بل موت وذنب لابد أن يستغفر منه العبد، ويتوب إلى الله منه قبل أن يدهمه الموت فيكون من الخاسرين النادمين.
س: ولكن المرأة أو البنت إذا كانت جميلة فالجمال نعمة من نعم الله فلماذا تستر هذا الجمال فإظهار الجمال من باب التحدث بالنعمة؟
ج: إن الله عز وجل الذي خلق الجمال هو الذي أمر بستره فقال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}[النور: 31]. وقال: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}[الأحزاب: 59] إن هذا القول خطرٌ على الإيمان بل هو مما يضاده وينافيه.
س: ولكن هناك من تقول: إنني سوف أتحجب عندما يهديني الله؟
ج: إن الهداية رزقٌ والرزق يحتاج إلى سعي فالله عز وجل قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ}[الذاريات: 22-23] وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك: 15] كذلك الهداية تحتاج إلى سعي، والله عز وجل قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 11].
س: هناك من الفتيات من يقلن: أنا مازلت صغيرة، عندما أكبر أتحجب؟
ج: نقول لهؤلاء: وما يدريكن أن يمتد بكن العمر؟ ما يدريكن أنكن ستكبرن؟ كم من فتاة وكم من فتى قبض إلى الله قبل أن يحقق ما كان يحلم به، إن الموت يأتي بغتة فيجب أن نستعد له بطاعة الله عز وجل.
س: ولكن بعض النساء يتحجبن لأجل إخفاء دمامتهن، وإذا تحجبت وأنا جميلة سيقول الناس: تحجبت لدمامتها وسوء شكلها هكذا تقول بعض الفتيات؟
ج: نقول: اعلمي يا أختاه أن السخرية من المؤمنين والمؤمنات هو دأب الفاجرين والفاجرات ولست بأفضل من النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوذي وصبر وقالوا عنه: شاعر، وقالوا: مجنون، إن طريق الجنة محفوفٌ بالأشواك فاصبري، ماذا يضرك كلام الناس إذا كانت الحقيقة غير ذلك؟(5/1547)
س: بعض النساء يعشن في مستوى راق ويقلن: إن وضعي الاجتماعي لا يسمح بالحجاب؟
ج: أقول لهؤلاء: إن العيش الحقيقي هو عيش الآخرة، فلا تجعلي زخارف الدنيا تصرفك عن طاعة الله عز وجل. والترف إذا قاد إلى معصية الله فهو من أسباب دخول النار قال عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}[الواقعة: 45] إن الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة, ون ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
س: ولكن بعض النساء تقول: إني أحب الله ورسوله فلا أحتاج إلى الحجاب الحب يكفي للنجاة؟
ج: نقول لهؤلاء كلا: فإن المحب لمن يحب مطيع.
إن من يريد الحصول على شيء عليه أن يجد ويجتهد في سبيله.
والإيمان: قولٌ وعملٌ واعتقاد ليس مجرد قول وفقط، ومن أحب شخصًا أطاعه
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... ... هذا بديعٌ في القياس شنيعُ
لو كان حبك صادقًا لأطعته ... ... إن المحب لمن يحب مطيعُ
س: ولكن اليوم نرى أن المحجبة تُضطهد في الدراسة والعمل والضرورات تبيح المحظورات.
ج: ومن قال: إن الدراسة والعمل عذران يبيحان معصية الله عز وجل ثم إن كثيرًا من المحجبات تعملن وتدرسن وهن من المتفوقات.
إن من يظن أن حجاب المرأة يعوقها عن أداء مهمتها في المجتمع وفق ضوابط الشرع فهو مخطئ.
س: ولكن ورد أن عائشة -رضي الله عنها- وأم سليم كشفتا عن ساقيهما وهما تسقيان الناس في بعض الغزوات؟
ج: الجواب عن ذلك: أن هذه الوقائع حدثت قبل نزول الحجاب لأنها كانت في غزوة أحد.
س: ولكن حرارة الجو تسبب الاختناق والحساسية إذا ارتدت المرأة الحجاب؟
ج: نقول لهؤلاء: تذكرن قول الله تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}[التوبة: 81] اختاري لنفسك أي الحالتين: حرُّ الدنيا المقدور عليه، أم نار جهنم وحرها.
إن العاقل يعلم أنه إن قدم القليل في طاعة الله في الدنيا فإنه لو صيبر سيفوز بجنة عرضها السموات والأرض.
-إن المسلمة التقية التي امتلأ قلبها بحب الله تعالى وعينها دائمًا على جنة ربها هي التي يهون عندها كل شيء في سبيل الله تعالى, أو إلا فمن قال لك: أنك ستدخلين الجنة دون أي ابتلاء.
س: ولكن المرأة إذا ارتدت الحجاب تشعر أنها شاذةٌ في وسط مجتمع يعمه التبرج؟
ج: هذا كلامٌ غير صحيح، فهناك نسبة كبيرة من المحجبات, ثم إن مخالفة الباطل والتمسك بالحق ليس بشذوذ بل هو الحق والصواب. وأهل الباطل أولى بأن يوصفوا بالشذوذ.(5/1548)
س: ولكن الناس تقول: إن الحجاب شكله مخيف يخيف الصغار ويقولون: المحجبات عفاريت؟
ج: إن الذين يطلقون هذه الأقوال هم أهل الباطل والضلال، ليصدوا عن دين الله ويصرفوا النساء عن الحجاب والعفة فلا تلتفتي أختاه لقولهم.
وإن أصابك شيءٌ من كلامهم فاصبري واحتسبي الأجر، وتذكري من سبقنك على طريق الحق.
س: ولكن أكثر النساء اليوم متبرجات والعبرة بالكثرة؟
ج: إن الاعتبار بالكثرة مصيبة، لو اعتمدنا عليه لهلكنا جميعًا, فهل لو كانت الأكثرية تسير في طريق الفاحشة نسير معها.
وهل الحجاب الذي فرضه الله على النساء يُعتبر لاغيًا ومرفوضًا لأن أكثر النساء متبرجات؟ثم لو تدبرنا الآيات التي ذكرت فيها الكثرة في القرآن، والآيات التي ذكرت فيها القلة نجد أن أهل الحق هم القلة.
قال عز وجل عن الكثرة:
{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزخرف: 78] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[يوسف: 38] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعام: 116] بينما نجد القلة هم أهل الإيمان والصلاح.
قال عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ: 13] {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: 83].
س: ولكن هناك بعض من النساء الفاسدات أو السارقات يتسترن خلف الحجاب والنقاب؟
ج: أنت قلت يتسترن، فهم ليسوا من المحجبات أو المنقبات الحقيقيات، وليس معنى أن هناك بعض من يستغل الحجاب استغلالاً سيئًا أن جميع المحجبات سيئات، فمثلاً لو أن رجلاً أكل طعام وأصابه منه تسمم فليس معنى هذا أن جميع الأطعمة مسممة، ولو أن طبيبًا فعل فعلاً لا يتماشى مع آداب مهنته فليس معنى ذلك أن كل الأطباء على شاكلته.
س: لو ذكرت لنا بعض الكتب التي يمكن الرجوع إليها في مسائل حول الحجاب وتغطية الوجه؟
ج: هناك الكثير من الكتب والصنفات منها:
- ... عودة الحجاب – للشيخ محمد إسماعيل.
- ... رسالة الحجاب – للشيخ محمد بن صالح العثيمين .
- ... حجاب المرأة المسلمة – للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
ـــــــــــــــــــ
هل يشترط لبس النقاب للمرأة
السؤال:
هل لبس النقاب من شروط الزي الإسلامي للمرأة ؟.
الجواب:(5/1549)
الحمد لله
الحجاب في اللغة : الستر ، والحجاب : اسم ما احتجب به ، وكل ما حال بين شيئين فهو حجاب .
والحجاب : كل ما يستر المطلوب ويمنع من الوصول إليه كالستر والبواب والثوب ... ألخ.
والخمار : من الخمر ، وأصله الستر ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " خمروا آنيتكم ، وكل ما يستر شيئا فهو خماره .
لكن الخمار صار في العرف اسما لما تغطي به المرأة رأسها ، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للخمار في بعض الإطلاقات عن المعنى اللغوي .
ويعرفه بعض الفقهاء بأنه ما يستر الرأس والصدغين أو العنق .
والفرق بين الحجاب والخمار أن الحجاب ساتر عام لجسم المرأة ، أما الخمار فهو في الجملة ما تستر به المرأة رأسها .
النِّقاب - بكسر النون - : ما تنتقب به المرأة ، يقال : انتقبت المرأة ، وتنقبت : غطت وجهها بالنقاب .
والفرق بين الحجاب والنقاب : أن الحجاب ساتر عام ، أما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط .
وأما زي المرأة الشرعي فهو الذي يغطي رأسها ووجهها وجسمها كاملاً .
إلا أن النقاب أو البرقع - والذي تظهر منه عيون المرأة - قد توسعت النساء في استعماله وأساءت بعضهن في لبسه ، مما جعل بعض العلماء يمنع من لبسه لا على أنه غير شرعي في الأصل ، بل لسوء استعماله وما آل إليه الحال من التساهل والتفريط واستعمال أشكال جديدة من النقاب غير شرعية تشتمل على توسيع فتحتي العينين حتى يظهر منهما الخدّ والأنف وشيء من الجبهة .
وعليه : فإذا كان نقاب المرأة أو برقعها لا يظهر منهما إلا العين وتكون الفتحة على قدر العين اليسرى كما ورد عن بعض السلف فإن ذلك جائز ، وإلا فإن عليها أن تلبس ما يغطي وجهها بالكامل .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :
الحجاب الشرعي : هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره ، أي : سترها ما يجب عليها ستره ، وأولى ذلك وأوله : ستر الوجه ؛ لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة .
فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عن من ليسوا بمحارمها ... فعلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه ، وهناك أدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وأقوال أئمة الإسلام وعلماء الإسلام تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها على من ليسوا بمحارمها .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 391 ، 392 ) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
الصحيح الذي تدل عليه الأدلة : أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها ، بل هو أشد المواضع الفاتنة في جسمها ؛ لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه ، فالوجه أعظم عورة في المرأة ، مع ورود الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه .(5/1550)
من ذلك : قوله تعالى : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } النور/31 ، فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه .
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : { يدنين عليهن من جلابيبهن } الأحزاب/59 ، غطى وجهه وأبدى عيناً واحدةً ، فهذا يدل على أن المراد بالآية : تغطية الوجه ، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية كما رواه عنه عَبيدة السلماني لما سأله عنه .
ومن السنة أحاديث كثيرة ، منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى المحرمة أن تنتقب وأن تلبس البرقع " ، فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها .
وليس معنى هذا أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها تبقي وجهها مكشوفاً عند الرجال الأجانب ، بل يجب عليها ستره بغير النقاب وبغير البرقع ، بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات ، فكنا إذا مرَّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه .
فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب ؛ لأن الوجه هو مركز الجمال ، وهو محل النظر من الرجال ... ، والله تعالى أعلم .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 396 ، 397 ) .
وقال أيضاً :
لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط ؛ لأن هذا كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن أجل الحاجة ، فإذا كان لا يبدو إلا العينان فلا بأس بذلك ، خصوصاً إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 399 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
هل تخلع النقاب بسبب ضرره عليها وعلى جنينها ؟
السؤال:
أنا سيدة منتقبة وحامل وأحس بضيق شديد في التنفس من النقاب ونصحتني طبيبة مسلمة منتقبة بأن أخلع النقاب خوفاً على صحتي وصحة الجنين ، فماذا أفعل أفادكم الله ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يأمر الله تعالى بما فيه ضرر على عباده ، وشريعة الله تعالى حكيمة وأحكامه غاية في اليسر والحكمة ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ومن شقَّ عليه أمرٌ من الشريعة فإن المشقة تجلب التيسير كما هي قواعد الشرع ، فمن عجر عن الصلاة قائما فإنه(5/1551)
يصلي قاعداً ، ومن عجز عن الصوم – لكبر سنه أو لمرضه المزمن - فإنه يفطر ويطعم ، وهكذا .
ولا زالت النساء تلبس النقاب والخمار ولم نر منهن شكاوى أو ضجراً منه ، فلعلَّ ما حصل مع الأخت السائلة – أو مع غيرها – إنما هو بسبب صفة نقابها أو خمارها ، أو بسبب طريقة لبسه ، فمن كان نقابها سميكاً فإنه يمكن أن يضايقها في التنفس والرؤية ، فالحل في مثل هذا أن تخفف من سماكته .
وبعض النساء تشد النقاب حول وجهها بعنف وشدة وهو ما يسبب لها ضيقاً في التنفس ، والحل في مثل هذا أن تخفف من شد نقابها حتى يسهل عليها التنفس براحة ويسر .
ويحسن بك أن تراجعي من هو أكثر خبرة في الطب من الطبيبة التي تراجعين عندها فلعلهم يتوصلون إلى ما لم تصل إليه من وسائل تلافي ضيق التنفس ، فإن تعذر التلافي بكل الوسائل – وهذا بعيد إن شاء الله ، فإن دفع الضرر في هذه الحالة يقدر بقدره فلا يكشف كل الوجه من أجل التنفس ، بل يمكن جعل جزء النقاب المغطي لفتحة الأنف خفيفاً بقدر ما يسمح بسهولة التنفس – ولو احتاج إلى أن يكون أخف مما يجب في الأحوال المعتادة .
نسأل الله أن يحفظك من كل سوء وأن يرزقك الذرية الصالحة . آمين
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
انتقبت في حجها فهل عليها شيء
السؤال:
ذهبت للحج منذ سنتين وكنت منقبة ثم علمت انه لا يجوز تغطية الوجه خلال الحج ، ولكني عندما لبست النقاب كان قد قيل لي ومن مصدر موثوق به أنه يجوز تغطية الوجه .
الجواب:
الحمد لله
1. ستر الوجه للمرأة خلق حسن ورحم الله المتنقبات رحمة كبيرة ولعلك أختي في الله لم تسألي إلا حرصاً على دينك – زادك الله حرصاً – إلا أن من الحرص الأعظم أن نحافظ على أوامر الدين التي تأمر النساء بنزع النقاب عن وجوههن عند الصلاة وفي الحج ولكن في الصلاة خاصة فإنه لا يحل ستر الوجه بحال إلا إن حضر من الرجال من هو من غير المحارم وفي الحج يجوز للمرأة أن تسدل على وجهها الغطاء إن لم يكن مفصلاً على حدود وجهها فالنقاب وهو ما يسمى ( البرقع ) لا يحل للمحرمة اتخاذه ويحل لها أن تسدل على وجهها غطاءاً تلقيه من رأسها على وجهها إلا إن تعذر غير النقاب ( البرقع) وحضر من لا يحل له النظر إلى وجه المرأة فإنه يحل لها النقاب ( البرقع) وإلا فلا .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا(5/1552)
السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " . رواه البخاري ( 1468 ) ومسلم ( 1177 ) .
2. وأما جواز السدل على الوجه بغير النقاب أو خشية الرجال الأجانب ، فقد صحَّ ذلك عن بعض الصحابيات الجليلات :
عن عائشة قالت : كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات فإذا التقينا الركبان سدلنا الثوب على وجوهنا سدلاً . رواه أبو داود ( 1833 ) وابن ماجه ( 2935 ) .
يقول الشيخ ابن عثيمين :
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّم على المحرمة تغطية وجهها وإنما حرم عليها النقاب فقط لأنه لباس الوجه وفرق بين النقاب وتغطية الوجه وعلى هذا فلو أن المرأة المحرمة غطت وجهها لقلنا : هذا لا بأس به ولكن الأفضل أن تكشفه ما لم يكن حولها رجال أجانب فيجب عليها أن تستر وجهها عنهم . " الشرح الممتع " ( 7/153 ) .
3. أما بالنسبة لما مضى من حجك بالصورة التي ذكرتِ فلاشيء عليك لعذر الجهل ، وكل محظورات الإحرام من فعلها جاهلاً أو ناسياً : فلا إثم عليه ولا فدية .
فعن يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مُصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك . رواه البخاري ( 1697 ) ومسلم ( 1180 ) .
قال الشيخ ابن عثيمين :
ومثل النسيان : الجهل والإكراه ، أي : لو أن الإنسان نسي فلبس ثوباً وهو محرم فليس عليه شيء ، ولكن عليه متى ذكر أن يخلعه ويلبس الإزار والرداء ، وكذلك الطيب ، فلو تطيب وهو محرم ناسياً فلا شيء عليه ، لكن عليه إذا ذكر أن يبادر بغسله . " الشرح الممتع " (7/222) .
و الله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
زوجها يلزمها بلبس النقاب وتريد النصيحة
السؤال:
أنا ألبس الحجاب ولكنني لا ألبس النقاب ، قال زوجي بأنني إذا لم أغط وجهي فسوف يطلقني ، يقول بأنني يجب أن أطيعه في كل شيء يطلبه مني ، أنا لا أريد أن أعصيه ولكن لبس النقاب سيسبب لي الضيق والشدة ، ويحزنني كثيراً ، أظن بأنني أشعر بهذا الإحساس بسبب ضعف إيماني ولكنني أشعر بأنه يريد أن يغصبني على فعل شيء لا أريد فعله . أرجو أن تنصحني في هذا الموضوع .
الجواب:(5/1553)
الحمد لله
قد دلت الأدلة من الكتاب ومن السنة على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها ، فمن هذه الأدلة قول الله عز وجل : ( يأأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِينَ عليهن من جَلابِيبِهِنَّ ) الأحزاب / 59 ، والجلباب هو ما تجعله المرأة على رأسها مُرْخِيَةً له على وجهها .
وعليكِ أيتها الأخت أن تتقي الله تعالى في هذا الأمر لتجمعي بين الاستجابة لأمرين : أمر الله تعالى ، وأمر زوجك ، ولا شك أن في هذا خيراً لكِ وصلاحاً وعفافاً ، وهذا الأمر سيُدخل السعادة على زوجكِ والهناء على بيتكِ ، والشعور بالضيق يزول مع الصبر والتعود عليه ، كما أن هذا الضيق سنقلب إلى فرحٍ عندما ترين أثر لبسك له ، فأنت بذلك تستجيبين للأوامر الشرعية ، ولأمر زوجك الذي وافق شرع الله تعالى بأمره، وتقطعين الطريق على شيطان الناظرين إليك ، وتحفظين نظر العفيفين أهل الخير عن النظر كذلك إلى ما لا يحل لهم ، وفوائد أخرى ترينها وتحسينها عندما تستجيبين لهذا الأمر .
وكثيراً ما تحسَّرت الأخوات المنتقبات على السنوات اللاتي كنَّ يكشفن فيها وجوههن بعد أن أكرمهن الله بالنقاب ، ولو دُفع لواحدةٍ منهن الآن مال الدنيا على أن تخلعه ما فعلت ، بل رأينا الكثيرات من العفيفات من تركت زوجها لأنه أراد أن يجبرها على خلع النقاب ، فتأملي الفرق العظيم بين حالكِ وحالهن ، وأين نجد الآن من يحرص على عفاف وستر أهل بيته ؟ إنهم قليل ، فهل نفرط في هذا القليل أم نشكره على فعله ذلك الذي يصب في نشر الخير في المجتمعات ؟ .
فنذكركِ بتقوى الله تعالى ، ونذكركِ بفعل المؤمنات اللاتي استجبن لأمر الله تعالى : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما نزلت هذه الآية أخذ النساء المهاجرات أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها .
وانظري جواب السؤال : ( 21134 ) ففيه بيان وجوب تغطية المرأة وجهها.
ولينظر زوجكِ جواب السؤال : ( 20343 ) ففيه : وجوب نصيحة الزوج لزوجته وطرق ذلك .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حجت وهي منتقبة فماذا عليها ؟
السؤال:
حججت واعتمرت في العام الماضي ، كنت أعلم أن النقاب لا يجوز ، ومع هذا فكان علي أن أتنقب لأنه كان كثير من الناس حولي وقت الحج ، قيل لي بأن ما فعلتُه كان خطأ وأنني كان من المفترض أن أغطي وجهي بشيء آخر ، ماذا يجب أن أفعل الآن لأصحح هذا الخطأ ؟.
الجواب:
الحمد لله(5/1554)
لبس النقاب من محظورات الإحرام ، ويمكن للمرأة أن تغطي وجهها أمام الأجانب بعد الإحرام بشيء من الثياب تسدله من أعلى رأسها على وجهها ، من غير أن ترتكب المحظور الذي هو لبس النقاب .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ... ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري ( 1741 ) .
قال ابن قدامة :
قال ابن المنذر : وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة ، ولا نعلم أحداً خالف فيه ، وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " ، فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها ، روي ذلك عن عثمان وعائشة ، وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحاق ومحمد بن الحسن ، ولا نعلم فيه خلافاً ، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود (1833) والأثرم ) " المغني " ( 3 / 154 ) ، وحديث عائشة صححه الألباني في رسالة جلباب المرأة .
وفِعل إحدى محظورات الإحرام عمداً لعذر : يوجب الفدية وهي : إما صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم ، أو ذبح شاة في الحرم ، وليس عليه إثم لوجود العذر في فعله للمحظور . والظاهر أن حالك من هذا النوع لأنك ذكرتِ فيه أنك احتجتِ للانتقاب بسبب كثرة الرجال فيلزمك الفدية التي سبق ذكرها ولا إثم عليكِ ، هذا إذا كنت تعنين بالانتقاب في سؤالكِ لبس النقاب لا التغطية للوجه بغير اللبس المعتاد للنقاب ، أما كان الذي وقع منك إنما هو تغطية بغير النقاب أو بغير طريقة لبسه المعتادة فلا يلزمكِ شيء وتؤجرين إن شاء الله على حرصك على التستر والبعد عن نظر الرجال .
قال الشيخ ابن عثيمين :
وإذا فعل المُحرم شيئاً من المحظورات السابقة من الجماع أو قتلِ الصيد أو غيرهما فله ثلاث حالاتٍ :
الأولى : أن يكون ناسياً أو جاهلاً أو مُكرَهاً أو نائماً ، فلا شيء عليه ، لا إثم ولا فدية ولا فساد نسك ؛ لقوله تعالى : ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ ) البقرة/286 ، وقوله : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5
الثانية : أن يفعل المحظور عمداً لكن لِعُذرٍ يبيحُه ، فعليه ما يترتب على فعل المحظور ، ولا إثم عليه ؛ لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا(5/1555)
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/196
الثالثة : أن يفعل المحظور عَمداً بلا عُذرٍ يبيحه ، فعليه ما يترتب على فعله مع الإثم .
" مناسك الحج والعمرة " ( الفصل الخامس / محظورات الإحرام ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
أبوها يرفض تزويجها بحجة إتمام الدراسة فهل تسقط ولايته
السؤال:
أنا فتاة عمري 17 سنة , أسلمت منذ سنة , أبي مسلم وأمي مسيحية . أبي لا يدعني أرتدي النقاب ويمنعني من الزواج بدعوى إتمام دراستي العليا لدرجة أني مرة فررت من المنزل , ولم أرجع إلا بتعهد أبي أمام إمام المسجد وبحضور شاهدين , أني أستطيع لبس النقاب وأتزوج بمن هو كفؤ لي إلا أن أبي لم يف بعهده وهو يمنعني حتى الآن من الزواج . وأحيطكم علما أنه يصلي تارة و يدعها أخرى ، ويشرب أحينا الخمر.
الآن سؤالي : هل تسقط ولايته عني لأني أريد الزواج وهناك من يخطبني ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نهنئك ونبارك لك إسلامك ، ونسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وعلما وتقى .
ثانيا :
ستر المرأة وجهها عن الرجال الأجانب ، واجب في أصح قولي العلماء ، وقد بينا أدلة ذلك في الجواب رقم (11774) .
فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته من ارتداء النقاب .
ثالثا :
إذا كان الأب متهاونا في الصلاة ويشرب الخمر أحيانا ، فهو فاسق ، وولايته للنكاح محل خلاف بين الفقهاء ، فمذهب الشافعية والحنابلة أنها لا تصح ، وذهب فقهاء الأحناف إلى صحة ولاية الفاسق ، وهو مشهور مذهب المالكية. إلا أنهم كرهوا ولاية الفاسق . وينظر : "نهاية المحتاج" (6/238) ، "الإنصاف" (8/73) ، "حاشة ابن عابدين" (3/55) ، "حاشية الدسوقي" (2/230) ، "منح الجليل" (3/289) .
وعلى القول بعدم ولايته ، فإن الولاية تنتقل لمن بعده من العصبات . وأحق الناس بتزويج المرأة بعد أبيها: الجد ، ثم ابنها ، ثم الأخ الشقيق ، ثم الأخ لأب ، ثم أبناؤهم ، ثم الأعمام ، ثم أبناؤهم ، ثم عمومة الأب ، ثم السلطان (القاضي) .
انظر "المغني" (7/346).
رابعا :
من منع موليته من التزوج بالكفء المرضي في دينه وخلقه ، كان عاضلا لها ، تنتقل الولاية منه إلى من بعده .(5/1556)
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه . قال معقل بن يسار : زوجت أختا لي من رجل ، فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك ، وأفرشتك ، وأكرمتك ، فطلقتها ثم جئت تخطبها ! لا والله لا تعود إليك أبدا. وكان رجلا لا بأس به ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( فلا تَعْضُلُوهُنَّ ) فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . قال : فزوجها إياه . رواه البخاري .
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها " انتهى من "المغني" (9/383).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " متى بلغت المرأة سن البلوغ وتقدم لها من ترضاه دينا وخلقا وكفاءة ، ولم يقدح فيه الولي بما يُبعده عن أمثالها ويُثْبت ما يدعيه ، كان على ولي المرأة إجابة طلبه من تزويجه إياها ، فإن امتنع عن ذلك نُبّه إلى وجوب مراعاة جانب موليته ، فإن أصر على الامتناع بعد ذلك سقطت ولايته وانتقلت إلى من يليه في القربى من العصبة " انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم "رحمه الله (10/97).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه ، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة ، الأَوْلى فالأولى ، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا وتسقط عدالته وولايته ، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين وهذا أمر خطير .
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أَكْفاء . ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج ، وهذا أمر واقع ، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد ، أيهما أشد مفسدة : أن تبقى بلا زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوّجها ، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها .
لا شك أن البديل الثاني أولى ، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك ؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها ، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت ، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء ، أي أن في ذلك ثلاث مصالح :
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج .(5/1557)
مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه .
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء ، على مزاجهم وعلى ما يريدون .
وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .
كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق " انتهى ، نقلا عن "فتاوى إسلامية" (3/148).
وقال الشيخ ابن عثيمين أيضاً : " وليت أنَّا نصل إلى درجةٍ تجرؤ فيها المرأة على أنه إذا منعها أبوها من الكفء خُلقاً وديناً تذهب إلى القاضي ويقول لأبيها : زَوِّجْها أو أُزوجها أنا أو يُزوجها وليٌ غيرك ؛ لأن هذا حقٌ للبنت إذا منعها أبوها ( أن تشكوه للقاضي ) وهذا حقٌ شرعي . فليتنا نصل إلى هذه الدرجة ، لكن أكثر الفتيات يمنعهن الحياء من ذلك " انتهى نقلا عن "اللقاء الشهري" وينظر جواب السؤال رقم (10196) .
فإذا امتنع أبوك من تزويجك من الكفؤ الذي ترضينه ، فإنه يكون بذلك عاضلا ، وتنتقل الولاية إلى من بعده من العصبات حسب الترتيب الذي ذكرنا ، فإن امتنعوا من تزويجك أو لم يوجدوا ، انتقلت الولاية إلى القاضي الشرعي ، وينوب عنه المركز الإسلامي في البلاد التي لا يوجد فيها قضاء شرعي .
ولا يجوز بحالٍ أن تتزوجي من دون ولي ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
نسال الله لك الثبات والتوفيق ، ولوالدك الهداية والمغفرة .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
الراجح في حكم تغطية الوجه
السؤال:
بخصوص النقاب ما الأحاديث والآيات الخاصة به ؟.
الجواب:
الحمد لله
الصحيح أن على المرأة أن تستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين ، بل إن الإمام أحمد يرى أن ظفر المرأة عورة وهو قول مالك – رحمهما الله تعالى - ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - :
... . وهو ظاهر مذهب أحمد فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها وهو قول مالك .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 110 ) .(5/1558)
خلافا لمن قال بعدم وجوب ذلك ، ولو تتبعنا أقوال القائلين بعدم وجوب تغطية الوجه للمرأة فهي كما قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله تعالى - :
... .. لا يخلو من ثلاث حالات :
1- دليل صحيح صريح ، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب ... .
2- دليل صحيح لكنه غير صريح ، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين ... .
3- دليل صريح ولكنه غير صحيح ، ... .
" حراسة الفضيلة " ( ص 68 – 69 ) .
أما الأدلة على وجوب ستر الوجه والكفين :
1- قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } الأحزاب / 59 .
قال ابن تيمية – رحمه الله تعالى - :
وأمر سبحانه النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يُعرفن ولا يؤذين وهذا دليل على القول الأول وقد ذكر عبيدة السلمانى وغيره أن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق ، وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتفاب والقفازين ، وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 371 – 372 ) .
2- وقال الله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } النور / 31 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
... .. قوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ، قال عبد الله بن مسعود : الزينة الظاهرة : الثياب ، وذلك لأن الزينة في الأصل : اسم للباس والحلية بدليل قوله تعالى : { خذوا زينتكم } الأعراف / 31 ، وقوله سبحانه : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } الأعراف / 32 ، وقوله تبارك وتعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } النور / 31 ، وإنما يعلم بضرب الرجل الخلخال ونحوه من الحلية واللباس وقد نهاهن الله عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها وأباح لهن إبداء الزينة الخفية لذوي المحارم ومعلوم أن الزينة التي تظهر في عموم الأحوال بغير اختيار المرأة هي الثياب ، فأما البدن فيمكنها أن تظهره ويمكنها أن تستره ونسبة الظهور إلى الزينة دليل على أنها تظهر بغير فعل المرأة ، وهذا كله دليل على أن الذي ظهر من الزينة الثياب .
قال أحمد : الزينة الظاهرة : الثياب ، وقال : كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها وقد روي في حديث : " المرأة عورة " ، وهذا يعم جميعها ؛ ولأن الكفين لا يكره سترهما في الصلاة فكانا من العورة كالقدمين ، ولقد كان القياس يقتضي أن يكون الوجه عورة لولا أن الحاجة داعية إلى كشفه في الصلاة بخلاف الكفين .(5/1559)
" شرح العمدة " ( 4 / 267 – 268 ) .
3- عن عائشة قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه " .
رواه أبو داود ( 1833 ) وأحمد ( 24067 ) .
وقال الشيخ الألباني في " جلباب المرأة المسلمة " /107 : وسنده حسن في الشواهد .
ومما هو معلوم أن المرأة لا تضع شيئاً على وجهها حال إحرامها ، ولكن عائشة ومن معها من الصحابيات كن يسدلن على وجوههن لأن وجوب تغطية الوجه في حال مرور الأجانب أوجب من تركها حال الإحرام .
4- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها " .
رواه البخاري ( 4480 ) .
قال ابن حجر :
قوله : " فاختمرن " أي : غطين وجوههن .
" فتح الباري " ( 8 / 490 ) .
5- وعن عائشة : " ... ... وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي " .
رواه البخاري ( 3910 ) ومسلم ( 2770 ) .
6- وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " .
رواه الترمذي ( 1173 ) .
وقال الألباني في " صحيح الترمذي " ( 936 ) : صحيح .
ويمكن مراجعة السؤال رقم 21134 ففيه زيادة بيان حول " النقاب " .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز لها وضع الكحل عند خروجها من المنزل ؟
السؤال:
لماذا لا يجوز أن أضع الكحل داخل العين عندما أخرج من المنزل ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب على كل مؤمنة أن تستر زينتها عن الرجال الأجانب ؛ لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا(5/1560)
يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
والزينة تشمل الكحل والمكياج والحلي ونحو ذلك . وبَعْل المرأة هو زوجها .
وأما قوله تعالى في أول الآية : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) فالمراد بما ظهر هنا : الثياب والعباءة والخمار ، أو ما ظهر منها بغير قصد ، بسبب الريح مثلا .
قال ابن كثير رحمه الله : " أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب ، إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، قال ابن مسعود : كالرداء والثياب ، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها ، وما يبدو من أسافل الثياب ، فلا حرج عليها فيه ؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/274) .
ومن أهل العلم من فسر الزينة الظاهرة بالوجه والكفين ، لكنه قول مرجوح ، فقد دل على وجوب ستر المرأة لوجهها أدلة كثيرة ، تجدينها في جواب السؤال (11774) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " أظهر القولين المذكورين عندي قول ابن مسعود رضي الله عنه : أن الزينة الظاهرة هي ما لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية ، وإنما قلنا إن هذا القول هو الأظهر؛ لأنه هو أحوط الأقوال ، وأبعدها عن أسباب الفتنة ، وأطهرها لقلوب الرجال والنساء ، ولا يخفى أن وجه المرأة هو أصل جمالها ، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها ؛ كما هو معلوم والجاري على قواعد الشرع الكريم ، هو تمام المحافظة والابتعاد من الوقوع فيما لا ينبغي " انتهى من "أضواء البيان" (6/200) .
والأصل أن تستر المرأة وجهها كله ، لكن أبيح لها أن تكشف عينيها لتتمكن من الرؤية بهما ، بشرط ألا يكون في إبداء العينين فتنة ، لوجود الكحل ، أو اتساع فتحتي نقابها .
ودليل الرخصة في لبس النقاب وكشف العينين : ما رواه البخاري (1838) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ ، وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ ) فدل على هذا على جواز لبس النقاب لغير المحرمة بالحج أو العمرة .
قال أبو عبيد في صفة النقاب عند العرب : هو الذي يبدو منه محجر العين ، وكان اسمه عندهم الوصوصة والبرقع . "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/171) .
والحكمة في تحريم إظهار هذه الزينة : هي صيانة المرأة والمحافظة على عفتها وكرامتها ، وسد باب الفتنة بها ، وقطع الطمع في إغوائها أو الغواية بها ، فإن أصحاب القلوب المريضة يطمعون فيمن تظهر زينتها ، ويَنْكَفُّوُنَ – أي يبتعدون - عن صاحبة الحياء والستر.
وقد جاءت الشريعة بسد الأبواب المفضية إلى افتتان الرجال بالنساء أو العكس ، فأمرت بغض البصر ، وحرمت التبرج والاختلاط والخلوة بالنساء ، وحظرت على المرأة أن تخرج متعطرة ، أو تسافر بلا محرم ، وهذا من كمال الشريعة وتمامها ، فإن الرجل مفطور على التعلق بالمرأة والتأثر بها ، ولو لم تسد هذه الأبواب لوقعت(5/1561)
الفتنة ، وعم الفساد ، كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة من ضوابط الشرع وأحكامه .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/128) ما نصه : " كثير من النساء في مصر يضعن الكحل في أعينهن ، إذا قلت لهن : إنها إذا وضعت للزينة حرام ، يقلن لي : إنها سنة . هل هذا صحيح ؟
ج : استعمال الكحل مشروع ، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها ، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها ، لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ...) " انتهى .
والحاصل أن المرأة لا يجوز لها أن تبدو بالكحل أمام الرجال الأجانب ، لأنه من الزينة المأمور بسترها ، فإن كان خروجها من منزل إلى منزل ، بحيث لا يراها أجنبي ، فلا حرج عليها في وضع الكحل حينئذ .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
هل يختلف حكم قيادة السيارة من بلد إلى آخر ؟
السؤال:
مساحة الدول الإسلامية شاسعة ، ونجد أن هناك فرقاً بين دولة وأخرى ، في اللباس والعادات والتقاليد ، فمثلا نجد أنه في بعض الدول تلتزم فيها أخواتنا بالنقاب ، حيث إنهم يتبعون الفتوى القائلة إن النقاب واجب ، ولكن ذلك ليس منتشراً في دول أخرى ، والرأي الذي يأخذونه هناك أن النقاب ليس واجباً بل مستحب ، كذلك قيادة المرأة للسيارة ففي بعض الدول حرَّمها المشايخ لما لها من أضرار لو سمح بها ، بينما في دول أخرى- قيادة المرأة للسيارة أمر عادي جدّاً ، وله عشرات السنين .
فإلى أي مدى تكون هناك مرونة في الأحكام ؟ وهل ما يحدث صحيح أقصد أن الشيء يصبح واجباً في مناطق ومستحبّاً في مناطق أخرى ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأحكام الشرعية نوعان :
الأول : ما دلت الأدلة الصحيحة على حكمه ، بقطع النظر عن العادات المختلفة أو ما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد .
فهذا حكمه ثابت ولا يختلف من مكان إلى آخر ولا من شخص لآخر إلا إذا كان الإنسان مضطراً أو مريضاً أو معذوراً فإنه يسهل له الحكم حسب حاله على ما جاء به الشرع .
ومن هذا النوع : وجوب الصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب العلم ، ..إلخ .
ومنه أيضاً : سترة المرأة المسلمة جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان ، فإن هذا الحكم واجب ولا يختلف من مكان إلى آخر .
وقد سبق في إجابة السؤال : ( 21134 ) و ( 13647 ) بيان الأدلة على هذا .(5/1562)
النوع الثاني : أحكام بنيت على أسباب معيّنة أو كان حكمها التحريم أو الإباحة أو الوجوب ـ مثلاً ـ بناء على ما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد ، ولم ترد الأدلة الشرعية بحكم ثابت لها لا يختلف ، وقد يكون من هذا النوع قيادة المرأة للسيارة .
وقد أفتى العلماء بتحريمه لما يترتب عليه من مفاسد .
وهذا إنما ينطبق تمام الانطباق على بلاد الحرمين ، وأما ما عداها من البلاد فإنه يرجع إلى علمائها الثقات الأثبات فإنهم أعلم بأحوال بلادهم .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
فقد كثر حديث الناس في صحيفة " الجزيرة " عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها ، منها الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها السفور ، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر مَنَع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجَنُّب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) الأحزاب/33 الآية ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) الأحزاب/59 ، وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " ، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات ؛ صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة .
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب - ومحبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 ، وقال سبحانه : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) البقرة/168 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " .(5/1563)
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم وفيه دخن ، قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت : يا رسول الله صفهم لنا ؟ فقال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ، قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " متفق عليه.
وإنني أدعو كل مسلم أن يتقي الله في قوله وفي عمله وأن يحذر الفتن والداعين إليها وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وقانا الله شر الفتن وأهلها وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كُتَّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 351 – 353 ) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين : أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة ، وما رأيكم بالقول:
( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ )
الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين :
القاعدة الأولى : أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم . والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام/108 ، فنهى الله عن سب آلهة المشركين – مع أنه مصلحة – لأنه يفضي إلى سب الله تعالى .
القاعدة الثانية : أن درء المفاسد – إذا كانت مكافئة للمصالح أو أعظم – مقدم على جلب المصالح . والدليل قوله تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/219 ، وقد حرم الله الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما .
وبناء على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة . فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة، فمن مفاسدها :
1- نزع الحجاب : لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ، ولا تعتبر المرأة جميلة أو قبيحة على الإطلاق إلا بوجهها ، أي أنه إذا قيل جميلة أو قبيحة ، لم ينصرف الذهن إلا إلى الوجه ، وإذا قصد غيره فلا بد من التقييد ، فيقال جميلة اليدين ، أو جميلة الشعر ، أو جميلة القدمين . وبهذا عرف أن الوجه مدار القاصدين .(5/1564)
وقد يقول قائل : إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون نزع الحجاب ، بأن تتلثم المرأة وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين .
والجواب على ذلك أن يقال : هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة ، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى ، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فإن الأمر لن يدوم طويلا ، بل سيتحول – في المدى القريب – إلى ما عليه النساء في البلاد الأخرى ، كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة .
2- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : نزع الحياء منها ، والحياء من الإيمان – كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم – والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ، ولهذا كانت مضرب المثل فيه فيقال ( أحيا من العذراء في خدرها ) ، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .
3- ومن المفاسد : أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت والبيت خير لها – كما أخبر بذلك النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم – لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .
4- ومن مفاسدها أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده ، لأنها وحدها في سيارتها ، متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل . وإذا كان الناس يعانون من هذا في بعض الشباب ، فما بالك بالشابات ؟؟! وحيث شاءت يمينا وشمالا في عرض البلد وطوله ، وربما خارجه أيضاً .
5- ومن المفاسد : أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها ، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه ، كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملا من المرأة .
6- ومن مفاسدها : أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة : في الوقوف عند إشارات الطريق – في الوقوف عند محطات البنزين – في الوقوف عند نقطة التفتيش – في الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث – في الوقوف لملء إطار السيارة بالهواء– في الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق ، فتحتاج المرأة إلى إسعافها ، فماذا تكون حالتها حينئذ ؟ ربما تصادف رجلا سافلا يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها ، لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .
7- من مفاسد قيادة المرأة للسيارة : كثرة ازدحام الشوارع ، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات وهم أحق بذلك وأجدر .
8- من مفاسدها أنها سبب للإرهاق في النفقة ، فإن المرأة – بطبيعتها – تحب أن تكمل نفسها مما يتعلق بها من لباس وغيره ، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء ، كلما ظهر زِيٌّ رمت بما عندها وبادرت إلى الجديد ، وإن كان أسوأ مما عندها . ألا ترى ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة . وعلى قياس ذلك – بل لعله أولى منه – السيارة التي تقودها ، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد .(5/1565)
أما قول السائل : وما رأيكم بالقول : ( إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضررا من ركوبها مع السائق الأجنبي ؟ ).
فالذي أراه أن كل واحد منهما فيه ضرر ، وأحدهما أضر من الثاني من وجه ، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب أحدهما .
واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة ، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها .
وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدو متربص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه ، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا ، ويستظلون برايتنا . قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي فأعجبوا بما هم عليه من أخلاق، تحرروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة .
ا.هـ كلام الشيخ ابن عثيمين
( وأما في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارة فعلى المرأة المسلمة تجنّب ذلك ما أمكنها للأسباب السابق ذكرها .
وأما في حالات الضرورة كإسعاف مصاب أو فرار من مجرم فإنه لا حرج على المرأة المسلمة أن تستخدم السيارة في مثل هذه الحالات إذا لم تجد رجلاً تستنجد به .
وتبقى حالات أخرى مثل النساء اللاتي لا بد لهن من الخروج إلى العمل فليس لها زوج أو أب أو وليّ يكفيها ولا من المرتبات الحكومية ما يقوم بحاجتها ، ولم تجد عملاً يكفيها تقوم به في منزلها كبعض وظائف الإنترنت ، واضطرت إلى الخروج فإنها تستخدم أقل وسائل المواصلات خطراً عليها .
وقد تكون هناك مواصلات عامة خاصة بالنساء أو سائق يُستأجر لعدة نساء يوصلهن إلى العمل أو الجامعة ، وقد تكون سيارات الأجرة الخاصة ـ لمن قدرت عليها ماليا ـ أرحم لها من الحافلات العامة التي قد تتعرض فيها للإهانة والاعتداء فتستعمل سيارات الأجرة دون خلوة مع السائق .
وإذا اضطرت في النهاية إلى قيادة السيارة في حالات الحاجة الشديدة الماسة التي لا غنى عنها فإنها تسوقها بجلبابها الشرعي الكامل مع تقوى الله .
وقد تقدم ذكر حال الاضطرار
وتستعين بفتوى علماء بلدها الثقات ـ من غير المتساهلين ـ الذين يفقهون الشريعة ويعرفون وضع البلد .
وقد قال الله تعالى : ( فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/6
نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز أن يطيع أبويه في خلع نقاب زوجته
السؤال:(5/1566)
إذا كان والدا الشخص لا يرغبان في أن ترتدي زوجته النقاب هل يجوز له أن يجعل زوجته ترتدي النقاب ويخالف رأي والديه؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب على الزوج إلزام زوجته بارْتِدَاءِ الحجاب الشرعي وأن تُغَطِّي وجهها ، فقد دلت الأدلة من الكتاب ومن السنة على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها ، فمن هذه الأدلة قول الله عز وجل : ( يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِينَ عليهن من جَلابِيبِهِنَّ ) الأحزاب/59 والجلباب هو ما تجعله المرأة على رأسها مُرْخِيَةً له إياه على وجهها ، ولقول الله عز وجل : ( ولا يُبْدِينَ زينتهن إلا لبعولتهن ) النور/31 ومركز الجمال والزينة هو الوجه فهو عورة ، فعليه أن يتقي الله ولا يطيع والديه في هذا الأمر , و يجعل زوجته ترتدي الحجاب الشرعي ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " َ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ " رواه البخاري ( الجهاد والسير/2735) ، فكيف يسخط ربه برِضَى والديه فليَتَّقِ الله وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حَمَّلَهُ المسؤلية عن أهله فقال : " الرجل راعٍ في أهله ومسْؤُولٌ عن رعِيَّته " رواه البخاري الجمعة/ 844 ، فلتحمد الله أن يسر لك زوجةً ترضى بارتداء الحجاب الشرعي , والله يوفقنا وإياك لكل خير .
وللمزيد انظر فتاوى المرأة المسلمة 1/443-444.
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
أدلة تحريم الاختلاط
السؤال:
أريد أنا وزوجي أن نحضر دروساً في اللغة العربية والفصول مختلطة مع علمنا بأن الاختلاط لا يجوز . فما هو الاختلاط ؟ وما الحكم مع الدليل ؟
تفاصيل إضافية: الفصل به 10 طلاب معظمهم نساء فهل أحضره أنا وزوجي ومنهم غير مسليمن.
الجواب:
الحمد لله
اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد ، وامتزاج بعضهم في بعض ، ودخول بعضهم في بعض ، ومزاحمة بعضهم لبعض ، وكشف النّساء على الرّجال ، كلّ ذلك من الأمور المحرّمة في الشريعة لأنّ ذلك من أسباب الفتنة وثوران الشهوات ومن الدّواعي للوقوع في الفواحش والآثام .
والأدلة على تحريم الاختلاط في الكتاب والسنّة كثيرة ومنها :
قوله سبحانه :{ وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الأحزاب 53.(5/1567)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية : أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب .
وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرّجال بالنساء حتى في أحبّ بقاع الأرض إلى الله وهي المساجد وذلك بفصل صفوف النّساء عن الرّجال ، والمكث بعد السلام حتى ينصرف النساء ، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء . والأدلّة على ذلك ما يلي :
عن أم سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ" رواه البخاري رقم (793).
ورواه أبو داود رقم 876 في كتاب الصلاة وعنون عليه باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ قَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ" رواه أبو داود رقم (484) في كتاب الصلاة باب التشديد في ذلك .
وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا " . رواه مسلم رقم 664
وهذا من أعظم الأدلة على منع الشريعة للاختلاط وأنه كلّما كان الرّجل أبعد عن صفوف النساء كان أفضل وكلما كانت المرأة أبعد عن صفوف الرّجال كان أفضل لها .
وإذا كانت هذه الإجراءات قد اتّخذت في المسجد وهو مكان العبادة الطّاهر الذي يكون فيه النّساء والرّجال أبعد ما يكون عن ثوران الشهوات فاتّخاذها في غيره ولا شكّ من باب أولى .
وقد روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ( تَسِرْن وسط الطريق ) عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه باب : مشي النساء مع الرجال في الطّريق .
ونحن نعلم أنّ الاختلاط ومزاحمة النساء للرّجال ممّا عمّت به البلوى في هذا الزّمان في أكثر الأماكن كالأسواق والمستشفيات والجامعات وغيرها ولكننا :
أولا : لا نختاره ولا نرضى به وبالذّات في المحاضرات الدّينية والمجالس الإدارية في المراكز الإسلامية .
ثانيا : نتخذ الوسائل لتلافي الاختلاط مع تحقيق ما أمكن من المصالح ، مثل عزل مكان الرجال عن النساء ، وتخصيص أبواب للفريقين ، واستعمال وسائل الاتّصالات(5/1568)
الحديثة لإيصال الصوت ، وتسريع الوصول إلى الكفاية في تعليم النساء للنساء وهكذا .
ثانيا : نتقي الله ما استطعنا باستعمال غضّ البصر ومجاهدة النّفس .
ونورد فيما يلي جزءا من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط
قال :
عندما وجهنا السؤال التالي : ما حكم الاختلاط في الشرع حسب علمكم؟
كانت النتيجة كالتالي :
76% من الذين شملهم التحقيق أجابوا بأنه " لا يجوز " .
12% أقرّوا أنه " يجوز " ولكن بضوابط الأخلاق والدين و ...
12% أجابوا " بلا أعلم " .
ماذا تختارون ؟!
لو خيّرتم بين العمل في مجال مختلط وآخر غير مختلط ، فماذا تختارون؟
كانت النتيجة على هذا السؤال بالنسب المئوية التالية :
67% اختاروا المجال غير المختلط .
9% فضلوا المجال المختلط .
15% لا يمانعون بأي مجال يتناسب مع تخصصاتهم سواء أكان مختلط أو غير مختلط .
محرج جداً :
هل مرّ عليكم موقف محرج بسبب الاختلاط؟
من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق المواقف التالية :
كنت في أحد أيام العمل ، دخلت إلى القسم وكانت إحدى زميلاتي المتحجبات قد خلعت حجابها بين زميلاتها فتفاجأت بدخولي وقد انحرجتُ على إثر ذلك كثيراً .
كان من المفروض أن أقوم بتجربة في المختبر في الجامعة وقد تغيبتُ يومها وكان عليّ أن أذهب للمختبر في اليوم التالي ، لأجد نفسي الذكر الوحيد بين مجموعة من الطالبات إضافة إلى مدرّسة ومشرفة المختبر . لقد انحرجت كثيراً وتقيّدت حركتي وأنا أحس بتلك العيون الأنثوية المستنكِرة والمحرجة تلاحقني وتتبعني .
كنت أحاول إخراج فوطة نسائية من أحد الأدراج؟ وتفاجأت بزميل يقف خلفي لأخذ حاجيات من درجه الخاص ، لاحظ زميلي ارتباكي ، فانصرف بسرعة من الغرفة متجنباً إحراجي .
حدث لي أن اصطدمت بي إحدى فتيات الجامعة عند المنعطف لأحد الممرات المزدحمة ، كانت هذه الزميلة تسير بسرعة ذاهبة لإحدى المحاضرات ، وعلى أثر هذا الاصطدام اختل توازنها وتلقفتها بذراعيّ وكأني أحضنها ، ولكم أن تتخيلوا ما مقدار الإحراج لي ولهذه الفتاة أمام شلّة من الشباب المستهتر.
سقطت زميلة لي على سلّم المدرج في الجامعة ، وتكشفت ملابسها بطريقة محرجة جداً ، وضعها المقلوب لم يسعفها بمساعدة نفسها ، فما كان من أحد الشباب القريبين منها إلا أن سترها وساعدها على النهوض .(5/1569)
أعمل في شركة ، دخلتُ على مسئولي لأعطيه بعض الأوراق ، وأثناء خروجي من الغرفة ، ناداني المسؤول مرّة أخرى ، التفت إليه فوجدته منكسا رأسه انتظرت أن يطلب مني ملفاً ما أو المزيد من الأوراق ، استغربت من تردّده ، التفت إلى يسار مكتبه متظاهراً بالانشغال ، وهو يحدثني في نفس الوقت ، تخيّلت أن يقول أي شيء عدا أن ينبهني هذا المسؤول بأن ملابسي متسخة بدم الحيض ، هل تنشق الأرض وتبلع إنساناً فعلاً في لحظة دعاء صادقة ، لقد دعوت أن تنشق الأرض وتبلعني .
ضحايا الاختلاط ... قصص واقعية
الأمل المفقود؟
أم محمد امرأة ناضجة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها :
عشت مع زوجي حياة مستورة وإن لم يكن هناك ذاك التقارب والانسجام ، لم يكن زوجي تلك الشخصية القوية التي ترضي غروري كامرأة ، إلا أن طيبته جعلتني أتغاضى عن كوني اتحمل الشق الأكبر من مسؤولية القرارات التي تخص عائلتي .
كان زوجي كثيراً ما يردد اسم صاحبه وشريكه في العمل على مسمعي وكثيراً ما اجتمع به في مكتبه الخاص بالعمل الذي هو بالأصل جزء من شقتنا وذلك لسنوات عدة . إلى أن شاءت الظروف وزارنا هذا الشخص هو وعائلته . وبدأت الزيارات العائلية تتكرر وبحكم صداقته الشديدة لزوجي لم نلاحظ كم ازداد عدد الزيارات ولا عدد ساعات الزيارة الواحدة. حتى أنه كثيراً ما كان يأتي منفرداً ليجلس معنا أنا وزوجي الساعات الطوال . ثقة زوجي به كانت بلا حدود ، ومع الأيام عرفت هذا الشخص عن كثب ، فكم هو رائع ومحترم وأخذت أشعر بميل شديد نحو هذا الشخص وفي نفس الوقت شعرت أنه يبادلني الشعور ذاته .
وأخذت الأمور تسير بعدها بطريقة عجيبة ، حيث أني اكتشفت أن ذلك الشخص هو الذي أريد وهو الذي حلمت به يوماً ما ... لماذا يأتي الآن وبعد كل هذه السنين ..؟ . كان في كل مرّة يرتفع هذا الشخص في عيني درجة ، ينزل زوجي من العين الأخرى درجات . وكأني كنت محتاجة أن أرى جمال شخصيته لأكتشف قبح شخصية زوجي .
لم يتعد الأمر بيني وبين ذلك الشخص المحترم عن هذه الهواجس التي شغلتني ليل ، نهار. فلا أنا ولا هو صرّحنا بما ... ... في قلوبنا .. وليومي هذا .. ومع ذلك فإن حياتي انتهت زوجي لم يعد يمثل لي سوى ذلك الإنسان الضعيف - المهزوز السلبي ، كرهته ، ولا أدري كيف طفح كل ذلك البغض له ، وتساءلت كيف تحملته كل هذه السنين ثقلاً على ظهري ، وحدي فقط أجابه معتركات الحياة ، ساءت الأمور لدرجة أني طلبت الطلاق ، نعم طلقني بناء على رغبتي ، أصبح بعدها حطام رجل .
الأمرّ من هذا كله أنه بعد خراب بيتي وتحطم أولادي وزوجي بطلاقي ، ساءت أوضاع ذلك الرجل العائلية لأنه بفطرة الأنثى التقطت زوجته ما يدور في خفايا القلوب ، وحولت حياته إلى جحيم . فلقد استبدت بها الغيرة لدرجة أنها في إحدى الليالي تركت بيتها في الثانية صباحاً بعد منتصف الليل لتتهجم على بيتي ، تصرخ وتبكي وتكيل لي الاتهامات .. لقد كان بيته أيضاً في طريقه للانهيار ..(5/1570)
أعترف أن الجلسات الجميلة التي كنّا نعيشها معاً أتاحت لنا الفرصة لنعرف بعضنا في وقتٍ غير مناسب من هذا العمر .
عائلته تهدمت وكذلك عائلتي ، خسرت كل شيء وأنا أعلم الآن أن ظروفي وظروفه لا تسمح باتخاذ أي خطوة إيجابية للارتباط ببعضنا ، أنا الآن تعيسة أكثر من أيِ وقتٍ مضى وأبحث عن سعادة وهمية وأملٍ مفقود .
واحدة بواحدة
أم أحمد تحدثنا فتقول :
كان لزوجي مجموعة من الأصدقاء المتزوجين ، تعودنا بحكم علاقتنا القوية بهم أن نجتمع معهم أسبوعياً في أحد بيوتنا ، للسهر والمرح .
كنت بيني وبين نفسي غير مرتاحة من ذلك الجو ، حيث يصاحب العشاء ، والحلويات ، والمكسرات ، والعصائر موجات صاخبة من الضحك ، بسبب النكات والطرائف التي تجاوزت حدود الأدب في كثير من الأحيان .
باسم الصداقة رفعت الكلفة لتسمع بين آونة وأخرى قهقهات مكتومة ، سرية بين فلانة وزوج فلانة ، كان المزاح الثقيل الذي يتطرق - ودون أي خجل - لمواضيع حساسة كالجنس وأشياء خاصة بالنساء - كان شيئاً عادياً بل مستساغاً وجذاباً .
بالرغم انخراطي معهم في مثل هذه الأمور إلا إن ضميري كان يؤنبني . إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أفصح عن قبح وحقارة تلك الأجواء .
رن الهاتف ، وإذا بي أسمع صوت أحد أصدقاء الشلّة ، رحبت به واعتذرت لأن زوجي غير موجود ، إلا أنه أجاب بأنه يعلم ذلك وأنه لم يتصل إلا من أجلي أنا (!) ثارت ثائرتي بعد أن عرض عليّ أن يقيم علاقة معي ، أغلظت عليه بالقول وقبحته ، فما كان منه إلا أن ضحك قائلاً : بدل هذه الشهامة معي ، كوني شهمة مع زوجك وراقبي ماذا يفعل .. حطمني هذا الكلام ، لكني تماسكت وقلت في نفسي أن هذا الشخص يريد تدمير بيتي . لكنه نجح في زرع الشكوك تجاه زوجي .
وخلال مدّة قصيرة كانت الطامة الكبرى ، اكتشفت أن زوجي يخونني مع امرأة أخرى . كانت قضية حياة أو موت بالنسبة لي ... كاشفت زوجي وواجهته قائلة : ليس وحدك الذي تستطيع إقامة علاقات ، فأنا عُرض عليّ مشروع مماثل ، وقصصت عليه قصة صاحبه ، فذهل لدرجة الصّدمة . إن كنت تريدني أن أتقبل علاقتك مع تلك المرأة ، فهذه بتلك . صفعته زلزلت كياني وقتها ، هو يعلم أني لم أكن أعني ذلك فعلاً ، لكنه شعر بالمصيبة التي حلّت بحياتنا وبالجو الفاسد الذي نعيش . عانيت كثيراً حتى ترك زوجي تلك الساقطة التي كان متعلقاً بها كما اعترف لي . نعم لقد تركها وعاد إلى بيته وأولاده ولكن من يُرجع لي زوجي في نفسي كما كان؟؟ من يعيد هيبته واحترامه وتقديره في أعماقي ؟؟ وبقى هذا الجرح الكبير في قلبي الذي ينزّ ندماً وحرقة من تلك الأجواء النتنة ، بقى شاهداً على ما يسمونه السهرات البريئة وهي في مضمونها غير بريئة ، بقي يطلب الرحمة من رب العزة .
الذكاء فتنة أيضاً
يقول عبدالفتاح :(5/1571)
أعمل كرئيس قسم في إحدى الشركات الكبيرة ، منذ فترة طويلة أعجبت بإحدى الزميلات . ليس لجمالها ، إنما لجديتها في العمل وذكائها وتفوقها ، إضافة إلى أنها إنسانة محترمة جداً ، محتشمة ، لا تلتفت إلا للعمل . تحوّل الإعجاب إلى تعلق ، وأنا الرجل المتزوج الذي يخاف الله ولا يقطع فرضاً . صارحتها بعاطفتي فلم ألقَ غير الصّد ، فهي متزوجة ولديها أبناء أيضاً ، وهي لا ترى أي مبرر لإقامة أي علاقة معها وتحت أي مسمى، صداقة ، زمالة ، إعجاب ... الخ . يجيئني هاجس خبيث أحياناً ، ففي قرارة نفسي أتمنى أن يطلقها زوجها ، لأحظى بها .
صرت أضغط عليها في العمل وأشوه مستواها أمام مدرائي وكان ذلك ربما نوعاً من الانتقام منها ، كانت تقابل ذلك برحابة صدر دون أي تذمر أو تعليق أو استنكار ، كانت تعمل وتعمل ، عملها فقط يتحدث عن مستواها وهي تعلم ذلك جيداً. كان يزداد تعلقي بها في الوقت الذي يتنامى صدها لي بنفس الدرجة .
أنا الذي لا افتتن بالنساء بسهولة ، لأني أخاف الله فلا أتجاوز حدودي معهن خارج ما يتطلبه العمل ، لكن هذه فتنتني ... ما الحل .. لست أدري .. .
ابن الوّز عوّام؟
(ن.ع.ع) فتاة في التاسعة عشرة تروي لنا :
كنت وقتها طفلة صغيرة ، أراقب بعيني البريئتين تلك السهرات التي كانت تجمع أصدقاء العائلة في البيت . الذي أذكره أني ما كنت أرى سوى رجلاً واحداً ذلك هو أبي. أراقبه بكل حركاته ، تنقلاته ، نظراته التي كانت تلتهم النساء الموجودات التهاماً ، سيقانهن ، صدورهن ، يتغزّل بعيون هذه ، وشعر تلك ، وخصر هاتيك . أمي المسكينة كانت مجبرة على إقامة هذه الدعوات فهي سيدة بسيطة للغاية .
وكانت من بين الحاضرات سيدة تتعمد لفت انتباه أبي ، بقربها منه حيناً ، وحركاتها المائعة حيناً آخر ، كنت أراقب ذلك باهتمام وأمي مشغولة في المطبخ من أجل ضيوفها .
انقطعت هذه التجمعات فجأة ، حاولت بسني الصغيرة فهم ما حدث وتحليل ما جرى لكني لم أفلح .
الذي أتذكره أن أمي في ذلك الوقت انهارت تماماً ولم تعد تطيق سماع ذكر أبي في البيت . كنت أسمع كلاماً غامضاً يهمس به الكبار من حولي مثل : ( خيانة، غرفة نوم ، رأتهم بعينها ، السافلة ، في وضعية مخزية ، ... ) إلى آخر هذه الكلمات المفتاحية التي وحدهم الكبار يفهمونها .
وكبرت وفهمت وحقدت على كل الرجال ، كلهم خائنون ، أمي إنسانة محطمة ، تتهم كل من تأتينا إنها خاطفة رجال وإنها ستوقع بأبي ، أبي هو ، هو ، مازال يمارس هوايته المفضلة وهي مطاردة النساء ولكن خارج المنزل . عمري الآن تسعة عشر عاماً ، إلا أني أعرف الكثير من الشبان ، أشعر بلذة عارمة وأنا أنتقم منهم فهو صورة طبق الأصل من أبي، أغرر بهم وأغريهم دون أن يمسوا شعرة مني ، يلاحقوني في المجمعات والأسواق بسبب حركاتي وإيماءاتي المقصودة ، هاتفي لا يصمت أبداً في بعض الأحيان أشعر بالفخر لما أفعله انتقاماً لجنس حواء وأمي ، وفي(5/1572)
أحايين كثيرة أشعر بالتعاسة والخيبة لدرجة الاختناق . تظلل حياتي غيمةٌ سوداء كبيرة اسمها أبي .
قبل أن يقع الفأس في الرأس
(ص.ن.ع) تحكي تجربتها :
لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تضطرني ظروف عملي إلى الاحتكاك بالجنس الآخر (الرجال) ولكن هذا ما حدث فعلاً .. وقد كنت في بداية الأمر أحتجب عن الرجال باستخدام النقاب ولكن أشارت إليّ بعض الأخوات بأن هذا اللباس يجذب الانتباه إلى وجودي أكثر ، فمن الأفضل أن أترك النقاب وخصوصاً أن عينيَّ مميزتان قليلاً . وبالفعل قمت بنزع الغطاء عن وجهي ظناً من أن ذلك أفضل .. ولكن مع إدمان الاختلاط مع الزملاء وجدت أنني شاذة من بين الجميع من حيث جمودي والتزامي بعدم المشاركة في الحديث وتبادل (الظرافة) ، وقد كان الجميع يحذر هذه المرأة (المتوحشة - في نظرهم طبعاً) ، وهذا ما بينه أحد الأشخاص الذي أكد على أنه لا يرغب في التعامل مع شخصية متعالية ومغرورة ، علماً بأنني عكس هذا الكلام في الحقيقة ، فقررت أن لا أظلم نفسي ولا أضعها في إطار مكروه مع الزملاء فأصبحت أشاركهم (السوالف وتبادل الظُرف) ، واكتشف الجميع بأنني أمتلك قدرة كلامية عالية وقادرة على الإقناع والتأثير ، كما أنني أتكلم بطريقة حازمة ولكن جذّابة في نفس الوقت لبعض الزملاء - ولم يلبث الوقت يسيراً حتى وجدت بعض التأثر على وجه الشخص المسؤول المباشر وبعض الارتباك والاصفرار والتمتع بطريقة حديثي وحركاتي وقد كان يتعمد إثارة الموضوعات لأدخل في مناقشتها لأرى في عينيه نظرات بغيضة صفراء ولا أنكر أنني قد دخل نفسي بعض التفكير بهذا الرجل ، وإن كان يعلو تفكيري الدهشة والاستغراب من سهولة وقوع الرجل في حبائل المرأة الملتزمة ، فما باله إذا كانت المرأة متبرجة وتدعوه للفجور ؟ حقاً لم أكن أفكر فيه بطريقة غير مشروعة ولكنه أولاً وأخيراً قد شغل مساحة من تفكيري ولوقت غير قصير ، ولكن ما لبث اعتزازي بنفسي ورفضي أن أكون شيئاً لمتعة هذا الرجل الغريب من أي نوع كانت حتى وإن كانت لمجرد الاستمتاع المعنوي ، فقد قمت بقطع الطريق على أي عملٍ يضطرني للجلوس معه في خلوة ، وفي نهاية المطاف خرجت بحصيلة من الفوائد وهي :
1- إن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع من الأوضاع ومهما حاول الرجل والمرأة إنكار ذلك - والانجذاب قد يبدأ مشروعاً وينتهي بشيء غير مشروع .
2- حتى وإن حصّن الإنسان نفسه ، فإنه لا يأمن حبائل الشيطان .
3- إذا ضمن الإنسان نفسه وتعامل مع الجنس الآخر بالحدود المرسومة والمعقول فإنه لا يضمن مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر .
4- وأخيراً ، إن الاختلاط لا خير فيه أبداً وهو لا يأتي بالثمرات التي يزعمونها بل أنه يعطل التفكير السليم .
وماذا بعد ؟
ونتساءل ماذا بعد طرح كل هذه الأمور المتعلقة بقضية الاختلاط؟(5/1573)
آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهنا به فإن مساوئه تلاحقنا ، وأضراره تفتك بعائلاتنا ، وأن الفطرة السليمة لتأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات الاجتماعية ، تلك الفطرة التي دفعت معظم من شملهم هذا التحقيق (76%) أن يفضلوا العمل في مجال غير مختلط . ونفس النسبة أيضاً (76%) قالوا أن الاختلاط لا يجوز شرعاً . أما الملفت للنظر هو ليس هذه النسب المشرفة التي تدل على نظافة مجتمعنا الإسلامي في نفوس أصحابه بل الذي استوقفنا هو تلك النسبة القليلة التي أقرت بجواز الاختلاط وهم (12%) . هذه المجموعة من الأشخاص قالوا ودون استثناء أن الاختلاط يجوز ولكن بضوابط الدين ، والعرف ، والعادات ، والأخلاق والضمير ، والحشمة ، والستر .. إلى آخر هذه السلسلة من القيم الجميلة والتي برأيهم تحفظ للاختلاط حدوده .
ونسألهم ، هل الاختلاط الذي نراه اليوم في جامعاتنا وأسواقنا ومواقع العمل ، وتجمعاتنا الأسرية ، والاجتماعية ، تنطبق عليه هذه المزايا السالفة الذكر؟ أم أن هذه الأماكن تعج التجاوزات في الملبس والحديث والتصرفات ، فنرى التبرج والسفور والفتن والعلاقات المشبوهة ، لا أخلاق ولا ضمير ، لا ستر وكأن لسان الحال يقول : إن الاختلاط بصورته الحالية لا يرضى عنه حتى من يؤيدون الاختلاط في أجواء نظيفة .
آن لنا أن نعترف بأن الاختلاط هو ذاك الشيء الدافئ ، اللزج الرطب ، الذي يمثل أرضا خصبة للفطريات الاجتماعية السامة أن تنمو في زواياه وجدرانه وسقفه ، تنمو وتتكاثر وتتشابك دون أن يشعر أحد أن الاختلاط هو السبب ، ليكون الاختلاط بحق هو رأس الفتنة الصامت ، وفي ظله تزل القلوب والشهوات وتُفجَّر الخيانات وتُحطّم البيوت والأفئدة .
نسأل الله السّلامة والعافية وصلاح الحال وصلى الله على نبينا محمد .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
محظورات الإحرام
السؤال:
ما هي الأمور التي يجب على المحرم أن يمتنع عنها ?.
الجواب:
الحمد لله
محظورات الإحرام : هي الممنوعات التي يمنع منها الإنسان بسبب الإحرام ، ومنها :
1- حلق شعر الرأس ، لقوله تعالى : ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلَّه ) البقرة/196 ، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق سائر شعر الجسم ، وألحقوا به أيضاً تقليم الأظافر ، وقصها .
2- استعمال الطيب بعد عقد الإحرام ، سواء في ثوبه أو بدنه ، أوفي أكله أو في تغسيله أو في أي شيء يكون . فاستعمال الطيب محرم في الإحرام ، لقوله صلى الله(5/1574)
عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ، ولا تحنطوه ) والحنوط أخلاط من الطيب تجعل على الميت .
3- الجماع . لقوله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) البقرة/197
4- المباشرة لشهوة . لدخولها في عموم قوله ( فلا رفث ) ولأنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا أن يخطب ، فلأن لا يجوز أن يباشر من باب أولى .
5- قتل الصيد . لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) المائدة/95 ، وأما قطع الشجر فليس بحرام على المحرم ، إلا ما كان داخل الأميال (وهي حدود الحرم) ، سواء كان محرماً أو غير محرم ، ولهذا يجوز في عرفة أن يقلع الأشجار ولو كان محرماً ، لأن قطع الشجر متعلق بالحرم لا بالإحرام .
6- من المحظورات الخاصة بالرجال لبس القميص والبرانس والسراويل والعمائم والخفاف ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما يلبس المحرم ؟ فقال : ( لا يلبس القميص ولا البرانس ولا السراويل ولا العمائم ولا الخفاف ) إلا أنه صلى الله عليه وسلم استثنى من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل ، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين .
وهذه الأشياء الخمسة صار العلماء يعبرون عنها بلبس المخيط ، وقد توهم بعض العامة أن لبس المخيط هو لبس ما فيه خياطة ، وليس الأمر كذلك ، وإنما قصد أهل العلم بذلك أن يلبس الإنسان ما فصل على البدن ، أو على جزء منه كالقميص والسراويل ، هذا هو مرادهم ، ولهذا لو لبس الإنسان رداءً مرقّعاً ، أو إزاراً مرقّعاً فلا حرج عليه ، ولو لبس قميصاً منسوجاً بدون خياطة كان حراماً .
7- ومن محظورات الإحرام وهو خاص بالمرأة النقاب ، وهو أن تغطي وجهها ، وتفتح لعينيها ما تنظر به ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه ، ومثله البرقع ، فالمرأة إذا أحرمت لا تلبس النقاب ولا البرقع ، والمشروع أن تكشف وجهها إلا إذا مرّ الرجال غير المحارم بها ، فالواجب عليها أن تستر وجهها ولا يضرها إذا مس وجهها هذا الغطاء .
وبالنسبة لمن فعل هذه المحظورات ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً ، فلا شيء عليه ، لقول الله تعالى : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم ) الأحزاب/5 وقال تعالى في قتل الصيد وهو من محظورات الإحرام : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم ) المائدة /95 فهذه النصوص تدل على أن من فعل المحظورات ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه .
وكذلك إذا كان مكرهاً لقوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) النحل / 106 فإذا كان هذا من الإكراه على الكفر ، فما دونه أولى .
ولكن إذا ذكر من كان ناسياً وجب عليه التخلي عن المحظور ، وإذا علم من كان جاهلاً وجب عليه التخلي عن المحظور ، وإذا زال الإكراه عمن كان مكرهاً وجب عليه التخلي عن المحظور ، مثال ذلك لو غطى المحرم رأسه ناسياً ثم ذكر فإنه يزيل(5/1575)
الغطاء ، ولو غسل يده بالطيب ثم ذكر وجب عليه غسلها حتى يزول أثر الطيب وهكذا .
من كتاب فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين ج/2 ص/391-394 . (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
شروط نقاب المرأة
السؤال:
السؤال :
ما هو النقاب وما حكمه ؟ وهل كان موجوداً في الصدر الأول في الإسلام ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
تقدم الكلام على وجوب ستر المرأة وجهها في السؤال رقم (2198) فنرجو الرجوع إليه أما بالنسبة للنقاب فهو الغطاء المنقوب أي المثقوب من جهة العينين وهو لباس معروف للمرأة المسلمة في الصّدر الأول من الإسلام جاء ذكره في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن محظورات الإحرام للمرأة وذلك بقوله : " لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ " رواه البخاري 1707 وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ المرأة تُخرج عينها اليسرى لترى الطريق ، فإن احتاجت إلى إخراج العينين جعلت الفتحة على قدر العين ، ويجب الحذر من أن يكون النقاب ذا فتحتين واسعتين حتى لا يُظهر جمال عيني المرأة ويتحوّل إلى وسيلة للإغراء بدلا من كونه حجابا ساترا لزينة المرأة .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية
السؤال:
أريد أن أعرف الآيات القرآنية التي تتناول تغطية المرأة لوجهها، فأنا أريد أن أقدمها لبعض الأخوات الآتي يرغبن في معرفة ما إذا كان تغطية الوجه واجبة أم أنها أفضل وليست واجبة ؟.
الجواب:
الحمد لله
"اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد .
أولاً : أدلة القران .
الدليل الأول /(5/1576)
قال الله تعالى : " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور / 31
وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي :
أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن ، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه ، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي إلى الوصول والاتصال ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر ... ـ ثم قال ـ والفرج يصدق ذلك أويكذبه " رواه البخاري (6612) ومسلم (2657)
فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد .
ب - قوله تعالى : " وليضربن بخمرهن على جيوبهن " والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به ، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس ، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة .
ج ـ أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال " إلا ماظهر منها " لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف : كابن مسعود، والحسن ، وابن سيرين ، وغيرهم قوله تعالى ( إلاماظهر منها ) بالرداء والثياب ، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء ) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى ، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ( ومنه الوجه ) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
د ـ أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين :
1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين .
2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها ، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجباً لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال .
هـ - قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن ) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْل ،(5/1577)
فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها ؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز ؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها ؟
إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء .
الدليل الثاني /
قوله تعالى : ( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور / 60
وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة . وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك ، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له .
الدليل الثالث /
قوله تعالى ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب / 59
قال ابن عباس رضي الله عنهما : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .
وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء : إنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله رضي الله عنه : ويبدين عيناً واحدة إنما رخص في ذلك لأجل الضرورة والحاجة إلى نظر الطريق فأما إذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة.
الدليل الرابع /
قوله تعالى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) الأحزاب / 55 .
قال ابن كثير رحمه الله : لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : " ولايبدين زينتهن إلا لبعولتهن "(5/1578)
ثانياً : الأدلة من السنة على وجوب تغطية الوجه .
الدليل الأول /
قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد . قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
وجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .
فإن قيل : ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟
فالجواب : أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .
الدليل الثاني :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدنا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أُختها من جلبابها " . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لا تخرج المرأة إلا بجلباب وأنها عند عدمه لا يمكن أن تخرج . وفي الأمر بلبس الجلباب دليل على أنه لابد من التستر والله أعلم .
الدليل الثالث :
ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس . وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها " . وقد روى نحو هذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
والدلالة من هذا الحديث من وجهين :
أحدها : أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمهم على الله عز وجل .
الثاني : أن عائشة أم المؤمنين وعبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علماً وفقهاً وبصيرة أخبرا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو رأى من النساء ما رأياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة فكيف بزماننا !!
الدليل الرابع :
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا(5/1579)
فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه .
الدليل الخامس :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " رواه أبو داوود (1562) .
ففي قولها " فإذا حاذونا "تعني الركبان " سدلت إحدانا جلبابها على وجهها " دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً حتى مع مرور الركبان .
وبيان ذلك : أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلا ما هو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطية الوجه عند الأجانب ما ساغ ترك الواجب من كشفه حال الإحرام وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن المرأة المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
هذه تسعة أدلة من الكتاب والسنة .
الدليل العاشر :
الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
1ـ الفتنة ، فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .
2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال ( أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فقد أخرج الترمذي (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ(5/1580)
الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ . فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " حسنه الألباني في صحيح الجامع ( 929 )
انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله من رسالة الحجاب بتصرف .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
متى يجوز للمرأة كشف وجهها
السؤال:
نحن نعلم أن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب تغطية المرأة ولكن هناك حالات متعددة لا تستطيع المرأة فيها تغطية الوجه فهل يمكن إلقاء الضوء على هذا الموضوع ؟
الجواب:
الحمد لله
القول الراجح الذي تشهد له الأدلة هو : " وجوب ستر الوجه " ، وعليه فإن المرأة الشابة تُمنع من كشفه أمام الرجال الأجانب سداً لذرائع الفساد ، ويتأكد ذلك عند الخوف من الفتنة .
وقد نص أهل العلم على أنّ ما حرم سداً للذريعة يباح من أجل مصلحة راجحة .
وبناءً علي ذلك نص الفقهاء على حالات خاصة يجوز للمرأة عندها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب عندما تدعو الحاجة إلى كشفه أمامهم ، كما يجوز لهولاء أن ينظروا إليه ، شريطة أن لا يتجاوز الأمر في الحالتين مقدار الحاجة ، لأن ما أبيح للضرورة أو حاجة يقدر بقدرها .
ونجمل هذه الحالات فيما يلي :
أولاً : الخِطبة :
يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها أمام مريد خطبتها ، لينظر إليهما في غير خلوة ودون مسّ ، لدلالة الوجه على الدمامة أو الجمال ، والكفين على نحافة البدن أو خصوبته .
وقال أبو الفرج المقدسي : " ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها .. مجمع المحاسن ، وموضع النظر .. "
ويدل على جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته أحاديث كثيرة منها :
1- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " إن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عيله وسلم ، فصعّد النظر إليها وصوّبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : أي رسول الله ، لَإِن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها .. ) الحديث أخرجه البخاري 7/19 ، ومسلم 4/143 ، والنسائي 6/113 بشرح السيوطي ، والبيهقي 7/84 .(5/1581)
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ؟ قال : لا ، قال : فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً " أخرجه أحمد ( 2/286،299 ) ، ومسلم 4/142 ، والنسائي 2/73 .
3- وعن جابر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى مايدعوه إلى نكاحها فليفعل ) أخرجه أبو داود والحاكم ، وسنده حسن ، وله شاهد من حديث محمد بن مسلمة ، وصححه ابن حبان والحاكم ، وأخرجه أحمد وابن ماجه ، ومن حديث أبي حميد أخرجه أحمد والبزار ، كذا في فتح الباري ( 9/181 ) .
قال الزيلعي : ( ولا يجوز له أن يمس وجهها ولا كفيها - وإن أَمِن الشهوة - لوجود الحرمة ، وانعدام الضرورة أ.هـ ، وفي درر البحار : لا يحل المسّ للقاضي والشاهد والخاطب وإن أمنوا الشهوة لعدم الحاجة .. أ.هـ ) رد المحتار على الدر المختار 5/237 .
وقال ابن قدامة : ( ولا يجوز له الخلوة بها لأنها مُحرّمة ، ولم يَرد الشرع بغير النظر فبقيت على التحريم ، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل بإمراة فإن ثالثهما الشيطان ) ولا ينظر إليها نظر تلذذ وشهوة ، ولا ريبة . قال أحمد في رواية صالح : ينظر إلى الوجه ، ولا يكون عن طريق لذة .
وله أن يردّد النظر إليها ، ويتأمل محاسنها ، لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك " أ.هـ
ثانياً : المعاملة :
ويجوز لها كشف وجهها وكفيها عند حاجتها إلى بيع أو شراء ، كما يجوز للبائع أن ينظر إلى وجهها لتسليم المبيع ، والمطالبة بالثمن ، ما لم يؤد إلى فتنة ، وإلا منع من ذلك .
قال ابن قدامة : ( وإن عامل امرأة في بيع أو أجارة فله النظر إلى وجهها ليَعْلَمَها بعينها فيرجع عليها بالدّرَك ( وهو ضمان الثمن عند استحقاق البيع ) ، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز ، وكرهه لمن يخاف الفتنة ، أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس " المغني 7/459 ، والشرح الكبير على متن المقنع 7/348 بهامش المغني ، والهداية مع تكملة فتح القدير 10/24 .
وقال الدسوقي : إن عدم جواز الشهادة على المتنقبة حتى تكشف عن وجهها عام في النكاح وغيره ، كالبيع ، والهبة ، والدين ، والوكالة ، ونحو ذلك ، واختاره شيخنا " حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/194 .
ثالثاً : المعالجة
يجوز للمرأة كشف مكان العلة من وجهها ، أو أي موضع من بدنها لطبيب يعالج علتها ، شريطة حضور محرم أو زوج ، هذا إذا لم توجد امرأة تداويها ، لأن نظر الجنس إلى الجنس أخفّ ، وأن لا يكون الطبيب غير مسلم مع وجود طبيب مسلم يمكنه معالجتها ، ولا يجوز لها كشف ما يزيد عن موضع المرض .(5/1582)
ولا يجوز للطبيب نظر أو لمس ما يزيد على ما تدعو الحاجة إليه ، قصْراً للأمر على الضرورة التي تقدر بقدرها .
قال ابن قدامة : ( يباح للطبيب النظر إلى ما تدعوا إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها ، فإنه موضع حاجة .
وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق فقال : انظروا إلى مؤتزره ( أي موضع شعر العانة الدالّ على البلوغ من عدمه ) ، فلم يجدوه أنبت الشعر ، فلم يقطعه " المغني 7/459 ، وغذاء الألباب 1/97 .
وقال ابن عابدين : ( قال في الجوهرة : إذا كان المرض في سائر بدنها غير الفرج يجوز النظر إليه عند الدواء ، لأنه موضع ضرورة ، وإن كان موضع الفرج فينبغي أن يعلّم امرأة تداويها ، فإن لم توجد وخافوا عليها أن تهلك ، أو يصيبها وجع لا تحتمله يستروا منها كل شيء إلا موضع العلة ، ثم يداويها الرجل ، ويغض بصره ما استطاع إلا عن موضع الجرح ) رد المحتار 5/237 ، وانظر : الهدائية العلائية ص/245 .
ومِثله من يلي ( يتولى ويُباشر ) خدمة مريض ولو أنثى في وضوء واستنجاء . أنظر : غذاء الألباب 1/97 .
قال محمد فؤاد : ويدل على جواز مداواة الرجل للمرأة - بالقيود التي سبق ذكرها - ما رواه الإمام البخاري بسنده عن الربَيِّع بنت معوذ ، قالت : ( كنا نعزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نسقي القوم ونخدمهم ، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة ) أخرجه البخاري 6/80و10/136 فتح الباري ) ، وأخرجه بنحوه عن أنس : مسلم (5/196) ، وأبو داود ( 7/205 مع عون المعبود ) ، والترمذي ( 5/301-302 ) وقال : حسن صحيح .
وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله : ( باب هل يداوي الرجل المرأة ، والمرأة الرجل ) ؟ فتح الباري ( 10/136 )
قال الحافظ ابن حجر : " ويؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس ، وإنما لم يجزم - يعني البخاري - بالحكم ، لاحتمال لأن يكون ذلك قبل الحجاب ، أو كانت المرأة تصنع ذلك بمن يكون زوجاً لها أو محرماً ، وأما حكم المسألة : فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة ، وتقدر بقدرها فيما يتعلق بالنظر ، والجسّ باليد ، وغير ذلك " فتح الباري (10/136) .
رابعاً : الشهادة
يجوز للمرأة كشف وجهها في الشهادة أداءً وتحملاً ، كما يجوز للقاضي النظر إليه لمعرفتها صيانة للحقوق من ضياع .
قال الشيخ الدردير : ( ولا تجوز شهادة على امرأة متنقبة حتى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها لتتعين للأداء ) .الشرح الكبير للشيخ الدردير ( 4/194 )
وقال ابن قدامة : ( وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها ، قال أحمد : لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها ) المغني 7/459 ، والشرح الكبير على متن المقنع (7/348 ) بهامش المغني ، والهداية مع تكملة فتح القدير 10/26 .(5/1583)
خامساً : القضاء
يجوز للمرأة كشف وجهها أمام قاض يحكم لها أو عليها ، وله - عند ذلك - النظر إلى وجهها لمعرفتها ، إحياء للحقوق ، وصيانة لها من الضياع .
و..أحكام الشهادة تنطبق على القضاء سواءً بسواء ، لاتحادهما في علة الحكم . انظر : الدرر المختار (5/237) ، الهدية العلائية ( ص/244) ، والهدية مع تكملة فتح القدير ( 10/26) .
سادساً : الصبي المميّز غير ذي الشهوة
يباح للمرأة - في إحدى الروايتين - أن تُبدي أمام الصبي المميز غير ذي الشهوة ما تبديه أمام محارمها ، لعدم رغبته في النساء ، وله أن يرى ذلك كله منها .
قال الشيخ أبو الفرج المقدسي : ( وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى المرأة إلى ما فوق السرة وتحت الركبة في إحدى الروايتين ، لأن الله تعالى قال : ( ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم من بعض ) النور :58 وقال تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلُم فليستأذنوا كما استئذن الذين من قبلهم ) النور : 59 فدل على التفريق بين البالغ وغيره .
قال أبو عبد الله : حجم أبو طيبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام .
والرواية الأخرى : حكمه حكم ذوي المحارم في النظر إذا كان ذا شهوة ، لقوله تعالى : ( أو الطّفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) النور : 31
قيل لأبي عبد الله : متى تغطي المرأة رأسها من الغلام ؟ قال : إذا بلغ عشر سنين ، فإذا كان ذا شهوة فهو كذي المحرم لقوله تعالى : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ) الآية النور : 59
وعنه : أنه كالأجنبي لأنه في معنى البالغ في الشهوة ، وهو المعنى المقتضي للحجاب وتحريم النظر ، ولقوله تعالى : ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) النور 31 فأما الغلام الطفل غير المميز فلا يجب الاستتار منه في شيء . الشرح الكبير على متن المقنع 7/349، وانظر : المغني 7/458 ، وغذاء الألباب 1/97 .
سابعاً : عديم الشهوة
ويجوز للمرأة أن تُظهر لعديم الشهوة ما تظهره أمام محارمها ، ولكونه لا أرَب له في النساء ، ولا يفطن لأمورهن ، وله أن يرى ذلك كله منها ، قال : ابن قدامة : " ومن ذهبت شهوته من الرجال لكِبَر ، أو عُنّةٍ ، أو مرض لا يُرجى برؤه ، والخصيّ .. ، والمخنث الذي لا شهوة له ، فحكمه حكم ذوي المحرم في النظر ، لقوله تعالى : ( أو التابعين غير أولِي الإربة ) أي غير أولي الحاجة إلى النساء ، وقال ابن عباس : هو الذي لاتستحي منه النساء ، وعنه : هو المخنث الذي لا يكون عنده انتشار ( أي مقدرة على الانتصاب ) .
وعن مجاهد وقتادة : الذي لا أرب له في النساء ، فإن كان المخنث ذا شهوة ويعرف أمر النساء فحكمه حكم غيره ، لأن عائشة قالت : دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت(5/1584)
بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أرى هذا يعلم ما ههنا ، لا يدخلنّ عليكم هذا ) فحجبوه . رواه أبو داود وغيره .
قال ابن عبد البر : ليس المخنث الذي تُعرف فيه الفاحشة خاصة ، وإنما التخنيث بشدة التأنيث في الخلِقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة والعقل ، فإذا كان كذلك لم يكن له في النساء أرب ، وكان لا يفطن لأمور النساء ، وهو من غير أولي الإربة الذين أبيح لهم الدخول على النساء ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع ذلك المخنث من الدخول على نسائه فلما سمعه يصف ابنة غيلان وفَهِم أمر النساء أمر بحجبه ) المغني 7/463 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/347-348 )
تاسعاً : العجوز التي لا يُشتهى مثلها
ويجوز للعجوز التي لا تُشتهى كشف وجهها وما يظهر غالباً منها أمام الأجانب ، والستر في حقها أفضل .
ألا ترى أن الله تعالى قال : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن ) النور:60 ، قال ابن قدامة : ( العجوز التي لا يُشتهي مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالباً ، لقول الله تعالى : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ) الآية ، قال ابن عباس في قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) النور : 30 ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) الآية النور : 31 ، قال : فنسخ ، واستثنى من ذلك القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً ، الآية . وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى ) المغني 7/463 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/347-348 .
تاسعاً : كشف الوجه أمام الكوافر
اختلف أهل العلم في المسلمة من الكافرة :
قال ابن قدامة : ( وحكم المرأة مع المرأة حكم الرجل مع الرجل سواء ، ولا فرق بين المسلمين ، وبين المسلمة والذمية ، كما لا فرق بين الرجلين المسلمين وبين المسلم والذمي في النظر ، قال أحمد : ذهب بعض الناس إلى أنها لا تضع خمارها عند اليهودية والنصرانية ، وأما أنا فأذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج ، ولا تقبلها حين تلد . ( أي لا تكون قابلة لأنها ستطلّع على العورة المغلّظة عند الولادة إلا في حالات الضرورة كما تقدّم ) .
وعن أحمد رواية أخرى : أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية ، .. لقوله تعالى : ( أو نسائهن ) ، والأول أولى ، لأن النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن قد كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكنّ يحتجبن ولا أُمرْن بحجاب ، وقد قالت عائشة : جاءت يهودية تسألها ، فقالت : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ، وذكر الحديث ، وقالت أسماء قدمت عليّ أمي وهي راغبة - يعني عن الإسلام - فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أصِلُها ؟ قال : نعم . ولأن الحجب بين الرجال والنساء لمعنى لا يوجد بين المسلمة والذمية فوجب أن لا يثبت الحجب بينهما كالمسلم مع الذمي ، ولأن الحجاب إنما يجب بنص أو قياس ولم يوجد واحد منهما .(5/1585)
فأما قوله تعالى : ( أو نسائهنّ ) فيحتمل أن يكون المراد جملة النساء . المغني 7/464 ، الشرح الكبير على متن المقنع 7/351 بهامش المغني .
قال ابن العربي المالكي : ( الصحيح عندي أن ذلك جائز لجميع النساء وإنما جاء بالضمير للإتباع ، فإنها آية الضمائر ، إذ فيها خمسة وعشرون ضميراً لم يروا في القرآن لها نظيراً ، فجاء هذا للإتباع ) أحكام القرآن 3/326 .
وقال الآلوسي : ( وذهب الفخر الرازي إلى أنها كالمسلمة ، فقال : والمذهب أنها كالمسلمة ، والمراد بنسائهن جميع النساء ، وقول السلف محمول على الاستحباب .
ثم قال : وهذا القول أرفق بالناس اليوم ، فإنه لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات " تفسير الآلوسي 19/143 .
قال محمد فؤاد : إن كان ذلك القول أرفق في زمانهم ، فلا شك أنه أولى ، وأكثر رفقاً ، وأعظم يسراً في زماننا هذا ، سيما لمن ألجأتهم أسباب قاهرة للإقامة في غير بلاد المسلمين ، فاختلطت المسلمات بالذميات ، وتشابكت ظروف الحياة ، بحيث أصبح احتجابهن عنهن مليء بالصعوبات فإنا لله وإنا إليه راجعون .
عاشراً :
يجب على المرأة أن تكشف وجهها وكفيها حالة إحرامها بالحج أو العمرة ، ويحرم عليها - عند ذلك - لبس النقاب والقفازين ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتنقب المرأة المُحرمة ، ولا تلبس القفازين )
فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال بقربها ، أو كانت جميلة وتحققت من نظر الرجال إليها ، سدلت الثوب من فوق رأسها على وجهها ، لحديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مُحرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه )
قال الجزيري حكاية عنهم : ( للمرأة أن تستر وجهها لحاجة كمرور الأجانب بقربها ، ولا يضر التصاق الساتر بوجهها ، وفي هذا سعة ترفع المشقة والحرج ) الفقه على المذاهب الأربعة /645 .
هذه جملة حالات يصح للمرأة معها كشف وجهها وكفيها حسب التفصيل الذي نص عليه الفقهاء ، وحرره العلماء ، ولكن بقيت مسألة أخرى جديرة بالنظر والاهتمام ، ألا وهي : " حالة الإكراه " التي يفرض بموجبها على المرأة المسلمة كشف وجهها ، فما الحكم في ذلك ؟
الحادي عشر : حالة الإكراه
فرضت بعض الأنظمة المتسلطة أحكاماً جائرة ، وقوانين ظالمة ، خالفت بها دين الإسلام ، وتمردت على الله ورسوله ، ومنعت بموجبها المرأة المسلمة من الحجاب ، بل وصل الحال ببعضها إلى إزاحته عنوة عن وجوه النساء ، ومارست ضدهن أسوأ أنواع التسلط والقهر والإرهاب..
كما حدثت مضايقات للمنقبات في بعض البلاد الأوربية .. وتعرض بعضهن إلى الإيذاء تارة ، والتعرض للإسلام أو الرسول صلى الله عليه وسلم تارة أخرى ..(5/1586)
وإزاء ذلك فإنه يجوز للمرأة في حال الضرورة التي تتيقّن فيها أو يغلب على ظنّها حصول الأذى الذي لا تُطيقه أن تكشف وجهها ، وإن الأخذ بقول مرجوح أولى من تعرضها للفتنة على أيدي رجال السوء .
ولئن جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها في الحالات المتقدمة التي لا تصل إلى حد الإكراه ، فإن جواز كشفهما لأذى يلحقها في نفسها أو دينها من باب الأولى ، خاصة إذا كان نقابها سيعرضها لجلاوزة يرفعون حجابها عن رأسها ، أو يؤدي بها إلى عدوان عليها ، والضرورات تبيح المحظورات ، وما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، كما نص على ذلك أهل العلم .. ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر ويجب إحسان التّقدير للظّرف والوضع الذي تعيش فيه المرأة المسلمة والاعتبار بالتجارب والمواقف التي حصلت لغيرها حتى يكون تقديرها للضرورة صحيحا لا يُصاحبه الهوى ولا الضّعف والخوَر .
وحيث جاز للمرأة كشف وجهها وكفيها في الحالات الاستثنائية المتقدمة ، فلا يجوز لها ذلك مع الزينة بالمساحيق والحلي الظاهر ، إذ يحرم عليها إظهارها أمام الرجال الأجانب عند جميع الفقهاء ، لقوله تعالى : ( لا يبدين زينتهن ) ولعدم وجود ضرورة أو حاجة ماسة تدعو إلى ذلك . حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ص/239
والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين وصلى الله على نبينا محمد .
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
خصوصيات النساء في الحج
السؤال:
لقد عزمت على الحج هذا العام إن شاء الله ، فأرجو تزويدي ببعض النصائح والتوجيهات التي تنفعني في الحج . كما أود طرح هذا السؤال : هل للنساء خصوصيات في الحج تتميز بها عن الرجال ؟.
الجواب:
الحمد لله
أختي المسلمة هنيئا لك ما عزمت عليه من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، تلك الفريضة التي غابت عن كثير من نساء المسلمين، فبعضهن يجهلن أن الحج فريضة عليهن ، وبعضهن يعلمن ولكن يركبن مركب التسويف حتى يفجأهن الأجل وهن تاركات للحج ، وبعضهن لا يدرين شيئا عن المناسك ، فيقعن في المحظور والمحرم ، وربما بطل حجهن دون أن يشعرن ، والله المستعان .
والحج فريضة الله على عباده ، وهو ركن الإسلام الخامس ، وهو جهاد المرأة ؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : "جهادكن الحج " رواه البخاري
- وهذه أختي المسلمة- بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج ، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلا مبرورا ، والحج المبرور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس له ثواب إلا الجنة " متفق عليه .(5/1587)
1- الإخلاص لله شرط في صحة وقبول أي عبادة ومنها الحج ، فأخلصي لله تعالى في حجك ، وإياك والرياء فإنه يحبط العمل ويوجب العقوبة .
2- متابعة السنة ووقوع العمل وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم شرط ثان في صحة وقبول العمل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم.
وهذا يدعوك إلى تعلم أحكام الحج وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم مستعينة على ذلك بالكتب المفيدة التي تعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
3- احذري الشرك الأكبر والأصغر والمعاصي بجميع أنواعها ، فإن الشرك الأكبر يوجب الخروج من الإسلام وحبوط العمل والعقوبة ، والشرك الأصغر يوجب حبوط العمل والعقوبة ، والمعاصي توجب العقوبة .
4- لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره بدون محرم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " متفق عليه .
والمحرم هو الزوج وكل من تحرم عليه المرأة تحريما دائما بقرابة أو رضاعة أو مصاهرة، وهو شرط في وجوب الحج على المرأة ، فإذا لم يكن للمرأة محرم يسافر معها لم يجب عليها الحج .
5- للمرأة أن تحرم فيما شاءت من الثياب من أسود أو غيره ، مع الحذر مما فيه تبرج أو شهرة كالثياب الضيقة والشفافة والقصيرة والمشقوقة والمزخرفة ، وكذلك يجب على المرأة الحذر مما فيه تشبه بالرجال ، أو مما هو من ألبسة الكفار .
ومن هنا نعلم أن تخصيص بعض العامة من النساء للإحرام لونا معينا كالأخضر أو الأبيض ليس عليه دليل ، بل هو من البدع المحدثة .
6- يحرم على المحرمة بعد عقد نية الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب ، سواء كان في البدن أو في الثياب .
7- يحرم على المحرمة إزالة الشعر من الرأس وجميع البدن بأي وسيلة وكذلك تقليم الأظافر.
8- يحرم على المحرمة لبس البرقع والنقاب ، ولبس القفازين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري .
9- المحرمة لا تكشف وجهها ولا يديها أمام الرجال الأجانب ، متعللة بأن النقاب والقفازين من محظورات الإحرام ، لأنها يمكن أن تستر وجهها وكفيها بأي شيء كالثوب والخمار ونحوهما، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود وصححه الألباني في حجاب المرأة المسلمة .
10- بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رءوسهن ما يشبه العمائم أو الرافعات حتى لا يلامس الوجه شيء من الخمار أو الجلباب ، وهذا تكلف لا داعي له ؛ لأنه لا حرج في أن يمس الغطاء وجه المحرمة .(5/1588)
11- يجوز للمحرمة أن تلبس القميص والسراويل والجوارب للقدمين ، وأساور الذهب والخواتم والساعة ونحوها ، ولكن يتعين عليها ستر زينتها عن الرجال غير المحارم في الحج وفي غير الحج .
12- بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض ، قد لا تحرم ظنا منها أن الإحرام تشترط له الطهارة من الحيض ، فتتجاوز الميقات بدون إحرام ، وهذا خطأ واضح ، لأن الحيض لا يمنع الإحرام ، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت ، فتؤخر الطواف إلى أن تطهر ، وإن أخرت الإحرام وجاوزت الميقات بدونه ، فالواجب عليها الرجوع لتحرم من الميقات ، فإن لم ترجع فعليها دم لترك الواجب عليها .
13- للمرأة أن تشترط عند الإحرام إذا خافت من عدم إكمال نسكها فتقول : " إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " فلو حدث لها ما يمنعها من إتمام الحج تحللت ولا شيء عليها .
14- تذكري أعمال الحج :
أولا :- إذا كان يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، اغتسلي وأحرمي ولبي قائلة : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .
ثانياً : اخرجي إلى منى ، وصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين بدون جمع .
ثالثاً :- إذا طلعت شمس يوم التاسع سيري إلى عرفة ، وصلي بها الظهر والعصر جمعا وقصرا في وقت الظهر ، وامكثي في عرفة داعية ذاكرة مبتهلة تائبة إلى غروب الشمس .
رابعاً :- إذا غربت الشمس اليوم التاسع سيري من عرفة إلى مزدلفة ، وصلي بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا ، وامكثي بها إلى صلاة الفجر، واجتهدي بعد الفجر في الذكر والدعاء والمناجاة حتى يسفر جدا .
خامساً :- انطلقي من مزدلفة إلى منى قبل شروق شمس يوم العيد، فإذا وصلت إلى منى فافعلي ما يلي :
أ - أرمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، وكبري مع كل حصاة .
ب - اذبحي الهدي بعد ارتفاع الشمس .
ج - قصري من كل أطراف شعرك قدر أنملة . ( 2 سنتيمتر تقريبا )
د - انزلي إلى مكة ، وطوفي طواف الإفاضة ، واسعي بين الصفا والمروة سعي الحج إذا كنت متمتعة ، أو لم تسعي مع طواف القدوم إذا كنت مفردة أو قارنة .
سادساً : ارمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال إذا أردت التأخر، أو الحادي عشر والثاني عشر إذا أردت التعجل ، مع المبيت بمنى تلك الليالي .
سابعاًَ : إذا أردت الرجوع إلى بلدك فطوفي للوداع ، وبهذا تنتهي أعمال الحج .(5/1589)
15- المرأة لا تجهر بالتلبية ، بل تسر بها فتسمع نفسها ومن بجوارها من النساء ، ولا تسمع الرجال الأجانب حذرا من الفتنة ولفت الأنظار إليها . ووقت التلبية يبدأ من بعد الإحرام بالحج ويستمر إلي رمى جمرة العقبة يوم النحر .
16- إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي ، فإنها تكمل بقية المناسك فتسعى ولو كان عليها الحيض؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة.
17- يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحيض لتتمكن من أداء نسكها بشرط عدم حدوث ضرر عليها .
18- احذري مزاحمة الرجال في جميع مناسك الحج ، وبخاصة في الطواف عند الحجر الأسود والركن اليماني ، وكذلك في السعي وعند رمي الجمرات ، وتخيري الأوقات التي يخف فيها الزحام ، فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية منفردة عن الرجال ، وكانت لا تستلم الحجر أو الركن إن كان هناك زحام .
19- ليس على المرأة رمل في الطواف ولا ركض في السعي : والرمل هو إسراع الخطا في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف ، والركض يكون بين العلمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، وهما سنة للرجال .
20- احذري هذا الكتاب : وهو كتاب صغير يحوي بعض الأدعية المبتدعة، وفيه دعاء مخصوص لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي، وليس في ذلك دليل من كتاب أو سنة، فالدعاء مشروع في حال الطواف والسعي بما شاء الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، وإن كان دعاء مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى .
21- للمرأة الحائض أن تقرأ كتب الأدعية والأذكار الشرعية ، ولو كان بها آيات من القرآن ، ويجوز لها أيضا أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف .
22- احذري كشف شيء من بدنك : وبخاصة في الأماكن التي يمكن أن يراك فيها الرجال ، كأماكن الوضوء العامة ، فإن بعض النساء لا تبالي بوجود الرجال قريبا من تلك الأماكن ، فينكشف منها حال الوضوء ما لا يجوز كشفه من وجه وذراعين وساقين ، وربما خلعت ما على رأسها من خمار ، فتظهر الرأس والرقبة ، وكل ذلك محرم لا يجوز ، وفيه فتنة عظيمة لها ولغيرها من الرجال .
23- يجوز للنساء الدفع من مزدلفة قبل الفجر : فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء ولا سيما الضعيفات بالانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر في آخر الليل ، وذلك حتى يرمين جمرة العقبة قبل الزحام ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمع- أي مزدلفة- أن تدفع قبل حطمة الناس ، وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة- فأذن لها .
24- يجوز تأخير الرمي إلى الليل إذا رأى ولي المرأة أن الزحام قد اشتد حول جمرة العقبة ، وأن في ذلك خطرا على من معه من النساء ، فيجوز تأخير رميهن الجمرة حتى يخف الزحام أو يزول، ولا شيء عليهن في ذلك .
وكذلك الحال عند الرمي في أيام التشريق الثلاثة ، يمكن أن يرمين الجمرات بعد العصر ، وهو وقت يخف فيه الزحام جدا كما هو مشاهد ومعلوم ، فإن لم يمكن فلا حرج في تأخير الرمي إلى الليل .(5/1590)
25- احذري احذري :
لا يجوز للمرأة أن تمكن زوجها من جماعها أو مباشرتها طالما أنها لم تتحلل التحلل الكامل ، ويحصل هذا التحلل بثلاثة أمور :
الأول : رمي جمرة العقبة بسبع حصيات .
الثاني : " التقصير من جميع الشعر قدر أنملة ، وهي ما يقدر بـ (2 سنتيمتر) .
الثالث : طواف الحج (طواف الإفاضة) .
* فإذا فعلت المرأة هذه الثلاثة مجتمعة جاز لها كل شيء حرم عليها بالإحرام حتى الجماع ، وإذا فعلت اثنين منها جاز لها كل شيء إلا الجماع .
26- لا يجوز للمرأة أن تبدي شعرها للرجال الأجانب وهي تقصر من أطرافه ، كما تفعل كثير من النساء عند المسعى ؛ لأن الشعر عورة لا يجوز كشفه أمام أحد من الرجال الأجانب .
27- احذري النوم أمام الرجال : وهذا ما نشاهده من كثير من النساء اللاتي يحججن مع أهاليهن دون مخيم أو أي شيء يسترهن عن أعين الرجال، فينمن في الطرقات وعلى الأرصفة وتحت الجسور العلوية وفي مسجد الخيف مختلطين مع الرجال ، أو قريبا من الرجال ، وهذا من أعظم المنكرات التي يجب منعها والقضاء عليها .
28- ليس على الحائض والنفساء طواف وداع ، وهذا من تخفيف الشرع وتيسيره على النساء ، فللمرأة الحائض أن تعود مع أهلها وإن لم تطف طواف الوداع ، فاحمدي الله أيتها المرأة المسلمة واشكريه على هذا التيسير وتلك النعمة .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حوادث تحصل قبل يوم القيامة تفرق بين المؤمنين والكافرين
السؤال:
ما هي الاختبارات أو المحن التي قد تظهر قبل يوم القيامة ، والتي تساعد في التفريق بين المسلمين والكافرين ؟.
الجواب:
الحمد لله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن علامات وأمارات قبل قيام الساعة ، منها ما اصطلح العلماء على تسميته " علامات صغرى " ، ومنه " علامات كبرى " ، وبعضهم يجعل لها قسماً ثالثاً وهو " علامات وسطى " وهي " خروج المهدي " ، فهو من العلامات الصغرى ويحدث في زومه بعض العلامات الكبرى .
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض الأشياء التي تميز المؤمن من الكافر قبل يوم القيامة ، فمن ذلك :
أ . خروج الدابة .
قال الله تعالى : { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون } النمل / 82 .
قال ابن كثير :(5/1591)
هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق ، يُخرج الله لهم دابةً من الأرض . " تفسير ابن كثير " ( 3 / 375 ) .
عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تخرج الدابَّة فتسِم الناس على خراطيمهم ، ثم يغمرون فيكم ، حتى يشتري الرجل البعير ، فيقول : ممن اشتريته ؟ فيقول : اشتريته من أحد المخطَّمين " . رواه أحمد ( 21805 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 322 ) .
تسِم الناس على خراطيمهم : تعلِّمهم على أنوفهم ، فيصبح للمؤمن سمة وللكافر سمة .
يغمرون : يكثرون .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثٌ إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها والدجال ، ودابَّة الأرض " .
رواه مسلم ( 158 ) .
ب . أتباع الدجَّال عند خروجه .
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة " . رواه مسلم ( 2944 ) .
والطيالسة نوع من الثياب .
ت . نفي المدينة النبويةَّ للكفار والمنافقين زمن الدجال .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ، ليس له من نقابها نقْب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيُخرج الله كلَّ كافرٍ ومنافقٍ " .
رواه البخاري ( 1782 ) ومسلم ( 2943 ) .
النقاب : الطرق .
ث . هبوب الريح من اليمن .
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير ، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال حبة – أو : مثقال ذرة - من إيمان إلا قبضتْه " .
رواه مسلم ( 117 ) .
قال النووي :
وأما معنى الحديث فقد جاءت في هذا النوع أحاديث منها : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله " ، ومنها " لا تقوم على أحد يقول الله الله " ومنها " لا تقوم إلا على شرار الخلق " ، وهذه كلها وما في معناها على ظاهرها ، وأما الحديث الآخر " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة " : فليس مخالفا لهذه الأحاديث ؛ لأن معنى هذا أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة وعند تظاهر أشراطها فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة على أشراطها ودنوها المتناهي في القرب .
" شرح مسلم " ( 2 / 132 ) .
والله أعلم .(5/1592)
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
القادياينة في ميزان الإسلام
السؤال:
أنا شخص غير قادياني واعلم انهم يؤمنون بوجود نبي بعد محمد عليه السلام ، فهل هم خارج الإسلام ؟ أنا اعتقد انهم خارج الإسلام وأتصرف معهم على هذا الأساس .
الجواب:
الحمد لله
التعريف :
القاديانية حركة نشأت سنة 1900 م بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية ، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص ، حتى لا يواجهوا الاستعمار باسم الإسلام ، ولكن لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية .
التأسيس وأبرز الشخصيات :
• كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839 - 1908 م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية . وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م ، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن ، وهكذا نشأ غلام أحمد وفيا للاستعمار مطيعا له في كل حال ، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهاد الاستعمار الإنجليزي ، وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم ، فأظهروا الولاء لها ، وكان غلام أحمد معروف عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات .
- وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة ، الشيخ أبوالوفا ثناء الأمرتسري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند ، حيث ناظره وأفحم حجته ، وكشف خبث طويته وكفر وانحراف نحلته . ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبوالوفا على من يموت الكاذب منهما في حياة الصادق ، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام احمد القادياني في عام 1908م مخلفا أكثر من خمسين كتابا ونشرة ومقالا ، ومن أهم كتبه : إزالة الأوهام ، إعجاز أحمدي ، براهين أحمدية ، أنوار الإسلام ، إعجاز المسيح ، التبليغ ، تجليات إلهية .
• نور الدين : الخليفة الأول للقاديانية ، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون . من مؤلفاته : فصل الخطاب .
• محمد علي وخوجة كمال الدين : أميرا القاديانية اللاهورية ، وهما مُنظِّرا القاديانية وقد قدَّم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية ومن مؤلفاته : حقيقة الاختلاف ، النبوة في الإسلام ، والدين الإسلامي . أما خوجة كمال الدين فله كتاب : المثل الأعلى في الأنبياء وغيره من الكتب ، وجماعة لاهور هذه الأحمدية تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب ، لكنهما يعتبران حركة واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية والعكس .(5/1593)
• محمد علي : أمير القاديانية اللاهورية ، وهو مُنظِّر القاديانية وجاسوس الاستعمار والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية ، قدم ترجمة محرفة للقرآن إلى الإنجليزية . من مؤلفاته : حقيقة الاختلاف ، النبوة في الإسلام . على ما تقدم .
• محمد صادق : مفتي القاديانية ، من مؤلفاته : خاتم النبيين .
• بشير أحمد بن الغلام : من مؤلفاته سيرة المهدي ، كلمة الفصل .
• محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني : من مؤلفاته أنوار الخلافة ، تحفة الملوك ، حقيقة النبوة .
• كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزا عالميا لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية : " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " سورة المؤمنون الآية 50
الأفكار والمعتقدات :
• بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد ومُلهَم من عند الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
• يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - .
• يعتقد القادياني أن إلهه إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية .
• يعتقد القاديانية أن النبوة لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية ، والله يرسل الرسول حسب الضرورة ، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعا .
• يعتقدون أن جبريل كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه ، وأن إلهاماته كالقرآن .
• يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود ( الغلام ) ، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعاليمه ، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد .
• يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم .
• يعتقدون أنهم أصحاب دين جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة .
• يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم .
• نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن .
• كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل في القاديانية ، كما أن من زوج أو تزوج من غير القاديانيين فهو كافر .
• يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات .
الجذور الفكرية والعقائدية :(5/1594)
• كانت حركة سير سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة .
• استغل الإنجليز هذا الظرف فصنعوا الحركة القاديانية واختاروا لها رجلا من أسرة عريقة في العمالة .
• في عام 1953م قامت ثورة شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة ، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين ونجحوا في إقالة الوزير القادياني .
• وفي شهر ربيع الأول عام 1394هـ الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم ، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام ، وطالب المسلمين بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين .
• قام مجلس الأمة في باكستان ( البرلمان المركزي ) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله . وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الإجابة وانكشف النقاب عن كفر هذا الطائفة ، فأصدر المجلس قرارا باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة .
• من موجبات كفر الميرزا غلام أحمد الآتي :
- ادعاؤه النبوة .
- نسخه فريضة الجهاد خدمة للاستعمار .
- إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إياه إلى قاديان .
- تشبيهه الله تعالى بالبشر .
- إيمانه بعقيدة التناسخ والحلول .
- نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله .
- إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هب ودب .
• للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم .
• تأثرهم بالمسيحية واليهودية والحركات الباطنية واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهريا .
الانتشار ومواقع النفوذ :
• معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي ويسعون بمساعدة الاستعمار للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه .
• وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا ، وبعض الدول الغربية ، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية ، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم .(5/1595)
• هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارات الشركات والمفوضيات وتتخذ منهم ضباطا من رتب عالية في مخابراتها السرية .
• نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل وخصوصا الثقافية منها حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء . ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية .
ويتضح مما سبق :
أن القاديانية دعوة ضالة ، ليست من الإسلام في شيء ، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء ، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم ، بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم .
للتوسع مراجعة : القاديانية لإحسان إلهي ظهير
المرجع : الموسوعة الميسرة في الأديان المذاهب والأحزاب المعاصرة للدكتور مانع بن حماد الجهني 1 / 419 - 423
وقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي ما يلي :
بعد أن نظر في الاستفتاء المعروض عليه من مجلس الفقه الإسلامي في كيبتاون بجنوب أفريقيا بشأن الحكم في كل من القاديانية والفئة المتفرعة عنها التي تدعى اللاهورية ، من حيث اعتبارهما في عداد المسلمين أو عدمه ، وبشأن صلاحية غير المسلم للنظر في مثل هذه القضية ، وفي ضوء ما قدم لأعضاء المجمع من أبحاث ومستندات في هذا الموضوع عن ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ظهر في الهند في القرن الماضي وإليه تنسب نحلة القاديانية واللاهورية ، وبعد التأمل فيما ذكر من معلومات عن هاتين النحلتين وبعد التأكد من أن ميرزا غلام أحمد قد ادعى النبوة بأنه نبي مرسل يوحى إليه ، وثبت عنه هذا في مؤلفاته التي ادعى أن بعضها وحي أنزل عليه ، وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة ويطلب إلى الناس في كتبه وأقواله الاعتقاد بنبوته ورسالته ، كما ثبت عنه إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة كالجهاد .
قرر ما يلي :
أولاً : أن ما ادعاه ميرزا غلام أحمد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه إنكار صريح لما ثبت من الدين بالضرورة ثبوتاً قطعياً يقينياً من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا ينزل وحي على أحد بعده ، وهذه الدعوى من ميرزا غلام أحمد تجعله وسائر من يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن الإسلام ، وأما اللاهورية فإنهم كالقاديانية في الحكم عليهم الردة ، بالرغم من وصفهم ميرزا غلام أحمد بأنه ظل وبروز لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : ليس لمحكمة غير إسلامية ، أو قاض غير مسلم ، أن يصدر الحكم بالإسلام أو الردة ، ولا سيما فيما يخالف ما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من خلال مجامعها وعلمائها ، وذلك لأن الحكم بالإسلام أو الردة ، لا يقبل إلا إذا صدر عن مسلم عالم بكل ما يتحقق به الدخول في الإسلام ، أو الخروج منه بالردة ومدرك لحقيقة الإسلام أو الكفر ، ومحيط بما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع ، فحكم مثل هذه المحكمة باطل . والله أعلم .(5/1596)
مجمع الفقه الإسلامي ص13
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
حكم تغطية الكفين في حضور الرجال الأجانب
السؤال:
ما حكم تغطية الكفين - علماً بأني ألبس النقاب ولكن بسبب ظروف الدراسة من كتابة واستخدام الأجهزة كالكمبيوتر والأجهزة التعليمية الأخرى لا أستطيع الالتزام بتغطية الكفين لأن ذلك يعوقني ، والمكان لا يخلو من الرجال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة – وخاصة أنها تقول إنها منقبة - أن تخالط الرجال الأجانب وأن تجالسهم سواء كان ذلك في دراسة أو عمل ، وقد بيَّنا حكم الاختلاط وما يترتب عليه من مفاسد في أجوبتنا على الأسئلة : ( 1200 ) و ( 20784 ) و ( 12837 ) .
ومن مفاسد هذا الاختلاط : نظر كل من الطرفين إلى الآخر ، وهو أمر محرَّم ، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عما لا يحل لهم .
ولا يجوز أن يرى الأجانب منها شيئاً ، ولا يحل لها أن تتهاون في لباسها ليظهر منها ما لا يحل لها إظهاره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين : زينة ظاهرة ، وزينة غير ظاهرة ، ويجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوات المحارم ، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها ، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين ، وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره ، ثم لما أنزل الله آية الحجاب بقوله : ( يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) : حجب النساء عن الرجال ...
والجلباب هو الملاءة ، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء ، وتسميه العامة الإزار ، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها ، ثم يقال : فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب : كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت أن لا تظهرها للأجانب ، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة .
وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ ، بل لا تبدي إلا الثياب .
" مجموع الفتاوى " ( 22 / 110 - 114 ) باختصار .
وقد بينا في جواب الأسئلة : ( 11774 ) و ( 21536 ) حكم تغطية الوجه والكفين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ(5/1597)
أهله يريدون تزويجه فتاة غير متدينة ويقولون ستتغير مع الوقت
السؤال:
أبلغ من العمر 27 سنة وأبحث عن زوجة منذ سنتين. لا يوجد الكثير من الفتيات المسلمات في مدينتي. أهلي يريدون تزويجي لفتاة مسلمة لكنها لا تصلي كثيراً أو ترتدي النقاب. يقولون إنها ستتغير بإذن الله بعد أن تعيش معنا. مشكلتي أنه لا يوجد الكثير من الخيارات في مدينتي حيث يوجد 1500 مسلم فقط. هل تقترح أن أتزوج بهذه الفتاة؟.
الجواب:
الحمد لله
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من يريد الزواج بأن يحرص على المرأة المتدينة فقال صلى الله عليه وسلم :" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
والزوجة ستكون معاشرة للشخص ومصاحبة له طول حياته، وستكون راعية في بيته وقائمة بأموره ، وستكون مربية لأولاده وموجهة لهم، والدين هو الذي يجعل المرأة عفيفة بعيدة عن السوء، ومن ثم كان لابد من الاعتناء باختيارها من ذوات الدين والتقوى.
والذي أراه لك هو السعي للتأثير عليها ودعوتها من خلال أهلك أو بعض محارمك حتى تتحسن حالها وتستقيم، فإذا استقامت وحسنت حالها تزوجتها.
وإلا فأرى أن تبحث عن غيرها، فأنت لا تضمن أن تؤثر عليها فقد لا تستجيب، وقد تتأثر بها فالإنسان مهما بلغ من الإيمان والتقوى بشر عرضة للتغير والتأثر.
الشيخ محمد الدويش . (www.islam-qa.com)
ـــــــــــــــــــ
أحبته وأحسن إلى يتمتها وأهلهما يرفضان زواجهما
السؤال:
ارتبطت أنا وإنسان فاضل جداً بقصة حب شديدة ولكن أهله يرفضوني بشدة ، السبب الأول في الرفض أني كنت متزوجة قبل ذلك وعندي طفلة ، والسبب الآخر هو أني قد خدعتهم بكذبة كبيرة قبل ذلك ولكني ـ والله العظيم ـ أكفر عن هذه الكذبة الآن ، وأدعو الله أن يسامحني وأن يسامحوني ، وأنا الآن والحمد لله أصبحت أكثر التزاماً بالدين وارتديت النقاب وأحفظ كتاب الله ـ والحمد لله ـ
والسؤال الآن : هل يصح زواجنا بدون موافقة أهله ؟ وهل زواجه بي يعتبر عقوقاً لهم ؟ رغم أننا متحابَّين جدا ، واعترف والحمد لله أن هذا الشخص غيَّر أشياء كثيرة بي وجعلني أكثر تديُّناً
وهل يجوز لي الزواج بدون ولي لأن والدي أيضا يصر علي موافقة أهله ، أو يرفض أي شئ طالما أن أهله رافضين ، مع العلم أن أبي يتركني ولا يسأل عنيَّ إلا نادراً ، وهذا الرجل ـ جزاه الله كل خيرـ هو الذي يرعاني أنا وابنتي ، ويعطي لنا كل الحب والأمان ، ويعطي ابنتي اليتيمة مكانة الأب المتوفى ، يعمل معها ما لم يعمله(5/1598)
معها أهلها من حب ورعاية ، سيدي الفاضل أنا وابنتي في حاجة شديدة لحبه ورعايته لنا . أرجو من سيادتكم الإفادة ولكم جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله
سؤالك ـ رعاك الله ـ يتضمن عدة أمور ، بعضها توجه إليه السؤال ، وبعضها يحتاج إلى التنبيه عليه :
فمما ورد السؤال عنه : سؤالك عن موافقة والدك : فلا بدَّ أن تعلمي أن الشرع قد اشترط الولي لصحة العقد لأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولي " . رواه الترمذي ( 1101) وأبو داود ( 2085 ) وابن ماجه ( 1881 ) وهو صحيح كما في " إرواء الغليل " للألباني رحمه الله ( 6 / 235 ) .
ولله تعالى الحكمة البالغة فيما شرعه من اشتراط الولي ، منها أن الأصل في الرجال أنهم أكمل عقلاً وأدرى بالمصالح وأشد إطلاَّعاً على أحوال الرجال ومعرفة ما يناسب المرأة وأقدر على اتخاذ القرار ، لاسيما وأن المرأة قد تغلبها عاطفتها وتغطي عليها ، ولو فُرض وجود عائق في الولي لا يجعله أهلاً لتولي شئون موليته أو كان حابساً لها عن الزواج بالأكفاء وليس له عذر شرعي انتقلت الولاية إلى الذي يليه فتنتقل من الأب إلى الجد مثلاً . ( وراجعي في تفاصيل هذه المسألة السؤال رقم 7193 في الموقع ) .
أما موافقة أهله : فإنها ليست شرطاً لصحة الزواج لأن الرجل هو ولي نفسه فزواجه لا يحتاج إلى موافقة أهله ، وليس لهم أن يمنعوه من الزواج بغير سبب شرعي ، أما مراعاته لرضاهم لا سيما الوالدين فهو أمر مستحسن ، ويمكن الوصول إليه من خلال الإحسان إلى الوالدين ، وإظهار ما يمكن أن يجعلهم يوافقون على اختياره ، ويستعين على هذا بالدعاء والمناقشة بالحسنى وسلوك سبيل الإقناع الهادئ ويسعدنا أيتها السائلة أن نهنئكِ على ما منَّ الله به عليكِ من التوفيق إلى التقيُّد بالحجاب الشرعي ، وما يسّره لكِ من حفظ كتابه الكريم ، ونسأله أن يجعلنا وإيَّاك من العاملين به .
ونودُّ أن ننبهك أيتها الأخت الكريمة إلى بعض ما ذكرتيه في السؤال من قولك " بقصة حب شديدة " ، " إننا متحابين جدا " , " يعطي لنا كل الحب " و " أنا وابنتي بحاجة شديدة لحبه " ، فينبغي عليك أن تعلمي أن على المسلم والمسلمة أن يصون نفسه عن أسباب تعلُّق القلب بمن ليس زوجاً له ، ومع التسليم بأن من المحبة ما لا يد للإنسان فيها ، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي يقوم بها المرء مما يحصل بها زيادة التعلُّق ، وهذه هي التي يتوجه إليها النهي ، ومن أمثلة ذلك الحديث بين الرجل والمرأة الذي يترتب عليه تحرك لهذه العواطف والغرائز ، وكالزيارات المتكررة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) . فإن هذه الأمور تحرم سداً للباب ودفعاً لما قد ينشأ عنها ، ومن حكمة هذا ألاَّ يتعلق القلب بمن قد لا يتيسر له الزواج منه فيحصل في هذا الأمر من التعذُّب للطرفين ما يُعلم مثله من أحوال من المحبين في القديم والحديث ، ويسبِّب هذا الأمر إشغالاً للقلب عن ما يجب عليه من محبة الله تعالى وطاعته . وقد(5/1599)
أفاض في الكلام عن أضرار هذا التعلُّق ابن القيم في بعض كتبه ككتاب " الداء والدواء" و " إغاثة اللهفان " فيحسن أن ترجعي إليهما ، ويمكنك الرجوع إلى السؤال رقم 9465 .
والذي نوصيك به مادام الله تعالى قد وفقك للحجاب أن تُكمِّلي حجاب الثوب بحجاب القلب بأن تنظري بكل تجرُّد إلى العلاقة الحالية معه ، وأن تبتعدي عن كل ما يُثير عندك التعلُّق به ، من مثل التحدث معه أو زيارته لكم ، أو نحو ذلك مما يكون محرماً أو مشتبهاً فيه ، وأن يحرص هو ـ وهو على ما ذكرت ِمن التدُّين ـ أن يكون أشدَّ بعداً عن هذه الأمور ؛ خشية دخول الشيطان بينكما .
أما إحسانه إلى ابنتك فنسأل الله أن يأجره عليه ، ولكن يجب ألاَّ يلزم من ذلك محظور كدخوله عليكِ وليس معكِ غير ابنتك ؛ لأن وجودها معك لا يزيل الخلوة المحرَّمة التي حذَّر منها النبي صلّى الله عليه وسلَّم بقوله ( لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) . رواه أحمد والترمذي في سننه 2091 وهو في صحيح الجامع 2546. ويمكنك الرجوع إلى السؤال 2986 .
أما ما ترجينه من خير في زواجك به ، ورجاؤك أن يتم ذلك فإننا نوصيك بأمور :
1. الإكثار من صلاة الاستخارة حتى يختار لك مولاك سبحانه وتعالى الأصلح لك في أمر الدنيا والآخرة . ويمكنك مراجعة كيفيتها في السؤال رقم 2217 .
2. الابتعاد عمّا تمت الإشارة إليه من أسباب التعلُّق ، إذ إن من أهم ما يتوصل به العبد للمطلوب الذي يريده امتثاله لشرع الله وتقيُّده به .
3. السعي لتخفيف حَدِّة ما ورد ذكره في السؤال من هذه المحبة من خلال إدراك خطرها ، وربط القلب بالله تعالى والتدبُّر في كلامه سبحانه الذي زيًّن الله قلبك بحفظه .
4. التقرُّب من والدك والإحسان إليه والحرص على برِّه ، لعلّ ذلك أن يلِّين قلبه وأن يجعله يحرص على ما يكون فيه سعادتك واستقرارك .
5. الاعتذار إلى أهل الزوج ومعاملتهم بما يدلُّ على ندمك عمَّا بدر منكِ تجاههم لعل الله أن ييسر قبولهم بهذا الزواج ، مما ييسر من أمر قبول أبيك .
6. تهيئة النفس وتوطينها على الرضا بما يقدِّره الله ـ ولو لم يكن محبوباً للنفس ـ وتوقُّع أشدِّها على النفس ، كعدم تيسُّر الزواج مطلقاً ، إذ من فوائد هذا التوطين للنفس ألاَّ تحدث صدمة عند وقوع ما لا يحبه الإنسان فتؤدي إلى إحباط أو ضعف في الإيمان ، أو ظن سيئ بالله تعالى وحكمته .
7. الحرص على تنشئة هذه اليتيمة التي جعلها الله تحت يدك تنشئة إسلامية ، والإحسان إليها ، إذ في تربية اليتيم وكفالته من الأجر ما لعله أن يكون سبباً جالباً للبركة لكِ في وقتكِ والتوفيق في جميع أمورك .
نسأل الله تعالى أن يتمم عليك نعمه ، وأن يثبت الإيمان في قلبك ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن ييسر هذا الزواج إن كان الخير لكما فيه ، وأن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد (www.islam-qa.com)(5/1600)
ـــــــــــــــــــ
حكم النقاب ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20876 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
Should women cover their faces and hands. I heard a lot of sayings of sahaba but i don't know thw sahih from the da'if
الترجمة: هل يجب على النساء تغطية وجوههن وأيديهن، سمعت الكثير من أقوال الصحابة ولا أعرف الصحيح من الضعيف
نص الفتوى
أختي السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
فقد أفاد فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن الجدل في هذه القضايا الخلافية لن ينتهي ما دامت أسباب الاختلاف قائمة، ولن يزول الاختلاف بين الناس وإن كانوا مسلمين متدينين مخلصين. بل قد يكون التدين والإخلاص أحيانًا من أسباب حدة الخلاف ؛ حيث يتحمس كل طرف لرأيه الذي يعتقد أنه الحق، وأنه الدين الذي يحاسب عليه ثوابًا أو عقابًا. سيظل الاختلاف قائمًا ما دامت النصوص نفسها التي تستنبط منها الأحكام قابلة للاختلاف في ثبوتها ودلالتها، وما دامت أفهام البشر متفاوتة في القدرة على الاستنباط، ومدى الأخذ بظاهر النص، أو بفحواه، بالرخصة أو بالعزيمة،. بالأحوط أم بالأيسر.
سيظل الاختلاف قائمًا ما دام في الناس من يأخذ بشدائد ابن عمر، ومن يأخذ برخص ابن عباس، وما دام فيهم من يصلي العصر في الطريق، ومن لا يصليها إلا في بني قريظة.
ومن رحمة الله بنا أن هذا النوع من الاختلاف لا حرج فيه ولا إثم، والمخطئ فيه معذور، بل مأجور أجرًا واحدًا، بل هناك من يقول: لا مخطيء في هذه الاجتهادات الفرعية، بل كلٌّ مصيب.
وقد اختلف الصحابة ومن تبعهم بإحسان في فروع الدين، فما ضرهم ذلك، ووسع بعضهم بعضًا، وصلى بعضهم وراء بعض، دون نكير.
كشف الوجه والكفين مذهب جمهور الفقهاء:.
وأود أن أبادر هنا، فأؤكد حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد ؛ لأنها عند أهل العلم معروفة غير منكرة، مشهورة غير مهجورة، وهي أن القول بعدم وجوب النقاب وبجواز كشف الوجه والكفين من المرأة المسلمة أمام الرجل الأجنبي غير المحرم لها، هو قول جمهور فقهاء الأئمة، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم.(5/1601)
فلا وجه إذن للضجة المفتعلة، والزوبعة المصطنعة، التي أثارها بعض المخلصين من غير أهل العلم، وبعض المتشددين من طلبة العلم، ضد ما قاله الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي، في بعض كتبه، أو بعض مقالاته، كأنما أتى ببدع من القول، أو جديد من الرأي، وما هو إلا قول الأئمة المعتبرين والفقهاء المعدودين.. كما سنبين بعد.. كما أنه القول الذي تعضده الأدلة والآثار، ويسنده النظر والاعتبار، ويؤكده الواقع في خير الأعصار.
مذهب الحنفية:.
ففي " الاختيار " من كتب الحنفية يقول:.
(ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية، إلا إلى الوجه والكفين، إن لم يخف الشهوة.. وعن أبي حنيفة: أنه زاد القدم، لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء، ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب، لإقامة معاشها ومعادها، لعدم من يقوم بأسباب معاشها.
قال: والأصل فيه قوله تعالى: (ولا يُبْدِين زِيَنَتَهُنَّ إلا ما ظَهَر منها) قال عامة الصحابة: الكحل والخاتم، والمراد موضعهما، كما بينا أن النظر إلى نفس الكحل والخاتم والحلي وأنواع الزينة حلال للأقارب والأجانب، فكان المراد موضع الزينة، بطريق حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.
قال: وأما القدم، فروي أنه ليس بعورة مطلقًا لأنها تحتاج إلى المشي فيبدو، ولأن الشهوة في الوجه واليد أكثر، فلأن يحل النظر إلى القدم كان أولى.
وفي رواية: القدم عورة في حق النظر دون الصلاة). (الاختيار لتعليل المختار، تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي 4/156).
مذهب المالكية:.
وفي الشرح الصغير للدردير المسمى " أقرب المسالك إلى مذهب مالك ":.
(وعورة الحرة مع رجل أجنبي منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين.. وأما هما فليسا بعورة).
وقال الصاوي في حاشيته معلقا: (أي فيجوز النظر لهما لا فرق بين ظاهرهما وباطنهما، بغير قصد لذة ولا وجدانها، وإلا حرم.
قال: وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها ؟.وهو الذي لابن مرزوق قائلا: وهو مشهور المذهب. أو لا يجب عليها ذلك، وإنما على الرجل غض بصره ؟ وهو مقتضى نقل المواق عن عياض.
وفصل زرُّوق في شرح الوغليسية بين الجميلة، فيجب، وغيرها فيستحب). (حاشية الصاوي على الشرح الصغير بتعليق د. مصطفى كمال وصفي، ط دار المعارف بمصر، 1/289).
في مذهب الشافعية:.
وقال الشيرازي صاحب " المهذب " من الشافعية.
(وأما الحرة فجميع بدنها عورة، إلا الوجه والكفين (قال النووي: إلى الكوعين لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس: وجهها وكفيها (قال النووي " في المجموع ": هذا التفسير المذكور عن ابن عباس قد رواه البيهقي عنه وعن عائشة رضي الله عنهم)، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- " نهى المحرمة(5/1602)
عن لبس القفازين والنقاب " (الحديث في صحيح البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما : " لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين) ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء، فلم يجعل ذلك عورة).
وأضاف النووي في شرحه للمهذب " المجموع ": (إن من الشافعية من حكى قولاً أو وجها أن باطن قدميها ليس بعورة، وقال المزني: القدمان ليستا بعورة، والمذهب الأول). (المجموع 3/167، 168).
في مذهب الحنابلة:.
وفي مذهب الحنابلة نجد ابن قدامة في " المغنى" (المغني 1/1، 6، ط المنار).يقول (لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها، وفي الكفين روايتان:.
واختلف أهل العلم، فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه، وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة.
وقال أبو حنيفة: القدمان ليستا من العورة، لأنهما يظهران غالبًا فهما كالوجه.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكفين ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب، ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء.
وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة ؛ لأنه قد روي في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (المرأة عورة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح لكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيته من المشقة، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة لأنه مجمع المحاسن، وهذا قول أبي بكر الحارث بن هشام، قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها).ا هـ كلام المغني.
مذاهب أخرى:.
وذكر الإمام النووي في " المجموع " في بيان مذاهب العلماء في العورة: (أن عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وبه قال مع الشافعي مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وأبو ثور وطائفة، ورواية عن أحمد.
وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: قدماها أيضًا ليسا بعورة.
وقال أحمد: جميع بدنها إلا وجهها فقط...) إلخ. (المجموع للنووي 3/169).
وهو مذهب داود أيضًا كما في " نيل الأوطار". (نيل الأوطار 2/55 ط دار الجيل بيروت).
أما ابن حزم فيستثني الوجه والكفين جميعًا كما في " المحلى".
وسنذكر بعض ما استدل به في موضعه.
وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين كما هو واضح من تفسيرهم لمعنى: (ما ظهر منها) في سورة النور.(5/1603)
أدلة القائلين بجواز كشف الوجه والكفين:.
نستطيع أن نذكر أهم الأدلة الشرعية التي استند إليها القائلون بعدم وجوب النقاب وجواز كشف الوجه واليدين وهم جمهور الأئمة فيما يأتي، وفيها الكفاية إن شاء الله.
1ـ تفسير الصحابة لقوله: (إلا ما ظهر منها):.
إن جمهور العلماء من الصحابة ومن تبعهم بإحسان فسروا قوله تعالى في سورة النور: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بأنه الوجه والكفان، أو الكحل والخاتم وما في معناهما من الزينة.
وقد ذكر الحافظ السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور " جملة وفيرة من هذه الأقوال.
فأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: هو خضاب الكف، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: وجهها، وكفاها، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: رقعة الوجه، وباطن الكف.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والَفَتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الوجه وثغرة النحر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكف.
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الكفان والوجه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا إلى ها هنا ويقبض نصف الذراع.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، عن المسور بن مخرمة في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: القلبين يعني السوار، والخاتم، والكحل.
وأخرج سعيد وابن جرير عن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الخاتم والمسكة، قال ابن جريج وقالت عائشة رضي الله عنها: "القلب، والفتخة".قالت عائشة: دخلت على ابنة أخي لأمي، عبد الله(5/1604)
بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعرض.. فقالت عائشة رضي الله عنها: إنها ابنة أخي وجارية فقال : " إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى ا.هـ. (انظر: الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية 31 من سورة النور).
وقد خالف ابن مسعود هنا ابن عباس وعائشة وأنسًا رضي الله عنهم، فقال ما ظهر منها الثياب والجلباب.
ورأيي أن تفسير ابن عباس ومن وافقه هو الراجح ؛ لأن الاستثناء في الآية :(إلا ما ظهر منها)بعد النهي عن إبداء الزينة، يدل على نوع من الرخصة والتيسير، وظهور الرداء والجلباب وما شابهه من الثياب الخارجية ليس فيه شيء من الرخصة أو اليسر ورفع الحرج، لأن ظهورهما أمر ضروري وقسري ولا حيلة فيه.
ولهذا رجحه الطبري والقرطبي والرازي والبيضاوي وغيرهم، وهو قول الجمهور.
ورجح ذلك القرطبي بأنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما.
ويستأنس لذلك بالحديث الذي رواه أبو داود أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه.
والحديث لا تقوم به حجة وحده ؛ لما فيه من إرسال، وضعف الراوي عن عائشة كما هو معلوم، ولكن له شاهدًا من حديث أسماء بنت عميس، فيتقوى به، وبجريان عمل النساء عليه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته.. لهذا حسنه المحدِّث الألباني في كتبه :" حجاب المرأة المسلمة "، و" الإرواء " و " صحيح الجامع الصغير "، و " تخريج الحلال والحرام".
2 الأمر بضرب الخمار على الجيب لا على الوجه:.
قوله تعالى في شأن المؤمنات: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فالخمر جمع خمار، وهو غطاء الرأس، و الجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الصدر من القميص ونحوه، فأمر النساء المؤمنات أن يسدلن ويلقين بخمرهن وأغطية رؤوسهن بحيث تغطى النحور والصدور، ولا يدعنها مكشوفة كما كان نساء الجاهلية يفعلن.
فلو كان ستر الوجه واجبًا لصرحت به الآية، فأمرت بضرب الخمر على الوجوه، كما صرحت بضربها على الجيوب، ولهذا قال ابن حزم بعد ذكر الآية الكريمة: (فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه، لا يمكن غير ذلك أصلا). (المحلى 3/279).
3ـ أمر الرجال بغض الأبصار:.
أمر الرجال بغض أبصارهم في القرآن والسنة، كما قي قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون). (النور: 30).(5/1605)
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اضمنوا لي ستًا أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وغضوا أبصاركم.." الحديث. (رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب عن عبادة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 1018).
وقوله لعلي: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن بريدة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 7953).
وقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج..." رواه الجماعة عن ابن مسعود.
فلو كانت الوجوه كلها مستورة، وكان كل النساء منقبات، فما وجه الحث على الغض من الأبصار؟ وماذا عسى أن تراه الأبصار إذا لم تكن الوجوه سافرة يمكن أن تجذب وتفتن؟ وما معنى أن الزواج أغض للبصر إذا كان البصر لا يرى شيئًا من النساء؟.
4ـ آية: (ولو أعجبك حُسْنُهن):.
يؤكد ذلك قوله تعالى لرسوله: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن). (الأحزاب: 52).
فمن أين يعجبه حسنهن، إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟.
5ـ حديث: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته":.
تدل النصوص والوقائع الكثيرة على أن عامة النساء في عصر النبوة لم يكن منقبات إلا ما ندر، بل كن سافرات الوجوه.
من ذلك: ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود، عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأعجبته، فأتى زينب - زوجه - وهي تمعس منيئة - أي تدبغ أديمًا - فقضى حاجته، وقال:.
"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن ذاك يرد ما في نفسه". (رواه مسلم في "النكاح" برقم 1403).
ورواه الدارمي عن ابن مسعود، وجعل الزوجة "سَوْدَة" وفيه قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه، فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها".
وروى أحمد القصة من حديث أبي كبشة الأنماري، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها. فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال". (ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 235).
فسبب الحديث يدل على أن الرسول الكريم رأى امرأة معينة، فوقع في قلبه شهوة النساء، بحكم بشريته ورجولته، ولا يمكن أن يكون هذا إلا إذا رأى وجهها الذي به تعرف فلانة من غيرها، ورؤيته هي التي تحرك الشهوة البشرية، كما أن قوله: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته" إلخ.. يدل على أن هذا أمر ميسور ومعتاد.
6ـ حديث: "فصعد فيها النظر وصوبه":.(5/1606)
ومن ذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصعد فيها النظر وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.
ولو لم تكن سافرة الوجه، ما استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينظر إليها، ويطيل فيها النظر تصعيدًا وتصويبًا.
ولم يرد أنها فعلت ذلك للخطبة، ثم غطت وجهها بعد ذلك، بل ورد أنها جلست كما جاءت، ورآها بعض الحضور من الصحابة، فطلب من الرسول الكريم أن يزوجها إياه.
7ـ حديث الخثعمية والفضل بن عباس:.
ما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وذكر الحديث وفيه "فأخذ الفضل يلتفت وكانت امرأة حسناء، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحول وجه الفضل من الشق الآخر". (لفظ النسائي "وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفضل فحول وجهه من الشق الآخر").
قال ابن حزم:.
فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها -عليه السلام- على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ فصح كل ما قلنا يقينا! والحمد لله كثيرًا.
وروى الترمذي هذه القصة من حديث علي رضي الله عنه، وفيه: ولوي - أي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما".
وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). (الحديث في أبواب الحج، ورقمه 885).
قال العلامة لشوكاني:.
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة، حيث لم يأمرها بتغطية وجهها، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل، ولو لم يكن ما فهمه جائزًا ما أقره عليه -صلى الله عليه وسلم-.
قال في "نيل الأوطار":.
(وهذا الحديث يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة يعني آية: (وإذا سألتموهن متاعًا فسئلوهن من وراء حجاب) بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن قصة الفضل في حجة الوداع، وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة..). (نيل الأوطار جـ 6. دار الجيل، بيروت).
8ـ أحاديث أخرى:.
ومن الأحاديث التي لها دلالتها هنا ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.. إلى أن قال: ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن، فإن أكثركن(5/1607)
حطب جهنم"! فقامت امرأة من سطة (من سطة النساء: أي من خيارهن، والوسط: العدل والخيار). النساء سفعاء (السفعة - وزن غرفة - سواد مشرب بحمرة). الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة - الشكوى - وتكفرن العشير - أي الزوج- ". قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.
فمن أين لجابر - رضي الله عنه - أن يعرف أنها سفعاء الخدين إذا كان وجهها مغطى بالنقاب؟.
وروى البخاري قصة صلاة العيد عن ابن عباس أيضًا: أنه شهد العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه -عليه السلام- خطب بعد أن صلى، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، قال: "فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال".
قال ابن حزم: (فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة، والوجه، ليسا عورة). (المحلى 3/280).
وروى الحديث مسلم وأبو داود - واللفظ له - عن جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يوم الفطر، فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نزل، فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة، قال: تلقي المرأة فتخها، ويلقين ويلقين. (الحديث (1141) من سنن أبي داود، وأخرجه النسائي أيضًا).
قال أبو محمد بن حزم: (الفتخ خواتيم كبار كُنَّ يلبسنها في أصابعهن، فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ). (المحلى 11/221 مسألة رقم 1881).
ومنها ما جاء في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر، متلحفات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يُعرفن من الغَلَس".
وهو يدل بمفهومه على أنه يعرفن في غير حالة الغلس، وإنما يعرفن إذا كن سافرات الوجوه.
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه أن سُبَيْعة بنت الحارث كانت تحت سعد بن خولة وهو ممن شهد بدرًا، وقد توفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت - خرجت من نفاسها - تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك، وقال لها: "ما لي أراك متجملة؟ لعلك تريدين النكاح! إنك والله ما أنت بناكحة، حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر"، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسألته عن ذلك، فأفتاني أني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
فدل هذا الحديث على أن سبيعة ظهرت متجملة أمام أبي السنابل، وهو ليس بمحرم لها، بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد. ولولا أنها سافرة ما عرف إن كانت متجملة أم لا.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: أن رجلاً مرت به امرأة فأحدق بصره إليها. فمر بجدار، فمرس وجهه، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجهه يسيل دمًا.(5/1608)
فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل عقوبة ذنبه في الدنيا، وإذا أراد به غير ذلك أمهل عليه بذنوبه، حتى يوافي بها يوم القيامة، كأنه عَيْر". (أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/192، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. والعير: الحمار. وقد ذكر قبله عدة أحاديث بمعناه).
فدل هذا على أن النساء كن سافرات الوجوه، وكان منهن من تلفت بحسنها أنظار الرجال. إلى حد الاصطدام بالجدار، وحتى يسيل وجهه دمًا.
9ـ الصحابة يستغربون لبس النقاب:.
بل ثبت في السنة ما يدل على أن لبس المرأة للنقاب إذا وقع في بعض الأحيان، كان أمرًا غريبًا يلفت النظر، ويوجب السؤال والاستفهام.
روى أبو داود عن قيس بن شماس، رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقال لها: أم خلاد، وهي منتقبة (في بعض النسخ "متنقبة" والمعنى: أنها تلبس النقاب تغطي به وجهها).، تسأل عن ابنها، وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أُرْزَأَ ابني فلن أُرْزَأَ حيائي!.. الحديث. (رواه أبو داود في كتاب الجهاد من سننه برقم 2488).
ولو كان النقاب أمرًا معتادًا للنساء في ذلك الوقت ما كان هناك وجه لقول الراوي: أنها جاءت وهي منتقبة، وما كان ثمت معنى لاستغراب الصحابة وقولهم لها: "جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟".
ورد المرأة يدل على أن حياءها هو الذي دفعها إلى الانتقاب، وليس أمر الله ورسوله، ولو كان النقاب واجبًا شرعيًا، لأجابت بغير هذا الجواب، بل ما صدر السؤال أصلاً، فالمسلم لا يسأل: لماذا أقام الصلاة، أو آتي الزكاة، وفي القواعد المقررة: ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته.
10ـ ضرورة التعامل توجب معرفة الشخصية:.
إن ضرورة تعامل المرأة مع الناس في أمور معاشها يوجب أن تكون شخصيتها معروفة للمتعاملين معها، بائعة أو مشترية، أو موكلة، أو وكيلة، أو شاهدة أو مشهودًا لها أو عليها، ومن ثم نجد أن الفقهاء مُجْمِعون على أن المرأة أن تكشف عن وجهها إذا مثلت أمام القضاء، حتى يتعرف القاضي والشهود والخصوم على شخصيتها. ولا يمكن التعرف على شخصيتها والحكم بأنها فلانة بنت فلان، ما لم يكن وجهها معروفًا للناس من قبل، وإلا فإن كشف وجهها في مجلس القضاء لا يفيد شيئًا.
أدلة القائلين بوجوب النقاب:.
تلك هي أبرز أدلة الجمهور، فما أدلة من خالفهم، وهم قلة؟.
الحق أني لم أجد للقائلين بوجوب لبس النقاب، ووجوب تغطية الوجه واليدين دليلاً شرعيًا صحيح الثبوت، صريح الدلالة، سالمًا من المعارضة، بحيث ينشرح له الصدر ويطمئن به القلب.
وكل ما معهم متشابهات من النصوص تردها المحكمات وتعارضها الأدلة الواضحات.(5/1609)
وأذكر هنا أقوى ما استدلوا به، وأردُّ عليه:.
أ- من ذلك: ما جاء عن بعض المفسرين في قوله تعالى في "آية الجلباب" في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى:(يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). (الأحزاب: 59).
فقد روي عن عدد من مفسري السلف تفسير إدناء الجلابيب عليهن، أنهن يسترن بها جميع وجوههن، بحيث لا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة يبصرن بها.
وممن روي عنه ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني وغيرهم، ولكن ليس هناك اتفاق على معنى" الجلباب" ولا على معنى "الإدناء" في الآية.
والعجب أن يروى هنا عن ابن عباس، ما روي عنه خلافه في تفسير آية سورة النور: (إلا ما ظهر منها)!.
وأعجب منه أن يروي بعض المفسرين هذا وذاك، ويختاروا في سورة الأحزاب ما رجحوا عكسه في سورة النور!.
وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم في حديث أم عطية في صلاة العيد: إحدانا لا يكون لها جلباب.. إلخ. قال: قال النضر بن شميل: الجلباب ثوب أقصر - وأعرض - من الخمار، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل: هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة والملحفة. وقيل: هو الإزار، وقيل: الخمار. (صحيح مسلم بشرح النووي 2/542، ط الشعب).
وعلى كل حال، فإن قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) لا يستلزم ستر الوجه لغة ولا عرفًا، ولم يرد باستلزامه ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وقول بعض المفسرين: إنه يستلزمه معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه. كما قال صاحب "أضواء البيان" رحمه الله.
وبهذا سقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
ب ما جاء عن ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أن ما ظهر منها هو الرداء والثياب الظاهرة.
وهذا التفسير يعارضه ما صح عن غيره من الصحابة: ابن عباس وابن عمر وعائشة وأنس رضي الله عنهم، وعن غيرهم من التابعين: أنه الكحل والخاتم، أو مواضعهما من الوجه والكفين، وقد ذكر ابن حزم أن ثبوت ذلك عن الصحابة في غاية الصحة.
ويؤيد هذا التفسير ما ذكره العلامة أحمد بن أحمد الشنقيطي في (مواهب الجليل من أدلة خليل) قال: (من يتشبث بتفسير ابن مسعود: (إلا ما ظهر منها) يعني الملاءة - يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي، قال تعالى: (ولا يضرن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (أي الخلخال ونحوه. وذلك في نفس الآية 31 من سورة النور). فتعين حمل زينة المرأة على حليها. (مواهب الجليل 1/148 ط إدارة إحياء التراث الإسلامي في قطر).
يؤكد ذلك ما ذكرناه من قبل: أن الاستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاءة ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير.(5/1610)
جـ ما ذكره صاحب أضواء البيان من الاستدلال بقوله تعالى في نساء النبي: (وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن). (الأحزاب: 53).
فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) قرينة واضحة على إرادة الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين أن غير أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.
ولكن المتأمل في الآية وسياقها، يجد أن "الأطهرية" المذكورة في التعليل ليست من الريبة المحتملة من هؤلاء وأولئك، فإن هذا النوع من الريبة بعيد عن هذا المقام. ولا يتصور من أمهات المؤمنين، ولا ممن يدخل عليهن من الصحابة دخول هذا اللون من الريبة على قلوبهم وقلوبهن، إنما الأطهرية هنا من مجرد التفكير في الزواج الحلال الذي قد يخطر ببال أحد الطرفين، بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأما استدلال بعضهم بنفس قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب) فلا وجه له لأنه خاص بنساء النبي كما هو واضح، وقول بعضهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - لا يرد هنا؛ إذ اللفظ في الآية ليس عامًا. وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي مردود، لأنه قياس مع الفارق، فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن، ولهذا قال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء). (الأحزاب: 32).
د ما رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللواتي لم يحرمن.
ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام، يلبسن النقاب والقفازين اختيارًا منهن، ولكن أين في هذا الدليل على أن هذا كان واجبًا؟؟ بل لو استدل بهذا على العكس لكان معقولاً، فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة، مثل لبس المخيط والطيب والصيد ونحوها، وليس منها شيء كان واجبًا ثم صار بالإحرام محظورًا.
ولهذا استدل كثير من الفقهاء - كما ذكرنا من قبل - بهذا الحديث نفسه: أن الوجه واليدين ليسا عورة، وإلا لما أوجب كشفهما.
هـ ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
والحديث لا حجة فيه لوجوه:.
1ـ أن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال. ولا يحتج في الأحكام بضعيف.
2ـ أن هذا الفعل من عائشة رضي الله عنها لا يدل على والوجوب، فإن فعل الرسول نفسه لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟.
3ـ ما عرف في الأصول: أن وقائع الأحوال، إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال.(5/1611)
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكمًا خاصًا بأمهات المؤمنين من جملة أحكام خاصة بهن، كحرمة نكاحهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما إلى ذلك. (مواهب الجليل من أدلة خليل 1/185).
وـ ما رواه الترمذي مرفوعًا: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" قال الترمذي: حسن صحيح. وأخذ منه بعض الشافعية والحنابلة: أن المرأة كلها عورة ولم يستثنوا منها وجهًا ولا كفًا ولا قدمًا.
والصحيح أن الحديث لا يفيد هذه "الكلية" التي ذكروها، بل يدل على أن الأصل في المرأة هو التصون والستر، لا التكشف والابتذال، ويكفي لإثبات هذا أن يكون معظم بدنها عورة، ولو أخذ الحديث على ظاهره ما جاز كشف شيء منها في الصلاة، ولا في الحج، وهو خلاف الثابت بيقين.
وكيف يتصور أن يكون الوجه والكفان عورة، مع الاتفاق على كشفهما في الصلاة ووجوب كشفهما في الإحرام؟ وهل يعقل أن يأتي الشرع بتجويز كشف العورة في الصلاة، ووجوب كشفها في الإحرام؟.
زـ وهناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص، ذلكم هو سد الذريعة . فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا فُلَّتْ كل الأسلحة الأخرى.
وسد الذريعة يقصد به منع شيء مباح، خشية أن يوصل إلى الحرام، وهو أمر اختلف فيه الفقهاء ما بين مانع ومجوز، وموسع ومضيق، وأقام ابن القيم في "إعلام الموقعين" تسعة وتسعين دليلاً على مشروعيته.
ولكن من المقرر لدى المحققين من علماء الفقه والأصول: أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر الناس في دينهم ودنياهم، فإن المبالغة في سدها قد تضيع على الناس مصالح كثيرة أيضًا في معاشهم ومعادهم.
وإذا فتح الشارع شيئًا بنصوصه وقواعده، فلا ينبغي لنا أن نسده بآرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله، أو نشرع ما لم يأذن به الله.
وقد تشدد المسلمون في العصور الماضية تحت عنوان "سد الذريعة إلى الفتنة" فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد، وحرموها بذلك خيرًا كثيرًا، ولم يستطع أبواها ولا زوجها أن يعوضها ما يمنحها المسجد من علم ينفعها أو عظة تردعها، وكانت النتيجة أن كان كثير من النساء المسلمات يعشن ويمتن، ولم يركعن لله ركعة واحدة!.
هذا مع أن الحديث الصحيح الصريح يقول: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"! رواه مسلم.
وفي وقت من الأوقات دارت معارك جدلية بين بعض المسلمين وبعض حول جواز تعلم المرأة، وذهابها إلى المدارس والجامعات. وكانت حجة المانعين سد الذريعة، فالمرأة المتعلمة أقدر على المغازلة والمشاغلة بالمكاتبة والمراسلة، إلخ، ثم انتهت المعركة بإقرار الجميع بأن تتعلم المرأة كل علم ينفعها، وينفع أسرتها ومجتمعاتها، من علوم الدين أو الدنيا، وأصبح هذا أمرًا سائدًا في جميع بلاد المسلمين، من غير نكير من أحد منهم، إلا ما كان من خروج على آداب الإسلام وأحكامه.(5/1612)
ويكفينا الأحكام والآداب التي قررها الشرع، لتسد الذرائع إلى الفساد والفتن، من فرض اللباس الشرعي، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة، وإيجاب الجد والوقار في الكلام والمشي والحركة. مع وجوب غض البصر من المؤمنين والمؤمنات، وفي هذا ما يغنينا عن التفكير في موانع أخرى من عند أنفسنا.
ح ومما يستدل به هنا كذلك العرف العام الذي جرى عليه المسلمون عدة قرون، بستر وجوه النساء بالبراقع والنُّقُب وغيرها.
وقد قال بعض الفقهاء:.
والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار.
وقد نقل النووي وغيره عن إمام الحرمين - في استدلاله على عدم جواز نظر المرأة إلى الرجل - اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات.
ونرد على هذه الدعوى بجملة أمور:.
1ـ أن هذا العرف مخالف للعرف الذي ساد في عصر النبوة، وعصر الصحابة وخير القرون، وهم الذين يقتدي بهم فيهتدي.
2ـ أنه لم يكن عرفًا عامًا، بل كان في بعض البلاد دون بعض، وفي المدن دون القرى والريف، كما هو معلوم.
3ـ أن فعل المعصوم وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب، بل على الجواز والمشروعية فقط، كما هو مقرر في الأصول، فكيف بفعل غيره؟.
ومن هنا لا يدل هذا العرف حتى لو سلمنا أنه عام على أكثر من أنهم استحسنوا ذلك، احتياطًا منهم، ولا يدل على أنهم أوجبوه دينًا.
4ـ أن هذا العرف يخالفه عرف حادث الآن، دعت إليه الحاجة، وأوجبته ظروف العصر، واقتضاه التطور في شئون الحياة ونظم المجتمع، وتغير حال المرأة من الجهل إلى العلم، ومن الهمود إلى الحركة، ومن القعود في البيت إلى العمل في ميادين شتى.
وما بني من الأحكام على العرف في مكان ما، وزمان ما يتغير بتغيره.
شبهة أخيرة:.
وأخيرًا نعرض هنا لشبهة ذكرها بعض المتدينين الذين يميلون إلى التضييق على المرأة.
وخلاصتها: أننا نسلم بالأدلة التي أوردتموها بمشروعية كشف المرأة لوجهها كما نسلم بأن المرأة في العصر الأول عصر النبوة والراشدين كانت غير منقبة إلا في أحوال قليلة.
ولكن يجب أن نعلم أن ذلك العصر كان عصرًا مثاليًا، وفيه من النقاء الخلقي، والارتقاء الروحي، ما يؤمن معه أن تسفر المرأة عن وجهها، دون أن يؤذيها أحد. بخلاف عصرنا الذي انتشر فيه الفساد، وعم الانحلال، وأصبحت الفتنة تلاحق الناس في كل مكان فليس أولى من تغطية المرأة وجهها، حتى لا تفترسها الذئاب الجائعة التي تتربص بها في كل طريق.
وردي على هذه الشبهة بأمور:.(5/1613)
أولاً: أن العصر الأول وإن كان عصرًا مثاليًا حقًا، ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء، لم يكن إلا عصر بشر مهما كانوا، ففيهم ضعف البشر، وأهواء البشر، وأخطاء البشر، ولهذا كان فيهم من زنى، ومن أقيم عليه الحد، ومن ارتكب ما دون الزنى، وكان فيه الفُسَّاق والمُجَّان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف، وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلابيب عليهن، حتى يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين).
وقد نزلت آيات في سورة الأحزاب تهدد هؤلاء الفسقة والماجنين إذا لم يرتدعوا عن تصرفاتهم الشائنة، فقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قيلاً. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً). (الأحزاب: 60، 61).
ثانيًا: أن أدلة الشريعة - إذا ثبت صحتها وصراحتها - لها صفة العموم والخلود، فليست هي أدلة لعصر أو عصرين، ثم يتوقف الاستدلال بها. ولو صح هذا لكانت الشريعة مؤقتة لا دائمة، وهذا ينافي أنها الشريعة الخاتمة.
ثالثا: أننا لو فتحنا هذا الباب، لنسخنا الشريعة بآرائنا، فالمشددون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ميسرة بدعوى الورع والاحتياط، والمتسيبون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ضابطة، بدعوى مواكبة التطور، ونحوها.
والصواب أن الشريعة حاكمة لا محكومة، ومتبوعة لا تابعة، ويجب أن نخضع نحن لحكم الشريعة، لا أن تخضع الشريعة لحكمنا: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن). (المؤمنون: 71).
اعتبارات مرجحة لقول الجمهور:.
أعتقد أن الأمر قد اتضح بعد ما ذكرنا أدلة الفريقين، وتبين لنا أن رأي الجمهور أرجح دليلاً، وأقوم قيلاً، وأهدى سبيلاً.
ولكني أضيف هنا اعتبارات ترجيحية أخرى، تزيد رأي الجمهور قوة، وتريح ضمير كل مسلمة ملتزمة تأخذ به بلا حرج إن شاء الله.
لا تكليف ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح:.
أولاً: إن الأصل براءة الذمم من التكاليف، ولا تكليف إلا بنص ملزم، لذا كان موضوع الإيجاب والتحريم في الدين مما يجب أن يشدد فيه، ولا يتساهل في شأنه، حتى لا نلزم الناس بما لم يلزمهم الله به، أو نحرم عليهم ما أحل الله لهم، أو نحل لهم ما حرم الله عليهم، أو نشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى.
ولهذا كان أئمة السلف يتورعون من إطلاق كلمة حرام إلا فيما علم تحريمه جزمًا كما نقل ذلك الإمام ابن تيمية، وذكرته في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام".
والأصل في الأشياء والتصرفات العادية هو الإباحة، فما لم يوجد نص صحيح الثبوت، صريح الدلالة على التحريم، يبقى الأمر على أصل الإباحة، ولا يطالب المبيح بدليل، لأن ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته، إنما المُطالب بالدليل هو المحرم.
وفي موضوع كشف الوجه والكفين لا أرى نصًا صحيحًا صريحًا يدل على تحريم ذلك، ولو أراد الله تعالى أن يحرمه لحرمه بنص بين يقطع كل ريب، وقد قال(5/1614)
سبحانه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الأنعام: 119)، ولم نجد هذا فيما فصله لنا جَلَّ شأنه، فليس لنا أن نشدد فيما يسر الله فيه، حتى لا يقال لنا ما قيل لقوم حرموا الحلال في المطعومات: (قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون). (يونس: 59).
تغير الفتوى بتغير الزمان:.
ثانيًا: إن المقرر الذي لا خلاف عليه كذلك: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال.
وأعتقد أن زماننا هذا الذي أعطى للمرأة ما أعطى، يجعلنا نتبنى الأقوال الميسرة، التي تدعم جانب المرأة، وتقوي شخصيتها.
فقد استغل خصوم الإسلام من المنصرين والماركسيين والعلمانيين وغيرهم سوء حال المرأة في كثير من أقطار المسلمين، ونسبوا ذلك إلى الإسلام نفسه، وحالوا تشويه أحكام الشريعة وتعاليمها حول المرأة، وصوروها تصويرًا غير مطابق للحقيقة التي جاء بها الإسلام.
ومن هنا أرى أن من مرجحات بعض الآراء على بعض في عصرنا: أن يكون الرأي في صف المرأة وإنصافها وتمكينها من مزاولة حقوقها الفطرية والشرعية، كما بينت ذلك في كتابي "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية".
عموم البلوى:.
وأفضل للمسلمة المشتغلة بالدعوة: ألا تنتقب؛ حتى لا تضع حاجزًا بينها وبين سائر المسلمات، ومصلحة الدعوة هنا أهم من الأخذ بما تراه أحوط.
ثالثًا: إن مما لا نزاع فيه: أن "عموم البلوى" من أسباب التخفيف والتيسير كما يعلم ذلك المشتغلون بالفقه وأصوله، ولهذا شواهد وأدلة كثيرة.
وقد عمت البلوى في هذا العصر، بخروج النساء إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل، والمستشفيات والأسواق وغيرها، ولم تعد المرأة حبيسة البيت كما كانت من قبل. وهذا كله يحوجها إلى أن تكشف عن وجهها وكفيها، لضرورة الحركة والتعامل مع الحياة والأحياء، في الأخذ والعطاء والبيع والشراء، والفهم والإفهام.
وليت الأمر وقف عند المباح أو المختلف فيه من كشف الوجه والكفين، بل تجاوز ذلك إلى الحرام الصريح من كشف الذراعين والساقين، والرءوس والأعناق والنحور، وغزت نساء المسلمين تلك البدع الغربية "المودات" وغدونا نجد بين المسلمات الكاسيات العاريات، المميلات المائلات، اللائي وصفهن الحديث الصحيح أبلغ الوصف وأصدقه.
فكيف نشدد في هذا الأمر، وقد حدث هذا التسيب والتفلت أمام أعيننا؟ إن المعركة لم تعد حول "الوجه والكفين ": أيجوز كشفهما أم لا يجوز؟ بل المعركة الحقيقية مع أولئك الذين يريدون أن يجعلوا المرأة المسلمة صورة من المرأة الغربية، وأن يسلخوها من جلدها ويسلبوها هويتها الإسلامية، فتخرج كاسية عارية، مائلة مميلة.
فلا يجوز لأخواتنا وبناتنا " المنقبات " ولا إخواننا وأبنائنا من " دعاة النقاب " أن يوجهوا رماحهم وسهامهم إلى أخواتهم " المحجبات " ولا إلى إخوانهم من " دعاة الحجاب " ممن اقتنعوا برأي جمهور الأمة. وإنما يوجهونها إلى دعاة التكشف(5/1615)
والعري والانسلاخ من آداب الإسلام. إن المسلمة التي التزمت الحجاب الشرعي كثيرًا ما تخوض معركة في بيئتها وأهلها ومجتمعها، حتى تنفذ أمر الله بالحجاب فكيف نقول لها: إنك آثمة عاصية، لأنك لم تلبسي النقاب؟.
المشقة تجلب التيسير:.
رابعا: إن إلزام المرأة المسلمة - وخصوصًا في عصرنا - بتغطية وجهها ويديها فيه من الحرج والعسر والتشديد ما فيه، والله تعالى قد نفى عن دينه الحرج والعسر والشدة، وأقامه على السماحة واليسر والتخفيف والرحمة، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج: 78)، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185). (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا). (النساء: 28).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " بعثت بحنيفية سمحة " (رواه الإمام أحمد في مسنده). فهي حنيفية في العقيدة، سمحة في الأحكام.
وقد قرر فقهاؤنا في قواعدهم: أن المشقة تجلب التيسير، وقد أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نيسر ولا نعسر، ونبشر ولا ننفر، وقد بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين.
تنبيهات:.
على أن بعض التنبيهات مهمة ينبغي أن نذكرها:.
1- أن كشف الوجه لا يعني أن تملأه المرأة بالأصباغ والمساحيق، وكشف اليدين لا يعني أن تطيل أظافرها، وتصبغها بما يسمونه (المانوكير) وإنما تخرج محتشمة غير متزينة ولا متبرجة، وكل ما أبيح لها هنا هو الزينة الخفيفة، كما جاء عن ابن عباس وغيره: الكحل في عينيها، والخاتم في يديها.
2- أن القول بعدم وجوب النقاب، لا يعني عدم جوازه، فمن أرادت أن تنتقب فلا حرج عليها، بل قد يستحب لها ذلك - في رأي بعض الناس ممن يميلون دائمًا إلى تغليب جانب الاحتياط - إذا كانت جميلة يخشى الافتتان بها، وخصوصًا إذا كان النقاب لا يعوقها ولا يجلب عليها القيل والقال. بل ذهب كثير من العلماء إلى وجوب ذلك عليها. ولكني لا أجد من الأدلة ما يوجب عليها تغطية الوجه عند خوف الفتنة؛ لأن هذا أ مر لا ينضبط، والجمال نفسه أمر ذاتي، ورب امرأة يعدها إنسان جميلة، وآخر يراها عادية، أو دون العادية.
وقد ذكر بعض المؤلفين أن على المرأة أن تستر وجهها إذا قصد الرجل اللذة بالرؤية أو وجدها!.
ومن أين للمرأة أن تعرف قصده للذة أو وجدانها؟؟.
وأولى من ستر الوجه أن تنسحب من مجال الفتنة وتبتعد عنه، إذا لاحظت ذلك.
3ـ أنه لا تلازم بين كشف الوجه وإباحة النظر إليه، فمن العلماء من جوز الكشف، ولم يجز النظر، إلا النظرة الأولى العابرة، ومنهم من أباح النظر إلى ما يباح كشفه لكن بغير شهوة فإذا وجد شهوة أو قصدها حرم النظر عليه وهو الذي أختار.
هذا ملخص لآراء العلماء في هذه المسألة ويمكنك الأخذ بأي منها ولا حرج في ذلك إن شاء الله وللمسلمات في بلاد الغرب وضع خاص قد يخفف عنهن بعض ما لا يخفف للمقيمات في بلاد الإسلام والله تعالى أعلى وأعلم(5/1616)
ـــــــــــــــــــ
حكم النقاب ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20874 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يقول أحد المحسوبين على علماء المسلمين أن النقاب ليس واجبا، وأن هذا هو رأي الجمهور، وإجماع السلف الصالح. وقد بحثت بنفسي كثيرا في أمر النقاب فلم أجد لكلامه أصلا، بل وجدت عكس ذلك. فهل كلام هذا الرجل صحيح؟ أم أن الإسلام أصبح لقمة سائغة في أفواه من تشفعوا للأصنام، وأفتوا بجواز قتل المسلم الأمريكي للمسلم الأفغاني في الحرب الدائرة؟ وجزاكم الله عنا وعن المسلمين كل خير.
أخوكم : زهير حسن حميدات – فلسطين.
نص الفتوى
أخي الكريم سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
لقد آثرت أن أنقل إليك كلام الرجل الذي تتحدث عنه حتى تراجعه مرة أخرى فما أحسبه من الذين يتقولون على العلماء بغير ما قالوا ثم هو من المجتهدين الذين وعدهم رسول الله بأجر أو أجرين إن هم أخطأوا أو أصابوا وإني لأعيب عليك أن تنعت عالما من صغار علماء المسلمين بما نعت به الشيخ الجليل فأين أنا وأنت وأمثالنا من الحكم على مثل هؤلاء الأشاوس. يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي
"نعلم أن الجدل في هذه القضايا الخلافية لن ينتهي بمقالة تدبج، أو بحث يحرر، أو بكتاب يؤلف. وما دامت أسباب الاختلاف قائمة، فلن يزول الاختلاف بين الناس وإن كانوا مسلمين متدينين مخلصين.
بل قد يكون التدين والإخلاص أحيانًا من أسباب حدة الخلاف ؛ حيث يتحمس كل طرف لرأيه الذي يعتقد أنه الحق، وأنه الدين الذي يحاسب عليه ثوابًا أو عقابًا.
سيظل الاختلاف قائمًا ما دامت النصوص نفسها التي تستنبط منها الأحكام قابلة للاختلاف في ثبوتها ودلالتها، وما دامت أفهام البشر متفاوتة في القدرة على الاستنباط، ومدى الأخذ بظاهر النص، أو بفحواه، بالرخصة أو بالعزيمة،. بالأحوط أم بالأيسر.
سيظل الاختلاف قائمًا ما دام في الناس من يأخذ بشدائد ابن عمر، ومن يأخذ برخص ابن عباس، وما دام فيهم من يصلي العصر في الطريق، ومن لا يصليها إلا في بني قريظة.(5/1617)
ومن رحمة الله بنا أن هذا النوع من الاختلاف لا حرج فيه ولا إثم، والمخطئ فيه معذور، بل مأجور أجرًا واحدًا، بل هناك من يقول: لا مخطيء في هذه الاجتهادات الفرعية، بل كلٌّ مصيب.
وقد اختلف الصحابة ومن تبعهم بإحسان في فروع الدين، فما ضرهم ذلك، ووسع بعضهم بعضًا، وصلى بعضهم وراء بعض، دون نكير.
ومع إيماني بأن الخلاف سيظل قائمًا، لابد لي أن أستجيب إلى سؤالكم وأعيد القول في الموضوع، زيادة في البيان، لعل الله يوفقني فيه لكلمة سواء، تقطع النزاع، أو على الأقل تخفف من حدته، وتهون من شدته فتريح ضمائر أهل الحجاب وتسهل الأمر على دعاة النقاب.
كشف الوجه والكفين مذهب جمهور الفقهاء:.
وأود أن أبادر هنا، فأؤكد حقيقة لا تحتاج إلى تأكيد ؛ لأنها عند أهل العلم معروفة غير منكرة، مشهورة غير مهجورة، وهي أن القول بعدم وجوب النقاب وبجواز كشف الوجه والكفين من المرأة المسلمة أمام الرجل الأجنبي غير المحرم لها، هو قول جمهور فقهاء الأئمة، منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم.
فلا وجه إذن للضجة المفتعلة، والزوبعة المصطنعة، التي أثارها بعض المخلصين من غير أهل العلم، وبعض المتشددين من طلبة العلم، ضد ما قاله بعض دعاة الإسلام في بعض كتبه، أو بعض مقالاته، كأنما أتى ببدع من القول، أو جديد من الرأي، وما هو إلا قول الأئمة المعتبرين والفقهاء المعدودين.. كما سنبين بعد.. كما أنه القول الذي تعضده الأدلة والآثار، ويسنده النظر والاعتبار، ويؤكده الواقع في خير الأعصار.
مذهب الحنفية:.
ففي " الاختيار " من كتب الحنفية يقول:.
(ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية، إلا إلى الوجه والكفين، إن لم يخف الشهوة.. وعن أبي حنيفة: أنه زاد القدم، لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء، ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب، لإقامة معاشها ومعادها، لعدم من يقوم بأسباب معاشها.
قال: والأصل فيه قوله تعالى: (ولا يُبْدِين زِيَنَتَهُنَّ إلا ما ظَهَر منها) قال عامة الصحابة: الكحل والخاتم، والمراد موضعهما، كما بينا أن النظر إلى نفس الكحل والخاتم والحلي وأنواع الزينة حلال للأقارب والأجانب، فكان المراد موضع الزينة، بطريق حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.
قال: وأما القدم، فروي أنه ليس بعورة مطلقًا لأنها تحتاج إلى المشي فيبدو، ولأن الشهوة في الوجه واليد أكثر، فلأن يحل النظر إلى القدم كان أولى.
وفي رواية: القدم عورة في حق النظر دون الصلاة). (الاختيار لتعليل المختار، تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي 4/156).
مذهب المالكية:.
وفي الشرح الصغير للدردير المسمى " أقرب المسالك إلى مذهب مالك ":.
(وعورة الحرة مع رجل أجنبي منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن غير الوجه والكفين.. وأما هما فليسا بعورة).(5/1618)
وقال الصاوي في حاشيته معلقا: (أي فيجوز النظر لهما لا فرق بين ظاهرهما وباطنهما، بغير قصد لذة ولا وجدانها، وإلا حرم.
قال: وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها ؟.وهو الذي لابن مرزوق قائلا: وهو مشهور المذهب.
أو لا يجب عليها ذلك، وإنما على الرجل غض بصره ؟ وهو مقتضى نقل المواق عن عياض.
وفصل زرُّوق في شرح الوغليسية بين الجميلة، فيجب، وغيرها فيستحب). (حاشية الصاوي على الشرح الصغير بتعليق د. مصطفى كمال وصفي، ط دار المعارف بمصر، 1/289).
في مذهب الشافعية:.
وقال الشيرازي صاحب " المهذب " من الشافعية.
(وأما الحرة فجميع بدنها عورة، إلا الوجه والكفين (قال النووي: إلى الكوعين لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال ابن عباس: وجهها وكفيها (قال النووي " في المجموع ": هذا التفسير المذكور عن ابن عباس قد رواه البيهقي عنه وعن عائشة رضي الله عنهم)، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- " نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب " (الحديث في صحيح البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما : " لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين) ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء، فلم يجعل ذلك عورة).
وأضاف النووي في شرحه للمهذب " المجموع ": (إن من الشافعية من حكى قولاً أو وجها أن باطن قدميها ليس بعورة، وقال المزني: القدمان ليستا بعورة، والمذهب الأول). (المجموع 3/167، 168).
في مذهب الحنابلة:.
وفي مذهب الحنابلة نجد ابن قدامة في " المغنى" (المغني 1/1، 6، ط المنار).يقول (لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها، وفي الكفين روايتان:.
واختلف أهل العلم، فأجمع أكثرهم على أن لها أن تصلي مكشوفة الوجه، وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة.
وقال أبو حنيفة: القدمان ليستا من العورة، لأنهما يظهران غالبًا فهما كالوجه.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة لأن ابن عباس قال في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكفين ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب، ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء.
وقال بعض أصحابنا: المرأة كلها عورة ؛ لأنه قد روي في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (المرأة عورة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح لكن رخص(5/1619)
لها في كشف وجهها وكفيها لما في تغطيته من المشقة، وأبيح النظر إليه لأجل الخطبة لأنه مجمع المحاسن، وهذا قول أبي بكر الحارث بن هشام، قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها).ا هـ كلام المغني.
مذاهب أخرى:.
وذكر الإمام النووي في " المجموع " في بيان مذاهب العلماء في العورة: (أن عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين، وبه قال مع الشافعي مالك وأبو حنيفة والأوزاعي وأبو ثور وطائفة، ورواية عن أحمد.
وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: قدماها أيضًا ليسا بعورة.
وقال أحمد: جميع بدنها إلا وجهها فقط...) إلخ. (المجموع للنووي 3/169).
وهو مذهب داود أيضًا كما في " نيل الأوطار". (نيل الأوطار 2/55 ط دار الجيل بيروت).
أما ابن حزم فيستثني الوجه والكفين جميعًا كما في " المحلى".
وسنذكر بعض ما استدل به في موضعه.
وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين كما هو واضح من تفسيرهم لمعنى: (ما ظهر منها) في سورة النور.
أدلة القائلين بجواز كشف الوجه والكفين:.
نستطيع أن نذكر أهم الأدلة الشرعية التي استند إليها القائلون بعدم وجوب النقاب وجواز كشف الوجه واليدين وهم جمهور الأئمة فيما يأتي، وفيها الكفاية إن شاء الله.
1ـ تفسير الصحابة لقوله: (إلا ما ظهر منها):.
إن جمهور العلماء من الصحابة ومن تبعهم بإحسان فسروا قوله تعالى في سورة النور: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) بأنه الوجه والكفان، أو الكحل والخاتم وما في معناهما من الزينة.
وقد ذكر الحافظ السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور " جملة وفيرة من هذه الأقوال.
فأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: هو خضاب الكف، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: وجهها، وكفاها، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: رقعة الوجه، وباطن الكف.(5/1620)
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والَفَتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الوجه وثغرة النحر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والكف.
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: الكفان والوجه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا إلى ها هنا ويقبض نصف الذراع.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، عن المسور بن مخرمة في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: القلبين يعني السوار، والخاتم، والكحل.
وأخرج سعيد وابن جرير عن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الخاتم والمسكة، قال ابن جريج وقالت عائشة رضي الله عنها: "القلب، والفتخة".قالت عائشة: دخلت على ابنة أخي لأمي، عبد الله بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعرض.. فقالت عائشة رضي الله عنها: إنها ابنة أخي وجارية فقال : " إذا عركت المرأة لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا " وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى ا.هـ. (انظر: الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية 31 من سورة النور).
وقد خالف ابن مسعود هنا ابن عباس وعائشة وأنسًا رضي الله عنهم، فقال ما ظهر منها الثياب والجلباب.
ورأيي أن تفسير ابن عباس ومن وافقه هو الراجح ؛ لأن الاستثناء في الآية :(إلا ما ظهر منها)بعد النهي عن إبداء الزينة، يدل على نوع من الرخصة والتيسير، وظهور الرداء والجلباب وما شابهه من الثياب الخارجية ليس فيه شيء من الرخصة أو اليسر ورفع الحرج، لأن ظهورهما أمر ضروري وقسري ولا حيلة فيه.
ولهذا رجحه الطبري والقرطبي والرازي والبيضاوي وغيرهم، وهو قول الجمهور.
ورجح ذلك القرطبي بأنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما.
ويستأنس لذلك بالحديث الذي رواه أبو داود أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا " وأشار إلى وجهه وكفيه.
والحديث لا تقوم به حجة وحده ؛ لما فيه من إرسال، وضعف الراوي عن عائشة كما هو معلوم، ولكن له شاهدًا من حديث أسماء بنت عميس، فيتقوى به، وبجريان عمل(5/1621)
النساء عليه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته.. لهذا حسنه المحدِّث الألباني في كتبه :" حجاب المرأة المسلمة "، و" الإرواء " و " صحيح الجامع الصغير "، و " تخريج الحلال والحرام".
2 الأمر بضرب الخمار على الجيب لا على الوجه:.
قوله تعالى في شأن المؤمنات: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) فالخمر جمع خمار، وهو غطاء الرأس، و الجيوب: جمع جيب، وهو فتحة الصدر من القميص ونحوه، فأمر النساء المؤمنات أن يسدلن ويلقين بخمرهن وأغطية رؤوسهن بحيث تغطى النحور والصدور، ولا يدعنها مكشوفة كما كان نساء الجاهلية يفعلن.
فلو كان ستر الوجه واجبًا لصرحت به الآية، فأمرت بضرب الخمر على الوجوه، كما صرحت بضربها على الجيوب، ولهذا قال ابن حزم بعد ذكر الآية الكريمة: (فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه، لا يمكن غير ذلك أصلا). (المحلى 3/279).
3ـ أمر الرجال بغض الأبصار:.
أمر الرجال بغض أبصارهم في القرآن والسنة، كما قي قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون). (النور: 30).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اضمنوا لي ستًا أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وغضوا أبصاركم.." الحديث. (رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب عن عبادة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 1018).
وقوله لعلي: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن بريدة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 7953).
وقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج..." رواه الجماعة عن ابن مسعود.
فلو كانت الوجوه كلها مستورة، وكان كل النساء منقبات، فما وجه الحث على الغض من الأبصار؟ وماذا عسى أن تراه الأبصار إذا لم تكن الوجوه سافرة يمكن أن تجذب وتفتن؟ وما معنى أن الزواج أغض للبصر إذا كان البصر لا يرى شيئًا من النساء؟.
4ـ آية: (ولو أعجبك حُسْنُهن):.
يؤكد ذلك قوله تعالى لرسوله: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن). (الأحزاب: 52).
فمن أين يعجبه حسنهن، إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟.
5ـ حديث: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته":.
تدل النصوص والوقائع الكثيرة على أن عامة النساء في عصر النبوة لم يكن منقبات إلا ما ندر، بل كن سافرات الوجوه.(5/1622)
من ذلك: ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود، عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأعجبته، فأتى زينب - زوجه - وهي تمعس منيئة - أي تدبغ أديمًا - فقضى حاجته، وقال:.
"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن ذاك يرد ما في نفسه". (رواه مسلم في "النكاح" برقم 1403).
ورواه الدارمي عن ابن مسعود، وجعل الزوجة "سَوْدَة" وفيه قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه، فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها".
وروى أحمد القصة من حديث أبي كبشة الأنماري، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها. فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال". (ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 235).
فسبب الحديث يدل على أن الرسول الكريم رأى امرأة معينة، فوقع في قلبه شهوة النساء، بحكم بشريته ورجولته، ولا يمكن أن يكون هذا إلا إذا رأى وجهها الذي به تعرف فلانة من غيرها، ورؤيته هي التي تحرك الشهوة البشرية، كما أن قوله: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته" إلخ.. يدل على أن هذا أمر ميسور ومعتاد.
6ـ حديث: "فصعد فيها النظر وصوبه":.
ومن ذلك ما رواه الشيخان عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصعد فيها النظر وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئًا جلست.
ولو لم تكن سافرة الوجه، ما استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينظر إليها، ويطيل فيها النظر تصعيدًا وتصويبًا.
ولم يرد أنها فعلت ذلك للخطبة، ثم غطت وجهها بعد ذلك، بل ورد أنها جلست كما جاءت، ورآها بعض الحضور من الصحابة، فطلب من الرسول الكريم أن يزوجها إياه.
7ـ حديث الخثعمية والفضل بن عباس:.
ما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وذكر الحديث وفيه "فأخذ الفضل يلتفت وكانت امرأة حسناء، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحول وجه الفضل من الشق الآخر". (لفظ النسائي "وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفضل فحول وجهه من الشق الآخر").
قال ابن حزم:.
فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها -عليه السلام- على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ فصح كل ما قلنا يقينا! والحمد لله كثيرًا.(5/1623)
وروى الترمذي هذه القصة من حديث علي رضي الله عنه، وفيه: ولوي - أي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما".
وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح). (الحديث في أبواب الحج، ورقمه 885).
قال العلامة لشوكاني:.
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة، حيث لم يأمرها بتغطية وجهها، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل، ولو لم يكن ما فهمه جائزًا ما أقره عليه -صلى الله عليه وسلم-.
قال في "نيل الأوطار":.
(وهذا الحديث يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة يعني آية: (وإذا سألتموهن متاعًا فسئلوهن من وراء حجاب) بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن قصة الفضل في حجة الوداع، وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة..). (نيل الأوطار جـ 6. دار الجيل، بيروت).
8ـ أحاديث أخرى:.
ومن الأحاديث التي لها دلالتها هنا ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.. إلى أن قال: ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم"! فقامت امرأة من سطة (من سطة النساء: أي من خيارهن، والوسط: العدل والخيار). النساء سفعاء (السفعة - وزن غرفة - سواد مشرب بحمرة). الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة - الشكوى - وتكفرن العشير - أي الزوج- ". قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.
فمن أين لجابر - رضي الله عنه - أن يعرف أنها سفعاء الخدين إذا كان وجهها مغطى بالنقاب؟.
وروى البخاري قصة صلاة العيد عن ابن عباس أيضًا: أنه شهد العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه -عليه السلام- خطب بعد أن صلى، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، قال: "فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال".
قال ابن حزم: (فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة، والوجه، ليسا عورة). (المحلى 3/280).
وروى الحديث مسلم وأبو داود - واللفظ له - عن جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يوم الفطر، فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نزل، فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة، قال: تلقي المرأة فتخها، ويلقين ويلقين. (الحديث (1141) من سنن أبي داود، وأخرجه النسائي أيضًا).
قال أبو محمد بن حزم: (الفتخ خواتيم كبار كُنَّ يلبسنها في أصابعهن، فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ). (المحلى 11/221 مسألة رقم 1881).(5/1624)
ومنها ما جاء في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر، متلحفات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يُعرفن من الغَلَس".
وهو يدل بمفهومه على أنه يعرفن في غير حالة الغلس، وإنما يعرفن إذا كن سافرات الوجوه.
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه أن سُبَيْعة بنت الحارث كانت تحت سعد بن خولة وهو ممن شهد بدرًا، وقد توفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت - خرجت من نفاسها - تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك، وقال لها: "ما لي أراك متجملة؟ لعلك تريدين النكاح! إنك والله ما أنت بناكحة، حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر"، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسألته عن ذلك، فأفتاني أني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
فدل هذا الحديث على أن سبيعة ظهرت متجملة أمام أبي السنابل، وهو ليس بمحرم لها، بل هو ممن تقدم لخطبتها بعد. ولولا أنها سافرة ما عرف إن كانت متجملة أم لا.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: أن رجلاً مرت به امرأة فأحدق بصره إليها. فمر بجدار، فمرس وجهه، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجهه يسيل دمًا. فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل عقوبة ذنبه في الدنيا، وإذا أراد به غير ذلك أمهل عليه بذنوبه، حتى يوافي بها يوم القيامة، كأنه عَيْر". (أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/192، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. والعير: الحمار. وقد ذكر قبله عدة أحاديث بمعناه).
فدل هذا على أن النساء كن سافرات الوجوه، وكان منهن من تلفت بحسنها أنظار الرجال. إلى حد الاصطدام بالجدار، وحتى يسيل وجهه دمًا.
9ـ الصحابة يستغربون لبس النقاب:.
بل ثبت في السنة ما يدل على أن لبس المرأة للنقاب إذا وقع في بعض الأحيان، كان أمرًا غريبًا يلفت النظر، ويوجب السؤال والاستفهام.
روى أبو داود عن قيس بن شماس، رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقال لها: أم خلاد، وهي منتقبة (في بعض النسخ "متنقبة" والمعنى: أنها تلبس النقاب تغطي به وجهها).، تسأل عن ابنها، وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أُرْزَأَ ابني فلن أُرْزَأَ حيائي!.. الحديث. (رواه أبو داود في كتاب الجهاد من سننه برقم 2488).
ولو كان النقاب أمرًا معتادًا للنساء في ذلك الوقت ما كان هناك وجه لقول الراوي: أنها جاءت وهي منتقبة، وما كان ثمت معنى لاستغراب الصحابة وقولهم لها: "جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟".(5/1625)
ورد المرأة يدل على أن حياءها هو الذي دفعها إلى الانتقاب، وليس أمر الله ورسوله، ولو كان النقاب واجبًا شرعيًا، لأجابت بغير هذا الجواب، بل ما صدر السؤال أصلاً، فالمسلم لا يسأل: لماذا أقام الصلاة، أو آتي الزكاة، وفي القواعد المقررة: ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته.
10ـ ضرورة التعامل توجب معرفة الشخصية:.
إن ضرورة تعامل المرأة مع الناس في أمور معاشها يوجب أن تكون شخصيتها معروفة للمتعاملين معها، بائعة أو مشترية، أو موكلة، أو وكيلة، أو شاهدة أو مشهودًا لها أو عليها، ومن ثم نجد أن الفقهاء مُجْمِعون على أن المرأة أن تكشف عن وجهها إذا مثلت أمام القضاء، حتى يتعرف القاضي والشهود والخصوم على شخصيتها. ولا يمكن التعرف على شخصيتها والحكم بأنها فلانة بنت فلان، ما لم يكن وجهها معروفًا للناس من قبل، وإلا فإن كشف وجهها في مجلس القضاء لا يفيد شيئًا.
أدلة القائلين بوجوب النقاب:.
تلك هي أبرز أدلة الجمهور، فما أدلة من خالفهم، وهم قلة؟.
الحق أني لم أجد للقائلين بوجوب لبس النقاب، ووجوب تغطية الوجه واليدين دليلاً شرعيًا صحيح الثبوت، صريح الدلالة، سالمًا من المعارضة، بحيث ينشرح له الصدر ويطمئن به القلب.
وكل ما معهم متشابهات من النصوص تردها المحكمات وتعارضها الأدلة الواضحات.
وأذكر هنا أقوى ما استدلوا به، وأردُّ عليه:.
أ- من ذلك: ما جاء عن بعض المفسرين في قوله تعالى في "آية الجلباب" في سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى:(يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين). (الأحزاب: 59).
فقد روي عن عدد من مفسري السلف تفسير إدناء الجلابيب عليهن، أنهن يسترن بها جميع وجوههن، بحيث لا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة يبصرن بها.
وممن روي عنه ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني وغيرهم، ولكن ليس هناك اتفاق على معنى" الجلباب" ولا على معنى "الإدناء" في الآية.
والعجب أن يروى هنا عن ابن عباس، ما روي عنه خلافه في تفسير آية سورة النور: (إلا ما ظهر منها)!.
وأعجب منه أن يروي بعض المفسرين هذا وذاك، ويختاروا في سورة الأحزاب ما رجحوا عكسه في سورة النور!.
وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم في حديث أم عطية في صلاة العيد: إحدانا لا يكون لها جلباب.. إلخ. قال: قال النضر بن شميل: الجلباب ثوب أقصر - وأعرض - من الخمار، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل: هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة والملحفة. وقيل: هو الإزار، وقيل: الخمار. (صحيح مسلم بشرح النووي 2/542، ط الشعب).
وعلى كل حال، فإن قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن) لا يستلزم ستر الوجه لغة ولا عرفًا، ولم يرد باستلزامه ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وقول(5/1626)
بعض المفسرين: إنه يستلزمه معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه. كما قال صاحب "أضواء البيان" رحمه الله.
وبهذا سقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
ب ما جاء عن ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أن ما ظهر منها هو الرداء والثياب الظاهرة.
وهذا التفسير يعارضه ما صح عن غيره من الصحابة: ابن عباس وابن عمر وعائشة وأنس رضي الله عنهم، وعن غيرهم من التابعين: أنه الكحل والخاتم، أو مواضعهما من الوجه والكفين، وقد ذكر ابن حزم أن ثبوت ذلك عن الصحابة في غاية الصحة.
ويؤيد هذا التفسير ما ذكره العلامة أحمد بن أحمد الشنقيطي في (مواهب الجليل من أدلة خليل) قال: (من يتشبث بتفسير ابن مسعود: (إلا ما ظهر منها) يعني الملاءة - يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي، قال تعالى: (ولا يضرن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (أي الخلخال ونحوه. وذلك في نفس الآية 31 من سورة النور). فتعين حمل زينة المرأة على حليها. (مواهب الجليل 1/148 ط إدارة إحياء التراث الإسلامي في قطر).
يؤكد ذلك ما ذكرناه من قبل: أن الاستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاءة ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير.
جـ ما ذكره صاحب أضواء البيان من الاستدلال بقوله تعالى في نساء النبي: (وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن). (الأحزاب: 53).
فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) قرينة واضحة على إرادة الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين أن غير أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.
ولكن المتأمل في الآية وسياقها، يجد أن "الأطهرية" المذكورة في التعليل ليست من الريبة المحتملة من هؤلاء وأولئك، فإن هذا النوع من الريبة بعيد عن هذا المقام. ولا يتصور من أمهات المؤمنين، ولا ممن يدخل عليهن من الصحابة دخول هذا اللون من الريبة على قلوبهم وقلوبهن، إنما الأطهرية هنا من مجرد التفكير في الزواج الحلال الذي قد يخطر ببال أحد الطرفين، بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأما استدلال بعضهم بنفس قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب) فلا وجه له لأنه خاص بنساء النبي كما هو واضح، وقول بعضهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - لا يرد هنا؛ إذ اللفظ في الآية ليس عامًا. وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي مردود، لأنه قياس مع الفارق، فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن، ولهذا قال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء). (الأحزاب: 32).
د ما رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللواتي لم يحرمن.(5/1627)
ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام، يلبسن النقاب والقفازين اختيارًا منهن، ولكن أين في هذا الدليل على أن هذا كان واجبًا؟؟ بل لو استدل بهذا على العكس لكان معقولاً، فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة، مثل لبس المخيط والطيب والصيد ونحوها، وليس منها شيء كان واجبًا ثم صار بالإحرام محظورًا.
ولهذا استدل كثير من الفقهاء - كما ذكرنا من قبل - بهذا الحديث نفسه: أن الوجه واليدين ليسا عورة، وإلا لما أوجب كشفهما.
هـ ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
والحديث لا حجة فيه لوجوه:.
1ـ أن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال. ولا يحتج في الأحكام بضعيف.
2ـ أن هذا الفعل من عائشة رضي الله عنها لا يدل على والوجوب، فإن فعل الرسول نفسه لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟.
3ـ ما عرف في الأصول: أن وقائع الأحوال، إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال.
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكمًا خاصًا بأمهات المؤمنين من جملة أحكام خاصة بهن، كحرمة نكاحهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما إلى ذلك. (مواهب الجليل من أدلة خليل 1/185).
وـ ما رواه الترمذي مرفوعًا: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" قال الترمذي: حسن صحيح. وأخذ منه بعض الشافعية والحنابلة: أن المرأة كلها عورة ولم يستثنوا منها وجهًا ولا كفًا ولا قدمًا.
والصحيح أن الحديث لا يفيد هذه "الكلية" التي ذكروها، بل يدل على أن الأصل في المرأة هو التصون والستر، لا التكشف والابتذال، ويكفي لإثبات هذا أن يكون معظم بدنها عورة، ولو أخذ الحديث على ظاهره ما جاز كشف شيء منها في الصلاة، ولا في الحج، وهو خلاف الثابت بيقين.
وكيف يتصور أن يكون الوجه والكفان عورة، مع الاتفاق على كشفهما في الصلاة ووجوب كشفهما في الإحرام؟ وهل يعقل أن يأتي الشرع بتجويز كشف العورة في الصلاة، ووجوب كشفها في الإحرام؟.
زـ وهناك دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص، ذلكم هو سد الذريعة . فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا فُلَّتْ كل الأسلحة الأخرى.
وسد الذريعة يقصد به منع شيء مباح، خشية أن يوصل إلى الحرام، وهو أمر اختلف فيه الفقهاء ما بين مانع ومجوز، وموسع ومضيق، وأقام ابن القيم في "إعلام الموقعين" تسعة وتسعين دليلاً على مشروعيته.
ولكن من المقرر لدى المحققين من علماء الفقه والأصول: أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر(5/1628)
الناس في دينهم ودنياهم، فإن المبالغة في سدها قد تضيع على الناس مصالح كثيرة أيضًا في معاشهم ومعادهم.
وإذا فتح الشارع شيئًا بنصوصه وقواعده، فلا ينبغي لنا أن نسده بآرائنا وتخوفاتنا فنحل بذلك ما حرم الله، أو نشرع ما لم يأذن به الله.
وقد تشدد المسلمون في العصور الماضية تحت عنوان "سد الذريعة إلى الفتنة" فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد، وحرموها بذلك خيرًا كثيرًا، ولم يستطع أبواها ولا زوجها أن يعوضها ما يمنحها المسجد من علم ينفعها أو عظة تردعها، وكانت النتيجة أن كان كثير من النساء المسلمات يعشن ويمتن، ولم يركعن لله ركعة واحدة!.
هذا مع أن الحديث الصحيح الصريح يقول: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"! رواه مسلم.
وفي وقت من الأوقات دارت معارك جدلية بين بعض المسلمين وبعض حول جواز تعلم المرأة، وذهابها إلى المدارس والجامعات. وكانت حجة المانعين سد الذريعة، فالمرأة المتعلمة أقدر على المغازلة والمشاغلة بالمكاتبة والمراسلة، إلخ، ثم انتهت المعركة بإقرار الجميع بأن تتعلم المرأة كل علم ينفعها، وينفع أسرتها ومجتمعاتها، من علوم الدين أو الدنيا، وأصبح هذا أمرًا سائدًا في جميع بلاد المسلمين، من غير نكير من أحد منهم، إلا ما كان من خروج على آداب الإسلام وأحكامه.
ويكفينا الأحكام والآداب التي قررها الشرع، لتسد الذرائع إلى الفساد والفتن، من فرض اللباس الشرعي، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة، وإيجاب الجد والوقار في الكلام والمشي والحركة. مع وجوب غض البصر من المؤمنين والمؤمنات، وفي هذا ما يغنينا عن التفكير في موانع أخرى من عند أنفسنا.
ح ومما يستدل به هنا كذلك العرف العام الذي جرى عليه المسلمون عدة قرون، بستر وجوه النساء بالبراقع والنُّقُب وغيرها.
وقد قال بعض الفقهاء:.
والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار.
وقد نقل النووي وغيره عن إمام الحرمين - في استدلاله على عدم جواز نظر المرأة إلى الرجل - اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات.
ونرد على هذه الدعوى بجملة أمور:.
1ـ أن هذا العرف مخالف للعرف الذي ساد في عصر النبوة، وعصر الصحابة وخير القرون، وهم الذين يقتدي بهم فيهتدي.
2ـ أنه لم يكن عرفًا عامًا، بل كان في بعض البلاد دون بعض، وفي المدن دون القرى والريف، كما هو معلوم.
3ـ أن فعل المعصوم وهو النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الوجوب، بل على الجواز والمشروعية فقط، كما هو مقرر في الأصول، فكيف بفعل غيره؟.
ومن هنا لا يدل هذا العرف حتى لو سلمنا أنه عام على أكثر من أنهم استحسنوا ذلك، احتياطًا منهم، ولا يدل على أنهم أوجبوه دينًا.
4ـ أن هذا العرف يخالفه عرف حادث الآن، دعت إليه الحاجة، وأوجبته ظروف العصر، واقتضاه التطور في شئون الحياة ونظم المجتمع، وتغير حال المرأة من(5/1629)
الجهل إلى العلم، ومن الهمود إلى الحركة، ومن القعود في البيت إلى العمل في ميادين شتى.
وما بني من الأحكام على العرف في مكان ما، وزمان ما يتغير بتغيره.
شبهة أخيرة:.
وأخيرًا نعرض هنا لشبهة ذكرها بعض المتدينين الذين يميلون إلى التضييق على المرأة.
وخلاصتها: أننا نسلم بالأدلة التي أوردتموها بمشروعية كشف المرأة لوجهها كما نسلم بأن المرأة في العصر الأول عصر النبوة والراشدين كانت غير منقبة إلا في أحوال قليلة.
ولكن يجب أن نعلم أن ذلك العصر كان عصرًا مثاليًا، وفيه من النقاء الخلقي، والارتقاء الروحي، ما يؤمن معه أن تسفر المرأة عن وجهها، دون أن يؤذيها أحد. بخلاف عصرنا الذي انتشر فيه الفساد، وعم الانحلال، وأصبحت الفتنة تلاحق الناس في كل مكان فليس أولى من تغطية المرأة وجهها، حتى لا تفترسها الذئاب الجائعة التي تتربص بها في كل طريق.
وردي على هذه الشبهة بأمور:.
أولاً: أن العصر الأول وإن كان عصرًا مثاليًا حقًا، ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء، لم يكن إلا عصر بشر مهما كانوا، ففيهم ضعف البشر، وأهواء البشر، وأخطاء البشر، ولهذا كان فيهم من زنى، ومن أقيم عليه الحد، ومن ارتكب ما دون الزنى، وكان فيه الفُسَّاق والمُجَّان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف، وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلابيب عليهن، حتى يعرفن بأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين).
وقد نزلت آيات في سورة الأحزاب تهدد هؤلاء الفسقة والماجنين إذا لم يرتدعوا عن تصرفاتهم الشائنة، فقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قيلاً. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً). (الأحزاب: 60، 61).
ثانيًا: أن أدلة الشريعة - إذا ثبت صحتها وصراحتها - لها صفة العموم والخلود، فليست هي أدلة لعصر أو عصرين، ثم يتوقف الاستدلال بها. ولو صح هذا لكانت الشريعة مؤقتة لا دائمة، وهذا ينافي أنها الشريعة الخاتمة.
ثالثا: أننا لو فتحنا هذا الباب، لنسخنا الشريعة بآرائنا، فالمشددون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ميسرة بدعوى الورع والاحتياط، والمتسيبون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ضابطة، بدعوى مواكبة التطور، ونحوها.
والصواب أن الشريعة حاكمة لا محكومة، ومتبوعة لا تابعة، ويجب أن نخضع نحن لحكم الشريعة، لا أن تخضع الشريعة لحكمنا: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن). (المؤمنون: 71).
اعتبارات مرجحة لقول الجمهور:.
أعتقد أن الأمر قد اتضح بعد ما ذكرنا أدلة الفريقين، وتبين لنا أن رأي الجمهور أرجح دليلاً، وأقوم قيلاً، وأهدى سبيلاً.(5/1630)
ولكني أضيف هنا اعتبارات ترجيحية أخرى، تزيد رأي الجمهور قوة، وتريح ضمير كل مسلمة ملتزمة تأخذ به بلا حرج إن شاء الله.
لا تكليف ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح:.
أولاً: إن الأصل براءة الذمم من التكاليف، ولا تكليف إلا بنص ملزم، لذا كان موضوع الإيجاب والتحريم في الدين مما يجب أن يشدد فيه، ولا يتساهل في شأنه، حتى لا نلزم الناس بما لم يلزمهم الله به، أو نحرم عليهم ما أحل الله لهم، أو نحل لهم ما حرم الله عليهم، أو نشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى.
ولهذا كان أئمة السلف يتورعون من إطلاق كلمة حرام إلا فيما علم تحريمه جزمًا كما نقل ذلك الإمام ابن تيمية، وذكرته في كتابي "الحلال والحرام في الإسلام".
والأصل في الأشياء والتصرفات العادية هو الإباحة، فما لم يوجد نص صحيح الثبوت، صريح الدلالة على التحريم، يبقى الأمر على أصل الإباحة، ولا يطالب المبيح بدليل، لأن ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته، إنما المُطالب بالدليل هو المحرم.
وفي موضوع كشف الوجه والكفين لا أرى نصًا صحيحًا صريحًا يدل على تحريم ذلك، ولو أراد الله تعالى أن يحرمه لحرمه بنص بين يقطع كل ريب، وقد قال سبحانه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الأنعام: 119)، ولم نجد هذا فيما فصله لنا جَلَّ شأنه، فليس لنا أن نشدد فيما يسر الله فيه، حتى لا يقال لنا ما قيل لقوم حرموا الحلال في المطعومات: (قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون). (يونس: 59).
تغير الفتوى بتغير الزمان:.
ثانيًا: إن المقرر الذي لا خلاف عليه كذلك: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال.
وأعتقد أن زماننا هذا الذي أعطى للمرأة ما أعطى، يجعلنا نتبنى الأقوال الميسرة، التي تدعم جانب المرأة، وتقوي شخصيتها.
فقد استغل خصوم الإسلام من المنصرين والماركسيين والعلمانيين وغيرهم سوء حال المرأة في كثير من أقطار المسلمين، ونسبوا ذلك إلى الإسلام نفسه، وحالوا تشويه أحكام الشريعة وتعاليمها حول المرأة، وصوروها تصويرًا غير مطابق للحقيقة التي جاء بها الإسلام.
ومن هنا أرى أن من مرجحات بعض الآراء على بعض في عصرنا: أن يكون الرأي في صف المرأة وإنصافها وتمكينها من مزاولة حقوقها الفطرية والشرعية، كما بينت ذلك في كتابي "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية".
عموم البلوى:.
وأفضل للمسلمة المشتغلة بالدعوة: ألا تنتقب؛ حتى لا تضع حاجزًا بينها وبين سائر المسلمات، ومصلحة الدعوة هنا أهم من الأخذ بما تراه أحوط.
ثالثًا: إن مما لا نزاع فيه: أن "عموم البلوى" من أسباب التخفيف والتيسير كما يعلم ذلك المشتغلون بالفقه وأصوله، ولهذا شواهد وأدلة كثيرة.(5/1631)
وقد عمت البلوى في هذا العصر، بخروج النساء إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل، والمستشفيات والأسواق وغيرها، ولم تعد المرأة حبيسة البيت كما كانت من قبل. وهذا كله يحوجها إلى أن تكشف عن وجهها وكفيها، لضرورة الحركة والتعامل مع الحياة والأحياء، في الأخذ والعطاء والبيع والشراء، والفهم والإفهام.
وليت الأمر وقف عند المباح أو المختلف فيه من كشف الوجه والكفين، بل تجاوز ذلك إلى الحرام الصريح من كشف الذراعين والساقين، والرءوس والأعناق والنحور، وغزت نساء المسلمين تلك البدع الغربية "المودات" وغدونا نجد بين المسلمات الكاسيات العاريات، المميلات المائلات، اللائي وصفهن الحديث الصحيح أبلغ الوصف وأصدقه.
فكيف نشدد في هذا الأمر، وقد حدث هذا التسيب والتفلت أمام أعيننا؟ إن المعركة لم تعد حول "الوجه والكفين ": أيجوز كشفهما أم لا يجوز؟ بل المعركة الحقيقية مع أولئك الذين يريدون أن يجعلوا المرأة المسلمة صورة من المرأة الغربية، وأن يسلخوها من جلدها ويسلبوها هويتها الإسلامية، فتخرج كاسية عارية، مائلة مميلة.
فلا يجوز لأخواتنا وبناتنا " المنقبات " ولا إخواننا وأبنائنا من " دعاة النقاب " أن يوجهوا رماحهم وسهامهم إلى أخواتهم " المحجبات " ولا إلى إخوانهم من " دعاة الحجاب " ممن اقتنعوا برأي جمهور الأمة. وإنما يوجهونها إلى دعاة التكشف والعري والانسلاخ من آداب الإسلام. إن المسلمة التي التزمت الحجاب الشرعي كثيرًا ما تخوض معركة في بيئتها وأهلها ومجتمعها، حتى تنفذ أمر الله بالحجاب فكيف نقول لها: إنك آثمة عاصية، لأنك لم تلبسي النقاب؟.
المشقة تجلب التيسير:.
رابعا: إن إلزام المرأة المسلمة - وخصوصًا في عصرنا - بتغطية وجهها ويديها فيه من الحرج والعسر والتشديد ما فيه، والله تعالى قد نفى عن دينه الحرج والعسر والشدة، وأقامه على السماحة واليسر والتخفيف والرحمة، قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (الحج: 78)، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185). (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا). (النساء: 28).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " بعثت بحنيفية سمحة " (رواه الإمام أحمد في مسنده). فهي حنيفية في العقيدة، سمحة في الأحكام.
وقد قرر فقهاؤنا في قواعدهم: أن المشقة تجلب التيسير، وقد أمرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نيسر ولا نعسر، ونبشر ولا ننفر، وقد بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين.
تنبيهات:.
على أن بعض التنبيهات مهمة ينبغي أن نذكرها:.
1- أن كشف الوجه لا يعني أن تملأه المرأة بالأصباغ والمساحيق، وكشف اليدين لا يعني أن تطيل أظافرها، وتصبغها بما يسمونه (المانوكير) وإنما تخرج محتشمة غير متزينة ولا متبرجة، وكل ما أبيح لها هنا هو الزينة الخفيفة، كما جاء عن ابن عباس وغيره: الكحل في عينيها، والخاتم في يديها.(5/1632)
2- أن القول بعدم وجوب النقاب، لا يعني عدم جوازه، فمن أرادت أن تنتقب فلا حرج عليها، بل قد يستحب لها ذلك - في رأي بعض الناس ممن يميلون دائمًا إلى تغليب جانب الاحتياط - إذا كانت جميلة يخشى الافتتان بها، وخصوصًا إذا كان النقاب لا يعوقها ولا يجلب عليها القيل والقال. بل ذهب كثير من العلماء إلى وجوب ذلك عليها. ولكني لا أجد من الأدلة ما يوجب عليها تغطية الوجه عند خوف الفتنة؛ لأن هذا أ مر لا ينضبط، والجمال نفسه أمر ذاتي، ورب امرأة يعدها إنسان جميلة، وآخر يراها عادية، أو دون العادية.
وقد ذكر بعض المؤلفين أن على المرأة أن تستر وجهها إذا قصد الرجل اللذة بالرؤية أو وجدها!.
ومن أين للمرأة أن تعرف قصده للذة أو وجدانها؟؟.
وأولى من ستر الوجه أن تنسحب من مجال الفتنة وتبتعد عنه، إذا لاحظت ذلك.
3ـ أنه لا تلازم بين كشف الوجه وإباحة النظر إليه، فمن العلماء من جوز الكشف، ولم يجز النظر، إلا النظرة الأولى العابرة، ومنهم من أباح النظر إلى ما يباح كشفه لكن بغير شهوة فإذا وجد شهوة أو قصدها حرم النظر عليه وهو الذي أختار.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــ
حكم تغطية الوجه ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 22237 ...
رقم الفتوى
... 31/01/2005 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم وحمة الله وبركاته .
حكم تغطية الوجه أفادكم الله، وهل يعمل على الالتزام والتوبة ومحو الذنوب التي فعلت ؟ وزيادة التقرب إلى الله؟
نص الفتوى
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فيقول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي:-
المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم - بعد الإيمان بالله واليوم الآخر- على رعاية الفضيلة والعفاف والتصون في العلاقة بين الرجل والمرأة، ومقاومة الإباحية والتحلل والانطلاق وراء الشهوات
وقد قام التشريع الإسلامي في هذا الجانب على سد الذرائع إلى الفساد، وإغلاق الأبواب التي تهب منها رياح الفتنة كالخلوة والتبرج، كما قام على اليسر ودفع الحرج(5/1633)
والعنت بإباحة ما لا بد من إباحته استجابة لضرورات الحياة، وحاجات التعامل بين الناس كإبداء الزينة الظاهرة للمرأة. مع أمر الرجال والنساء جميعا بالغض من الأبصار، وحفظ الفروج: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم)، (وقل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن، ولا يبدين من زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن).
وقد روى المفسرون عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) ، قال: الكف والخاتم والوجه، وعن ابن عمر: الوجه والكفان، وعن أنس: الكف والخاتم، قال ابن حزم: وكل هذا عنهم في غاية الصحة، وكذلك عن عائشة وغيرها من التابعين.
وتبعا للاختلاف في تفسير (ما ظهر منها) اختلف الأئمة في تحديد عورة المرأة اختلافا حكاه الشوكاني في "نيل الأوطار"، فمنهم من قال: جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وإلى ذلك ذهب الهادي والقاسم في أحد أقواله، وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه، ومالك. ومنهم من قال: ما عدا الوجه والكفين والقدمين والخلخال. وإلى ذلك ذهب القاسم في قول، وأبو حنيفة في رواية عنه، والثوري، وأبو العباس.
وقيل: بل جميعها إلا الوجه، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود
.
الوجه ليس بعورة
ولم يقل أحد بأن الوجه عورة إلا في رواية عن أحمد -وهو غير المعروف عنه- وإلا ما ذهب إليه بعض الشافعية.
والذي تدل عليه النصوص والآثار، أن الوجه والكفين ليسا بعورة، وهو ما روي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين والأئمة، واستدل ابن حزم -وهو ظاهري يتمسك بحرفية النصوص- بقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن) على إباحة كشف الوجه، حيث أمر بضرب الخمر على الجيوب لا على الوجوه، كما استدل بحديث البخاري عن ابن عباس أنه شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى، ثم أتى النساء، ومعه بلال، فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن. قال: فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه -أي المال- في ثوب بلال. قال: فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة ليست بعورة.
وروى الشيخان وأصحاب السنن عن ابن عباس، أن امرأة من خثعم، استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل ابن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: أن الفضل إلى الشق الآخر، وفي بعض ألفاظ الحديث "فلوى صلى الله عليه وسلم عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أرأيت شابا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما" وفي رواية: فلم آمن عليهما الفتنة".
وقد استنبط بعض المحدثين والفقهاء من هذا الحديث: جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بتغطية وجهها، ولو كان وجهها مغطى، ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء، وقالوا: لو لم يفهم العباس أن(5/1634)
النظر جائز ما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن فهمه صحيحا ما أقره النبي عليه.
وهذا بعد نزول آية الحجاب قطعا، لأنه في حجة الوداع سنة عشر، والآية نزلت سنة خمس.
وبناء على ما سبق يكون اللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية: ـ
أولا: أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله(إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان -كما سبق ذكره-.
ثانيا: ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟.
ثالثا: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها.
فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث ... وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة.
رابعا: ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل ... فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها ... حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ... فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة ... فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته ... فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء.
فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها.
هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به ... ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا واستراحوا(5/1635)
ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال ... وذلك شر وفتنة من فتن العصر ... أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته ... قفي عند حدك ... بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته ... لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة ... ولا أن يقول لها شيئا من ذلك ... ضعف الرجال ... لضعف الدين ... وضعف اليقين ... وضعف الإيمان.
والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم ... لا بد من هذا ... ولا بد أن نقاوم هذا الزحف ... وهذا التيار..
ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم ... وبتعاليمه القويمة ... سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته.
عادة الحجاب
أما الغلو في حجب النساء عامة الذي عرف في بعض البيئات والعصور الإسلامية، فهو من التقاليد التي استحدثها الناس احتياطا منهم، وسدا للذريعة في رأيهم، وليس مما أمر به الإسلام.
فقد أجمع المسلمون على شرعية صلاة النساء في المساجد مكشوفات الوجوه والكفين -على أن تكون صفوفهن خلف الرجال، وعلى جواز حضورهن مجالس العلم.
كما عرف من تاريخ الغزوات والسير أن النساء كن يسافرن مع الرجال إلى ساحات الجهاد والمعارك، يخدمن الجرحى، ويسقينهم الماء، وقد رووا أن نساء الصحابة كن يساعدن الرجال في معركة "اليرموك".
كما أجمعوا على أن للنساء المحرمات في الحج والعمرة كشف وجوههن في الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمار وغيرها، بل ذهب الجمهور إلى تحريم تغطية الوجه -ببرقع ونحوه- على المحرمة لحديث البخاري وغيره: "لا تتنقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين"
ومن الفتاوى السديدة ما أفتى به ابن عقيل الفقيه الحنبلي ردا على سؤال وجه إليه عن كشف المرأة وجهها في الإحرام -مع كثرة الفساد اليوم-: أهو أولى أم التغطية.
فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ورفع حكم ثبت شرعا بحوادث البدع لا يجوز، لأنه يكون نسخا بالحوادث، ويفضي إلى رفع الشرع رأسا. وليس ببدع أن يأمرها الشرع بالكشف، ويأمر الرجل بالغض، ليكون أعظم للابتلاء، كما قرب الصيد إلى الأيدي في الإحرام ونهى عنه. اهـ. نقله ابن القيم في بدائع الفوائد.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حجاب المرأة المسلمة ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى(5/1636)
... 21941 ...
رقم الفتوى
... 07/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هو الحجاب الشرعي للمراة المسلمة ؟!
نص الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد مما يخرج المرأة عن حد التبرج أن تكون ملابسها موافقة لأدب الشرع الإسلامي، واللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية: أولا: أن يغطي جميع الجسم عدا ما استثناه القرآن الكريم في قوله: (إلا ما ظهر منها) وأرجح الأقوال في تفسير ذلك أنه الوجه والكفان ثانيا: ألا يشف الثوب ويصف ما تحته. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها. ومعنى "كاسيات عاريات" أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر، فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة رضي الله عنها وعليهن ثياب رقاق فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها عروس عليها خمار رقيق، شفاف فقالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا" فكيف لو رأت عائشة ثياب هذا العصر التي كأنها مصنوعة من زجاج؟. ثالثا: ألا يحدد أجزاء الجسم ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا. فإن الثياب التي ترمينا بها حضارة الغرب، قد تكون غير شفافة، ولكنها تحدد أجزاء الجسم، ومفاتنه، فيصبح كل جزء من أجزاء الجسم محددا بطريقة مثيرة للغرائز الدنيا، وهذا أيضا شيء محظور وممنوع، وهو -كما قلت- صنع مصممي الأزياء اليهود العالميين الذين يحركون الناس كالدمى من وراء هذه الأمور كلها. فلابسات هذا النوع من الثياب "كاسيات عاريات".. يدخلن في الوعيد الذي جاء في هذا الحديث ... وهذه الثياب أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة. رابعا: ألا يكون لباسا يختص به الرجال: فالمعروف أن للرجال ملابس خاصة وللنساء ملابس خاصة أيضا.. فإذا كان الرجل معتادا أن يلبس لباسا معينا، بحيث يعرف أن هذا اللباس هو لباس رجل ... فليس للمرأة أن ترتدي مثل هذا اللباس، لأنه يحرم عليها ... حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ... فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لأن هذا عدوان على الفطرة ... فالله عز وجل خلق الذكر والأنثى، والرجل والمرأة، وميز كلا منهما بتركيب عضوي غير تركيب الآخر، وجعل لكل منهما وظيفة في الحياة، وليس هذا التميز عبثا، ولكن لحكمة، فلا يجوز أن نخالف هذه الحكمة ونعدو على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ونحاول أن نجعل من أحد الصنفين ما لم يخلق له وما لم يعد له بطبيعته وفطرته ... فالرجل حين يتشبه بالمرأة لن يكون امرأة، ولكنه لن يصبح رجلا لذلك.. فهو يفقد الرجولة، ولن يصل إلى الأنوثة، والمرأة التي تتشبه بالرجل، لن تكون رجلا(5/1637)
ولن تصبح امرأة كما ينبغي أن تكون النساء. فالأولى أن يقف كل من الجنسين عند حده، وعند وظيفته التي فطره الله عليها. هذا هو الواجب، ما عدا هذه الأمور، يكون هذا الزي زيا غير شرعي وغير معترف به ... ولو أن الناس عقلوا وأنصفوا والتزموا الحدود الشرعية لأراحوا واستراحوا ولكن النساء -مع الأسف- فتن بهذا البدع الذي يسمى "الموضة" وفتن الرجال أو ضعفوا أو أصبحوا لا رأي لهم، وبعد أن كان الرجال قوامين على النساء أصبح الحال وكأن النساء هن القوامات على الرجال ... وذلك شر وفتنة من فتن العصر ... أن لا يستطيع الرجل أن يقول لزوجته ... قفي عند حدك ... بل لا يستطيع أن يقول ذلك لابنته ... لا يستطيع أن يلزم ابنته الأدب والحشمة ... ولا أن يقول لها شيئا من ذلك ... ضعف الرجال ... لضعف الدين ... وضعف اليقين ... وضعف الإيمان. والواجب أن يسترجل الرجل، أن يعود إلى رجولته، فإن لم يكن إيمان، فرجولته يا قوم ... لا بد من هذا ... ولا بد أن نقاوم هذا الزحف ... وهذا التيار.. ومن فضل الله أن هناك مسلمين ومسلمات، يقفون صامدين أمام هذا الغزو الزاحف، يلتزمون آداب الإسلام في اللباس والحشمة ويستمسكون بدينهم ... وبتعاليمه القويمة ... سائلين الله عز وجل أن يكثر هؤلاء ويزدادوا، ليكونوا قدوات صالحة في مجتمعاتهم، ورمزا حيا لآداب الإسلام وأخلاقه ومعاملاته ... والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم تغطية وجه المرأة في الحج ...
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 14396 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السؤال رقم (4127)
قرأت لسيادتكم فتوى بأن على المرأة أن تغطي وجهها وكفيها، حتى لو كانت محرمة بحج أو عمرة، وأنه من المعروف أن الرسول ? قد ذكر أن المرأة أثناء الإحرام لا ترتدي النقاب ولا القفازين، فكيف تغطي المرأة وجهها أثناء الإحرام؛ هل ترتدي النقاب وهي محرمة؟ وهل ترتدي القفازين وهي محرمة؟ أم كيف تغطي وجهها وكفيها؟ ومن المعروف أنه في الحج يكون من المتعذر أن تبتعد عن الرجال لكثرة الزحام. نرجو تفصيل هذا الأمر ليتضح لنا الحق.
نص الفتوى
الحمد لله(5/1638)
لا تلبس المحرمة بحج أو عمرة نقاباً ولا قفازين حتى تحل من نسكها التحلل الأول، وإنما تسدل خمار رأسها على وجهها إذا خشيت أن يراها رجال أجانب، وليست خشيتها من ذلك مستمرة؛ لأن بعض النساء ينفردن بمحارمهن، ومن لم تتمكن من الإنفراد عن الأجانب تستمر سادلة خمارها على وجهها وقت المقتضي له، ولا حرج عليها في ذلك، وهكذا تغطي يديها بغير القفازين، كالعباءة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن قعود
عضو: عبدالله بن غديان
نائب رئيس اللجنة: عبدالرازق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف المرأة وجهها في الطواف ...
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 14400 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السؤال رقم (4151)
هل يجوز للمرأة الحاجة أو المعتمرة الطواف حول الكعبة وهي كاشفة عن وجهها بحضرة الرجال الأجانب؟
نص الفتوى
الحمد لله
وجه المرأة عورة لا يجوز كشفه لغير محرم، لا في الطواف ولا في غيره، ولا وهي محرمة أو غير محرمة، وإن طافت وهي كاشفة لوجهها أثمت بكشف وجهها، وصح طوافها، ولكن تستره بغير النقاب إن كانت محرمة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن قعود
عضو: عبدالله بن غديان
نائب رئيس اللجنة: عبدالرازق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
ـــــــــــــــــــ(5/1639)
حكم لبس البرقع في العمرة ...
عنوان الفتوى
... اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ...
اسم المفتى
... 14402 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الفتوى رقم (13264)
امرأة اعتمرت ثلاث مرات وكانت تلبس البرقع وكانت ترتدي من فوق البرقع غطاءً خفيفاً، وكانت تضعه أحياناً على البرقع، وترفعه أحياناً، وكانت تجهل حكم لبس البرقع، بالإضافة إلى عمرة الحج، وكانت تلبس البرقع أيضاً بالإضافة إلى أنها قامت بمشط شعرها ظهر اليوم الثامن في منى، فما الحكم يا فضيلة الشيخ؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للمرأة المحرمة بحج أو عمرة أن تتنقب؛ بأن تلبس نقاباً على وجهها، وهو البرقع، ولكن إذا كان بحضرتها رجال أجانب فإنها تسدل خمارها على وجهها، كما فعل ذلك نساء النبي ? في حجة الوداع، ومادام أن المرأة المذكورة لبست النقاب جهلاً فلا شيء عليها؛ لأنها معذورة بالجهل، ولا شيء عليها أيضاً في تسريح ومشط شعر رأسها إذا كان بغير الطيب.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن غديان
نائب رئيس اللجنة: عبدالرازق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين الخمار والنقاب والحجاب ...
عنوان الفتوى
... دار الإفتاء المصرية ...
اسم المفتى
... 19554 ...
رقم الفتوى
... 14/07/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...(5/1640)
نص السؤال
سئل : نرجو تحديد معانى هذه الألفاظ وهى الخمار والنقاب والحجاب ؟ .
نص الفتوى
أجاب : من القواعد العلمية ما يعرف بتحديد المفاهيم ، أو تصور الموضوع تصورا صحيحا حتى يمكن الحكم عليه ، فلابد من معرفة معانى الخمار والنقاب والحجاب قبل الحكم عليها .
1 - الخمار : هو واحد الخُمُر التى جاءت فى قوله تعالى {وليضربن بخمرهن على جيوبهن } النور : 31 ، وهو ما يغطى به الرأس بأى شكل من الأشكال كالطرحة والشال وما يعرف بالإيشارب ، ويقال فى ذلك : اختمرت المرأة وتخمرت ، وهى حسنة الخِمْرَة .
2 - للنقاب : هو ما تضعه المرأة على وجهها لستره ، ويسمى أيضا " البرقع " أو " النصيف " وهو معروف من زمن قديم عند اليهود كما فى سفر التكوين " إصحاح : 24" أن " رفقة " رفعت عينيها فرأت إسحاق ، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد : من هذا الرجل الماشى فى الحقل للقائى ؟ فقال : هو سيدى ، فأخذت البرقع وتغطت ، كما كان معروفا عند العرب قبل الإسلام ، وسمى باللثام ، كما يسمى بالخمار أيضا . قال النابغة الذبيانى يصف " المتجردة " امرأة النعمان ابن المنذر لما سقط برقعها وهى مارة على مجلس الرجال :
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه * فتناولته واتقتنا باليد .
3- الحجاب : فى اللغة هو الساتر كما قال تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } الأحزاب : 53 ، وكما قال { فاتخذت من دونهم حجابا } مريم : 17 .
ويراد به فى الشرع ما يمنع الفتنة بين الجنسين ، ويتحقق ذلك بستر العورة والغض من البصر ، ومنع الخلوة والكلام اللين و اللمس .
فالحجاب أعم من الخمار ومن النقاب ، وهما من مقوماته التى تتحقق بها حكمة التشريع وهى منع الفتنة بين الرجال والنساء ، أو تنظيمها ليؤدى كل من الجنسين رسالته فى هذا الوجود .
وبتحديد هذه المعانى يعرف حكم كل واحد منها ، وهو مفصل فى الجز الثانى من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام " وقد نتعرض له فى مواضع أخرى .
ـــــــــــــــــــ
لبس النقاب وقت الإحرام ...
عنوان الفتوى
... سعاد إبراهيم صالح ...
اسم المفتى
... 21080 ...
رقم الفتوى
... 10/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(5/1641)
... ...
نص السؤال
ما مشروعية لبس النقاب للأخت المسلمة أثناء الطواف حول الكعبة فى العمرة، وهل عند حدوث مخالفة للمشروع يكون هناك كفارة، وجزاكم الله خيراً
نص الفتوى
أختي السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
بالنسبة للإحرام، اتفق الفقهاء على أن إحرام المرأة في وجهها، وأجمع الفقهاء على أن المرأة المحرمة لا تغطي وجهها، ولا تلبس القفازين.
وقد روى ابن عمر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطّي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، ويدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حازونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا رفعنا"، وهذا هو المسنون عن زوجات النبي رضوان الله عليهن، وعلى ذلك فإن جميع الفقهاء وعامة العلماء متفقون على أن إحرام المرأة في وجهها، وأنها منهية عن تغطيته إلا إذا خافت الفتنة، أو مرّ الركبان، فإنه يجوز لها أن تسدل غطاء رأسها على وجهها ثم ترفعه بعد زوال هذا المعنى. ولا يؤثر هذا في صحة الحج أو العمرة ولا يوجب كفارة، ولكن ينبغي على المرأة المسلمة أن تلتزم في ذلك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
إحرام المرأة والنقاب ...
عنوان الفتوى
... سعاد إبراهيم صالح ...
اسم المفتى
... 21084 ...
رقم الفتوى
... 10/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هي حدود لبس المرأة النقاب فى الحج وهل تخلعه فى الطواف نريد إجابة شافية فى هذا الموضوع للضرورة.
نص الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم، بالنسبة للحج، اتفق الفقهاء على أن إحرام المرأة في وجهها، وأجمع الفقهاء على أن المرأة المحرمة لا تغطي وجهها، ولا تلبس القفازين.(5/1642)
وقد روى ابن عمر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطّي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، ويدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حازونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا رفعنا"، وهذا هو المسنون عن زوجات النبي رضوان الله عليهن، وعلى ذلك فإن جميع الفقهاء وعامة العلماء متفقون على أن إحرام المرأة في وجهها، وأنها منهية عن تغطيته إلا إذا خافت الفتنة، أو مرّ الركبان، فإنه يجوز لها أن تسدل غطاء رأسها على وجهها ثم ترفعه بعد زوال هذا المعنى. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم النقاب في الحج ...
عنوان الفتوى
... سعاد إبراهيم صالح ...
اسم المفتى
... 21085 ...
رقم الفتوى
... 10/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنسبة للنقاب فى الحج هل تكون بالخمار فقط أى تظهر وجهها فى الطواف والسعى ووقفة عرفات لأن السيدة عائشة قالت إذا مر الركب أسدلنا فلم يراهم أحد
أي أنهم يلبسون النقاب وهل يوجد مواضع إظهار وجهها ومواضع لا
هل يمكن أن تلبس بيشة واحدة فقط بدلا من النقاب ثم البيشة
رجاء سرعة الرد على هذه الأسئلة وجزاكم الله خيرا لسرعة الرد السابق
نص الفتوى
أخي الكريم كان ردنا عليك واضحا وهو أن النقاب لا يلبس في الحج إلا لخوف الفتنة فإذا خافت المرأة على من حولها أن يفتنهم جمالها كان لها أن تلبس النقاب، وإلا فلا حاجة للبس النقاب في الحج، والمتفق عليه عند الجمهور هو مشروعية خلع النقاب، ومسألة لبسه مختلف فيها فعليكم الخروج من الخلاف وعدم لبس الحجاب أثناء الحج ولا داعي أيضا لوضع هذه البيشة طالما أن الشرع فيه سعة فلماذا نضيق نحن على أنفسنا وأكرر لكم فتوى الدكتورة سعاد الصباح "بالنسبة للإحرام، اتفق الفقهاء على أن إحرام المرأة في وجهها، وأجمع الفقهاء على أن المرأة المحرمة لا تغطي وجهها، ولا تلبس القفازين.(5/1643)
وقد روى ابن عمر أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطّي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، ويدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حازونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا رفعنا"، وهذا هو المسنون عن زوجات النبي رضوان الله عليهن، وعلى ذلك فإن جميع الفقهاء وعامة العلماء متفقون على أن إحرام المرأة في وجهها، وأنها منهية عن تغطيته إلا إذا خافت الفتنة، أو مرّ الركبان، فإنه يجوز لها أن تسدل غطاء رأسها على وجهها ثم ترفعه بعد زوال هذا المعنى. ولا يؤثر هذا في صحة الحج أو العمرة ولا يوجب كفارة، ولكن ينبغي على المرأة المسلمة أن تلتزم في ذلك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
رأي الشيخين ابن باز وابن عثيمين في النقاب ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 1441 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما هي فتوى الشيخين ابن باز وابن عثيمين في حكم تغطية المرأة لوجهها؟
نص الفتوى
أختي الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
إليك أولا فتوى الشيخ بن باز في حكم ستر الوجه، قال رحمه الله "الواجب على المؤمنة هو التستر والحجاب ؛ لأن ظهور وجهها أو شيء من بدنها فتنة ، قال تعالى في كتابه العظيم : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ فبين سبحانه أن الحجاب أطهر للقلوب ، وعدم الحجاب خطر على قلوب الجميع ، ويقول الله جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ الآية والجلباب ما تضعه المرأة على رأسها وبدنها حتى تستر به وجهها وبدنها زيادة على الملابس العادية ، قال سبحانه : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ الآية ، فالواجب ستر الوجه وغيره من المرأة عن الأجنبي ، وهو من ليس محرما لها ،(5/1644)
لعموم الآيات المذكورات؛ ولأنه فتنة ومن أوضح الزينة فيها ، لكن لا مانع من اتخاذ النقاب وهو الذي فيه نقب للعين أو للعينين فقط ، هذا هو الشرع في الإسلام .
وفضيلة الشيخ ابن عثيمين على هذا الرأي أيضا وغالب علماء المملكة العربية السعودية موافقون لهما لم يشذ عن ذلك سوى العلامة ناصر الدين الألباني حيث يرى أن النقاب مكرمة للنساء لكثرة ما ثبت عنده من أحاديث تؤيد هذا المذهب وله في ذلك رسالة طيبة عنوانها "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" أنصحكم بقراءتها
والله تعالى أعلى وأعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم تغطية الوجه في الحج ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ...
اسم المفتى
... 1667 ...
رقم الفتوى
... 20/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم
أبي يغار على أمي ويريدها أن تغطي وجهها في الحج، علما بأنها منتقبة في الأصل ولكنها تود أن تخلعه في الحج لأنه لا يجوز تغطية الوجه في الحج، ماذا تفعل وهل عليها من وزر، وجزاكم الله خيرا
نص الفتوى
عزيزتي السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
الحمد لله والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى.
جعل الشارع الحكيم إحرام المرأة في وجهها وكفيها فلا تلبس النقاب والقفازان,
وما دام إحرامها في وجهها وكفيها فلا يجوز لها سترهما إلا لضرورة.
لكن عليها أن تسدل خمارها أو جلبابها على وجهها عند وجود رجال غير محارمها, وهكذا في الطواف والسعي, لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله, صلى الله عليه وسلم, فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه", (أخرجه أبو داود وإبن ماجه).
ويمكن أن يكون هذا حلا وسطا نسأل الله أن يرضي أباك
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
الزي الإسلامي في بلاد الكفار ...
عنوان الفتوى
... سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ...(5/1645)
اسم المفتى
... 11157 ...
رقم الفتوى
... 03/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لبس الثوب للرجل والعباءة للمرأة مع غطاء الوجه يثير الانتباه في بعض البلاد الكافرة مما يخشى منه المرء على نفسه وأهله فما رأي سماحتكم؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أظن أن هذا وهم وليس بحقيقة لأن الذي بلغنا أن الذين يلبسون ثيابهم المعتادة يكون لهم احترامهم هناك، وسبحان الله أوليسوا هم إذا قدموا إلى بلادنا يبقون على لباسهم؟! أليس جميع الأجناس يبقون على لباسهم المعتاد في بلاد غير بلادهم؟ فما أظن هذا إلا وهمًا، يعني ما أظن أن الإنسان يخشى عليه إذا بقي على لباسه المعتاد.
وهنا نسأل: ما هي النسبة التي حصلت للإنسان الذي بقي على لباسه بالنسبة للخطر على نفسه؟ وأنا لا أعتقد أن هناك خطرًا، ومع هذا أقول: لو لبس لباسهم المعتاد أي لباس البلد الذي هو فيه بشرط ألا يكون محرمًا جنسه في الإسلام فإنه لا بأس، أما بالنسبة للمرأة فتنتقب هناك، وأسمع أن النقاب لا يؤبه به ولا يلتفت الناس إليه لأنه معتاد كثيرًا.
ـــــــــــــــــــ
حكم النقاب ...
عنوان الفتوى
... عبد الله الفقيه ...
اسم المفتى
... 21610 ...
رقم الفتوى
... 30/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم لبس المرأة للنقاب؟ وهل له ثواب إذا كانت النية خالصة لوجه الله تعالى؟
نص الفتوى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد اختلف العلماء في وجوب تغطية الوجه والكفين من المرأة أمام الأجانب . فمذهب الإمام أحمد والصحيح من مذهب الشافعي أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها(5/1646)
أمام الرجال الأجانب ، لأن الوجه والكفين عورة بالنسبة للنظر ، ومذهب أبي حنيفة ومالك أن تغطيتهما غير واجبة ، بل مستحبة ، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية منذ زمن بعيد أنه يجب عليها سترهما عند خوف الفتنة بها أو عليها. والمراد بالفتنة بها : أن تكون المرأة ذات جمال فائق ، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق .
ولذلك فالمفتى به الآن وجوب تغطية الوجه والكفين على المعتبر من المذاهب الأربعة .
وعلى هذا : فمن كشفت وجهها فهي سافرة بهذا النظر .
وأما الأدلة على وجوب الستر من القرآن والسنة فكثيرة منها :
1- قوله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) [الأحزاب:59] .
وقد قرر أكثر المفسرين أن معنى الآية : الأمر بتغطية الوجه ، فإن الجلباب هو ما يوضع على الرأس ، فإذا اُدنِي ستر الوجه ، وقيل : الجلباب ما يستر جميع البدن ، وهو ما صححه الإمام القرطبي ، وأما قوله تعالى في سورة النور ( إلا ما ظهر منها ) ، فأظهر الأقوال في تفسيره : أن المراد ظاهر الثياب كما هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ، أو ما ظهر منها بلا قصد كأن ينكشف شيء من جسدها بفعل ريح أو نحو ذلك .
والزينة في لغة العرب ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي والثياب ، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة كالوجه والكفين خلاف الظاهر .
2- آية الحجاب وهي قوله تعالى ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) [الأحزاب:53] .
وهذه الطهارة ليست خاصة بأمهات المؤمنين ، بل يحتاج إليها عامة نساء المؤمنين ، بل سائر النساء أولى بالحكم من أمهات المؤمنين الطاهرات المبرءات.
3- قوله تعالى ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) [النور:31] . وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت " لما أنزلت هذه الآية أخذن أزورهن، فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها " .
قال الحافظ ابن حجر : {{ ( فاختمرن ) أي غطين وجوههن }} .
4- قوله تعالى: ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن)[النور:60] ، فدل الترخيص للقواعد من النساء وهن الكبيرات اللاتي لا يشتهين بوضع ثيابهن ، والمقصود به ترك الحجاب ، بدليل قوله بعد ذلك: ( غير متبرجات بزينة ) أي غير متجملات ، فيما رخص لهن بوضع الثياب عنه وهو الوجه ، لأنه موضع الزينة ، دلّ هذا الترخيص للنساء الكبيرات أن غيرهن ، وهن الشواب من النساء مأمورات بالحجاب وستر الوجه ، منهيات عن وضع الثياب ، ثم ختمت الآية بندب النساء العجائز بالاستعفاف ، وهو كمال التستر طلباً للعفاف ( وأن يستعففن خير لهن).(5/1647)
5- روى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ". وهذا دليل على أن جميع بدن المرأة عورة بالنسبة للنظر .
6- وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري وغيره .
قال الإمام أبوبكر بن العربي : وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج ، فإنها ترخي شيئا من خمارها على وجهها غير لاصق به وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها ، انتهى من عارضة الأحوذي .
وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كنا إذا مر بنا الركبان – في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه ، إلى غير ذلك من الأدلة ، وننصحك بقراءة كتاب " عودة الحجاب " للدكتور محمد أحمد إسماعيل ، القسم الثالث من الكتاب ، للوقوف على الأدلة مفصلة ، والله أعلم .
ومن هنا تعلمين أيتها الأخت المسلمة أن النقاب ولابد فضلية لها من الأجر ما لها ومختلف في وجوبها لعى النحو السالف
أما باقي الأسئلة فيرجى إرسالها من جديد كل سؤال على حدة لأنها ليست ذات موضوع واحد.
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف وجه المرأة أمام أخوة الزوج ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16381 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لي زوج أخت أخرى زوجته منتقبة ولكنه يجعلها ترفع النقاب أمام إخوته الرجال وعندما ناقشته في ذلك قال إن إخوتي في منزلتي ولا يمكن أن تختبئ عنهم مع العلم أننا ذكرناه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "عندما سئل عن الحمو فقال الحمو: الموت" [رواه البخاري في صحيحه ج6 ص158، 159. من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.] فماذا تفعل زوجته عند أمره لها برفع نقابها. وهل إن لم ترفعه عند إخوته تعتبر عاصية لزوجها وتأثم بذلك؟
نص الفتوى
الحمد لله
يظهر أن هذا الشخص معاند، لأنه يأمر زوجته أن تكشف وجهها لإخوانه رغم أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمو – وهو قريب الزوج – الموت يعني أن(5/1648)
خطره شديد وأنه أشد من غيره ومع هذا أصر على أن تكشف زوجته وجهها لإخوانه وقال إنهم بمنزلته وهذا خطأ ومعارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب على المرأة أن تحتجب من إخوة زوجها لأنهم أجانب منها وليس لهم علاقة بها لأنها أجنبية منهم وهم أجانب منها فعليها أن تحتجب وأن تغطي وجهها، ومع الأسف كثير من الرجال يلزمون أو يأمرون زوجاتهم بالمعصية مثل أن تكشف وجهها لأقاربهم وأن لا تحتجب أمامهم فالمرأة ضعيفة وقد تنصاع لأمر زوجها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" [رواه الإمام أحمد في مسنده ج5 ص66 بلفظ "في معصية الله" بدل "في معصية الخالق" من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما. ورواه البغوي في شرح السنة ج10 ص44 من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه. ورواه الخطيب التبريزي مشكاة المصابيح ج2 ص1092. من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.].
فلا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في هذه المسألة وهي كشف وجهها عند أقاربه لأن هذا معصية لله ولرسوله وطاعة الزوج إنما تكون بالمعروف فالواجب على الأزواج أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في نسائهم وأن لا يأمروهن بالمعصية بل الواجب أن يأمروهن بطاعة الله وينهوهن عن معصية الله لأن الله قد استرعاهم عليهن فهذا واجبهم أما أن يلزموا زوجاتهم بالمعصية فهذا حرام عليهم، ولا يلزم زوجاتهم حينئذٍ أن يطعنهم بل يحرم عليهم أن يطعنهم في ذلك.
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف وجه المرأة أمام زوج الأخت ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16382 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لي زوج أخت يقول إنني محرم على أخواتك تحريمًا مؤقتًا فيجوز أن يظهرن عليّ من غير نقاب بهذه الصفة فماذا أقول له وما هو القول الفصل في حكم النقاب؟
نص الفتوى
الحمد لله
هذا القول منه خطأ فأخوات زوجته وإن كنّ يحرمن عليه ما دامت أختهن في عصمته تحريمًا مؤقتًا فإنه أجنبي منهن لا يجوز لهنّ أن يكشفن وجوههنّ عنده أو يعتبرنه محرمًا لهنّ لأنه أجنبي منهن فقوله هذا خطأ ووهم لا يجوز إقراره عليه ويجب عليهن الحجاب منه، وأما بالنسبة للنقاب فتغطية الوجه واجبة على الصحيح من قولي العلماء وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة لقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى(5/1649)
جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.] ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.] وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن من نساء المسلمين وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة وهي قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 53.] فالعلة عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن ولغيرهن من النساء والطهارة مطلوبة للجميع لقوله تعالى في الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [سورة الأحزاب: آية 59.].
لما نزلت هذه الآية الكريمة بادر نساء الصحابة وخرجن إلى صلاة الفجر كأن على رؤوسهن [انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج3 ص497.] الغربان من سترهن لوجوههن ورؤوسهن وحديث عائشة صريح في هذا أيضًا وهو قولها "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات وكنّا إذا مرّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه" [رواه أبو داود في سننه ج2 ص173. ورواه ابن ماجه في سننه ج2 ص979. حديث عائشة رضي الله عنها.]، فهذا دليل على أنّ تغطية الوجه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن المرأة لا يجوز لها أن تكشف وجهها عند الرجال والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم لبس النقاب ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 16960 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
سائلة تقول: كثر الحديث حول النقاب ومدى حله أو حرمته، بماذا تنصحني فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع؟
نص الفتوى
الحمد لله
الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر على وجهها وسائر بدنها درءًا للفتنة عنها وعن غيرها.
والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو تدرج إلى ترك الحجاج، فالواجب على المرأة المسلمة أن تبقى على حجابها الشرعي الساتر، وتترك(5/1650)
هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحيلن على التخلص منه.
ـــــــــــــــــــ
حكم لبس النقاب ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17703 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم الشرع في نظركم في النقاب؛ فأنا امرأة ملتزمة بالشرع ومحافظة على صلواتي وواجباتي الزوجية؛ إلا أنني عند خروجي من المنزل أخرج عيني فقط من الشيلة للنظر بهما، مع أن باقي جسمي مغطى، ومنه الوجه ببشت أسود فضفاض، وألبس قفازين لليدين، والسبب في ذلك أنني أعاني من ضعف في البصر؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط؛ لأن هذا كان معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم [عرف ذلك – والله أعلم – من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في المُحرِمة... ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين؛ ومعنى ذلك أنها في غير الإحرام تلبسه. وانظر: "صحيح البخاري" (2/215).]، ومن أجل الحاجة؛ فإذا كان لا يبدو إلا العينان؛ فلا بأس بذلك، خصوصًا إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها.
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف الوجه للحاجة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17774 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال(5/1651)
هناك من يقول إن كشف الوجه ليس حرامًا، وبذلك لا يجب تغطيته عند ذلك في سائر الأوقات، وفي الحج بصفة خاصة، فأرجو إفادتي جزاكم الله خيرًا.
نص الفتوى
الحمد لله
الصحيح الذي تدل عليه الأدلة أن وجه المرأة من العورة التي يجب سترها، بل هو أشدُّ المواضع الفاتنة في جسمها؛ لأن الأبصار أكثر ما توجه إلى الوجه؛ لأنه مركز الجمال، ومحل مدح الشعراء أكثره في محاسن الوجه؛ فالوجه أعظم عورة في المرأة، مع ورود الأدلة الشرعية على وجوب ستر الوجه:
من ذلك قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: آية 31.]؛ فضرب الخمار على الجيوب يلزم منه تغطية الوجه.
ولما سُئِلَ ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} [سورة الأحزاب: آية 59.]؛ غطى وجهه، وأبدى عينًا واحدة؛ فهذا يدلّ على أن المراد بالآية تغطية الوجه، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما لهذه الآية؛ كما رواه عنه عبيدة السلماني لما سأله عن ذلك [انظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/497)... [وفيه أن محمد بن سيرين سأل عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل:...].].
ومن السنة أحاديث كثيرة منها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة أن تتنقب [رواه البخاري في "صحيحه" (2/215).]، وأن تلبس البرقع" [رواه البخاري في "صحيحه" (2/146).]، فدل على أنها قبل الإحرام كانت تغطي وجهها.
وليس معنى هذا أنها إذا أزالت البرقع والنقاب حال الإحرام أنها تُبقِي وجهها مكشوفًا، بل تستره بغير النقاب وبغير البرقع؛ بدليل حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فكنا إذا مرَّ بنا الرجال؛ سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا؛ كشفناه" [رواه أبي داود في "سننه" (2/173)، ورواه أيضًا ابن ماجه في "سننه" (2/979).]، فالمحرمة وغير المحرمة يجب عليها ستر وجهها عن الرجال الأجانب؛ لأن الوجه هو مركز الجمال، وهو محل النظر من الرجال؛ فلا حجة صحيحة مع من يرى أن الوجه ليس بعورة، وإنما الحجة الصحيحة مع من يرى أنه عورة. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها؟ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17775 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(5/1652)
... ...
نص السؤال
هل يجوز للمرأة أن تحج وهي كاشفة وجهها؟
نص الفتوى
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند الرجال الذين ليسوا من محارمها؛ لا في الحج، ولا في غيره؛ لأن الله أمر المرأة بالحجاب أمرًا عامًّا في جميع الأحوال، وفي الحج خاصة؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تنتقب [رواه البخاري في "صحيحه" (2/215).]؛ أي: أن تغطي وجهها بالنقاب؛ مما يدل على أنه معروف تغطية النساء وجوههن، ونهين عن هذا النوع من الأغطية خاصة؛ كما نهي الرجال عن لبس المخيط في حالة الإحرام، ولم تنه عن تغطية وجهها بغير النقاب؛ فقد جاء في الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها هي والنساء كنّ مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بهن الرجال؛ سدلت إحداهن خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزهن الرجال؛ كشفت وجوههن [رواه أبو داود في "سننه" (2/173)، ورواه أيضًا ابن ماجه في "سننه" (2/979).]؛ فهذا دليل صريح في وجوب تغطية المرأة وجهها في الحج وغيره، مع أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، ليس هذا موضع بسطها، بل إن المرأة في الحج أحرى أن تلتزم الحجاب وغيره من الواجبات؛ لأنها في عبادة عظيمة وفي موطن عظيم.
ـــــــــــــــــــ
ملابس المرأة في الحج ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 17776 ...
رقم الفتوى
... 06/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
هل من الضروري أن تلبس المرأة ثيابًا ذات ألوان محددة عند أداء مناسك الحج؟
نص الفتوى
الحمد لله
ليس للمرأة ثياب مخصصة تلبسها في الحج، وإنما تلبس ما جرت عادتها بلبسه مما يستر بدنها وليس فيه زينة ولا تشبه بالرجال، وإنما نهيت المرأة المحرمة عن لبس البرقع والنقاب مما خيط أو نسج للوجه خاصة، وعن لبس القفازين مما خيط أو نسج للكفين خاصة، ويجب أن تغطي وجهها بغير البرقع والنقاب، وتغطي كفيها بغير(5/1653)
القفازين؛ لأنهما عورة يجب سترها، وهي لم تنه عن تغطيتهما مطلقًا حال الإحرام، وإنما نهيت عن تغطيتهما بالبرقع والنقاب والقفازين فقط.
ـــــــــــــــــــ
حكم كشف وجه المرأة أمام أخوة الزوج ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ صالح الفوزان ...
اسم المفتى
... 18885 ...
رقم الفتوى
... 01/01/1900 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
لي زوج أخت أخرى زوجته منتقبة ولكنه يجعلها ترفع النقاب أمام إخوته الرجال وعندما ناقشته في ذلك قال إن إخوتي في منزلتي ولا يمكن أن تختبئ عنهم مع العلم أننا ذكرناه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "عندما سئل عن الحمو فقال الحمو: الموت" [رواه البخاري في صحيحه ج6 ص158، 159. من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.] فماذا تفعل زوجته عند أمره لها برفع نقابها. وهل إن لم ترفعه عند إخوته تعتبر عاصية لزوجها وتأثم بذلك؟
نص الفتوى
الحمد لله
يظهر أن هذا الشخص معاند، لأنه يأمر زوجته أن تكشف وجهها لإخوانه رغم أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمو – وهو قريب الزوج – الموت يعني أن خطره شديد وأنه أشد من غيره ومع هذا أصر على أن تكشف زوجته وجهها لإخوانه وقال إنهم بمنزلته وهذا خطأ ومعارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب على المرأة أن تحتجب من إخوة زوجها لأنهم أجانب منها وليس لهم علاقة بها لأنها أجنبية منهم وهم أجانب منها فعليها أن تحتجب وأن تغطي وجهها، ومع الأسف كثير من الرجال يلزمون أو يأمرون زوجاتهم بالمعصية مثل أن تكشف وجهها لأقاربهم وأن لا تحتجب أمامهم فالمرأة ضعيفة وقد تنصاع لأمر زوجها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" [رواه الإمام أحمد في مسنده ج5 ص66 بلفظ "في معصية الله" بدل "في معصية الخالق" من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما. ورواه البغوي في شرح السنة ج10 ص44 من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه. ورواه الخطيب التبريزي مشكاة المصابيح ج2 ص1092. من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.].
فلا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في هذه المسألة وهي كشف وجهها عند أقاربه لأن هذا معصية لله ولرسوله وطاعة الزوج إنما تكون بالمعروف فالواجب على الأزواج أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في نسائهم وأن لا يأمروهن بالمعصية بل الواجب أن(5/1654)
يأمروهن بطاعة الله وينهوهن عن معصية الله لأن الله قد استرعاهم عليهن فهذا واجبهم أما أن يلزموا زوجاتهم بالمعصية فهذا حرام عليهم، ولا يلزم زوجاتهم حينئذٍ أن يطعنهم بل يحرم عليهم أن يطعنهم في ذلك.
ـــــــــــــــــــ
حكم تنظيم المحاضرات للنساء ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11172 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
قام المركز الإسلامي في مدينتنا بتنظيم محاضرة للنساء، وقام المحاضر بإلقاء المحاضرة مباشرة من دون حاجز أو حجاب رغم معارضة بعض النساء لذلك وعدم رضاهن، ورغم وجود نساء كاشفات لوجوههن وأيديهن، وكان بالإمكان إلقاء المحاضرة من وراء ستار، ونتيجة لذلك حدثَ نقاش طويل بين بعض المسلمين عندنا، خصوصاً وأن إدارة المسجد ممثلة في اللجنة المنظمة رفضت أن يقوم أحد طلبة العلم في نفس اليوم بإلقاء محاضرة من وراء حجاب، وقد زاد من الخصومة أن المحاضر قال: إن آية {وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجاب} (الأحزاب:53) خاصة نزولاً وحكماً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تطبيقها على غيرهن؟وقال أيضاً إجابة على سؤال حول الاختلاط: (إن المحرَّم شرعاً هو الخلوة فقط، ولذلك لا مانع من استضافة المرأة للرجل الأجنبي في حال عدم الخلوة؟) وقال أيضاً: (إنه لا يرى أن تنتقب المرأة في البلاد الغربية حتى لا تعطي صورة غير مقبولة عن الإسلام)؟
السؤال: ما رأيكم فيما حدث؟ وهل يجوز ذلك شرعاً؟ وما رأيكم فيما قاله المحاضر حول الاختلاط والنقاب؟ وهل يجوز الإنكار عليه؟ أفيدونا مأجورين.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن ما فعله هذا المحاضر لا يجوز في الإسلام، فإن وقوف الرجل أمام النساء المتبرجات من أعظم أسباب الفتنة ولو أمنه هذا الرجل لم يأمنه غيره، ومتى فتح الباب لهم توصلوا إلى المحظور من النظر المحرم وما يجره من الفواحش، وقد نهى الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن التبرج بقوله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}(الأحزاب:33) وهذا الخطاب يعم كل المؤمنات لأن الله ذمّه بإضافته إلى الجاهلية، والتبرج هو إبداء الزينة ولا شك أن الوجه هو مجمع محاسن المرأة وبه تحصل الفتنةو يحصل التقارب، فإن بقية جسدها قد لا يحصل به تفاوت(5/1655)
بين النساء ولا شك أن النساء فتنة لكل مفتون، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)(أخرجه أحمد وهو عند مسلم)، ولّما أذن لهن في الصلاة في المسجد قال: (وليخرجن تفلات)(أخرجه أحمد وأبو داود).
ـــــــــــــــــــ
حكم مصافحة زوجة الأخ ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11178 ...
رقم الفتوى
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أنا من إخوانكم في الله، ومنَّ الله عليَّ بالإِستقامة ولله الحمد، وأسكن أنا وأخي في بيت واحد، وكلٌ منا متزوج، فهل يجوز أن أصافح زوجة أخي مع حضور المحرم كزوجها أو زوجتي أو أطفالنا؟ وهل يجوز أن أجلس معها مع حضور المحرم وهي بلباس الرداء المعتاد عندنا والنقاب المعروف عندنا بالبرقع بدون أن تضع على وجهها خماراً؟ وهل يجوز أن أُعَلمَهَأ أمور الدين كذلك هل يجوز أن أسألها عن نواقص البيت؟ وجهوني جزاكم الله خيراً.
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يجوز أن تصافح زوجة أخيك فأنت غير محرم لها، فلا يحل لمس امرأة أجنبية ولو كان بحضور زوجها أو أحد محارمها أو نساء غيرها أو أطفال عندكم، فأما الجلوس معها فلا يجوز مع الخلوة والانفراد، ولو كانت متحجبة متسترة، فإن كان هناك محرم أو نساء زالت الخلوة بشرط التستر الكامل للوجه والبدن أي البرقع ضيق الفتحات والرداء الساتر للبدن كله، فأما تعليمها ومناقشتها في أمور الدين وسؤالها عن نواقص البيت فيجوز ذلك بشرط التستر الكامل وعدم الخلوة ويكون بكلام معتاد بقدر الحاجة والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم لبس النقاب الساتر للمرأة ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 10786 ...
رقم الفتوى(5/1656)
... 02/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما حكم لبس النقاب الساتر للمرأة، بحيث يكون عليه غطاء آخر ليس شفافاً، وخاصة في أماكن النساء؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يجوز إذا كان ضيق الفتحات، أو لبست فوقه غطاءً ساتراً، فأما إذا كان واسع الفتحات، فإنه فتنة يلفت الأنظار، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم لبس البرقع ...
عنوان الفتوى
... فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين ...
اسم المفتى
... 11152 ...
رقم الفتوى
... 03/06/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
ما موقف الشرع من البرقع الذي يلبسه كثير من النساء في بلادنا؟ وبعضهن يظهرن وجناتهن وحواجبهن وتصبح المرأة فتنة بهذا اللباس، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا شك أن النقاب الذي هو البرقع جائز إلا في الإحرام، ويشترط فيه أن يكون ضيق الفتحات لا يخرج من العين إلى قدر النظر، فإذا تجاوز ذلك وصار لافتاً للأَنظار فلا يجوز، ولا شك أن إبداء الوجنتين والحاجبين من العورة، فلا يجوز للمرأة لبسه بهذه الكيفية، وعلى المرأة أن تغطي وجهها بخمار ساتر فوق النقاب إذا كان واسع الفتحات ويكون الخمار على العين لا يمنع نظرها لكن يستر بشرة الوجه والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
إحرام المرأة ...
عنوان الفتوى
... مجموعة علماء ...
اسم المفتى
... 21576 ...
رقم الفتوى(5/1657)
... 22/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عندي سؤال لفضيلتكم و هو بشأن الفتاة التي تغطي وجهها بالخمار . فكما نعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن تغطي المرأة اذا أحرمت أن تغطي وجهها .
طيب اذا أحرمت فتاة تضع الخمار ونزعت الخمار في الباص الذي يتوجه إلى مكة, ثم نظر اليها رجل أجنبي عن طريق الخطأ, هل يحاسب إذا لم يمعن النظر ؟
قد يكون صورة لها من دون الخمار , فما هي الطريقة المثلى لعدم حدوث هذا الأمر؟؟
و بارك الله فيكم .
نص الفتوى
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فسؤالك أيتها الأخت له شقين:
الشق الأولى: إحرام المرأة
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يحرم على المرأة أن تلبس النقاب في الإحرام أو القفازين ، لأن إحرام المرأة في وجهها.
فأخرج الأئمة: البخاري وأبو داود والنسائي عن نافع :( ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ).
وقال ابن المنذر: لا نعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه يعني النقاب.
وقال ابن عبد البر: وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة.
ولكن الإمام ابن قدامة أجاب عن فعل أسماء أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة , فلا يكون اختلافا.
أخرج أبو داود والأثرم عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان الركبان يمرون بنا , ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا , سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها , فإذا جاوزونا كشفناه }.
ومعنى ذلك أنها تغطي وجهها بدون النقاب.
وعلى هذا يتضح أنه لا يجوز للمرأة لبس النقاب في الإحرام ، ولكن إن كانت لها حاجة إلى ذلك ، غطته بغير النقاب ، بحيث لا يمس البشرة ، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن المرأة تجب عليها الفدية إن انتقبت وهي محرمة .
وقال ابن عبد البر الصواب عندي نهي المرأة عنه ووجوب الفدية عليها به لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.(5/1658)
وخالفهم في ذلك كثير من الفقهاء ، وقالوا: لا يجب عليها ، وخاصة أنه روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تنتقب وهي محرمة .
وروي عن عائشة رضي الله عنها : تغطي المرأة وجهها إن شاءت.
وأما عن الحكمة من سفور المرأة عن وجهها في الإحرام ، فالأصل أن العبادة لله تعالى ، وأن الله تعالى يتعبد عباده رجالا ونساء بما يشاء، قال تعالى :(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
غير أن الله تعالى لم يجعل العبادة غير معقولة المعنى ، بل أتاح للناس أن ينظروا فيها ،وأن يخرجوا من أسرارها ما يفتح عليهم ، مما يقويهم على تأديتها .
ويمكن اعتبار أن الحكمة من سفور المرأة وجهها في الإحرام ما يلي :
الأول : ترويض النفس إلى الاستسلام لأمر الله دون مناقشة للأمر أو النظر فيه ، وفي ذلك تحقيق للعبودية ، حتى لو كان ذلك النقاب للمرأة ، فإن مقصود الشارع هو تمام العبودية لله تعالى دون نظر أو التفات إلى شيء.
الثاني : هو إخراج النفس عما اعتادت عليه ، فيكون أكثر إقبالا على عبادة الحج أو العمرة ، مما يحقق الإخلاص في قلبه ، ويتعود الخروج عن مألوف العادة ،فإن كانت خرجت عن شيء مشروع ، طاعة الله ، فإنه من الأولى أن تتعود النفس على الخروج عن العادات التي لا يقبلها الشرع .
الثالث : أن نسك الحج والعمرة تشبه كثيرا يوم القيامة ، و الناس يأتون فيها عرايا لا يبالون بما يرون، فكان حال ذلك تشبيها وتذكيرا بيوم القيامة الذي لا ينظر الإنسان فيه إلى شيء إلا إلى مصيره ، فيكون الانشغال في الحج بأداء النسك ، وتفريغ النفس تماما عن كل ما يعلق بها من سوى العبودية لله.
الرابع : أنه لما كان إحرام الرجل في رأسه ، فلا يجوز له أن يلبس شيئا على رأسه ، كان من باب المساواة في الحكم أن يكون للمرأة إحراما يناسبها ، فجاء الشرع جاعلا إحرامها في وجهها لا في رأسها .
هذا عن النقطة الأولى.
أما عن الشق الثاني: وهي موضوع هل يأثم إذا لم يدم النظر إليها الأصل أن لا ينظر الرجل إلى المرأة لا في الحج ولا في غيره إلا لحاجة فإذا أدام النظر إليها أثم وإذا كان نظره إليها عفويا فلا إثم عليه إن شاء الله.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
إحرام المرأة، واستخدام العطور ...
عنوان الفتوى
... محمد بكر إسماعيل ...
اسم المفتى
... 21161 ...
رقم الفتوى
... 11/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع(5/1659)
... ...
نص السؤال
1- كيفية إحرام المرأة؟
2- هل يمكن استخدام العطر أو الصابون المعطر فى الحج؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى وبعد:
جعل الشارع الحكيم إحرام المرأة في وجهها وكفيها فلا تلبس النقاب والقفازين,
وما دام إحرامها في وجهها وكفيها فلا يجوز لها سترهما إلا لضرورة.
ولها أن تلبس من جميع الثياب ما تشاء ولا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الطيب، والنقاب والقفازان لقول ابن عمر- رضي الله عنهما- (نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس، والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر ، أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف). والقفازان: كساء يدخل فيه الشخص يديه ليسترهما (الجونتي). والورس: نبت طيب الريح يصبغ به . والمعصفر: الثوب المصبوغ بالعصفر. والخز: نوع من الحرير.
أما استعمال الصابون والشامبو المعطر فلا يجوز للمرأة المحرمة استعماله لأنه نوع من الطيب لأن مس الطيب من محظورات الإحرام في حال الإحرام، واستخدام الصابون والشامبو المعطر في الحج محظور بعد الإحرام وقبل التحلل، لأن من جملة محظورات الإحرام مس الطيب، وهذه تشتمل عليه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
حكم حجاب الصغيرة ...
عنوان الفتوى
... محمد صالح المنجد ...
اسم المفتى
... 21964 ...
رقم الفتوى
... 30/11/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد الله فأنا ملتزمة بالحجاب وأرتدي النقاب وأريد أن تلنزم ابنتي بالزي الشرعي لحجاب. فهي عندها 12 سنة.
فهل إذا ارتدت بنطلون واسع وعليه بلوزة طويلة مع طرحة قصيرة يعتبر هذا الزي مناسبا للحجاب، ولا آخذ وزرا عليه وإذا كان هذا الزي غير شرعي للحجاب أرجو أن تفيدوني بالزي الصحيح وجزاكم الله خير الجزاء
نص الفتوى(5/1660)
الأخت السائلة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
الحمد لله
لا يعتبر الشخص مكلفاً إلا بعد البلوغ ، أما قبل البلوغ فلا تكليف عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ : عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ ) رواه أبو داود (4402) ، وعلى هذا فيجب على الفتاة أن ترتدي الحجاب الكامل إذا بلغت , وللبلوغ ثلاث علامات مشتركة بين الذكر والأنثى :
1- الاحتلام .
2- نبات الشعر الخشن حول العانة .
3- بلوغ خمس عشرة سنة .
وتزيد الأنثى بأمر رابع وهو :
4- الحيض .
فإذا حصل للفتاة إحدى علامات البلوغ هذه وجب عليها الإتيان بجميع الواجبات واجتناب جميع المحرمات ، ومن الواجبات ارتداء الحجاب .
ولكن ينبغي لولي أمر الفتاة أن يُعوِّدها على الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات قبل البلوغ , حتى تنشأ على ذلك , فلا يشق عليها الالتزام بها بعد البلوغ ، وهذا من الأصول التربوية المقررة في الشريعة .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر , وفرقوا بينهم في المضاجع " رواه أبو داود (495) وأحمد (2/187) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
وجاء هذا المعنى من حديث سبرة بن معبد عند أبي داود (494) والترمذي (407) وقال : حسن صحيح . والحديث صححه الألباني في "الإرواء" (247) .
وروى البخاري (1960) ومسلم (1136) في " صحيحيهما " من حديث الرُّبيع بنت معوذ في ذكر صيام عاشوراء عندما فرض صيامه على المسلمين , وفيه : فكنا بعد ذلك نصومه _ يعني عاشوراء _ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم ، إن شاء الله , ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن _ وهو الصوف _ , فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار .
وفي رواية لمسلم : فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم .
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (8/14) : ( في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات , ولكنهم ليسوا مكلفين ) ا.هـ
وقال ابن القيم في "تحفة المودود بأحكام المولود" (ص :162) : ( والصبي وإن لم يكن مكلفا فوليه مكلف ، لا يحل له تمكينه من المحرم , فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه ) ا.هـ
وإذا قاربت الفتاة البلوغ فإنه يُخشى أن يكون عدم ارتدائها الحجاب سبباً لفتنة الشباب بها ، وفتنتها بهم .
ولذلك ينبغي لوليها في هذه الحال أن يلزمها بالحجاب ، سداً للذريعة ومنعاً للمفسدة .(5/1661)
وعليه فإن كانت ابنتك قد بلغت فعليها أن ترتدي مثل ما ترتدي أمها من اللباس الواسع الذي لا يصف ولا يشف عما تحته، وإن لم تكن قد بلغت بعد فيمكن أن ترتدي هذا الزي الذي تصفينه كنوع من التدريب على الزي الشرعي الكامل والله أعلى وأعلم
والله تعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــ
حكم الخاتم فوق القفاز ...
عنوان الفتوى
... مصطفى الزرقا ...
اسم المفتى
... 21069 ...
رقم الفتوى
... 06/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
أريد أن أرتدي قفازات فهل يجوز أن ألبس خاتما في أصبعي بحيث يكون ظاهر أعلى القفاز؟
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
أولا: حكم تغطية اليد.
اختلف الفقهاء في حد عورة المرأة، فعند الحنابلة جميع بدن المرأة الحرة عورة ما عدا الوجه، وفي الكفين روايتان في مذهب الحنابلة عن الإمام أحمد بن حنبل.
وذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، والظاهرية، إلى أن جميع بدن المرأة عورة إلا وجهها وكفيها. وذهب الحنفية إلى أن بدن المرأة عورة، ما عدا الوجه والكفين والقدمين، لأن القدمين يظهران غالبًا فهما كالوجه واليدين.
وعند بعض الحنابلة بدن المرأة كله عورة لحديث الترمذي: "المرأة عورة" ولكن رخص لها في كشف وجهها وكفيها؛ لما في تغطيته من المشقة.
ودليل القول بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة، أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" قال: الوجه والكفين. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة في الحج عن لبس القفازين والنقاب، ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما للمحرمة، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والعطاء.
وعليه فتغطية اليدين بالقفاز مذهب بعض العلماء، والبعض الآخر يجيز الكشف عنهما.(5/1662)
المحرر: أما الخاتم فهو من الزينة وليس من جسد المرأة ولا تجب تغطيته ولا ستره نص على ذلك أهل العلم لدخوله تحت قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قالوا الكحل والخاتم والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
ضوابط عمل المرأة ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20833 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
إني محامية ولله الحمد قد اعتمرت في رمضان هذه السنة وقد من الله على بالحجاب والنقاب والتوبة أرجو من الله الثبات . إلا أن مشكلتي أن مجال عملي في المحاكم ومكتب مليء بالرجال هذا مع العلم أن حالتي المادية جيدة . فماذا أفعل ؟
نص الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المرأة إنسان، كالرجل، هي منه وهو منها كما قال القرآن: (بعضكم من بعض) (آل عمران: 195) والإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر ويعمل، وإلا لم يكن إنسانًا
والله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا، بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملاً فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، وبالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) (آل عمران 195)، وهي مثابة على عملها الحسن في الآخرة ومكافأة عليه في الدنيا أيضا: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طيبة). (النحل: 97).
والمرأة أيضًا كما يقال دائمًا نصف المجتمع الإنساني، ولا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه، ويحكم عليه بالجمود أو الشلل، فيأخذ من الحياة ولا يعطيها، ويستهلك من طيباتها، ولا ينتج لها شيئًا.
على أن عمل المرأة الأول والأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع، ولا ينافسها فيه منافس، هو تربية الأجيال، الذي هيأها الله له بدنيا، ونفسيا، ويجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي أو أدبي مهما كان ؛ فإن أحدًا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير، الذي عليه يتوقف مستقبل الأمة، وبه تتكون أعظم ثرواتها، وهي الثروة البشرية.
ورحم الله شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق.(5/1663)
ومثل ذلك عملها في رعاية بيتها ؛ وإسعاد زوجها، وتكوين أسرة سعيدة، قائمة على السكون والمودة والرحمة، وقد ورد: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعد جهادًا في سبيل الله.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعًا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت، صريح الدلالة، والأصل في الأشياء والتصرفات العادية الإباحة كما هو معلوم.
وعلى هذا الأساس نقول: إن عمل المرأة في ذاته جائز، وقد يكون مطلوبًا طلب استحباب، أو طلب وجوب، إذا احتاجت إليه: كأن تكون أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.
وقد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها، أو تربي أولادها أو أخوتها الصغار، أو تساعد أباها في شيخوخته، كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص وكانتا تقومان على غنم أبيهما: (قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير). (القصص: 23).
وكما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه، ودق النوى لناضحه، حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة.
وقد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء وتمريضهن، وتعليم البنات، ونحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة.. فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها، لا مع رجل.
وقبول الرجل في بعض الأحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها، ولا تصبح قاعدة ثابتة.
وإذا أجزنا عمل المرأة، فالواجب أن يكون مقيدًا بعدة شروط:.
1 أن يكون العمل في ذاته مشروعًا، بمعنى ألا يكون عملها حرامًا في نفسه أو مفضيًا إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادمة لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به، أو راقصة تثير الشهوات والغرائز الدنيا، أو عاملة في " بار " تقدم الخمر التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساقيها وحاملها وبائعها، أو مضيفة في طائرة يوجب عليها عملها تقديم المسكرات، والسفر البعيد بغير محرم، بما يلزمه من المبيت وحدها في بلاد الغربة، أو غير ذلك من الأعمال التي حرمها الإسلام على النساء خاصة أو على الرجال والنساء جميعا.
2ـ أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها في الزي والمشي والكلام والحركة: (وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (النور: 31).(ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) (النور: 31).(فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب :32).
3ـ ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها وهو واجبها الأول وعملها الأساسي.
والله أعلم(5/1664)
أما عن العمل مع الرجال فاللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.(5/1665)
6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم الاختلاط لطلب العلم ...
عنوان الفتوى
... يوسف القرضاوي ...
اسم المفتى
... 20871 ...
رقم الفتوى
... 05/10/2004 ...
تاريخ الفتوى على الموقع
... ...
نص السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وبعد أسأل الله أن يسدد خطاكم ويجزل لكم الثواب أبعث لكم اليوم سائلة عن حكم الدراسة في الجامعات المختلطة مع الالتزام بالحجاب والنقاب حيث إنني مبتعثة مع زوجي إلى كندا وبقي على إقامتنا ثلاث سنوات ولدي رغبة ملحة في مواصلة الدراسة والحصول على درجة الماجستير ويعلم الله أن ذلك من باب تحصيل العلم النافع واستغلال الفرصة فما رأي الشرع في ذلك أفيدوني جزاكم الله كل خير مع العلم أنني التحقت بالدراسة عن طريق المراسلة تجنبا للاختلاط فتبين لي فيما بعد عدم الاعتراف بشهادتها كما أرجو من حضرتكم إرشادي للبديل إن لم يكن الأمر جائزا أكرر لكم شكري وتقديري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نص الفتوى
الأخت الكريمة سلام الله عليك ورحمته وبركاته، وبعد
يحدثك عن الاختلاط حقيقته وضوابطه الدكتور يوسف القرضاوي فيقول: "الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، مشكلتنا كما ذكرت وأذكر دائمًا أننا في أكثر القضايا الاجتماعية والفكرية، نقف بين طرفي الإفراط والتفريط، وقلما نهتدي إلى " التوسط " الذي يمثل إحدى الخصائص العامة والبارزة لمنهج الإسلام ولأمة الإسلام.
وهذا أوضح ما يكون في قضيتنا هذه وقضايا المرأة المسلمة المعاصرة بصفة عامة.
فقد ظلم المرأة صنفان من الناس متقابلان بل متناقضان :.
1-صنف المستغربين الذين يريدون أن يفرضوا عليها التقاليد الغربية، بما فيها من فساد وتحلل من القيم وأعظمها الدين ـ وانحراف عن سواء الفطرة، وبعد عن الصراط المستقيم، الذي بعث الله الرسل، وأنزل الكتب لبيانه، ودعوة الناس إليه.
وهم يريدون من المرأة المسلمة أن تتبع سنن المرأة الغربية، " شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع " كما صور الحديث النبوي: حتى لو دخلت جحر ضب لدخلته وراءها، على(5/1666)
ما في جحر الضب من الالتواء والضيق، وسوء الرائحة، ومع هذا لو دخلته المرأة الغربية لدخلته المرأة المسلمة بعدها، أو بعبارة أخرى: لظهرت " موضة " جديدة يروج لها المروجون تسمى " موضة جحر الضب "!.
وهؤلاء يغفلون ما تشكو منه المرأة الغربية اليوم، وما جر عليها الاختلاط " المفتوح " من سوء العاقبة على المرأة وعلى الرجل، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع كله، ويسدون آذانهم عن صيحات الاستنكار التي تجاوبت بها الآفاق في داخل العالم الغربي نفسه، وعن كتابات العلماء والأدباء، ومخاوف المفكرين والمصلحين على الحضارة كلها من جراء إلغاء القيود في الاختلاط بين الجنسين.
كما ينسى هؤلاء أن لكل أمة شخصيتها التي تكونها عقائدها وتصورها للكون والحياة والوجود ورب الوجود، وقيمها وتراثها وتقاليدها.. ولا يجوز أن يغدو مجتمع صورة مكررة من مجتمع آخر.
2ـ والصنف الثاني هم الذين يفرضون على المرأة تقاليد أخرى، ولكنها تقاليد الشرق لا تقاليد الغرب، وإن صبغت في كثير من الأحيان بصبغة الدين، ونسبها من نسبها إلى ساحته، بناءً على فهم فهمه، أو رأي قلده، أو رجحه، لأنه يوافق رأيه في المرأة، وسوء ظنه بها، بدينها وبعقلها وسلوكها.
ولكنه على أية حال لا يخرج عن كونه رأيًا لبشر غير معصوم، متأثر بمكانه وزمانه، وشيوخه ومدرسته، تعارضه آراء أخرى، تستمد حجيتها من صريح القرآن العظيم، ومن هدي النبي الكريم، ومن مواقف الصحابة وخير القرون.
وأود أن أبادر هنا فأقول: إن كلمة " الاختلاط " في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على " المعجم الإسلامي " لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر، ولعلها ترجمة لكلمة " أجنبية " في هذا المعنى، ومدلولها له إيحاء غير مريح بالنظر لحس الإنسان المسلم.
وربما كان أولى منها كلمة " لقاء " أو " مقابلة " أو " مشاركة " الرجال للنساء، ونحو ذلك.
وعلى كل حال، فإن الإسلام لا يصدر حكمًا عامًا في مثل هذا الموضوع، وإنما ينظر فيه على ضوء الهدف منه، أي المصلحة التي يحققها، والضرر الذي يخشى منه، والصورة التي يتم بها، والشروط التي تراعي فيه.. إلخ.
وخير الهَدْي في ذلك هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهدي خلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين.
والناظر في هذا الهدي يرى أن المرأة لم تكن مسجونة ولا معزولة كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين.
فقد كانت المرأة تشهد الجماعة والجمعة، في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان عليه الصلاة والسلام يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف الأخيرة خلف صفوف الرجال، وكلما كان الصف أقرب إلى المؤخرة كان أفضل، خشية أن يظهر من عورات الرجال شيء، وكان أكثرهم لا يعرفون السراويل.. ولم يكن بين الرجال والنساء أي حائل من بناء أو خشب أو نسيج، أو غيره.(5/1667)
وكانوا في أول الأمر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق لهم، فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول والخروج، فقال -عليه السلام- : " لو أنكم جعلتم هذا الباب للنساء ".فخصصوه بعد ذلك لهن، وصار يعرف إلى اليوم باسم "باب النساء".
وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة، ويسمعن الخطبة، حتى إن إحداهن حفظت سورة "ق " من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طول ما سمعتها من فوق منبر الجمعة.
وكان النساء يحضرن كذلك صلاة العيدين، ويشاركن في هذا المهرجان الإسلامي الكبير، الذي يضم الكبار والصغار، والرجال والنساء، في الخلاء مهللين مكبرين.
روى مسلم: عن أم عطية قالت: " كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة والبكر".
وفي رواية قالت: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق (جمع عاتق، وهي الجارية البالغة، أو التي قاربت البلوغ).والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. (الخطبة والموعظة ونحوها)، قلت : يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: " لتلبسها أختها من جلبابها ". (أي تعيرها من ثيابها ما تستغني عنه، والحديث في كتاب " صلاة العيدين " في صحيح مسلم حديث رقم 823).
وهذه سنة أماتها المسلمون في جل البلدان أو في كلها، إلا ما قام به مؤخرًا شباب الصحوة الإسلامية الذين أحيوا بعض ما مات من السنن، مثل سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وسنة شهود النساء صلاة العيد.
وكان النساء يحضرن دروس العلم، مع الرجال عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويسألن عن أمر دينهن مما قد يستحي منه الكثيرات اليوم. حتى أثنت عائشة على نساء الأنصار، أنهن لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، فطالما سألن عن الجنابة والاحتلام والاغتسال والحيض والاستحاضة ونحوها.
ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واستئثارهم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فطلبن أن يجعل لهن يومًا يكون لهن خاصة، لا يغالبهن الرجال ولا يزاحمونهن وقلن في ذلك صراحة: " يا رسول الله، قد غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك " فوعدهن يومًا فلقيهن فيه ووعظهن وأمرهن. (رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه).
وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي في خدمة الجيش والمجاهدين، بما يقدرن عليه ويُحسنَّ القيام به، من التمريض والإسعاف ورعاية الجرحى والمصابين، بجوار الخدمات الأخرى من الطهي والسقي وإعداد ما يحتاج إليه المجاهدون من أشياء مدنية.
عن أم عطية قالت: " غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى " رواه مسلم. (برقم 1812).
وروى مسلم عن أنس (برقم 1811).: " أن عائشة وأم سليم، كانتا في يوم أحد مشمِّرتين، تنقلان القرب على متونهما وظهورهما ثم تفرغانها في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها" ووجود عائشة هنا وهي في العقد الثاني من عمرها يرد على الذين(5/1668)
ادعوا أن الاشتراك في الغزوات والمعارك كان مقصورًا على العجائز والمتقدمات في السن، فهذا غير مسلّم.. وماذا تغني العجائز في مثل هذه المواقف التي تتطلب القدرة البدنية والنفسية معًا ؟.
وروى الإمام أحمد: أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر خيبر: يتناولن السهام، ويسقين السويق، ويداوين الجرحى، ويغزلن الشَّعر، ويعنّ في سبيل الله، وقد أعطاهن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصيبًا من الغنيمة.
بل صح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات والمعارك الإسلامية بحمل السلاح، عندما أتيحت لهن الفرصة.. ومعروف ما قامت به أم عمارة نسيبة بنت كعب يوم أحد، حتى قال عنها -صلى الله عليه وسلم- : " لمقامها خير من مقام فلان وفلان ".
وكذلك اتخذت أم سليم خنجرًا يوم حنين، تبقر به بطن من يقترب منها.
روى مسلم عن أنس ابنها: أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا، فكان معها، فرآها أبو طلحة زوجها فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر ! فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " ما هذا الخنجر" ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه ! فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك. (رواه مسلم برقم 1809).
وقد عقد البخاري بابًا في صحيحه في غزو النساء وقتالهن.
ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشاركة في الغزو عند المعارك المجاورة والقريبة في الأرض العربية كخيبر وحنين.. بل طمحن إلى ركوب البحار، والإسهام في فتح الأقطار البعيدة لإبلاغها رسالة الإسلام.
ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عند أم حرام بنت ملحان خالة أنس يومًا، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: " ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكًا على الأسرَّة، أو مثل الملوك على الأسرة "، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها (انظر الحديث (1912) من صحيح مسلم)... فركبت أم حرام البحر في زمن عثمان، مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص، فصرعت عن دابتها هناك، فتوفيت ودفنت هناك، كما ذكر أهل السير والتاريخ.
وفي الحياة الاجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، كما قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..). (التوبة: 71).
ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في المسجد في قضية المهور، ورجوعه إلى رأيها علنًا، وقوله :" أصابت المرأة وأخطأ عمر ".وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النساء، وقال: إسنادها جيد.
وقد عين عمر في خلافته الشِّفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة على السوق.. والمتأمل في القرآن الكريم وحديثه عن المرأة في مختلف العصور، وفي حياة الرسل والأنبياء لا يشعر بهذا الستار الحديدي الذي وضعه بعض الناس بين الرجل والمرأة.(5/1669)
فنجد موسى وهو في ريعان شبابه وقوته يحادث الفتاتين ابنتي الشيخ الكبير، ويسألهما وتجيبانه بلا تأثم ولا حرج، ويعاونهما في شهامة ومروءة، وتأتيه إحداهما بعد ذلك مرسلة من أبيها تدعوه أن يذهب معها إلى والدها، ثم تقترح إحداهما على أبيها بعد ذلك أن يستخدمه عنده ؛ لما لمست فيه من قوة وأمانة.
لنقرأ في ذلك ما جاء في سورة القصص : (ولما وَرَدَ ماء مَدْيَنَ وَجَدَ عليه أُمّةً من الناس يَسْقُون ووجد من دونهم امرأ تين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نَسْقِي حتى يُصْدِرَ الرِّعَاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير.. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين.. قالت إحداهما يا أبتي استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين). (القصص: 23 -26).
وفي قصة مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب، ويسألها عن الرزق الذي يجده عندها :(كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب). (آل عمران: 37).
وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر سليمان: (قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرًا حتى تشهدون.. قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين.. قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعِزَّةَ أهلها أذِلَّةً وكذلك يفعلون). (النمل: 32 - 34).
وكذلك تحدثت مع سليمان -عليه السلام- وتحدث معها: (فلما جاءت قيل أهكذا عَرْشُكِ قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين.. وصَدَّهَا ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين.. قيل لها ادخلي الصَّرْحَ فلما رأته حسبته لُجَّةً وكَشَفَتْ عن ساقيها قال إنه صَرْحٌ مُمَرَّدٌ من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين). (النمل: 42 - 44).
ولا يقال: إن هذا شرع من قبلنا فلا يلزمنا ؛ فإن القرآن لم يذكره لنا إلا لأن فيه هداية وذكرى وعبرة لأولي الألباب، ولهذا كان القول الصحيح: أن شرع من قبلنا المذكور في القرآن والسنة هو شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه.. وقد قال تعالى لرسوله: (أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُداهم اقْتَدِه). (الأنعام :90).
إن إمساك المرأة في البيت، وإبقاءها بين جدرانه الأربعة لا تخرج منه اعتبره القرآن في مرحلة من مراحل تدرج التشريع قبل النص على حد الزنى المعروف عقوبة بالغة لمن ترتكب الفاحشة من نساء المسلمين، وفي هذا يقول تعالى في سورة النساء: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا). (النساء: 15).
وقد جعل الله لهن سبيلاً بعد ذلك حينما شرع الحد، وهو العقوبة المقدرة في الشرع حقًا لله تعالى، وهي الجلد الذي جاء به القرآن لغير المحصن، والرجم الذي جاءت به السنة للمحصن.
فكيف يستقيم في منطق القرآن والإسلام أن يجعل الحبس في البيت صفة ملازمة للمسلمة الملتزمة المحتشمة، كأننا بهذا نعاقبها عقوبة دائمة وهي لم تقترف إثمًا ؟.(5/1670)
والخلاصة:.
أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ.
ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْيَضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31).
وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان.
وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ - في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب - في المشي، كما قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ - في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ " المميلات المائلات " ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :" إن ثالثهما الشيطان " إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب.
وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: " إياكم والدخول على النساء "، قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحَمْو ؟ ! قال: " الحمو الموت " ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد.(5/1671)
6ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــــــ(5/1672)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الحضانة
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(6/1)
الحضانة
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6110)
التّعريف
1 - الحضانة في اللّغة : مصدر حضن ، ومنه حضن الطّائر بيضه إذا ضمّه إلى نفسه تحت جناحيه ، وحضنت المرأة بها إذا جعلته في حضنها أو ربّته ، والحاضن والحاضنة الموكّلان بالصّبيّ يحفظانه ويربّيانه ، وحضن الصّبيّ يحضنه حضنا : ربّاه.
والحضانة شرعا : هي حفظ من لا يستقلّ بأموره ، وتربيته بما يصلحه.
«' الألفاظ ذات الصّلة '»
«أ - الكفالة»
2 - الكفالة لغة الضّمّ ، وكفلت المال وبالمال ضمنته ، وكفلت الرّجل وبالرّجل كفلا وكفالة ، وتكفّلت به ضمنته ، والكافل العائل ، والكافل والكفيل الضّامن.
قال ابن الأعرابيّ : كفيل وكافل وضمين وضامن بمعنى واحد ، وفي التّهذيب : وأمّا الكافل فهو الّذي كفل إنسانا يعوله وينفق عليه ، وقال ابن بطّال : الكفالة بالولد أن يعوله ويقوم بأمره ، ومنه قوله تعالى : «وكفّلها زكريّا» وفي المغرب : وتركيبه يدلّ على الضّمّ والتّضمين.
والفقهاء يفردون بابا للكفالة بالدّين أو بالنّفس ، ويعرّفونها بأنّها ضمّ ذمّة الكفيل إلى ذمّة الأصيل في المطالبة مطلقا بنفس ، أو بدين ، أو عين كمغصوب.
كما يستعملون لفظ الكفالة في باب الحضانة ، ويريدون بالكفيل من يعول الصّغير ويقوم بأموره.
وعلى ذلك فلفظ الكفالة مشترك بين ضمّ الذّمّة وبين الحضانة.
«ب - الولاية»
3 - الولاية لغة : النّصرة ، وشرعا : القدرة على التّصرّف أو هي : تنفيذ القول على الغير.
وقد يكون مصدرها الشّرع كولاية الأب والجدّ ، وقد يكون مصدرها تفويض الغير كالوصاية ونظارة الوقف.
والولايات متعدّدة كالولاية في المال ، وفي النّكاح ، وفي الحضانة ، وتختلف من تثبت له الولاية من نوع إلى نوع ، فقد تكون للرّجال فقط.
وقد تكون للرّجال والنّساء.
والحضانة نوع من أنواع الولايات الثّابتة بالشّرع ، ويقدّم فيها النّساء على الرّجال.
«ج - الوصاية»
4 - الوصاية لغة : الأمر ، وشرعا : الأمر بالتّصرّف بعد الموت ، كوصيّة الإنسان إلى من يغسّله ، أو يصلّي عليه إماما ، أو يزوّج بناته ونحو ذلك ، فالوصاية ولاية كغيرها ، إلاّ أنّها تثبت بتفويض الغير ، أمّا الحضانة فهي ثابتة بالشّرع ، وقد يكون الوصيّ حاضنا.
الحكم التّكليفيّ(6/2)
5 - الحضانة واجبة شرعا ، لأنّ المحضون قد يهلك ، أو يتضرّر بترك الحفظ ، فيجب حفظه عن الهلاك ، محكمها الوجوب العينيّ إذا لم يوجد إلاّ الحاضن ، أو وجد ولكن لم يقبل الصّبيّ غيره ، والوجوب الكفائيّ عند تعدّد الحاضن.
«صفة المحضون ' من ثبت عليه الحضانة '»
6 - تثبت الحضانة على الصّغير باتّفاق الفقهاء وكذلك الحكم عند الجمهور - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وفي قول عند المالكيّة - بالنّسبة للبالغ المجنون والمعتوه.
والمشهور عند المالكيّة أنّ الحضانة تنقطع في الذّكور بالبلوغ ولو كان زمنا أو مجنونا.
«مقتضى الحضانة»
7 - مقتضى الحضانة حفظ المحضون وإمساكه عمّا يؤذيه ، وتربيته لينمو ، وذلك بعمل ما يصلحه ، وتعهّده بطعامه وشرابه ، وغسله وغسل ثيابه ، ودهنه ، وتعهّد نومه ويقظته.
«حقّ الحضانة»
8 - لكلّ من الحاضن والمحضون حقّ في الحضانة ، فهي حقّ الحاضن بمعنى أنّه لو امتنع عن الحضانة لا يجبر عليها ، لأنّها غير واجبة عليه ، ولو أسقط حقّه فيها سقط ، وإذا أراد العود وكان أهلا لها عاد إليه حقّه عند الجمهور ، لأنّه حقّ يتجدّد بتجدّد الزّمان.
وهي حقّ المحضون بمعنى أنّه لو لم يقبل المحضون غير أمّه أو لم يوجد غيرها ، أو لم يكن للأب ولا للصّغير مال ، تعيّنت الأمّ للحضّانة وتجبر عليها ، ولذلك يقول الحنفيّة : لو اختلعت.
الزّوجة على أن تترك ولدها عند الزّوج صحّ الخلع وبطل الشّرط.
وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة.
ويوافقهم المالكيّة في المشهور عندهم ، غير أنّهم يخالفون الجمهور في عودة الحقّ بعد الإسقاط ، فعندهم إذا أسقط الحاضن حقّه في الحضانة دون عذر بعد وجوبها سقط حقّه ولا يعود إليه الحقّ بعد ذلك لو أراد ، ومقابل المشهور يعود إليه حقّه بناء على أنّها حقّ المحضون.
«المستحقّون للحضانة وترتيبهم»
9 - الحضانة تكون للنّساء والرّجال من المستحقّين لها ، إلاّ أنّ النّساء يقدّمن على الرّجال ، لأنّهنّ أشفق وأرفق ، وبها أليق وأهدى إلى تربية الصّغار ، ثمّ تصرف إلى الرّجال لأنّهم على الحماية والصّيانة وإقامة مصالح الصّغار أقدر.
وحضانة الطّفل تكون للأبوين إذا كان النّكاح قائما بينهما ، فإن افترقا فالحضانة لأمّ الطّفل باتّفاق ، لما ورد «أنّ امرأة أتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول اللّه : إنّ ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء ، وثديي له سقاء ، وزعم أبوه أنّه ينزعه منّي ، فقال : أنت أحقّ به ما لم تنكحي» .
ولكلّ أهل مذهب طريقة خاصّة في ترتيب مستحقّي الحضانة بعد الأمّ ومن يقدّم عند الاستواء في الاستحقاق.(6/3)
مع مراعاة أنّ الحضانة لا تنتقل من المستحقّ إلى من بعده من المستحقّين إلاّ إذا أسقط المستحقّ حقّه في الحضانة أو سقطت لمانع.
وبيان ترتيب المذاهب للمستحقّين هو كما يلي :
10 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ أمّ الأمّ تلي الأمّ في الحضانة إذا سقطت حضانة الأمّ لمانع ، ثمّ أمّ الأب وإن علت ، ثمّ الأخت لأبوين ، ثمّ الأخت لأمّ ، ثمّ الأخت لأب ، ثمّ بنت الأخت لأبوين ، ثمّ لأمّ ، ثمّ الخالات لأبوين ، ثمّ لأمّ ، ثمّ لأب ، ثمّ بنت الأخت لأب « وتأخيرها عن الخالات هو الصّحيح » .
ثمّ بنات الأخ لأبوين ، ثمّ لأمّ ، ثمّ لأب ، ثمّ العمّات لأبوين ، ثمّ لأمّ ، ثمّ لأب ، ثمّ خالة الأمّ ، ثمّ خالة الأب ، ثمّ عمّات الأمّهات والآباء ، ثمّ العصبات من الرّجال بترتيب الإرث ، فيقدّم الأب ، ثمّ الجدّ ، ثمّ الأخ الشّقيق ، ثمّ لأب ، ثمّ بنوه كذلك ، ثمّ العمّ ، ثمّ بنوه.
وإذا اجتمعوا قدّم الأورع ثمّ الأسنّ ، ثمّ إذا لم يكن عصبة انتقل حقّ الحضانة لذوي الأرحام الذّكور إذا كانوا من المحارم ، فيقدّم الجدّ لأمّ ، ثمّ يقدّم الأخ لأمّ ، ثمّ لابنه ، ثمّ للعمّ لأمّ ، ثمّ للخال لأبوين ، ثمّ للخال لأمّ ، فإن تساووا فأصلحهم ، ثمّ أورعهم ثمّ أكبرهم.
11 - وذهب المالكيّة إلى أنّ الأحقّ بالحضانة بعد الأمّ أمّ الأمّ ، ثمّ جدّة الأمّ ، وتقدّم من كانت من جهة الأمّ على من كانت من جهة الأب ، ثمّ خالة المحضون الشّقيقة ، ثمّ الّتي للأمّ ، ثمّ الّتي للأب ، ثمّ خالة الأمّ الشّقيقة ، ثمّ الّتي للأمّ ، ثمّ الّتي للأب ، ثمّ عمّة الأمّ ، ثمّ الجدّة لأب « وتشمل أمّ الأب وأمّ أمّه وأمّ أبيه وتقدّم القربى على البعدى » ثمّ بعد الجدّة من جهة الأب تكون الحضانة للأب ، ثمّ أخت المحضون الشّقيقة ، ثمّ الّتي للأمّ ، ثمّ الّتي للأب ، ثمّ العمّة ، ثمّ عمّة الأب على التّرتيب المذكور ، ثمّ خالة الأب.
ثمّ اختلف بعد ذلك في تقديم بنت الأخ أو بنت الأخت أو تقديم الأكفأ منهنّ وهو أظهر الأقوال ، ثمّ الوصيّ ، ثمّ الأخ ، ثمّ الجدّ من جهة الأب ، ثمّ ابن الأخ ، ثمّ العمّ ، ثمّ ابن العمّ ، ثمّ المولى الأعلى ، وهو المعتق ، ثمّ المولى الأسفل وهو المعتق.
واختلف في حضانة الجدّ لأمّ ، فمنع ذلك ابن رشد ، واختار اللّخميّ أنّ له حقّا في الحضانة ، ومرتبته تكون بعد مرتبة الجدّ لأب.
ويقدّم عند التّساوي الأكثر صيانة وشفقة ، ثمّ الأكبر سنّا عند التّساوي في ذلك ، ثمّ القرعة عند التّساوي في كلّ شيء.
12 - وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأحقّ بالحضانة بعد الأمّ البنت ، ثمّ أمّهات الأمّ اللّاتي يدلين بإناث وارثات تقدّم القربى فالقربى ، ثمّ الصّحيح بعد ذلك - على الجديد - تنتقل الحضانة إلى أمّ الأب ، وإنّما قدّمت أمّهات الأمّ على أمّ الأب لوفور شفقتهنّ ولأنّهنّ أقوى ميراثا من أمّهات الأب ، ثمّ بعد أمّ الأب أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ، ثمّ أمّ أبي الأب ، ثمّ أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ، ثمّ أمّ أبي الجدّ ثمّ أمّهاتها المدليات بإناث وارثات ، وتقدّم من كلّ ذلك القربى فالقربى ، ثمّ الأخت الشّقيقة ثمّ الّتي لأب - على الأصحّ - ثمّ الّتي لأمّ ، ثمّ لخالة بهذا التّرتيب على(6/4)
الأصحّ ، ثمّ بنت الأخت ، ثمّ بنت الأخ ، ثمّ العمّة من الأب والأمّ ، ثمّ العمّة من الأب ، ثمّ العمّة من الأمّ.
وعلى القديم يقدّم الأخوات والخالات على أمّهات الأب والجدّ ، أمّا الأخوات فلأنّهنّ اجتمعن معه في الصّلب والبطن ، وأمّا الخالات لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «الخالة بمنزلة الأمّ» .
والأصحّ إثبات حقّ الحضانة للإناث غير المحارم كبنت الخالة ، وبنت العمّة ، وبنت الخال ، وبنت العمّ لشفقتهنّ بالقرابة وهدايتهنّ إلى التّربية بالأنوثة ، ومقابل الأصحّ لا حقّ لهنّ في الحضانة.
أمّا بالنّسبة لحضانة الرّجال فقد ذكر الشّافعيّة أنّها تثبت لكلّ محرم وارث على ترتيب الإرث عند الاجتماع ، فيقدّم أب ، ثمّ جدّ وإن علا ، ثمّ أخ شقيق ، ثمّ لأب ، وهكذا كترتيب ولاية النّكاح ، كما تثبت الحضانة لغير المحرم إن كان وارثا كابن العمّ ، وهذا على الصّحيح لوفور شفقته بالولاية ، ومقابل الصّحيح لا حضانة له لفقد المحرميّة.
فإن فقد الذّكر الإرث والمحرميّة معا كابن الخال وابن العمّة ، أو فقد الإرث فقط مع بقاء المحرميّة كالخال وأبي الأمّ ، فلا حضانة لهم في الأصحّ ، ومقابل الأصحّ لهم الحضانة لشفقتهم بالقرابة.
وإذا اجتمع للمحضون مستحقّون من الذّكور والإناث قدّمت الأمّ ، ثمّ أمّهات الأمّ المدليات بإناث ، ثمّ الأب ، وقيل تقدّم الخالة والأخت من الأمّ على الأب ، ويقدّم الأصل على الحاشية مطلقا ذكرا كان أو أنثى ، كالأخ والأخت لقوّة الأصول ، فإن فقد الأصل وهناك حواش فالأصحّ أن يقدّم من الحواشي الأقرب فالأقرب كالإرث ذكرا كان أو أنثى ، وإن استووا وفيهم ذكر وأنثى ، فالأنثى مقدّمة على الذّكر.
وإن استوى اثنان من كلّ وجه كأخوين وأختين ، وخالتين ، أقرع بينهما قطعا للنّزاع.
ومقابل الأصحّ أنّ نساء القرابة وإن بعدن أحقّ بالحضانة من الذّكور وإن كانوا عصبات ، لأنّهنّ أصلح للحضانة.
قال البيضاويّ : إن تزاحموا قدّمت في الأصول الأمّ ما لم تنكح أجنبيّا ، ثمّ الجدّة ، ثمّ المدلية بها ، لأنّها بالإناث أليق ، ثمّ الأب ، ثمّ المدلية به ، ثمّ الجدّ ، ثمّ المدلية به ، ثمّ الأخت ، ثمّ الأخ ، ثمّ الخالات ، ثمّ بنت الأخت ، ثمّ بنت الأخ ، ثمّ ابنه ، ثمّ العمّ ، ثمّ ابنته ، ثمّ ابنه ، وتسلّم المراهقة إلى ثقة ، وقدّم ولد الأبوين ثمّ الأب ، ثمّ الأمّ.
ثمّ أبو الأمّ.
ثمّ الخال.
وقيل : لا حقّ لهما ، ولا لابن ولد الأمّ ، لعدم الأنوثة والإرث.
13 - وذهب الحنابلة إلى أنّ الأحقّ بالحضانة بعد الأمّ أمّهاتها القربى فالقربى ، ثمّ الأب ، ثمّ أمّهات الأب القربى فالقربى ، ثمّ الجدّ ، ثمّ أمّهات الجدّ القربى فالقربى ، ثمّ الأخت لأبوين ، ثمّ الأخت لأمّ ، ثمّ لأب ، ثمّ الخالة لأبوين ، ثمّ الخالة لأمّ ، ثمّ الخالة لأب ، ثمّ العمّة لأبوين ، ثمّ لأمّ ، ثمّ لأب ، ثمّ خالة أمّه كذلك ، ثمّ خالة أبيه ،(6/5)
ثمّ عمّة أبيه ، ثمّ بنات إخوته وبنات أخواته ، ثمّ بنات أعمامه وبنات عمّاته ، ثمّ بنات أعمام أبيه وبنات عمّات أبيه ، تقدّم من كلّ ذلك من كانت لأبوين ثمّ من كانت لأمّ ، ثمّ من كانت لأب.
ثمّ تكون الحضانة لباقي العصبة الأقرب فالأقرب.
فإن كان المحضون أنثى فالحضانة عليها للعصبة من محارمها ولو برضاع ونحوه كمصاهرة ، وهذا متى بلغت الأنثى المحضونة سبعا ، فلا حضانة عليها بعد السّبع لابن العمّ ونحوه إن لم يكن محرما لها برضاع أو مصاهرة.
هذا ما حرّره صاحب كشّاف القناع ، وقال عنه ابن قدامة إنّه المشهور في المذهب.
وذكر ابن قدامة بعض الرّوايات الأخرى عن الإمام أحمد ، فعنه أنّ أمّ الأب وأمّهاتها مقدّمات على أمّ الأمّ ، وعلى هذه الرّواية يكون الأب أولى بالتّقديم ، فيكون الأب بعد الأمّ ثمّ أمّهاته.
كما حكي عن أحمد أنّ الأخت من الأمّ والخالة أحقّ من الأب ، فتكون الأخت من الأبوين أحقّ منه ومن جميع العصبات.
وأمّا ترتيب الرّجال فأولاهم الأب ، ثمّ الجدّ ، أبو الأب وإن علا ، ثمّ الأخ من الأبوين ، ثمّ الأخ من الأب ، ثمّ بنوهم وإن نزلوا على ترتيب الميراث ، ثمّ العمومة ، ثمّ بنوهم كذلك ، ثمّ عمومة الأب ، ثمّ بنوهم.
وإن اجتمع شخصان أو أكثر من أهل الحضانة وتساووا ، كأخوين شقيقين قدّم المستحقّ منهم بالقرعة.
وإذا لم يكن للحاضن أحد ممّن ذكر انتقلت الحضانة لذوي الأرحام في أحد الوجهين وهو الأولى ، لأنّ لهم رحما وقرابة يرثون بها عند عدم من هو أولى ، فيقدّم أبو أمّ ، ثمّ أمّهاته ، ثمّ أخ من أمّ ، ثمّ خال ، ثمّ حاكم يسلّمه إلى من يحضنه من المسلمين.
وفي الوجه الآخر لا حقّ لذوي الأرحام من الرّجال وينتقل الأمر للحاكم.
وفي كلّ موطن اجتمع فيه أخ وأخت ، أو عمّ وعمّة ، أو ابن أخ وبنت أخ ، أو ابن أخت وبنت أخت قدّمت الأنثى على من في درجتها من الذّكور ، لأنّ الأنوثة هنا مع التّساوي توجب الرّجحان.
«ما يشترط فيمن يستحقّ الحضانة»
14 - الحضانة من الولايات والغرض منها صيانة المحضون ورعايته ، وهذا لا يتأتّى إلاّ إذا كان الحاضن أهلا لذلك ، ولهذا يشترط الفقهاء شروطا خاصّة لا تثبت الحضانة إلاّ لمن توفّرت فيه ، وهي أنواع ثلاثة : شروط عامّة في النّساء والرّجال ، وشروط خاصّة بالنّساء ، وشروط خاصّة بالرّجال.
«أمّا الشّروط العامّة فهي»
1 - الإسلام.
وذلك إذا كان المحضون مسلما ، إذ لا ولاية للكافر على المسلم ، وللخشية على المحضون من الفتنة في دينه ، وهذا شرط عند الشّافعيّة والحنابلة وبعض فقهاء المالكيّة ، ومثله مذهب الحنفيّة بالنّسبة للحاضن الذّكر.(6/6)
أمّا عند المالكيّة في المشهور عندهم وعند الحنفيّة بالنّسبة للحاضنة الأنثى ، فلا يشترط الإسلام إلاّ أن تكون المرأة مرتدّة ، لأنّها تحبس وتضرب - كما يقول الحنفيّة - فلا تتفرّغ للحضانة.
أمّا غير المسلمة - كتابيّة كانت أو مجوسيّة - فهي كالمسلمة في ثبوت حقّ الحضانة ، قال الحنفيّة : ما لم يعقل المحضون الدّين ، أو يخشى أن يألف الكفر فإنّه حينئذ ينزع منها ويضمّ إلى أناس من المسلمين ، لكن عند المالكيّة إن خيف عليه فلا ينزع منها ، وإنّما تضمّ الحاضنة لجيران مسلمين ليكونوا رقباء عليها.
2 - البلوغ والعقل ، فلا تثبت الحضانة لطفل ولا لمجنون ، أو معتوه ، لأنّ هؤلاء عاجزون عن إدارة أمورهم وفي حاجة لمن يحضنهم ، فلا توكل إليهم حضانة غيرهم ، وهذا باتّفاق في الجملة حيث إنّ للمالكيّة تفصيلا في شرط البلوغ.
3 - الأمانة في الدّين ، فلا حضانة لفاسق ، لأنّ الفاسق لا يؤتمن ، والمراد : الفسق الّذي يضيع المحضون به ، كالاشتهار بالشّرب ، والسّرقة ، والزّنى واللّهو المحرّم ، أمّا مستور الحال فتثبت له الحضانة.
قال ابن عابدين : الحاصل أنّ الحاضنة إن كانت فاسقة فسقا يلزم منه ضياع الولد عندها سقط حقّها ، وإلاّ فهي أحقّ به إلى أن يعقل الولد فجور أمّه فينزع منها ، وقال الرّمليّ : يكفي مستورها أي مستور العدالة.
قال الدّسوقيّ : والحاضن محمول على الأمانة حتّى يثبت عدمها.
4 - القدرة على القيام بشأن المحضون ، فلا حضانة لمن كان عاجزا عن ذلك لكبر سنّ ، أو مرض يعوق عن ذلك ، أو عاهة كالعمى والخرس والصّمم ، أو كانت الحاضنة تخرج كثيرا لعمل أو غيره وتترك الولد ضائعا ، فكلّ هؤلاء لا حضانة لهم إلاّ إذا كان لديهم من يعنى بالمحضون ، ويقوم على شؤونه ، فحينئذ لا تسقط حضانتهم.
5- ألاّ يكون بالحاضن مرض معد ، أو منفّر يتعدّى ضرره إلى المحضون ، كالجذام ، والبرص وشبه ذلك من كلّ ما يتعدّى ضرره إلى المحضون.
6- الرّشد : وهو شرط عند المالكيّة والشّافعيّة ، فلا حضانة لسفيه مبذّر لئلاّ يتلف مال المحضون.
7- أمن المكان بالنّسبة للمحضون الّذي بلغ سنّا يخشى عليه فيه الفساد ، أو ضياع ماله ، فلا حضانة لمن يعيش في مكان مخوف يطرقه المفسدون والعابثون.
وقد صرّح بهذا الشّرط المالكيّة.
8- عدم سفر الحاضن أو الوليّ سفر نقلة على التّفصيل المذكور في « مكان الحضانة » .
«أمّا الشّروط الخاصّة بالحاضنين من الرّجال فهي»
أ - أن يكون محرما للمحضون إذا كانت المحضونة أنثى مشتهاة فلا حضانة لابن العمّ لأنّه ليس محرما ، ولأنّه يجوز له نكاحها فلا يؤتمن عليها ، فإن كانت المحضونة صغيرة لا تشتهى ، ولا يخشى عليها فلا تسقط حضانة ابن عمّها.
وإذا لم يكن للمشتهاة غير ابن العمّ ، وضعت عند أمينة يختارها ابن العمّ ، كما يقول الشّافعيّة والحنابلة ، أو يختارها القاضي كما يقول الحنفيّة إذا لم يكن ابن عمّها(6/7)
أصلح لها ، وإلاّ أبقاها القاضي عنده ، وعند المالكيّة يسقط حقّ الحضانة لغير المحرم.
وأجاز الشّافعيّة أن تضمّ لابن عمّها إذا كانت له بنت يستحى منها ، فإنّها تجعل عنده مع بنته.
ب - يشترط المالكيّة لثبوت الحضانة للذّكر أن يكون عنده من النّساء من يصلح للحضانة كزوجة ، أو أمة ، أو مستأجرة لذلك ، أو متبرّعة.
«وأمّا الشّروط الخاصّة بالحواضن من النّساء فهي»
أوّلا - ألاّ تكون الحاضنة متزوّجة من أجنبيّ من المحضون ، لأنّها تكون مشغولة بحقّ الزّوج ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «أنت أحقّ به ما لم تنكحي» ، فلا حضانة لمن تزوّجت بأجنبيّ من المحضون ، وتسقط حضانتها من حين العقد عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وبالدّخول عند المالكيّة ، وهو احتمال لابن قدامة في المغني.
واستثنى المالكيّة حالات لا يسقط فيها حقّ الحاضنة بتزوّجها من أجنبيّ من المحضون وهي :
أ - أن يعلم من له حقّ الحضانة بعدها بدخول زوجها بها ، وسقوط حقّها في الحضانة ويسكت - بعد علمه بذلك بلا عذر - سنة فلا تسقط حضانتها حينئذ.
ب - ألاّ يقبل المحضون غير مستحقّة الحضانة أمّا أو غيرها - فلا تسقط بدخول الزّوج بها في هذه الحالة.
ج - ألا تقبل المرضعة أن ترضعه عند بدل أمّه الّذي انتقلت له الحضانة بسبب تزوّج الأمّ.
د - ألاّ يكون للولد حاضن غير الحاضنة الّتي دخل الزّوج بها ، أو يكون له حاضن غيرها ولكنّه غير مأمون ، أو عاجز عن القيام بمصالح المحضون.
هـ - ألاّ تكون الحاضنة الّتي تزوّجت بأجنبيّ وصيّة على المحضون ، وذلك في رواية عند المالكيّة ، وفي رواية أخرى عندهم لا يشترط ذلك.
هذا بالنّسبة لزواج الحاضنة من أجنبيّ من المحضون ، فإن تزوّجت بذي رحم محرم من المحضون كالجدّة إذا تزوّجت بجدّ الصّبيّ ، أو تزوّجت بقريب ولو غير محرم من المحضون كابن عمّه فلا تسقط حضانتها ، وهذا عند الجمهور - المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة - في الأصحّ ، ومقابل الأصحّ عندهم يسقط حقّها لاشتغالها بالزّوج.
واشترط الشّافعيّة والحنابلة أن يكون من نكحته ممّن له حقّ في الحضانة ، لأنّ شفقته تحمله على رعايته فيتعاونان على ذلك.
كما اشترط الشّافعيّة رضا الزّوج ، وقيّد الحنفيّة بقاء الحضانة بما إذا كان الزّوج رحما محرما ، فلو كان غير محرم كابن العمّ سقطت حضانتها.
ثانيا - أن تكون الحاضنة ذات رحم محرم من المحضون كأمّه وأخته ، فلا حضانة لبنات العمّ والعمّة ، والخال والخالة ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة وليس هذا شرطا عند الشّافعيّة والحنابلة ، وصرّح الشّافعيّة بأنّه لا تثبت الحضانة لبنت العمّ على الذّكر المشتهى ، وهو قول نقله ابن عابدين من الحنفيّة.(6/8)
ثالثا - ألاّ تقيم الحاضنة بالمحضون في بيت من يبغض المحضون ويكرهه ، كما لو تزوّجت الأمّ وأخذته أمّ الأمّ ، وأقامت بالمحضون مع الأمّ فحينئذ تسقط حضانة أمّ الأمّ إذا كانت في عيال زوج الأمّ ، وهذا عند الحنفيّة.
وهو المشهور عند المالكيّة.
رابعا - ألاّ تمتنع الحاضنة عن إرضاع الطّفل إذا كانت أهلا له ، وكان محتاجا للرّضاع وهذا في الصّحيح عند الشّافعيّة.
«مكان الحضانة وحكم انتقال الحاضن أو الوليّ»
15 - مكان الحضانة هو المسكن الّذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمّه وهي في زوجيّة أبيه ، أو في عدّته من طلاق رجعيّ أو بائن.
ذلك أنّ الزّوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم ، والمعتدّة يلزمها البقاء في مسكن الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة سواء مع الولد أو بدونه ، لقوله تعالى : «لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة» .
وإذا انقضت عدّة الأمّ فمكان الحضانة هو البلد الّذي يقيم فيه والد المحضون أو وليّه ، وكذلك إذا كانت الحاضنة غير الأمّ ، لأنّ للأب حقّ رؤية المحضون ، والإشراف على تربيته ، وذلك لا يتأتّى إلاّ إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب أو الوليّ.
هذا قدر مشترك بين المذاهب ، وهو ما صرّح به الحنفيّة وتدلّ عليه عبارات المذاهب الأخرى.
أمّا مسألة انتقال الحاضن ، أو الوليّ إلى مكان آخر ففيه اختلاف المذاهب ، وبيان ذلك كما يلي : يفرّق جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - بين سفر الحاضنة ، أو الوليّ للنّقلة والانقطاع والسّكنى في مكان آخر ، وبين السّفر لحاجة كالتّجارة والزّيارة.
فإن كان سفر أحدهما « الحاضنة أو الوليّ » للنّقلة والانقطاع سقطت حضانة الأمّ ، وتنتقل لمن هو أولى بالحضانة بعدها بشرط أن يكون الطّريق آمنا ، والمكان المنتقل إليه مأمونا بالنّسبة للصّغير ، والأب هو الأولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ، لأنّ الأب في العادة هو الّذي يقوم بتأديب الصّغير ، وحفظ نسبه ، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع ، لكن قيّد الحنابلة أولويّة الأب بما إذا لم يرد مضارّة الأمّ وانتزاع الولد منها ، فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ، بل يعمل ما فيه مصلحة الولد.
وإن سافرت الأمّ مع الأب بقيت على حضانتها.
هذا قول الجمهور ، لكنّهم اختلفوا في تحديد مسافة السّفر.
فحدّدها المالكيّة بستّة برد فأكثر على المعتمد ، أو مسافة بريدين على قول ، والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه لا فرق بين السّفر الطّويل والقصير ، والصّحيح من المذهب عند الحنابلة التّحديد بمسافة القصر ، وهو قول عند الشّافعيّة ، والمنصوص عن الإمام أحمد أنّه إذا كان بين البلدين قرب بحيث يراهم الأب كلّ يوم ويرونه فتكون الأمّ على حضانتها.(6/9)
وإن كان السّفر لحاجة كتجارة وزيارة كان الولد مع المقيم منهما حتّى يعود المسافر ، وسواء أكان السّفر طويلا أم قصيرا ، وكذا يكون الولد مع المقيم لو كان الطّريق أو المكان المنتقل إليه غير آمن في سفر النّقلة والانقطاع.
وإن اختلف الأب والأمّ فقال الأب : سفري للإقامة ، وقالت الأمّ سفرك للحاجة ، فالقول قول الأب مع يمينه.
وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة وزاد الشّافعيّة أنّه إن كان المقيم الأمّ وكان في مقامه معها مفسدة أو ضياع مصلحة ، كعدم تعليم الصّبيّ القرآن ، أو حرفة حيث لا يقوم مقام الأب غيره في ذلك ، فالمتّجه كما قال الزّركشيّ تمكين الأب من السّفر به ، لا سيّما إن اختاره الولد.
وعند المالكيّة إن كان سفر أحدهما - الحاضنة أو الوليّ - لتجارة أو زيارة فلا تسقط حضانة الأمّ ، وتأخذه معها إن سافرت ، ويبقى معها إن سافر الأب ، وسواء أكانت مسافة السّفر ستّة برد أم أقل أم أكثر على ما قاله الأجهوريّ وعبد الباقي ، وقال إبراهيم اللّقانيّ والخرشيّ والعدويّ : لا تأخذ الولد معها إلاّ إذا كان السّفر قريبا كبريد ، فإن بعد فلا تأخذه ، وإن كانت حضانتها باقية.
أمّا الحنفيّة فقد ذهبوا إلى أنّه لا يجوز للأمّ الحاضنة الّتي في زوجيّة الأب أو في عدّته الخروج إلى بلد آخر ، وللزّوج منعها من ذلك.
أمّا إن كانت منقضية العدّة فإنّه يجوز لها الخروج بالمحضون إلى بلد آخر في الأحوال الآتية :
1 - إذا خرجت إلى بلدة قريبة بحيث يمكن لأبيه رؤيته والعودة في نهاره على ألاّ يكون المكان الّذي انتقلت إليه أقلّ حالا من المكان الّذي تقيم فيه حتّى لا تتأثّر أخلاق الصّبيّ.
2 - إذا خرجت إلى مكان بعيد مع تحقّق الشّروط الآتية :
أ - أن يكون البلد الّذي انتقلت إليه وطنها.
ب - أن يكون الزّوج قد عقد نكاحه عليها في هذا البلد.
ج - ألاّ يكون المكان الّذي انتقلت إليه دار حرب إذا كان الزّوج مسلما أو ذمّيّا.
فإذا تحقّقت هذه الشّروط جاز لها السّفر بالمحضون إلى هذا المكان البعيد ، لأنّ المانع من السّفر أصلا هو ضرر التّفريق بين الأب وبين ولده ، وقد رضي به لوجود دليل الرّضا وهو التّزوّج بها في بلدها لأنّ من تزوّج امرأة في بلدها فالظّاهر أنّه يقيم فيه ، والولد من ثمرات النّكاح فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد ، فكان راضيا بالتّفريق ، وعلى ذلك فليس لها أن تنتقل بولدها إلى بلدها إذا لم يكن عقد النّكاح قد وقع فيه ، ولا أن تنتقل إلى البلد الّذي وقع فيه عقد النّكاح إذا لم يكن بلدها ، لأنّه لم يوجد دليل الرّضا من الزّوج ، فلا بدّ من تحقّق الشّرطين على ما ذكر محمّد في الأصل ، واعتبر أبو يوسف مكان العقد فقط.
أمّا شرط ألاّ يكون المكان حربيّا إذا كان الزّوج مسلما أو ذمّيّا فلما في ذلك من إضرار بالصّبيّ لأنّه يتخلّق بأخلاق الكفّار.
هذا إذا كانت الحاضنة هي الأمّ فإن كانت غيرها فلا يجوز لها الخروج بالصّغير إلى أيّ مكان إلاّ بإذن الأب لعدم العقد بينهما كما يرى الحنفيّة أنّه ليس للأب أو(6/10)
الوليّ أخذ الصّغير ممّن له الحضانة من النّساء والانتقال به من بلد أمّه بلا رضاها ما بقيت حضانتها قائمة ، ولا يسقط حقّها في الحضانة بانتقاله ، وسواء أكان المكان الّذي ينتقل إليه قريبا أم بعيدا.
«أجرة الحضانة»
16 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحاضنة لها الحقّ في طلب أجرة على الحضانة ، سواء أكانت الحاضنة أمّا أم غيرها ، لأنّ الحضانة غير واجبة على الأمّ ، ولو امتنعت من الحضانة لم تجبر عليها في الجملة.
ومؤنة الحضانة تكون في مال المحضون.
فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته ، لأنّها من أسباب ، الكفاية كالنّفقة.
والأجرة على الحضانة للأمّ هي أجرة المثل ، قال الحنابلة : ولو مع وجود متبرّعة بالحضانة ، لكنّ الشّافعيّة قيّدوا ذلك بما إذا لم توجد متبرّعة ، ولا من ترضى بأقلّ من أجرة المثل ، فإن وجدت متبرّعة أو وجدت من ترضى بأقلّ من أجرة المثل سقطت حضانة الأمّ وقيل : إنّ حضانة الأمّ لا تسقط وتكون أحقّ بالحضانة إذا طلبت أجرة المثل ، وإن تبرّعت بها أجنبيّة أو رضيت بأقلّ من أجرة المثل ، وهذا على ما بحثه أبو زرعة.
وصرّح الحنفيّة بأنّه إذا كانت الحاضنة أمّا في عصمة أبي المحضون أو معتدّة رجعيّة منه فلا تستحقّ أجرة على الحضانة لوجوب ذلك عليها ديانة ، لأنّه يكون في معنى الرّشوة ، وهو رواية أيضا في المعتدّة من طلاق بائن.
وإن كانت الحاضنة غير الأمّ أو كانت أمّا مطلّقة وانقضت عدّتها ، أو في عدّة الطّلاق البائن في رواية ، فإنّها تستحقّ الأجرة من مال الصّغير إن كان له مال ، وإلاّ فمن مال أبيه أو من تلزمه نفقته ، وهذا ما لم توجد متبرّعة ، فإن وجدت متبرّعة بالحضانة ، فإن كانت غير محرم للمحضون فإنّ الأمّ تقدّم عليها ولو طلبت أجرا ، ويكون لها أجر المثل ، وإن كانت المتبرّعة محرما للمحضون فإنّه يقال للأمّ : إمّا أن تمسكيه مجّانا وإمّا أن تدفعيه للمتبرّعة ، لكنّ هذا مقيّد بقيدين :
أ - إعسار الأب سواء أكان للصّغير مال أم لا.
ب - يسار الأب مع وجود مال للصّغير صونا لمال الصّغير ، لأنّها في هذه الحالة تكون في مال الصّغير.
فإن كان الأب موسرا ولا مال للصّغير فتقدّم الأمّ وإن طلبت الأجرة نظرا للصّغير.
وذهب المالكيّة إلى أنّه لا أجرة على الحضانة وهو قول مالك الّذي رجع إليه ، وبه أخذ ابن القاسم ، وقال مالك أوّلا : ينفق على الحاضنة من مال المحضون ، قال في المنح : والخلاف إذا كانت الحاضنة غنيّة ، أمّا إذا كانت فقيرة فينفق عليها من مال المحضون لعسرها لا للحضانة.
«أجرة مسكن الحضانة»
17 - اختلف فقهاء الحنفيّة في وجوب أجر المسكن للحاضنة إذا لم تكن في مسكن الأب ، فقال بعضهم : على الأب سكنى الحاضنة وهو المختار عند نجم الأئمّة ، وبمثله قال أبو حفص فقد سئل عمّن لها إمساك الولد وليس لها مسكن مع الولد فقال : على الأب سكناهما جميعا ، واستظهر الخير الرّمليّ اللّزوم على من تلزمه نفقته.(6/11)
وقال آخرون : تجب أجرة السّكن للحاضنة إن كان للصّبيّ مال ، وإلاّ فعلى من تجب نفقته.
ونقل ابن عابدين عن البحر أنّه لا تجب في الحضانة أجرة المسكن ، ورجّح ذلك في النّهر ، لأنّ وجوب الأجر « أي أجر الحضانة » لا يستلزم وجوب المسكن واختاره ابن وهبان والطّرسوسيّ.
قال ابن عابدين - بعد نقله لهذه الأقوال - : والحاصل أنّ الأوجه لزوم أجرة المسكن على من لزمه نفقة المحضون ، فإنّ السّكن من النّفقة ، لكنّ هذا إذا لم يكن لها مسكن ، أمّا لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها فلا تجب الأجرة لعدم احتياجه إليه.
قال ابن عابدين : فينبغي أن يكون هذا توفيقا بين القولين ، ولا يخفى أنّ هذا هو الأرفق للجانبين فليكن عليه العمل.
وعند المالكيّة : ما يخصّ المحضون من أجرة المسكن فهو على الأب باتّفاق وإنّما الخلاف فيما يخصّ الحاضنة من أجرة المسكن.
ومذهب المدوّنة الّذي عليه الفتوى أنّ أجرة المسكن على الأب للمحضون والحاضنة معا.
وقيل : تؤدّي الحاضنة حصّتها من الكراء.
وقيل : تكون الأجرة على قدر الرّءوس فقد يكون المحضون متعدّدا.
وقيل : للحاضنة السّكنى بالاجتهاد ، أي على قدر ما يجتهد الحاكم.
وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فقد اعتبروا السّكنى من النّفقة ، فمن تجب عليه نفقة الحاضنة يجب عليه إسكانها.
«سقوط الحضانة وعودها»
18 - تسقط الحضانة بوجود مانع منها ، أو زوال شرط من شروط استحقاقها ، كأن تتزوّج الحاضنة بأجنبيّ عن المحضون ، وكأن يصاب الحاضن بآفة كالجنون والعته ، أو يلحقه مرض يضرّ بالمحضون كالجذام وغير ذلك ممّا سبق بيانه ، أو بسبب سفر الوليّ أو الحاضن حسب ما هو مبين في مكانه.
وقد تسقط الحضانة بسبب إسقاط المستحقّ لها.
كذلك إذا أسقط الحاضن حقّه ثمّ عاد وطلب أجيب إلى طلبه ، لأنّه حقّ يتجدّد بتجدّد الزّمان كالنّفقة.
وإذا امتنعت الحضانة لمانع ثمّ زال المانع كأن عقل المجنون ، أو تاب الفاسق ، أو شفي المريض. عاد حقّ الحضانة ، لأنّ سبيلها قائم وأنّها امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحقّ بالسّبب السّابق الملازم طبقا للقاعدة المعروفة « إذا زال المانع عاد الممنوع » .
وهذا كلّه متّفق عليه عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - واختلفوا في بعض التّفصيلات.
فقال الحنابلة وهو المذهب عند الشّافعيّة : إنّ حقّ الحضانة يعود بطلاق المنكوحة من أجنبيّ فور الطّلاق ، سواء أكان بائنا أم رجعيّا دون انتظار انتهاء العدّة وذلك لزوال المانع.(6/12)
وعند الحنفيّة والمزنيّ من الشّافعيّة أنّ حقّ الحضانة يعود فور الطّلاق البائن أمّا الطّلاق الرّجعيّ فلا يعود حقّ الحضانة بعده إلاّ بعد انتهاء العدّة.
أمّا المالكيّة فإنّهم يفرّقون بين زوال الحضانة لعذر اضطراريّ وبين زوالها لعذر اختياريّ.
فإذا سقطت الحضانة لعذر اضطراريّ لا يقدر معه الحاضن على القيام بحال المحضون كمرض الحاضن أو سفر الوليّ بالمحضون سفر نقلة ، أو سفر الحاضنة لأداء فريضة الحجّ ، ثمّ زال العذر بشفاء الحاضنة من المرض ، أو عودة الوليّ من السّفر ، أو عودتها من أداء فريضة الحجّ ، عادت الحضانة للحاضن ، لأنّ المانع كان هو العذر الاضطراريّ وقد زال ، وإذا زال المانع عاد الممنوع.
وإذا زالت الحضانة لمانع اختياريّ كأن تتزوّج الحاضنة بأجنبيّ من المحضون ثمّ طلقت ، أو أسقطت الحاضنة حقّها في الحضانة بإرادتها دون عذر ، ثمّ أرادت العود للحضانة.
فلا تعود الحضانة بعد زوال المانع بناء على أنّ الحضانة حقّ للحاضن ، وهو المشهور في المذهب.
وقيل : تعود بناء على أنّ الحضانة حقّ المحضون.
لكنّهم قالوا : إذا كانت الحضانة لا تعود للمطلّقة إلاّ أنّه من حقّ من انتقلت له الحضانة ردّ المحضون لمن انتقلت عنه الحضانة ، فإن كان الرّدّ للأمّ فلا مقال للأب ، لأنّه نقل لما هو أفضل ، وإن كان الرّدّ لأختها مثلا فللأب المنع من ذلك ، فمعنى أنّ الحضانة لا تعود ، أي لا تجبر من انتقلت لها الحضانة على ردّ المحضون ، ولها الرّدّ باختيارها.
«انتهاء الحضانة»
19 - من المقرّر أنّ النّساء أحقّ بالحضانة من الرّجال في الجملة ، وأنّ الحضانة على الصّغار تبدأ منذ الولادة ، لكنّ إنهاء حضانة النّساء على الصّغار حال افتراق الزّوجين مختلف فيه بين المذاهب ، وبيان ذلك فيما يلي : ذهب الحنفيّة إلى أنّ حضانة النّساء على الذّكر تظلّ حتّى يستغني عن رعاية النّساء له فيأكل وحده ، ويشرب وحده ، ويلبس وحده ، وقدّر ذلك بسبع سنين - وبه يفتى - لأنّ الغالب الاستغناء عن الحضانة في هذه السّنّ ، وقيل تسع سنين.
وتظلّ الحضانة على الأنثى قائمة حتّى تبلغ بالحيض أو الاحتلام أو السّنّ ، وهذا كما في ظاهر الرّواية إن كانت الحاضنة الأمّ أو الجدّة ، أمّا غير الأمّ والجدّة فإنّهنّ أحقّ بالصّغيرة حتّى تشتهى ، وقدّر بتسع سنين وبه يفتى.
وعن محمّد أنّ الحكم في الأمّ والجدّة كالحكم في غيرهما ، فتنتهي حضانة النّساء مطلقا - أمّا أو غيرها - على الصّغيرة عند بلوغها حدّ الاشتهاء الّذي قدّر بتسع سنين ، والفتوى على رواية محمّد لكثرة الفساد.
فإذا انقضت حضانة النّساء فلا يخيّر المحضون ذكرا كان أو أنثى بل يضمّ إلى الأب ، لأنّه لقصور عقله يختار من عنده اللّعب ، ولم ينقل أنّ الصّحابة رضي الله عنهم خيّروا وتظلّ ولاية الأب على الصّغير والصّغيرة إلى البلوغ ، فإذا بلغ الغلام مستغنيا برأيه مأمونا عليه فيخيّر حينئذ بين المقام مع وليّه ، أو مع حاضنته ، أو(6/13)
الانفراد بنفسه ، وكذلك الأنثى إن كانت ثيّبا أو كانت بكرا طاعنة في السّنّ ولها رأي ، فإنّها تخيّر كما يخيّر الغلام.
وإن كان الغلام أو الثّيّب أو البكر الطّاعنة في السّنّ غير مأمون عليهم لو انفردوا بأنفسهم بقيت ولاية الأب عليهم ، كما تبقى الولاية على البكر إذا كانت حديثة السّنّ ، وكذلك الحكم بالنّسبة للمعتوه تبقى ولاية الأب عليه إلى أن يعقل.
وذهب المالكيّة إلى أنّ حضانة النّساء على الذّكر تستمرّ إلى بلوغه وتنقطع حضانته بالبلوغ ولو مريضا أو مجنونا على المشهور.
أمّا الحضانة بالنّسبة للأنثى فتستمرّ إلى زواجها ودخول الزّوج بها.
وقال ابن شعبان من المالكيّة : أمد الحضانة على الذّكر حتّى يبلغ عاقلا غير زمن.
وعند الشّافعيّة تستمرّ الحضانة على المحضون حتّى التّمييز ذكرا كان المحضون أو أنثى ، فإذا بلغ حدّ التّمييز - وقدّر بسبع سنين أو ثمان غالبا - فإنّه يخيّر بين أبيه وأمّه ، فإن اختار أحدهما دفع إليه ، وإذا عاد واختار الثّاني نقل إليه ، وهكذا كلّما تغيّر اختياره ، لأنّه قد يتغيّر حال الحاضن ، أو يتغيّر رأي المحضون فيه بعد الاختيار ، إلاّ إن كثر ذلك منه بحيث يظنّ أنّ سببه قلّة تمييزه ، فإنّه يجعل عند الأمّ ويلغى اختياره.
وإن امتنع المحضون عن الاختيار فالأمّ أولى ، لأنّها أشفق ، واستصحابا لما كان ، وقيل : يقرع بينهما ، وإن اختارهما معا أقرع بينهما ، وإن امتنع المختار من كفالته كفله الآخر ، فإن رجع الممتنع منهما أعيد التّخيير ، وإن امتنعا وبعدهما مستحقّان للحضّانة كجدّ وجدّة خيّر بينهما ، وإلاّ أجبر عليها من تلزمه نفقته ، وتظلّ الولاية عليه لمن بقي عنده إلى البلوغ.
فإن بلغ ، فإن كان غلاما وبلغ رشيدا ولي أمر نفسه لاستغنائه عمّن يكفله فلا يجبر على الإقامة عند أحد أبويه ، والأولى أن لا يفارقهما ليبرّهما.
قال الماورديّ : وعند الأب أولى للمجانسة ، نعم إن كان أمرد أو خيف من انفراده ففي كتاب العدّة لابن الصّبّاغ أنّه يمنع من مفارقة الأبوين.
ولو بلغ عاقلا غير رشيد فأطلق مطلقون أنّه كالصّبيّ ، وقال ابن كجّ : إن كان لعدم إصلاح ماله فكذلك ، وإن كان لدينه فقيل : تدام حضانته إلى ارتفاع الحجر ، والمذهب أنّه يسكن حيث شاء.
وإن كان أنثى ، فإن بلغت رشيدة فالأولى أن تكون عند أحدهما حتّى تتزوّج إن كانا مفترقين ، وبينهما إن كانا مجتمعين ، لأنّه أبعد عن التّهمة ، ولها أن تسكن حيث شاءت ولو بأجرة ، هذا إذا لم تكن ريبة ، فإن كانت هناك ريبة فللأمّ إسكانها معها ، وكذا للوليّ من العصبة إسكانها معه إذا كان محرما لها ، فإن لم يكن محرما لها فيسكنها في موضع لائق بها ويلاحظها دفعا لعار النّسب.
وإن بلغت غير رشيدة ففيها التّفصيل الّذي قيل في الغلام.
أمّا المجنون والمعتوه فلا يخيّر وتظلّ الحضانة عليه لأمّه إلى الإفاقة.
والحكم عند الحنابلة في الغلام أنّه يكون عند حاضنته حتّى يبلغ سنّ السّابعة فإن اتّفق أبواه بعد ذلك أن يكون عند أحدهما جاز ، لأنّ الحقّ في حضانته إليهما ، وإن تنازعا خيّره الحاكم بينهما فكان مع من اختار منهما ، قضى بذلك عمر رضي الله(6/14)
عنه ورواه سعيد وعليّ ، وروى أبو هريرة قال : «جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : إنّ زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : هذا أبوك وهذه أمّك فخذ بيد أيّهما شئت فأخذ بيد أمّه فانطلقت به» .
ولأنّه إذا مال إلى أحد أبويه دلّ على أنّه أرفق به وأشفق ، وقيّد بالسّبع لأنّها أوّل حال أمر الشّرع فيها بمخاطبته بالصّلاة ، بخلاف الأمّ فإنّها قدّمت في حال الصّغر لحاجته ومباشرة خدمته لأنّها أعرف بذلك ، قال ابن عقيل : التّخيير إنّما يكون مع السّلامة من فساد ، فإن علم أنّه يختار أحدهما ليمكّنه من فساد ويكره الآخر للتّأديب لم يعمل بمقتضى شهوته ، لأنّ ذلك إضاعة له.
ويكون الغلام عند من يختار فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه ، وإن عاد فاختار الأوّل ردّ إليه هكذا أبدا ، لأنّ هذا اختيار تشهّ ، وقد يشتهي أحدهما في وقت دون آخر فاتّبع بما يشتهيه ، فإن لم يختر أحدهما أو اختارهما معا أقرع بينهما ، لأنّه لا مزيّة لأحدهما على الآخر ، ثمّ إن اختار غير من قدّم بالقرعة ردّ إليه ، ولا يخيّر إذا كان أحد أبويه ليس من أهل الحضانة ، لأنّ من ليس أهلا للحضانة وجوده كعدمه.
وإلاّ اختار أباه ثمّ زال عقله ردّ إلى الأمّ لحاجته إلى من يتعهّده كالصّغير وبطل اختياره ، لأنّه لا حكم لكلامه.
أمّا الأنثى فإنّها إذا بلغت سبع سنين فلا تخيّر وإنّما تكون عند الأب وجوبا إلى البلوغ ، وبعد البلوغ تكون عنده أيضا إلى الزّفاف وجوبا ، ولو تبرّعت الأمّ بحضانتها ، لأنّ الغرض من الحضانة الحفظ ، والأب أحفظ لها ، وإنّما تخطب منه ، فوجب أن تكون تحت نظره ليؤمن عليها من دخول الفساد لكونها معرّضة للآفات لا يؤمن عليها للانخداع لغرّتها.
والمعتوه ولو أنثى يكون عند أمّه ولو بعد البلوغ لحاجته إلى من يخدمه ويقوم بأمره ، والنّساء أعرف بذلك.
«رؤية المحضون.
»
20 - لكلّ من أبوي المحضون إذا افترقا حقّ رؤيته وزيارته ، وهذا أمر متّفق عليه بين الفقهاء ، لكنّهم يختلفون في بعض التّفاصيل.
وبيان ذلك فيما يلي :
يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ المحضون إن كان أنثى فإنّها تكون عند حاضنها - أمّا أو أبا - ليلا ونهارا ، لأنّ تأديبها وتعليمها يكون داخل البيت ولا حاجة بها إلى الإخراج ، ولا يمنع أحد الأبوين من زيارتها عند الآخر ، لأنّ المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرّحم ، ولا يطيل الزّائر المقام ، لأنّ الأمّ بالبينونة صارت أجنبيّة ، والورع إذا زارت الأمّ ابنتها أن تتحرّى أوقات خروج أبيها إلى معاشه.
وإذا لم يأذن زوج الأمّ بدخول الأب أخرجتها إليه ليراها ، ويتفقّد أحوالها ، وإذا بخل الأب بدخول الأمّ إلى منزله أخرجها إليها لتراها ، وله منع البنت من زيارة أمّها إذا خشي الضّرر حفظا لها.
والزّيارة عند الشّافعيّة تكون مرّة كلّ يومين فأكثر لا في كلّ يوم.(6/15)
ولا بأس أن يزورها كلّ يوم إذا كان البيت قريبا كما قال الماورديّ.
وعند الحنابلة تكون الزّيارة على ما جرت به العادة كاليوم في الأسبوع.
وإن كان المحضون ذكرا ، فإن كان عند أبيه كان عنده ليلا ونهارا ، ولا يمنعه من زيارة أمّه ، لأنّ المنع من ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرّحم ، ولا يكلّف الأمّ الخروج لزيارته ، والولد أولى منها بالخروج ، لأنّه ليس بعورة.
ولو أرادت الأمّ زيارته فلا يمنعها الأب من ذلك ، لما في ذلك من قطع الرّحم ، لكن لا تطيل المكث ، وإن بخل الأب بدخولها إلى منزله أخرجه إليها ، والزّيارة تكون مرّة كلّ يومين فأكثر ، فإن كان منزل الأمّ قريبا فلا بأس أن يزورها الابن كلّ يوم ، كما قاله الماورديّ من الشّافعيّة أمّا الحنابلة فكما سبق تكون الزّيارة كلّ أسبوع.
وإن كان المحضون الذّكر عند أمّه كان عندها ليلا ، وعند الأب نهارا لتعليمه وتأديبه.
وإن مرض الولد كانت الأمّ أحقّ بالتّمريض في بيت الأب إن كان عنده ورضي بذلك ، وإلاّ ففي بيتها يكون التّمريض ، وهذا كما يقول الشّافعيّة وعند الحنابلة يكون التّمريض في بيتها ويزوره الأب إن كان التّمريض عند الأمّ مع الاحتراز من الخلوة.
وإن مرض أحد الأبوين والولد عند الآخر لم يمنع من عيادته ، سواء أكان ذكرا أم أنثى.
وإن مرضت الأمّ لزم الأب أن يمكّن الأنثى من تمريضها إن أحسنت ذلك ، بخلاف الذّكر لا يلزمه أن يمكّنه من ذلك وإن أحسن التّمريض ، وذلك كما يقول الشّافعيّة.
ويقول الحنفيّة : إنّ الولد متى كان عند أحد الأبوين فلا يمنع الآخر من رؤيته إليه وتعهّده إن أراد ذلك.
ولا يجبر أحدهما على إرساله إلى مكان الآخر ، بل يخرجه كلّ يوم إلى مكان يمكن للآخر أن يراه فيه.
وعند المالكيّة إن كان المحضون عند الأمّ فلا تمنعه من الذّهاب إلى أبيه يتعهّده ويعلّمه ، ثمّ يأوي إلى أمّه يبيت عندها.
وإن كان عند الأب فلها الحقّ في رؤيته كلّ يوم في بيتها لتفقّد حاله.
ولو كانت متزوّجة من أجنبيّ من المحضون فلا يمنعها زوجها من دخول ولدها في بيتها ، ويقضى لها بذلك إن منعها.
ــــــــــــــ
مباحث الحضانة
الفقه على المذاهب الأربعة - (ج 4 / ص 287)
- الحضانة - بفتح الهاء وكسرها - والفتح أشهر معناها لغة مصدر حضنت الصغير حضانة تحملت مؤنته وتربيته مأخوذة من الحضن - بكسر الحاء - وهو الجنب لأن الحضانة تضم الطفل إلى جنبها وفي الشرع حفظ الصغير والعاجز والمجنون والمعتوه مما يضره بقدر المستطاع والقيام على تربيته ومصالحه من تنظيف وإطعام وما يلزم راحته أما مستحق الحضانة ففيه تفصيل المذاهب ( 1 )
-----------------(6/16)
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : الحضانة تثبت للأقارب من النساء والرجال على الترتيب الآتي : فأحق الناس بالحضانة الأم سواء كانت متزوجة بالأب أو مطلقة ثم من بعدها أمها وأم أمها وهكذا . ولا بد أن تكون أم الأم صالحة للحضانة وليس لأم الأم الحق في أن تحتضن ابن بنتها المتزوجة في بيت زوجها لأنه عدو له فللأب في هذه الحالة أن يأخذه منها فإذا ماتت أم الأم أو تزوجت بغير محرم الصغير انتقل حق الحضانة لأم الأب وإن علت أما إذا كانت متزوجة بمحرمه كما إذا كانت جدة متزوجة بجده فإن حضانتها لا تسقط فإن ماتت أو تزوجت انتقل الحق للأخت الشقيقة فإن ماتت أو تزوجت انتقل إلى الأخت لأب . ثم من بعدها الأخت الشقيقة ثم من بعدها بنت الأخت لأم
وهذا الترتيب لا خلاف فيه عند الحنفية واختلفوا فيما وراءه كما إذا اجتمعت خالة وأخت لأب فقيل : الأخت لأب أولى وقيل : الخالة أولى أما بنت الأخت لأب مع الخالة فإن الصحيح أن الخالة أولى وتقدم الخالة لأب وأم هي شقيقة الأم ثم من بعدها الخالة لأم ثم من بعدها الخالة للأب وبنات الإخوة أولى من العمات وتقدم العمة الشقيقة ثم العمة لأب ثم هؤلاء يدفع إلى خالة الأم الشقيقة ثم إلى خالتها لأم ثم لأب ثم إلى عمة الأم على هذا الترتيب
وبالجملة فجهة الأمهات مقدمة على جهة الآباء أما بنات العم وبنات الخال وبنات العمة وبنات الخالة فلا حق لهن في الحضانة
فإذا لم يكن للصغير امرأة من أهله المذكورات تستحق الحضانة انتقلت الحضانة إلى عصبته من الرجال فيقدم الأب ثم أبو الأب وإن علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب وكذا أبناء أبنائهم وإن سفلوا ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب بشرط أن يكون المحضون ذكرا أما الأنثى فلا تدفع إلى أبناء الأعمام لأنها ليست محرما بالنسبة لهم فإذا لم يكن للصغيرة إلا أبناء الأعمام فالنظر في ذلك للقاضي فإن شاء دفعها إليهم وإلا دفعها عند امرأة أمينة
وإذا كان الصغيرة عدة أخوال فإنها تدفع للأصلح منهم وإن تساووا في الصلاحية فإنها تدفع للأسن وكذا إذا كان لها عدة أعمام فإذا لم يكن لها عصبة فإن حضانتها تكون للأخ لأم ثم من بعده ابنه ثم للعم لأم ثم للخال لأب وأم ثم للخال لأب ثم للخال لأم وإذا كان لها جد لأم كان أولى من الخال ومن الأخ لأم
المالكية - قالوا : يستحق الحضانة أقارب الصغيرة من إناث وذكور على الترتيب الآتي ذكره فأحق الناس به أمه ثم أمها يعني جدته لأمه وإن علت ثم الخالة الشقيقة ثم الخالة لأم ثم خالة الأم ثم عمة الأم ثم أم الأب ثم أم أمه وأم أبيه والقربى منهن نقدم على البعدى . والتي من جهة أمه تقدم على التي من جهة أبيه ثم بعد الجدة من جهة الأب تنتقل الحضانة إلى الأب ثم إلى الأخت ثم إلى عمة الصغير أخت أبيه ثم إلى عمة أبيه - أخت جده - ثم إلى خالة أبيه ثم بنت الأخ الشقيق ثم لأم ثم لأب ثم إلى بنت الأخت كذلك وإذا اجتمع هؤلاء يقدم منهن الأصلح للحضانة وبعضهم رجح تقديم بنات الأخ على بنات الأخت ثم بعد هؤلاء تنتقل الحضانة إلى الوصي سواء كان ذكرا أو أنثى ثم الأخ الصغير ثم أبن الأخ ويقدم عليه الجد من جهة الأم ثم العم(6/17)
ثم ابنه ويقدم الأقرب على الأبعد ثم المعتق أو عصبته نسبا . الشافعية - قالوا : للمستحقين في الحضانة ثلاثة أحوال : الحالة الأولى : أن يجتمع الأقارب الذكور مع الإناث . الحالة الثانية : أن يجتمع الإناث فقط الحالة الثالثة : أن يجتمع الذكور فقط . فأما الحالة الأولى : فتقدم الأم على الأب ثم أم الأم وإن علت بشرط أن تكون وارثة فلا حضانة لأم أبي أم لأنها غير وارثة ثم بعدهن الأب ثم أمه ثم أم أمه وإن علت إذا كانت وارثة فلا حضانة لأم أبي أم أب لأنها لا ترث فإذا عدمت هذه الأربعة وهي الأم وأمهاتها والأب وأمهاته . وإذا اجتمع ذكور وإناث قدم الأقرب فالأقرب من الإناث ثم الأقرب من الذكور مثلا إذا اجتمع إخوة وأخوات وخالة وعمة قدمت الأخوات الإناث لأنهن أقرب وأولى بالتقديم من الذكور ثم الإخوة الذكور لأنهم أقرب من الخالة والعمة ثم العمة وعند الاستواء في القرابة والذكورة والأنوثة كأخوات بنات وإخوة ذكور فإنه يقرع بين البنات فمن خرجت القرعة عليه قدم على غيره
وأما الحالة الثانية وهي اجتماع الإناث فقط فتقدم الأم ثم أمهاتها ثم أمهات الأب ثم الأخت ثم الخالة ثم بنت الأخت ثم بنت الأخ ثم العمة ثم بنت الخالة ثم بنت العمة ثم بنت العم ثم بنت الخال وتقدم الشقيقات على غير الشقيقات وتقدم من كانت لأب على من كانت لأم
أما الحالة الثالثة وهي ما إذا اجتمع الذكور فقط فيقدم الأب ثم الجد ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم الأخ لأم ثم ابن الأخ الشقيق أو لأب ثم العم لأبوين ثم العم لأب ثم ابن العم كذلك ولكن لا تسلم له مشتهاة لأنه غير محرم وإنما تسلم لثقة يعينها هو كبنته فإن كانت مجنونة كبيرة ولها بنت فإنها تقدم بعد الأم على الجدات وإن كانت صغيرة لها زوج فإنه يقدم في الحضانة على كل هؤلاء بشرط أن تكون مطيقة للوطء
الحنابلة - قالوا : أحق الناس بالحضانة الأم ثم أمها ثم أم أمها وهلم جرا ثم الأب ثم أمهاته وإن علت ثم الجد ثم أمهاته ثم أخت لأبوين ثم أخت لأم ثم أخت لأب ثم خالة لأبوين ثم خالة لأم ثم خالة لأب ثم عمة لأبوين ثم عمة لأم ثم عمة لأب ثم خالات أمه وتقدم الشقيقة ثم التي لأم ثم التي لأب ثم خالات أبيه كذلك ثم عمات أبيه كذلك ثم بنات إخوته ثم بنات أخواته ثم بنات أعمامه ثم بنات عماته ثم بنات أعمام أمه وبنات أعمام أبيه كذلك فتقدم في ذلك كله الأشقاء ثم الذين لأم ثم الذين لأب ولا حضانة عليها لمحرم كابن العم وابن عم الأب وكذا لا حضانة عليها لمحرم برضاع )
شروط الحضانة
- يشترط لاستحقاق الحضانة : منها أن يكون عاقلا فلا حضانة لمجنون . ولا لمعتوه ومنها أن يكون بالغا فلا حضانة لصغير ومنها غير ذلك . مما هو مفصل في المذاهب ( 1 )
------------------------
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : يشترط في الحضانة أمور : أحدها أن لا ترتد فإن ارتدت سقط حقها في الحضانة سواء لحقت بدار الحرب أو لا . فإن تابت رجع لها حقها(6/18)
ثانيها : أن لا تكون فاسقة غير مأمونة عليه فإن ثبت فجورها بفسق أو بسرقة أو كانت محترفة حرفة دنيئة كالنائحة والراقصة فإن حفها يسقط . ثالثها : أن لا تتزوج غير أبيه فإن تزوجت سقط حقها إلا أن يكون زوجها رحما للصغير كأن يكون عما له فإن تزوجت أجنبيا سقط حقها فإن طلقها الزوج الثاني عاد لها حقها في الحضانة . رابعها : أن لا تترك الصبي بدون مراقبة خصوصا إذا كانت أنثى تحتاج إلى رعاية فإن كانت أمها من النساء اللاتي يخرجن طول الوقت وتمهل في تربيتها فإن حقها يسقط بذلك . خامسها : أن لا يكون الأب معسرا وامتنعت الأم عن حضانة الصغير إلا بأجرة وقالت عمته : أنا أربيه بغير أجرة فإن لها ذلك ويسقط حق أمه في الحضانة . سادسها : أن لا تكون أمة أو أم ولد فإنه لا حضانة لها . ولا يشترط الإسلام فإن كان متزوجا بذمية فإن لها أن تحضن ابنها منه بشرط أن يأمن عليه الكفر والفساد فإذا لم يأمن كأن رآها تذهب به إلى الكنيسة أو رآها تطعمه لحم الخنزير أو تسقيه الخمر فإن للأب أن ينزعه منها فإذا ماتت الأم الحاضنة أو لم يتوفر فيها شرط من هذه الشروط انتقلت الحضانة إلى من يليها حسب الترتيب المتقدم أما العقل فهو شرط مجمع عليه
الشافعية - قالوا : يشترط للحضانة سبع شروط : أحدها : أن يكون عاقلا فلا حضانة لمجنون إلا إذا كان جنونه قليلا نادرا كيوم واحد في السنة كلها . ثانيها : الحرية فلا حضانة لرقيق . ثالثها : الإسلام فلا حضانة لكافر على مسلم أما حضانة الكافر للكافر والمسلم للكافر فإنها ثابتة . رابعها : العفة فلا حضانة لفاسق ولو تارك صلاة أو تاركة صلاة . خامسها : الأمانة فلا حضانة لخائن في أمر من الأمور . سادسها : الإقامة في بلد المحضون إذا كان مميزا وسيأتي بيانه قريبا . سابعها : أن لا تكون أم الصغير متزوجة بغير محرم فإن تزوجت بمحرم كعمه فإن حضانته لم تسقط إذا رضي الزوج بضمه
الحنابلة - قالوا : يشترط للحضانة . أولا : أن يكون الحاضن عاقلا فلا حضانة لمجنون . ثانيها : أن لا يكون رقيقا . ثالثا : أن لا يكون عاوزا كأعمى لعدم حصول المقصود به ومثل الأعمى ضعيف البصر . رابعا : أن لا يكون أبرص أو أجذم وإلا سقط حقه في الحضانة خامسا : أن لا تكون متزوجة بأجنبي من الطفل فإن كان غير أجنبي كجده وقريبه فإن لها الحضانة
المالكية - قالوا : يشترط في الحاضن ذكرا كان أو أنثى شروط . الأول : العقل فلا حضانة لمجنون ولو يفيق في بعض الأحيان ولا لمن به خفة عقل وطيش . الثاني : القدرة على القيام بشأن المحضون فلا حضانة للعاجز كامرأة بلغت سن الشيخوخة أو رجل هرم إلا أن يكون عندهما من يمكنه القيام بالحضانة تحت إشرافهما ومثلهما الأعمى والأصم والأخرس والمريض والمقعد . الثالث : أن يكون للحاضن مكان يمكن حفظ البنت فيه التي بلغت حد الشهوة من الفساد فإذا كان في جهة غير مأمونة فإن حضانته تسقط . الرابع : الأمانة في الدين فلا حضانة لفاسق يشرب الخمر ومشتهر بالزنا ونحو ذلك . الخامس : أن لا يكون الحاضن مصابا بمرض معد يخشى على الطفل منه كجذام وبرص . السادس : أن يكون الحاضن رشيدا فلا حضانة لسفيه مبذر لئلا يتلف مال المحضون : إن كان له مال . الشرط السابع :(6/19)
الخلو عن زوج دخل بها إلا إذا تزوجت بمحرم أو علم من له حق الحضانة بعدها يتزوجها وسكت مدة عام بلا عذر فإن حضانته تسقط بذلك . ولا يشترط في الحاضن أن يكون مسلما ذكرا كان أو أنثى . فأن خيف على الولد من أن تسقيه خمرا أو تغذيه بلحم خنزير ضمت حضانته إلى مسلمين ليراقبوها ولا ينزع منها الولد ولا فرق في ذلك بين الذمية والمجوسية وإن كان الحاضن ذكرا فيشترط أن يكون عنده من يحضن من الإناث كزوجة أو سرية أو خادمة ولا يصح أن يحضن غير محرم بنتا مطيقة للوطء كابن عمها - إلا إذا تزوج بأمها - ولو كان مأمونا )
مدة الحضانة
- في مدة الحضانة تفصيل المذاهب ( 1 )
-----------------
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : مدة الحضانة للغلام قدرها بعضهم بسبع سنين وبعضهم بتسع سنين قالوا : والأول هو المفتى به ومدتها في الجارية فيها رأيان : أحدهما : حتى تحيض . ثانيهما : حتى تبلغ حد الشهوة وقدر بتسع سنين قالوا : وهذا هو المفتى به فإذا كان الولد في حضانة أمه فلأبيه أن يأخذه بعد هذا السن فإذا بلغ الولد عاقلا رشيدا كان له أن ينفرد ولا يبقى في حضانة أبيه إلا أن يكون فاسد الأخلاق فلأبيه ضمه وتأديبه وإذا لم يكن له أب فلأحد أقاربه أن يضمه إليه ويؤدبه متى كان مؤتمنا ولا نفقة للبالغ إلا أن يتبرع والده بها وإلا أن يكون طالب علم كما تقدم في مباحث النفقة
أما الأنثى فإن كان بكرا ضمنها الأب إلى نفسه ومثل الأب الجد فإن لم يكن لها أب ولا جد فإن كان لها أخ ضمها إليه بشرط أن لا يكون مفسدا وإلا فإن كان لها عم غير مفسد ضمها إليه . وإلا فإن كان لها عصبية في رحم محرم ضمها إليه وإن لم يكن وضعها القاضي عند امرأة ثقة إلا إذا كانت مسنة عجوز ولها رأي فإنها تكون حرة فتسكن حيث أحبت أما إذا كانت ثيبا فليس له ضمها إلا إذا لم تكن مأمونة على نفسها وفي هذه الحالة يكون للأب والجد ضمها جبرا فإن لم يكن لها أب ولا جد ولها أخ أو عم فله ضمها ما لم يكن مفسدا فإن كان مفسدا ضمها القاضي عند امرأة ثقة
المالكية - قالوا : مدة حضانة الغلام من حين ولادته إلى أن يبلغ فإن كان له أم حضنته حتى يبلغ ثم تسقط حضانتها ولو بلغ مجنونا ولكن تستمر نفقته على الأب إذا بلغ مجنونا ومدة حضانة الأنثى حتى تتزوج ويدخل بها الزوج بالفعل
الشافعية - قالوا : ليس للحضانة مدة معلومة فإن الصبي متى ميز بين أبيه وأمه فإن اختار أحدهما كان له وكذا يخير بين أم وجد أو غيره أو بين أب وأخت له من أم أو خالة وله بعد اختيار أحدهما أن يتحول للآخر وإن تكرر منه ذلك وللأب إذا اختارته بنته أن يمنعها من زيارة أمها وليس له أن يمنع أمها من زيارتها على العادة وإذا زارت لا تطيل المكث وإذا مرضت كانت أمها أولى بتمريضها في منزله إذا رضي وإلا مرضتها في منزلها ويعودهما بشرط أن لا يخلو بها في الحالتين وإن اختارها ذكر مكث عندها الليل وعند أبيه النهار كي يقوم بتعليمه أما إذا اختارتها أنثى(6/20)
فتستمر عندها دائما وإن اختارهما معا أقرع بينهما وإذا سكت ولم يختر أحدا كان للأم
الحنابلة - قالوا : مدة الحضانة سبع سنين للذكر والأنثى ولكن إذا بلغ الصبي سبع سنين واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما فإنه يصح وإن تنازعا خير الصبي فكان مع من اختار منهما بشرط أن لا يعلم أنه اختار أحدهما لسهولته وعدم التشدد عليه في التربية وإطلاق العنان له فيشب فاسدا فإذا علم أن رغبة الولد هكذا فإنه يجبر على البقاء عند الأصلح فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه وإن مرض الغلام كانت أمه أحق بتمريضه في بيتها أما إذا اختار أمه فإنه يكون عندها ليلا ويكون عند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه فإذا عاد واختار الآخر نقل إليه وهكذا أبدا فإن لم يختر أحدهما أو اختارهما معا أقرع بينهما ثم إن اختار غير من أصابته القرعة رد إليه ولا يخير إلا إذا كان أبواه من أهل الحضانة فإن كان أحدهما غير أهل وجب أن يحضنه الكفء وقيل سبع سنين يكون عند صاحب الحق في الحضانة وعلى الوجه المتقدم فإذا زال عقل الصبي كان من حق أمه أما الأنثى فإنها متى بلغت سبع سنين فأكثر كانت من حق أبيها - بلا كلام - إلى البلوغ ثم إلى الزفاف ولو تبرعت الأم بحضانتها لأن الغرض من الحضانة الحفظ والأب أحفظ لعرضه وإذا كانت عند الأب كانت عنده دائما ليلا ونهارا ولا تمنع أمها من زيارتها وكذا إذا كانت عند الأم فإنها تكون عندها ليلا ونهارا ولا يمنع الأب من زيارتها وإن مرضت فالأم أحق بتمريضها في بيت الأب بشرط أن لا يخلو الأب بها )
مبحث هل للحاضن أن يسافر بالمحضون ؟
- في جواز سفر الحاضن بالمحضون وعدمه تفصيل المذاهب ( 1 )
----------------
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : لهذه المسألة ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن تكون الحاضنة إما مطلقة وأن يكون الأب موجودا وتريد الأم أن تنتقل بابنها إلى بلدة أخرى وفي هذه الحالة لا يجوز لها الانتقال إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن تكون مطلقة طلاقا بائنا أو طلاقا رجعيا وقد انقضت عدتها أما إذا لم تنقض عدتها فإنها لا يجوز لها الانتقال ولا الخروج حتى تنقضي العدة
الشرط الثاني : أن لا تكون البلدة التي تريد الانتقال إليها بعيدة ليس بينها وبين البلدة القائم بها أبوه تفاوت بحيث يمكنه أن يزور ولده ويرجع في يومه بصرف النظر عن سرعة المواصلات ويجوز لها أن تنتقل إلى بلدة بعيدة بشرطين :
أحدهما : أن يكون قد عقد عليها في هذا البلد
ثانيهما : أن تكون هذه البلدة وطنا لها
الصورة الثانية : أن يكون الأب موجودا وتكون الحاضنة غير الأم فالجدة والخالة ونحوهما من الحاضنات وهؤلاء لا يجوز لهن الانتقال بالولد المحضون عن البلدة التي بها أبوه بدون إذنه مطلقا لأنك قد عرفت أن الذي برر انتقال الأم إلى وطنها عقد الزوج عليها فيه لأن رضاه بالعقد فيه رضا بالإقامة وكذا يمنع الأب من إخراج الولد من بلدة الأم ما دامت حضانتها قائمة فإذا تزوجت غيره فللأب أن يسافر بابنه(6/21)
ما دامت متزوجة فإذا عاد لها حقها رجع وبعضهم يقول : لا يجوز له الخروج بولده إلا إذا انتهت مدة حضانتها
الصورة الثالثة : أن يكون أبوه متوفى وهي في عدة الوفاة وفي هذه الحالة لا يجوز لها الخروج به إلا بإذن وليه الذي حل محل أبيه أما بعد انقضاء عدتها فقد توقف المفتون في المسألة وبعضهم قال : للأولياء منعها والظاهر أنه ينبغي أن يترك الأمر في هذه الحالة لاجتهاد القاضي ليرى ما فيه مصلحة الصغير فإن كان من مصلحته عدم الانتقال منعها وإلا فلا
المالكية - قالوا : ليس للحاضنة أن تسافر بالمحضون إلى بلدة أخرى ليس فيها أب المحضون أو وليه إلا بشروط :
الأول : أن تكون المسافة أقل من ستة برد فإن كانت أقل فإنه يصح لها أن تستوطن فيها ولا يسقط حقها في الحضانة والبريد : أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال : فالمجموع - 72 ميلا - وقدر الميل : بأربعة آلاف ذراع بذراع الإنسان المعتدل فللحاضنة أن تنتقل به إلى بلد دون ذلك وليس له نزعه منها
الثاني : أن يكون السفر للإقامة والاستيطان كما ذكرنا أما إذا كان للتجارة أو لقضاء حاجة فإن لها أن تسافر به ولا يسقط حقها في الحضانة بل تأخذه معها وللولي أن يحلفها بأنها ما أرادت بالسفر الانتقال والاستيطان وإنما أرادت سفر التجارة مثلا وإنما يصح أن تسافر به مسافة قليلة بشرط أن تكون الطريق مأمونة وأن يكون المكان الذي تريد السفر إليه مأمونا أما الولي فإنه إذا أراد السفر من بلدة إلى بلدة أخرى ليقيم بها وينتقل إليها مستوطنا إياها فإن له أن يأخذ المحضون من حاضنته ولو كان طفلا متى قبل ثدي مرضعة غير حاضنته ويسقط حق الحاضنة في الحضانة إلا إذا رضيت أن تسافر معه فإن حضانتها لا تسقط بانتقاله وإنما يكون له حق أخذ المحضون منها ويسقط حقها في الحضانة بشرطين : أحدهما : أن يكون الولي قاصدا السفر إلى بلد تبعد عن بلد الحاضنة مسافة ستة برد فأكثر أما إذا كانت دون ذلك فليس له أخذه منها لأنه يمكنه أن يشرف على الصغير في هذه الحالة . الشرط الثاني : أن يكون قاصدا الانتقال والاستيطان أما إذا كان قاصدا التجارة ونحوها فإنه لا يأخذه منها ولا يسقط حقها في الحضانة ولها أن تحلفه على أنه أراد سفر الانتقال لا سفر التجارة
الشافعية - قالوا : إذا أراد الحاضن أو الولي سفرا لحاجة أو لتجارة بقي الولد بيد المقيم حتى يرجع من سفره ثم إن كان مميزا يخير في البقاء مع أيهما شاء على الوجه المتقدم أما إذا أراد سفر نقلة واستيطان فإن الولد يتبع العاصب من أب أو غيره سواء كان مسافرا أو مقيما بشرط أن لا يكون ببلدة الحاضن عاصب آخر مقيم وإلا خير الولد المميز في الإقامة مع أيهما شاء ولا حق للعاصب المسافر في أخذه مثلا إذا انتقل الأب من بلدة الأم الحاضنة إلى بلدة أخرى ليقيم بها ولكن جده لا يزال مقيما مع الحاضنة فليس للأب أخذه معه وكذا إذا كان جد وأخ وسافر الجد وأقام الأخ أو سافر الأخ وأقام العم فإنه يبقى مع المقيم ويشترط للسفر بالصغير أن تكون الطريق مأمونة وأن يكون المكان المسافر إليه مأمونا وإلا فأمه أحق به(6/22)
الحنابلة - قالوا : إذا أراد أحد الأبوين السفر إلى بلدة أخرى فإن الولد يبقى مع الأب سواء كان هو المسافر أو المقيم بشروط . أحدها : أن تكون المسافة بين البلدين مسافة قصر فأكثر . ثانيها : أن تكون الطريق مأمونة وتكون البلدة المنقول إليها كذلك . ثالثها : أن يكون السفر سفر نقلة واستيطان فإن كان لتجارة أو حج كان الولد من حق المقيم . رابعها : أن لا يريد بالسفر مضارة الآخر وانتزاع الولد من يده فإن أراد ذلك فلا يجاب إلى طلبه وإذا انتقلا جميعا إلى بلدة واحدة فالأم باقية على حضانتها وإذا أخذه الأب لافتراق بلدتين ثم عادت الأم عادت لها الحضانة )
مبحث أجرة الحضانة
- في أجرة الحضانة تفصيل المذاهب ( 1 )
------------------
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : أجرة الحضانة ثابتة للحاضنة سواء كانت أما أو غيرها وهي غير أجرة الرضاع وغير نفقة الولد فيجب على الأب أو من تجب عليه النفقة ثلاثة : أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد فإذا كان للولد المحضون مال أخذه من ماله وإلا فعلى من تجب عليه نفقته كما ذكرنا وهل تشمل أجرة الحضانة النفقة بجميع أنواعها حتى المسكن أو لا مسكن لها ؟ والجواب : أن الحاضنة إذا كان لها مسكن ويسكن الولد تبعا لها فلا يقدر لها أجرة مسكن وإن لم يكن لها مسكن قدر لها أجرة مسكن لأنها مضطرة إلى إيوائه وهذا هو الذي ينبغي العمل به وإذا احتاج الصغير إلى خادم فإنه يقضى له به على أبيه الموسر
وإنما تثبت أجرة الحضانة للأم إذا لم تكن الزوجية قائمة أو لم تكن معتدة فإن كانت زوجة أو معتدة لأب الطفل فإنه لا حق لها في أجرة الرضاع ولا في أجرة الحضانة أما حال قيام الزوجية بينهما فالأمر ظاهر لأن نفقتها واجبة عليه بطبيعة الحال وأما حال العدة فكذلك لأن لها نفقة العدة فهي في حكم الزوجة فإذا انقضت عدتها كان لها الحق في طلب أجرة الحضانة ولا تجب الأجرة على أبيه إلا إذا كان الطفل فقيرا لا مال له وإلا فمن ماله
هذا كله إذا لم يوجد متبرع يتبرع بحضانته مجانا فإن وجد متبرع وكان أجنبيا عن الصغير وكان للصغير مال فإنه لا يعطى للأجنبي ولكن يعطى لمن هو أهل للحضانة بأجرة المثل من ماله . أما إن كان المتبرع من أقارب الصغير كالعمة مثلا فإن الأم في هذه الحالة تخير بين إمساكه مجانا وبين أخذه منها وإعطائه لعمته لتحضنه مجانا إلا إذا كان الأب موسرا . ولا مال للصغير فإن الأم أوى بحضانته بالأجرة أما إذا كان الأب معسرا والصغير موسر أو كان الأب موسرا والصغير موسر فإنه يعطى لعمته مجانا وذلك لأن نفقة أمه في هذه الحالة تكون من مال الصغير وهو ضرر عليه كما لا يخفى وإذا امتنعت الأم عن حضانة الصغير فهل تجبر على حضانته أو لا ؟ والجواب : أنه إذا كان للصغير ذي رحم محرم صالح لحضانته غيرها لا تجبر على الصحيح وإلا أجبرت كي لا يضيع الولد أما الأب فإنه يجبر على ضمه بعد بلوغ مدة الحضانة
المالكية - قالوا : ليس للحاضن أجرة على الحضانة سواء كانت أما أو غيرها بقطع النظر عن الحاضنة فإنها إذا كانت فقيرة ولولدها المحضون مال فإنه ينفق عليها من(6/23)
مال ولدها لفقرها إلا للحضانة أما الولد المحضون فله على أبيه النفقة والكسوة والغطاء والفرش والحاضنة تقبضه منه وتنفقه عليه وليس له أن يقول لها : أرسليه ليأكل عندي ثم يعود وتقدر النفقة على والده باجتهاد الحاكم حسب ما يراه مناسبا لحاله كأن يقدر له شهريا أو كل جمعة أو نحو ذلك مما تقدم في باب النفقة وهل للحاضنة السكنى ؟ والجواب : أن الصحيح تقدير السكنى باجتهاد الحاكم فينظر إلى حال الزوجين فإن كانت موسرة فلا سكنى لها على الأب وإن كانت معسرة وجب عليه لها السكنى
الشافعية - قالوا : أجرة الحضانة ثابتة للحاضن حتى الأم وهي غير أجرة الرضاع فإذا كانت الأم هي المرضعة وطلبت الأجرة على الرضاع والحضانة أجيبت ثم إن كان للصغير مال كانت الأجرة في ماله وإلا فعلى الأب أو من تلزمه نفقته ويقدر لها كفايتها بحسب حاله
الحنابلة - قالوا : للحاضنة طلب أجرة الحضانة والأم أحق بحضانته ولو وجدت متبرعة تحضنه مجانا ولكن لا تجبر الأم على حضانة طفلها وإذا استؤجرت امرأة للرضاع والحضانة لزماها بالعقد وإن ذكر في العقد الرضاع لزمتها الحضانة تبعا وإن استؤجرت للحضانة لم يلزمها الرضاع وإذا امتنعت الأم سقط حقها وانتقل إلى غيرها على الوجه المتقدم )
ــــــــــــــ
الْحَضَانَةُ
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 5650)
2010 - مَسْأَلَةٌ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَالِابْنَةِ الصَّغِيرَةِ حَتَّى يَبْلُغَا الْمَحِيضَ , أَوْ الِاحْتِلَامَ , أَوْ الْإِنْبَاتَ مَعَ التَّمْيِيزِ , وَصِحَّةِ الْجِسْمِ - سَوَاءٌ كَانَتْ أَمَةً أَوْ حُرَّةً , تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ , رَحَلَ الْأَبُ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ لَمْ يَرْحَلْ - وَالْجَدَّةُ أُمٌّ . فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ مَأْمُونَةً فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا نُظِرَ لِلصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ بِالْأَحْوَطِ فِي دِينِهِمَا ثُمَّ دُنْيَاهُمَا , فَحَيْثُمَا كَانَتْ الْحِيَاطَةُ لَهُمَا فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ وَجَبَتْ هُنَالِكَ عِنْدَ الْأَبِ , أَوْ الْأَخِ , أَوْ الْأُخْتِ , أَوْ الْعَمَّةِ , أَوْ الْخَالَةِ , أَوْ الْعَمِّ , أَوْ الْخَالِ - وَذُو الرَّحِمِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ , وَالدِّينُ مُغَلَّبٌ عَلَى الدُّنْيَا . فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي صَلَاحِ الْحَالِ فَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ , ثُمَّ الْأَبُ وَالْجَدُّ , ثُمَّ الْأَخُ وَالْأُخْتُ , ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ . وَالْأُمُّ الْكَافِرَةُ أَحَقُّ بِالصَّغِيرَيْنِ مُدَّةَ الرَّضَاعِ , فَإِذَا بَلَغَا مِنْ السِّنِّ وَالِاسْتِغْنَاءِ مَبْلَغَ الْفَهْمِ فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرَةٍ وَلَا لِفَاسِقَةٍ . بُرْهَانُ ذَلِكَ - : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّهُ فِي يَدِهَا ; لِأَنَّهُ فِي بَطْنِهَا ثُمَّ فِي حِجْرِهَا مُدَّةَ الرَّضَاعِ بِنَصِّ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ أَوْ نَقْلُهَا عَنْ مَوْضِعٍ جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ , وَلَمْ
يَأْتِ نَصٌّ صَحِيحٌ قَطُّ بِأَنَّ الْأُمَّ إنْ تَزَوَّجَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ , وَلَا بِأَنَّ الْأَبَ إنْ رَحَلَ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ سَقَطَ حَقُّ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ , وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا جَمِيعًا : أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ , قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمُّكَ , قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟(6/24)
قَالَ : أُمُّكَ , قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أَبُوكَ } . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ أَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ } فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى إيجَابِ الْحَضَانَةِ ; لِأَنَّهَا صُحْبَةٌ . وَأَمَّا تَقْدِيمُ الدِّينِ - فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } . وقوله تعالى : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ } . وقوله تعالى : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } . فَمَنْ تَرَكَ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ حَيْثُ يُدَرَّبَانِ عَلَى سَمَاعِ الْكُفْرِ , وَيَتَمَرَّنَانِ عَلَى جَحْدِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ , وَالْأَكْلِ فِي رَمَضَانَ , وَشُرْبِ الْخَمْرِ
وَالْأُنْسِ إلَيْهَا حَتَّى يَسْهُلَ عَلَيْهِمَا شَرَائِعُ الْكُفْرِ , أَوْ عَلَى صُحْبَةِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ , وَالِانْهِمَاكِ عَلَى الْبَلَاءِ : فَقَدْ عَاوَنَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى , وَلَمْ يَقُمْ بِالْقِسْطِ , وَلَا تَرَكَ ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ - وَهَذَا حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ . وَمَنْ أَزَالَهُمَا عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا إلَى حَيْثُ يُدَرَّبَانِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ , وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ , وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ , وَالْمَعْرِفَةِ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَالتَّنْفِيرِ عَنْ الْخَمْرِ وَالْفَوَاحِشِ : فَقَدْ عَاوَنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى , وَلَمْ يُعَاوِنْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ , وَتَرَكَ ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ , وَأَدَّى الْفَرْضَ فِي ذَلِكَ . وَأَمَّا مُدَّةُ الرَّضَاعِ فَلَا نُبَالِي عَنْ ذَلِكَ - لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } . وَلِأَنَّ الصَّغِيرَيْنِ فِي هَذِهِ السِّنِّ وَمَنْ زَادَ عَلَيْهَا - بِعَامٍ أَوْ عَامَيْنِ - لَا فَهْمَ لَهُمَا , وَلَا مَعْرِفَةَ بِمَا يُشَاهِدَانِ , فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَأْمُونَةً فِي دِينِهَا وَالْأَبُ كَذَلِكَ : فَهِيَ أَحَقُّ مِنْ الْأَبِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا , ثُمَّ الْجَدَّةُ كَالْأُمِّ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً - لَا الْأُمُّ , وَلَا الْجَدَّةُ فِي دِينِهَا - أَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ مَأْمُونٍ فِي دِينِهِ , وَكَانَ الْأَبُ مَأْمُونًا : فَالْأَبُ أَوْلَى , ثُمَّ الْجَدُّ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَأْمُونًا فِي
دِينِهِ , وَكَانَ لِلصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ أَخٌ مَأْمُونٌ فِي دِينِهِ , أَوْ أُخْتٌ مَأْمُونَةٌ فِي دِينِهَا : فَالْمَأْمُونُ أَوْلَى , وَهَكَذَا فِي الْأَقَارِبِ بَعْدَ الْإِخْوَةِ . فَإِنْ كَانَ اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ , أَوْ الْأَقَارِبِ مَأْمُونَيْنِ فِي دِينِهِمَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْوَطَ لِلصَّغِيرِ فِي دُنْيَاهُ : فَهُوَ أَوْلَى , فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْوَطَ فِي دِينِهِ وَالْآخَرُ أَحْوَطَ فِي دُنْيَاهُ : فَالْحَضَانَةُ لِذِي الدِّينِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا } . وَتَفْسِيرُ الْحِيَاطَةِ فِي الدُّنْيَا - : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَشَدَّ رَفَاهِيَةً فِي عَيْشِهِ , وَمَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ , وَمَرْقَدِهِ وَخِدْمَتِهِ , وَبِرِّهِ وَإِكْرَامِهِ , وَالِاهْتِبَالِ بِهِ - فَهَذَا فِيهِ إحْسَانٌ إلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ , فَوَاجِبٌ أَنْ يُرَاعَى بَعْدَ الدِّينِ لقوله تعالى { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى } . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : اخْتَصَمَ خَالٌ وَعَمٌّ إلَى شُرَيْحٍ فِي صَبِيٍّ فَقَضَى بِهِ لِلْعَمِّ , فَقَالَ الْخَالُ : لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِي ؟ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ شُرَيْحٌ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : فَإِنْ اسْتَوَوْا الْأَخَوَاتُ أَوْ الْإِخْوَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ , أَوْ الْأَقَارِبُ , فَإِنْ تَرَاضَوْا فِي أَنْ(6/25)
يَكُونَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدَّةً فَذَلِكَ لَهُمْ , فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الصَّغِيرَةِ : فَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ كَوْنُهُ عِنْدَ أَحَدِهِمْ لَمْ يَزُلْ عَنْ يَدِهِ , , فَإِنْ أَبَوْا فَالْقُرْعَةُ . وَأَمَّا قَوْلُنَا - إنَّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ سَوَاءٌ - فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَمْ يَأْتِ فِي أَحَدِهِمَا نَصٌّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَالْحُكْمُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا قَوْلُنَا - سَوَاءٌ رَحَلَ الْأَبُ أَوْ لَمْ يَرْحَلْ - فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ , وَلَا سُنَّةٍ بِسُقُوطِ حَضَانَةِ الْأُمِّ مِنْ أَجْلِ رَحِيلِ الْأَبِ فَهُوَ شَرْعٌ بَاطِلٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ , وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي أَوْرَدْنَا , وَمُخَالِفٌ لَهُمَا بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَسُوءُ نَظَرٍ لِلصَّغِيرَيْنِ وَإِضْرَارٌ بِهِمَا , فِي تَكْلِيفِ الْحَلِّ وَالتَّرْحَالِ وَالْإِزَالَةِ عَنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ - وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ , وَجَوْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلُنَا - إنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ بِزَوَاجِهَا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً وَكَانَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا مَأْمُونًا - فَلِلنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ عليه الصلاة والسلام زَوَاجَهَا مِنْ غَيْرِ زَوَاجِهَا . وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وآله وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْك ؟ قَالَ : فَخَدَمْته فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ } وَذَكَرَ الْخَبَرَ - فَهَذَا أَنَسٌ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ , وَلَهَا زَوْجٌ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَلَا فَرْقَ فِي النَّظَرِ وَالْحِيَاطَةِ بَيْنَ الرَّبِيبِ زَوْجِ الْأُمِّ وَالرَّبِيبَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ , بَلْ فِي الْأَغْلَبِ الرَّبِيبُ أَشْفَقُ , وَأَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الرَّبِيبَةِ , وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّينُ , ثُمَّ صَلَاحُ الدُّنْيَا فَقَطْ . وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ { كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَخَطَبَهَا عَمُّ وَلَدِهَا وَرَجُلٌ آخَرُ إلَى أَبِيهَا فَأَنْكَحَ الْآخَرَ , فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : أَنْكَحَنِي أَبِي رَجُلًا لَا أُرِيدُهُ وَتَرَكَ عَمَّ وَلَدِي فَيَأْخُذُ مِنِّي وَلَدِي فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَبَاهَا فَقَالَ لَهُ : أَنْتَ الَّذِي لَا نِكَاحَ لَكَ اذْهَبِي فَأَنْكِحِي عَمَّ وَلَدِكِ } . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا مُرْسَلٌ وَفِيهِ مَجْهُولٌ , وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ - وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ السُّلَمِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ - هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ - عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ انْتِزَاعَ وَلَدِهِ مِنْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي } وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا " . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِالْإِعْرَابِ " وَفِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " مَا تَرَكُوا فِيهِ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَلَمْ يَعِيبُوهُ إلَّا بِأَنَّهُ صَحِيفَةٌ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا قُلْتُمْ : الْخَالَةُ كَالْجَدَّةِ , لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } وَإِنَّمَا كَانَتْ خَالَتُهُ وَأَبَاهُ ؟ قُلْنَا : لَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهَا كَانَتْ خَالَتَهُ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ , وَلَعَلَّهَا كَانَتْ أُمَّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ , فَهُمَا أَبَوَانِ عَلَى هَذَا . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ هَانِئٍ , وَهُبَيْرَةَ {(6/26)
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَ أَخْذَهُ بِنْتَ حَمْزَةَ مِنْ مَكَّةَ , وَأَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي فَقَضَى بِهَا صلى الله عليه وآله وسلم لِخَالَتِهَا وَقَالَ : الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ } . قُلْنَا : لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ إسْرَائِيلَ ضَعِيفٌ - وَهَانِئٌ , وَهُبَيْرَةُ مَجْهُولَانِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
{ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَضَى بِبِنْتِ حَمْزَةَ لِجَعْفَرٍ } ; لِأَنَّ خَالَتَهَا عِنْدَهُ ؟ قُلْنَا : هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَأَبُو فَرْوَةَ - هُوَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْجُهَنِيُّ - وَلَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ . فَإِنْ قِيلَ : قَدْ حَدَّثَكُمْ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْأَزْدِيُّ أَنَا إسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا الْعُقَيْلِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد أَنَا عِمْرَانُ الْحِصْنِيُّ أَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ " أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمَدَنِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ : الْخَالَةُ أُمٌّ } ؟ . قُلْنَا : هَذَا أَسْقُطُ مِنْ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِ ; لِأَنَّ فِيهِ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ , وَهُوَ مَرْغُوبٌ عَنْهُ مَتْرُوكٌ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - وَأَبُو هُرَيْرَةَ الْمَدَنِيُّ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ ؟ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْهَادِي - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعٍ بْنِ عُجَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ { عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ هُوَ وَأَخُوهُ جَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي حَضَانَةِ بِنْتِ حَمْزَةَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : أَمَّا
الْجَارِيَةُ فَأَقْضِي بِهَا لِجَعْفَرٍ تَكُونُ مَعَ خَالَتِهَا وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ } . قُلْنَا : نَافِعُ بْنُ عُجَيْرٍ وَأَبُوهُ عُجَيْرٌ مَجْهُولَانِ , وَلَا حُجَّةَ فِي مَجْهُولٍ إلَّا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِكُلِّ وَجْهٍ حُجَّةٌ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ ; لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِجَعْفَرِ - وَهُوَ أَجْمَلُ شَابٍّ فِي قُرَيْشٍ - وَلَيْسَ هُوَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْ بِنْتِ حَمْزَةَ - وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ قَضَاءَهُ عليه الصلاة والسلام بِهَا لِجَعْفَرٍ مِنْ أَجْلِ خَالَتِهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لَهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا قُلْتُمْ بِتَخْيِيرِهِ إذَا عَقَلَ لِمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ - حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ أَنَا أَبِي أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ " أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ : شَهِدْت أَبَا هُرَيْرَةَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ وَلَدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم اسْتَهِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام لِلْغُلَامِ : تَخَيَّرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَاخْتَارَ أُمَّهُ } ؟ . قُلْنَا : أَبُو مَيْمُونَةَ هَذَا مَجْهُولٌ لَيْسَ هُوَ وَالِدُ هِلَالٍ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ ثُمَّ إذَا تَدَبَّرَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ
حُجَّةٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَخَيَّرَ أَبَاهُ قُضِيَ لَهُ بِهِ . وَأَيْضًا - فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ تَخْيِيرَهُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَرْفَقَ بِهِ , وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُخَيِّرُ بَيْنَ خَيْرٍ وَشَرٍّ , وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَا يُخَيِّرُ إلَّا بَيْنَ خَيْرَيْنِ . وَكَذَلِكَ نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَا يَتْرُكُ أَحَدًا عَلَى اخْتِيَارِهِ مَا هُوَ(6/27)
فَسَادٌ لَهُ فِي دِينِهِ أَوْ فِي حَالَتِهِ , فَقَدْ يَسُوءُ اخْتِيَارُ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ , وَيَمِيلُ إلَى الرَّاحَةِ وَالْإِهْمَالِ , فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنْ كَانَ خَيَّرَ الصَّبِيَّ فَلَمْ يَنْفُذْ اخْتِيَارُهُ إلَّا وَقَدْ اخْتَارَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَخْتَارَ - لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلًا . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ ذَكَرْتُمْ مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيّ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ أرنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَأَبَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُمَا صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ ثُمَّ خَيَّرَهُ عليه الصلاة والسلام بَيْنَهُمَا فَاخْتَارَ أُمَّهُ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ اهْدِهِ ؟ فَذَهَبَ إلَى أَبِيهِ } . قُلْنَا : هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ ; لِأَنَّ الرُّوَاةَ لَهُ اخْتَلَفُوا فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ : عَبْدُ الْحَمِيدِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ . وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى : عَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ : أَنَّ جَدَّهُ أَسْلَمَ . وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى : عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ . وَقَالَ عِيسَى : عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ . وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مَجْهُولُونَ وَلَا يَجُوزُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ أَصْلًا - . فَهَذَا مَا يُذْكَرُ مِنْ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ . وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ فِيهِ - : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ , وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَضَى بِحَضَانَةِ ابْنٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِأُمِّ الصَّبِيِّ وَقَالَ : هِيَ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَكَانَ عُمَرُ نَازَعَهَا فِيهِ وَخَاصَمَهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ - وَهَذَانِ مُنْقَطِعَانِ . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْصَارِ , وَغَيْرِهِمْ : أَنَّ أُمَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ تَزَوَّجَتْ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ بِعَاصِمٍ لِأُمِّ أُمِّهِ , وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يُخَاصِمُهَا فِيهِ , وَهَذَا لَا شَيْءَ ; لِأَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ سَاقِطٌ , فَكَيْفَ وَهُوَ عَمَّنْ لَا يُدْرَى . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ خَاصَمَ امْرَأَتَهُ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ إذْ طَلَّقَهَا وَقَالَ : أَنَا أَحَقُّ بِهِ , فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : رِيحُهَا وَحَرُّهَا وَفِرَاشُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك حَتَّى يَشِبَّ وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ - وَقَضَى أَبُو بَكْرٍ لَهَا بِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى لِجَدَّةِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ أُمِّ أُمِّهِ وَقَدْ جَاذَبَهَا عُمَرُ فِيهِ , وَهَذَا مُنْقَطِعٌ -
فَهَذَا مَا يُعْرَفُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه . وَأَمَّا عُمَرُ رضي الله عنه - : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : خَيَّرَ عُمَرُ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ؟ فَاخْتَارَ أُمَّهُ فَانْطَلَقَتْ بِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنَيْمٍ قَالَ : اخْتَصَمَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي غُلَامٍ فَقَالَ : هُوَ مَعَ أُمِّهِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ فَيَخْتَارَ . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَغَرِّ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْعَمِّ دُونَ الْأُمِّ , ثُمَّ رَدَّهُ إلَى الْأُمِّ - فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه . وَأَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه - : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرَمِيُّ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّهُ خَاصَمَ فِيهِ أُمَّهُ وَعَمَّهُ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : فَخَيَّرَنِي عَلِيٌّ ثَلَاثًا ؟ كُلَّهُنَّ أَخْتَارُ أُمِّي وَمَعَنَا أَخٌ لِي صَغِيرٌ , فَقَالَ عَلِيٌّ : هَذَا إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خُيِّرَ . وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ التَّخْيِيرَ قَبْلُ , فَهَذَا مَا حَضَرْنَا فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم . وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ , وَابْنِ عُمَرَ : إذَا بِعْتُمْ(6/28)
أَخَوَيْنِ فَلَا تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا . وَأَمَّا التَّابِعُونَ - : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : الْأُمُّ أَرْفَقُ , وَالْأَبُ أَحَقُّ , وَقَضَى : أَنَّ الصَّبِيَّ مَعَ أُمِّهِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ وَاحِدَةً وَيَكُونُ مَعَهُمْ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يُصْلِحُهُمْ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَجْلَحَ : أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِالصَّبِيِّ لِلْجَدَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أُمُّهُ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ أَخَذَهُ أَبُوهُ . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً سُئِلَ عَنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ فَقَالَ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ ; لِأَنَّهَا حُرَّةٌ . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلُقَتْ فَهِيَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ , فَإِذَا خَرَجَ الْوَالِدُ إلَى أَرْضٍ يَسْكُنُهَا كَانَ أَوْلَى بِالْوَلَدِ - وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا وَإِنْ هُوَ خَرَجَ غَازِيًا أَوْ تَاجِرًا - فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ غَزَا غَزْوَةَ انْقِطَاعٍ - لَا نَعْلَمُ عَنْ تَابِعٍ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا . وَمَا نَعْلَمُ اسْتِثْنَاءَ الزَّوَاجِ فِي الْأُمِّ إلَّا عَنْ شُرَيْحٍ , وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَضَى بِهِ فِي ذَلِكَ لِلْأَبِ وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ لِلْجَدَّةِ . فَإِنْ قَالُوا : لَعَلَّ الزُّهْرِيَّ قَضَى بِهِ لِلْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَدَّةٌ وَلَا خَالَةٌ ؟ قُلْنَا : وَلَعَلَّ شُرَيْحًا إنَّمَا قَضَى بِهِ لِلْجَدَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَبٌ وَمَا وَجَدْنَا
إبَاحَةَ رَحِيلِ الْأَبِ بِالْوَلَدِ إلَّا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَحْدَهُ - وَكَلَامُ شُرَيْحٍ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ , أَفَيَكُونُ أَكْذَبَ مِمَّنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ وَاسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ . وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ : إنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْخَالَةُ أَحَقُّ - وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَالْجَدَّةُ لِلْأَبِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ , فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَالْعَمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مِنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أُمِّهِ فَإِنْ طَلُقَتْ الْأُمُّ لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْحَضَانَةِ . وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِالِابْنِ حَتَّى يَبْلُغَ ثَمَانِي سِنِينَ وَبِالِابْنَةِ حَتَّى تَبْلُغَ , ثُمَّ الْأَبُ أَوْلَى بِهَا , إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ فَتُنْتَزَعُ الِابْنَةُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ . وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : الْأُمُّ أَوْلَى حَتَّى تَكْعُبَ الِابْنَةُ , وَيَيْفَعَ الْغُلَامُ فَيُخَيَّرَانِ بَيْنَ أَبَوَيْهِمَا , فَأَيَّهمَا اخْتَارَ قُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ , ثُمَّ إنْ بَدَا لِلْوَلَدِ وَالِابْنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى الْآخَرِ فَذَلِكَ لَهُمَا , فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ , فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ وَقْتِ تَخْيِيرِ الْوَلَدِ وَالِابْنَةِ عَادَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ , قَالَ : فَإِذَا بَلَغَتْ الِابْنَةُ - وَهِيَ مَأْمُونَةٌ - فَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ , كَذَلِكَ الِابْنُ إذَا بَلَغَ وَأُونِسَ رُشْدُهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِالِابْنِ وَالِابْنَةِ الصَّغِيرَيْنِ , ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ أُمُّ
الْأَبِ , ثُمَّ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ , ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ . ثُمَّ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ - فَمَرَّةً قَالَ : ثُمَّ الْخَالَةُ , ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ , ثُمَّ الْعَمَّةُ - وَبِهِ يَأْخُذُ زُفَرُ - وَمَرَّةً قَالَ : ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ , ثُمَّ الْخَالَةُ , ثُمَّ الْعَمَّةُ , وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو يُوسُفَ . ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي أَنَّ الْخَالَةَ الشَّقِيقَةَ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَةِ لِلْأَبِ , وَأَنَّ الْخَالَةَ لِلْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْخَالَةِ لِلْأُمِّ , وَالْخَالَةُ لِلْأُمِّ أَحَقُّ مِنْ الْعَمَّةِ الشَّقِيقَةِ , وَالْعَمَّةُ الشَّقِيقَةُ أَحَقُّ مِنْ الْعَمَّةِ لِلْأَبِ , وَأَنَّ الْعَمَّةَ لِلْأَبِ أَحَقُّ مِنْ الْعَمَّةِ لِلْأُمِّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَالْكَافِرَةُ وَالْمُؤْمِنَةُ سَوَاءٌ . قَالَ : فَالْأُمُّ وَالْجَدَّتَانِ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ , وَبِالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ ثِيَابَهُ وَحْدَهُ . وَأَمَّا الْأَخَوَاتُ , وَالْخَالَاتُ , وَالْعَمَّاتُ - فَهُنَّ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ حَتَّى يَأْكُلَا وَحْدَهُمَا , وَيَشْرَبَا(6/29)
وَحْدَهُمَا وَيَلْبَسَا ثِيَابَهُمَا وَحْدَهُمَا فَقَطْ . وَلَا حَقَّ لِمَنْ ذَكَرْنَا فِي الْحَضَانَةِ إنْ تَزَوَّجْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْجَدَّةِ هُوَ الْجَدُّ , وَيَكُونَ زَوْجُ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ الْحَضَانَةِ لَهُنَّ .
ــــــــــــــ
أسلما بعد طلاقهما ولهما طفلة ، فما هي حقوق كل منهما ؟
سؤال:
رجل وامرأة كانا كافرين ، وعلمت المرأة أنها حامل ، وطلب منها الرجل أن تجهض حملها ، فرفضت ولم تأبه باقتراحاته ، إلى أن وضعت مولودها ، وكانت طفلة ، ثم أسلم الرجل والمرأة سويًا ، لكنهما كانا قد تطلقا .
هل ما يزال للأب حقوقٌ تزيد على ما للأم ، مع أنه أوضح بجلاء أنه لا يرغب في أن تولد هذه الطفلة في المقام الأول ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن هداكما لدين الحق . وهذه أعظم نعم الله تعالى على عبده ، إذ بها يسعد في الدنيا والآخرة ، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما إلى ما يحب ويرضى ويرزقكما الاستقامة والثبات على دينه .
ثانياً :
لقد أحسنت برفضك إجهاض الحمل ، وذلك أن إجهاض الحمل معصية ، سواء كان ذلك قبل نفخ الروح أو بعده ، وإن كان الإثم يعظم بعد نفخ الروح .
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (40269) (42321) .
ثالثاً :
إذا طلق الرجل زوجته ، وتم الانفصال وبينهما طفل ، فالمقرر في الشريعة أن حق الأم في حضانة هذا الطفل أعظم من حق الأب ، ما لم يكن هناك مانع كزواجها أو قلة دينها أو تقصيرها في الرعاية .
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (8189) (20705) (21516) .
رابعاً :
وإساءة الأب بطلب إجهاض الحمل لا يسقط حقه الثابت له ، كحق النسب والرعاية والإنفاق والتسمية والزيارة أثناء فترة حضانة أمها لها ، كما له حق حضانتها إذا وجد مانع من حضانة الأم كالزواج .
ونرجو أن يكون قد غفر الله له بإسلامه ، فإن الإسلام يهدم ما قبله من الذنوب .
خامساً :
قول السائلة : "هل ما يزال للأب حقوق تزيد عن ما للأم ؟"
فليُعلم أن حقوق الأب ليست أكثر من حقوق الأم دائما ، بل حقها مقدم عليه في الحضانة كما سبق ، وحقها مقدم عليه أيضا في البر ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ :(6/30)
ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ . رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
قال النووي رحمه الله :
فِيهِ : الْحَثّ عَلَى بِرّ الأَقَارِب , وَأَنَّ الأُمّ أَحَقّهمْ بِذَلِكَ , ثُمَّ بَعْدهَا الأَب , ثُمَّ الأَقْرَب فَالأَقْرَب . قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب تَقْدِيم الأُمّ كَثْرَة تَعَبهَا عَلَيْهِ , وَشَفَقَتهَا , وَخِدْمَتهَا , وَمُعَانَاة الْمَشَاقّ فِي حَمْله , ثُمَّ وَضْعه , ثُمَّ إِرْضَاعه , ثُمَّ تَرْبِيَته وَخِدْمَته وَتَمْرِيضه , وَغَيْر ذَلِكَ . وَنَقَلَ الْحَارِث الْمُحَاسِبِيّ إِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الأُمّ تُفَضَّل فِي الْبِرّ عَلَى الأَب , وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض خِلافًا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ الْجُمْهُور بِتَفْضِيلِهَا , وَقَالَ بَعْضهمْ : يَكُون بِرّهمَا سَوَاء . قَالَ : وَنَسَبَ بَعْضهمْ هَذَا إِلَى مَالِك , وَالصَّوَاب الأَوَّل لِصَرِيحِ هَذِهِ الأَحَادِيث فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُور " انتهى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
يعيش في مشاكل بسبب زوجته الثانية ويخشى على ابنته
سؤال:
سأقدر لك كثيرا إرشادي فيما يتعلق بالموضوع أدناه وفقا لأحكام الشريعة وقيمها :
إذا كانت الزوجة (الثانية) تتلاعب في وثائق وترفع على زوجها القضية تلو القضية فيما يتعلق بالمهر والنفقة .. الخ، وتسئ إليه خلف ظهره وهي تعيش مع والدتها. فما هو الحكم في هذه الزوجة ؟ (لقد حاولت التصالح معها لكن ذلك لم يفد، وطلاقي لها هذه المرة ستكون الثالثة لكنها لا تبالي. فهي لا تريد غير المال.) لقد رفعت قضية طلاق في المحكمة . فهل يعتبر ذلك خلعا . وإن لم يكن كذلك ، فلمن تكون الحضانة على الطفلة ؟ أنا لا أريد أن أذكر مساوئها ، لكني أشرح بعض الحقائق . فهي لا تهتم وتعيش بطريقة غير جيدة بما يتناسب مع قيامها بتربية الطفلة . فمستوى تعليمها الرسمي وغير الرسمي منخفض . وستؤثر طريقتها على شخصية الصغيرة مستقبلا . والأهم من ذلك، أنها أخبرتني في اتصال لها عبر الهاتف أنها ستجعل من طفلتي شخصا سيئا . وحتى ننقذ الصغيرة ، فمن الذي يجب أن تكون عنده حضانتها ؟ ومع أنها تعمل وتكتسب المال ، فإن المال ليس كل شيء في الحياة ، فالحياة تعني القيم ، كالعيش بقيم اجتماعية وأخلاقية ودينية عالية . ومن وجهة النظر المتعلقة بالقيم الواردة أعلاه ، فإن والدتها ليست قوية جدا .
وعندما تذهب للعمل ، فإن والدة زوجتي ستقوم بالاعتناء بالصغيرة . وأمها أمية ، وقد سمعتها مصادفة تتلفظ بكلمات سيئة على طفلتنا. فكيف يمكنها تربيتها .. الخ ؟ وحسب التعاليم الإسلامية ، فهل يجوز أن يسمح لشخص آخر في العائلة أن يعتني بالصغير بدلا عن الوالد ؟ من هو الشخص الأكثر تعليما وعنده معايير عالية للدين والقيم الأخرى . ومن هو الأكثر مسؤولية في المجتمع ؟ أظن أنه يمكنني أن أجعل من طفلتي إنسانة صالحة صاحبة قيم اجتماعية وأخلاقية ودينية عالية .
الجواب:
الحمد لله(6/31)
الأصل في الطلاق أنه مكروه ، ويدل لذلك قوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } فقال في الفيئة { غفور رحيم } وقال في الطلاق { سميع عليم } وهذا فيه شيء من التهديد ، فدل هذا على أن الطلاق مكروه عند الله تعالى .
ولكن قد تعرض حالات أخرى تجعل الطلاق أمرا لابد منه ، بل قد يصل الأمر إلى وجوب الطلاق ، وفي مثل الحالة التي ذكرتها أيها الأخ الكريم ، فإن الطلاق ربما يكون حلا مناسبا ، إذ لا يعقل أن تكون الزوجة بهذه الإساءة لزوجها – على ما ذكرته في سؤالك - ، فإن المرأة قد تخطيء على زوجها ، لكن أن تكفر العشير المرة تلو الأخرى ، فهذا مما يستغرب .
ولكن قبل الطلاق لابد من محاولة الإصلاح أولاً ، والصبر على المرأة ، فإذا كان فيها بعض الإخلاق السيئة فستجد منها أيضاً بعض الصفات الحميدة ، والأخلاق الحسنة فلتتحمّل سيئاتها مقابل حسناتها .
يراجع السؤال رقم ( 20044 ) و ( 2076 )
وإن استطعت أن تدخل بعض الأقارب لحل الموضوع فافعل ، رحمة بتلك البنت المسكينة ، التي ستعاني – مهما كان الأمر – من مرارة الفراق ، وتفكك الأسرة .
فإن كان الطلاق هو الحل النهائي ، واستفرغت كل الحلول ، فاستخر ثم استشر ، وتوكل على الله .
أما ما رفعته هي للقضاء فهذا قد يكون طلبا من القضاء لإلزام الزوج بالطلاق ، أو خلعا ، على حسب الحال ، فإن كانت ستدفع للزوج مالاً أو ترد إليه المهر مقابل حصولها على الطلاق فهذا خلع ، وإن كانت لن تدفع شيئاً فهذا سيكون طلاقاً إذا وقع .
وأما بالنسبة للحضانة ، فالأصل أن الأم هي الأحق بالحضانة ، ما لم يكن هناك مانع من ذلك ، فإن كان هناك مانع كزواج الأم بزوج أجنبي عن الولد ، أو سوء خلق الأم ، فإن الحضانة تنتقل إلى أم الأم عند الجمهور ، فإن كانت هي كذلك – أي أم الأم - ، انتقلت إلى الأب ، واختار شيخ الإسلام أنه عند تنازع أم الأم والأب فإن الحضانة تكون للأب ، لأنه أقرب للولد ، وهذا القول رجحه الشيخ ابن عثيمين في شرحه كتاب الحضانة من زاد المستقنع ، وقد سبق تفصيل ذلك في السؤال رقم ( 5234 ، 9463 ، 8189 ، 21516 ) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
إذا تزوجت المطلقة فليس لها حقٌ في الحضانة
سؤال:
طلقت زوجتي ولدينا 4 أبناء أعمارهم 1و3 و5 و7 سنوات ، ثم تزوجت مطلقتي من رجل مسلم ، فطلبت حق رعاية أبنائي ولكنها رفضت وجعلت من الصعب جداً أن أزور أبنائي ، فما هي حقوقي وواجباتي في هذا الحال ؟(6/32)
وهل هناك دليل من القرآن أو السنة يدعم قول أن الأب له حق رعاية الأبناء ، زوجتي تقول بأنه لو لم يكن هناك آية قرآنية صريحة في هذا ، فإن الأمر يرجع للاجتهاد، واجتهادها هي .
الجواب:
الحمد لله
الأم أحق بحضانة أبنائها قبل سن السابعة، ما لم تتزوج ، فينتقل الحق لمن يليها ، لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت أحق به ما لم تنكحي" والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ويجب تمكين الأب من رؤية أبنائه ، والسؤال عن أحوالهم ، سواء كانوا في حضانة الأم أو غيرها .
وحيث إن حق الأم في الحضانة قد سقط بزواجها ، فإنه ينتقل لمن بعدها ، وفي تعيين الأحق بعد الأم خلاف بين الفقهاء ، فذهب بعض العلماء إلى أنه ينتقل إلى أم الأم ، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأب أولى من أم الأم ، وعليه فتنتقل الحضانة إليك . (الشرح الممتع 6/26 الطبعة الكاملة).
وكذلك لو كانت أم الأم كافرة أو فاسقة ، فإن الحضانة تنتقل إلى الأب حتى عند القائلين بأن أم الأم أحق من الأب.
وينبغي أن يعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته ، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده ، أو لإهماله وتضييعه ، أو لكثرة أسفاره التي تضر بمصلحة أولاده .
وينبغي أن يتعاون الأبوان في هذا الأمر ، مراعاةً لمصلحة أولادهما ، وحتى لا يكون تنازعهما سبباً لفشل الأبناء وضياعهم .
وليس في المسألة آية قرآنية تحدد الأحق بالحضانة ، لكن حسب المسلم قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر / 7
وقوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء / 65 .
وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب / 36
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بسقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت ، كما سبق في الحديث ، فعلى المؤمنة أن ترضى بذلك وتسلم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
إذا قررت المرأة السفر من بلد زوجها السابق ، فلمن تكون حضانة ابنهما
سؤال:(6/33)
إذا قررت الزوجة أن تنتقل للعيش في مدينة أخرى بعد الطلاق فسيكون من الصعب على الزوج أن يذهب لرؤية ولده حيث يجب عليه طلب إجازة والسفر بالطائرة للمدينة التي ستنتقل إليها الزوجة فهل يكون للزوج الحق في رعاية الطفل ما دام أنه سيبقى في نفس المدينة ؟
وهل يجوز الاحتكام للمحاكم في البلاد غير الإسلامية للبت في حق الرعاية للطفل حيث إن الوالدين يعيشان في بلد غير مسلم وكلاهما يقول إن حق الرعاية له ؟ وإذا تزوجت المرأة فهل تفقد حقها في الرعاية تلقائياً ؟.
الجواب:
الحمد لله
بالنسبة للحضانة إذا اختلف بلد الزوجين الأصل في الحضانة - ما دام أن الطفل لم يبلغ السابعة - فهي للأم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنت أحق به ما لم تنكحي ) أخرجه أبو داود 1938 ، هذا من حيث الأصل .
ولكن هناك أصلاً آخر وقاعدة أخرى ، وهي أن أمر الحضانة مبني على مصلحة الطفل ، فإذا كان في سفر الطفل مع أمه أو مع والده ضرر عليه ، فإنه تنتقل الحضانة إلى الوالد الذي لا يتضرر الولد بسفره ، فإذا كان سفر الأم إلى بلد آخر لا يترتب عليه مضرة للطفل ، فالأصل أن الحضانة تكون لها .
أما الاحتكام إلى المحاكم في البلاد غير الإسلامية للبت في مسائل الحضانة فإن هذا لا يجوز ؛ لأن هذا احتكام إلى الطاغوت ، والله عز جل يقول : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة / 44 ، وقوله تعالى : ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ) المائدة / 48 .
فعلى الزوجين أن يذهبا إلى المراكز الإسلامية ، وأن يسألا أهل العلم ، و يحتكما إليهم .
وإذا تزوجت المرأة سقط حقها من الحضانة ؛ للحديث المتقدم . انظر السؤال رقم ( 9463 ) .
الشيخ الدكتور / خالد بن علي المشيقح
ــــــــــــــ
إذا طلبت الطلاق ثم تزوجت فهل لها الحق في حضانة أولادها ؟
سؤال:
تقول السائلة إنها على وشك الطلاق أو الخلع من زوجها لأنه يسيء إليها وعندها ثلاثة أطفال وسوف تحصل على حضانتهم .
لكن تحب أن تسأل هذا السؤال رغم أن عدتها لم تبدأ :
هل إذا تقدم إليها شخص وتزوجته يصبح لها حق الحضانة على الأطفال بموجب القانون ؟ لكنها تخاف الله ولا تريد أن تخالف الشريعة .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(6/34)
الأولى أن تصبر المرأة على زوجها وخصوصا إذا كان هناك أطفال بينهم ، ولا يخلو بيت من خلافات ؛ إلا إن كان زوجها يسيء إليها إساءة بالغة ، ولا تستطيع العيش معه .
ثانياً :
إذا طلقت المرأة فإن عدتها ثلاث حيض ، وأما إذا اختلعت من زوجها فإن عدتها حيضة واحدة ، وتحرم خطبتها في حال العدة .
ثالثاً :
بينت الشريعة أنه إذا حصلت الفرقة بين الزوجين فالأم أحق بحضانة الأولاد من الأب ، فإن تزوجت سقط حقها في الحضانة ، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتلك المرأة التي طلبت حضانة ولدها من زوجها – بعد أن طلقها - : " أنت أحق به ما لم تنكحي " .
رواه أبو داود ( 2276 ) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ( 1991 ) .
فدل الحديث أن المرأة أحق بحضانة أولادها من زوجها إلا إن تزوجت فهو أحق منها .
فالنصيحة للأخت السائلة أن تفكر جيدا قبل طلب الطلاق أو الخلع ، فإن كنتِ تستطيعين أن تصبري على أذى زوجك ، وما بينكما قد يزول بالتفاهم والاتفاق : فهذا أفضل ، أما إن كنت لا تستطيعين العيش معه ، فهذا أمر يرجع تقديره إليكِ .
وإن حصلت الفرقة فعلى المرأة أن تختار بين أولادها أو زوج آخر وتستخير الله في ذلك وتستعين به وتلجأ إليه بالدعاء والتضرع أن يهديها الصواب في ذلك ، وهذا هو حكم الإسلام في هذه المسألة .
وأما إن كان القانون في بلادكم يحكم بحضانة الأولاد للأم حتى لو تزوجت فهذا مخالف لحكم الشرع ولا يجوز ذلك ، قال الله تعالى : ( أفحكم الجاهلية ييغون ، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) المائدة / 50
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
من أحقّ بالطفل عند الطّلاق ؟ الأب أم الأم ؟
سؤال:
السؤال :
تزوجت امرأة مطلقة وعندها ولد من زوجها الأول ، الطفل عمره 3 سنوات ، منذ زواجنا لم يسمح والد الطفل له بأن يبيت مع أمه ولا يسمح له بالكثير من الزيارات ، طلبنا منه أن نحتكم لأهل العلم ولكنه يريد الاستفادة من رعاية الطفل ومع الأسف فهو لا يتمسك بالقران والسنة .
الطفل يبكي وتنتابه نوبات عصبية من الغضب إذا حان موعد ذهابه .(6/35)
قال بفمه وعمره ثلاث سنوات "سبحان الله أنا لا أريد أن أذهب مع أبي" هذا التصرف يزداد يومياً . بدأنا نفكر بالتحاكم للقضاء للحصول على حق الزوجة (أعاذنا الله من ذلك) .
إذا كان هناك أي دليل يري بوضوح حق الأم بالزيارة أو قصصاً عن الصحابة وكيف تصرفوا عندما يكون لهم حق الرعاية تجاه مطلقاتهم وحقهم في أطفالهم .
أرجو أن تساعدنا فنحن نشعر بحزن شديد . جزاك الله خيراً .
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
إن أسمى لون من ألوان التربية هو تربية الطفل في أحضان والديه إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامها عليه ما يبني جسمه وينمي عقله ويزكي نفسه ويعده للحياة .
فإذا حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم مانع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي تخيره .
وسبب تقديم الأم أن لها ولاية الحضانة والرضاع لأنها أعرف بالتربية وأقدر عليها ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل وعندها من الوقت ما ليس عنده ، لهذا قدمت الأم رعاية لمصلحة الطفل .
فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قال يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثدي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال : أنت أحق به ما لم تنكحي " أخرجه أحمد 2/182 وأبو داود 2276 والحاكم 2/225 وصححه .
وعن يحي بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يقول كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم إن عمر فارقها فجاء عمر قباء - فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق .
فقال عمر : ابني وقالت المرأة : ابني فقال أبو بكر : خلّ بينها وبينه فما راجعه عمر الكلام رواه مالك في الموطأ2/767 والبيهقي 8/5 قال ابن عبد البر هذا الحديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه اهل العلم بالقبول .
وفي بعض الروايات أنه قال له : الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأخير وأرأف وهي أحق بولدها ما لم تتزوج .
وهذا الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه من كون الأم أعطف وألطف هو العلة في أحقية الأم بولدها الصغير . والله أعلم
انظر فقه السنة 2/289-290
ــــــــــــــ
حكم إجهاض وحضانة الطفل المصابة أمه بالإيدز
سؤال:
هل يجوز للأم المصابة بهذا المرض الإجهاض إذا حملت ، وهل لها حقّ في حضانة الولد ، وهل يجوز لأحد الزوجين فسخ النكاح إذا اكتشف إصابة الطّرف الآخر بالمرض ؟(6/36)
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
أولاً : إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) :
نظراً لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) إلى جنينها لا تحدث غالباً إلا بعد تقدم الحمل - نفخ الروح في الجنين - أو أثناء الولادة ، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعاً .
ثانياً : حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) لوليدها السليم وإرضاعه :
لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) لوليدها السليم ، وإرضاعه له ، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية ، فإنه لا مانع شرعاً من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي .
ثالثاً : حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي .
مجمع الفقه الإسلامي ص 204-206
ــــــــــــــ
الأحق بالحضانة
سؤال:
أنا متزوج لمدة أكثر من أربع سنوات من زوجتي وهي تسكن مع أهلها لظروف الدراسة ورزقني الله ثلاث بنات وأنا في خلاف مع زوجتي حيث إنه خلال السنة الأولى من الزواج حدث خطأ من زوجتي باكتشافي لشخص غريب يحادثها عبر الهاتف وتم إنهاء الموضوع باعتبار أن الشخص لا علاقة له بها وأنه كان يضايقها وكانت تخشى أن أعلم فأسيء الظن بها ولكن الأمر أخذ مني وأصبح هاجسا في وقتها وأقدمت على الزواج أثناء سفري للخارج بزواج عرفي ومن بعدها أصبحت الزوجة الأولى تعاني من أمراض جنسية تصيب النساء فقررت الانفصال عن الزوجة الثانية لما رأيت من زوجتي الأولى من حسن أخلاق مع العلم أن الزوجة الثانية كانت تسكن في بلدها خارج المملكة وكنت أراها بين فترات متباعدة ولم يكن عقد الزواج العرفي موثقا في المحكمة فقمت بتمزيق الورقة التي بيننا وأنهيت العلاقة معها وكنت أيضا مبتلى بشرب البيرة التي تحتوي على الخمر وكنت أشربها لما أسافر للخارج ومرت الأيام وهداني الله وفي لحظة صدق مع الله على ترك المعاصي أعلمت زوجتي طوعا بأمر زواجي الثاني وأنني أشرب البيرة وأن الله تاب علي وأنني عازم على الثبات ولكن زوجتي لم تحتمل الأمر وهي الآن مصرة على الانفصال مع أنني لا أرغب بذلك ولكن كل الجهود باءت بالفشل ، وأسأل : هل يحق لي إمساكها بالمعروف وطلبها في بيت الطاعة على أن أعيشها حياة كريمة(6/37)
كما يحب الله ويرضى ؟ وهل يحق لها طلب الخلع مني فيما لو قدمت تقارير طبية تثبت تضررها من الزوجة الثانية ؟ وما هو مصير البنات الثلاث فيما لو حدث الطلاق لا قدر الله حيث إن أعمارهن ستة أشهر وثلاث سنوات وأربع سنوات وهل يحق لي حضانتهن ومتى ؟ لأني عازم بإذن الله سبحانه وتعالى على تربيتهن كما يحب الله ويرضى
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة وهداك ، وصرف عنك السوء ، ونسأله سبحانه لك المزيد والثبات .
ثانيا :
ينبغي أن تختار من صالح أهلك أو أهل زوجتك من يسعى للصلح بينكما وإقناع الزوجة بالعدول عن طلب الطلاق ، لمصلحة بيتها وبناتها .
ولك أن تتمسك بها ، وأن ترفض طلاقها ، وأن تعلن رغبتك في استمرار الحياة بينكما .
وأما الزوجة فليس لها أن تطلب الطلاق أو الخلع إلا إذا وجد ما يدعو إلى ذلك ، كحصول الضرر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) رواه أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وأما كون القاضي يحكم بالطلاق أو بالخلع ، فهذا يعتمد على ما تقدمه الزوجة من أعذار .
ثالثا :
في حال الطلاق ، فإن حضانة الأولاد تبقى لأمهم إلى سبع سنوات ، ما لم تتزوج ؛ لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنت أحق به ما لم تنكحي) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا بلغ الطفل سبع سنين ، فإن كان ذكراً فإنه يخير بين أبويه ، فيختار أحبهما إليه ويكون عنده ، وأما الأنثى ، فقد اختلف العلماء في ذلك .
فقال الشافعي : إنها تخير أيضا .
وقال أبو حنيفة : الأم أحق بها حتى تُزوج أو تحيض .
وقال مالك : الأم أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج .
وقال أحمد : الأب أحق بها ؛ لأن الأب أولى بحفظها .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (17/314- 317).(6/38)
ونظرا لهذا الاختلاف ، وليس هناك نص من السنة يفصل في هذه المسألة ، فالمرجع في ذلك إلى القاضي الشرعي هو الذي يحدد عند من تكون البنت إذا بلغت سبع سنين .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
سؤال عن حضانة الأطفال
سؤال:
أعلم أن الزوجين إذا تطلقا فإن المرأة لها الحق الأكبر في حضانة الأطفال الغير بالغين، ولكنها إذا تزوجت فإن حق الزوج يكون أكبر . سؤالي أن الأب إذا لم يؤد حق النفقة على أولاده فهل لا يزال له الحق بأن يأخذ الأولاد من أمهم ؟ أنا أتحدث عن رجل يقول بأنه قادر على النفقة ، تزوج امرأة أخرى وله منها ولد وهو ينفق على هذا الولد ولكنه لا ينفق على ولديه من زوجته الأولى . يقول لزوجته الأولى بأنها لو تزوجت مرة أخرى فإنه سيأخذ منها الأولاد ، هل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من المجمع عليه بين العلماء أن المرأة أحق بحضانة الطفل ما لم يبلغ سن التمييز، حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر بحاجة إلى الحنان ونوع من الرعاية لا يقدر عليها إلا النساء ، ولكن هذا الحق يسقط إذا تزوجت ، لأنها تنشغل بزوجها عن القيام بخدمة ولدها ، ولتعارض المصالح مصلحة المحضون ومصلحة الزوج، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على سقوط حق ا لأم في الحضانة بالزواج.
ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (1/296) ، "المغني" (8/194) .
ويدل على هذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) رواه أحمد (6707) وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/250) .
ثانياً:
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء ، سواء أمسك زوجته أو طلقها ، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية ، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب .
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد ، فإن نفقة الأولاد على أبيهم ، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل .
والنفقة على الأولاد ، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم .... وكل ما يحتاجون إليه ، وتقدر بالمعروف ، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا(6/39)
إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وهذا يختلف من بلد لآخر ، ومن شخص لآخر .
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه ، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً ، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال ، قليلاً كان أو كثيراً ، فالأمر لهما ، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي .
ويجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " رضاع الولد على الأب وحده ، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف .
وقال أيضاً : " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به ، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347).
ثالثاً :
باعتبار أن الحضانة - كما عرفها جمعٌ من العلماء - " القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه" "روضة الطالبين " (9/98) ، وأن المقصود بها رعاية الصغير والقيام بشؤونه فالمراعى في الحضانة هو مصلحة المحضون ، لذا فإن الأب إذا امتنع عن القيام بهذا الواجب- ومنه النفقة - تجاه طفله فهو آثم بذلك ، ويسقط حقه في الحضانة، قال في الروض المربع " ولا يقر محضون بيد من لا يَصونه ويصلحه لفوات المقصود من الحضانة ". " الروض المربع " (3/251) .
وقال ابن قدامة المقدسي: " والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه" . " المغني" (8/190) ، وقال ابن القيم: " على أنا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل، ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأم في موضع حرزٍ وتحصين، أو كانَتْ غيرَ مرضية، فللأب أخذُ البنت منها، وكذلك الإِمامُ أحمد رحمه اللّه في الرواية المشهورة عنه، فإنه يعتبر قدرتَه على الحفظ والصيانة. فإن كان مهملاً لذلك ، أو عاجزاً عنه، أو غيرَ مرضي، أو ذا دِياثة والأم بخلافه، فهي أحقُّ بالبنتِ بلا ريب ، قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه اللّه عليه، فهو عاصٍ، ولا وِلاية له عليه، بل كُلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته ، فلا ولاية له ، بل إما أن تُرفع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه مَنْ يقومُ معه بالواجب ، إذ المقصودُ طاعةُ الله ورسوله بحسب الإِمكان..... فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة للأم قطعاً ". "زاد المعاد" (5/424) .(6/40)
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " فأما إذا أهمل أحدها ما يجب عليه من حضانة ولده وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر". " الفتاوى السعدية " (ص 535) .
فعلى هذا ، إذا امتنع الأب من النفقة على أولاده سقط حقه في حضانتهم ، حتى ولو كان امتناعه من أجل الإضرار بالأم ، فهذا يدل على أنه غير مؤتمن على مصالح أولاده ، وللأم مطالبته عند القاضي بالنفقة على أولاده .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
مقدار نفقة الأولاد إذا كانوا في حضانة أمهم
سؤال:
حدث الطلاق بيني وبين زوجتي ولدي أربعة أطفال : ولد 8 سنوات , بنت 4.5 سنة , بنت 3 سنوات ورضيع عمره تسعة أشهر ، ما هو مقدار النفقة ؟ علما أن الأم ميسورة الحال.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء ، سواء أمسك زوجته أو طلقها ، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية ، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب .
والمطلقة الرجعية تجب لها النفقة والسكنى حال العدة ، فإذا انقضت عدتها ، ولم تكن حاملا ، لم يجب لها ذلك .
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد ، فإن نفقة الأولاد على أبيهم ، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل .
والنفقة على الأولاد ، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم .... وكل ما يحتاجون إليه ، وتقدر بالمعروف ، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وهذا يختلف من بلد لآخر ، ومن شخص لآخر .
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه ، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً ، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال ، قليلاً كان أو كثيراً ، فالأمر لهما ، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي .
ثانيا ً :
يجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " رضاع الولد على الأب وحده ، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة ، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف .(6/41)
وقال أيضاً : " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به ، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
حضانة أطفال المسلم من زوجته الكافرة بعد موته
سؤال:
إذا مات الرجل المسلم فمن يكون له حق رعاية الأطفال إذا كانت زوجته نصرانية وأقارب الرجل المسلمون بعيدون جدّاً ؟.
الجواب:
الحمد لله
رعاية الأطفال وحضانتهم لا تكون لكافرٍ – وهو قول مالك والشافعي وأحمد . المغني ( 11/412 ) ، فإذا كان أقرباء الرجل المسلمون بعيدين جدّاً فإنه ينبغي إرسال الأطفال إليهم ، فإن لم يُتمكن من ذلك فليُدفع الأطفال إلى أسرةٍ مسلمة لتتولى رعايتهم وحضانتهم .
فمن شروط الحاضن :
الإسلام : فلا حضانة لكافر .
والعقل : فلا حضانة لمجنون ولا معتوه .
والبلوغ : فلا حضانة لصغير .
وحسن التربية : فلا حضانة لمفرِّط فيها .
قال ابن القيم :
لا حضانة لكافرٍ على مسلم لوجهين :
أحدهما : أن الحاضن حريص على تربية الطفل على دينه وأن ينشأ عليه ويتربى عليه فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه ، وقد يغيِّره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده فلا يراجعها أبداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه " ، فلا يُؤمن تهويدُ الحاضن وتنصيره للطفل المسلم .
فإن قيل : الحديث إنما جاء في الأبوين خاصة ، قيل : الحديث خرج مخرج الغالب ، إذ الغالب المعتاد نشوء الطفل بين أبويه فإن فقد أو أحدهما قام ولي الطفل من أقاربه مقامهما .
الوجه الثاني : أن الله سبحانه قطع الموالاة بين المسلمين والكفار ، وجعل المسلمين بعضَهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم مِن بعض ، والحضانة من أقوى أسباب الموالاة التي قطعها الله بين الفريقين .
" زاد المعاد " ( 5 / 459 ) .(6/42)
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ــــــــــــــ
من أحق بحضانة الطفل في الإسلام
سؤال:
بعد زواج دام عدة سنوات ، طلق الرجل زوجته وحاول أخذ طفلها منها ، وهي تسأل من أحق بحضانة الطفل هي أم طليقها ، خصوصا أنها ستسافر للعيش مع أهلها في بلد آخر ؟.
الجواب:
الحمد لله
النساء أحق بحضانة الطفل من الرجال ، وهن الأصل في ذلك ، لأنهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار ، وأصبر على تحمل المشاق في هذا المجال ، وأن الأم أحق بحضانة ولدها ذكراً كان أو أنثى ما لم تنكح وتوفرت فيها شروط الحاضنة باتفاق .
ويشترط في الحاضن : التكليف ، والحرية ، والعدالة ، والإسلام إذا كان المحضون مسلماً ، والقدرة على القيام بواجبات المحضون ، وأن لا تكون متزوجة بأجنبي من المحضون ، وإذا فقد شرط من الشروط وطرأ المانع كالجنون أو الزواج ونحو ذلك سقط حق الحضانة ، ثم إذا زال المانع رجع الحاضن في حقه ، ولكن الأولى مراعاة مصلحة المحضون ، لأن حقه مقدم .
ومدة الحضانة إلى سن التمييز والاستغناء ، أي تستمر الحضانة إلى أن يميز المحضون ويستغني ، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده ، ويستنجي وحده ونحو ذلك .
وإذا بلغ هذا الحد انتهت مدة الحضانة ذكراً كان أو أنثى ، وذلك في سبع سنين أو ثمان سنين .
أما عن أثر السفر في انتقال الحضانة : فإذا افترق الأبوان واختلفا في حضانة الولد فيكون لسفرهما صور :
1- إذا أراد أحد الأبوين السفر غير نقلة ، بأنه يريد أن يرجع فالمقيم أحق بالولد .
2- وإذا أراد أحدهما سفراً لقصد الاستيطان والإقامة وكان البلد أو الطريق مخوفاُ فالمقيم أحق به .
3- وإذا أراد أحدهما سفراً للانتقال والإقامة في البلد ، وكان البلد والطريق آمنين فالأب أولى به من الأم ، سواء كان المنتقل أباً أو أماً .
4- وإذا أراد الأبوان السفر جميعاً إلى بلدة واحدة فالأم باقية على حضانتها .
5- لو كان السفر قريباً بحيث يراهم الأب ويرونه كل يوم فتكون الأم على حضانتها .
عند بلوغ الولد حد الاستغناء تنتهي مدة الحضانة ، وتبدأ مدة كفالة الصغار إلى أن يبلغ الحلم أو تحيض البنت ، فتنتهي مدة الكفالة ، ويكون الولد حراً في تصرفه .(6/43)
حق المرأة في كفالة الصغار : يظهر من مذاهب الفقهاء أن للنساء حقاً في كفالة الولد في الجملة ولا سيما الأم والجدة ، إلا أن الخلاف واقع بينهم فيمن هو أحق بالكفالة إذا تنازع الأبوان ، وكانا أهلاً للكفالة ، فيرى المالكية والظاهرية أن الأم أحق بكفالة الولد ذكراً أو أنثى ، ويرى الحنابلة التخيير في الذكر ، وأما الأنثى فالأب أحق بها ، ويرى الحنفية أن الأب أحق بالغلام ، والأم أحق بالجارية ، ولعل الراجح هو التخيير إذا تنازعا وتوفرت فيهما شروط الكفالة .
من كتاب ولاية المرأة في الفقه الإسلامي ص 692.
ــــــــــــــ
استئجار الأرحام ..أمومة مفقودة ... العنوان
اخترت هذا الاسم لأفرق بينه وبين ما تناقلته الصحف من سنوات عن جنين أنبوب الاختبار وما صحب ذلك من تهاويل فهذا موضوع آخر . ولتبيان موضوعنا أذكر القاريء بأن أول تكوين الجنين هو التحام خلية من الرجل هي الحيوان المنوي بخلية من الأنثى هي البويضة التي تخرج من أحد المبيضين فيتلقفها أنبوب (أيمن أو أيسر) واصل إلى الرحم، ويتم هذا الالتحام في هذا الأنبوب منتجًا البويضة الملقحة أو البيضة . . وهي التي ترحل إلى الرحم وتنغرس في بطانته وتشرع في الانقسام بغير توقف إلى ملايين الخلايا التي تعطي الجنين الكامل الذي يولد طفلاً . فالجنين إذن التحام نصفين نصف آت من الخصية ونصف آت من المبيض . أما الرحم فمستودع ومستزرع وحاضن يفي بالغذاء والنماء.
نذكر بعد ذلك نموذجًا لمرض خلقي . . تكون فيه المرأة ذات مبيض ولكنها غير ذات رحم . . وتفرز كل شهر بويضة ولكنها تهدر لأن غياب الرحم معناه الحيلولة بين المني وبين البويضة وكذلك غياب الحاضن الطبيعي للجنين منذ تكونه من التحام خليتين حتى استوائه في أواخر الحمل.
والبحث الجاري الآن ينصب على شفط البويضة من مبيضها خلال منظار يخترق جدار البطن (وقد تمت هذه الخطوة)، ثم تلقيح هذه البويضة بمنوي من الزوج يلتحم بها ليكونا بيضة تشرع في الانقسام إلى عديد من الخلايا (وقد تمت هذه الخطوة أيضا) ثم إيداع هذه الكتلة من الخلايا أي الجنين الباكر رحم امرأة أخرى بعد إعداده هرمونيًا لاستقبال جنين . . فيكمل الجنين نماءه في رحم هذه السيدة المضيفة حتى تلده وتسلمه لوالديه اللذين منهما تكون.
هذه الخطوة لم تتم بعد ولكنها بلغت درجة الممكن . وقد تمت بنجاح في الحيوانات بل وعلى درجتين، إذ تم استخراج أجنة نعاج في بريطانيا وإيداعها رحم أرنبة حملت بالطائرة لجنوب أفريقيا حيث استخرجت مرة أخرى وأودعت أرحام نعاج من فصيلة أخرى حضنتها حتى ولدتها على هيئة سلالتها الأصلية.
قد عرفنا الأم في الرضاع وأحكام الأخوة في الرضاع . والآن أدركنا أن للمرء بأمه صلتين صلة تكوين ووراثة أصلها المبيض وصلة حمل وحضانة أصلها الرحم . وحتى الآن كانت صلة الرحم تطلق مجازًا على الجميع . ولكن ماذا إذا انشعبت النسبتان فكان التكوين من امرأة والحضانة من أخرى .وأين تقف صلة الرحم من(6/44)
بنوة المبيض . . وما حقوق هذه الحاضن وماذا يترتب على ذلك من أحكام ؟ ... السؤال
07/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فما سماه العلماء: شتل الجنين هو قضية في غاية الغرابة والإثارة، وهي تختلف عما كان يسأل عنه من قبل من " التلقيح الصناعي " الذي تلقح فيه بويضة امرأة بحيوان منوي من رجل غير زوجها، وهذا حرام بيقين لأنه يلتقي مع الزنى في اتجاه واحد، حيث يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وإقحام عنصر دخيل على الأسرة أجنبي عنها، مع اعتباره منها نسبًا ومعاملة وميراثًا، وإذا كان الإسلام قد حرم التبني ولعن من انتسب إلى غير أبيه فأحرى به أن يحرم التلقيح المذكور، لأنه أشد شبها بالزنى.
أما قضية "الشتل" المسئول عنها هنا فليس فيها خلط أنساب، لأن البويضة ملقحة بماء الزوج نفسه، ولكنها تترتب عليها أمور أخرى هي غاية في الخطورة من الناحية الإنسانية والأخلاقية.
وإذا كنا نبحث أولاً عن مشروعية هذا الأمر من الوجهة الدينية، قبل أن نبحث عن أحكامه إذا حدث بالفعل، فالذي أراه - بعد طول تأمل ونظر - أن الفقه الإسلامي لا يرحب بهذا الأمر المبتدع . ولا يطمئن إليه، ولا يرضى عن نتائجه وآثاره، بل يعمل على منعه للأسباب التالية :ـ
1ـ إفساد لمعنى الأمومة:
وأول هذه النتائج وأبرزها: أنه يفسد معنى الأمومة كما فطرها الله، وكما عرفها الناس . هذا المعنى الذي ليس في الحياة أجمل ولا أنبل منه.
فالأم الحقيقية في التصور المعروض للسؤال، هي صاحبة البويضة الملقحة، التي منها يتكون الجنين، هي التي ينسب إليها الطفل، وهي الأحق بحضانته، وهي التي تناط بها جميع أحكام الأمومة وحقوقها من الحرمة والبر والنفقة والميراث وغيرها.
وكل دور هذه الأم في صلتها بالطفل أنها أنتجت يومًا ما بويضة أفرزتها بغير اختيارها، وبغير مكابدة ولا مشقة عانتها في إفرازها.
أما المرأة التي حملت الجنين في أحشائها وغذته من دم قلبها أشهرًا طوالا، حتى غدا بضعة منها، وجزءًا من كيانها، واحتملت في ذلك مشقات الحمل، وأوجاع الوحم، وآلام الوضع، ومتاعب النفاس، فهذه مجرد " مضيفة " أو " حاضنة " تحمل وتتألم وتلد، فتأتي صاحبة البويضة، فتنتزع مولودها من بين يديها، دون مراعاة لما عانته من آلام، وما تكون لديها من مشاعر، كأنها مجرد " أنبوب " من الأنابيب، التي تحدثوا عنها برهة من الزمان، لا إنسان ذو عواطف وأحاسيس.
2ـ حقيقة الأمومة:
وإن من حقنا - ومن حق كل باحث عن الحقيقة - أن يسأل معنا هنا عن ماهية الأمومة التي عظمتها كتب السماء، ونوّه بها الحكماء والعلماء، وتغنى بها الأدباء(6/45)
والشعراء، وناطت بها الشرائع أحكامًا وحقوقًا عديدة الأمومة التي هي أرقى عواطف البشر وأخلدها وأبقاها.
وهل تتكون هذه الأمومة الشريفة من مجرد بويضة أفرزها مبيض أنثى ولقحها حيوان منوي من رجل.
إن الذي يثبته الدين والعلم والواقع، أن هذه الأمومة إنما تتكون مقوماتها، وتستكمل خصائصها، من شيء آخر بعد إنتاج البويضة حاملة عوامل الورثة، إنه المعاناة والمعايشة للحمل أو الجنين، تسعة أشهر كاملة يتغير فيها كيان المرأة البدني كله تغيرًا يقلب نظام حياتها رأسًا على عقب، ويحرمها لذة الطعام والشراب والراحة والهدوء . إنه الوحم والغثيان والوهن طوال مدة الحمل . وهو التوتر والقلق والوجع والتأوه والطلق عند الولادة . وهو الضعف والتعب والهبوط بعد الولادة . إن هذه الصحبة الطويلة - المؤلمة المحببة - للجنين بالجسم والنفس والأعصاب والمشاعر هي التي تولد الأمومة وتفجر نبعها السخي الفياض بالحنو والعطف والحب.
هذا هو جوهر الأمومة . بذل وعطاء، وصبر واحتمال، ومكابدة ومعاناة ولولا هذه المكابدة والمعاناة، ما كان للأمومة فضلها وامتيازها، وما كان ثمة معنى لاعتبار حق الأم أو كد من حق الأب.
إن أعباء الحمل، ومتاعب الوضع، هي التي جعلت للأمومة فضلاً أي فضل، وحقًا أي حق، وهي التي نوه بها القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعته كرها، وحسبنا أن نقرأ في كتاب الله (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرهًا، وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا)، (ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين).
ومعنى " وهنا على وهن ": أي جهدًا على جهد، ومشقة على مشقة، مما يؤدي بها من ضعف إلى ضعف.
وهذه المعاناة التي تتحمل الأم آلامها وأوصابها راضية قريرة العين، هي السر وراء تأكيد القرآن على حق الأم ومكانتها وأوردها فيما ذكرنا من آيات، وهي السر كذلك وراء تكرار الرسول صلى الله عليه وسلم الوصية بها، وتأكيد الأمر ببرها، وتحريم عقوقها، وجعل الجنة تحت أقدامها، من مثل: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب ".
وفي الحديث المشهور في إجابة من سأل: من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: " أمك . . ثم أمك . . . ثم أمك . . ثم أبوك ".
وفي مسند البزار: إن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها ؟ فقال: " ولا بزفرة واحدة - أي من زفرات الطلق والولادة " . فإذا كانت الأم لم تتحمل أي شيء من هذه المخاطر والأوجاع والزفرات فما فضل أمومتها ؟ ومن أين تستحق كل ما جاءت به الوصايا النبوية من زيادة برها ؟
3ـ الأم هي الوالدة:
ولا شك أن خير وصف يعبر عن الأم وعن حقيقة صلتها بطفلها في لغة العرب هو " الوالدة " وسمى الأب " الوالد " مشاكلة للأم، وسميا معًا " الوالدين " على سبيل(6/46)
التغليب للأم الوالدة الحقيقية، أما الأب فهو في الحقيقية لم يلد، إنما ولدت امرأته . وعلى هذا الأساس سمى ابن المرأة " ولدًا " لها، لأنها ولدته، وولدًا لأبيه كذلك لأنها ولدته له.
فالولادة إذن أمر مهم، شعر بأهميته واضعو اللغة، وجعلوه محور التعبير عن الأمومة والأبوة والبنوة.
ومالنا نذهب بعيدًا . وهذا القرآن الكريم يحصر حقيقة الأمومة في الولادة بنص حاسم، فيقول في تخطئة المظاهرين (المظاهر من امرأته: من يحرمها على نفسه بأن يقول لها: أنت علي مثل أمي . أو كظهر أمي ويسمى هذا شرعًا " الظهار ") من نسائهم: (ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) بهذا الأسلوب الجازم الحاصر حدد القرآن معنى الأمومة (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم)، فلا أم في حكم القرآن إلا التي ولدت.
والخلاصة أن الأم التي لا تحمل ولا تلد كيف تسمى " أما " أو " والدة " ؟ وكيف تتمتع بمزايا الأمومة دون أن تحمل أعباء الأمومة ؟
4-لماذا كانت الأم أحق بالحضانة ؟
روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وزعم أنه ينتزعه مني ! فقال صلى الله عليه وسلم: " أنت أحق به ما لم تنكحي " (أي تتزوجي).
وهكذا أعطى الشرع حق الحضانة للأم وقدمها على الأب . وجعلها أحق بطفلها منه، لما ذكرته هذه المرأة الشاكية من أسباب وحيثيات تجعلها أحنى على الطفل وأرفق به وأصبر على حضانته من أبيه، فقد صبرت على ما هو أشد وأقسى من الحضانة، حين حملته كرهًا ووضعته كرهًا.
فما تقول هذه الأم المستحدثة إذا اختلف مع زوجها في أمر حضانة الولد ؛ وبأي منطق تستحقه وتقدم على أبيه، ولم يكن بطنها له وعاء، ولا ثديها له سقاء ؟
إن قالت: إنها صاحبة البويضة التي منها خلق، فالأب صاحب الحيوان المنوي الذي لولاه ما صلحت البويضة لشيء، بل لعله هو العنصر الإيجابي النشيط المتحرك في هذه العملية، حتى إن القرآن نسب تكوين الإنسان إليه في قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب) فالماء الدافق هنا هو ماء الرجل.
5ـ تساؤلات:
ولنا أن نسأل هنا: لماذا يفكر رجال العلم في نقل بويضة امرأة إلى رحم امرأة أخرى ؟
سيجيبون: لنوفر للمرأة المحرومة من الولد، لفقدها الرحم الصالح للحمل، ما تشتاق إليه من الأطفال عن طريق أخرى صالحة للحمل.
ونود أن نقول هنا: إن الشريعة تقرر قاعدتين مهمتين تكمل إحداهما الأخرى:
الأولى: إن الضرر يزال بقدر الإمكان.
والثانية: إن الضرر لا يزال بالضرر.(6/47)
ونحن إذا طبقنا هاتين القاعدتين على الواقعة التي معنا، نجد أننا نزيل ضرر امرأة - هي المحرومة من الحمل - بضرر امرأة أخرى، هي التي تحمل وتلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها وولادتها وعنائها . فنحن نحل مشكلة بخلق أخرى.
إن على العلم أن يتواضع ولا يحسب أن بإمكانه أن يحل كل مشكلات البشر، فإنها لا تنتهي ولن تنتهي . ولو فرض أنه حل مشكلة المرأة التي ليس لها رحم صالح، فكيف يحل مشكلة التي ليس لها مبيض صالح ؟
وسؤال آخر: هل هذه هي الطريقة الوحيدة - في نظر العلم - لإزالة ضرر المرأة المحرومة من الإنجاب لعدم الرحم ؟
والجواب: إن العلم الحديث نفسه بإمكانه وتطلعاته - فيما حدثني بعض الأخوة الثقات المشتغلين بالعلوم، والمطلعين على أحدث تطوراتها، وتوقعاتها، يفتح أمامنا باب الأمل لوسيلة أخرى أسلم وأفضل من الطريقة المطروحة.
وهذه الوسيلة هي زرع الرحم نفسه في المرأة التي عدمته، تتمة لما بدأ به العلم ونجح فيه من زرع الكلية والقرنية وغيرهما، بل زرع القلب ذاته في تجارب معروفة ومنشورة.
احتمالات:
ولقد حصر السائل الصورة المسئول عنها في امرأة ذات مبيض سليم، ولكن لا رحم لها . وهي مشوقة إلى الأولاد، وراغبة في الإنجاب، كأنه بهذا يثير الشفقة عليها، ويستدر العطف من أجلها.
ولكن هذا الباب إذا فتح، ما الذي يمنع أن تدخله كل ذات مال من ربات الجمال والدلال، ممن تريد أن تحافظ على رشاقتها، وأن يظل قوامها كغصن البان، لا يغير خصرها وصدرها الحمل والوضع والإرضاع . فما أيسر عليها أن تستأجر " مضيفة " تحمل لها، وتلد عنها، وترضع بدلها، وتسلم لها بعد ذلك " ولدًا جاهزًا " تأخذه بيضة مقشورة، ولقمة سائغة، لم يعرق لها فيه جبين، ولا تعبت لها يمين، ولا انتفض لها عرق .
وصدق المثل: رب ساع لقاعد، ورب زارع لحاصد !!
وإذا كان مبيض الأنثى يفرز في كل شهر قمري بويضة صالحة - بعد التلقيح - ليكون منها طفل، فليت شعري ما يمنع المرأة الثرية أو زوجة الثري أن تنجب في كل شهر طفلاً ما دام الإنجاب لا يكلفها حملاً ولا يجشمها ولادة !!
ومعنى هذا أن المرأة الغنية تستطيع أن تكون أما لاثنى عشر ولدًا في كل سنة، ما دامت الأمومة هينة لينة لا تكلف أكثر من إنتاج البويضة، والبركة في " الحاضنات " أو " المضيفات " الفقيرات اللائي يقمن بدور الأمومة ومتاعبها لقاء دريهمات معدودة.
ويستطيع الرجل الثري أيضًا أن يكون له جيش من الأولاد بعد أن يتزوج من النساء مثنى وثلاث ورباع، يمكن لكل واحدة أن تنجب حوالي 500 خمسمائة من البنين والبنات بعدد ما تنتج من البويضات، طوال مدة تبلغ أو تتجاوز الأربعين عامًا من سن البلوغ إلى سن اليأس.(6/48)
والنتيجة من وراء هذا البحث أن الشريعة لا ترتاح إلى ما سمى " شتل الجنين " لما ذكرنا من آثار ضارة تترتب عليه، فهو أمر مرفوض شرعًا، ممنوع فقهًا.
والله أعلم
ــــــــــــــ
أثر الزواج العرفي على الحضانة ... العنوان
هل يترتب على الزواج العرفي الصحيح (مكتمل الأركان والشروط ولكن لم يوثق) فقد حضانة الطفل؟ ... السؤال
11/02/2007 ... التاريخ
الدكتور محمد عبد اللطيف البنا ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الزواج العرفي الذي خلا من أركان العقد وشروطه محرم وباطل وهو قرين الزنا، أما الزواج الذي اكتملت أركانه وشروطه، ولكن لم يوثق في المحكمة أو الوثيقة الرسمية عند المخول لهم بذلك، فهو وإن كان صحيحا شرعا ولكن يأثم العاقدان لمخالفتهما ولي الأمر في اشتراطه أمر فيه مصلحة محققة، فما شرع التوثيق إلا لحفظ الحقوق.
أسباب اللجوء للزواج العرفي:
والذي يدعو إلى الزواج العرفي أمور، منها:
1ـ أن تكون الزوجة مُسْتَحِقَّة لمعاش من زوجها الأول، وتُريد أن تحتفظ به؛ لأنه يسقط بالزواج بعده إذا ُوثّق، أو تكون مستحقة لمعونة، أو مُتَمَتِّعة بامتيازات ما دامت غير متزوجة، كأن تكون حاضنة لأولادها تتمتَّع بالمسكَن وأجر الحضانة ، ولو تزَوَّجت زواجًا موثقًا من غير محرم لهؤلاء الأولاد سقط ما كانت تتمتع به.
2ـ أن يكون الزوج متزوجًا بزوجة أخرى، ويخشى من توثيق زواجِه الثاني ما يترتب عليه من مشاكل بينه وبين أسرته، وما يتعرَّض له من عقوبات تَفْرِضها بعض النظم.
3ـ أن يكون الزوج مغتربًا ويخشى الانحراف بدون زواج، لكن لو قيد رسميًّا تترتب عليه مشاكل فيلجأ إلى الزواج العرفي.
أو غير ذلك من الأسباب التي تدعو لإتمام العلاقة بعيدا عن التوثيق الرسمي لها.
والزواج العرفي الذي تكتمل أركانه وشروطه جائز شرعا، ولكن إن كان الغرض منه الإفلات من حق الغير، أو الكسب غير المشروع، أو التدليس على الآخرين فهو حرام، لا لنفسه ولكن لغيره، بمعنى أن الغش والتدليس والكذب أكسبت الفعل الحرمة.
أثر الزواج العرفي على حضانة الأطفال:
الأصل في اكتساب الأم الحضانة هو تفرغها للطفل، والحنان الذي لا يعطيه للطفل أحد مثلها، فإن تزوجت المرأة كانت منشغلة بزوجها، لذا جعل من شروط بقاء الأولاد في حضانة أمهم ألا تكون متزوجة بغير ذي رحم محرم من الصغير، بأن(6/49)
تكون غير متزوجة أو متزوجة بقريب محرم منه كعمه أو جده مثلاً. فإن كانت متزوجة من أجنبي، أو من قريب غير محرم كابن عمه، أو من محرم غير قريب كأخيه من الرضاع سقط حقها في الحضانة، لأن الغالب في هؤلاء ألا يعطفوا على الصغير كعطف قريبه المحرم، ويزيد الأجنبي أنه يبغضه ويقسو عليه، لأن الزوج غالباً لا يحب ابن زوجته فينشأ الطفل في جو يسوده البغض والكراهية فيتعقد نفسياً.
والسبب هنا يكمن في أن الغريب سيكون قليل الشفقة على الطفل، وقد يأمر زوجته بأن تترك الاهتمام بالطفل لأمور هو يحتاجها، بعكس القريب ذي الرحم سيكون رحيما بالطفل.
وعلى هذا تنتقل الحضانة من الأم المتزوجة عرفيا إلى من يليها، كما تنتقل من الزواج الموثق تماما.
القضاء المصري يحكم بالحرمان من الحضانة نتيجة الزواج العرفي:
ولقد اهتم القضاء بهذه المسألة وراعى حق الطفل المقدم على كل حق والمكفول من الشريعة الإسلامية، فقد صدر اليوم 23 من المحرم 1428هـ 11 فبراير 2007 من محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية حكما، أكدت فيه مبدأ قانونيا مقتضاه: أن الزواج العرفي يُسقط حق الأم في حضانة صغارها.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
اشتراط الحضانة لإيقاع الطلاق ... العنوان
امرأة مسلمة تزوجت من رجل مسلم خارج أمريكا وله منها طفلة عمرها إحدى عشرة سنة، انفصلا عن بعضهما منذ ثلاث سنوات. لم يسجل الزواج في المحاكم الأمريكية، طلبت الزوجة الطلاق فوافق الزوج على تطليقها بشرط أن تكون له حضانة البنت في الوقت الذي يشعر بأن الجو الذي تعيش فيه غير آمن، أو عندما تقرر المرأة الزواج من رجل آخر.
فما رأي الشريعة المطهرة في طلب الزوج، علما بأنه وافق على دفع مؤخر المهر ونفقة العدة؟
... السؤال
06/07/2006 ... التاريخ
أ.د صلاح الصاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد..
اختلف أهل العلم في من هو الأحق بحضانة الأنثى بعد السابعة، فمنهم من قال : إن أمها أحق بها ما لم تنكح ، ومنهم من قال إنها لأبيها، ولكن محل هذا الاختلاف عند قيام كل منهما بما يجب عليه من صيانة المحضون وحسن القيام على أمره، أما إذا أهمل أحدهما ما يجب عليه من ذلك فإن ولايته تسقط ويتعين الأخر، وقد قال أهل(6/50)
العلم : لا يقر المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه، فإن هذا الباب منظور فيه إلى مصلحة المحضون، فمن ترك منهم ما يلزمه سقط حقه.
وعلى هذا فإن اشتراط الأب أن تكون له حضانة البنت في الوقت الذي يشعر فيه أن الجو الذي تعيش فيه غير آمن اشتراط صحيح في الجملة، لكنه يحتاج إلى ضابط، فمن ذا الذي يقرر ما إذا كان الجو آمنا أو غير آمن؟!
فلابد أن يتفق الطرفان على مرجعية يردون الأمور إليها عند التنازع، ويقبلون جميعا بالنزول على حكمها، سواء أكانت هذه الجهة محكمة شرعية، أو مؤسسة دعوية، أو بعض من يثقون به من أهل العلم والديانة، حتى لا يكون للهوي مدخل في تقدير الأمور من ناحية، وحتى لا يجمع الرجل في يده بين صفتي الخصم والحكم من ناحية أخرى.
والله أعلم.
التخيير في الحضانة ... العنوان
أنا أب ولي طفلة من طليقتي وقد قارب وقت حضانتها على الانتهاء وعندنا يخير القاضي الولد بين أبويه، وطليقتي وأهلها لا يهتمون إلا باللعب والترفيه والرحلات فعندهم كل اللهو الذي يشغل بال الولد ويجعله يفضل البقاء معهم، فما حكم الشرع في هذا الحال؟
... السؤال
19/05/2006 ... التاريخ
الأستاذ محمد سعدي ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحضانة من الولايات، والغرض منها صيانة المحضون ورعايته، ومسألة تخيير المحضون بين أبيه وأمه مسألة خلافية بين الفقهاء أجازها الشافعية والحنابلة، ومنعها الحنفية والمالكية.
ومن أجازها جعل هذه الإجازة مشروطة بالسلامة من الفساد في الاختيار، لأن الأطفال قد يكون اختيارهم مبنيا على غير المصلحة المعتبرة شرعا، فمثلا قد ترفض البنت أباها لمعرفتها أنه سوف يلزمها بالآداب والتكاليف الشرعية، أمَّا أمها فقد تكون متهاونة معها لا تهتم بتربيتها وتقويمها وتتركها للعب، فعندما تخير البنت ـفي هذه الحال فإنها قد تختار أمها على أبيها، فالاختيار في هذه الحالة غير صحيح، ولا يلزم القاضي أن يعمل به، وعلى القاضي أن يستفسر عن سبب الاختيار ودوافعه ويقدر المصلحة الشرعية فيه.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى تخيير المحضون بين أبيه وأمه إذا تنازعا فيه على ما يأتي من التفصيل، فيلحق بأيهما اختار. فإن اتفقا على أن يكون المحضون عند(6/51)
أحدهما جاز، وعند الشافعية يبقى التخيير وإن أسقط أحدهما حقه قبل التخيير - خلافا للماوردي والروياني - ولا فرق في التخيير بين الذكر والأنثى.
وعند الحنابلة: يخير الغلام إذا بلغ سبع سنين عاقلا ; لأنها السن التي أمر الشرع فيها بمخاطبته بالصلاة. وحده الشافعية بالتمييز بأن يأكل وحده، ويشرب وحده، ولم يعتبروا بلوغه السابعة حدا، فلو جاوز السبع بلا تمييز بقي عند أمه، ولا فرق في هذا بين الذكر والأنثى. وهذا يخالف في ظاهره ما ورد من أمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وعدم أمره بها قبل أن يبلغها وإن ميز.
والفرق بينهما أن في أمره بالصلاة قبل السبع مشقة، فخفف عنه ذلك. بخلاف الحضانة ; لأن المدار في التخيير على معرفة ما فيه صلاح نفسه وعدمه، فيقيد بالتمييز، وإن لم يجاوز السبع.
وفرق الحنابلة بين الذكر والأنثى، فيخير الصبي إذا بلغ سبع سنين، أما البنت فتكون في حضانة والدها إذا تم لها سبع سنين، حتى سن البلوغ، وبعد البلوغ تكون عند الأب أيضا إلى الزفاف وجوبا، ولو تبرعت الأم بحضانتها ; لأن الغرض من الحضانة الحفظ، والأب أحفظ لها. ولأنها تخطب منه، فوجب أن تكون تحت نظره.
والتخيير في الحضانة مشروط بالسلامة من الفساد، فإذا علم أنه يختار أحدهما ليمكنه من الفساد، ويكره الآخر لما سيلزمه به من أدب، لم يعمل بمقتضى اختياره ; لأنه مبني على الشهوة، فيكون فيه إضاعة له. كما أنه مشروط بأن يظهر للحاكم معرفته بأسباب الاختيار.
ودليل التخيير ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: { جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به } " وما ورد من قضاء عمر بذلك. أهـ
أما الحنفية والمالكية فقد رفضوا الأخذ بالتخيير وذلك لقصور عقل المخيَّر في اختيار الأصلح له، فقد يختار من عنده النعمة والمال والرفاهية وبهذا لا يتحقق المقصود من الحضانة وهو النظر في مصالح المحضون.
جاء في الموسعة الفقهية الكويتية:
والعلة في عدم تخيير المحضون عند الحنفية والمالكية هي: قصور عقله الداعي إلى قصور اختياره. فقد يختار من عنده الدعة والتخلية بينه وبين اللعب، فلا يتحقق المقصود من الحضانة وهو النظر في مصالح المحضون. وما ورد من أحاديث تفيد تخيير الطفل، جاء فيها أن اختياره كان لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يهديه إلى الأصلح. كما جاء في حديث { رافع بن سنان أنه أسلم، وأبت امرأته أن تسلم فقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال رافع: ابنتي. فأقعد النبي صلى الله عليه وسلم الأم ناحية، والأب ناحية، وأقعد الصبية ناحية وقال لهما: ادعواها فمالت الصبية إلى أمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها }. وجاء في رواية أنه ابنهما وليست بنتهما، ولعلهما قضيتان مختلفتان. كما يحمل ما ورد في تخيير الغلام على أنه كان بالغا، بدليل أنه كان يستسقي من بئر أبي عنبة، ومن يكون دون البلوغ لا يرسل إلى الآبار للخوف عليه من السقوط. أهـ(6/52)
وإذا كان اختيار الطفل لأحد الأبوين مبنيا على رغبته في اللعب ونفوره من التعلم فإن القاضي يقضي في هذا الشأن بضمه لمن يصلحه.
قال الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد:
متى أخل أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله والآخر مراع له فهو أحق وأولى به. وسمعت شيخنا رحمه الله يقول: تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام، فخيره بينهما فاختار أباه، فقالت له أمه : سله لأي شيء يختار أباه؟ فسأله، فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني ، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم. قال: أنت أحق به.
قال شيخنا: وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه فهو عاص ولا ولاية له عليه بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له بل إما أن ترفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان.
والله أعلم.
حقوق الأطفال في الإسلام ... العنوان
هل صحيح أن للطفل حقوق ؟ وكيف اهتم الإسلام بالطفل ؟ وشكرا ... السؤال
07/04/2006 ... التاريخ
مجمع الفقه الإسلامي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... ،بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
حفظ الإسلام للطفل حياته منذ تكونه جنينا، وأولاه الرعاية صغيرا فكفل له حقه في الرضاع ، والحضانة ، وحفظ له حقوقه المادية والمعنوية، وحرم الاعتداء عليها، وحظر على الأبوين أن يهملا في تربيته .
جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421 ـ 1 رجب 1421هـ الموافق 23-28 أيلول (سبتمبر) 2000م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع في موضوع "حقوق الأطفال والمسنين"، وعلى التوصيات الصادرة عن الندوة الطبية الفقهية التي عُقدت في دولة الكويت بالتعاون بين مجمع الفقه الإسلامي الدولي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الفترة من 9-12 رجب 1420هـ، الموافق 18-21 تشرين الأول (أكتوبر) 1999م.
وحيث إن الطفولة الكريمة أساس المجتمع السوي، وقد أعطاها الإسلام اهتمامًا بالغًا، فحض على الزواج وعلى حسن اختيار كل من الزوجين للآخر؛ لما في ذلك من أثر في حسن العشرة والنشأة الكريمة للأطفال.
وعليه قرر المجمع ما يلي:(6/53)
1-حماية الجنين في رحم أمه من كل المؤثرات التي تلحق ضررًا به أو بأمه - كالمسكرات والمخدرات - واجب في الشريعة الإسلامية.
2-للجنين حق الحياة من بدء تكونه؛ فلا يعتدى عليه بالإجهاض أو بأي وجه من وجوه الإساءة التي تحدث التشوهات الخلقية أو العاهات.
3-لكل طفل بعد الولادة حقوق مادية ومعنوية، ومن المادية حق الملكية والميراث والوصية والهبة، والوقف، ومن المعنوية الاسم الحسن والنسب والدين والانتماء لوطنه.
4-الأطفال اليتامى واللقطاء والمشردون وضحايا الحروب وغيرهم ممن ليس لهم عائل لهم جميع حقوق الطفل، ويقوم بها المجتمع والدولة.
5-تأمين حق الطفل في الرضاعة الطبيعية إلى حولين كاملين.
6-للطفل حق في الحضانة والرعاية في جو نظيف كريم، والأم المؤهلة أولى بهذا الحق من غيرها، ثم بقية أقربائه على الترتيب المعروف شرعًا.
7-الولاية على الطفل -من أهله أو القضاء، في نفسه وماله لحفظهما- حق من حقوقه لا يجوز التفريط فيها، وبعد بلوغه رشده تكون الولاية له.
8-التربية القومية والتنشئة الأخلاقية الحسنة والتعلم والتدريب واكتساب الخبرات والمهارات والحرف الجائزة شرعًا المؤهلة للطفل للاستقلال بنفسه واكتسابه رزقه بعد بلوغه.. من أهم الحقوق التي ينبغي العناية بها، مع تخصيص الموهوبين منهم برعاية خاصة لتنمية طاقاتهم، وكل ذلك في إطار الشريعة الإسلامية.
9-يحظر الإسلام على الأبوين وغيرهما إهمال العناية بالأطفال؛ خشية التشرد والضياع، كما يحظر استغلالهم وتكليفهم بالأعمال التي تؤثر على طاقاتهم الجسدية والعقلية والنفسية.
10-الاعتداء على الأطفال في عقيدتهم أو أنفسهم أو أعراضهم أو أموالهم أو عقولهم جريمة كبيرة.
والله أعلم .
حق ابن العم في الحضانة ... العنوان
هل يستحق ابن العم أن يحصل على حضانة ابنة عمه؟ وهل ببنوة العم تستحق الحضانة ؟ وجزاكم الله خيرا.
... السؤال
25/09/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد اختلف الفقهاء هل يستحق ابن العم أن يكون حاضنا، وهل بنوة العم مما يستحق بها الحضانة، الجمهور على الجواز، وإن كان المحضون أنثى فابن العم إن كان محرما لها بالرضاع مثلا فله حضانتها بعد البلوغ أما إن لم يكن محرما لها فإن(6/54)
حضانته تستمر حتى البلوغ وبعد البلوغ تسلم إلى امرأة ثقة أو إلي أحد المحارم من الرجال.
قال ابن القيم في زاد المعاد [بتصرف]:
بنوة العم هل يستحق بها الحضانة ؟ على قولين. أحدهما: يستحق بها وهو منصوص الشافعي وقول مالك وأحمد وغيره لأنه عصبة وله ولاية بالقرابة فقدم على الأجانب كما يقدم عليهم في الميراث وولاية النكاح وولاية الموت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على جعفر وعلي ادعاءهما حضانتها ولو لم يكن لهما ذلك لأنكر عليهما الدعوى الباطلة فإنها دعوى ما ليس لهما وهو لا يقر على باطل.
والقول الثاني: أنه لا حضانة لأحد من الرجال سوى الآباء والأجداد هذا قول بعض أصحاب الشافعي وهو مخالف لنصه وللدليل. فعلى قول الجمهور - وهو الصواب - إذا كان الطفل أنثى وكان ابن العم محرما لها برضاع أو نحوه كان له حضانتها وإن جاوزت السبع وإن لم يكن محرما فله حضانتها صغيرة حتى تبلغ سبعا فلا يبقى له حضانتها بل تسلم إلى محرمها أو امرأة ثقة. وقال أبو البركات في " محرره ": لا حضانة له ما لم يكن محرما برضاع أو نحوه.
وقال أيضا:
إن ابنة العم إذا لم يكن لها قرابة سوى ابن عمها جاز أن تجعل مع امرأته في بيته بل يتعين ذلك وهو أولى من الأجنبي لا سيما إن كان ابن العم مبرزا في الديانة والعفة والصيانة فإنه في هذه الحال أولى من الأجانب بلا ريب.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
بين حضانة الأم وولاية الأب ... العنوان
إذا افترق الزوجان، واستحقت الأم الحضانة فهل يعني ذلك أنها أحق بالولاية على المحضونين من حيث السفر والتزويج وأخذ وثائق السفر والميلاد وما أشبه ذلك من أجل السفر، وفصلهم عن أبيهم، أم تقتصر حضانتها على التربية فقط؟ وإلى أي مدى تستمر الحضانة للأم؟ وجزاكم الله خيراً ... السؤال
04/06/2005 ... التاريخ
دائرة الشئون الإسلامية ـ دبي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
ولاية الأب قائمة على أولاده لا تزول باستحقاق المرأة للحضانة، أما انتقال الحاضنة بالصغير من وطنها ومحل العقد عليها إلى جهة بعيدة دون إذن الوالد يعد مسقطا لحقها في نفقته وأجر حضانته.
جاء في فتاوى دائرة الشئون الإسلامية - دبي الإمارات :
استحقاق الأم الحضانة لا يعني ولايتها على الأطفال المحضونين بحال؛ لأنَّ الحضانة معناها القيام بشئون الطفل وحفظه في بيته ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسمه، ونحو ذلك مما لا يقدر على القيام به الرجال عادة، بل هو من(6/55)
خصوصيات النساء، ولا يعني قيام الأم بهذه المهام أن تقوم بحق الولاية على الطفل من حيث التزويج أو السفر أو فصله عن أبيه أو نحو ذلك؛ لأن هذه من خصوصيات الأب إذِ الولاية له على أطفاله مادام موجوداً عاقلاً رشيداً.
فإن قامت الأم بفعل شيء من ذلك فهي متعدية على حق الأب، كما أن الولاية في النكاح خاصة بالرجال دون النساء، وإضافة الأولاد في جواز أبيهم أدعى لحفظ أنسابهم، والقيام بما تقتضيه الولاية من القيام بمالهم وحمايتهم، وكذا السفر بهم لا يجوز إلا برضا أبيهم حتى لا يضيعوا، وهو المسئول عنهم في ذلك أمام الله تعالى.
وعلى كل حال فليس للأم أكثر من القيام بما تقتضيه الحضانة مما تقدم ذكره، ما لم تتزوج أو يسافر أحدهما سفر انتقال لمسافة تزيد عن ستة برد وهي نحو مائة وثلاثة وثلاثين 133 كيلو تقريباً؛ فإن حضانتها حينئذ تسقط.
أما إلى متى تستمر الحضانة فإنها تستمر للبنت إلى أن تتزوج، ويدخل بها زوجها، وللولد إلى أن يبلغ قادراً على الكسب، كما هو مذهب السادة المالكية في المسألة.
والله أعلم.
ــــــــــــــ
أسقطت حضانتها مقابل مال ... العنوان
طلق رجل زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى وله ولد منها له من العمر أربع سنوات وحضانة الولد لأمه كما تعلمون وقد اتفق مع مطلقته على أن تتنازل عن حقها في حضانة الولد مقابل مبلغ من المال يدفعه لها ويؤخذ الولد منها فما الحكم في ذلك ؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
26/02/2005 ... التاريخ
د.حسام الدين بن موسى عفانة ... المفتي
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أجاز ابن تيمية وابن رشد المالكي أن تتنازل المرأة عن الحضانة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة - أستاذ الفقه وأصوله - جامعة القدس - فلسطين :ـ
الحضانة عند الفقهاء هي القيام على شؤون الولد وحفظه وتربيته والاعتناء به في جميع مصالحه. والحضانة واجبة شرعاً.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :
[ كفالة الطفل وحضانته واجبة لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ] المغني 8/237 .
ووجوب الحضانة قد يكون عينياً إذا لم يوجد إلا الحاضن أو مع وجود غيره ولكن الطفل لم يقبل غيره . وقد يكون وجوبها كفائياً إذا تعدد الحاضن .(6/56)
ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي ) رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/430 وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 7/244 .
وأخذاً من الحديث السابق وغيره اتفق العلماء على أن الأم أولى الناس بالحضانة ما دامت شروط الحضانة متحققة فيها قال الشيخ ابن قدامة المقدسي :[ إن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وإسحق وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً خالفهم ] المغني 8/238 .
وقد اختلف الفقهاء في صاحب حق الحضانة من هو ؟ فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحضانة حق للحاضن وذهب آخرون إلى أنها حق للمحضون وترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في مسائل منها إسقاط حق الحضانة فعند الحنفية إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع عندهم صحيح والشرط باطل لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها .
وقد رجَّح العلامة ابن القيم أن الحضانة حق للحاضن أنظر زاد المعاد 5/451-452 .
ومن العلماء من يرى أنه يجوز للحاضنة إسقاط حقها في الحضانة مقابل مال تتصالح عليه مع زوجها .
وقد سئل ابن رشد المالكي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد تحضنه فواطأت زوجها أبا الصبي على أن أسقطت الحضانة بعوض أخذته هل ينفذ هذا العقد بينهما أم لا ؟
فأجاب بما يلي: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه والذي رأيت فيما سألت عنه على منهاج قول مالك الذي نعتقد صحته أن ذلك جائز لأن الحضانة حق للأم إن شاءت أخذته وإن شاءت تركته واختلف هل ذلك حق لها تنفرد به دون الابن أم لا ؟ فقيل : إنها تنفرد به دونه . وقيل : إنها لا تنفرد به دونه وإن له فيها حقاً معها لأنه إنما وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه وأرأف عليه منه وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة . هل هي حق للأم أو للولد ؟
فعلى القول بأنها حق لها تنفرد به دون الابن يلزمها تركها له على عوض أو على غير عوض ولا يكون لها أن ترجع فيها . وعلى القول بأن ذلك حق للولد لا يلزمها تركها ويكون لها أن ترجع فيها إن تركتها أيضاً على عوض أو على غير عوض وترجع في العوض إن كانت تركتها على عوض .
ولا وجه لقول من منع ذلك واحتج بما ذكر لأن ما اتفقنا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن أسلمت إليه ابنه وتركت له حقاً في حضانتها إياه . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً(6/57)
أو حرم حلالاً ) . وليس في ترك الحضانة له بما بذل لها ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال فوجب أن يجوز ذلك .
وإنما جاز عند مالك وأصحابه رحمهم الله إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها وخشيت مفارقته إياها أن تترك له حقها الذي أوجب الله لها عليه في أن لا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه بدليل قول الله عز وجل :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )سورة النساء الآية 128 . جاز أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه على مال يعطيها إياه إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين ]. ثم ذكر كلاماً في الرد على من منع ذلك انظر فتاوى ابن رشد 3/1546-1547 وانظر المعيار المعرب 4/518-520 . وقال الشيخ محمد عليش في فتح العلي المالك [ وأما إذا أسقطت الحضانة بعد وجوبها فذلك لازم لها وسواء أسقطت ذلك بعوض ، أو بغير عوض ].
وما قرره ابن رشد المالكي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال :
[ وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ] الاختيارات الفقهية ص249 . وهذا القول قول قوي وجيه انظر ضمان المنافع ص332 .
وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أنه وحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا فإن الحاضنة إذا اتفقت مع مطلقها على التنازل عن حق الحضانة ثم رجعت عن ذلك ورفعت أمرها إلى القضاء فإن القاضي يحكم لها باستعادة حقها في حضانة الولد لأن الحنفية يرون أن الحضانة حق للمحضون .
وخلاصة الأمر فلا مانع شرعاً من الاتفاق على تنازل الحاضنة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها .
والله أعلم.
الحضانة: من الأولى بها بعد زواج الأم ... العنوان
فضيلة الشيخ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ما حكم حضانة الطفل إذا تزوجت أمه الحاضنة له هل يبقى معها ، أم يذهب للأب أم لمن ؟ وما مدة الحضانة في قانون الأحوال الشخصية المصري؟ ... السؤال
07/12/2004 ... التاريخ
مجموعة من المفتين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... ،بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فيحتاج الصغير دائما للشفقة والرعاية ، والأم أولى بهذه الشفقة من غيرها ، فإذا تزوجت الأم من ذي محرم للطفل بقيت لها الحضانة ، فإن لم تتزوج محرما انتقل حق الحضانة لجدته لأمه ثم لجدته لأبيه ثم أختها الشقيقة ثم الأقرب فالأقرب ، وللحاضنة نفقة طوال مدة الحضانة ، وللطفل كذلك نفقة . وحدد قانون الأحوال(6/58)
الشخصية المصري مدة الحضانة باثنتا عشرة سنة للبنت وعشر سنين للابن ويجوز مدها لمصلحة الطفل.
يقول فضيلة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله :
لمَّا كان الصغير في حاجة إلى الخدمة والرعاية، ومَزِيد من الشفقة والحنان، وكانت المرأة أقدر على ذلك من الرجل وهي ـ بحكم غريزة الأمومة فيها ـ أكثر حنانًا بالطفل، وأعظم شفقةً عليه، فقد جعلت الشريعة الإسلامية حق حضانة الصغير إلى الأم. وكذلك فعل القانون.
فالأم أحق بحضانة الصغير بالإجماع، وإن كانت كِتابِيَّة أو مجوسية؛ لأن الشفقة لا تختلف باختلاف الدين، ولِمَا رُوِي أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وِعاء، وحجري له حِواء، وثدي له سِقاء، وإن أباه طلَّقني وأراد أن يَنْزِعه مني. فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أنتِ أحقُّ ما لم تتزوجي"، ولأن الأم ـ كما قلنا ـ أشفق وأقدر على الحضانة، فكأن دفع الصغير إليها أفضل له.
وروى الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: كانتْ عند عمر امرأة من الأنصار فولدت له عاصمًا، ثم فارَقَها عمر ـ رضي الله عنه ـ فركبَ يومًا إلى قِباء، فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعَضُده فوضعه بين يديه، فأدركتْه جدَّةُ الغلام، فنازعَتْه إياه أباه، فأقبل حتى أَتَيَا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال عمر: هذا بعضي، وقالت المرأة: ابني. فقال أبو بكر خَلِّ بينه وبينها؛ فإن ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر، قال أبو بكر ذلك والصحابة حاضرون متوافرون، فلم يُنْكِر ذلك أحد ولم يُعارِضْه عمر، فإن لم تكن للصغير أم بأن ماتت أو تزوجت بأجنبي عن الصغير، أي بغير رحم مَحرَم منه كان حق الحضانة إلى أم الأم وإن بَعُدت؛ لأن ولاية الحضانة تُسْتَفَاد من قِبَل الأمهات؛ لِمَا ذكرنا من موفور شفقتهن، فمَن كانت تُدْلِي بأم فهي أولى ممَّن تدلي بأب، فإن لم تكن له أم الأم بأن كانت ميتة أو متزوجة بغير مَحرَم منه فالحضانة إلى أم الأب، فإن لم تكن له جدة فالحضانة للأخوات، وهن أولى من العمَّات أو الخالات؛ لأنهن أقرب للصغير، لأنهن بنات الأبوين، وتُقَدَّم الأخت لأب ولأم؛ لأنها أشفق، ثم الأخت من الأب؛ لأن الحق لهن قبل الأم، ثم الخالات أولى من العمات ترجيحًا لقرابة الأم، وتُقَدَّم الخالة الشقيقة ثم الخالة من الأم ثم الخالة من الأب، ثم العمات، ويُرَتَّبْنَ كما رُتِّبت الخالات، أي أن العمة الشقيقة أولى، ثم العمة من الأم، ثم العمة من الأب.
وكل مَن تزوَّجت من هؤلاء يسقط حقها إلا الجدة إذا كان زوجها الجد؛ لأنه يقوم مقام أبيه في الشفقة عليه، وكذلك كل زوج هو ذو رحم محرم من الصغير لقيام الشفقة؛ نظرًا للقرابة القريبة، ومَن سقط حقُّها بالتزوج يعود حق الحضانة إليها إذا ارتفعت الزوجة، فإن لم يكن للصبي امرأة من أهله انتقلت الحضانة إلى أهله من الرجال، وأَوْلَاهم بها أقربُهم تعصيبًا على الترتيب الوارد في الميراث، غير أن الصغيرة لا تُعطَى "لعصَبة" غير مَحْرَم كابن العم تحرزًا من الفتنة. أ.هـ
أما عن مدة الحضانة في قانون الأحوال الشخصية المصري ( ويراعى اختلاف القوانين وترتيب الأولويات في البلدان ) فيقول الأستاذ الدكتور أنور دبور أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة :(6/59)
يجعل القانون الأخير الذي صدر عام 1985 م سن الحضانة للبنت اثنتا عشرة سنة ، وأجاز للقاضي أن يمد الفترة إلى زواج البنت ، ويترتب على هذا أن لا يكون للمرأة نفقة على الحضانة ، من سن اثنتا عشرة سنة إلى زواج البنت . ولكن نفقة البنت نفسها لا تنقطع .
وبالنسبة للذكر ، يجعل القانون حق الحضانة للذكر عشر سنوات ، ويجوز للقاضي أن يمدها حتى خمس عشرة سنة ، مع انقطاع نفقة الأم في هذه الفترة ( فترة المد ) واستمرار نفقة الولد .
ومن حق الأم أن تسقط نفقتها طوال فترة الحضانة ، وكذلك يمكن الاستغناء عن نفقة الابن .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
تخيير الطفل في الحضانة ... العنوان
سؤالي يتلخص في أنني طلقت زوجتي قبل ثلاثة سنوات وتحت إصرارها رضيت بأن يكون الأطفال معها وقبل سنتين تزوجت أنا من زوجة أخرى وكونت أسرة ولكن مع ذلك لم أقدم على أخذ أطفالي منها ولكن قبل عام تقريبا تزوجت هي من رجل آخر وأنا الآن أريد أن يكون أولادي معي مع العلم بأنني قد طالبت بأطفالي لما تزوجت هي ولكن تراجعت بسبب إصرار زوجتي وبكائها وخوفا من مضاراتها، والآن وقد بلغت بنتي الكبرى 13 سنة والولد 11 سنة فإنني لم أعد مرتاحا أن يتربى أطفالي في كنف رجل آخر وطالبت فرفضت إعطائي أبنائي فاضطررت للجوء للمحاكم وتم استدعائها ولكن لم تأتي في اليوم المحدد لعقد المحكمة فما هو مصير هذه القضية مع العلم بأن القاضي قد أصدر طلب استدعاء ثاني
هل ستؤول لي حضانة أبنائي بسبب زواج أمهم من رجل آخر أفيدوني جزاكم الله خيرا
... السؤال
29/05/2004 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأولا زواج الأم يسقط عنها حقها في الحضانة، وتنتقل الحضانة إلى أمها، ولكن إذا كنت قد رضيت ببقاء أولادك مع أمهم ورأيت في بقائهم مصلحة فلا حرج في ذلك.
أما بالنسبة لموضوع السؤال فنحن الآن بصدد خصومة فإن انتهى النزاع بالتراضي فهذا خير لكما ولأولادكما ، ولكن إذا لم تصلا إلى اتفاق فالكلمة الفصل للقضاء.
أما عن الحكم الشرعي في المسألة فإذا كان الأولاد قد بلغوا هذه السن، فذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنهم يخيرون في البقاء معك أو مع أمهم، والتخيير في الحضانة مشروط بأمرين:(6/60)
الأول: السلامة من الفساد , فإذا عُلم أن الطفل يختار أحدهما ليمكنه من الفساد , ويكره الآخر لما سيلزمه به من أدب , فلا اعتبار لاختياره في هذه الحالة; لأنه مبني على الشهوة , فيكون فيه إضاعة له.
الثاني: أن يظهر للحاكم معرفته بأسباب الاختيار .
وقال الحنفية إن الطفل إذا استقل بنفسه في شؤونه الخاصة فالأب أحق به، وقال مالك إن الطفل لا يخير في حاضنه إلا بعد بلوغه.
جاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
الغلام إذا بلغ سبعا, وليس بمعتوه , خير بين أبويه , إذا تنازعا فيه , فمن اختاره منهما , فهو أولى به قضى بذلك عمر , وعلي , وشريح وهو مذهب الشافعي.
وقال مالك , وأبو حنيفة : لا يخير لكن قال أبو حنيفة: إذا استقل بنفسه , فأكل بنفسه , ولبس بنفسه , واستنجى بنفسه , فالأب أحق به ومالك يقول : الأم أحق به حتى يثغر , وأما التخيير , فلا يصح ; لأن الغلام لا قول له , ولا يعرف حظه , وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه , ويمكنه من شهواته , فيؤدي إلى فساده , ولأنه دون البلوغ , فلم يخير , كمن دون السبع.
ولنا, ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم { خير غلاما بين أبيه وأمه } رواه سعيد , بإسناده والشافعي وفي لفظ عن أبي هريرة , قال: {جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله , إن زوجي يريد أن يذهب بابني , وقد سقاني من بئر أبي عنبة , وقد نفعني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : } هذا أبوك , وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت { فأخذ بيد أمه , فانطلقت به } رواه أبو داود , ولأنه إجماع الصحابة , فروي عن عمر , أنه خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد , وروي عن عمارة الجرمي , أنه قال : خيرني علي بين عمي وأمي , وكنت ابن سبع أو ثمان وروي نحو ذلك عن أبي هريرة.
وهذه قصص في مظنة الشهرة , ولم تنكر , فكانت إجماعا, ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد , فيقدم من هو أشفق ; لأن حظ الولد عنده أكثر , واعتبرنا الشفقة بمظنتها إذا لم يمكن اعتبارها بنفسها , فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه , ويميز بين الإكرام وضده , فمال إلى أحد الأبوين , دل على أنه أرفق به , وأشفق عليه , فقدم بذلك وقيدناه بالسبع ; لأنها أول حال أمر الشرع فيها بمخاطبته بالأمر بالصلاة ; ولأن الأم قدمت في حال الصغر , لحاجته إلى حمله , ومباشرة خدمته , لأنها أعرف بذلك , وأقوم به , فإذا استغنى عن ذلك , تساوى والداه , لقربهما منه , فرجح باختياره.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
من له حق الحضانة عند زواج المطلقة؟ ... العنوان
طلقت زوجتي ولدينا 4 أبناء أعمارهم 1و3 و5 و7 سنوات ، ثم تزوجت مطلقتي من رجل مسلم ، فطلبت حق رعاية أبنائي ولكنها رفضت وجعلت من الصعب جداً أن أزور أبنائي ، فما هي حقوقي وواجباتي في هذا الحال ؟(6/61)
وهل هناك دليل من القرآن أو السنة يدعم قول أن الأب له حق رعاية الأبناء ، زوجتي تقول بأنه لو لم يكن هناك آية قرآنية صريحة في هذا ، فإن الأمر يرجع للاجتهاد، واجتهادها هي .
... السؤال
04/08/2003 ... التاريخ
الشيخ محمد صالح المنجد ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
حضانة الأبناء عند الطلاق حق من حقوق الأم ما لم تتزوج، فإذا تزوجت فإن الحضانة تنتقل منها إلى من يليها، واختلف العلماء فيمن يكون له حق الحضانة بعد الأم.
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك لأم الأم؛ لأنها بهم أشفق، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحضانة بعد الأم تنتقل إلى الأب فهو أشفق عليهم من الجميع، وهذا قول وجيه فلتكن عليه الفتوى.
يقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية:-
الأم أحق بحضانة أبنائها قبل سن السابعة، ما لم تتزوج ، فينتقل الحق لمن يليها ، لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت أحق به ما لم تنكحي" والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ويجب تمكين الأب من رؤية أبنائه ، والسؤال عن أحوالهم ، سواء كانوا في حضانة الأم أو غيرها.
وحيث إن حق الأم في الحضانة قد سقط بزواجها ، فإنه ينتقل لمن بعدها ، وفي تعيين الأحق بعد الأم خلاف بين الفقهاء ، فذهب بعض العلماء إلى أنه ينتقل إلى أم الأم ، ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأب أولى من أم الأم ، وعليه فتنتقل الحضانة إليك . (الشرح الممتع 6/26 الطبعة الكاملة).
وكذلك لو كانت أم الأم كافرة أو فاسقة ، فإن الحضانة تنتقل إلى الأب حتى عند القائلين بأن أم الأم أحق من الأب.
وينبغي أن يعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته ، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده ، أو لإهماله وتضييعه ، أو لكثرة أسفاره التي تضر بمصلحة أولاده .
وينبغي أن يتعاون الأبوان في هذا الأمر ، مراعاةً لمصلحة أولادهما ، وحتى لا يكون تنازعهما سبباً لفشل الأبناء وضياعهم .
وليس في المسألة آية قرآنية تحدد الأحق بالحضانة ، لكن حسب المسلم قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر / 7(6/62)
وقوله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء / 65 .
وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب / 36
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بسقوط حق الأم في الحضانة إذا تزوجت ، كما سبق في الحديث ، فعلى المؤمنة أن ترضى بذلك وتسلم .
والله أعلم .
انتهى نقلا من موقع الإسلام سؤال وجواب .
ــــــــــــــ
فسق الحاضن وأثره على الحضانة ... العنوان
هل تسقط حضانة الزوجة المطلقة للأولاد إذا كانت فاسقة ؟
... السؤال
19/04/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن العدالة شرط في الحاضن، ومن ثم فمن اشتهر بفسق تنتقل عنه الحضانة إلى من يليه، وخالف في ذلك بعض الفقهاء منهم العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني فذهبوا إلى أن القول بسقوط الحضانة عن الفاسق لم يقم عليه دليل.
ومن ثم فتقدير الأمر في حال النزاع يكون لقاضي الموضوع، حيث يقضي بما يتراءى له من المصلحة.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام عفانة –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
لقد اشترط أكثر الفقهاء في الحاضنة أن تتصف بالعدالة الظاهرة والأمانة في الدين كما عبر فقهاء المالكية ، وبناء على ذلك، فإن فسق الحاضنة يسقط حقها في الحضانة، فإذا كانت الزوجة المطلقة الحاضنة فاسقة بشرب الخمر ونحو ذلك، فلا حضانة لها وينتزع المحضون منها، وهذا القول قال به جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
ومع قوة هذا القول ووجاهته إلا أنه لم يرد عليه دليل شرعي صريح وكذلك، فإن اعتبار هذا الشرط يوقع الناس في الحرج؛ لأن الفسق مما يغلب وجوده بين كثير من الناس، وفي اعتبار هذا الشرط أيضاً إلحاق الضرر بالأولاد؛ ولأن الفسق لا يحول بين الحاضنة وبين العناية بأمر الأولاد في الأعم الأغلب، وهذا ما قرره العلامة ابن القيم، والإمام الشوكاني.
قال ابن القيم مفنداً قول من يشترط العدالة في الحاضنة: [ومن العجب أنهم يقولون لا حضانة للفاسق فأي فسق أكبر من الكفر وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقع من الكافر مع أن الصواب أنه لا تشترط(6/63)
العدالة في الحاضنة قطعاً وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم واشتراطها في غاية البعد ولو اشترط في الحاضنة العدالة لضاع أطفال العالم، ولعظمت المشقة على الأمة، واشتد العنت، ولم يزل من حين ما قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم الأكثرين ، ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه ؟ وهذا في الحرج والعسر - واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والأعصار على خلافه - بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح فإنه دائم الوقوع في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق ولم يزل الفسق في الناس،
ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقاً من تربية ابنه وحضانته له ولا من تزويجه موليته، والعادة شاهدة بأن الرجل ولو كان من الفساق، فإنه يحتاط لابنته، ولا يضيعها، ويحرص على الخير لها، وإن قدر خلاف ذلك، فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد، والشارع يكتفي في ذلك بالباعث الطبيعي.
ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة، وولاية النكاح لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور، واعتناء الأمة بنقله، وتوارث العمل به مقدماً على كثير مما نقلوه، وتوارثوا العمل به فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العلم بخلافه ولو كان الفسق ينافي الحضانة لكان من زنى أو شرب الخمر أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره ) . زاد المعاد 5/461 .
وقال الشوكاني: (ليس على هذا دليل - اعتبار العدالة - فإن العدالة معتبرة فيما اعتبره الشرع لا في كل أمر من الأمور واعتبارها في هذا الموضوع حرج عظيم وتعسير شديد فإن غالب النساء التساهل في كثير من الأمور الدينية، ولو كانت العدالة معتبرة فيهن، ومسوغة لنزع أولادهن من أيديهن لم يبق صبي بيد أمه إلا في أندر الأحوال، وأقلها فيكون في ذلك أعظم جناية على الصبيان بنزعهم ممن يرعى مصالحهم، ويدفع مفاسدهم ، وجناية على الأم بتوليها بولدها، والتفريق بينها وبينه، ومخالفة لما عليه أهل الإسلام سابقهم ولاحقهم ] السيل الجرار 2/439 .
ويرى بعض فقهاء الحنفية أن مطلق الفسق لا يسقط الحضانة وإنما الفسق الذي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالأولاد هو المسقط لها فقد ورد في حاشية ابن عابدين ما يلي : [ قال في البحر - من كتب الحنفية - وينبغي أن يكون المراد بالفسق في كلامهم هنا الزنى المقتضي لانشغال الأم عن الولد بالخروج من المنزل ونحوه، لا مطلق الفسق والذي يتحقق بترك الصلاة..
والحاصل أن الحاضنة إذا كانت فاسقة فسقاً يلزم منه ضياع الولد عندها يسقط حقها وإلا فهي أحق به إلى أن يعقل فينزع منها كالكتابية ] حاشية ابن عابدين 5/556 .
والله أعلم.
ــــــــــــــ
حضانة غير المبصر للصغير ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله : هل تثبت الحضانة لغير المبصر ، وهل قدرته على رعاية الصغير معتبرة؟ وشكرا ... السؤال
17/02/2003 ... التاريخ(6/64)
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
اختلف الفقهاء في حضانة غير المبصر للصغير، وسبب اختلافهم يرجع لحاجة الطفل للرعاية، وعدم قدرة غير المبصر على رعايته ، والعبرة في ذلك هي مراعاة مصلحة الصغير.
يقول فضيلة الدكتور الشيخ أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله:
تجوز حضانة الأعمى إن أمكنه حفظ المحضون، وإلا فلا ، كما جاء في الفقه الحنفي، وذلك لأن من شروط الحاضن ـ ذكرًا كان أو أنثى ـ الكفاية، أي القدرة علي القيام بشأن المحضون، فلا حضانة لعاجز عن ذلك، والعمى من أسباب العجز ، كما جاء في الفقه المالكي.
وفي كلام الإمام الشافعي ما يُؤخَذ منه أن العمى مانع، فإنه قال: إن حِفْظ الأم للوَلَد الذي لا يَستقلّ ليس مما يَقبل القرائن، فإن المولود في حركاته وسكناته لو لم يكن ملحوظًا من مراقب لا يسهو ولا يغفل لأوشك أن يهلك. ومقتضى هذا أن العمى يمنع، فإن الملاحظة معه كما وصف لا تتأتَّى.
وجاء في الفقه الشافعي: أنه سُئِلَ عن حضانة العمياء، فقال: لم أر فيها مسطورًا، والذي أراه أنه يختلف باختلاف أحوالها، فإن كانت ناهضة بحِفظ الصغير وتدبيره والنهوض بمصلحته وأن تقيه من الأسواء والمضار. فلها الحضانة وإلا فلا.
وأفتى قاضي قضاة حماة بأن العمى ليس بقادح في الحضانة، بشرط أن يكون الحاضن قائمًا بمصالح المحضون، إما بنفسه أو بمَن يستعين به. وفي فتاوي عبد الملك بن إبراهيم المقدسي الهمذاني شارح المفتاح من أقران ابن الصباغ أنه لا حضانة لها.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
مكانة الولد في الإسلام ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم ما هى مكانة " الولد " في نظر الإسلام ؟.
وجزاكم الله خيرا ... السؤال
20/07/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
عدَّ الله تعالى الأولاد من زينة الحياة الدنيا ، وللولد في الإسلام مكانة عظيمة جدا ، حيث أقسم الله به في سورة البلد ، وقد اعتنى الإسلام بالولد في الإسلام ، ولهذه العناية مظاهر عديدة ،
ويذكر فضيلة الشيخ أحمد الشرباصي ـ من علماء الأزهر ـ بعض مظاهر العناية بالولد في الإسلام فيقول فضيلته :(6/65)
الذُّرِّية لها في قلب الإنسان مكانة عالية غالية؛ لأن الوالد يرى أن حياته تتجدَّد وتمتدُّ في صورة ابنه، وفي خطواته على الطريق، ولذلك لم يكن عجيبًا ولا غريبًا أن نجد القرآن الكريم يقول: ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ( الكهف: 46 ) وأن نجد الأحنف بن قيس يقول عن الأولاد: "هم ثِمار قلوبنا، وعِماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة وسماء ظليلة ".
وروى "العقد الفريد" أنه جاء في الحديث المرفوع " ريحُ الولد من ريحِ الْجنة "، وجاء فيه أيضًا:
" الأولاد مِن ريحان الله ". ولما بُشِّرَ سيدنا رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بابنته فاطمة قال: " ريحانة أشُمُّهَا ورِزْقُهَا على الله "، وقال معاوية عن ابنته عائشة: " هذه تفاحة القلب " إلى غير ذلك من الأقوال التي تُنبئ عن المكانة العظيمة التي تحتلها الذرية، ويَحْظى بها الأولاد.
أقسم الله بالولد في القرآن :
ولو ذهبنا نبحث عن مكانة الولد في الإسلام لبهرتنا
هذه المكانة، وحسبنا أن نجد الله ـ تبارك وتعالى ـ يُقسم في القرآن الكريم بالولد، فيقول جل جلاله: ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ) ( البلد 1 ـ 3 ). كما أن الله تعالى حينما يتحدث عن مظاهر قدرته، وآيات رحمته، ودلائل ألوهيته، وبراهين ربوبيته، يجعل من بين ذلك اقتدار البديع على
خلق الذرية، وإيجاد الأولاد، فتارة يقول سبحانه: ( وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ). ( الحج: 5 ) وتارة نجده يُحدثنا عن خلق الإنسان، وعن إبداعه له منذ كان جنينًا، في أبدع صورة وأجلِّ مظهر، فيقول: ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَك ) ( الانفطار 6 ـ 8 ).
الذرية من نعم الله:
ثم نجد القرآن الكريم يُحدثنا بأن الذرية من نعم الله تعالى، التي يمُن بها على خِيار عِباده ونماذج خلقه العُليا، وهم الأنبياء والمرسلون، فهو تارة يقول مُخاطبًا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّة ) ( الرعد: 38 ) ، وتارة يقول على لسان أحد أنبيائه: ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي، رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) ( إبراهيم: 40 ).
وتارة نجد القرآن المجيد يقول عن زكريا ـ عليه السلام ـ: ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ، قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّك سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) ( آل عمران: 38 ).
التحذير من الاعتداء على الذرية :
وتمتد عناية القرآن بالولد منذ البداية إلى النهاية، فهو يُحَذِّر كل التحذير من الاعتداء على الذرية حيث يقول: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) ( الإسراء: 31 ) . وتارة يقول: ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( الأنعام 140 ) . وتارة يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَلَّا يُشْرِكْنَ بِالِله شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ ، وَلَا يَزْنِينَ ، وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ، وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ، فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ ،(6/66)
إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الممتحنة: 12). والقرآن هنا يشير إلى الرذيلة السيئة الفظيعة التي كان يرتكبها بعض أهل الجاهلية، وهي رذيلة قتل الأولاد بسبب الفقر أو خوف العار أو الفضيحة.
ثم يُعنى القرآن برعاية الأطفال وهم صغار، فينظم لهم التربية والرضاع، ونجده يقول في ذلك: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ، وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (البقرة: 233 ).
التحذير من الاعتداء على ذرية الآخرين :
ويُحَذِّرُ القرآن الإنسان أن يعتدي على ذريةٍ لغيره، بأيِّ لون من ألوان الاعتداء، حتى لا تقيض له الأقدار يومًا مَن يعتدي على ذريته بعد وفاته، فيقول القرآن الكريم: ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ، فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) ( النساء: 9 ).
عناية السنة النبوية بالذرية :
وإذا انتقلنا من روضة القرآن الحكيم إلى روضة السنة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، وجدنا صورًا رائعة للعِناية بالطفولة، والعطف على الذرية، والرحمة بالأولاد، فهذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:" مَن رزقه الله ـ تعالى ـ بثلاث بنات فأحسن تربيتهن أدخله الله الجنة، قالوا: واثنتين يا رسول الله قال: واثنتين. قالوا: وواحدة يا رسول الله؟ قال: وواحدة.
ويقول الحديث النبوي: " أفضل دِينار يُنفقه الرجل دينار يُنفقه على عِياله ". ثم يذكر الحديث بعد ذلك الإنفاق في سبيل الله، وحينما قارن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أصناف النِّساء، فَضَّلَ نساء قريش على بقية الأصناف، وجعل السبب في ذلك أنهن أكثر حَنانًا على أولادهن، وأكثر رعاية لهم من غيرهن.
ولقد عَدَّ الرسولُ إهمالَ الإنسان لولده في تربيته، أو الإنفاق عليه، أو تعليمه أو تهذيبه، أو حُسن توجيهه، إثمًا كبيرًا، فقال عليه الصلاة والسلام: "كفى المرء إثمًا أن يُضَيِّعَ مَن يَقُوت" والذين يقوتهم الإنسان هم أفراد أسرته، وأهم من فيها هم الأولاد.
وما أروع هذا التوجيه النبوي المُحمدي الذي يتمثل في الحديث الشريف القائل: "لأن يُؤَدِّب الرجلُ ولَدَه خير له من أن يتصدق كل يوم بِصَاعٍ على المساكين".
حنان الرسول على الذرية :
ومما يدلنا على حَنان الرسول على الذرية، ورحمته للأولاد، أنه كان ذات يوم يخطب بين أصحابه، وإذا الحسن والحسين يُقبلان عليه، وهما طفلان يتعثران في مشيتهما، فأوقف الرسول خُطْبته، وقَطَعَ حديثه، ونزل فحملهما في حَنان غامر طاهر، وعاد وهو يتلطف معهما، وأتمَّ خُطبته وهو يقول: أيها الناس، صدق الله العظيم: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (الأنفال: 28 ) والله لقد رأيت ابنيَّ يجريان ويتعثران، فما أطقت حتى نزلت فحملتهما".
وذات مرة أقبل الحسن والحسين على الرسول وهو ساجد، فاعتليا ظهره، فأطال في سجوده حتى نزلا، خشيةً منه أن يُسارع بالارتفاع من سجوده فيفزعان أو يغضبان، صلوات الله وسلامه عليه.(6/67)
ولا عجب في ذلك، فالرسول هو الذي كان يُصلي بقومه فيطيل الصلاة حتى تستوفي خشوعها وأركانها، ولكنه كان إذا سمع صوت طفل أسرع في الصلاة، خشية أن تكون أمه مع المصلين فتقلق على ولدها، وهو حريص على أن تُسارِع إليه لتُسكِته، وتُزيل سبب بُكائه وغضبه، وهكذا يكون الاهتمام بالأولاد.
أوجب الإسلام على الآباء الإحسان على الأولاد :
والإسلام يدعو الوالد إلى أن يقوم لولده بما يجب نحوه، فيُحسن له اختيار اسمه، ويختار له مُرضعًا سليمة صحيحة، ويختار له بيئة طاهرة نظيفة، تُبعده عن أقران السوء ورِفْقَة الانحراف، ويُعَلِّمُه أمور الدِّين والدنيا، ويُعلِّمه الكتابة والسباحة والرمي والرياضة والجهاد، وكل ما يحتاج إليه في هذه الحياة.
وهذا أحد أُمَرَاء المؤمنين يكتب إلى مُعَلِّمِ وَلِدِهِ يقول له: " صَيِّر يَدَك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، وكُن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، وعَرِّفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعَلِّمْهُ السُّنن، وبَصِّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في وقته، ولا تَمُرَنَّ بِكَ سَاعَة إلا وأنت مُغْتَنِم له فائدة تُفيده إياها، من غير أن تحزنه فتميتَ ذهنه، وقَوِّمه ما استطعت بالرفق والمُلايَنَة، فإن أبَاهُمَا فعليك بالشِّدَّة والغِلْظَة " إلخ ...
ومن أجل الطفولة ورعاية الولد شرع الإسلام نظام النَّفقة على الأولاد، ونظام الحضانة للأولاد، ونَظَّمَ التربية للأولاد، وإذا رجعنا إلى ما كتبه علماء المسلمين في تربية الأولاد، وخاصة حُجَّة الإسلام الإمام الغزالي لوجدناهم يُعطوننا تفاصيل باهرة استمدوها من الإسلام، وكلها تدور حول صيانة الأولاد وتربيتهم وتقويم أخلاقهم.
والإسلام لا يرضى أبدًا من الإنسان أن يُنجب بذرية، ثم يترك هذه الذرية فقيرة عليلة جائعة ضائعة، ولو أنه فعل ذلك لكان مُهمِلًا لنعمة كبرى من نعم الله تبارك وتعالى، وكان غير مُقَدِّر لقيمتها، فيكون كالكافر لها، والقرآن الكريم يقول: ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلِئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ( إبراهيم: 7 ).
ومن اللائق بنا الآن وقد تعقدت الحياة، وكثرت مطالبها، وتعددت مطالبها، أن نتذكر أن تربية الولد الواحد تحتاج إلى مجهودات كثيرة موصولة، فكيف بتربية مجموعة من الأولاد ؟
فإذا كانت الرغبة أو الشهوة تدفع بالإنسان إلى أن يُنجب طِفلًا وراء طفل، فواجبه يقضي عليه أولًا وقبل كل شيء أن يُعِدَّ لهذه الذرية تَبِعَاتها وحقوقها ولوازمها ومطالبها، وإلا كان مُعتديًا عليها، مفرطًا في واجباتها، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
والله أعلم .
ــــــــــــــ
شروط أهلية الحضانة للنساء والرجال ... العنوان
اذا تزوجت الحاضنة فى أثناء سن الحضانة هل تحتفظ بأهليتها للحضانة ؟ ... السؤال
22/11/2001 ... التاريخ
لجنة تحرير الفتوى بالموقع ... المفتي(6/68)
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
الأخت الكريمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أهم الشروط التي يتفق فيها الزوج والزوجة لتتحقق أهليتهما لحضانة الطفل ، والعقل ،و الإسلام ،و القدرة على القيام بأعمال الحضانة ،و الأمانة على أخلاق الصغير ، و الاتحاد في الدين ، وتنفرد الأم بألاّ تتزوج . وعندما يزول سبب انتقال الحضانة ترجع الحضانة مرة أخرى .
شروط أهلية النساء للحضانة:
1- أن تكون المرأة بالغة، لأن غير البالغة ولو كانت مميزة لا تستطيع أن تقوم بشئونها كلها فكيف يوكل إليها القيام بشئون غيرها.
2- أن تكون عاقلة لأن غير العاقلة لا تحسن القيام على شئون الصغير لعدم معرفتها ما ينفعه بل يخشى عليه الضرر منها ، فلا تكون أهلاً للحضانة.
3- أن تكون قادرة على القيام بما تتطلبه الحضانة من أعمال، فلو كانت عاجزة عن ذلك لكبر سن أو مرض أو عاهة تحول بينها وبين أداء وظيفتها كالعمى لم تكن أهلاً للحضانة، وكذلك لو كانت قادرة على أعمال الحضانة ولكنها مريضة مرضاً يخشى على حياة الطفل منه لا تكون أهلاً لها.
ولو كانت محترفة لحرفة تحول بينها وبين رعاية الصغير لا يكون لها حق في الحضانة، أما إذا كان عملها لا يمنعها من رعايته بأن تتمكن من التوفيق بين عملها وما تتطلبه الحضانة لا يسقط حقها فيها.
4- أن تكون أمينة على أخلاق الصغير، فإن كانت فاسقة كاحترافها الرقص أو النشل أو ارتكاب الفاحشة فإنه يسقط حقها في الحضانة بأحد أمرين: عدم قيامها بشئون الطفل وإهماله، والخوف على أخلاق الصغير أن تتأثر بها، فإن لم يوجد شيء منهما لا يسقط حقها فيها.
5- ألا تكون متزوجة بغير ذي رحم محرم من الصغير، بأن تكون غير متزوجة أو متزوجة بقريب محرم منه كعمه أو جده مثلاً.
فإن كانت متزوجة من أجنبي، أو من قريب غير محرم كابن عمه، أو من محرم غير قريب كأخيه من الرضاع سقط حقها في الحضانة، لأن الغالب في هؤلاء ألا يعطفوا على الصغير كعطف قريبه المحرم، ويزيد الأجنبي أنه يبغضه ويقسو عليه، لأن الزوج غالباً لا يحب ابن زوجته فينشأ الطفل في جو يسوده البغض والكراهية فيتعقد نفسياً.
ولأن وقت الزوجة لزوجها وله الحق في منعها من القيام بشئون ذلك الطفل الذي لا صلة له به، بخلاف ما إذا كان الزوج محرماً للصغير، لأن القرابة المحرمية داعية إلى العطف والشفقة على الصغير فلا خوف عليه.
6- ألا تقيم بالصغير عند من يبغضه ولو كان قريباً له، لأن الحضانة مشروعة لمصلحة الصغير، وسكناها عند من يبغضه يعرضه للأذى وإلحاق الضرر به، فلو فعلت ذلك ولم تخرج إلى بيت آخر سقط حقها.(6/69)
7- ألا تكون مرتدة عن الإسلام، فإذا كانت الأم مسلمة وارتدت عن الإسلام سقط حقها في الحضانة لأن المرتدة عند الحنفية تحبس حتى تعود إلى الإسلام أو تموت، ومثلُ هذه لا تستطيع القيام بأعمال الحضانة.
هذا ولا يشترط إسلام الحاضنة سواء كانت أماً أو غير أم، فالكتابية تستحق الحضانة لأن أساس الحضانة الشفقة على الصغير وهي متوفرة عند كل حاضنة ولا تأثير للدين في ذلك، ويبقى معها إلى أن تنتهي مدة الحضانة إلا إذا خيف عليه أن يتأثر بدينها أو أن يتعود تناول ما حرمه الإسلام من لحم الخنزير وشرب الخمر فإنه يؤخذ منها ويسلم لمن تستحق الحضانة بعدها.
شروط أهلية الحضانة للرجال:
يشترط في الحاضن من الرجال: أن يكون بالغاً عاقلاً قادراً على القيام بمصالح الصغير أميناً على تربيته كما يشترط في النساء.
ويزاد على ذلك: أن يتحد مع المحضون في الدين، لأن الحضانة نوع من الولاية على النفس، ولا ولاية مع اختلاف الدين، ولأن حق الرجال في الحضانة مبني على الميراث، ولا توارث مع اختلاف الدين، فلو كان للصغير قريبان في درجة واحدة واختلفوا في الدين تكون الحضانة لمن يوافقه في الدين.
هذا ومن كان له الحق في الحضانة رجلاً كان أو امرأة وسقط حقه لسبب من الأسباب ثم زال ذلك السبب يعود إليه الحق مرة ثانية.
والله تعالى أعلى وأعلم
ــــــــــــــ
حضانة الأم غير المسلمة ... العنوان
ما مدى حق الأم غير المسلمة في حضانة الولد ، ومدى ولاية الأب عند انفصالهما واختلاف دولة كل منهما ؟
... السؤال
09/09/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أعطى الإسلام حقَّ حَضانة الطفل لأمه سواء أكانت زوجيتها لأبيه قائمة أم لا ؛ لأنها امتدادٌ لحياته الأولى التي عاشها بين أحشائها وتغذى من دمائها ، ولا يَشترط الإسلام في الأم الحاضنة أن تكون مسلمة، فلو كانت كتابية كان لها حق الحَضانة؛ لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره.
ويبقى الولد في حَضانة الأم الكتابية حتى يبلغَ سِنَّ التمييز والإدراك، والتي يحتاج بعدها إلى رعاية الأب ، ويستمر حقها مع اختلاف الدين، إلا أن يَضُرَّ ذلك بدِين الطفل فيُنزَع من يدها.
وإذا كانت الحاضنة أمًّا فلها أن تَخرج إلى بلدها الذي يكون أهلها فيه وقد عُقِد زواجها فيه؛ لأن رضا الأب بالعَقْد فيه دليل ضمنيّ على أنه يَرضى لنفسه ولولده الإقامة فيه.(6/70)
ومن المصلحة تغليبَ حق الطفل في الحياة الصحيحة، لأنه هو المقصود الأساسيّ من تشديد الرابطة الزوجية المقدسة.
كما أن الصغير يتبع في الدين خيرَ الأبوين دينًا عند اختلافهما في الدين.
يقول الدكتور نصر فريد واصل ، مفتي مصر :
من المُقَرَّر شرعًا أن الإسلام أمر بالاهتمام بتنشئة الطفولة التنشئة الصالحة؛ لأن حياة الطفل في عمره الأول هي التي تُحَدِّد شخصيتَه، فأعطى حقَّ حضانته لأمه، سواء أكانت زَوْجِيَّتُها لأبيه قائمة أم لا، ولأنها امتداد لحياته السابقة التي عاشها بين أحشائها وتغذى من دمائها، ولأن الطفل في حياته الأولى يحتاج إلى خدمة النساء.
ولا يُشترط في الأم الحاضنة أن تكون مسلمة، فلو كانت كِتابية كان لها حق الحَضانة؛ لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره، فيبقى الولد في حَضانتها حتى يبلغ سِنَّ التمييز والإدراك، والتي يحتاج بعدها إلى رعاية الأب لتعليمه وتهذيبه واختيار أحب الأعمال إليه إن كان ذكرًا، أو صيانتها ورعايتها وتزويجها إن كانت أنثى، ولا يُنزَع منها الحَضانة إلا إذا خيف عليه أن يتأثر بدينها إن كانت غيرَ مسلمة؛ لأن الطفل قبل البلوغ يَتْبَع خيرَ الأبوين دينًا، فهو مسلم بإسلام أبيه، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه".
فيستمر حق الحَضانة ثابتًا لها مع اختلاف الدين إلا أن يَضرّ ذلك بدين الطفل فيُنزَع من يدها، ويتمثل في حالتين:
أولاً: إذا كان الطفل في سن التمييز ويَعقل الأديان ويَفهمها ويُخشى مِن تأثره بدينها إذا رآها تقوم بصلواتها وطقوسها الدينية غير الإسلامية.
ثانيًا: إذا ثَبَتَ أنها تحاول تَلْقينَه دينَها غيرَ الإسلاميّ وتعويدَه عاداتِه وتنشئتَه عليه، فيُنزَع في هذه الحالة من يدها، إذ تصبح غير أمينة عليه، والأمانة شرط من شروط الحَضانة.
ومن حق الأب عند ذلك أن يَرفع أمرَه إلى القضاء حتى يحصل عن طريقه على حقه في ضم الصغير بمُوجَب ما بين الدولتين من علاقات في مجال التعاون القضائيّ.
والأصل فيه ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثَدْيِي له سِقاءً ، وحِجْري له حِوَاءً، وإن أباه طلَّقني وأراد أن ينتزعَه مني! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتِ أحقُّ به ما لم تُنْكَحي".
ويُروى أن أبا بكر الصديق حكم على عمر بن الخطاب بعاصمٍ لأمه أم عاصم وقال: رِيحُها وشَمُّها ولطفُها خيرٌ من الشَّهْد عندك". رواه سعيد في سننه، ولأنها أقرب وأشفق عليه، ولا يشاركها في القرب إلا أبوه، وليس له مثل شفقتها، ولا يتولى الحَضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته، وأمه في هذه الحالة أولى به من امرأة أبيه. المُغْني (9 / 299)
كما أن ولاية الأب لا تتعارض مع حَضانة الأم، فلكل منهما دوره المُكَمِّل للآخر، فعلى الأب يقع عبء الإنفاق على الصغير عندما يكون في حِجْر أمه لقوله تعالى:(6/71)
(فإنْ أَرْضَعْنَ لكم فآتُوهُنَّ أُجورَهُنَّ) (الطلاق: 6) وعلى الأم أن تعطيَه من حنانها وعُمْق مشاعرها ودفء عاطفتها والعناية بشؤونه ما يُنَشِّئُه النشأة السوية الصالحة، وما يجعله نافعًا لدينه ودنياه ويبتعد به عن التعقيدات النفسية والرواسب المعنوية.
ولا ينبغي أن يُحْتَجَّ بحق الأب على حق الأم؛ لأن لكل منهما ولايةً لها مجالها واختصاصها ونطاقها التي تَعمل فيه، فلا تَعارُضَ بينهما، فالحَضانة امتزاج واتصال ومعايشة بين الأم ووليدها، والولاية على النفس امتداد بالوسائل التي فيها قِوام الحياة وإشراف وملاحظة بما للأب من قدرات تُخَوِّل له ذلك، فضلاً عن أن الحَضانة تكون في السنين الأولى التي تَعْقُب الولادة فهي تكون في سِنِّ الطفولة، والولاية وإن تزامَنَت معها فإنها تمتد إلى سنّ النمو البدنيّ والعقليّ حتى تنتهيَ بالطفل إلى سن البلوغ والرشد، فبينهما تَوَاصُل وتَكَامُل لا تباعُد وتنافُر، فليست إحداهما في مواجهة الأخرى بحيث لا يتأتى القيام بإحداهما إلا بالتضحية بالأخرى.
وإذا كانت الحاضنة غيرَ مُعْتَدَّة من طلاق ولا زَوْجِيَّتُها قائمة فإن الحاضنة إذا كانت أمًّا فلها أن تَخرج إلى بلدها الذي يكون فيه أهلها وقد عُقِدَ زواجها من أبي الطفل فيه؛ لأن رضاه بالعقد فيه دليل ضمنيّ على أنه يَرضى لنفسه ولولده الإقامة فيه.
وبما أنه قد ارتضى الإقامة في وطنها ووقر في ذهنه ما يترتب على ذلك من آثار، وهَيَّأ نفسَه معنويًّا لذلك، وافترض كلَّ احتمال، كتَمَسُّك الزوجة بمُوجَب عقد الزواج بعدم تركها لوطنها والنزوح إلى بلد زوجها، فإذا امتنعت عن إجابة مَطلبه من الإقامة في وطنه هي وأطفالها كان لها الحق في ذلك، وليس لها أن تنتقل إلى بلد لم يكن عقد زواجها فيه، أو لم يكن بَلَدَها إلا برضا الأب وليّ الصغير، كذلك ليس لها أن تنتقل به إلى بلدها إذا لم يكن عُقِدَ عليها فيه، ولا إلى البلد الذي عُقِدَ عليها فيه إذا لم يكن في الأصل بلدها "الأحوال الشخصية للإمام أبي زهرة ص 412".
وإذا كان الذي يريد أن يسافر بالصغير أباه، فإن كانت حاضنته هي أمه أو غيرها فليس له أن يخرج به عن البلد الذي تقيم فيه حاضنته؛ لأن في خروجه بالصغير من بلد الحاضنة تفويتَ حقها في حضانته وتفويتَ حق الصغير بحرمانه من حنان الحَضانة.
نعم، لو سقط حق أمه في حضانته، بأن تزوجت أجنبيًّا عنه، أو زالت عنها الشروط الشرعية للحَضانة، ولم يكن في البلد الذي تقيم فيه امرأة من محارم الصغير تَصْلُح للحَضانة، كان لأبي الصغير أن يخرج به من البلد الذي تقيم فيه أمه إلى البلد الذي تقيم فيه مَن ينتقل إليها حق حضانته شرعًا.
ومتى زال السبب الذي من أجله سَقَطَ حقُّ أم الصغير في حَضانته وجب على الأب أن يُعيدَه إليها في المكان الذي تقيم فيه "الأحوال الشخصية، محيى الدين عبد الحميد ص 405".
وفي موضوع السؤال، بما أن الخلاف قد دَبَّ بين طرفي هذه الأسرة واستمسك كلُّ طرف بمبادئه ولم ينزل أي منهما على رأي الآخر، فلا يجوز شرعًا للأب الافتياتُ والتعدّي على حق الأم الحاضنة وسَلْبُ حضانتها عن مَحْضونها الشرعيّ بأية وسيلة من الوسائل غيرِ المشروعة، كالهرب به من موطن الزوجة إلى بلد آخر غيره أو خطفه، لأن هذا المسلك المَعيب لا يقوم عليه دليل ولا تقوم به حُجَّة، ولأن فيه(6/72)
إهدارًا لحق مُقَرَّر من قِبَل الشرع للحاضنة والطفل على حد سواء لقوله تعالى: (لا تُضَارَّ والدةٌ بولدِها.. ) (البقرة: 233) ولأن الطفل في مراحل عمره الأولى من حق أمه حتى بلوغه سِنَّ التمييز والإدراك. كما لا يجوز للحاضنة أن تَحْرِمَ الأب من حقه في رؤية طفله والتردد عليه لمتابعة شؤونه والاطمئنان على حُسْن تنشئته واستقامته على الطريق السليم وعدم تلقينه مبادئَ تُناقض تعاليمَ دينه، لقوله تعالى: (لا تُضَارَّ والدةٌ بولدِها ولا مولودٌ له بولدِه) (البقرة: 233).
وبناء على ما سبق فإنه لا يمكن مصادرة حق الأم في الحَضانة لحساب الأب في الولاية على النفس؛ لأن هذه الولاية هي التي يمارسها الأولياء في شأن الصغار ليُتَمِّموا بها أعمالاً بدأتها الحاضنة من النساء في مجال رعايتهم.
ولأن من المصلحة تغليبَ حق الطفل في الحياة الصحيحة؛ لأنه هو المقصود الأساسيّ من تشديد الرابطة الزوجية المُقَدَّسة لعدم الحرمان أو التِّيه والضياع، وهذا هو المُعَوَّل عليه والمعمول به في الفقه الحنفيّ في الإفتاء.
ولأن الطفولة أو الصِّغَر في مرحلة ما قبل التمييز هي المَناط في استحقاق الأم للحَضانة وحماية الطفل في التنشئة، فلا يجوز للأب الاعتداء على حقها وسلب حضانتها إلا إذا أثبت الوليُّ بالبينة الشرعية خروجَ الحَضانة عن حدود ولايتها الشرعية إلى الدرجة التي يتحقق منها الإضرار بالصغير المحضون ضررًا مُحَقَّقًا يَتعلق بذاته أو بدينه أو بخُلُقه الذي يُوجِبه الإسلام وتشريعه خير الأديان السماوية جميعًا وخاتمها، والمُتَمَّم بكل مكارمها الدينية والدنيوية على حد سواء.
والقاعدة الشرعية والفقهية أن الصغير من حيث الدين يَتْبَع خيرَ الأبوين دينًا عند اختلافهما في الدين.
وهذا بطبيعة الحال مُتَصَوَّر مع الأب المسلم والأم غير المسلمة، وليس العكس بالإجماع والاتفاق بين فقهاء المذاهب الفقهية الإسلامية.
وفي هذه الحالة يكون من حق الوالد أو الوليُّ الشرعيّ الاعتراضُ على طلب تنفيذ حكم الضَّمِّ إلى الأم الحاضنة الصادر من الدولة الأجنبية؛ لأن الضَّمَّ في هذه الحالة سوف يؤدي إلى الإضرار بالمحضون بناءً على التنشئة الشرعية التي أبانت هذا الضرر، ومصلحة المحضون الشرعية يجب مراعاتها في جميع الأحوال حتى يستقلَّ بنفسه وتزول عنه ولاية غيره بتمام البلوغ الشرعيّ عاقلًا.
فإذا لم يُثْبِت الأب أو الوليُّ بالطرق الشرعية والقانونية خروجَ الأم عن ولايتها الشرعية للصغير المحضون فلا حقَّ له في الاعتراض أو المنع، وعلى الجهات المختصة إجابةُ الأم إلى طلبها في الحَضانة وتمكينُها من مَحضونها شرعًا وقانونًا، وإجابةُ طلبها بتذييل الحكم الأجنبيّ بالصيغة التنفيذية التي تُمَكِّنُها من ضمِّ وليدها ومغادرةِ البلاد بصُحْبة أطفالها المشمولِين بولايتها وحضانتها الشرعية، وذلك مع مراعاة المعاملة بالمِثْل ووضع القواعد القانونية والضوابط والاتفاقات الدولية التي تُنَظِّم ذلك من الناحية الشرعية والقانونية والموضوعية والإجرائية والتنفيذية.
والله أعلى وأعلم.
ــــــــــــــ
مكان الحضانة ، وحكم انتقال الحاضن أو الولي ... العنوان(6/73)
فضيلة الشيخ ـ حفظه الله تعالى ـ في حالة وجود طفل أو طفلة في حضانة والدته المطلقة وأراد والد الطفل أو الطفلة السفر إلى بلده الأصلي للاستقرار فيه ، فهل يحق له أن يأخذ ابنه أو ابنته معه ، أي أن يأخذ حق الحضانة من الأم بصفتة الولي الشرعي وهو الذي يدفع النفقه الشرعية للطفل والأم .
... السؤال
26/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الجمهور يفرقون بين سفر ولي الصبي ( الأب أو من قام مقامه ) إلى مكان يتخذه موطنا جديدا ، وبين سفره لزيارة أو تجارة بحيث يعود إلى موطنه الأصلي دون الانقطاع عنه والاستيطان في بلد آخر : فيقولون بأن السفر المؤقت الذي بعده عودة لا يسقط حضانة الأم ، وأما سفر الانقطاع عن البلد فيسقطها إذا كان الطريق آمنا ، ولم يكن الموطن الجديد دار حرب أو بلد فسق ، أو قريبا من موطن الأم بحيث يمكنه رؤية ولده .
واشترط الحنابلة أن لا يكون قصد الأب أو الولي من تغيير السكن هو الإضرار بالأم ، وإلا لا تسقط حضانتها.
ولكن الحنفية يرون أن سفر الأب أو الولي الذي قام مقامه لا يسقط حضانة الأم سواء كان سفرا مؤقتا أم انقطاعا عن سكنه ، وسواء كان سفرا قريبا أم بعيدا.
و نحن نرجح رأي الحنفية ، لأنه هو الأقرب للعدل ، والأحوط لعدم مضارة الولي للأم الحاضنة .
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
مكان الحضانة هو المسكن الذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمه وهي في زوجية أبيه ، أو في عدته من طلاق رجعي أو بائن . ذلك أن الزوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم ، والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية حتى تنقضي العدة سواء مع الولد أو بدونه ، لقوله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .
وإذا انقضت عدة الأم فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه والد المحضون أو وليه ، وكذلك إذا كانت الحاضنة غير الأم ، لأن للأب حق رؤية المحضون ، والإشراف على تربيته ، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب أو الولي . هذا قدر مشترك بين المذاهب ، وهو ما صرح به الحنفية وتدل عليه عبارات المذاهب الأخرى .
أما مسألة انتقال الحاضن ، أو الولي إلى مكان آخر ففيه اختلاف المذاهب ، وبيان ذلك كما يلي : يفرق جمهور الفقهاء - المالكية والشافعية والحنابلة - بين سفر الحاضنة ، أو الولي للنقلة والانقطاع ـ أي تغيير محل الإقامة ـ والسكنى في مكان آخر ، وبين السفر لحاجة كالتجارة والزيارة :(6/74)
فإن كان سفر أحدهما ( الحاضنة أو الولي ) للنقلة والانقطاع سقطت حضانة الأم ، وتنتقل لمن هو أولى بالحضانة بعدها بشرط أن يكون الطريق آمنا ، والمكان المنتقل إليه مأمونا بالنسبة للصغير ، والأب هو الأولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ، لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير ، وحفظ نسبه ، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع ، لكن قيد الحنابلة أولوية الأب بما إذا لم يرد مضارة الأم وانتزاع الولد منها ، فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ، بل يعمل ما فيه مصلحة الولد . وإن سافرت الأم مع الأب بقيت على حضانتها .
وإن كان السفر لحاجة كتجارة وزيارة كان الولد مع المقيم منهما حتى يعود المسافر ، وسواء أكان السفر طويلا أم قصيرا ، وكذا يكون الولد مع المقيم لو كان الطريق أو المكان المنتقل إليه غير آمن في سفر النقلة والانقطاع . هذا قول الجمهور .
أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أنه لا يجوز للأم الحاضنة التي في زوجية الأب أو في عدته الخروج إلى بلد آخر ، وللزوج منعها من ذلك .
أما إن كانت منقضية العدة فإنه يجوز لها الخروج بالمحضون إلى بلد آخر في الأحوال الآتية :
1 - إذا خرجت إلى بلدة قريبة بحيث يمكن لأبيه رؤيته والعودة في نهاره على ألا يكون المكان الذي انتقلت إليه أقل حالا من المكان الذي تقيم فيه حتى لا تتأثر أخلاق الصبي .
2 - إذا خرجت إلى مكان بعيد مع تحقق الشروط الآتية :
أ - أن يكون البلد الذي انتقلت إليه وطنها .
ب - أن يكون الزوج قد عقد نكاحه عليها في هذا البلد ـ أي : تزوجها فيه .
ج – ألا يكون المكان الذي انتقلت إليه دار حرب إذا كان الزوج مسلما أو ذميا . فإذا تحققت هذه الشروط جاز لها السفر بالمحضون إلى هذا المكان البعيد ، لأن المانع من السفر أصلا هو ضرر التفريق بين الأب وبين ولده ، وقد رضي به لوجود دليل الرضا وهو التزوج بها في بلدها لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه ، والولد من ثمرات النكاح فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد ، فكان راضيا بالتفريق ، وعلى ذلك فليس لها أن تنتقل بولدها إلى بلدها إذا لم يكن عقد النكاح ـ أي الزواج ـ قد وقع فيه ، ولا أن تنتقل إلى البلد الذي وقع فيه عقد النكاح إذا لم يكن بلدها ، لأنه لم يوجد دليل الرضا من الزوج ، فلا بد من تحقق الشرطين ، واعتبر أبو يوسف مكان العقد فقط . أما شرط ألا يكون المكان حربيا إذا كان الزوج مسلما أو ذميا فلما في ذلك من إضرار بالصبي لأنه يتخلق بأخلاق الكفار .
هذا إذا كانت الحاضنة هي الأم فإن كانت غيرها فلا يجوز لها الخروج بالصغير إلى أي مكان إلا بإذن الأب لعدم العقد بينهما .
كما يرى الحنفية أنه ليس للأب أو الولي أخذ الصغير ممن له الحضانة من النساء والانتقال به من بلد أمه بلا رضاها ما بقيت حضانتها قائمة ، ولا يسقط حقها في الحضانة بانتقاله ، وسواء أكان المكان الذي ينتقل إليه قريبا أم بعيدا . (انتهى).
وعليه : فأخذا برأي الحنفية ، وترجيحا منا له لا يجوز للأب أن يأخذ ولده من حضانة أمة ما دامت الحضانة قائمة .(6/75)
ولكن يمكن من رؤية ولدة متى شاء دون إرهاق للأم .كأن يسافر إليه فيراه ، وإن تيسر للأم أن تسافر قريبا من الأب فهو أفضل ، ليقوم الأب بالإشراف على ولده .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
حق الحضانة للزوجة طالبة الطلاق ... العنوان
عند طلب المرأة للطلاق لمن يكون حق حضانة البنات والأولاد? هل للأم الحق في حضانة بنات يبلغن من العمر 14 و 17 سنة? وهل لها الحق في حضانة ابن يبلغ 6 سنوات ؟
وهل يسقط حقها لو تزوجت من رجل آخر؟
جزاكم الله خيرا
... السؤال
31/03/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله واله ومن والاه وأما بعد :
إذا طلبت المرأة الطلاق فإن رضي الزوج أن تكون الحضانة للبنات والأولاد مع أمهم فله ذلك ، وإن لم يوافق الزوج على هذا الأمر فتبقى الحضانة حقا للمرأة حتى يبلغ هؤلاء الاولاد والبنات سنا معينا ، شرعا هو سن البلوغ لكن بعض قوانين الأحوال الشخصية تضعه إلى نهاية سن الحضانة ويراعى في ذلك قانون الأحوال الشخصية في كل بلد
لأن حق الحضانة يقرر بإذن الحاكم في المحاكم الشرعية وهذا راجع إلى قانون الأحوال الشخصية في كل بلد
أما إذا تزوجت رجلا آخر فيسقط حقها في حضانة الأولاد والبنات إلا إذا وافق الزوج الأول على حضانة أولاده وبناته القصر في ظل رجل آخر ، وما أظن ذلك يوافق عليه الزوج الأول .
والله تعالى أعلم
ــــــــــــــ
ارتداد الحاضنة ... العنوان
هل يشترط (الإسلام) لحاضنة الأطفال ؟ وما حق الزوجة المرتدة في الحضانة؟
... السؤال
06/11/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد(6/76)
لا يتشرط فى حاضنة الولد المسلم أن تكون مسلمة، بل يثبت لها هذا الحق ولو كانت غير مسلمة، لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره متى كانت أهلاً لذلك بأن كانت بالغة عاقلة أمينة على الصغير قادرة على تربيته ورعايته، وأن لا تكون متزوجة بغير ذى رحم من الصغير، وأن لا تعيش به مع من يبغضه، ويبقى الولد فى يدها إلى سن التمييز فإذا بلغ من السن حدًا يعقل فيه الأديان ويميز الطقوس والعبادات وخيف عليه أن يألف ديانتها ويتعود أعمال عبادتها ينزع من يدها قبل سن التمييز والمرتدة ليست أهلاً للحضانة لأن جزاءها الحبس حتى تتوب أو تموت، فلا تصلح لحضانة الطفل وتربيته ما بقيت على ردتها، ولأنها برجوعها عن الإسلام تكون مبغضة لدين الطفل المسلم ولا تؤمن أن توجهه إلى غير الإسلام فينزع من يدها محافظة عليه .
والولد يتبع خير الأبوين دينًا .
والله أعلم .
ــــــــــــــ
حضانة الأم غير المسلمة للطفل المسلم ... العنوان
طفلة عمرها عامان من أب مسلم عربي وأم نصرانية غربية؛ اتفق الوالدان على ترك البلد الغربي ؛ ولكن الأم رجعت في اتفاقها ولم تستطع الحياة فى البلد العربي فرجعت وتريد أخذ الطفلة؛ فمن أحق بالحضانة؟
... السؤال
11/07/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الأحق بحضانة الولد مادام فى مدة الحضانة ذكرا كان أو أنثى أمه من النسب لا من الرضاع لأنها أكثر الناس حنانا عليه وأشفقهم به لذلك تراها تسهر لسهره وتجزع لمرضه وذلك بمقتضى الفطرة التى فطر الله الناس عليها واختلاف الدين لا يؤثر على حق الحاضنة لأن مبنى الحضانة على الشفقة الطبيعية وهى لا تختلف باختلاف الدين فالمنصوص عليه أن الذمية ( يهودية كانت أو مسيحية أو وثنية أو مجوسية ) أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان أو يخشى عليه أن يألف الكفر ولو لم يعقل الأديان ومقتضاه أنه إذا خيف أن يألف الكفر انتزع منها بحكم القاضى فالحاصل أن الحاضنة الذمية ( غير المسلمة ) أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان ولم يخف عليه أن يألف عقائد وعادات غير المسلمين فان خشى عليه ما ذكر لم يكن للحاضنة غير المسلمة حق فى حضانتها إياه وكان الأمر فى حفظه مفوضا لرأى القاضى ما لم توجد حاضنة لا يترتب على حضانتها إياه شئ مما ذكر لأن الولد المسلم إنما يحضنه من لا يخشى عليه منه لا فى شخصه لا فى دينه ولا فى خلقه وسلوكه وفى واقعة السؤال يكون الحق فى حضانة الصغيرة لأمها المذكورة ما لم يخش على تلك(6/77)
الصغيرة أن تألف عقائد وعادات غير المسلمين فإن خيف عليها ذلك انتقل الحق فى حضانتها إلى جدتها لأبيها
والله أعلم
ــــــــــــــ
حقوق الأبناء في الإسلام ... العنوان
هل للأطفال حقوق واضحة في الإسلام؟
... السؤال
... ... الحل ...
...
... نعم، الأطفال هم نسل الإنسان وحفظ النسل من الضروريات في التشريع الإسلامي، فللأطفال حقوق في الحياة الكريمة، وللأطفال حق في النسب والاسم الطيب، ولهم حق في الحضانة والرضاعة، ولهم حق في التربية والتنشئة السليمة، وكثير من الحقوق مذكورة في باب الزواج في كتب الفقه الإسلامي، لا يمكن استيفاؤها مرة واحدة، ويمكن الرجوع إلى كتاب تربية الأولاد في الإسلام وهو كتاب جامع
ــــــــــــــ
تربية الأبناء في الإسلام ... العنوان
كيف نظر الإسلام إلى تربية الأطفال في الإسلام؟ ... السؤال
أ.د. جمال الدين عطية ... المفتي
... ... الحل ...
...
... يهتم الإسلام بتربية الأطفال؛ لأنهم جيل المستقبل، وتبدأ العناية بهم من العناية بالأسرة التي هي المحضن الأول والبيئة الطبيعية لرعايته وتربيته؛ ولذلك ينبغي المحافظة على الأسرة وعدم فصل الطفل عن والديه أو أحدهما
والوالدان مسئولان أساسا عن تربية الأطفال، ويأتي دور المدرسة والمجتمع بمؤسساته، ومن بينها الدولة بوسائل الإعلام والثقافة المختلفة لدعم هذا الدور
الطفل في مراحله الأولى يكون بحاجة إلى الرضاعة الطبيعية من أمه، ويكون بحاجة إلى الحضانة والعناية الصحية، هذا فضلاً عن ضرورة التدرج في تربيته الخُلقية والدينية وفقاً للمرحلة العمرية التي يمر بها
ومن واجب الأسرة منذ نعومة أظفار الطفل أن يلقى المعاملة الحانية بما يشعره بالدفء العائلي والأمان في محيط الأسرة، كما ينبغي على الوالدين العدل بين الأطفال في العطاء والحنان والبسمة والكلمة
ومن حق الطفل كذلك أن تتاح له أوجه الراحة، ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه
كما ينبغي تعليم الطفل قواعد الإيمان، وتدريبه على عبادة الله وطاعته وتأديبه بأدب الإسلام ومكارم الأخلاق(6/78)
ومن مظاهر تربيته الخلقية: تجنيبه مجالس اللهو الباطل، وسماع الفحش واللغو، وكذلك تربيته على البذل والعطاء وعلى أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وتجنيبه الكسل والبطالة، وتعليمه مضار الشهوات المحرّمة ومضار التدخين والمسكرات والمخدرات، وتوجيهه إلى الرياضة المفيدة والقراءة النافعة
كما ينبغي أن ينشأ على طاعة والديه، وحسن معاملتهما والبر بهما والإنفاق عليهما إذا احتاجا، والدعاء لهما والاستغفار بعد وفاتهما، وإكرام صديقهما وإنفاذ عهدهما، وصلة رحمهما وتوقير الكبير والرحمة للصغير، وعلى حب الخير للناس والتعاون معهم
ينبغي أن تهدف تربية الطفل إلى تنمية شخصيته ومواهبه وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها بما يمكنه من أداء رسالته في الحياة
كما ينبغي أن يكون تخطيط التربية منطلقا من إعطاء الطفل في سن التعليم الابتدائي الإلزامي ما يعتبر فرض عين على الجميع، وتطوير أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني لتغطية احتياجات المجتمع التي هي بمثابة فروض كفاية
وعلى وجه العموم.. ينبغي توعية الطفل بحقائق الوجود الكبرى من خالق مدبر، وكون مسخر، وإنسان ذي رسالة، وحياة ابتداء في الدنيا تمهيداً لحياة جزاء في الآخرة
ــــــــــــــ
انتقال الحاضنة بالصغير إلى خارج الموطن
المفتي
حسونة النواوى .
صفر 1314 هجرية
المبادئ
1- الطلاق البائن لا يعقب الرجعة ولو صادقته على ذلك .
2- التصادق على بينونة الطلاق والوضع بعده موجب لانقضاء العدة به .
3- انتقال الحاضنة بالصغير من وطنها ومحل العقد عليها إلى جهة بعيدة تعتبر خارجة عن ضواحى وطنها الأول مسقط لحقها فى نفقته وأجر حضانته وإرضاعه .
ولا تعتبر منتقلة إذا كان ذلك إلى بلد من ضواحى بلدها الأول
السؤال
بإفادة من نائب محكمة دمياط مؤرخة مضمونها أنه لحصول الاشتباه عنده فى فتوى صحة مفتى دمياط على صورة المرافعة طيه يرغب الاطلاع عليها والإفادة بما يلزم نحوها شرعا ومضمون صورة المرافعة المذكورة المقيدة بالمحكمة فى 21 محرم سنة 1314 صدور الدعوى الشرعية بعد التعريف الشرعى من الشيخ ز .
أ. بوكالته عن الست ف م فى الدعوى والطلب والمرافعة والمخاصمة لها وعليها فى أمور زوجيتها مع المدعى عليه الآتى ذكره فيه وفى كل شىء يصح فى التوكيل شرعا مما يتعلق بذلك الوكالة العامة المقبولة الثابتة المقيدة بهذه المحكمة فى 7 سنة 1314 على م ع التاجر المكلف الرشيد ابن ع .(6/79)
بأنه كان زوجا للموكلة المذكورة تزوجها بنكاح صحيح شرعى ودخل عليها وعاشرها معاشرة الزواج وأنه كان طلقها طلقة أولى بائنة ثم راجعها وعاشرها بدون عقد معاشرة الأزواج ثم طلقها طلقة ثانية بأن قال زوجتى ف م طالق بتاريخ 10 محرم المرقوم وفى أثناء المعاشرة رزق منها هذا المدعى عليه بولد اسمه ح .
وضعته فى شهر رمضان سنة 1313 وأنه تارك لها ولولدها المرقوم بدون نفقة ولا منفق ولا مائدة له وأن هذا الوكيل المدعى طالبه بفرض نفقة عدة لها ونفقة لولده المذكور وأجرة لوضاعه وحضانته ومسكن يليق لهما وخادم يخدمها ويخدم ولدها المذكور فامتنع من ذلك بدون وجه شرعى وأنه يطالبه الآن بذلك ويسأل سؤاله وجوابه عن ذلك .
وبسؤاله عن ذلك أجاب معترفا بالتوكيل المذكور وبأن ف .
المذكورة لم تكن موجودة بهذا الثغر لا هى ولا ولدها بل متغيبة بجهات الغربية وأنها لا نفقة لها عنده لأنها بائنة منه بينونة صغرى وانقضت عدتها بالوضع وعند حضورها بالثغر وولدها يصير التكلم فيما يلزم والوضع المذكور هو حسين المذكور بالدعوى وأن الطلاق البائن المذكور صدر منه وهى حامل به وأن فريدة المذكورة كانت زوجة له تزوجها بنكاح صحيح شرعى بدمياط وبسؤال هذا المدعى عما أجاب به هذا المدعى عليه بأن الطلاق البائن الأول الذى صدر من هذا المدعى عليه كان بالحرام وقع عليه من الموكلة المذكورة وراجعه بالقول بدون عقد قبل وضعها للولد حسن المذكور ثم عاشرها بالرجعة بالمذكورة معاشرة الأزواج حتى طلقها فى 10 محرم المذكور والطلاق المذكورة فى الدعوى وبسبب معاشرته لها بالرجعة المذكورة لم تنقض عدتها منه ولم تزل فى عدته بالطلاق الثانى الواقع بعد الرجعة المرقومة وأن الجهة المتغيبة بها الموكلة المذكورة هى رأس البر بالبر الغربى المتوصل إليها برا من السنانية التابعة لمركز شربين غربية وبحرا من دمياط وأنها محل لإقامة الموسرين فى زمن الصيف لجودة الهواء بها والمسافة بينها وبين دمياط ساعة ونصف بالسير المعتاد وبعرض هذه الدعوى على حضرة مفتى دمياط أجاب بقوله حيث إن المدعى الوكيل صدق المدعى عليه على سبق طلاقه لزوجته الموكلة المذكورة طلاقا بائنا بينونة صغرى وأنها وضعت بعده الولد ح .
المذكور فلا تستحق عليه نفقة عدة ويفرض لها نفقة للولد المذكور وأجرة لرضاعته وحضانته وإقامتها برأس البر لا يمنع من ذلك وبتفهيم المدعى عليه والمدعى فتوى المفتى المذكورة قال المدعى عليه إنه ليس ملزما بشىء لسقوط حضانة الموكلة المذكورة لولده المذكور لكونها خرجت به من غير إذنه من هذا المصر محل توطنها والعقد عليها ومقيمة برأس البر غريبة التى لا يرضى الإقامة بها كل دين وأن بينه وبين ولده المذكور بحار ومسافة طويلة لا يمكنه أن يراه ويتعهده كل يوم ورغب عرض ذلك على حضرة مفتى الديار
الجواب
صار الاطلاع على إفادة حضرتكم المسطورة بمينه وعلى صورة المرافعة المرفقة بها على ما كتبه عليها حضرة مفتى طرفكم والذى ظهر أن العدة من الطلاق الأول(6/80)
البائن قد انقضت بوضع الحمل لتصادق المتداعيين على ذلك ولا عبرة بالرجعة ولا بالطلاق الثانى بعد وضع الحمل وحينئذ فلا وجه لمطالبة المطلق من الوكيل المدعى بنفقة العدة .
وأما نفقة الولد وأجرة الرضاع والحضانة فليس للمطلقة حق المطالب بها ما دامت انتقلت به من دمياط الذى هو وطنها ومحل العقد عليها إلى جهة رأس البر متى كانت خارجة عن ضواحى دمياط لأنها حينئذ ليست وطنها الذى عقد عليها فيه أما إذا كانت فى ضواحيها فلا تعد منتقلة ويكون لها حق المطالبة بما ذكر
ــــــــــــــ
أولوية حضانة العمة الشقيقة للصغيرة عن العمة للأب
المفتي
حسونة النواوى .
ربيع الثانى 1314 هجرية
المبادئ
أذا اجتمعت العمة الشقيقة مع العم لأب فالحضانة للعمة الشقيقة متى توفرت شروط الحضانة فيها
السؤال
توفى رجل عن بنت تبلغ من العمر سبع سنين وستة أشهر تقريبا وعن ابنين هما أخوان للبنت المذكورة من أبيها فقط .
أحدهما رشيد وهو الأكبر والآخر معتوه محجور عليه وهذه البنت ليس لها أم ولا أقارب من جهة الأم وليس لها من جهة الأب إلا الأخوان المذكوران وعمتان إحداهما شقيقة وخالية من الزواج والأخرى لأب ومتزوجة بزوج ليس بمحرم للبنت المذكورة .
فمن الأحق بحضانة البنت المذكورة من المذكورين وإلى متى تستمر الحضانة وبعدها من الذى يضمها إليه
الجواب
إذا كان الحال ما ذكر بالسؤال فحضانة البنت المذكورة تكون لعمتها الشقيقة المذكورة حيث كانت أهلا لذلك وتستمر حضانتها حتى يكمل لها تسع سنين ومتى انتهت هذه المدة تدفع للأقرب من العصبات بحيث لا يكون غير محرم .
واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
حضانة
المفتي
حسونة النواوى .
جمادى الآخرة 1314 هجرية
المبادئ
1- زواج الحاضنة بأجنبى عن الصغير مسقط لحقها فى الحضانة وتنتقل بعد ذلك إلى صاحب الحق فيها من النساء متى كانت صالحة لها وقادرة عليها .(6/81)
2- ليس لغير الأم من الحاضنات نقل الصغير من بلد الأب إلى بلد أخرى بدون إذنه إذا تفاوتت البلدتان
السؤال
رزق رجل بولد من زوجته ثم طلقها وتزوجت هى بأخر بعد وفاء العدة .
فلمن تكون حضانة الولد بعدها إذا كانت والدته على قيد الحياة ( أى جدة الولد لأبيه ) وهل للحاضنة دون الأم التغيب بولده بدون إذن أبيه أم لا
الجواب
الذى يقتضيه الحكم الشرعى أنه إذا تزوجت الأم الحاضنة أجنبيا من الصغير يسقط حقها فى الحضانة وتكون الحضانة بعدها لأمها وإن علت حيث كانت صالحة للحضانة قادرة عليها لم يقم بها مانع ثم لأم الأب كذلك وليس لغير الأم من الحضانات نقله من بلد الأب إلى بلدة أخرى بدون إذن أبيه ورضاه إذا تفاوت البلدان .
واللّه تعالى أعلم
ــــــــــــــ
حضانة صغيرة توفيت أمها
المفتي
حسونة النواوى .
شعبان 1315 هجرية
المبادئ
1- حضانة البنت تكون لخالتها البكر ولو طلبت أجرا عليها من مال البنت .
2- لا حق للخالة المتزوجة بأجنبى عن البنت المذكور ولو طلبت حضانتها مجانا
السؤال
فى إبنة صغيرة لا يزيد عمرها عن أربع سنوات توفيت أمها وتركت لها مالا هو تحت يد أبيها وللبنت المذكورة خالتان شقيقتان إحداهما بالغة متزوجة بأجنبى من البنت المذكورة والثانية بكر بالغة خالية من الأزواج ساكنة مع أبيها جد الصغيرة المذكورة وقد طلبت خالتها المتزوجة أن تحتضنها مجانا وطلبت خالتها الثانية الخالية عن الزواج أن تحتضنها بأجر من مالها وليس هناك من النساء من يقدم فى الحضانة عليهما .
فهل والحال ما ذكر تكون حضانة الصغيرة المذكورة لخالتها البكر الخالية عن الأزواج وإن طلبت أجر المثل على ذلك أو أن تكون لخالتها المتزوجة بأجنبى عنها المتبرعة بالحضانة
الجواب
متى كان الحال ما ذكر بالسؤال تكون حضانة الصغيرة المذكورة لخالتها البكر الخالية عن الزواج حيث كانت صالحة قادرة على حضانتها وتربيتها وإن طلبت أجر المثل على ذلك .
ولا حق لخالتها المتزوجة بأجنبى منها فى حضانتها المذكورة وإن كانت متبرعة بها .(6/82)
واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
سقوط حق الحضانة
المفتي
حسونة النواوى .
صفر 1314 هجرية
المبادئ
1- يقسط الحق فى الحضانة بمجرد نكاح الحاضنة غير محرم للصغير سواء دخل بها أم لا .
2- يعود هذا الحق إليها بالفرقة البائنة لزواج المانع كالزوجة الناشز تسقط نفقتها ثم تعود بعودتها إلى منزل الزوجية .
3- لا يبطل فرض أجرها بعد زوال المانع بل يستمر ولا يحتاج إلى تجديده بعد الطلاق البائن .
4- نفقة الصغير تستمر أيضا ولا يحتاج إلى تجديدها بعد الفرقة المذكورة
السؤال
بإفادة من وكيل مديرية أسيوط مؤخرة 25 محرم سنة 1316 مضمونها الأوراق الخاصة بتحصيل النفقة وأجرة الحضانة والسكن المستحقة على م س من أسيوط لابنه القاصر من مطلقته ص م الواردة للمديرية بمكاتبة مأمورية البندر المرسلة مع هذا بما فيها فتوى مفتى المديرية للنظر والإفادة بما يتبع وصورة الفتوى المذكورة المؤرخة فى 10 محرم 1316 المحررة من المفتى المذكور لمأمور البندر المذكور علمت إفادة حضرتكم الواردة للمحكمة فى 28 - 5 - 1898 المرغوب بها الإفادة عما يقتضيه الوجه الشرعى فى أجرة الحضانة والمسكن والنفقة المقررة على من يدعى م س لابنه م ث القاصر من مطلقته ص م الحاضنة لابنه المذكور والذى نفيد حضرتكم به أن أجرة الحضانة تعود بمجرد الطلاق البائن بدون حاجة إلى تقدير جديد قياسا على أجرة الرضاع .
ففى رسالة الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة للعلامة ابن عابدين ما نصه ولم أر أيضا ما إذا جعل القاضى لها أى للأم أجرة الحضانة من مال اليتيم وأقر الوصى بدفعها للأم فتزوجت واستمرت تحضنه عند الزوج هل يبطل فرض القاضى أم لا حيث لم يتعرض من له حق الحضانة بعدها للحضانة والظاهر من تسميتهم لها أجرة أن لا يبطل الفرض لأنه بمنزلة تعيب العين المؤجرة وهذا عند من يقول بجواز الأجرة عليها والظاهر أنه الأصح ولذلك أفتى به قارئ الهدية انتهى .
وأما نفقة الصغير فى المقررة فلا يظهر أن تقريرها يبطل بزواج أمه بل ينتقل إلى من بعدها فى الحضانة ويعود إليها بمجرد طلاقها المذكور هذا ما يقتضيه النظر فى كلام الفقهاء واللّه سبحانه وتعالى أعلم
الجواب
صار الاطلاع على إفادة عزتكم المسطورة يمينه وعلى ما أفتى به المرحوم مفتى المديرية بشأن الحضانة والنفقة المنوه عنهما بهذه الإفادة وعلى باقى الأوراق(6/83)
المتعلقة بذلك والذى يقتضيه الحكم الشرعى فى ذلك أن الحاضنة تسقط حضانتها بنكاح غير محرم الصغير أى النسبى سواء دخل بها أولا وتعود لها الحضانة بالفرقة البائنة لزوال المانع كالناشز تسقط نفقتها ثم إذا عادت إلى منزل الزوج تجب وبعد زوال هذا المانع لا يبطل فرض الحضانة بمعنى أنه لا يحتاج إلى تجديده بعد الفرقة البائنة لأن كلامهم فى سقوط المفروض لا الفرض كما استظهره العلامة ابن عابدين وكذا نفقة الصغير فإنها لا تحتاج إلى تجديد فرضها بعد الفرقة المذكورة واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
حضانة
المفتي
محمد عبده .
شعبان 1317 هجرية
المبادئ
يراعى فيمن يقوم بتربية الصغار القدرة على حفظ أبدانهم وصيانة عقائدهم وآدابهم إذا عقلوا سواء كان من جهة النساء أو العصبة
السؤال
رجل أراد أخذ بنته من الحاضنة لانتهاء مدة الحضانة المقررة شرعا فادعت عليه الحاضنة بأنه غير أهل لتربيتها وحفظها فهل إذا ثبت ما تدعيه الجدة الحاضنة على الأب وكانت هى قادرة على حفظ البنت تبقى البنت عندها ولا يجاب الأب إلى طلبه
الجواب
الذى تقتضيه القواعد الفقهية فى كفالة الصغار وتربيتهم أن يراعى فيمن يقوم عليهم من الأقارب القدرة على حفظ أبدانهم وصيانة عقائدهم وآدابهم إذا عقلوا فقد صرحوا فى الحضانة إذا فقدت الأم أو لم تصلح للقيام بشئون صبيتها تنتقل العصبة الأقرب فالأقرب واستثنوا من العصبة الفاسق والماجن وكذلك قالوا فيمن مضى عليه سن الحضانة ولكن لم يبلغ من العقل والقدرة على صون نفسه ما يسمح بتركه يسكن حيث يحب إن للأولياء حق ضمه وشرطوا فى ذلك أن لا يكون الولى مفسدا يخشى منه على من يريد ضمه وبالجملة فإن الشريعة تطلب دائما صون الأبدان والأرواح فإن خشى الشر والفساد على بدن أو نفس سقط حق من يخشى منه ذلك فى طلب ضم الصبى وعلى ذلك فمتى أثبتت الجدة أن الأب ليس أهلا لضم البنت إليه كان للقاضى أن يضعها عند من يتمكن من صيانتها فإذا كانت جدتها قادرة على ذلك ساغ للقاضى أن يبقيها عندها واللّه أعلم
ــــــــــــــ
سفر الحضانة بالولد
المفتي
محمد عبده .
رجب 1318 هجرية
المبادئ(6/84)
تجبر الحاضنة على العودة بالولد إلى محل إقامة والده مادام سفرها كان إلى بلد ليس بلدها ولم تتزوج فيه وكانت بينهما مسافة بعيده لا يتأتى بسببها أن ينظر الوالد ابنه ويبيت فى بيته فى يوم واحد
السؤال
من ع س أ فى رجل أجرى عقد زواج على امرأة فى بلدة الزقازيق ودخل بها فى بلدة طاهرة شرقية وبعد أن عاشرها معاشرة الأزواج مدة طلقها وقد رزقت منه بولد سنة ثلاث سنوات تقريبا وفى أثناء العدة انتقلت به إلى مصر وأقامت معه فيها نحو أسبوع أو أكثر ثم انتقلت به من مصر إلى نجع حمادى بمديرية قنا وكان ذلك بدون إذن أبيه ومازالت مقيمة به بنجع حمادى إلى الآن ومازال أبوه مقيما بلدة طاهرة المذكورة وبذلك لا يمكنه أن ينظر إلى ولده كل يوم بناحية نجع حمادى ويبيت فى بلدة طاهرة لما بينهما من المسافة البعيدة فهل والحالة هذه ليس لها الانتقال بذلك الولد من ناحية طاهرة وإقامتها به فى ناحية نجع حمادى وعليها أن تعود به إلى جهة يمكن للأب أن يرى ابنه فيها ويعود إلى بلدة فى يوم وحتى لا يضيع على الأب رؤيته كل يوم لولده وإن أبت ذلك العود يجبرها الحاكم على ذلك
الجواب
صرح علماؤنا بأن البلدة التى قصدتها إذا لم تكن بلدتها أو كانت بلدتها، لكن لم يقع التزوج فيها فليس لها السفر بالولد وللأب أن يمنعها من السفر به إليها وهذا إذا كان بين البلدين مصرين كانا أو قريتين تفاوت بحيث لا يمكن للأب أن يطالع ولده ويبيت فى بيته وحيث خرجت هذه الأم بولدها المذكور من ناحية طاهرة وسافرت به وانتهى حالها على أن أقامت به فى ناحية نجع حمادى التى ليست ببلدتها ولم يقع التزوج فيها وكان بينهما مسافة بعيدة لا يتأتى بسببها أن ينظر الأب ولده ويبيت فى بيته فى يوم واحد فعليها أن تعود به إلى بلدة يمكن للوالد أن يرى ولده فيها ويرجع إلى محل إقامته فى يوم واحد وإن امتنعت تجبر على ذلك حفظا لحق الأب المذكور .
واللّه أعلم
ــــــــــــــ
التبرع بالحضانة لا يكون إلا عند إعسار الأب
المفتي
محمد عبده .
ربيع الأول 1320 هجرية
المبادئ
1- تنتقل حضانة الصغير بعد موت أمه إلى جدته لأمه وإن علت .
2- التبرع بأجر الحضانة لا يكون إلا عند إعسار الأب وتخير الحضانة فى هذه الحالة
السؤال
إذا كان الرجل فقيرا وله بنت ماتت أمها .
فلمن تكون حضانتها .(6/85)
هل تكون لجدتها لأمها أم تكون إلى أمه وأخته اللتين تبرعتا بحضانتها
الجواب
حضانة هذه الصغيرة تنتقل بموت أمها إلى جدتها أم أمها وإن علت، فإن كانت أم هذه الأم قد تزوجت بغير محرم للصغيرة ولا أم لها انتقلت تلك الحضانة لأم الأب المذكورة أما إذا كانت تزوجت بمحرم للصغيرة وكان الأب معسرا وطلبت منه أجرة الحضانة وأمه متبرعة بذلك فيقال لها إما أن تحضنيها مجانا أن تدفعيها لأم الأب المتبرعة بحضانتها والله أعلم
ــــــــــــــ
يمنع الأب من نقل الصغير مع حاضنته مادام فى سن الحضانة
المفتي
محمد عبده .
صفر 1321 هجرية
المبادئ
1- يسقط حق الأم فى الحضانة إذا تزوجت بغير محرم للصغير ومتى سقط حقها فى الحضانة انتقل إلى أمها التى تليها متى كانت أهلا لها .
2- يمنع الأب من إخراج الولد من بلد أمه أو أخذه منها أو نقل الحاضنة من بلدتها بدون رضاها ما بقيت حضانتها
السؤال
شخص تزوج بامرأة ودخل بها وأنجب منها ثم طلقها وله بنت صغيرة فى حضانتها ثم تزوجت بغير محرم للصغيرة .
ولها جدة لأمها فى عصمة جدها ومقيمة معه فى وطنهما ويريد الرجل أن يأخذ ابنته من الحاضنة أو ينقل جدتها معها إلى مكان آخر فهل له ذلك
الجواب
مقتضى كلامهم أن الأم إذا تزوجت بزوج غير محرم للصغير سقط حقها فى الحضانة متى سقط حقها انتقل إلى أمها التى تليها فى الاستحقاق وأن الأب يمنع من إخراجك الولد من بلد أمه بلا رضاها ما دامت في حضانتها واسظهروا أن غير الأم من الحاضنات كذلك .
ومما ذكر يتبين آن حضانة البنت المذكورة فى هذه الحادثة لجدتها أم أمها حيث كانت أهلا لها وأنه ليس لأب البنت أخذها من جدتها المذكورة ولا اخراجها من بلدها بدون رضاها .
ما بقيت حضانتها فلها الحق فى بقائها بها فى بلدتها ولا تجبر على الانتقال بها من هذه البلدة واللّه أعلم
ــــــــــــــ
الجدة أولى بحضانة الصغيرين من أختهما المتبرعة بها
المفتي
محمد عبده .
شعبان 1321 هجرية(6/86)
المبادئ
1- إذا كان للصغيرين مال وتبرعت كل من جدتهما لأمهما وأختهما بحضانتهما قدمت الجدة لأم .
2 - ينفق الأب عليهما من ماله إذا كان موسرا وليس فى مالهما ما يفى بالإنفاق عليهما
السؤال
صغيرتان فى حضانة أم أمهما لهما مال فى يد أبيهما الموسر وطلبت جدتهما المذكورة نفقتهما وأجرة حضانتهما من الأب وتبرعت أختهما لأبيهما بالإنفاق والتربية .
تريد بذلك نزعهما من يد الجدة .
فهل لا تجاب الأخت لذلك وتبقيان عند الجدة . وهل إذا تبرعت الجدة بحضانتهما لا تقدم الأخت المتبرعة عليها ويؤمر الأب بالإنفاق عليهما وهما فى حضانة الجدة
الجواب
لا عبرة بتبرع الأخت بالحضانة مع تبرع الجدة بها فتدفعان إليها لا إلى الأخت وينفق عليهما الأب من ماله حيث كان موسرا وليس فى مالهما ما يفى بالإنفاق عليهما واللّه أعلم
ــــــــــــــ
حضانة
المفتي
محمد بخيت .
محرم 1327 هجرية - 28 من أكتوبر 1918 م
المبادئ
1 - إذا أسلم أحد الزوجين وكان بينهما ولد صغير .
أو ولد لهما ولد قبل عرض الإسلام على الآخر أو بعده فإنه يتبع من أسلم منهما إن كان الولد مقيما فى دار الإسلام سواء كان من أسلم من أبويه مقيما بها أو فى غيرها .
فإن لم يكن الولد مقيما فى دار الإسلام فلا يتبع من أسلم من أبويه فى دار الإسلام أو فى غيرها .
2 - تبعية الولد لمن أسلم من أبويه إنما تستمر مدة صغره سواء كان عاقلا أو غير عاقل فإن بلغ عاقلا انقطعت التبعية وكان الشأن عند ذلك للولد إن شاء بقى مسلما وإلا فلا وإن بلغ غير عاقل فلا تنقطع التبعية بل تستمر إلى أن يعقل .
3 - تنتهى الحضانة بالنسبة للغلام باستغنائه عن خدمة النساء وذلك ببلوغه سبع سنين وللصبية ببلوغها تسع سنين .
فإذا انتهت الحضانة أخذهما الأب من الحاضنة فإن لم يأخذهما أجبر على ذلك .
فإن لم يكن فللجد ثم للأقرب من العصبة على الترتيب فى العصبات .
4 - الأحق بحضانة الولد ذكرا كان أو أنثى مادام فى مدة الحضانة أمه من النسب ثم أم الأم ثم أم الأب وهكذا على الترتيب فى الحاضنات .(6/87)
5 - يشترط فى الحاضنة مطلقا أن تكون .
حرة. بالغة. عاقلة. أمينة قادرة على خدمة المحضون .
غير مرتدة. غير متزوجة بغير رحم محرم للمحضون .
ألا تمسكه فى بيت من يبغضه ويكرهه. ولا فرق بين الأم وغيرها من الحاضنات فى هذه الشروط إلا فى شرط البلوغ فإنه بالنسبة لغير الأم والجدة .
6 - اختلاف الدين لا يؤثر على حق الحاضنة .
فإن كان المحضون مسلما والحاضنة غير مسلمة معتنقة دينا سماويا أو غير سماوى أما كانت أو غيرها من بقية الحاضنات فلها أن تحضن الولد وتربيه متى كانت أهلا للحضانة ومستوفية شرائطها إلا إذا خيف على الولد أن يألف دينا غير دين الإسلام .
7 - يشترط فى العصبات اتحاد الدين لأن حق حضانة الولد وضمه بالنسبة للعصبات مبنى على استحقاق الإرث ولا إرث مع الاختلاف دينا .
8 - كل من الأمر العالى الصادر بترتيب واختصاص مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومى والأمر العالى الصادر بتشكيل مجلس عمومى لطائفة الإنجيليين الوطنيين يقتضى بأنه لا يسوغ لكل من مجلس الأقباط الأرثوذكس والإنجيليين أن ينظر إلا فى الدعاوى التى تكون بين أبناء طائفته فقط .
ولا يسوغ لواحد منهما أن ينظر أية دعوى ترفع من أبناء طائفته على أحد من أبناء الطوائف الأخرى مسلمين وغير مسلمين
السؤال
نزاع واقع فى حضانة الأولاد المولودين من أبوين مسيحيين اعتنقت أمهاتهم الدين الإسلامى وحصل أهلهم المسيحيون ( الأب أو الجد أو العم ) على أحكام من المجالس الملية التابعون هم لها بالكيفية المبينة فى المذكرات
الجواب
بخصوص مسائل النزاع الواقع فى حضانة الأولاد المولودين من أبوين مسيحيين اعتنقت أمهاتهم الدين الإسلامى وحصل أهلهم المسيحيون على أحكام من المجالس الملية التابعون هم لها وعلى صورة ترجمة مذكرة قسم القضايا المرفق به أيضا المشتملة على رأيه فى هذا الموضوع ويراد إبداء رأينا فى هذه المسائل فتبين أن القضية الأولى يتلخص موضوعها فى امرأة تدعى م .
تابعة للطائفة الإنجيلية وهى أرملة غ ع المسيحى البروتستانتى اعتنقت الدين الإسلامى فى سنة 1916 بعد وفاة زوجها وتزوجت فى نفس الوقت ر ش زوج أختها الذى أسلم هو أيضا ولها من زوجها الأول بنت اسمها ر .
عمرها الآن ست سنوات وهى باقية بطرفها بعد زواجها الثانى وقد حصل ى ع والد الزوج الأول والجد الصحيح للبنت القاصر على حكم من مجلس الطائفة البروتستانية بمصر بتاريخ 13 أبريل سنة 1917 قضى له بحضانة الطفلة المذكورة وقد بنى الحكم على المادة ( 34 ) من قانون الأحوال الشخصية البروتستانتى الذى ينص على أن الأرملة إذا تزوجت تكون الولاية للجد .(6/88)
والسيدة م . المذكورة ترفض التخلى عن ابنتها بدون حكم من المحكمة الشرعية التابعة لها الآن إستنادا على أن ابنتها تبعتها فى الإسلام كما هو منصوص عليه .
وأن القضية الثانية يتلخص موضوعها فى سيدة قبطية أرثوذكسية فى الأصل تدعى ف تزوجت بالمدعو ب إ القبطى الأرثوذكسى وله منها ولدان أحدهما م .
وعمره خمس عشرة سنة والآخر ن. وعمره سبع سنوات وقد تركت السيدة المذكورة زوجها وأسلمت واستبقت ولديها لديها والزوج ب إ المذكور رفع الأمر إلى المجلس الملى للطائفة القبطية وحصل على حكم بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1916 قضى له باستلام الولدين وظاهر من الحكم أن المجلس كلفها بالحضور وامتنعت بدعوى كونها مسلمة ولما طلب المحكوم له من محافظة مصر تنفيذ الحكم المذكور أرسلت المحافظة الأوراق إلى الوزارة ولفتت نظرها إلى أحكام المادتين ( 129، 130 ) من قانون الأحكام الشرعية فى الأحوال الشخصية .
وفى القضية الثالثة يتلخص موضوعها فى سيدة قبطية أرثوذكسية فى الأصل وتدعى ر إ ع كانت تزوجت ص القبطى الأرثوذكسى ورزقت منه بولد يدعى ز .
يبلغ الآن من العمر 13 سنة وبعد وفاة زوجها اعتنقت الديانة الإسلامية وبقى الولد فى حضانتها من أربع سنين تقريبا توفيت وهى مسلمة والولد من ذلك التاريخ موجود عند خاله المسلم الذى كان قبطيا وأسلم هو كذلك فعم الولد المسمى م ع قد حصل من المجلس القبطى فى شبين الكوم على حكم بتاريخ 14 نوفمبر سنة 1916 يقضى له باستلام الولد ولكن الخال والولد نفسه على ما يظهر يرفضان الحكم المذكور محتجين بأن الولد يريد اتباع الديانة الإسلامية والبقاء تحت وصاية خاله المسلم وأن الولد المذكور قدم طلبا بإثبات إسلامه شرعا ثم تحول الطالب للمحكمة الشرعية فأثبت إسلامه وأن القضية الرابعة يتلخص موضوعها فى سيدة تسمى د ح ب تابعة للأقباط الأرثوذكس ومقيمة بمصر ومتزوجة ب د القبطى الأرثوذكسى الموظف بمصلحة أقسام الحدود وله منها بنتان صغيرتان وكان رفع عليها دعوى بالمجلس الملى مدعيا شذوذها وسلوكها سلوكا معيبا أثناء غيبته بالسودان وطلب فصل الزوجة وتسليمه بنتيه لتكونا فى حضانة والدته وفى أثناء سير الدعوى اعتنقت الزوجة الدين الإسلامى وثبت إسلامها وبعد ذلك حكم المجلس الملى بالفصل بين الزوجين وبضم بنتيهما إلى حضانة جدتهما لوالدهما ثم قدمت عريضة للوزارة من الزوج يقول فيها بأن زوجته المذكورة دخلت فى فرقة الممثلات فى جوق باسكندرية وطردت منه لسوء سلوكها ثم عادت لمصر ودخلت فى جوق آخر وأنه رآها بعينه تمثل على المسارح الأمر المنافى لآداب العائلات المصرية ويطلب تنفيذ حكم المجلس الملى المذكور لإنقاذ بنتيه من التربية الفاسدة .
وأن القضية الخامسة يتلخص موضوعها فى امرأة قبطية أرثوذكسية تدعى ج إ تزوجت م إ ولها منه ولد عمره الآن يزيد على سبع سنوات اعتنقت الدين الإسلامى فى 11 ديسمبر سنة 1916 واستبقت ابنها لديها فرفع الزوج دعوى ضدها أمام المجلس الملى واستصدر حكما نهائيا بتاريخ 19 مايو سنة 1913 بفصلها عنه وتسليمه ولده المذكور إلى آخر ما جاء بالمذكورة .(6/89)
ونفيد أن الحكم الشرعى فى المواد الخمس المذكورة وما يماثلها على وجوه ( أولا ) إذا أسلم أحد الزوجين وكان بينهما ولد صغير أو ولد لهما ولد قبل عرض الإسلام على الآخر أو بعده فإنه يتبع من أسلم منهما إن كان الولد مقيما فى دار الإسلام سواء كان من أسلم من ابويه مقيما بها أو فى غيرها فإن لم يكن الولد مقيما فى دار الإسلام فلا يتبع من أسلم من أبويه سواء كان من أسلم من أبويه فى دار الإسلام أو فى غيرها وذلك لأن المعول عليه فى الحكم على الولد بالإسلام تبعا لمن أسلم من أبويه هو شريعة البلاد التى يكون فيها الولد فمتى كان الولد فى بلاد الإسلام وأسلم أحد أبويه حكم عليه عملا بشريعة البلاد التى هو فيها بإسلامه تبعا لمن أسلم من أبويه وأما إن كان الولد مقيما فى غير دار الإسلام وأسلم أحد أبويه لم يحكم بإسلامه تبعا لمن أسلم من أبويه لأن دار غير الإسلام لا تدخل تحت حكم الإسلام فلا يحكم على من هو مقيم فيها بحكم شريعة المسلمين انظر المادة ( 129 ) من الأحوال الشخصية الوجه الثانى إن تبعية الولد لمن أسلم من أبويه إنما تستمر مدة صغره سواء كان عاقلا أو غير عاقل فإذا بلغ فإما أن يبلغ عاقلا أو غير عاقل فإن كان الأول انقطعت التبعية وكان الشأن عند ذلك للولد إن شاء بقى مسلما وإلا فلا وإن كان الثانى بأن بلغ غير عاقل فلا تنقطع التبعية بل تستمر إلى أن يعقل انظر المادة ( 130 ) من الأحوال الشخصية الوجه الثالث فى حكم الصغير والصغيرة مدة الحضانة وبعد انتهائها وهى بالنسبة للغلام تنتهى باستغنائه عن
خدمة النساء وذلك إذا بلغ سبع سنين وبالنسبة للصبية تنتهى مدة الحضانة ببلوغها تسع سنين فإذا انتهت الحضانة أخذهما الأب من الحاضنة فإن لم يأخذها يجبر على أخذهما منها فإن لم يكن للولد - ذكرا كان أو أنثى - أب وكان له جد صحيح أخذه الجد فإن لم يكن له أب ولا جد يدفع للأقرب من العصبة أو للوصى لو غلاما ولا تسلم الصبية لغير محرم فإن لم يكن عصبة ولا وصى بالنسبة للغلام يترك المحضون عند الحاضنة إلا أن يرى القاضى غيرها أولى له منها انظر المادة ( 391 ) وذلك لأن الولد مدة إحتياجه لخدمة النساء يسلم لمن هو أقدر على القيام بلوازمه وهن أقاربه من النساء على الترتيب الآتى فإذا انتهت مدة الحضانة دخل فى دور جديد يحتاج فيه إلى الإعداد بما هو مطالب به فى المستقبل فيسلم حينئذ إلى من هو أقدر على القيام به ولذلك كان الحكم الشرعى أن يبقى الولد عند الحاضنة حتى يستغنى عن خدمة النساء وقدر ذلك ببلوغه سبع سنين فإن كان مذكرا انتهت مدة حضانته ببلوغه السن المذكور وإن كان مؤنثا يزاد على السبع سنتان فتبقى الأنثى عند حاضنتها سنتين .
لتدريبها على الأمور المنزلية التى هى مطالبة بها فى المستقبل ومتى انتهت حضانة الولد مذكرا كان أو مؤنثا على وجه ما ذكر يسلم إلى الأب حتى إذا لم يطلبه يجبر على ذلك مراعاة لحق الصغير فإن الولد المذكور بعد بلوغه السن المذكور وهو سبع سنين يحتاج إلى تعلم ما ينفعه .
والأنثى بعد بلوغها تسع سنين تبلغ حد الشهوة وبعد بلوغها حد الشهوة تحتاج إلى الحفظ والصيانة ولا شك أن الأب أقدر على ذلك إن كان موجودا فإن لم يكن موجودا كان الجد هو الأقدر وإن لم يكن الجد موجودا أيضا يعطى للأقرب فالأقرب(6/90)
من العصبات على الترتيب الذى ذكر بالمادة ( 385 ) من الأحوال الشخصية الوجه الرابع .
فيمن هو أحق بحضانة الولد ذكرا كان أو أنثى قبل انتهاء مدة الحضانة .
الأحق بحضانة الولد مادام فى مدة الحضانة - ذكرا كان أو أنثى - أمه من النسب لا من الرضاع لأنها أكثر الناس حنانا عليه وأشفقهم به فتصبر على خدمته صبرا لا يتأتى من غيرها ولذلك تراها تسهر لسهره وتجزع لمرضه وتسر بصحته وذلك بمقتضى الفطرة التى فطر اللّه الناس عليها ولذلك قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالحضانة للأم حينما جاءت امرأة إليه وقالت له يا رسول اللّه إن ابنى هذا كان بطنى له وعاء وحجرى له حواء وثديى له سقاء وإن أباه طلقنى وأراد أن ينزعه منى فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
أنت أحق به ما لم تتزوجى ولا فرق بين أن يكون زوجية الأم قائمة أو غير قائمة بل المدار على كونها أهلا للحضانة انظر المادة ( 380 ) فإن لم توجد أم أو وجدت ولكنها فقدت شرطا من شرائط الحضانة انتقل حق الحضانة إلى أمها ثم أم أمها وإن علت وقد أجمع على ذلك أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما ورى أن عمر رضى اللّه عنه طلق زوجته جميلة بنت عاصم فتزوجت فأخذ سيدنا عمر ابنه عاصما فأدركته أم جميلة وأخذته فترافعا إلى أبى بكر الصديق رضى اللّه عنه فقال لعمر خل بينه وبينها فإن ريقها خير له من عسل وشهد عندك يا عمر فسلمه لها وكان ذلك بحضور أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن لم توجد جدة لأم أو وجدت غير أهل انتقل الحق للجدة من جهة الأب وإن علت مادامت مستوفية شرائط الحضانة فإن لم توجد جدة الأب أو وجدت غير أهل انتقل حق الحضانة إلى الأخوات وهن أولى من الخالات والعمات لأنهن بنات الأبوين وأولئك بنات الجد والجدات وتقدم الأخت الشقيقة على الأخت لأم لأنهما قد اشتركا فى الأخوة لأم وترجحت الشقيقة بقرابتها من جهة الأب فإن لم توجد شقيقة أهل للحضانة انتقل حق الحضانة للأخت لأم لأنها تشترك مع المحضون فى الأم فكانت أقرب للشفقة بالمحضون فإن لم توجد أخت لأم أهل للحضانة انتقل الحق للأخت لأب وهكذا على الترتيب المنصوص عليه بالمادة ( 384 ) من الأحوال الشخصية الوجه الخامس فى الشروط التى تشترط فى الحاضنة مطلقا الأول أن تكون حرة لأن الرقيقة مشغولة بخدمة سيدها فلا يمكنها القيام بتربية الولد .
الثانى أن تكون بالغة لأن القاصرة محتاجة إلى من يكفلها فلا يمكن أن تكفل غيرها الثالث أن تكون عاقلة لأن المجنونة لا تحفظ الولد بل يخشى عليه منها الهلاك .
الرابع أن تكون أمينة على المحضون وتربيته بحيث لا يضيع الولد عندها بسبب اشتغالها عنه بالخروج إلى ملاهى الفسوق بأن تكون مغنية أو نائحة أو متهتكة تهتكا يترتب عليه ضياع الولد الخامس أن تكون قادرة على خدمة المحضون فلو كان بها ما يعجزها عن القيام بمصالحه كمرض لم تكن أهلا للحضانة السادس أن لا تكون مرتدة أى خارجة عن دين الإسلام بعد أن اعتنقته السابع أن لا تكون متزوجة بغير رحم محرم للمحضون لأن الأجنبى ينظر إليه شررا ويبطن الكراهية ويضمر السوء .(6/91)
لأنه يظن أنها تطعمه من ماله وربما اشتد بين أمه وزوجها الخلاف فيترتب على ذلك مالا تحمد عقباه .
الثامن أن لا تمسكه الحاضنة فى بيت من يبغضه ويكرهه لأن إمساكها إياها عنده يترتب عليه ضرر الولد وضياعه والمقصود من الحضانة حفظ الولد والقيام بخدمته ولا فرق بين الأم وغيرها من الحاضنات فى هذه الشروط إلا أن الشرط الثانى وهو شرط البلوغ إنما هو بالنسبة لغير الأم والجدة لأن الأم أو الجدة لا يعقل أن تكون غير بالغة انظر المادة ( 382 ) من الأحوال الشخصية الوجه السادس اختلاف الدين وأنه لا يمنع من ثبوت حق الحضانة الحكم الشرعى أن اختلاف الدين لا يؤثر على حق الحضانة فإذا كان المحضون مسلما والحاضنة غير مسلمة أما كانت أو غيرها من بقية الحاضنات فلها أن تحضن الولد وتربيه متى كانت أهلا للحضانة ومستوفية شرائطها .
المار ذكرها إلا إذا خيف على الولد بأن يألف دينا غير الدين الإسلامى بسبب معاشرته لتلك الحاضنة ولا فرق بين أن تكون الحاضنة معتنقة دينا سماويا بأن تكون يهودية أو نصرانية أو غير سماوى بأن تكون وثنية أو مجوسية وإنما لم يراع اتحاد الدين فى الحضانة لأن مبناها على الشفقة الطبيعية وهى لا تختلف باختلاف الدين انظر المادة ( 381 ) من الأحوال الشخصية الوجه السابع فيما يشترط فى العصبات الذين يكفلون الولد ويحضنونه إذا لم توجد حاضنات أو وجدت ولكن لسن أهلا أو انتهت مدة الحضانة أن يكون دين العصبة الذى يكفل الولد ودين الولد واحدا فإذا كان الولد الصغير غير مسلم وله عصبة مسلم وغير مسلم فحق الحضانة لعصبة الغير المسلم دون المسلم وكذا إذا كان الصغير مسلما وله عصبة مسلم وغير مسلم فالمسلم هو الذى له حق الحضانة وإنما اشترط فى العصبات اتحاد الدين لأن حق حضانة الولد وضمه بالنسبة إلى العصبات مبنى على استحقاق الإرث ولا إرث مع الاختلاف دينا فكما لا يرث غير المسلم من المسلم فكذلك لا يحضن غير المسلم المسلم وكما لا يرث المسلم من غير المسلم فكذلك لا يحضن المسلم غير المسلم انظر المادة ( 385 ) من الأحوال الشخصية الوجه الثامن فى بيان المحكمة المختصة بنظر الدعاوى التى ترفع بشأن المواد الخمسة المذكورة وأمثالها ونقول قد علم مما تقدم أنه إذا أسلم أحد الزوجين وكان بينهما ولد صغير أو ولد لهما ولد قبل عرض الإسلام على الآخر أو بعده فإنه يتبع من أسلم منهما إلى آخر ما نص بالمادة ( 129 ) ومن ذلك يعلم أن الذى أسلم من الزوجين والولد الذى تبعه فى الإسلام لا يعدان من طائفة الأقباط الأرثوذكس وقد نصت المادة الأولى من الأمر العالى الصادر فى 14 مايو سنة 1883- 7 رجب سنة 1300 المبين به ترتيب واختصاص مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومى أن يشكل مجلس عمومى لجميع الأقباط بالقطر المصرى للنظر فى كافة مصالحهم الداخلية فى إدارة اختصاصه التى
ستبين فى المواد الآتية دون غيرها ونصت المادة ( 16 ) من الأمر العالى المذكور أن من وظائف المجلس المذكور أيضا النظر فيما يحصل بين أبناء الملة من الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية إلى آخر ما بهذه المادة ومما لا شك فيه أن من أسلم من الزوجين والولد الذى يتبعه فى الإسلام لم يكن واحدا منهما من أبناء الملة(6/92)
حتى يسوغ للمجلس المذكور النظر فيما يحصل بين كل منهما وبين غيرهما من الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية وقد جاء بالفقرة الثالثة من المادة الثالثة من الأمر العالى المختص بتشكيل مجلس عمومى لطائفة الإنجيليين الوطنيين الصادر فى أول مارس سنة 1902م - 21 القعدة سنة 1319 أن الذى يعتبر بصفته إنجيلى وطنى يشترط فيه أن يكون إنجيلى الأصل من جهة الأب على الأقل وأن لا يكون فقد صفته هذه بدخوله عضوا فى هيئة دينية أو طائفة غير مسيحية أو غير إنجيلية .
ومما لا شك فيه أن أحد الزوجين الذى أسلم والولد الذى تبعه فى الإسلام قد دخل كل منهما فى هيئة دينية وطائفة غير مسيحية وقد نصت المادة ( 21 ) من الأمر العالى المذكور أن المجلس العمومى يختص بسماع وفصل جميع المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية التى تقع بين كنائس إنجيلية أو بين إنجيليين وطنيين وأن هذا الاختصاص لا يتناول أية مادة من المواد التى لا يمكن الفصل فيها إلا بإحضار أشخاص من غير إنجيليين وطنيين أمام المجلس بصفة خصوم فى الدعوى ولا شك أن من لوازم الدعوى التى ترفع من المسيحى الأنجيلى على من أسلم وتبعه الولد فى الإسلام أنه لا يمكن الحكم فيها إلا بإحضار ذلك المسلم الذى ليس بإنجيلى أمام المجلس بصفته خصما فى الدعوى وبذلك لا يسوغ لمجلس الطائفة الإنجيلية أن ينظر أى دعوى من الدعاوى التى ترفع من الإنجيلى على من أسلم ( نتيجة ) فتلخص مما قدمناه أن الشريعة الإسلامية الغراء التى هى شريعة البلاد تقتضى أن الولد يتبع من أسلم من أبويه فى الإسلام مادام صغيرا والمعول عليه إنما هو شريعة البلد الذى يقيم فيه الولد ولذلك قلنا فيما سبق إن الصغير إنما يتبع من أسلم من أبويه إذا كان الصغير مقيما فى دار السلام عملا بشريعة البلاد التى هى محل إقامة الولد وأن شريعة البلاد التى فيها الولد تقتضى أن يشترط فى العصبة الذى يحضنه اتحاد الدين على وجه ما سبق وأن كلا من الأمر العالى الصادر بترتيب واختصاص مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومى المار ذكره والأمر العالى الصادر بتشكيل مجلس عمومى لطائفة الإنجيليين الوطنيين المار ذكره يقتضى بأنه لا يسوغ لكل من مجلسى الأقباط الأرثوذكس والإنجيليين أن ينظر إلا فى الدعاوى التى تكون بين أبناء طائفته فقط ولا يسوغ لواحد منهما أن ينظر أية دعوى ترفع من أبناء طائفته على أحد من أبناء الطوائف الأخرى مسلمين أو غير مسلمين ومتى كانت شرعية البلاد على وجه ما ذكر وقوانين الحكومة الخاصة بالمواد
الخمسة المذكورة المسئول عنها وأمثالها تقضى بما ذكر فلا محل حينئذ بالمواد الخمسة المذكورة المسئول عنها وأمثالها تقضى بما ذكر فلا محل حينئذ إلى الرجوع إلى المبادئ المقررة فى القانون الدولى فى مواد الزوجية فى حالة تغيير الأحوال الشخصية لأنه مع وجود الأمرين العاليين المشار إليهما المتعلقين بالموضوع نفسه لا معنى للرجوع إلى المبادئ المذكورة التى لا علاقة لها بالمواد المذكورة على أن المبادئ المقررة للقانون الدولى فى مواد الزوجية إنما هى فى الأشخاص الذين لا يكونون تابعين لحكومة واحدة والأمر هنا ليس كذلك لأن الخصوم هنا كلهم تابعون للحكومة المصرية السلطانية وخاضعون لقوانينها الصادرة منها كما أنه لا محل للرجوع إلى ما قررته الاتفاقات الدولية فى مؤتمر لاهاى فى مسائل الزواج أو(6/93)
مسائل الطلاق لما ذكرنا من أن المعول عليه هو شريعة البلاد وقوانين الحكومة المصرية على أن ما قررته الاتفاقات الدولية المذكورة إنما يتعلق بالأشخاص التابعين لحكومات متعددة وما يترتب على الزواج من تغيير جنسية أحد الزوجين ولا علاقة له بموضوعنا وبناء على ما توضح نرى أن الواجب أن يتبع الولد الصغير من أسلم من أبويه فى الإسلام متى كان الولد مقيما فى دار الإسلام عملا بالنصوص التى قدمناها وأن الواجب هو العمل فيما يتعلق بالولد وهو فى سن الحضانة بما أوضحناه من النصوص المتعلقة بذلك وفيما يتعلق بحضانة العصبات هو ما أوضحناه أيضا من النصوص المتعلقة ذلك وأن الواجب فى الاختصاص هو العمل بما قضى به الأمران العليان المشار إليهما خصوصا وأن العمل كان جاريا على أن نظر جميع الدعاوى كان مختصا بالمحاكم الشرعية بلا فرق بين طائفة وطائفة إلى أن صدر الأمران العاليان المشار إليهما فجعل الأمر الأول منهما نظر المواد المتعلقة بأبناء طائفة الأقباط الأرثوذكس على حسب المبين بالمادة ( 16 ) مختصا بمجلسهم العمومى وجعل الأمر الثانى نظر المواد المتعلقة
بالإنجيليين على حسب المبين بالمادة ( 21 ) مختصا بمجلسهم العمومى أيضا وعلى ذلك يبقى ما لم ينص عليه بالمادة ( 16 ) من لائحة الأقباط الأرثوذكس والمادة ( 21 ) من لائحة الإنجيليين على ما كان عليه من اختصاص بالمحاكم الشرعية هذا ما رأيناه
ــــــــــــــ
حق الحضانة ونقل المحضون
المفتي
محمد بخيت .
ربيع الأول 1333 هجرية
المبادئ
ليس للحضانة غير الأم نقل المحضون إلا بإذن من أبيه
السؤال
توفيت امرأة عن ولدين عمر أحدهما تسع سنوات والآخر عمره سنة واحدة وثلاثة شهور ولها بنت أخرى تبلغ من العمر أربع سنوات ونصف فهل من حق أم أمهم أن تنقلهم إلى محل إقامتها بعيدا عن بلدتهم لحضانتهم مع وجود جدتهم لأبيهم وهى قادرة على حضانتهم
الجواب
أما الولد الذى بلغ سنه تسع سنين فقد انتهت مدة حضانته فيضمه أبوه إليه وليس لجدته أن تسافر به .
وأما الولد الذى عمره سنة وثلاثة أشهر والبنت التى عمرها أربع سنوات فهما فى سن الحضانة وتنتقل حضانتهما بعد موت أمهما إلى أمها إن كانت أهلا للحضانة لكن ليس لها الحق باى حال أن تنقلهما من محل حضانتهما إلا بإذن أبيهما واللّه أعلم
ــــــــــــــ(6/94)
حضانة الصغير
المفتي
محمد بخيت .
ذى الحجة 1333 هجرية - 10 من أكتوبر 1915م
المبادئ
1 - زواج أم الصغير بأجنبى عنه مقسط لحقها فى الحضانة .
2 - العمة المتزوجة بابن ابن عم الصغير أحق بالحضانة من الأم المتزوجة بأجنبى عنه
السؤال
صغير لم يتجاوز سن الحضانة توفى والده وله أم وعمته الشقيقة فقط .
وأم الولد تزوجت بأجنبى عنه . وعمته متزوجة بقريب له ولم ترزق بأولاد .
فهل أمه هى الأحق بحضانته أم عمته المتزوجة بابن ابن عم الصغير
الجواب
أطلعنا على هذا السؤال الموضح أعلاه .
ونفيد أنه فى شرح الدر ما نصه - وفى الحاوى تزوجت بأجنبى وطلبت تربيته بنفقة والتزمه ابن عمه مجانا ولا حاضنة له فله ذلك انتهى - وقال فى رد المحتار وجهه أن ابن العم له حق حضانة الغلام حيث لا حاضنة غيره والأم ساقطة الحضانة هنا .
والظاهر أن له ذلك وان طلب النفقة أيضا لأنه هو الحاضن حقيقة .
وقال أيضا ودخل تحت غير المحرم الرحم الذى ليس بمحرم كابن العم فهو كالأجنبى هنا انتهى .
أى فإذا تزوجته سقط حقها وأنت خبير بأن هذا مفروض فيما إذا كان مستحق للحضانة أقرب منه فلو لم يكن غيره وكان الولد ذكرا يبقى عند أمه وكذا لو كان أنثى لا تشتهى أو كان مأمونا .
انتهى .
فقوله يبقى عند أمه (أى المتزوجة بابن العم) ولا شك أن عمة الصغير كأمه ومن ذلك كله يعلم أن الولد فى هذه الحادثة يبقى عند عمته المذكورة وإن كان زوجها ابن ابن عم الصغير واللّه أعلم
حضانة غير المسلم
المفتي
محمد بخيت .
شوال 1340 هجرية - 6 من أغسطس 1916 م
المبادئ
1 - إذا أسلم أحد الأبوين وبينهما صغير تبعه ذلك الصغير .
2 - يشترط فى العصبة اتحاد الدين
السؤال(6/95)
غلام قبطى توفى والده واعتنقت والدته الديانة الإسلامية وتزوجت بآخر ولكون هذا الغلام يبلغ من العمر عشر سنوات فقد طلب عمه القبطى تسليمه إليه غير أن الولد أظهر عدم رغبته فى الإقامة مع عمه وأوعد بإيذاء نفسه لو سلم إليه .
فما الذى يمكن أن يتبع نحو ذلك
الجواب
نفيد أن المنصوص عليه شرعا أنه إذا أسلم أحد الزوجين وكان بينهما ولد قاصر فإن الولد يتبع من أسلم منهما فيكون مسلما تبعا له متى كان الولد مقيما فى دار الإسلام سواء كان من أسلم من أبويه مقيما بها أو بغيرها ومتى انتهت مدة حضانة الغلام بأن بلغ سبع سنين يسلم إلى العصبة على ترتيب الأرث فيقدم الأب ثم الجد ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم بنو الأخ الشقيق ثم بنو الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم العم لأب .
ولكن يشترط فى العصبة اتحاد الدين فلا يسلم الولد الغير المسلم للعصبة المسلم .
ولا يسلم الولد المسلم للعصبة غير المسلم .
وحيث إن الولد المذكور يبلغ من العمر عشر سنوات فلا يجوز تسليمه لعمه القبطى ولا لغيره من العصبات الذين ليسوا مسلمين
حضانة ونفقة
المفتي
محمد بخيت .
جمادى الثانية 1335 هجرية - 9 من ابريل 1917 م
المبادئ
1 - الجد لأب كالأب عند موته .
2 - ليس للأم حق حضانة الأولاد بعد خروجهم من سن الحضانة .
3 - للجد لأب ضم البنات إذا كن أبكارا ويجبر على ذلك إلا إذا دخلن فى السن ولهن رأى .
فإن كن كذلك كان لهن الإقامة حيث شئن . 4 - إذا بلغ الولد وكان ذا عقل واستغنى برأيه فليس للجد ضمه إليه إلا إذا لم يكن مأمونا على نفسه .
5 - لا نفقة على الجد للذكور إذا بلغوا موسرين وتجب عليه نفقة الإناث وحده إن لم تكن أمهن موسرة .
6 - إذا كانت الأم موسرة كانت النفقة عليهما أثلاثا عليها الثلث وعليه الثلثان بشرط أن يكن فقيرات
السؤال
توفى رجل وترك ثلاث بنات وولدين مع والدتهم وعمر البنات على التوالى 23، 20، 11 ولم يتزوجن والولدين 18 سنة ومستخدم بمحل تجارى و 14 سنة تلميذ بالمدارس وترك لهم والداهم 4 قراريط فى منزل تساوى 120 جنيها فهل للأم الحق فى إمساكهم مع خروجهم جميعا من سن الحضانة أم لا وإذا طلب جدهم والد أبيهم ضمهم لنفسه لتحصين البنات وتتميم تربية الذكور يجاب لذلك وتجبر الأم على(6/96)
تسلميهم أم لا وهل نص فى كتب الفقه على أن الولى إذا امتنع عن استلامهم منها يجبر على ذلك أم لا وهل للبنات الأبكار اللاتى لا يزيد عمرهن عن 23 سنة حق الخيار فى السكنى حيث أحببن أو يلزمن الإقامة مع جدهن وجدتهن والدى أبيهن ، وإذا كان لهن حق الاختيار فى السكنى واخترن والدتهن فهل يجبر جدهن على الإنفاق عليهن
الجواب
أطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه جاء فى المادة 391 من الأحوال الشخصية أن مدة حضانة الغلام تنتهى إذا بلغ سبع سنين ومدة حضانة الصبية ببلوغها تسع سنين وللأب حينئذ أخذهما من الحاضنة فإن لم يطلبهما أجبر على أخذهما وإن لم يكن للولد أب ولا جد يدفع للأقرب من العصبة أو للوصى لو غلاما ولا تسلم الصبية لغير محرم انتهى - وقال فى الدر وإذا بلغت الجارية مبلغ النساء إن بكرا ضمها الأب إلى نفسه إلا إذا دخلت فى السن واجتمع لها رأى فتسكن حيث أحبت حيث لا خوف عليها ومعنى دخولها فى السن كما بينه ابن عابدين فى رد المحتار عن الوجيز أن تكون مسنة ولها رأى والغلام إذا عقل واستغنى برأيه ليس للأب ضمه إلا إذا لم يكن مأمونا على نفسه فله ضمه لدفع فتنة أو عار أو تأديبه إذا وقع منه شىء ولا نفقة عليه إلا أن يتبرع والجد بمنزلة الأب فيما ذكر انتهى .
وقال فى المادة (440) من الأحوال الشخصية فلو كان له أم وجد لأب فنفقته عليهما اثلاثا على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان .
ومن ذلك يعلم أن الجد لأب عند موت الأب كالأب فى جميع ما ذكر وأنه ليس للأم حق فى أمساك أى واحد من الأولاد المذكورين بعد الخروج من سن الحضانة وأن للجد المذكور ضم الأناث من الأولاد المذكورين حيث كن أبكارا ويجبر على ذلك إلا إذا دخلن فى السن بأن كن مسنات ولهن رأى فإن كن كذلك كان لهن أن يقمن حيث شئن وأما الذكور من الأولاد المذكورين فمن كان منهم ذا عقل واستغنى برأيه فليس للجد ضمه إليه إلا إذا لم يكن مأمونا على نفسه ولا نفقة على الجد للذكور من الأولاد المذكورين متى بلغ أحدهم السن المذكور وإنما تجب نفقة الاناث المذكورات على الجد المذكور وحده إن لم تكن معه أم موسرة وإن كان معه أم موسرة وجبت عليهما أثلاثا على الأم الثلث وعلى الجد الثلثان وعلى كل حال فلابد من كون البنات المذكورات فقيرات لا مال لهن واللّه أعلم
تغيب الحاضنة مؤقتا لا يسقط حقها فى الحضانة
المفتي
محمد بخيت .
رجب 1335 هجرية - 9 من مايو 1917 م
المبادئ
التغيب المؤقت عن محل الحضانة غير مسقط لها متى كانت الحاضنة أهلا لها ولم تكن مضيعة للمحضون
السؤال(6/97)
من ص .
بنت ج . فى أم أم حاضنة شرعية لابنة بنتها المتوفاه وقد ثبتت هذه الحضانة بحكم نهائى من المجلس الملى القبطى الأرثوذكس وطرأ عليها أخيرا عذر قهرى اضطرها للتغيب بضعة أيام عن محل إقامتها ثم عادت هل هذا التغيب الوقتى يسقط حقها فى الحضانة فأفتونا ولكم الثواب
الجواب
أطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه متى عادت الجدة أم الأم من السفر إلى المحل الذى كانت تحضن فيه بنت بنتها المذكورة وكانت أهلا للحضانة ولم تكن مضيعة للبنت المذكورة كان لها الحق فى حضانتها
ــــــــــــــ
حضانة البنت الرشيدة
المفتي
محمد بخيت .
شوال 1337 هجرية 28 يوليو 1919 م
المبادئ
1 - بلوغ الأنثى ثيبا مأمونة على نفسها يعطى لها الخيار فى الإقامة عند من تريد .
فإن كانت غير مأمونة فلا خيار لها بل تبقى عند الأب أو من يليه فى ترتيب العصبات بشرط الأمانة عليها .
2 - بلوغها بكرا مأمونة على نفسها فإن كانت صالحة للرجال فلا تخير بل تلزم بالإقامة عند الأب أو الجد أو العصبات بالترتيب وإن لم تكن مأمونة فلا خيار لها من باب أولى .
3 - إن كان مسنة بأن صارت عجوزا شوهاء وكانت عفيفة فلا تجبر على الإقامة عند أحد بل يتبع رأيها فى ذلك
السؤال
من م ب فى ابنة ووالدها مسيحيين تابعين لطائفة الكاثوليك من رعايا الحكومة المحلية طلبت الابنة وهى بالغة سن الرشد أن تذهب إلى أحد الأديرة كى تترهب فلم يقبل والدها حاولت أن تقنعه فلم تفلح وحاول أن يقنعها فلم يفلح كانت بهذه الابنة تتردد على الدير حيث إنها سبق لها أن تعلمت بالمدرسة التابعة له وأخيرا قالت لوالدها إنها لا يمكنها العدول عن عزمها فلم يصرح لها ذهبت إلى الدير بدعوى الزيارة ومكثت فيه ولم تكن رئيس الدير تضغط على أفكارها من أن تجعلها تعصى أوامر والديها بل تركت لها حرية العمل .
وكان والدها يأتى من وقت لآخر لزيارتها هو ووالدتها وأحد أشقائها وكانت الرئيس فى كل مرة تجعلهم يتحادثون سويا بكل حرية ولا تريد أن تتداخل لهذا الأمر والابنة لا تريد الخروج من الدير والرجوع إلى بيت أبيها .
هل فى الشرع الشريف قانون يخول الوالد حق الالتجاء إلى القوة لإخراج ابنته من الدير وهى راشدة أفيدوا عن ذلك جعلكم اللّه مرشدا للناس جميعا
الجواب(6/98)
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن المنصوص عليه شرعا .
إن بلغت الأنثى فأما أن تكون ثيبا وإما أن تكون بكرا فإن كان ثيبا فحكمها حكم الغلام وهو أنه إما أن يكون غير مأمون على نفسه وإما أن يكون مأمونا على نفسه فإن كان الأول فلا خيار له بل يبقى عند الأب وإن كان الثانى خير فى الإقامة فكذلك الثيب البالغة .
وإن كانت بكرا فإما أن تكون مأمونة على نفسها أو لا فإن لم تكن مأمونة على نفسها فلا خيار لها بل تلزم بالإقامة عند الأب إن كان موجودا فإن لم يكن فعند الجد فإن لم يكن فعند العصبات بالترتيب الأقرب فالأقرب إذا كانوا مأمونين عليها وإن كانت مأمونة على نفسها فما دامت شابة صالحة للرجال فلا تخير أيضا بل تلزم بالمقام عند الأب فإن لم يكن فعند الجد فإن لم يكن فعند العصبات بالترتيب الأقرب فالأقرب وأما إذا صارت مسنة بأن صارت عجوزا شوهاء كما يظهر من كلامهم ومن تعريف المسن فى كتب اللغة وكانت عفيفة فلا تجبر على الإقامة عند أحد بل يتبع رأيها ومن ذلك يعلم الجواب فى هذه الحادثة
حضانة متبنى
المفتي
محمد بخيت .
صفر 1338 هجرية 12 نوفمبر 1919 م
المبادئ
يسلم المتبنى بعد وفاة من تبناه إلى من كان فى ضمه إليه نفع له فيقدم العدل على الفاسق والغنى على الفقير والقادر على حضانته على العاجز عن ذلك
السؤال
تسلمت سيدة طفلين من اللقطاء من مستشفى القصر العينى لتربيتهما والإنفاق عليهما بعد أخذ التعهد عليها .
ثم توفيت هذه السيدة وأصبح الوارث لها شرعا زوجها وأختها ووالدتها ويرغب كل منهم رباية الطفلين والإنفاق عليهما .
فمن يستحق شرعا فى ربايتهما
الجواب
لما كانت السيدة المذكورة ماتت ولها زوج وأخت وأم وكل واحد منهم يريد تربية هذين الطفلين والانفاق عليهما .
نفيد أنه حيث إن كل واحد منهم لم يكن ملتقطا ولم يستلم واحد منهم الولدين من المستشفى .
فمقتضى الحكم الشرعى فى ذلك حينئذ أنهما يسلمان لمن هو أنفع لهما، فيقدم العدل على الفاسق والغنى على الفقير
ــــــــــــــ
اسقاط الحق فى الحضانة غير لازم
المفتي(6/99)
محمد بخيت .
رجب 1338 هجرية 17 ابريل 1920 م
المبادئ
إسقاط الزوجة حقها فى حضانة الابن لا يمنع من رجوعها فى الحضانة وأخذ الولد لأن حق الحضانة يثبت شيئا فشيئا مراعاة لأقوى الحقين فى الحضانة وهو حق الولد
السؤال
رفعت امرأة دعوى شرعية تطلب بها تقدير نفقة من مطلقها لولديه منها ثم اصطلحا أمام المحكمة على تنازل المدعية عن نفقة أحد الولدين مقابل تسليمه لوالده وفرض المدعى عليه على نفسه نفقة للآخر الذى بقى عند المدعية والمحكمة قررت اعتبار هذا الصلح .
بعد ذلك حصل الولد على صورة تنفيذية من محضر الصلح وطلب بها تسلميه الولد لأنه موجود مع والدته والمحافظة رأت أن الحكم لم تؤمر فيه المدعية بتسليم الولد والمحافظة استعلمت من الوزارة عن جواز إجابة طلب التنفيذ من عدمه
الجواب
بعد الاطلاع على الأوراق تبين من صورة الحكم الشرعى المرفقة أن المدعية رفعت دعوى تطلب نفقة لولديها وأجرة حضانة من المدعى عليه وبعد المرافعة اصطلح الخصمان على أن سلمت المدعية للمدعى عليه ابنه واكتفت بأن يكون معها ابنها الآخر بناء على طلب الخصمين والمحكمة قررت اعتبار هذا الصلح .
ونفيد أنه فى تنقيح الحامدية بصحيفة 58 جزء أول طبعة أميرية سنة 1300 أن الحاضنة لو أسقطت حقها فى الحضانة وتريد الان أخذ الصغار لتربيتهم وهى أهل لذلك كان لها ذلك لأنها لا تقدر على إبطال حق الصغير فى الحضانة .
وقال فى شرح الدر ومتن التنوير وإذا أسقطت الأم حقها صارت كميته أو متزوجة فتنقل للجدة ولا تقدر الحاضنة على إبطال حق الخلع وبطل الشرط .
وقال فى رد المحتار بصحيفة 983 جزء ثان طبعة أميرية سنة 1286 عند قوله وإذا أسقطت الأم حقها صارت كميتة أو متزوجة فتنقل للجدة الخ ما نصه (أى تنتقل الحضانة لمن يلى الأم فى الاستحقاق كالجدة إن كانت وإلا فلمن يليها فيما يظهر واستظهر الرحمتى أن هذا الإسقاط لا يدوم فلها الرجوع لأن حقها يثبت شيئا فشيئا فسقط الكائن لا المستقبل أى فهو كإسقاط القسم لضرتها فلا يرد أن الساقط لا يعود لأن العائد غير الساقط بخلاف إسقاط حق الشفعة .
ثم رأيت بخط بعض العلماء عن المفتى أبو السعود فى رجل طلق زوجته ولها ولد صغير منه وأسقطت حقها فى الحضانة وحكم بذلك حاكم فهل لها الرجوع بأخذ الولد (الجواب) نعم لها ذلك فإن أقوى الحقين فى الحضانة للصغير ولئن أسقطت المزوجة حقها فلا تقدم على إسقاطه أبدا .
ثم نقل فى رد المحتار بالصحيفة المذكورة الخلاف فى أن الحضانة حق الحاضنة أو حق الولد فقيل بالأول فلا تجبر إذا امتنعت ورجحه غير واحد وعليه الفتوى وقيل بالثانى فتجبر واختاره الفقهاء الثلاثة أبو الليث والهندوانى وجواهر زاده وأيده فى(6/100)
الفتح بما فى كافى الحاكم الشهيد الذى هو جمع كلام محمد من مسألة الخلع المذكورة .
قال فأفاد أى كلام الحاكم أن قول الفقهاء جواب ظاهر الرواية .
قال فى البحر فالترجيح قد اختلف والأولى الإفتاء بقول الفقهاء الثلاثة .
ثم استدرك بما فى الظهيرية لأن محل جبر الأم بأن لا يكون للصغير ذو رحم محرم أما لو كانت له جدة رضيت بإمساكه دفع إليها وبعد نقل ما ذكر قال قلت .
ويؤخذ من هذا توفيق بين القولين .
وذلك أن ما فى المحيط يدل على أن لكل من الحاضنة والمحضون حقا فى الحضانة فقول من قال إنها حق الحاضنة فلا تجبر محمول على ما إذا لم تتعين لها واقتصر على أنها حقها لأن المحضون حينئذ لا يضيع حقه .
ومن قال انها حق المحضون فتجبر محمول على ما إذا تعينت واقتصر على أنها حقه بعدم من يحضنه غيرها .
ملخصا ومن ذلك يعلم أن إسقاط الزوجة المذكورة حقها فى حضانة الابن المذكور وتسليمها له فى ذلك الوقت أى وقت الصلح لا يمنع من رجوعها فى الحضانة وأخذ الولد لأنها بمطالبتها باستلام الولد لم تكن ممتنعة عن حضانتها والخلاف المذكور إنما هو فيما إذا امتنعت ولم تطلب وأما إذا طلبت فلا كلام فى أن لها ذلك لأن الحضانة تثبت شيئا فشيئا فيصح الإسقاط فى الكائن لا فى المستقبل لأنها لا تقدر على إسقاطها على الدوام مراعاة لأقوى الحقين فى الحضانة وهو حق الولد وبذلك يعلم أن الحكم الصادر من المحكمة فيما اسقطه من حق الحضانة إنما هو فى الحق الكائن عند صدور الحكم ولها حق الحضانة المتجدد بعد ذلك فلا يسقط إلا بإسقاط جديد ولها حق المطالبة به ولا يسرى الحكم المذكور على ذلك الحق المتجدد فلا وجه لتنفيذه عليها فى الحق المتجدد والذى لم يدخل تحت الحكم وهذا إذا كان الولد لا يزال فى سن الحضانة
اختصاص بالحضانة
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
صفر 1341 هجرية 2 أكتوبر 1922 م
المبادئ
1- المختص بدعوى الحضانة والأجور هو المحاكم الشرعية التى تحكم بشريعة البلاد وهى الإسلام وبذلك يكون الحكم الصادر من هذه المحاكم هو النافذ دون غيره .
2- متى كان التوكيل صادرا من الموكل بصفته حاضنا فللوكيل سحب المبالغ المتجمدة من أجور وحضانة وغيرها حسب الوارد بالحكم الشرعى متى كان وكيلا بالقبض .
3- يصرف أجر الحضانة بأكلمه إلى تاريخ وفاة إحدى البنتين بالنسبة لها أما بعد الوفاة فالحاضنة تستحق نصف أجر الحضانة فقط للبنت الأخرى(6/101)
السؤال
بخطاب النائب العسكرى لمصلحة الحدود بما صورته رقم 9 سنة 1992 نمرة 21 - 6 - 148 - أتشرف بكل احترام بأن أعرض على فضيلتكم وقائع المسألة الآتية ملتمسا صدور فتواكم الكريمة على الأسئلة التى تأتى بعد سرد الوقائع حسب الأوراق الموجودة بالملف المرفق مع هذا للتكرم بالاطلاع عليها - حصل الكاتب ب .
د .
الموظف فى هذه المصلحة فى شهر نوفمبر سنة 1917 من المجلس الملى القبطى الأرثوذكسى على حكم يقضى باستلام ابنتيه إ .
وإ المرزوقتين له من الست د ق وحصلت والدة هذه الأخيرة الست ر م على حكم من محكمة مصر الشرعية ضده فى 27 أكتوبر سنة 1918 يقضى بتقدير حضانة لها ونفقة للبنتين المذكورتين باعتبار 80 قرشا شهريا حضانة لها عن البنتين وماية قرش نفقة شهرية للبنت إ .
و 50 قرشا نفقة شهرية للبنت إ .
و 80 قرشا لكل أربعة أشهر بدل كسوة لهما أعنى كل واحد 40 قرشا فاعترض المحكوم ضده ب .
د. على الحكم الشرعى مشيرا بأن حكم المجلس الملى المذكور هو الواجب تنفيذه ويقضى هذا الحكم بتسليم كريمتيه المذكورتين لجدتهما لأبيهما وليس لجدتهما لأمهما فعرضت وزارة الداخلية على فضيلتكم هذين الحكمين كما جاء بكتابها- 143 إدارى الرقيم 29 أكتوبر سنة 1918 وطلبت هذه الوزارة فى الوقت نفسه إيقاف تنفيذ الحكم الشرعى المذكور إلى أن يفصل فى هذه المسألة بمعرفة فضيلتكم وبتاريخ 23 مايو سنة 1920 صدر إقرار كتابى من الست روزينا مسكوفاتى الحاضنة تعترف فيه بأن كريمتها دولت قصبجى أخذت إبنتيها المذكورتين فى آخر شهر أبريل سنة 1919 وهى جارية الصرف عليهما فى المدرسة من طرفها بصفة غير رسمية وأنها لم تتنازل قط عن الحضانة لا لوالدتها ولا لوالدهما إلا أنه صدر حكم آخر بذلك وقبل صدور الإقرار قد كان وافق بشارة أفندى دوس بصرف المتجمد للحاضنة لغاية تاريخ استلام الأم لابنتيها بكتاب رقم 2 فبراير سنة 1920 برسم جناب قومندان الخارجية والداخلية بمصلحة أقسام الحدود وبناء على ذلك لم تر وزارة الخارجية مانعا من الصرف إلى آخر ما جاء بكتابها رقم 15 أبريل سنة 1920 نمرة 16 سايره وبتاريخ 29 مايو سنة 1920 كتبت هذه المصلحة إلى جناب محافظ الصحراء الشرقية والجنوبية مستفهمة عما إذا كان الكاتب بشارة أفندى دوس هو القائم بالصرف على البنتين فى المدرسة بتاريخ 6 يوليو سنة 1920 ورد الرد على ذلك من جناب المحافظ المذكور يفيد بأن بشارة أفندى دوس يرغب لغو طلبه وهو سينظر فيه بنفسه دون دخل المصلحة وبلغت هذه الإجابة لوزارة الداخلية ضمن كتاب المصلحة بتاريخ 15 يوليو سنة 1920 وبمقتضى توكيل رسمى صادر للست دولت قصبجى من والدتها الست روزينا المذكورة ومصدق عليه من محكمة الأزبكية الجزئية الأهلية بتاريخ 4 يونيو سنة 1922(6/102)
وكلت هذه الأخيرة الأولى بصرف جميع المتجمد من حضانة ونفقة من يوم صدرو الحكم الشرعى السابق ذكره لغاية 27 سبتمبر سنة 1920 تاريخ وفاة
المرحومة إيفلين كشهادة المستوصف الإيطالى الرقمية 29 - 4 - 2- 1922 أما فيما يختص بالابنة إيفون فلحين بلوغها التسع سنوات .
وبتاريخ 20 يونيو سنة 1922 أرسلت هذه المصلحة لوزارة الداخلية التوكيل المذكور وشهادة الوفاة المذكورة فأجابتها الداخلية ضمن كتابها المرفق طيه نمرة 293 رقم 1 - 8 - 1922 بأن فضيلتكم لم تبتوا للآن فى أمر تسليم البنتين المذكورتين وهنا يلاحظ بأن الست دولت قدمت عريضة للمصلحة تذكر فيها بأن فضيلتكم اصدرتم فتواكم الكريمة فى هذا الشأن وطلبت الوزارة فى الوقت نفسه أن تأخذ ملاحظات بشارة أفندى دوس نحو صرف المبالغ المتجمدة التى ارسلها للمصلحة بتاريخ 15 - 8 سنة 1922 المرفقة مع هذا للتكرم بالاطلاع عليها أيضا فبناء على ما تقدم أرجوكم صدرو فتواكم الكريمة (أولا - عما إذا كان الحكم الشرعى المذكور هو النافذ المفعول دون غيره .
ثانيا - عما إذا كان يجب صرف المتجمد بمقتضى التوكيل الصادر للست دولت قصبجى من والدتها الست روزينا بصفتها الحاضنة للبنتين المذكورتين وعدم الأخذ باعتراضات المحكوم ضده بشارة أفندى دوس من كل الوجوه .
ثالثا - عما إذا كان يجب صرف قيمة الحضانة بأكملها حتى بعد وفاة البنت إيفلين أو نصف الثمانين قرش صاغ ميرى التى كانت قررت كحضانة للبنتين معا فى الحكم المذكور وإنى أكرر رجائى باعتبار هذه المسألة من المسائل التى تتطلب البت بسرعة .
وتفضلوا بقبول فائق شكرى وعظيم احترامى
الجواب
علمنا ما جاء بخطاب جنابكم رقم 9 سبتمبر سنة 1922 نمرة 21 - 9 - 148 وما معه من الأوراق المرافقة له المتعلقة بالأحكام الصادرة بخصوص بشارة أفندى دوس الكاتب وما يطلب الإفادة عنه من الأسئلة التى وردت به ونحن نجيب عليها حسب الترتيب الوارد بإفادة جنابكم فنقول جوابا عن السؤال الأول قد جاء فى الوجه الثامن من الأوجه الذكورة بالفتوى الصادرة بتاريخ 28 أكتوبر سنة 1918 نمرة 93 فتاوى جزء 16 تحت عنوان بيان المحكمة المختصة بنظر الدعاوى التى ترفع بشأن المواد الخمسة المذكورة وأمثالها المستفهم عنها من وزارة الداخلية بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1918 نمرة 146 ومنها الحادثة المستفهم عنها الآن ما يفيد أن المختص بنظر هذه الدعاوى وأمثالها هو المحاكم الشرعية التى تحكم بشريعة البلاد وهى شريعة الإسلام ونحن نقر ذلك وبناء عليه يكون الحكم الشرعى الصادر فى هذه الحادثة هو النافذ المفعول دون غيره .
ونقول جوابا عن السؤال الثانى - إنه متى كان التوكيل المذكور محققا صدوره من الست روزينا بصفتها حاضنة لبنتى بنتها الست دولت قصبجى إلى بنتها المذكورة فى الأمر الذى وكلت فيه حسب ما جاء بخطاب جنابكم فلها سحب المبالغ المتجمدة فى خزانة مصلحة أقسام الحدود من أجرة حضانة وبدل كسوة المستحقة لها حسب(6/103)
البيان الواضح بالحكم الشرعى بمقتضى ذلك التوكيل القاضى بإنابتها إياها فى قبض جميع المبالغ التى وكلتها بقبضها بالتطبيق لما تضمنه التوكيل المشار إليه ومن ذلك يعلم أن للست روزينا المذكورة الحق فى صرف المتجمد لها من أجرة الحضانة لغاية تاريخ وفاة إحدى البنتين المسماة إيفلين التى توفيت فى 27 سبتمبر سنة 1920 كما أن لها الحق فى صرف المتجمد لها من النفقة لغاية وفاة البنت المذكورة بقى ما يختص بالنبت الأخرى الموجودة على قيد الحياة للآن المسماة إيفون ونقول إن لجدتها الست روزينا الحق فى صرف المتجمد لها من أجرة الحضانة والنفقة من وقت صدور الحكم الشرعى ومنه يعلم أيضا أنه لا وجه للأخذ باعتراضات المحكوم ضده بشارة أفندى دوس .
ونقول جوابا عن السؤال الثالث إنه يجب صرف قيمة الحضانة بأكملها إلى وقت وفاة إيفيلين إحدى البنتين أما بعد وفاتها فتستحق الحاضنة نصف الأجرة التى كانت مقررة لحضانة البنتين معا لأنها فى مقابل حضانتها لكل منهما فتنتصف حينئذ وبوفاة إحداهما يسقط ما كان مقابلا لحضانة جدتها لها والأوراق عائدة من طيه كما وردت وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
حضانة الجدة لأب
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
رمضان 1344 هجرية مارس 1926 م
المبادئ
الجدة لأب أحق بحضانة الصغيرة من الخالة متى كانت مستوفية شرائط الحضانة الشرعية
السؤال
بنت صغيرة فى سن الحضانة توفيت والدتها ولم يكن لها من الأقارب سوى جدتها أم أبيها وخالتها الشقيقة المتزوجة .
فهل إذا كانت جدتها أم أبيها المذكورة أهلا للحضانة ومستوفية شرائطها الشرعية تكون أحق بحضانة البنت المذكورة من خالتها الشقيقة المتزوجة أم كيف الحال مع العلم بأن الجدة أم الأب المذكورة متزوجة بأب أب الصغيرة وأن الخالة المذكورة متزوجة بأجنبى عن الصغيرة
الجواب
متى لم يكن للصغير المذكورة من الأقارب سوى جدتها أم أبيها وخالتها الشقيقة المذكورتين بالسؤال وكانت الجدة المذكورة أهلا للحضانة ومستوفية شرائطها الشرعية وكانت الصغيرة فى سن الحضانة كما ذكر كانت الجدة أحق بحضانتها من الخالة .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال .
واللّه تعالى أعلم
ــــــــــــــ(6/104)
حضانة المرتدة وميراثها قبل الردة
المفتي
عبد المجيد سليم .
شعبان 1349 هجرية 6 يناير 1931 م
المبادئ
1 - المرتدة لها حق حضانة الصغير ما لم يعقل الأديان فإذا عقل الأديان أو خيف عليه أن يألف الكفر سقط حقها فى الحضانة .
2 - المرتدة ترث زوجها إذا مات وهى مسلمة وكان ارتداها بعد الوفاة
السؤال
رجل مسلم تزوج من ابنة مسيحية بعد إسلامها بعقد شرعى ورزق منها بابنتين إحداهما تبلغ من العمر عشر سنوات والأخرى عمرها سنتان ومفطومة عن الرضاعة وقد توفى هذا الزوج منذ عام ونصف وقد قام والد المتوفى بواجبات زوجة ابنه فى دخولها العدة وما يلزمها ويلزم أولادها القصر بتقديم جميع المصاريف اللازمة لمعيشتهم وسكنهم وخلافهما ولكن حدث أن رجعت الزوجة إلى دينها (ارتدت) والبنتان الآن في حضانة الزوجة المرتدة فهل يجوز ذلك شرعا مع العلم بأن للبنتين جدة هى والدة والدهم المتوفى فهل من الممكن أن يأخذهما جدهما لأبيهما بالوجه الشرعى وتقوم جدتهما بتربيتهما خشية أن تؤثر الوالدة عليهما فيعتنقان الدين المسيحى وهل ترث الزوجة المرتدة أم لا
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أولا أنه لا شبهة فى أن المرأة المذكورة ليس لها حق فى حضانة البنت التى بلغت من السن عشر سنوات إنما الكلام فى أن لها حقا فى حضانة البنت الصغيرة أم لا صرح الفقهاء بأن من شرائط ثبوت حق الحضانة للأم أن لا تكون مرتدة وعللوا ذلك بأن المرتدة تحبس فيتضرر به الصبى لأنها حينئذ لا تتفرغ للحضانة .
ومقتضى هذا التعليل أن سقوط حق المرتدة فى الحضانة ليس لذات الردة بل لما يترتب عليها من الحبس بالفعل وعدم التفرغ للحضانة فإذا لم تحبس لم يكن هناك ضرر على الصغير فى بقائه عند والدته فلا يكون هناك مقتض لزوال حق الحضانة عنها وهذا ما نستظهره من كلام الفقهاء نعم إذا بلغت الصغيرة مبلغ من يعقل دينا بأن بلغت سبع سنين على ما استظهره صاحب النهر فى ولد الذمية المسلم أو خيف عليها أن تألف الكفر سقط حينئذ حقها فى حضانتها لتضررها حينئذ ببقائها عند والدتها كما هو الحكم فى الذمية الحاضنة للولد المسلم .
وثانيا أن الزوجة المذكورة ترث زوجها لأنها كانت مسلمة حال وفاته وارتدادها بعد الوفاة لا يؤثر فى إرثها .
هذا ما ظهر لنا واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
حضانة الفاسقة
المفتي(6/105)
عبد المجيد سليم .
ذى القعدة 1351 هجرية 52 مارس 1933 م
المبادئ
1- إذا ترتب على فسق الحاضنة ضياع الولد عندها سقط حقها فى الحضانة وإلا فهى أحق به ما لم يعقل ذلك وانتقل الحق إلى من يليها فيه .
2 - للأب ضم ابنته إليه ليقوم بشئونها حتى يطلب صاحب الحق فى الحضانة بعد الأم ضمها إليه .
3 - مذهب الشافعى أن الفسق بترك الصلاة مسقط عنده للحضانة
السؤال
سيدة فى حضانتها بنت صغيرة سن خمس سنوات من مطلقها المتزوج بغيرها وليس معه أطفال من زوجته الجديدة اتصلت السيدة السابقة المذكورة ببعض أشخاص اتصالا غير شريف أثبتته التحقيقات الجنائية رغم وجودها فى مسكن واحد مع والدتها العجوز وهى غير متزوجة أيضا ثم حصل زعل بين هذه السيدة وبين صديقها المذكور فبلغت عنه أنه فسق فى بنتها وهتك عرضها وقامت النيابة بالتحقيق فأثبت الرجل الصديق سوء خلق السيدة وعلاقتها الغير شريفة به وبالغير وقدم المستندات المثبتة لذلك الأمر فضلا عن عدم إثبات جريمة هتك عرض البنت الصغيرة ضده، هذه السيدة كانت أثناء ذلك كله مع والدتها العجوز فى مسكن واحد ورغم ذلك كانت تتصل بشبان الجهة والجيران كما أثبت ذلك التحقيق وضعف والدتها عن مراقبتها .
قهل يجوز لوالد البنت الصغيرة أن يضمها إليه رغم حداثة سنها الحالى وهو يقل عن السن القانونى ومع كل هذه المخازى والظروف تؤتمن هذه الأم على رعض ابنتها التى أهملت فى المحافظة عليه إن كان إدعاؤها ضد عشيقها صحيحا أو اتخاذها عرض البنت للانتقام من عشيقها إن كان كذبا ضده
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال وعلى ما جاء بجواب هذا السائل لدار الإفتاء بتاريخ 16 مارس سنة 1933 زيادة عما فى هذا السؤال من أن المطلقة المذكورة تزوجت بشخص آخر الآن .
ونفيد بأنه قد جاء فى رد المحتار بعد كلام ما نصه والحاصل أن الحاضنة إن كانت فاسقة فسقا يلزم منه ضياع الولد عندها سقط حقها وإلا فهى أحق به إلى أن يعقل فينزع منها كالكتابية .
فعلم أن الفاسقة بالزنا يسقط حقها فى الحضانة بأحد أمرين الأول أن يلزم من بقاء الولد عندها ضياعه باشتغالها عنه بالخروج من المنزل ونحوه والثانى أن يعقل فجورها فإذا وحد أحد هذين الأمرين سقط حقها فى الحضانة وانتقل حق الحضانة إلى من بعدها ممن له الحق فيها وظاهر أنه إذا عقل الولد الفجور كان ذلك مسقطا حضانة أمه ولحضانة حدته التى تسكن مع أمه لأن المناط فى سقوط حضانة الأم رؤثيه الفجور مع التمييز وكما يسقط حق الحاضنة بما ذكر يسقط حقها أيضا بتزويجها بأجنبى من الصغيرة فإذا كان زوج هذه الملطقة الثانى أجنبيا من الصغيرة(6/106)
بأن لم يكن ذا رحم محرم للصغيرة سقط حق أمها فى حضانتها وانتقل إلى من له الحق بعدها هذا، وللأب أن يطلب تسلمها من الأم ساقطة الحضانة ليقوم بشئونها إلى أن يطلب حضانتها من له الحق فيها .
هذا كله على مذهب الحنفية وقد نقل صاحب الدر أن مذهب الإمام الشافعى رحمه اللّه أن الفاسقة بترك الصلاة لا حضانة لها وعليه يكون الزنا مطلقا مسقطا للحضانة فى مذهب الإمام الشافعى سواء ترتب عليه ضياع الولد أم لا وسواء أعقل الولد أم لا .
وبما ذكر ظهر الجواب عن هذا السؤال واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ــــــــــــــ
حضانة الفاسقة وغير المسملة
المفتي
عبد المجيد سليم .
صفر 1357 هجرية ابريل 1938 م
المبادئ
الولد المسلم إنما يحضنه من لا يخشى عليه منه لا فى شخصه ولا فى دينه ولا فى خلقه وسلوكه
السؤال
امرأة مسيحية عاشرت زوجها 18 سنة ثم أغواها شخص مسيحى آخر متزوج وله أولاد فتركت زوجها وأولادها وهو أيضا ترك زوجته وأولاده ورحل اثنان إلى منطقة أخرى حيث اعتنقا دين الإسلام تبرر هذه الزوجة مسلكها بأنها كانت تتاجر بعرضها ثم سئمت حالتها وتعترف بأن زوجها كان يدرى بمسلكها الشائن ويتغاضى عنه طمعا فى المال لذلك لجأت للشخص الثانى .
وأما زوجها فيتهمها بتهم شائنة يشهد على صحتها ابنه منها وكثير من الجيران وثبت ذلك رسميا من الشهود ومن اعترافاتها ولهذه المرأة ابنة قاصرة فى السابعة من عمرها ومن الغريب أن لهذه الزوجة والدة وإخوة يشار إليها بالبنان من حيث أخلاقهم السامية وقدرتهم .
هذا، مع أن أمها وإخوتها مسيحيون ثلاثة .
لذلك ما الرأى فى حضانة هذه الابنة القاصرة هل يصح حضانة الأم مع اعترافها رسميا بمسلكها الخطر على الأخلاق ومع شهادة شهود كثيرين بذلك وهل تصح حضانة الأب مع اتهام الأم له بأنه كان يتغاضى عنها أم لا تصح لكل منهما ولمن تكون الحضانة هل هى لجدتها وأخوالها علما بأن هذه الزوجة مازالت تتردى فى مهاوى الرذيلة .
ويخشى على الطفلة منها
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أولا أن البنت المذكروة تعتبر شرعا مسلمة تبعا لإسلام أمها وثانيا أن فقهاء الحنفية قد صنوا على أن الحاضنة إذا كانت فاسقة فسقا يلزم منه ضياع الولد عندها سقط حقها وإلا فهى أحق به ما لم يعقل فينزع من يدها(6/107)
كالكتابية (يراجع رد المحتار فى أول باب الحضانة) والظاهر أن يقدر تعقله ما تفعله الأم بسبع سنين كما قدر ذلك فى الكتابية كما أنه من الظاهر أن محل بقائه فى يد الحاضنة الفاجرة إذا لم يلزم منه ضياع ولم يكن قد بلغ من العمر سبع سنين ما إذا لم يخش عليه ذلك ينزع منها وإن لم يبلغ سبع سنين والخلاصة أن الأم أحق بالولد ذكرا كان أ، أنثى ما لم تكن فاجرة فجورا يلزم منه شياع الولد أو كان يعقل ما تفعله الأم من الفجور بأن كان سنه سبع سنوات أو خيف أن يألف تناول ما تتناوله من مشروب أو مأكول محرم .
ثالثا قد نص الفقهاء أيضا على أن الحاضنة غير المسلمة أحق بالولد المسلم ما لم يعقل الأديان بأن كان سنه سبع سنوات ولم يخف عليه أن يألف عقائد وعادات غير المسلمين فإن بلغ سنه سبع سنوات أو خشى عليه ما ذكر لم يكن للحاضنة غير المسلمة حق فى حضانته حينئذ وكان الأمر فى حفظه مفوضا لرأى القاضى ما لم توجد حاضنة لا يترتب على حضانتها إياه شىء مما ذكر فصار الحاصل أن الولد المسلم إنما يحضنه من لا يخشى عليه منه لا فى شخصه ولا فى دينه ولا فى خلقه وسلوكه .
وبهذا علم الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر واللّه أعلم
ــــــــــــــ
العمة الشقيقة أحق بالحضانة من جدة الأم
المفتي
عبد المجيد سليم .
صفر1360 هجرية مارس 1941 م
المبادئ
إذا لم يكن للصغير سوى عمة شقيقة وأم جده لأمه فحضانته للعمة شقيقتة والده لالأم أبى الأم
السؤال
توفى رجل عن زوجتة وبنت صغيرة عمرهاسنتان وعقب وفاته تزوجت زوجته من أجنبى لا صلة له بالمتوفى .
وليس للبنت الصغيرة جدة لأبيها ولا لأمها ولا إخوة ولا أخوات ولا بنات أخت ولا خالات وليس لها من الأقارب من هو أقرب فى الدرجة لحضانتها سوى عمه شقيقة لأبيها ووالدة جدها لأمها .
فمن أحق بحضانة البنت المذكورة
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه قد جاء فى البحر عن الخصاف ما نصه فإن كان للصغير جدة الأم من قبل أبيها وهى أم أبى أمه فهذه ليست بمنزلة من كانت من قرابة الأم من قبل أمها .
وكذلك كل من كان من قبل أبى الأم فليس بمنزلة قرابة الأم من قبل أمها .
وجاء فيه أيضا نقلا عن الولواجية جدة الأم من قبل الأب وهى أم أبى الأم لا تكون بمنزلة من كانت من قرابة الأم لأن هذا الحق لقرابة الأم .(6/108)
قال فى البحر بعد هذا وظاهره تأخير أم أبى الأم عن أم الأب بل عن الخالة أيضا وقد صارت حادثة للفتوى فى زماننا انتهت عبارة البحر وكما أن ظاهر ما نقله صاحب البحر عن الخصاف والولوالجية تأخر أم أبى الأم عن الخالة .
فظاهره تأخير أم أبى الأم عن العمة أيضا ولعل اقتصار صاحب البحر على تأخيرها عن الخالة لأنها كانت حادثة الفتوى فى زمانه .
وإلا فالأمر كما قلنا من أن الظاهر تأخيرها عن العمات أيضا وقد بحثنا فى كثير من الكتب عن تقديمها على العمة فلم نجد ما يفيد ذلك .
وعلى هذا يكون الظاهر أن الحضانة فى السؤال للعمة شقيقة والد الصغيرة لا لأم أبى الأم هذا ما ظهر لنا واللّه سبحانه وتعالى أعلم
حضانة الصغير
المفتي
عبد المجيد سليم .
جماد أول 1360 هجرية 1 يونيه 1941 م
المبادئ
المادة العشرون من القانون رقم 25 لسنة 1929 من صيغ العموم وتتناول ما عدا الم من الحاضنات
السؤال
نصت المادة السابعة من القانون رقم 25 لسنة 1929 على أن للقاضى أن يأذن بحضانة النساء للصغير من سبع سنين إلى تسع وللصغيرة من تسع إلى إحدى عشر سنة وبالمذكرة التفسيرية أن شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن فى ذلك إلخ فهل الذى ينتفع بهذه المادة الأمهات فقط أو جميع الحاضنات
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن صيغة المادة العشرين من القانون رقم 25 سنة 1929 (لا المادة رقم 7 كما جاء بالسؤال) من صيغ العموم تتناول من عدا الم أيضا من الحاضنات .
وما جاء بالمذكرة التفسيرية إنما قصد به مجرد التمثيل فيتفق ما فيها مع عموم المادة على أنه لو فرض أن ما جاء بهذه المذكرة لم يقصد به ما ذكرنا فلا يصلح ما جاء بها مخصصا للعموم فى المادة المذكروة، واللّه أعلم
سقوط الحضانة بكبر السن
المفتي
عبد المجيد سليم .
جماد أول 1361 هجرية 26 مايو 1942 م
المبادئ(6/109)
بلوغ من تستحق الحضانة سنا لا تستتطيع معه القدرة والمحافظة على المحضون مسقط لحقها فى الحضانة وينتقل الحق فى الحضانة إلى من يليها متى تحققت شروطها
السؤال
من أ ج قال توفيت زوجة عن ولدين وبنت وجدة الأولاد لأمهم متوفاه وجدة أمهم لأمها موجودة ولكنها مسنة حيث قاربت التسعين عاما وغير قادرة على حضانة الولاد وعاجزة عن القيام بشئونهم .
فهل مع وجود هذه الحالة يكون لها الحق فى أن تحضن الصغار أم تنتقل لمن يليها شرعا وهى جدة الأولاد لأبيهم
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه إذا كان الحال كما ذكر به لم يكن لأمن أم أم الأولاد حق فى حضانتهم لانعدام قدرتها على حفظ الأولاد وتربيتهم وقد اشترط فى الحاضنة أن تكون قادرة على تربية الأولاد وحفظهم .
وإذا لم يكن لها حق فى الحضانة كان الحق لمن يليها فى الحضانة إذا توافرت شروط الحضانة فيها واللّه أعلم
حضانة المعتوه
المفتي
عبد المجيد سليم .
جمادى الثانية 1361 هجرية 18 يونية 1942 م
المبادئ
حضانة المعتوه تكون لمن هو أصلح لهس فإذا كان ضمه إلى النساء أصلح له كأن كان شديد العته وفى حاجة شديدة إليهن ضم إليهن وإن كان العاصب أقدر على حفظه ضم إليه
السؤال
من ص ش قال رجل معتوه محجور عليه ومشمول بقوامة شقيقته وشقيقات أخريات لم يطالبن بأخذه وقد وضعت زوجة أخيه الأجنبية عنه وولدها من الآخ المذكور المتوفى أيديهما على هذا المعتوه وامتنعا من تسليمه لشقيقه القيم عليه مع العلم بأن ولد الأخ المذكور لا يزال طالبا بالمدارس وعمره اثنان وعشرون سنة .
فمن هو الأحق بإمساك المعتةه المذكرو الذى هو كالصغير غير المميز هل هى شقيقته القيم عليه والتى هى أقرب محرم إليه ومن وظيفتها القيام على رعايته ورعاية مصالحه أم زوجة الأخ وابنها .
أرجو التفضل بالإجابة مع قبول احترامى
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أنه قد جاء فى حشاية رد المحتار على الدر المختار ما نصه فى الجوهرة ( ومن بلغ معتوها كان عند الأم سواء كان ابنا أو بنتا ) انتهى - وفى الفتح ( والمعتوه(6/110)
لا يخير ويكون عند الأم ) انتهى - قال فى البحر بعد نقله ما فى الفتح (وينبغى أن يكون عند من يقول بتخيير الولد وأما عندنا أى الحنفية فالمعتوه إذا بلغ السن المذكور أى الذى ينزع فيه من الأم يكون عند الأب) انتهى .
وتبعه فى النهر وهو الموافق للقواعد .
وتأمل . انتهت عبارة رد المحتار وعلق المرحوم الشيخ الرافعى فى تقريره على رد المحتار على ما قاله صاحب البحر من قوله وينبغى عند من يقول بتخيير الولد إلخ بما نصه (اللازم هو العمل بنص المذهب وإن لم يظهر وجهه مع أن المعتوه لا يستغنى عن الحاضنة بل قد يكون احتياجه لها أشد) تأمل - انتهى - وخلاصة هذا أن المعتوه البالغ هل يعتبر كالصغير الذى لم يبلغ سبع سنوات فيكون عند حاضنته من النساء الأم أو غيرها ممن يليها إذا كانت أهلا للحضانة ولم تكن متزوجة بغير محرم منه ولا ينزع من حاضنته فعلى ما جاء فى الجوهرة والفتح يكون عند حاضنته من النساء الأم ثم أم الأم وإن علت ثم أم الأب وإن علت ثم الأخت لأب وأم إلخ إذا كانت أمينة قادرة غير متزوجة بأجنبى منه .
والمراد بالأجنبى غير القريب المحرم وهذا هو الذى أيده المرحوم الشيخ الرافعى فى تقريره بأنه نص المذهب وأما على ما قاله صاحب البحر وتبعه عليه صاحب النهر وأيده ابن عابدين بأنه هو الموافق للقواعد يكون الحق فى ضمه وحفظه لأقرب عاصب إليه كابن الأخ إذا كان ابن أخ شقيق أو لأب متى كان قادرا على حفظ المعتوه وأمينا على نفسه وماله .
ويؤيد هذا ما قالوه فى عامة كتب الأصول من أن المعتوه كالصبى العاقل فى كل الأحكام ما عدا ما استثناه الدبوسى فى العبادات ورده أيو اليسر راجع رد المحتار الصحفة الرابعة من الجزء الثانى والذى نراه فى هذا الموضوع أنه ينظر فى ذلك غلى من يكون ضمه إليه أصلح للمعوه فإذا كانت الحاضنة من النساء أعظم قياما بشئونه لشدة عتهه وشدة إحتياجه إلى خدمة النساء كان عندها متى كانت أهلا واستوفت شروط الحضانة مما قلناه .
وإذا كان ضمه إلى العاصب أصلح له بأن كان أقدر على القيام بشئونه وحفظه إذا خرج من المنزل مثلا كان عند اقرب عاصب له من الرجال متى كان أمينا على نفس المعتوه وماله وقادرا على حفظه .
وعلى القاضى أن ينظر فى خصوص الواقعة ويقضى بما هو اصلح للمعتوه .
وبما ذكرنا على الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر به واللّه سبحانه وتعالى أعلم
عودة الحضانة بعد اسقاطها
المفتي
عبد المجيد سليم .
ربيع الثانى 1363 هجرية 6 أبريل 1944 م
المبادئ(6/111)
إذا أسقطت الم حقها فى الحضانة وقبلها من يليها فيها ثم عادت تطلب حقها فى الحضانة كان لها ذلك لأن حقها يثبت شيئا فشيئا فيسقط الكائن لا المستقبل ولا يرد عليه أن الساقط لا يعود لأن العائد غير الساقط بخلاف إسقاط حق الشفعة فإنه لا يعود لثبوته مرة واحدة لأن أقوى الحقين فيها حق الصغير
السؤال
جدة لأم سلمت للجدة لأب ابنة بنتها المتوفاة وتنازلت للجدة لأب عن حقها فى حضانة الصغيرة بإشهاد شرعى ثم عادت الجدة للأم وطلبت من الجدة للأب رد الصغيرة إليها متمسكة بأولويتها فى الحضانة عن الجدة للأب .
فهل يعود لها حق الحضانة بعد إسقاطه لأنه مما يتجدد أم هو من الساقط الذى لا يعود
الجواب
نفيد أنه قد جاء فى الدر من باب الحضانة من الجزء الثانى نقلا عن البحر (وإذا أسقطت الأم حقها صارت كميتة أو متزوجة فتنقل للجدة) وعلق على ذلك ابن عابدين فى رد المحتار بما نصه أى تنتقل الحضانة لمن يلى الأم فى الاستحقاق كالجدة إن كانت وإلا فلمن يليها فيما يظهر واستظهر الرحمتى أن هذا الإسقاط لا يدوم فلها الرجوع لأن حقها يثبت شيئا فشيئا فيسقط الكائن لا المستقبل انتهى أى فهو كإسقاط القسم لضرتها فلا يرد أن الساقط لا يعود لأن العائد غير الساقط بخلاف إسقاط حق الشفعة .
ثم رأيت بخط بعض العلماء عن المفتى أبى السعود مسألة فى رجل طلق زوجته ولها ولد صغير منه وأسقطت حقها من الحضانة وحكم بذلك حاكم فهل لها الرجوع بأخذ الولد الجواب نعم لها ذلك فإن أقوى الحقين فى الحضانة للصغير ولئن أسقطت الزوجة حقها فلا تقدر على إسقاط حقه أبدا) انتهى من رد المحتار .
هذا ولا فرق بين الجدة والأم فى هذا الإسقاط فكما للأم بعد الإسقاط أن ترجع كذلك الجدة أم الأم إذا أسقطت حقها فلها أن ترجع لما علل به الرحمتى ما استظهره .
وبهذا يعلم الجواب عن السؤال واللّه تعالى أعلم
حق الحضانة للعصابات بالترتيب
المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1364 هجرية 27 يونية 1945 م
المبادئ
إذا لم يكن للصغير أحد من محارمه النساء أو كان له منهن من هو ساقط الحضانة انتقلت الحضانة إلى العصبات بترتيب الإرث
السؤال
رجل مات قتيلا وترك ولده الصغير وعمره ثلاث سنوات وقد اتهمت جدة الصغير لأمه بقتله وسجنت .
وليس للولد الصغير حاضن من قبل أمه أو من قبل أبيه .(6/112)
أو من هو أهل للحضانة من قبلهما .
وللولد الصغير عم لأب . وتريد النيابة تسليمه إلى أحد أحق به فدار الأمر بين عمه وبين أخ جدته المسجونة فهل الأحق بتسليمه إليه عمه أو خال والدته
الجواب
إن نصوص فقهاء الحنفية تقضى بأنه إذا لم يكن للصغير أحد من محارمه النساء أو كان له من النساء من هو ساقط الحضانة انتقلت الحضانة على العصبات بترتيب الإرث يقدم الأب ثم الجد ثم الأخ الشقيق ثم لأب ثم بنوه كذلك ثم العم ثم بنوه .
وعلى هذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال ولم يكن للصغير المذكور من العصبات من هو أقرب إليه من العم لأب وكان بهذا العم مأمونا على نفس الولد وما له كان أحق بتسليم الولد من خال والدته فيسلم إليه لا إلى الخال المذكور لأنه من ذوى الأرحام المؤخرين عن العصبات .
وبهذا علم الجواب عن السؤال إذا كان الحال كما ذكرنا به
ــــــــــــــ
فقد بصر الحاضنة أثره فى الحضانة
المفتي
حسن مأمون .
شوال 1377 هجرية 4 مارس 1958 م
المبادئ
1 - مجرد فقد البصر غير مانع من حق الحضانة مادامت الحاضنة قادرة على حضانة الصغير والمحافظة عليه .
2 - يسقط الحق فى الحضانة إذا كان فقد البصر يحول دون مصلحة الصغير والمحافظة عليه
السؤال
من السيد بطلبه أن بنته كانت متزوجة وتوفى عنها زوجها بعد أن رزقت منه بولد سنه الآن أربع سنوات ونصف، وقد فقدت بصرها بسبب مرض قبل وفاة زوجها، وأن جدة الولد لأبيه تنازعها فى حضانة ابنها بعد وفاة والده، وسأل هل هناك مانع من صلاحية الأم فاقدة البصر لحضانة طفلها .
وإذا كان هناك مانع وللصغير جدة لأم مع جدته لأبيه فأيتهما أحق بحضانته
الجواب
إن المنصوص عليه شرعا أن فقدان الأم المذكورة لبصرها لا يمنع من حضانتها لابنها المشار إليه ما دامت قادرة على تربيته والمحافظة عليه، لأن المدار فى حق الحضانة على مصلحة الصغير وحده، فمتى وجدت مصلحته وجد معها حق الحضانة .
فإذا فرض وأن فقدان هذه الأم لبصرها يحول دون رعايتها مصلحة ابنها والمحافظة عليه لم تكن أهلا لحضانته، وانتقل هذا الحق لمن يليها فيه شرعا وهى الجدة لأم، لأنها مقدمة فيه على الجدة لأب .
وبهذا علم الجواب عن السؤال .(6/113)
والله أعلم .
ــــــــــــــ
حضانة
المفتي
أحمد هريدى .
14 سبتمبر 1966 م
المبادئ
1 - الأصل فى الحضانة أن تكون للنساء لقدرتهن على تربية الطفل ومعرفتهن بما يلزمه ولكثرة شفقتهن عليه .
2 - الجدة لأم أحق بحضانة أولاد بنتها المتوفاة ما داموا فى سن حضانة النساء .
3 - لا حق للأب فى الحضانة مادام الأولاد فى سن الحضانة ولو كان غير متزوج .
4 - لا تلزم أم الأم بالانتقال إلى مسكن الأب مهما كان ذلك المسكن لتقوم بواجب الحضانة فيه، لأن ذلك غير جائز شرعا متى كانت أجنبية منه وغير محرم له
السؤال
من السيد المتضمن أن سيدة توفيت عن أربعة أطفال ابن عمره سبع سنين وثلاثة أشهر وبنت عمرها خمس سنين وأخرى عمرها سنتان وطفل رضيع عمره شرهان وأن والد هؤلاء الأطفال يشغل وظيفة محترمة، ويسكن مسكنا لائقا محترما وغير متزوج، وللسيدة المتوفاة أم خالية الأزواج، وتسكن فى مسكن لائق ومحترم .
وطلب السائل بيان الحكم الشرعى والقانونى فى حضانة هؤلاء الأولاد لمن تكون، وإلى أى سن من عمرهم، وهل تلزم أم الأم بالانتقال إلى مسكن والد الأطفال لتقوم بحضانتها فيه
الجواب
المقرر شرعا أن الأصل فى الحضانة أن تكون للنساء، لأن المرأة أقدر وأصبر من الرجل على تربية الطفل، وأعرف بما يلزمه وأعظم شفقة عليه .
فأولى النساء بحضانة الطفل أمه النسبية متى توافرت فيها الشروط اللازمة للحضانة، فإن لم تكن الأم موجودة أو كانت غير مستوفية للشروط فالحضانة لأم الأم وإن علت، ثم لأم الأب، وهكذا على ترتيب لاحظ فيه المشرع وفرة الشفقة وكمال العاطفة فى الحاضنة رعاية لمصلحة الصغير صاحب الحق الأوفر فى الحضانة، وليس للرجال حق فى حضانة الصغير فى المرحلة إلى السابعة من عمره متى وجد من النساء من تحتضنه .
وأم الأم فى الحادثة موضوع السؤال صاحبة الحق الأول فى حضانة أطفال ابنتها المتوفاة الذين لم يبلغوا السابعة بعد، وكذا الطفل الذى بلغ السابعة إذا كانت مصلحته تقتضى بقاءه فى حضانة النساء ولا يحق لوالد الأطفال أن يحضنهم فى هذه السن ولو كان غير متزوج .
كما أنه لا يلزم أم الأم أن تنتقل إلى مسكنه مهما كان ذلك المسكن لتقوم بواجب الحضانة، بل إن ذلك غير جائز شرعا متى كانت أجنبية عنه وغير محرم له،(6/114)
وواضح من السؤال أنهم جميعا يقيمون فى مدينة القاهرة الأمر الذى يسهل معه على والد الأطفال أن يطالعهم متى شاء .
ومما ذكر يعلم الجواب عما .
جاء بالسؤال والله سبحانه وتعالى أعلم
المرتدة ليست أهلا للحضانة
المفتي
أحمد هريدى .
26 ديسمبر 1967 م
المبادئ
1 - بمجرد ردة الزوجة المسلمة تقع الفرقة بينها وبين زوجها المسلم دون توقف على القضاء بذلك .
2 - المرتدة ليست أهلا للحضانة لأن جزاءها الحبس حتى التوبة أو الموت ولو كان الصغير فى سن حضانة النساء .
3 - إذا كان الصغير فى يدها يجب عليها تسليمه إلى من يليها فى هذا الحق، ومن حق الأب تسلمه إذا لم يوجد له أو لم يتقدم أحد لحضانته من غيرها من النساء .
4 - بامتناعها عن تسليمه تؤمر من القاضى بذلك إذا رفع الأمر إليه
السؤال
من السيد/ قال إن مصريا مسلما تزوج بإنجليزية بعد أن أسلمت وأشهرت إسلامها أمام الجهة المختصة، واستمرت علاقتهما الزوجية مدة اثنى عشر عاما أنجبا خلالها ذكرا سنة ثلاث سنوات وأنثى سنها سبع سنوات، وقضت ظروف عملهما أن يذهبا إلى انجلترا، وهناك أعلنت الزوجة ارتدادها عن الإسلام، ورفعت بناء على ذلك دعوى أمام محاكم إنجلترا طالبة تطليقها منه، وقد احتفظت بالولدين معها، وتحاول أن تخفيهما عن والدهما .
وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعى فيما يأتى أولا هل للزوجة المسلمة التى ترتد عن الدين الإسلامى الحق فى حضانة أولادها ثانيا هل تصبح طالقة بعد ارتدادها عن الإسلام دون توقف على حكم بذلك ثالثا ما حكم الإسلام فى الزوجة التى تهرب من منزل زوجها إلى مكان غير معلوم وتخفى فيه أولادها .
أى بالنسبة لحضانة هؤلاء الأولاد رابعا ما حكم الشريعة فى ديانة هؤلاء الأولاد مع العلم بأن والدهم مسلم وأمهم مرتدة عن الإسلام
الجواب
المقرر فى مذهب الحنفية المعمول به فى الجمهورية العربية المتحدة أنه بمجرد ردة الزوجة المسلمة تقع الفرقة بينها وبين زوجها المسلم دون توقف على صدور حكم بذلك من القضاء .
وأن حق الحضانة يثبت للنساء من حين ولادة الصغير إلى سن معينة حددت بسبع سنين بالنسبة للصغير وتسع سنين بالنسبة للصغيرة .(6/115)
ولا يتشرط فى حاضنة الولد المسلم أن تكون مسلمة، بل يثبت لها هذا الحق ولو كانت غير مسلمة، لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره متى كانت أهلا لذلك بأن كانت بالغة عاقلة أمينة على الصغير قادرة على تربيته ورعايته، وأن لا تكون متزوجة بغير ذى رحم من الصغير، وأن لا تعيش به مع من يبغضه، ويبقى الولد فى يدها إلى سن التمييز فإذا بلغ من السن حدا يعقل فيه الأديان ويميز الطقوس والعبادات وخيف عليه أن يألف ديانتها ويتعود أعمال عبادتها ينزع من يدها قبل سن التمييز والمرتدة ليست أهلا للحضانة لأن جزاءها الحبس حتى تتوب أو تموت، فلا تصلح لحضانة الطفل وتربيته ما بقيت على ردتها، ولأنها برجوعها عن الإسلام تكون مبغضة لدين الطفل المسلم ولا تؤمن أن توجهه إلى غير الإسلام فينزع من يدها محافظة عليه .
والولد يتبع خير الأبوين دينا .
والأب فى حادثة السؤال مسلم، والأم كانت مسلمة وقد ولد الولدان من أبوين مسلمين فيكونان مسلمين، ولا تأثير لردة أمهما بعد ذلك على ديانتهما، ولا حق لأمهما فى حضانتهما فى حضانتهما مطلقا أيا كانت سنهما، ويجب عليها أن تسلمهما إلى من له حق حضانتها شرعا، ومن حق الأب أن يطلبهما إذا لم يتقدم أحد من أصحاب حق الحضانة لطلبهما، ومن واجب الأم أن تسلمهما إليه، وإن امتنعت عن ذلك يأمرها القاضى بالتسليم إذا رفع الأمر إليه .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله أعلم
حضانة غير المسلم للمسلم
المفتي
عبد اللطيف حمزة .
ذو القعدة سنة 1402 هجرية - 30 أغسطس سنة 1982 م
المبادئ
1 - أم الصغير أحق بحضانته مادام فى مدة الحضانة واختلاف الدين لا يؤثر على حقها فى ذلك .
2 - المنصوص عليه شرعا أن الذمية - يهودية كانت أو مسيحية أو وثنية أو مجوسية - أحق بحضانة ولدها المسلم ما لم يعقل الأديان أو يخشى عليه أن يألف الكفر .
3 - إذا خيف على المحضون أن يألف الكفر انتزع من أمه الذمية وأن لم يعقل الأديان
السؤال
من السيد / ع ز بالطلب لمتضمن سؤاله عن حكم الشرع فى حضانة طفلة عندها من العمر سنتان أبوها مسلم مصرى ويتجنس بالجنسية الأمريكية وأمها مسيحية أمريكية بعد أن اتفق الطرفان على تصفية أعمالهما فى أمريكا والاقامة فى مصر وأعد المسكن المناسب ولكن الزوجة رفضت الإقامة فى مصر فمن هو أحق بحضانتها أمها أم جدتها لأبيها وجاء فى الطلب أن عقد الزواج قد تم فى مصر(6/116)
الجواب
الأحق بحضانة الولد مادام فى مدة الحضانة ذكرا كان أو أنثى أمه من النسب لا من الرضاع لأنها أكثر الناس حنانا عليه وأشفقهم به لذلك تراها تسهر لسهره وتجزع لمرضه وذلك بمقتضى الفطرة التى فطر الله الناس عليها واختلاف الدين لا يؤثر على حق الحاضنة لأن مبنى الحضانة على الشفقة الطبيعية وهى لا تختلف باختلاف الدين فالمنصوص عليه أن الذمية ( يهودية كانت أو مسيحية أو وثنية أو مجوسية ) أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان أو يخشى عليه أن يألف الكفر ولو لم يعقل الأديان ومقتضاه أنه إذا خيف أن يألف الكفر انتزع منها وان لم يعقل الأديان وفى النفاية ( لو خيف على الولد أن تغذية أمه الذمية بالخمر أو بلحم الخنزير ضم إلى أناس من المسلمين ) وظاهر أنه ينزع منها بحكم القاضى فالحاصل أن الحاضنة الذمية ( غير المسلمة ) أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان ولم يخف عليه أن يألف عقائد وعادات غير المسلمين فان خشى عليه ما ذكر لم يكن للحاضنة غير المسلمة حق فى حضانتها اياه وكان الأمر فى حفظه مفوضا لرأى القاضى ما لم توجد حاضنة لا يترتب على حضانتها اياه شئ مما ذكر لأن الولد المسلم انما يحضنه من لا يخشى عليه منه لا فى شخصه لا فى دينه ولا فى خلقه وسلوكه وفى واقعة السؤال يكون الحق فى حضانة الصغيرة لأمها المذكورة ما لم يخضى على تلك الصغيرة أن تألف عقائد وعادات غير المسلمين فان خيف عليها ذلك انتقل الحق فى حضانتها إلى جدتها لأبيها ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
تنازل عن مسكن حضانة
المفتي
عبد اللطيف حمزة .
ذى القعدة سنة 1402 هجرية - 13 من سبتمبر سنة 1982 م
المبادئ
1 - المنصوص عليه شرعا أن على الأب أن يوجد مسكنا لحاضنة ولده ان لم يكن لها مسكن .
2 - ان لم يتيسر للأب ايجاد المسكن عليه أن يدفع للحاضنة أجره .
3 - يجوز للحاضنة أن تتنازل عن نفقة الصغير ومسكن حضانة الصغير دون مقابل وان تتصالح عليه نظير عوض
السؤال
من السيد المستشار / م .
بالطلب المتضمن أن ابنته طلقت من زوجها طلقة بائنة بينونة صغرى على الابراء من مؤخر صداقها ونفقة عدتها .
وقبل توثيق إشهاد الطلاق استوقعوها على تنازل عن مسكن الزوجية مقابل تسلمها تسعة آلاف جنيه .
وأن ابنته هذه تحتضن طفلا من مطلقها لم يتجاوز الرابعة من عمره .(6/117)
وطلب السائل الافادة عما إذا كان تنازلها عن مسكن الحضانة نظير تسلمها مبلغ التسعة آلاف جنيه يعتبر تنازلا صحيحا يترتب عليه أثاره أو لا
الجواب
المنصوص عليه شرعا أن من لها أمساك الولد وليس لها مسكن مع الولد - يكون على الأب سكناها وسكن الولد - وظاهر ذلك ان السكنى واجبة لكل من الحاضنة والمحضون الحاجة ورفع الضرر ومادامت الحاجة قائمة فالوجوب مستمر والأصل فى ذلك اعداد المسكن ممن وجب عليه السكنى وإذا لم يتحقق هذا الأصل فانه يصار إلى خلفه وهو فرض أجرة االمسكن، واذ ذالك تكون الحاضنة كأنها نائبة عن الأب فى اعداد المسكن بتلك الأجرة ويكون انتفاعها مع المحضون على سبيل الشيوع .
كما أنه لا خلاف بين فقهاء المذهب على أن النفقة إذا أطلقت فهى تشمل الطعام والكسوة والمسكن - ولذلك كانت النفقة والمسكن توأمين لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن المسكن من نفقته ومن المقرر شرعا أنه يجوز للحاضنة أن تقتضى نفقة المحضون وان تصالح عليها وأن تتنازل عنها وتلزم بالانفاق على الصغير من مالها .
ولما كان المسكن من النفقة كما ذكرنا فانه يجوز للحاضنة أن تتنازل عن نفقة الصغير ومسكن الصغير دن مقابل - وأن تتصالح عليه نظير عوض لما كان - وكان الثابت كما جاء بالطلب أنها تصالحت مع مطلقها وتنازلت عن مسكن الزوجية الذى تحضن فيها صغيرها مقابل تسلمها مبلغ تسعة آلاف جينه - فان هذا التنازل منها يعتبر تنازلا صحيحا تترتب عليه أثاره وعليها أن تقوم نيابة عن الأب باعداد مسكن بهذا المبلغ تحضن فيه الصغير لما سبق أن قررنا من أنه يجوز للحاضنة أن تتنازل بعوض .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال - وأنه لا يحق لهذه المطلقة المطالبة بمسكن الزوجية لأنها تصالحت عليه وتنازلت عنه نظير عوض قبضته وهى ممن تملك التصالح والتنازل عن هذا المسكن لأنه خالص حقها .
والله تعالى أعلم
نفقة صغير وحضانة
المفتي
حسونة النواوى .
4 ربيع آخر 1314 هجرية
المبادئ
1- طلاق المرأة على الإبراء من مؤخر الصداق ونفقة العدة وتحملها بنفقة حملها المستكن حتى سن الحضانة واقع ونافذ .
2- إذا أدعت الفقر بعد ذلك وطالبته بنفقة وأجر حضانة للمولود الجديد على أن يرجع بها عليها عند اليسار حكم لها بما طلبت بشرط قيام الإثبات عليه عند الإنكار أو قيام المصادقة منه على ذلك
السؤال(6/118)
بإفادة من نظارة الحقانية مؤرخة فى 2 ربيع ثانى سنة 1314 هجرية مضمونهاأنه مرسل ضمن السبع ورقات طيه صورة مادة تقرير وأجرة حضانة صدرت بمحكمة اسكندرية الشرعية بين ع .
م. ومطلقته ولطعنه فى هذا التقرير طلبت صورته ووردت بمكاتبة المحكمة المذكورة المؤرخة فى 31 أغسطس سنة 1896 م بأمل الاطلاع عليها وإفادة النظارة بما يقتضيه الحكم الشرعى ومضمون صورة المادة المذكورة أنه بمحضر شاهدى المعرفة حضرت المرأة المكلفة ن .
وأحضرت معها الرجل المكلف أ. وبعد تحقق معرفتهما عينا وإسما ونسبا بشهادة منم ذكر وتحقق طلاقها منه طلاقا ثاينا بائنا بالخلع على نفقة عدتها ومؤخر صداقها وتحملها بنفقة حملها المستكن برحمها بعد انفصاله إن كان ذكرا فلسبع سنين وإن كانت أنثى فلتسع سنين وتحقق تقرير نفقة شرعية عليه لنبته منها زكية التى فى حضانتها ولا مال لها عن كل يوم قرش واحد صاغا بموجب حجة شرعية محررة بجميع ذلك مسطرة فى هذه المحكمة ومسجلة بها فى 29 جمادى الثانى سنة 1313 هجرية عرفت المرأة المذكورة أن الحمل الذى كان مستكنا برحمها وقت طلاقها المذكور قد انفصل بعده بولد يسمى محمد الرضيع الفقير الذى لا مال له وفى حضانتها وأنها فقيرة جدا لا تملك شيئا وأن أحمد على المذكور هذا موسر قادر على الإنفاق على ولده محمد المذكور وأنها لما طلبت منه أن ينفق عليه على أن يرجع عليها بما يدفعه لها من النفقة المذكورة إذا أيسرت لكونه لم يكن صاحب مائدة وأن يقرر لها أجرة حضانتها لولديها المذكورين امتنع عن ذلك وطلبت من قاضى المحكمة المذكورة وحضرتى عضوى المجلس الشرعى بها تقرير نفقة شرعية عليه لولده المذكور فقر المرأة المذكورة بشهادة الشاهدين المذكورين وتصديق المطلق المذكور على ما ذكر جميعه قرروا على أحمد على المذكور نفقة شرعية لولده المذكور عن كل يوم من تاريخه عشرين فضة صاغا مادام فى حضانة أمه المذكورة ومادامت هى فقير ليرجع بها عليها إذا أيسرت وعشرين فضة صاغا نظير أجرة حضانتها له عن كل يوم من تاريخه مادام فى حضانة أمه المذكورة وعشرين فضة صاغا أجرة حضانتها للبنت المذكورة عن كل يوم من تاريخه مادامت فى حضانة أمها المذكورة .
ورضيت بذلك المرأة، المذكورة وطلبت من القاضى والعضوين المذكورين أمره بأداء النفقة وأجرة الحضانة المذكورتين إليها فعند ذلك أمروه بأداء النفقة وأجرة الحضانة المذكورتين إليها على الوجه المشروح أعلاه صدر ذلك بحضور من ذكر أعلاه وضبط فى 7 يونية سنة 1896 م و 25 الحجة سنة 1313 هجرية متتابعة مضبطة
الجواب
بالاطلاع على هذه الإفادة المسطورة يمينه وعلى صورة مادة أحمد على ماضى ومطلقته المسجلة بمحكمة ثغر الاسكندرية الشرعية فى 15 يونية سنة 1869 م المشمولة بختم المحكمة المذكورة وعلى باقى الأوراق المتعلقة بذلك ظهر أن ما(6/119)
تضمنته الصورة المذكورة من تقرير النفقة وأجرة الحضانة على الوجه المسطور بتلك الصورة موافق شرعا
ــــــــــــــ
نفقة وحضانة
المفتي
محمد عبده .
رجب 1317 هجرية
المبادئ
1- سفر الأم بالأولاد باذن الأب أو بغير إذنه لا يسقط حقها فى مطالبته باجر الحضانة والنفقة إذا كان سفره إلى بلد يؤمن فيه على عقائد الأولاد أو أمهم الدينية فاذا كان لا يؤمن ذلك سقطت حضانتها ونفقتهم عن الولد بمجرد الاستقرار فى ذلك البلد .
2- ليس للأم أن تطلب نفقة للمستقبل حتى ولو كان الأولاد فى سن الحضانة .
3- يسقط أجر الحضانة متى بلغ الغلام أو البنت أقصى سن الحضانة
السؤال
رجل فرض على نفسه نفقة لأولاده وهم قصر قدرا معينا كل شهر واذن لوالدتهم بالاستدانة والانفاق عليهم ثم توجهت لبلاد فرنسا بهم وهى بلدها بدون إذن من والدهم وأقامت بهم فى فرنسا وقد بلغ الولد من السن زيادة عن 15 سنة والبنت الكبيرة زيادة عن 18 سنة والبنت الثانية زيادة عن 17 سنة فهل فى هذه الحالة إذا طلبت الأم نفقة الأولاد يكون لها حق الطلب أولا ولها طلب نفقة لمدة مستقبلة على فرض أن الحضانة لم تنته أم لا وما سن حضانة الغلام والبنت وللزوج أن يبطل ما أمر به الزوجة من الإنفاق أو الاستدانة أم لا وهل هو ملزم بالانفاق على أولاده الغائبين مع والدتهم بدون إذن بعد سن الحضانة أم لا
الجواب
حق حضانة الأم للصبى ينتهى إذا بلغ تمام سبع سنين من سنة وحق حضانتها للبنت ينتهى متى أتمت تسع سنين ومتى جاوزا هذا السن لم يكن لأمهما حق الحضانة .
ولأبيهما أخذهما جبرا عنها وضمهما إليه وإذا استدانت الأم شيئا بعد الفرض من نفقة الأولاد ومضت المدة التى لها فيها حق الحضانة لم يسقط حق مطالبتها للأب بما استدانته لأنه حق لازم لذمة الأب مقابل تربية أولاده .
وسفر الأم بالأولاد بغير إذنه أو بإذنه لا يسقط حقها فى ذلك وليس لها أن تطلب نفقة للمستقبل فى أى حال من الأحوال حتى فى مدة الحضانة أما بعد أن يتجاوز الصبى سبع سنين والبنت تسع سنين فقد سقطت أجرة الحضانة .
وانقطع حق مطالبة الأم بما فرض لها الزوج من قبل وأما النفقة المفروضة للأولاد فإنما فرضت لهم وهم عند والدتهم فى مدة الحضانة .
والإذن لها بالاستدانة إنما هو على تقدير أنهم فى حضانتها فيقف فرض النفقة والأذن بالاستدانة لأجلها عند ذلك الحد فمتى انتهت مدة الحضانة لم يجز للأم أن تستدين للإنفاق على الأولاد إلا بإذن من الزوج جديد وللأب أن يأخذ بنتيه وينفق(6/120)
عليهما متى تمكن من ذلك ولا يجوز للأم أن تحجزهما عندها بعد مضى الحضانة وكذلك له ذلك فى الابن إلى أن يبلغ عاقلا ويستغنى عن أبيه فإذا بلغ الرشد واستغنى عن أبيه فله أن يعيش وحده ولا نفقة له على أبيه فى هذه الحالة ولا فى التى قبلها إذا لم يمكن الوالد من ضمه إليه .
هذا كله إذا لم يكن سفر الأم بالأولاد إلى بلد لا يؤمن فيه على عقائد الأولاد وآدابهم الدينية فإن كان السفر إلى بلد كذلك كما فى هذه الواقعة سقطت حضانتها ونفقتهم عن الوالد بمجرد الاستقرار فى ذلك البلد واللّه أعلم .
ملاحظة مدة الحضانة جعلها القانون 44 لسنة 1979 عشرة سنوات بالنسبة للغلام واثنتى عشر سنة بالنسبة للبنت وبعد ذلك فوض القانون القاضى فى إبقاء الغلام إلى سن خمسة عشر سنة والبنت إلى سن الزواج متى رأى المصلحة فى ذلك
حضانة البويضة أو الرحم المؤجر
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
ما رأى الدين فيما يطلق عليه الآن اسم " الرحم المؤجر" ؟
الجواب
لاشك أن الزنا محرم فى جميع الشرائع السماوية ، وله فى الإسلام عقوبة شديدة . ولإقامة الحد على الزانى والزانية وضعت شروط شديدة ودقيقة يدرأ بها الحد عند قيام الشبهة فى تحققها .
غير أن هناك صورا يتحقق بها ما يتحقق بالزنا أو تقاربه إلى حد كبير منها إدخال المرأة ماء رجل أجنبى عنها فى فرجها ، فقد يحصل منه حمل تختلط به الأنساب ويثور النزاع ، وتضيع الحقوق والواجبات ، ولذلك حرم العلماء هذه الصورة كما حرموا غيرها .
وإذا كان إدخال الماء الأجنبى - وهو أحد المادتين اللتين يحصل منهما الحمل -حراما حتى لو لم يتم به حمل ، فكيف بإدخال المادتين معا مع تحقق الحمل منهما ؟ إن الحرمة أشد وتكون الحرمة - كما قال العلماء-من باب أولى .
ولذلك يمكن أن يعاد النظر فيما قاله الفقهاء قديما من أن هذه الصورة وإن كانت محرمة لا توجب عقوبة الزنا بالحد ، لعدم تحقق اللقاء الجنسى على الصورة المعهودة .
أرى أن يعاد النظر فيما قالوه ويحكم بالحد فى هذه الصورة ، لأن آثارها إن لم تكن هى تماما آثار الزنا فإنها تشبهها إلى حد كبير ، لأن من أهم أسباب تحريمه هو اختلاط الأنساب إن حصل حمل .(6/121)
هذا ، وقد جاء فى قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى الذى انعقد فى الأردن فى أكتوبر 1986 م - جاء تحريم هذه الصورة التى يطلق عليها اسم " الرحم المؤجر " .
وفى محكمة " نيو جرسى " القريبة من نيويورك قضية من هذا النوع ، عقدت صفقتها فى مارس 1985 م ، وولدت الأم التى حملت البويضة الملقحة بنتا بعد تسعة أشهر ، تنازعتها مع أصحاب هذه البويضة ، لشعورها القوى بأنها جزء منها ،على الرغم من أنها أم لطفلين غيرها .
وجاء فى أهرام 25/ 1 / 1987 م أن القضية لم يفصل فيها بعد .
وجاء فى أهرام 2/ 10/ 1987 م أن أما حملت بويضة بنتها وأنجيت ثلاثة توائم فى أحد مستشفيات " جوهانسبرج " .
أرى أن البويضة الملقحة حين وضعت فى رحم غير رحم صاحبة البويضة هى غريبة عنها ، وليست منها أبدا ولا دخل لزوجها فيها فهى ملقحة من ماء غير مائه ، وليس لصاحبة الرحم المؤجرَ إلا فضل التنمية والتغذية كإرضاع الطفل الأجنبى ، فهل تقاس تغذية الجنين بدمها على تغذية الرضيع بلبنها فيكون ولدها من هذه الناحية ، ويعطى حكم الرضيع فقط فى أحكامه الخاصة ، أو ينسب إليها بولادته منها كما ينسب كل المولودين ؟ ويا ترى إذا نسب إليها بالولادة هل تكون نسبة ولد زنا وهولم يتخلق منها أصلا لا بالبويضة ولا بالماء وقد سمينا غيره ولد زنا إذا كانت البويضه منها والماء من رجل أجنبى ، أو لا ينسب إليها أصلا ، لا كالرضاع ولا كالزنا وتعد هى كأنها حاضنة وإنما ينسب إلى أبويه صاحبى النطفة والبويضة ؟ نحن فى انتظار نتائج بحث الفقهاء ، وحسبى أننى أثرت هذه التساؤلات المفصلة ، وإن كان الأشبه عندى-بصفة مؤقتة-أن يعطى الولد حكم الرضيع فقط ويعطى حكم اللقيط بالنسبة إلى أبويه ، وحكم التلقيح بالنسبة إلى زوجها ، على أن يكون وضع البويضة فى رحمها حراما ، لما ينجم عنه من التنازع والاختلاف والآثار الأخرى
ــــــــــــــ
الموضوع: حكم حضانة الصغير؟
السؤال:
اطلعنا على الطلب رقم 1840 لسنة 2003 المتضمن : صغيرة تبلغ من العمر سبع سنوات وأربعة أشهر في حضانة جدتها لأمها وذلك بعد سقوط حضانة أمها لزواجها من غير ذي رحم محرم للصغيره.
تزوجت الجدة لأم من غير ذي رحم محرم. والجدة لأب غير متزوجة وتعيش في بيئة صالحة.
ويسأل : هل تسقط حضانة الجدة لأم بعد زواجها من غير ذي رحم محرم ؟
وإذا سقطت فمن الأحق بحضانة الصغيرة ؟
المفتي :
فضيلة الاستاذ الدكتور/ علي جمعة.
الجواب:(6/122)
الأحق بحضانة الصغير أمه لما ورد عن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت يا رسول الله : إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثدي له شفاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال : " أنت أحق به ما لم تنكحي _ أي تتزوجي " أخرجة أحمد وأبو داود والبيهقي _ ولكن إذا وجد ما يمنع حضانتها كزواجها بأخر غير ذي رحم محرم للطفل فتنتقل الحضانة إلى أم الأم إن كانت صالحة للحضانة ، وإذا تزوجت أم الأم من غير ذي رحم محرم للطفل انتقلت الحضانة إلى أم الأب إن كانت صالحة للحضانة الشرعية أيضاً.
هذا من الناحية الشرعية مع الأخذ في الاعتبار أن المختص بنقل الحضانة هو القضاء المختص.
ومما ذكر يُعلم الجواب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 83)
بَابُ الْحَضَانَةِ وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ وَتُوُفِّيَ وَلَدُهُ وَخَلَّفَ وَلَدًا عُمْرُهُ ثَمَانِ سِنِينَ وَالزَّوْجَةُ تُطَالِبُ الْجَدَّ بِالْفَرْضِ وَبَعْدَ ذَلِكَ تَزَوَّجَتْ وَطَلُقَتْ وَلَمْ يَعْرِفْ الْجِدُّ بِهَا وَقَدْ أَخَذَتْ الْوَلَدَ وَسَافَرَتْ وَلَا يَعْلَمُ الْجَدُّ بِهَا : فَهَلْ يَلْزَمُ الْجَدَّ فَرْضٌ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إذَا تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا وَإِذَا سَافَرَتْ سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْحَضَانَةُ لِلْجَدِّ دُونَهَا ؛ وَمَنْ حَضَنَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ الْحَضَانَةُ لَهَا وَطَالَبَتْ بِالنَّفَقَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهَا ظَالِمَةٌ بِالْحَضَانَةِ ؛ فَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِالنَّفَقَةِ : وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ ابْنِ ابْنِهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ .
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ لَهُ بِنْتٌ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ وَلَهَا وَالِدَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَقَدْ أَخَذَهَا بِحُكْمِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهَا كَافِلٌ غَيْرُهُ وَقَدْ اخْتَارَتْ أُمُّ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَأْخُذَهَا مِنْ الرَّجُلِ بِكَفَالَتِهَا إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَهُوَ يَخَافُ أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدُ بِالْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ وَكَيْفَ نُسْخَةُ مَا يُكْتَبُ بَيْنَهُمَا .
الْجَوَابُ
الْجَوَاب : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . مَا دَامَ الْوَلَدُ عِنْدَهَا وَهِيَ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَتْهُ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ عِنْدِهَا وَلَا تَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ : لَا نَفَقَةَ لَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . أَيْ لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ هَذِهِ الْمُدَّةَ ؛ لَكِنْ لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُبَ بِالنَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ مِنْهَا أَيْضًا ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ لَهَا بَيْنَ الْحَضَانَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَمُطَالَبَةِ الْأَبِ بِالنَّفَقَةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا بِلَا نِزَاعٍ ؛ لَكِنْ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ : فَهَلْ يَكُونُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لَازِمًا ؟ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ هُوَ لَازِمٌ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا ضَرَرَ لِلْأَبِ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(6/123)
وَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا فَصْلٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي " حَضَانَةِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ " هَلْ هِيَ لِلْأَبِ ؟ أَوْ لِلْأُمِّ ؟ أَوْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ؟ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ أَحْمَد إنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْغُلَامَ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا . وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرُوا هَذَا كالخرقي وَغَيْرِهِ بَلَغَهُمْ بَعْضُ نُصُوصِ أَحْمَد فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ سَائِرُ نُصُوصِهِ ؛ فَإِنَّ كَلَامَ أَحْمَد كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ جِدًّا وَقَلَّ مَنْ يَضْبِطُ جَمِيعَ نُصُوصِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ ؛ لِكَثْرَةِ كَلَامِهِ وَانْتِشَارِهِ وَكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يَأْخُذُ الْعِلْمَ عَنْهُ . " وَأَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ " قَدْ طَافَ الْبِلَادَ وَجَمَعَ مِنْ نُصُوصِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ مُجَلَّدًا وَفَاتَهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَتْ فِي كُتُبِهِ وَأَمَّا مَا جَمَعَهُ مِنْ نُصُوصِهِ فَمِنْ أُصُولِ الدِّينِ مِثْلَ : " كِتَابِ السُّنَّةِ " نَحْوَ ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ وَمِثْلَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مِثْلَ " كِتَابِ الْعِلْمِ " الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى عِلَلِ الْأَحَادِيثِ مِثْلَ "
كِتَابِ الْعِلَلِ " الَّذِي جَمَعَهُ مِنْ كَلَامِهِ فِي " أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَدَبِ " وَمِنْ كَلَامِهِ فِي " الرِّجَالِ وَالتَّارِيخِ " فَهُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا نَقَلَهُ النَّاسُ عَنْهُ . " وَالْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّ النِّزَاعَ عَنْهُ مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا فِي " مَسْأَلَةِ الْبِنْتِ " وَفِي " مَسْأَلَةِ الِابْنِ " وَعَنْهُ فِي الِابْنِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ مَعْرُوفَةٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُنَّ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي " مُحَرَّرِهِ " . وَعَنْهُ فِي الْجَارِيَةِ رِوَايَتَيْنِ ؛ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تيمية فِي كِتَابَيْهِ : " التَّلْخِيصِ " " وَتَرْغِيبِ الْقَاصِدِ " وَالرِّوَايَاتُ مَوْجُودَةٌ بِأَلْفَاظِهَا وَنَقَلَتِهَا وَأَسَانِيدِهَا فِي عِدَّةِ كُتُبٍ . وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي " تَعْلِيقِهِ " نُقِلَ عَنْ أَحْمَد فِي الْغُلَامِ : أُمُّهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا ؛ ثُمَّ الْأَبُ أَحَقُّ بِهِ . فَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ : إذَا عَقَلَ الْغُلَامُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْأُمِّ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ إذَا عَقَلَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْأُمِّ . وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالثَّانِي وَغَيْرُهُمَا [ هُوَ الْمَنْقُولُ ] عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : إذَا أَكَلَ وَحْدَهُ وَلَبِسَ وَحْدَهُ وَتَوَضَّأَ وَحْدَهُ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ . وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ . وَالْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ ؛ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَثْغَرَ ؛ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ . وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد . وَأَمَّا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ تَخْيِيرُ الْغُلَامِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ : فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَقِ بْنِ راهويه وَمُوَافَقَتُهُ لِلشَّافِعِيِّ وَإِسْحَقَ أَكْثَرُ مِنْ مُوَافَقَتِهِ لِغَيْرِهِمَا وَأُصُولُهُ بِأُصُولِهِمَا أَشْبَهُ مِنْهَا بِأُصُولِ غَيْرِهِمَا وَكَانَ يُثْنِي عَلَيْهِمَا وَيُعَظِّمُهُمَا وَيُرَجِّحُ أُصُولَ مَذَاهِبِهِمَا عَلَى مَنْ لَيْسَتْ أُصُولُ مَذَاهِبِهِ كَأُصُولِ مَذَاهِبِهِمَا . وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أُصُولَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ أُصُولِ غَيْرِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَقُ هُمَا عِنْدَهُ مِنْ أَجَلِّ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ فِي عَصْرِهِمَا وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ فَتَنَاظَرَا فِي " مَسْأَلَةِ إجَارَةِ بُيُوتِ مَكَّةَ " وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَذَكَرَ أَحْمَد أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَا إسْحَقَ بِالْحُجَّةِ فِي مَوْضِعٍ وَأَنَّ إسْحَقَ عَلَاهُ بِالْحُجَّةِ فِي مَوْضِعٍ . فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يُبِيحُ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَإِسْحَقَ يَمْنَعُ مِنْهُمَا(6/124)
وَكَانَتْ الْحُجَّةُ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا وَمَعَ إسْحَقَ فِي الْمَنْعِ مِنْ إجَارَتِهَا . وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد : أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْغُلَامِ مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ مَالِكٍ أُخِذَتْ مِنْ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ فَالْأُمُّ أعطف عَلَيْهِمْ مِقْدَارَ مَا يَعْقِلُونَ الْأَدَبَ
فَتَكُونُ الْأُمُّ بِهِمْ أَحَقَّ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِوَلَدِهِ : غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْبَرَكَاتِ . فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَبُرَ وَصَارَ يَعْقِلُ الْأَدَبَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَقَرُّهُ أَيْضًا عِنْدَ الْأُمِّ ؛ لَكِنْ فِي وَقْتِ الْأَدَبِ وَهُوَ النَّهَارُ يَكُونُ عِنْدَ الْأَبِ وَهَذِهِ الْمُدَوَّنَةُ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِعَيْنِهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ . فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي " التَّهْذِيبِ " أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَالْأَبَ يَتَعَاهَدُهُ عِنْدَهَا وَأَدَبُهُ وَبَعْثُهُ إلَى الْمَكْتَبِ وَلَا يَبِيتُ إلَّا عِنْدَ الْأُمِّ . قُلْت : وَحَنْبَلٌ وَأَحْمَد بْنُ الْفَرَجِ كَانَا يَسْأَلَانِ الْإِمَامَ أَحْمَد عَنْ مَسَائِلِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ إسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَسَائِلِ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَكَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ الميموني عَنْ مَسَائِلِ الأوزاعي وَكَمَا كَانَ يَسْأَلُهُ إسْمَاعِيلُ فِي سَعِيدِ الشالنجي عَنْ مَسَائِلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجْتَهَدَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ رَجَّحَ فِيهَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَسَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَحْمَد وَغَيْرَهُ وَشَرَحَهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الجوزجاني إمَامُ مَسْجِدِ دِمَشْقَ . وَأَمَّا " حَضَانَةُ الْبِنْتِ " إذَا صَارَتْ مُمَيِّزَةً فَوَجَدْنَا عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ وَقَدْ نَقَلَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تيمية وَغَيْرِهِ . " إحْدَاهُمَا " أَنَّ الْأَبَ
أَحَقُّ بِهَا كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَذْهَبِهِ . و " الثَّانِيَةُ " أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِهَا . قَالَ فِي رِوَايَةِ إسْحَقَ بْنِ مَنْصُورٍ يَقْضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْأُمِّ وَالْخَالَةِ حَتَّى إذَا احْتَاجَتْ إلَى التَّزْوِيجِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ رِضَا بْنِ يَحْيَى : إنَّ الْأُمَّ وَالْجَدَّةَ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي " تَرْغِيبِ الْقَاصِدِ " وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا بِغَيْرِ تَخْيِيرٍ . وَعَنْهُ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ . وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ نَحْوَ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ . فَفِي " الْمُدَوَّنَةِ " مَذْهَبُ مَالِكٍ : أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ يَبْلُغْ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَ وَهُوَ أُنْثَى نَظَرَتْ فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ فِي حَوْزٍ وَمَنَعَةٍ وَتَحَصُّنٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا أَبَدًا مَا لَمْ تُنْكَحْ وَإِنْ بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ؛ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَنْعٍ وَحِرْزٍ وَتَحَصُّنٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا فَلِلْأَبِ أَخْذُهَا مِنْهَا وَالْوَصِيِّ وَكَذَلِكَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ إذَا أَخَذَ إلَى أَمَانَةٍ وَتَحَصُّنٍ . وَمَذْهَبُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوُ ذَلِكَ قَالَ : الْأُمُّ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَبْلُغَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا وَأَدَبِهَا لِوَلَدِهَا أُخِذَتْ مِنْهَا إذَا بَلَغَتْ ؛ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا يُخَافُ عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ وَمَنْ سِوَى الْأُمِّ
وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى وَلَفْظُ الْحِجَازِيِّ : حَتَّى تَسْتَغْنِيَ كَمَا فِي الْغُلَامِ مُطْلَقًا . وَأَمَّا " التَّخْيِيرُ فِي الْجَارِيَةِ " فَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا لَا عَنْ أَحْمَد وَلَا عَنْ إسْحَاقَ كَمَا نُقِلَ عَنْهُمَا التَّخْيِيرُ فِي الْغُلَامِ ؛ وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حيي : أَنَّهَا تُخَيَّرُ إذَا كَانَتْ كَاعِبًا وَالتَّخْيِيرُ فِي الْغُلَامِ . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِسْحَاقَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ { خَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ } " وَهِيَ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَخْيِيرِ الْوَلَدِ(6/125)
مُطْلَقًا . وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي تَخْيِيرِ الْجَارِيَةِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَخْيِيرِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ وَتَخْيِيرُ رَأْيٍ [ و ] مَصْلَحَةٌ ؛ كَتَخْيِيرِ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ كَالْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا خُيِّرَ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ مُصِيبًا فِي اجْتِهَادِهِ حَاكِمًا بِحُكْمِ اللَّهِ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ ؛ وَقَدْ لَا يُصِيبُهُ فَيُثَابَ كُلَّ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِعَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْمَصْلَحَةِ كَاَلَّذِي يُنْزِلُ أَهْلَ حِصْنٍ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا { نَزَلَ بنوا قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَأَلَهُ فِيهِمْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ
: أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ أَجْعَلَ الْأَمْرَ إلَى سَيِّدِكُمْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَرَضَوْا بِذَلِكَ وَطَمِعَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ اسْتِبْقَاءَهُمْ أَنَّ سَعْدًا يُحَابِيهِمْ ؛ لِمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْمُوَالَاةِ فَلَمَّا أَتَى سَعْدٌ حَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ . وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَتُقَسَّمُ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ } وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا لِلَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إنْفَاذِهِ . وَمِثْلَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ بريدة الْمَشْهُورِ قَالَ فِيهِ : { وَإِذَا حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ فَسَأَلُوك أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ : وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك وَحُكْمِ أَصْحَابِك } . وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهُ إذَا حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا فَنَزَلُوا عَلَى حَكَمِ حَاكِمٍ جَازَ ؛ إذَا كَانَ رَجُلًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِمَا فِيهِ حَظُّ الْإِسْلَامِ : مِنْ قَتْلٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ فِدَاءٍ . وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا حَكَمَ بِالْمَنِّ فَأَبَاهُ الْإِمَامُ : هَلْ يَلْزَمُ حُكْمُهُ أَوْ لَا يَلْزَمُ ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ لِظَنِّ الْمُنَازِعِ أَنَّ الْمَنَّ لَا حَظَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ . و " الْمَقْصُودُ " أَنَّ تَخْيِيرَ
الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ الَّذِي نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ هُوَ تَخْيِيرُ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ يَطْلُبُ أَيَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَعَلَهُ كَمَا يَنْظُرُ الْمُجْتَهِدُ فِي أَدِلَّةِ الْمَسَائِلِ فَأَيُّ الدَّلِيلَيْنِ كَانَ أَرْجَحَ اتَّبَعَهُ ؛ وَلَكِنْ مَعْنَى قَوْلِنَا " تَخْيِيرٌ " أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ؛ بَلْ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِعْلُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً . وَقَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } يَقْتَضِي فِعْلَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ؛ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَغْيِيرَ هَذَا فِي حَالٍ وَهَذَا فِي حَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلَّا إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا } فَتَرَبُّصُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ بِعَيْنِهِ إذَا كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ فَحِينَئِذٍ يُصِيبُهُ اللَّهُ بِعَذَابٍ بِأَيْدِينَا كَمَا فِي قَوْلِهِ : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ } { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ قَوْله تَعَالَى فِي الْمُحَارِبِينَ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ يُخَيَّرُ تَخْيِيرَ مَشِيئَةٍ . فَفَعَلَ هَذِهِ الْأَرْبَعُ مَسَائِلُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ
يَتَعَيَّنُ هَذَا فِي حَالٍ وَهَذَا فِي حَالٍ . ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ : تِلْكَ الْأَحْوَالُ مَضْبُوطَةٌ بِالنَّصِّ فَإِنْ قَتَلُوا تَعَيَّنَ قَتْلُهُمْ وَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا تَعَيَّنَ قَطْعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ مِنْ خِلَافٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : التَّعْيِينُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْقَتْلَ هُوَ(6/126)
الْمَصْلَحَةُ قَتَلَ ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَتَلَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ " تَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي الْأَرْضِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً " بَيْنَ جَعْلِهَا فَيْئًا وَبَيْنَ جَعْلِهَا غَنِيمَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ : كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ جَعَلَهَا غَنِيمَةً قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ وَإِنْ رَأَى أَنْ لَا يَقْسِمَهَا جَازَ كَمَا لَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ مَعَ أَنَّهُ فَتَحَهَا عَنْوَةً . شَهِدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ ؛ وَالسِّيرَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ وَكَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَلِأَنَّ خُلَفَاءَهُ بَعْدَهُ - أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - فَتَحُوا مَا فَتَحُوا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَالرُّومِ وَفَارِسَ : كَالْعِرَاقِ ؛ وَالشَّامِ وَمِصْرَ ؛ وَخُرَاسَانَ وَلَمْ يَقْسِمْ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ شَيْئًا مِنْ الْعَقَارِ الْمَغْنُومِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ؛ لَا السَّوَادَ وَلَا غَيْرَ السَّوَادِ بَلْ جَعَلَ الْعَقَارَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ
دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } الْآيَةُ ؛ وَلَمْ يَسْتَأْذِنُوا فِي ذَلِكَ الْغَانِمِينَ ؛ بَلْ طَلَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْغَانِمِينَ قَسْمَ الْعَقَارِ فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ كَمَا طَلَبَ بِلَالٌ مِنْ عُمَرَ أَنْ يَقْسِمَ أَرْضَ الشَّامِ وَطَلَبَ مِنْهُ الزُّبَيْرُ أَنْ يَقْسِمَ أَرْضَ مِصْرَ فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَطِبْ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَحَدًا مِنْ الْغَانِمِينَ فِي ذَلِكَ . وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ فَيْئًا بِنَفْسِ الْفَتْحِ وَمِنْ ذَلِكَ نَصُّ مَذْهَبِهِ كَإِسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ وَقَالُوا الْأَرْضُ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْغَنِيمَةِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَغَانِمَ وَمِلْكَهُمْ الْعَقَارَ ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَغَانِمِ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُذْكَرُ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَد ؛ كَمَا ذَكَرَ عَنْهُ رِوَايَةً ثَالِثَةً كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ : إنَّهُ يَجِبُ قَسْمُ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَغْنُومٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّ مَكَّةَ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً ؛ بَلْ صُلْحًا فَلَا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْهَا حُجَّةٌ . وَمَنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً - كَصَاحِبِ " الْوَسِيطِ " وَغَيْرِهِ - فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ ؛ وَقَالَ : لِأَنَّ السَّوَادَ لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهِ إلَّا أَنْ أَظُنَّ فِيهِ ظَنًّا مَقْرُونًا بِعِلْمِ وَظَنٍّ أَنَّ عُمَرَ اسْتَطَابَ الْغَانِمِينَ كَمَا رَوَى قَيْسُ بْنُ حَارِثَةَ . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ وَأَشْبَهُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأُصُولِ
وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : نُخَيِّرُ الْإِمَامَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ تَخْيِيرَ رَأْيٍ وَمَصْلَحَةٍ ؛ لَا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ وَمَشِيئَةٍ وَهَكَذَا سَائِرُ مَا يُخَيَّرُ فِيهِ وُلَاةُ الْأَمْرِ وَمَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةِ : كَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ الْمُطْلَقِ لَا يُخَيَّرُونَ تَخْيِيرَ . مَشِيئَةٍ وَشَهْوَةٍ ؛ بَلْ تَخْيِيرَ اجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ وَطَلَبُ الْجَوَازِ الْأَصْلَحِ : كَالرَّجُلِ الْمُبْتَلَى بِعَدُوَّيْنِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الِابْتِدَاءِ بِأَحَدِهِمَا فَيَبْتَدِئُ بِمَالِهِ أَنْفَعَ : كَالْإِمَامِ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ يُوَلِّيهِ مِنْ وُلَاةِ الْحَرْبِ وَالْحُكْمِ وَالْمَالِ : يَخْتَارُ الْأَصْلَحَ فَالْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ " فَمَنْ وَلَّى رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَهُوَ يَجِدُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَخَانَ رَسُولَهُ وَخَانَ الْمُؤْمِنِينَ " . وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّهمَا شَاءَ : كَالْمُكَفِّرِ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْخِصَالِ أَفْضَلَ فَيَجُوزُ لَهُ فِعْلُ الْمَفْضُولِ . وَكَذَلِكَ لَابِسُ الْخُفِّ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الْمَسْحِ وَبَيْنَ الْغَسْلِ ؛ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ . وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ ؛ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ . وَكَذَلِكَ تَخْيِيرُ الْآكِلِ وَالشَّارِبِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ ؛(6/127)
وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاجِبًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَتَّى إذَا تَعَيَّنَ الْمَأْكُولُ وَجَبَ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً فَمَنْ
اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَكْلُهَا فِي الْمَشْهُورِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَفِي " كَفَّارَةِ الْمَجَامِعِ فِي رَمَضَانَ " هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ ؟ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ ؟ فِيهَا قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ ؛ لَكِنَّ التَّرْتِيبَ فِيهَا ثَبَتَ بِحِكَايَةِ الْمَجَامِعِ ؛ لَا بِلَفْظِ عَامٍّ ؛ فَلِهَذَا أَقْدَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنْ أَلْزَمَ بَعْضَ الْمُلُوكِ بِالصَّوْمِ عَيْنًا وَأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهَا لَيْسَ شَرْعًا عَامًّا ؛ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ وَقَدَّمَ الْعِتْقَ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَصْعَبَ مِنْ الصِّيَامِ : كَالْأَعْرَابِ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ الْعِتْقُ أَسْهَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ . وَكَذَلِكَ " تَخْيِيرُ الْحَاجِّ " بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَتَخْيِيرُ الْمُسَافِرِينَ بَيْنَ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ إلَّا مُتَمَتِّعًا أَوْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ - كَمَا تَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ - فَلَا يَجِئْ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمْ . وَكَذَلِكَ " الْقَصْرُ " عِنْدَ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَيْسَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي السَّفَرِ قَطُّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ . وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ الَّذِي فِيهِ أَنَّهَا صَلَّتْ فِي حَيَاتِهِ السَّفَرَ أَرْبَعًا كُذِّبَ عِنْدَ حُذَّاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ . كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ . إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ " التَّخْيِيرَ فِي الشَّرْعِ نَوْعَانِ " فَمَنْ خُيِّرَ فِيمَا يَفْعَلُهُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَبِوَكَالَةِ مُطْلَقَةٍ : لَمْ يُبَحْ لَهُ فِيهَا فِعْلُ مَا شَاءَ ؛ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ وَأَمَّا مَنْ تَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ : فَتَارَةً يَأْمُرُهُ الشَّارِعُ بِاخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ كَمَا يَأْمُرُ الْمُجْتَهِدَ بِطَلَبِ أَقْوَى الْأَقَاوِيلِ وَأَصْلَحِ الْأَحْكَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . وَتَارَةً يُبِيحُ لَهُ مَا شَاءَ مِنْ الْأَنْوَاعِ الَّتِي خُيِّرَ بَيْنَهَا كَمَا تَقَدَّمَ . هَذَا إذَا كَانَ مُكَلَّفًا . وَأَمَّا " الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ " يُخَيَّرُ تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ حَيْثُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْأَبَوَيْنِ نَطِيرَ الْآخَرِ ؛ وَلَمْ يُضْبَطْ فِي حَقِّهِ حَكَمٌ عَامٌّ لِلْأَبِ أَوْ لِلْأُمِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : كُلُّ أَب فَهُوَ أَصْلَحُ لِلْمُمَيِّزِ مِنْ الْأُمِّ وَلَا كُلُّ أُمٍّ هِيَ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ الْأَبِ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْآبَاءِ أَصْلَحَ وَبَعْضُ الْأُمَّهَاتِ أَصْلَحَ . وَقَدْ يَكُونُ الْأَبُ أَصْلَحَ فِي حَالٍ وَالْأُمُّ أَصْلَحَ فِي حَالٍ . فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَيَّنَ أَحَدُهُمَا فِي هَذَا ؛ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّ الْأُمَّ أَصْلَحُ لَهُ مِنْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ أَرْفَقَ بِالصَّغِيرِ وَأَخْبَرَ بِتَغْذِيَتِهِ وَحَمْلِهِ وَأَصْبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَأَرْحَمَ بِهِ : فَهِيَ أَقْدَرُ . وَأَخْبَرُ وَأَرْحَمُ وَأَصْبَرُ : فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَعُيِّنَتْ الْأُمُّ فِي حَقِّ
الطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِالشَّرْعِ . وَلَكِنْ يَبْقَى " تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ " : هَلْ عَيَّنَهُنَّ الشَّارِعُ ؛ لِكَوْنِ قَرَابَةِ الْأُمِّ مُقَدَّمَةً عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ فِي الْحَضَانَةِ ؟ أَوْ لِكَوْنِ النِّسَاءِ أَقْوَمَ بِمَقْصُودِ الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَقَطْ ؟ وَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ . يَظْهَرُ أَمْرُهُمَا فِي تَقْدِيمِ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ عَلَى أَقَارِبِ الْأُمِّ : مِثْلَ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِ . وَالْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ . وَمِثْلَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَأَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحُجَّةِ تَقْدِيمُ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخرقي فِي " مُخْتَصَرِهِ " فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ . وَعَلَى هَذَا أُمُّ الْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أُمِّ الْأُمِّ . وَالْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ . وَالْعَمَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْخَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَقَارِبُ الْأَبِ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى(6/128)
أَقَارِبِ الْأُمِّ وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْعَمُّ أَوْلَى مِنْ الْخَالِ ؛ بَلْ قَدْ قِيلَ : إنَّهُ لَا حَضَانَةَ لِلرِّجَالِ مِنْ أَقَارِبِ الْأُمِّ بِحَالِ وَالْحَضَانَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِرَجُلِ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْ لِامْرَأَةٍ وَارِثَةٍ أَوْ مُدْلِيَةٍ بِعَصَبَةِ أَوْ وَرَاثٍ فَإِنْ عُدِمُوا فَالْحَاكِمُ . وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلَا حَضَانَةَ لِلرِّجَالِ مِنْ أَقَارِبِ الْأُمِّ . وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . فَلَوْ كَانَتْ جِهَاتُ الْأَقْرِبَةِ رَاجِحَةً لَتَرَجَّحَ رِجَالُهَا وَنِسَاؤُهَا فَلَمَّا لَمْ يَتَرَجَّحْ
رِجَالُهَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ نِسَاؤُهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ مُجْمَعَ أُصُولِ الشَّرْعِ إنَّمَا يُقَدِّمُ أَقَارِبَ الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ وَالْعَقْدِ وَالنَّفَقَةِ وَوِلَايَةِ الْمَوْتِ وَالْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يُقَدِّمْ الشَّارِعُ قَرَابَةَ الْأُمِّ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَمَنْ قَدَّمَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ فَقَدْ خَالَفَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَلَكِنْ قَدَّمَ الْأُمَّ لِأَنَّهَا امْرَأَةٌ ؛ وَجِنْسُ النِّسَاءِ فِي الْحَضَانَةِ مُقَدَّمَاتٌ عَلَى الرِّجَالِ . وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ كَمَا قُدِّمَ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ وَتَقْدِيمُ أَخَوَاتِهِ عَلَى إخْوَتِهِ وَعَمَّاتِهِ عَلَى أَعْمَامِهِ وَخَالَاتِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ . هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاعْتِبَارُ الصَّحِيحُ . وَأَمَّا تَقْدِيمُ جِنْسِ نِسَاءِ الْأُمِّ عَلَى نِسَاءِ الْأَبِ فَمُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالْعُقُولِ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ قَالَ هَذَا مَوْضِعٌ يَتَنَاقَضُ وَلَا يَطَّرِدُ أَصْلُهُ ؛ وَلِهَذَا تَجِدُ لِمَنْ لَمْ يَضْبِطْ أَصْلَ الشَّرْعِ وَمَقْصُودَهُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا مُتَنَاقِضَةً حَتَّى تُوجَدَ فِي الْحَضَانَةِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُتَنَاقِضَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ أُمَّ الْأُمِّ عَلَى أُمِّ الْأَبِ ؛ كَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَد وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُقَدِّمُ الْأُخْتَ مِنْ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ وَيُقَدِّمُ الْخَالَةَ عَلَى الْعَمَّةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد . وَبَنَوْا قَوْلَهُمْ عَلَى أَنَّ الْخَالَاتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
الْعَمَّاتِ ؛ لِكَوْنِهِنَّ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ . ثُمَّ قَالُوا فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْأَخَوَاتِ : مَنْ كَانَتْ لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ ؛ ثُمَّ مَنْ كَانَتْ لِأُمِّ . وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ ؛ لَكِنْ إذَا ضُمَّ هَذَا إلَى قَوْلِهِمْ بِتَقْدِيمِ قَرَابَةِ الْأُمِّ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ . وَهُمْ أَيْضًا قَالُوا بِتَقْدِيمِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ عَلَى الْخَالَاتِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِأُصُولِ الشَّرْعِ ؛ لَكِنَّهُ يُنَاقِضُ هَذَا الْأَصْلَ وَلِهَذَا لَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْآخَرَ أَنَّ الْخَالَةَ وَالْأُخْتَ لِلْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ ؛ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ؛ وَهَذَا أطرد لِأَصْلِهِمْ ؛ لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ الْمُنَاقَضَةِ لِأُصُولِ الشَّرْعِ . " وَطَائِفَةٌ أُخْرَى " طَرَدَتْ أَصْلَهَا فَقَدَّمَتْ مِنْ الْأَخَوَاتِ مَنْ كَانَتْ لِأُمِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ ؛ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ والمزني وَابْنِ سُرَيْجٍ . وَبَالَغَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ فِي طَرْدِ قِيَاسِهِ حَتَّى قَدَّمَ الْخَالَةَ عَلَى الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ لِقَوْلِ زُفَرَ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَافَقَهَا ابْنُ سُرَيْجٍ ؟ وَلَكِنْ أَبُو يُوسُفَ اسْتَشْنَعَ ذَلِكَ فَقَدَّمَ الْأُخْتَ مِنْ الْأَبِ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ أَمْعَنَ فِي طَرْدِ قِيَاسِهِ حَتَّى قَالَ : إنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْ الْجَدَّةِ أُمِّ الْأَبِ . وَيَرْوُونَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : لَا تَأْخُذُوا بِمَقَايِيسِ زُفَرَ ؛ فَإِنَّكُمْ إذَا أَخَذْتُمْ بِمَقَايِيسِ زُفَرَ حَرَّمْتُمْ الْحَلَالَ وَحَلَّلْتُمْ الْحَرَامَ . وَكَانَ يَقُولُ : مِنْ الْقِيَاسِ قِيَاسٌ
أَقْبَحُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ . وَزُفَرُ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْإِمْعَانِ فِي طَرْدِ قِيَاسِهِ إلَى الْأَصْلِ الثَّابِتِ فِي الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ وَمِنْ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ " وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالِ الْمُطَالَبَةِ " . فَمَنْ أَحْكَمَ هَذَا الْأَصْلَ اسْتَقَامَ قِيَاسُهُ . كَمَا أَنَّ زُفَرَ اعْتَقَدَ أَنَّ النِّكَاحَ إلَى أَجَلٍ يَبْطُلُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ لَازِمًا . وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَد فَكَانَ مَضْمُونُ هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ يَصِحُّ لَازِمًا غَيْرَ مُوَقَّتٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ(6/129)
وَخِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ . وَالْأُمَّةُ إذَا اخْتَلَفَتْ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثُ قَوْلٍ يُنَاقِضُ الْقَوْلَيْنِ وَيَتَضَمَّنُ إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى الْخَطَأِ وَالْعُدُولِ عَنْ الصَّوَابِ ؛ وَلَيْسَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَقُولُ فِي الْمُتْعَةِ إلَّا أَنَّهَا بَاطِلَةٌ أَوْ تَصِحُّ مُؤَجَّلَةً . فَالْقَوْلُ بِلُزُومِهَا مُطْلَقٌ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ : وَسَبَبُ هَذَا الْقَوْلِ اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ لَازِمًا مَعَ إبْطَالِ شَرْطِ التَّحْلِيلِ . وَأَمْثَالَ ذَلِكَ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوَفُّوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } " فَدَلَّ النَّصُّ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ ؛ فَإِذَا كَانَتْ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الْبَيْعِ لَا يَلْزَمُ
الْعَقْدُ بِدُونِهَا ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِمَنْ فَاتَ غَرَضُهُ بِالِاشْتِرَاطِ إذَا بَطَلَ الشَّرْطُ فَكَيْفَ بِالْمَشْرُوطِ فِي النِّكَاحِ : وَأَصْلُ " عُمْدَتِهِمْ " كَوْنُ النِّكَاحِ يَصِحُّ بِدُونِ تَقْدِيرِ الصَّدَاقِ كَمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَقَاسُوا الَّذِي يُشْرَطُ فِيهِ نَفْيُ الْمَهْرِ عَلَى النِّكَاحِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ تَقْدِيرُ الصَّدَاقِ فِيهِ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ أَحْمَد . ثُمَّ طَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ قِيَاسَهُ فَصَحَّحَ " نِكَاحَ الشِّغَارِ " بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ إشْغَارَهُ عَنْ الْمَهْرِ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد فَتَكَلَّفُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الشِّغَارِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا فِي الْبُضْعِ أَوْ تَعْلِيقَ الْعَقْدِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ فُرُوقٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ . وَأَنَّ الصَّوَابَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ ؛ وَعَامَّةُ أَكْثَرِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إفْسَادِهِ بِشَرْطِ إشْغَارِ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ وَأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِلَازِمِ إذَا شُرِطَ فِيهِ نَفْيُ الْمَهْرِ أَوْ مَهْرٌ فَاسِدٌ فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فِيهِ الْمَهْرَ ؛ فَلَمْ يَحِلَّ لِغَيْرِ الرَّسُولِ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ . فَمَنْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَهْرٌ فَلَمْ . يَعْتَبِرْ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَبَاحَ الْعَقْدَ لِمَنْ يَبْتَغِي بِمَالِهِ
مُحْصِنًا غَيْرَ مُسَافِحٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } فَمَنْ طَلَبَ النِّكَاحَ بِلَا مَهْرٍ فَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَهْرٍ ؛ لَكِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً } فَهَذَا نِكَاحُ الْمَهْرِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ السِّعْرُ أَوْ الْإِجَارَةَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ : لَا يَصِحُّ . وَقَدْ سَلَّمَ لَهُمْ هَذَا الْأَصْلَ الَّذِي قَاسُوا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد فِي الْبَيْعِ . وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : يَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَنْ دَخَلَ حَمَّامَ حمامي يَدْخُلُهَا النَّاسُ بالكرا أَوْ يَسْكُنُ فِي خَانٍ أَوْ حُجْرَةٍ عَادَتُهَا بِذَلِكَ أَوْ دَفَعَ طَعَامَهُ أَوْ خُبْزَهُ إلَى مَنْ يَطْبُخُ أَوْ يَخْبِزُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ بِنَايَةً إلَى مَنْ يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَارِي يُكَارِي بِالْأُجْرَةِ أَوْ سَفِينَةَ مَلَّاحٍ يُرْكِبُ بِالْأُجْرَةِ فَإِنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَيَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ . فَهَذِهِ إجَارَةٌ عَنْ الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ إذَا ابْتَاعَ طَعَامًا مِثْلَ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ أَوْ بِسِعْرِ مَا يَبِيعُونَ النَّاسَ أَوْ
بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ بِرَقْمِهِ : فَهَذَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمِثْلِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ ؛ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ(6/130)
مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ إلَّا الْقَوْلُ بِفَسَادِ هَذِهِ الْعُقُودِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ . وَبَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا كَانَ " مَسَائِلَ الْحَضَانَةِ " وَإِنَّ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْأُمَّ قُدِّمَتْ لِتَقَدُّمِ قَرَابَةِ الْأُمِّ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُمْ ضَعِيفًا كَانَتْ الْفُرُوعُ اللَّازِمَةُ لِلْأَصْلِ الضَّعِيفِ ضَعِيفَةً وَفَسَادُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ فَسَادَ الْمَلْزُومِ ؛ بَلْ الصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ أَنَّهَا قُدِّمَتْ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ أَحَقَّ بِحَضَانَةِ الصَّغِيرِ مِنْ الرَّجُلِ . فَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدَّةُ عَلَى الْجَدِّ وَالْأُخْتُ عَلَى الْأَخِ وَالْخَالَةُ عَلَى الْخَالِ وَالْعَمَّةُ عَلَى الْعَمِّ . وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ امْرَأَةٌ بَعِيدَةٌ وَرَجُلٌ قَرِيبٌ فَهَذَا بَسْطُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . إذْ الْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ فَتَخْيِيرُ الصَّبِيِّ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ أَحَبِّ الْأَبَوَيْنِ لَهُ وَلِهَذَا كَانَ تَعْيِينُ الْأَبِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد الْأُمُّ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ وَالتَّخْيِيرُ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ ؛ وَلِهَذَا قَالُوا : إذَا اخْتَارَ الْأَبُ مُدَّةً ثُمَّ اخْتَارَ الْأُمَّ فَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى قَالُوا : مَتَى
اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ أَبَدًا . وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِينَ بِالتَّخْيِيرِ : الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ . وَقَالُوا : إذَا اخْتَارَ الْأُمَّ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا وَأَمَّا بِالنَّهَارِ فَيَكُونُ عِنْدَ الْأَبِ ؛ لِيُعَلِّمَهُ وَيُؤَدِّبَهُ . هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ يَقُولُ يَكُونُ عِنْدَهَا بِلَا تَخْيِيرٍ وَالْأَبُ يَتَعَاهَدُهُ عِنْدَهَا وَأَدَبَهُ وَبَعْثَهُ لِلْمَكْتَبِ وَلَا يَبِيتُ إلَّا عِنْدَ الْأُمِّ . قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : إنْ اخْتَارَ الْأَبَ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ وَلَا تُمْنَعْ الْأُمُّ مِنْ تَمْرِيضِهِ إذَا اعْتَلَّ . فَأَمَّا " الْبِنْتُ " إذَا خُيِّرَتْ : فَكَانَتْ عِنْدَ الْأُمِّ تَارَةً وَعِنْدَ الْأَبِ تَارَةً . أَفْضَى ذَلِكَ إلَى كَثْرَةِ بُرُوزِهَا وَتَبَرُّجِهَا وَانْتِقَالِهَا مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ وَلَا يَبْقَى الْأَبُ مُوَكَّلًا بِحِفْظِهَا وَلَا الْأُمُّ مُوَكَّلَةً بِحِفْظِهَا . وَقَدْ عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنَّ مَا يَتَنَاوَبُ النَّاسُ عَلَى حِفْظِهِ ضَاعَ وَمِنْ الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ " لَا يَصْلُحُ الْقِدْرُ بَيْنَ طَبَّاخَيْنِ " . " وَأَيْضًا " فَاخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا يُضْعِفُ رَغْبَةَ الْآخَرِ فِي الْإِحْسَانِ وَالصِّيَانَةِ فَلَا يَبْقَى الْأَبُ تَامَّ الرَّغْبَةِ وَلَا الْأُمُّ تَامَّةَ الرَّغْبَةِ فِي حِفْظِهَا وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى كَمَا قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ : { رَبِّ إنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي } { وَإنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى } { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي
سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ } - إلَى قَوْلِهِ - { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } فَهَذِهِ مَرْيَمُ احْتَاجَتْ إلَى مَنْ يَكْفُلُهَا وَيَحْضُنُهَا حَتَّى أَسْرَعُوا إلَى كَفَالَتِهَا فَكَيْفَ غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ مِنْ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ وَكُلُّ مَا كَانَ أَسْتَرَ لَهَا وأصون كَانَ أَصْلَحَ لَهَا . وَلِهَذَا كَانَ لِبَاسُهَا الْمَشْرُوعُ لِبَاسًا يَسْتُرُهَا وَلُعِنَ مَنْ يَلْبَسُ لِبَاسَ الرِّجَالِ وَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي عِصَابَتِهَا { : لَيَّةٌ لَا لَيَّتَيْنِ } " رَوَاهُ أَبُو داود وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ . " { صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَرِجَالٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا عِبَادَ اللَّهِ } . و " أَيْضًا " يَأْمُرُونَ الْمَرْأَةَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَجْمَعَ وَلَا تُجَافِيَ بَيْنَ أَعْضَائِهَا وَتَتَرَبَّعَ وَلَا تَفْتَرِشَ وَفِي الْإِحْرَامِ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا إلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا(6/131)
وَأَنْ لَا تَرْقَى فَوْقَ الصَّفَا والمروة . كُلُّ ذَلِكَ لِتَحْقِيقِ سَتْرِهَا وَصِيَانَتِهَا وَنُهِيَتْ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ
ذِي مَحْرَمٍ ؛ لِحَاجَتِهَا فِي حِفْظِهَا إلَى الرِّجَالِ مَعَ كِبَرِهَا وَمَعْرِفَتِهَا . فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُمَيِّزَةً وَقَدْ بَلَغَتْ سِنَّ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ فِيهَا وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلِانْخِدَاعِ وَفِي الْحَدِيثِ { النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وظم إلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ . } فَهَذَا قِيَاسُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ أَحْوَجِ النِّسَاءِ إلَى حِفْظِهَا وَصَوْنِهَا وَتَرَدُّدُهَا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مِمَّا يُخِلُّ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا هِيَ لَا يَجْتَمِعُ قَلْبُهَا عَلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يَجْتَمِعُ قَلْبُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى حِفْظِهَا . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ تَمْكِينَهَا مِنْ اخْتِيَارِ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً يُخِلُّ بِكَمَالِ حِفْظِهَا وَهُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى ظُهُورِهَا وَبُرُوزِهَا فَكَانَ الْأَصْلَحُ لَهَا أَنْ تُجْعَلَ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا لَا تُمَكَّنُ مِنْ التَّخْيِيرِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ : مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمْ . وَلَيْسَ فِي تَخْيِيرِهَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ تَخْيِيرِهَا وَتَخْيِيرِ الِابْنِ ؛ لَا سِيَّمَا وَالذَّكَرُ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ وَالْبِنْتُ مَزْهُودٌ فِيهَا . فَأَحَدُ الْوَالِدَيْنِ قَدْ يَزْهَدُ فِيهَا مَعَ رَغْبَتِهَا فِيهِ فَكَيْفَ مَعَ زُهْدِهَا فِيهِ فَالْأَصْلَحُ لَهَا لُزُومُ أَحَدِهِمَا ؛ لَا التَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا . ثُمَّ هُنَاكَ يَحْصُلُ الِاجْتِهَادُ فِي تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا : فَمَنْ عَيَّنَ الْأُمَّ كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُرَاعُوا مَعَ ذَلِكَ صِيَانَةَ الْأُمِّ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ
وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا : إذَا لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ فِي مَوْضِعِ حِرْزٍ وَتَحْصِينٍ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ : فَلِلْأَبِ أَخْذُهَا مِنْهَا . وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَاعَاهُ أَحْمَد فِي الرَّاوِيَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَصْحَابِهِ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ حِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا وَأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْ الْأُمِّ إذَا لَمْ تَكُنْ حَافِظَةً لَهَا بِلَا رَيْبٍ فَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى حِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ لَا تَحْتَاجُ فِي بَدَنِهَا إلَى أَحَدٍ وَالْأَبُ لَهُ مِنْ الْهَيْبَةِ وَالْحُرْمَةِ مَا لَيْسَ لِلْأُمِّ . وَأَحْمَد وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا يُقَدِّمُونَ الْأَبَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ حِرْزٌ فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَبَ عَاجِزٌ عَنْ حِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا أَوْ مُهْمِلٌ لِحِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأُمَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ . فَكُلُّ مَنْ قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا نُقَدِّمُهُ إذَا حَصَلَ بِهِ مَصْلَحَتُهَا أَوْ انْدَفَعَتْ بِهِ مَفْسَدَتُهَا . فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ فَسَادِ أَمْرِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا فَالْآخَرُ أَوْلَى بِهَا بِلَا رَيْبٍ حَتَّى الصَّغِيرُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ وَقَدَّمْنَاهُ إنَّمَا نُقَدِّمُهُ بِشَرْطِ حُصُولِ مَصْلَحَتِهِ وَزَوَالِ مَفْسَدَتِهِ . فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الْأَبَ دَيُّوثٌ لَا يَصُونُهُ وَالْأُمُّ تَصُونُهُ : لَمْ نَلْتَفِتْ إلَى اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ قَدْ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِكَوْنِهِ يُوَافِقُ هَوَاهُ الْفَاسِدَ وَيَكُونُ الصَّبِيُّ قَصْدُهُ الْفُجُورُ وَمُعَاشَرَةُ الْفُجَّارِ وَتَرْكُ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْأَدَبِ وَالصِّنَاعَةِ فَيَخْتَارُ مِنْ
أَبَوَيْهِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ مَعَهُ مَا يَهْوَاهُ وَالْآخَرُ قَدْ يَرُدُّهُ وَيُصْلِحُهُ وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَنْ يَفْسُدُ مَعَهُ حَالُهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } " فَمَتَى كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ وَالْآخَرُ لَا يَأْمُرُهُ كَانَ عِنْدَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْآمِرَ لَهُ هُوَ الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَرْبِيَتِهِ وَالْآخَرُ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَلَا نُقَدِّمُ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فِيهِ عَلَى مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ فِيهِ ؛ بَلْ يَجِبُ إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ يَفْعَلُ مَعَهُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْآخَرُ لَا يَفْعَلُ مَعَهُ الْوَاجِبَ أَوْ يَفْعَلُ مَعَهُ الْحَرَامَ : قُدِّمَ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ وَلَوْ اخْتَارَ الصَّبِيُّ غَيْرَهُ ؛ بَلْ ذَلِكَ الْعَاصِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِحَالِ ؛ بَلْ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ فِي وِلَايَتِهِ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ بَلْ(6/132)
إمَّا تُرْفَعُ يَدُهُ عَنْ الْوِلَايَةِ وَيُقَامُ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ وَإِمَّا أَنْ نَضُمَّ إلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِالْوَاجِبِ . فَإِذَا كَانَ مَعَ حُصُولِهِ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لَا تَحْصُلُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي حَقِّهِ وَمَعَ حُصُولِهِ عِنْدَ الْآخَرِ [ تَحْصُلُ ] : قُدِّمَ الْأَوَّلُ قَطْعًا . وَلَيْسَ هَذَا الْحَقُّ مِنْ جِنْسِ الْمِيرَاثِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوِلَايَةِ إنْ كَانَ الْوَارِثُ حَاجِزًا أَوْ
عَاجِزًا . بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ " الْوِلَايَةِ " وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَالِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَفِعْلُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ . وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْأَبَ تَزَوَّجَ ضَرَّةً وَهِيَ تُتْرَكُ عِنْدَ ضَرَّةِ أُمِّهَا لَا تَعْمَلُ مَصْلَحَتَهَا بَلْ تُؤْذِيهَا أَوْ تُقَصِّرُ فِي مَصْلَحَتِهَا وَأُمُّهَا تَعْمَلُ مَصْلَحَتُهَا وَلَا تُؤْذِيهَا فَالْحَضَانَةُ هُنَا لِلْأُمِّ . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ التَّخْيِيرَ مَشْرُوعٌ وَأَنَّهَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ لَهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا وَلَا تَخْيِيرِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا . وَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا ؛ بَلْ مَعَ الْعُدْوَانِ وَالتَّفْرِيطِ لَا يُقَدَّمُ مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ عَلَى الْبَرِّ الْعَادِلِ الْمُحْسِنِ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ وَمَعَهَا بِنْتٌ وَتُوُفِّيَتْ الزَّوْجَةُ وَبَقِيَتْ الْبِنْتُ عِنْدَهُ رَبَّاهَا ؛ وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ الْجُنْدِ لِأَخْذِهَا : فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ .
الْجَوَابُ
الْجَوَابُ : لَيْسَ لِلْجُنْدِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بِالنَّسَبِ فَمَنْ كَانَ أَصْلَحَ لَهَا حَضَنَهَا وَزَوْجُ أُمِّهَا مَحْرَمٌ لَهَا . وَأَمَّا الْجُنْدُ فَلَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا : فَإِذَا كَانَ يَحْضُنُهَا حَضَانَةً تُصْلِحُهَا لَمْ تُنْقَلْ مِنْ عِنْدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ إذَا كَانَ الِابْنُ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ فَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَنْوِي بِذَلِكَ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ وَاجِبًا رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ : مِثْلَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ يُنْفِقَ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ [ يَخْشَى أَنْ ] يَقْتُلَهُ الْعَدُوُّ ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَأَمَرَ بِإِيتَاءِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ الْإِرْضَاعِ ؛ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَقْدًا وَلَا إذْنًا . فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ . فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهَا أَنَّهَا إنْ سَافَرَتْ بِالْبِنْتِ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ فَسَافَرَتْ بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ ؛ وَلَوْ نَوَتْ الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ بِالسَّفَرِ بِهَا ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ أَبِيهَا وَهُوَ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي السَّفَرِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً بِالنَّفَقَةِ ؛ فَمَتَى سَافَرَتْ وَطَلَبَتْ الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فتاوى الرملي - (ج 5 / ص 81)
( بَابُ الْحَضَانَةِ ) .
( سُئِلَ ) عَنْ قَدْرِ مُدَّةِ اللِّبَأِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ فِيهَا الْإِرْضَاعُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ قَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ إنَّ مُدَّتَهُ يَسِيرَةٌ .(6/133)
ا هـ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَبَعْضُهُمْ : إنَّهَا سَبْعَةٌ ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يُرْجَعَ فِي مُدَّتِهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ .
( سُئِلَ ) هَلْ تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لِلْأَعْمَى أَمْ لَا ؟
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
( سُئِلَ ) هَلْ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ ؟ .
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ .
ــــــــــــــ
( سُئِلَ ) عَنْ الزَّوْجَةِ إذَا نَشَزَتْ هَلْ تَسْتَحِقُّ حَضَانَةَ وَلَدِهَا مِنْ الزَّوْجِ أَمْ لَا ؟
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ حَضَانَةَ وَلَدِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا نُشُوزُهَا .
ــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 9 / ص 279)
( بَابُ الْحَضَانَةِ ) ( وَسُئِلَ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ سِنُّهَا خَمْسُ سِنِينَ وَزَوَّجَهَا وَالِدُهَا بِشَخْصِ وَأَرَادَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ وَالِدَتِهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيُرَبِّيهَا عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ مَثَلًا أَوْ عِنْدَ مَنْ يَخْتَار فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ حَضَانَةُ الْأُمِّ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ لَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ الْأُمِّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَقَارِبِ حَيْثُ كَانَ لَهُ بِالزَّوْجَةِ اسْتِمْتَاعٌ بِأَنْ تُطِيقَ الْوَطْءَ وَإِلَّا لَمْ تُسَلَّم لَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 11 / ص 315)
الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْحَضَانَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الصَّغِيرِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ الْأُمُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً أَوْ فَاجِرَةً غَيْرَ مَأْمُونَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي .
سَوَاءٌ لَحِقَتْ الْمُرْتَدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا ، فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ مُغَنِّيَةً أَوْ نَائِحَةً فَلَا حَقَّ لَهَا هَكَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ .
وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ غَيْرَهَا فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى حَضَانَتِهِ كَيْ لَا يَضِيعَ بِخِلَافِ الْأَبِ حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْأُمِّ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْكَنْزِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمٌّ تَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْحَضَانَةِ أَوْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ مَاتَتْ فَأُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ ، وَإِنْ عَلَتْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأُمِّ أُمٌّ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِمَّنْ سِوَاهَا ، وَإِنْ عَلَتْ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي النَّفَقَاتِ إنْ كَانَتْ لِلصَّغِيرَةِ جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَهِيَ أُمُّ أَبِي أُمِّهَا فَهَذِهِ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَتْ مِنْ قَرَابَةِ الْأُمِّ مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ .(6/134)
، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ فَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ فَالْأُخْتُ لِأُمٍّ ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوَتَزَوَّجَتْ فَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ تَزَوَّجَتْ فَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأُمٍّ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ بَعْدَ هَذَا فِي الْخَالَةِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ : الْأُخْتُ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ : الْخَالَةُ أَوْلَى وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَاتِ فِي قَوْلِهِمْ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ مَعَ الْخَالَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَأَوْلَى الْخَالَاتِ الْخَالَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ الْخَالَةُ لِأُمٍّ ، ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَبٍ ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالتَّرْتِيبُ فِي الْعَمَّاتِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي الْخَالَاتِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى خَالَةِ الْأُمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ ، ثُمَّ لِأُمٍّ ، ثُمَّ لِأَبٍ ، ثُمَّ إلَى عَمَّاتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ .
وَخَالَةُ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ خَالَةِ الْأَبِ عِنْدَنَا ، ثُمَّ خَالَاتُ الْأَبِ وَعَمَّاتُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ فَكَانَتْ جِهَةُ الْأُمِّ مُقَدَّمَةً عَلَى جِهَةِ الْأَبِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ .
بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
وَإِنَّمَا يَبْطُلُ حَقُّ الْحَضَانَةِ لِهَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ بِالتَّزَوُّجِ إذَا تَزَوَّجْنَ بِأَجْنَبِيٍّ ، فَإِنْ تَزَوَّجْنَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّغِيرِ كَالْجَدَّةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا جَدًّا لِصَغِيرٍ أَوْ الْأُمُّ إذَا تَزَوَّجَتْ بِعَمِّ الصَّغِيرِ لَا يَبْطُلُ حَقُّهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
وَمَنْ سَقَطَ حَقُّهَا بِالتَّزَوُّجِ يَعُودُ إذَا ارْتَفَعَتْ وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا يَعُودُ حَقُّهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْكَنْزِ .
وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ بِزَوْجٍ آخَرَ وَتَمَسَّكَ الصَّغِيرُ مَعَهَا أَوْ الْأُمُّ فِي بَيْتِ الرَّابِّ فَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهَا .
صَغِيرَةً عِنْدَ جَدَّةٍ تَخُونُ حَقَّهَا فَلِعَمَّتِهَا أَنْ تَأْخُذَهَا مِنْهَا إذَا ظَهَرَتْ خِيَانَتُهَا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ .
فَصْلٌ مَكَانُ الْحَضَانَةِ مَكَانُ الزَّوْجَيْنِ مَكَانُ الْحَضَانَةِ مَكَانُ الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا قَائِمَةً حَتَّى لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ فَأَرَادَ أَخْذَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ مِنْ النِّسَاءِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا ، وَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الْوَلَدِ وَبِدُونِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ إخْرَاجُهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
ــــــــــــــ
فتاوى يسألونك - (ج 2 / ص 128)
فسق الزوجة المطلقة هل يسقط الحضانة
يقول السائل : هل تسقط حضانة الزوجة المطلقة للأولاد إذا كانت فاسقة ؟
الجواب : لقد اشترط أكثر الفقهاء في الحاضنة أن تتصف بالعدالة الظاهرة والأمانة في الدين كما عبر فقهاء المالكية ، وبناء على ذلك فإن فسق الحاضنة يسقط حقها في الحضانة فإذا كانت الزوجة المطلقة الحاضنة فاسقة بشرب الخمر ونحو ذلك فلا(6/135)
حضانة لها وينتزع المحضون منها وهذا القول قال به جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وبه أخذ قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا فقد جاء في المادة 155 منه " يشترط في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة ... قادرة على تربيته وصيانته " .
ومع قوة هذا القول ووجاهته إلا أنه لم يرد عليه دليل شرعي صريح وكذلك فإن اعتبار هذا الشرط يوقع الناس في الحرج لأن الفسق مما يغلب وجوده بين كثير من الناس وفي اعتبار هذا الشرط أيضاً إلحاق الضرر بالأولاد ولأن الفسق لا يحول بين الحاضنة وبين العناية بأمر الأولاد في الأعم الأغلب وهذا ما قرره العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني .
قال ابن القيم مفنداً قول من يشترط العدالة في الحاضنة :[ ومن العجب أنهم يقولون لا حضانة للفاسق فأي فسق أكبر من الكفر وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقع من الكافر مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضنة قطعاً وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم واشتراطها في غاية البعد ولو اشترط في الحاضنة العدالة لضاع أطفال العالم ولعظمت المشقة على الأمة واشتد العنت ولم يزل من حين ما قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم الأكثرين ، ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أحدهما بفسقه ؟ وهذا في الحرج والعسر - واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والأعصار على خلافه - بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح فإنه دائم الوقوع في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق ولم يزل الفسق في الناس ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقاً من تربية ابنه وحضانته له ولا من تزويجه موليته والعادة شاهدة بأن الرجل ولو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها ويحرص على الخير لها وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد والشارع يكتفي في ذلك بالباعث الطبيعي ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدماً على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العلم بخلافه ولو كان الفسق ينافي الحضانة لكان من زنى أو شرب الخمر أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره والله أعلم ] . زاد المعاد 5/461 .
وقال الشوكاني :[ ليس على هذا دليل - اعتبار العدالة - فإن العدالة معتبرة فيما اعتبره الشرع لا في كل أمر من الأمور واعتبارها في هذا الموضوع حرج عظيم وتعسير شديد فإن غالب النساء التساهل في كثير من الأمور الدينية ولو كانت العدالة معتبرة فيهن ومسوغة لنزع أولادهن من أيديهن لم يبق صبي بيد أمه إلا في أندر الأحوال وأقلها فيكون في ذلك أعظم جناية على الصبيان بنزعهم ممن يرعى مصالحهم ويدفع مفاسدهم ، وجناية على الأم بتوليها بولدها والتفريق بينها وبينه ومخالفة لما عليه أهل الإسلام سابقهم ولاحقهم ] السيل الجرار 2/439 . ويرى(6/136)
بعض فقهاء الحنفية أن مطلق الفسق لا يسقط الحضانة وإنما الفسق الذي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالأولاد هو المسقط لها فقد ورد في حاشية ابن عابدين ما يلي :
[ قال في البحر - من كتب الحنفية - وينبغي أن يكون المراد بالفسق في كلامهم هنا الزنى المقتضي لإشغال الأم عن الولد بالخروج من المنزل ونحوه لا مطلقة الصادق بترك الصلاة لما سيأتي أن الذمية أحق بولدها المسلم ما لم يعقل الأديان فالفاسقة المسلمة أولى ... والحاصل أن الحاضنة إذا كانت فاسقة فسقاً يلزم منه ضياع الولد عندها يسقط حقها وإلا فهي أحق به إلى أن يعقل فينزع منها كالكتابية ] حاشية ابن عابدين 5/556 .
ــــــــــــــ
هل التنازل عن الحضانة خلع؟
المجيب راشد بن فهد آل حفيظ
القاضي بالمحكمة العامة بالمخواة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الخلع واللعان
التاريخ 8/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم
إذا قال رجل لزوجته : (إذا تنازلت لي عن حضانة الأولاد أوافق على طلاقك) هل يعتبر هذا خلعاً؟ علماً بأن ذلك لم يكن المهر والرجل لا يعرف ما هو الخلع،كذلك أفيدكم بأن هذا الزوج لا يصلي إلا في بعض الأحيان، والمرأة ترغب في الطلاق منه وهو لا يوافق على طلاقها إلا بالتنازل عن حضانة الأولاد، فهل يجوز لها التنازل له عن الأولاد وهو لا يصلي إلا أحياناً؟ وإذا اعتبر ما حصل خلعاً، هل تعتد خارج البيت؟ وإذا لم يكن جائزا لها أن تعتد خارج البيت هل تستثنى ويحل لها أن تعتد خارج البيت خوفاً من الضرب؟ حيث سبق لزوجها وأن ضربها، وكم مدة عدتها حسب أصح الأقوال؟ -بارك الله فيكم، وجزاكم خيراً-.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أنه لا يجوز ولا يصح أن يكون التنازل عن الحضانة عوضاً للخلع؛ لأن عوض الخلع لا بد أن يكون ماليًّا أو ما في معناه، وقد ذكر فقهاؤنا - رحمهم الله- ضابطاً لذلك، وهو أن ما صح مهراً من عين مالية أو منفعة مباحة أو دراهم صح الخلع به، لكن يتسامح في ذلك إذا كان هناك جهالة أو غرر، وهذا أولاً.
ثانياً: أن إسقاط النفقة يصح أن يكون عوضاً للخلع؛ لدخوله فيما سبق، بخلاف الحضانة.
ثالثاً: أنه لا يجوز التنازل بالحضانة للأب أو لغيره إذا كان فاسقاً مضيعاً لحدود الله -تعالى- سواء كان ذلك لخلع أو لغيره، وهذا مما يدل على صحة ما ذكرنا، ومما يدل على صحته أيضاً أن المراعى في الحضانة هو مصلحة المحضون، ولذلك(6/137)
فالحضانة تكون تارة حق على الأم، وتارة حق لهما، وتارة حق لها، والأحوال قد تتغير وتتبدل؛ فليس من مصلحة المحضون أن تبقى الحضانة على حالها مع تغير الأحوال.
رابعاً: أن بعض القضاة الذين يحكمون بصحة الخلع والحالة هذه، يرجعون فيحكمون للمختلعة بالحضانة إذا طالبت بها؛ لأنها حق متجدد، ويحكمون للزوج بعوض قدر مهر المثل، أو بقدر المهر الذي دفعه للزوجة، وفي ذلك نظر، لأن القول الصحيح أن الحضانة والنفقة تسقط بإسقاطهما، وليس للزوجة الرجوع في ذلك، كما قرره العلامة ابن القيم في زاد المعاد (5/514-515)، وذكر حقوقاً متجددة عند الفقهاء، قالوا بسقوطها وعدم الرجوع فيها إذا أُسقطت، وفرق بين إسقاط الحق قبل انعقاد سببه بالكلية، وبين إسقاطه بعد إنعقاد سببه - فرحمه الله رحمة واسعة-، ويا ليت طلبة العلم قبل أن يرجحوا أو يحكموا أن يراجعوا كلام شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتلميذه الشيخ محمد بن عثيمين - رحمهم الله- وماذا قالوا في المسألة،وذلك لتحقيقهم المسائل وتحريرها، وعدم أخذهم بقول أحد، إلا إذا وافق الكتاب والسنة، وكذلك لأن في كلامهم عدل وإنصاف، وتسهيل لما صعب، وتقريب لما بعد، وحل لمشكل قد يرد، وليس ذلك مني تعصباً لاختياراتهم، أو إلزاماً بالرجوع إلى كلامهم، وإنما هو لكون المرء على دراية بما عندهم، وعند غيرهم، وإن ترجح له خلاف رأيهم، وليكون متحرراً، وعلى بصيرة وقناعة بما يرجح، وهذا خامساً.
سادساً: أن الشيخ الفقيه العلامة محمد بن عثيمين - رحمه الله- قد رجح عدم صحة الخلع إذا كان عوضه تنازلاً عن الحضانة، كما رجح أن المرأة إذا تنازلت عن حقها في الحضانة أو النفقة، فلا يمكنها الرجوع فيه بعد ذلك، وذلك حين سألته يوم الأربعاء 12/3/1420هـ.
سابعاً: أنه إذا كان الأب فاسداً، أو طرأ عليه ذلك أخيراً، فللقاضي حينئذ أن يجتهد ويحكم بما يراه الأصلح للمحضون، من الحكم بها لهذه المرأة، وإن تنازلت بما سبق أو لغيرها عمن هو أهل لذلك.
ثامناً: أنه لا يلزم المختلعة البقاء في بيت زوجها سابقاً، بل لها أن تذهب لمن شاءت من أقاربها وأهلها، كما أنه لا نفقة لها ولا سكنى، إلا أن تكون حاملاً، وهذا تاسعاً.
عاشراً: أن المختلعة تعتد بحيضة واحدة على الصحيح، لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من أمره للمختلعة أن تتربص بحيضة، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام، وتلميذه العلامة ابن القيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتلميذهما الشيخ محمد بن عثيمين - رحم الله الجميع- والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
اختار حضانة أمه فهل تسقط نفقته عن أبيه؟
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات(6/138)
التاريخ 11/03/1426هـ
السؤال
إذا افترق الزوجان، وكان لهما ابن عمره 15 عاماً واختار أمه، فهل للأم مطالبة والد ابنها -قضاءً- بفرض نفقة مستقبلية، أم يصرف النظر عن طلبها؟ علما أن الابن غير متكسب.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإذا افترق الزوجان، وتوَّلت الأم حضانة ابنها باختياره لها، أو قسراً بحكم مصلحة المحضون، فإنه يجب على الأب بذل نفقة ابنه؛ حتى يتمكن من الاكتساب والإنفاق على نفسه، ويغتني عن نفقة أبيه؛ لقوله تعالى: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف"[البقرة:233]. وعن عائشة -رضي الله عنها- أن هند بنت عتبة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714).
فإذا لم ينفق الأب على ابنه وكان الابن دون البلوغ فإن لأمه أن تطالب الأب بالنفقة عليه؛ لأنها حاضنته، وهي المتولية لرعايته وقبض نفقته لعدم تمكنه من تدبير شئونه.
وأما من كان بعد البلوغ - بأن تجاوز الخامسة عشرة من عمره- فإنه ليس لأحد عليه حضانة؛ لبلوغه، ويمكنه أن يطالب والده بنفقته ما دام محتاجاً، وليس لأمه أو غيرها أن تطلب نفقته إلا بحكم الوكالة عنه؛ لأنه ببلوغه ورشده ليس لأحد عليه ولاية في تصرفه المالي، وليس لأحد أن يقبض عنه أو يبيع أو يشتري إلا بوكالة عنه، وهذا الأمر واضح جلي بحمد الله.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
ــــــــــــــ
حق المطلق في حضانة ابنته
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الحضانة
التاريخ 23/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤالي باختصار أنني مطلق زوجتي منذ سنتين، وقد حاولت عدة مرات مراجعتها وهي ترفض، وأخيراً قالت إنها سوف تفكر وتصلي الخيرة، وهذا منذ أربعة أشهر، وأنا إلى الآن منتظر.
سؤالي هو إذا كان ردها الرفض، فهل من حقي حضانة ابنتي الوحيدة التي يبلغ عمرها خمس سنوات ونصف وذلك للأسباب التالية.(6/139)
(1) أن طليقتي تسكن في شقة لوحدها، مع العلم أن والدها وأخاها الأكبر يسكنان في نفس المدينة، وكذلك أخاه الأكبر.
(2) أنها تعمل مدرسة.
(3) تعمل في إدارة مشروع خاص بها مع إحدى صديقاتها.
(4) تسافر معظم الإجازات، ولم أسمح بسفر ابنتي معها.
(5) تسافر أحياناً لأسباب أخرى تجارة أو مراجعة لدوائر حكومية في دولة أخرى.
أفيدوني جزاكم الله خيراً ولا تنسوني من الدعاء .
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
الجواب على ما ذكره السائل، والذي تضمن سؤاله أنه مطلق زوجته منذ سنتين، وأنه حاول عدة مرات مراجعتها وهي ترفض، وأخيراً ذكرت أنها سوف تفكر وتصلي الخيرة وهذا منذ أربعة أشهر وهو إلى الآن منتظر ... ويقول إذا كان ردها الرفض فهل من حقه حضانة ابنته الوحيدة التي يبلغ عمرها خمس سنوات ونصف السنة، وذكر الأسباب لذلك خمس نقاط، وجواباً على ذلك فإن الحضانة إنما هي حق للمحضونة، ولأجل مصلحتها بالرعاية والتربية، والاهتمام، والتنشئة الصالحة على النهج القويم، وهدي سيد المرسلين - عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم -، فهذه قاعدة عظيمة، قد دلت عليها نصوص الشريعة، وبها تبين الحق والصواب في موضوع الحضانة، فمتى كان الحاضن غير صالح للحضانة فلا يُمكَّن من الحضانة، إذا ثبت عدم صلاحيته لهذه الحضانة، لكن الشرع جعل الحضانة من حق الأشفق الأقرب له وهي الأم في سن الحضانة، وهي فترة الطفولة في السبع سنوات الأولى، وهذا كما تقدم عند عدم وجود ما يرفع هذا الحق بأسباب شرعية تكون سبباً في عدم الصلاحية، وقد نص أهل العلم على هذا الأمر في باب الحضانة في الأحكام الفقهية، وما ذكره السائل من أمور حيال الأم (أم البنت المذكورة)، فإن كانت تؤثر على الحضانة وتكون من أسباب تضييعها فإن الحضانة تكون من حق الأب حينها ليتولى رعاية ابنته، والرعاية لها الرعاية الصحيحة والتربية الإسلامية، وكذلك الحال بالنسبة للسفر. فإن المرأة إذا كانت تسافر أو كثيرة السفر فإن الأحق بالحضانة من كان مقيماً، وبهذا يتضح الأمر، وأذكر شيئاً من كلام أهل العلم في هذا الأمر، وهو ما أشارت إليه نصوص الشريعة، والتي تدل بعمومها أن يتخذ الحاضن جميع الأسباب لمصلحة المحضون.
قال أهل العلم:
(فإن كفالة الطفل وكذلك حضانته واجبة، لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه من الهلاك.
ولا تثبت الحضانة لطفل ولا معتوه ولا فاسق، لأنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة).
وقالوا أيضاً (فإن لم تكن الأم من أهل الحضانة لفقدان الشروط، وبالنسبة للبنت ما دامت أنها لم تبلغ سن السابعة فتكون في حضانة والدتها حسبما ذكر، بأن تقوم لها بما يجب من حفظها ورعايتها والاهتمام بها، وصيانتها وغير ذلك من أسباب الحفظ).(6/140)
ولكن في حال السفر فكما قال أهل العلم: (إذا أراد أحد الأبوين السفر لحاجة ثم يعود والآخر مقيم فالمقيم أولى بالحضانة؛ لأن في المسافرة به (أي بالولد ذكراً أو أنثى) إضراراً به، وإن كان منتقلاً إلى بلد ليقيم فيه، وكان الطريق أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفاً فالمقيم أحق به، ولأن في السفر به خطراً عليه، ولو اختار الولد السفر في هذه الحال لم يجب إليه لأنه فيه تغريراً به، وإني أنصح السائل بالإصلاح في موضوع الحضانة، فإنه من أسباب حفظ الود للطرفين. والله الموفق.
ــــــــــــــ
حضانة الابن بعد زواج الأم
المجيب د. خالد بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الحضانة
التاريخ 14/5/1423
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
أنا امرأة في تزوجت، وانتهى الأمر بالطلاق، وأنا أتقطع ألماً وحسرة على طفلي البريء، وكرَّست حياتي لهذه الضحية طوال سنوات الطلاق الست كنت أعيش في بيت أبى الذي أغدق علي وعلى ابني من حنانه ورعايته الشيء الكثير، توفي والدي منذ شهر, وها أنا أشعر بالوحدة والضيق، ولا أجد سنداً واحداً لي في الحياة بعد وفاة القلب الحنون (أبي) والحزن يقتلني، نصحني الكثيرون بالزواج وهم لا يعلمون ما نص صك الطلاق فلا يحق لي الزواج إلا إذا سلمت ابني الوحيد إلى أبيه، علماً أن أباه لم يسأل عنه طوال مدة الطلاق حتى النفقة لم يدفعها، إني أرغب في الزواج وفي الوقت نفسه البقاء على حضانة ابني البالغ من العمر ثمان سنوات، في أي سن يكون التخيير؟ أخشى على نفسي من الضياع.
الجواب
الأم ما لم تتزوج أحق بحضانة ولدها في المرحلة التي تسبق سن التخيير وهو سن السابعة؛ لما رواه أحمد (6707) وأبو داود (2276) والحاكم (2/573) واللفظ له، وصححه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن امرأة قالت: يا رسول الله: ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه عني! قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"أنت أحق به ما لم تنكحي".
وإذا بلغ الولد -ذكراً كان أم أثنى- سن السابعة خُيِّر بين أبيه وأمه فأيهما اختار كان معه؛ لما رواه الخمسة النسائي (3496) واللفظ له، وأبو داود (2277)، وابن ماجة (2351)، والترمذي (1357)، وأحمد (7352)، وصححه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:"إن امرأة جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها، وقال: من يخاصمني في ابني؟ فقال رسول الله: يا غلام! هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت. فأخذ بيد أمه فانطلقت به". وإذا اختار التنقل(6/141)
بينهما فله ذلك؛ لأن الأمر راجع إلى ما يشتهي الولد، وهذا إذا كان كل من الوالدين أهلاً للولاية، فإن كان أحدهما ليس بأهل جُعِل مع الآخر بلا تخيير؛ لأن المقصود رعاية مصلحة الولد، ولا تحصل بجعله عند غير الأهل.
ونصيحتي لك أن تتزوجي، ولو أدى ذلك إلى أن يأخذ زوجك ولدك؛ لما في ذلك من حفظك من الضياع الذي تخشينه على نفسك، وسيجعل الله لك فرجاً، فربما صعب على الأب رعاية ولده فيتركه لك، أو يرزقك الله من زوجك الثاني أولاداً يكون لك فيهم خير عوض، والله أعلم.
حضانة الأولاد قبل البلوغ
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الحضانة
التاريخ 20/06/1426هـ
السؤال
ما رأي الشرع في وضع الأطفال لأم مطلقة -عن بنتين عمر إحداهما ثمان سنين، والثانية ست سنين، وولد عمره أربع- ولم تتزوج، وكان طلاقها ظلماً وعدواناً، حيث إن الزوج ادعى عدم محبتها، وهو يرفض تماماً التحاكم إلى الشرع، وهي في حيرة وحالة نفسية متدهورة بسبب تهديدها بأخذ أبنائها.
الجواب
إذا طلقت المرأة ولها أولاد، فإما أن يكونوا أقل من سبع سنوات أو أكثر، فأما من كان دون سبع سنين، فإنّ أمّه هي التي تتولى حضانته، لأنه لا يستغني عنها غالباً. وفي سنن أبي داود (2276) بسند حسن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للمرأة المطلقة: "أنتِ أحق به ما لم تنكحي". وعلى هذا قضاء الخلفاء الراشدين.
وقد قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: الأم ألطف وأعطف وأرحم وأحنى وأرأف، هي أحق بولدها ما لم تتزوّج. المصنف لعبد الرزاق: (12600).
فإن بلغ سبع سنين، فقد اختلف فيه أهل العلم، ومذهب الإمام أحمد أن الغلام يخيّر بين أمه وأبيه، فمن اختار منهما كان عنده، وأمّا البنت فإنها عند أبيها؛ لأنه أستر لها وهو الذي يزوّجها فيما بعد.
واختار ابن القيم وغيره من المحققين -ونسبه للجمهور- أن الغلام يخيّر، وأمّا البنت فتكون عند أمها؛ لأنها محتاجة إلى تعلم ما يصلح للنساء.
وجميع ما سبق فيما إذا تساوى الأبوان في الاهتمام بمصلحة الطفل، أما إذا كان أحدهما يهمله، كأن لا يتولى تدريسه أو العناية به، أو إبعاده عما يضر فإن هذا لا حضانة له؛ لأن الحضانة شرعت للعناية بالمحضون. هذا نظر فقهي.
أمّا القضاء فإن القاضي يحكم باجتهاده بعد سماع ما يدلي به الطرفان لديه. وأنصح السائلة أن تترك أولادها لديها، وتقوم نحوهم بما يجب، وإن أراد أبوهم انتزاعهم فيمكنه التقدّم للقضاء، حيث يفصل الشرع بينهم. والله الموفق.(6/142)
حضانة الولد بعد الطلاق
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الحضانة
التاريخ 27/04/1426هـ
السؤال
قمت بطلاق زوجتي وهي حامل، وحاولت إرجاعها، لكن رفضت العودة، فمتى يحق لي أخذ طفلي منها، علماً أنها هي التي طلبت الطلاق؟.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
الأولى بحضانة الصغير -ذكراً أو أنثى- الأم ما لم تتزوج؛ لحديث: "أنت أحق به ما لم تنكحي" أخرجه أبوداود (2276)، أو يكمل سبع سنين، فإن كان ذكراً، وبلغ سبع سنين خير بين أبويه، فكان مع من اختار منهما.
وإن كانت أنثى فحضانتها بعد السبع لأبيها ما لم يلحقها ضرر ببقائها عنده، وكل ذلك إن كان الوالدان أهلاً للحضانة بالقيام بما يجب لمصلحة المحضون، ولم يكن المحضون معتوهاً، فإن أهمل أحدهما ما يجب عليه من حضانة الولد وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر، وأما البنت الكبرى فحضانتها لأبيها، ما لم يلحقها ضرر من بقائها عند ضرة أمها. والله تعالى أعلم.
الأحق بالحضانة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الحضانة
التاريخ 27/11/1424هـ
السؤال
أختي وزوجها حصل لهم حادث، وتوفيا، وتركا أبناء أحياء أكبرهم 13سنة، وأصغرهم سنة واحدة، من أحق بالحضانة؟ مع العلم أن الجدتين للأبناء أحياء أم الأم، وأم الأب لكنهما كبيرتان في السن، فهل للخالة حق في الحضانة مع وجود الأعمام والعمات؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه إذا كانت كلا الجدتين عاجزتين عن الحضانة لكبر سنهما، وبقيت الخالة والعمة، فإنه قد وقع خلاف بين أهل العلم في أيهما أحق بالحضانة من الأخرى، على قولين:
الأول: أن الخالة أولى بالحضانة من العمة للحديث الصحيح: "الخالة بمنزلة الأم" البخاري (2700).(6/143)
والقول الثاني: أن العمة أولى من الخالة بالحضانة، وهذا القول هو الأصح دليلاً، حيث إن أصول الشرع وقواعده شاهدة بتقديم أقارب الأب في الميراث، وولاية النكاح، وولاية الموت، وغير ذلك، ولم يعهد في الشرع تقديم قرابة الأم على قرابة الأب في حكم من الأحكام، هذا إذا كانت الجهة في درجة واحدة أو كانت جهة الأب أقرب من جهة الأم، فإن كانت جهة الأم أقرب من جهة الأب، فإنها تقدم على الأرجح، ومثاله: أم الأم، وأم أب الأب، فتقدم جهة الأم، - وهي هنا أم الأم - على أم أب الأب، وذلك لأن الأقرب أقوى شفقة وحنواً على المحضون من الأبعد.
وهذا القول الثاني هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(34/122)، وابن القيم في زاد المعاد(5/439) وأجاب عن حديث "الخالة بمنزلة الأم" بأن الخالة لم يكن لها مزاحم من أقارب الأب تساويها في درجتها، كما يدل عليه سياق الحديث (زاد المعاد 5/441)، وأما الخالة مع العم، فإنها تقدم عليه في الحضانة؛ لأن المرأة أعرف بتربية المحضون، وأقدر عليها، وأصبر وأفرغ لها، ولذلك قدمت الأم فيها على الأب في الحديث الذي رواه أحمد(6707)، وأبو داود(2276)، بلفظ: "أنت أحق به ما لم تنكحي"، وسنده حسن. هذا كله فيما إذا كان كل منهما أهلاً للحضانة فأما إذا كان أحدهما أهلا لها، والآخر ليس بأهل لها؛ لكونه معروفاًُ بالفساد والمجون أو بالتفريط والإهمال في القيام بمصالح المحضون ونحو ذلك، فإنه يسقط حقه في الحضانة، وينتقل الحق إلى الآخر ولو كان في جهة الأم؛ لأن المقصود من الحضانة هو القيام بمصالح المحضون ودفع المضار عنه، فلا تصلح عند من لا يقوم بهذا الواجب، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(34/132)، بل أشار إلى أن هذا القول محل اتفاق بين العلماء.
هذا بالنسبة للمحضون الصغير إذا كان ابناً ولم يميز، أو كانت بنتاً ولم تبلغ.
فأما الابن المميز - وهو الغلام الذي بلغ سبع سنين - فإنه يخير بين الخالة والعمة والعم، كما يخير بين الأم والأب، ويدل لهذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: أن امرأة قالت يا رسول الله: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد نفعني، وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "يا غلام" هذا أبوك، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت" رواه أحمد(2/246)، وأبو داود(2277)، وغيرهما، فإن اختار الغلام من لا يصلح للحضانة، لم يمكن من ذلك، ولذا قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد(5/475)، (فإذا كانت الأم تتركه في المكتب، وتعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك، فإنه أحق به بلا تخيير ولا قرعة، وكذلك العكس، ومتى أخل أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله، والآخر مراع له، فهو أحق وأولى به) ا.هـ. والله - تعالى - أعلم.
ــــــــــــــ
من أحق بالحضانة؟
المجيب أ.د. صلاح بن محمود العادلي(6/144)
أستاذ في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الحضانة
التاريخ 23/07/1426هـ
السؤال
هل الطفلة في حالة وفاة والدتها تؤول -شرعاً- للأب؟ أم لأم الأم وخالاتها؟ أو للأصلح لها ماديًّا ودينيًّا وتربويًّا، سواء مع أبيها أو خالاتها أو أهل أبيها؟ علماً أن عمرها أربعة أعوام، أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وبعد:
فقد حرص الإسلام حرصاً بالغاً على الأطفال وحسن تربيتهم، وخص منهم من فقد أبويه أحدهما أو كليهما، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه سهل بن سعد -رضي الله عنه-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا". وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً. أخرجه البخاري (5304).
وبالرغم من أن اليتيم عند الفقهاء هو من مات أبوه، غير أن فقد الأم -وهي مصدر الحنان الأول لطفلها- له شأنه في النظر في شأن رعايته والاهتمام به، وفي هذه الحال ينظر في الأمر باعتبار تحقق المصلحة لهذه الطفلة غذاءً وكساءً ودواءً وحسن تربية وتأديب، وكلام الفقهاء يدور حول هذا المعنى.
وإليك -أخي الكريم- ما جاء في هذا عن أهل العلم، فهم فيمن هو أولى بالحضانة على قولين:
الأول: أن الخالة أولى بالحضانة من العمة للحديث الصحيح: "الخالة بمنزلة الأم". أخرجه البخاري (2700).
والقول الثاني: أن العمة أولى من الخالة بالحضانة، وهذا القول هو الأصح دليلاً، حيث إن أصول الشرع وقواعده شاهدة بتقديم أقارب الأب في الميراث، وولاية النكاح، وولاية الموت، وغير ذلك، ولم يعهد في الشرع تقديم قرابة الأم على قرابة الأب في حكم من الأحكام، هذا إذا كانت الجهة في درجة واحدة، أو كانت جهة الأب أقرب من جهة الأم، فإن كانت جهة الأم أقرب من جهة الأب، فإنها تقدم على الأرجح، ومثاله: أم الأم، وأم أب الأب، فتقدم جهة الأم،- وهي هنا أم الأم- على أم أب الأب، وذلك لأن الأقرب أقوى شفقة وحنواً على المحضون من الأبعد.
وهذا القول الثاني هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (34/122)، وابن القيم في زاد المعاد (5/439)، وأجاب عن حديث "الخالة بمنزلة الأم" بأن الخالة لم يكن لها مزاحم من أقارب الأب تساويها في درجتها، كما يدل عليه سياق الحديث [زاد المعاد (5/441)].
وأما الخالة مع العم، فإنها تقدم عليه في الحضانة؛ لأن المرأة أعرف بتربية المحضون، وأقدر عليها، وأصبر وأفرغ لها، ولذلك قدمت الأم فيها على الأب في الحديث الذي رواه أحمد (6707)، وأبو داود (2276): "أنت أحق به ما لم تنكحي"، وسنده حسن.(6/145)
هذا كله فيما إذا كان كل منهما أهلاً للحضانة، فأما إذا كان أحدهما أهلا لها، والآخر ليس بأهل لها؛ لكونه معروفاًُ بالفساد والمجون أو بالتفريط والإهمال في القيام بمصالح المحضون ونحو ذلك، فإنه يسقط حقه في الحضانة، وينتقل الحق إلى الآخر ولو كان في جهة الأم؛ لأن المقصود من الحضانة هو القيام بمصالح المحضون ودفع المضار عنه، فلا تصلح عند من لا يقوم بهذا الواجب، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (34/132)، بل أشار إلى أن هذا القول محل اتفاق بين العلماء.
هذا بالنسبة للمحضون الصغير إذا كان ابناً ولم يميز، أو كانت بنتاً ولم تبلغ.
فأما الابن المميز - وهو الغلام الذي بلغ سبع سنين - فإنه يخير بين الخالة والعمة والعم، كما يخير بين الأم والأب، ويدل لهذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد نفعني، وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "يا غلام، هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت" رواه أحمد (2/246)، وأبو داود (2277)، وغيرهما.
فإن اختار الغلام من لا يصلح للحضانة، لم يمكن من ذلك، ولذا قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد (5/475): "فإذا كانت الأم تتركه في المكتب، وتعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك، فإنه أحق به بلا تخيير ولا قرعة، وكذلك العكس، ومتى أخل أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله، والآخر مراع له، فهو أحق وأولى به". ا.هـ. والله - تعالى - أعلم.
ــــــــــــــ
هل يستحق الأب الحضانة؟
المجيب د. محمد بن عبد الله المحيميد
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/03/1427هـ
السؤال
امرأة مطلقة تنازعت مع طليقها على ابن لهما عمره خمس سنوات، وفي مجلس عُرف حكم للأب بحضانة الابن؛ لأنه لا يريد أن يدفع له نفقة، وعند أخذه صرخ الطفل فتركه أبوه وذهب ولم يطالب به بعد ذلك، ثم حدثت مشاكل بين والد الأم -الذي ينفق عليها هي وابنها- وبين والد الطفل (وكان أبو الطفل ظالماً لوالد الأم)، فقرر والد الأم أن يعطي الطفل لأبيه لأنه لا يستحق أن يربيه له، وأم الطفل حزينة لذلك، فهل والد الأم ظلمها؟ علماً بأن الأم ليس لها دخل أو مال خاص، وهي مقيمة في بيت أبيها، وهل هذا ظلم للطفل؟ علماً بأن أباه شاب قادر على الكسب، ولا يصلي وأخلاقه ذميمة. أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والآه، وبعد:(6/146)
فإن الحضانة إنما تراعى فيها مصلحة الطفل، لا رغبة الأبوين، فمن ترجح أن مصلحة الطفل عنده أكثر من الآخر فهو أحق بحضانته، سواء كان أباً أو أماً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: (ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا. والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك على البر العادل المحسن القائم بالواجب ). مجموع الفتاوى (9/86).
أما ما يتعلق بنفقة الصغير الذي لا مال له فإنها تجب شرعاً على الأب إن كان موسرا، وتُلزمه المحكمة بدفعها، فإن كان الأب معسرا وقادرا على الكسب أجبر على التكسب من أجل الإنفاق على ابنه، فإن أبى فإنه يعاقب ولو بالسجن.
وعلى هذا فإن كان ما ذكره السائل صحيحاً من أن والد الطفل لا يصلي وأخلاقه ذميمة .. فإنه لا يستحق حضانة هذا الطفل؛ حفاظاً على مستقبله، كذلك إن كان ما ذكره السائل صحيحاً من أن والد الطفل شاب وقادر على الكسب.. فإنه يجبر على التكسب للنفقة على ابنه، ولو اقتضى الأمر سجنه فإنه يسجن، ومثل هذا لا يتم إلا عن طريق المحكمة، فعلى الأم التقدم إليها.
أما فيما يتعلق بتخلي والد أم الطفل عنه ودفعه لوالده، وهل يأثم بذلك؟
فالجواب أن والد الأم لا تجب عليه نفقة ابنها شرعاً، لكن ينبغي أن لا يحول بين ابنته وبين حضانة طفلها، لاسيما إذا تكفّل بنفقة الطفل غيره ممن تجب عليه نفقته من والد أو وارث أو غيرهما.
ولعلي أُذكِّر والد هذه الأم بما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة (طائر صغير) فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي تصيح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من فجع هذه بفرخيها؟". قال: فقلنا: نحن. قال: "فردوهما". أخرجه الحاكم (7673)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
كما أخرجه أبوداود (2658) بلفظ قريب من هذا، وصححه الألباني -رحمهم الله تعالى-.
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: (أجمع أهل العلم على أن التفريق بين الأم وولدها الطفل غير جائز، هذا قول مالك في أهل المدينة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي فيه، والأصل فيه ما روى أبو أيوب، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا توله والدة عن ولدها"، قال أحمد: لا يفرق بين الأم وولدها وإن رضيت، وذلك -والله أعلم- لما فيه من الإضرار بالولد، ولأن المرأة قد ترضى بما فيه ضررها، ثم يتغير قلبها بعد ذلك فتندم) أ.هـ المغني (21/55).(6/147)
قلت: وإن كان هذا في مسألة بيع الرقيق إلا أن العلة واحدة، فعلى والد هذه الأم أن يصبر ويحتسب الأجر من الله، ولعل الله أن يسخِّر له هذا الطفل في مستقبل حياته فيبره وهو أحوج ما يكون لذلك. وفق الله الجميع للصواب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
أيُّنا أحق بحضانة الولد!
المجيب محمد بن سليمان المسعود
القاضي بالمحكمة الكبرى بجدة
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 07/03/1427هـ
السؤال
سوف أطلق زوجتي بعد استنفاذ جميع الطرق للحل، فإذا ذهبت للمحكمة وطلقتها بالثلاث غيابيًّا؛ -حيث إنها موجودة عند أهلها ولا توجد وسيلة اتصال لإبلاغها- هل يجوز ذلك؟
كما أن ولدي عمره سبعة أشهر، فهل صحيح أنني لا أستطيع أخذه إلا بعد أن تتزوج أمه؟ وكم النفقة الواجبة لولدي?
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما ذكرت في سؤالك أولاً والذي ينص على أنك إذا تريد أن تذهب للمحكمة وطلقت زوجتك بالثلاث غيابيًّا، حيث إنها موجودة لدى أهلها، ولا وسيلة للاتصال لإبلاغها؛ فهذا يتضمن أمرين: الطلاق بالثلاث، وهو طلاق بدعي محرم لا يجوز، فإن الطلاق الذي شرعه الله -تعالى- هو ما أمر به في قوله سبحانه: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ" [الطلاق:1] أي وهن طاهرات مستقبلات لعدتهن، ولحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- حينما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يطلق زوجته وهي في طهر لم يجامعها فيه. صحيح البخاري (5252)، وصحيح مسلم (1471). فتنبه لذلك.
وهل يقع واحدة أو ثلاثاً فهذا يرجع فيه إلى المحكمة التي أصدرت الصك المتضمن لهذا الطلاق.
أما الأمر الثاني: أن يكون الطلاق غيابيًّا (يعني عن زوجتك) فهذا لا حرج فيه، ولو لم تعلم عند الطلاق ساعة إيقاعك له، لكن يجب عليك إبلاغها بهذا الطلاق بأية وسيلة، سواء بالذهاب إليها، أو إبلاغها بواسطة من يصل إليها، أو غير ذلك من الوسائل لأجل أن تعتد لهذا الطلاق.
أما بالنسبة للسؤال عن الحضانة فما دام الابن عمره سبعة أشهر فالأصل أنه سيبقى في حضانة أمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت أحق به ما لم تنكحي" أخرجه أبو داود (2276). فإذا تزوجت فيكون من حق أبيه، وللأم حق إرضاعه في سن الرضاع، فإذا بلغ السابعة وكانت أمه لم تتزوج فيخير الذكر بين أبويه، فإن اختار أحدهما فيكون لديه.(6/148)
وأما النفقة فالواجب عليك الإنفاق على ابنك بالمعروف بما يكفيه من الكسوة والطعام والشراب والعلاج وجميع ما يلزمه بما جرت به عادة المسلمين؛ لقوله تعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" [الطلاق:7] ولم تحدد النفقات لكن جعل ذلك بالمعروف، وعند الاختلاف فالمرجع إلى المحكمة الشرعية للفصل فيها، والله هو الموفق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
في الحضانة
س - سبق أن تزوجت من قريبة لي وأنجبت ولداً ، لكن الحياة بيننا لم تستمر وانتهت بالطلاق ولا داعي لذكر الأسباب ، والمشكلة أن ولدي منها قد بلغ السنة التاسعة من عرمه وأنا أعلم حقها الشرعي في حضانة الولد لسبع سنوات ، ويخبر بعد ذلك ، وبعد سن السابعة تقدمت بطلب استلام ولدي للمحكمة الشرعية لكن المحكمة الشرعية أبلغتني أن الحضانة حسب قانون جديد صدر في الأردن أصبحت (15) خمسة عشر عاماً . وأنا أعيش هنا في المملكة وفي الإجازة أحاول رؤية ولدي لكن الولد قد شبعت وسممت أفكاره فإذا قابلني في الطريق يهرب مني بل ويشتمني ولا يتورع عن رمي الحجار علي . وقد حاولت أن أحضره لأراه وأطمئن على أحواله لكن أمه رفضت فأبلغت المحكمة لكن المحكمة أبلغتني أنه لا يجوز لي رؤيته إلا مدة ساعة في الأسبوع وفي بت المختار ( الشيخ ) أو في المحكمة . وسؤالي هنا أليس من حقي رؤية وتربية ولدي تربية صالحة وهل الشرع يرضى بهذا لقد عجزت من المحاكم ومن المحامين فأرجو أن يكون لديكم الحل لكي أرى ولدي وأطمئن عليه وأن أوجهه وأربيه تربية صالحة ؟
ج- مسائل الحضانة من مسائل النزاع وهي تتعلق بالمحاكم ولكن نوصيك بالمعاملة الطيبة مع أولياء المرأة وتوسيط الأصدقاء الطيبين بينك وبين ولي المرأة لحل المشاكل بينكما وبذل المستطاع من المعروف للمرأة ووليها حتى تنتهي المشكلة ويحصل الاتفاق بينكما إن شاء الله عى ما فيه راحة الجميع ومصلحة ابنك في دينه ودنياه .
الشيخ ابن باز
فتاوى ابن الصلاح - (ج 2 / ص 46)
ومن كتاب الحضانة
426 مسألة امرأة توفيت ولها ولد رضيع فبقي في حضانة جدته ولأبي الصبي جارية برسم خدمة الصبي فأخرجت الجدة المذكورة الجارية ومنعتها من خدمة الصبي فهل لها ذلك مع رضي الأب بخدمة الجارية لولده وتقريرها له
أجاب رضي الله عنه تعيين من يقوم بخدمة الصبي إلى الأب الذي عليه القيام بنفقته وكفايته مهما لم يثبت أن الجارية التي عينها الأب كذلك تضر بالجدة فيما إليها من خدمة الصغير فليس لها المنع من تعيينها للخدمة والله أعلم
ــــــــــــــ(6/149)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 21 / ص 209)
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 149)
النفقات والحضانة
الفتوى رقم ( 4359 )
س: إنني إنسان مقتدر عندي من المال الوفير كسبته من حلال إن شاء الله ، أؤدي ما علي من واجبات تجاه الأهل والفقراء والمساكين وغيرها من واجبات والحمد لله ، بنيت منزلا وأثثت له أثاثا فاخرا فارها غاليا جدا من الخارج ، ولكنني في حيرة من أمري ، حيث لا أدري هل بعملي هذا أكون ممن قال فيهم الله تعالى : سورة لقمان الآية 18 إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ سورة الإسراء الآية 26 وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا الآية .
ج : الإنفاق من المال إذا زاد عن مقدار الحاجة فقد يكون محرما ، وقد يكون مكروها ، وقد ورد النهي عن الإسراف والتبذير ، فقال تعالى : سورة الأعراف الآية 31 يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وقال تعالى : سورة الإسراء الآية 26 وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا سورة الإسراء الآية 27 إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا سورة الإسراء الآية 28 وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا سورة الإسراء الآية 29 وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا .
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 150)
وبما ذكرنا ننصح لك بالتوسط في أمورك كلها ، وننصحك بأن تساهم في وجوه البر من الإحسان إلى فقراء الأقارب وإخوانك المسلمين ، والمساعدة في بناء المساجد ، وتشجيع مدارس تحفيظ القرآن ، والدعاة إلى الله ، وطبع كتب العقيدة وتفسير القرآن وعلومه ، وكتب السنة من المتون والشروح ، وعلوم الحديث ، وكتب الفقه الإسلامي وأصوله وقواعده ، وغير ذلك من وجوه البر .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ــــــــــــــ
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 316)
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 317)
باب الحضانة
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 318)
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 319)
198 - الأولى بالحضانة
س: هل من فقد من أهل الحضانة يتولى من بعده ما يتولى مطلقا؟(6/150)
الجواب : نعم إذا فقد مستحق الحضانة أو قام به مانع قام من يليه من أهل الحضانة في المرتبة مقامه وتولى ما يتولى، صرح بذلك بعض الفقهاء، قال في الشرح الكبير فصل، فإن كان الأب معدوما أو من غير أهل الحضانة وحضر غيره من العصبات كالأخ والعم وابنه قام مقام الأب فيخير الإمام بينه وبين أمه؛ لأن عليا - رضي الله عنه - خير عمارة الخرمي بين أمه وعمه، لأنه عصبته فأشبه الأب، وكذلك إن كانت الأم معدومة أو من غير أهل الحضانة فحضنته الجدة، خير الغلام بينها وبين أبيه أو من يقوم مقامه من العصبات، فإن كان الأبوان معدومين، أو من غير أهل الحضانة فسلم إلى امرأة كأخته، أو عمته، أو خالته قامت مقام
(الجزء رقم : 22، الصفحة رقم: 320)
أمه في التخيير بينها وبين عصباته للمعنى المذكور في الأبوين انتهى. وذكر في شرح الإقناع والمنتهى نحو ما ذكر الشارح رحمهم الله.
201 - حضانة الأولاد متعلقة بالمحكمة
س: طلقت زوجتي، وعندي منها بنت وولد، وأخذت أنا الولد، والبنت موجودة عندها، فمتى يحق لي أخذ الأولاد؟ صدرت من سماحته بتاريخ 23 / 3 / 1419هـ .
ج : هذا الموضوع يتعلق بالمحكمة، وفيما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله. وفق الله الجميع.
ــــــــــــــ
مدى التلازم بين النفقة والحضانة
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1425 / 03-11-2004
السؤال
مالفرق بين النفقة و الحضانة و هل تسقط النفقة حينما تسقط الحضانة و شكرا جزيلا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عرف الفقهاء النفقة بأنها ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف. ذكر هذا ابن عرفة في حدوده.
أما الحضانة فهي حفظ من لا يستقل بأموره وتربيته بما يصلحه.
ومن الفروق بينهما أن الحضانة في الغالب حق للنساء، بينما النفقة واجبة في الغالب على الرجال دون النساء، وليس بين النفقة والحضانة تلازم، فقد تكون حضانة الولد لشخص ونفقته على شخص آخر مثل الحالات التي تكون فيها الحضانة لغير الأب، وقد تجتمعان في محل واحد، كما إذا كانت الحضانة للمنفق أبا أو غيره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
لا يعاقب الأب بذنب ابنه(6/151)
تاريخ الفتوى : ... 20 رمضان 1425 / 03-11-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا شاب من سوريا, أسرتي تعيش في سوريا, ولي أخت كانت متزوجة في المدينة المنورة
من رجل سعودي الجنسية , ولها منه ثلاثة أطفال , وكان من شرط الزواج ولو أنه لم يكتب في المهر, أن تمارس أختي التدريس كونها حاملة لشهادة جامعية , ولسبب آخر تجدد بعد الزواج
وهو الفراغ الذي كانت تعانيه في حياتها, هذا الفراغ أتى من وجهين الأول أن زوجها صاحب أسرة ثانية وبسب الغربة من الوجه الآخر, فطلبت من زوجها أن يعينها على إيجاد عمل تنفيذا لوعده, فماطل كثيرا ولم يستجب وبدأت المشاكل بينهما, ومن جهة ثانية كان والدي وأبو الزوج لهما قطعة أرض مناصفة بهدف التجارة, وبالموافقة تم بيع هذه الأرض وأراد أبي أن يعطيه نصيبه من ثمن الأرض, فأرسل له أخي ليعطيه حقه كاملا, وتم الاتفاق بين أخي وأبي زوج أختي أن يعمل أخي في هذا المال بالتجارة والمربح مناصفة ولا دخل لوالدي بذلك حيث إن أبي كلمه فقال له أبو الزوج هذا بيني وبين ابنك، قام أخي بشراء قطعة أرض جديدة بهذا المال ومن ماله الخاص أيضا بهدف التجارة استغل الزوج هذه القضية في ضوء المشاكل بينه وبين أختي وقام بتحريض والده على أن يطالب في ماله, فعرض أخي الأرض للبيع, ولم يأت أي زبون لشرائها وحاول أهلي أن يعطوهم حقهم, ولكن الأوضاع المادية لا تسمح وبدأ الجور على أختي من هذه الناحية,حيث قال لها زوجها إن أهلك يريدون أكل مال أبي حتى أبوه أيضا قال لها نفس الكلام, وبدأت المقاطعة من أهل الزوج كلهم حتى أخواته البنات اللواتي كانوا يسلونها في غربتها ,حتى إن زوجها قطعها أيضا ولم يعد يأتي للمنزل
قررت أختي أن تسافر في زيارة عندنا في سوريا, وهناك أفهمت أهلي الوضع مع زوجها ومشكلة الأرض, فقام أبي بوضع ملكية الأرض كلها والتي لأخي نصفها في حوزة أختي, وذلك ليثبت لهم أننا لا نريد أكل مالهم, وقررت أختي أن لا ترجع إلى زوجها حتى تباع الأرض وتأتي بحق عمها معها, وذلك بسب سوء معاملتهم لها بهذه المسألة, وبقيت في سوريا ستة أشهر إلى أن أتى زوجها وقال لها خلاص ارجعي وأعدك أن لا أكلمك في أمر الأرض أبدا, وحتى والده وعدها بنفس الشيء, وأيضا جدد لها الوعد في قصة التدريس وشهد أبوه بذلك, ومسألة ثالثة وعدها بها وهي أن تبقى في شقتها التي تعيش فيها منذ زواجها به, والتي هي ملك لوالده, وكل هذه الوعود بشهادة أبيه، وعندما رجعت إلى بيتها, بدأت المشاكل حيث إنه لم يف بأي عهد ولا أبوه كذلك, وتجددت سيرة الأرض وحرض الزوج أباه على أن يخرجها من شقته لكي يسكنها كما قال( تحت قدميه )حيث إنه كان يملك بيتا من طابقين تعيش فيه أسرته الأولى في الطابق العلوي.(6/152)
وسبب رفض أختي صراحة للسكن في بيته هو أنه في العمارة التي تقع شقتها بها يوجد أهل الزوج وأخواته البنات والتي كانت تتونس معهم وخاصة أنه ليس لها أهل فهي في غربة.وتوالى الظلم عليها من الزوج وأهله كلهم .
قرر أبي وأمي أن يقوما بالعمرة وهما لا يعلمان عن تطور الأحداث شيئا وعندما وصلا لبيت أختي وجدوا المشاكل وحاولوا حلها فلم يستطيعوا فعل شيء وعندما رجعوا, وصل الأمر أنه في عيد الفطر لم يدخل بيت أختي أحد وزوجها قاطعها, ولم يأت لبيته, وأمر أبو الزوج بإخلاء شقته ؛فعندها طلبت أختي الطلاق على أن تبقى كمربية لأطفالها الثلاث ويشرف على متطلباتها ومصاريف الأطفال أبوهم, فلم يرض الزوج بذلك, فطلبت السفر لسوريا بقصد الراحة وسافرت بدون أطفالها الصغار, وأكبرهم بنت عمرها كان ست سنوات وأوسطهم ولد عمره أربع سنوات وهو مريض منذ ولادته وبحاجة إلى عناية خاصة كما قال الأطباء وأصغرهم بنت عمرها سنتان آنذاك, ولم يتوصل إلى حل بينهما, وتم الطلاق بعد عناء ستة أشهر وهو يماطل بنا حتى في الطلاق. وحرمها من التحدث مع أطفالها في الهاتف، ثم إن أختي تزوجت من رجل سعودي من المدينة أيضا, وسافرت معه, وأرادت أن ترى أطفالها فمنعها زوجها السابق, ولأسباب خاصة تم الطلاق من زوجها الثاني وهي الآن في سوريا مع أهلي وقد قام زوجها أبو أطفالها بخطبتها مرة ثانية وبسبب عدم الثقة فيه طلبنا منه مهرا وهو أن يعطيها الأرض لها كاملة وذلك ضمانا منه لها, فرفض ذلك وهو قادر من حيث الأوضاع المادية ثم قال لها اجلسي في بيت أهلك وسددي لي ثمن الأرض ومنعها من التحدث مع أطفالها على الهاتف, ونحن غير قادرين على تسديد مبلغ الأرض
والسؤال من خلال هذه المأساة هل يحق لها أن تأخذ هذه الأرض) التي هي ملكيتها (ردا على هذا الظلم الذي هو حرمانها من فلذات كبدها ؟؟؟
وإذا لم يحق لها ذلك ؛ هل من الممكن وفاء ثمن هذه الأرض بتقسيط مناسب لأوضاعنا المادية أنا آسف للإطالة صاحب الفضيلة ولكن لكم أن تتخيلوا حجم المأساة الذي ابتليت بها هذه المرأة ... ..
ولكم جزيل الشكر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان زوج أختك قد دفع لها حقوقها المترتبة لها عليه عند الطلاق فلا يحق لها بعد ذلك أن تطالبه بشيء آخر، وهذه الحقوق هي المتعة بشيء من المال، قدر وسعه واستطاعته، لقول الله تعالى:
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ {البقرة: 236}.
ومنها النفقة والسكن زمن العدة إن كانت رجعية.
فهذه هي الحقوق التي لها عليه كما قرر أهل العلم، بناء على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما استيلاؤها على أرض أبيه الذي كان شريكا لأخيها فلا يحق لها بحال، لأن أباه له ذمته الخاصة به وغير مؤاخذ بما فعل ابنه.(6/153)
قال الله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 164}. وأما حرمانها من الاتصال بأطفالها فإنه لا يجوز له، وعليه أن يمكنها من زيارتهم والاتصال بهم... وأما حضانتها لهم فقد سقطت عندما تزوجت رجلا آخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة مطلقة أراد مطلقها أن يأخذ منها ولدها: أنت أحق به ما لم تنكحي. رواه أحمد وأصحاب السنن. والظاهر أنها لا ترجع إليها الحضانة بعد زوالها عنها بالزواج. قال العلامة خليل المالكي في المختصر: ولا تعود بعد الطلاق أو فسخ الفاسد.
ولهذا نرجو أن تعالجوا أموركم بحكمة، ونذكركم بقول الله تعالى: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة: 237}.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 8845، 9746، 47145.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... للأب أن يطالب بحضانة أولاده إذا خاف عليهم الانحراف
تاريخ الفتوى : ... 04 رمضان 1424 / 30-10-2003
السؤال
اعترفت لى زوجتي بانها قد زنت بأحد أقاربها وخلال هذه الفترة أنجبت ولدا؟ ما هو الحكم الشرعي الذي يترتب على ذلك بالنسبة لزنا الزوجة ونسب الولد؟ علما بأنني قد طلقتها ثلاث طلقات ولي منها 3 أبناء . وقد تزوجت بأمراة أخرى. هل يجوز لي شرعا أن أطالب بحضانة الأولاد عن طريق المحكمة خوفا من انحرافهم إذا بقوا في حضانتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن المعلوم بالضرورة أن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وفاحشة من أقبح الفواحش، وعلى من ابتلي به المبادرة إلى التوبة النصوح وستر نفسه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه مالك في الموطأ.
ومن أقر به وأعلن عنه فإن على ولي أمر المسلمين أن يقيم عليه الحد.
وقد جاء الوعيد الشديد لمن أدخلت على قوم من ليس منهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم،حيث قال: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم،فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين يوم القيامة . رواه أصحاب السنن.
ومن المعلوم أن الشرع الحنيف يحتاط في لحوق النسب لو وجد أي احتمال، واعتراف المرأة بالزنا وإنجاب ولد منه إذا كانت متزوجة لا ينفيه ذلك عن الزوج، لاحتمال أن يكون من الزوج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش متفق عليه.(6/154)
أما إذا كانت غير متزوجة في ذلك الوقت فإن الولد ينسب إليها.
ولمزيد من الفائدة والتفصيل في هذا الموضوع نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6280
وإذا كانت المرأة فاسقة، فإن حقها في الحضانة يسقط، وينتقل إلى من بعدها، فإذا لم يوجد من هو أحق منك بالحضانة، أو وجد لكنه لا يصلح لها أو تنازل عنها انتقلت الحضانة إليك.
وإذا كنت تخاف عليهم الضياع أو الانحراف أو فسق الحاضنة، فمن حقك أن تطالب بهم على كل حال.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من التفصيل في الفتوى رقم: 23294
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
يتبع الولد خير الوالدين ديناً
تاريخ الفتوى : ... 02 شعبان 1424 / 29-09-2003
السؤال
فضيلة المفتى: ما حل مثل هذه المشكلة: تزوج مسلم مسيحية على اعتبار جواز ذاك فى الإسلام، وبعد أن رزق بابن أرادت زوجته تنصير الطفل الصغير، الأمر الذي يرفضه الأب بشدة، فما الحل الطلاق، وإذا كان الطلاق هو الحل فلمن يكون الحق فى الاحتفاظ بالابن وعلى من تكون النفقة؟ وهل يرث الولد من أبيه أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الولد يتبع خير الوالدين ديناً، وعلى هذا فالولد يتبع أباه ولا يتبعها، ولا يصح إلا ذلك، فإذا حاولت الزوجة النصرانية أن تنصر الولد، فالواجب كفها عن ذلك، والحرص كل الحرص على سلامة معتقده، فإن أبت إلا ذلك ولم يُستطع إلى ردها سبيل فلتطلق، وإذا طلقت فالأب أحق بحضانة ولده، لأن الحضانة لا تثبت لكافر على مسلم، وبهذا قال الشافعي وأحمد وعزاه الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار إلى الجمهور، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: فلا تثبت لكافر على مسلم، كولاية النكاح والمال، ولأنها إذا لم تثبت للفاسق، فالكافر أولى فإن ضرره أكثر، فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر وتزيينه له وتربيته عليه، وهذا أعظم الضرر، والحضانة إنما تثبت لحظ الولد، فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه. انتهى.
وقال الأنصاري في أسنى المطالب: فلا حضانة لكافر على مسلم، إذ لا ولاية لها عليه، ولأنها ربما تفتنه في دينه. انتهى.
أما بالنسبة لنفقة الولد فهي واجبة على الأب بلا خلاف، وكذلك الميراث يثبت له، لأنه محكوم بإسلامه كما تقدم.
والله أعلم.(6/155)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الحضانة في الأصل حق للأم
تاريخ الفتوى : ... 27 محرم 1424 / 31-03-2003
السؤال
امرأة أجنبية أسلمت وصلح إسلامها تزوجت من عربي مسلم ورزقهما الله بولد وبنت وحين بلغ الطفلين سن العاشرة والثامنة انفصلا وتم الطلاق بينهما فأخذ الأب الطفلين وذهب بهما إلى بلاده تاركاً الأم في بلادها (بريطانيا) لحقت الأم به لتسترد الطفلين لكن الحكومة منعتها وقالت لها إنها هنا في بلاد إسلامية ويجب أن يطبق عليها قانون الإسلام وهو أن الأولاد ينتمون إلى الأب إذا و قع الطلاق.
فالسؤال الآن: هل فعلاً أن الأولاد يتبعون الأب إذا وقع الطلاق؟ وما الدليل على ذلك؟ وإذا كان هنالك دليل فما هي الحكمة من هذا الحكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلماء متفقون على أن الحضانة في الأصل حق الأم وهي مقدمة على الأب وغيره ممن له حق في الحضانة ما لم تتزوج أو يمنعها مانع آخر، ذكر ذلك الباجي في المنتقي، وذلك لما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني؟ فقال: أنت أحق به ما لم تنكحي.
ولعل ما فعلته المحكمة من منع هؤلاء الأطفال من أمهم هو لأنها متزوجة أو بها مانع آخر، أو للمحافظة على الأبناء من فساد دينهم وأخلاقهم إذا عاشوا في بيئة غير مسلمة، أو لأنهم تجاوزوا سن السابعة من أعمارهم حيث ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الحضانة تنتهي إذا بلغ الطفل سبع سنين، إلى غير ذلك من الاعتبارات، فإن كان الأمر كذلك فهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى وخاصة أن المحافظة على الدين من أوكد الواجبات
والأولاد يتبعون للآباء في النسب والدين، قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5].
وقال مالك في المدونة: الولد على دين الأب. انتهى.
وهذا لا يعني إسقاط حقوق الأم، فالأم لها اعتبارها في الإسلام ولها من الحقوق والبر أكثر مما للأب، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من ؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
ولعل الحكمة من نسبة الابن إلى الأب ـوالله أعلمـ هي احتمال نفي نسبته إليه، أما الأم فلا يمكن نفي نسبته إليها، ولهذا لا يُحَدُّ من نفى نسب الابن عن أمه، ولعل من الحكمة أيضاً تكريم الله تعالى للإنسان حيث أن جميع الحيوانات تنسب إلى أمهاتها(6/156)
أما الإنسان فهو وحده الذي ينسب إلى أبيه ولعل منها كذلك أن الرجل هو أصل البشرية، ولمزيد من الفائدة عن الحضانة نحيلك إلى الفتوى رقم: 16480.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... أين تسكن الحاضنة المطلقة؟
تاريخ الفتوى : ... 23 شعبان 1423 / 30-10-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا رجل متزوج من اثنتين طلقت واحدة والتي طلقتها عندها بنت مني وعمرها 14 سنة، وزوجتي حاليا ليس عندها أولاد مع العلم أن علي ديون لم أسددها.
وأنا من ليبيا وهناك مادة في القانون تنص على حضانة البنت للزوجة وفي مادة تعطي لها بدل سكن .علما بأني أملك شقة واحدة.
ومادة تقول بأن تبقى معي الزوجة المطلقة في نفس الشقة على حضانة البنت.
فهل يجوز أن تعيش معي الزوجة المطلقة في وجود الزوجة الثانية مع العلم أن القانون أعطاها هذا الحق؟
وكيف أوفق بين سداد الدين والنفقة على الزوجة المطلقة للحضانة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن النفقة والسكن للمحضون واجبة على من تجب عليه نفقة الطفل في الجملة، عند جمهور العلماء، وإنما اختلفوا في سكنى الحاضنة نفسها، قال ابن عابدين : والحاصل أن الأوجه لزوم أجرة المسكن على من لزمه نفقة المحضون، فإن السكن من النفقة، لكن هذا إن لم يكن لها مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها، فلا تجب الأجرة لعدم احتياجه إليه. ا.هـ
وقال أيضاً: فينبغي أن يكون هذا توفيقاً بين القولين، ولا يخفى أن هذا هو الأرفق للجانبين فليكن عليه العمل. انتهى.
وقال الصعيدي الدردير في حاشيته على مختصر خليل: والخلاف إنما هو فيما يخص الحاضنة من المسكن، وأما السكنى فيما يخص المحضون فعلى الأب اتفاقاً.
وإذا كان الأمر كذلك، فليكن مسكن الحاضنة مستقلاً عن مسكن والد الطفل، لأنه أجنبي عنها سواء كانت حاضنة الطفل هي أمه المطلقة طلاقاً بائناً أم كانت امرأة أخرى، لما يترتب على ذلك من الاختلاط الممقوت، والنظر المحرم، وغير ذلك مما يخالف الشرع، لكن إن اضطر الوالد أن يُسكن الحاضنة معه لضيق ذات يده، أو لأسباب أخرى مقبولة فله ذلك بشرط ألا يختلطا معاً في المرافق كالمطبخ والحمام مثلاً، لأن ذلك مظنة الاطلاع على العورات، وعليه وعلى المرأة الالتزام بالآداب العامة، والحفاظ على التستر الدائم، على أن يتم استئجار سكن مستقل لولدك المحضون عند حصول أول فرصة لذلك، وراجع الجواب رقم:
12921 والجواب رقم: 10146(6/157)
أما عن كيفية التوفيق بين سداد الدين، والنفقة على المطلقة وبنتها، فنسأل الله تعالى أن يجعل لك فيه يسراً، وأن يعينك عليه، والحكم أنه إذا لم يمكن الجمع بينهما بأن كانت ظروفك لا تسمح بقضاء الدين مع أداء النفقات الواجبة، فلتقدم النفقة، ويجب على أهل الدين أن ينظروك إلى أن ييسر الله ما تقضي به ديونهم، فإن الله جل وعلا يقول: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [البقرة:280]
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
حكم رفض الأم حضانة أولادها
تاريخ الفتوى : ... 06 شعبان 1423 / 13-10-2002
السؤال
ما حكم الشرع في الأم التي ترفض حضانة أولادها وتعرضهم للضياع دون عذر شرعي حيث إنها لم تتزوج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحضانة حق للحاضنة لا عليها، فلا تجب عليها الحضانة إلا إذا تعينت حاضنة حقًّا، مثل ما إذا لم توجد حاضنة غيرها راضية بأن تحضن، وسالمة من موانع الحضانة.
وعليه.. فإن للأم أن ترفض الحضانة إذا لم تتعين عليها، فإن تعينت فلا يجوز لها الرفض، ولا يعني هذا أنها يجوز لها أن تقطع رحمها، وعلاقتها بأطفالها، فإن ذلك من أعظم المنكرات، بل المقصود ترك الحضانة لا ترك الصلة.
وإذا وجد بالأم مانع من الحضانة كأن تكون على بدعة أو فسق، فإنه يجب ألا تمكّن من الحضانة.
وراجع الفتوى رقم:
6256.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... فتاوى في حضانة الأطفال
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الأولى 1423 / 31-07-2002
السؤال
من أحق بحضانة البنت إذا تزوجت أمها علما بأن لها جدة لأم تحتضن البنت الآن ولكن الأب يطالب بابنته لتكون في حضانة أمه هو وعلما بأن عمر البنت سنة ونصف وأماكن تواجدهم كما يلي:
1) البنت وأمها المتزوجه والجدة لأم في كندا
2) الأب في بريطانيا(6/158)
3) الجدة لأب في ليبيا
وجزاكم الله خيرا أرجوا الرد سريعا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكر في السؤال فإن الأحق بالحضانة هي أم الأم، ولمزيد تفاصيل عن أحكام الحضانة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية:
6256
9779
16480.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
الفتوى : ... الأحق بحضانة الأطفال بعد الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الثاني 1423 / 26-06-2002
السؤال
السؤال: زوجتي تطلب الطلاق ولدينا ولدان وهي حامل في الشهر الخامس ، وأنا لا أريد أن أطلقها وقد تطلب من المحكمة أن أطلقها أو الخلع فبماذا سيحكم القاضي ، وفي هذه الحالة من هو الأحق بحضانة الأولاد علما أن الولد الكبير عمره 4 سنوات والصغير سنتان أفيدوني جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ندري بم قد تحكم المحكمة، إلا أنه من حق الزوجة إن خافت ألاَّ تقيم حدود الله أن تخالع زوجها بأن ترد عليه المهر الذي أمهرها إياه أو بعضه أو غير ذلك. وانظر الفتوى رقم:
17586، والفتوى رقم: 16466، والفتوى رقم:
15736.
وأما الأحق بالحضانة في مثل حالكم فهي الأم. وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم:
16480، والفتوى رقم:
15663.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ــــــــــــــ
المربيات الكافرات خطر على أطفال المسلمين
تاريخ الفتوى : ... 13 ربيع الثاني 1423 / 24-06-2002
السؤال
هل يجوز لغير مسلم أن يقوم برعاية أطفال المسلمين، أعني الأصدقاء غير المسلمين، أو خادمة غير مسلمة؟ هل يجوز لغير مسلم أن يقوم برعاية أطفال(6/159)