بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، القائل في محكم كتابه المبين :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم
وأصلي وأسلم على سيد ولد آدم محمد بن عبد الله القائل :« إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ».
وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فقد جمعت موسوعة كبيرة عن الأسرة المسلمة حوالي ( ثمانية عشر مجلدا)
ووضعتها على النت قبل ثلاث سنوات ، وهي تركز بالدرجة الأولى على بناء الأسرة الفكري .
ثم تبين لديَّ أن هناك أشياء كثيرة تتعلق بالأسرة المسلمة ومشكلاتها لم أتعرض لها إلا نادراً ، فعزمت على جمع موسوعة أخرى تسدُّ هذا الجانب الهام جدا من حياة الأسرة المسلمة ، فلم أدع موقعاً هاما ومفيدا إلا وطوفت به وأهمها :
الشبكة الإسلامية ، فقد استخرجت منها جميع الفتاوى والاستشارات المتعلقة بهذا الموضوع وهي أكثر من عشرين ألفاً .
وكذلك من صيد الفوائد والمشكاة ، ومشكاة الإسلامية ، والمنبر والإسلام اليوم ، والمسلم المعاصر ، والإسلام سؤال وجواب ومواقع الفتاوى ، وفتاوى اللجنة الدائمة ، وفتاوى ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى ،وشبكة نور الإسلام ، والموسوعة الفقهية ،والمختار الإسلامي ، والإسلام أون لاين، وغيرها كثير .
فغدت أكبر موسوعة في النت تتحدث عن الأسرة المسلمة بكل جزئياتها .
وقد سميتها (( دائرة معارف الأسرة المسلمة ))
بحيث يمكن استخراج كتب كثيرة منها ، وقد رغبت بوضعها في الشاملة وعلى النت لتعم الفائدة ، لاسيما وأن أكثر طلاب العلم غير ماهرين بالصيد الثمين .
فهاأنا ذا أضعها بين أيدي طلاب العلم والباحثين علَّهم يجدون فيها بغيتهم المنشودة .
وحاولت أن أنتقيها من كتابات خيرة العلماء والباحثين المفكرين المسلمين.
وكل موضوع معزو لصاحبه ، وتركتها كما هي ،ورتبتها حسب الموضوع ، فبلغ عدد الموضوعات الرئيسة مائة وأربعة موضوعات مرتبة على الأحرف الألف بائية وهي الآتية :
1. - أحكام ابن الزنا
2. - أحكام الإعسار
3. - أحكام الإيلاء
4. -أحكام التبني
5. - أحكام الحجاب
6. - أحكام الحضانة
7. -أحكام الحلف بالطلاق وتعليقه
8. - أحكام الخطبة
9. – أحكام الخلع
10. - أحكام الخلوة
11. - أحكام الرجعة
12. - أحكام الرضاع
13. - أحكام الصداق
14. - أحكام الطلاق البدعي
15. - أحكام الطلاق المعلق
16. - أحكام الطلاق في الحيض
17. - أحكام الطلاق والرجعة
18. - أحكام الظهار
19. - أحكام العدة
20. - أحكام العزل وتحديد النسل والإجهاض
21. - أحكام العقيقة
22. - أحكام اللعان
23. -أحكام اللقيط
24. - أحكام المحبوس
25. - أحكام المفقود
26. - أحكام النسب
27. - أحكام النظر والاختلاط
28. - أحكام النفقة
29. - أحكام الولاية على النفس
30. - أحكام سفر المرأة
31. - أزواج وزوجات
32. -أساس اختيار الزوجين
33. - استشارات تربوية
34. -الأحكام المترتبة على الطلاق
35. -الأحوال الشخصية
36. - الأركان والشروط
37. الأسرة المسلمة -الأب والأم
38. - الأسرة اليوم
39. - الاستمتاع وآدابه
40. -الإسلام ومشكلات الشباب
41. - الاشتراط في النكاح
42. -الأنكحة المحرمة
43. -البيت الكبير مشاكل وحلول
44. - الثقافة الجنسية
45. – الرد على دعاة السفور
46. - الزواج العرفي
47. – الزواج المبكر
48. - الزواج من الكتابية
49. - الزواج من غير المسلمات
50. – الزواج والطلاق عام
51. - الزوج والزوجة
52. - السعادة الزوجية
53. - الشقاق والنشور
54. –الطريق الصحيح إلى الزواج
55. –- الطلاق عام
56. - الطلاق
57. - الطلاق الثلاث بلفظ واحد
58. - العنوسة
59. - المحرمات أبدا
60. - المحرمات من النساء تحريما مؤقتا
61. – المرأة الداعية
62. - المعاشرة بالمعروف
63. - النكاح والخطبة
64. -بحوث ومقالات وخطب منوعة 1-2
65. - تحرير .. أم تغرير
66. - تربية البنات
67. - تعدد الزوجات
68. -حقوق الأولاد في الإسلام
69. -حقوق الزوجين
70. - حقوق الوالدين والأقارب
71. - حكم النكاح وحكمته
72. -حكم تعليم المرأة
73. - حكم صوت المرأة
74. – حكم عيد الحب
75. - حكم مصافحة النساء
76. - حكم نكاح الزانية
77. - خطر التبرج
78. –دور المرأة في الأسرة
79. -سنوات الزواج الأولى
80. -شبهات حول المرأة المسلمة
81. -صحة الأسرة
82. - طلاق الحائض
83. - طلاق السكران
84. - طلاق السنة والبدعة
85. -طلاق الغضبان
86. - طلاق المكره
87. - طلاق الهازل
88. -عدة الطلاق
89. – عدة الوفاة
90. - عمل المرأة -فتاوى
91. - عمل المرأة في الميزان
92. - فتاوى المرأة
93. -فسخ الزواج بسبب العيوب
94. - كشكول الأسرة
95. – كيف نربي أبناءنا1-5
96. -متعة الطلاق
97. - مشاكل التعليم
98. - مشاكل الجنس
99. - مشكلات المراهقة
100. - مفهوم الأسرة
101. -مشاكل إيمانية ودعوية
102. -مشاكل الجنس
103. -منهج التربية الإسلامية للأسرة
104. -نكاح التحليل
==================
وقد أخذت وقتاً طويلاً لجمعها وترتيبها ، ثم وضعتها في الشاملة 3 ، ولكني لم أفهرس منها جزئيا إلا القليل ، فهي تحتوي على أكثير من ثلاثين ألف عنوان ، فتحتاج لوقت طويل لفهرستها الجزئية .
وليس عندي وقتاً لهذا الأمر الذي يستطيع أي واحد من الإخوة المشتركين في المنتدى به ، ويد الله من الجماعة ، علما أن غالب الموضوعات تبدأ بأول الصفحة .
قال تعالى : {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء
أسأل الله تعالى أن ينفع بها جامعها ، وقارئها وناشرها والدال عليها في الدارين .
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 16 ربيع الأول لعام 1430 هـ الموافق ل 12/3/2009 م
???????????????(/)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام ابن الزنا
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(1/1)
العلاقة بالولد من الزنا
تاريخ 28 رجب 1427 / 23-08-2006
السؤال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أنا شاب عربي لدي الإقامة الدائمة في إحدى الدول الأوربية ولكن ليس لدي الجواز أو الجنسية لتلك الدولة.استدرجني الشيطان ووقعت في الفاحشة أسأل الله المغفرة وأن يتقبل توبتي. أنجبت المرأة التي واقعتها ولدا. وحسب قوانين البلد الذي أقيم فيه أجبرت على إدراج اسمي في شهادة ميلاد الطفل كأب له خصوصا بعد تأكدهم أنه من صلبي عن طريق البصمة الوراثية DNA. في داخلي وقرارة نفسي لا أعتبره ولدي.
وقد تم تسجيل اسمه الثلاثي بنسب أمه وليس بنسبي.
أولا: هل علي أثم كوني قبلت بإدراج اسمي كأب له في شهادة ميلاده علما أنه أمر غير اختياري حسب قوانين البلد؟
ثانيا: قالوا لي سيمنح لي جواز البلد إن أنا أنفقت عليه لمدة أربعة شهور. فهل حصولي على الجواز بهذه الطريقة جائز مع العلم أنه لم يكن في نيتي بتاتا الحصول عليه عندما ظلمت نفسي بهذا الإثم العظيم؟
ثالثا: ما الواجبات المترتبة علي تجاه هذا الولد؟
أفيدوني أثابكم الله علما بأني تبت إلى ربي عساه بفضله ورحمته يقبل توبتي ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يغفر ذنبك وأن يتجاوز عن خطيئتك ، وأما هذا الولد ينسب إلى أمه وليس إليك ، ولكن إذا أضيف إليك في بعض الأوراق رغما عنك فلا إثم عليك في ذلك، ولكن عليك أن تكتب وثائق شخصية وتشهد عليها أن هذا الولد ليس ولدا لك حتى لا تحفظ له حقوق البنوة الشرعية ، ولا مانع من أن تنفق عليه عمره كله وأن تكفله، وعليه فأخذك للجواز مقابل ذلك لا مانع منه من حيث الأصل ما لم يترتب على أخذك له محظور كتلفظك بالكفر أو تعهدك بأمور باطلة أو نحو ذلك .
وأما علاقتك بولدك من الزنا فهي كعلاقتك مع أي فرد وليس لك به علاقة خاصة، ولا يجب عليك تجاهه ما يجب على الأب تجاه ولده من وجوب النفقة والمسكن ونحو ذلك، وإن قمت بذلك متطوعا فقد قمت بخير كبير، نرجو الله أن يكون سببا في قبول توبتك ورفع درجتك .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم دفع رشوة للحيلولة دون نسبة ولد الزنا للرجل الزاني
تاريخ 17 جمادي الأولى 1427 / 14-06-2006
السؤال(1/2)
السؤال " لي صديق من الله عليه بالتوبة والرجوع إلى طريقه المستقيم وقد تزوج بعد هذه التوبة ورزقه الله زوجة صالحة وذرية طيبة ولكن هناك شيء يؤرقه وينغص عليه حياته رغم أنه يسعى ما بوسعه لإرضاء الله قدر ما استطاع والشيء الذي ذكرت أنه يؤرقه هو أنه ومنذ ما يقرب عن العشر سنوات وقع في عملية زنا مع امرأة عاهرة بمعية بعض رفقاء السوء وقد حملت هذه المرأة وولدت طفلا وحملته حملها من دون بقية الرفاق فأنكر ما نسبته له وقد سجن من أجل ذلك مدة أربعة أشهر ولازالت المشكلة لم يحسم فيها وأخيرا صدر قرار من المحكمة يقضي بأن يقوم بفحص للتثبت من الجينات للحسم في نسبة الولد . وقد قام باستشارة بعض أئمتنا فأشاروا عليه بعدم الرضوخ لإجراء الفحص, وإن أرغم على ذلك أباحوا له تقديم الرشوة للجنة الفحص لتغيير نتيجة الفحص إذا ثبتت نسبة الولد له علما بأن الأمر قد يتسبب في تدمير أسرته ولهذا يرجو أن تمدوه بنصائحكم وكيف له أن يتصرف" ..
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر على ما ذكر فإن هذا الولد لا ينسب إلى هذا الرجل, ولكنه ولد زنى ينسب إلى أمه. والفحص المذكور لا يثبت أو ينفى به النسب أصلا وهو هنا لا يغير الحكم في كون هذا الولد ولد زنى ولو تطابقت الجينات. فعلى هذا الرجل بذل الحيلة في سبيل الحيلولة دون أن ينسب هذا الولد إليه, وإن تعين ما أشار به هؤلاء الأئمة المذكورون بالسؤال سبيلا إلى ذلك فلا بأس. فإن ما أعطي للتوصل إلى حق أو دفع ظلم لا يعتبر رشوة في حق هذا المعطي. ولا يخفى أنه ينبغي للمؤمن أن يكون كيسا فطنا فلا يفعل ما يذل به نفسه .
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الزواج بالحامل من الزنا
تاريخ 14 جمادي الأولى 1427 / 11-06-2006
السؤال
أنا شاب عمرى 26 عاما وكنت خاطب شابة وغلطنا مع بعض قبل زواجي منها بشهر واكتشفت أنها حامل مني من يوم الغلط تاريخ الغلط 20/12/2006 وتاريخ الزواج20/1/2006 فهي الحين حامل وأخاف من ميعاد الولادة أفيدوني متى إن شاء الله عز وجل الولادة المتوقعة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأجدر بالسائل إن كان ما حصل منه قبل عقد النكاح أن يسأل عن حكم هذا الزواج, وعن نسبة الولد لا أن يسأل عن موعد الولادة ، والأولى له قبل الخوف من الناس أن يخاف من الله عز وجل الذي عصاه بهذا الذنب العظيم الذي يعد من أكبر(1/3)
الكبائر ، وتراجع الفتوى رقم : 32928 ، وقد اختلف أهل العلم في حكم الزواج بالحامل من الزنى, وفي نسبة الولد إلى أبيه من الزنا كما سبق بيانه في الفتوى رقم : 6045 . وعلى السائل وزوجته أن يتوبا إلى الله من هذا الذنب, وأن يكثرا من الأعمال الصالحة لعل الله عز وجل يتوب عليهما .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
نكاح الحامل من الزنا
تاريخ 10 ربيع الأول 1427 / 09-04-2006
السؤال
صديق تزوج ويحب زوجته لكن بعد الزواج تبين له أنها حامل من شخص قبل زواجه بها واعترفت له أنها فعل بها بالقوة وهي حقيقة تخاف الله وتبكي وتقول لو أخبرت أهلي سوف يقتلونني وهو يحبها ومستمر في زواجه وهي قريبة للولادة الآن. فما حكم استمرار الزواج ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنكاح الحامل من الزنا محل خلاف بين العلماء سبق ذكره في الفتوى رقم : 50045 ، والذي نرجحه هو مذهب الحنفية والشافعية لأنه لا حرمة لماء السفاح بدليل أنه لا يثبت به النسب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر . أخرجه البخاري ومسلم ، وعليه فالنكاح مستمر صحيح لا إشكال فيه .
وأما الولد فإن ولدت به قبل ستة أشهر من نكاحها فإنه لا ينسب إلى الزوج بل ينسب إلى الأم ، أو بعد ستة أشهر فإنه ينسب إلى الزوج ، ولا يكفي في إزالة نسب الطفل أن يتفق الزوجان على انتفاء نسبه عن الزوج ، لأن النسب حق للطفل فلا يسقط إلا بالطريق الشرعي المعتبر وهو اللعان ، وانظر الفتوى رقم : 34308 ، والفتوى رقم : 58272 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
النهي عن الزنا وقذف المحصنات
تاريخ 30 محرم 1428 / 18-02-2007
السؤال
هل يجوز لي الأكل من مال أو طعام سيدات فيهن المتزوجة وفيهن العزباء، يعتقد فيهم الناس أن لهن علاقات محرمة بالرجال سواء بالصحبة مع الرجال أو بالزنى، علماً بأننا لم نرهن رأي العين، ولكن تدور عليهن الشبهات فما الحكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(1/4)
فإن الأكل من طعام من اختلط كسبه المباح بالكسب المحرم جائز، إن لم يعلم أن عين المأكول حاصل من الحرام، ويدل لذلك أن الشرع أباح أكل طعام الكفار فمن باب أحرى من دونهم، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ {المائدة:5}، ويدل له ما في الحديث: أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها. رواه مسلم. وفي الحديث: أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه. رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم قبل هدية الشاة من المرأة واستجاب لدعوة اليهودي وأكل من طعامه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود في المدينة وهم أكلة السحت، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي، واليهود كانوا يتعاملون بالربا ولا يتورعون عن أخذ المال الحرام.
ثم إنه يحرم ظن السوء بالمسلمات لأن الأصل في المسلمات العفة والإحصان، ولذلك من رمى إحداهن بالفاحشة من غير بينة قاطعة وجب عليه حد القذف، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:4}، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور:23}، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. وفي الحديث: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. رواه مسلم.
وعلى المسلم إذا رأى أخاه يعمل شيئاً محرماً أن ينصحه ويوجهه، ويرشده إلى الصواب ويدعوه إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستر عليه عملا بحديث مسلم: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وبحديث مسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم.
هذا، وننبه إلى خطورة الزنا ولا سيما من المرأة المتزوجة لما فيه من زيادة ذنب آخر على ذنب الزنا، وهو خيانة المرأة زوجها، وإدخالها على أهله من ليس منهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فيجب على النساء البعد عن الأفعال القبيحة كالنظر والتبرج والاختلاط والزنى، فالله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ {النور:21}، وقد حرم الله تعالى الزنا وحرم(1/5)
الطرق الموصلة إليه، فقال عز من قائل: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً {الإسراء:32}، وقد أمر بغض البصر وعدم الخلوة بالأجنبية، وأن لا تخضع المرأة بقول ولا تخرج متبرجة، كما في قول الله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا {الأحزاب:32}، وقال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ
الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:30-31}.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. قال النووي رحمه الله تعالى: معنى الحديث أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا، فمنهم من يكون زناه حقيقاً بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله، أو بالمس باليد بأن يمس أجنبية بيده أو يقبلها، أو بالمشي بالرجل إلى الزنا أو النظر أو اللمس، أو الحديث الحرام مع أجنبية ونحو ذلك، أو بالفكر بالقلب فكل هذا أنواع من الزنا المجازي. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
إثم الزنا وعقوبته سواء في حق الرجل والمرأة
تاريخ 26 صفر 1427 / 27-03-2006
السؤال
هل خيانة الزوج لزوجته مساوية لخيانة الزوجة لزوجها في العقوبة والإثم في الدين ؟
هل يحق للزوج الزواج على زوجته دون إخبارها أو علمها ؟
هل هناك شروط لتعدد الزوجات للزوج المقتدر خاصه إذا كانت زوجته لا يوجد فيها ما يعيبها أو ينقصها وزواجه الثاني سوف يترتب عليه طلاق زوجته الأولى ؟
إذا خان الزوج الزوجة وهو قادر على الزواج والعفة وأنقص الكثير من حقوق الزوجة وبخاصة المبيت والوطء ثم خانته الزوجة ما حكمهما في الدين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(1/6)
فإن وقوع الرجل أو المرأة في الزنا أو ما دونه من أي علاقة مشبوهة محرمة ، هو خيانة لحق الله تعالى، ونقض لميثاقه سبحانه، وتعد لحدوده، وهذا الأمر هو الذي ينبغي أن يشتغل به المسلم وأن يفكر فيه كثيرا كثيرا، فإن العزيز الجبار القوي القهار خلق هذا الإنسان من العدم، وأنعم عليه بعظيم النعم، ورزقه الصحة في بدنه، والعقل الذي به يزن الأمور، ويهتدي به إلى خالقه، والعبد محاسب على كل صغيرة وكبيرة، فالعاقل من أعد للسؤال جوابا، وقام بما أوجب الله عليه ، وانتهى عما نهى الله عنه.
والعاقل يعلم أن الله الذي أنعم بهذه النعم قادر على سلبها، قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ {الأنعام: 46} ولذا فهو يشكر الله على نعمه، ويخشى أشد الخشية من الوقوع في أي أمر يغضب الله تعالى, قال سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {النازعات: 40-41}
أما من انساق وراء شهوته، واتبع هواه، فقد انحط عن رتبة الإنسانية إلى رتبة الحيوانية، قال سبحانه: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا {الفرقان: 43-44}
ولذا نقول: الزنا من أكبر الكبائر وأقبح الفواحش، ولا فرق في الأصل بين أن يصدر هذا الفعل الشنيع من رجل أو امرأة، متزوج أو غير متزوج ، وقع فعله القبيح كردة فعل لما صدر من الطرف الآخر أو لا ، كل هذا زنا وكله داخل تحت قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32}، وكل هؤلاء داخلون تحت قوله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ {الفرقان: 68- 70} وأصحابه عرضة لأن يشملهم الوعيد الوارد فيمن رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج - فيما رواه البخاري وغيره- رأى رجالا ونساء عراة على بناء شبه التنور، أسفله واسع، وأعلاه ضيق، يوقد عليهم بنار من تحته، فإذا أوقدت النار ارتفعوا وصاحوا، فإذا خبت عادوا. فلما سأل عنهم؟ أخبر أنهم هم الزناة والزواني.
ولذا فلا يجوز للمسلم أن يفكر في معصية الله تعالى وانتهاك حرماته بسبب أن غيره فعل ذلك، أيُّ عقل يدعو إلى هذا؟! وأيُّ دين يسمح للمسلم بهذا؟!
وإثم الزنا وعقوبته سواء في حق الرجل والمرأة ولا نعلم في ذلك خلافاً، فكل منهما مرتكب لمعصية كبيرة، وعقوبتهما إن كانا غير محصنين سواء، وعقوبتهما إن كانا محصنيين سواء، وزنى الرجل بامرأة متزوجة أشد إثما من زناه بغير المتزوجة لأنه انضاف إلى المعصية والكبيرة ذنب آخر وهو أن يُدخِل على زوج المزني بها من ليس منه، ويؤدي إلى اختلاط الأنساب، وكذلك زنى المرأة المتزوجة أشد إثما من زنا غيرها لأنها تدخل على زوجها من النسل من ليس منه ، هذا بالإضافة إلى ما قد ينجر من الأمراض الفتاكة عن ارتكاب الفواحش، ولا شك أن من أصيب بشيء منها فهو عرضة إلى نقله إلى غيره.(1/7)
وأما عن زواج الرجل بثانية فلا يلزمه إخبار زوجته الأولى بذلك، وإن كان إخبارها أولى، وليس هناك شروط لتعدد الزوجات إلا القدرة على النفقة والعدل في النفقة الواجبة والمبيت والمعاشرة بالمعروف، ولا يترتب على الزواج بثانية طلاق الأولى إلاّ إذا رفضت المرأة الاستسلام لما قضاه الله تعالى في حق الرجال من جواز الزواج بثانية وثالثة ورابعة، وفي هذه الحالة تكون المرأة هي التي قضت على حياتها الزوجية وعصت ربها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الحمل من الزنا لا يبرر الإجهاض
تاريخ 14 صفر 1427 / 15-03-2006
السؤال
أنا أسأل عن جواز الإجهاض في هذه الحالة هو أخي وهي لا أعرفها هي حامل الآن منه و هما ليسا متزوجين بل عن طريق الزنا و أكثر من هذا فهي لا زالت في أيام العدة، فما حكم الشرع و هي لا تريد الإجهاض فهل إذا تركها وذهب إلى حال سبيله سيزيد ذنبه، أرجوك الجواب بسرعة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإجهاض محرم، ولا يباح إلا للضرورة وفي حالات معينة وسبق بيانها في الفتوى رقم 5920 .
ولا يعتبر الحمل من الزنا مبرراً للإجهاض لأنه إهلاك للنسل، وإفساد في الأرض، وفيه اعتداء على نفس مخلقة ظلماً وعدواناً. وهذا لا يزيل جريمة الزنا بل يضيف إليها جريمة أخرى.
وعلى من ارتكبا هذه الكبيرة أن يتوبا إلى الله، ويحذرا من ارتكاب ذنب آخر، وهو الإجهاض، ولا يلزم أخاك شيء آخر غير التوبة، ولا يلزمه الزواج بهذه المرأة، وانظري حكم زواج الزاني بمن زنى بها في الفتوى رقم: 6012
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا لا ينسب إلى الزاني
تاريخ 09 محرم 1427 / 08-02-2006
السؤال
أنا متزوج من أجنبية مسلمة الحمدلله وأبو زوجتي ليس بمسلم(كافر) ولديه مولودة جديدة بالحرام ، وأعلم أنها بحكم الشريعة ليست أختا لزوجتي ولكن سؤالي لا بد في المستقبل ان تحتك هذه الطفلة بزوجتي أوطفلي الصغير مثلا، سؤالي هو: كيف يكون تعاملنا مع هذه الطفلة مستقبلا ؟
الفتوى(1/8)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمولود من الزنى لا ينسب إلى الزاني ، وليس بينه وبين أبيه من الزنا نسب ولا توارث ، وإنما ينسب إلى أمه ويرث منها وترث منه ، وبالتالي فهذه البنت المولودة من الزنا ليس بينها وبين زوجتك قرابة ، وليس بينها وبين ابنك محرمية ، فتعامل عند بلوغها كما تعامل أي امرأة أجنبية .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
هل يقاسم ولد الزنا الأبناء الشرعيين في الميراث
تاريخ 28 شعبان 1426 / 02-10-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي المحترم
سؤالي لكم سيدي يتمحور على الشكل التالي:
تزوج رجل من امرأة ولها أختها في الرابعة عشر من عمرها وذات يوم أغراه الشيطان فمارس معها الجنس خلسة وبعدها أنجبت بنتا ولم يملك إلا أن يسجلها بالطبع في الحالة المدنية مع باقي أبنائه من أختها الكبرى ثم عاشت بين إخوتها من أبيها إلى أن تزوجت وبعد ذلك توفي الأب فترك ثروة..ترى ما حكم الشرع فيما يتعلق بالإرث فهل لها الحق في أن ترث كباقي الإخوة شرعا أم لا.؟ نظرا لكونها بنت خالتهم وأختهم في آن واحد وتحمل لقب أبيها في شهادة ميلادها هذا مع العلم أن سنها يفوق 40 وتعاني من مرض داء السكري ولا تملك سكنا حتى الآن.
وفي انتظار جوابكم سيدي الفاضل تفضلوا بقبول شكري والله يرعاكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ينسب ولد الزنا إلى الزاني شرعا، ولا يثبت له حكم الابن الشرعي في الميراث والمحرمية ونحوها وتراجع الفتوى رقم: 10152.
وينسب إلى أمه وعائلتها نسبة شرعية تثبت بها الأحكام السالفة الذكر وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 12263.
وعليه، فلا حق لهذه المرأة في مال الرجل المتوفى، إلا إذا أوصى لها قبل موته بشيء، وكونها بنت أخت الزوجة لا يجعل لها نصيبا في الميراث.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا ينسب ابن الزنا إلى الزاني
تاريخ 19 رجب 1426 / 24-08-2005
السؤال(1/9)
ما الحكم في من تزوج بمشركة بدون عقد شرعي وحملت منه ولكن قبل الوضع أسلمت الزوجة وكتب عقد النكاح الشرعي فهل هذا الابن ينسب إليه شرعا أم أن هناك شكا في ذلك أي أنه يعتبر ابن زنى.
بارك الله فيكم وجزاكم .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يكون زواج إلا بعقد شرعي وما عداه فاسمه الزنا فينبغي تسمية الأشياء بأسمائها، وعليه، فالحمل الذي تم قبل العقد لا ينسب إلى الزاني، ولا أثر لإسلام أمه قبل وضعه في نسبه إلى أبيه من الزنا.
أما الآن وقد أسلمت فلا حرج في الزواج منها من جديد، ولا بد من استبرائها من الزنا، كما في الفتوى رقم: 11427.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الزنا مع الأخ لاينتفي به النسب
تاريخ 01 رجب 1426 / 06-08-2005
السؤال
أنا اسمي أروى من صنعاء عمري 19سنة أنهيت الثانوية
مشكلتي أنني فكرت في أخي وفكرت أنني أمارس الجنس معه والعياذ بالله ولا أستطيع التخلص من هذا التفكير
وقبل فترة سمعت أن من تفكرت بأخيها فهي ليست أخته يعني أنني لأني أفكر فيه هو ليس أخي وعائلتي ليست عائلتي فهل هذا صحيح
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزنا كبيرة من الكبائر توعد الله فاعلها بالعقوبة الشديدة، فقال سبحانه: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32] وقال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا .
وهذا في الزنا بين الأجانب، وأما إذا كان بين المحارم كالأخ والأخت ونحوهما فذلك أشد نكرا وفظاعة وإثما.
وقد جعل الشارع الحكيم عقوبة رادعة لمن يفعله، فقد أخرج أحمد والحاكم وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه.
ولكن فعل هذه الفاحشة النكراء، رغم ما فيه من البشاعة والإثم الشديد، فإنه لا ينفي نسب المرء عن أسرته، وأحرى به أن لا ينتفي نسبه بمجرد التفكير في هذا الموضوع.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ(1/10)
ولد الزنا لا ينسب إلى أبيه
تاريخ 23 جمادي الأولى 1426 / 30-06-2005
السؤال
فضيلة الشيخ: أود أن أطرح عليكم السؤال التالي لمعرفة حكم الشارع فيه وهو كالتالي: أنا شاب جزائري من الله علي حاليا بالاستقامة وسلوك الطريق المستقيم لكن قبل ذلك –أي قبل الاستقامة- جمعتني بفتاة علاقة غير شرعية أسفرت عن ميلاد صبي مضى من عمره حاليا 5 سنوات والآن بعد أن من الله علي بمعرفة الحق علمت أني ارتكبت جرما كبيرا في حق نفسي وولدي وفكرت في إصلاح ما عملته وذلك بالاعتراف بالصبي الذي نسب إلى أمه فيافضيلة الشيخ :
- هل يوافقني الشرع في أن أنسب الطفل إلي؟
- وهل يترتب على الاعتراف به أن أتزوج بأمه التي مازالت حاليا تمارس الدعارة وتتعاطى المخدرات؟
أضف على ذلك أن الطفل مقبل على الدراسة ويشترط عندنا لقبوله استيفاءه لجميع الوثاق المطلوبة والتي على رأسها شهادة النسب.
أفتونا مأجورين وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحمد الله تعالى أن منَّ عليك بالتوبة من هذه المعصية، وهذا من عظيم فضل الله على عباده أنه من عمل منهم سوءا ثم تاب إليه قبل توبته وغفر ذنبه، حيث قال جل شأنه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}. وقال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{طه: 82}.
فعليك أخي بالإكثار من الطاعات ومرافقة الصالحين والبعد عن المعاصي وأهلها، هذا فيما يتعلق بتوبتك.
أما بخصوص ذلك الولد الذي جاء من تلك العلاقة الآثمة، فالجمهور من أهل العلم وهو الراجح أنه ليس ولداً لك، فلا يجوز أن ينسب إليك، ولا أن تتوارث معه، وإنما ينسب إلى أمه، وراجع الفتوى رقم: 6012.
وقد تقدم حكم زواج الزانية في الفتوى رقم: 27033 فليرجع إليها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا علاقة بولد الزنا بما فعل أبواه
تاريخ 05 جمادي الأولى 1426 / 12-06-2005
السؤال
هل يدخل الجنة ولد الزنية؟ إن كان يدخلها فما مدى صحة هذا الحديث: قال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا سفيان عن منصورعن سالم بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لايدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولامنان ولا ولد زنية.(1/11)
افيدوني أفادكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ولد الزنا كغيره إن أحسن فله الحسنى وإن أساء فعليه إساءته، ولا علاقة له بما فعل أبواه، وهذا الذي يقتضيه الشرع والعدل والعقل، كما قال الله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام: 165}.
وقال تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ {البقرة: 285}.
وأما الحديث المذكور فقد رواه الإمام أحمد في المسند، وقال عنه الأرناؤوط: صحيح لغيره دون قوله: ولا ولد زنية. وهذا إسناد ضعيف.
وقال ملا علي القارى في كتابه الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة إن حديث: ولد الزنا لا يدخل الجنة. موضوع.
وقد حسن الألباني في السلسلة حديث: لا يدخل الجنة عاق ولا منان، ولا مدمن خمر ولا ولد زنية.
وقال: هذه الزيادة يقصد بها شخص خاص فهي لفظ عام يراد به الخصوص، فقد قاله لإنسان بعينه كان منه الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مما صار به كافراً شراً من أمه ومن الذي حملها منه.
وقال عنه الألوسي في روج المعاني: هذا محمول على الغالب... فإنه لخباثة نطفته يكون خبيثاً في الغالب لا يعمل عملاً يدخل به الجنة... وقال بعضهم: هذا خارج مخرج التهديد والتعريض بالزاني، وأنه لا يدخل الجنة مع السابقين.
والحاصل أن ولد الزنا لا علاقة له بما صنع أبواه، وأن زيادة: ولا ولد زنية. ضعيفة أو موضوعة وعلى اعتبار حسنها، فإنها محمولة على معان أخرى، وتبقى القاعدة على أصلها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .
ونرجو الاطلاع على الفتويين: 6940، 40982.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم الإجهاض من الزنا بالكافر
تاريخ 03 ربيع الثاني 1426 / 12-05-2005
السؤال
مسلمة محصنة لها ابنان حملت بزنا من كافر هل يجوز لها الإجهاض ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز الإجهاض، وولد الزنا ينسب إلى أمه، ولا ذنب لهذا الجنين بما فعلت أمه ولا بمن زنى بها، وانظر حكم الإجهاض في الفتوى رقم: 42900 ويجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى مما وقعت فيه، وراجع الفتوى رقم: 1095 والفتوى رقم: 1117.
والله أعلم(1/12)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ماء الزنا مهدر
تاريخ 10 ربيع الأول 1426 / 19-04-2005
السؤال
شاب زنى مع فتاة وبعد فترة أعلنت أنها حامل منه في أربعة أشهر وادعت أمام الملأ أنها تزوجت منه زواجا عرفيا وأن الورقة ضاعت منها الشاب أنكر الزواج وظل صامتا إلى أن ولدت الفتاة بنتا فأبى الاعتراف بها وقال أنا لم أتزوج الفتاة وقد زنيت بها وتبت إلى الله ولم أشأ الخوض في عرضها لكنها هي من ألزمتني بالقول أنني زنيت معها وأنا
غير ملزم بالاعتراف بالبنت. وقد حكمت المحكمة بوجوب إجراء تحليل DNA رغم عدم ثبوت الزواج .
السؤال:
هل يجب عليه الاعتراف بالبنت ؟ وهل لها أن ترث منه؟ وهل يجب عليه الزواج بأمها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يصح لهذا الرجل الزاني أن يستلحق هذه البنت لأن ماء الزنا ماء مهدر لا يترتب عليه نسب ولا ميراث. وانظر الفتوى رقم 50432 ، ولا عبرة بهذا التحليل الذي سيتم لأن ماء الزنا -كما قلنا- وإن ثبت كونه من فلان فإنه غير معتبر .
ولا يجب على من زنا بامرأة أن يتزوج بها حملت منه أو لم تحمل، والواجب على هذا الرجل المسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل بالندم على ما فات والإقلاع عن هذا الذنب والعزم على أن لا يعود، فإن الله يتوب على من تاب، وليحذر أن يفجأه الموت قبل التوبة وحينها لا ينفع الندم.
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الزنا ومحاولة الإجهاض
تاريخ 27 صفر 1426 / 07-04-2005
السؤال
ما حكم من أنجب طفلا غير شرعي من امرأة متزوجة .في الشهر الأول من الحمل طلبت مني أن أساعدها على عملية الإجهاض فأعطيتها حقنا تساعد على الإجهاض ولكن الطفل لم ينزل فقد أكملت حملها وبعد الولادة بثلاثة أيام توفي الطفل في ظروف غامضة أرجو منكم
إفادتي بفتوى وما هي كفارتي؟ وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(1/13)
فالزنا
كبيرة من أعظم الكبائر وقد جمعت أوجه الاستقباح الثلاثة وهي
الاستقباح الشرعي والاستقباح العقلي والاستقباح العادي
قال تعالى : وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [ الإسراء: 32].
فقد جمع الله عز وجل في هذه الآية أوجه الاستقباح الثلاثة
فقوله ولا تقربوا الزنا استقباح شرعي
وقوله إنه كان فاحشة استقباح عقلي
وقوله وساء سبيلا استقباح عادي
ولم تجمع فاحشة غيرها أوجه الاستقباح الثلاثه مما يدل على عظم قبحها ،
وقد زادها قبحا في حالة السائل كونها مع متزوجة وما في ذلك من اعتداء على عرض مسلم وإدخال إلى قوم من ليس منهم، ثم محاولة إجهاض وقتل ما نتج عن هذه الجريمة من حمل ، وكل هذه ذنوب وظلمات بعضها فوق بعض
فعلى هذا العبد المبادرة إلى التوبة النصوح عن هذه الجريمة بالندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها والإقلاع والبعد عن هذه المرأة وما يقربه من هذا العمل
هذا ما يلزمه، أما الكفارة فليس عليه كفارة معينة ، مادام الجنين لم يتم إجهاضه
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
نسبة الطفل وزواج ولد الزنا من بنات أبيه
تاريخ 26 صفر 1426 / 06-04-2005
السؤال
هل يجوزأن ينسب الطفل إلى والده مع أنه لم يستوف شروط الزواج الصحيح من والدة الطفل، في حالة الزواج العرفي من وجود ولي (المرأة تزوج نفسها أو تتخذ وليا آخر غير وليها الأصلي بدعوى الكتمان)؟ ثانيا: هل يجوز لابن الزنا الزواج من البنت الشرعية من زوجة أخرى للرجل الذى زنى بأمه؟ هذه الأمور أريد معرفتها لانتشار الزواج العرفي ودعاوى إثبات النسب هذه الأيام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج العرفي إذا استوفى شروط النكاح ولم ينقصه إلا التسجيل في المحاكم يعتبر نكاحا صحيحا، وراجع الفتوى رقم: 5992 . أما إن نقص الولي فالجمهور من العلماء على بطلانه ولم يخالف في ذلك إلا الإمام أبو حنيفة حيث يجوز للمرأة الرشيدة أن تلي نفسها، أما فيما يتعلق بنسبة الولد فمجمل القول فيه أن أي نكاح أقدم الزوج عليه معتقدا حليته فإن الولد فيه ينسب إلي أبيه وإن كان النكاح مجمعا على بطلانه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين إلى أن قال فإن ثبوت(1/14)
النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر بل الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. اهـ. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 60343. أما بخصوص زواج ولد الزنا ببنات أبيه الزاني فلا يجوز وإن كان شرعا لا ينسب إليه وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم:10152.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم البنت من الزنا من حيث النظر
تاريخ 22 شوال 1425 / 05-12-2004
السؤال
زوج يخون زوجته على علم منها ووصلت الحالة إلى أنه يتعرف على النساء ويأتي بهن لبيت الزوجية في أوقات لم تكن فيها الزوجة في المنزل وعرفت الزوجة هذا بعد أن تكرر أكثر من مرة وبعد ما الجيران أخبروا الزوجة 1- فما العمل وما وضع هذه الزوجة
وأيضا الزوجة تعلم أن زوجها يتعاطى الخمور والمسكرات لكن لم تستطع أن تفعل شيئا
وبعد أن تعرض الزوج في بعض علاقاته الخاطئة إلى التورط في الإنجاب غير الشرعي لجأ إلى أن تعيش معه ابنته التي ولدت بطريقه غير شرعية إلى أن تعيش معهم في البيت مع زوجته المحترمة وبناته والآن هذه البنت خطر جدا على البنات والسؤال هنا ماذا تفعل الأم المحترمة بعد أن وجدت أن هذه البنت خطر جدا على بناتها وبعد أن عرفت بأنها على علاقة بشاب فماذا تفعل هل تفصل هذه البنت عن بناتها أو ترسلها إلى أهل والدتها علما بان والدتها توفيت فالأم الآن محتارة ما العمل أفيدونا أفادكم الله وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنوصيك بالصبر والنصيحة لهذا الزوج وتذكيره بالله تعالى وخطير ما يقوم به من التعدي لحدود الله تعالى ، وبيني له إثم كل من الزنا وشرب الخمر ويمكن لك أن تعرضي عليه الفتاوى التالية في حرمة وقبح الزنا وهي برقم: 26237 و 29175 و 32928 وكذا الفتوى رقم 35460 في حرمة الخمر .
وأما السؤال عن هذه البنت فهي أجنبية عن أبيها من الزنا فلا يجوز له النظر إليها ولا الخلوة بها ولا غير ذلك مما يجوز له مع بناته ومحارمه ، ولا يجوز له أن يساكنها في بيت متحد المرافق .
ومن حق زوجة الرجل أن تطالب بإخراج هذه البنت، لأن من حق الزوجة المسكن المستقل عن أقارب الزوج، فليس للزوج أن يُسكن مع زوجته أمه ولا زوجته الأخرى، فكيف يُسكن معها امرأة أجنبية عنه .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(1/15)
ـــــــــــــــــــــ
لماذا حرم الزنا وماهي مضاره؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله حرم الزنا لما يسببه من هتك الأعراض والعزوف عن الزواج واختلاط الأنساب وانتشار الأمراض الفتاكة. مثل السفلس والأيدز. إضافة إلى عقاب الله العظيم في الآخرة والحد في الدنيا، ثم إن المسلم يجب عليه الانقياد لأمر الله سواء عرف الحكمة منه أم لم يعرفها. وراجع للزيادة في الموضوع، وفي الأسباب المساعدة على البعد عن هذه الفاحشة الشنيعة والقبيحة.
الفتاوى التالية أرقامها: 42103 ، 39215 ، 29241 ، 34932 ، 30425 ، 26237 ، 43033.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
علاقة ابن الزنا بالزاني
تاريخ 09 شوال 1425 / 22-11-2004
السؤال
لقد سئلت عن فتوى ولم أحصل على جواب شاف أريد أن أعلم لي ابن زنا وهو ينادني بابا وأنا أراه دائما. سؤالي هو: هل نداؤه لي بابا جائز أم لا؟ وهل يجب علي زيارته أم أقطع ذلك ولا أريه وجهي؟
أريد جوابا شافيا على أسئلتي.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هذا الولد ولدك، ولا يجوز أن ينسب إليك، ولا يجب عليك مواصلته، ولا أي شيء مما يجب على الوالد لولده.
أما نداؤه لك بما يدل على أنه يحسبك والده فلا يقر عليه، وليوضح له عندما يكبر ويعي ما يقال له أنك لست أباه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
إباحة الزواج من ابنة الزنا ومجهولة النسب ذات الدين
تاريخ 21 رمضان 1425 / 04-11-2004
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد الزواج بفتاة متدينة ولكن مشكلتها أنها ابنة زنا, فهل يمكن الزواج بها خاصة مع نظرة المجتمع السلبية تجاهها؟(1/16)
فما ذنب المسكينة إذا كان لا يمكن التزوج بها ؟ فما موقعها من الحديث الشريف ( تنكح المرأة لأربع والتي من بينها ذات الدين ) ؟
ثم هل يمكن أن تدخل ضمن الحديث الشريف ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ؟
فإذا كان يمكن الزواج بها , فكيف يمكن مواجهة الأبناء إذا سألوا عن أعمامهم وأخوالهم ؟
ثم إذا كانت أمها معلومة فهل يمكن نسبتها إلى أمها ؟ فإذا نسبت إلى أمها فعلا كما هو الآن , فهل يكون لها إخوة من الأم , وتتوارثهم؟ أم أنها مقطوعة من كل نسب ؟ فما هو الحل؟
إنني مداوم على صلاة الاستخارة فيما يتعلق هذا الأمر خاصة , غير أنني إلى الآن لم أهتد إلى قرار فاصل , فهل من علامات صلاة الاستخارة اطمئنان في القلب أم عدم الاطمئنان , أم أنني أنتظر حصول الأمر من عدمه؟ مع العلم أني دائم التردد في كل شيء وفي أبسط الأشياء.
وبارك الله فيكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أباح الشرع الزواج من بنت الزنا ومجهولة النسب إذا كانت ذات دين وخلق، كما بينا في الفتوى رقم: 7765، إلا أن من الجدير بالتنبيه عليه هنا أن من المقاصد التي تختار لها المرأة إضافة إلى كونها ذات دين وخلق أن تكون نسيبة. قال ابن قدامة في "المغني": ويختار الحسبية ليكون ولدها نجيبا، فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليهم. اهـ.
ويشهد لهذا حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني. قال في حاشية سنن ابن ماجه: تخيروا من النساء ذوات الدين والصلاح وذوات النسب الشريف لئلا تكون من أولاد الزنا، فإن هذه الرذيلة تتعدى إلى أولادها، إلى أن قال: وإنما أمر بطلب الكفؤ للمجانسة وعدم لحوق العار اهـ.
ومن هنا نقول للسائل: إذا كنت تخشى من معرة تلحقك وولدك بالزواج من هذه المرأة فالأولى لك الكف عن الزواج بهذه المرأة، والزواج ممن توفرت فيها كل المواصفات المرغوبة كالحسب والنسب والدين والخلق، وإن لم تجدها فلا شك أن ذات الدين والخلق أولى وأفضل من ذات الحسب والنسب الخالية من الدين.
أما عن من تنسب إليه هذه المرأة ومن في حكمها من أولاد الزنا وكيفية إرثهم من إخوتهم من الأم، فقد مضى الكلام فيه في الفتوى رقم: 6012.
أما مسألة هل انشراح الصدر دليل على قبول الاستخارة أم لا، فانظر الفتوى رقم: 7235.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ(1/17)
حكم إيواء الحامل عن طريق الزنا للولادة
تاريخ 14 رمضان 1425 / 28-10-2004
السؤال
نحن أهل بيت أقبلت علينا فتاة من العائلة حامل لكن غير شرعي. المهم أنها سألتنا أن تمكث عندنا أياما حتى تلد لأن أهلها طردوها من بيتهم. سؤالي هو هل استضافة هذه الفتاة في البيت حتى تلد فيه إثم وما الخطوة التي يجب أن نقوم بها اتجاه هذه الفتاة ...هل نطردها أوندعها لوجه الله .
وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استضافتكم لهذه الفتاة العاصية هو من الإحسان إليها، وفيه حفظ لدينها، لأنها إن لم يؤها الأمناء فسيؤويها الأشقياء، ولربما جروها إلى ما هو أعظم. والواجب عليكم أن تخوفوها بالله وبأليم عقابه وبعظيم الجرم الذي قارفته، واستعينوا على ذلك بالفتو يين: 1602 ،26237. ويجب عليكم كذلك أن تأمروها بالتوبة إلى الله، وأن تعرفوها شروط التوبة النصوح، وهي موجودة في الفتوى رقم: 9694. ونوصيكم أن لا تعينوا الشيطان عليها، وأن لا تقنطوها من رحمة الله، فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال صلى الله عليه وسلم: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان. رواه البخاري. ولكم أن تستفيدوا من الفتوى رقم: 25397
. ونحذركم من أن تشمتوا بها أو أن تعيروها بذنبها، وانظر الفتوى رقم: 53043. هذا، ويجب عليكم في فترة إقامتها معكم أن تتخذوا التدابير التي من شأنها أن تحفظ دينكم ودينها، من غض للبصر وعدم اختلاء الرجال الأجانب بها وتخصيص حجرة لها مع المرافق إن أمكن ونحو ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
عنوان الرحم التي يتوجب على ابن الزنا صلتها
تاريخ 04 رمضان 1425 / 18-10-2004
السؤال
هل لابن الزنا رحم وكيف يمكن وصلها مع العلم أنه يتأذى من وصلهم ويمكن أن يتأذى من عوائل والديه إذ أن لكل من والديه عائلة وماذا تنصحوننا جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(1/18)
فابن الزنا إنما يثبت نسبه من جهة أمه لا جهة أبيه. والرحم التي تلزمه صلتها هي رحمه من جهة الأم. وأما الأب فليس بينه وبينه رحم ولا قرابة ولو كان معروفا ومحققا، لأن الأبوة في حق ابن الزنا معدومة شرعا، والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا. وعليه فالواجب على ابن الزنا أن يصل رحمه من أمه بالطريقة التي لا يتأذى بها، فإن صلة الرحم واجبة وقطعها محرم، قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد: 22ـ23}. وفي صحيح البخاري من حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع.
وصلة الرحم تحصل بما يعد صلة في عرف المجتمع، فللمرء أن يختار من طرق الصلة ما لا يتأذى معه إذا كان ذلك يعد صلة عرفا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم وراثة ولد الزنا من أبيه من الزنا
تاريخ 30 رجب 1425 / 15-09-2004
السؤال
مما تعلمته أن ولد الزنا لا يرث من أبيه، واليوم زارني أحد الإخوة وقال إن هناك بعض الفتاوى تورث هذا النوع من الأب، فقلت فوق كل ذي علم عليم وسنسأل أهل الذكر فأفتونا مأجورين إن شاء الله؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فولد الزنا لا يرث من أبيه الزاني، ولا يرثه أبوه، روى الترمذي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم أن ولد الزنا لا يرث من أبيه. انتهى. وأصل الحديث في ابن ماجه أيضاً.
وقال صاحب تبيين الحقائق: ويرث ولد الزنا واللعان بجهة الأم فقط لأن نسبه من جهة الأب منقطع فلا يرث به.
وقال في مطالب أولي النهى: ..... وكذا الزاني وعصبته لا يرثون ولد الزنا.... وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث ابن الملاعَنة من الملاعِن له ولا من قرابته شيئاً، وكذلك لا يرثون منه، وكذلك ولد الزنا، وهو مجمع على ذلك. ومما تقدم تعلم أن ولد الزنا لا يرث أباه من الزنا، وأن هذا مجمع عليه كما صرح به الشوكاني وغيره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا ينسب لأمه
تاريخ 02 رجب 1425 / 18-08-2004(1/19)
السؤال
السؤال الثالث: إذا زنت امرأة مع مجموعة من الرجال وحدث الحمل لديها بسبب هذا الزنا فما هو نسب هذا الطفل عندما يكبر (ابن الزنا) هل هو عربي أم فارسي أم تركي على فرض أن هؤلاء الرجال الزناة بينهم من هو عربي ومن هو فارسي ومن هو تركي وآخرون وكما يحدث الآن في الدولة الغربية أو الأوروبية حيث الزنا يكون في مجاميع، يرجى الإجابة على هذه الأسئلة وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
وإذا زنت المرأة برجل واحد أو أكثر فإن ولدها من الزنا ينسب لها هي لا لأبيه من الزنا، وراجع في هذا فتوانا رقم: 6045.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا يلحق ولد الزنا بالزاني
تاريخ 09 جمادي الأولى 1425 / 27-06-2004
السؤال
ما حكم من استلحق ابنا له من الزنا فهل يلحقه بهذا الاستلحاق؟ وما موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من ذلك؟
وهل للشيخ ناصرالدين الألباني في هذا كلام أوموقف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ولد الزنا لا يصح إلحاقه بالرجل الذي زنى بأمه ولا نسبته إليه وإنما ينسب إلى أمه ولو كان معترفا به لأن المعدوم شرعا وهو هنا الأبوة الشرعية كالمعدوم حسا، هذا؛ مذهب جمهور العلماء.
قال الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار ج7، ص162، عند كلامه على حديث الموطأ في قصة ادعاء سعد بن أبي وقاص ولد أمة لزمعة والد سودة بنت زمعة، وكان في دعوى سعد أن أخاه عتبة أوصاه عند موته أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فعارضه عبد بن زمعة وتخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى به لعبد بن زمعة وقال صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. والحديث بنصه في الموطأ. قال ابن عبد البر: فكانت دعوى سعد سببا لبيان من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في أن العاهر ( أي الزاني ) لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا وأن الولد للفراش على كل حال، والفراش النكاح أو ملك اليمين لا غير، فإن لم يكن فراش وادعى أحد ولدا من الزنا فكان عمر يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم ويلحقهم بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش لأن أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك، وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته وأكمل دينه فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه أبدا عند أحد من العلماء كان هناك فراش(1/20)
أم لا. ثم قال بعد هذا: أوملك يمين. انتهى. ومعنى الفراش: عقد النكاح على الحرة مع إمكان الوطء عند أكثر العلماء.
وقال الشيخ أحمد الدردير عند قول خليل: إنما يستلحق الأب مجهول النسب. قال: ولو كذبته أمه لتشوف الشارع للحوق النسب لا مقطوعه كولد الزنا المعلوم أنه من الزنا. انتهى. أي لا مقطوع النسب فلا يصح استلحاقه.
وقال ابن قدامة في المغني: وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور.انتهى.
وأما الشيخ ناصر الدين الألباني فلم نجد له كلاما في هذا الموضوع إلا أنه حسن حديث أبي داود وأحمد الوارد في الفتوى رقم: 22196. وهو صريح في أن ولد الحرة المزنى بها لا ينسب إلى الزاني ولا يرثه وإن ادعاه وكذلك ولد أمة الغير.
وأما شيخ الإسلام فقد ذكر في فتاويه وفي اختياراته ما نصه: وإن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق.انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الإجهاض من الزنا جريمة أخرى
تاريخ 23 صفر 1425 / 14-04-2004
السؤال
امرأة زنت وهي متزوجة وتابت إلى الله توبة نصوحاً ولم يعلم أحد من أفراد أسرتها بالأمر ولكنها اكتشفت أنها حامل ماذا تفعل بهذا الجنين السفاح الذي سوف يدمر أسرتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد عصت هذه المرأة ربها وهتكت عرض زوجها بخيانتها هذه، فالواجب عليها التوبة والاستغفار من هذا الذنب العظيم الذي قرن الله تعالى فاعله بالشرك وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فقال الله سبحانه: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:68-69].
ثم أن على هذه المرأة أن تستتر بستر الله تعالى ولا تخبر أحداً ولو كان ذلك زوجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله. رواه مالك.
ولتحذر من أن تضيف إلى جريمة الزنا جريمة أخرى وهي إجهاض الجنين خاصة إذا كان بلغ مرحلة نفخ الروح، وإن خرج هذا الجنين حياً نسب إلى زوجها بحكم الفراش لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه البخاري، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 44731، والفتوى رقم:39576.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ(1/21)
حكم الزواج من ابنة الزنا
تاريخ 06 صفر 1425 / 28-03-2004
السؤال
لا يمكن أن يتزوج رجل بابنته
فإذا كان هذا الرجل قد زنا بامرأة وأنجبت المرأة بنتا وبعد عشرين سنة أراد هذا الرجل أن يتزوج هذه البنت فأنا أعتقد أنه ليس حلالا ولكن
في سوره التحريم آية 1 يجوز للرجل أن يتزوج بابنته من الزنا في تفسير ابن كثير
هذا السؤال قد سأله أحد الأشخاص المسيحيين لي وقد فوجئت بأنه يحل للرجل أن يتزوج بابنته من الزنا وأراد الاستخفاف بي وبالإسلام
فما حقيقة الموضوع وما هو الرد الذي أستطيع أن أقوله له؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المسألة مبنية على مسألة الزنا هل يحرم كما يحرم ماء النكاح أم لا؟ وقد اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:
الأول: أن ماء الزنا يحرم كما يحرم ماء النكاح، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وقول عند المالكية، وعليه، فلا يجوز للزاني أن يتزوج من ابنته من الزنا، وكذا أم من زنا بها وابنتها وجدتها، ولا تتزوج من زنا بها من ابن الزاني ولا من أبيه ولا من جده وهكذا..
والثاني: أن ماء الزنا لا يحرم كما يحرم ماء النكاح، لأنه لا حرمة له، وهو مذهب الشافعية ومشهور مذهب المالكية، وعليه، فيجوز للرجل أن يتزوج بابنته من الزنا، وكذا أم من زنا بها، وابنتها وجدتها، ويجوز لمن زنا بها أن تتزوج من ولده ووالده وجده وهكذا...
وقد تقدم تفصيل الكلام عن ذلك في الفتاوى التالية: 19104، 23175، 44378، 31376.
وليس في قول من يرى جواز الزواج من بنت الزنا طعن في الإسلام، لأن من قال ذلك له حجته ودليله، والكفار يطعنون في أشياء كثيرة في الإسلام، بل إنهم يطعنون في أصل التوحيد، عليهم من الله ما يستحقون.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
استدامة إمساك بنت الزنا هو الأفضل
تاريخ 24 محرم 1425 / 16-03-2004
السؤال
رجل تزوج بامرأة دون علم بأنها بنت حرام وبعد ذلك علم بأمرها فطلقها, هل ارتكب الرجل ذنباً وكيف يعالج
الأمر لتفادي أي تأثير نفسي على الأبناء؟
الفتوى(1/22)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرتكب هذا الرجل ذنباً لا في الزواج من هذه المرأة ولا في طلاقها، لأن كلا الأمرين مباح، والذي ننصح به هو إرجاع هذه المرأة إن تمكن الزوج من ذلك، حتى ترعى أبناءها، ولأنها لا ذنب لها تستحق أن تعاقب عليه، والله تعالى يقول:
وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(الأنعام: من الآية164)، ولمعرفة حكم الطلاق انظر الفتوى رقم: 43812، والفتوى رقم: 12962، ولمعرفة حكم الزواج ببنت الزنا أو مجهولة النسب انظر الفتاوى التالية برقم: 7765، ورقم: 9667، ورقم: 35355، وكلامنا في هذه الفتاوى عن ابتداء الزواج ببنت الزنا لا عن استدامة النكاح.
وأما تأثير ذلك على الأبناء فنقول: لا يجوز إخبارهم بذلك ولا إشاعة مثل هذا الأمر، بل المطلوب هو كتم هذا الأمر وستره، وننبه إلى أن بنت الزنا وليها السلطان، فإذا كان هو أو نائبه من عقد لك المرة الأولى، فيجوز إرجاعها خلال العدة بدون عقد، وإلا بأن انتهت العدة أو كان الولي في العقد الأول غير السلطان، فيجب عند إرجاعها تجديد العقد ويكون وليها السلطان أو من ينوب عنه كقاضٍ ونحوه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
إمامة التائب من الزنا
تاريخ 22 ذو القعدة 1424 / 15-01-2004
السؤال
غفلت عن الدين وزنيت وبعد ثلاث سنوات تاب الله علي وتبت وأممت زميلاتي في الصلاه فهل صلاتهم مقبولة؟
الفتوى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في مبادرتك إلى التوبة من الزنا الذي هو كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعظم أسباب سخط علام الغيوب، ونسأل الله تعالى أن يوفقك إلى الإحسان في مستقبل الزمان، وننصحك بأن تكثري من تلاوة كتاب الله وذكره في كل وقت وحين، ومصاحبة المؤمنات الصالحات.
وبخصوص إمامتك لبعض النساء في بعض الصلوات، فإن كان ذلك بعد التوبة من الزنا، فلا إشكال في صحة الصلاة، وإن كان قبل التوبة، فقد اختلف الفقهاء في حكم الصلاة خلف الفاسق، وقد سبق أن ذكرنا أقوالهم، وأن الراجح صحة الصلاة خلفه، وراجعي الفتاوى التالية:16978، 24537، 1603.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا... وصلة أبويه
تاريخ 05 ذو القعدة 1424 / 29-12-2003(1/23)
السؤال
إني ولدت من زنا، وإن الرجل لم يعترف بي حتى الساعة، وإني أسأل هل أعتبرهما رحمي وعلي صلتهما? جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن ولد الزنا إنما ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية صحيحة تثبت بها الحرمة والمحرمية والإرث وغير ذلك من الأحكام، وأما أبوه من الزنا -ولو كان معروفا محققا- فلا يجوز أن ينسب إليه، وليس بينه وبينه رحم؛ إلا رحما عن طريق أمه. وعليه، فإذا كان الضمير "هما" في كلمتي: اعتبرهما، صلتهما، تريد به الأبوين، فإن الرحم من جهة الأم ثابتة وصلتها واجبة، وأما من الأب فلا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 28544. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
تسمية ولد الزنا
تاريخ 01 ذو القعدة 1424 / 25-12-2003
السؤال
بما أن ابن الزنا لا ينتسب إلى أبيه فكيف يعامل في المجتمع وهو لا يحمل أوراق ثبوتية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فولد الزنا لا ينسب إلى أبيه من الزنا لأنه ليس بأبيه شرعاً، ولكن يمكن أن ينسب إلى اسم معبد لله تعالى، كعبد الله بن عبد الرحمن، ويسجل به في الأوراق الرسمية، كشهادة الميلاد أو شهادة الدراسة ونحو ذلك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
أجهضت حملها مرتين بعد الزنا ثم تابت
تاريخ 04 محرم 1425 / 25-02-2004
السؤال
ما هو حكم من أجهضت حملها مرتين بعد الزنا ثم تابت توبة نصوحاً؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن من أقدم على الزنا ثم الإجهاض قد ارتكب إثماً كبيراً، وذلك لأنه فعل محظورين عظيمين.
الأول: الزنا، وقد قال تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً[الإسراء: 32]، وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزني الرجل حين يزني وهو مؤمن [رواه الشيخان].(1/24)
الثاني: الإجهاض، فإنه محرم كما في الفتوى رقم: 5920 ويزداد تحريماً إذا كان قد مرَّ على الحمل مائة وعشرون يوماً، لأنه يكون قد نفخ فيه الروح فإسقاطه والحالة هذه إزهاق وقتل لنفس لم يأذن الله بقتلها.
فالواجب على من فعل ذلك التوبة الصادقة إلى الله عز وجل.
وأما من تاب توبة نصوحاً فإن الله سبحانه وتعالى يقبل توبته ويمحو حوبته، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (الشورى:25).
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر:53).
وقال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (الفرقان:68-70).
وقال صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال أيضاً: ....والله يتوب على من تاب . رواه مسلم من حديث أنس بن مالك .
ولمعرفة شروط التوبة انظري الفتوى رقم: 6826
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا دخل لولد الزنا في جريمة أبويه
تاريخ 02 رمضان 1424 / 28-10-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السؤال: هل هذا الحديث صحيح: (حرمت الجنة على أبناء الزنا) وما ذنبهم في هذا الحرمان، وهل ورد حديث يقول فيما معناه أن إسرائيل سوف تحتل فلسطين ثم العراق والشام ثم مصر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المشار إليه ذكر أهل العلم أنه موضوع، أي مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دخل لولد الزنا في جريمة أبويه وارتكابهما للفاحشة، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [النجم:39-40].
وولد الزنا داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه. رواه البخاري ومسلم، ولمزيد من التفصيل نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 6940.(1/25)
أما بخصوص الجزء الثاني من السؤال فلم نقف على حديث يذكر أن اليهود سيحتلون البلدان المذكورة، مع العلم بأنهم يقولون "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل، ومن الأرز إلى النخيل".
وقد استنبط بعض الدعاة في هذا العصر من عدة أحاديث -منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف- أن اليهود لن يتمدودا أكثر مما هم عليه اليوم، ولن يحتلوا من بلاد المسلمين أكثر من فلسطين، حتى تقع المعركة الفاصلة بيننا وبينهم إن شاء الله تعالى.
ومن هذه الاحاديث ما رواه مسلم مرفوعاً: لتقاتلُنّ اليهود فلتقتُلُنَّهم، حتى يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله. ، وفي رواية: ورائي.
ومنها ما رواه الطبراني، وضعفه الألباني: ... لتقاتلُنّ المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه وهم غربيه.
فيستفاد من هذا أنهم لن يتجاوزوا نهر الأردن وأن المعركة ستقع وهم غربيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الخاطب التائب من الزنا هل يُقبَل؟
تاريخ 03 شعبان 1424 / 30-09-2003
السؤال
سؤالي هو: أنه إذا تقدم لي شخص وأنا أعرف أنه سبق أن فعل فاحشة ألا وهي الزنا والذي أعرفه أن الزاني لا يتزوج إلا زانية مثله أو مشركة ولكن إذا كان هذا الشخص قد تاب واعترف بذنبه هل أوافق عليه أم لا؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان هذا الشخص قد تاب فلا حرج في زواجك منه، لأن التوبة تهدم ما كان قبلها، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 21908. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لمن ينسب ولد الزنا
تاريخ 12 رجب 1424 / 09-09-2003
السؤال
ما حكم من تستر على جريمة زنا؟ مع العلم بأنه كان مضطراً إلى هذا التستر وكذا التستر على المولود الحرام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على المسلم أن يستر أخاه المسلم إذا وجده على معصية، لعموم النصوص الواردة في وجوب الستر على المسلم، وترك فضحه بين الناس، وقد بينا هذا مع(1/26)
ضوابطه في الفتوى رقم: 26164، والفتوى رقم: 33660، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 1117، والفتوى رقم: 30731.
أما عن الولد الذي أنجبته المرأة المذكورة، فإنه ينسب إلى زوجها إن كان لها زوج، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. رواه البخاري وغيره، ومعناه أن الولد لصاحب الفراش وهو الزوج.
فإذا لم يكن لها زوج نسب الولد إليها هي، وعلى كل فلا سبيل إلى نسبته إلى أبيه من الزنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا يأخذ حكم الإخوة من الأم
تاريخ 10 جمادي الأولى 1424 / 10-07-2003
السؤال
قرأت في فتوى رقم 12263 أنه لا يجوز للرجل الزاني الزواج من المرأة التي زنى بها وهي حامل حتى تضع وتطهر، وأنه ينسب إلى أمه. السؤال: عند ما يتزوج هذا الرجل هذه المرأة التي زنا بها وهي أم حقيقية لابنها ( ابن الزنا) هل يعتبر هذا الابن(ابن الزنا) إخاً للأبناء الذين سيأتون لهذا الرجل من أمهم أو من الرضاعة لأن أمه هي أمهم وهي التي أرضعته وأرضعتهم، مع العلم باختلاف النسب بينه وبين إخوته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن المرأة إذا زنت وأتت بولد، فإنه لا ينسب إلا إليها، كما ذكرنا ذلك في الفتوى التي أشرت إليها، غير أنه لا يعني هذا أن هذه المرأة إذا تزوجت وانجبت أولاداً تنقطع الرابطة بينهم وبين أخيهم لأمهم، وذلك لأن رابطة الأم ثابتة دائماً، سواء كان الولد من زنا كما هو الحال هنا، أم كان من نكاح صحيح. وعلى هذا، فإن ولد الزنا يأخذ حكم الإخوة من الأم بما في ذلك صلة الرحم والتوارث بالرحم وغيرهما. أما علاقته بأبيه من الزنا فهي منقطعة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ابن الزنا ليس يتيماً ولا ابن سبيل
تاريخ 13 ربيع الثاني 1424 / 14-06-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أما بعد: فهل ابن الزنا يعتبر من الأيتام أم من عابري السبيل إذا ذكرنا الصدقات؟ وتحياتي إليكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى(1/27)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فابن الزنا ليس يتيماً ولا ابن سبيل، فلا يعطى من الزكاة إلا إذا عجزت أمه عن النفقة عليه، أو ماتت ولم يكن هناك من ينفق عليه من أقاربه الذين تجب عليهم نفقته، وكذلك إذا امتنع من تجب عليهم النفقة، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 12263، والفتوى رقم: 9093. مع التنبيه إلى أن اليتيم ليس من مصارف الزكاة بصفة اليتم، لكن قد يكون من المصارف إذا كان فقيراً أو مسكيناً أو غيرهما من المصارف الثمانية المعروفة المذكورة في آية التوبة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم من أحبل امرأة من الزنا ثم أراد أن يتزوج بها
تاريخ 07 ربيع الثاني 1424 / 08-06-2003
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي موجود باليونان منذ حوالي عشر سنين وقد تزوج من يونانية مسيحية وأنجب منها طفلين وهو له محل لبيع الفطائر وكانت حياته مستقرة، ظهرت مشاكل عائلية مع زوجته وتعرف على بنت يونانية أخرى (لاأدري أيهما أولا) وقد أسفرت هذه العلاقة عن جنين عمره شهران، وهو محتار هل يتجاهل هذه البنت أم يطلب منها إجهاض الجنين أم يتزوجها.؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبقت أحكام من أحبل امرأة من الزنا ثم أراد التزوج بها، وإلى من ينسب الولد الذي حمل به من الزنا وأحكام الإجهاض، كل ذلك ورد مفصلا في الفتوى رقم: 6045فلتراجعها. وإذا كانت هذه اليو نانية التي أحبلها أخوك من الزنا من أهل الكتاب كسابقتها، فذاك ما أُجيِبَ عنه، وإن كانت مشركة، لا تدين بكتاب، فلا يجوز التزوج بها. قال تعالى:وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَل َأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُم. [البقرة:221] وأما نكاحه اليون انية المسيحية، فجائز، لقوله تعالى: وَ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِ تَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَ افِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة:ة5] ولا يجوز لأخيك أن يترك ولديه ذينك لأمهما المسيحية، لأنها ستربيهما على الكفر، وقد رجح العلماء سقوط حق الأم في الحضانة إذا كانت كافرة. قال تعالى:وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤ ْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء: 141] وروى أبو هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو ي مجِّسانه. متفق عليه. فلا ضرر أعظم على ا لولد من ذلك، مع أن الأحناف وبعض المالكية لا يرون الإسلام شرطا في استحقاق الحضانة . ولتنصح
أخاك بالعود ة إلى وطنه والخروج عن ديار الكفر، بيئة الخبث والسوء، فإنه لا يؤمن أن يميل إلى ما في بلادهم من فتن، فيفتنوه عن الإسلام. ولخطورة الزنا ومفا سده يراجع الجواب رقم: 26237 والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(1/28)
ـــــــــــــــــــــ
حكم إعطاء ابن الزنا من الزكاة
تاريخ 16 ربيع الأول 1424 / 18-05-2003
السؤال
هل تجوز الزكاة وكفالة اليتيم على ابن السفاح؟ و شكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن ابن الزنا يعتبر عند أهل العلم شخصاً بريئاً لا يؤاخذ بما ارتكبه أبواه، لقول الله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. فيحرم تعريضه لخطر الضياع، وحول التعامل معه يرجع إلى الفتوى رقم: 7818، والفتوى رقم: 9093. أما دفع الزكاة له فيجوز إذا كان متصفاً بأوصاف مصارف الزكاة ككونه مسلماً فقيراً حرا، بل قد يكون إعطاؤه أفضل من غيره إذا كان في أشد الحاجة، بحيث لا يحظى بالرعاية الكاملة. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم نسبة بنت الزنا لو تزوج بأمها
تاريخ 16 ربيع الأول 1424 / 18-05-2003
السؤال
هل يجوز لي تسجيل طفلة باسمي لعدم اعتراف أبيها بها، وللعلم الطفلة كانت نتيجة خطيئة وقعت بين الأم وهذا الشاب، وما حكم زواجي من أمها ونسب بنتها لي أرجو رأي الشرع في ذلك، ضروري جداً لأني في حيرة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فلا يجوز لك نسبة هذه البنت إليك، لأن الشرع قد حرم التبني، وقد سبق بيان أدلة تحريمه في الفتوى رقم: 27090. وأما زواجك من أمها فلا حرج فيه -إن شاء الله- إن كانت قد تابت من الزنا، ولا تجوز لك نسبة البنت إليك ولو تزوجت من أمها، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 1677. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
نسب المولود من الزنا للمتزوجة وغير المتزوجة
تاريخ 25 محرم 1424 / 29-03-2003
السؤال
ما حكم امرأة حملت من الزنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على من وقع في هذه الفاحشة الكبيرة أن يتوب إلى الله تعالى، بالإقلاع عن الذنب أولاً ثم الندم على ما مضى منه، مع العزم على عدم العودة إليه أبداً، ولا(1/29)
تتحقق توبته إلا بذلك، وقد ذم الله تعالى الزنا وحرم الاقتراب منه فقال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
والمقصود بقربه التمادي في دواعيه، والبحث عنها، وتحري مواطنها، فيكون فاعل ذلك، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن أهم المقاصد التي لأجلها حرم الله الزنا، اختلاط الأنساب وكذلك الحمل الذي يحصل للمرأة التي لا زوج لها، فيكون مصيره الضياع لأنه سينسب إلى أمه.
والأخت السائلة لا تخرج عن كونها إما متزوجة وإما خلية (غير متزوجة)، فإن كانت متزوجة، فالولد ينسب إلى زوجها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه البخاري.
وعليها أن تتوب إلىالله تعالى، وتصدق في توبتها معه، ولا يجب عليها إخبار زوجها بذلك إذ سترها الله تعالى.
أما إن كانت خلية (بدون زوج) فالولد ينسب إليها، ولا ينسب إلى الزاني، لأن النسب نعمة والزنا نقمة، ولا تثبت النعمة بالنقمة، ويحرم على المرأة إسقاط هذا الجنين، ويجب عليها المحافظة عليه، مع التوبة الصادقة مما حصل منها ودوام الاستغفار والإكثار من الصالحات، ونسأل الله تعالى أن يهدي قلبك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويتوب عليك، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6012، 6940، 9093.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
معنى ابن الزنا، وابن الحرام
تاريخ 15 ذو الحجة 1423 / 17-02-2003
السؤال
أرجو الإفادة أجاركم الله حول الفرق بين ابن الزنى وابن الحرام، بعض الناس يحسبون أن ابن الحرام هو يكون من أبوين على زواج صحيح ولكن النطفة التي خلق منها هي من حرام أي أن غذاء الأب من حرام وجزاكم الله خيراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ابن الزنا مصطلح شرعي، والمراد به: الابن المتولد من الزنا، فخرج بذلك المتولد من نكاح صحيح أو نكاح شبهة .
أما بن الحرام فإنه مصطلح عامي (دارج) فقد يراد به ابن الزنا وهو السائد المشهور وقد يراد به ما ذكره السائل من أن النطفة التي تولد منها نبتت من مال حرام، إلا أن هذا الإطلاق لا يصح؛ لأن الابن لا ذنب له مما فعله أبواه.
وعلى العموم.. فإن العلم بهذا الأمر ليس من العلم الذي ينفع، والجهل به ليس من الجهل الذي يضر، فننصح الأخ السائل وجميع الإخوة الداخلين على مركز الفتوى بأن يسألوا عما تحته عمل وعما ينفع علمه في الدنيا والآخرة
والله أعلم .(1/30)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ليس لولد الزنا من نسب سوى أمه
تاريخ 29 ذو القعدة 1424 / 22-01-2004
السؤال
ما هو حكم المولود الذي يولد من علاقة غير شرعية، علماً أنه متأكد أن الطفل ابنه، وهل يجوز إعطاء الطفل اسمه ويعترف به كابن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الرجل إذا زنا بامرأة وأتت منه بولد فإنه ليس بينه وبين أبيه من الزنا نسب ولا توارث، وإنما ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية تثبت بها المحرمية ويترتب عليها الولاية الشرعية والتعصيب والإرث وغير ذلك من أحكام البنوة.
ومن هذا يتبين للسائل عدم جواز نسبة ولد الزنا إلى غير أمه ولو كان أبوه من الزنا معروفاً معترفاً به.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ماذا يجب على من قتلت ولدها من الزنا
تاريخ 14 ذو الحجة 1423 / 16-02-2003
السؤال
رجل زنا وترتب على زناه ابن سفاح وقتل الابن من قبل المرأة الزانية مع حضور الرجل فتابا من تلك العمل والحمد لله فماذا عليه ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعله هذا الرجل وهذه المرأة يستوجب التوبة الصادقة، فإن كانا قد تابا وأخلصا في توبتهما واستغفرا الله من ذلك وعزما على ألاَّ يعودا إلى مثل ذلك وندما على ما فعلا فإن الله يقبل التوبة ويفرح بها، قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:68: 70].
ولكن يبقى على المرأة التي قتلت ولدها الضمان، فإن كانت قتلت ولدها بعد ولادته فتجب الدية كاملة، وإن أجهضته فأخرجته ميتًا وجب عليها عشْرُ دية المرأة القاتلة، ويجدر التنبيه إلى أن المرأة هنا لا ترث من دية هذا القتيل شيئًا.
ولمعرفة الدية وقدرها ومتى تجب وعلى من تجب تراجع الفتوى رقم: 9332 - والفتوى رقم: 28671 - والفتوى رقم: 11681.
والله أعلم.(1/31)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا عقوبة على ولد الزنا بفعل أبويه لا في الدنيا ولا في الآخرة
تاريخ 19 شوال 1423 / 24-12-2002
السؤال
ما الفرق بين الطفل المولود من أب وأم متزوجين والأب والأم غير متزوجين ما عقوبات الطفل في الدنيا والآخرة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالطفل المولود من أب وأم متزوجين زواجاً شرعياً صحيحاً طفل شرعي، وتجري عليه جميع الأحكام الشرعية من توارث ونسب ونفقة.. وغير ذلك.
وأما الطفل المولود من رجل وامرأة غير متزوجين فيسمى ولد زنا لا ينسب إلى أبيه، ولا يحصل بذلك توارث بينه وبينه، ولا يوجب ذلك نفقة.
والرجل والمرأة اللذان ارتكبا فاحشة الزنا مرتكبان لكبيرة من كبائر الذنوب، وهما مستحقان لعقوبة الله إن لم يتوبا توبة نصوحاً، وأما الولد فلا عقوبة عليه بفعل أبويه لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه لا ذنب له ولا اختيار، والله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].
غير أنه من حيث النسب لا يلحق بذلك الزاني، وراجع الفتوى رقم:
9093 - والفتوى رقم: 10152.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا ينسب لأمه لا لأبيه
تاريخ 23 رمضان 1423 / 28-11-2002
السؤال
معذرةً لقد زنيت ثم حملت التي ارتكبت معها الغلط وأنجبت بنتاً وهي الآن في بلد آخر وأريد أن أنسى الماضي سؤالي: ماذا يترتب علي؟ وهل هي في ذمتي فأنا الآن لا استطيع فعل شيء؟ علماً بأني أرسل لهما بين الحين والآخر مبلغاً يسيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب عليك الآن هو أن تتوب إلى الله تعالى من هذه الذنب العظيم، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب تاب الله عليه، والله تعالى يقول: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:39].
ويقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
والتوبة النصوح هي التي تجتمع فيها ثلاثة شروط: الندم على الذنب، والعزم على ألاَّ يعود إليه، والإقلاع عن الذنب.(1/32)
أما البنت التي جاءت عن طريق الزنا فإنها مقطوعة النسب إليك، وإنما تنسب إلى أمها نسبة شرعية صحيحة، يترتب عليها جميع أحكام البنوة.
وإذا قصدت بهذا المال الذي تدفعه لهما وجه الله تعالى كان لك الأجر عند الله تعالى.
وراجع لذلك الفتوى رقم: 6045، والفتوى رقم: 12263.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
إمامة التائب من الزنا
تاريخ 01 رمضان 1423 / 06-11-2002
السؤال
السلام عليكم
رجل زنا وتاب الآن من ذلك ولكنه كلما تذكر ذلك الأمر ندم وتحسر واستغفر الله هل يجوز له أن يكون إماما راتباً للناس في الصلاة بعد أن تاب؟ وما هي علامات قبول التوبة؟
جزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة على سؤالك راجع لزاماً الفتاوى التالية: 2969، 1095، 3184، 8065،
16907.
أما بالنسبة لإمامة من زنا ثم تاب، فإنه ليس فيها أي حرج، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وأما بالنسبة لعلامات قبول التوبة، فراجع لها الفتوى رقم: 5450.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
هل يجوز للفتاة الاقتران بتائب من الزنا
تاريخ 28 شعبان 1423 / 04-11-2002
السؤال
السلام عليكم
بعد المشقة التي مررت بها من أجل إدخال سؤال لتوصلكم به ألقى مشقة كبرى عندما أرسل السؤال إلى سيادتكم السؤال لا يمشي أعتقد أن هناك أعطاباً تقنية
سؤالي: شاب أراد أن يتزوج من فتاة ثم أخبرها بأنه زان ووعدها بأنه سيتوب إلى الله توبة نصوحاً هل تقبل التوبة أم ماذا؟ وهل هذه الفتاة تتزوج به؟
وشكرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(1/33)
فالعبد إذا أسرف على نفسه في الذنوب ثم تاب تاب الله عليه، كما قال الله تعالى: ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ) وقال تعالى: ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً* إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) [الفرقان:68-70] وعلى هذا فإذا تاب هذا الشاب من الزنا توبة نصوحاً -ومن شروط التوبة النصوح الإقلاع عن المعصية فوراً- فإنه يجوز لهذه الفتاة الزواج منه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تجب ما قبلها، وما كان ينبغي لهذا الشاب أن يطلع هذه المرأة ولا غيرها على ذنب قد ستره الله عليه، وراجع الأجوبة التالية أرقامها: 1095 4079 6972
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا لا يلحق بأبيه من الزنا
تاريخ 26 شعبان 1423 / 02-11-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
رجل عاشر امرأة فترة من الزمن بدون زواج. ثم ثاب إلى رشده وأراد أن يعقد عليها ، وقد أنجبت منه ولدا، فماذا يجب عليه في هذه الحال ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج على من زنا بامرأة أن يتزوجها لكن بشرط أن يسبق ذلك توبة صادقة منهما، وإلا فلا يجوز، وانظر الفتوى رقم 9625
أما فيما يتعلق بالولد الذي نتج عن تلك العلاقة الآثمة فهذا لا يلحق بأبيه من الزنا، وذلك لأن الفقهاء يقولون في قواعدهم المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً. فما دام هذا الولد قد جاء بطريقة مخالفة للشرع فإنه لا ينسب إلا إلى أمه، ولا علاقة البتة بينه وبين الرجل الذي هو أبوه من الزنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم نكاح الحامل من الزنا، وما جاءهما من أبناء
تاريخ 11 رجب 1423 / 18-09-2002
السؤال
ما صحة زواج رجل بامرأة تحمل منه سفاحا مع العلم أن الشهود لا يعلمون بهذا وأن عقد القران مدون به أنها بكر واستمرالزواج وأسفر عن عدة أبناء وما حكم هؤلاء الأبناء فى الإسلام وخاصة الولد الأول ؟
الفتوى(1/34)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في جواز نكاح الحامل من الزنا، فأجازه بعضهم ومنعه آخرون.
واتفقوا على أن الحمل قبل الزواج لا يلحق بالزوج، ولو كان من مائه، ولو تزوج أمه قبل ولادته، وأما الأبناء الذين ولدوا بعد العقد فإنهم أبناء شرعيون لأبيهم، ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم:
4115.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
أحكام تتعلق بولد الزنا
تاريخ 09 رجب 1423 / 16-09-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأفاضل ,السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... أما بعد عندي سؤال يتعلق بأحد معارفي المتزوجين, والذي لديه من الذكوراثنان ومن الإناث ثلاثة, ولكن أزله الشيطان ووقع في الخطأ وأنجب ذكرا.
السؤال: هل يعتبر هذا الولد أخا للأولاد الباقين ؟ هل يجب على البنات أن يتحجبن أمامه ؟
هل للولد حق في ميراث أبيه ؟ الولد يبلغ من العمر الاّن 14 سنة, في حال تزوج الأب تلك المرأة التي
أزله الشيطان معها, فهل يتغير أي حكم بعدها ؟ أفيدونا وجزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
وهذا الولد من الزنى لا ينسب إلى الزاني ولو تزوج بالزانية عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 6012.
ولا يكون محرماً لبنات الرجل، بل هو أجنبي عنهن فيلزمهن الاحتجاب منه، ومع كونه غير محرم لهن، إلا أنه لا يجوز له ان يتزوج بواحدة منهن، وليس لهذا الولد حق في الميراث من الزاني، وإنما يرث من أمه.
وانظر مزيداً من التفصيل حول أحكام ولد الزنا في الفتاوى التالية أرقامها:
7501
9093
10152
19104.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ(1/35)
أقوال العلماء في حكم نسبة ولد الزنا للزاني لو تزوج من الزانية
تاريخ 04 رجب 1423 / 11-09-2002
السؤال
السيد الدكتورعبدالله أحيط فضيلتكم بأني أرسلت سؤالا برقم 43661 ولم تأت الإجابة شافية ولم تتم الإجابة وهو هل ولد الزنى يلحق بالأب أم لا ومن قال هذا الرأي أو غيره من العلماء وكذلك الحديث المروي عن أبي داود صحيح أم لا لأن الحاكم لا يعتمد عليه العلماء مع العلم أن الألباني حقق سنن أبي داود وكذلك سألت سؤالا برقم 40539وأحلتني إلى سؤال 1007 و17718 ولم أجدهما في الشبكة وكذلك سألت سؤالا رقم 40680 وأحلتني إلى سؤال رقم 254 ولم أجده وبالتالي لم أجد فيما سبق من اسئلة رداً شافيا علي أي سؤال بذكر الدليل الواضح ولم أجد الأسئلة التي أحلتني إليها برجاء التكرم بإعادة الرد المفيد وجزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر لك ثقتك وتواصلك مع مركز الفتوى، وفيما يخص السؤال رقم: 43661 فقد أحلناك على جوابين سابقين لاشتمالهما على مضمون ما سألت عنه.
وقد تضمن الجوابان ذكر اختلاف العلماء في نكاح الحامل من الزنى، وذكرنا ما نرجحه من أن حمل الزنى لا ينسب إلى هذا الزاني ولو تزوج من الزانية.
وهذا هو مذهب الجمهور، وقد بينا في فتوى أخرى تفصيل هذا الخلاف، انظر الفتوى رقم:6045 وحاصله أن الجمهور على أن ولد الزنا لا ينسب إلى الزاني بحال، وخالف في ذلك عروة وإسحاق بن راهويه وسليمان بن يسار وأبو حنيفة فأجازوا إلحاق الولد بالزاني في حال زواجه بالزانية. قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له.
وإنما رجحنا مذهب الجمهور واكتفينا بذكره في بعض الفتاوى، لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أنه لا يلحق الولد "إذا كان أبوه الذي يُدْعى له أنكره، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث؛ وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه، فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة." والحديث حسنه الألباني، وهو صريح في أن ولد الحرة المزني بها لا ينسب إلى الزاني ولا يرثه وإن ادعاه الزاني.
ولا شك أن إثبات أبوة الزاني لهذا الحمل يترتب عليه أحكام عظيمة كإرثه منه، وكون الولد محرماً لأم الزاني وأخته وبناته من غير المزني بها.
وأما حديث أبي داود: لا توطأ حامل حتى تضع. فقد صححه الألباني في صحيح أبي داود.
ونحن لا نلتزم ذكر من نص على صحة الحديث اكتفاء بوقوفنا على صحته.
والحاصل أن الولد من الزنى لا ينسب إلى الزاني في جميع الأحوال، سواء ولد قبل زواج الزاني بأمه، أو كان حملاً حين حصل هذا الزواج.
والله أعلم.(1/36)
وأما سؤالك رقم 40539 فقد أحلناك ضمن الجواب على الفتوى رقم: 1007 والفتوى رقم: 17718
وما عليك إلا أن تضغط على هذين الرقمين يظهر لك الجوابان، أو أن تأخذ الرقمين وتبحث عنها من خلال مركز الفتوى بحث برقم الفتوى، وليس في خانة بحث برقم السؤال.
وأما سؤالك رقم 40680 فقد أحلناك على جوابين برقم: 9974 ورقم: 254 وهذا ما يظهر لنا عند البحث برقم سؤالك المذكور.
لكن سبب الاشتباه أن الجواب رقم: 9974 تضمن الإحالة على رقم: 254 ولم تعمل معه خاصية الدخول المباشر بالضغط على الرقم، لكن من حسن الحظ أن الفتوى 254 مرفقة مع الفتوى 9974.
وسنعالج الخلل الحاصل في خاصية الإحالة السابقة.
وجزاك الله خيراً على تنبيهك وإرشادك، ولعلك تنبهت إلى أن لدينا بحثاً برقم السؤال وآخر برقم الفتوى، وأن الإحالة إنما تكون على رقم الفتوى فقط.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
البنت من الزنا لا تتنسب لأبيها ولا ثرثه
تاريخ 29 ذو القعدة 1424 / 22-01-2004
السؤال
هل البنت المولودة من علاقة غير شرعية من علاقة سابقة مع امرأة غير مسلمة منذ 17 سنة تعتبر بنتاً شرعية يجب أن ترث علما بأن ديناتها هي النصرانية كما أن والدها معترف ومقر بها ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت هذه البنت من زنى فإنها لا تنسب إلى أبيها من الزنى وليست بنتاً له شرعاً فلا يرثها ولا ترثه.
هذا أعني التفريق في الميراث بين ما إذا كانت من زنى أو من نكاح شرعي، إن كانت مسلمة فأما وهي كافرة فلا ترث بحال من الأحوال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا مانع من الزواج بمن أسلمت وتابت من الزنا
تاريخ 07 جمادي الأولى 1423 / 17-07-2002
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:(1/37)
- أنا طالب في روسيا وبحمدالله أسلمت فتاة روسية وأرادت الزواج من أجل السترة والحفاظ على دينها ولكنها قبل إسلامها كانت تمارس الجنس مع صديقي ولذلك أنا متردد في الزواج بها أرجو نصيحتي؟
وجزاكم الله كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا علمت صدق إسلام هذه المرأة وصدق توبتها، فإنه لا بأس عليك في الزواج بها، بل إن ذلك مطلوب، لأنه من وسائل الثبات لها على دين الإسلام أن تجد الرجل الصالح الذي يعينها على طاعة الله.
وننبه السائل إلى أنه لا يجوز مصادقة من يرتكب الفواحش، والواجب هو نصحه ونهيه عن المنكر، بل وهجره إن كان ذلك يزجره.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا يجوز لأبي البنت من الزنا أن يتزوجها
تاريخ 27 ربيع الثاني 1423 / 08-07-2002
السؤال
ما الأحكام الشرعية بشأن ولد الزنا؟ ومن هو ولي بنت الزنا إذا أرادت الزواج؟ وهل يجوز لأب بنت الزنا أن يتزوجها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فولد الزنا لا يختلف في الأحكام الشرعية عن غيره من المسلمين، وانظر الفتوى رقم: 6940، إلا أنه لا يلحق نسباً بأبيه من الزنا، كما هو مبين في الفتوى رقم: 6012، والفتوى رقم: 10152.
وليس لأبي البنت من الزنا أن يتزوجها، لأنها -وإن كانت مقطوعة عنه نسباً- مخلوقة من مائه، ووليها الذي يزوجها هو السلطان، كما هو مبين في الفتوى رقم: 9667.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حمل ولد عن طريق الزنا لا يسوغ إعدامه
تاريخ 03 جمادي الأولى 1423 / 13-07-2002
السؤال
لي صديق زنى وحملت هذه المرأة فقام بإعطاءها دواء بعلمها لإنزال هذا الطفل وهو في شهره الأول
وبعد يوم واحد أنزلت هذا الطفل وهو الآن نادم فهل عليه كفارة أو هل يستطيع التكفير عن هذا مع العلم أنه قتل روحا بدون حق أو خطأ؟(1/38)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزنا في نظر الإسلام جريمة من أبشع الجرائم ومنكر من أخبث المنكرات، لأنه جريمة في نظر الشرع وفي نظر العقل السليم، فبه يتصدع بنيان المجتمع ويعرض النسل للخطر وتهدر كرامة الإنسان.
والزاني شخص مستهتر لا يبالي بأي طريق نال شهوته ولا ما يترتب عليها من أخطار وأضرار، فلا عجب أن جعل الله عقوبة الزاني من أشد العقوبات وحرم على المسلمين أن يرأفوا به فلا يقيموا عليه حد الله، فقال:الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [النور:2].
وصديقك هذا أضاف إلى جريمة الاعتداء على عرض هذه المرأة، جريمة أخرى وهي الاعتداء على النطفة التي استقرت في الرحم واستعدت لقبول الحياة، وهي كائن موجود له احترامه وإن جاء عن طريق الحرام، فليس في ذلك ما يسوغ الجناية عليه، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة التي زنت واستوجبت الرجم، أن تذهب حتى تلد ثم ترضعه حتى تفطمه بعد تمام الحولين. فلم يكن مجيئ هذا الولد عن طريق الزنا سبباً في إعدامه، فالذي يجب على هذا الرجل الآن هو التوبة والندم على ما صنع والعزم على ألا يعود إلى هذه المنكرات والقبائح، أما الكفارة فليس عليه كفارة ولا دية لأن النطفة والعلقة لا تسمى أيأ منهما جنيناً، ولا تأخذ حكم الجنين، وما يترتب على إسقاطه من أحكام.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الفرق بين اللقيط وابن الزنا
تاريخ 16 ربيع الثاني 1423 / 27-06-2002
السؤال
أريد أن أعرف الفرق بين اللقيط والطفل ابن الحرام وما قيل فيهم وهل ابن الحرام ملعون في الدنيا؟ أتمنى أن ألقى الجواب الكافي.
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاللقيط هو الطفل الذي يوجد في الشارع أو ضالا ولا يعرف نسبه، فالفرق إذًا بينه وبين ابن الزنا هو: أن اللقيط قد يكون ابن زنا، وقد لا يكون كذلك، كمن سرق من أبويه أو فقد أو غير ذلك.
وما ذكر من أن ابن الزنا ملعون في الدنيا باطل لا يصح، بل هو مخالف لقول الله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الزمر:7].
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 9093، 6012، 15187، 17151.
والله أعلم.(1/39)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
معارضة الأهل ورغبة الابن في نكاح بنت الزنا... قدم أفضل الأمرين
تاريخ 26 محرم 1423 / 09-04-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أريد الزواج من فتاة وأهلي اعترضوا على الفتاة التي أنا أريدها لأنها بنت حرام وأبوها غير معروف أما الأم فهي أمها مع أن البنت تتصف بالسمعة الجيدة والدين والأخلاق وأنا أريدها فماذا أفعل؟ وما حكم الدين في ذلك؟ وهل بنت الحرام تكون منبوذة في المجتمع ومظلومة ولا تتزوج ويحكم عليها بالإعدام؟ فأنا بحاجة لمن ينصحني هل أبتعد عنها أو لا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا مانع شرعاً من الزواج ببنت الزنا، إن كانت ذات خلق ودين، وإن كان الأولى نكاح ذات النسب، كما هو مبين في الجواب رقم: 7765.
وما دام والداك وبقية أهلك معترضين على هذا الزواج، فحاول إقناعهم بأن بنت الزنا لا ذنب لها في ذلك ولا إثم عليها، بل إنها ولدت على الفطرة كغيرها من الناس، وسيحاسبها الله على ما عملت لا على ما عمل أبواها من الزنا، لقوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164] .
وما دامت صاحبة دين وخلق، فإنها قد تكون أفضل في الدنيا والآخرة من كثير من بنات الأحساب والأنساب، فالله تعالى يقول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13] .
والإسلام لم يفرق في الحقوق والفرائض والأحكام بين الناس بمعيار النسب، بل جميع البشر متساوون في ميزان الإسلام، لا يرجحون ولا يفضلون إلا بالتقوى.
واستعن على إقناعهم بمن يؤثر عليهم من أقربائك أو من أهل الخير والصلاح، فإن أصر الوالدان على رفضهما، فيلزمك برهما وطاعتها في ذلك، لعل الله ييسر لك الخير في غيرها، وييسر لها الخير في غيرك.
هذا مع العلم أن الذي يقوم بتزويج بنت الزنا هو السلطان، أو من يقوم مقامه، لأنه ليس لها ولي من عصبتها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "فالسلطان ولي من لا ولي له" أخرجه الترمذي وابن ماجه .
والله اعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حكم الزواج من بنت الزنا
تاريخ 14 ذو الحجة 1422 / 27-02-2002
السؤال(1/40)
أنا شاب أبلغ من العمر 28 سنة أريد الزواج ببنت عمي ولكنه أنجبها قبل الزوج بوالدتها وكان ذلك في بلد أجنبي فهل يصح زواجي بها أم لا فقد تزوج والداها الآن؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن هذه البنت بنت زنا، وليست بنت عمك، لأنها لا تنسب شرعاً إلى أبيها (عمك)، وانظر الجواب رقم: 12263.
لكن لا حرج عليك في الزواج منها إذا كانت من ذوات الدين والخلق، وإن كان الأولى نكاح ذات النسب. وانظر الجواب رقم: 7765.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
إمامة ولد الزنا
تاريخ 06 شعبان 1422 / 24-10-2001
السؤال
ما حكم إمامة ابن الزنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى كراهة إمامة ولد الزنا ، وهو قول مجاهد ، وعمر بن عبد العزيز.
وذهب أحمد إلى أنه لا تكره إمامته إذا سلم دينه ، وكان مرضياً ، وبه قال عطاء ، وسليمان بن موسى ، والحسن ، والنخعي ، والزهري ، وعمرو بن دينار ، وإسحاق ، وداود ، وابن المنذر. وهو الراجح ، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن ولد الزنا؟ فقالت: ليس عليه من وزر أبويه شيء. وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
والله سبحانه وتعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
والأدلة الشرعية التي حددت شروط الإمامة وحقوقها لم تفرق بين ولد الزنا وبين غيره ، قال ابن المنذر: (يؤم إذا كان مرضياً ، ولا تضره معصية غيره).
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا لا يتزوج من بنات (أبيه) الزاني
تاريخ 17 جمادي الثانية 1422 / 06-09-2001
السؤال
في فتوى لكم عن نسب ولد الزنا ، اعتبرتم أنه ينسب لأمه ، ولا يثبت نسبه لأبيه ، وهذا أيضا ما ورد في إجابة فتوى باللغة الإنجليزية في هذا الموقع .
ولكن في هذه الحالة يكون الولد من الزنا لا يعتبر من المحارم بالنسبة لبنات أبيه من امرأة أخرى ، وهذا يترتب عليه أنه يجوز له الزواج من بنات أبيه ، وهذا ما لا(1/41)
يحل شرعا ، وأنا أرى والله أعلم أن ما ذهبتم إليه يحتاج إلى مراجعة ، خاصة إذا كان الأب متقينا أن الولد هو ابنه وأنها ( التي زنا بها لم تعاشر غيره قبل الحمل) وأرجو منكم الاطلاع على ما ورد في هذا الأمر في كتاب نيل الاوطار للشوكاني . وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ابن الزنا لا ينسب إلى الزاني ، ولا يلزم من ذلك إباحة أن يتزوج من محارمه من جهة أبيه من الزنا، فولد الزنا عند جماهير العلماء ولد في التحريم، وإن لم يكن ولداً في الميراث والمحرمية، وغير ذلك من أحكام النسب الأخرى، لأن أحكام النسب تتبعض في العين الواحدة، فمثلاً الرضاعة يثبت لها من أحكام النسب الحرمة والمحرمية، ولا يثبت لها وارث ولا عقل ولا دية ولا نفقة، ولا غير ذلك من أحكام النسب، وكأمهات المؤمنين فهن أمهات في الحرمة لا في المحرمية وغيرها، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة رضي الله عنها بالاحتجاب عن ولد زمعة عملاً بشبهه بعتبة بن أبي وقاص، وجعله أخاً لها من الميراث عملاً بموجب الولد للفراش.
قال ابن تيمية - بعد أن ذكر حرمة التزوج من البنت من الزنا-: (وأما قول القائل: إنه لا يثبت في حقها الميراث ونحوه، فجوابه أن النسب تتبعض أحكامه، فقد يثبت بعض أحكام النسب دون بعض، كما وافق أكثر المنازعين في ولد الملاعنة على أنه يحرم على الملاعن ولا يرثه). انتهى.
وأما الشوكاني رحمه الله فلم نطلع له في نيل الأوطار على قول يخالف فيه الجمهور في هذه المسألة، سواء في كتاب الطلاق باب: أن الولد للفراش دون الزاني، أو في كتاب الفرائض باب: ميراث ابن الملاعنة والزانية منهما، وميراثهما منه، وانقطاعه من الأب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
تربية أولاد الزنا مسئولية عامة
تاريخ 20 ربيع الثاني 1422 / 12-07-2001
السؤال
ماذا يفعل بابن زنا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن المولود من الزنا نفس كسائر الأنفس لها حرمتها، ولا ذنب له في كونه ولد زنا، ومن هنا يحرم قتله، أو تعريضه للهلاك. ومن وجد طفلاً هكذا إما أن يضعه في ملجأ الأيتام، أو يتكفل بتربيته ورعايته ابتغاء الثواب والأجر من الله سبحانه وتعالى، أو يعطيه لمن يستطيع تربيته ورعايته حفاظاً على حرمة هذه النفس، علماً(1/42)
بأنه لا يجوز شرعاً أن ينسب هذا الولد لمن يربيه، أو لأبيه من الزنا، وإنما ينسب لأمه، أو يختار له اسم يناسب حاله، كأن يدعى: عبد الله بن عبد الرحمن، وهكذا.
كما أنه لا يستحق الإرث من أبيه من الزنا، ولا ممن يربيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
إسقاط الحمل من الزنا... رؤية شرعية
تاريخ 04 محرم 1425 / 25-02-2004
السؤال
رجل زنا بامرأة متزوجة وزوجها مسجون ، ونتج عن هذا الاتصال الجنسي جنين عمره حوالي شهرين ، وقد ندم كلا منهما أشد الندم وتابا وأنابا إلى الله ، ولكن إذا استمر هذا الحمل نتج عنه تفكك وتدمير أسرة المرأة وفضيحتها ، فهل يجوز للمرأة إسقاط حملها وستر نفسها؟
الرجاء كتابة اسم المفتي إذ عليه يعول في الاستدلال بالحكم وبارك الله فيكم وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على هذا الرجل وهذه المرأة أن يتوبا إلى الله تعالى توبة نصوحاً، فإنهما قد ارتكبا جريمة عظيمة، وخانا خيانة بشعة جسيمة، نسأل الله العافية. فقد ثبت في الصحيحين أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُون).
وتتمة الآيات : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً* إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً* ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً ) [الفرقان:68-71] ولا يجوز لهذه المرأة أن تسقط حملها، لأن إسقاط الحمل جريمة أخرى، والجريمة لا يتخلص منها بارتكاب جريمة، بل الذي ارتكب جريمة الزنا -تلذذاً بما حرم الله- هو الذي عليه أن يتحمل تبعاتها ومضاعفاتها بما في ذلك افتضاح أمر الزانية بالحمل. وأما الجنين فلا ذنب له. فبأي مبرر يكون الضحية؟ ثم إن من جملة الأسباب التي حرم الله تعالى من أجلها الإجهاض أن فيه تسهيلاً للتستر على هذه المعصية الكبيرة، والتخلص من آثارها، مع إمكان الإصرار على ارتكابها مرة تلو المرة، ولا يخفى ما في ذلك من المفاسد العظيمة، والمضار الجسيمة على الفرد والمجتمع.(1/43)
وكان الواجب على هذه المرأة أن تتقي ربها، وتحفظ حق زوجها في غيبته، وأن لا تخونه مثل ما تحب أن لا يخونها، كما يجب عليها أن تبتعد عن مكان الفتن وقرناء السوء، والمواطن التي يمكن أن تنالها فيها مخالب المغوين.
وإن أحست من نفسها ثوران الشهوة، وضعفاً عن كبحها، فعليها أن ترفع أمرها إلى المحاكم الشرعية لينظروا في أمر زوجها، فإما أن يساعدوا في إطلاق سراحه إن كان مسجوناً بغير حق شرعي، وإن كان مسجوناً بحق شرعي ساعدوها في زيارتها له بين الحين والآخر، وإذا لم يمكن ذلك طلبت إلى القاضي أن يطلقها من زوجها، لتنكح زوجاً غيره. هذا هو السبيل الشرعي لمن هو في مثل حالها.
ولا يحق لها أن تتذرع بالحياء عن مثل الإجراء المشروع، ثم لا يمنعها الحياء من ارتكاب ما حرم الله تعالى من الزنا.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حقوق ولد الزنا
تاريخ 15 محرم 1422 / 09-04-2001
السؤال
ماحق الطفل المولود من سفاح ؟ وهل يجوز التمييز في المعاملة بينه وبين الشرعيين ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فولد الزنى: هو الذي تأتي به أمه نتيجة ارتكابها الفاحشة.
والحكم فيه: ثبوت نسبه من أمه، ويرث من جهتها فقط، لأن صلته بها حقيقة مادية لا شك فيها، أما نسبه إلى الزاني فلا يثبت عند جمهور الفقهاء، ولو أقرَّ ببنوته له من الزنى، لأن النسب نعمة، فلا يترتب على الزنى الذي هو جريمة.
وهو مسلم إن ولد من أم مسلمة، له ما للمسلمين من حقوق، وعليه ما على المسلمين من واجبات، ولا يحل أن يؤاخذ بجريرة لم يقترفها، فلا يفرق بينه وبين غيره من الأولاد الشرعيين، فإن ذلك من الظلم الذي حرمه الله، والتفريق بينه وبين غيره جدير بأن يجعل من أولاد الزنا أعداءً لمجتمعاتهم، التي حملتهم ذنب غيرهم وعاقبتهم عليه، وهذا لا يقره دين ولا عقل.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا يحاسب على عمله لا عن كسب أبويه
تاريخ 21 ذو القعدة 1421 / 15-02-2001
السؤال
هل ولد الزنا يدخل الجنة ؟ وإن كان لايدخل فما الحكمة من ذلك علما بأنه بريء من جريمة والديه؟(1/44)
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من وُلد من الزنا لا ذنب له في ذلك، ولا إثم عليه، بل هو ممن يولد على الفطرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة..." الحديث. وهذا يشمل أولاد الكفار، وولد الزنا إن كان من مسلمين فهو أولى أن يكون على الفطرة، وهو سيحاسب على ما عمل، وعلى ما كسب هو، لا ما كسب أبواه من الزنا، لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) [الأنعام: 164].
وإذا بلغ سن التكليف ومات بعد ذلك، فإنه قد يكون من أهل الجنة، أو من أهل النار حسب عمله كسائر الناس.
وأما ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولد الزنى لا يدخل الجنة" فإن هذا غير صحيح، فقد أورد هذا الحديث كثير من العلماء في الأحاديث الموضوعة، ومن هؤلاء ملا علي القارئ في كتابه: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة. وقال فيه العجلوني في كشف الخفاء: يدور على الألسنة ولا أصل له. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
الإجهاض من الزنا.
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
عندي سؤال عن عمليه الإجهاض عندما تحمل المرأة وسؤالي
هو:
إذا زنى الرجل وحملت المرأة هل يجوز في هذه الحالة أن
يعمل عملية الإجهاض.
والسؤال الثاني:إذا أراد الرجل الزواج من المرأة
التي زنى بها وهي حامل منه هل يستحسن أن يعملا عملية
الإجهاض أو يحتفظا بالطفل . وماذا عن الطفل هل سيعد من
أبناء الحرام أم ماذا؟؟؟؟ أرجو إفادتي بالجواب السريع
الوافي الكافي وجزاكم الله ألف خير.
وأستغفر الله العلي العظيم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: لا يجوز شرعاً الإجهاض في هذه الحالة المسؤول عنها إذا كان الحمل قد زاد عن أربعين يوماً، ولا يعتبر الحمل من الزنا مبرراً للإجهاض أبداً مهما كانت العوائق النفسية والاجتماعية الناشئة عن ذلك، لأن الإقدام على هذا إهلاك للنسل،(1/45)
وإفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد. وفي ذلك اعتداء على نفس مخلقة ظلماً وعدواناً. ومثل هذا لا يزيل جريمة الزنا بل يضيف إليها جريمة أخرى.
ومن زنا بامرأة فله أن يتزوجها متى ما تحققت التوبة الصادقة منهما، ولا حرج عليهما من ذلك. وبالنسبة لإجهاض الولد بعد الزواج فلا يجوز، كما سبق بيانه.
وهذا الولد الذي سيولد لا ذنب له ولا إثم عليه، وهو مولود على الفطرة.
وأما نسبة الطفل فإنه ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية صحيحة تثبت بها الحرمة والمحرمية، ويترتب عليها الولاية الشرعية والتعصيب والإرث، وغير ذلك من أحكام البنوة لأنه ابنها حقيقة، هذا الراجح وإليه ذهب الجمهور، وقيل ينسب إلى أبيه من الزنا إن أستلحقه وبهذا قال إسحاق بن راهويه، وعروة، وسليمان بن يسار، وأبو حنيفة. قال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له.
ومما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور ما ورد في قضائه صلى الله عليه وسلم في استحقاق ولد الزنا: " أَنّ كلّ مُسْتَلْحَقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْدَ أبِيهِ الّذِي يُدْعَى لَهُ ادّعَاهُ وَرَثَتُهُ فَقَضَى أَنّ كلّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَةٍ يَمْلِكُهَا يَوْمَ أصَابَهَا فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِمّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنَ المِيرَاثٍ شَيْءٌ وَمَا أَدْرَكَ مِنْ مِيرَاثِ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ وَلاَ يَلْحَقُ إذَا كَانَ أبُوهُ الّذِي يُدْعَى لَهُ أنْكَرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا أوْ حُرّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنّهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ وَلاَ يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادّعَاهُ فَهُوَ وَلَدٌ زِنْيَةٌ مِنْ حُرّةٍ كَانَ أوْ أَمَةٍ". رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه والدارمي.
وما دام ما ذهب إليه الجمهور من أن الرجل لا يجوز له أن يتزوج بمن حملت منه سفاحاً هو الراجح -فإن الولد ينسب إلى أمه وأهلها، أما زوجها فيكون الولد ربيباً له، وتثبت له أحكام الربيب فقط.
هذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا ولمن ينسب
تاريخ 20 رمضان 1421 / 17-12-2000
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
عندي بعض الأسئلة الشائكة ، وهي أسئلة تنشأ كثيرا عن العلاقة غير الشرعية مع النساء ، وهي :
أولا : إذا زنى الرجل وحملت المرأة هل يجوز في هذه الحالة أن تعمل عملية الإجهاض.
والسؤال الثاني: إذا أراد الرجل الزواج من المرأة التي زنى بها وهي حامل منه هل يجوز له ذلك ، وهل يستحسن أن يعملا عملية(1/46)
الإجهاض أو يحتفظا بالطفل . وماذا عن الطفل نفسه ، هل سيعد من أبناء الحرام أم ماذا ، وإلى من ينسب ؟؟ أرجو إفادتي بالجواب السريع الوافي الكافي وجزاكم الله ألف خير.
وأستغفر الله العلي العظيم
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: لا يجوز شرعاً الإجهاض في هذه الحالة المسؤول عنها إذا كان الحمل قد زاد عن أربعين يوماً، ولا يعتبر الحمل من الزنا مبرراً للإجهاض أبداً مهما كانت العوائق النفسية والاجتماعية الناشئة عن ذلك ، وسواء تزوج بها أم لا، لأن الإقدام على هذا إهلاك للنسل، وإفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد. وفي ذلك اعتداء على نفس مخلقة ظلماً وعدواناً. وهذا الولد الذي سيولد لا ذنب له ولا إثم عليه، وهو مولود على الفطرة . وهذا الإجهاض لا يزيل جريمة الزنا ، بل يضيف إليها جريمة أخرى ، ولهذا تعامل الزانية والزاني بنقيض قصدهما ، وهو ترك مانشأ عن جريمة الزنا من الحمل والولد شاهدا على قبح تلك الفعلة ، رادعا غيرهما عن الإقدام على مثلها ، وهذا من مقاصد الشرع في العقوبات وإغلاق أبواب الحيل ، ولهذا قال سبحانه في تذييل الآية التي فيها ذكر عقوبة الزانيين غير المحصنين ( ... وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) النور :2.
وأما من زنا بامرأة فحملت ثم أراد أن يتزوج بها فقد اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في حكم ذلك . فقال المالكية والحنابلة لا يجوز النكاح قبل وضع الحمل سواء من الزاني نفسه أو من غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع" رواه أبو داود والحاكم وصححه، ولما روي عن سعيد بن المسيب: أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما. وذهب الشافعية والحنفية إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنى ، لأنه لا حرمة لماء الزاني ، بدليل أنه لا يثبت به النسب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" أخرجه البخاري ومسلم.
وأما نسبة الطفل ، فإنه ينسب إلى أمه وأهلها نسبة شرعية صحيحة تثبت بها الحرمة والمحرمية، ويترتب عليها الولاية الشرعية والتعصيب والإرث، وغير ذلك من أحكام البنوة لأنه ابنها حقيقة ولا خلاف في ذلك.
أما نسبة الولد إلى أبيه من الزنا ولحوقه به، فقد أجاز ذلك إسحاق بن راهويه، وعروة، وسليمان بن يسار، وأبو حنيفة. قال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له.
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن ولد الزنا لا يلحق بأبيه ولا ينسب إليه، لأدلة منها: ما ورد في قضائه صلى الله عليه وسلم في استحقاق ولد الزنا: " أَنّ كلّ مُسْتَلْحَقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْدَ أبِيهِ الّذِي يُدْعَى لَهُ ادّعَاهُ وَرَثَتُهُ فَقَضَى أَنّ كلّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَةٍ يَمْلِكُهَا يَوْمَ أصَابَهَا فَقَدْ لَحِقَ بِمَنْ اسْتَلْحَقَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِمّا قُسِمَ قَبْلَهُ مِنَ المِيرَاثٍ شَيْءٌ وَمَا أَدْرَكَ مِنْ مِيرَاثِ لَمْ يُقْسَمْ فَلَهُ نَصِيبُهُ وَلاَ يَلْحَقُ إذَا كَانَ أبُوهُ الّذِي يُدْعَى لَهُ أنْكَرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا أوْ حُرّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنّهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ وَلاَ يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الّذِي(1/47)
يُدْعَى لَهُ هُوَ ادّعَاهُ فَهُوَ وَلَدٌ زِنْيَةٌ مِنْ حُرّةٍ كَانَ أوْ أَمَةٍ". رواه أحمد وأبوداود وابن ماجه والدارمي.
ومذهب الجمهور هو الراجح -إن شاء الله - وعليه فإذا تزوج الرجل بمن حملت منه سفاحاً فإن ولدها هذا ينسب إلى أمه وأهلها، أما زوجها فيكون هذا الولد له ربيباً، وتثبت له أحكام الربيب فقط. والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
حديث ((ولد الزنا لا يدخل الجنة)) موضوع
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم (( ولد الزنا لايدخل الجنة)) هل هذا حديث شريف وإذا كان كذلك ما مدى صحته؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحديث "ولد الزنا لا يدخل الجنة" غير صحيح، وقد أورده كثير من العلماء في الأحاديث الموضوعة، ومن هؤلاء (ملا علي القاري) في كتابه: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة وهو (الموضوعات الكبرى ) ص 575، كما أورده الملا علي القاري في كتابه ( المصنوع في معرفة الحديث الموضوع) ص 391، وقال إسماعيل بن محمد العجلوني في كشف الخفاء عن هذا الحديث ( يدور على الألسنة ولا أصل له)، وقال صاحب القاموس في سفر السعادة:( هو باطل ) الجزء الثاني ص 339. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-ـــــــــــــــــــــ
الإجهاض بعد الزنا تشجيع على الجريمة ومحرم
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته وبعد : يسرني أقدم لكم خالص التهنئة بحلول هذا الشهر الكريم جعلنا الله من الصائمين و القائمين فيه و تقبل منا ومنكم صالح الأعمال و كما أهنىء نفسي و أهنىء الأمة الإسلامية بهذا الموقع المتميز و الذي نجد فيه متنفسنا و ضالاتنا و مرجعاً للعلم الشرعي و غيره من العلوم و نشكر جميع القائمين على هذا العمل الرائع و للأمام قدماً و جزاكم الله خيراً عذراً على الإطالة و سؤالي كما يلي : طلب مني أحد الأصدقاء الأطباء أن أستفتي أحد العلماء الأجلاء في قضية هامة جداً و عاجلة بالنسبة إليه وهو أن له ابن عم فعل فاحشة الزنا بإحدى الباغيات فحملت منه و طلب ابن العم من الطبيب أن يعطيه ما يجهض تلك الفاجرة حتى لا يعلم والده بالأمر فتحدث له أزمة قلبية فأعطاه الطبيب دواءً يقضي على الجنين في بطن أمه و يجهضها علماً بأن الجنين لم(1/48)
يتجاوز الستة أو السبعة أسابيع فأفتونا في هذا الأمر و هل عليه دية أم لا و ما هو موقف كل طرف في الموضوع الشاب الذي زنى و الطبيب . و جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يخفى عليك عظم هذه الجريمة التي ارتكبها هذا الرجل وهي جريمة الزنا التي تعتبر في مصاف عظائم الكبائر فهي قرينة جريمة الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله قتلها قال الله تعالى (( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) سورة الإسراء وقال تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )) الفرقان . فيجب على هذا الرجل أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً ويكثر من الأعمال الصالحة والاستغفار . أما الطبيب الذي تعاون معه على الإجهاض فهو آثم مرتكب ما نهى الله سبحانه عنه حيث يقول ((ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )) المائدة . وذلك لأن الإجهاض محرم لا يجوز إلا إذا كان هنالك مبرر معتبر شرعاً مثل الخوف على حياة الأم ،وأما السبب الذي ذكرته فليس مبررا معتبرا شرعا . والخطير في هذه المسألة بالذات أن الإجهاض فيها تشجيع على الجريمة لأن المرأة إذا حلت هذه المشكلة بهذه الدرجة من السهولة شجعها ذلك على ارتكاب الجريمة مرات ومرات . أما الدية فلا دية على الشاب ولا على الطبيب على قول أكثر أهل العلم لأن الجنين في هذه المدة لم يتخلق بعد ، ولا ولي له يأخذ ديته فأمه شريكة في إجهاضه وعلى الجميع أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا ويكثروا من الاستغفار والأعمال الصالحة لعل الله تعالى يتوب عليهم ، والله تعالى أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
عنوان لا يجوز للمرء أن يتزوج من حملت منه بطريق الزنا حتى تضع حملها، ويتوبا من الزنى
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
شاب و شابة ارتكبا جريمة الزنى فحملت المرأة نتيجة لذلك. و يريد أهلهما أن يزوجوهما صيانة لعرض العائلة و الجنين.
1)فما هو الحكم الشرعي لهذا الزواج. 2)الحكم الشرعي للذين شاركوا في هده العملية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: لا يجوز لهذا الشاب أن يتزوج هذه الشابة حتى تضع الحمل الذي حملته من الزنا لكيلا يختلط ماء السفاح بماء النكاح ولأن هذا الجنين لا علاقة له بهذا الرجل الذي زنى بأمه من حيث النسب وما يترتب عليه، فلو تزوج بهذه المرأة قبل أن تضع لنسبه(1/49)
الناس إليه جهلا منهم بحقيقة الأمر فيترتب على ذلك أن هذا الولد سيدخل على محارم هذا الرجل وسيرثه، وهما لا علاقة بينهما كما أسلفت والغاية التي يريد أهل الشابين لا تبرر ذلك والجريمة لا تبرر الجريمة وصيانة عرض العائلة إنما تكون بالالتزام بشرع الله تعالى وحفظ ولاة الأمر فيها ما استرعاهم الله تعالى.
فعلى هذين الشابين أن يتوبا إلى الله تعالى توبة نصوحا ويكثرا من الاستغفار والأعمال الصالحة ، وكذلك كل من شاركهم في هذه العملية.
فالحاصل أن المرأة إذا وضعت حملها وأحسنت التوبة إلى الله فلهذا الشاب أن يتزوجها إن شاء وليس له أن يستلحق هذا الولد به بل الواجب أن لا يعزى له لأنه ليس أباه شرعا ، والمعدوم شرعاً كالمعدوم حساً. يقول الله جل وعلا : (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم) [ الأحزاب : 5 ] .
والله أعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا يرث ابن الزنا من الرجل الذي زنا بأمه
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل يجوز لابن الزنا الذي اعترف به والده شرعا أن يرث من مال أبيه؟ وجزاكم الله عنا كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: لا يرث ابن الزنا من الرجل الذي زنى بأمه سواء اعترف الرجل بذلك أم لم يعترف. لأن أبوته له غير معتبرة شرعاً فهي معدومة. والله اعلم
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
لا يجوز لابن الزنا أن يتزوج من ابنة أبيه
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل يجوز لابن الزنا بعد أن اعترف به والده شرعاً أنه ولده أن يتزوج من بنات أبيه جزاكم الله عنا الخير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: لا يجوز لابن الزنا أن يتزوج من ابنة أبيه سواء أكانت بنتا شرعية أو غير شرعية لأنهما من ماء واحد ، و إن كان ابن الزنا ليس له حقوق على أبيه من الزنا كنفقة وميراث وغير ذلك والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــــ
جريمة الزنا تؤرّق ليلها وهي حزينة من أجل الولد(1/50)
سؤال:
السؤال : كنت فتاة على الموضة حتى قابلت زوجي وأرشدني إلى الإسلام والحمد لله . وقعت في الزنا ولم يكن يخطر ببالي أبدا أنه بذلك السوء وهذا ما جعلني اقضي ليالي بدون نوم ( كنت اقضي بعضها بالدعاء)
اشعر أن الله لن يغفر لي بسبب كثرة ذنوبي .
حملت من زوجي ونحن مازلنا في فترة الخطوبة ، عمر الطفل الآن 7 سنوات انه ولد زنى
فهل سيُغفر لي على الإطلاق .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
أولا : من تاب تاب الله عليه .
ثانيا : إذا حصل الحمل والولادة قبل العقد الشّرعي فالولد يُنسب للأم الزانية وليس للزاني . وهذا الولد له حقوق شرعية ولا بدّ من إحسان تربيته .
ثالثا : إياك أن تيأسي من رحمة الله أو تقولي لن يغفر الله لي فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . وما دمت قد تبت فعليك برجاء رحمة الله ومغفرته.
رابعا : ستجدين الجواب المفصّل عن التوبة من الزنا وكل ما يريحك بإذن الله في كتاب " أريد أن أتوب ولكن .. " وهو منشور في ركن الكتب من هذا الموقع .
خامسا : علاج ما مضى بالتوبة ، وعليك من الآن فصاعدا بالإكثار من فعل الحسنات لأنّ الحسنات يُذهبن السيئات ويرفعن الدرجات ، ونسأل الله أن يغفر ذنبك وأن يثبتكِ على دينه ونرجو لك مستقبلا حافلا بالطاعات ، وصلى الله على نبينا محمد
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
اعترف له والداه أنه من الزنا فكيف ينتسب
سؤال:
والداي يعتقدان بأني من الزنى ، فاسم من أحمل ومن هم أهلي ؟.
الجواب:
الحمد لله
توجهنا بهذا السؤال إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فكتب إلينا ما يلي :
الصحيح أن ولد الزنى ليس عليه إثم من جناية أبويه حيث أنه لم يحدث منه معصية في هذا الأمر وإنما الإثم على والديه وعلى هذا فله أن ينتسب إلى أبيه الذي اعترف بأنه منه حتى يحصل على الانتماء إلى دولته ( بالوثائق الرسمية ) وله أن ينتسب إلى أمه التي ولدته فإنها هي عَصَبته ثم ينتسب إلى قبيلتها ودولتها وعليه أن يصلح(1/51)
عمله ويستقيم في سلوكه وديانته الإسلامية ولا يضره ما حصل من أبويه فإن من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه ، والله أعلم .
الشيخ عبد الله بن جبرين
ـــــــــــــــــــــ
هل يزيل ولد الزنا الخلوة بين الزانيين
سؤال:
السؤال :
هل تزال الخلوة بين الزانيين بوجود ابنهما من الزنا ؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عرضنا السؤال على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين فأجاب مشكورا :
تزول الخلوة بينهما بوجود ثالث معهما سواء كان منهما أو من غيرهما وسواء كان ولد زنا أو ولد رشدة ( أي من نكاح صحيح ) بشرط أن يكون مميزا عاقلا وأن تُؤمن الفتنة وأن تكون المرأة بالحجاب الكامل .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
إلحاق ولد الزنا بأمه
سؤال:
كنت أقرأ في موقعك ومر بي شئ لا أراه معقولا . تحت عنوان (التوبة) والوضع الشرعي الطفل. كتب المؤلف (الشيخ) بأنه ليس من مسئولية والد الطفل (الزاني) أن يربي أو يرعى الطفل بأي شكل من الأشكال وأن العبء يقع على الأم. هل من الممكن أن تقدم الدليل على هذه العبارة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً : أحكام الله كلها عدل ، و أقواله كلها صدق ( و تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً ) صدقاً في الأقوال وعدلاً في الأحكام , و الأصول الدينية والضوابط الشرعية الثابتة في الكتاب و السنة وما أجمع عليه العلماء ليست مجالا للشكّ ولا تقبل المناقشة عند المسلم المستسلم لله .
ومرجع المسلم في الأحكام الشّرعية هو الكتاب والسنّة وفهم العلماء الثقات للكتاب والسنّة وليس ما يخطر بباله أو يستحسنه بعقله ولكنّ الإنسان قد تعرض له شبهة تدفعه للبحث عن الحكم الشرعي كما حصل لك أيها الأخ السائل فتعال بنا نرجع إلى الشريعة وكلام العلماء :
عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ(1/52)
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ وَلا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ
نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ * رواه مسلم رقم 1695
يُؤخذ من هذا الحديث أنّ أولى الناس بحضانة ابن الزنا هي أمه لأنها أقرب الناس إليه ولما جُبلت عليه الأم من الشفقة على مولودها وهو أمر مشاهد لا يُنكره أحد لكن ليس ذلك على سبيل الإلزام فإن تخلّت عنه كان على وليّ أمر المسلمين أن يهيّئ له مرضعة وحاضنة ومن يقوم بأمره .
ثانياً : أن من رحمة الله تعالى و كمال عدله أنه لم يُحمل الولد من الزنى معرَّة جناية والديه ، و بالتالي فإنه يحكم له بالحرية و له حق الرعاية حتى يشب و يصير قادراً على الكسب .
ثالثاً : لا يخفى أن الأم لا يلزمها شرعاً تجاه ولدها الشرعي نفقة و لا رضاع و لا حضانة . أما النفقة فهي من واجبات الأب ، و أما الرضاع فإنه يكون المنظور فيه مصلحة الزوج ، أو الأم أو الولد . و على كل الأحوال فلو امتنعت من إرضاعه ، أو طلبت الأجر على ذلك كان لها حق في هذا كله و يكون على الأب أن يسترضع لولده لأن ذلك على الأب وحده و ليس له أن يجبر الأم على ذلك .
و الله يقول : ( و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ... ) الآية . هذا في حال التراخي ، أما في حال التعاسر فقد قال تعالى : ( و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى )
أما الحضانة فإن الأم أحق بها من غيرها نظراً لعظم شفقتها على الولد ، لكن لو أسقطت حقها في ذلك فإنه يسقط ، و تنتقل الحضانة إلى غيرها من جدة أو غيرها على خلاف مدوَّن في محله في كتب الفقه .
فإذا كان ذلك كذلك بالنسبة للولد الشرعي فإن الولد من الزنى أحرى أن لا يلزمها نحوه رضاع و لا حضانة ... إلا إن خيف هلاكه . و إنما يتحمل أعباء ذلك من بسط الله يده من أهل الولايات أو من يقوم مقامهم .
و بهذا ينجلي الإشكال . و الله أعلم .
الولد للفراش وللعاهر الحجر :(1/53)
جاء في الحديث النبوي الذي أخرجه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " وقال الإمام النووي : العاهر هو الزاني ، ومعنى " وللعاهر الحجر " أي له الخيبة ولا حق في الولد ، وعادة العرب أن تقول : له الحجر ، يريدون بذلك ليس له إلا الخيبة .
لا يثبت نسب الولد من الزنى :
وبناء على الحديث النبوي الشريف : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فقال الفقهاء بعدم ثبوت نسب الولد من الزنى ، أي لا يثبت نسبه من الواطئ الزاني ، ولا يلحق به بذلك قال الفقهاء .
من أقوال الفقهاء في عدم نسب الولد من الزنى :
أولاً : قال ابن حزم الظاهري : " نفى صلى الله عليه وسلم أولاد الزنى جملة بقوله عليه الصلاة والسلام " وللعاهر الحجر " فالعاهر - أي الزاني - عليه الحد فلا يلحق به الولد ، والولد يلحق بالمرأة إذا أتت به ، ولا يلحق بالرجل ، ويرث أمه وترثه ، لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل "
ثانياً : ومن فقه المالكية : " إن ماء الزاني فاسد ، ولذا لا يلحق به الولد " .
ثالثاً : من فقه الحنفية : " أقر أنه زنى بامرأة حرة وأن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة فإن النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله عليه الصلاة والسلام : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حظ الزاني الحجر فقط ، والمراد هنا أنه لا حظّ للعاهر من النسب ... "
الولد من الزنى يلحق بالمرأة الزانية :
والولد من الزنى لا يلحق بالرجل الزاني كما ذكرنا ، ولكن يلحق بالمرأة الزانية التي ولدته إذا ثبت ولادتها له ، فقد جاء في " المبسوط " للسرخسي : " أقرَّ أنه زنى بامرأة حرة وإن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة ، فغن النسب لا يثبت من واحد لقوله صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ولا فراش للزاني ... فإن شهدت القابلة -أي شهدت بولادتها - ثبت بذلك نسب الولد من المرأة دون الرجل ، لأن ثبوت النسب منها بالولادة وذلك يظهر بشهادة القابلة ؛ لأن انفصال الولد عنها معاين فلهذا ثبت النسب منها "
زواج الزاني بمزنيته وأثره في نسب الولد :
جاء في " الفتاوى الهندية " في فقه الحنفية : " ولو زنى بامرأة فحملت ثم تزوجها فولدت ، إن جاءت به لستة أشهر فصاعداً ثبت نسبه منه ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه إلا أن يدعيه - أي يدعي أن هذا الولد ابنه - ولم يقل أنه من الزنى ، أما إن قال إنه مني من الزنى فلا يثبت نسبه ولا يرث منه " .
جاء في " المغني " لابن قدامة الحنبلي : " ولد الملاعنة يلحق الملاعن إذا استلحقه ، وولد الزنى لا يلحق الزاني - أي لا يلحق الزاني ولد الزنى إذا استلحقه - في قول الجمهور .
والراجح أن ولد الزنى لا يثبت نسبه من الزاني سواء تزوج بمزنيته وهي حامل فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت عقد النكاح ، أو لم يتزوجها وجاءت بولد ، ولكن إذا استلحقه بأن ادّعاه ولم يقل أنه ولده من الزنى ، فإنه يثبت نسبه في أحكام(1/54)
الدنيا ، وكذلك لو تزوج بمزنيته وهي حامل منه من الزنى فجاءت بولد لأقل من أدنى مدّة الحمل وسكت أو ادّعاه ولم يقل إنه من الزنى ، فإن نسبه يثبت في أحكام الدنيا .
من كتاب المفصل في أحكام المرأة . ص 9/381 .
ـــــــــــــــــــــ
حكم ولد الزنا
سؤال:
هل يدخل ولد الزنا الجنة إن أطاع الله ؟ وهل عليه أثم أو لا ؟
الجواب:
الحمد لله
ولد الزنا لا يلحقه إثم من جراء زنا والديه وما ارتكبا من جريمة الزنا ، لأن ذلك ليس من كسبه ، بل إثمهما على أنفسهما ، لقوله تعالى : ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) وقوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وشأنه في مصيره شأن غيره ، فإن أطاع الله وعمل الصالحات ومات على الإسلام فله الجنة ، وإن عصى الله ومات على الكفر فهو من أهل النار ، وإن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ومات مسلماً فأمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عاقبه ومآله إلى الجنة بفضل من الله ورحمته ، وأما الحديث الوارد في أنه لا يدخل الجنة ولد زنا فموضوع ( مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ) ، والله أعلم .
فتاوى إسلامية للجنة الدائمة 5/22
ـــــــــــــــــــــ
المسؤولية تجاه ولد الزنا
سؤال:
السؤال :
قبل اعتناقي للإسلام ارتكبت فاحشة الزنا مع امرأة متزوجة ونتج عن ذلك طفل. وقد أخبر زوج المرأة بالحقيقة وهو على علم أن الطفل ليس ابنه، ولكنه يريد الاحتفاظ بالطفل وبزوجته. وهو لا يريد أن يفعل أي شئ لي حسبما فهمت ويأمل أن أبقى بعيدا عن ابني الذي أراه نادرا وهو لا يعرف من أنا.
الطفل عمره تقريبا ثلاث سنوات وأنا أسلمت منذ ما يقارب سنتان.
ما هو حكم الاسلام في مثل هذه الحالة ؟
هل يمكنني اعتبار الطفل ابني ؟
علما بأن المرأة وزوجها كافران .
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
الإسلام يمحو ما كان قبله وبعد أن هداك الله فإنّه ليس عليك من وزر ما مضى شيء ، والقاعدة الشّرعية أنّ الولد للفراش ويتبع الزّوج إلا إذا تبرّأ منه ، وعلى كلّ حال فإنّ ذلك الطّفل لا يُعتبر ولدا لك ولا تتعلّق بك أية مسؤولية تجاهه ، فابدأ أنت(1/55)
حياة زوجية شرعية والله يتوب عليك ويتولاك بحفظه . و قد سبقت الإجابة عن سؤال مشابه برقم (117) .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
زنت وتريد إجهاض الجنين
سؤال:
يوجد امرأة كانت متزوجة وعندها ثلاثة أولاد وزوجها توفى من ثلاث سنوات وتعرفت على شاب وكان بينهما علاقة في الحرام ونتج عن هذه العلاقة جنين عمره حوالي شهر ونصف
وبعد ما علمنا ذلك كتبنا عليها عرفي بحيث يكون تخفيف الحساب عند الله وعند أولادها لما يعرفوا أنها تزوجت
للعلم الجنين تكون بدون زواج ، فهل هذا زنا أو هي تزوجت ؟
ونزول الجنين في الحالة هذه حرام أم حلال ؟ ومن ستذهب معها لتنزيل الجنين أختها فهي محتارة إن كانت لو راحت معها لتنزيل الجنين فهي تستر عليها أو تشارك في ارتكاب جريمة ، وهى جريمة الزنا والإجهاض ؟.
الجواب:
الحمد لله
ما فعلته هذه المرأة هو الزنا الذي نهانا الله عنه بقوله : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) الإسراء/32 .
وما قمتم به من العقد العرفي لا يغير من الأمر شيئاً ، لأن الزنى وتكون الجنين حصل قبل هذا العقد .
ثم إن العقد العرفي الذي تعقد فيه المرأة النكاح لنفسها من غير علم وليها ولا حضوره لا يصح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود ( 2085 ) والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ) رواه أحمد ( 24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2709) .
وعلى هذا ، فهذا العقد الذي تم عليها لا حقيقة له ، ولا تكون زوجة لهذا الزاني بهذا العقد ، ولا يمكن أن يكون سبباً يخفف عنها الحساب عند الله ، بل هو معصية أخرى تضيفها إلى معصيتها الأولى .
وأما الإجهاض فهو جريمة ثالثة ، وإن كان بعض الفقهاء يرخص في إجهاض الحمل في مراحله الأولى ، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون لزانية ، لأن في ذلك تشجيعاً على الفاحشة ونشراً للرذيلة ، ومن قواعد الإسلام : أنه يحرم الفاحشة ، وكلَّ الطرق التي تؤدي إليها . وراجعي السؤال (13331) .(1/56)
وعلى هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة ، وتندم على ما فعلت ، وتصلح أعمالها ، فإن صدقت في توبتها فإن الله سيجعل له مخرجاً ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق/2 .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
حال ولد الزنا وحكم الزواج منه
سؤال:
هل صحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم حرم بشدة الزواج من ابن الزنا مع أن هذا الشخص قد يكون تقيا صالحا ؟.
الجواب:
الحمد لله
وردت أحاديث في ذم ولد الزنا ، ولكن أكثر هذه الأحاديث ضعيف لا يصح ، وقد روى أبو داود في سننه ( 4 / 39 ) وأحمد في المسند ( 2 / 311 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ولد الزنى شر الثلاثة " يعني أكثر شرا من والديه وممن حسنه ابن القيم في المنار المنيف ( 133 ) والألباني في السلسلة الصحيحة ( 672 )
وقد وجه العلماء الحديث بعدة توجيهات أشهرها :
ما قاله سفيان الثوري : بأنه شرّ الثلاثة إذا عمل بعمل والديه .
وقد روي ذلك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : :" هو أشر الثلاثة إذا عمل بعمل والديه . يعني ولد الزنا " وإن كان إسناده ضعيفا فقد حمله على هذا المعنى بعض السلف كما تقدم .
ويؤيد هذا التفسير ما رواه الحاكم ( 4 / 100 ) ـ بسند قال عنه الألباني : " يمكن تحسينه" ـ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء .( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) " .( السلسلة الصحيحة 2186 ) .
وبعض العلماء قال إن هذا الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر لأنهم يتخلقون من نطف خبيثة والنطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب . فإن خرج من هذه النطفة نفس طيبة دخلت الجنة ، وكان الحديث من العام المخصوص .( انظر المنار المنيف 133) .
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَوَلَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا دَخَلَ الْجَنَّةَ , وَإِلا جُوزِيَ بِعَمَلِهِ كَمَا يُجَازَى غَيْرُهُ , وَالْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ لا عَلَى النَّسَبِ . وَإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا , لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا . كَمَا تُحْمَدُ الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ , فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ , وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . الفتاوى الكبرى ( 5/83 ) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " ابن الزنا إذا مات على الإسلام يدخل الجنة ، ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك لأنه ليس من عمله ، وإنما من عمل غيره . وقد قال(1/57)
تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولعموم قوله تعالى : ( كل امرئ بما كسب رهين ) وما جاء في معنى ذلك من الآيات ، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنَّة ولد زنية " فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكره الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وهو من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم . وبالله التوفيق .ا.هـ
وأما ما يتعلق بحكم الزواج من ابن الزنا فلم ينص أحد من الفقهاء المعتبرين على تحريمه ، وإنما وقع الاختلاف عند الحنابلة في مدى كفاءته لذات النسب فمنهم من رأى أنه كفء لها ، ومنهم من لم ير ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها ،ويتعدى ذلك إلى ولدها . ( يراجع المغني 7 / 28 ) و ( الموسوعة الفقهية 34 / 282 ) .
وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن رجل زوج ابنته على شخص تبين أنه ولد زنا فما الحكم ؟ فأجاب سماحته :
" إذا كان مسلما فالنكاح صحيح ، لأنه ليس عليه من ذنب أمه ، ومن زنا بها شيء . لقول الله سبحانه : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . ولأنه لا عار عليه من عملهما إذا استقام على دين الله وتخلق بالأخلاق المرضية لقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس قال : أتقاهم .. وقال عليه الصلاة والسلام : " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " .. " ا.هـ من ( الفتاوى الإسلامية 3 / 166 ) . و الله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــــ
زنى بامرأة فهل له أن يتزوج بابنتها ؟
سؤال:
أنا رجل أبلغ من العمر ثلاثون عاماً ، وقد أغواني الشيطان وزنيت بامرأة ، وبفضل الله عليَّ ورحمته تبت إلى الله توبة نصوحا لعل الله يتقبلها منى ، وأنا إلى الآن لم أتزوج ، وقد قررت الزواج ، وقامت أمي بترشيح فتاة ما ، ولكن هذه الفتاه هي ابنة المرأة التي سبق وزنيت بها ( مع العلم بأن واقعة الزنا كانت منذ سنتين وأن هذه الابنة تبلغ من العمر الآن عشرون عاما) ، ولذلك أرجو الإفادة إن كان هذا الزواج محرَّما أم لا ؟ وأرجو من سيادتكم توضيح الأمر باستفاضة تامة.
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك ، واحرص على أن تكون توبة صادقة ؛ لأن جريمة الزنا إثمها عظيم ، ويترتب عليها مفاسد كثيرة ، والزاني المحصن يستحق الرجم حتى الموت ، وليس في الحدود ما هو أعظم من هذا ؛ وذلك لقبح هذه الجريمة وشناعتها .
والنصيحة لك ألاّ تنكِح هذه الفتاة ، لا لأن نكاحها محرم ، بل لأنك بهذا النكاح ستكون قريباً من أمها التي زنيت بها ، والقرب منها فيه تذكير لك بتلك الفاحشة(1/58)
الشنيعة ، ولعل الشيطان أن يوسوس لك ثانية ، ويزين لك المعصية فتقع فيها ، والبُعد عن مواطن الفاحشة والمعصية من تمام التوبة ، ويدل على ذلك حديث الذي قتل مائة نفس ، فإن العالِم دلَّه على ترك قريته لأن أهلها كانوا أهل شر وفساد , وهذا من تمام التوبة .
أما من حيث جواز نكاح تلك الفتاة : فقد وقع في هذه المسألة خلاف بين العلماء ، فالشافعي ومالك - في إحدى الروايتين عنه - يبيحون ذلك ، وأبو حنيفة وأحمد ومالك - في الرواية الأخرى - يحرمون هذا النكاح ، والراجح هو القول الأول .
قال ابن عبد البر :
واختلفوا في الرجل يزني بالمرأة هل يحل له نكاح ابنتها وأمها ، وكذلك لو زنا بالمرأة هل ينكحها ابنه أو ينكحها أبوه ، وهل الزنى في ذلك كله يحرم ما يحرم النكاح الصحيح أو النكاح الفاسد أم لا ؟
فقال مالك في " موطئه " : إن الزنى بالمرأة لا يحرم على من زنا بها نكاح ابنتها ولا نكاح أمها ، ومن زنا بأم امرأته لم تحرم عليه امرأته بل يقتل ولا يحرِّم الزنى شيئا بحرمة النكاح الحلال .
وهو قول ابن شهاب الزهري وربيعة ، وإليه ذهب الليث بن سعد والشافعي وأبو ثور وداود ، وروي ذلك عن ابن عباس وقال في ذلك : " لا يحرم الحرام الحلال " ... .
وذكر ابن القاسم عن مالك خلاف ما في " الموطأ " ، فقال : من زنا بأم امرأته فارق امرأته وهو عنده في حكم من نكح أم امرأته ودخل بها .
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي كلهم يقولون : من زنا بأم امرأته حرمت عليه امرأته .
قال سحنون : أصحاب مالك كلهم يخالفون ابن القاسم فيها ويذهبون إلى ما في " الموطأ " ...
والله عز وجل إنما حرم على المسلم تزوج أم امرأته وابنتها وكذلك إذا ملكت يمينه امرأة فوطئها بملك اليمين حرمت عليه أمها وابنتها
وكذلك ما وطىء أبوه بالنكاح وملك اليمين وما وطىء ابنه بذلك فدل على المعنى في ذلك الوطء الحلال ، والله المستعان
وقد أجمع هؤلاء الفقهاء - أهل الفتوى بالأمصار المسلمين - أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنا بها إذا استبرأها فنكاح أمها وابنتها أحرى ، وبالله التوفيق .
" الاستذكار " ( 5 / 463 ، 464 ) باختصار .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" القول الراجح : أن أم المزني بها ليست حراماً على الزاني ، وأن بنت المزني بها ليست حراماً على الزاني ؛ لأن الله تعالى قال : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) النساء/24 ، وفي قراءة أخرى : ( وأَحَلَّ لَكُم ما وَرَاء ذَلِكُم ) بالبناء للفاعل ، ولم يذكر الله عزّ وجل أم المزني بها وبنتها في المحرمات ، وإنما قال : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا(1/59)
دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) النساء/23 ، ومعلوم أن المزني بها ليست من نسائه قطعاً ؛ لأن نساءه زوجاته ، فإذا لم تكن من نسائه فإنه لا يصح أن يلحق السفاح بالنكاح الصحيح ، فإذا تاب من الزنا جاز له أن يتزوج أم المزني بها وبنتها " انتهى
" الشرح الممتع " ( 7 / 38 ، 39 ) .
والخلاصة : أن المسألة محل خلاف بين العلماء ، وأن الراجح جواز نكاح بنت المزني بها إذا لم تكن مخلقة من مائه ، والنصيحة لك : أن لا تتزوج لسببين :
احتياطاً ، لأنها محرمة عليك عند كثير من العلماء .
وحتى لا يكون زواجك بها سبباً للقرب من أمها والاتصال بها ، مما قد يكون سبباً لعودتك إلى المعصية التي تبت منها .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
إذا أسلم الكافر فما حكم أولاده من الزنا ؟
سؤال:
سائل يسأل عن مشكلة كبيرة تعترض معظم الذين يدخلون في الإسلام ، وهي أنهم قبل إسلامهم كانوا يزنون ، ونتج عن ذلك أولاد كثيرون ، فهل هؤلاء الأولاد الذين أتوا بهذه الطريقة لهم نفقة واجبة على آبائهم ، علماً أنه لم يكن هناك عقد بينهم وبين الأمهات ؟.
الجواب:
الحمد لله
هؤلاء الذين حصل منهم جماع في حال الكفر ، إن كانوا يعتقدون أن هذا الجماع حصل عن عقد يرونه صحيحاً - وإن كان باطلاً شرعاً - فالأولاد للرجل . مثال ذلك : إنسان وهو كافر اتفق مع امرأة على أن يكون زوجها فوافقت ، وكانوا يرون هذا عقداً ، ثم أسلم الرجل والمرأة فهنا نقول : هما على نكاحهما ، ولا يحتاج إلى تجديد العقد ، وما حصل بينهما من أولاد فهم لهما ، إلا إذا كانت الزوجة في حال الإسلام لا تحل للزوج ، كأن يكون مجوسياً وتزوج أخته - والمجوس يجوزون نكاح المحارم - فإن تزوج أخته في حال الكفر ثم أسلم ، وأسلمت هي الأخرى وجب التفريق بينهما ، لأن المرأة لا تحل للرجل ، فهؤلاء الجماعة الذين ذكرت نقول لهم : إذا كنتم تعتقدون أن ما حصل منكم من مواقعة هؤلاء النساء نكاح وعقد فليس هذا زنا ، والأولاد لكم ، وإن كنتم تعتقدون أنه زنا ، فإن استلحقتم هؤلاء الأولاد في حال الكفر فهم أيضاً أولادكم في حال الإسلام ، ما دام ليس لهم منازع ، وإن لم يستلحقوهم ، فإنهم لا يكونون أولاداً لهم .
وأما النفقة فتنبني على أننا إن حكمنا بأنهم أولاد لهم وجب عليهم الإنفاق عليهم ، وإن لم نحكم بذلك فليس عليهم نفقتهم .
فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
"لقاءات الباب المفتوح" (3/385-386) .
ومعنى الاستلحاق : أنه يجعله ابنا له وينسبه إليه .(1/60)
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
نسب ولد الزنا والأحكام المترتبة عليه
سؤال:
بعد مرور 32 عاما على ميلاد ابن زنا من أجنبية كتابية ، وهو شاب ذو أخلاق عالية وقلب طيب ، عندما بلغ 25 عاما أصبح يبحث عن والديه ، فوجد أمه ، ووجدني أنا الأب قبل أسبوع ، حيث ثبت بواسطة الحامض النووي dna على أنني الأب ، وقد تزوجت قبل 31 سنة من مسلمة ، وعندي منها بنت وولدان ، وعندي 4 أحفاد ، الحمد لله الذي هداني وعدت إلى مخافة الله ، وأنني ملتزم حيث إنني أصلي وأزكي واعتمرت وحجيت قبل 3 أعوام أنا وزوجتي ، نسأل الله الهداية والتوبة على الدوام .
أرجو إفادتي : هل هو محرم على زوجتي وابنتي ، هل هو أخ لأولادي ؟ هل أعتبره أحد أفراد العائلة ؟ أرجو شرح كل ما يتعلق بالموضوع .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنك ، وأن يوفقنا لحسن التوبة والإنابة إليه سبحانه ، وأن يرزقنا الذرية الصالحة الطيبة بمنه وفضله وكرمه .
واعلم أن التوبة والهداية خير ما يوفق له العبد في الدنيا ، وهي أعظم نعمة يمن الله تعالى بها علينا ، فالواجب شكر الله تعالى عليها ، والحرص على تجديدها ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد مائة مرة ، كما رواه مسلم ( 2702 ) .
ثانياً :
أما نسب الأبناء غير الشرعيين فقد فصل فيه الفقهاء تفصيلا واسعا فقالوا :
لا يخلو حال المزني بها من أحد أمرين :
1. أن تكون فراشاً : يعني أن تكون متزوجة : فكل ولد تأتي به حينئذ إنما ينسب للزوج وليس لأحد غيره ، ولو جَزَمت أنه من غيره ممن زنا بها ، إلا إذا تبرأ الزوج من هذا الولد بملاعنة الزوجة ، فحينئذ ينتفي نسب الولد عن الزوج ويلتحق بأمه وليس بالزاني .
2. أن تكون غير متزوجة : فإذا جاءت بولد من الزنا ، فقد اختلف العلماء في نسب هذا الولد ، هل ينسب إلى أبيه الزاني أو إلى أمه ، على قولين ، سبق ذكرهما وبيان أدلتهما في جواب السؤال رقم (33591) وانظر أيضا أجوبة الأسئلة : ( 117 ) و ( 2103 ) و ( 3625 ) .
وفيها : أن الراجح هو عدم صحة النسب من السفاح ، فلا يجوز نسبة ولد الزنا إلى الزاني ، إنما ينسب إلى أمه ، ولو بلغ القطع بأن هذا الولد لذلك الزاني المعين درجة اليقين .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 387 ) :(1/61)
" الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين ، فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان ، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد الزاني ، ولا يثبت نسبه إليه ، وعلى ذلك لا يرثه " . انتهى .
وجاء - أيضاً - في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 34 ) :
" أما ولد الزنا فيلحق نسبا بأمه ، وحكمه حكم سائر المسلمين إذا كانت أمه مسلمة ، ولا يؤاخذ ولا يعاب بجرم أمه ، ولا بجرم من زنا بها ، لقوله سبحانه : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) " انتهى .
ثالثاً :
معلوم أن إثبات النسب يتبعه الحديث عن الكثير من الأحكام : أحكام الرضاع ، والحضانة ، والولاية ، والنفقة ، والميراث ، والقصاص ، وحد السرقة ، والقذف ، والشهادة ، وغيرها .
ولما كان الراجح هو عدم ثبوت نسب ابن الزنا من الزاني ، فلا يثبت شيء من الأحكام السابقة على الأب غير الشرعي ، وإنما تتحمل الأم كثيراً منها .
ولكن يبقى للأب غير الشرعي ( الزاني ) قضية تحريم النكاح ، فإن الولد الناتج عن زناه يثبت بينه وبين أبيه وأرحام أبيه أحكام التحريم في النكاح في قول عامة أهل العلم .
قال ابن قدامة - رحمه الله - :
" ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه ، وأخته من الزنا ، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى .
" المغني " ( 7 / 485 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن بنت الزنا هل تزوج بأبيها ؟
فأجاب :
" الحمد لله ، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها ، وهو الصواب المقطوع به " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 134 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 36 / 210 ) :
" ويحرم على الإنسان أن يتزوّج بنته من الزّنا بصريح الآية : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ) لأنّها بنته حقيقةً ولغةً , ومخلوقة من مائه , ولهذا حرّم ابن الزّنا على أمّه .
وهذا هو رأي الحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة , والحنابلة " انتهى .
رابعاً :
وبناء على ما سبق فإن ابنك هذا من الزنا لا يجوز له أن ينكح بناتك ، فإنهن بمنزلة أخواته ، وكذلك زوجتك .
ولكن ذلك لا يعني أنه مَحرَمٌ لهن فنُجَوِّز له الخلوة بهن أو وضعهن الحجاب في حضرته ، فإن التحريم في النكاح لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها ، فهي حكم زائد لا يثبت إلا للمحارم الشرعيين ؛ فيجب التنبه لهذا .(1/62)
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
" الحرام المحض : وهو الزنا : يثبت به التحريم ، ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر " انتهى بتصرف .
" المغني " ( 7 / 482 ) .
ولا يمنع ذلك كله الإحسان إلى هذا الشاب ، ومعاملته بالحسنى ، والسعي في إسلامه وربطه بالعائلة ، على ألا ينسب إلى أبيه من الزنا ، ولا يتساهل في حجاب البنات في الأسرة عنه .
ونسأل الله لك الخير والتوفيق والرشاد .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
زنت وهي متزوجة فلمن ينسب الولد؟
سؤال:
استغفر الله وأتوب إليه لقد ارتكبت أعظم وأكبر الكبائر وهي الزنا وأنا متزوجة وحملت بطفلة والآن عمرها 6 سنوات ونسبت إلى زوجي ، لم أستطع أن أعترف لزوجي بالقذارة التي فعلتها، خفت على أهلي وابني منه وقد تبت إلى الله توبة نصوحة وتحجبت والتزمت بصلاتي، طلبت المغفرة والعفو من الله على هذا الجرم الذي ارتكبته فهل يغفر الله لي؟ ماذا أفعل حتى تكتمل توبتي أرجوكم أفيدوني هل أعترف لزوجي حتى يغفر الله لي؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك ، فإن الزنا ذنب عظيم ، وجرم كبير ، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج ، فبدلت نعمة الله كفرا ، وخانت زوجها ، ودنست عرضه ، ولوثت فراشه . ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت ، نكالا من الله عز وجل ، والله عزيز حكيم .
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده ، ويمهله ، ويدعوه للتوبة ، ويقبلها منه ، ويثيبه عليها ، فما أرحمه ، وما أعظمه ، وما أكرمه سبحانه وتعالى .
قال عز وجل : ) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك ، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك ، والله تعالى يتوب على من تاب .
وإن من مبشرات قبول التوبة أن يستر الله عبده ، ولا يفضحه ، وأن يمد له في العمر حتى يتقرب إليه ، ويصلح حاله معه ، ونحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والحجاب ، والطاعة والإنابة ، ولعل الله الكريم الرحيم أن يكون قد عفى عنك وغفر لك ، نسأل الله ذلك .(1/63)
وإذا كان الله قد سترك ، فلا تهتكي ستر الله عليك ، ولا تخبري زوجك ولا أحداً غيره بشيء مما كان ، وتوبتك هي الندم والاستقامة وإصلاح الأعمال .
وأما الولد ، فإنه ينسب لزوجك ، ولا ينتفي نسبه منه إلا إذا نفاه باللعان ، لأن الأصل أن الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : امرأة متزوجة زنت وهي في عصمة زوج، ومن ثم حملت ووضعت حملها بولد ذكرا كان أو أنثى ، فلمن يبقى معه ذلك الولد ، أيبقى مع زوجها بدليل الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أم لا ؟ وإن بقي مع زوج أمه الشرعي أيتبنى به ويحسبه كأحد أولاده في جميع الحقوق أم يكون عنده في ملكه فقط ، أما إذا لحقه بالعاهر أيحسبه بأولاده الحقيقي أم يمسكه معهم وهو لم يزل على حالة ولد زنا ؟
فأجابوا : "إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش ؛ للحديث الصحيح ، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي ، ولا يكون مملوكا لأحد بإجماع المسلمين ، وأما التبني فلا يجوز ولا يصير به الولد المتبنَّى ولدا لمن تبناه. وبالله التوفيق " انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/339) .
وينظر جواب السؤال رقم (85043) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــــ
الزواج من الحبلى بالزنا ... العنوان
هل يجوز الزواج ممن زنيت بها؟ ... السؤال
03/01/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... اختلف فى أنه هل يجوز نكاح الشخص من حبلى من الزنا إذا لم يكن هو الزانى بها فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى صحة هذا النكاح وإن حرم عليه الوطء ودواعيه وذهب أبو يوسف إلى أن النكاح غير صحيح والفتوى على قولهما كما فى رد المحتار عن القهستانى فى متن المحيط أما تزوجها ممن زنى بها فجائز اتفاقا كما يحل له وطؤها اتفاقا أيضا
ـــــــــــــــــــــ
الزواج بولد الزنا ... العنوان
أنا فتاة مسلمة وأودُّ الزواج من شاب أسلم حديثًا، ولكنه قال لي إن أبويه لم يتزوجا بعد. ماذا أفعل؟
... السؤال
أ.د سعاد صالح ... المفتي
... ... الحل ...
...(1/64)
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد..
هذا إقرار من هذا الشاب بأنه ولد زنا، وليس له نسبة إلى أبيه بدليل أنه يعترف أن أبويه لم يتزوجا حتى الآن، والمفروض أن الفتاة تبحث عن زوج له دين، ومن أسرة متدينة؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه"، فكيف يرى أبويه بدون زواج، ويسكت عن هذا المنكر، فذلك دليل على ضعف إيمانه، وضعف إسلامه، فالنصيحة هي الابتعاد عن الزواج من هذا الشاب؛ لأن الأصل في الزواج هو المصاهرة، وصلة الأرحام، والتواصل بين الأجيال، والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
نكاح الحامل من الزنا
المفتي
عبد المجيد سليم .
14 ربيع أول 1348 هجرية - 19 أغسطس 1929 م
المبادئ
يصح نكاح الرجل من المرأة التى زنا بها وحملت منه كما يحل له وطؤها إتفاقا أما إذا كان الحمل من زنا من غيره فيصح نكاحه لها ولكن يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى تضع حملها على القول المفتى به
السؤال
امرأة مات عنها زوجها وانقضت عدتها وهى غير حامل ولا محسة به ويأتيها الحيض فى كل شهر إلى انقضائه ثم بعد ذلك زنا بها رجل وأقرت بالزنا ثم تزوجت بآخر فى مدة الحمل من الزنا فهل يصح نكاحها والحالة هى ما ذكر سلفا أم لا
الجواب
اختلف فى أنه هل يجوز نكاح الشخص من حبلى من الزنا إذا لم يكن هو الزانى بها فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى صحة هذا النكاح وإن حرم عليه الوطء ودواعيه وذهب أبو يوسف إلى أن النكاح غير صحيح والفتوى على قولهما كما فى رد المحتار عن القهستانى فى متن المحيط أما تزوجها ممن زنى بها فجائز اتفاقا كما يحل له وطؤها اتفاقا أيضا فعلى قولهما يصح نكاح هذه المرأة ممن لم يزن بها ولكن يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى تضع حملها وهذا إذا كان الأمر كما ذكر بالسؤال واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــــ
لا يثبت نسب ولد الزنا من الرجل ولو ادعاه
المفتي
محمد بخيت .
صفر 1336 هجرية - 28 مخن نوفمبر 1917 م
المبادئ
1 - لا يحل للرجل غير المسلم معاشرة المرأة المسلمة بحال سواء كانت بعد أو بغيره .(1/65)
2 - ولد الزمنا لا يثبت نسه من الرجل ولو ادعاه أما المرأه فيثبت نسبه منها .
3 - المرتدط لا يرث من أحد لا من المسلم ولا من غير المسلم
السؤال
رجل مسيحى عاشر أمرأة مسلمة فحملت منه سفاحا ووضعت ولدا وبعد مضى إثنى عشر عاما تنصرت المرأة المذكورة واعتنقت الدين المسيحى .
فعقد عليها الرجل المذكور وتزوجها بواسطة أحد رجال الكنيسة ثم توفيت الزوجة .
وتوفى زوجها بعدها . فهل يرث الإبن الذى أنجبته سفاحا من الرجل المذكور على فرض أنه اعترف ببنوته يوم أن عقد عليها وهى مسيحية أم لا
الجواب
نفيد أنه حيث كانت هذه المرأة مسلمة والرجل المذكور غير مسلم فلا يحل له معاشرتها بحال سواء كان بعقد أو بغيره .
وحينئذ يكون الولد المذكور ابن سفاح يثبت نسبه من ذلك الرجل ولو ادعاه وإن ثبت نسبه من هذه المرأة لما قاله فى الهندية بصحيفة 138 جزء رابع ونصه ( إذا زنى رجل بامرأة فجاءت بولد .
فادعاه الزانى لم يثبت نسبه منه .
وأما المرأة فيثبت نسبه منها ) . ومع ما ذكر فإن هناك مانعا آخر من الإرث غير عدم ثبوت النسب وهو أن ذلك الولد ثابت النسب من أمه المذكورة وهى حين ولادته كانت مسلمة كما يعلم من السؤال فيتبعها فى الإسلام إلى أن يبلغ فإن بلغ وبقى مسلما فهو لا يرث من ذلك الرجل لاختلاف الدين واختلاف الدين مانع شرعا من الإرث كما نص على ذلك فى جميع كتب المذهب وفى مادة (587) من كتاب الأحوال الشخصية - وإن اعتنق دينا غير دين الإسلام كان مرتدا والمرتد لا يرث من أحد لا من المسلم ولا من غير المسلم كما هو المنصوص عليه شرعا فى جميع كتب المذهب .
ومن ذلك يعلم أن الولد المذكور لا يرث من ذلك الرجل أولا لعدم ثبوت النسب منه ولو ادعاه .
وثانيا لاختلاف الدين إن كان مسلما وقت وفاة الرجل المذكور أو لكونه مرتدا إن لم يكن مسلما وقت وفاة ذلك الرجل
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا وميراثه
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
ذى الحجة 1342 هجرية - 8 يوليو 1924 م
المبادئ
1 - لا يثبت نسب من ولد من سفاح ولا يرث من الزانى بأمه مادامت قد أقرت بزناها منه لانعدام سبب الميراث .
2 - يتوارث هذا الولد مع أمه وقاربتها
السؤال(1/66)
عاشر ب .
امرأة عشرة غير شرعية ثم هجرها فرفعت عليه دعوى تقول إنها قد رزقت منه سفاحا بغلام وطلبت له نفقة وقد حكم المحاكم العثمانية لب .
بأن الولد ليس منه وأنه ابن رجل آخر ادعى أنه زوج المرأة - والمحاكم المصرية الهلية نظرت دعوى النفقة باعتبار أنها مختصة بالفصل فيها لأن العلاقة بين بكر والمرأة غير شرعية والولد نتيجة هذه العلاقة وقضت عليه بدفع النفقة للولد حتى يبلغ سن الرشد .
فهل يثبت نسب الولد إلى بكر وهل يرث الولد منه
الجواب
إذا كانت أم الولد المذكور بالسؤال أتت به من سفاح فإنه لا يثبت نسبه من الرجل الذى سافح أمه وحينئذ فلا يرثه لعدم وجود سبب من أسباب الميراث وإنما يتوارث هو وأمه وقراتها .
قال فى متن التنوير وشرحه ما نصه (ويرث ولد الزنا واللعان بجهة الأم فقط لما قدمناه فى العصبات أنه لا أب لهما) هذا هو الحكم فى الشريعة الغراء واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــــ
يرث ولد الزنا من أمه
المفتي
محمد عبده .
ربيع أول 1322 هجرية
المبادئ
ولد الزنا واللعان يرث من جهة أمه فقط
السؤال
امرأة مسيحية ماتت عن أم وابن وبنتين شرعيين .
وعن بنت ولدتها من الزنا .
فهل ترث البنت من الزنا كبقية أولادها الشرعيين
الجواب
صرح فى البحر من كتاب الفرائض بما يفيد إرث ولد الزنا واللعان من الأم .
حيث قال ويرث ولد الزنا واللعان من جهة الأم فقط .
لأن نسبة من جهة الأب منقطع . فى يرثه به . ومن جهة الأم ثابت فيرث به أمه وأخته من الأم بالفرض لا غير، وكذا ترثه أمه وأخته من أمه فرضا لا غير - انتهى - .
وعلى ذلك تكون هذه البنت التى من الزنا وارثة لأمها المذكورة، واللّه أعلم
ـــــــــــــــــــــ
ميراث ولد الزنا واللعان
المفتي
عبد الرحمن قراعة .
محرم 1343 هجرية 9 أغسطس 1924م(1/67)
المبادئ
يرث ولد الزنا واللعان بجهة الأم فقط لأنه لا أب لهما
السؤال
وطىء زيد هندا بلا عقد نكاح .
فحملت منه ووضعت عمروا ثم مات زيد فهل يكون عمرو المذكور وارثا من أرباب الفروض الشرعية لزيد حالما كان وجوده نتيجة سفاح وفحش وحالما كانت هند المرقومة غير وارثة لأنها ليست بزوجة شرعية .
فهل يجوز أن يرث عمرو مع سقوط والدته من الإرث وذلك من قبيل إذا سقط الأصل سقط الفرع
الجواب
لا يرث هذا الولد من الرجل الذى أتت منه الأم بهذا الولد سفاحا ولا بواسطته، لأنه والحالة هذه ليس أبا له، وإنما يتوارث هذا الولد مع أمه وقرابتها .
قال فى متن التنوير وشرحه ما نصه (وبرث ولد الزنا واللعان بجهة الأم فقط لما قد مناه فى العصبات أنه لا أب لهما) انتهى
ـــــــــــــــــــــ
ميراث ولد الزنا من أمه وقرابتها
المفتي
محمد عبده .
ربيع الأول سنة 1322 هجرية
المبادئ
يرث ولد الزنا من أمه وقرابتها كما يرثون فيه
السؤال
بإفادة واردة من جانب نايب بطركخانة اللكدان بمصر مؤرخة فى 20 مايو سنة 1904 رقم 535 مضمونها أن امرأة ماتت عن أم وابن وبنتين شرعيتين وبنت ولدتها من الزنا .
فهل ترث هذه الأخيرة أمها كبقية أولادها الشرعيين .
أفيدوا الجواب ولكم الثواب
الجواب
صرح فى البحر من كتاب الفرائض بما يفيد إرث ولد الزنا واللعان من الأم حيث قال ( ويرث ولد الزنا واللعان من جهة الأم فقط لأن نسبه من جهة الأب منقطع فلا يرثه به ومن جهة الأم ثابت فيرث به أمه واخته من الأم بالفرض لا غير وكذا ترثه أمه وأخته من أمه فرضا لا غير ) .
وعلى ذلك تكون هذه البنت التى من الزنا وارثة لأمها المذكورة والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
حكم ماء الزنا
المفتي
بكرى الصدفى .(1/68)
جمادى الأولى 1325 هجرية
المبادئ
1 - ماء الزنا لا اعتبار له شرعا فلا يثبت به نسب .
2 - الإقرار بنسب ولد مع ذكر أنه من الزنا لا يعتد به ولا يثبت النسب .
3 - إذا ادعى نسب هذا الولد غليه من ذلك فلا يقبل ذلك منه لقطع نسبه منه شرعا قبل ذلك
السؤال
فى رجل مسلم وجد عنده امرأة نصرانية وعاشرها دون يعقد عليها وأنجب منها بنين وبنات ثم توفى هذا الرجل المسلم وترك ما يخصه فى وقف وقدره ثمانية أفدنة فهل هؤلاء الأولاد يكون لهم استحقاق فى ذلك الوقف المذكور بعد وفاة ذلك الرجل المسلم
الجواب
صرح العلماء بأن ماء الزنا لا اعتبار له فلا يثبت به النسب .
فإذا قال الشخص المذكور إن الأولاد المذكورين أولادى من الزنا لا يثبت نسبهم منه ولا يجوز له أن يدعيهم لأن الشرع قطع نسبهم منه فلا يحل له استلحاقهم به فلا يكون لهم شىء فى ريع الوقف المذكور فى هذه الحادثة حيث كان الأمر كما ذكر فى السؤال واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا لا يثبت نسبه
المفتي
علام نصار .
ربيع الثانى 1370 هجرية - 28 يناير 1951 م
المبادئ
1- قبول الإقرار بالنسب مبنى على احتمال تخلق الولد من نكاح أو وطء بشبهة .
2- الزنا لا يصلح سببا لثبوت النسب ولو ادعاه الزانى .
3- إقرار الرجل بالنسب وقيد الولود باسمه بواسطته لا يعتد به بعد إقراره بأنه من زنا
السؤال
بكتاب نيابة الأزبكية رقم 7511 المؤرخ 19 يوليه سنة 1950 المرفق به المذكرة الخاصة بالجناية رقم 1671 سنة 1949 جنايات الأزبكية المتضمن أن امرأة مسلمة غير متزوجة اتصلت بشخص مسيحى متزوج وعاشرها فحملت، وفى يوم 13 يونية سنة 1948 وضعت مولودة ثم التجأت المرأة إلى شخص مقيم فى منزلها طالبة منه قيد الطفلة فى دفتر قيد المواليد، فقبل وقام بالتبليغ وقرر أنه والد المولودة، وبسؤال المرأة قررت أنها حملت بالطفلة من الشخص المسيحى، وبسؤال المسيحى أقر باتصاله بالمرأة وأنها حملت أثناء المعاشرة لها .(1/69)
ومن الجائز أن تكون هذه المولودة نتيجة تلك المعاشرة، وبسؤال الشخص الذى قيدها قرر أن المرأة هى التى طلبت منه تبنى هذه المولودة فقبل وقام بقيدها بدفتر المواليد، وذكر أن هذه المولودة ليست ابنته وأنه لا يعرف والدها الحقيقى .
وطلب الإفادة عما يأتى : 1- حكم هذه المولودة شرعا .
2- هل للشخص الذى قيدها أن يستحق مثل هذه المولودة فيثبت فى دفتر المواليد أنه والدها، أم أن مثل هذه المولودة تعتبر مقطوعة النسب فلا تستلحق وما قيمة الإقرار فى دفتر المواليد شرعا
الجواب
نفيد أن المنصوص عليه شرعا أن الإقرار بالولد إنما يصح شرعا ويثبت به النسب إذا كان الولد مجهول النسب ويولد مثله لمثل المقر ويصدق المقر فى ذلك إن كان من أهل التعبير عن نفسه .
وأن الزنا لا يصلح سببا لثبوت النسب .
وأنه إذا صرح به لا يثبت النسب ولو ادعاه الزانى - ومعنى هذا أن قبول الإقرار بالنسب فيما ذكر مبنى على احتمال تخلق الولد من نكاح أو وطء بشبهة - أما إذا تمخض الزنا سببا فلا يثبت به النسب - وعلى ذلك فالجواب عن السؤال الأول أن هذه المولودة لا يثبت نسبها من المسيحى، لأن وطأه لأمها محض زنا، كما روته مذكرة النيابة على لسانها، والزنا لا يثبت به نسب لاسيما من مسيحى وعن الثانى أن استلحاق الشخص الذى قيد هذه المولودة لنفسه غير مقبول شرعا، ولا يثبت به نسب البنت منه لتصريح أمها بأنها من الزنا، وتصريحه هو بأنها ليست بنته، وإنما أراد إنقاذ أمها من عثرتها وظهور أمرها بأن يتبنى البنت وإن لم تكن له - فالمصرح به أولا وآخرا أن البنت ليست من هذا الشخص، وبمثله لا يثبت النسب شرعا - لما سبق تقريره فى النصوص الشرعية .
والجواب عن السؤال الثالث أنه لا قيمة لإقراره بنسبة البنت إليه وقيدها باسمه فى دفتر المواليد للأسباب السابق ذكرها .
والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
ماء الزنا لا حرمة له
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
هل صحيح أن الإنسان لو زنى بامرأة فولدت منه بنتا يجوز له أن يتزوج هذه البنت وأنه من زنى بأخت زوجته حرمت عليه زوجته ؟
الجواب(1/70)
يقول النبى صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخارى ومسلم . جمهور الفقهاء على أن الزنا لا يثبت به نسب الولد للزانى ، بل ينسب إلى أمه بالولادة ، وعليه فيجوز للزانى أن يتزوج من البنت التى نتجت من زناه ، ويرى الحسن البصرى أن الولد ينسب إلى الزانى ، وتحمس ابن القيم لهذا الرأى قائلا : إن القياس الصحيح يقتضيه ، فإن الأب أحد الزانيين ، وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها ، ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زانية به ، وشد وجد الولد من ماء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا على أنه ابنهما-فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدَّعه غيره ؟ فهذا محض القياس ، وكان الشافعى يقول بذلك فى مذهبه القديم . أما فى الجديد فماء الزنا لا حرمة له ولا يثبت به نسب .
"زاد المعاد ج 4 ص 173 " وما بعدها وتفسير القرطبى ج 5ص114 " والأدلة والمناقشة متوفرة فيهما .
ومن زنى بأخت زوجته أو أمها أو بنتها لا تحرم عليه زوجته عند جمهور الفقهاء وعقد النكاح باق على صحته ، لأن النكاح الذى يحرم ذلك هو النكاح القائم على العقد الصحيح ، وليس مجرد الوطء ، ولأن الزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث ، وقال به ابن عباس فى رواية وعن سعيد بن المسيب وعروه والزهرى فقد أجازوا أن يقيم الرجل مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها ، قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزانى تزوج من زنى بها فنكاح أمها أو أختها أجوز ، أى أولى بالجواز. وقال الزهرى : قال على : لا يحرم .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها ، وقال به أحمد، وهو رواية عن مالك . ورواية عن ابن عباس لكن الرواية ضعيفة : ففى حديث أخرجه ابن أبى شيبة "من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها" وإسناده مجهول كما قال البيهقى . وهؤلاء عمموا فى التحريم الخلوة والقبلة بشهوة " فتح البارى ج 9 ص 57 "
ـــــــــــــــــــــ
رعاية ولد الزنا
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا رأيت طفلا ملقى فى مكان مجهول هل أتركه أم آخذ5 ؟
الجواب
يغلب أن تلقى المرأة بولدها إن كان من زنا فى شارع أو مكان ليموت بعيدا عنها أو يأخذه إنسان يربيه ، ومعلوم أن الزنا من أكبر الفواحش والموبقات التى أجمعت الأديان على تحريمها ، والذى يرتكب هذه الفاحشة عامدا متعمدا يكفر إن اعتقد أنها حلال ، لأن حرمتها معلومة من الدين بالضرورة ، ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع(1/71)
أما ارتكابها مع اعتقاد حرمتها فهو عصيان لا يخرج من الدين وعقوبتها الجلد مائة إن كان لم يسبق للزانى زواج أى غير محصن ، والرجم إن سبق له زواج أى كان محصنا .
والذى يتحمل تبعة هذه الفاحشة هو من وقع فيها ، أما الولد الناتج منها فلا مسئولية عليه ، لأنه لا يد له فيها ولم يوجد بعد حتى يكلف ، وهو إن أحسنت تربيته ربما نشأ مستقيما ، وإن أهمل بأى نوع من الإهمال تعرض للموت أو الانحراف ، شأن كل اللقطاء الذين لا يهتم بتربيتهم .
وإذا تخلص من ارتكب . هذه الفاحشة من ثمرة جريمته بإلقائه فى شارع أو مكان خال وجب التقاطه إن كان حيا، ووجب على المسلمين الذين تمثلهم السلطة أن يرعوا هؤلاء اللقطاء . ويحرم عليهم تركهم يتعرضون للموت أو الانحراف، فقد تكون منهم شخصيات بارزة تفيد منهم الإنسانية .
والدليل على وجوب حماية اللقيط أو المولود من زنى حادث المرأة الجهنية التى حملت من سفاح ، وطلبت من النبى صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحد وهى حامل فأرجأه حتى تضع الجنين ، بل حتى ترضعه ويفطم ويستغنى عنها ، كما رواه مسلم .
وقد قرر الفقهاء وجوب التقاطه بناء على قوله تعالى{ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} المائدة : 32 إلى جانب الأمر بعمل الخير فى قوله تعالى {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } الحج : 77 والأمر بالتعاون على البر فى قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} المائدة : 2 .
بل احتاط الإسلام فى رعاية هذا المنبوذ فاشترط الفقهاء فى لاقطه أو من يرعاه أن يكون صالحا لرعايته ، أمينا رشيدا حسن السلوك ، وقرروا له نفقة تكفى لرعايته رعاية حسنة، وحرموا رميه بأنه ابن زنا، فإنه لا ذنب له فى ذلك ، وقرروا بناء على الحديث ضم ولد الملاعنة التى رماها زوجها بالزنا ونفى الولد عنه - إلى أمه ، وذلك مظهر من مظاهر رعايته وعدم إهماله .
وجاء فى كتاب "كشف الغمة" للشعرانى ج 2 ص 138 : لما تلاعن هلال وزوجته قضى النبى صلى الله عليه وسلم ألا يرمى ولدها -يعنى لا يقذف بأنه ابن زنا ومن رماه فعليه الحد . قال عكرمة : فكان الولد بعد ذلك أميرا على مصر-أى على بلد من البلاد- وما يدعى إلا لأمه .
"يراجع الجزء الرابع من موسوعة : الأسرة تحت رعاية الإسلام "
ـــــــــــــــــــــ
حكمة تحريم الزنا
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال(1/72)
يقول بعض الناس إذا كانت الحكمة من تحريم الزنا هى المحافظة على الأنساب من اختلاطها فهل يظل محرما إذا أمكنت السيطرة على الحمل بمنعه بالوسائل الحديثة، أو يجوز لأى شخص أن يباشر أية امرأة مع وجود هذه الموانع ؟
الجواب
يقول الله سبحانه : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} الإِسراء : 32 إن الزنا هو مباشرة الرجل لامرأة بغير عقد زواج صحيح ، وقد سمَّاه الله فاحشة والفواحش هى كبائر الذنوب ، كما ذمه سبيلا إلى المتعة الجنسية ، فاللّه سبحانه جعل فى الرجل والمرأة هذه الشهوة من أجل تكاثر الجنس البشرى ، كما يحصل التكاثر والإِنتاج بعاملين لا بعامل واحد فى الحيوان والنبات وغيرهما ، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الذارايات : 49 وتكاثر الجنس البشرى لابد أن يكون منظما لينشأ الجيل فى بيئة مستقرة تؤهله لتحمل المسئولية بعد والديه ، ولا تكون البيئة المستقرة إلا بالزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات للزوجين وللذرية الناتجة منهما .
والاتصال الجنسى مع الموانع من الحمل لا يكون به تناسل إذا جاز لكل إنسان أن يلجأ إليه ، وفيه تعطيل لحكمة الله فى خلق آدم وحواء لتحقيق الخلافة فى الأرض ، كما أن الاتصال الجنسى بدون حدود لا يؤهل لهذه الخلافة .
ومن هنا تظهر الحكمة فى تحريم الزنا المتمثلة فيما يأتى :
1 - ضمان التناسل الجدير بتسلسل النوع البشرى وبقائه لتحقيق خلافة الإِنسان فى الأرض .
2 - حماية الغيرة الطبيعية الموجودة فى الإِنسان ، وهو أجدر بها من بعض الحيوانات والطيور التى تغار فيها الذكور على إناثها ، لأنها كلها مسخرة له بأمر الله فلا يكون أقل منها فى الغيرة .
3 - وقاية الإِنسان من أمراض خطيرة سببها الاتصال الجنسى غير المنظم ، ويؤكد هذا ما ظهر أخيرا من انتشار مرض فقد المناعة المعروف بالإيدز، ويلتقى مع الحديث الشريف المقبول فى مثل هذه المواطن " يا معشر المهاجرين ، خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين - أعوام القحط - وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا زكاه أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما فى أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم " رواه البيهقى .
4 - حماية الأنفس من القتل بسبب الغيرة التى تأبى أن يتصل شخص بزوجة آخر أو بنته أو قريبته بغير عقد شرعى .
5 - ضمان التوارث الصحيح بين أعضاء الأسرة المعروفة بالنسب الصحيح ، ومنع الدخيل من التوارث .(1/73)
6 - عدم ضمان التناسل مع وجود الموانع من الحمل ، فإرادة اللّه غالبة ، وهنا يضيع النسل أو ينسب زوراً لغير أصله ، والإِسلام حرم إلصاق الشخص نسبه بغير أصله ، كما حرم التبنى .
7 -المحافظة على كرامة المرأة ، حتى لا تكون سلعة مباحة يتداولها كل من يريد قضاء شهوته ، كأى متاع آخر يعرض لمن يريد .
من هذا وغيره نعرف حكمة تحريم الزنا وأنها ليست قاصرة على حفظ الأنساب فقط ، ولخطورة آثاره وصفه اللّه فى الآية بأنه فاحشة وساء سبيلا، وحرَّمته كل الأديان من أجل ذلك ، وحتى القوانين الوضعية لم تبحه على إطلاقه ، فالطبيعة البشرية السوية تأباه ولذلك جعل الإِسلام عقوبته قاسية، فهى للبكر مائة جلدة وللثيب الرجم حتى الموت . وقسوة هذه العقوبة تتضاءل أمام الأخطار الناشئة عن الزنا ، وأمام الفوائد الناجمة عن تحريمه ، والله سبحانه حكيم خبير فى تشريعه للناس قال تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } البقرة : 216
ـــــــــــــــــــــ
دخول ولد الزنا الجنة
السؤال الثاني من الفتوى رقم (5123):
س2: هل يدخل ابن الزنا الجنة إذا كان تقيا أو لا؛ لأنه وجد مضغة ذميمة؟
ج2: يدخل الجنة ابن الزنا إذا مات على الإسلام ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك؛ لأنه ليس من عمله إنما هو من عمل غيره، وقد قال تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (1) ولعموم قوله تعالى: { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } (2) وقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ } (3) وما جاء في معنى ذلك من الآيات، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخل الجنة ولد زنية" فلم يصح عنه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره الحافظ ابن الجوزي في [الموضوعات] وهو من الأحاديث المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
_________
(1) سورة فاطر ، الآية 18
(2) سورة الطور ، الآية 21
(3) سورة لقمان ، الآية 8
ـــــــــــــــــــــ
السؤال التاسع عشر من الفتوى رقم (5611):
س19: هل يدخل ولد الزنا الجنة حيث قيل إن ولد الزنا نجس ولا يدخل الجنة نجاسة؟(1/74)
ج19 : إذا مات مسلما دخل الجنة ولا يمنعه من ذلك إن كان ولد زنا وليس بنجس، ووزر الزنا على الزاني لا على من تخلق من ماء الزنا؛ لقوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (1) ولقوله صلى الله عليه وسلم: « المسلم لا ينجس » (2) .
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
_________
(1) سورة فاطر ، الآية 18
(2) أحمد (2 / 235 ، 382 ، 471) ، (5 / 384 ، 402)، والبخاري [فتح الباري] برقم (283 ، 285)، ومسلم برقم (371 ، 372)، وأبو داود برقم (230 ، 231)، والترمذي برقم (122)، والنسائي في [المجتبى] (1 / 145)، وابن ماجه برقم (534 ، 535).
ـــــــــــــــــــــ
إمامة ولد الزنا
السؤال السادس من الفتوى رقم (2857)
س6: هل يكون ابن الزنا إماما للناس؟
ج6: الأصل أن ولد الزنا في الإمامة كغيره لعموم قوله سبحانه { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (1) وقوله عليه الصلاة والسلام « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله » الحديث، ولا تأثير لوزر أمه، ومن زنا بها عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
السؤال الأول والثاني من الفتوى رقم (2875)
س1، 2: هل يجوز أن يكون العبد إماما، وهل يجوز أن يكون ولد زنا إماما؟
ج1، 2: تصح إمامة العبد وولد الزنا في الصلاة، إذا كان كل منهما أهلا لذلك، من جهة الدين؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله » ولا نعلم دليلا يمنع ذلك.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب الرئيس // الرئيس //
_________
(1) سورة الحجرات آية 13 .
ـــــــــــــــــــــ(1/75)
الصلاة على الكافر وولد الزنا السؤال الثالث من الفتوى رقم (6192)
س3: هل يصلى على طفل أبواه كافران، وهل يصلى على ولد الزنا، وما دليلهما؟
ج3: لا يصلى على الطفل الذي أبواه كافران. وأما ولد الزنا فإنه يصلى عليه إذا كانت أمه مسلمة ولا ذنب عليه فيما اقترف الزاني والزانية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 187)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ أَعْطَى لِزَوْجَتِهِ مِنْ صَدَاقِهَا جَارِيَةً فَأَعْتَقَتْهَا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَوَلَدَتْ ابْنًا وَوَلَدَتْ زَوْجَتُهُ بِنْتًا وَتُوُفِّيَ : فَهَلْ يَرِثُ الِابْنُ الَّذِي مِنْ الْجَارِيَةِ مَعَ بِنْتِ زَوْجَتِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إذَا كَانَ قَدْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُعْتَقَةَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ ؛ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فَوَلَدُهُ وَلَدُ زِنًا ؛ لَا يَرِثُ هَذَا الْوَاطِئُ ؛ وَلَا يَرِثُهُ الْوَاطِئُ فِي مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ الْعِتْقِ سُئِلَ عَنْ عِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : يَجُوزُ عِتْقُ وَلَدِ الزِّنَا وَيُثَابُ بِعِتْقِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ بِنْتِ الزِّنَا : هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ ؛ حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ : هَلْ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَد : أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ . فَقَدْ يُقَالُ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا . وَأَمَّا " الْمُتَأَوِّلُ " فَلَا يُقْتَلُ ؛ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا . وَقَدْ يُقَالُ : هَذَا مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ : إنَّهُ يُجْلَدُ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَأَوِّلًا ؛ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفَسَّقَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يَفْسُقُ ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ . وَأَحْمَد لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ . وَاَلَّذِينَ سَوَّغُوا " نِكَاحَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا " حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا : لَيْسَتْ هَذِهِ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ ؛ وَلَا يَجِبُ نَفَقَتُهَا ؛ وَلَا يَلِي نِكَاحَهَا وَلَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَبِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } . وَأَمَّا حُجَّةُ
الْجُمْهُورِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الْآيَةُ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ هَذَا اللَّفْظُ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَسَوَاءٌ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ(1/76)
التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ : أَمْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا التَّحْرِيمُ خَاصَّةً لَيْسَ الْعُمُومُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ كَالْعُمُومِ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : " أَحَدُهَا " أَنَّ آيَةَ التَّحْرِيمِ تَتَنَاوَلُ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَبِنْتَ الْبِنْتِ ؛ كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظُ " الْعَمَّةِ " عَمَّةَ الْأَبِ ؛ وَالْأُمِّ وَالْجَدِّ . وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأُخْتِ وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ . وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ . وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ لَا فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَلَا نَحْوِهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالنُّصُوصِ الَّتِي عَلَّقَ فِيهَا الْأَحْكَامَ بِالْأَنْسَابِ . " الثَّانِي " أَنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّضَاعَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرِمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } وَفِي لَفْظٍ { مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ بِهِ : فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِطِفْلِ غَذَّتْهُ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ أَنْ تَنْكِحَ أَوْلَادَهُ وَحَرَّمَ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَتِهَا ؛ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الطِّفْلَةِ الْمُرْتَضِعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْفَحْلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ
وَهُوَ الَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ حَتَّى دَرَّ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ . فَإِذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَهُ مِنْ الرِّضَاعِ وَلَا يَثْبُتَ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ - سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْحُرْمَةِ - فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنِ دُرَّ بِوَطْئِهِ فَهَذَا يُبَيِّنُ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْخِطَابِ وَمِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى وَقِيَاسِ الْأَوْلَى . " الثَّالِثُ " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } قَالَ الْعُلَمَاءُ : احْتِرَازٌ عَنْ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ كَمَا قَالَ : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يستلحقون وَلَدَ الزِّنَا أَعْظَمَ مِمَّا يستلحقون وَلَدَ الْمُتَبَنِّي فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَصْلَابِكُمْ } عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ " الْبَنَاتِ " وَنَحْوِهَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِمْ دَاخِلًا فِي الِاسْمِ . وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا الْمِيرَاثُ وَنَحْوُهُ . فَجَوَابُهُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ فَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا وَافَقَ أَكْثَرُ الْمُنَازِعِينَ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ وَلَا يَرِثُهُ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِلْحَاقِ وَلَدِ الزِّنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشًا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . كَمَا ثَبَتَ { عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَلْحَقَ ابْنَ وَلِيدَةِ زمعة بْنِ الْأَسْوَدِ بزمعة بْنِ الْأَسْوَدِ وَكَانَ قَدْ أَحْبَلَهَا عتبة بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَاخْتَصَمَ فِيهِ سَعْدٌ وَعَبْدُ ابْنُ زمعة فَقَالَ سَعْدٌ : ابْنُ أَخِي . عَهِدَ إلَيَّ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زمعة هَذَا ابْنِي . فَقَالَ عَبْدٌ : أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي ؛ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زمعة . الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ؛ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ } لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بعتبة فَجَعَلَهُ أَخَاهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْحُرْمَةِ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي وَلَدِ الزِّنَا : هَلْ يَعْتِقُ بِالْمِلْكِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا بَسْطٌ لَا تَسَعُهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ . وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّعِيفَةِ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْكِيَهَا عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَدْحِ فِيهِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَهُ فِيهَا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَئِمَّةِ وَاتِّبَاعِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ صَارَ وَزِيرُ التتر يُلْقِي الْفِتْنَةَ بَيْنَ مَذَاهِبِ(1/77)
أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَيُوقِعَهُمْ فِي مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ وَأَهْلِ الْإِلْحَادِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 159)
532 - 532 - 134 - سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ بِنْتِ الزِّنَا : هَلْ تُزَوَّجُ بِأَبِيهَا ؟ أَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِهَا ، وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ ؛ حَتَّى تَنَازَعَ الْجُمْهُورُ : هَلْ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .
وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ : هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَوِّلًا .
وَأَمَّا " الْمُتَأَوِّلُ " فَلَا يُقْتَلُ ؛ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا .
وَقَدْ يُقَالُ : هَذَا مُطْلَقًا ، كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ : إنَّهُ يُجْلَدُ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَأَوِّلًا ؛ وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَفَسَّقَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الْمَعْذُورَ لَا يُفَسَّقُ ؛ بَلْ وَلَا يَأْثَمُ .
وَأَحْمَدُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا ؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا إنَّمَا ظَهَرَ فِي زَمَنِهِ ، لَمْ يَظْهَرْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ .
وَاَلَّذِينَ سَوَّغُوا " نِكَاحَ الْبِنْتِ مِنْ الزِّنَا " حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنْ قَالُوا : لَيْسَتْ هَذِهِ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ ؛ وَلَا يَجِبُ نَفَقَتُهَا ؛ وَلَا يَلِي نِكَاحَهَا ، وَلَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتًا فِي الشَّرْعِ لَمْ تَدْخُلْ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ ، فَتَبْقَى دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } .
وَأَمَّا حُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } الْآيَةَ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ هَذَا اللَّفْظُ ، سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا ؛ وَسَوَاءٌ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ التَّوَارُثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ ؛ أَمْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا التَّحْرِيمُ خَاصَّةً ، لَيْسَ الْعُمُومُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ كَالْعُمُومِ فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : " أَحَدُهَا " أَنَّ آيَةَ التَّحْرِيمِ تَتَنَاوَلُ الْبِنْتَ وَبِنْتَ الِابْنِ وَبِنْتَ الْبِنْتِ ؛ كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظَ " الْعَمَّةِ " عَمَّةِ الْأَبِ ؛ وَالْأُمِّ ، وَالْجَدِّ .
وَكَذَلِكَ بِنْتُ الْأُخْتِ ، وَبِنْتُ ابْنِ الْأُخْتِ .
وَبِنْتُ بِنْتِ الْأُخْتِ .
وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ ، لَا فِي آيَةِ الْفَرَائِضِ ، وَلَا نَحْوِهَا مِنْ الْآيَاتِ ، وَالنُّصُوصِ الَّتِي عَلَّقَ فِيهَا الْأَحْكَامَ بِالْأَنْسَابِ .
" الثَّانِي " إنَّ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّضَاعَةِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ } " وَفِي لَفْظٍ { مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ } " وَهَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَعَمِلَ الْأَئِمَّةُ بِهِ : فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِطِفْلٍ غَذَّتْهُ مِنْ لَبَنِهَا ، أَوْ أَنْ تَنْكِحَ أَوْلَادَهُ ، وَحَرَّمَ عَلَى أُمَّهَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَخَالَتِهَا ؛ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الطِّفْلَةِ الْمُرْتَضِعَةِ مِنْ امْرَأَةٍ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْفَحْلِ صَاحِبِ اللَّبَنِ ، وَهُوَ الَّذِي وَطِئَ الْمَرْأَةَ حَتَّى دَرَّ اللَّبَنُ بِوَطْئِهِ .(1/78)
فَإِذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ بِنْتَه مِنْ الرَّضَاعِ ، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ - سِوَى التَّحْرِيمِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْحُرْمَةِ - فَكَيْفَ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ بِنْتٍ خُلِقَتْ مِنْ مَائِهِ ؟ ، وَأَيْنَ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَائِهِ مِنْ الْمُتَغَذِّيَةِ بِلَبَنٍ دُرَّ بِوَطْئِهِ ؟ ، فَهَذَا يُبَيِّنُ التَّحْرِيمَ مِنْ جِهَةِ عُمُومِ الْخِطَابِ ، وَمِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى ، وَقِيَاسِ الْأَوْلَى .
" الثَّالِثُ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } قَالَ الْعُلَمَاءُ : احْتِرَازٌ عَنْ ابْنِهِ الَّذِي تَبَنَّاهُ ، كَمَا قَالَ : { لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَلْحِقُونَ وَلَدَ الزِّنَا أَعْظَمَ مِمَّا يَسْتَلْحِقُونَ وَلَدَ الْمُتَبَنِّي ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَصْلَابِكُمْ } عُلِمَ أَنَّ لَفْظَ " الْبَنَاتِ " وَنَحْوِهَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي لُغَتِهِمْ دَاخِلًا فِي الِاسْمِ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهَا الْمِيرَاثُ ، وَنَحْوُهُ .
فَجَوَابُهُ أَنَّ النَّسَبَ تَتَبَعَّضُ أَحْكَامُهُ ، فَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُ أَحْكَامِ النَّسَبِ دُونَ بَعْضٍ ، كَمَا وَافَقَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعِينَ فِي وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَلَاعِنِ وَلَا يَرِثُهُ .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِلْحَاقِ وَلَدِ الزِّنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشًا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .
كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَلْحَقَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، وَكَانَ قَدْ أَحْبَلَهَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، فَاخْتَصَمَ فِيهِ سَعْدٌ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ ، فَقَالَ سَعْدٌ : ابْنُ أَخِي .
عَهِدَ إلَيَّ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ هَذَا ابْنِي .
فَقَالَ عَبْدٌ : أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي ؛ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ؛ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ } لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ الْبَيِّنِ بِعُتْبَةَ ، فَجَعَلَهُ أَخَاهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَ الْحُرْمَةِ .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي وَلَدِ الزِّنَا : هَلْ يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا بَسْطٌ لَا تَسَعُهُ هَذِهِ الْوَرَقَةُ .
وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضَّعِيفَةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكِيَهَا عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَدْحِ فِيهِ ، وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لَهُ فِيهَا ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ الطَّعْنِ فِي الْأَئِمَّةِ وَاتِّبَاعِ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ صَارَ وَزِيرُ التَّتَرِ يُلْقِي الْفِتْنَةَ بَيْنَ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَيُوقِعَهُمْ فِي مَذَاهِبِ الرَّافِضَةِ وَأَهْلِ الْإِلْحَادِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 30 / ص 134)
إذَا زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الزَّانِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَبْدًا صَبِيًّا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى ، أَوْ صَدَّقَهُ ، وَلَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَتَقَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .(1/79)
ـــــــــــــــــــــ
ولد الزنا
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/أحكام المولود
التاريخ 05/07/1425هـ
السؤال
ما حكم ولد الزنا؟ وما الواجب تجاه المسئول عن ذلك من الرجل والأنثى؟ وما النظر الصحيح لولد الزنا، وهل وردت أحاديث في ذمه؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ابن الزنا لم يقترف ذنبا، وإنما اقترف الذنب أبواه؛ وكل نفس بما كسبت رهينة، وينبه إلى أن ما جاء من أحاديث في ذم ولد الزنا فإن أكثرها ضعيف لا يصح.
وأما ما روى أبو داود في سننه (3963)، وأحمد في مسنده (7751) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "ولد الزنى شر الثلاثة " فقد وجه العلماء الحديث بعدة توجيهات، أشهرها: ما قاله سفيان الثوري : بأنه شرّ الثلاثة إذا عمل بعمل والديه. ويؤيده ما جاء عند الحاكم في المستدرك (4/112) من حديث عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء "ولا تزر وازرة وزر أخرى" [الأنعام:164]. وقال بعض أهل العلم: الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (ولد الزنا إن آمن وعمل صالحا دخل الجنة، وإلا جوزي بعمله كما يجازى غيره ، والجزاء على الأعمال لا على النسب، وإنما يذم ولد الزنا؛ لأنه مظنة أن يعمل عملاً خبيثاً كما يقع كثيرا". والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
إجهاض حمل الزنا
المجيب د. إبراهيم بن محمد قاسم رحيم
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز عمل إجهاض لامرأة متزوجة حملت بسبب الزنا من غير زوجها؟ -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن كان الزنا كرهاً (أي حالة اغتصاب)، وكان الحمل في مراحله الأولى أي قبل مرور أربعة أشهر، وكان وجوده يؤثر على صحة المرأة بأمر معتبر لا يمكن(1/80)
تحمله، ولا توجد رعاية اجتماعية للمرأة وحملها تمكنها من تحمل الأمر فيمكن حسب ما توصل إليه العلماء أن يجهض الحمل، ويتدرج الأمر في الحكم حسب مرحلة الجنين، فيتساهل في الأيام الأولى، ويتشدد في تطبيق قواعد الضرورة في المراحل الثانية والثالثة، (الأربعين الثانية والثالثة)، أما إذا كان الزنا برضاها فلا يجوز بحال إسقاط الحمل حتى في الأيام الأولى لأدلة ليس هذا مجال بسطها، ومنها قصة الغامدية التي رواها مسلم (1695) من حديث بريدة - رضي الله عنه -؛ ولأنه لا يمكن أن تنال لذتها المحرمة، وتمكن من هذا الأمر الذي أصوله التحريم، ولما يتضمنه القول بالإباحة من فتح باب للجريمة والفساد والانحراف، وقد اتفق على هذا العلماء المعاصرون سواء في المجامع الفقهية أو في هيئة كبار العلماء في المملكة، وهو الحكم الذي يتفق مع قواعد الشريعة. والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــ
المتزوجة إذا حملت من الزنا
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجنايات
التاريخ 18/5/1425هـ
السؤال
امرأة متزوجة، زنت، وحملت من هذا الزنا، وهي في حيرة من أمرها أتقتل الجنين؟ أم تبقيه وتدخل على زوجها ما ليس منه؟ أم تخبر زوجها بما جرى؟ وفي كل الحالات يترتب مفاسد، أرجو من الله المغفرة لها ثم من فضيلتكم الإجابة على استفسارها. -وجزاكم الله خيراً-.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فلا شك أن الزنا من كبائر الذنوب؛ قال الله -تعالى-: "وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" [الفرقان:68]، وعقوبة الزاني الثيب الرجم حتى الموت؛ كما صحت بذلك الأخبار عنه - صلى الله عليه وسلم- فقد رجم ماعزاً، والغامدية -رضي الله عنهما- رواه البخاري
(6438)، ومسلم (1692).
وثانياً: ما يتعلق بالحمل فإنه لصاحب الفراش،وهو الزوج ما لم ينفه؛ لما روته عائشة -رضي الله عنها-: كان عتبة بن أبي وقاص، عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- وقال: ابن أخي قد عهد إلي فيه، فقام عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال سعد -رضي الله عنه-: يا رسول الله، ابن أخي كان قد عهد إلي فيه، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله -(1/81)
صلى الله عليه وسلم-: "هو لك يا عبد بن زمعة"، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" رواه البخاري(1948)، ومسلم(1457).
والحمل من سفاح ليس عذراً لإباحة الإجهاض خاصة في الطور الثالث، أي بعد إكمال أربعة أشهر، وقد ذكر العلماء أن الزانية التي تُسقط جنينها تجمع بين السوأتين: الزنا والقتل، وأن إسقاط الجنين هو من الوأد، قال -تعالى-: "وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت" [التكوير: 8-9]، وقد روى عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن امرأة من جهينة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله: أصبت حداً فأقمه علي، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وليها فقال: "أحسن إليها، فإذا وضعت فائتني بها"، ففعل فأمر بها نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فَشُكَّتْ عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلى عليها - صلى الله عليه وسلم-، فقال له عمر- رضي الله
عنه-: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت، فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله -تعالى-" رواه مسلم(1696)، ويتبين من هذا الحديث أن للجنين حقاً في الحياة،ولو كان ابن زنا، فلو كان لا حرمة له، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- برجمها قبل أن تضع حملها.
ولو أسقطت المرأة جنينها فقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على جنين الحرة هو غرة؛ لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى بحجر، فطرحت جنينها، فقضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- بغرة عبد أو وليدة، رواه البخاري(5427)، ومسلم(1681)، والغرة عشر دية أمه، أي خمس من الإبل، ونص الشافعية والحنابلة على وجوب الكفارة مع الغرة؛ لأنها إنما تجب حقاً لله -تعالى- لا لحق الآدمي؛ ولأنه نفس مضمونة بالدية، فوجبت فيه الكفارة، انظر: مختصر الخرقي (119)، فتاوى ابن تيمية (34/159و160)، أما لو سقط حياً فمات ففيه الدية كاملة والكفارة، أسأل الله -تعالى- أن يحفظ المسلمين والمسلمات من هذه الفاحشة المنكرة، والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــــ
استلحاق الابن من الزنا
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/11/1426هـ
السؤال
كنت قد واقعت امرأة كافرة في حالة سكر يوم كنت مقيماً في إحدى الدول الغربية، فأنجبت ولداً يدرس الآن بالجامعة، فما موقفي من هذا الابن شرعاً؟ لا سيما وأنني(1/82)
على اتصال به؛ طمعاً في أن يسلم، وقد انقطعت علاقتي بأمه حال ولادته؛ لأنني كنت أجهل حملها وولادتها. أفتوني مأجورين. وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فولد الزنا لا ينسب لوالده بل ينسب لوالدته، فيقال: (فلان ابن فلانة) هذا إن عُرفت والدته، أما إن لم تُعرف فيجعل له اسم يُعرف به، وقد ذكر ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن ولد الزنا في الإسلام لا يلحق بالزاني بالإجماع. انظر التمهيد (8/190)؛ لكونه ثمرة سفاح لا نكاح، فلا توارث بين ولد الزنا والزاني لانتفاء سبب التوارث، فأسباب الميراث ثلاثة: نكاح وولاء ونسب، وولد الزنا لا يمكن إلحاقه بواحد منها. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: لا بأس بوصل الولد وتربيته والإحسان إليه والنفقة عليه ودعوته إلى الإسلام وحثه على ذلك، بل هذا من العبادات التي يؤجر المرء عليها، قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" [الممتحنة:8].
وعليك التوبة من ذلك الذنب الذي وقعت فيه، قال تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً" [الفرقان:68-70]، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــــ
تاب من الزنا.. فهل أتزوجه؟
المجيب سلطانة عبد الله المشيقح
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/اختيار الزوج أو الزوجة
التاريخ 10/07/1426هـ
السؤال
أنا مطلقة وتقدم لي رجل يصغرني بسنوات، متزوج من قبل، ومتعلم ووضعه ممتاز، هذا الرجل كان زانياً، وقد اعترف لي بهذا الأمر، ويقول إنه تاب منذ حمس سنوات، وقد استخرت قبل أن أعرف هذه المعلومة عنه واستخرت بعدها، فشعرت بالارتياح تجاهه، فهل أقدم على الزواج منه؟
الجواب
أولاً: عليك تكرار الاستخارة، فإذا وجدت بعد ذلك ارتياحاً تجاهه فتوكلي على الله، واعزمي على الأمر.
كما أخبرك بأنه قد تاب من هذا العمل، ومن تاب تاب الله عليه، فإذا كان الله -عز وجل- قد تاب عليه أفلا نقبله نحن البشر ونتجاوز عن زلته...؟!(1/83)
ثانياً: عليك بالسؤال عنه وعن أخلاقه ودينه قبل اتخاذ أي قرار، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:. "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...". سنن الترمذي (1085).
فإذا كان يقيم واجبات الدين، وشهد له بذلك من تثقين في صدقه وأمانته، فلا تترددي في الأمر؛ لأن صاحب الدين والخلق لن يظلمك، بل سيكرمك ويُحسن إليك.
ثالثاً: لا تنسي أن تطلبي منه الفحص، فلعله يكون مصاباً بمرض بسبب علاقاته السابقة -المحرمة- فينتقل إليك هذا المرض بعد الزواج، فيكون هذا الأمر سبباً في شقائك مستقبلاً.
ـــــــــــــــــــــ
حكم عقد الزواج على امرأة حبلى من الزنا
س - ما حكم عقد الزواج على امرأة ثيب حامل من الزنا في شهرها الثامن ، هل يعتبر العقد باطلاً أو فاسداً أو صحيحاً "، فإنه قد تنازع في ذلك عندنا عالمان فأبطل أحدهما العقد وصححه الآخر الإ أنه حرم على من تزوجها الوطء حتى تضع الحمل ؟
ج- إذا تزوج رجل امرأة حاملاً من الزنا فنكاحه باطل ، فيحرم عليه وطؤها لعموم قوله - تعالى - " ولا تعزموا عقد النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله " وقوله - تعالى - " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " . وعموم قوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره " . رواه أبو داود وصححه الترمزي وابن حبان ، ولعموم قوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، " لا توطأ حامل حتى تضع " . رواه أبو داود وصححه الحاكم ، وبذلك قال مالك وأحمد - رضى الله عنهما - وقال الشافعي وأبو حنيفة في رواية عنه يصح العقد غير أن أبا حنيفة حرم عليه وطأها حتى تضع الحمل للأحاديث المتقدمة ، وأباح الشافعي له وطأها ، لأن ماء الزنا لا حرمة له ، ولا يلحق الولد بالزاني ، لقوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، " وللعاهر الحجر " . كما أنه لا يلحق بمن تزوجها ، لأنها صارت فراشاً بعد الحمل ، بهذا يتبين سبب الخلاف بين الشيخين وأن كلا منهما قال بالحكم الذي قال به من قلده ، ولكن الصواب الأول ؛ لعموم الآيتين والأحاديث الدالة على المنع .
اللجنة الدائمة
ـــــــــــــــــــــ
حكم إنكاح ولد الزنا
س - زوج رجل ابنته على آخر ثم تبين أن الزوج ولد زنا فما الحكم ؟
ج- إذا كان مسلما فالنكاح صحيح ، لأنه ليس عليه من ذنب أمه ومن زنا بها شيء لقول الله - سبحانه - " لا تزر وازرة وزر أخرى " . ولأنه لا عار عليه من عملها إذا استقام على دين الله وتخلق بالأخلاق المرضية لقول الله - عز وجل - " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " .(1/84)
وقول النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، لما سئل عن أكرم الناس قال أتقاهم .. وقال عليه الصلاة والسلام " من يطأ به عمله لم يسرع به نسبه " . وروى عنه ، - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و السماء وفساد كبير " . خرجه الترمذي .
الشيخ ابن باز
ـــــــــــــــــــــ
(الجزء رقم : 21، الصفحة رقم: 206)
ولد الزنا ينسب لأمه
س 86 : سماحة الشيخ: شاب مسلم أراد التزوج من امرأة نصرانية ، وهو قد عاشرها معاشرة الأزواج بلا عقد، وهي الآن حامل، فما هو الواجب مع التفصيل؟ وجزاكم الله خيرا، حيث إن هذه الحالات تتكرر كثيرا في بلاد الغربة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ضمن مجموعة أسئلة شخصية مقدمة لسماحته، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 6/ 2/ 1419هـ .
ج : إذا كانا قد تابا جميعا إلى الله سبحانه ، فلا حرج أن يتزوجها بعد وضع الحمل. والحمل ينسب إلى أمه ولا ينسب إليه؛ لأنه ولد من سفاح لا من نكاح. أما إذا لم يتوبا جميعا فليس له نكاحها، نسأل الله أن يمن عليهما بالتوبة النصوح، وأن يهدي النصرانية للإسلام، إنه سميع قريب.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــــ
أحكام ابن الزنا
السؤال :
ما هي الأحكام الخاصة بابن الزنا هل يعترف به أم لا ، و خاصة إذا لم يكن الرجل متأكداً من أن هدا الطفل ابنه بسبب تكرر وقوع أمّه في الفاحشة ؟
و هل من توبة لي بعد أن وقعت في الفاحشة ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
هاهنا جملة مسائل نتناول كلاً منها على حدةٍ تسهيلاً على السائل ، و تقريباً للحكم بين يديه .
المسألة الأولى : لا يُنسب ابن الزنا إلى أبيه و إن أقرّ به ، لقوله صلى الله عليه و سلّم ( الولد للفراش و للعاهر الحجر ) الذي رواه الشيخان و غيرهما من حديث عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها.
قال الجصاص [ في أحكام القرآن : 5 / 24 ] :
ومن الدليل على أن الزنا قبيح في العقل أن الزانية لا نسب لولدها من قبل الأب إذ ليس بعض الزناة أولى بإلحاقه به من بعض ففيه قطع الأنساب و منع ما يتعلق بها من الحرمات في المواريث و المناكحات و صلة الأرحام و إبطال حق الوالد على الولد و ما جرى مجرى ذلك من الحقوق التي تبطل مع الزنا و ذلك قبيح في العقول(1/85)
مستنكر في العادات ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر .اهـ .
قلتُ : هذا فيما إذا كان الأب معروفاً ، أمّا إذا كان غيرَ معروفٍ على وجه التحديد ، فالأمر أشد ، و لا وجه لنسبةِ ابن الزنا إليه بحالٍ من الأحوال .
المسألة الثانية : لا توارث بين ابن الزنا و والده ، و إن كان معروفاً ، و إذا مات ابن الزنا ورِثَته أمّه و إخوانه لأمّه ، و ليس لأبيه و لا لإخوانه من أبيه حقّ في تركَتِه ، كما أنّه لا يرثهم .
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله [ في الوسيط : 4 / 366 ] : ( و إذا ولدت المرأة من الزنا فهي ترثه و الولد يرثها و التوأمان يتوارثان بأخوة الأم و من ينسب إلى الزنا فلا أبوة له و لا ميراث ) .
المسألة الثالثة : العقد على الحامل ( سواءً كانت مطلّقةً أو أرملةً من زواج صحيح ) فاسدٌ ، و إذا كان حملُها من زنا فالعقد أولى بالفساد ، و لذلك فلا طائل من تحايُل بعض الناس بعد ظهور الحمل من الزنا على المرأة ، لإخفاء الفاحشة و آثارها السيّئة ، بإجبار الزانيَيْن على التعجيل في عقد القران ، بدعوى الستر ، و أنّ الله لا ستّير يحبّ الستر ، لأنّ ما بُني على فاسد فهو فاسد .
المسألة الرابعة : باب التوبة مفتوحٌ ما لم يُغَرغِر العبد ، إلى أن تطلُعَ الشمس من مغربها ، و إذا تاب المذنب توبةً صادقة فلا يقنط من رحمة الله لأنّ الله يغفر الذنوب جميعاً .
و لكن عليه أن يأتي بالتوبة بشروطها ، و هي :
• الإقلاع عن الذنب .
• الندم على ما فات .
• العزم و عقد النيّة على عَدَم العودة إلى الذنب مستَقبَلاً .
• و إذا كان الذنب في حقوق العباد ( كالسرقة و الغش و نحوهما ) فعلى التائب أن يعيد الحقوق إلى أصحابها ، أو أن يستحلّهم قبل فوات الأوان .
هذا و بالله التوفيق .
كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
ـــــــــــــــــــــ
هل يدخل ابن الزنا الجنة ؟
...
الصفحة الرئيسة
أغلق الصفحه ... راسل المسك الأذفر ... أطبع الصفحه ... أرسل الصفحة لصديق
...
السؤال : ... كنت أقرأ بعض الأحاديث وقرأت الحديث التالي: (لا يدخل الجنة عاق، ولا منان ، و لا مدمن خمر ، ولا و لد زنية) - هل هذا يعني أن الولد (أو البنت) من الزنا لا يدخل الجنة؟ وإذا كان ذلك صحيح فما هو الذنب الذي إقترفه المولود حتى لا يدخل الجنة؟(1/86)
المفتي: ... سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ( رحمه الله )
الإجابة :
... الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
يدخل الجنة ابن الزنا إذا مات على الإسلام ولا تأثير لكونه ابن زنا على ذلك؛ لأنه ليس من عمله إنما هو من عمل غيره، وقد قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولعموم قوله تعالى: (كل امرئ بما كسب رهين) وقوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم) وما جاء في معنى ذلك من الآيات، وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة ولد زنية) فلم يصح عنه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ه الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات وهو من الأحاديث المكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــــ
هل صحيح أن ابن الزنا من أهل النار ؟
السؤال :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
سمعت من أحد الأشخاص أن ابن الزنا من أهل النار
وذكر هذا الحديث
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة ولد زانية " حديث حسن صحيح أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/203) و حسنه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (673)
أتمنى أن تُفَسّر لنا هذا الشيء
وجزاك الله خيرا
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا .
المتقّرِّر في كِتاب الله وسُنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم أن لا يُؤخَذ أحَدٌ بِجَرِيرَة غيره .
قال تعالى : ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة رضي الله عنه : مَن هذا مَعك ؟ قال : هذا والله ابْنِي ؟ قال : فَضَحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم لِحَلِف أَبِي عليّ ، ثم قال : صَدَقْتَ ، أما إنك لا تَجْنِي عليه ولا يَجْنِي عليك . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
وأما ما وَرَد بخصوص ابن الزنا فإنه يُذمّ إذا فَعَل فِعل والِديه .
ويُذمّ من جِهة كون أصلِه نُطفة مِن حرام ، ومن كان كذلك فقد يَغلِب عليه تأثير خُبث النطفة .(1/87)
وقد قال كان ابن عباس في ولد الزنا : لو كان شَرّ الثلاثة لم يُتَأنّ بأمِّه أن تُرْجَم حتى تَضَعَه .
وقالت عائشة في ولد الزنا : ما عليه مِن ذَنب أبَويه شيء ، ثم قَرَأتْ : (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) . رواهما ابن عبد البر في التمهيد .
وكان ابن عمر إذا قيل : وَلَد الزنا شر الثلاثة . قال : بل هو خير الثلاثة .
وأما ما جاء في حديث " ولد الزنا شَرّ الثلاثة "
فقد قال الخطابي : اخْتَلَف الناس في تأويل هذا الحديث ؛ فذهب بعضهم إلى أن ذلك إنما جاء في رَجُلٍ بِعَينِه كان مَوسوما بالشر .
وقد قال بعض أهل العلم : إنه شَرّ الثلاثة أصْلا وعُنصرا ونَسَبا ومَولِدا . وذلك أنه خُلق من ماء الزاني والزانية ، وهو ماء خبيث . اهـ .
قال البيهقي : مَحْمُول على مَن عَمِلَ عَمَل أبويه .
وحَكَى ابن القيم عن ابن الجوزي قوله : وقد وَرَد في ذلك أحاديث ليس فيها شيء يَصِحّ ، وهي مُعارضة بقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
قال ابن القيم : قلت : ليست مُعارَضة بها إن صَحّت فإنه لم يُحْرَم الجنة بِفِعْلِ والِدَيه ، بل لأن النُّطْفَة الخبيثة لا يَتَخَلّق منها طيب في الغالب ، ولا يدخل الجنة إلا نَفْسٌ طيبة ، فإن كانت في هذا الجنس طَيبة دَخَلَتِ الجنة ، وكان الحديث من العام المخصوص . وقد وَرَدَ في ذَمِّه أنه شَر الثلاثة ، وهو حديث حسن ، ومعناه صحيح بهذا الاعتبار ، فإنّ شَرّ الأبوين عارِض ، وهذا نُطْفَة خَبيثة ، فَشَرّه في أصله ، وشَرّ الأبوين مِن فِعْلِهما . اهـ .
وقال الألباني في هذا حديث " ولد الزنا شَر الثلاثة " :
هذا الحديث من العام المخصوص ، فقد قَالَه لإنْسان بِعَينِه كان منه الأذى لِرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منه ، مما صار به كافِرا شَرا مِن أمّه ومِن الذي كان حَمْلُها منه . اهـ .
والله تعالى أعلم .
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
ـــــــــــــــــــــ
الزواج بالفتاة اللقيطة المتبناة ... العنوان
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته:-
أريد سؤالا، جزاكم الله ألف خير ،ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين يا علماءنا الأفاضل .
السؤال : هناك عائله تكلفت بتربية طفلة من دار الرعاية، وعندما كبرت الطفلة وأصبحت في سن الزواج تقدم لخطبتها ابن المرأة التي قامت بتربيتها ، فرفض جميع أفراد العائلة محتجين بالحديث الذي يقول {{ تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس }} .
علماً بأن المرأة لم ترضع الطفلة وأن الطفلة {{ غير شرعيه }} ... السؤال هل هذا الحديث صحيح أم لا ؟(1/88)
وكيف يرد الشرع على هذه العائلة ؟ ومع العلم بأن البنت متحجبة وعفيفة وصاحبة أخلاق ؟ ولكم جزيل الشكر والاحترام ... وفتح الله عليكم ...أرجو الرد سريعاً .......
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
... السؤال
11/04/2005 ... التاريخ
مجموعة من الباحثين ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
يقول الشيخ حامد العطار الباحث الشرعي بالموقع :-
ولد الزنا ذكرا كان أو أنثى لم يقترف ذنبا حتى يعاقب به؛ وإنما اقترف الذنب أبواه؛ وكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى .
والإنسان في شريعتنا لا يؤاخذ بجريرة غيره حتى لو كان المجرم أبويه، والأحاديث التي تكلمت عن أن العرق دساس من أكذب الحديث، فنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذب وبهتان وزور.
فقد روى ابن عدي في الكامل من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دساس" وهذا الحديث رواه الموقدي عن الزهري، قال ابن الجوزي: قال يحيى: الموقدي ليس بشيء، وقال النسائي: متروك، وقال علي :لا يكتب حديثه، ورواه الديلمي في مسند الفردوس والمديني في كتاب تضييع العمر عن ابن عمر وزاد وانظر في أي نصاب تضع ولدك، قال الحافظ العراقي: وكلها ضعيف.
ولذلك حكم الشيخ الألباني على هذا الحديث بأنه موضوع كما في ضعيف الجامع الصغير .
وانظر إلى ما قاله الإمام العجلوني تعقيبا على حديث : " تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُم، وانكَحُوا الأكُفّاء، وأنْكِحُوا إليهم"
رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا، وكذا عن عمر بلفظ وانتجبوا المناكح، وعليكم بذات الأوراك فإنهن أنجب رواه عنه الديلمي، ولا يصح، وفي لفظ عنه تخيروا لنطفكم، وانظروا أين تضعونها، وفي لفظ عن عمر مرفوعا كما ذكره أبو موسى المدني في كتاب تضييع العمر والأيام في اصطناع المعروف إلى اللئام بلفظ فانظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العِرْق دَسّاس، وكلها ضعيفة.
وقال النجم : وعند ابن عدي وابن عساكر عن عائشة بلفظ تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن،
وفي لفظ : "اطلبوا مواضع الأكفاء لنطفكم، فإن الرجل ربما أشبه أخواله،"
ورواه أبو نعيم عن أنس بلفظ : " تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد فإنه لون مشوه" قال ابن الجوزي في سنده مجاهيل، وقال الخطيب :كل طرقه ضعيفة.انتهى.(1/89)
والذي صح من ذلك كله ما رواه ابن ماجة من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم" فقط ، ولا توجد زيادة على هذا. والراجح من أقول أهل العلم أن الكفاءة لا عبرة بها إلا في الدين فقط.
وأما حديث : " إياكم وخضراء الدمن" فقد رواه الديلمي من حديث الواقدي عن أبي سعيد مرفوعا، لكن بزيادة قيل وما ذا يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء، قال عدي: تفرد به الواقدي، وذكره أبو عبيد في الغريب، وقال الدارقطني لا يصح من وجه. أي ليس له وجه صحيح، وقال عنه الشيخ الألباني كما في السلسلة الضعيفة: ضعيف جدا، أي يشبه أن يكون مكذوبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو ما تؤيده نصوص الشريعة العامة، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم على بنت الزنا ، أو من كان أهلها أهل سوء بأنها من أهل النار، وما كان ليحذر منها بغير ذنب تقترفه، فهذا معناه أنه يضطرها إلى الفساد اضطرارا، ويأطرها على الفساد أطرا، ويحملها على البغي حملا...... فما حيلتها وقد حكم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها من أهل النار ، وحذر شباب المسلمين أن يتزوجوها ولو افترستهم العزوبة.
أين هذا من الأصل الذي قرره ربنا في كتابه " ولا تزر وازرة وزر أخرى " وهل بعد هذا الوزر من وزر؟! وهل بعد هذا الإصر من إصر !؟
وأين هذا من تزوجه صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي، بنت اليهودي ، وزوجة اليهودي من قبل؟ لماذا لم يدس فيها عرق أبيها وجدها؟!
وعلى هذا .... فالعبرة بحال هذه الفتاة، فإذا كانت مرضية خلقا ودينا، وتشعر نحوها بعاطفة تتجه إلى الود والحب... فعلى الله فتوكل وتزوجها .
ولا تخبر أولادك بما كان، ليس لعيب فيها ، ولكن ؛ لأننا نعيش في مجتمع له موازين غير موازين الإسلام ، فهو يأبى إلا أن يغمر بنت الزنا بذنب أبيها، وبنت السوء بسوء أهلها.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
الزواج من بنت زنى بأمها ... العنوان
هل يجوز للرجل الذى زنى بامرأة أن يتزوج بابنتها ؟ ... السؤال
25/10/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... قد اختلفت كلمة فقهاء الشريعة فى الزواج من ابنة المزنى بها
فقال فقهاء الحنفية إن الزنا يوجب حرمة المصاهرة، وعليه فلا يحل لمن زنى بامرأة أن يتزوج إحدى أصولها أو فروعها أى أمها وابنتها .
ذلك لأنه قد اعتاد الاتصال بمن زنى بها وقد لا يكف عن ذلك مع الزواج بفرعها أو أصلها فيوقع العداوة بينهما .(1/90)
ويرى فقهاء الشافعية أن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأن المصاهرة نعمة فلا تنال بالحرام، فيصح عند الإمام الشافعى أن يتزوج الرجل البنت التى زنى بأمها .
وعن الإمام مالك روايتان إحداهما توافق فقه الحنفية فى المنع والأخرى توافق فقه الشافعية فى الإباحة .
هذا ونميل للأخذ بقول الإمام الشافعى فى إباحة الزواج للرجل ببنت من زنى بها إذا ضمن لنفسه ومن نفسه الامتناع عن مخالطة الأم جنسيا، وصحت عزيمته على ذلك، وكانت توبته خالصة لله سبحانه، وإن كان لا يقوى على مثل هذه العزيمة فإن الأخذ برأى الإمام أبى حنيفة أولى حتى لا يوقع العداوة بين أم وابنتها، ولأنه إذا عقد زواجه على البنت صارت أمها كأمه، وحرمت عليه كحرمة أمه التى ولدته .
فإن اختلط بها جنسيا فكأنما خالط والدته وزنى معها .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
ـــــــــــــــــــــ
نكاح الزانية ... العنوان
ما علاقة الزِّنا بالشرك في قوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) وما سبب نزول هذه الآية؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... يقول الله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (سورة النور: 3) جاء في تفسير القُرطبي لهذه الآية أن "مِرثدًا الغنوي" وكان يحمل الأسارى بمكة ـ استأذن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نِكاح "عَناق" وكانت بغيًّا ـ تحترف الزِّنا ـ فقرأ عليه هذه الآية وقال "لا تنكحها" رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم. قال الخطابي: هذا خاص بهذه المرأة إذ كانت كافرة أما الزانية المُسْلِمة فإن العقد عليها صحيح لا ينفسخ وقال الشافعي: قال عِكرمة: معنى الآية أن الزاني لا يريد ولا يقصد إلا نِكاح زانية. وقال سعيد بن المسيب وغيره: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإمَائِكُمْ) (سورة النور : 32) فهي عامة.
ومن شَرَطَ في صِحة العقد عدم الزنا قال: إن هذه الآية غير منسوخة؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حثَّ على نكاح الحرائر والإمَاء بشرط الإحْصَان، وهو العِفة؛ لأن زواجها يؤدي إلى فساد أخلاق الرجل ودينه، فتُلْحِق به غَيْر ولده، أو تنشئ أولاده على الفساد.
وقد رأى ابن القيم حُرمة الزواج بالزانية وقال في كتابه "زاد المعاد" إن الزواج بها خبيث لقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) (سورة النور : 26) لكن قال في كتابه "بدائع الفوائد" لو زنى بامرأة ثم أراد أن يتزوجها لا يصح إلا بعد عِلْمِهِ بِتَوْبَتِهَا.
وبناء على هذا لا أرى بأسًا بزواج من كانت زانية إذا عُلمت توبتها، ولا بأس بزواج رجل زنى بامرأة ثم تاب بامرأة عفيفة، وتفصيل ذلك في الجزء الأول من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام "ص 333".
ـــــــــــــــــــــ(1/91)
هل قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم بجواز نسبة ابن الزنا لأبيه إن أقرّ به ؟
الشيخ ... عبد الرحمن السحيم
السؤال
السلام عليكم
هل صح عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، رحمهما الله ، أنهما قالا بجواز نسبة ابن الزنى لأبيه إن أقر به وعقد الزاني على من زنى بها ، وما توجيه ذلك إن صح ، وجزاكم الله خيرا
الجواب
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيراً .
هذه المسألة خِلافية بين أهل العلم ، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في منافشتها في زاد المعاد ، ولِشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية كلام حول هذه المسألة في الفتاوى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : واخْتَلَف العلماء في اسْتِلْحَاق ولد الزنا إذا لم يكن فراشا على قولين ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألْحَق ابن وليدة زمعة بن الأسود بِزمعة بن الأسود وكان قد أحْبَلَها عتبة بت أبي وقاص ، فاختصم فيه سعد وعبد بن زمعة ، فقال سعد : ابن أخي عَهِد إليّ أن ابن وليدة زمعة هذا ابني ، فقال عبد : أخي وابن وليدة أبي وُلِدَ على فراش أبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الْحَجَر . احْتَجِبِي منه يا سودة ، لما رأى من شبهه البيِّن بِعتبة ، فجعله أخاها في الميراث دون الحرمة .
وقال في الفتاوى الكبرى : في اسْتِلْحَاق الزاني ولَده إذا لم تكن المرأة فراشا قَولان لأهل العلم . اهـ .
وعَقَد ابن القيم فصلا في ذِكْر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اسْتِلْحَاق ولد الزنا وتوريثه .
ثم ذَكَر ابن القيم ما حَكَم به علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الجماعة الذين وَقَعُوا على امرأة في طهر واحد ثم تنازعوا الولد ، فأقْرَع بينهم فيه ، ثم بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم يُنْكِره .
ثم أوْرَد ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد كلهم ثقات إلى عبدِ خير عن زيد بن أرقم قال : أُتِيَ علي بن أبي طالب بثلاثة وهو باليمن وقَعُوا على امرأة في طهر واحد ، فسأل اثنين : أتُقِرَّان لهذا بالولد ؟ قالا : لا ، حتى سألهم جميعا ، فَجَعل كلما سأل اثنين قالا : لا ، فأقْرَع بينهم ، فألْحَق الولد بالذي صارتْ عليه القرعة ، وجَعَل عليه ثلثي الدية . قال فَذَكَر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فَضَحِك حتى بَدَتْ نَواجذه .
ثم أشار ابن القيم إلى اختلاف الفقهاء في هذا الْحُكم ؛ فذهب إليه إسحاق بن راهويه ، وقال : هو السُّنَّة في الولد ، وكان الشافعي يقول به في القديم ، وأما الإمام أحمد فسئل عن هذا الحديث ، فَرَجّح عليه حديث القَافَة ، وقال : حديث القافة أحبّ إليّ .
قال ابن القيم : وهاهنا أمران :
أحدهما : دخول القرعة في النَّسَب .(1/92)
والثاني : تَغريم مَن خَرَجَتْ له القرعة ثِلثي دية وَلَدِه لِصاحبيه .
وأما القُرعة فقد تُستعمل عند فقدان سواها من بينة أو إقرار أو قافة ، وليس ببعيد تَعيين الْمُسْتَحِقّ بالقُرعة في هذه ، إذ هي غاية المقدور عليه من أسباب ترجيح الدعوى ، ولها دخول في دعوى الأملاك الْمُرْسَلَة التي لا تَثبت بِقرينة ولا أمَارة ، فدخولها في النَّسَب الذي يثبت بْمُجَرّد الشَّبَه الْمُسْتَنِد إلى قول القائف أولى وأحرى .
وأما نِكاح مَن زَنَى بها الشخص فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : نِكاح الزانية حرام حتى تتوب ، سواء كان زنى بها هو أو غيره ؛ هذا هو الصواب بلا ريب ، وهو مذهب طائفة من السلف والْخَلَف مِنهم : أحمد بن حنبل وغيره ، وذهب كثير من السلف والْخَلف إلى جوازه ، وهو قول الثلاثة ، لكن مالك يَشترط الاستبراء وأبو حنيفة يُجَوّز العقد قبل الاستبراء إذا كانت حاملا ، لكن إذا كانت حَامِلا لا يجوز وطأها حتى تَضَع ، والشافعي يُبيح العقد والوطء مُطلقا ؛ لأن ماء الزاني غير مُحْتَرم ، وحُكمه لا يلحقه نَسَبه ، هذا مأخَذه ، وأبو حنيفة يُفَرّق بين الحامل وغير الحامل ، فإن الحامل إذا وطئها اسْتلحق ولدا ليس منه قطعا ، بخلاف غير الحامل ومالك وأحمد يشترطان الاستبراء ، وهو الصواب ، لكن مالك - أحمد في رواية - يشترطان الاستبراء بِحَيْضة ، والرواية الأخرى عن أحمد - هي التي عليها كثير من أصحابه كالقاضي أبي يعلى وأتباعه - أنه لا بُدّ من ثلاث حيض ، والصحيح أنه لا يجب إلا الاستبراء فقط ، فإن هذه ليست زوجة يَجب عليها عِدة وليست أعظم من المستبرأة التي يَلحق ولدها سيدها ، وتلك لا يجب عليها إلا الاستبراء فهذه أولى . اهـ .
وقال أيضا في الزانية : لا تَحِلّ حتى تتوب ، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار والمشهور في ذلك آية النور ، قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوى في عَناق .
والذين لم يَعملوا بهذه الآية ذَكَرُوا لها تأويلا ونَسْخًا ؛ أما التأويل فقالوا : المراد بالنكاح الوطء ، وهذا مما يظهر فساده بأدنى تأمّل .
أما أولاً : فليس في القرآن لفظ نِكاح إلا ولا بُدّ أن يُراد به العقد ، وإن دَخل فيه الوطء أيضا ، فأما أن يُراد به مُجَرّد الوطء فهذا لا يُوجد في كتاب الله قط .
وثانيها : أن سبب نزول الآية إنما هو استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم في التزوّج بزانية ، فكيف يكون سبب النّزول خارجا من اللفظ ؟
وأطال في مناقشة هذه المسألة في مجموع الفتاوى ، فليُرْجَع إليه .
وبعض العلماء يَقول في المرأة التي زَنَى بها شخص ، ويَعلَم أنها كانت عفيفة وهو قد غَرَّر بها : أن له أن يَتزوّج بها ؛ لأن الإسلام يَتشوّف إلى الستر ، وهذه المرأة ليتْ في حُكم الزانية ، إذ الْحُكم يَتَنَزّل على مَن عُرِفتْ بذلك .
والله تعالى أعلم
ـــــــــــــــــــــ
ما هو وضع طفل الزنا شرعا
قرأ هذا الموضوع : 80 زائر تاريخ الموضوع : Dec 9, 2006(1/93)
كتبه : الشيخ منير فرحان
... أرسل الموضوع
أطبع الصفحة
أريد أن اعرف ما هو وضع طفل الزنا شرعا وقانونا
::::::::: الجواب.
الأخت الفاضلة / ....
أسأل الله العظيم أن يجنبك الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن..
طفل الزنا في شريعة الإسلام تشمله أحكام الإسلام العامة وله خصوصيّة في بعض الأحكام؛ وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: ولد الزنا لا يلحقه إثم من جراء زنا والديه وما ارتكبا من جريمة الزنا، لأن ذلك ليس من كسبه، بل إثمهما على أنفسهما، لقوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) وقوله: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). وهو - أعني طفل الزنا - ممن يولد على الفطرة كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة..."
لكن وردت أحاديث فيها ذم لولد الزنا منها ما هو ضعيف أو موضوع لا يصح، ومنها ما هو صحيح مثل:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد الزنا شر الثلاثة" رواه أبو داود والطحاوي في مشكل الآثار و الحاكم وأحمد والبيهقي وزاد قال سفيان: يعني إذا عمل بعمل أبويه. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. قال الألباني: وهو كما قالا.
ورويت زيادة سفيان مرفوعة وحسنها المناوي وضعفها البيهقي والألباني، وقال الألباني: وهذا التفسير وإن لم يثبت رفعه فالأخذ به لا مناص منه كي لا يتعارض الحديث مع النصوص القاطعة في الكتاب والسنة أن الإنسان لا يؤاخذ بجرم غيره...
وقد روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها على وجه آخر، وهو ما روى سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة قال: بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد الزنا شر الثلاثة", فقالت: يرحم الله أبا هريرة أساء سمعاً فأساء إجابة، لم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يعذرني من فلان؟ قيل يا رسول الله، إنه مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو شر الثلاثة"، والله عز وجل يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) أخرجه الطحاوي والحاكم.
وقد تأول العلماء هذه الأحاديث بتأويلات منها:
أ / ما قاله سفيان: أنه إذا عمل بعمل والديه صار شر الثلاثة.
ب / أنه شر الثلاثة نسباً فإنه لا نسب له.
ج / وبعضهم قال: إن هذا الحديث محمول على أن غالب أولاد الزنا يكون فيهم شر لأنهم يتخلقون من نطف خبيثة والنطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب.(1/94)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَوَلَدُ الزِّنَا إنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا دَخَلَ الْجَنَّةَ, وَإِلا جُوزِيَ بِعَمَلِهِ كَمَا يُجَازَى غَيْرُهُ, وَالْجَزَاءُ عَلَى الأعْمَالِ لا عَلَى النَّسَبِ. وَإِنَّمَا يُذَمُّ وَلَدُ الزِّنَا, لأنَّهُ مَظِنَّةُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلا خَبِيثًا كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا. كَمَا تُحْمَدُ الأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ لأَنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ, فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ, وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ. الفتاوى الكبرى (5/83).
ثانياً: ولد الزنا لا يُلحق بأبيه الزاني، ولو تزوّج هذا الزاني بمزنيته.
وعلى هذا جمهور أهل العلم.
ودليل ذلك:
- ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَضَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا، أَوْ مِنْ حُرَّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنَّهُ لا يَلْحَقُ بِهِ وَلا يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادَّعَاهُ فَهُوَ وَلَدُ زِنْيَةٍ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ أَمَةٍ. الحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود، وحسنه الأرناؤوط في تحقيق المسند.
فقضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ولد الزنا لا يلحق بالزاني ولا يرثه، حتى لو ادعاه الزاني.
- حديث: مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وقال الإمام النووي: العاهر هو الزاني، ومعنى "وللعاهر الحجر" أي له الخيبة ولا حق في الولد، وعادة العرب أن تقول: له الحجر، يريدون بذلك ليس له إلا الخيبة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (وأما الولد الذي يحصل من الزنا، يكون ولدا لأمه، وليس ولدا لأبيه؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" العاهر: الزاني، يعني ليس له ولد. هذا معنى الحديث.
ولو تزوجها بعد التوبة فإن الولد المخلوق من الماء الأول لا يكون ولدا له، ولا يرث من هذا الذي حصل منه الزنا ولو ادعى أنه ابنه، لأنه ليس ولدا شرعيا) انتهى.
وعلى هذا:
1 - فلا يرث ولد الزنا من أبيه الزاني.
2 – ولا يكون ولد الزنا محرماً لبنات الرجل، بل هو أجنبي عنهن فيلزمهن الاحتجاب منه، ومع كونه غير محرم لهن، إلا أنه لا يجوز له أن يتزوج بواحدة منهن.
3 - لو ادّعى الزاني أن (ولد الزنا) هذا ولده فلا يُلتفت لدعواه لحديث: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" إلاّ إذا استلحقه ولم يوجد معارض فإنه يُلحق به وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثالثاً: إن كان طفل الزنا أنثى.
فلا يجوز لأبيها من الزنا أن يتزوجها فإنها وإن كانت مقطوعة عنه نسباً لكنها مخلوقة من مائه فهي تُلحق به كوناً ولا تُلحق به شرعاً، وليس لأبيها من الزنا عليها ولاية إنما وليها الذي يتولّى تزويجها هو السلطان.
رابعاً: ولد الزنا يُلحق بأمه ويرث منها.(1/95)
وإنما ألحق بأمه لحديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَزَنَيْتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلا وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ وَلا بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِي لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبْلَى قَالَ إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ قَالَ اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ
فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهْلا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ* رواه مسلم رقم 1695 يُؤخذ من هذا الحديث أنّ أولى الناس بحضانة ابن الزنا هي أمه لأنها أقرب الناس إليه ولما جُبلت عليه الأم من الشفقة على مولودها وهو أمر مشاهد لا يُنكره أحد لكن ليس ذلك على سبيل الإلزام فإن تخلّت عنه كان على وليّ أمر المسلمين أن يهيّئ له مرضعة وحاضنة ومن يقوم بأمره.
ويرث أمه وترثه، لأنه عليه الصلاة والسلام ألحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل"
لكن لا يلزمها رضاعة ولا حضانة و إنما يتحمل أعباء ذلك - إن أبت أمه ذلك - من بسط الله يده من أهل الولايات أو من يقوم مقامهم.
خامساً: حكم تزويج ولد الزنا.
النكاح صحيح ولم ينص أحد من الفقهاء على تحريم ذلك إنما وقع الخلاف عند الحنابلة في مدى كفاءته لذات النسب فمنهم من رأى أنه كفء لها، ومنهم من لم ير ذلك لأن المرأة تعير به هي ووليها، ويتعدى ذلك إلى ولدها (يراجع المغني 7 / 28) و (الموسوعة الفقهية 34 / 282).
هذه جملة الأحكام المهمة المتعلقة بولد الزنا في شريعة الإسلام.
أمّا وضعه بالنسبة للقانون الوضعي فليس لي علم بذلك. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــ
هل ابن الزنا من والدي يكون أخاً لي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
انا شاب ابلغ من العمر 29 عاما والدي قبل وفاته كان قد اقام علاقه غير شرعية مع امراة علما انها متزوجة وكان نتيجة هذا هو ولادتها لطفل وبعد اسبوع توفي والدي فهل علي تجاه هذا الطفل اي حق علما ان امي كانت ستغضب مني عندما(1/96)
قلت لها اني اريد السؤال عن وضع هذا الطفل في الأسلام وقالت انه ابن زنا وهو غير مسجل باسم والدك وهذه المراة متزوجة فلا اعلم افيدوني افادكم الله؟
الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:
يقول السائل خالد : [بسم الله الرحمن الرحيم
انا شاب ابلغ من العمر 29 عاما والدي قبل وفاته كان قد اقام علاقه غير شرعية مع امراة علما انها متزوجة وكان نتيجة هذا هو ولادتها لطفل وبعد اسبوع توفي والدي فهل علي تجاه هذا الطفل اي حق علما ان امي كانت ستغضب مني عندما قلت لها اني اريد السؤال عن وضع هذا الطفل في الأسلام وقالت انه ابن زنا وهو غير مسجل باسم والدك وهذه المراة متزوجة فلا اعلم افيدوني افادكم الله؟]
الجواب
ابن زنا لا يكون أخاً لك، وليس بينك وبينه علاقة أصلاً ..
وأطع أمك في عدم السؤال عنه ..
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))
فهذا الطفل ولد على فراش رجل آخر فينسب إليه..
وسؤالك عن ذلك الطفل يثير الشكوك حول والدك، وربما تسببت بسبه وشتمه إذا عزمت على مثل هذا الأمر ..
فاحفظ حقك أبيك وأمك ..
وفقكم الله ورعاكم
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
ـــــــــــــــــــــ
أدعوهم لآبائهم
حتى ولد الزنا يلحق بأبيه فى تشريع الاسلام
تعليق على قضية الفيشاوى وهند الحناوى
د . أحمد صبحى منصور
لا أقصد على الاطلاق تأييد ذلك الفيشاوى فى اتهامه لهند الحناوى بالزنا ولكن أرد على تللك الفتوى السامة التى تسىء للاسلام العظيم فى مبدئه الاساسى وفى قواعده التشريعية وفى أحكامه التفصيلية . انها الفتوى التراثية القائلة بعدم نسب ولد الزنا لأبيه.
هناك فارق بين تشريعات الاسلام وتشريعات الفقهاء المسلمين فى العصور الوسطى والتى لا يزال شيوخ التقليد والجمود فى عصرنا يستشهدون بهم حتى الآن. ومنها أخذوا تلك الفتوى الآثمة يحاولون احياءها فى عصرنا لتضيف الى ضحاياها مولودة بريئة، ظلمها أبوها واستخدم معه فقهاء التخلف لتأكيد الظلم لها وللاسلام معا.
أولا : نبدأ بتشريع القرآن والذى كان أغلبه مطبقا فى هذه الحالة قبل العصر العباسى – عصر التدوين الفقهى .
1- ان الفتوى بعدم صحة نسب ابن الزنا لأبيه تظلم نفسا بريئة لم ترتكب اثما. والظلم محرم فى تشريع الرحمن الذى لا "يريد ظلما للعالمين" ان هذه الفتوىتناقض القسط أو العدل. والقسط هو المبدأ الاسلامى أو المقصد الأعلى فى انزال الكتب(1/97)
السماوية كلها وليس القرآن وحده، انه – أى القسط – هو الهدف الأسمى لارسال كل الرسل والأنبياء وليس خاتم النبيين محمد وحده.اقرأ قوله تعالى " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ."الحديد 25". أى ان فقهاء التقليد والجمود يعملون لاقامة الظلم بديلا عن القسط ، وحسابهم عند ربهم شديد ان لم يتوبوا علنا ويرجعوا عن فتاويهم الضالة السامة.
2- ان هذه الفتوى السامة تناقض أيضا قاعدة أصولية تشريعية تكررت فى القرآن الكريم وهى "ألا تزر وازرة وزر أخرى " أى لا يتحمل برىء مسئولية ذنب لم يقع فيه . وقد تكررت هذه القاعدة الاصولية التشريعية فى القرآن الكريم خمس مرات( الانعام 164 الاسراء 15 فاطر 18 الزمر 7 النجم 38 ) ثم يؤكدها رب العزة جل وعلا فى مواضع كثيرة منها فى سورة النساء وحدها قوله تعالى "ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه" آية 111." من يعمل سوءا يجز به." "آية123 " أى أن الجانى وهو الأب المعترف بالزنا هو الذى يجب أن يحكم عليه الفقهاء بالجلد مائة جلدة. أما الوليدة المسكينة فلا يصح مطلقا أن تتحمل خطأ ابيها وتحرم من النسب ، طالما أصبح أبوها معروفا أو يمكن معرفته.
3- ان هذه الفتوى السامة تناقض حكما تشريعيا الاهيا قرآنيا فى وجوب نسبة المولود لأبيه طالما كان معروفا الأب بغض النظر عن مجيئه بزواج شرعى أو زواج فاسد او متنازع فيه او مجيئه بعلاقة غير شرعية. ان الله تعالى يقول " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله. فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم فى الدين ومواليكم. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما. ألأحزاب 5 " قد يصرخ فقهاء السوء قائلين ان هذه الآية نزلت فى قصة الصحابى زيد بن حارثة الذى تبناه النبى فنزل القرآن يمنع التبنى ويأمر باعادة نسب الابن بالتبنى لأبيه الأصلى. ولكنهم بذلك يتجاهلون القاعدة القائلة ان خصوص السبب لا يمنع عموم الاستشهاد . أى أن هذه الاية الكريمه تنطبق على الجميع فى وجوب نسبة كل مولود لأبيه اذا علم من هو الأب . ثم ان الله تعالى هنا يربط الحكم الشرعى بالمقصد التشريعى قائلا " هو أقسط عند الله " أى ان نسبة الابن لأبيه الحقيقى الطبيعى هو الأصل الشرعى فى الموضوع لأنه يتفق والقسط أو العدل فى الاسلام وكل الرسالات السماوية. وقد يكون ذلك الابن قد تبناه غير والده حبا فيه ورعاية له – ربما تفوق على رعاية الأب الأصلى ، ولكن هذا لا يمنع أن القسط والعدل فى اعطاء الابن الانتساب الى ابيه كى يتمتع بكل مميزات البنوة من ارث وعزوة وانتماء طبيعى حقيقى لمن جاء منه .
ثانيا: حين نزل القرآن الكريم أقر كل الانساب على ما هى عليه وباعتراف المجتمع بها. وكان من انواع النكاح والزواج ما نزل القرآن يحرمه ويعتبره فاحشة ومقتا وساء سبيلا، وذلك مثل زواج من تزوجها الأب " " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا .""النساء 22" وهذا الوصف للزواج ممن تزوجها الأب جاء أيضا وصفا للزنى بل يفوقه . يقول تعالى" ولاتقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا".الاسراء 32". وكان هناك انواع من المعاشرة الجنسية حذر منها القرآن واعتبرها من الزنا مثل اتخاذ الخليلات والأخدان(1/98)
ونكاح السفاح "النساء24- ..25المائدة 5 ". وكان هناك كثيرون جاءوا ثمرة لتلك العلاقات التى حرمها الاسلام ، كما كان هناك كثيرون أيضا جاءوا من زنا صريح عن طريق البغايا ذوات الرايات الحمراء اللاتى يمارسن الزنا بدون تمييز مع كل من يدفع الأجر، فكانت اذا ولدت طفلا الحقته بمن تشاء ممن يدخل عليها من زبائنها . كل اولئك الذين جاءوا عن هذا الطريق واعترف المجتمع الجاهلى ببنوته لابيه جاء الاسلام وأقر نسبه لأبيه بغض النظر عن كيفية مجيئه هل بنكاح فاسد ام بزنا صريح .
اشهر حالة من هذا النوع هو الصحابى المشهور عمرو بن العاص .
قيل فيه :اما نسبه فهو عمر بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيّد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لوي القرشي، احد "دهاة العرب الخمس". قال الرازي في تفسيره 8 ص 503، روي أن العاص بن وائل كان يقول : "إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره، واسترحتم منه، وكان قد مات ابنه عبد الله من خديجة"، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي وعامة أهل التفسير. وذكر الفخر الرازي أن أبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي معيط كانوا يشنئون رسول الله (ص) إلا أن ألهجهم به وأشدهم شنئة العاص ابن وائل. وقد اجمع المفسرون ان الاية الكريمة "ان شانئك هو الابتر" انما نزلت بحق العاص بن وائل. هذا من جهة الاب.
اما من جهة الام وكما جاء عنها في العقد الفريد وبلاغات النساء وروض المناظر وثمرات الاوراق وجمهرة الخطب فاسمها ليلى أشهر بغي بمكة وأرخصهن أجرة، ولما وضعته ادعاه خمسة كلهم أتوها غير أن ليلى ألحقته بالعاص لكونه أقرب شبها به، وأكثر نفقة عليها. ذكرت ذلك أروى بنت الحارث بن عبد المطلب لما وفدت إلى معاوية فقال لها : "مرحبا بك يا عمة ؟ فكيف كنت بعدنا ؟ فقالت : يا بن أخي ؟ لقد كفرت يد النعمة، وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك، من غير بلاء كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد (ص) فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد (ص) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون، فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا حتى قبض الله نبيه (ص) مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول : يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، ولم يجمع بعد رسول الله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار". فقال لها عمرو بن العاص : أيها العجوز الضالة ؟ أقصري من قولك، وغضي من طرفك . قالت : ومن أنت ؟ لا أم لك . قال : عمرو بن العاص . قالت: "يا بن اللخناء النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة بمكة وآخذهن لأجرة، إربع على ظلعك واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها، ولقد إدعاك ستة نفر من قريش كله يزعم أنه أبوك فسئلت أمك عنهم فقالت : كلهم أتاني فانظروا(1/99)
أشبههم به فألحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن وائل فلحقت به، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر، فأتم بهم فإنك بهم أشبه".
وعدّه الكلبي من الأدعياء في باب - أدعياء الجاهلية - وقال : قال الهيثم : "ومن الأدعياء عمرو بن العاص، وأمه النابغة حبشية".
الخلاصة ان التاريخ يذكر ان عمرو بن العاص كان ابن زنا ولكن حمل اسم ابيه ولم يؤاخذه المجتمع القرشى بخطيئة ابيه وأمه بل ظهر نبوغه السياسى ففاق كثيرين .
قضية أخرى أكثر تعقيدا وأكثر دلالة. فالأب هنا مات دون أن يعلن ان ذلك الولد المجهول الأب هو ابنه لصلبه ، ثمرة لعلاقة آثمة بينه وبين "سمية" احدى العاهرات المشهورات فى ثقيف. انه – اى الابن – زياد ابن أبيه . أشهر قواد الدولة الأموية وأشهر ولاتها على العراق وما يليه شرقا الى أواسط آسيا. نشأ زياد بن أبيه لا يعرف له أبا فاشتهر باسم زياد أبن أبيه . الا ان كونه من ولد زنا لم يقف عائقا دون ظهور نبوغه . اكتسب ثقة أمير المؤمنين على بن أبى طالب فى خلافته فولاه فارس وما يليها من المشرق، فضبط أحوالها ، بمقتل على ظل زياد بن ابيه والى على فى فارس فى موقعه رافضا أن يبايع معاوية. بعث معاوية الى داهية آخر هو المغيرة بن شعبة يستشيره فى زياد ابن أبيه قائلا : داهية العرب ومعه أموال فارس وجنده طوع أمره ." لم يكن زياد يحتاج مالا ولا جاها وليس لدى معاوية ما يقدمه له الا قصة قديمة ترددت فى حياة أبيه أبى سفيان وعلاقته بتلك البغى أم زياد فى الجاهلية ، وأقاويل لبعض الناس زعموا – بعد موت أبى سفيان – انه اعترف لهم انه الوالد الحقيقى لزياد الا انه يخشى اعلان اعترافه به . أبدى معاوية رغبته فى أن يعترف بنسب زياد الى أبيه ليصبح أخا له ويصير اسمه الرسمى زياد بن ابى سفيان فى مقابل انضمام زياد اليه. حمل المغيرة هذا العرض الى زياد فوافق عليه وانضم بجنده وعدته وعتاده وامواله الى معاوية. حدثذلك سنة 44 من الهجرة. والقصة مشهورة فى الحوليات التاريخية الاسلامية.
هذا العمل السياسى لم يعجب بالطبع خصوم معاوية وأتباع على وآله فلم يعترفوا بالنسب الجديد وتمسكوا بتسمية زياد بابن أبيه. بعضهم هاجم معاوية شعرا أشهره ما قاله يزيد بن المفرغ الحميرى:
ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلة عن الرجل اليمانى
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زانى؟
فاشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتانى
الخلاصة هنا أيضا ان أحد الصحابة الذى زعموا انه كان امين النبى على الوحى والذى اصبح خليفة مشهورا للمسلمين الحق ابن زنا بأبيه بعد موته لغرض سياسى واضح ، وقد احتج عليه كثيرون بالشعر وبالنثر ولكن فى كل الروايات التى قيلت فى الموضوع لم يقل أحدهم فى احتجاجه تلك الفتوى السامة بأن الزنا لا يثبت نسبا . السبب بسيط . لم تكن هذه الفتوى الآثمة قد تم اختراعها بعد.
ثالثا : التشريع المدون فى العصر العباسى – خصوصا السنى منه – يناقض التشريع القرآنى فى مقاصده وقواعده وتفصيلاته. وقد اثبتنا هذا فى مؤلفات لنا(1/100)
منشورة هنا منها " لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم: النسخ فى القرآن يعنى الكتابة والاثبات وليس الحذف والالغاء" و" التأويل " لكن نضيف هنا ملمحا آخر داخليا فى الفقه السنى هو قيام بنائه على التناقض والاختلاف . ومنذ دراستنا المبكرة فى الأزهر تعلمنا عبارة مأثورة كانت تتردد فى كل صفحة عدة مرات هى :" اختلف فيها العلماء" ويعنى المؤلف علماء مذهبه . أى اختلف علماء المذهب الواحد فى كل قضية فقهية ، فكيف بكل العلماء فى كل المذاهب فى كل التفصيلات ؟ ان الاختلافات الفقهية فى هذا الموضوع كثيرة ومتشعبة وبعضها يضحك منها الحزين ، ولكننا لسنا فى مجال الافاضة فى هذا اللغو الفقهى.
فاذا قال بعض الشيوخ او القانونيين عن حكم فقهى انه حكم الشرع أو حكم الشريعة فالأولى به ان يبحث لنفسه عن مهنة أخرى يتوارى بها عن أعين الناس لانه مثل مدرس الرياضيات الذى لا يحفظ جدول الضرب . لا بد ان نعرف أولا الفارق بين الفقه والشريعة الاسلامية . الشريعة الاسلامية هى التشريع الذى جاء فى القرآن الكريم من لدن الله تعالى . أما الفقه وكتب الأحاديث فهى اجتهادات لفقهاء المسلمين متأثرة بعصرهم وظروفهم وشخصياتهم . ولذلك اختلفوا الى مذاهب والى مدارس داخل كل مذهب. والحل الوحيد امامنا أن نجتهد فى ايجاد فقه متطور يلتصق بالقرآن الكريم معبرا عن عصرنا نحن وليس عن عصورالظلام فى القرون الوسطى.
أخيرا
: لقد جاءت قضية هند والفيشاوى لتثبت صحة ما نناضل من أجله .
قلنا ولا زلنا نقول ان الاستبداد بتراكمه يؤدى الى الفساد الاجتماعى والاقتصادى والاخلاقى . وقلنا ولا نزال نقول أن التدين الوهابى السطحى والاحتراف الدينى مقترنان . ولذا نحتاج الى اصلاح دينى سياسى . نحتاج الى مجتمع يعرف الحياء ولا يعرف الخوف ، يعرف التقوى ولا يعرف الرياء والنفاق . يعرف الصراحة والمواجهة ولا يسكت على بؤر الفساد فى داخله حتى تتعفن ويخشى من مناقشتها خوف الفضيحة والعار.
من أسف أن الداء قد تمكن منا حتى أصبح بعض مشاهيرالدعاة الكبار والصغارلا يكذب ابدا الا حين يتكلم. ومنهم من تطارده فى حياته أو بعد موته قصص تخجل العواهر من سماعها . ومع ذلك يتيح المناخ الفاسد لهم ان يستمروا فى الوعظ والارشاد لسبب بسيط أنهم لا يزالون يوهمون الناس انهم ليسوا محتاجين للاصلاح فهم خير أمة أخرجت للناس وان مصيرهم الى الجنة مهما فعلوا بالشفاعة التى زعموها للنبى محمد ، وان المصائب التى تنهال عليهم سببها الغرب وامريكا واسرائيل ، أى لا بد ان نصلح الغرب واسرائيل وامريكا حتى لا يتآمرون علينا. ,بالتالى فانهم يكرهون أى مصلح لأنه يدلهم على أساس الداء ويضع اصبعه على الجرح فيتالمون وينطلقون فى السب للطبيب واتهامه مع انه يرجو لهم الخير ولا يسألهم أجرا .(1/101)
مبروك هذا المناخ الفاسد على الداعية التقى النقى الذى لا يكذب أبدا الشيخ احمد الفيشاوى عليه سحائب الرحمة والرضوان. ولا عزاء لهند الحناوى وابنتها المسكينة...
آه يا بلد !!
ـــــــــــــــــــــ
من دروس الشيخ سليمان بن ناصر العلوان ، الجلسة التاسعة
السؤال الأول :
فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟
الجواب :
هذا محرم ومنكر من الفعل وقد أنكره أكثر أهل العلم وشدّد فيه الإمام أحمد رحمه الله وقال في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته !!! عليه القتل .
الجلسة التاسعة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مجموعة من الأسئلة أجاب عنها فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله في جلسته اليومية بعد صلاة الظهر وكانت الإجابة مسجلة بصوته فتم تفريغها وعرضها على الشيخ بتاريخ 30/1/1422 هـ فأذن بنشرها .
السؤال الأول :
فيه رجل يريد أن يتزوج ابنته من الزنا فما حكم ذلك ؟
الجواب :
هذا محرم ومنكر من الفعل وقد أنكره أكثر أهل العلم وشدّد فيه الإمام أحمد رحمه الله وقال في الرجل يزني بامرأة فتلد منه ابنة فيتزوجها فاستعظم ذلك وقال يتزوج ابنته !!! عليه القتل . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزوج بها وهو الصواب المقطوع به .. ) . وقال ابن القيم رحمه لله في زاد المعاد ( وقد دل التحريم بلبن الفحل على تحريم المخلوقة من ماءِ الزاني دلالة الأولى والأحرى ، لأنه إذا حرم عليه أن ينكح من قد تغذّت بلبن ثارَ بوطئه ، كيف يحل له أن ينكح من قد خُلق من نفس مائه بوطئه !! وكيف يحرّم الشارع بنته من الرضاع لما فيها من لبن كان وطء الرجل سبباً فيه ثم يبيح له نكاح من خلقت بنفس وطئه ومائه !! . هذا من المستحيل فإن البعضية التي بينه وبين المخلوقة من مائه أكمل وأتم من البعضية التي بينه وبين من تغذت بلبنه فإن بنت الرضاع فيها جزء ما من البعضية . والمخلوقة من مائه كاسمها مخلوقة من مائه فنصفها أو أكثرها بعضه قطعاً ، والشطر الآخر للأم . وهذا قول جمهور المسلمين ولا يعرف في الصحابة من أباحها ... ) . وقد جاء عن بعض أهل العلم جواز نكاح البنت من الزنا باعتبار أنها ليست بنتاً في الشرع ودليل ذلك أنهما لا يتوارثان . وهذا ضعيف فإن النسب تتبعض أحكامه وأمثلته كثيرة . وكونهما لا يتوارثان لا يعني جواز النكاح بينهما بدليل البنت من الرضاع لا يجوز نكاحها بالإجماع وهما لا يتوارثان بالإجماع . وقد قال تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } والآية عامة(1/102)
في كل من شمله لفظ البنت . ولم يثبت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة نقل هذا العموم عن عمومه فشمل كل بنت من نكاح أو زنا . وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم الأم على ابنها من الزنا فأيّ فرق بين هذه الصورة وبين البنت مع والدها فالبنت بعضها من الأب والإبن كذلك
بعضه من الأم فلا فرق بين المسألتين . وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة جريج حين استنطق الولد المخلوق بماء حرام فقال من أبوك قال : راعي الغنم ) . وهذا فيه دلالة صريحة على نسبة ابن الزنا لأبيه وأما حديث ( لا يحرم الحرام إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ) فهو حديث منكر رواه ابن عدي في الكامل والدار قطني والبيهقي وغيرهم وقد تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك الحديث وقد نقل عن ابن معين أنه كذّبه وقال الإمام أبو حاتم رحمه الله . هذا حديث باطل .
السؤال الثاني :
ما تقولون في مسافر يصلي خلف مقيم ؟
الجواب :
لا مانع من كون المسافر يصلي خلف المقيم سواء اختلفت هيئة الصلاة أم لا . واختلاف النية غير مؤثر غير أن المسافر إذا أدرك مع الإمام دون الركعة فإنه يصلي قصراً . مثال ذلك : مسافر أدرك مع الإمام التشهد الأخير من صلاة الظهر فحينئذٍ يصلي الظهر ركعتين ، فهذه صلاته إذا لم يدرك ركعة فأكثر . وأما إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة فأكثر فإنه يتم وجوباً وهذا مذهب أكثر أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما . وفي صحيح مسلم من طريق شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أُصل مع الإمام فقال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم . وفي صحيح مسلم من طريق نافع قال كان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً وإذا صلاّها وحده صلى ركعتين . وروى البيهقي في السنن من طريق سليمان التميمي عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر : المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان أو يصلي بصلاتهم ؟ قال فضحك وقال يصلي بصلاتهم . وإذا اختلفت هيئة الصلاة كأن يصلي المسافر صلاة المغرب خلف مقيم يصلي العشاء فإنه حينئذٍ يجلس بعد الثالثة . وهل يكمل صلاته وينصرف أم ينتظر الإمام حتى يتم صلاته ويتشهد معه ويسلم ؟ لكل من هذين القولين احتمال والأقرب في نظري الاحتمال الثاني وهو الانتظار . وإذا كان العكس كأن يصلي المسافر صلاة العشاء خلف مقيم يصلي المغرب ، فالذي يظهر لي في هذه المسألة أنه يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته ويتشهد ويسلم معه والله أعلم .
السؤال الثالث :
ما الحكم في رجل دخل عليه وقت صلاة الظهر وسافر فهل له القصر؟
الجواب :
إذا دخل عليه وقت الصلاة وخرج من البلد فإنه يصلي صلاة مسافر وهو قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد ، لأن الحكم للمكان(1/103)
لا للزمان . وقيل ليس له القصر لأنها وجبت عليه في الحضر فلزمه إتمامها وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وهذا القول فيه ضعف وينتقض بما لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى رجع إلى بلده فإنه يصلي صلاة مقيم عند الحنابلة وغيرهم فبان أن الحكم للمكان لا للزمان فحيثما صلى اعتبر مكانه فإن صلى في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر وإن صلى في الحضر صلى صلاة مقيم .
السؤال الرابع :
ما تقولون في رجل عدم الماء فتيمم وصلى وحين فرغ من صلاته وجد الماء ؟
الجواب :
الصحيح في هذه المسألة أن الصلاة مجزئة وهو قول أكثر أهل العلم و إليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد . وذهب ابن سيرين والزهري وغيرهما إلى أنه يعيد الصلاة ما دام في الوقت . والصحيح مذهب الجمهور فقد سقط الفرض بالتيمم حين العجز عن الماء وقد اتقى المصلي ربه وعمل بالبدل حين تعذر الأصل وهذا المشروع في حقه ولا يلزم إعادة الصلاة مرة ثانية لأن هذا غير مشروع وقد ورد النهي عن ذلك فروى أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) . وروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين يُنتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب فذكر الفقهاء السبعة من المدينة وذكر أشياء من أقاويلهم وفيها وكانوا يقولون من تيمم فصلى ثم وجد الماء وهو في وقت أو في غير وقت فلا إعادة عليه ويتوضأ لما يستقبل من الصلوات ... ) . وروى أبو داود في سننه من طريق عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمّما صعيداً طيباً فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يُعد : أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين . قال أبو داود رحمه الله . وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل .
السؤال الخامس :
فضيلة الشيخ إذا صلت المرأة صلاة الجمعة خلف الإمام في المسجد فهل تصلي ركعتين كصلاة الإمام أم أنها تتم أربعاً بعد سلام الإمام ؟
الجواب :
ذكر الإمام ابن المنذر في كتابه الإجماع أن العلماء مجمعون على أن النساء إذا حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن . وإذا أدركت من صلاة الجمعة ركعة فلتصل إليها أخرى وتصح صلاتها وإذا لم تدرك ركعة أو صلت في بيتها فلتصل أربعاً . وقد جاء عن عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا أدركتَ من الجمعة ركعة فأضف أخرى وإن أدركتهم جلوساً فصل أربعاً . وحكى ابن المنذر الإجماع على أن من فاتته الجمعة من المقيمين أنهم يصلون أربعاً(1/104)
. وجاء عن أبي حنيفة وجماعة من أهل العلم أنه إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام فإنه يصلي ركعتين وإذا لم يدرك الإمام في صلاته فإنه يصلي أربعاً باتفاقهم .
السؤال السادس :
ما حكم السجود للسهو وما هي مواضعه ؟
الجواب :
السجود للسهو في نقص أو زيادة أو شك واجب في أصح قولي العلماء فقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به . والأصل في الأمر أن يكون للإجاب مالم يصرفه صارف .
وقد سجد النبي صلى الله عليه وسلم تارة قبل السلام وتارة بعده .
فقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله السجود كله بعد السلام .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله . كله قبل السلام .
وفصّل في ذلك الإمام مالك فقال إذا كان السهو عن نقص في الصلاة فيسجد قبل السلام وإذا كان عن زيادة في الصلاة فيسجد بعد السلام ولا خلاف في مذهب مالك أنه لو جعل السجود كله قبل السلام أو كله بعد السلام لم يكن عليه شيء وهذا مذهب أكثر أهل العلم . وأما مذهب الإمام أحمد رحمه الله فقد اختلفت الروايات عنه فقيل قبل السلام كمذهب الشافعي وعنه بعد السلام وعنه كمذهب الإمام مالك . وعنه يسجد قبل السلام في كل شيء إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام وقال لولا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام لرأيت السجود كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيقضيه قبل السلام وهذا مذهب قوي لأنه مبني على الأصل غير أنه لا بأس بالسجود قبل السلام في سهو محله بعد السلام ويمتنع العكس لأنه لا يخرج عن الصلاة قبل أن يقضي ما عليه فإن فعل صحت صلاته على الصحيح . ومواطن سجوده صلى الله عليه وسلم بعد السلام ثلاثة :
1- سجد بعد السلام حين خرج من الصلاة قبل إتمامها وحديث هذه المسألة في الصحيحين من رواية أبي هريرة في قصة ذي اليدين .
2- وسجد صلى الله عليه وسلم بعد السلام حين زاد ركعة ولم يعلم بها حتى سلم من صلاته جاء هذا في حديث ابن مسعود في الصحيحين .
3- وقال صلى الله عليه وسلم . إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ثم يسلم ثم يسجد . جاء هذا في الصحيحين من حديث ابن مسعود .
ولا تنافي بين هذا وبين حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم . فهذا محمول على من بنى على اليقين وحديث ابن مسعود فيمن تحرى وبنى على غلبة الظن . فالإمام يبني على غلبة الظن ويسجد بعد السلام .(1/105)
والمنفرد يبني على اليقين ويسجد قبل السلام . والفرق بينهما أن الإمام يجد من ينبهه ويرشده إلى الصواب وحينئذٍ فالأفضل في حقه أن يبني على غلبة الظن . بخلاف المنفرد فيبني على اليقين وهو الأقل حتى يخرج من الصلاة بيقين والله أعلم
ـــــــــــــــــــــ
دعوة للاجتهاد الجماعي في طرق كفالة اللقيط
د. فريدة صادق زوزو
إن أبطل الشارع الحكيم إثبات نسب ابن الزنا للذي زنا، فإنه في المقابل أثبت نسبه للتي ولدته، فهي وإن كانت له كارهة فإن الشارع الحكيم أمرها برعاية ثمرة الخطيئة وحضانته حتى يقوى، من باب أولى، لأنه لا معيل له إلا أمه التي حملته تسعة أشهر وولدته، فرعايته مما يمكن أن تكفر بها عن خطيئتها، فهذا المصطفى صلى الله عليه وسلم يؤخر عن الزانية الحامل الحدّ حتى وضعت وأتمت فطام وليدها.
وإن حدث أن الزانية أو المغتصبة حملت ولم تجهض حملها ووضعته حيا، ثم ألقت به في العراء فإن الشريعة الإسلامية حثّت على التقاطه ورعايته؛ فهو" نفس محترمة في الشرع الإسلامي، تستحق الحفظ والرعاية، وفي التقاطه إنقاذ لنفس محترمة من الهلاك أو الضياع"[i]. فالشريعة الإسلامية شرعت له أحكاماً كفيلة بحفظه وتعهده حتى يرشد؛ لأن نفسه مصونة محترمة وفي التقاطه إحياء لنفس قال فيها العلي القدير:? ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا? (المائدة: 32).
وقد توسع الفقهاء الأجلاء في بيان أحكام اللقيط، وقلما يخلو كتاب فقهي من هذا الباب؛ حيث يتم الحديث عَمَّن هو اللقيط؟ ومن له حق الالتقاط، وكيف تتم النفقة عليه؟ فالتقاطه فرض عين على الذي وجده، وقيل هو من فروض الكفاية[ii]، وبالإضافة إلى حكم التقاطه، فقد بيّن الفقهاء كثيرا من أحكام اللقيط، منها خاصة التي تتعلق بدينه؛ هل يحكم له بدين الإسلام مطلقا، أم إذا وجد في دار الإسلام فقط؟ وهل يصح الانتقال باللقيط والسفر به إلى مكان آخر بعيدا عن مكان الالتقاط، وغيرها من الأحكام المهمة والمفيدة، كدعوى نسب اللقيط؛ حيث يعتبر هذا المبحث من أهم أحكام اللقيط في أن يثبت نسبه من أحد ما، مسلما كان أو ذميا، والأولى بالتقاطه المسلم[iii].
غير أن الذي نشهده في الوقت الحالي وبالخصوص في الدول المنكوبة لمجاعة أو كوارث طبيعية أو حروب أن الأطفال تلتقطهم الإرساليات التبشيرية النصرانية بالخصوص، بغرض تنصيرهم؛ تحت شعار (إنجيل مقابل طعام) كما يحدث في كثير من الدول الإفريقية، وفي البوسنة والشيشان، وكوسوفا، وآتشي وغيرها. وفي هذا المجال لا يمكن نكران ما تقوم به بعثات الإغاثة الإسلامية، إلا أنها ليست بنفس حجم الإرساليات التبشيرية.
وهذا أحد الأوجه في مشكلة اللقطاء في عصرنا، لأن اللقطاء ليسوا لقيطا واحدا، كما كان يبحث الفقهاء قديماً، ففكرة ولادة طفل غير شرعي ورميه على قارعة الطريق كان من نوادر الأمور؛ لأن عصرهم لم يشهد ما يشهده العصر الحالي من ازدياد نسبة اللقطاء بنفس التزايد للأطفال الشرعيين[iv]، كما أن العصور السابقة كانت(1/106)
الكفة فيها للمسلمين في الحروب بنشرهم الإسلام، ولم تكن فكرة هتك عرض الحربي لتدور في ذهن المجاهد المسلم، فقد أغناه الله تعالى بإباحة التسري. أما الآن والكفار هم الذين يغزون بلاد المسلمين؛ فإن هتك العرض والاغتصاب مما لا يمكن نكرانه، فمما تتناقله وكالات الأنباء عن الاغتصاب الجماعي والفردي الشيء العظيم.
وهذه هيئة "الأمم المتحدة" تصرح عن ولادة ما يقارب سبعة آلاف طفل من سفاح في كوسوفا وحدها، فما بالك بالأرقام الخفية، ثم أضف لكوسوفا البوسنة والشيشان، وغيرها.
أما الوجه الثاني فهو الازدياد المتعاظم للقطاء في الوقت الذي انتشرت فيه العلاقات الجنسية غير الشرعية بشكل كبير، رغم أن هؤلاء يستعملون موانع الحمل، إلا أنها لا تسلم في كل الأحوال، فيجد أصحاب الرذيلة في الدور والمستشفيات المخصصة لاستقبال الأمهات "العازبات" ما يمكن أن يريح ضميرهم في التخلص من ثمرة الفاحشة بطريقة طبيعية رحيمة غير وحشية؛ فهذه المراكز تعمل لأجل استقبال المواليد غير الشرعيين، أو الذين ترفضهم أسرهم، من أجل أن تحل مشكلة العقم عند بعض الأسر.
وتظهر مشكلة اللقطاء بشكل واسع وعريض في المجتمعات، في الوقت الذي يقل فيه عدد الذين يقبلون على رعايتهم وكفالتهم ابتغاء وجه الله، في إحياء نفس تهددها الموت بين اللحظة والأخرى، إحياءً ماديا ومعنوياً، فلا يعيش عالة على المجتمع تأخذ به الهواجس والآلام كل مأخذ؛ مما قد يجعل من اللقيط إنسانا سلبيا يعيش تناقضا في حياته، فلا هو ينفع نفسه، ولا هو ينفع المجتمع.
فمما نحتاجه الآن هو الاجتهاد الجماعي في الطريقة المثلى لرعاية عشرات اللقطاء، وكيف السبيل لذلك، وتحت مسؤولية من؟ والنفقة على الملايين ليست مثل النفقة على اللقيط الواحد! فمن أين الإنفاق؟ أمن مصارف الزكاة؟ أم مما تجود به يد المحسنين؟ أم بإنشاء صندوق وقف يرجع ريعه لهؤلاء المساكين؟ وهذه الأسئلة غيض من فيض مما يجب البحث فيه فقهيا، للخروج من هذه الأزمة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بلقطاء مسلمين، ناهيك عن لقطاء العالم .
[i] - زيدان، عبد الكريم: مجموعة بحوث فقهية مقارنة، (بيروت: مؤسسة الرسالة/ بغداد: مكتبة القدس، 1986)، ص 352.
[ii] - جاء في بدائع الصنائع أن التقاطه أمر مندوب إليه، الكاساني، بدائع الصنائع، ط2، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1982)، ج6/ ص 198؛ أيضا: السرخسي، المبسوط، ج10/ ص 209. والراجح عند الحنابلة أنه واجب على الكفاية لقوله تعالى:? وتعاونوا على البر والتقوى? ولأن فيه إحياء نفسه فكان واجبا كإطعامه إذا اضطر وإنجائه من الغرق. أنظر: ابن قدامة، المغني، ج5/ ص 747. وهو الرأي الذي رجحه الإمام أبو زهرة "فهو كفاية على كل من يعلم به، ويكون إيواؤه فرض عين على من يراه في مكان ويغلب على ظنه الهلاك إن تركه، وإن لم يخش الهلاك كان إيواؤه مندوبا إليه". أبو زهرة، الأحوال الشخصية، ط3، (دار الفكر العربي، 1957)، ص 400.(1/107)
[iii] - أنظر: ابن رشد، بداية المجتهد، (دار الفكر، د.ت)، ج/ص 232؛ السرخسي، المبسوط، ج17/ ص130؛ الكاساني، بدائع الصنائع، ج6/ص 197؛ ابن قدامة، المغني، ج5/ ص747- 882.
[iv] - ففي فرنسا مثلا: جاء في تقرير المعهد الوطني الفرنسي للأبحاث الديمغرافية أن 330 ألف مولود سنويا يولدون بغير أب معروف. أنظر: الياسين، جاسم بن محمد بن مهلهل: "الفساد والمفسدون"، الوطن، العدد 8735، السنة 39، 8 ربيع الأول 1421هـ/ 10يونيو 2000، ص24.
ـــــــــــــــــــــ(1/108)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الإعسار
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(2/1)
«الإعذار إلى الممتنع من الإنفاق على زوجته»
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1747)
«الإعذار إلى الممتنع من الإنفاق على زوجته»
22 - الفقهاء متّفقون على أنّ على الزّوج الإنفاق على زوجته متى تحقّقت الشّروط الموجبة لذلك ، فإذا امتنع من الإنفاق ففي كلّ مذهبٍ شروطٌ وتفصيلاتٌ.
قال الحنفيّة : إذا طلبت المرأة من القاضي أن يفرض لها النّفقة ، ففرض وهو معسرٌ ، فإنّ القاضي يأمرها بالاستدانة ، ثمّ ترجع على الزّوج إذا أيسر ، ولا يحبسه في النّفقة إذا علم أنّه معسرٌ ، وإن لم يعلم القاضي أنّه معسرٌ ، وسألت المرأة حبسه بالنّفقة ، لا يحبسه القاضي في أوّل مرّةٍ ، ولكن يأمره بالإنفاق ويعذر إليه ، بأن يخبره أنّه يحبسه إن لم ينفق.
فإن عادت المرأة بعد ذلك مرّتين أو ثلاثاً حبسه القاضي ، وكذا في دينٍ آخر غير النّفقة.
وإذا حبسه القاضي شهرين أو ثلاثةً أو أربعةً يسأل عنه.
والصّحيح أنّه ليس بمقدّرٍ ، بل هو مفوّضٌ إلى رأي القاضي ، إن كان في أكبر رأيه أنّه لو كان له مالٌ يضجر ويؤدّي الدّين يخلّى سبيله ، ولا يمنع الطّالب عن ملازمته ، ولا يمنعه عن التّصرّف.
وإن كان غنيّاً لا يخرجه حتّى يؤدّي الدّين والنّفقة إلاّ برضى الطّالب.
فإن كان له مالٌ حاضرٌ أخذ القاضي الدّراهم والدّنانير من ماله ، ويؤدّي منها النّفقة والدّين ، لأنّ صاحب الحقّ لو ظفر بجنس حقّه كان له أن يأخذه ، وكذا إذا ظفر بطعامٍ في النّفقة.
والعجز عن الإنفاق لا يوجب حقّ الفراق.
ومذهب المالكيّة : أنّ للزّوجة الفسخ بطلقةٍ رجعيّةٍ ، إن عجز زوجها عن نفقةٍ حاضرةٍ ، ولها أن تبقى معه ، وإن علمت فقره عند العقد فليس لها ذلك.
وإذا أرادت الفسخ رفعت الأمر للحاكم فيأمره - إن لم يثبت عسره ببيّنةٍ ، أو تصديقها بالنّفقة أو الكسوة إن شكت عدمها ، أو الطّلاق - ويقول له : إمّا أن تنفق عليها أو تطلّقها.
وإن أثبت عسره ابتداءً ، أو بعد الأمر بالطّلاق ، تصبر له بالاجتهاد بما يراه الحاكم من غير تحديدٍ بيومٍ أو أكثر ، وزيد في مدّة التّلوّم إن مرض أو سجن بعد إثبات العسر ، لا في زمن إثباته ، فيزاد بقدر ما يرجى له شيءٌ ، وهذا إذا رجي برؤه من المرض وخلاصه من السّجن عن قربٍ ، وإلاّ طلّق عليه ويستوي في ذلك غياب الزّوج أو حضوره ، والزّوج الغائب الّذي يتلوّم له هو الّذي لم يوجد عنده ما يقابل النّفقة ، ولم يعلم موضعه ، أو زادت غيبته على عشرة أيّامٍ.
وأمّا قريب الغيبة كثلاثة أيّامٍ ، فإنّه يرسل إليه الحاكم ، إمّا أن تنفق عليها أو يطلّق عليك.
ومذهب الشّافعيّة أنّ الممتنع من الإنفاق إمّا أن يكون موسراً أو معسراً.(2/2)
فإن كان موسراً فعندهم قولان ، أصحّهما : أنّه لا يفسخ النّكاح حاضراً كان الزّوج أو غائباً ، لانتفاء الإعسار الموجب للفسخ ، وهي متمكّنةٌ من تحصيل حقّها بالرّفع إلى الحاكم.
والثّاني : أنّ لها الفسخ لتضرّرها بالمنع.
وإن كان معسراً ، فإن صبرت ، وأنفقت من مالها أو القرض صارت ديناً عليه ، وإلاّ فلها الفسخ في الأظهر ، كما تفسخ بالجبّ والعنّة ، بل هذا أولى ، لأنّ الصّبر على عدم الاستمتاع أسهل من الصّبر على عدم النّفقة ، والثّاني : لا فسخ لها لأنّ المعسر منظرٌ ، لقوله تعالى : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» ولا فسخ حتّى يثبت عند قاضٍ إعساره بالإقرار أو البيّنة.
ثمّ في قولٍ ينجّز الفسخ للإعسار بالنّفقة وقت وجوب تسليمها وهو طلوع الفجر ، ولا يلزم الإمهال ، والأظهر إمهاله ثلاثة أيّامٍ ليتحقّق عجزه ، وهي مدّةٌ قريبةٌ يتوقّع فيها القدرة بقرضٍ أو غيره ، ولها الفسخ صبيحة الرّابع بنفقته إلاّ أن يسلّم نفقته.
ولو رضيت بإعساره العارض ، أو نكحته عالمةً بإعساره فلها الفسخ بعده.
ومذهب الحنابلة كمذهب الشّافعيّة في أنّ زوجة المعسر مخيّرةٌ بين الصّبر عليه وبين فراقه.
روي نحو ذلك عن عمر وعليٍّ وأبي هريرة ، وبه قال سعيد بن المسيّب والحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة وحمّادٌ وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
ولم يعثر عند الحنابلة على نصٍّ في لزوم الإعذار للإعسار عن النّفقة ، والظّاهر من كلامهم أنّه يطلّق على الفور.
وتفصيل هذه الأحكام في مصطلحي « إعسارٌ ، ونفقةٌ » .
«الإعذار إلى المعسر بمعجّل المهر»
23 - إذا ثبت إعسار الزّوج بمعجّل الصّداق وطالبته الزّوجة به فهل يطلّق عليه فور الثّبوت ، أو يعذر إليه قبل الطّلاق ، أو لا إعذار ولا تطليق ؟ اختلف الفقهاء في التّطليق عليه وفي الإعذار إليه ، فقال المالكيّة : إنّه يطلّق عليه لكن بعد الإعذار.
وللشّافعيّة والحنابلة أقوالٌ وتفصيلاتٌ في التّطليق عليه.
أمّا الحنفيّة فقالوا : لا يطلّق عليه.
وقال المالكيّة : إنّ الزّوجة إن طالبت الزّوج بالصّداق الواجب ولم يجده ، فإن ادّعى العدم ، ولم تصدّقه ، ولا أقام بيّنةً على صدقه ، ولا مال له ظاهرٌ ، ولم يغلب على الظّنّ عسره أجّله الحاكم لإثبات عسره ، إن أعطى حميلاً « كفيلاً » بالوجه ، وإلاّ حبسه كسائر الدّيون.
ومدّة التّأجيل متروكةٌ للقاضي.
ثمّ إذا ثبت عسره بالبيّنة أو صدّقته تلوّم له « تمكث » بالنّظر ، وإذا لم يثبت عسره في مدّة التّأجيل ولم تصدّقه ، فقال الحطّاب : الظّاهر أنّه يحبس إن جهل حاله ليستبين أمره ، ولو غلب على الظّنّ عسره تلوّم له ابتداءً.
فأمّا ظاهر الملاءة « الغنى » فيحبس إلى أن يأتي ببيّنةٍ تشهد بعسره ، إلاّ أن يحصل لها ضررٌ بطول المدّة فلها طلب التّطليق.(2/3)
ومن ذهب إلى فسخ النّكاح بإعسار الزّوج بمعجّل المهر من الشّافعيّة والحنابلة قالوا : يثبت لها الفسخ بالإعسار ، ولم يذكروا إعذاراً ، لكنّهم قالوا : إنّ الفسخ لا يكون إلاّ من الحاكم.
وقال الحنفيّة : إنّه يترتّب على عدم قبض الزّوجة معجّل مهرها أنّها تملك أن تمتنع عن الدّخول في طاعته ، ولا تكون بذلك ناشزةً ، وليس له حبسها ومنعها من السّفر وغيره.
والمفهوم من كلامهم أنّه يستوي في ذلك أن يكون سبب عدم الإقباض العسر أو غيره ، لأنّهم ذكروا أنّ لها المنع حتّى تستوفي المعجّل ، فيفيد الإطلاق على هذا الوجه أنّ لها الامتناع مطلقاً في اليسار والإعسار.
ـــــــــــــــــــ
الإعسار
الموسوعة الفقهية
«التعريف»
1 - الإعسار في اللّغة : مصدر أعسر ، وهو ضدّ اليسار ، والعسر : اسم مصدرٍ وهو الضّيق والشّدّة والصّعوبة ، قال تعالى : «سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً» وفي التّنزيل : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» والعسرة : قلّة ذات اليد ، وكذلك الإعسار.
وفي الاصطلاح : هو عدم القدرة على النّفقة ، أو أداء ما عليه بمالٍ ولا كسب.
وقيل : هو زيادة خرجه عن دخله ، وهما تعريفان متقاربان.
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الإفلاس»
2 - الإفلاس معناه في اللّغة : الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر.
وفي الاصطلاح : أن يكون الدّين الّذي على الشّخص أكثر من ماله ، فالفرق بينه وبين الإعسار أنّ الإفلاس لا ينفكّ عن دينٍ ، أمّا الإعسار فقد يكون عن دينٍ أو عن قلّة ذات اليد.
«ب - الفقر»
3 - الفقر : لغةً الحاجة ، وفي الاصطلاح عرّف بعض الفقهاء الفقير : بأنّه الّذي لا شيء له ، والمسكين : الّذي له بعض ما يكفيه ، وعرّفهما بعضهم بعكسه.
هذا إذا اجتمعا ، كما في قوله تعالى : «إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين» أمّا إذا افترقا بأن ذكر أحدهما دون الآخر ، فإنّ أحدهما يدلّ على مطلق الحاجة.
«ما يثبت به الإعسار»
4 - يثبت الإعسار بأمورٍ منها :
أ - إقرار المستحقّ « صاحب الدّين » فإذا أقرّ أنّ مدينه معسرٌ فإنّه يؤخذ بإقراره ، ويخلّى سبيل المدين ، لأنّه استحقّ الإنظار بالنّصّ.
لقوله تعالى : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه ليس له ملازمته خلافاً للحنفيّة حيث قالوا : لا يمنع من ملازمته.(2/4)
ب - ويثبت الإعسار بأدلّةٍ أخرى كالشّهادة واليمين والقرائن وغير ذلك.
وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح « إثباتٌ » .
«آثار الإعسار»
«أوّلاً : آثار الإعسار في حقوق اللّه الماليّة»
«أ - أثر الإعسار في سقوط الزّكاة بعد وجوبها»
5 - قد يكون سبب الإعسار تلف المال الّذي فيه الزّكاة على وجهٍ يصير به المزكّي معسراً.
وعلى هذا إذا لم يكن لدى المزكّي غير المال التّالف فهو معسرٌ بحقّ الزّكاة ، فيثبت في ذمّته عند الجمهور ، خلافاً للحنفيّة.
وتفصيله في « الزّكاة » .
«ب - أثر الإعسار في منع وجوب الحجّ ابتداءً»
6 - أجمع المسلمون على أنّ الحجّ لا يجب إلاّ على المستطيع ، ومن الاستطاعة القدرة الماليّة ، لقوله تعالى : «وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً» « وسئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن السّبيل فقال : الزّاد والرّاحلة » .
فمن لم يجد الزّاد والرّاحلة يكون معسراً ، فلا يجب عليه الحجّ ابتداءً.
وصرّح الحنابلة بأنّ المعسر لو تكلّف الحجّ بدون إلحاق ضررٍ بغيره ، مثل أن يمشي ويكتسب بصناعته ، أو معاونة من ينفق عليه ، ولا يسأل النّاس ، استحبّ له الحجّ.
واستدلّوا لذلك بقوله تعالى : «يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ» فقدّم ذكر الرّجال وهم المشاة.
أمّا من بلغ واستطاع الحجّ فلم يحجّ ثمّ أعسر ، ثبت في ذمّته الحجّ ، وعليه أداؤه إذا أيسر ، ويأثم إذا مات ولم يؤدّه ، فإن أوصى وله تركةٌ وجب الإحجاج عنه قبل تقسيم التّركة.
«ت - أثر الإعسار في سقوط النّذر»
7 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه إن نذر التّصدّق بشيءٍ ، وليس في ملكه إلاّ أقلّ منه ، لا يلزمه غيره ، لأنّ النّذر بما لا يملك لا يصحّ.
وذهب المالكيّة إلى أنّ من نذر ما لا يملك لزمه إن قدر عليه ، فإن لم يقدر لزمه بدله أو بدل بدله ، فلو نذر بدنةً لزمته ، فإن أعسر عنها فبقرةٌ ، فإن أعسر عنها فسبع شياهٍ ، فلو قدر على ما دون السّبعة من الغنم فإنّه لا يلزمه إخراج شيءٍ من ذلك ، وهو ظاهر كلام خليلٍ والموّاق ، وفي كلام بعضهم أنّه يلزمه إخراج ما دون السّبعة من الغنم ، ثمّ يكمّل ما بقي متى أيسر ، لأنّه ليس عليه أن يأتي بها كلّها في وقتٍ واحدٍ.
وعند الحنابلة : من نذر طاعةً لا يطيقها ، أو كان قادراً عليها فعجز عنها فعليه كفّارة يمينٍ ، لما روى « عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال : نذرت أختي أن تمشي إلى بيت اللّه حافيةً ، فأمرتني أن أستفتي لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فقال : لتمش ولتركب » .(2/5)
وعن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا نذر في معصية اللّه ، وكفّارته كفّارة يمينٍ » .
قال : « ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفّارته كفّارة يمينٍ »
«ث - أثر الإعسار في كفّارة اليمين»
8 - إذا حنث الحالف في الأيمان فعليه الكفّارة ، لقوله تعالى «ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان» إن شاء أعتق رقبةً ، وإن شاء أطعم عشرة مساكين أو كساهم ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ ، لقوله تعالى : «فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ» على التّخيير بينها «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ» وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه « ثلاثة أيّامٍ متتابعاتٍ » وقراءته مع شذوذها عند القرّاء هي كالخبر المشهور من حيث الرّواية.
فمقتضى هذا أنّ الإعسار بالعتق أو الإطعام أو الكسوة ينتقل به المعسر إلى الصّيام.
«ج -الإعسار بقيمة الماء للوضوء والغسل»
9 -ذهب الفقهاء إلى أنّه لو لم يجد الماء مريد الوضوء والغسل إلاّ أن يشتريه بثمن المثل وقدر عليه فإنّ عليه أن يشتريه ، ولا يجب عليه أن يشتريه بأكثر ، والكثير ما فيه غبنٌ فاحشٌ ، وفي مقدار الغبن خلافٌ وتفصيلٌ ، وأولى ما قيل فيه : إنّه ما لا يدخل تحت تقويم المقوّمين.
وعلى هذا فإن أعسر بما لزمه شراء الماء به ، فإنّه يتيمّم ولو كان الماء موجوداً.
«ح - أثر الإعسار في الفدية»
10 - ذهب الحنفيّة وبعض الحنابلة إلى أنّه إذا أعسر بالفدية في الصّوم سقطت ، ويستغفر اللّه تعالى.
وذهب الشّافعيّة ، وهو الصّحيح من مذهب الحنابلة إلى أنّه إذا عجز عن الفدية تبقى في ذمّته.
أمّا المالكيّة فالفدية عندهم مندوبةٌ.
«ثانياً:آثار الإعسارفي حقوق العباد»
«أ - الإعسار بمئونة تجهيز الميّت وتكفينه»
11 - إذا مات الإنسان معسراً فكفنه على من وجبت عليه نفقته في حال حياته ، وهو قول أبي حنيفة فيما نقل عنه - وهو المفتى به - وإذا لم يكن للميّت من تجب عليه نفقته ، أو كان - وهو فقيرٌ - فكفنه على بيت المال ، فإن لم يكن بيت المال معموراً أو منتظماً فعلى المسلمين تكفينه.
وتفصيله في « تكفينٌ » .
«ب - الإعسار بأجرة الأجير وأجرة البيت ونحوه»
12 - قال الحنفيّة : إنّ الإجارة تفسخ بالأعذار ، كما لو آجر دكّاناً أو داراً ثمّ أفلس - ولزمته ديونٌ لا يقدر على قضائها إلاّ بثمن ما آجر - فسخ القاضي العقد وباعها في الدّيون ، لأنّ في الجري على موجب العقد إلزام ضررٍ زائدٍ لم يستحقّ بالعقد ، وهو الحبس ، لأنّه قد لا يصدّق على عدم مالٍ آخر.
وعند الشّافعيّة : أجر الأجير دينٌ ، ومتى كان على رجلٍ ، وكان مؤجّلاً ، لم يجز مطالبته به حتّى يحين أجله ، لأنّه لو جاز مطالبته به سقطت فائدة التّأجيل.(2/6)
وإن كان حالاًّ ، فإن كان معسراً لم يجز مطالبته به لقوله تعالى : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» ولا يملك ملازمته ، لأنّ كلّ دينٍ لا يملك المطالبة به لم يملك الملازمة عليه كالدّين المؤجّل.
فإن كان يحسن صنعةً فطلب الغريم أن يؤجّر نفسه ليكسب ما يعطيه لم يجبر على ذلك ، لأنّه إجبارٌ على التّكسّب ، فلم يجز كالإجبار على التّجارة ، وإن أكرى أرضاً فأفلس المكتري بالأجرة ، فإن كان قبل استيفاء شيءٍ من المنافع فله أن يفسخ ، لأنّ المنافع في الإجارة كالأعيان المبيعة في البيع ، ثمّ إذا أفلس المشتري والعين باقيةٌ ثبت له الفسخ ، فكذلك إذا أفلس المكتري والمنافع باقيةٌ وجب أن يثبت له الفسخ.
«ت - إعسار المحال عليه»
13 - لا يرجع المدين على المحيل إلاّ أن يموت المحال عليه مفلساً ، أو يجحد ولا بيّنة عليه ، لأنّه عجز عن الوصول إلى حقّه ، والمقصود من الحوالة سلامة حقّه ، فكانت مقيّدةً بالسّلامة ، فإذا فاتت السّلامة انفسخت كالعيب في المبيع.
هذا عند أبي حنيفة ، وزاد الصّاحبان أنّه يرجع بوجهٍ آخر أيضاً ، وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حياته ، بناءً على أنّ الإفلاس يتحقّق عندهما بقضاء القاضي ، وعنده لا.
وهي كذلك عند الشّافعيّة ، فإن أحاله على مليءٍ فأفلس أو جحد الحقّ وحلف عليه لم يرجع إلى المحيل ، لأنّه انتقل حقّه إلى مالٍ يملك بيعه فسقط حقّه في الرّجوع ، كما لو أخذ بالدّين سلعةً ثمّ تلفت بعد القبض.
وإن أحاله على رجلٍ بشرط أنّه مليءٌ فبان أنّه معسرٌ ، فقد ذكر المزنيّ أنّه لا خيار له ، وأنكر أبو العبّاس بن سريجٍ هذا وقال : له الخيار ، لأنّه غرّه بالشّرط فثبت له الخيار ، كما لو باعه بقرةً بشرط أنّها حلوبٌ ، ثمّ بان أنّها ليست كذلك.
وقال عامّة الأصحاب : لا خيار له لأنّ الإعسار نقصٌ ، فلو ثبت به الخيار لثبت من غير شرطٍ كالعيب في المبيع ، ويخالف الصّفة المرغوبة ، فإنّ عدمها ليس بنقصٍ وإنّما هو عدم فضيلةٍ ، فاختلف الأمر فيه بين أن يشرط وبين ألاّ يشرط.
والمالكيّة كذلك يرون أنّه إن شرط المحال على المحيل إن أفلس المحال عليه رجع على المحيل فله شرطه.
ونقله الباجيّ كأنّه المذهب ، وقال ابن رشدٍ : هذا صحيحٌ لا أعلم فيه خلافاً.
وأمّا الحنابلة فقد قالوا : متى توفّرت الشّروط برئ المحيل من الدّين بمجرّد الحوالة ، لأنّه قد تحوّل من ذمّته ، فإن أفلس المحال عليه بعد ذلك أو مات أو جحد الدّين فلا يرجع على المحيل ، كما لو أبرأه ، لأنّ الحوالة بمنزلة الإيفاء.
ومتى لم تتوفّر الشّروط لم تصحّ الحوالة ، وإنّما تكون وكالةً.
قال الشّمس ابن أبي عمر : وإذا لم يرض المحال ثمّ بان المحال عليه مفلّساً أو ميّتاً رجع بغير خلافٍ.
وإن رضي مع الجهل بحاله رجع ، لأنّ الفلس عيبٌ في المحال عليه.
وإن شرط ملاءة المحال عليه فبان معسراً رجع.
لحديث : « المؤمنون عند شروطهم » .
«ث - إعسار الزّوج بالمهر المسمّى»(2/7)
14 - يفصّل الشّافعيّة في إعسار الزّوج بالمهر بين حالتين :
أوّلاهما : إن كان قبل الدّخول ثبت لها الخيار في فسخ النّكاح ، لأنّه يلحقه الفسخ بالإفلاس بالمهر ، وهو وجهٌ عند الحنابلة.
الحالة الثّانية : إن كان بعد الدّخول لم يجز الفسخ ، لأنّ الزّوج استوفى حقّه فلم يفسخ بالإعسار ، وقد وافقهم الحنابلة في وجهٍ لهم على ذلك.
وهناك وجهٌ آخر عند الحنابلة أنّه لا يثبت لها خيار الفسخ مطلقاً ، لا قبل الدّخول ولا بعده ، وهو اختيار ابن حامدٍ ، لأنّ المهر دينٌ في الذّمّة ، فلا يفسخ النّكاح للإعسار به ، كالنّفقة الماضية ، ولأنّ تأخيره ليس فيه ضررٌ مجحفٌ.
وقال المالكيّة : إن دعت زوجها للدّخول بها ، وطلبت حالّ الصّداق فلم يجده ، وادّعى العدم ولم تصدّقه ، ولم يثبت عدمه ببيّنةٍ ، وليس له مالٌ ظاهرٌ ، أمهله الحاكم لإثبات عسره « فقره » ، ثمّ إذا ثبت عسره ، أو صدّقته فيه زيد له في الأجل باجتهاد الحاكم ، فإن أتى بشيءٍ وإلاّ عجّزه.
ووجوب التّلوّم لمن ثبت عسره ولا يرجى يساره - لأنّ الغيب قد يكشف عن العجائب - هو تأويل الأكثر.
وصحّح - أي صوّبه - المتيطيّ وعياضٌ ، وعدم التّلوّم لمن لا يرجى يساره ، فيطلق عليه ناجزاً هو تأويلٌ فضل على المدوّنة.
ثمّ بعد انقضاء الأجل طلّق عليه ، بأن يطلّق الحاكم ، أو توقعه الزّوجة ثمّ يحكم الحاكم ، على القولين في ذلك.
ووجب على الزّوج المطلّق لعجزه عن المهر نصفه يدفعه إن أيسر ، لقوله تعالى : «وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم»
وأمّا الحنفيّة : فلا يجيزون الفسخ بالإعسار بالمهر أو غيره ، وللزّوجة قبل الدّخول منع تسليم نفسها للزّوج حتّى تستوفي معجّل صداقها.
«ج -إعسار المدين بما وجب عليه من الدّين وهل يحبس بذلك أم لا ؟»
15 - قال الحنفيّة : إذا ثبت الحقّ للمدّعي فطلب من القاضي حبس المدين ، أمره القاضي بدفع ما عليه ، فإن امتنع حبسه ، لأنّه ظهر ظلمه.
للحديث « ليّ الواجد ظلمٌ يحلّ عرضه وعقوبته » .
والعقوبة الحبس.
فإن أقرّ المدّعي أنّ غريمه معسرٌ خلّي سبيله ، لأنّه استحقّ الإنظار بالنّصّ ، ولا يمنع من الملازمة.
وإن قال المدّعي : هو موسرٌ ، وهو يقول : أنا معسرٌ ، فإن كان القاضي يعرف يساره ، أو كان الدّين بدل مالٍ كالثّمن والقرض ، أو التزمه كالمهر والكفالة وبدل الخلع ونحوه حبسه ، لأنّ الظّاهر بقاء ما حصل في يده ، والتزامه يدلّ على القدرة ، ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا ادّعى الفقر ، لأنّه الأصل ، وذلك مثل ضمان المتلفات وأروش الجنايات ونفقة الأقارب والزّوجات ، إلاّ أن تقوم البيّنة أنّ له مالاً فيحبسه ، لأنّه ظالمٌ.
فإذا حبسه مدّةً يغلب على ظنّه أنّه لو كان مالٌ له أظهره ، وسأل عن حاله فلم يظهر له مالٌ ، خلّى سبيله ، لأنّ الظّاهر إعساره فيستحقّ الإنظار.(2/8)
وكذلك الحكم لو شهد شاهدان بإعساره.
وتقبل بيّنة الإعسار بعد الحبس بالإجماع وقبله لا.
والفرق أنّه وجد بعد الحبس قرينةً ، وهو تحمّل شدّة الحبس ومضايقه ، وذلك دليل إعساره ولم يوجد ذلك قبل الحبس ، وقيل تقبل في الحالتين ، وإن قامت البيّنة على يساره أبداً حبسه لظلمه حتّى يؤدّي ما عليه.
واختلفوا في مدّة الحبس ، قيل : شهران أو ثلاثةٌ ، وبعضهم قدّره بشهرٍ ، وبعضهم بأربعةٍ ، وبعضهم بستّةٍ.
ولمّا كان النّاس يختلفون في احتمال الحبس ، ويتفاوتون تفاوتاً كثيراً فإنّه يفوّض إلى رأي القاضي.
وقال المالكيّة : يحبس المدين المجهول إذا ادّعى العدم ليستبين أمره بإثباتٍ ، ومحلّ حبسه ما لم يسأل الصّبر والتّأخير إلى إثبات عسره ، وإلاّ أخّر مع كفالة كفيلٍ ولو بالنّفس ، ويحبس إن جهل حاله إلى أن يثبت عسره ، وإن لم يأت به الحميل « الكفيل » غرم ما عليه إلاّ أن يثبت عسره.
وثبوت عسره يكون بشهادة عدلين يشهدان أنّهما لا يعرفان له مالاً ظاهراً ولا باطناً ، ويحلف على ذلك لكن على البتّ ، ويزيد في مينه : وإن وجدت المال لأقضينه عاجلاً ، وإن كنت مسافراً عجّلت الأوبة « الإياب » .
وبعد الحلف يجب إطلاقه وإنظاره ، لقوله تعالى : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» .
فإن لم يثبت عسره وطال حبسه فإنّه يطلّق ، لكن بعد حلفه أنّه لا مال عنده.
ولا حبس على معدمٍ ثابت العدم ، للآية المذكورة ، لأنّ حبسه لا يحصل به فائدةٌ ، ويجب على المدين أن يوصي بما عليه من الدّين ، فإن مات ولم يوجد له مالٌ وفّي عنه من بيت المال ، لقوله عليه السلام « فمن توفّي وعليه دينٌ فعليّ قضاؤه ، ومن ترك مالاً فهو لورثته » .
وقال الشّافعيّ : إذا ثبت عليه الدّين بيع ما ظهر له ودفع ولم يحبس ، وإن لم يظهر حبس وبيع ما قدر عليه من ماله ، فإن ذكر عسره قبلت منه البيّنة ، لقوله عزّ وجلّ : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» .
وأحلّفه مع ذلك باللّه وأخلّيه ، ومنعت غرماءه من لزومه ، حتّى تقوم بيّنةٌ أنّه قد أفاد مالاً ، فإن شهدوا أنّهم رأوا في يده مالاً سئل ، فإن قال مضاربةٌ قبلت مع يمينه ، ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عنه ، فمتى استقرّ عند الحاكم ما وصفت لم يكن له حبسه ، ولا يغفل المسألة عنه.
وعند الحنابلة : من وجب عليه دينٌ حالٌّ فطولب به ولم يؤدّه ، نظر الحاكم ، فإن كان في يده مالٌ ظاهرٌ أمره بالقضاء ، وإن لم يجد له مالاً ظاهراً فادّعى الإعسار وصدّقه غريمه لم يحبس ووجب إنظاره ، ولم تجز ملازمته ، لقوله تعالى : «وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ» ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لغرماء الّذي كثر دينه : « خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلاّ ذلك » ولأنّ الحبس إمّا أن يكون(2/9)
لإثبات عسرته أو لقضاء دينه ، وعسرته ثابتةٌ ، والقضاء متعذّرٌ ، فلا فائدة في الحبس.
وإن كذّبه غريمه فلا يخلو إمّا أن يكون عرف له مالٌ أو لم يعرف ، فإن عرف له مالٌ لكون الدّين ثبت عن معاوضةٍ ، كالقرض والبيع ، أو عرف له أصل مالٍ سوى هذا.
فالقول قول غريمه مع يمينه ، فإذا حلف أنّه ذو مالٍ حبس حتّى تشهد البيّنة بإعساره.
قال ابن المنذر : أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدّين.
ح - الإعسار بدفع الجزية « الجزية المفروضة ، والجزية المصالح عليها »
16 - ذهب الحنفيّة والحنابلة وهو أحد قولي الشّافعيّة إلى أنّه لا جزية على فقيرٍ غير متكسّبٍ لأنّ عمر رضي الله عنه شرط كونه معتملاً « أي متكسّباً » وهو دليل عدم وجوبها على الفقير غير المعتمل ، ولأنّه غير مطيقٍ للأداء حيث لا يقدر على العمل.
لكن صرّح الحنفيّة بأنّه إذا أيسر الفقير بعد وضع الجزية عنه وجبت عليه ، لأنّه أهلٌ للجزية ، وإنّما سقطت عنه للعجز وقد زال ، ولا يحاسب بما مضى.
وعند المالكيّة : الذّمّيّ الفقير يضرب عليه بوسعه « أي بقدر طاقته » ولو درهماً إن كان له طاقةٌ ، وإلاّ سقطت عنه.
فإن أيسر بعد لم يحاسب بما مضى لسقوطه عنه.
وفي قولٍ للشّافعيّة : أنّها تجب عليه ولو كان فقيراً ، لأنّها تجب على سبيل العوض ، فاستوى فيه المعتمل وغير المعتمل ، فعلى هذا ينظر إلى الميسرة ، فإذا أيسر طولب بجزية ما مضى ، وقيل : لا ينظر.
«خ - إعسار التّركة عن الوفاء بما وجب فيها من حقوقٍ»
17 - إذا كانت تركة الميّت لا تفي بما عليه من الدّيون ، ففي الأحكام المتعلّقة بذلك خلافٌ وتفصيلٌ يرجع إليه في مصطلحي « إرثٌ ، وتركةٌ » .
«د - الإعسار بالنّفقة على النّفس»
18 - الأصل أنّ نفقة الإنسان الحرّ في ماله صغيراً كان أو كبيراً ، إلاّ الزّوجة فإنّ نفقتها على زوجها متى استوفت شروط وجوبها عليه.
ولا ينتقل حقّه إلى مطالبة الغير بها سواءٌ كان هذا الغير أصلاً أو فرعاً ، إلاّ إذا كان معسراً وغير قادرٍ على الكسب أو عاجزاً عنه في بعض الصّور.
وفي من تجب عليه النّفقة خلافٌ وتفصيلٌ يرجع إليه تحت مصطلح « نفقة الأقارب » .
«ذ - الإعسار بنفقة الزّوجة»
19 - فيما تقدّر به نفقة الزّوجة ثلاثة اتّجاهاتٍ :
الأوّل : تقدّر بحال الزّوجين جميعاً ، فإن كانا موسرين فلها عليه نفقة الموسرين ، وإن كانا معسرين فعليه لها نفقة المعسرين ، وإن كانا متوسّطين فعليه نفقة(2/10)
المتوسّطين ، وإن كان أحدهما موسراً والآخر معسراً فلها نفقة المتوسّطين ، سواءٌ كان هو الموسر أو هي.
وهذا هو المفتى به عند الحنفيّة والمعتمد عند المالكيّة وهو مذهب الحنابلة جمعاً بين النّصوص المتعارضة ورعايةً لكلا الجانبين.
الثّاني : تقدّر بحال الزّوج وحده.
ويستدلّ له بقول اللّه تعالى : «لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ ما آتاها سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً» .
وهو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وصحّحه في البدائع ، وهو مذهب الشّافعيّ ، وقولٌ عند المالكيّة.
الثّالث : تقدّر بحال الزّوجة.
أخذاً بدلالة قوله تعالى : «وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف» .
وبحديث هندٍ إذ قال لها : « خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » .
وهو قولٌ عند الحنفيّة.
وعلى هذا فإذا كان الزّوج معسراً وهي مثله فعليه نفقة المعسرين اتّفاقاً ، وإن كانت موسرةً وهو معسرٌ فعلى القول الأوّل عليه نفقة المتوسّطين ، وعلى الثّاني عليه نفقة المعسرين ، وعلى الثّالث نفقة الموسرين.
وإذا عجز الزّوج عمّا وجب عليه من النّفقة على التّفصيل السّابق ، وطلبت الزّوجة التّفريق بينها وبين زوجها بسبب ذلك ، فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يفرّق بينهما.
وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يفرّق بينهما بذلك ، بل تستدين عليه ، ويؤمر بالأداء من تجب عليه نفقتها لولا الزّوج.
وفي المسألة تفصيلاتٌ أوفى من هذا يرجع إليها في أبواب النّفقات من كتب الفقه « ر : نفقةٌ » .
«ر - الإعسار في النّفقة على الأقارب»
20 - يجب على الغنيّ أن ينفق على والديه وأولاده المعسرين بالإجماع ، ولا تجب عند المالكيّة النّفقة على غير الوالدين والأولاد المباشرين ، وكذلك تجب نفقة سائر الأصول والفروع مهما علوا أو نزلوا عند الجمهور ، وأمّا الحواشي كالأخ والعمّ وأولادهما فإنّ الحنفيّة يشترطون لوجوب النّفقة عليهم المحرميّة ، ويشترط الحنابلة التّوارث ، ويكتفي الشّافعيّة بالقرابة.
ويتحقّق الإعسار بالنّسبة للمنفق عليه لعدم وجود الكفاية كلاًّ أو جزءاً مع العجز عن الكسب.
فمن كان يجد كفايته أو كان قادراً على الكسب فنفقته على نفسه ولا تجب نفقته على أحدٍ.
إلاّ أنّ الحنفيّة والحنابلة أوجبوا نفقة الأصول ولو كانوا قادرين على الكسب.
أمّا في النّفقة على غيرهم فعند الحنابلة في اشتراط عدم القدرة على الكسب روايتان ، ولا يشترط ذلك عند الشّافعيّة.
«ز - أجرة الحضانة والإرضاع»(2/11)
21 - الحكم فيهما على ما سبق في النّفقة ، على أنّه إن كان للصّغير مالٌ فذلك في ماله.
س - النّفقة على الحيوان المحتبس :
22 - اتّفق الفقهاء على أنّ النّفقة على الحيوان المحتبس واجبةٌ ديانةً ، وبأنّه يأثم بحبسه عن البيع ، مع عدم الإنفاق عليه ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان.
وفي الحديث « دخلت امرأةٌ النّار في هرّةٍ حبستها حتّى ماتت جوعاً فلا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض ، ولا هي أطعمتها وسقتها لتعيش » .
« ونهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال » .
ثمّ ذهب الجمهور وأبو يوسف إلى أنّه يجبر على الإنفاق عليه ، إذ في عدم الإنفاق إضاعةٌ للمال وتعذيبٌ للحيوان ، وقد ورد النّهي عنهما ، وليس هذا الحيوان من أهل الاستحقاق ليقضى له بإجبار المالك على نفقته أو بيعه.
وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجبر مالكه على الإنفاق.
فإن عجز محتبس الحيوان عن الإنفاق ، فقد ذهب الجمهور في الجملة إلى إجباره على البيع أو التّذكية إن كان ممّا يذكّى ، وزاد الشّافعيّة أنّه يمكن إجباره على التّخلية للرّعي وورود الماء إن ألف ذلك.
«ش - الإعسار بفكاك الأسير»
23 - يجب فكاك الأسير المسلم من أيدي الكفّار ، ويجب ذلك عند الجمهور بأيّ وسيلةٍ مشروعةٍ ، كالقتال والتّفاوض والمفاداة بأسراهم أو بالمال.
فإذا وقع الفداء على المال فإنّ فداءه يكون من بيت مال المسلمين عند الجمهور ولو كان للأسير مالٌ.
فإن قصّر بيت المال في ذلك فعلى جماعة المسلمين ، وذهب الشّافعيّة وهو قولٌ عند المالكيّة إلى أنّه إذا كان له مالٌ ففداؤه من ماله ، فإن كان معسراً ففكاكه من بيت مال المسلمين.
« ر : أسرى » .
«ص - إعسار الضّامن»
24 - إعسار الكفيل حكمه كحكم إعسار الأصيل في وجوب الإنظار إلى ميسرةٍ ، ولا يسقط به حقّ المطالبة.
«ض - إعسار الدّولة بالتّكاليف الواجبة»
25 - إن لم يكن في بيت المال مالٌ يكفي للجهاد وما في معناه فلا بأس أن يفرض الإمام على أرباب الأموال ما يسدّ الحاجة ، وتفصيله في « بيت المال » .
ـــــــــــــــــــ
الأب المضيع لأولاده التارك لنفقتهم
تاريخ الفتوى : ... 25 محرم 1428 / 13-02-2007
السؤال
لدي سؤال :(2/12)
أب لدية ثلاثة أولاد وعليه حكم محكمة نفقة لأولاده ويمتنع عن الدفع إلا بعد أن يتم القبض عليه من قبل السلطات حيث الأولاد بحضانة أمهم وتقوم بالإنفاق عليهم لعدة أشهر وهي بحالة مادية صعبة وحتى يتم القبض عليه ويدفع مجبرا هل يأثم الأب علي ذلك علما بأن حالتهم خلال هذه الشهور لا يعلمها إلا الله الرجاء الإجابة على السؤال مع ذكر نصيحة للأب بتقوى الله. مع الشكر.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنفقة الأولاد الصغار الفقراء واجبة على أبيهم القادرعلى نفقتهم، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول. رواه أبو داود.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته. متفق عليه.
فعلى هذا الأب أن يتقي الله تعالى ويقوم بما فرض الله عليه، وأن يتذكر أن هؤلاء هم أبناؤه، وهم الذين سيقومون برعايته عند الكبر والعجز، ولكن ماذا سيكون شعورهم إذا علموا بسوء صنيعه معهم وتضييعهم عند الضعف والصغر. ولا نملك إلا أن ندعو الله تعالى أن يهديه ليتدارك ما فات ويصلح ما هو آت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
النفقة على المطلقة طلاقا رجعيا
تاريخ الفتوى : ... 21 جمادي الثانية 1427 / 18-07-2006
السؤال
أنا متزوج منذ 7سنوات نتج عن تلك الفترة طفلان، ولد وبنت، وقد نشب بيني وبين زوجتي خلاف حاد جدا، ومع حدة الخلاف وصل الموضوع لحد الضرب من قبلها أولا، وكان مني الرد، وبعده مباشرة جاء أخوها ليأخذها لبيت أهلها، وبعد مرور أسبوع على وجودها في بيت أهلها كانت هناك مفاجأة بالنسبة لي، حيث إني اتصلت على أهل زوجتي لكي أتفقد أبنائي، اكتشفت بان مطلقتي قد ذهبت للرياض مع أبنائي بدون إذن مني وكانت صدمة بالنسبة لي، وعليه قمت بالتهجم على اخي مطلقتي وحاسبته كيف به يأخذ أبنائي بدون إذني ووبخته وحذرته بأن ما فعله يعتبر سرقة وسرقة لأغلى ما أملكه، المهم بعد هذا قمت وكلمة زوجتي ونطقت لها بالطلاق، المهم هل علي واجب المصروف لمطلقتي، خصوصا بأنها هي الراغبة بالطلاق نتيجة إلحاحها باستمرار طلب الطلاق، وكذلك ملازمتها لبيت أهلها حسب رغبتها، وما رأيكم حيال مشكلتي وفقكم الله وسدد خطاكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(2/13)
فإننا ننصحك يا أخي الكريم إن كان عندك أملٌ في أن تقيم مع طليقتك حياة صالحة سعيدة أن تراجعها، لعل الله تعالى يؤلف بينكما، ويعيش أولادكما في ظل أبوين مجتمعين، وانظر الفتوى رقم: 57934.
وإن كانت الأمور قد وصلت إلى طريق مسدود، وقررت عدم مراجعتها، فإننا ننصحك بأن تحسن إلى أمِّ أولادك حتى لا تتأزم الأمور بينكم، وحتى يبقى بينكم من التفاهم ما يخفف على الأبناء ألَمَ افتراقكما.
وأما النفقة على المطلقة طلاقاً رجعياً في زمن عدتها فلازمة على الزوج، إلا أن تتنازل هي عن حقها في النفقة بخلع أو بدون خلع، وانظر الفتوى رقم 12274.
وأما نفقة أبنائك فواجبة عليك إن لم يكن لهم مال وكنت موسراً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
للزوجة طلب فسخ النكاح عند إعسار الزوج
تاريخ الفتوى : ... 08 ذو الحجة 1426 / 08-01-2006
السؤال
سيدي لقد تردت كثيرا قبل أن أكتب إليكم مشكلتي, أنا سيدة متزوجة منذ أربع سنوات, مشكلتي تتمثل في كوني أني أنا المسؤولة عن البيت, أي أني أنا من يتكلف بكافة المصاريف من إيجار وتخليص لفاتورات الماء والكهرباء ..إلخ بحكم اني أشتغل وهوعاطل عن العمل أو بالأحرى لا يستقر في أيَّ عمل, وغالبا مايورط نفسه في مشاكل شيكات..إلخ , لقد صبرت كثيرا خوفا من الله والآن لم أعد أتحمل هذا الوضع فأنا أعلم أن الرجال قوامون على النساء وليس العكس !
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جعل الله سبحانه وتعالى القوامة للرجل على المرأة قال تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء: 34 } وأحد أسباب القوامة للرجل هي النفقة على الزوجة والأبناء ، فإذا تخلى الزوج عنها ولم يقم بها ، فقد سقطت قوامته ، وجاز للزوجة طلب فسخ النكاح ، قال القرطبي رحمه الله في الجزء ( 5 / 168 ) من تفسيره : قوله تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ {النساء: 34 } فهم العلماء من قوله تعالى : وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ . أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها ، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح ، وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يفسخ لقوله تعالى : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة: 280 } . أهـ
والذي ننصحك به أن تصبري وتحتسبي الأجر في ذلك وتحاولي إصلاحه ولو بتوسيط أحد أهل الخير والصلاح ممن يوثق بهم ولا سيما إذا كان زوجك مرضي(2/14)
الدين ، فلعل الله أن يهديه ويكون على ما تحبين ، وراجعي الفتوى رقم : 2589 ، والفتوى رقم : 62271 .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الحكم المبني على سبب غير صحيح باطل
تاريخ الفتوى : ... 06 رجب 1426 / 11-08-2005
السؤال
لدي قريبه قامت بالزواج في بلد غير بلدها وهي صغيرة السن وحصل مشاكل بينها وبين زوجها طلبت على إثرها الطلاق ورفض، ورجعت إلى أهلها وقام هو بالزواج عليها وغير مسكنه وأوقف الإنفاق عليها واستولى علي أشيائها التي معه ولم يتصل بها غير 3 مرات لكي يستفزها فقط، فقامت برفع دعوى فسألها القاضي هل تعرف عنوانه فأنكرت فطلب منها تنزيل إعلان في إحدي الجرائد فقالت لها المحامية أن تنشر الإعلان في الصحف قليلة القراءة لكي لا يعلم الزوج وبالفعل قامت بذلك ولم يقرأ الزوج أو أقرباؤه هذا الإعلان فقام القاضي بتطليقها غيابيا وعدم رد المهر الذي دفعه أنها لا تملك لترده بالإضافه إلى أنه قام بالاستيلاء على أشيائها التي تخصها وإعطائها لزوجته الجديدة، والآن هي تسأل هل طلاقها باطل لأنها لم تخبر الزوج خصوصا أنه قام بالاتصال بها في ذلك الوقت ولم تخبره بهذه القضية حتى تحصل على الطلاق، وإن كان جائزا هل عليها الوزر لتحايلها علي القانون، وإن كانت الإجابه بنعم ماذا تفعل للتوبة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن القاضي بشر يحكم بنحو ما يسمع، فحكمه قد لا يكون صحيحاً في نفس الأمر، فمن قضى له القاضي بما لا ليس له، فلا يجوز له أخذه، فإن حكم القاضي لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار.
وقد سبق في الفتوى رقم: 32062 أنه لا يحكم على الغائب بطلاق زوجته ما دامت غيبته غير منقطعة، بحيث يعرف خبره، ويمكن الاتصال به، والزوجة هنا قد أخفت على القاضي علمها بمكان الزوج أو رقم هاتفه حتى يتصل به، وعليه فإن حكم القاضي بالطلاق غير صحيح شرعاً، لقيامه على سبب غير صحيح، وعلى الزوجة إذا أرادت الطلاق ولم تستطع الحصول عليه من الزوج، أن ترفع دعوى أخرى تبين فيها السبب الصحيح للدعوى، كعدم الإنفاق عليها فلها أن تطلب من القاضي فسخ النكاح لذلك، مع التنبيه إلى حرمة طلب الطلاق لغير عذر، وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 35085.
والله أعلم.(2/15)
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
امتناع الزوج من النفقة على عياله
تاريخ الفتوى : ... 07 جمادي الأولى 1426 / 14-06-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
لي أخت متزوجة وعندها طفلان وزوجها كل سنة يسافر للعمرة، أما هذا العام ربنا أكرمه وذهب للحج، ولكن قبل أن يسافر كان يعامل أختي أحسن معاملة وبعد ما رجع من الحج بدأ يعاملها معاملة غريبة ويشتم ويسب بدون داع، وفي يوم قام بطلاقها غيابيا، ماذا أفعل معه والآن لا يسأل على أولاده ولا حتى بتليفون ولا يصرف عليهم ولا أي شيء كأن شيئا لم يكن.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن إساءة الزوج عشرة زوجته وتركه نفقة أولاده من الأمور المحرمة، لقول الحق سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228}.
وفي الحديث: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول. رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط.
وعلى هذا، فإن كان ما نسبت إلى زوج أختك صحيحاً فهو آثم تجب عليه التوبة، وأما أنت فينبغي أن تسعي للصلح بين أختك وزوجها، فيردها إلى عصمته إن كانت العدة قائمة وإلا تزوجها من جديد فيعود بذلك الأنس والود الذي كان قائماً بين هذين الزوجين مما يعود بالخير على ولديهما.
فإن وفقت إلى حصول ذلك، فالأمر واضح ، وإلا فلا مانع من رفع أمر هذا الرجل إلى القاضي ليزمه بالنفقة على أولاده إذا تعذر حل القضية ودياً.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل ترفع زوجها للقضاء إن أصر على منع النفقة؟
تاريخ الفتوى : ... 16 صفر 1425 / 07-04-2004
السؤال
أنا امرأة تعيش في بيت والدها ومعي ابنتي وحامل وزوجي لا يرسل لي أية نقود للإنفاق على ابنتي، فهل من الشرع والدين أن أرفع الأمر إلى القضاء لمطالبته بنفقة لي ولابنتي، مع العلم بأنه على معرفة أني حامل وأحتاج إلى مصاريف، أرجو الإفادة.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وعلى نفقة الأولاد الصغار الفقراء، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 17203 والفتوى رقم: 19453.(2/16)
وعلى هذا، فالواجب على هذا الرجل أن يتقي الله تعالى ويبادر بالإنفاق على زوجته وبنته، وعلى من له قدرة على نصحه في ذلك أن يفعل، فإن استجاب لهذا الأمر فلا إشكال، وإن استمر على منعه للنفقة، جاز لك أن ترفعي أمرك إلى القاضي لرفع الضرر عنك، فيجبر على الإنفاق أو الطلاق حال امتناعه، وانظر الفتوى رقم: 19346.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... تريد أن تطالب زوجها بنفقة أعوام مضت
تاريخ الفتوى : ... 02 شعبان 1424 / 29-09-2003
السؤال
زوجي يعاملني معاملة سيئة ويضربني مبرحا، فخرجت أنا وأبنائي الثلاثة للعلاج ولم أعد منذ ست سنين، ولم يسأل عنا أو ينفق علينا أو يطلب عودتنا، هل يحق لي مطالبته بالنفقة عن المدة السابقة لي ولأبنائي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فبخصوص خروجك من بيت الزوجية راجعي الفتوى رقم: 12695.
أما بخصوص امتناعه عن الإنفاق عليك وعلى أولادك فلا يجوز، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8497، 18634، 19453.
ومن حقك أن تطالبيه بالنفقة عن المدة السابقة ما دمت لم تتنازلي له عنها، فإن استجاب وإلا فارفعي أمره إلى القضاء، وراجعي الفتوى رقم:
19346.
أما بخصوص نفقة الأولاد فإنها تسقط بمضي الوقت، وهذا هو قول الأحناف والشافعية والحنابلة، أما المالكية فقالوا: تسقط نفقة الأولاد بمرور الزمن إلا أن يفرضها القاضي، فحينئذ تثبت، وعلى هذا فليس لك أن تطالبي بنفقتك السابقة على أولادك، إلا إذا كنت نويت حال إنفاقك أن ترجعي فيما بعد على زوجك بما أنفقت، ففي هذه الحالة يمكنك أن تطالبيه بالنفقة، قال ابن نجيم رحمه الله في البحر الرائق: وفي الخانية رجل غاب ولم يترك لأولاده الصغار نفقة، ولأمهم مال تجبر على الإنفاق ثم ترجع بذلك على الزوج. انتهى.
وقال النووي رحمه الله في روضة الطالبين: ولو أنفقت عليه- يعني على طفلها- من مالها بقصد الرجوع وأشهدت رجعت، وإلا فوجهان. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... من امتنع عن جزء من نفقة أولاده كما تعهد في عقد الطلاق
تاريخ الفتوى : ... 21 ربيع الثاني 1423 / 02-07-2002
السؤال(2/17)
طلق رجل زوجته وتعهد في عقد الطلاق بأن يدفع نفقة شهرية لأولاده، التزم بدفع ثلثها فقط، وبعد خمس عشرة سنة طالبته مطلقته بأن يدفع لها الفرق عن كامل تلك المدة، هل يجوزلها ذلك ، أم أن هذه الفروق تسقط على أساس أن النفقات إنما شرعت لسد حاجة، وهذه الحاجة تعتبر مسدودة بعدم المطالبة بها طوال تلك الفترة؟ وجزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يلزم الأب أن ينفق على أولاده النفقة الكاملة بالمعروف إذا لم يكونوا يملكون ما ينفق منه عليهم، لا يلزم الأم شيء من ذلك إلا في حالة عجز الأب عن الإنفاق ولا مال للولد.
ولكن إذا أسقطت الأم حقها في الإنفاق على الأولاد ورضيت بثلث النفقة من الأب وتكفلت هي بالباقي فإنه لا يجوز لها المطالبة بعد ذلك بما أنفقته، أما إذا لم تسقط الأم حقها وكملت الباقي وهي تريد الرجوع على الأب فإن لها المطالبة بما أنفقت. أما القول بأن الفارق يسقط لأن النفقات إنما شرعت لسد حاجة وهذه الحاجة مسدودة بعدم المطالبة.
فهذا ليس على إطلاقه وليس هذا في كل النفقات، فإن النفقة في ذلك على قسمين:
القسم الأول: نفقة الأقارب، وهذه يقال فيها ما ذكره السائل، بمعنى أنه إذا أنفق الشخص على نفسه مع أن نفقته واجبة على قريبه فإنه لا يلزم قريبه أن يعطيه ما أنفق على نفسه. ويتصور هذا فيمن كان فقيراً فوجبت نفقته على قريبه -كأبيه مثلاً- فلم ينفق عليه وذهب هو يتسول وأنفق على نفسه مما حصل من التسول فإنه لا يرجع بنفقته على من كانت واجبة عليه، ثم إن محل هذا هو ما إذا كان الشخص ينفق على نفسه. أما إذا كان ينفق على قريب آخر وهو يريد الرجوع على من تجب عليه النفقة فإنها لا تسقط وتبقى في الذمة.
القسم الثاني: نفقة الزوجات، فهذه لا يقال فيها ما قاله السائل بل تبقى النفقة في ذمته إلا إذا كان معسراً، فإذا كان معسراً حال إنفاق الزوجة على نفسها فإنه ليس لها الرجوع عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... لا تبرأ ذمة المفلس إلا بالقضاء
تاريخ الفتوى : ... 20 جمادي الأولى 1424 / 20-07-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم بسب الكساد وقع إفلاس لكثير من التجار ويكون ما يملكه عادة التاجر أملاك وبضائع عينية تقوم المحكمه ببيعها لصالح الدائنين قسمة غرماء فما حكم هذا التاجر؟ علماً بأن ذممه تغطي الدين ولكن يحدث أن يبخس ثمن هذه الأشياء ولا تغطي الديون علماً بأن هذا التاجر كان يقوم بالسداد ولم يمهله الدائنون وهو في حيرة من أمره هل يسدد باقي الديون إن وجدت؟ وما حكم الشرع في قسمة(2/18)
الغرماء؟ وما عليه كي يبرئ ذمته أمام الله؟ أفتونا جزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن كانت عليه ديون حالَّة وكان ماله لا يفي بسدادها، فلأصحاب الديون رفع أمره للحاكم ليحجر عليه ويبيع ما فضل عن حاجته، ولا يجوز للحاكم أن يبيع بأقل من ثمن المثل>
ثم يعطي أصحاب الديون ما تحصل على قدر حصصهم، إلا من وجد متاعه بعينه فهو أحق به. ودليل ذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي رواه الدارقطني وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر عليه وباع ماله في دين عليه وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لكم إلا ذاك. ثم بعثه إلى اليمن، وقال: لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أفلس الرجل فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به. واللفظ لمسلم.
وما بقي من الديون بعد إعطاء الغرماء حصصهم فإنه لا يسقط، بل يثبت في الذمة حتى يؤديه، كما هو ظاهر حديث معاذ السابق. لكن على الغرماء إنظاره حتى يتيسر حاله. قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280].
بل إن الأفضل هو أن يسقطوا عنه الدين، قال تعالى: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:280].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اشترط أهل زوجته أن يصبح غنيا حتى يرجعوا إليه زوجته وبنته
سؤال:
أعاني من مشاكل كثيرة مع أهل زوجتي ، تزوجت ابنتهم ظانا بهم أنهم متشبثون بدينهم ، فتبين لي تشبثهم بالعادات والتقاليد . وكانوا يأخذون مني زوجتي بالقوة وأنا مستضعف في هذه الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله . ولدت عندهم وهم الآن لا يريدون أن يرجعوا لي ابنتي ولا زوجتي إلا بشروط أن يكون لي غنى فاحش . مع العلم أنهم خيروا زوجتي أن تذهب معي ويسخطوا عليها . أو أن تبقى معهم إلى أن أصبح غنيا . زوجتي تعرف أنني على حق وهم على باطل ولكنها اتبعت سبيلهم . ماذا علي أن أفعل شرعا ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :(2/19)
ليس للزوجة أن تخرج من بيت زوجها دون إذنه ، وليس لأهلها أن يعينوها أو يحرضوها على ذلك ؛ لما في خروجها وعدم عودتها من عصيان زوجها ، والتمرد عليه ، مما يجعلها ناشزاً .
وأخذهم لابنتك ظلم آخر ، واشتراطهم أن يكون لك غنى فاحش ، حتى يعيدوا لك زوجتك ، ظلم فوق ظلم ، ولا حق لهم في شيء من ذلك ، فمتى ما قبلوا بالزواج وتم العقد وبذل الزوج المهر ، وجب تسليم الزوجة إلى زوجها ، فكيف وقد كانت معه وأنجبت منه !
وأنت لم تذكر شيئا عن حالتك المادية ، وهل تجد ما تنفقه على أهلك أم لا ؟ وهل أنت معسر بالنفقة ، أم لديك ما يكفيك وأهلك ؟
فإن جمهور الفقهاء على إن إعسار الزوج بنفقة زوجته ، مسوغ للفرقة بينهما إذا طلبت الزوجة ذلك ، وأما إذا رضيت به ولم تطالب بالفرقة ، فليس لأحد أن يفرق بينهما .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (5/254 ، 29/58).
ثانيا :
ينبغي لك فعل ما يلي من الخطوات في سبيل إرجاع أهلك :
1- إصلاح ما بينك وبين الله تعالى ، ليصلح ما بينك وبين الناس .
2- سؤال الله تعالى أن يكف عنك الظلم ، وأن يكفيك شر كل ذي شر .
3- التفاهم والتناصح فيما بينك وبين أهل زوجتك ، والتعرف على حقيقة موقفهم ، فقد يكون لهم أسباب أخرى غير مسألة الغنى .
4- توسيط أهل الدين والصلاح والرأي ، لنصحهم ، وبيان خطر الظلم والتسلط الذي يمارسونه عليك .
5- رفع الأمر إلى القضاء ، ليتولى إرجاع أهلك وبنتك إليك .
نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك ، وأن يوفقك إلى ما يحب ويرضى .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
الوفاء للزوج
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
مضى على زواجنا عشرون سنة وأنا متمتعة بحياة زوجة سعيدة، ولكن زوجى مرضى مرضا أحسست بأننى لا أطيق البقاء معه ، لقيامى على خدمته وضيق ذات اليد عندنا، فهل من الجائز أن أطلب الانفصال عنه ، أو الأفضل أن أظل معه مع المعاناة الشديدة التى أعيش فيها ؟(2/20)
الجواب
لا شك أن الحياة متقلبة بين اليسر والعسر، والصحة، والمرض ، والمؤمن الصادق يثبت جدارته بالحياة فى كل الأحوال ، كما جاء فى الحديث الذى رواه مسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .
والزوجة تقر بأنها عاشت مع زوجها أياما سعيدة عندما كان صحيح الجسم وافر الثراء ، فهل من المروءة والإنسانية أن تتركه فى محنته لتتزوج غيره تكمل معه مشوار حياتها سعيدة كما بدأته .
إن التى تفكر فى ذلك تدخل تحت حكم الحديث الذى ينهى عن كفران العشير ، فقد نسيت ما قدمه لها زوجها من خير، وتبخر بسرعة ما نعمت به سنوات طوالا، وقد صح فى الحديث الذى رواه مسلم عن أمر النبى صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد بكثرة التصدق ، لأن أكثرهن حطب جهنم ، بسبب كثرة الشكاة وكفران العشير "لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط " .
إن الزوجة الصالحة تعين زوجها على نوائب الدهر لا أن تتخلى عنه ، وكفى بالسيدة خديجة رضى الله عنها مثالا رائعا فى صدق معونتها للنبى صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل والمال . وبهاجر أم إسماعيل التى تحملت الوحدة وقاست البعد والألم طاعة لأمر الله وأمر زوجها إبراهيم ، وبأم الدحداح التى شجعت زوجها على التصدق بالحديقة فى سبيل الله ، وبزينب الثقفية التى ساعدت زوجها ابن مسعود بمالها فى حال إعساره ، وبزينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم التى وفت لزوجها فخلصته من الأسر بأعز ما تملكه .
إن النبى صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان هناك سبب قاهر يجعل الحياة متعذرة أو متعسرة ، ففى الحديث الحسن الذى رواه الترمذى وأبو داود وابن ماجه "أيما امرأة سالت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .
وفقر الزوج المريض إن وصل إلى حد الإعسار بالنفقة الواجبة ، هل يجيز لها طلب التفريق أو لا ؟ مذاهب الفقهاء فى ذلك مختلفة، فقيل : يجبر على طلاقها عند إعساره أو امتناعه ، وقيل : يؤجل شهرا ثم يطلق عليه الحاكم ، وقيل : تخير إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت ، وقيل ليس لها الفسخ ولكن تَرْفَعُ يده عنها لتكتسب ، وليس عليها أن تمكنه من الاستمتاع بها، والاحتجاج لكل هذه الآراء طويل يمكن الرجوع إليه فى كتاب زاد المعاد لابن القيم ، الذى قال فى ختام بحثه : والذى تقتضيه أصول الشريعة أن الرجل إذا غرر بالمرأة قبل الزواج بأنه ذو مال ثم ظهر أنه مفلس ، أو كان ذا مال وترك الإنفاق عليها ولم تقدر على أخذ كفايتها من ماله بنفسها أو بالحاكم فلها الفسخ ، وإن تزوجته وهى عالمة بعسره أو كان موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها .
وهذا رأى جميل يضم إليه أن ترفع يده عنها لتكتسب وتبقى على عصمته ، ولها أن تمتنع عن تمكينه من التمتع بها، فإن عجزت عن الاكتساب أو وجدت عنتا فيه فأرى(2/21)
أنها تخير بعد ذلك فى البقاء معه أو الانفصال عنه إذا لاح لها فى الأفق ما يوفر لها الحياة الكريمة
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 317)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُعْسِرٍ : هَلْ يُقَسَّطُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : إذَا كَانَ مُعْسِرًا قُسِّطَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَلَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ ؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ يَقْبَلُونَ قَوْلَهُ فِي الْإِعْسَارِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ ؛ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةُ . فَإِذَا كَانَتْ الْحُكُومَةُ عِنْدَ مَنْ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد لَمْ يُحْبَسْ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 9 / ص 244)
( وَسُئِلَ ) عَمَّنْ غَابَ زَوْجُهَا فَأَثْبَتَتْ إعْسَارَهُ وَفَسَخَتْ ثُمَّ عَادَ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا خَفِيَ عَلَى بَيِّنَة الْإِعْسَارِ فَهَلْ يُقْبَل ؟ ( فَأَجَابَ ) بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا إنْ ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَتَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَبْطُل الْفَسْخُ إذَا أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً .
( وَسُئِلَ ) عَمَّا إذَا أَرَادَ الزَّوْج نَقْلَ زَوْجَتِهِ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَامْتَنَعَتْ حَتَّى يَرْضَى الدَّائِنُ فَهَلْ تُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُجْبَرُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةٌ ، أَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَإِلَّا لَمْ تُجْبَرْ حَتَّى يَأْذَنَ الدَّائِن أَوْ تَقْضِيَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ إجْبَارُهَا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى إجْبَارِهَا عَلَى السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهَا الدَّائِنُ أَوْ أَمَرَ الدَّائِن بِمُطَالَبَتِهَا ، أَوْ الْإِذْنُ لَهَا فِي السَّفَرِ .
( وَسُئِلَ ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي النُّشُوزِ فَمِنْ الْمُصَدِّقُ مِنْهُمَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْكِينِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ لَكِنْ قَالَ الْجِيلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَمَّا بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالنَّفَقَةَ وَاجِبَانِ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي النُّشُوزَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَدَمُ سُقُوط النَّفَقَةِ ا هـ .
وَمَا ذَكَرَهُ مُتَّجَهٌ .
( وَسُئِلَ ) عَنْ امْرَأَةٍ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَفَسَخَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِعْسَارِهِ فَحَضَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرْسَلَ لَهَا بِنَحْوِ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَأَنْكَرَتْ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ نُفُوذِ الْفَسْخِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ نَحْو النَّفَقَة وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الْبُوشَنْجِيُّ لَكِنْ خَالَفَهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْمَرْوَزِيُّ فَجَزَمَا بِأَنَّهَا تُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ عَدَمِ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِي غَيْبَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ .(2/22)
( وَسُئِلَ ) عَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَمْكِينِ الزَّوْجِ لِتَشَعُّثِهِ وَكَثْرَةِ أَوْسَاخِهِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزَةً ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةٌ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى إزَالَتِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إزَالَتُهُ .
( وَسُئِلَ ) عَمَّا إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ رَفْعَ الْفَخِذَيْنِ وَالتَّحْرِيكَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَتَكُونُ نَاشِزَةٌ إذَا امْتَنَعَتْ ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَزِيدُ قُوَّةٍ لِهِمَّةِ الرَّجُل وَتَنْشِيطٌ لِلْجِمَاعِ هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِنْزَالُ ، أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ ضَرَرٌ لِلرَّجُلِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الْجِمَاعِ إلَّا مُسْتَلْقِيًا فَسَأَلَهَا أَنْ تَرْكَبَهُ وَتَكُونُ هِيَ الْفَاعِلَةُ لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ .
( وَسُئِلَ ) عَنْ طِفْلَةٍ أَعْسَرَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لَهَا مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَلْ هِيَ قَرْضٌ حَتَّى يَرْجِعُوا عِنْدَ الْيَسَارِ أَوْ لَا قَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي اللَّقِيطِ وَالْمُضْطَرِّ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ مَا أَطْلَقُوهُ فِي السَّيْرِ الثَّانِي
( وَسُئِلَ ) عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَة إذَا لَمْ يُسْكِنْهَا الزَّوْجُ فِي بَيْتِهِ بَلْ كَانَتْ سَاكِنَةً هِيَ وَهُوَ فِي بَيْتِهَا مَثَلًا أَوْ بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ أَحَدِهِمَا هَلْ يَلْزَمُهَا مُلَازَمَةِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَكُونُ نَاشِزَةً ، أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ لِلْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ عِبَارَتَانِ إحْدَاهُمَا بَيْتُ الزَّوْجِ وَالثَّانِيَةُ سَكَنُهَا وَبِهَذِهِ الثَّانِيَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِبَيْتِ الزَّوْجِ ، أَوْ مَنْزِلِهِ مَا لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْإِسْكَانِ لِكَوْنِهِ مَالِكَهُ أَوْ مُسْتَأْجِرَهُ أَوْ مُسْتَعِيرَهُ ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَأُزْعِجَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَاشْتِرَاطَهُمْ فِي عَدَمٍ بِسُقُوطِ نَفَقَتهَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَنْ تُزْعَجَ مِنْهُ بِأَنْ يُخْرِجُهَا مِنْهُ مَالِكُهُ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ آخَرِينَ بِأَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ إزْعَاجَ الْمَالِكِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ سَكَنِهَا الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لِإِخْرَاجِ مَالِكِهِ لَهَا مِنْهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَإِلَّا سَقَطَتْ .
وَوَقَعَ فِي قُوتِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ وَمُرَادُهُ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْبَاقِينَ خُرُوجُهَا مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَالِكِهِ وَنَحْوه وَأَمَّا خُرُوجُهَا مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فَنُشُوزٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ نَفْسِهِ بَعْدَ تِلْكَ الصُّورَةِ وَصُوَرٍ أُخَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعُدُّ الْخُرُوجُ بِهِ عُذْرًا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ ، أَوْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُذِرَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَبَحَثَ فِيهِ أَنَّهَا لَوْ جَرَتْ عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ الْمُعْتَادِ فِي حَقّهَا وَحَقِّ أَمْثَالِهَا بِالْخُرُوجِ فِي حَوَائِجِهَا لِتَعُودَ عَنْ قُرْبٍ ، أَوْ لِجَامٍ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِلْعُرْفِ فِي رِضَا أَمْثَالِهِ بِهِ وَفِيمَا بَحَثَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُنَابِذُ لِإِطْلَاقِهِمْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِ بِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَبَانَ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعُرْفَ هُنَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ رِضَا الزَّوْجِ بِخُرُوجِ زَوْجَتِهِ وَعَدَمِهِ يَرْجِعُ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَنَفَةِ وَالْغَيْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي النَّاسِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(2/23)
فَكَمْ مَنْ يَرْضَى بِالْخُرُوجِ وَلَوْ مَعَ الرِّيبَةِ وَكَمْ مَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الرِّيبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ نِكَاحِهِ تَعْتَادُهُ أَمْ لَا .
فَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ الَّذِي رَضِيَ بِسُكْنَاهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِلْكُهُ أَمْ غَيْرُ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ اعْتَادَتْ الْخُرُوجَ أَمْ لَا نَعَمْ جَوَّزُوا لَهَا الْخُرُوجَ لِإِعْذَارٍ كَخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ انْهِدَامٍ ، أَوْ فَسَقَةٍ وَكَخَرَابِ الْمَحَلَّةِ حَوْلَ بَيْتِهَا حَتَّى صَارَ مُنْفَرِدًا وَكَإِزْعَاجِ مَالِك الْمَنْزِلِ كَمَا مَرَّ وَكَالْخُرُوجِ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ مُؤْنَته وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ عَنْ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ كَأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ تَحْضُنُهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ فَطَلَبَتْ الْأُمُّ تَسْلِيمَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ الْأَبُ أَنْ يَجِيءَ الْوَلَدُ إلَيْهِ وَيَأْكُلُ عِنْدَهُ فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا .
؟ وَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبَيْنَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَمَا بَعْدَهُ حَيْثُ اخْتَارَ الْأُمَّ ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ إذَا أَمْكَنَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ الْمَجِيءُ إلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ إلَى بَيْتِ أُمِّهِ وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ بَلْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ فَقَالَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مَعِي وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا فِي حَقِّ الْأَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ فَإِنْ حَضَرَ الْوَلَدُ إلَيْهِ فَذَاكَ ا هـ .
وَتُوقِفُهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ النَّفَقَة لِلْقَرِيبِ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَإِنَّمَا هِيَ إمْتَاعٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ مَعُونَةٍ وَمُوَاسَاةٍ وَإِذَا كَانَتْ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا فَلَا يُلْزَمُ الْمُتَبَرِّعُ بِذَلِكَ الْإِمْتَاعِ وَالْمُوَاسَاةِ نَقَلَهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ائْتِ إلَى عِنْدِي لِأُوَاسِيَك .
وَوَاضِحٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا سَهُلَ عَلَى الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ إرْسَالُهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّازِمَ لَهُ الْكِفَايَةُ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى هَذَا عِنْدَ نَحْوِ عَجْزِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ بِخِلَافِهِ عِنْدَ السُّهُولَةِ فَإِنَّهُ لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِي مَجِيئِهِ إلَى قَرِيبِهِ وَلَا يُكَلَّفُ حِينَئِذٍ قَرِيبُهُ الْحَمْلَ إلَيْهِ رِعَايَةً لِكَوْنِهِ مُوَاسِيًا وَمُتَبَرِّعًا هَذَا تَوْجِيهُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ لِتَوَقُّفِ الْإِمَامِ فِي الْأَبِ وَجْهٌ وَجِيهُ إذْ اللَّائِقُ بِطَلَبِ مَزِيدِ احْتِرَامِهِ وَبِرِّهِ أَنْ لَا يُكَلَّفُ الْمَجِيءَ صَبَاحًا وَمَسَاءً إلَى بَيْتِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَيَلْزَمُ الْأَبَ نَقُلْ كِفَايَتُهَا إلَى بَيْتِ أُمِّهَا الثَّابِتِ لَهَا حَضَانَتُهَا أَصَالَةً ، أَوْ بِاخْتِيَارِهَا بَعْدَ تَمْيِيزِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ تَكُونُ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَيَزُورُهَا الْأَبُ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ بَلْ يُلَاحِظُهَا بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهَا قَالُوا وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا ذَكَرَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَسُئِلَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ إثْبَاتَ إعْسَارِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ تَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ إنَّك ضَمِنْت لِي عَنْ زَوْجِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ وَالنِّكَاحِ فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ فَالْقَاضِي إنْ وَجَدَ مَالًا فَرَضَ النَّفَقَةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَهَا الْفَسْخُ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَفِي دَعْوَى الدَّرَاهِمِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تَدَّعِي نَفْسَ الطَّعَامِ ا هـ .(2/24)
فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَمَد ، أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ظَاهِرِ ذَلِكَ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَجَهِلَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ أَيْضًا كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ النِّكَاحِ فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِ الْغَائِبِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُ الْغَائِبِ عِنْدَ حَاكِمٍ بَلَدِ الزَّوْجَةِ جَازَ الْفَسْخُ إذْ صُورَتُهُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ دَعْوَى الضَّمَانِ فِي عِبَارَة الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ عِنْده لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ إنْكَارِ مُنْكِرٍ فَيُثْبِتُ مُقْتَضَاهَا فَيُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى الْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تُفْسَخُ حِينَئِذٍ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفِقْهِ الْمَضْمُونَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا بِعَجْزِ الضَّامِنِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ .
وَقَوْلُهُ : فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ظَاهِرَةً تُوقَفُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ دِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْبَرَاءَةِ لَكِنَّ حِيلَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ بِذَلِكَ وَيَدَّعِي الْبَرَاءَةَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حِينَئِذٍ وَبَيِّنَتُهُ .
( وَسُئِلَ ) عَمَّا إذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ فَغَابَ عَنْهَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى طَاعَتِهِ وَتَعَذَّرَ إنْهَاءُ الْخَبَرِ إلَيْهِ لِفَقْدِ مُؤْنَةِ الْبَعْثِ هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ أَوْ لَا وَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ النَّاشِزَ إذَا غَابَ زَوْجُهَا لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ بِطَاعَتِهَا ثُمَّ يُرْسِلُ يُخْبِرُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ فَإِذَا رَجَعَ هُوَ ، أَوْ وَكِيلُهُ وَتَسَلَّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ وَإِنَّ عَلِمَ وَلَمْ يَرْجِعْ هُوَ وَلَا وَكِي لَهُ عَادَتْ إذَا مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ عَوْدِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ الْحَاكِمَ يَكْتُبُ إلَى حَاكِمِ الْبِلَادِ الَّتِي تَرِدُهَا الْقَوَافِلُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ لِيَطْلُبَ وَيُنَادِي بِاسْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ ، أَوْ طَلَاقِهِ ا هـ .
وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحِلٍّ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْخَبَرِ مِنْ الْحَاكِمِ إلَيْهِ إمَّا لِخَوْفِ طَرِيقٍ ، أَوْ نَحْوِهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَإِنْ شَاءَ اقْتَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ ، أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَرْضِ ، أَوْ فَرَضَ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ لِيُوَفِّيَهَا إذَا حَضَرَ وَذَكَرَ الْغَزِّيُّ أَنَّهَا إذَا بَذَلَتْ الطَّاعَةَ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَعْلَمُهُ الْقَاضِي فَقَصَّرَ فِي تَسَلُّمِهَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ يَسَارُهُ ، أَوْ تَوَسُّطُهُ ا هـ .
وَأَمَّا فَسْخُ النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ عَنْ أَقَلّ وَاجِبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَكْفِي فَقْدُ خَبَره وَلَا امْتِنَاعُهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَا غَيْبَتُهُ مُعْسِرًا .
فَكُلُّ هَذِهِ وَنَحْوُهَا لَا يَجُوزُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِمَا ذَكَرَ وَلَا تَسْأَل مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْآنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْيَقِينِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ فِي الْجَزْمِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ لَوْ صَرَّحَ بِمُسْتَنَدِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ .(2/25)
( وَسُئِلَ ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ رَضِيعٍ حَضَنَتْهُ حَاضِنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أُمٌّ مَثَلًا أَوْ غَيْرُهَا وَغَابَ وَالِدُهُ مَثَلًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِيمَا يَلْزَمهُ شَرْعًا مِنْ أُجْرَتِي حَضَانَةٍ وَرِضَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ غِنَاهُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مَالًا مَعْلُومًا بِاجْتِهَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَأَذِنَ لِحَاضِنَتِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى مَالِ وَالِدِهِ فَإِذَا اقْتَرَضَتْ أَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ مُدَّةً طَوِيلَةً تَبَيَّنَ فِيهَا فَقْرُ وَالِدِهِ ، أَوْ مَوْتُهُ هَلْ يَلْزَمُهَا مَا اقْتَرَضَتْ عَلَيْهِ وَيَفُوتُ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ مَجَّانًا ، أَوْ تَرْجِعُ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَالٌ فِي حَالِ صِغَرِهِ ، أَوْ كِبْره أَوْ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ أَجْدَادِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا .
وَإِذَا اقْتَرَضَتْ الْحَاضِنَةُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَيْفَ صُورَةُ الِاقْتِرَاضِ تَقُولُ اقْتَرَضْتُ هَذَا الْمَالَ فِي ذِمَّتِي وَمَالِي لِأُنْفِقَهُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ ، أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمَحْضُونِ وَمَالِهِ ، أَوْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَخِيرِ فَهَذَا يُشْكِلُ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَى ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَكَيْفَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلْحَاضِنَةِ أَخْذُ الرَّضَاع نَفَقَةٌ كَنَفَقَةِ زَوْجَةِ مُوسِرٍ مَثَلًا أَوْ مُتَوَسِّطٍ مَثَلًا أَوْ مُعْسِرٍ وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُسَمًّى غَيْرُ أُجْرَة الرَّضَاعِ وَإِذَا انْفَصَلَ الرَّضَاعُ هَلْ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً إذَا قُلْتُمْ بِهَا لِحَضَانَتِهَا وَتَعَهُّدِهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ أَمْ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا وَالِدُهُ غَيْر نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَلَوَازِمه الشَّرْعِيَّة فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا أَمْ أَجْنَبِيَّةً وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا بَعْدَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ وَاسْتَأْجَرْنَا لَهُ مُرْضِعَة ذَات لَبَن وَوَلَد لِلْإِرْضَاعِ فَقَطْ وَاشْتَرَتْ لِلْمَحْضُونِ لَبَنًا وَسَقَتْهُ هَلْ يَقُومُ مَقَام لَبَنِهَا إذَا غُذِّيَ بِهِ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهَا سَقْيُهُ مِنْ لَبَنِهَا وَهَلْ هَذِهِ الْإِجَارَة لِلْإِرْضَاعِ فَقَطْ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْجَهَالَةِ
بِلَبَنِهَا وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ وَاشْتِرَاكِهِ بَيْنَ الْمَحْضُونِ وَوَلَدِهَا لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً كَالْمَبِيعِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَبَيْعِ الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْمَبِيعِ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهَذِهِ إجَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالْإِرْضَاعِ فَقَطْ فَمَا وَجْهُ الصِّحَّةِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمُسْتَأْجِرَةِ أَنْ تُضِيفَ إلَى اللَّبَنِ سَمْنًا وَإِذَا اسْتَكْثَرَ الْمُنْفِقُ مِنْ الْقَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ لِحَطِّ الْأَسْعَارِ أَوْ اسْتَقَلَّتْ الْحَاضِنَةُ مِنْهُ مَعَ ارْتِفَاعِ الْأَسْعَارِ هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ وَيَزِيدُ ، أَوْ يُنْقِصُ فِيمَا فَرَضَهُ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَبًا كَانَ أَوْ وَصِيًّا ، أَوْ قَيِّمًا أَنْ يُمَوِّنَ الْمَحْضُونَ الَّذِي غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرُهُ أَمَدُ الرَّضَاعِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ مَا يَكْفِيَهُ وَيَسْقِيَهُ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهَا ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُمَوِّنَهُ أَيْضًا بَعْدَ أَمَدِ الرَّضَاعِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ بِأَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ الْعَيْشِ وَالْأُدُمِ فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ كَالْأَوَّلِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهَا هَلْ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَرَضِيَتْ أَمْ كَرِهَتْ بِهَا عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فِي بَيْتِ الْحَاضِنَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ وَغَيْرِهَا هَلْ
لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغَيْرَةِ وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِذَلِكَ وَتَنْتَقِلُ عَنْهَا بَلْ قَالُوا بِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فِيمَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ بِتَزْوِيجِهَا عَلَى(2/26)
الْغَيْرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِلْمَحْضُونَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ عَلَى أُمِّهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُ وَلَدِ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فِي مَنْزِلِهِ ، أَوْ مَنْزِلِهَا إذَا تَبَرَّعَتْ لَهُ بِالسُّكْنَى حَاضِرًا كَانَ ، أَوْ غَائِبًا مُقِيمًا ، أَوْ مُسَافِرًا فَإِذَا أَدْخَلَتْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزًا وَيَسْقُطُ مَا لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَاللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا لِدُخُولِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى فِرَاشِهِ أَمْ يَأْثَم بِذَلِكَ وَلَا نُشُوزَ فَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُول فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ هَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ ، أَوْ لَا فَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى رَحْبَةِ مَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَكَانَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَحَصَلَ عَلَيْهِ عَاطِلٌ بِوَطْءِ دَابَّةٍ ، أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَضْمَنُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَوَجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَمْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وُضُوحًا شَافِيًا ؟ ( فَأَجَابَ ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الْفَرْعِ ، أَوْ الْأَصْلِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دَيْنًا وَإِنْ تَعَدَّى مَنْ لَزِمَتْهُ بِالِامْتِنَاعِ نَعَمْ إنْ فَرَضَهَا الْقَاضِي ، أَوْ أَذِنَ فِي اقْتِرَاضِهَا صَارَتْ دَيْنًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاعْتِرَاضُ كَثِيرِينَ عَلَيْهَا بِأَنَّ مَا قَالَاهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ بَسَطْنَا الْكَلَامَ
عَلَى رَدِّهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيمَا إذَا امْتَنَعَ مَنْ لَزِمَتْهُ أَوْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لِمُسْتَحِقِّ النَّفَقَةِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَكَذَا لِلْأُمِّ أَخَذُهَا لِنَحْوِ طِفْلٍ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ قَاضٍ ثُمَّ إنْ وَجَدَ فِي مَالِهِ جِنْسَ الْوَاجِبِ لَمْ يَأْخُذْ غَيْره وَإِلَّا أَخَذَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ مَالٌ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ إنْ تَأَهَّلَ وَإِلَّا أَذِنَ لِلْأُمِّ فِي ذَلِكَ إنْ تَأَهَّلَتْ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَاضٍ فَاقْتَرَضَا عَلَى الْغَائِبِ وَمِثْلُهُ الْمُمْتَنِعُ وَأَشْهَدَا بِذَلِكَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا اقْتَرَضَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنَا مِنْ الْإِشْهَادِ رَجَعَا أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ عَلَى طِفْلِهَا الْمُوسِرِ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ أَبٍ مَثَلًا أَوْ قَاضٍ جَازَ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ ، أَوْ غَابَ قَالَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَى أَبِيهِ إنَّ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الْأَوْجَهِ إلَّا إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْقَاضِي وَأَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهَا الْإِشْهَادُ وَلَوْ غَابَ الْأَبُ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْجَدُّ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ قَاضٍ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْإِشْهَادُ إنْ أَمْكَنَ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ لَا تَقْدِيرَ لَهَا إلَّا بِالْكِفَايَةِ فَلِلطِّفْلِ مُؤْنَةُ إرْضَاعِ حَوْلَيْنِ وَلِنَحْوِ شَيْخٍ وَفَطِيمٍ مَا يَلِيقُ بِهِ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ وَيَجِب إشْبَاعُهُ لَا
الْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَالْأُدُمُ وَخَادِمٌ احْتَاجَهُ وَكِسْوَتُهُ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ أَدْوِيَةٍ وَأُجْرَةُ خِتَانٍ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِمْتَاعِ لَا التَّمْلِيكِ قَالَ الْإِمَامَ وَمِنْ ثَمَرَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مَعِي كَفَى وَلَوْ أَعْطَاهُ نَفَقَةً ، أَوْ كِسْوَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِغَيْرِهِ وَمُؤْنَة خَادِمِ الْقَرِيبِ كَمُؤْنَتِهِ فِيمَا ذُكِرَ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ مُدَّةً لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تِلْكَ عِوَضً عَنْ الْخِدْمَةِ وَالْخِدْمَةُ قَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَوَجَبَ مُقَابِلُهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهَا مَحْضُ مُوَاسَاةٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَهَذَا الْفَرَعُ مِنْ النَّوَادِرِ لِأَنَّ التَّابِعَ فِيهِ زَادَ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَعَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَلَا يَقْوَى غَالِبًا إلَّا بِهِ وَهُوَ اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ وَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ وَالْأَوْجَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ إرْضَاعِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَلَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ أَبِيهِ وَلَوْ لِلِبَإٍ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةُ نَعَمْ إنْ وَجَدَ مُتَبَرِّعَةً ، أَوْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهَا جَازَ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا وَهَذِهِ(2/27)
الْأُجْرَةُ تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ وَلَا تُزَادُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ
مَنْعُهَا إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ وَلَا تَزْدَادُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَإِنْ أَخَذَتْ الْأُجْرَةَ نَعَمْ عِنْدَ أَخْذِهَا تَسْقُط نَفَقَتُهَا إنْ نَقَصَ الِاسْتِمْتَاعُ بِإِرْضَاعِهَا وَإِلَّا فَلَا وَمُؤْنَة الْحَضَانَةِ فِي مَالِ نَحْوِ الطِّفْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِأَطْرَافِهِ وَلْنُصَرِّحْ بِحُكْمِ كُلٍّ أَيْضًا زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَنَقُول مَا اقْتَرَضَتْهُ الْأُمُّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لَا يَضِيعُ عَلَيْهَا مَجَّانًا بَلْ إنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ حَالَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُقْتَرَضِ فَهُوَ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَهُوَ فِي مَالِ الْأَبِ فَإِنْ أَعْسَرَ ، أَوْ مَاتَ فَفِي مَالِ الْجَدِّ فَإِنْ أَعْسَرَ ، أَوْ مَاتَ فَعَلَى الْأُمِّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ غَائِبٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْأَبُ قَرْضًا فَإِذَا وَصَلَ مَالُهُ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِالْإِنْفَاقِ الرُّجُوعَ رَجَعَ سَوَاءٌ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ، أَوْ بِلَا إذْنٍ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ قُدُومِهِ سَقَطَ عَنْ الْوَلَدِ مَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ دُونَ مَا أَنْفَقَ قَبْلَهُ بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ وَكَذَا حَكَمَ مَنْ يَسْتَغْنِي بِكَسْبِهِ وَصُورَةُ الْإِذْنِ مِنْ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَذِنْتُ لَكِ
فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِكِ مِنْ مَالِكِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا ، أَوْ فِي الِاقْتِرَاضِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُقْتَرَضِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا أَرَادَتْ تَقْتَرِضُ قَالَتْ لِمَنْ يُرِيدُ إقْرَاضَهَا أَقْرِضْنِي كَذَا لِأُنْفِقَهُ عَلَى وَلَدِي أَوْ اقْتَرَضْت كَذَا ، أَوْ تَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهَا فِي ذِمَّتِي بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَصِيرُ فِي ذِمَّتِهَا إلَّا إنْ بَانَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِفَقْدِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا لِقَوْلِهَا فِي ذِمَّةِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّ نِيَّتَهَا كَوْنُ الِاقْتِرَاضِ لَهُ كَافٍ إذْ هِيَ حِينَئِذٍ نَائِبَةٌ عَنْ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ لِلْوَلَدِ ، وَالْوَلِيُّ إذَا اقْتَرَضَ لِمُوَلِّيهِ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ بَلْ يَكْفِي نِيَّتُهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ فَهَذَا يُشْكِلُ إلَخْ وَاَلَّذِي تَسْتَحِقُّهُ الْحَاضِنَةُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْمَحْضُونِ هُوَ أُجْرَةُ إرْضَاعِهَا إنْ كَانَ رَضِيعًا وَإِلَّا فَأُجْرَةُ خِدْمَتِهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ زَمَنُ الْحَضَانَةِ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهَا أَوْ الْبُلُوغُ مَعَ صَلَاحِ الدُّنْيَا قَالُوا وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِلْحَضَّانَةِ حِفْظُ الطِّفْلِ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَتَطْهِيرِهِ وَتَدْهِينِهِ وَتَكْحِيلِهِ وَإِضْجَاعِهِ فِي نَحْوِ مَهْدٍ وَرَبْطِهِ وَتَحْرِيكِهِ لِلنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ وَلَا تَسْتَتْبِعُ الْحَضَانَةُ الْإِرْضَاعَ فِي الْإِجَارَةِ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ نَعَمْ
إنْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْفِقٍ غَيْرُهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَحْضُونِ لَازِمَة لَهَا حِينَئِذٍ وَنَقَلَ الْأَزْرَقُ فِي نَفَائِسِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْعَامِرِيِّ أَنَّ الْقَاضِي لَوْ قَالَ لِلْأُمِّ أَرْضِعِي الطِّفْلَ وَاحْضُنِيهِ وَلَك الرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ وَنَقَلَ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فِيمَا إذَا حَضَنَتْ مَنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ وَمَضَى زَمَنٌ وَلَمْ تُطَالِبُ بِهَا وَلَا رَفَعَتْ أَمَرَهَا لِحَاكِمٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَسْقُطُ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ وَصَوَّبَهُ الْأَزْرَقُ قَالَ وَاخْتَارَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْوَجْهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا أَنَّ السُّقُوطَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَتَيَسَّرَتْ مُطَالَبَتُهُ فَتَرَكْتُهُمَا وَإِنْ عَدِمَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَتَعَذَّرَ(2/28)
الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي ثُمَّ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلْإِرْضَاعِ شِرَاءُ لَبَنٍ لِلطِّفْلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِهِ فَأَرْضَعَتْ مَعَهُ آخَرَ فَإِنْ نَقَصَ مَا هُوَ مُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا بِالْإِجَارَةِ ثَبَتَ الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُمْ لَوْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَالْحَضَانَةِ فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَحْدَهُ وَسَقَطَ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ
وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ أَنَّ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْغِذَاءَ بِمَا يُدِرُّ لَبَنَهَا وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهَا بِأَكْلِ مَا يُدِرُّهُ فَأَفْهَمَتْ عِبَارَاتُهُمْ هَذِهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ إرْضَاعِهَا شِرَاؤُهَا لَبَنًا وَسَقْيُهُ إيَّاهُ وَإِنْ قَرَضَ الِاغْتِذَاءَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ السَّقْيَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِرْضَاعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَلْ رُبَّمَا أَوْجَبَ سَقْيُ اللَّبَنِ الْمُشْتَرَى لِلْوَلَدِ ضَرَرًا ظَاهِرًا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إرْضَاعٍ وَالْإِجَارَة لِلْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ صَحِيحَة كَمَا مَرَّ وَتُقَدَّرُ بِالزَّمَانِ فَقَطْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ اللَّبَنِ وَمَا يَسْتَوْفِيهِ الصَّبِيُّ كُلَّ مَرَّةٍ وَضَبْطُ الْمَرَّاتِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالزَّمَنِ لَا غَيْرُ وَتَجِبُ رُؤْيَة الصَّبِيِّ وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَمْ بَيْتُهَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ إلَخْ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ أَنْ تُضِيفَ إلَى لَبَنِهَا الَّذِي تُرْضِعُ بِهِ الْوَلَدَ سَمْنًا وَلَا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ بَلْ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا وَلِلْحَاكِمِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا فَرَضَهُ لِلْوَلَدِ وَأَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِتَقْدِيرِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ فَإِذَا بَانَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي خِلَافِهَا انْتَهَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لِانْتِهَائِهَا بِمَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ أَنَّ
الْمَصْلَحَةَ فِي غَيْرِهَا وَمَرَّ أَنَّ نَفَقَة الْقَرِيبِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَأَنَّهَا الْكِفَايَةُ فَلِلْمُنْفِقِ حِينَئِذٍ بَذْلُهَا عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ شَاءَ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ وَالْحَاكِمُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ حَاضِنَتِهِ ، أَوْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ وَلِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمُ مُخَالِفِ الْحُكْمِ لَهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ نَعَمْ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْأُنْثَى الْمُمَيِّزَةُ إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ يَكُونُونَ عِنْدَ الْأُمِّ لَيْلًا وَنَهَارًا لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانِ فِي حَقِّهِمْ فَيَزُورُهُمْ الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهُمْ عِنْدَهُ وَيَتَفَقَّدُ حَالَهُمْ وَيُلَاحِظُهُمْ بِتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِمْ وَتَأْدِيبِ الْأُنْثَى وَتَعْلِيمِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا طَلُقَتْ مَنْ لَهَا الْحَضَانَةُ وَهِيَ فِي مَنْزِلِهَا فَلَهَا إرْضَاعُهُ فِي الْحَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَأَرْضَعَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ عِنْدِي أَنَّهَا كَاَلَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ غَلَّطَهُ الْإِمَامُ فِيهِ وَحُكْمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا قُلْنَا تَسْتَحِقّ السُّكْنَى حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اخْتَارَ أُمَّهُ فَعَلَى أَبِيهِ مُؤْنَةُ كَفَالَتِهِ كَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ وَهِيَ أَقَلُّ غَالِبًا ؟ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا تَجِبُ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا بِنَفْسِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ الَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ أُجْرَتِهَا وَأَنَّهُ لَا
يُجَابُ إلَى تَوَلِّيهَا بِنَفْسِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ احْتَاجَ الْوَلَدُ إلَى خِدْمَةٍ فِي الْحَضَانَةِ ، أَوْ الْكَفَالَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُولَى إلَى التَّمْيِيزِ وَالثَّانِيَةَ مِنْهُ إلَى الْبُلُوغِ أَيْ وَقَالَ غَيْرُهُ تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا وَمِثْلُهُ مِمَّنْ يَخْدُمُ قَامَ الْأَبُ بِاسْتِئْجَارِ خَادِمٍ أَوْ ابْتِيَاعِهِ عَلَى حَسَبِ(2/29)
عَادَةِ أَمْثَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْأُمَّ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا حَضَانَتُهُ أَنْ تَقُومَ بِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا يَخْدِمُ سَوَاءُ فِي ذَلِكَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ ا هـ .
وَمَا أَفْهَمُهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْتَادَةَ لِلْخِدْمَةِ تَلْزَمُهَا الْخِدْمَةُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ غَيْرُ مُرَادٌ بَلْ هِيَ عَلَى الْأَبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ أَوَّلًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ كِفَايَتِهِ فَإِنْ وَجَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأُمّ لَزِمَهَا الْخِدْمَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ اعْتَادَتْهَا أَمْ لَا وَمِنْ شُرُوطِ الْحَضَانَةِ عَدَالَةُ الْحَاضِنَةِ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ فَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ وَمُغَفَّلَةٍ فَإِنْ وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْوَلَدِ لَمْ يُنْزَعْ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي ثُبُوتِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ أَثْبَتَ فِي حَاضِنَةِ بِنْتِهِ نَحْوَ فِسْقٍ انْتَزَعَهَا مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ لَهُ مَنْع مَنْ يَدْخُلُ عَلَى بِنْتِهِ مِمَّنْ يَخْشَى مِنْهُ الرِّيبَةَ وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ مَنْعُ وَلَدِ الزَّوْجَةِ مِنْ الدُّخُول إلَيْهَا إلَّا كَانَتْ سَاكِنَةً بِمَحَلٍّ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ دُونَ مَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةٌ بِمِلْكِهَا إنْ تَبَرَّعَتْ لَهُ بِالسُّكْنَى فِيهِ وَسَوَاءٌ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى كَانَ الزَّوْجُ الْمَانِعُ غَائِبًا أَمْ حَاضِرًا فَإِنْ أَدْخَلَتْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَثِمَتْ وَلَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ الْمُمَيَّزِ يَضُرُّهُ لَزِمَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي فَإِنْ تَعَدَّى وَأَخْرَجَهُ فَكَسَرَهُ ، أَوْ قَتَلَهُ جَانٍ آخَرُ أَثِمَ الزَّوْجُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَانِي أَوْ مَالِكِهِ الْمُقَصِّرِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ .
( وَسُئِلَ ) نَفَعَ اللَّهُ بِمَا صُورَتُهُ هَلْ لِلْوَلِيِّ مَثَلًا أَوْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَسْتَأْجِر لِلْوَلَدِ امْرَأَةً لِرَضَاعِهِ وَامْرَأَةً أُخْرَى لِحَضَانَتِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْوَلَدِ سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمًّا ، أَوْ كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ فَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا فِي هَذَا مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ كُلُّ امْرَأَةِ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ صَاحِبَتِهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ لَبَنٍ لِتُرْضِعَهُ مَرَّةً وَتَحْضُنَهُ أُخْرَى أَمْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ الشَّرْعِيَّةُ غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ هَلْ تَسْقُط حَضَانَتُهَا أَمْ تَحْضُنُهُ وَيَشْتَرِي لَهُ لَبَنًا وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِيُّهُ الشَّرْعِيُّ أَمْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَة عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْحَاضِنَاتِ بَعْدَهَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ لَبَنٍ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْأُمُّ مَتَى اسْتَحَقَّتْ الْحَضَانَةُ وَكَانَتْ مُرْضِعَةً وَرَضِيَتْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهَا لِحَضَانَةٍ وَلَا لِرَضَاعٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ لِاسْتِحْقَاقِهَا لَهُمَا فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُمَا إلَى غَيْرِهَا بِدُونِ رِضَاهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَبُونٍ ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ إرْضَاعِهِ ، أَوْ لَمْ تَكُنْ حَاضِنَةٌ جَازَ اسْتِئْجَارُ وَاحِدَةٍ لِلْإِرْضَاعِ وَأُخْرَى لِلْحَضَانَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ثُمَّ أَيْضًا وَلَا عُسْرَ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ اجْتِمَاعِ الْمُسْتَأْجَرَتَيْنِ فِي مَحَلِّ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي أَفْهَمَهُ
كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَقَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ كَوْنُهَا مُرْضِعَةً لِطِفْلٍ اُحْتِيجَ إلَى إرْضَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا لِعُسْرِ اسْتِئْجَارِ مُرْضِعَةٍ تَتْرُك مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْمَرْأَةِ وَنَظَرَ فِيمَنْ لَا لَبَنَ لَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَبِأَنَّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ .
وَالْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقُ مَنْ لَا لَبَنَ لَهَا بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقَهَا وَأَمَّا مَنْ لَهَا لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ مِنْ إرْضَاعِهِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَكْثَرِينَ ( وَسُئِلَ ) عَنْ إعْفَافِ الْأَصْلِ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ(2/30)
قُوتِ الْفَرْعِ وَقُوتِ زَوْجَتِهِ فَقَطْ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْوَجْه أَنَّ الْيَسَارَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ لِأَنَّهُ مِنْ وُجُوهِ حَاجَاتِهِ الْمُهِمَّةِ فَوَجَبَ عَلَى ابْنِهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقُدْرَةِ هُنَا بِمَا يَأْتِي فِي النَّفَقَةِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَإِمْكَانُ الْفَرْقِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَنْهُ بِخِلَافِهَا لَا يُؤَثِّر هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَسُئِلَ ) عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ مُؤْنَتَهَا فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ وَمَا شُرُوطُهُ وَمَا كَيْفِيَّةُ لَفْظِهِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهَا الْفَسْخُ بِشَرْطِ أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَادِلَةً تَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ بِإِعْسَارِهِ عَنْ أَقَلِّ نَفَقَتِهَا وَعَنْ أَقَلِّ مَسْكَنٍ يَجِبُ لَهَا وَعَنْ أَقَلِّ كِسْوَتِهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَذْكُرَ الْبَيِّنَةُ إعْسَارَهُ حَالَ شَهَادَتِهَا وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا غَابَ مُعْسِرًا وَلَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ فِي الشَّهَادَةِ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ اسْتِصْحَابَ حَالَتِهِ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ خِلَافُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا تُصَرِّحُ الْبَيِّنَةُ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي شَهَادَتِهَا الْمُوهِمِ لِلتَّرَدُّدِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِيَ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَسَخَ هُوَ بِأَنْ يَقُولَ فَسَخْتُ نِكَاحَ فُلَانٍ لِفُلَانَةَ ، أَوْ أَذِنَ لَهَا حَتَّى تَفْسَخَ هِيَ بِأَنْ تَقُولَ فَسَخْتُ نِكَاحَ فُلَانٍ لِي فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ بِلَا إذْنِ قَاضٍ لَمْ يَنْفُذْ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا فِي الْبَلَدِ لَمْ تَعْلَمْهُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ فَسْخِ الْقَاضِي نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْلَمُهُ وَتَقْدِرُ عَلَيْهِ بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ بَانَ عَدَم وُجُودِ شَرْطِهِ الْمُجَوِّزِ لَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَسُئِلَ ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا وَآذَاهَا وَوَالِدَيْهَا بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ مِنْ كَثْرَةِ أَذَاهُ مِنْ بَيْتِهِ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً فَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ وَقَالَتْ لَمْ أَخْرُجْ إلَّا لِإِيذَائِهِ فَقَطْ مَا الْحُكْمُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ إنْ خَرَجَتْ إلَى الْحَاكِمِ لِتَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إيذَائِهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَلَا كِسْوَتُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ كَانَتْ نَاشِزَةً فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا مُدَّةَ إقَامَتِهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَسُئِلَ ) عَمَّا إذَا سَلَّمَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَمَكَّنَتْهُ ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجُ عَدَمَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ هَلْ هُوَ كَدَعْوَى النُّشُوزِ فَهُوَ الْمُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا وَقَالُوا فِي بَابِ الْبَيِّنَاتِ لَوْ ادَّعَتْ التَّمْكِينَ فَأَنْكَرَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ التَّمْكِينِ أَمَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ الْأَوَّلِ فَلَا ؟ ( فَأَجَابَ ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ عَدَمُ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ النُّشُوزِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ بِشَخْصِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ اخْتَلَفَا فِي النُّشُوزِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي دَوَامِ التَّمْكِينِ هِيَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَدَّقُ فِي عَدَم التَّمْكِينِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَلِمْت وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ السَّائِلِ وَلَعَلَّ هَذَا إلَخْ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَأَنْعَمَهُ فِي كَلَامِهِمْ لَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُول كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَحْثِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .(2/31)
( وَسُئِلَ ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَنَّ الشَّخْص يُخَاصِمُ زَوْجَ بِنْتِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَيَحْبِسُهَا عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ عَاجِزٌ عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَإِسْكَانِهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ خَوْفًا مِنْ أَبِيهَا وَهِيَ مُتَضَرِّرَةٌ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِذَا زَنَتْ امْرَأَةٌ فَعَلِمَ زَوْجُهَا فَهَرَبَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا وَاضْطَرَّتْ لِلنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَمْ لَا ؟ ( فَأَجَابَ ) عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا فَسْخَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا وَكَذَا عَدَمُ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاق عَلَى الزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ بِذَلِكَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِالسُّلْطَانِ ، أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ قَالُوا فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ فَهُوَ أَمْرٌ نَادِرٌ وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ تُلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَلَا تُفْرَد بِحُكْمٍ يَخُصُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ النَّفَقَةِ ، أَوْ الْكِسْوَةِ مَثَلًا لِإِعْسَارِهِ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ أَمْرٌ يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فَلَوْ مَنَعْنَا الْفَسْخَ بِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَأَضْرَرْنَا بِحَالِ أَكْثَرِ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَقَعُ لِأَزْوَاجِهِنَّ الْإِعْسَارُ .
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لِحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ ضَرُورَةٍ يَغْلِبُ سَبَبُ وُقُوعِهَا وَلَمَّا نَظَرَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ إلَى ذَلِكَ الِاحْتِيَاطِ بَالَغَ فِيهِ فَمَنَعَ الْفَسْخَ فِي النِّكَاحِ حَتَّى بِالْإِعْسَارِ وَغَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ابن الصلاح - (ج 2 / ص 41)
417 مسألة وردت من قاض ما الحكم في امرأة غاب عنها زوجها وانقطع خبره ولم يترك لها نفقة هل الفتوى على أن لها المطالبة بالفسخ بسبب ذلك أم لا وكم الأقوال القديمة التي يفتى عليها وما هي
أجاب رضي الله عنه إن الفتيا على أنه مهما كانت واجبة النفقة عليه وتعذرت منه عليها لعدم مال حاضر له مع عدم إمكان أخذها منه حيث هو كتاب حكمي وغيره لكونه لم يعرف موضعه أو عرف لكن تعذرت مطالبته عرف حاله في اليسار والإعسار أو لم يعرف فلها الفسخ بالحاكم وحكمه كما في الثابت عسره فإن تعذر النفقة بذلك كتعذرها بالإعسار والفرق بينهما بأن الإعسار عيب فرق ضعيف ومن أئمتنا من يرى الافتاء بالمنع من الفسخ لكن الإفتاء بالفسخ هو الصحيح وهو الأصح عند الغزالي رحمه الله ذكر ذلك في مسألة المفقود ولصاحبه أبي الحسن بن الشهرزوري الدمشقي هو صنفها في تصحيحه وتقريره والله أعلم
418 مسألة إذا غاب الزوج قبل عرضها نفسها عليه وتمكينه منها فكيف الطريق إلى إيجاب نفقتها عليه وهو غائب
أجاب رضي الله عنه إذا كان مكانه معلوما وأرسلت إليه أني مسلمة نفسي إليك ووصل الخبر إليه(2/32)
419 مسألة امرأة أراد زوجها السفر بها فأقرت لرجل بدين فهل للمقر له أن يمنعها من السفر ولا يحبسها في المحتبس بل يجعلها عند عدل أو في مكان غير الحبس وإذا حبست فهل تسقط نفقتها أم لا
أجاب رضي الله عنه للمقر له منعها من السفر لأن الإقرار لا يفسد عندنا بالتهم وله الاكتفاء بجعلها عند عدل وفي المحتبس وإذا حبسها صاحب الدين حبسا مانعا للزوج من الاستمتاع بها سقطت نفقتها ومن نظائره أنها إذا اعتدت عن وطىء تشبهه لم يلزم الزوج نفقتها في زمان العدة ذكره صاحب التهذيب وغيره
420 مسألة زوج أعسر بالجبة وما يقوم مقامها في كسوة زوجته في الشتاء وقدر على ثوبين من الخيام فهل لها فسخ النكاح بذلك
أجاب رضي الله عنه بعد التمهل أياما وبعد أن راجعت كتبا عدة فلم أجدها مسطورة لها الفسخ بذلك كما أن لها الفسخ ببعض ما لا بد منه من النفقة الواجبة من الطعام وهذا على أن الإعسار بالكسوة أثبت في جواز الفسخ كالاعسار بالطعام وهو المعروف الذي قطع به
فتاوى ابن الصلاح ج:2 ص:455
جماعات المصنفين وذكروا خلافا فيه غير مشهور والوجه فيه غير قوي والله أعلم
421 مسألة حبست الزوجة في حق عليها فهل تسقط نفقتها
أجاب رضي الله عنه إذا تعذر عليه بحبسها الاستمتاع سقطت نفقتها ولا تجعل كالمرض بل هو كالعدة وينبغي أن يطلب المسطور فيه والله أعلم
422 مسألة رجل غاب عن زوجته وهي في منزله مطيعة غير ناشزة مدة ولم يترك عندها نفقة يوم واحد وشهدت البينة أنه سافر عنها وهو معسر معدم لا شيء له وحضرت المرأة عند حاكم من حكام المسلمين نافذ الحكم في ولايته فاختارت الفسخ وسألت الحاكم ففسخ الحاكم النكاح فهل الفسخ صحيح
أجاب رضي الله عنه لا يصح الفسخ على الأصح بناء على مجرد هذا استصحابا فلو شهدت البينة المذكورة بالإعسار الآن بناء على الاستصحاب جاز لها ذلك إذا لم يعلم زوال ذلك ولم تشكل وصح الحكم بالفسخ وإذا حضر الزوج لم تسلم إليه
423 مسألة ما يجب على الفقير المعسر المتزوج في السنة من النفقة والكسوة
أجاب رضي الله عنه على المعسر من النفقة كل يوم من القمح ها هنا وهو ثلاثة أواق ونصف بهذا الرطل وعليه مؤنة الطحن والخبز وأن
فتاوى ابن الصلاح ج:2 ص:456
تراضيا على أخذ الخبز لا على وجه المعاوضة الممتنعة جاز ويجب لها من الأدم قدر ما تصلح على هذا القدر من الطعام وذلك من أدم البلد ويجب لها آلة التنظيف من مشط ونحوه ويجب لها من الكسوة في السنة مرتين غليظ القطن أو الكتان وكذلك قميص وسراويل مقنعة وتزداد في الشتاء جبة ويجب لها ما تجلس عليه وما تنام فيه من المنازل من جنس ذلك ولها مداس في رجلها ومن أثاث البيت ونحو ذلك على قياسه
424 مسألة رجل فقير ماله شيء أصلا ولا يقدر على العشاء ولا على الغداء بل هو على الفتوح وهو ممن يحفظ القرآن وقرأ شيئا من العلم وجماعة يظنوا الخير فيه(2/33)
وهو يعلم من نفسه لا خير فيه وقد أصبح له زوجة وولد وما له قدرة على نفقة عياله وامرأته ممن لا يحمله ثقلا تقول له إذا فتح لك بشيء أنفقه وإن لم يفتح لك بشيء فلا تحمل نفسك ما لا تطيق وإذا أحب أن يتدين تقول له المرأة لا تتدين بل تأمره بترك الدين ونفسه عنده عزيزة ما يرى أنه يتسبب ولا يكون إماما يصلي بالناس ولا يرى أنه ينزل في مدرسة ويشتغل بل يرى ترك هذا كله وإذا أحب الاشتغال بالفقه لا في مدرسة إلا على وجه الانتفاع بالعلم من غير جامكيه ورتب الناس في الأسباب مختلفة الإمام في إمامته والقاضي في قضائه والوالي في ولايته والشاهد عدل في شهادته فهل إذا نزلوا عن رتبهم إلى ما هو دونها هل سقطوا في أعين الناس وإن كان ما نزلوا إليه مباحا فهل يحرم عليه ذلك الفعل لسقوطهم في أعين الناس وهل الأكل في الطريق وغيره يسقط العدالة وكل ما يسقط العدالة محرم أو غير محرم وجميع الأرواث روث البقر وروث الجمال وما شابهه هل يجوز أن يحرق ويدفأ به ويطبخ ويسخن الماء به وإن كانت البقر والجمال والغنم والمعز يسببها أصحابها في أموال الناس تأكل الزرع وغيره فهل ذلك الروث وجميع الأرواث يجوز تسخين الماء به والطبخ به والدفء به وجميع الأرواث هل يجوز بيعها أولا ورجل لقي طاسة على نهر بين قرى وطريق سكة الناس فأخذها وراح فهل يحرم ذلك عليه والموضع الذي أخذها منه حواليه قرى وسكة الطريق بل السكة بعيدة والقرى بعيدة عن الموضع بعد قليل وجميع الطيور التي يجوز أكلها والذي لا يجوز بينوه لنا كأكل القاق والزرزور والسماني وما جاز أكله والقاق إذا أكل الميتة والشوحة إذا أكلت الميتة هل يجوز أكل هذين الطيرين أو لا يجوز وقد ذكر الحلال بين والحرام بين وبينهما متشابهات ما الحلال وما الحرام وما الشبهة
هذا الفقير الذي لا يرى بفعل هذه الأشياء جميعها وإن كانت مباحة في الشرع ويعلم من نفسه أنه إذا فعلها نزل عن رتبة ما كان في أعين الناس فهل يحرم عليه ذلك أم لا أجاب رضي الله عنه
أجاب رضي الله عنه هذا الذي رآه من القعود على الفتوح والإعراض عن التسبب والاكتساب خطأ عظيم الضرر
أما أولا فلأن القعود على الفتوح شروطه عند من يراه من أهل المعرفة والتحقيق صعبة شديدة منها أن يكون كتوما لحاله عن الناس غير متعرض لأرفاقهم يكون في الناس كواحد منهم لباسا وحركة ويجد في قلبه حلاوة وسكنا عند تأخر أرفاقهم ولا يضطرب قلبه بسبب ذلك مع شروطه لا يكاد يقيم بها ذو العيال
وأما ثانيها فهذا يحرم على ذي العيال ورضى الزوجة لا يعتمد عليه في ذلك فإنه لا يستمر في سائر الأحوال ولو رضيت فأين رضى الصغير فعليك بعمل الأبطال الكسب من الحلال والكد على العيال وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول
وان كان الكسب ينزله عن مرتبته عند الناس فليس ذلك عذرا ومهما صحت نيته سلم من المحذور عند الله وعند الناس ومن الناس إنما يتقيد بهم المفتون أوصى الشافعي يونس الصدفي فقال إنه ليس إلى السلامة من الناس سبيل فعليك بما فيه صلاح نفسك ودع الناس
وقال من تقدم ما نقص الكامل من كماله ما جر من نفع إلى عياله(2/34)
وما ذكره من نزول من سمى عن مراتبهم في أعين الناس فلا يحرم عليهم ذلك مهما كان فاسدا مباح ثم إن كان ذلك عن جري منه على منهاج السلف الصالحين طلبا للاقتداء بهم فذلك حسن مستحب وإلا فهو مكروه وهكذا أكل العدل في الطريق لا يحرم ويكره وإنما يسقط العدالة لأنه يتطرق التهمة والأرواث المذكورة يجوز استعمالها فيما ذكر ولكن ينبغي أن يحترز من دخانها الذي يعلق ينفض أو يمسح ويكره استعمال روث ما يأكل زرعا مغصوبا
والرجل الذي لقي الطاسة يجب عليه أن يعرفها في أقرب القرى إلى ذاك الموضع فإن كانت قيمتها ربع دينار عرفها سنة وإن كانت أقل عرفها زمانا يغلب على الظن أن مثلها ينقطع السؤال عنه في مثله
وأما الطيور فيحرم منها كل ما له مخلب كالبازي والشاهين والباشق والصقر والعقاب والنسر وجميع جوارح الطير ويحرم الهدهد والخطاف والذي يسمى الخفاش ويحرم الخفاش والصرد ويحرم الغراب وهو القاق المذكور الأبقع منه والأسود الكبير وتحرم الحدأة وهي الشيحة المذكورة والبغاثة مثلها واللقلق يحرم أيضا على المختار من الوجهين والزرزور مباح وكذا السماني وهو السلوى المنزل وكل أنواع العصافير وأنواع الحمام والكراكي والحبالي والدجاج والدراج والفيح والقطاة والبط والأوز وطير الماء وأما الحلال فهو ما لا يشك في إباحته والحرام لا يشك في تحريمه والشبهات ما وقع الشك في أمره مثل المال في يدي من يكسب حلالا وحراما وهذا له تفصيل يطول وما ذكره آخرا من المباحثات التي تنزل رتبته في أعين الناس فقد تقدم الجواب عنه وأنه لا يحرم ذلك عليه بل يجب عليه في حاله وذلك عند حاجة العيال ويستحب له في حاله إذا لم يكن كذلك وكان قصده التواضع وإيصال الراحة إلى غيره بسبب ما يفعله من ذلك وقد سبقت الإشارة إلى تمام ذلك والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
سبل السلام - (ج 5 / ص 327)
فَسْخُ الزَّوْجِيَّةِ عند الإعسار
( وَعَنْ { سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا } .
أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سُنَّةٌ ؟ قَالَ سُنَّةٌ ، وَهَذَا مُرْسَلٌ قَوِيٌّ ) وَمَرَاسِيلُ سَعِيدٍ مَعْمُولٌ بِهَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ سَعِيدٍ سُنَّةٌ " سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ لَعَلَّهُ أَرَادَ سُنَّةَ عُمَرَ ، فَإِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَكَيْفَ يَقُولُهُ السَّائِلُ سُنَّةٌ وَيُرِيدُ سُؤَالَهُ عَنْ سُنَّةِ عُمَرَ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَهَلْ سَأَلَ السَّائِلُ إلَّا عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا قَالَ جَمَاعَةٌ إنَّهُ إذَا قَالَ الرَّاوِي مِنْ السُّنَّةِ كَذَا ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ .
وَأَمَّا بَعْدَ سُؤَالِ الرَّاوِي ، فَلَا يُرِيدُ السَّائِلُ إلَّا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا يُجِيبُ الْمُجِيبُ إلَّا عَنْهَا عَنْ سُنَّةِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ عَمَّا هُوَ حُجَّةٌ ، وَهُوَ سُنَّتُهُ(2/35)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا } .
وَأَمَّا دَعْوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ وَهَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ وَتَبِعَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى الْوَهْمِ ، فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي حَوَاشِي ضَوْءِ النَّهَارِ وَسَيَأْتِي كِتَابُ عُمَرَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَجْنَادِ أَنْ يُنْفِقُوا ، أَوْ يُطَلِّقُوا .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحُكْمِ ، وَهُوَ فَسْخُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ إعْسَارِ الزَّوْجِ عَلَى أَقْوَالٍ : ( الْأَوَّلُ ) ثُبُوتُ الْفَسْخِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا ذُكِرَ وَبِحَدِيثِ { لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ } تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَبِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابِلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّاشِزَ لَا نَفَقَةَ لَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ سَقَطَ الِاسْتِمْتَاعُ فَوَجَبَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ وَبِأَنَّهُمْ قَدْ أَوْجَبُوا عَلَى السَّيِّدِ بَيْعَ مَمْلُوكِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِهِ فَإِيجَابُ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَهَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا لِلزَّوْجِ كَاسْتِحْقَاقِ السَّيِّدِ لِكَسْبِ عَبْدِهِ وَبِأَنَّهُ قَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ ، وَالضَّرَرُ الْوَاقِعُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَعْظَمُ مِنْ الضَّرَرِ الْوَاقِعِ بِكَوْنِ الزَّوْجِ غَنِيًّا وَبِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ { ، وَلَا تُضَارُّوهُنَّ } ، وَقَالَ { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } وَأَيُّ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ وَأَيُّ ضَرَرٍ أَشَدُّ مِنْ تَرْكِهَا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ .
وَ ( الثَّانِي ) مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِالْإِعْسَارِ عَنْ النَّفَقَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا أَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا } قَالُوا : وَإِذَا لَمْ يُكَلِّفْهُ اللَّهُ النَّفَقَةَ فِي هَذَا الْحَالِ ، فَقَدْ تَرَكَ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَكَنِهِ وَبِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، { وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا طَلَبَ أَزْوَاجُهُ مِنْهُ النَّفَقَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَوَجَأَ أَعْنَاقَهُمَا وَكِلَاهُمَا يَقُولُ أَتَسْأَلَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ } - الْحَدِيثَ .
قَالُوا : فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَضْرِبَانِ بِنْتَيْهِمَا بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَتَاهُ النَّفَقَةَ الَّتِي لَا يَجِدُهَا فَلَوْ كَانَ الْفَسْخُ لَهُمَا وَهُمَا طَالِبَتَانِ لِلْحَقِّ لَمْ يُقِرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا فَعَلَا وَلِيُبَيِّنَ أَنَّ لَهُمَا أَنْ تُطَالِبَنَا مَعَ الْإِعْسَارِ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَسْخِ وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ الْمُعْسِرُ بِلَا رَيْبٍ وَلَمْ يُخْبِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْهُمْ بِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ الْفَسْخَ ، وَلَا فَسَخَ أَحَدٌ قَالُوا : وَلِأَنَّهَا لَوْ مَرِضَتْ الزَّوْجَةُ وَطَالَ مَرَضُهَا حَتَّى تَعَذَّرَ عَلَى الزَّوْجِ جِمَاعُهَا لَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ .
فَدَلَّ أَنَّ الْإِنْفَاقَ لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا قُلْتُمْ .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ كِيسِهِ وَحَدِيثُهُ الْآخَرِ لَعَلَّهُ مِثْلُهُ وَحَدِيثُ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى سُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ الزَّوْجِ وَبِهِ نَقُولُ .(2/36)
وَأَمَّا الْفَسْخُ ، فَهُوَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ تُطَالِبُ بِهِ ، وَبِأَنَّ قِصَّةَ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَرْبَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْتُمْ هِيَ كَالْآيَةِ دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُنَّ سَأَلْنَ الطَّلَاقَ ، أَوْ الْفَسْخَ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُنَّ لَا يَسْمَحْنَ بِفِرَاقِهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْقِصَّةِ .
وَأَمَّا إقْرَارُهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى ضَرْبِهِمَا فَلِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ لِلْآبَاءِ تَأْدِيبَ الْأَبْنَاءِ إذَا أَتَوْا مَا لَا يَنْبَغِي .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُفَرِّطْ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ فَلَعَلَّهُنَّ طَلَبْنَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَتَخْرُجُ الْقِصَّةُ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَأَمَّا الْمُعْسِرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَبَتْ الْفَسْخَ ، أَوْ الطَّلَاقَ لِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ وَمَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ حُجَّةً بَلْ كَانَ نِسَاءُ الصَّحَابَةِ كَرِجَالِهِنَّ يَصْبِرْنَ عَلَى ضَنْكِ الْعَيْشِ وَتَعَسُّرِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ : إنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يُرِدْنَ الْآخِرَةَ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُنَّ الدُّنْيَا فَلَمْ يَكُنَّ يُبَالِينَ بِعُسْرِ أَزْوَاجِهِنَّ .
وَأَمَّا نِسَاءُ الْيَوْمِ ، فَإِنَّمَا يَتَزَوَّجْنَ رَجَاءَ الدُّنْيَا مِنْ الْأَزْوَاجِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ مِنْ مَرَاسِيلِهِ وَأَئِمَّةُ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الْعَمَلَ بِهَا كَمَا سَلَفَ ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ الَّذِي عَاضَدَهُ مُرْسَلُ سَعِيدٍ ، وَلَوْ فُرِضَ سُقُوطُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ غُنْيَةً عَنْهُ .
( وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ ) أَنَّهُ يُحْبَسُ الزَّوْجُ إذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ حَتَّى يَجِدَ مَا يُنْفِقُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَنْبَرِيِّ ، وَقَالَتْ الْهَادَوِيَّةُ يُحْبَسُ لِلتَّكَسُّبِ وَالْقَوْلَانِ مُشْكِلَانِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْغَدَاءُ فِي وَقْتِهِ وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِهِ ، فَهُوَ وَاجِبٌ فِي وَقْتِهِ فَالْحَبْسُ إنْ كَانَ فِي خِلَالِ وُجُوبِ الْوَاجِبِ ، فَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ فَيَعُودُ عَلَى الْغَرَضِ الْمُرَادِ بِالنَّقْضِ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ ، فَلَا وُجُوبَ فَكَيْفَ يُحْبَسُ لِغَيْرِ وَاجِبٍ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ صَارَ كَالدَّيْنِ ، وَلَا يُحْبَسُ لَهُ مَعَ ظُهُورِ الْإِعْسَارِ اتِّفَاقًا .
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد لِمَرْأَةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ إعْسَارِ زَوْجِهَا ، فَقَالَ ذَهَبَ نَاسٌ إلَى أَنَّهُ يُكَلَّفُ السَّعْيَ وَالِاكْتِسَابَ .
وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهَا تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ فَلَمْ تَفْهَمْ مِنْهُ الْجَوَابَ فَأَعَادَتْ السُّؤَالَ ، وَهُوَ يُجِبْهَا ثُمَّ قَالَ يَا هَذِهِ قَدْ أَجَبْتُك وَلَسْت قَاضِيًا فَأَقْضِي ، وَلَا سُلْطَانًا فَأَمْضِي ، وَلَا زَوْجًا فَأُرْضِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْوَقْفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ قَوْلًا رَابِعًا .
( الْقَوْلُ الْخَامِسُ ) أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً وَزَوْجُهَا مُعْسِرٌ كُلِّفَتْ الْإِنْفَاقَ عَلَى زَوْجِهَا ، وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ .
وَرُدَّ بِأَنَّ الْآيَةَ سَاقَهَا فِي نَفَقَةِ الْمَوْلُودِ الصَّغِيرِ وَلَعَلَّهُ لَا يَرَى التَّخْصِيصَ بِالسِّيَاقِ .
( الْقَوْلُ السَّادِسُ ) لِابْنِ الْقَيِّمِ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ ، أَوْ كَانَ مُوسِرًا ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ ، فَإِنَّهُ لَا فَسْخَ لَهَا وَإِلَّا كَانَ لَهَا الْفَسْخُ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ عِلْمَهَا بِعُسْرَتِهِ وَلَكِنْ حَيْثُ كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ تَزَوُّجِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ لِلْجَائِحَةِ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ عَدَمِ ثُبُوتِ الْفَسْخِ لَهَا .(2/37)
وَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَقْوَالَ عَرَفْت أَنَّ أَقْوَاهَا دَلِيلًا وَأَكْثَرَهَا قَائِلًا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْفَسْخِ فِي تَأْجِيلِهِ بِالنَّفَقَةِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : يُؤَجَّلُ شَهْرًا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَقَالَ حَمَّادٌ : سَنَةً وَقِيلَ : شَهْرًا ، أَوْ شَهْرَيْنِ .
( قُلْت ) : وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّضَرُّرُ الَّذِي يُعْلَمُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّطْلِيقُ قَالَ تُرَافِعُهُ الزَّوْجَةُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُنْفِقَ أَوْ يُطَلِّقَ .
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَسْخٌ تُرَافِعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَثْبُتَ الْإِعْسَارُ ثُمَّ تَفْسَخُ هِيَ وَقِيلَ : تُرَافِعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَى الطَّلَاقِ ، أَوْ يَفْسَخَ عَلَيْهِ ، أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْفَسْخِ ، فَإِنْ فَسَخَ ، أَوْ أَذِنَ فِي الْفَسْخِ ، فَهُوَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنْ طَلَّقَ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَهُ فِيهِ الرَّجْعَةُ .
ـــــــــــــــــــ
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 468)
بَابُ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ لِلْمَرْأَةِ إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ بِإِعْسَارٍ وَنَحْوِهِ 2977 - ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، فَقِيلَ : مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : امْرَأَتُك مِمَّنْ تَعُولُ ، تَقُولُ : أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي ، وَجَارِيَتُك تَقُولُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَوَلَدُك يَقُولُ : إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي ؟ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَجَعَلُوا الزِّيَادَةَ الْمُفَسَّرَةَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ) .
2978 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ )
الشَّرْحُ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ حَسَّنَ إسْنَادَهُ الْحَافِظُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي حِفْظِ عَاصِمٍ مَقَالٌ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ } .
تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ : أَطْعِمْنِي ، إلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ " قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْقَارِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ " فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا " قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : قُلْت لِسَعِيدٍ : سُنَّةٌ ؟ قَالَ : سُنَّةٌ وَهَذَا مُرْسَلٌ قَوِيٌّ وَعَنْ عُمَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ " أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ : إمَّا أَنْ يُنْفِقُوا وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقُوا وَيَبْعَثُوا نَفَقَةَ مَا حَبَسُوا " قَوْلُهُ : ( مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ مَنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِنَفْسِهِ إلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ بَلْ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي(2/38)
هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمُ يَرْفَعُهُ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ } وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ حَالُ قَلِيلِ الْمَالِ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ : وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَرَجُلٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ فَهَذَا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ مَالِهِ } الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ كَانَ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْفَاقَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَصَدِّقًا بِمَا يَبْلُغُ إلَيْهِ جُهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْغِنَى غِنَى النَّفْسِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ } قَوْلُهُ : ( الْيَدُ الْعُلْيَا ) هِيَ يَدُ الْمُتَصَدِّقِ وَالْيَدُ السُّفْلَى يَدُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ، هَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ : ( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) أَيْ بِمَنْ تَجِبُ عَلَيْك نَفَقَتُهُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ : يُقَالُ : عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ : إذَا مَانَهُمْ : أَيْ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَرِقَّاءِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ : ( تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي ) اُسْتُدِلَّ بِهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أُعْسِرَ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَحَمَّادٍ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ يَحْيَى وَحَكَى صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنْ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الصَّبْرُ وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّةِ الزَّوْجِ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا سَلَفَ مِنْ إعْلَالِهَا وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ : إنَّهُ مِنْ كِيسِهِ بِكَسْرِ الْكَافِ : أَيْ مِنْ اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ : أَيْ مِنْ فِطْنَتِهِ
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ ، فَلَيْسَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةً مِنْ التَّابِعِينَ قَالُوا : نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّقُ فَإِذَا كَادَتْ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي رَاجَعَ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَدْحٌ يُوجِبُ الضَّعْفَ فَضْلًا عَنْ السُّقُوطِ ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا خَاصًّا كَمَا قِيلَ فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْآخَرِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا } قَالُوا : وَإِذَا أُعْسِرَ وَلَمْ يَجِدْ سَبَبًا يُمْكِنُهُ بِهِ تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ(2/39)
بِدَلَالَةِ الْآيَةِ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّا لَمْ نُكَلِّفْهُ النَّفَقَةَ حَالَ إعْسَارِهِ ، بَلْ دَفَعْنَا الضَّرَرَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَخَلَّصْنَاهَا مِنْ حِبَالِهِ لِتَكْتَسِبَ لِنَفْسِهَا أَوْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ { دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَاهُ حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا وَهُنَّ يَسْأَلْنَهُ النَّفَقَةَ ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ابْنَتِهِ ، أَبُو بَكْرٍ إلَى عَائِشَةَ وَعُمَرُ إلَى حَفْصَةَ ، فَوَجَآ أَعْنَاقَهُمَا ، فَاعْتَزَلَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرًا } فَضَرْبُهُمَا لَاِبْنَتَيْهِمَا فِي حَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ مُطَالَبَتِهِمَا بِالنَّفَقَةِ الَّتِي لَا يَجِدُهَا ، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ لِمُجَرَّدِ الْإِعْسَارِ عَنْهَا ، قَالُوا : وَلَمْ يَزَلْ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ الْمُوسِرُ وَالْمُعْسِرُ وَمُعَسِّرُوهُمْ أَكْثَرُ وَيُجَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ زَجْرَهُمَا عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَسْخِ لِأَجْلِ الْإِعْسَارِ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُنَّ طَلَبْنَهُ وَلَمْ يُجَبْنَ إلَيْهِ ، كَيْفَ وَقَدْ خَيَّرَهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاخْتَرْنَهُ ، وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ جَوَازَ الْمُطَالَبَةِ لِلْمُعْسِرِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَعَدَمَهَا بَلْ مَحَلُّهُ : هَلْ يَجُوزُ الْفَسْخُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ أَمْ لَا وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْدَمْنَ النَّفَقَةَ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَعَاذَ مِنْ الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِيمَا زَادَ عَلَى قِوَامِ الْبَدَنِ مِمَّا يَعْتَادُ النَّاسُ النِّزَاعَ فِي مِثْلِهِ ، وَهَكَذَا يُجَابُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِلْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ وِجْدَانِ الزَّوْجِ لِنَفَقَتِهَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ عَلَيْهَا ضَرَرٌ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ : إنَّهُ يُؤَجَّلُ الزَّوْجُ مُدَّةً ؛ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ شَهْرًا ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا الْفَسْخُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ
وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّ الزَّوْجَ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْعِنِّينِ وَهَلْ تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ ؟ رُوِيَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي وَجْهٍ لَهُمْ أَنَّهَا تُرَافِعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ يُطَلِّقَ عَنْهُ وَفِي وَجْهٍ لَهُمْ آخَرَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالْإِعْسَارِ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الْفَسْخَ رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ الطَّلَاقِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أُعْسِرَ عَنْ النَّفَقَةِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَجِدَهَا وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الرِّزْقِ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ أَعْوَزَتْهُ الْمَطَالِبُ وَأُكِّدَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَكَاسِبِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَقَاعَدَ عَنْ طَلَبِ أَسْبَابِ الرِّزْقِ وَالسَّعْيِ لَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ ، فَلِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهٌ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَى زَوْجِهَا الْمُعْسِرِ وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ وَذَهَبَ ابْنُ الْقَيِّمِ إلَى التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِهِ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ أَوْ كَانَ حَالُ الزَّوْجِ مُوسِرًا ثُمَّ أُعْسِرَ فَلَا فَسْخَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي غَرَّهَا عِنْدَ الزَّوَاجِ بِأَنَّهُ مُوسِرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا إعْسَارُهُ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَسْخَ لِأَجْلِ الْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ
عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ إلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بِأَنَّ النِّسَاءَ عَوَانٌ فِي يَدِ الْأَزْوَاجِ } كَمَا تَقَدَّمَ : أَيْ حُكْمُهُنَّ حُكْمُ الْأُسَرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَانِيَ : الْأَسِيرُ ، وَالْأَسِيرُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ خَلَاصًا مِنْ دُونِ رِضَا الَّذِي(2/40)
هُوَ فِي أَسْرِهِ فَهَكَذَا النِّسَاءُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ { الطَّلَاقُ لِمَنْ أَمْسَكَ بِالسَّاقِ } فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ تَخْلِيصُ نَفْسِهَا مِنْ تَحْتِ زَوْجِهَا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِعْسَارِ عَنْ النَّفَقَةِ وَوُجُودِ الْعَيْبِ الْمُسَوِّغِ لِلْفَسْخِ ، وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الزَّوْجَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــ
وفي زاد المعاد :
ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّفَقَةِ عَلَى الزّوْجَاتِ
وَأَنّهُ لَمْ يُقَدّرْهَا وَلَا وَرَدَ عَنْهُ مَا يَدُلّ عَلَى تَقْدِيرِهَا وَإِنّمَا رَدّ الْأَزْوَاجَ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ . ثَبَتَ عَنْهُ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " : " أَنّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ حَجّةِ الْوَدَاعِ بِمَحْضَرِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِبِضْعَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا : وَاتّقُوا اللّهَ فِي النّسَاءِ فَإِنّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللّهِ وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ [ ص 438 ] وَثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ هِنْدًا امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ لَهُ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلّا مَا أَخَذْت مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَالَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوف وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " : مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَقُولُ فِي نِسَائِنَا ؟ قَالَ أَطْعِمُوهُنّ مِمّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُنّ مِمّا تَلْبَسُونَ وَلَا تَضْرِبُوهُنّ وَلَا تُقَبّحُوهُنّ وَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُطَابِقٌ لِكِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ الرّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ } [ الْبَقَرَةِ 233 ] وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نَفَقَةِ الْخَادِمِ وَسَوّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ
التّقْدِيرِ وَرَدّهُمَا إلَى الْمَعْرُوفِ فَقَالَ لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ فَجَعَلَ نَفَقَتَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَلَا رَيْبَ أَنّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ غَيْرُ مُقَدّرَةٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَقْدِيرِهَا . وَصَحّ عَنْهُ فِي الرّقِيقِ أَنّهُ قَالَ أَطْعِمُوهُمْ مِمّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمّا تَلْبَسُونَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا قَالَ فِي الزّوْجَةِ سَوَاءٌ . [ ص 439 ] أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ إمّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمّا أَنْ تُطَلّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي. وَيَقُولُ الِابْنُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي فَجَعَلَ نَفَقَةَ الزّوْجَةِ وَالرّقِيقِ وَالْوَلَدِ كُلّهَا الْإِطْعَامَ لَا التّمْلِيكَ . وَرَوَى النّسَائِيّ هَذَا مَرْفُوعًا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا سَيَأْتِي . وَقَالَ تَعَالَى : { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ } [ الْمَائِدَةِ 89 ] وَصَحّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ قَالَ الْخُبْزُ وَالزّيْتُ وَصَحّ عَنْ ابْنِ عُمَر َ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَالسّمْنُ وَالْخُبْزُ وَالتّمْرُ وَمِنْ أَفْضَلِ مَا تُطْعِمُونَ الْخُبْزُ وَاللّحْم فَفَسّرَ الصّحَابَةُ إطْعَامَ الْأَهْلِ بِالْخُبْزِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُدْمِ وَاَللّهُ وَرَسُولُهُ ذَكَرَا الْإِنْفَاقَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَقْدِيرٍ وَلَا تَقْيِيدٍ فَوَجَبَ رَدّهُ إلَى الْعُرْفِ لَوْ لَمْ يَرُدّهُ إلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَيْفَ وَهُوَ الّذِي رَدّ ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَأَرْشَدَ أُمّتَهُ إلَيْهِ ؟ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ أَهْلَ الْعُرْفِ إنّمَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي
الْإِنْفَاقِ عَلَى أَهْلِيهِمْ حَتّى مَنْ يُوجِبُ التّقْدِيرَ الْخُبْزُ وَالْإِدَامُ دُونَ الْحَبّ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ إنّمَا كَانُوا يُنْفِقُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ كَذَلِكَ دُونَ تَمْلِيكِ الْحَبّ(2/41)
وَتَقْدِيرِهِ وَلِأَنّهَا نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالشّرْعِ فَلَمْ تُقَدّرْ بِالْحَبّ كَنَفَقَةِ الرّقِيقِ وَلَوْ كَانَتْ مُقَدّرَةً لَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هِنْدًا أَنْ تَأْخُذَ الْمُقَدّرَ لَهَا شَرْعًا وَلَمّا أَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ مَا يَكْفِيهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَرَدّ الِاجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ إلَيْهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ قَدْرَ كِفَايَتِهَا لَا يَنْحَصِرُ فِي مُدّيْنِ وَلَا فِي رِطْلَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَنْقُصُ وَلَفْظُهُ لَمْ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهِ وَلَا إيمَاءٍ وَلَا إشَارَةٍ وَإِيجَابُ مُدّيْنِ أَوْ رِطْلَيْنِ خُبْزًا قَدْ يَكُونُ أَقَلّ مِنْ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ تَرْكًا [ ص 440 ] كَانَ أَقَلّ مِنْ مُدّ أَوْ مِنْ رِطْلَيْ خُبْزٍ إنْفَاقٌ بِالْمَعْرُوفِ فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْوَاجِبَ بِالْكِتَابِ وَالسّنّةِ وَلِأَنّ الْحَبّ يُحْتَاجُ إلَى طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَتْ ذَلِكَ مِنْ مَالِهَا لَمْ تَحْصُلْ الْكِفَايَةُ بِنَفَقَةِ الزّوْجِ وَإِنْ فَرَضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَهَا مِنْ مَالِهِ كَانَ الْوَاجِبُ حَبّا وَدَرَاهِمَ وَلَوْ طَلَبَتْ مَكَانَ الْخُبْزِ دَرَاهِمَ أَوْ حَبّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهَا ذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهُ لِأَنّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى قَبُولِهَا وَيَجُوزُ تَرَاضِيهِمَا عَلَى مَا اتّفَقَا عَلَيْهِ .
[الِاخْتِلَافُ فِي مِقْدَارِ النّفَقَةِ عِنْدَ مَنْ قَدّرَهَا ]
وَاَلّذِينَ قَدّرُوا النّفَقَةَ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَدّرَهَا بِالْحَبّ وَهُوَ الشّافِعِيّ فَقَالَ نَفَقَةُ الْفَقِيرِ مُدّ بِمُدّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَنّ أَقَلّ مَا يُدْفَعُ فِي الْكَفّارَةِ إلَى الْوَاحِدِ مُدّ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ اعْتَبَرَ الْكَفّارَةَ بِالنّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ فَقَالَ { فَكَفّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ } [ الْمَائِدَةِ 89 ] قَالَ وَعَلَى الْمُوسِرِ مُدّانِ لِأَنّ أَكْثَرَ مَا أَوْجَبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِلْوَاحِدِ مُدّانِ فِي كَفّارَةِ الْأَذَى وَعَلَى الْمُتَوَسّطِ مُدّ وَنِصْفٌ نِصْفُ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ وَنِصْفُ نَفَقَةِ الْفَقِيرِ . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : مُقَدّرَةٌ بِمِقْدَارِ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْقِلّةِ وَالْكَثْرَةِ وَالْوَاجِبُ رِطْلَانِ مِنْ الْخُبْزِ فِي كُلّ يَوْمٍ فِي حَقّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفّارَاتِ وَإِنّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ لِأَنّ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ سَوَاءٌ فِي قَدْرِ الْمَأْكُولِ وَمَا تَقُومُ بِهِ الْبِنْيَةُ وَإِنّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي جَوْدَتِهِ فَكَذَلِكَ النّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ .
[حُجَجُ الْجُمْهُورِ عَلَى عَدَمِ التّقْدِيرِ ]
وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصّحَابَةِ قَطّ تَقْدِيرُ النّفَقَةِ لَا بِمُدّ وَلَا بِرِطْلِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُمْ بَلْ الّذِي اتّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ فِي كُلّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ مَا ذَكَرْنَاهُ . قَالُوا : وَمَنْ الّذِي سَلّمَ لَكُمْ التّقْدِيرَ بِالْمُدّ وَالرّطْلِ فِي الْكَفّارَةِ وَاَلّذِي دَلّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسّنّةُ أَنّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفّارَةِ الْإِطْعَامُ فَقَطْ لَا التّمْلِيكُ قَالَ تَعَالَى فِي كَفّارَةِ الْيَمِينِ { فَكَفّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [ ص 441 ] الْمَائِدَةِ 89 ] وَقَالَ فِي كَفّارَةِ الظّهَارِ { فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينًا } [ الْمُجَادَلَةِ 4 ] وَقَالَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى : { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [ الْبَقَرَةِ 196 ] وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فِي إطْعَامِ الْكَفّارَاتِ غَيْرُ هَذَا وَلَيْسَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا تَقْدِيرُ ذَلِكَ بِمُدّ وَلَا رِطْلٍ وَصَحّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لِمَنْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِينًا وَكَذَلِكَ قَالَ لِلْمُظَاهِرِ وَلَمْ يَحُدّ ذَلِكَ بِمُدّ وَلَا رِطْلٍ .
[ أَقْوَالُ الصّحَابَةِ فِي الْكَفّارَةِ ]
فَاَلّذِي دَلّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسّنّةُ أَنّ الْوَاجِبَ فِي الْكَفّارَاتِ وَالنّفَقَاتِ هُوَ الْإِطْعَامُ لَا التّمْلِيكُ وَهَذَا هُوَ الثّابِتُ عَنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ حَجّاجٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيّ : يُغَدّيهِمْ وَيُعَشّيهِمْ(2/42)
خُبْزًا وَزَيْتًا . وَقَالَ إسْحَاقُ عَنْ الْحَارِثِ كَانَ عَلِيّ يَقُولُ فِي إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي كَفّارَةِ الْيَمِينِ يُغَدّيهِمْ وَيُعَشّيهِمْ خُبْزًا وَزَيْتًا أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا . وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى عَنْ لَيْثٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ الْخُبْزُ وَالسّمْنُ وَالْخُبْزُ وَالزّيْتُ وَالْخُبْزُ وَاللّحْمُ . [ ص 442 ] ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَوْسَطُ مَا يُطْعِمُ الرّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَاللّبَنُ وَالْخُبْزُ وَالزّيْتُ وَالْخُبْزُ وَالسّمْنُ وَمِنْ أَفْضَلِ مَا يُطْعِمُ الرّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَاللّحْمُ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدّثَنَا يُونُسُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَفّرَ عَنْ يَمِينٍ لَهُ مَرّةً فَأَمَرَ بُجَيْرًا أَوْ جُبَيْرًا يُطْعِمُ عَنْهُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَمَرَ لَهُمْ بِثَوْبِ مُعَقّدٍ أَوْ ظَهْرَانِيّ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ إسْحَاقَ حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنّ أَنَسًا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَرِضَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصُومَ وَكَانَ يَجْمَعُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَيُطْعِمُهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا أَكْلَةً
وَاحِدَةً .
[ أَقْوَالُ التّابِعِينَ فِي الْكَفّارَةِ ]
وَأَمّا التّابِعُونَ فَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي رُزَيْنٍ وَعُبَيْدَةَ وَمُحَمّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَشُرَيْحٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَطَاوُوسٍ وَالشّعْبِيّ وَابْنِ بُرَيْدَةَ وَالضّحّاكِ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَمُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمّدِ بْنِ كَعْب ٍ وَقَتَادَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ وَالْأَسَانِيدُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إسْحَاقَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُغَدّي الْمَسَاكِينَ وَيُعَشّيهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَكْلَةً وَاحِدَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ خُبْزٌ وَلَحْمٌ خُبْزٌ وَزَيْتٌ خُبْزٌ وَسَمْنٌ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ [ ص 443 ] وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالرّوَايَةُ الْأُخْرَى : أَنّ طَعَامَ الْكَفّارَةِ مُقَدّرٌ دُونَ نَفَقَةِ الزّوْجَاتِ . فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ التّقْدِيرُ فِيهِمَا كَقَوْلِ الشّافِعِيّ وَحْدَهُ وَعَدَمُ التّقْدِيرِ فِيهِمَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ . وَالتّقْدِيرُ فِي الْكَفّارَةِ دُونَ النّفَقَةِ كَالرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ .
[ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالتّقْدِيرِ فِي الْكَفّارَةِ دُونَ النّفَقَةِ ]
قَالَ مَنْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْفَرْقُ بَيْنَ النّفَقَةِ وَالْكَفّارَةِ أَنّ الْكَفّارَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَلَا هِيَ مُقَدّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ وَلَا أَوْجَبَهَا الشّارِعُ بِالْمَعْرُوفِ كَنَفَقَةِ الزّوْجَةِ وَالْخَادِمِ وَالْإِطْعَامُ فِيهَا حَقّ لِلّهِ تَعَالَى لَا لِآدَمِيّ مُعَيّنٍ فَيَرْضَى بِالْعِوَضِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ لَمْ يَجْزِهِ وَرُوِيَ التّقْدِيرُ فِيهَا عَنْ الصّحَابَةِ فَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ إنّ نَاسًا يَأْتُونِي يَسْأَلُونِي فَأَحْلِفُ أَنّي لَا أُعْطِيهِمْ ثُمّ يَبْدُو لِي أَنْ أُعْطِيَهُمْ فَإِذَا أَمَرْتُك أَنْ تُكَفّرَ فَأَطْعِمْ عَنّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكُلّ مِسْكِينٍ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرّ . حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا : حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ يَا يَرْفَا إذَا حَلَفْت فَحَنِثْت فَأَطْعِمْ عَنّي لِيَمِينِي خَمْسَةَ أَصْوُعٍ عَشَرَةَ مَسَاكِين . وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ ابْنِ أَبِي مُرّةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيّ قَالَ كَفّارَةُ الْيَمِينِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ . ((2/43)
حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحِيمِ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حَجّاجٍ عَنْ قُرْطٍ عَنْ جَدّتِهِ [ ص 444 ] عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قَالَتْ إنّا نُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرّ
أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فِي كَفّارَةِ الْيَمِينِ . وَقَالَ إسْمَاعِيلُ حَدّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ يُجْزِئُ فِي كَفّارَةِ الْيَمِينِ لِكُلّ مِسْكِينٍ مُدّ حِنْطَةٍ . حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَيّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا ذَكَرَ الْيَمِينَ أَعْتَقَ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكُلّ مِسْكِينٍ مُدّ مُدّ . وَصَحّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : فِي كَفّارَةِ الْيَمِينِ مُدّ وَمَعَهُ أُدْمُهُ . وَأَمّا التّابِعُونَ فَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَ كُلّ طَعَامٍ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ لِلْمَسَاكِينِ فَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ وَكَانَ يَقُولُ فِي كَفّارَةِ الْأَيْمَانِ كُلّهَا : مُدّانِ لِكُلّ مِسْكِينٍ . وَقَالَ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَدْرَكْتُ النّاسَ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي كَفّارَةِ الْيَمِينِ مُدّا بِالْمُدّ الْأَوّلِ . وَقَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَأَبُو سَلَمَةَ مُدّ مُدّ مِنْ بُرّ وَقَالَ عَطَاءٌ فَرْقًا بَيْنَ عَشَرَةٍ وَمَرّةً قَالَ مُدّ مُدّ . قَالُوا : وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي كَفّارَةِ فِدْيَةِ الْأَذَى : أَطْعِمْ سِتّةَ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلّ مِسْكِينٍ . فَقَدّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِدْيَةَ الْأَذَى فَجَعَلْنَا تَقْدِيرَهَا أَصْلًا وَعَدّيْنَاهَا إلَى سَائِرِ
الْكَفّارَاتِ ثُمّ قَالَ مِنْ قَدْرِ طَعَامِ الزّوْجَةِ ثُمّ رَأَيْنَا النّفَقَاتِ وَالْكَفّارَاتِ قَدْ اشْتَرَكَا فِي الْوُجُوبِ فَاعْتَبَرْنَا إطْعَامَ النّفَقَةِ بِإِطْعَامِ الْكَفّارَةِ وَرَأَيْنَا اللّهَ سُبْحَانَهُ [ ص 445 ] قَالَ فِي جَزَاءِ الصّيْدِ { أَوْ كَفّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } [ الْمَائِدَةِ 95 ] وَمَا أَجْمَعَتْ الْأُمّةُ أَنّ الطّعَامَ مُقَدّرٌ فِيهَا وَلِهَذَا لَوْ عَدِمَ الطّعَامَ صَامَ عَنْ كُلّ مُدّ يَوْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبّاسٍ وَالنّاسُ بَعْدَهُ فَهَذَا مَا احْتَجّتْ بِهِ هَذِهِ الطّائِفَةُ عَلَى تَقْدِيرِ طَعَامِ الْكَفّارَةِ .
[ حُجّةُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ التّقْدِيرِ فِي النّفَقَةِ وَالْكَفّارَاتِ ] قَالَ الْآخَرُونَ لَا حُجّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمّةِ وَقَدْ أَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَرُدّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَذَلِكَ خَيْرٌ لَنَا حَالًا وَعَاقِبَةً وَرَأَيْنَا اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا قَالَ فِي الْكَفّارَةِ { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } و إطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينًا فَعَلّقَ الْأَمْرَ بِالْمَصْدَرِ الّذِي هُوَ الْإِطْعَامُ وَلَمْ يُحِدّ لَنَا جِنْسَ الطّعَامِ وَلَا قَدْرَهُ وَحَدّ لَنَا جِنْسَ الْمُطْعَمِينَ وَقَدْرَهُمْ فَأَطْلَقَ الطّعَامَ وَقَيّدَ الْمَطْعُومِينَ وَرَأَيْنَاهُ سُبْحَانَهُ حَيْثُ ذَكَرَ إطْعَامَ الْمِسْكِينِ فِي كِتَابِهِ فَإِنّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِطْعَامَ الْمَعْهُودَ الْمُتَعَارَفَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا } [ الْبَلَدِ 12 ] . وَقَالَ { وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [ الْإِنْسَانِ 8 ] وَكَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ يَقِينًا أَنّهُمْ لَوْ غَدّوْهُمْ أَوْ عَشّوْهُمْ أَوْ أَطْعَمُوهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا أَوْ خُبْزًا وَمَرَقًا وَنَحْوَهُ لَكَانُوا مَمْدُوحِينَ دَاخِلِينَ فِيمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ وَهُوَ سُبْحَانَهُ عَدَلَ عَنْ الطّعَامِ الّذِي هُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ إلَى الْإِطْعَامِ الّذِي هُوَ مَصْدَرٌ صَرِيحٌ وَهَذَا نَصّ فِي أَنّهُ إذَا أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ وَلَمْ يُمْلِكْهُمْ فَقَدْ امْتَثَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَصَحّ فِي كُلّ لُغَةٍ وَعُرْفٍ أَنّهُ أَطْعَمَهُمْ . قَالُوا : وَفِي أَيّ لُغَةٍ لَا يَصْدُقُ لَفْظُ الْإِطْعَام إلّا بِالتّمْلِيكِ ؟ وَلَمّا قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَطْعَمَ الصّحَابَةَ فِي وَلِيمَةِ زَيْنَبَ خُبْزًا وَلَحْمًا . كَانَ قَدْ اتّخَذَ طَعَامًا وَدَعَاهُمْ إلَيْهِ عَلَى عَادَةِ الْوَلَائِمِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي وَلِيمَةِ صَفِيّةَ(2/44)
أَطْعِمْهُمْ حَيْسًا وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نَذْكُرَ شَوَاهِدَهُ قَالُوا : وَقَدْ زَادَ ذَلِكَ [ ص 446 ] { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [ الْمَائِدَةِ 89 ] وَمَعْلُومٌ يَقِينًا أَنّ الرّجُلَ إنّمَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُبْزَ وَاللّحْمَ وَالْمَرَقَ وَاللّبَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ بِلَا شَكّ وَلِهَذَا اتّفَقَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ فِي إطْعَامِ الْأَهْلِ عَلَى أَنّهُ غَيْرُ مُقَدّرٍ كَمَا تَقَدّمَ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ أَصْلًا لِطَعَامِ الْكَفّارَةِ فَدَلّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنّ طَعَامَ الْكَفّارَةِ غَيْرُ مُقَدّرٍ . وَأَمّا مَنْ قَدّرَ طَعَامَ الْأَهْلِ فَإِنّمَا أَخَذَ مِنْ تَقْدِيرِ طَعَامِ الْكَفّارَةِ فَيُقَالُ هَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى النّصّ فَإِنّ اللّهَ أَطْلَقَ طَعَامَ الْأَهْلِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِطَعَامِ الْكَفّارَةِ فَعُلِمَ أَنّ طَعَامَ الْكَفّارَةِ لَا يَتَقَدّرُ كَمَا لَا يَتَقَدّرُ أَصْلُهُ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ صَحَابِيّ الْبَتّةَ تَقْدِيرُ طَعَامِ الزّوْجَةِ مَعَ عُمُومِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فِي كُلّ وَقْتٍ . قَالُوا : فَأَمّا الْفُرُوقُ الّتِي ذَكَرْتُمُوهَا فَلَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ طَعَامِ الْكَفّارَةِ وَحَاصِلُهَا خَمْسَةُ فُرُوقٍ أَنّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَأَنّهَا لَا تَتَقَدّرُ بِالْكِفَايَةِ وَلَا أَوْجَبَهَا الشّارِعُ بِالْمَعْرُوفِ
وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْعِوَضِ عَنْهَا وَهِيَ حَقّ لِلّهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزّوْجَةِ فَيُقَالُ نَعَمْ لَا شَكّ فِي صِحّةِ هَذِهِ الْفَرُوقِ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبُ تَقْدِيرِهَا بِمُدّ وَمُدّيْنِ ؟ بَلْ هِيَ إطْعَامٌ وَاجِبٌ مِنْ جِنْسِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ وَمَعَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَدُلّ عَلَى تَقْدِيرِهَا بِوَجْهٍ . وَأَمّا مَا ذَكَرْتُمْ عَنْ الصّحَابَةِ مِنْ تَقْدِيرِهَا فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا : أَنّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَلِيّ وَأَنَسٌ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ مَسْعُودٍ [ ص 447 ] رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ أَنّهُمْ قَالُوا : يُجْزِئُ أَنْ يُغَدّيَهُمْ وَيُعَشّيَهُمْ . الثّانِي : أَنّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُمْ الْمُدّ وَالْمُدّانِ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ تَقْدِيرًا وَتَحْدِيدًا بَلْ تَمْثِيلًا فَإِنّ مِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْمُدّ وَرُوِيَ عَنْهُ مُدّانِ وَرُوِيَ عَنْهُ مَكّوكٌ وَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ التّغْدِيَةِ وَالتّعْشِيَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَكْلَةٌ وَرُوِيَ عَنْهُ رَغِيفٌ أَوْ رَغِيفَانِ فَإِنْ كَانَ هَذَا اخْتِلَافًا فَلَا حُجّةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ حَالِ الْمُسْتَفْتِي وَبِحَسَبِ حَالِ الْحَالِفِ وَالْمُكَفّرِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التّمْثِيلِ فَكَذَلِكَ . فَعَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ لَا حُجّةَ فِيهِ عَلَى التّقْدِيرَيْنِ . قَالُوا : وَأَمّا الْإِطْعَامُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [ الْبَقَرَةِ 196 ] وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ أَطْلَقَ هَذِهِ الثّلَاثَةَ وَلَمْ وَيُقَيّدْهَا . وَصَحّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَقْيِيدُ
الصّيَامِ بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ وَتَقْيِيدُ النّسُكِ بِذَبْحِ شَاةٍ وَتَقْيِيدُ الْإِطْعَامِ بِسِتّةِ مَسَاكِينَ لِكُلّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى : فَإِطْعَامُ سِتّةِ مَسَاكِينَ وَلَكِنْ أَوْجَبَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَصَوْمًا مُطْلَقًا وَدَمًا مُطْلَقًا فَعَيّنَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْفَرَقِ وَالثّلَاثَةِ الْأَيّامِ وَالشّاةِ . وَأَمّا جَزَاءُ الصّيْدِ فَإِنّهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ فَإِنّ الْمُخْرِجَ إنّمَا يُخْرِجُ قِيمَةَ الصّيْدِ مِنْ الطّعَامِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقِلّةِ وَالْكَثْرَةِ فَإِنّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ لَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ وَإِنّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى مَبْلَغِ الطّعَامِ فَيُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ إطْعَامِهِمْ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَقْدِيرُ الطّعَامِ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْمُتْلَفِ وَهُوَ يَقِلّ وَيَكْثُرُ وَلَيْسَ مَا يُعْطَاهُ كُلّ مِسْكِينٍ مُقَدّرًا . ثُمّ إنّ التّقْدِيرَ بِالْحَبّ يَسْتَلْزِمُ أَمْرًا بَاطِلًا بَيّنَ الْبُطْلَانِ فَإِنّهُ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَرْعًا الْحَبّ وَأَكْثَرُ النّاسِ إنّمَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُبْزَ فَإِنْ جَعَلْتُمْ هَذَا مُعَاوَضَةً كَانَ رِبًا ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ تَجْعَلُوهُ مُعَاوَضَةً فَالْحَبّ ثَابِتٌ لَهَا فِي ذِمّتِهِ وَلَمْ تَعْتَضْ عَنْهُ فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمّتُهُ مِنْهُ إلّا بِإِسْقَاطِهَا(2/45)
وَإِبْرَائِهَا فَإِذَا لَمْ تُبْرِئْهُ طَالَبَتْهُ بِالْحَبّ مُدّةً طَوِيلَةً مَعَ إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا كُلّ يَوْمٍ حَاجَتَهَا مِنْ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا [ ص 448 ] كَانَ الْحَبّ دَيْنًا لَهُ أَوْ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْ التّرِكَةِ مَعَ سِعَةِ الْإِنْفَاقِ
عَلَيْهَا كُلّ يَوْمٍ . وَمَعْلُومٌ أَنّ الشّرِيعَةَ الْكَامِلَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ تَأْبَى ذَلِكَ كُلّ الْإِبَاءِ وَتَدْفَعُهُ كُلّ الدّفْعِ كَمَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنّ النّفَقَةَ الّتِي فِي ذِمّتِهِ تَسْقُطُ بِاَلّذِي لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ لَمْ يَبِعْهُ إيّاهَا وَلَا اقْتَرَضَهُ مِنْهَا حَتّى يَثْبُتَ فِي ذِمّتِهَا بَلْ هِيَ مَعَهُ فِيهِ عَلَى حُكْمِ الضّيْفِ لِامْتِنَاعِ الْمُعَاوَضَةِ عَنْ الْحَبّ بِذَلِكَ شَرْعًا . وَلَوْ قُدّرَ ثُبُوتُهُ فِي ذِمّتِهَا لَمَا أَمْكَنَتْ الْمُقَاصّةُ لِاخْتِلَافِ الدّينَيْنِ جِنْسًا وَالْمُقَاصّةُ تَعْتَمِدُ اتّفَاقَهُمَا . هَذَا وَإِنْ قِيلَ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إنّهُ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى النّفَقَةِ مُطْلَقًا لَا بِدَرَاهِمَ وَلَا بِغَيْرِهَا لِأَنّهُ مُعَاوَضَةٌ عَمّا لَمْ يَسْتَقِرّ وَلَمْ يَجِبْ فَإِنّهَا إنّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنّهُ لَا تَصِحّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا حَتّى تَسْتَقِرّ بِمُضِيّ الزّمَانِ فَيُعَاوِضُ عَنْهَا كَمَا يُعَاوِضُ عَمّا هُوَ مُسْتَقِرّ فِي الذّمّةِ مِنْ الدّيُونِ وَلَمّا لَمْ يَجِدْ بَعْضُ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ مَخْلَصًا قَالَ الصّحِيحُ أَنّهَا إذَا أَكَلَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا . قَالَ الرّافِعِيّ فِي " مُحَرّرِهِ " : أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ السّقُوطُ وَصَحّحَهُ النّوَوِيّ لِجَرَيَانِ النّاسِ عَلَيْهِ فِي كُلّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ وَاكْتِفَاءِ الزّوْجَةِ بِهِ . وَقَالَ الرّافِعِيّ فِي " الشّرْحِ الْكَبِيرِ " و " الْأَوْسَطِ " : فِيهِ وَجْهَانِ . أَقْيَسُهُمَا : أَنّهَا لَا تَسْقُطُ لِأَنّهُ لَمْ يُوفِ الْوَاجِبَ وَتَطَوّعَ
بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبِ وَصَرّحُوا بِأَنّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي الرّشِيدَةِ الّتِي أَذِنَ لَهَا قَيّمُهَا فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا لَمْ تَسْقُطْ وَجْهًا وَاحِدًا .
فَصْلٌ [ مَا اُسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ شَكْوَى هِنْدٍ ]
[ جَوَازَ ذِكْرِ الْعُيُوبِ عِنْدَ الشّكْوَى ]
وَفِي حَدِيثِ هِنْدٍ : دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الرّجُلِ فِي غَرِيمِهِ مَا فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ عِنْدَ شَكْوَاهُ وَأَنّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ فِي خَصْمِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ .
[ تَفَرّدُ الْأَبِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ ]
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَفَرّدِ الْأَبِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهِ وَلَا تُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمّ وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلّا قَوْلٌ شَاذّ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ أَنّ عَلَى الْأُمّ مِنْ النّفَقَةِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهَا وَزَعَمَ [ ص 449 ] الْقِيَاسَ عَلَى كُلّ مَنْ لَهُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا وَارِثَانِ فَإِنّ النّفَقَةَ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ وَأُخْتٌ أَوْ أُمّ وَجَدّ أَوْ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالنّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا فَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْأُمّ . وَالصّحِيحُ انْفِرَادُ الْعَصَبَةِ بِالنّفَقَةِ وَهَذَا كُلّهُ كَمَا يَنْفَرِدُ الْأَبُ دُونَ الْأُمّ بِالْإِنْفَاقِ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشّرْعِ فَإِنّ الْعَصَبَةَ تَنْفَرِدُ بِحَمْلِ الْعَقْلِ وَوِلَايَةِ النّكَاحِ وَوِلَايَةِ الْمَوْتِ وَالْمِيرَاثِ بِالْوَلَاءِ وَقَدْ نَصّ الشّافِعِيّ عَلَى أَنّهُ إذَا اجْتَمَعَ أُمّ وَجَدّ أَوْ أَبٌ فَالنّفَقَةُ عَلَى الْجَدّ وَحْدَهُ وَهُوَ إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ وَهِيَ الصّحِيحَةُ فِي الدّلِيلِ وَكَذَلِكَ إنْ اجْتَمَعَ ابْنٌ وَبِنْتٌ أَوْ أُمّ وَابْنٌ أَوْ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ فَقَالَ الشّافِعِيّ : النّفَقَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثّلَاثِ عَلَى الِابْنِ لِأَنّهُ الْعَصَبَةُ وَهِيَ إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ . وَالثّانِيَةُ أَنّهَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ فِي الْمَسَائِلِ الثّلَاثِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : النّفَقَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقُرْبِ وَفِي مَسْأَلَةِ بِنْتٍ وَابْنِ ابْنٍ النّفَقَةُ(2/46)
عَلَى الْبِنْتِ لِأَنّهَا أَقْرَبُ وَفِي مَسْأَلَةِ أُمّ وَبِنْتٍ عَلَى الْأُمّ الرّبُعُ وَالْبَاقِي عَلَى الْبِنْتِ وَهُوَ قَوْلُ
أَحْمَدَ وَقَالَ الشّافِعِيّ : تَنْفَرِدُ بِهَا الْبِنْتُ لِأَنّهَا تَكُونُ عَصَبَةً مَعَ أَخِيهَا وَالصّحِيحُ انْفِرَادُ الْعَصَبَةِ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنّهُ الْوَارِثُ الْمُطْلَقُ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ نَفَقَةَ الزّوْجَةِ وَالْأَقَارِبِ مُقَدّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ وَأَنّ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنّ لِمَنْ لَهُ النّفَقَةَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِنَفْسِهِ إذَا مَنَعَهُ إيّاهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ .
وَقَدْ احْتَجّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْأَلْهَا الْبَيّنَةَ وَلَا يُعْطَى الْمُدّعِي بِمُجَرّدِ دَعْوَاهُ وَإِنّمَا كَانَ هَذَا فَتْوَى مِنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدْ احْتَجّ بِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الظّفْرِ وَأَنّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِقَدْرِ حَقّهِ الّذِي جَحَدَهُ إيّاهُ وَلَا يَدُلّ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : أَنّ سَبَبَ الْحَقّ هَاهُنَا ظَاهِرٌ وَهُوَ الزّوْجِيّةُ فَلَا يَكُونُ الْأَخْذُ خِيَانَةً فِي الظّاهِرِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُ [ ص 450 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ وَلِهَذَا نَصّ أَحْمَدُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مُفَرّقًا بَيْنَهُمَا فَمَنَعَ مِنْ الْأَخْذِ فِي مَسْأَلَة الظّفْرِ وَجَوّزَ لِلزّوْجَةِ الْأَخْذَ وَعَمِلَ بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ . الثّانِي : أَنّهُ يَشُقّ عَلَى الزّوْجَةِ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَيُلْزِمُهُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الْفِرَاقِ وَفِي ذَلِكَ مَضَرّةٌ عَلَيْهَا مَعَ تَمَكّنِهَا مِنْ أَخْذِ حَقّهَا . الثّالِثُ أَنّ حَقّهَا يَتَجَدّدُ كُلّ يَوْمٍ فَلَيْسَ هُوَ حَقّا وَاحِدًا مُسْتَقِرّا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَدِينَ عَلَيْهِ أَوْ تَرْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ بِخِلَافِ حَقّ الدّيْنِ .
فَصْلٌ [ هَلْ تَسْقُطُ النّفَقَةُ بِمُضِيّ الزّمَنِ ]
وَقَدْ اُحْتُجّ بِقِصّةِ هِنْدٍ هَذِهِ عَلَى أَنّ نَفَقَةَ الزّوْجَةِ تَسْقُطُ بِمُضِيّ الزّمَانِ لِأَنّهُ لَمْ يُمَكّنْهَا مِنْ أَخْذِ مَا مَضَى لَهَا مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مَعَ قَوْلِهَا : إنّهُ لَا يُعْطِيهَا مَا يَكْفِيهَا وَلَا دَلِيلَ فِيهَا لِأَنّهَا لَمْ تَدّعِ بِهِ وَلَا طَلَبَتْهُ وَإِنّمَا اسْتَفْتَتْهُ هَلْ تَأْخُذُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَا يَكْفِيهَا ؟ فَأَفْتَاهَا بِذَلِكَ . وَبَعْدُ فَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي نَفَقَةِ الزّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ هَلْ يَسْقُطَانِ بِمُضِيّ الزّمَانِ كِلَاهُمَا أَوْ لَا يَسْقُطَانِ أَوْ تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ دُونَ الزّوْجَاتِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا : أَنّهُمَا يَسْقُطَانِ بِمُضِيّ الزّمَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ . وَالثّانِي : أَنّهُمَا لَا يَسْقُطَانِ إذَا كَانَ الْقَرِيبُ طِفْلًا وَهَذَا وَجْهٌ لِلشّافِعِيّةِ . [ ص 451 ] دُونَ نَفَقَةِ الزّوْجَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ . ثُمّ الّذِينَ أَسْقَطُوهُ بِمُضِيّ الزّمَانِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا لَمْ تَسْقُطْ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الشّافِعِيّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُؤَثّرُ فَرْضُ الْحَاكِمِ فِي وُجُوبِهَا شَيْئًا إذَا سَقَطَتْ بِمُضِيّ الزّمَانِ وَاَلّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي " مُحَرّرِهِ " الْفَرْقُ بَيْنَ نَفَقَةِ الزّوْجَةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَإِذَا غَابَ مُدّةً وَلَمْ يُنْفِقْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ الْمَاضِي وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ إلّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا . وَأَمّا نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ فُرِضَتْ إلّا أَنْ
يُسْتَدَانَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ وَأَنّهُ لَا تَأْثِيرَ لِفَرْضِ الْحَاكِمِ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمَا مَضَى مِنْ الزّمَانِ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا أَمّا النّقْلُ فَإِنّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحْمَدَ وَلَا عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ اسْتِقْرَارُ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِمُضِيّ الزّمَانِ إذَا فَرَضَهَا الْحَاكِمُ وَلَا عَنْ الشّافِعِيّ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ وَالْمُحَقّقِينَ لِمَذْهَبِهِ مِنْهُمْ كَصَاحِبِ " الْمُهَذّبِ " و " الْحَاوِي " و " الشّامِلِ " و " النّهَايَةِ " و " التّهْذِيبِ " و " الْبَيَانِ " و " الذّخَائِرِ " وَلَيْسَ فِي(2/47)
هَذِهِ الْكُتُبِ إلّا السّقُوطُ بِدُونِ اسْتِثْنَاءِ فَرْضٍ وَإِنّمَا يُوجَدُ اسْتِقْرَارُهَا إذَا فَرَضَهَا الْحَاكِمُ فِي " الْوَسِيطِ " و " الْوَجِيزِ " وَشَرْحِ الرّافِعِيّ وَفُرُوعِهِ وَقَدْ صَرّحَ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيّ فِي " تَهْذِيبِهِ " وَالْمَحَامِلِيّ فِي " الْعُدّةِ " وَمُحَمّدُ بْنُ عُثْمَانَ فِي " التّمْهِيدِ " وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِي " الْمُعْتَمَدِ " بِأَنّهَا لَا تَسْتَقِرّ وَلَوْ فَرَضَهَا الْحَاكِمُ وَعَلّلُوا السّقُوطَ بِأَنّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ لِإِحْيَاءِ النّفْسِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَهَذَا التّعْلِيلُ يُوجِبُ سُقُوطَهَا فُرِضَتْ أَوْ لَمْ تُفْرَضْ . وَقَالَ أَبُو [ ص 452 ] مَصِيرُهُ دَيْنًا فِي الذّمّةِ وَاسْتُبْعِدَ لِهَذَا التّعْلِيلِ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنّ نَفَقَةَ الصّغِيرِ تَسْتَقِرّ بِمُضِيّ الزّمَانِ وَبَالَغَ فِي تَضْعِيفِهِ مِنْ جِهَةِ أَنّ إيجَابَ الْكِفَايَةِ مَعَ إيجَابِ عِوَضِ مَا مَضَى مُتَنَاقِضُ ثُمّ اعْتَذَرَ عَنْ تَقْدِيرِهَا فِي صُورَةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحّ . إذَا قُلْنَا : إنّ النّفَقَةَ لَهُ بِأَنّ الْحَامِلَ
مُسْتَحِقّةٌ لَهَا أَوْ مُنْتَفِعَةٌ بِهَا فَهِيَ كَنَفَقَةِ الزّوْجَةِ . قَالَ وَلِهَذَا قُلْنَا : تَتَقَدّرُ ثُمّ قَالَ هَذَا فِي الْحَمْلِ وَالْوَلَدِ الصّغِيرِ أَمّا نَفَقَةُ غَيْرِهِمَا فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا أَصْلًا . انْتَهَى . وَهَذَا الّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ هُوَ الصّوَابُ فَإِنّ فِي تَصَوّرِ فَرْضِ الْحَاكِمِ نَظَرًا لِأَنّهُ إمّا أَنْ يَعْتَقِدَ سُقُوطَهَا بِمُضِيّ الزّمَانِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهُ لَمْ يَسُغْ لَهُ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ وَإِلْزَامُ مَا يَعْتَقِدُ أَنّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ سُقُوطَهَا مَعَ أَنّهُ لَا يَعْرِفُ بِهِ قَائِلٌ إلّا فِي الطّفْلِ الصّغِيرِ عَلَى وَجْهٍ لِأَصْحَابِ الشّافِعِيّ . فَإِمّا أَنْ يَعْنِيَ بِالْفَرْضِ الْإِيجَابَ أَوْ إثْبَاتَ الْوَاجِبِ أَوْ تَقْدِيرَهُ أَوْ أَمْرًا رَابِعًا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِيجَابُ فَهُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَلَا أَثَرَ لِفَرْضِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أُرِيدَ بِهِ إثْبَاتُ الْوَاجِبِ فَفَرْضُهُ وَعَدَمُهُ سِيّانِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ تَقْدِيرُ الْوَاجِبِ فَالتّقْدِيرُ إنّمَا يُؤَثّرُ فِي صِفَةِ الْوَاجِبِ مِنْ الزّيَادَةِ وَالنّقْصَانِ لَا فِي سُقُوطِهِ وَلَا ثُبُوتِهِ فَلَا أَثَرَ لِفَرْضِهِ فِي الْوَاجِبِ الْبَتّةَ هَذَا مَعَ مَا فِي التّقْدِيرِ مِنْ مُصَادَمَةِ الْأَدِلّةِ الّتِي تَقَدّمَتْ عَلَى أَنّ الْوَاجِبَ النّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَيُطْعِمُهُمْ مِمّا يَأْكُلُ وَيَكْسُوهُمْ مِمّا يَلْبَسُ . وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَمْرٌ رَابِعٌ فَلَا بُدّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ . فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ الرّابِعُ الْمُرَادُ هُوَ عَدَمُ السّقُوطِ بِمُضِيّ الزّمَانِ فَهَذَا هُوَ مَحَلّ الْحُكْمِ وَهُوَ الّذِي أَثّرَ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَتَعَلّقَ بِهِ . قِيلَ فَكَيْفَ
يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَقِدَ السّقُوطَ ثُمّ يُلْزِمُ وَيَقْضِي بِخِلَافِهِ ؟ وَإِنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ السّقُوطِ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمَعْلُومٌ أَنّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ هَذَا الْوَاجِبِ سُقُوطَهُ بِمُضِيّ الزّمَانِ شَرْعًا لَمْ يُزِلْهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَنْ صِفَتِهِ . فَإِنْ قِيلَ بَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ الْحَاكِمُ السّقُوطَ بِمُضِيّ الزّمَانِ مَا لَمْ [ ص 453 ] لِأَجْلِ الْفَرْضِ لَا بِنَفْسِ مُضِيّ الزّمَانِ . قِيلَ هَذَا لَا يُجْدِي شَيْئًا فَإِنّهُ إذَا اعْتَقَدَ سُقُوطَهَا بِمُضِيّ الزّمَانِ وَإِنّ هَذَا هُوَ الْحَقّ وَالشّرْعُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُلْزَمَ بِمَا يَعْتَقِدُ سُقُوطَهُ وَعَدَمَ ثُبُوتِهِ وَمَا هَذَا إلّا بِمَثَابَةِ مَا لَوْ تَرَافَعَ إلَيْهِ مُضْطَرّ وَصَاحِبُ طَعَامٍ غَيْرُ مُضْطَرّ فَقُضِيَ بِهِ لِلْمُضْطَرّ بِعِوَضِهِ فَلَمْ يَتّفِقْ أَخْذُهُ حَتّى زَالَ الِاضْطِرَارُ وَلَمْ يُعْطِ صَاحِبَهُ الْعِوَضَ أَنّهُ يُلْزِمُهُ بِالْعِوَضِ وَيُلْزَمُ صَاحِبُ الطّعَامِ بِبَذْلِهِ لَهُ وَالْقَرِيبُ يَسْتَحِقّ النّفَقَةَ لِإِحْيَاءِ مُهْجَتِهِ فَإِذَا مَضَى زَمَنُ الْوُجُوبِ حَصَلَ مَقْصُودُ الشّارِعِ مِنْ إحْيَائِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرّجُوعِ بِمَا فَاتَ مِنْ سَبَبِ الْإِحْيَاءِ وَوَسِيلَتِهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ السّبَبِ بِسَبَبِ آخَرَ . فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا يَنْتَقِضُ عَلَيْكُمْ بِنَفَقَةِ الزّوْجَةِ فَإِنّهَا تَسْتَقِرّ بِمُضِيّ الزّمَانِ وَلَوْ لَمْ تُفْرَضْ مَعَ حُصُولِ هَذَا الْمَعْنَى الّذِي ذَكَرْتُمُوهُ بِعَيْنِهِ .
[ الْفَرْقُ بَيْنَ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالزّوْجَاتِ ](2/48)
قِيلَ النّقْضُ لَا بُدّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْلُومِ الْحُكْمِ بِالنّصّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَسُقُوطُ نَفَقَةِ الزّوْجَةِ بِمُضِيّ الزّمَانِ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ يُسْقِطَانِهَا وَالشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا يُسْقِطَانِهَا وَاَلّذِينَ لَا يُسْقِطُونَهَا فَرّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِفُرُوقٍ . أَحَدُهَا : أَنّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ صِلَةٌ . الثّانِي : أَنّ نَفَقَةَ الزّوْجَةِ تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ . الثّالِثُ أَنّ نَفَقَةَ الزّوْجَةِ تَجِبُ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا بِمَالِهَا وَنَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَجِبُ إلّا مَعَ إعْسَارِهِ وَحَاجَتِهِ . الرّابِعُ أَنّ الصّحَابَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ أَوْجَبُوا لِلزّوْجَةِ نَفَقَةَ مَا مَضَى وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَطّ أَنّهُ أَوْجَبَ لِلْقَرِيبِ نَفَقَةَ مَا مَضَى فَصَحّ عَنْ عُمَرَ [ ص 454 ] رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلّقُوا فَإِنْ طَلّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَلَمْ يُخَالِفْ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُ اللّهُ هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ وَالسّنّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يَزُولُ مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إلّا بِمِثْلِهَا . قَالَ الْمُسْقِطُونَ قَدْ شَكَتْ هِنْدٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ لَا يُعْطِيهَا كِفَايَتَهَا فَأَبَاحَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ وَلَمْ يُجَوّزْ لَهَا أَخْذَ مَا مَضَى وَقَوْلُكُمْ إنّهَا نَفَقَةُ مُعَاوَضَةٍ
فَالْمُعَاوَضَةُ إنّمَا هِيَ بِالصّدَاقِ وَإِنّمَا النّفَقَةُ لِكَوْنِهَا فِي حَبْسِهِ فَهِيَ عَانِيَةٌ عِنْدَهُ كَالْأَسِيرِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ عِيَالِهِ وَنَفَقَتُهَا مُوَاسَاةٌ وَإِلّا فَكُلّ مِنْ الزّوْجَيْنِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لِلْآخَرِ وَقَدْ عَاوَضَهَا عَلَى الْمَهْرِ فَإِذَا اسْتَغْنَتْ عَنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا وَجْهَ لِإِلْزَامِ الزّوْجِ بِهِ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ نَفَقَةَ الزّوْجَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِالْمَعْرُوفِ وَكَنَفَقَةِ الرّقِيقِ فَالْأَنْوَاعُ الثّلَاثَةُ إنّمَا وَجَبَتْ بِالْمَعْرُوفِ مُوَاسَاةً لِإِحْيَاءِ نَفْسِ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِهِ وَحَبْسِهِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَحِمٌ وَقَرَابَةٌ فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا بِمُضِيّ الزّمَانِ فَلَا وَجْهَ لِإِلْزَامِ الزّوْجِ بِهَا وَأَيّ مَعْرُوفٍ فِي إلْزَامِهِ نَفَقَةَ مَا مَضَى وَحَبْسِهِ عَلَى ذَلِكَ وَالتّضْيِيقِ عَلَيْهِ وَتَعْذِيبِهِ بِطُولِ الْحَبْسِ وَتَعْرِيضِ الزّوْجَةِ لِقَضَاءِ أَوْطَارِهَا مِنْ الدّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَعِشْرَةِ الْأَخْدَانِ بِانْقِطَاعِ زَوْجِهَا عَنْهَا وَغَيْبَةِ نَظَرِهِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ الْمُنْتَشِرِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ حَتّى إنّ الْفُرُوجَ لَتَعِجّ إلَى اللّهِ مِنْ حَبْسِ حُمَاتِهَا وَمَنْ يَصُونُهَا عَنْهَا وَتَسْيِيبِهَا فِي أَوْطَارِهَا وَمَعَاذَ اللّهِ أَنْ يَأْتِيَ شَرْعُ اللّهِ لِهَذَا الْفَسَادِ الّذِي قَدْ اسْتَطَارَ شَرَارُهُ وَاسْتَعَرَتْ نَارُهُ وَإِنّمَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الْأَزْوَاجَ إذَا طَلّقُوا أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ إذَا قَدِمُوا أَنْ يَفْرِضُوا نَفَقَةَ مَا مَضَى وَلَا يُعْرَفُ
ذَلِكَ عَنْ صَحَابِيّ الْبَتّةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِلْزَامِ بِالنّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ بَعْدَ الطّلَاقِ وَانْقِطَاعِهَا بِالْكُلّيّةِ الْإِلْزَامُ بِهَا إذَا عَادَ الزّوْجُ إلَى النّفَقَةِ وَالْإِقَامَةِ وَاسْتَقْبَلَ الزّوْجَةَ بِكُلّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فَاعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَفَقَةُ الزّوْجَةِ تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمِ فَهِيَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَمَا مَضَى فَقَدْ [ ص 455 ] جَعَلَهُ اللّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَوَدّةِ وَالرّحْمَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصّحِيحُ الْمُخْتَارُ الّذِي لَا تَقْتَضِي الشّرِيعَةُ غَيْرَهُ وَقَدْ صَرّحَ أَصْحَابُ الشّافِعِيّ بِأَنّ كِسْوَةَ الزّوْجَةِ وَسَكَنَهَا يَسْقُطَانِ بِمُضِيّ الزّمَانِ إذَا قِيلَ إنّهُمَا إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ فَإِنّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ .
فَصْلٌ [ فَرْضُ الدّرَاهِمِ فِي النّفَقَةِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسّنّةِ ](2/49)
وَأَمّا فَرْضُ الدّرَاهِمِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى وَلَا سُنّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ الْبَتّةَ وَلَا التّابِعِينَ وَلَا تَابِعِيهِمْ وَلَا نَصّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمّةِ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ كُتُبُ الْآثَارِ وَالسّنَنِ وَكَلَامِ الْأَئِمّةِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْجِدُونَا مَنْ ذَكَرَ فَرْضَ الدّرَاهِمِ . وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَالزّوْجَاتِ وَالرّقِيقِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَرْضُ الدّرَاهِمِ بَلْ الْمَعْرُوفُ الّذِي نَصّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشّرْعِ أَنْ يُطْعِمَهُمْ مِمّا يَأْكُلُ وَيَكْسُوهُمْ مِمّا يَلْبَسُ لَيْسَ الْمَعْرُوفُ سِوَى هَذَا وَفَرْضُ الدّرَاهِمِ عَلَى الْمُنْفِقِ مِنْ الْمُنْكَرِ وَلَيْسَتْ الدّرَاهِمُ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَا عِوَضَهُ وَلَا يَصِحّ الِاعْتِيَاضُ عَمّا لَمْ يَسْتَقِرّ وَلَمْ يُمْلَكْ فَإِنّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَالزّوْجَاتِ إنّمَا تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَقِرّةً لَمْ تَصِحّ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا بِغَيْرِ رِضَى الزّوْجِ وَالْقَرِيبِ فَإِنّ الدّرَاهِمَ تُجْعَلُ عِوَضًا عَنْ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيّ وَهُوَ إمّا الْبُرّ عِنْدَ الشّافِعِيّ أَوْ الطّعَامُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ عَلَى ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَلَا إجْبَارِ صَاحِبِ الشّرْعِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الشّرْعِ وَنُصُوصِ الْأَئِمّةِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَلَكِنْ إنْ اتّفَقَ الْمُنْفِقُ وَالْمُنْفَقُ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ جَازَ بِاتّفَاقِهِمَا هَذَا مَعَ أَنّهُ فِي جَوَازِ
اعْتِيَاضِ الزّوْجَةِ عَنْ النّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ فِي مَذْهَبِ الشّافِعِيّ وَغَيْرِهِ فَقِيلَ لَا تَعْتَاضُ لِأَنّ نَفَقَتَهَا طَعَامٌ ثَبَتَ فِي الذّمّةِ عِوَضًا فَلَا تَعْتَاضُ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ لَا بِدَرَاهِمَ وَلَا ثِيَابٍ وَلَا شَيْءٍ الْبَتّةَ وَقِيلَ تَعْتَاضُ بِغَيْرِ الْخُبْزِ وَالدّقِيقِ فَإِنّ [ ص 456 ] كَانَ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْمَاضِي فَإِنْ كَانَ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ لَمْ يَصِحّ عِنْدَهُمْ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنّهَا بِصَدَدِ السّقُوطِ فَلَا يُعْلَمُ اسْتِقْرَارُهَا .
ذِكْرُ مَا رُوِيَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ مِنْ فِرَاقِ زَوْجِهَا إذَا أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا
رَوَى الْبُخَارِيّ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفْضَلُ الصّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَفِي لَفْظٍ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمّا أَنْ تُطَلّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ لَا . هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ . . وَذَكَرَ النّسَائِيّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ فِيهِ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " فَقِيلَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ " امْرَأَتُكَ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلّا فَارِقْنِي خَادِمُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَلَدُكَ يَقُولُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي . وَهَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ كِتَابِ النّسَائِيّ هَكَذَا وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَيّوبَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَسَعِيدٌ وَمُحَمّدٌ ثِقَتَانِ . وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الشّافِعِيّ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ حَدّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخٍ حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا : أَطْعِمْنِي أَوْ طَلّقْنِي الْحَدِيثَ . [ ص 457 ] وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السّمَاكِ
وَعَبْدُ الْبَاقِي ابْنُ قَانِعٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيّ قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ الْخَزّازُ حَدّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَاوَرْدِيّ حَدّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ(2/50)
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ فِي الرّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ إلَى حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلَهُ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي " سُنَنِهِ " حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزّنَادِ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ عَنْ الرّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَيُفَرّقُ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ نَعَمْ . قُلْت سُنّةٌ ؟ قَالَ سُنّةٌ . وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا : أَنّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ أَوْ يُطَلّقَ رَوَى سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ إذَا لَمْ يَجِدْ الرّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أُجْبِرَ عَلَى طَلَاقِهَا . الثّانِي : إنّمَا يُطَلّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ لَكِنّهُ قَالَ يُؤَجّلُ فِي عَدَمِ النّفَقَةِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَإِنْ انْقَضَى الْأَجَلُ وَهِيَ حَائِضٌ أُخّرَ حَتّى تَطْهُرَ وَفِي الصّدَاقِ عَامَيْنِ ثُمّ يُطَلّقُهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ طَلْقَةً رَجْعِيّةً فَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدّةِ فَلَهُ
ارْتِجَاعُهَا وَلِلشّافِعِيّ قَوْلَانِ . أَحَدُهُمَا : أَنّ الزّوْجَةَ تُخَيّرُ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ وَتَبْقَى نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ دَيْنًا لَهَا فِي ذِمّتِهِ . قَالَ أَصْحَابُهُ هَذَا إذَا أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا وَإِنْ لَمْ تُمَكّنْهُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ شَاءَتْ فَسَخَتْ النّكَاحَ . [ ص 458 ] الثّانِي : لَيْسَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ لَكِنْ يَرْفَعُ الزّوْجُ يَدَهُ عَنْهَا لِتَكْتَسِبَ وَالْمَذْهَبُ أَنّهَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ . قَالُوا : وَهَلْ هُوَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
[هَلْ هَذَا الْفِرَاقُ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ ]
أَحَدُهُمَا : أَنّهُ طَلَاقٌ فَلَا بُدّ مِنْ الرّفْعِ إلَى الْقَاضِي حَتّى يُلْزِمَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا أَوْ يُنْفِقَ فَإِنْ أَبَى طَلّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ طَلْقَةً رَجْعِيّةً فَإِنْ رَاجَعَهَا طَلّقَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً فَإِنْ رَاجَعَهَا طَلّقَ عَلَيْهِ ثَالِثَةً . وَالثّانِي : أَنّهُ فَسْخٌ فَلَا بُدّ مِنْ الرّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ لِيُثْبِتَ الْإِعْسَارَ ثُمّ تَفْسَخُ هِيَ وَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ ثُمّ أَرَادَتْ الْفَسْخَ مَلَكَتْهُ لِأَنّ النّفَقَةَ يَتَجَدّدُ وُجُوبُهَا كُلّ يَوْمٍ وَهَلْ تَمْلِكُ الْفَسْخَ فِي الْحَالِ أَوْ لَا تَمْلِكُهُ إلّا بَعْدَ مُضِيّ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ . الصّحِيحُ عِنْدَهُمْ الثّانِي . قَالُوا : فَلَوْ وَجَدَ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ نَفَقَتَهَا وَتَعَذّرَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْيَوْمِ الرّابِعِ فَهَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ هَذَا الْإِمْهَالِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ . وَقَالَ حَمّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ : يُؤَجّلُ سَنَةً ثُمّ يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْعِنّينِ . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : يُضْرَبُ لَهُ شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ . وَقَالَ مَالِكٌ : الشّهْرُ وَنَحْوُهُ . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ . إحْدَاهُمَا وَهِيَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنّ الْمَرْأَةَ تُخَيّرُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ الْفَسْخِ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَيُخَيّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْبُرَهُ عَلَى الطّلَاقِ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الْفَسْخِ فَإِنْ فَسَخَ أَوْ أَذِنَ فِي الْفَسْخِ فَهُوَ فَسْخٌ لَا طَلَاقَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدّةِ . وَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى الطّلَاقِ فَطَلّقَ رَجْعِيّا فَلَهُ رَجْعَتُهَا فَإِنْ رَاجَعَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ
الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فَطَلَبَتْ الْفَسْخَ فَسَخَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَإِنْ رَضِيَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ مَعَ عُسْرَتِهِ ثُمّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ أَوْ تَزَوّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ ثُمّ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ فَلَهَا ذَلِكَ . قَالَ الْقَاضِي : وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنّهُ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنّهَا رَضِيَتْ بِعَيْبِهِ وَدَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ عَالِمَةً بِهِ فَلَمْ تَمْلِكْ الْفَسْخَ كَمَا لَوْ تَزَوّجَتْ عِنّينًا عَالِمَةً بِعُنّتِهِ . وَقَالَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ قَدْ [ ص 459 ] رَضِيت بِهِ عِنّينًا . وَهَذَا الّذِي قَالَهُ(2/51)
الْقَاضِي : هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَالْحُجّةِ . وَاَلّذِينَ قَالُوا : لَهَا الْفَسْخُ - وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ - قَالُوا : حَقّهَا مُتَجَدّدٌ كُلّ يَوْمٍ فَيَتَجَدّدُ لَهَا الْفَسْخُ بِتَجَدّدِ حَقّهَا قَالُوا : وَلِأَنّ رِضَاهَا يَتَضَمّنُ إسْقَاطَ حَقّهَا فِيمَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ مِنْ الزّمَانِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَإِسْقَاطِ الشّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْ النّفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لَمْ تَسْقُطْ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْهَا قَبْلَ الْعَقْدِ جُمْلَةً وَرَضِيَتْ بِلَا نَفَقَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْ الْمَهْرَ قَبْلَهُ لَمْ يَسْقُطْ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهَا لَمْ يَسْقُطْ الْفَسْخُ الثّابِتُ بِهِ . وَاَلّذِينَ قَالُوا بِالسّقُوطِ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنّ حَقّهَا فِي الْجِمَاعِ يَتَجَدّدُ وَمَعَ هَذَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقّهَا مِنْ الْفَسْخِ بِالْعُنّةِ سَقَطَ وَلَمْ تَمْلِكْ الرّجُوعَ فِيهِ . قَالُوا : وَقِيَاسُكُمْ ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ نَفَقَتِهَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلٍ غَيْرِ مُتّفَقٍ عَلَيْهِ وَلَا ثَابِتٍ
بِالدّلِيلِ بَلْ الدّلِيلُ يَدُلّ عَلَى سُقُوطِ الشّفْعَةِ بِإِسْقَاطِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ كَمَا صَحّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقّ بِالْبَيْعِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنّهُ إذَا أَسْقَطَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهَا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَيَجْعَلُ هَذَا أَصْلًا لِسُقُوطِ حَقّهَا مِنْ النّفَقَةِ بِالْإِسْقَاطِ وَنَقُولُ خِيَارٌ لِدَفْعِ الضّرَرِ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَالشّفْعَةِ ثُمّ يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْعَيْبِ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجّرَةِ فَإِنّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَوْ عَلِمَ بِهِ ثُمّ اخْتَارَ تَرْكَ الْفَسْخِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ هَذَا وَتَجَدّدُ حَقّهِ بِالِانْتِفَاعِ كُلّ وَقْتٍ كَتَجَدّدِ حَقّ الْمَرْأَةِ مِنْ النّفَقَةِ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ وَأَمّا قَوْلُهُ لَوْ أَسْقَطَهَا قَبْلَ النّكَاحِ أَوْ أَسْقَطَ الْمَهْرَ قَبْلَهُ لَمْ يَسْقُطْ فَلَيْسَ إسْقَاطُ الْحَقّ قَبْلَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ بِالْكُلّيّةِ كَإِسْقَاطِهِ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ هَذَا إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِسْقَاطَيْنِ وَسَوّيْنَا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ امْتَنَعَ الْقِيَاسُ . [ ص 460 ] أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ . وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ لِأَنّهُ لَمْ يُسَلّمْ إلَيْهَا عِوَضَهُ فَلَمْ يَلْزَمْهَا تَسْلِيمُهُ كَمَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ الْمَبِيعِ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهَا لِتَكْتَسِبَ لَهَا وَتُحَصّلَ مَا تُنْفِقُهُ عَلَى
نَفْسِهَا لِأَنّ فِي حَبْسِهَا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ إضْرَارًا بِهَا . فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً فَهَلّا يَمْلِكُ حَبْسَهَا ؟ قِيلَ قَدْ قَالُوا أَيْضًا : لَا يَمْلِكُ حَبْسَهَا لِأَنّهُ إنّمَا يَمْلِكُهُ إذَا كَفَاهَا الْمُؤْنَةَ وَأَغْنَاهَا عَمّا لَا بُدّ لَهَا مِنْهُ مِنْ النّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْهَا فَإِذَا انْتَفَى هَذَا وَهَذَا لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَهَا وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ . ذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَأَلْتُ عَطَاءً عَمّنْ لَا يَجِدُ مَا يُصْلِحُ امْرَأَتَهُ مِنْ النّفَقَةِ ؟ قَالَ لَيْسَ لَهَا إلّا مَا وَجَدَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ يُطَلّقَهَا . وَرَوَى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ فِي الرّجُلِ يَعْجَزُ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ قَالَ تُوَاسِيهِ وَتَتّقِي اللّهَ وَتَصْبِرُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مَا اسْتَطَاعَ . وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْتُ الزّهْرِيّ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَيُفَرّقُ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ تَسْتَأْنِي بِهِ وَلَا يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا وَتَلَا : { لَا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } [ الطّلَاقِ 7 ] . قَالَ مَعْمَرٌ وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُ قَوْلِ الزّهْرِيّ سَوَاءٌ . وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ فِي الْمَرْأَةِ يَعْسُرُ زَوْجُهَا بِنَفَقَتِهَا : قَالَ هِيَ امْرَأَةٌ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَلَا تَأْخُذْ بِقَوْلِ مَنْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا . قُلْتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ هَذِهِ إحْدَاهَا . وَالثّانِيَةُ(2/52)
رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَهِدْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ شَكَتْ إلَيْهِ أَنّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا : اضْرِبُوا لَهُ أَجَلًا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ فَرّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا . [ ص 461 ] ذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ رَجُلًا شَكَا إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَنّهُ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ رَجُلًا لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَأَرْسَلَ إلَى الزّوْجِ فَأَتَى فَقَالَ أَنْكَحَنِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّهُ لَيْسَ لِي شَيْءٌ فَقَالَ عُمَرُ أَنْكَحْته وَأَنْتَ تَعْرِفُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَمَا الّذِي أَصْنَعُ ؟ اذْهَبْ بِأَهْلِك .
[مَذْهَبُ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ ]
وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التّفْرِيقِ مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ كُلّهِمْ وَقَدْ تَنَاظَرَ فِيهَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فَقَالَ مَالِكٌ أَدْرَكْتُ النّاسَ يَقُولُونَ إذَا لَمْ يُنْفِقْ الرّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرّقَ بَيْنَهُمَا . فَقِيلَ لَهُ قَدْ كَانَتْ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ يُعْسِرُونَ وَيَحْتَاجُونَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ النّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ إنّمَا تَزَوّجَتْهُ رَجَاءً . وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنّ نِسَاءَ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ كُنّ يُرِدْنَ الدّارَ الْآخِرَةَ وَمَا عِنْدَ اللّهِ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُنّ الدّنْيَا فَلَمْ يَكُنّ يُبَالِينَ بِعُسْرِ أَزْوَاجِهِنّ لِأَنّ أَزْوَاجَهُنّ كَانُوا كَذَلِكَ . وَأَمّا النّسَاءُ الْيَوْمَ فَإِنّمَا يَتَزَوّجْنَ رَجَاءَ دُنْيَا الْأَزْوَاجِ وَنَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ فَالْمَرْأَةُ إنّمَا تَدْخُلُ الْيَوْمَ عَلَى رَجَاءِ الدّنْيَا فَصَارَ هَذَا الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ عُرْفُ الصّحَابَةِ وَنِسَائِهِمْ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ وَالشّرْطُ الْعُرْفِيّ فِي أَصْلِ مَذْهَبِهِ كَاللّفْظِيّ وَإِنّمَا أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ كَلَامَهُ هَذَا مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَيَفْهَمْ غَوْرَهُ .
[مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالْحَبْسِ فِي الْإِعْسَارِ ]
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ الزّوْجَ إذَا أَعْسَرَ بِالنّفَقَةِ حُبِسَ حَتّى يَجِدَ مَا يُنْفِقُهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ حَكَاهُ النّاسُ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ وَصَاحِبِ " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِمَا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيّ قَاضِي الْبَصْرَةِ . وَيَالَلّهِ الْعَجَبُ لِأَيّ شَيْءٍ يُسْجَنُ وَيُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ عَذَابِ السّجْنِ وَعَذَابِ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْبُعْدِ عَنْ أَهْلِهِ ؟ { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } وَمَا أَظُنّ مَنْ شَمّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ يَقُولُ هَذَا .
[ مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ مِنْ تَكْلِيفِ الْمَرْأَةِ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزّوْجِ إذْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ ]
وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ الْمَرْأَةَ تُكَلّفُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي مُحَمّدِ ابْنِ حَزْمٍ وَهُوَ خَيْرٌ بِلَا شَكّ مِنْ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيّ . قَالَ فِي " الْمُحَلّى " : فَإِنْ عَجَزَ الزّوْجُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتُهُ غَنِيّةٌ - 462 كُلّفَتْ النّفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِعُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَيْسَرَ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلّا وُسْعَهَا لَا تُضَارّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } [ الْبَقَرَةَ 233 ] فَالزّوْجَةُ وَارِثَةٌ فَعَلَيْهَا النّفَقَةُ بِنَصّ الْقُرْآنِ . وَيَا عَجَبًا لِأَبِي مُحَمّدٍ لَوْ تَأَمّلَ سِيَاقَ الْآيَةِ لَتَبَيّنَ لَهُ مِنْهَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ } وَهَذَا ضَمِيرُ الزّوْجَاتِ بِلَا شَكّ ثُمّ قَالَ { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ لَهُ أَوْ وَارِثِ الْوَلَدِ مِنْ رِزْقِ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ مِثْلَ مَا عَلَى الْمَوْرُوثِ فَأَيْنَ فِي الْآيَةِ نَفَقَةٌ عَلَى غَيْرِ الزّوْجَاتِ ؟ حَتّى يُحْمَلَ عُمُومُهَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ .(2/53)
[حُجَجُ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ ]
وَاحْتَجّ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتَاهُ اللّهُ لَا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلّا مَا آتَاهَا } [ الطّلَاقَ 7 ] قَالُوا : وَإِذَا لَمْ يُكَلّفْهُ اللّهُ النّفَقَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ تَرَكَ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلتّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُبّهِ وَسَكَنِهِ وَتَعْذِيبِهِ بِذَلِكَ . قَالُوا : وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " : مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَاهُ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النّفَقَةَ فَقُمْتُ إلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ هُنّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا وَقَامَ عُمَرُ إلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلَاهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ وَاَللّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا أَبَدًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمّ اعْتَزَلَهُنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهْرًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . - 463 قَالُوا : فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَضْرِبَانِ ابْنَتَيْهِمَا بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ سَأَلَاهُ نَفَقَةً لَا يَجِدُهَا . وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ
يَضْرِبَا طَالِبَتَيْنِ لِلْحَقّ وَيُقِرّهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَا حَقّ لَهُمَا فِيمَا طَلَبَتَاهُ مِنْ النّفَقَةِ فِي حَالِ الْإِعْسَارِ وَإِذَا كَانَ طَلَبُهُمَا لَهَا بَاطِلًا فَكَيْفَ تُمَكّنُ الْمَرْأَةُ مِنْ فَسْخِ النّكَاحِ بِعَدَمِ مَا لَيْسَ لَهَا طَلَبُهُ وَلَا يَحِلّ لَهَا وَقَدْ أَمَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ صَاحِبَ الدّيْنِ أَنْ يُنْظِرَ الْمُعْسِرَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَغَايَةُ النّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا وَالْمَرْأَةُ مَأْمُورَةٌ بِإِنْظَارِ الزّوْجِ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِنَصّ الْقُرْآنِ هَذَا إنْ قِيلَ تَثْبُتُ فِي ذِمّةِ الزّوْجِ وَإِنْ قِيلَ تَسْقُطُ بِمُضِيّ الزّمَانِ فَالْفَسْخُ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ . قَالُوا : فَاَللّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقّ الصّبْرَ عَلَى الْمُعْسِرِ وَنَدَبَهُ إلَى الصّدَقَةِ بِتَرْكِ حَقّهِ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَجَوْرٌ لَمْ يُبِحْهُ لَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى لَهَا سَوَاءً بِسَوَاءِ إمّا أَنْ تُنْظِرِيهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَإِمّا أَنْ تَصّدّقِي وَلَا حَقّ لَكِ فِيمَا عَدَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ . قَالُوا وَلَمْ يَزَلْ فِي الصّحَابَةِ الْمُعْسِرُ وَالْمُوسِرُ وَكَانَ مُعْسِرُوهُمْ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مُوسِرِيهِمْ فَمَا مَكّنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَطّ امْرَأَةً وَاحِدَةً مِنْ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا وَلَا أَعْلَمَهَا أَنّ الْفَسْخَ حَقّ لَهَا فَإِنْ شَاءَتْ صَبَرَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَسَخَتْ وَهُوَ يُشَرّعُ الْأَحْكَامَ عَنْ اللّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ فَهَبْ أَنّ الْأَزْوَاجَ تَرَكْنَ حَقّهُنّ أَفَمَا كَانَ فِيهِنّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تُطَالِبُ بِحَقّهَا وَهَؤُلَاءِ
نِسَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يُطَالِبْنَهُ بِالنّفَقَةِ حَتّى أَغْضَبْنَهُ وَحَلَفَ أَلّا يَدْخُلَ عَلَيْهِنّ شَهْرًا مِنْ شِدّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنّ فَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَقِرّ فِي شَرْعِهِ أَنّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا لَرُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ رُفِعَ إلَيْهِ مَا ضَرُورَتُهُ دُونَ ضَرُورَةِ فَقْدِ النّفَقَةِ مِنْ فَقْدِ النّكَاحِ وَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إنّي نَكَحْتُ بَعْدَ رِفَاعَةَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الزّبَيْرِ وَإِنّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثّوْبِ . تُرِيدُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ هَذَا كَانَ فِيهِمْ فِي - 464 غَايَةِ النّدْرَةِ بِالنّسْبَةِ إلَى الْإِعْسَارِ فَمَا طَلَبَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِالْإِعْسَارِ . قَالُوا : وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ الْفَقْرَ وَالْغِنَى مَطِيّتَيْنِ لِلْعِبَادِ فَيَفْتَقِرُ الرّجُلُ الْوَقْتَ وَيَسْتَغْنِي الْوَقْتَ فَلَوْ كَانَ كُلّ مَنْ(2/54)
افْتَقَرَ فَسَخَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَعَمّ الْبَلَاءُ وَتَفَاقَمَ الشّرّ وَفُسِخَتْ أَنْكِحَةُ أَكْثَرِ الْعَالَمِ وَكَانَ الْفِرَاقُ بِيَدِ أَكْثَرِ النّسَاءِ فَمَنْ الّذِي لَمْ تُصِبْهُ عُسْرَةٌ وَيَعُوزُ النّفَقَةَ أَحْيَانًا . قَالُوا : وَلَوْ تَعَذّرَ مِنْ الْمَرْأَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَرَضِ مُتَطَاوِلٍ وَأَعْسَرَتْ بِالْجِمَاعِ لَمْ يُمَكّنْ الزّوْجُ مِنْ فَسْخِ النّكَاحِ بَلْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ النّفَقَةَ كَامِلَةً مَعَ إعْسَارِ زَوْجَتِهِ بِالْوَطْءِ فَكَيْفَ يُمَكّنُونَهَا مِنْ الْفَسْحِ بِإِعْسَارِهِ عَنْ النّفَقَةِ الّتِي غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ ؟
قَالُوا : وَأَمّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ صَرّحَ فِيهِ بِأَنّ قَوْلَهُ امْرَأَتُك تَقُولُ أَنْفِقْ عَلَيّ وَإِلّا طَلّقْنِي مِنْ كِيسِهِ لَا مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا فِي " الصّحِيحِ " عَنْهُ . وَرَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ ثُمّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ . إذَا حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ امْرَأَتُك تَقُولُ فَذَكَرَ الزّيَادَةَ . وَأَمّا حَدِيثُ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِهِ فَأَشَارَ إلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ فِي الرّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ . قَالَ يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْلًا وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَالظّاهِرُ أَنّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى وَأَرَادَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ طَلّقْنِي وَأَمّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ الرّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا فَوَاَللّهِ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا حَدّثَ بِهِ كَيْفَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلّا طَلّقْنِي - 465 وَيَقُولُ هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِئَلّا يُتَوَهّمَ نِسْبَتُهُ إلَى
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَاَلّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ الشّرِيعَةِ وَقَوَاعِدُهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنّ الرّجُلَ إذَا غَرّ الْمَرْأَةَ بِأَنّهُ ذُو مَالٍ فَتَزَوّجَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَظَهَرَ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ أَوْ كَانَ ذَا مَالٍ وَتَرَكَ الْإِنْفَاقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ كِفَايَتِهَا مِنْ مَالِهِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِالْحَاكِمِ أَنّ لَهَا الْفَسْخَ وَإِنْ تَزَوّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ أَوْ كَانَ مُوسِرًا ثُمّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَلَا فَسْخَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ تَزَلْ النّاسُ تُصِيبُهُمْ الْفَاقَةُ بَعْدَ الْيَسَارِ وَلَمْ تَرْفَعْهُمْ أَزْوَاجُهُمْ إلَى الْحُكّامِ لِيُفَرّقُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنّ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
[هَلْ يَثْبُتُ الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالصّدَاقِ ]
وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالصّدَاقِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ الصّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ اخْتَارَهُ عَامّةُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ . وَفَصّلَ الشّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَا : إنْ كَانَ قَبْلَ الدّخُولِ ثَبَتَ بِهِ الْفَسْخُ وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ هَذَا مَعَ أَنّهُ عِوَضٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَحَقّ أَنْ يُوَفّى مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ كَمَا دَلّ عَلَيْهِ النّصّ كُلّ مَا تَقَرّرَ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ بِهِ فَمِثْلُهُ فِي النّفَقَةِ وَأَوْلَى . فَإِنْ قِيلَ فِي الْإِعْسَارِ بِالنّفَقَةِ مِنْ الضّرَرِ اللّاحِقِ بِالزّوْجَةِ مَا لَيْسَ فِي الْإِعْسَارِ بِالصّدَاقِ فَإِنّ الْبِنْيَةَ تَقُومُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ النّفَقَةِ . قِيلَ وَالْبِنْيَةُ قَدْ تَقُومُ بِدُونِ نَفَقَتِهِ بِأَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا أَوْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا ذُو قَرَابَتِهَا أَوْ تَأْكُلَ مِنْ غَزْلِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَتَعِيشُ بِمَا تَعِيشُ بِهِ زَمَنَ الْعِدّةِ وَتُقَدّرُ زَمَنَ عُسْرَةِ الزّوْجِ كُلّهُ عِدّةً . ثُمّ الّذِينَ يُجَوّزُونَ لَهَا الْفَسْخَ يَقُولُونَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ مِنْ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ إذَا عَجَزَ الزّوْجُ عَنْ نَفَقَتِهَا وَبِإِزَاءِ هَذَا الْقَوْلِ(2/55)
قَوْلُ مَنْجَنِيقِ الْغَرْبِ أَبِي مُحَمّدِ ابْنِ حَزْمٍ : إنّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَتُعْطِيهِ مَالَهَا وَتُمَكّنُهُ مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ الْعَنْبَرِيّ بِأَنّهُ يُحْبَسُ . وَإِذَا تَأَمّلْت أُصُولَ الشّرِيعَةِ
وَقَوَاعِدَهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ - 466 الْمَفَاسِدِ وَدَفْعِ أَعْلَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا وَتَفْوِيتِ أَدْنَى الْمَصْلَحَتَيْنِ لِتَحْصِيلِ أَعْلَاهُمَا تَبَيّنَ لَكَ الْقَوْلُ الرّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ .
فَصْلٌ فِي حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمُوَافِقِ لِكِتَابِ اللّهِ أَنّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ وَلَا سُكْنَى
رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ فَاطِمَةُ بِنْتِ قَيْسٍ أَنّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلّقَهَا الْبَتّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرِ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاَللّهِ مَالَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَمَا قَالَ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ " فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْتِ أُمّ شَرِيكٍ ثُمّ قَالَ " تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدّي عِنْدَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ فَإِنّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي . قَالَتْ فَلَمّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " فَكَرِهْته ثُمّ قَالَ " انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ " فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ وَفِي " صَحِيحِهِ " أَيْضًا : عَنْهَا أَنّهَا طَلّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةً دُونًا فَلَمّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ وَاَللّهِ لَأُعْلِمَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَتْ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الّذِي يُصْلِحُنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى [ ص 467 ] صَحِيحِهِ " أَيْضًا عَنْهَا أَنّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ طَلّقَهَا ثَلَاثًا ثُمّ انْطَلَقَ إلَى
الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَقَالُوا : إنّ أَبَا حَفْصٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدّةُ وَأَرْسَلَ إلَيْهَا : " أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ " وَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى أُمّ شَرِيكٍ ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهَا : أَنّ أُمّ شَرِيكٍ يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ فَانْطَلِقِي إلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَإِنّكِ إذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ فَانْطَلَقْت إلَيْهِ فَلَمّا انْقَضَتْ عِدّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَفِي " صَحِيحِهِ " أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةِ فَقَالَا لَهَا : وَاَللّهِ مَا لَكِ نَفَقَةٌ إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا فَقَالَ " لَا نَفَقَةَ لَكِ " فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ أَيْنَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ " إلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ " وَكَانَ أَعْمَى تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلَا يَرَاهَا فَلَمّا مَضَتْ عِدّتُهَا أَنْكَحَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ(2/56)
وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنْ الْحَدِيثِ فَحَدّثَتْهُ بِهِ فَقَالَ مَرْوَانُ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا مِنْ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الّتِي وَجَدْنَا النّاسَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { لَا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ } إلَى قَوْلِهِ { لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [ الطّلَاقَ 1 ] قَالَتْ هَذَا لِمَنْ كَانَ لَهُ مُرَاجَعَةٌ فَأَيّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثّلَاثِ ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا ؟ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ عَقِيبَ قَوْلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : لَا نَفَقَةَ لَك إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا فَاتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا نَفَقَةَ لَكِ إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا . [ ص 468 ] صَحِيحِهِ " أَيْضًا عَنْ الشّعْبِيّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ طَلّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتّةَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّكْنَى وَالنّفَقَةِ قَالَتْ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ وَفِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ الْعَدَوِيّ قَالَ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ طَلّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَلَمْ
يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي فَآذَنْته فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرّابٌ لِلنّسَاءِ وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا : أُسَامَةُ أُسَامَةُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَاعَةُ اللّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ فَتَزَوّجْته فَاغْتَبَطْتُ . وَفِي " صَحِيحِهِ " أَيْضًا عَنْهَا قَالَتْ أَرْسَلَ إلَيّ زَوْجِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلَاقِي فَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعِ تَمْرٍ وَخَمْسَةِ آصُعِ شَعِيرٍ فَقُلْتُ أَمَا لِي نَفَقَةٌ إلّا هَذَا ؟ وَلَا أَعْتَدّ فِي مَنْزِلِكُمْ ؟ قَالَ لَا فَشَدَدْتُ عَلَيّ ثِيَابِي وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَمْ طَلّقَكِ ؟ " قُلْتُ ثَلَاثًا . قَالَ " صَدَقَ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ اعْتَدّي فِي بَيْتِ ابْنِ عَمّك ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ فَإِنّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ تَضَعِينَ ثَوْبَكِ عِنْدَهُ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدّتُكِ فَآذِنِينِي [ ص 469 ] النّسَائِيّ فِي " سُنَنِهِ " هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَفِي بَعْضِهَا بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا النّفَقَةُ وَالسّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرّجْعَةُ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ قَالَتْ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً وَقَالَ إنّمَا السّكْنَى وَالنّفَقَةُ لِمَنْ يَمْلِكُ الرّجْعَةَ وَرَوَى النّسَائِيّ أَيْضًا هَذَا اللّفْظَ وَإِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ .
ذِكْرُ مُوَافَقَةِ هَذَا الْحُكْمِ لِكِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ وَأَحْصُوا الْعِدّةَ وَاتّقُوا اللّهَ رَبّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَنْ يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشّهَادَةَ لِلّهِ } إلَى قَوْلِهِ { قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْرًا } [ الطّلَاقِ 1 - 3 ] فَأَمَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الْأَزْوَاجَ الّذِينَ لَهُمْ عِنْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ الْإِمْسَاكُ وَالتّسْرِيحُ بِأَنْ لَا(2/57)
يُخْرِجُوا أَزْوَاجَهُمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُنّ أَنْ لَا يَخْرُجْنَ فَدَلّ عَلَى جَوَازِ إخْرَاجِ مَنْ لَيْسَ لِزَوْجِهَا إمْسَاكُهَا بَعْدَ الطّلَاقِ فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ لِهَؤُلَاءِ الْمُطَلّقَاتِ أَحْكَامًا مُتَلَازِمَةً لَا يَنْفَكّ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ . أَحَدُهَا : أَنّ الْأَزْوَاجَ لَا يُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ . وَالثّانِي : أَنّهُنّ لَا يَخْرُجْنَ مِنْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنّ . وَالثّالِثُ أَنّ لِأَزْوَاجِهِنّ إمْسَاكَهُنّ بِالْمَعْرُوفِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَتَرْكَ الْإِمْسَاكِ فَيُسَرّحُوهُنّ بِإِحْسَانٍ . [ ص 470 ] ذَوَيْ عَدْلٍ وَهُوَ
إشْهَادٌ عَلَى الرّجْعَةِ إمّا وُجُوبًا وَإِمّا اسْتِحْبَابًا وَأَشَارَ سُبْحَانَهُ إلَى حِكْمَةِ ذَلِكَ وَأَنّهُ فِي الرّجْعِيّاتِ خَاصّةً بِقَوْلِهِ { لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } وَالْأَمْرُ الّذِي يُرْجَى إحْدَاثُهُ هَاهُنَا : هُوَ الْمُرَاجَعَةُ . هَكَذَا قَالَ السّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ دَاوُدَ الْأَوْدِيّ عَنْ الشّعْبِيّ : { لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } قَالَ لَعَلّك تَنْدَمُ فَيَكُونَ لَك سَبِيلٌ إلَى الرّجْعَةِ وَقَالَ الضّحّاكُ { لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } قَالَ لَعَلّهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدّةِ وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : أَيّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثّلَاثِ ؟ فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الطّلَاقَ الْمَذْكُورَ هُوَ الرّجْعِيّ الّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَأَنّ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمِ الرّاحِمِينَ اقْتَضَتْهُ لَعَلّ الزّوْجَ أَنْ يَنْدَمَ وَيَزُولَ الشّرّ الّذِي نَزَغَهُ الشّيْطَانُ بَيْنَهُمَا فَتَتْبَعَهَا نَفْسُهُ فَيُرَاجِعَهَا كَمَا قَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَوْ أَنّ النّاسَ أَخَذُوا بِأَمْرِ اللّهِ فِي الطّلَاقِ مَا تَتَبّعَ رَجُلٌ نَفْسُهُ امْرَأَةً يُطَلّقُهَا أَبَدًا ثُمّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ بِإِسْكَانِ هَؤُلَاءِ الْمُطَلّقَاتِ فَقَالَ أَسْكِنُوهُنّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [ الطّلَاقِ 6 ] فَالضّمَائِرُ كُلّهَا يَتّحِدُ مُفَسّرُهَا وَأَحْكَامُهَا كُلّهَا مُتَلَازِمَةٌ وَكَانَ قَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا النّفَقَةُ وَالسّكْنَى لِلْمَرْأَةِ
إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ مُشْتَقّا مِنْ كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمُفَسّرًا لَهُ وَبَيَانًا لِمُرَادِ الْمُتَكَلّمِ بِهِ مِنْهُ فَقَدْ تَبَيّنَ اتّحَادُ قَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَالْمِيزَانُ الْعَادِلُ مَعَهُمَا أَيْضًا لَا يُخَالِفُهُمَا فَإِنّ النّفَقَةَ إنّمَا تَكُونُ لِلزّوْجَةِ فَإِذَا بَانَتْ مِنْهُ صَارَتْ أَجْنَبِيّةً حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَجْنَبِيّاتِ وَلَمْ يَبْقَ إلّا مُجَرّدُ اعْتِدَادِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ لَهَا نَفَقَةً كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ أَوْ زِنَى وَلِأَنّ النّفَقَةَ إنّمَا تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ التّمَكّنِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا وَلِأَنّ النّفَقَةَ لَوْ وَجَبَتْ لَهَا عَلَيْهِ لِأَجْلِ عِدّتِهَا لَوَجَبَتْ لِلْمُتَوَفّى عَنْهَا مِنْ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا الْبَتّةَ فَإِنّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ بَانَتْ عَنْهُ وَهِيَ مُعْتَدّةٌ مِنْهُ قَدْ تَعَذّرَ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ وَلِأَنّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَهَا السّكْنَى لَوَجَبَتْ لَهَا النّفَقَةُ كَمَا [ ص 471 ] فَأَمّا أَنْ تَجِبَ لَهَا السّكْنَى دُونَ النّفَقَةِ فَالنّصّ وَالْقِيَاسُ يَدْفَعُهُ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إحْدَى فُقَهَاءِ نِسَاءِ الصّحَابَةِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تُنَاظِرُ عَلَيْهِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيّ وَأَصْحَابُهُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ . وَلِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ
أَحْمَدَ أَحَدُهَا : هَذَا . وَالثّانِي : أَنّ لَهَا النّفَقَةَ وَالسّكْنَى وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَفُقَهَاءِ الْكُوفَةِ . وَالثّالِثُ أَنّ لَهَا السّكْنَى دُونَ النّفَقَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ .
ـــــــــــــــــــ(2/58)
هل تطلق الزوجة لعدم إنفاق الزوج ؟ ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هل يفرق بين الزوج زوجته في حالة إعساره، وعدم استطاعته النفقة؟ وجزاكم الله خيرا ... السؤال
14/03/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... ،بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
اختلف الفقهاء في فسخ عقد الزوجية بين الزوجة وزوجها المعسر، وما عليه الجمهور في حال تضرر الزوجة، هو إمهال الزوج فترة مناسبة من الزمن حتى تتحسن حالته، أو يفسخ العقد بينهما.
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر - رحمه الله - :
جاء في كتاب "الفروق" للقرافي المالكي : المعسر يُفسخ عليه نِكاحه بطَلاق، في حق من ثبت لها الإنفاق، وقال أبو حنيفة لا يطلق عليه بالإعسار؛ لأن الله تعالى يقول في إنظار المعسر بالدَّين: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (البقرة: 280) فهاهنا أولى؛ لأن بقاء الزوجية مطلوب لصاحب الشرع، وقياسًا على النفقة في الزمان الماضي، فإنه لا يطلق بها إجماعًا، ولأن عجزه عن نفقة أم ولده لا يوجب بيعها ولا خروجها عن ملكه، فكذلك الزوجة.
واشترط الشافعية ثبوت الإعسار قبل الحكم بالفسخ فإذا أعسر الزوج فلا فسخ قبل ثبوت إعساره، بإقراره أو بينة عند قاضٍ، فيمهله ـ ولو بدون طلبه ـ ثلاثة ليتحقق إعساره .
وإذا أثبت القاضي إعسار الزوج أمهله ـ وإن لم يستمهله ـ ثلاثة أيام ليتحقق العجز، وإن لم يُرج فيها يسار، فإذا مضت رفعت إليه صبيحة اليوم الرابع ليفسخ، أو يأذن لها فيه
وإذا وجد نفقة امرأته يومًا بيوم، لم يُفرق بينهما، وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث، ولا يمنع المرأة في الثلاث أن تخرج فتعمل أو تسأل، فإن لم يجد نففتها خيِّرت بين المُقام معه وفراقه، فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث ـ ييسر يومًا ويعوز يومًا ـ خيِّرت، وإذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيِّرت في هذا الأمر.
وعارض ابن حزم مَن قالوا إن الزوج المعسر الممتنع عن الإنفاق على زوجته يُمهل شهرًا أو نحوه أو شهرين.
ثم ذكر أنه لا إمهال هنا ولا إرغام على التطليق؛ لأن الآية الكريمة تقول: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ مَا آَتَاهَا) (الطلاق: 7) والآية الكريمة تقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَها) (البقرة: 286).
وعن الحسن أنه قال في الرجل يَعجَز عن نفقة امرأته: تواسيه وتتّقي الله ـ عز وجل ـ وتصبر، وينفق عليها ما استطاع.(2/59)
ومن قَدَر على بعض النفقة والكسوة، فسواء قلَّ ما يقدر عليه أو كثُر ـ الواجب أن يقضى عليه بما قدر. ويسقط عنه ما لا يقدر، فإن لم يقدر على شيء من ذلك سقط عنه، ولم يجب أن يقضي عليه بشيء.
فإن أيسر بعد ذلك قضي عليه من حين يوسر، ولا يقضي عليه بشيء مما أنفقتْه على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره، لقول الله ـ عز وجل ـ: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها) (البقرة: 286). وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آَتاهَا) (الطلاق: 7).
فصحَّ يقينًا أن ما ليس في وسعه، ولا آتاه الله تعالى إياه، فلم يكلفه الله ـ عز وجل ـ إياه، وما لم يُكلِّفْه الله تعالى فهو غير واجب عليه، وما لم يجب عليه فلا يجوز أن يقضي عليه به أبدًا: أيسر أو لم يوسر.
وهذا بخلاف ما وجب لها من نفقة أو كسوة فمنعها إياها وهو قادر عليها، فهذا يؤخذ به أبدًا: أعسر بعد ذلك أو لم يعسر؛ لأنه قد كلفه الله تعالى إياه، فهو واجب عليه، فلا يسقطه عنه إعسارُه.
لكن يوجب الإعسار أن ينظر به إلى الميسرة فقط، لقوله ـ عز وجل ـ: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ). (البقرة: 280).
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
الوفاء للزوج ... العنوان
مَضى على زَواجنا عِشرون سنة وأنا مُتمتّعة بحياة زوجيّة سعيدة، ولكنّ زوجي مَرِضَ مَرَضًا أحسستُ بأنني لا أُطيق البقاء معه، لقيامي على خدمته وضِيق ذات اليد عندنا، فهل من الجائز أن أطلبَ الانفصال عنه، أو الأفضل أن أظَلَّ معه مع المُعاناة الشديدة التي أعيشُ فيها؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... لا شكّ أن الحياة متقلِّبة بين اليُسر والعُسر، والصّحّة والمَرض، والمؤمن الصادِق يُثبت جَدارته بالحياة في كل الأحوال، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم " عَجَبًا لأمر المؤمِن إنَّ أمره كلّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا المؤمِن، إن أصابتْه سرّاءَ شَكَر فكان خَيرًا له، وإن أصابته ضَرّاء صَبَرَ فكان خيرًا له" .
والزوجة تُقِرُّ بأنّها عاشت مع زوجها أيّاما سعيدة عندما كان صحيح الجسم وافِر الثّراء، فهل من المُروءة والإنسانيّة أن تتركه في مِحنته لتتزوّج غيره تكمِل معه مشوار الحياة سعيدة كما بدأته.
إن التي تفكِّر في ذلك تدخل تحت حكم الحديث الذي يَنهَى عن كُفران العَشير، فقد نَسِيَت ما قدَّمه لها زوجُها من خير، وتَبَخَّر بسرعة ما نَعِمَتْ به سنوات طِوالاً، وقد صحَّ في الحديث الذي رواه مسلم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم النِّساء يوم العيد بكثرة التصدُّق، لأنَّ أكثرَهن حَطبُ جهنم، بسبب كثرة الشّكاةِ وكُفران العَشير " لو أحسنتَ إلى إحداهِنَّ الدَّهْرَ ثم رأتْ منك شيئاُ قالت : ما رأيتُ منك خيرًا قط " .(2/60)
إن الزوجة الصالحة تُعين زوجها على نوائب الدهر لا أن تتخلّى عنه ، وكفى بالسيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ مثالاً رائعًا في صدق مَعونتها للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقول والفعل والمال. وبهاجر أمِّ إسماعيل التي تحمّلت الوحدة وقاسَت البعدَ والألم طاعةً لأمر الله وأمر زوجها إبراهيم ، وبأم الدّحداح التي شجَّعت زوجها على التصَدُّق بالحديقة في سبيل الله، وبزينب الثَّقفيّة التي ساعدت زوجَها ابن مسعود بمالِها في حال إعساره، وبزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم التي وفتْ لزوجها فخلَّصته من الأسر بأعزِّ ما تملِكه.
إن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم نَهَى المرأةَ أن تطلُب الطَّلاق مِن زَوْجِها إلا إذا كان هناك سبب قاهِر يجعل الحياة متعذِّرة أو متعسِّرة، ففي الحديث الحسن الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه " أيُّما امرأةٍ سألت زوجَها طلاقًا من غير بأس فحَرام عليها رائحة الجَنّة " .
وفقَر الزوج المريض إنْ وصل إلى حد الإعسار بالنفقة الواجبة، هل يُجيز لها طلب التّفريق أو لا ؟ مذاهب الفقهاء في ذلك مختلفة، فقيل : يُجبَر على طلاقِها عند إعساره أو امتناعِه، وقيل: يؤجّل شهرًا ثم يُطلّق عليه الحاكم، وقيل : تُخَيَّر إن شاءتْ أقامَت وإن شاءت فَسخت، وقيل ليس لها الفسخ ولكن تَرْفَعُ يدَه عنها لتكتسب، وليس عليها أن تُمكِّنه من الاستمتاع بها، والاحتجاج لكل هذه الآراء طويل يمكن الرجوع إليه في كتاب زاد المعاد لابن القيم، الذي قال في ختام بحثه: والذي تَقتضيه أصول الشريعة أن الرجل إذا غَرَّر بالمرأة قبل الزواج بأنّه ذو مال ثُمَّ ظهر أنه مُفْلِسٌ، أو كان ذا مال وتَرك الإنفاق عليها ولم تَقدِر على أخذ كِفايتها من ماله بنفسِها أو بالحاكم فلها الفسخ، وإن تزوّجته وهي عالِمة بعُسره أو كان موسِرًا ثم أعسرَ فلا فَسخَ لها .
وهذا رأي جميل يُضمُّ إليه أن تَرفَع يده عنها لتكتسب وتبقَى على عصمتِه، ولها أن تمتنعَ عن تمكينه من التمتُّع بها، فإن عجزت عن الاكتساب أو وجدَتْ عنتًا فيه فأرى أنها تُخَيَّر بعد ذلك في البقاء معه أو الانفصال عنه إذا لاح لها في الأفق ما يوفِّر لها الحياة الكريمة.
ـــــــــــــــــــ(2/61)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الإيلاء
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(3/1)
إيلاء
وفي الموسوعة الفقهية :
التّعريف
1-الإيلاء في اللّغة معناه : الحلف مطلقاً ، سواء أكان على ترك قربان الزّوجة أم على شيءٍ آخر ، مأخوذ من آلى على كذا يولي إيلاءً وأليةً : إذا حلف على فعل شيءٍ أو تركه.
كان الرّجل في الجاهليّة إذا غضب من زوجته حلف ألاّ يطأها السّنة والسّنتين ، أو ألاّ يطأها أبداً ، ويمضي في يمينه من غير لومٍ أو حرجٍ ، وقد تقضي المرأة عمرها كالمعلّقة ، فلا هي زوجة تتمتّع بحقوق الزّوجة ، ولا هي مطلّقة تستطيع أن تتزوّج برجلٍ آخر ، فيغنيها اللّه من سعته.
فلمّا جاء الإسلام أنصف المرأة ، ووضع للإيلاء أحكاماً خفّفت من أضراره ، وحدّد للمولي أربعة أشهرٍ ، وألزمه إمّا بالرّجوع إلى معاشرة زوجته ، وإمّا بالطّلاق عليه.
قال اللّه تعالى : «للّذين يُؤْلُون من نسائِهم تَرَبُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإنْ فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم وإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ» .
والإيلاء في الاصطلاح - يعرّفه الحنفيّة - أن يحلف الزّوج باللّه تعالى ، أو بصفةٍ من صفاته الّتي يحلف بها ، ألاّ يقرب زوجته أربعة أشهرٍ أو أكثر ، أو أن يعلّق على قربانها أمراً فيه مشقّة على نفسه ، وذلك كأن يقول الرّجل لزوجته : واللّه لا أقربك أربعة أشهرٍ ، أو ستّةً ، أو يقول : واللّه لا أقربك أبداً ، أو مدّة حياتي ، أو واللّه لا أقربك ولا يذكر مدّةً ، وهذه صورة الحلف باللّه تعالى ، أمّا صورة التّعليق ، فهو أن يقول : إن قربتك فللّه عليّ صيام شهرٍ ، أو حجّ ، أو إطعام عشرين مسكيناً ، ونحو ذلك ممّا يكون فيه مشقّة على النّفس ، فإذا قال الزّوج شيئاً من هذا اعتبر قوله إيلاءً.
أمّا إذا امتنع الرّجل من قربان زوجته بدون يمينٍ ، فإنّه لا يكون إيلاءً ، ولو طالت مدّة الامتناع حتّى بلغت أربعة أشهرٍ أو أكثر ، بل يعتبر سوء معاشرةٍ يتيح لزوجته طلب الفرقة عند بعض الفقهاء ، إذا لم يكن هناك عذر يمنع من قربانها.
وكذلك لو حلف الزّوج بغير اللّه تعالى كالنّبيّ والوليّ ألاّ يقرب زوجته ، فإنّه لا يكون إيلاءً ، لأنّ الإيلاء يمين ، والحلف بغير اللّه تعالى ليس يميناً شرعاً ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من كان حالفاً فليحلف باللّه أو ليصمت » .
ومثل هذا لو علّق الرّجل على قربان زوجته أمراً ليس فيه مشقّة على النّفس ، كصلاة ركعتين أو إطعام مسكينٍ ، لا يكون إيلاءً.
وكذلك لو كانت المدّة الّتي حلف على ترك قربان الزّوجة فيها أقلّ من أربعة أشهرٍ لا يعتبر إيلاءً ، وذلك لقول اللّه تعالى : «للّذين يُؤْلون من نسائهم تَرَبُّصُ أربعةِ أشهرٍ» فإنّه سبحانه ذكر للإيلاء في حكم الطّلاق مدّةً مقدّرةً هي أربعة أشهرٍ ، فلا يكون الحلف على ما دونها إيلاءً في حقّ هذا الحكم.
وقد وافق الحنفيّة - في أنّ الإيلاء يكون بالحلف باللّه تعالى وبالتّعليق - المالكيّة ، والشّافعيّ في الجديد ، وأحمد بن حنبلٍ في روايةٍ.(3/2)
وخالف في ذلك الحنابلة في الرّواية المشهورة ، فقالوا : الإيلاء لا يكون إلاّ بالحلف باللّه تعالى ، أمّا تعليق الطّلاق أو العتق أو المشي إلى بيت اللّه تعالى على قربان الزّوجة فإنّه لا يكون إيلاءً ، لأنّ الإيلاء قسم ، والتّعليق لا يسمّى قسماً شرعاً ولا لغةً ، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ، ولا يجاب بجوابه ، ولا يذكره أهل العربيّة في باب القسم ، وعلى هذا لا يكون إيلاءً.
وحجّة الحنفيّة ومن وافقهم : أنّ تعليق ما يشقّ على النّفس يمنع من قربان الزّوجة خوفاً من وجوبه ، فيكون إيلاءً كالحلف باللّه تعالى ، والتّعليق - وإن كان لا يسمّى قسماً شرعاً ولغةً - ولكنّه يسمّى حلفاً عرفاً.
ومذهب الحنفيّة أنّ الإيلاء يكون بالحلف على ترك قربان الزّوجة أربعة أشهرٍ أو أكثر.
وذهب الجمهور المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الإيلاء لا يكون إلاّ بالحلف على ترك قربان الزّوجة أكثر من أربعة أشهرٍ ، وسيأتي ذكر هذه الآراء وأدلّتها في الكلام عن مدّة الإيلاء.
2 - والحكمة في موقف الشّريعة الإسلاميّة من الإيلاء هذا الموقف : أنّ هجر الزّوجة قد يكون من وسائل تأديبها ، كما إذا أهملت في شأن بيتها أو معاملة زوجها ، أو غير ذلك من الأمور الّتي تستدعي هجرها ، علّها تثوب إلى رشدها ويستقيم حالها ، فيحتاج الرّجل في مثل هذه الحالات إلى الإيلاء ، يقوّي به عزمه على ترك قربان زوجته تأديباً لها ورغبةً في إصلاحها ، أو لغير ذلك من الأغراض المشروعة.
فلهذا لم تبطل الشّريعة الإسلاميّة الإيلاء جملةً ، بل أبقته مشروعاً في أصله ، ليمكن الالتجاء إليه عند الحاجة.
«ركن الإيلاء»
3 - ركن الإيلاء الّذي يتوقّف تحقّق الإيلاء على وجوده هو : اللّفظ ، أو ما يقوم مقام اللّفظ على التّفصيل والخلاف المتقدّم.
والّذي يقوم مقام اللّفظ : الكتابة المستبينة ، وهي الكتابة الظّاهرة الّتي يبقى أثرها ، كالكتابة على الورق ونحوه.
أمّا الكتابة غير المستبينة ، وهي الّتي لا يبقى أثرها ، كالكتابة على الهواء ، أو على الماء فلا تقوم مقام اللّفظ في ذلك ، ولا يصحّ بها الإيلاء.
ومثل الكتابة في ذلك الإشارة عند العجز عن النّطق بالعبارة ، كالأخرس ومن في حكمه.
فإذا كان للأخرس إشارة مفهمة ، يعرف المتّصلون به أنّ المراد بها الحلف على الامتناع من قربان الزّوجة أربعة أشهرٍ أو أكثر ، صحّ الإيلاء بها ، كما يصحّ طلاقه وسائر تصرّفاته.
«شرائط الإيلاء»
4 - شرائط الإيلاء كثيرة ومتنوّعة ، منها ما يشترط في ركن الإيلاء ، ومنها ما يشترط في الرّجل والمرأة معاً ، ومنها ما يشترط في الرّجل المولي ، ومنها ما يشترط في المدّة المحلوف عليها.(3/3)
وفيما يلي بيان كلّ نوعٍ منها :
«أ - شرائط الرّكن»
يشترط في ركن الإيلاء ، وهو صيغته ، ثلاث شرائط :
«الشّريطة الأولى»
5 - أن يكون اللّفظ صالحاً للدّلالة على معنى الإيلاء ، وذلك بأن تكون مادّة اللّفظ دالّةً على منع الزّوج من قربان زوجته دلالةً واضحةً عرفاً ، مثل قول الرّجل لزوجته : واللّه لا أواقعك ، أو لا أجامعك ، وما أشبه ذلك.
وينقسم اللّفظ الصّالح للدّلالة على الإيلاء ثلاثة أقسامٍ على ما هو مذهب الحنفيّة والحنابلة : الأوّل : صريح ، وهو ما دلّ على الوطء لغةً وعرفاً.
وحكم هذا النّوع أنّه يعتبر إيلاءً متى صدر عن قصدٍ إلى التّلفّظ به بدون توقّفٍ على النّيّة ، ولو قال الزّوج : إنّه لم يرد الإيلاء لا يعتبر قوله لا ديانةً ولا قضاءً ، لأنّ اللّفظ لا يحتمل غير الإيلاء ، فإرادة معنًى آخر خلافه تكون إرادةً محضةً بدون لفظٍ يدلّ عليها ، فلا تعتبر.
الثّاني : ما يجري مجرى الصّريح ، وهو ما يستعمل في الجماع عرفاً ، كلفظ القربان والاغتسال ، وذلك كأن يحلف الرّجل ألاّ يقرب زوجته ، وبه ورد القرآن الكريم قال تعالى :
«ولا تَقْرَبُوهنّ حتّى يَطْهُرْن» .
وكذلك لو حلف ألاّ يغتسل منها ، لأنّ الاغتسال منها لا يكون إلاّ عن الجماع عادةً.
وحكم هذا النّوع أنّه يعتبر إيلاءً في القضاء من غير توقّفٍ على النّيّة ، وعلى هذا لو قال الزّوج لزوجته : واللّه لا أقربك ، ثمّ ادّعى أنّه لم يقصد بهذا اللّفظ الجماع ، لا يقبل منه هذا الادّعاء في القضاء ، ويقبل منه ديانةً ، أي فيما بينه وبين اللّه تعالى ، لأنّ اللّفظ الّذي ورد في عبارته يحتمل المعنى الّذي ادّعاه ، وإن كان خلاف الظّاهر ، فإذا نواه فقد نوى معنًى يحتمله اللّفظ ، فتكون إرادته صحيحةً ، إلاّ أنّه لمّا كان المعنى الّذي أراده يخالف المعنى الظّاهر من ذلك اللّفظ لم يقبل منه ما ادّعاه قضاءً ، وقبل منه ديانةً.
الثّالث : الكناية ، وهو ما يحتمل الجماع وغيره ، ولم يغلب استعماله في الجماع عرفاً ، كما إذا حلف الرّجل : ألاّ يمسّ جلده جلد زوجته ، أو ألاّ يقرب فراشها ، أو ألاّ يجمع رأسه ورأسها وسادة.
وحكم هذا النّوع : أنّه لا يعتبر إيلاءً إلاّ بالنّيّة ، فإذا قال الزّوج : أردت ترك الجماع كان مولياً ، وإن قال : لم أرد ترك الجماع لم يكن مولياً ، لأنّ هذه الألفاظ تستعمل في الجماع وفي غيره استعمالاً واحداً فلا يتعيّن الجماع إلاّ بالنّيّة.
ومذهب الشّافعيّة ، وهو ظاهر ما قاله المالكيّة : أنّ الألفاظ في ذلك تنقسم إلى صريحةٍ وكنايةٍ فقط.
«الشّريطة الثّانية»
6 - أن تكون الصّيغة دالّةً على الإرادة الجازمة للحال ، ويتحقّق هذا الشّرط بخلوّ الصّيغة من كلّ كلمةٍ تدلّ على التّردّد أو الشّكّ.(3/4)
وألاّ تكون مشتملةً على أداةٍ من الأدوات الدّالّة على التّأخير والتّسويف ، كحرف السّين أو سوف ، لأنّ التّردّد كالرّفض من حيث الحكم ، والتّأخير وعد بإنشاء التّصرّف في المستقبل ، وليس إنشاءً له في الحال ، فالإرادة في التّصرّف غير موجودةٍ في الحال ، ولا يوجد التّصرّف إلاّ بإرادة إنشائه في الحال.
فمن يقول لزوجته : واللّه سأمنع نفسي من مواقعتك ، أو سوف أمنع نفسي من معاشرتك ، لا يكون مولياً لأنّ هذه الصّيغة لا تدلّ على إرادة منع نفسه من المواقعة في الحال ، وإنّما تدلّ على أنّه سيفعل ذلك في المستقبل.
هذا ، وممّا ينبغي التّنبيه له هنا أنّ اشتراط الجزم في الإرادة للحال لا ينافي جواز أن تكون الصّيغة معلّقةً على حصول أمرٍ في المستقبل ، أو مضافةً إلى زمنٍ مستقبلٍ ، وذلك لأنّ الإرادة في الإيلاء المعلّق والمضاف مقطوع بها ، لا تردّد فيها ، غاية الأمر أنّ الإيلاء المعلّق لم يحصل الجزم به من قبل المولي في الحال ، بل عند وجود المعلّق عليه ، والإيلاء المضاف مجزوم به في الحال ، غير أنّ ابتداء حكمه مؤخّر إلى الوقت الّذي أضيف إليه ، وأنّ التّعليق والإضافة قد صدرا بإرادةٍ جازمةٍ في الحال.
«الشّريطة الثّالثة : صدور التّعبير عن قصدٍ»
7 - يتحقّق هذا الشّرط بإرادة الزّوج النّطق بالعبارة الدّالّة على الإيلاء أو ما يقوم مقامها ، فإذا اجتمع مع هذه الإرادة رغبة في الإيلاء وارتياح إليه كان الإيلاء صادراً عن رضًى واختيارٍ صحيحٍ ، وإن وجدت الإرادة فقط ، وانتفت الرّغبة في الإيلاء والارتياح إليه لم يتحقّق الرّضى ، وذلك كأن يكون الزّوج مكرهاً على الإيلاء من زوجته بتهديده بالقتل أو الضّرب الشّديد أو الحبس المديد ، فيصدر عنه الإيلاء خوفاً من وقوع ما هدّد به لو امتنع ، فإنّ صدور الصّيغة من الزّوج في هذه الحال يكون عن قصدٍ وإرادةٍ ، لكن ليس عن رضًى واختيارٍ صحيحٍ.
والإيلاء في هذه الحال - حال الإكراه - غير صحيحٍ عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، مستندين في ذلك إلى ما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » ، وإلى حديث عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا طلاق ولا عتاق في إغلاقٍ » والإغلاق : الإكراه ، لأنّ المكره يغلق عليه أمره ، ويقفل عليه رأيه وقصده ، وإلى أنّ المكره يحمل على النّطق بالعبارة بغير حقٍّ فلا يترتّب عليها حكم ، كنطقه بكلمة الكفر إذا أكره عليها.
أمّا عند الحنفيّة فإيلاء المكره معتبر ، وتترتّب عليه آثاره الّتي سيأتي بيانها ، لأنّ الإيلاء عندهم من التّصرّفات الّتي تصحّ مع الإكراه ، نصّوا على ذلك في باب الأيمان والطّلاق ، وأنّ الإيلاء يمين في أوّل الأمر ، وطلاق باعتبار المال ، فينطبق عليه ما يقرّر في بابي الأيمان والطّلاق.
وقد استندوا في ذلك إلى قياس المكره على الهازل ، لأنّ كلّاً منهما تصدر عنه صيغة التّصرّف عن قصدٍ واختيارٍ ، لكنّه لا يريد حكمها ، وطلاق الهازل ويمينه معتبران ، فكذلك المكره.(3/5)
8 - ولو صدرت صيغة الإيلاء من الزّوج ، لكنّه لم يرد موجبها ، بل أراد اللّهو واللّعب - وهذا هو الهازل - فإنّ الإيلاء يكون معتبراً عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم من أهل العلم ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : النّكاح والطّلاق والرّجعة » ولأنّ الهازل قاصد للسّبب ، وهو الصّيغة غير ملتزمٍ لحكمه ، وأنّ ترتّب الأحكام على أسبابها موكول إلى الشّارع لا إلى المتصرّف.
9 - ولو أراد الزّوج أن يتكلّم بغير الإيلاء ، فجرى على لسانه الإيلاء من غير قصدٍ أصلاً - وهو المخطئ - فمذهب الشّافعيّة والحنابلة عدم اعتبار إيلاء المخطئ ، لأنّ التّصرّف إنّما يعتبر إذا قصد اللّفظ الّذي يدلّ عليه وأريد حكمه الّذي يترتّب عليه ، أو قصد اللّفظ وإن لم يرد حكمه ، والمخطئ.
لم يقصد اللّفظ الدّالّ على الإيلاء ولا حكمه ، فلا يكون الإيلاء الصّادر منه معتبراً.
وذهب الحنفيّة في المخطئ إلى أنّ إيلاءه لا يعتبر ديانةً ، ويعتبر قضاءً.
ومعنى اعتباره في القضاء دون الدّيانة : أنّه إذا لم يعلم بالإيلاء إلاّ الزّوج ، كان له أن يعاشر زوجته من غير حرجٍ ولا كفّارة عليه في ذلك ، وإذا مضت مدّة الإيلاء لا يقع الطّلاق ، وإذا سأل فقيهاً عمّا صدر منه جاز له أن يفتيه بأن لا شيء عليه ، متى علم صدقه فيما يقول.
فإذا تنازع الزّوجان ورفع الأمر إلى القاضي حكم بلزوم الكفّارة بالحنث إذا اتّصل بزوجته قبل مضيّ المدّة ، وبوقوع الطّلاق إذا مضت المدّة بدون معاشرةٍ ، كما هو مذهب الحنفيّة ، لأنّ القاضي يبني أحكامه على الظّاهر ، واللّه يتولّى السّرائر.
ولو قبل في القضاء دعوى أنّ ما جرى على لسانه لم يكن مقصوداً ، وإنّما المقصود شيء آخر لا نفتح الباب أمام المحتالين الّذين يقصدون النّطق بالصّيغة الدّالّة على الإيلاء ، ثمّ يدّعون أنّه سبق لسانٍ.
ويرى المالكيّة - كما يؤخذ من كلامهم في الطّلاق - أنّه إذا ثبت أنّ الزّوج لم يقصد النّطق بصيغة الإيلاء ، بل قصد أن يتكلّم بغير الإيلاء ، فزلّ لسانه ، وتكلّم بالصّيغة الدّالّة على الإيلاء لا يكون إيلاءً في القضاء ، كما لا يكون إيلاءً في الدّيانة والفتوى.
ويتّضح ممّا تقدّم الفرق بين الخطأ : والهزل والإكراه ، وهو أنّه في الخطأ لا تكون العبارة الّتي نطق بها الزّوج مقصودةً أصلاً ، بل المقصود عبارة أخرى ، وصدرت هذه بدلاً عنها.
وفي الهزل : تكون العبارة مقصودةً ، لأنّها برضى الزّوج واختياره ، ولكن حكمها لا يكون مقصوداً ، لأنّ الزّوج لا يريد هذا الحكم ، بل يريد شيئاً آخر هو اللّهو واللّعب.
وفي الإكراه : تكون العبارة صادرةً عن قصدٍ واختيارٍ ، ولكنّه اختيار غير سليمٍ ، لوجود الإكراه ، وهو يؤثّر في الإرادة ، ويجعلها لا تختار ما ترغب فيه وترتاح إليه ، بل تختار ما يدفع الأذى والضّرر.
«أحوال صيغة الإيلاء»(3/6)
10 - الصّيغة الّتي ينشئ الزّوج الإيلاء بها تارةً تصدر خاليةً من التّعليق على حصول أمرٍ في المستقبل ، ومن الإضافة إلى زمنٍ مستقبلٍ ، وتارةً تصدر مشتملةً على التّعليق على حصول أمرٍ في المستقبل ، أو الإضافة إلى زمنٍ مستقبلٍ.
فإذا صدرت الصّيغة ، وكانت خاليةً من التّعليق والإضافة ، كان الإيلاء منجّزاً.
وإن صدرت ، وكانت مشتملةً على التّعليق على حصول أمرٍ في المستقبل ، كان الإيلاء معلّقاً.
وإن صدرت وكانت مضافةً إلى زمنٍ مستقبلٍ ، كان الإيلاء مضافاً.
وعلى هذا فالإيلاء المنجّز هو : ما كانت صيغته مطلقةً غير مضافةٍ إلى زمنٍ مستقبلٍ ، ولا معلّقةً على حصول أمرٍ في المستقبل ، ومن أمثلة التّنجيز أن يقول الرّجل لزوجته : واللّه لا أقربك خمسة أشهرٍ ، وهذا يعتبر إيلاءً في الحال ، وتترتّب عليه آثاره بمجرّد صدوره.
والإيلاء المعلّق هو : ما رتّب فيه الامتناع عن قربان الزّوجة على حصول أمرٍ في المستقبل بأداةٍ من أدوات الشّرط ، مثل « إن » « وإذا » « ولو » « ومتى » ونحوها ، وذلك كأن يقول الرّجل لزوجته : إن أهملت شئون البيت ، أو يقول لها : لو كلّمت فلاناً فواللّه لا أقربك.
وفي هذه الحال ، لا يعتبر ما صدر عن الرّجل إيلاءً قبل وجود الشّرط المعلّق عليه ، لأنّ التّعليق يجعل وجود التّصرّف المعلّق مرتبطاً بوجود الشّرط المعلّق عليه ، ففي المثال المتقدّم لا يكون الزّوج مولياً قبل أن تهمل المرأة في شئون البيت ، أو تكلّم ذلك الشّخص ، فإذا أهملت شئون البيت أو كلّمته صار مولياً ، واحتسبت مدّة الإيلاء من وقت الإهمال أو التّكليم فقط ، لا من وقت قول الزّوج.
والإيلاء المضاف هو : ما كانت صيغته مقرونةً بوقتٍ مستقبلٍ يقصد الزّوج منع نفسه من قربان زوجته عند حلول هذا الوقت ، ومثاله : أن يقول الرّجل لزوجته : واللّه لا أقربك من أوّل الشّهر الآتي ، أو يقول لها : واللّه لا أقربك من غدٍ.
وفي هذه الحال ، يعتبر ما صدر عن الرّجال إيلاءً من وقت صدور اليمين ، ولكنّ الحكم لا يترتّب عليه إلاّ عند وجود الوقت الّذي أضيف إليه الإيلاء ، لأنّ الإضافة لا تمنع انعقاد اليمين سبباً لحكمه ، ولكنّها تؤخّر حكمه إلى الوقت الّذي أضيف إليه ، ففي قول الرّجل لزوجته : واللّه لا أقربك من أوّل الشّهر القادم يعتبر الزّوج مولياً من زوجته من الوقت الّذي صدرت فيه هذه الصّيغة ، ولهذا لو كان الرّجل قد حلف باللّه تعالى ألاّ يولّي من زوجته حكم بحنثه في هذه ، وإن لم يحن الوقت الّذي أضيفت إليه اليمين ، ووجب عليه كفّارة يمينٍ بمجرّد صدور الصّيغة المضافة ، لكن لو اتّصل بزوجته قبل مجيء الشّهر الّذي أضاف الإيلاء إليه لا يحكم بحنثه ووجوب كفّارة اليمين عليه ، كما أنّ مدّة الإيلاء لا تحتسب إلاّ من أوّل الشّهر الّذي أضاف الإيلاء إليه.
وإنّما صحّ تعليق الإيلاء وإضافته لأنّه يمين ، واليمين من التّصرّفات الّتي تقبل الإضافة والتّعليق.
ولم نعثر على كلامٍ للمالكيّة والشّافعيّة في قبول الإيلاء للإضافة.(3/7)
أمّا الحنابلة فقد أوردوا من تطبيقات الإيلاء ما يدلّ على قبول الإيلاء للإضافة.
«ب - ما يشترط في الرّجل والمرأة معاً»
11 - يشترط لصحّة الإيلاء في الرّجل والمرأة معاً قيام النّكاح بينهما حقيقةً أو حكماً عند حصول الإيلاء أو إضافته إلى النّكاح.
أمّا قيام النّكاح حقيقةً ، فيتحقّق بعقد الزّواج الصّحيح ، وقبل حصول الفرقة بين الرّجل وزوجته ، سواء أدخل الرّجل بزوجته أم لم يدخل.
وأمّا قيامه حكماً ، فيتحقّق بوجود العدّة من الطّلاق الرّجعيّ ، لأنّ المرأة بعد الطّلاق الرّجعيّ تكون زوجةً من كلّ وجهٍ ما دامت العدّة ، فتكون محلّاً للإيلاء ، كما تكون محلّاً للطّلاق ، فإذا أقسم الزّوج ألاّ يقرب زوجته الّتي طلّقها طلاقاً رجعيّاً مدّةً تستغرق أربعة أشهرٍ فأكثر كان مولياً ، فإن مضت أربعة أشهرٍ والمرأة لا تزال في العدّة ، بأن كانت حاملاً ، أو كانت غير حاملٍ وكان طهرها بين الحيضتين يمتدّ طويلاً ، فعند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يؤمر الرّجل بالفيء ، فإن لم يفء طلّق عليه القاضي إن امتنع عن الطّلاق ، على ما سيأتي في الكلام عن أثر الإيلاء بعد انعقاده.
وعند الحنفيّة تقع عليها طلقة أخرى.
أمّا إذا كانت العدّة من طلاقٍ بائنٍ ، فإنّ المرأة في أثنائها لا تكون محلّاً للإيلاء ، سواء أكان بائناً بينونةً صغرى ، أم بائناً بينونةً كبرى ، لأنّ الطّلاق البائن بنوعيه يزيل رابطة الزّوجيّة ، ولا يبقي من آثار الزّواج شيئاً سوى العدّة وما يتعلّق بها من أحكامٍ ، فيحرم على المطلّق قربان المطلّقة طلاقاً بائناً ولو كانت العدّة قائمةً ، فإذا حلف الرّجل ألاّ يقرب زوجته الّتي طلّقها طلاقاً بائناً كانت يمينه لغواً في حكم البرّ ، حتّى لو مضت أربعة أشهرٍ فأكثر ولم يقربها لم يقع عليها طلاق ثانٍ.
أمّا في حكم الحنث فإنّها معتبرة ، ولهذا لو عقد عليها ، ثمّ وطئها حنث في يمينه ، ووجبت عليه كفّارة الحنث في اليمين ، لعدم الوفاء بموجبها ، وهو عدم قربانها ، أي أنّ حلفه لم ينعقد إيلاءً ، ولكنّه انعقد يميناً.
ومثل هذا لو قال لامرأةٍ أجنبيّةٍ : واللّه لا أقربك ، وأطلق في يمينه ، أو قال : أبداً ، ثمّ تزوّجها فإنّه لا يعتبر مولياً في حكم البرّ ، لعدم قيام النّكاح حقيقةً ولا حكماً عند الحلف ، حتّى لو مضت أربعة أشهرٍ بعد الزّواج ، ولم يقربها لا يقع عليها شيء ، لأنّ النّكاح لم يكن قائماً عند حصول اليمين ، لكن لو قربها بعد الزّواج أو قبله لزمته الكفّارة ، لانعقاد اليمين في حقّ الحنث ، لأنّه لا يشترط في انعقاده في حقّ الحنث قيام النّكاح ، بخلاف انعقاده في حقّ البرّ ، فإنّه يشترط فيه قيام النّكاح.
وأمّا إضافة الإيلاء إلى النّكاح ، فصورته أن يقول الرّجل لامرأةٍ أجنبيّةٍ : إن تزوّجتك فواللّه لا أقربك ، ثمّ يتزوّجها فإنّه يصير مولياً ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة الّذين أجازوا إضافة الطّلاق أو تعليقه على النّكاح ، وحجّتهم في ذلك : أنّ المعلّق بالشّرط كالمنجّز عند وجود الشّرط ، والمرأة عند وجود الشّرط زوجة ، فتكون محلّاً للإيلاء المضاف إلى النّكاح ، كما تكون محلّاً للطّلاق.
وقال الشّافعيّة والحنابلة : لا يصحّ الإيلاء المضاف إلى النّكاح ، لقول اللّه تعالى : «لِلَّذين يُؤْلون من نسائهم تَرَبُّصُ أربعةِ أشهرٍ» فإنّه سبحانه جعل الإيلاء من(3/8)
الزّوجة ، والمرأة الّتي يضاف الإيلاء منها إلى نكاحها ليست زوجةً عند حصول الإيلاء ، فلا يكون الإيلاء منها صحيحاً ، ولأنّ الإيلاء حكم من أحكام النّكاح ، وحكم الشّيء لا يتقدّمه ، كالطّلاق والقسم ، ولأنّ المدّة تضرب للمولي لقصده الإضرار بيمينه ، وإذا كانت اليمين قبل النّكاح لم يتحقّق هذا القصد ، فأشبه الممتنع بغير يمينٍ.
12 - والخلاف بين الفقهاء في صحّة تعليق الطّلاق والإيلاء بالنّكاح وعدم صحّته مبنيّ على اختلافهم في التّعليق وأثره في التّصرّف المعلّق.
فعند الحنفيّة : التّعليق يؤخّر انعقاد التّصرّف المعلّق سبباً لحكمه حتّى يوجد المعلّق عليه.
فالتّصرّف المعلّق لا وجود له عند التّكلّم بالصّيغة ، وإنّما يوجد عند وجود المعلّق عليه.
وعند الشّافعيّة ومن وافقهم : التّعليق لا يؤخّر انعقاد التّصرّف سبباً لحكمه ، وإنّما يمنع ترتّب الحكم عليه حتّى يوجد الشّرط المعلّق عليه.
فعندهم التّصرّف المعلّق على شرطٍ موجود عند التّكلّم بالصّيغة ، غير أنّ حكمه لا يترتّب عليه إلاّ عند وجود الشّرط المعلّق عليه.
وبناءً على هذا : من قال لامرأةٍ أجنبيّةٍ : إن تزوّجتك فأنت طالق ، ثمّ تزوّجها وقع الطّلاق عند الحنفيّة ومن معهم ، لأنّ الشّرط لصحّة الطّلاق أن تكون المرأة محلّاً للطّلاق عند وجوده ، والطّلاق المعلّق لا يوجد في رأيهم إلاّ عند تحقّق الشّرط ، وعند تحقيق الشّرط تكون المرأة محلّاً للطّلاق ، إذ هي في ذلك الوقت زوجة ، فيقع عليها الطّلاق.
وعند الشّافعيّة ومن وافقهم : لا يقع الطّلاق ، لأنّ الطّلاق المعلّق ينعقد سبباً لحكمه عند التّكلّم به ، والمرأة في ذلك الوقت لم تكن زوجةً ، فلم تتحقّق المحلّيّة الّتي هي شرط وقوع الطّلاق ، فلا يقع الطّلاق.
وأنّ الإيلاء كالطّلاق في هذا الحكم.
«ج - ما يشترط في المولي»
13 - يشترط في الرّجل لكي يكون إيلاؤه صحيحاً ما يأتي :
أوّلاً : البلوغ ، بظهور العلامات الطّبيعيّة أو بالسّنّ ، فإيلاء الصّبيّ لا ينعقد « ر : مصطلح : بلوغٍ » .
ثانياً : العقل ، فلا يصحّ الإيلاء من المجنون والصّبيّ الّذي لا يعقل ، ولا من المعتوه ، لأنّ المعتوه قد لا يكون عنده إدراك ولا تمييز فيكون كالمجنون ، وقد يكون عنده إدراك وتمييز ولكنّه لا يصل إلى درجة الإدراك عند الرّاشدين العاديّين كالصّبيّ المميّز ، والصّبيّ المميّز لا يصحّ منه الإيلاء ، فكذلك المعتوه.
ومثل المجنون في الحكم الأشخاص التّالي ذكرهم :
- 1 - المدهوش ، وهو الّذي اعترته حالة انفعالٍ لا يدري فيها ما يقول أو يفعل ، أو يصل به الانفعال إلى درجةٍ يغلب معها الخلل في أقواله وأفعاله.(3/9)
فإذا صدر الإيلاء من الزّوج ، وهو في هذه الحال لا يعتبر ، وإن كان يعلمه ويريده ، لأنّ هذا العلم وهذه الإرادة غير معتبرين ، لعدم حصولهما عن إدراكٍ صحيحٍ ، كما لا يعتبر ذلك من الصّبيّ المميّز.
- 2 - المغمى عليه والنّائم ، فالمغمى عليه في حكم المجنون ، ومثله النّائم ، لأنّه لا إدراك عنده ولا وعي ، فلا يعتدّ بالإيلاء الّذي يصدر عنه كما لا يعتدّ بطلاقه.
- 3 - السّكران ، وهو الّذي صار عقله مغلوباً من تأثير المسكر ، حتّى صار يهذي ويخلط في كلامه ، ولا يعي بعد إفاقته ما كان منه في حال سكره ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ إيلاء السّكران لا يعتبر إذا كان سكره من طريقٍ غير محرّمٍ ، كما لو شرب المسكر للضّرورة ، أو تحت ضغط الإكراه ، لأنّ السّكران لا وعي عنده ولا إدراك كالمجنون والنّائم ، بل أشدّ حالاً من النّائم ، إذ النّائم ينتبه بالتّنبيه ، أمّا السّكران فلا ينتبه إلاّ بعد الإفاقة من السّكر ، فإذا لم يعتبر الإيلاء الصّادر من النّائم ، فلا يعتبر الإيلاء الصّادر من السّكران بالطّريق الأولى.
واختلفوا فيما إذا كان السّكر بطريقٍ محرّمٍ ، وذلك بأن يشرب المسكر باختياره ، وهو يعلم أنّه مسكر ، من غير ضرورةٍ حتّى يسكر ، فقال بعضهم : يعتبر إيلاؤه ، وهو قول جمهور الحنفيّة ومالكٍ والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ عنه ، لأنّه لمّا تناول المحرّم باختياره يكون قد تسبّب في زوال عقله ، فيجعل موجوداً عقوبةً له وزجراً عن ارتكاب المعصية.
وقال بعضهم : لا يعتبر إيلاؤه ، وهو قول زفر من الحنفيّة واختاره الطّحاويّ والكرخيّ ، وهو أيضاً قول أحمد في روايةٍ أخرى عنه ، وهو منقول عن عثمان بن عفّان وعمر بن عبد العزيز.
وحجّتهم في ذلك : أنّ صحّة التّصرّف تعتمد على القصد والإرادة الصّحيحة ، والسّكران قد غلب السّكر على عقله ، فلا يكون عنده قصد ولا إرادة صحيحة ، فلا يعتدّ بالعبارة الصّادرة منه ، كما لا يعتدّ بالعبارة الصّادرة من المجنون والمعتوه والنّائم والمغمى عليه.
والشّارع لم يترك السّكران بدون عقوبةٍ على سكره ، حتّى نحتاج إلى عقوبةٍ أخرى ننزلها به ، خصوصاً إذا كانت هذه العقوبة الأخرى لا تقتصر على الجاني ، بل تتعدّاه إلى غيره من الزّوجة والأولاد.
وأساس هذا الاختلاف هو الاختلاف في اعتبار طلاقه وعدم اعتباره : فمن قال باعتبار طلاقه قال باعتبار إيلائه ، ومن قال بعدم اعتبار طلاقه قال بعدم اعتبار إيلائه ، لأنّ الإيلاء كطلاقٍ معلّقٍ عند بعضهم ، وسبب للطّلاق عند آخرين ، فيكون له حكمه.
«د - ما يشترط في المدّة المحلوف عليها»
14 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الإيلاء لا بدّ له من مدّةٍ يحلف الزّوج على ترك قربان زوجته فيها.
لكنّهم اختلفوا في مقدار هذه المدّة.
فقال الحنفيّة : إنّ مدّة الإيلاء أربعة أشهرٍ أو أكثر ، وهو قول عطاءٍ والثّوريّ ورواية عن أحمد.(3/10)
فلو حلف الرّجل على ترك قربان زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ لا يكون إيلاءً ، بل يكون يميناً.
فإذا حنث بالوطء قبل مضيّ أربعة أشهرٍ لزمته كفّارة يمينٍ.
وعلى هذا لو حلف الزّوج : ألاّ يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهرٍ كان إيلاءً باتّفاق الفقهاء ، وكذلك لو حلف : ألاّ يقرب زوجته ، ولم يذكر مدّةً ، أو قال : أبداً ، فإنّه يكون إيلاءً بالاتّفاق أيضاً.
أمّا لو حلف ألاّ يقرب زوجته أربعة أشهرٍ فإنّه يكون إيلاءً عند الحنفيّة ، ولا يكون إيلاءً عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة.
ولو حلف : ألاّ يقرب زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ فإنّه لا يكون إيلاءً عند الجميع.
وقد احتجّ الحنفيّة ومن وافقهم بأنّ الإيلاء له حكمان : أحدهما : الحنث إذا وطئ الرّجل زوجته قبل مضيّ أربعة أشهرٍ ، وثانيهما : وقوع الطّلاق إن لم يطأ زوجته قبل مضيّ هذه المدّة.
وهذا يفيد أنّ الأربعة الأشهر هي المدّة المعتبرة في الإيلاء ، فلا يكون الحلف على ما دونها إيلاءً ، كما لا يتوقّف الإيلاء على الحلف على أكثر منها ، وبأنّ الإيلاء هو اليمين الّتي تمنع قربان الزّوجة خوفاً من لزوم الحنث ، فلو كان الحلف على ترك قربان الزّوجة أقلّ من أربعة أشهرٍ ، لأمكن الزّوج بعد مضيّ هذه المدّة أن يجامع زوجته من غير أن يلزمه الحنث في يمينه ، فلا يكون هذا إيلاءً.
واحتجّ المالكيّة ومن معهم بأنّ المولي يوقف بعد مضيّ أربعة أشهرٍ ، يخيّر بين الفيء « وهو الرّجوع عن اليمين بالفعل أو القول » والتّطليق ، فلا بدّ أن تكون المدّة على ترك قربان الزّوجة فيها أكثر من أربعة أشهرٍ ، ولو كانت أربعة أشهرٍ أو أقلّ منها لانقضى الإيلاء بانقضائها ، ولا تصحّ المطالبة من غير الإيلاء.
15 - إذا فقد الإيلاء شرطاً من الشّرائط الّتي تقدّم بيانها ، فهل يكون لليمين مفعولها الّذي وضعت لإفادته شرعاً ؟ ذلك يتوقّف على الشّرط الّذي لم يتحقّق ، فإن كان من شرائط الصّيغة ترتّب على فقده عدم اعتبار اليمين أصلاً ، بحيث لا يترتّب على مخالفة موجبها الحنث ووجوب الكفّارة أو لزوم ما رتّبه عليها.
وكذلك لو كان الشّرط الّذي لم يتحقّق من الشّرائط الّتي تعود إلى الرّجل كالبلوغ أو العقل ، لأنّه لا اعتبار لما يصدر عن الصّبيّ قبل البلوغ ، ولا لما يصدر عن المجنون ومن في حكمه.
أمّا لو كان من الشّرائط الّتي تعود إلى الرّجل والمرأة معاً ، وهو قيام النّكاح حين الإيلاء ، فإنّ فقده لا يعطّل مفعول اليمين ، بل تبقى في حقّ الحنث ، فلو قال رجل لامرأةٍ أجنبيّةٍ : واللّه لا أطأك مدّة أربعة أشهرٍ ، ثمّ وطئها قبل مضيّ أربعة أشهرٍ ، وجبت عليه كفّارة اليمين المبيّنة في كتب الفقه ، حتّى لو كان الوطء بعد العقد عليها.
أمّا في حقّ الطّلاق ، فإنّ فقد الشّرط يبطل اليمين بالنّسبة له ، ولهذا لا يقع الطّلاق بمضيّ أربعة أشهرٍ ، لعدم انعقاد الإيلاء في حقّ الطّلاق لانعدام المحلّيّة.
ومثل هذا يقال في حال عدم توافر شرائط المدّة المحلوف عليها ، فإنّ مفعول اليمين يبقى.(3/11)
ولو نقصت المدّة الّتي حلف الرّجل على ترك قربان الزّوجة فيها عن أربعة أشهرٍ - عند من يرى أنّها لا تكون أقلّ من ذلك - وحتّى لو وطئ زوجته في أثناء المدّة الّتي حلف على ترك قربانها فيها ، وجبت عليه الكفّارة.
«أثر الإيلاء بعد انعقاده»
16 - إذا تحقّق ركن الإيلاء وتوافرت شرائطه ترتّب عليه أحد أثرين :
أوّلهما : يترتّب عليه في حالة إصرار الزّوج على عدم قربان زوجته الّتي آلى منها ، حتّى تمضي أربعة أشهرٍ من تاريخ الإيلاء.
وثانيهما : يترتّب عليه في حالة حنثه في اليمين الّتي حلفها.
«أ - حالة الإصرار»
17 - إذا أصرّ المولي على ترك قربان زوجته الّتي حلف ألاّ يقربها كان إصراره هذا داعياً إلى الفرقة بينه وبين زوجته ، لأنّ في هذا الامتناع إضراراً بالزّوجة ، فحمايةً لها من هذا الضّرر ، يكون لها الحقّ في مطالبته بالعودة إلى معاشرتها.
فإن لم يعد إلى معاشرتها حتّى مضت أربعة أشهرٍ فهل يقع الطّلاق بمجرّد مضيّها ؟
يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّ الطّلاق لا يقع بمضيّ أربعة أشهرٍ ، بل للزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ، فيأمر الزّوج بالفيء ، أي الرّجوع عن موجب يمينه ، فإن أبى الفيء أمره بتطليقها ، فإن لم يطلّق طلّقها عليه القاضي.
ويرى فقهاء الحنفيّة أنّ الطّلاق يقع بمجرّد مضيّ أربعة أشهرٍ ، ولا يتوقّف على رفع الأمر إلى القاضي ، ولا حكمٍ منه بتطليقها.
وذلك جزاءً للزّوج على الإضرار بزوجته وإيذائها بمنع حقّها المشروع.
والحكمة الشّرعيّة في إمهاله هذه المدّة المحافظة على علاقة الزّوجيّة ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع النّاس ، فإنّ البعد عن الزّوجة مثل هذا الزّمن فيه تشويق للزّوج إليها ، فيحمله ذلك على وزن حاله معها وزناً صحيحاً ، فإذا لم تتأثّر نفسه بالبعد عنها ، ولم يبال بها سهل عليه فراقها ، وإلاّ عاد إلى معاشرتها نادماً على إساءته مصرّاً على حسن معاشرتها.
وكذلك المرأة فإنّ هجرها من وسائل تأديبها ، فقد تكون سبباً في انصراف الزّوج عنها بإهمالها في شأن زينتها ، أو بمعاملتها إيّاه معاملةً توجب النّفرة منها ، فإذا هجرها هذه المدّة كان هذا زاجراً لها عمّا فرّط منها.
وسبب الخلاف بين الجمهور وبين الحنفيّة يرجع إلى اختلافهم في المراد من التّرتيب الّذي تدلّ عليه « الفاء » في قول اللّه تعالى : «للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم» أهو التّرتيب الحقيقيّ وهو التّرتيب الزّمانيّ.
أي أنّ زمن المطالبة بالفيء أو الطّلاق عقب مضيّ الأجل المضروب ، وهو الأربعة الأشهر أو هو التّرتيب الذّكريّ لا الزّمنيّ ، فتفيد ترتيب المفصّل على المجمل ، وعليه يكون الفيء بعد الإيلاء خلال الأجل المضروب لا بعده ، فإذا انقضى الأجل بدون فيءٍ فيه وقع الطّلاق بمضيّه ؟ فبالأوّل قال الجمهور ، وبالثّاني قال الحنفيّة.(3/12)
فمعنى الآية على رأي الحنفيّة : أنّ للأزواج الّذين يحلفون على ترك وطء زوجاتهم انتظار أربعة أشهرٍ ، فإن فاءوا قبل مضيّ هذه المدّة ، وعادوا إلى وطئهنّ ، فإنّ ذلك يكون توبةً منهم عن ذلك الذّنب الّذي ارتكبوه ، والّذي يترتّب عليه الإضرار بزوجاتهم وإيقاع الأذى بهنّ ، واللّه يغفره لهم بالكفّارة عنه ، وإن أصرّوا على تنفيذ يمينهم وهجر زوجاتهم ، فلم يقربوهنّ حتّى انقضت المدّة المذكورة ، وهي أربعة أشهرٍ ، فإنّ ذلك يكون إصراراً منهم على الطّلاق ، فيكون إيلاؤهم طلاقاً ، فتطلق منهم زوجاتهم بمجرّد انقضاء هذه المدّة من غير حاجةٍ إلى تطليقٍ منهم أو من القاضي ، جزاءً لهم على ضرر زوجاتهم.
ومعنى الآية على رأي الجمهور : أنّ الأزواج الّذين يحلفون على ترك قربان زوجاتهم يمهلون أربعة أشهرٍ ، فإن فاءوا ورجعوا عمّا منعوا أنفسهم منه بعد مضيّ هذه المدّة فإنّ اللّه غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين والعزم على ذلك الضّرر ، وإن عزموا على الطّلاق بعد انقضاء المدّة فإنّ اللّه سميع لما يقع منهم من الطّلاق ، عليم بما يصدر عنهم من خيرٍ أو شرٍّ ، فيجازيهم عليه.
وممّا استدلّ به لمذهب الجمهور ما رواه الدّارقطنيّ في سننه عن سهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه قال : « سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ يولي من امرأته قالوا : ليس عليه شيء حتّى تمضي أربعة أشهرٍ ، فيوقف ، فإن فاء وإلاّ طلّق » .
«نوع الطّلاق الّذي يقع نتيجةً للإيلاء»
18 - إذا وقع الطّلاق نتيجةً للإيلاء ، سواء أكان وقوعه بمضيّ المدّة عند من يقول بذلك من الفقهاء ، أم كان وقوعه بإيقاع الزّوج ، بناءً على أمر القاضي له بالطّلاق ، أو بإيقاع القاضي عند امتناع الزّوج من الطّلاق عند من لا يقول بوقوع الطّلاق بمضيّ المدّة من الفقهاء ، فإنّه يكون طلاقاً بائناً عند الحنفيّة ، وهو المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم.
لأنّه طلاق لدفع الضّرر عن الزّوجة ، ولا يندفع الضّرر عنها إلاّ بالطّلاق البائن ، إذ لو كان رجعيّاً لاستطاع الزّوج إعادتها فلا تتخلّص من الضّرر ، ولأنّ القول بوقوع الطّلاق رجعيّاً يؤدّي إلى العبث ، لأنّ الزّوج إذا امتنع عن الفيء والتّطليق يقدّم إلى القاضي ليطلّق عليه ، ثمّ إذا طلّق عليه القاضي يراجعها ثانياً ، فيكون ما فعله القاضي عبثاً ، والعبث لا يجوز.
وقال مالك والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ أخرى : إنّ الطّلاق الواقع بالإيلاء طلاق رجعيّ ما دامت المرأة قد دخل بها الزّوج قبل ذلك ، لأنّه طلاق لامرأةٍ مدخولٍ بها من غير عوضٍ ولا استيفاء عددٍ ، فيكون رجعيّاً كالطّلاق في غير الإيلاء.
ولم يشترط الشّافعيّة والحنابلة شيئاً لصحّة الرّجعة من المولي ، إلاّ أنّهم قالوا : إنّه إذا ارتجعها - وقد بقيت مدّة الإيلاء - ضربت له مدّة أخرى ، فإن لم يفء طلّق عليه القاضي لرفع الضّرر عن المرأة.
واشترط المالكيّة لصحّة الرّجعة انحلال اليمين عنه في العدّة بالوطء فيها ، أو بتكفير ما يكفّر ، أو بتعجيل الحنث في العدّة ، فإذا لم ينحلّ الإيلاء بوجهٍ من هذه الوجوه فإنّ الرّجعة تكون باطلةً لا أثر لها.(3/13)
«ب - حالة الحنث أو الفيء»
19 - المقصود بالحنث عدم الوفاء بموجب اليمين ، وهو ذلك الوفاء المكروه الّذي يتحقّق بامتناع الزّوج من وطء زوجته الّتي آلى منها قبل أن تمضي المدّة الّتي حلف ألاّ يقربها فيها ، فإذا كانت المدّة الّتي حلف ألاّ يقرب زوجته فيها أكثر من أربعة أشهرٍ ، كخمسة أشهرٍ « مثلاً » ثمّ قربها قبل أن تمضي هذه المدّة ، كان حانثاً في يمينه ، حيث إنّه لم يعمل بمقتضاها ، وهو الامتناع من قربان الزّوجة مدّة خمسة أشهرٍ.
والحنث في اليمين وإن كان غير مرغوبٍ فيه شرعاً ، لكنّه في الإيلاء مستحبّ ، لأنّ فيه رجوعاً عن إيذاء الزّوجة والإضرار بها ، فهو ما ينطبق عليه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها فليأت الّذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه » .
أمّا الفيء فمعناه في الأصل : الرّجوع ، ولذلك يسمّى الظّلّ الّذي يكون بعد الزّوال فيئاً ، لأنّه رجع من المغرب إلى المشرق.
والمراد منه هنا : رجوع الزّوج إلى جماع زوجته الّذي منع نفسه منه باليمين عند القدرة عليه ، أو الوعد به عند العجز عنه.
ووجود الفيء لا يترتّب عليه الحنث في اليمين إلاّ إذا كان بالجماع ، لأنّه هو المحلوف على تركه ، أمّا لو كان الفيء بالقول - كما سيأتي - فلا يترتّب عليه الحنث ، بل تبقى اليمين قائمةً منعقدةً حتّى يوجد الجماع ، فإن حصل منه قبل مضيّ المدّة الّتي حلف الزّوج على ترك وطء زوجته فيها حنث وانحلّت اليمين ، ومن هذا يبيّن أنّ الفيء يكون وجوده سبباً في انحلال الإيلاء وارتفاعه ، وإنّه إن كان بالفعل انحلّ الإيلاء وارتفع في حقّ الطّلاق والحنث جميعاً ، وإن كان بالقول انحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق ، وبقي في حقّ الحنث ، حتّى لو وجد الجماع في الزّمن المحلوف على تركه فيه وجبت الكفّارة وانحلّ الإيلاء بالنّسبة للحنث أيضاً.
«انحلال الإيلاء»
لانحلال الإيلاء سببان : الفيء ، والطّلاق.
«حالة الفيء»
20 - الفيء - كما تقدّم - هو أن يرجع الزّوج إلى معاشرة الزّوجة الّتي آلى منها ، بحيث تعود الحياة الزّوجيّة بينهما إلى ما كانت عليه قبل الإيلاء.
وللفيء طريقان : إحداهما أصليّة ، والأخرى استثنائيّة.
أمّا الأصليّة : فهي الفيء بالفعل.
وأمّا الاستثنائيّة : فهي الفيء بالقول.
«أ - الطّريق الأصليّة في الفيء : الفيء بالفعل»
21 - المراد بالفعل الّذي يكون فيئاً وينحلّ به الإيلاء : إنّما هو الجماع ، ولا خلاف في هذا لأحدٍ من الفقهاء.
قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الفيء الجماع ، ولا يكون ما دون الجماع فيئاً.(3/14)
وينبني على الفيء بالفعل انحلال الإيلاء ، ولزوم مقتضى اليمين ، لأنّه بالجماع يتحقّق الحنث ، واليمين لا يبقى بعد الحنث ، إذ الحنث يقتضي نقض اليمين ، والشّيء لا يبقى مع وجود ما ينقضه.
22 - فإن كانت اليمين قسماً باللّه تعالى أو بصفةٍ من صفاته الّتي يحلف بها ، كعزّة اللّه وعظمته وجلاله وكبريائه ، لزمته كفّارة يمينٍ في قول أكثر أهل العلم ، وعند بعض العلماء لا تجب عليه الكفّارة.
وإن كانت اليمين بتعليق شيءٍ على قربان الزّوجة لزمه ما التزمه من ذلك ، فإن كان المعلّق على القربان طلاقاً أو عتقاً وقع الطّلاق والعتق وقت حصول الفيء ، لأنّ الطّلاق والعتق متى علّق حصوله على حصول أمرٍ في المستقبل ، ووجد المعلّق عليه ، وقع الطّلاق وثبت العتق بمجرّد وجوده ، كما هو مذهب الفقهاء.
وإن كان المعلّق على القربان صلاةً أو صياماً أو حجّاً أو صدقةً ، فإمّا أن يعيّن لأدائه وقتاً أو لا يعيّن.
فإن عيّن للأداء وقتاً كأن يقول : إن قربت زوجتي مدّة خمسة أشهرٍ فعليّ صلاة مائة ركعةٍ في يوم كذا « مثلاً » لزمته الصّلاة في الوقت الّذي عيّنه.
وإن لم يعيّن للأداء وقتاً وجب عليه فعل ما التزمه في أيّ وقتٍ أراد ، ولا إثم عليه في التّأخير ، وإن كان الأفضل الأداء في أوّل وقتٍ يمكنه الأداء فيه خوفاً من انتهاء الأجل قبل أن يؤدّي ما وجب عليه.
«ب - الطّريق الاستثنائيّة في الفيء : الفيء بالقول»
23 - إذا آلى الرّجل من زوجته كان الواجب شرعاً عليه أن يفيء إليها بالفعل ، فإن لم يقدر على الفيء بالفعل لزمه الفيء بالقول.
كأن يقول : فئت إلى زوجتي فلانة ، أو رجعت عمّا قلت ، أو متى قدرت جامعتها ، وما أشبه ذلك من كلّ ما يدلّ على رجوعه عمّا منع نفسه منه باليمين.
والحكمة في تشريع الفيء بالقول : أنّ الزّوج لمّا آذى زوجته بالامتناع عن قربانها ، وعجز عن الرّجوع ، وكان في إعلانه الوعد به إرضاءً لها لزمه هذا الوعد ، ولأنّ المقصود بالفيئة ترك الإضرار الّذي قصده الزّوج بالإيلاء ، وهذا يتحقّق بظهور عزمه على العود إلى معاشرتها عند القدرة.
«شرائط صحّة الفيء بالقول»
24 - لا يصحّ الفيء بالقول إلاّ إذا توافرت فيه الشّرائط الآتية :
«الشّريطة الأولى»
العجز عن الجماع ، فإن كان الزّوج قادراً على الجماع لا يصحّ منه الفيء بالقول ، لأنّ الفيء بالجماع هو الأصل ، إذ به يندفع الظّلم عن الزّوجة حقيقةً ، والفيء بالقول خلف عنه ، ولا عبرة بالخلف مع القدرة على الأصل ، كالتّيمّم مع الوضوء.
والعجز نوعان : عجز حقيقيّ وعجز حكميّ.
والعجز الحقيقيّ ، مثل أن يكون أحد الزّوجين مريضاً مرضاً يتعذّر معه الجماع ، أو تكون المرأة صغيرةً لا يجامع مثلها ، أو تكون رتقاء : وهي الّتي يكون بها انسداد موضع الجماع من الفرج ، بحيث لا يستطاع جماعها ، أو يكون الزّوج مجبوباً : وهو الّذي استؤصل منه عضو التّناسل ، أو يكون عنّيناً : وهو من لا يقدر(3/15)
على الجماع مع وجود عضو التّناسل لضعفٍ أو كبر سنٍّ أو مرضٍ ، أو يكون أحد الزّوجين محبوساً حبساً يحول دون الوصول إلى الجماع ، أو يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدّة الإيلاء.
والعجز الحكميّ ، هو عندما يكون المانع عن الجماع شرعيّاً ، كأن تكون المرأة حائضاً عند انقضاء مدّة التّربّص « هذا عند الفقهاء الّذين يقولون بالفيء بعد انقضاء مدّة الإيلاء » أو يكون الزّوج محرماً بالحجّ وقت الإيلاء من زوجته ، وبينه وبين التّحلّل من الإحرام أربعة أشهرٍ « وهذا عند الفقهاء الّذين يقولون : الفيء لا يكون إلاّ في مدّة الإيلاء » .
فإن كان العجز حقيقيّاً انتقل الفيء من الفعل إلى القول بالاتّفاق ، وإن كان العجز حكميّاً انتقل الفيء من الفعل إلى القول أيضاً عند المالكيّة والحنابلة وفي قولٍ مرجوحٍ للشّافعيّة.
ولا ينتقل عند أبي حنيفة وصاحبيه والشّافعيّ.
وصرّح الشّافعيّة بأنّه يطالب بالطّلاق.
وحجّة القائلين بالانتقال : أنّ العجز الحكميّ كالعجز الحقيقيّ في أصول الشّريعة ، كما في الخلوة بالزّوجة ، فإنّه يستوي فيها المانع الحقيقيّ والمانع الشّرعيّ في المنع من صحّة الخلوة ، فكذلك الفيء في الإيلاء يقوم فيه العجز الحكميّ مقام العجز الحقيقيّ في صحّة الفيء بالقول بدلاً من الفيء بالفعل.
وحجّة القائلين بعدم الانتقال : أنّ الزّوج قادر على الجماع حقيقةً ، والامتناع عنه إنّما جاء بسببٍ منه ، فلا يسقط حقّاً واجباً عليه.
وأيضاً : فإنّ الزّوج هو المتسبّب باختياره فيما لزمه بطريقٍ محظورٍ فلا يستحقّ التّخفيف.
«الشّريطة الثّانية»
دوام العجز عن الجماع إلى أن تمضي مدّة الإيلاء ، فلو كان الزّوج عاجزاً عن الجماع في مبدأ الأمر ، ثمّ قدر عليه في المدّة بطل الفيء بالقول ، وانتقل إلى الفيء بالجماع ، حتّى لو ترك الزّوجة ولم يقربها إلى أن مضت أربعة أشهرٍ بانت منه عند الحنفيّة.
وذلك لما سبق من أنّ الفيء باللّسان بدل عن الفيء بالجماع ، ومن قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل حكم البدل ، كالمتيمّم إذا قدر على الماء قبل أداء الصّلاة.
وإذا آلى الرّجل من زوجته وهو صحيح ، ثمّ مرض ، فإن مضت عليه مدّة وهو صحيح يمكنه الجماع فيها ، فلا يصحّ فيئه بالقول ، لأنّه كان قادراً على الجماع مدّة الصّحّة ، فإذا لم يجامع مع القدرة عليه يكون قد فرّط في إيفاء حقّ زوجته ، فلا يعذر بالمرض الحادث.
أمّا إذا لم تكن مضت عليه مدّة - وهو صحيح يمكنه الجماع فيها - فإنّ فيئه بالقول يكون صحيحاً ، لأنّه إذا لم يقدر على الجماع في مدّة الصّحّة لقصرها ، لم يكن مفرّطاً في ترك الجماع ، فكان معذوراً.
هذا ما صرّح به الحنفيّة ، وهو ما يفهم من عبارات المذاهب الأخرى.(3/16)
«الشّريطة الثّالثة»
قيام النّكاح وقت الفيء بالقول ، وذلك بأن يكون الفيء حال قيام الزّوجيّة ، وقبل حصول الطّلاق البائن من الزّوج.
أمّا لو آلى الرّجل من زوجته ، ثمّ أوقع عليها طلاقاً بائناً ، وفاءً بالقول لم يكن ذلك فيئاً ، وبقي الإيلاء ، لأنّ الفيء بالقول حال قيام النّكاح إنّما يرفع الإيلاء في حقّ حكم الطّلاق ، لإيفاء حقّ الزّوجة بهذا الفيء ، والمطلّقة بائناً ليس لها الحقّ في الجماع ، حتّى يكون الرّجل مضرّاً بها بالامتناع عن جماعها ، ووقوع الطّلاق بالإيلاء كان لهذا السّبب ، ولم يوجد ، فلا يقع عليها طلاق بمضيّ المدّة ، لكن يبقى الإيلاء ، لأنّه لم يوجد ما يرفعه وهو الحنث ، ولهذا لو تزوّجها ومضت مدّة الإيلاء بعد الزّواج من غير فيءٍ وقع عليها الطّلاق عند الحنفيّة ، وأمر بالفيء إليها أو طلاقها عند الجمهور ، وهذا بخلاف الفيء بالفعل ، فإنّه يصحّ بعد زوال النّكاح وثبوت البينونة بسببٍ آخر ، كالخلع أو الطّلاق على مالٍ ، فإنّه بالفيء بالفعل - وإن كان محرماً - يبطل الإيلاء ، لأنّه إذا وطئها حنث في يمينه ، وبالحنث تنحلّ اليمين ويبطل الإيلاء ، ولكن لا ترجع المرأة إلى عصمته ، ويعتبر آثماً بالوطء في عدّة البينونة.
«وقت الفيء»
25 - تقدّم أنّ المولي يلزمه شرعاً أن يرفع الضّرر عن الزّوجة الّتي آلى منها ، وطريق رفع الضّرر عنها يكون بالفيء ، والفيء له طريقان : إحداهما أصليّة وهي : الفعل ، وثانيتهما استثنائيّة وهي : القول.
وسواء أكان الفيء بالفعل أم بالقول فإنّ له وقتاً تختلف آراء الفقهاء فيه على الوجه الآتي : يرى الحنفيّة أنّ الفيء يكون في مدّة الإيلاء ، وهي الأربعة الأشهر.
فإن حصل الفيء فيها ، وكان الفيء بالفعل ، حنث الزّوج في يمينه ، وانحلّ الإيلاء بالنّسبة للطّلاق ، حتّى لو مضت أربعة أشهرٍ لا تبين الزّوجة.
وإن حصل الفيء بالقول انحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق ، وبقي في حقّ الحنث ، حتّى لو فاء الزّوج بالقول في المدّة ، ثمّ قدر على الجماع بعد المدّة وجامعها ، لزمته الكفّارة ، لأنّ وجوب الكفّارة معلّق بالحنث ، والحنث هو فعل المحلوف عليه ، والمحلوف عليه هو الجماع ، فلا يحصل الحنث بدونه.
وإن لم يحصل الفيء في مدّة الإيلاء بالفعل ولا بالقول ، وقع الطّلاق بمضيّها عند الحنفيّة كما تقدّم.
ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّ الفيء يكون قبل مضيّ الأربعة الأشهر ، ويكون بعدها ، إلاّ أنّه إن حصل الفيء قبل مضيّ هذه المدّة فالحكم كما سبق في الكلام على مذهب الحنفيّة ، وإن حصل الفيء بعد مضيّها ارتفع الإيلاء في حقّ الطّلاق وفي حقّ الحنث جميعاً.
وكذا إن حدّد مدّةً في يمينه ففاء بعد مضيّها.
أمّا إن كان الفيء قبل مضيّها ، فإنّ الزّوج يحنث في يمينه ، وتلزمه كفّارة اليمين إن كان اليمين قسماً ، ويلزمه ما التزمه إن لم يكن اليمين قسماً ، عند من يرى صحّة الإيلاء في حالتي القسم والتّعليق.(3/17)
ومنشأ الاختلاف بين الفقهاء في ذلك يرجع إلى اختلافهم في فهم قول اللّه تعالى : «لِلّذين يُؤْلُون من نسائهم تَرَبُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإنْ فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ» ، هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها ؟ وقد بيّنّا ذلك فيما تقدّم.
«حالة الطّلاق»
«أوّلاً : الطّلاق الثّلاث»
26 - إذا آلى الرّجل من زوجته ، وكان الإيلاء مطلقاً عن التّقييد بمدّةٍ ، أو كان مؤبّداً ، ولم يجامعها ، بل طلّقها في مدّة الإيلاء ثلاثاً بكلمةٍ واحدةٍ ، أو طلّقها طلقةً واحدةً - وكانت المكمّلة للثّلاث - ارتفع الإيلاء في حقّ الطّلاق عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ومالكٍ ، وهو أظهر أقوالٍ ثلاثةٍ للإمام الشّافعيّ.
وقال أحمد وزفر من الحنفيّة ، والشّافعيّ في قولٍ ثانٍ من أقواله الثّلاثة : لا يرتفع الإيلاء بالطّلاق الثّلاث.
وعلى هذا لو تزوّجت المرأة رجلاً آخر ، ثمّ عادت إلى الزّوج الأوّل المولي منها ، ومضت أربعة أشهرٍ من وقت زواجها به ولم يجامعها ، لا يقع عليها شيء عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ولا يطالب بالفيء أو الطّلاق إن لم يفئ عند مالكٍ والشّافعيّ في قوله الموافق لأبي حنيفة وصاحبيه.
أمّا عند أحمد والشّافعيّ « في أحد أقواله » فللزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ، والقاضي يقف الزّوج ، فإمّا أن يفيء أو يطلّق ، فإن لم يفعل طلّق عليه القاضي.
وعند زفر من الحنفيّة : يقع عليها طلاق بائن بمضيّ أربعة أشهرٍ من وقت زواجها به من غير وقاعٍ.
وحجّة الأوّلين : أنّ الحلّ الثّابت بالزّواج الأوّل قد زال بالكلّيّة بالطّلاق الثّلاث ، والحلّ الحاصل بالزّواج الثّاني حلّ جديد ، ولهذا يملك فيه الزّوج ثلاث طلقاتٍ ، فصار إيلاؤه في الزّواج الأوّل كإيلائه من امرأةٍ أجنبيّةٍ.
وحجّة الآخرين : أنّ اليمين صدرت مطلّقةً غير مقيّدةٍ بالحلّ الّذي كان قائماً وقت صدورها ، وعلى هذا توجد اليمين عندما يتحقّق حلّ المرأة للرّجل ، بلا فرقٍ بين الحلّ الّذي كان موجوداً عند صدورها ، وبين الحلّ الّذي وجد بعد زوال الحلّ الأوّل.
فإذا عادت المرأة إلى الزّوج الّذي آلى منها صدق عليه أنّه ممتنع من جماع امرأته بناءً على يمينه ، فيثبت له حكم الإيلاء كما لو لم يطلّق.
أمّا الإيلاء في حقّ الحنث ، فإنّه باقٍ بعد الطّلاق الثّلاث عند هؤلاء الفقهاء جميعاً.
وعلى هذا لو آلى الرّجل من زوجته إيلاءً مطلقاً عن التّقييد بمدّةٍ ، أو مؤبّداً ، ولم يجامعها ، ثمّ طلّقها ثلاثاً ، وعادت إليه بعد أن تزوّجت رجلاً آخر ، ثمّ جامعها حنث في يمينه ، ولزمته كفّارة اليمين إن كانت اليمين قسماً ، ولزمه ما علّقه على جماعها إن لم تكن اليمين قسماً ، لأنّ اليمين إذا كانت لها مدّة فإنّها تبقى ما بقيت هذه المدّة ، ولا تبطل إلاّ بالحنث ، وهو فعل المحلوف عليه قبل مضيّ مدّة اليمين ، أو بمضيّ هذه المدّة بدون حنثٍ.(3/18)
وإن كانت اليمين مطلقةً لم تقيّد بمدّةٍ ، أو ذكرت فيها كلمة الأبد ، فإنّها لا تبطل إلاّ بالحنث ، وهو فعل الشّيء المحلوف على تركه « وهو في الإيلاء الجماع » فإذا لم يوجد الحنث فاليمين باقية.
«ثانياً : بقاء الإيلاء بعد البينونة بما دون الثّلاث»
27 - إذا آلى الرّجل من زوجته ، وكان الإيلاء مؤبّداً أو مطلقاً عن التّوقيت ، بأن قال : واللّه لا أقرب زوجتي أبداً ، أو قال : واللّه لا أقرب زوجتي ولم يذكر وقتاً ، ثمّ أبانها بما دون الثّلاث ، وتزوّجها بعد ذلك ، كان الإيلاء باقياً عند الفقهاء جميعاً ، ما عدا الشّافعيّ في أحد أقواله الثّلاثة ، فإنّ الإيلاء ينتهي عنده بالطّلاق البائن بما دون الثّلاث ، كما ينتهي بالطّلاق الثّلاث.
وبناءً على رأي الجمهور من الفقهاء في بقاء الإيلاء بعد البينونة بما دون الثّلاث ، لو مضت أربعة أشهرٍ من وقت الزّواج ولم يجامعها ، وقعت طلقةً بائنةً عند الحنفيّة.
وعند المالكيّة والحنابلة ومن وافقهم : يؤمر بالفيء ، فإن أبى ولم يطلّق ، طلّق عليه القاضي.
وكذلك لو تزوّجها بعدما وقع عليها الطّلاق الثّاني ، ومضت أربعة أشهرٍ لم يقربها فيها منذ تزوّجها : وقعت عليها طلقة ثالثة عند أئمّة الحنفيّة.
أمّا عند غيرهم فيؤمر بالفيء أو الطّلاق ، فإن لم يفء أو يطلّق طلّق عليه القاضي ، وبهذا تصير المرأة بائنةً بينونةً كبرى ، ويبقى الإيلاء في حقّ الحنث باتّفاق الفقهاء ، وكذلك في حقّ الطّلاق عند أحمد وزفر من الحنفيّة ، وينحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق عند أبي حنيفة وصاحبيه ومالكٍ على ما تقدّم.
ولو أبان الزّوج زوجته الّتي آلى منها إيلاءً مطلقاً أو مؤبّداً بما دون الثّلاث ، وتزوّجت برجلٍ آخر ، ودخل بها ، ثمّ عادت إلى الأوّل عاد حكم الإيلاء من غير خلافٍ بين الجمهور من الفقهاء كما تقدّم.
إنّما الاختلاف بينهم فيما تعود به إلى الزّوج الأوّل : فعند أبي حنيفة وأبي يوسف تعود بثلاث تطليقاتٍ ، وعند مالكٍ والشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايتين عنه تعود إليه بما بقي ، وهو قول محمّد بن الحسن من الحنفيّة.
وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ الزّواج الثّاني هل يهدم الطّلقة والطّلقتين كما يهدم الثّلاث ، أو لا يهدم إلاّ الثّلاث ؟ فعند الأوّلين يهدم الطّلقة والطّلقتين كما يهدم الثّلاث ، وعند الآخرين لا يهدم إلاّ الثّلاث.
وحجّة الفريق الأوّل : أنّ الزّواج الثّاني إذا هدم الطّلاق الثّلاث ، وأنشأ حلّاً كاملاً ، فأولى أن يهدم ما دون الثّلاث ، ويكمل الحلّ النّاقص.
وحجّة الفريق الثّاني : أنّ الحلّ الأوّل لا يزول إلاّ بالطّلاق الثّلاث ، فإذا طلّق الرّجل زوجته واحدةً أو اثنتين لم تحرم عليه ، وحلّ له التّزوّج بها ، فلو تزوّجت بغيره ودخل بها ثمّ عادت إليه بعد ذلك ، عادت إليه بالحلّ الأوّل ، فلا يملك عليها إلاّ ما بقي من الطّلاق الّذي كان ثابتاً له في ذلك الحلّ.
ـــــــــــــــــــ
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 310)(3/19)
كِتَابُ الْإِيلَاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ ، فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا وَجَعَلَ فِي الْيَمِينِ الْكَفَّارَةَ } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا وَأَنَّهُ أَصَحُّ ) .
2890 - ( وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ ، يَعْنَى الْمُولِيَ .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَقَالَ : وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَنْ عُمَرَ : يُوقَفُ الْمُولِي بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ ) .
2891 - ( وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَقِفُونَ الْمُولِيَ .
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ) .
2892 - ( وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلْت اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ يُولِي ، قَالُوا : لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيُوقَفُ ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ )
الشَّرْحُ
حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَلَكِنَّهُ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إرْسَالَهُ عَلَى وَصْلِهِ .
وَأَثَرُ عُمَرَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ .
وَأَثَرُ عُثْمَانَ وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ { يُوقَفُ الْمُولِي فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ } وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنْهُ ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ نَظَرٌ ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْإِيلَاءَ شَيْئًا وَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى يُوقَفَ .
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ ، وَلَفْظُهُ " قَالَ عُثْمَانُ : إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ " وَقَدْ رَجَّحَ أَحْمَدُ رِوَايَةَ طَاوُسٍ عَنْهُ وَأَثَرُ عَلِيٍّ وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ : " أَنَّهُ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ حَتَّى يُوقَفَ ، فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ " وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ .
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَأَثَرُ أَبِي الدَّرْدَاءَ وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَلَفْظُهُ : " إنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ : يُوقَفُ فِي الْإِيلَاءِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، فَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ وَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَأَثَرُ عَائِشَةَ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهَا ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى الْإِيلَاءَ شَيْئًا حَتَّى يُوقَفَ ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .(3/20)
وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهَا نَحْوَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَيْضًا وَأَمَّا الْآثَارُ الْوَارِدَةُ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مَوْصُولَةً .
وَأَثَرُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : " أَدْرَكْت بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : الْإِيلَاءُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا حَتَّى يُوقَفَ " وَأَثَرُ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا : أَخْبَرْنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ، أَخْبَرْنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، أَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ .
وَأَخْرَجَ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَدْرَكْنَا النَّاسَ يَقِفُونَ الْإِيلَاءَ إذَا مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَفِي الْبَابِ مِنْ الْمَرْفُوعِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ } الْحَدِيثَ .
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِهِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا } وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْرًا } قَوْلُهُ : ( آلَى ) الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ : الْحَلِفُ .
وَفِي الشَّرْعِ : الْحَلِفُ الْوَاقِعُ مِنْ الزَّوْجِ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ .
وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ قَالَ : الْإِيلَاءُ : الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ كَلَامِهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَغِيظَهَا أَوْ يَسُوءَهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
وَنُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْإِيلَاءُ إيلَاءً إلَّا أَنْ يَحْلِفَ الْمَرْءُ بِاَللَّهِ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يُضَارَّ بِهِ امْرَأَتَهُ مِنْ اعْتِزَالِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ لَمْ يَكُنْ إيلَاءً .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ لَا إيلَاءَ إلَّا فِي غَضَبٍ ، فَأَمَّا مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ الَّذِي يَرْضَعُ مِنْهَا مِنْ الْغِيلَةِ فَلَا يَكُونُ إيلَاءً وَرُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ كَلَّمْتُكِ سَنَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، قَالَا : إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يُكَلِّمْهَا طَلُقَتْ .
وَإِنْ كَلَّمَهَا قَبْلَ سَنَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ .
وَرُوِيَ عَنْ يَزَيْدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ : " مَا فَعَلَتْ امْرَأَتُك فَعَهْدِي بِهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ فَقَالَ : لَقَدْ خَرَجَتْ وَمَا أُكَلِّمُهَا ، قَالَ : أَدْرِكْهَا قَبْلَ أَنَّ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، فَإِنْ مَضَتْ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ " قَوْلُهُ : ( وَحَرَّمَ ) فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْعَسَلُ .
وَقِيلَ : تَحْرِيمُ مَارِيَةَ وَسَيَأْتِي .
وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ مَا يُفِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } الْآيَةَ .
وَمُدَّةُ إيلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرٌ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ .
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الْإِيلَاءِ ، فَقِيلَ : سَبَبُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ .(3/21)
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي بَيَانِهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا قَالُوا : فَإِنْ حَلَفَ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا كَانَ إيلَاءً ، وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِثْلُهُ .
وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مَضَارَّةُ الزَّوْجَةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي دُونِهَا .
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُدَّةُ الَّتِي تُضْرَبُ لِلْمُولِي ، فَإِنْ فَاءَ بَعْدهَا وَإِلَّا طَلَّقَ حَتْمًا ، لَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ بِدُونِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالُوهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إيلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَا فِي الْقُرْآنِ بَيَانًا لِمِقْدَارِ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْإِيلَاءُ دُونَهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ .
وَأَيْضًا الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ ، فَالْحَالِفُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مُولٍ .
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ سَمَّى أَجَلًا أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ ، فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُلْزِمَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ .
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا اللَّيْلَةَ ، فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ أَجْلِ يَمِينِهِ تِلْكَ فَهُوَ إيلَاءٌ .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ إيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ ، فَوَقَّتَ اللَّهُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، فَمَنْ كَانَ إيلَاؤُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ قَوْلُهُ : ( فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ ) الْفَيْءُ : الرُّجُوعُ ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ عَنْهُ ، قَالَ : الْفَيْءُ : الرُّجُوعُ بِاللِّسَانِ .
وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ : الْفَيْءُ : الرُّجُوعُ بِالْقَلْبِ لِمَنْ بِهِ مَانِعٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْجِمَاعِ .
وَحَكَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالْفَرِيقَيْنِ .
وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : الْفَيْءُ : الْجِمَاعُ .
وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ مَسْرُوقٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ .
قَالَ الطَّبَرِيُّ : اخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَا مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْإِيلَاءِ ، فَمَنْ خَصَّهُ بِتَرْكِ الْجِمَاعِ قَالَ : لَا يَفِيءُ إلَّا بِفِعْلِ الْجِمَاعِ .
وَمَنْ قَالَ : الْإِيلَاءُ : الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ كَلَامِ الْمَرْأَةِ أَوْ عَلَى أَنْ يَغِيظَهَا أَوْ يَسُوءَهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْفَيْءِ الْجِمَاعَ ، بَلْ رُجُوعُهُ بِفِعْلِ مَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ : فَرْعٌ : وَلَفْظُ الْفَيْءِ : نَدِمْتُ عَلَى يَمِينِي وَلَوْ قَدَرْتُ الْآنَ لَفَعَلْتُ أَوْ رَجَعْتُ عَنْ يَمِينِي وَنَحْوِهِ ، انْتَهَى .
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَا يُطَالَبُ بِالْفَيْءِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ .(3/22)
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ : إنَّهُ يُطَالَبُ فِيهَا لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ { فَإِنْ فَاءُوا } فِيهِنَّ قَالُوا : وَإِذَا جَازَ الْفَيْءُ جَازَ الطَّلَبُ إذْ هُوَ تَابِعٌ .
وَيُجَابُ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَبِنَصِّ { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ التَّرَبُّصَ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَا يَجُوزُ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ قَبْلَهَا ، وَاخْتِيَارُهُ لِلْفَيْءِ قَبْلَهَا إبْطَالٌ لِحَقِّهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِ غَيْرِهِ .
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ مِنْ الزَّوْجِ فِي الْإِيلَاءِ يَكُونُ رَجْعِيًّا ، وَهَكَذَا عِنْدَ مَنْ قَالَ : إنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ يَكُونُ طَلَاقًا وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَفِئْ طَلُقَتْ طَلْقَةً بَائِنَةً .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ كَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَبِيعَةَ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً .
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهَا تَطْلُقُ بَائِنًا .
وَرَوَى إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ .
ـــــــــــــــــــ
الروضة الندية - (ج 2 / ص 297)
باب الإيلاء
هو أن يحلف الزوج من جميع نسائه أو بعضهن لا أقربهن وهو ظاهر .
فإن وقت بدون أربعة أشهر اعتزل حتى ينقضي ما وقت به لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهراً ثم دخل بهن بعد ذلك .
وإن وقت بأكثر منها خير بعد مضيها بين أن يفىء أو يطلق لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية . وقد أخرج البخاري عن ابن عمر قال : إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق قال البخاري : ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثنى عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج الدارقطني عن سليمان ابن يسار قال : أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقفون المولى . وأخرج أيضاً عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت اثنى عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يولي قالوا : ليس عليه شئ حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق . قال في المسوى : إختلفوا فيما إذا انقضت أربعة أشهر وهو لم يفيء . قال الشافعي : لا يقع الطلاق بمضيها بل يوقف فإما أن يفيء ويكفر عن يمينه أو يطلق ، فإن طلق فيها وإلا طلق عليه السلطان . وقال أبو حنيفة : إذا مضت أربعة أشهر وقعت عليها طلقة بائنة . وقال سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن : يقع عليها طلقة رجعية انتهى .
قال الماتن : وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً . قالوا : فإن حلف على أنقص لم يكن مولياً واحتجوا بالآية وهي لا تدل(3/23)
على مطلوبهم لأنها لبيان المدة التي تضرب للمولى ليفئ بعدها أو يطلق ، وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم الإيلاء شهراً ودخل على نسائه بعده ، فلو كان الإيلاء دون أربعة أشهر جماعة من أهل العلم وهو الحق . وأما لزوم الحد إذا نكلت فقد أوضح ابن القيم في الهدي هذا البحث بما لا مزيد عليه فليراجع فإنه لا يستغني عنه . قال في المسوى : إيلاء العبد نحو إيلاء الحر وهو عليه واجب ، وإيلاء العبد شهران قلت : وعليه مالك ، أن مدة الإيلاء تنتصف برق الرجل . وقال أبو حنيفة : مدة الإيلاء تنتصف برق المرأة وقال الشافعي : الحر والعبد في مدة الإيلاء سواء انتهى ـــــــــــــــــــ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 276)
الإيلاء:
المبحث الأول
- التعريف وركنه وألفاظه وشروطه:
الإيلاء لغة عبارة عن اليمين مطلقاً. يقال: آلى يولي إيلاء إذا حلف سواء كان على ترك قربان زوجته أو غيره.
وفي الشريعة عبارة عن حلف الزوج على ترك قربان امرأته أربعة أشهر سواء كان حلفاً بالله أو بتعليق القربان على فعل يشق على النفس إتيانه.
قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226-227].
- ركن الايلاء:
يوجد الايلاء بالعبارة الدالة على منع الزوج نفسه من قربان زوجته أربعة أشهر فأكثر منعاً مؤكداً باليمين بالله أو بصفة من صفاته أو بالتزام ما يشق عليه إثباته. كأن يقول: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو وقدرة الله لا أقربك عاماً، أو لا أقربك أبداً، وكذلك لو أطلق عن التقييد بزمن: كوالله لا أقربك، لأن الإطلاق ينصرف إلى التأبيد، ومثل ذلك لو قال: إن قاربتك في هذا العام فعلي صوم شهرين متتابعين أو حج أو صلاة ألف ركعة مثلاً، ففي كل هذه الصور يكون مولياً يلزمه حكم الإيلاء.
وعلى ذلك لا يكون مولياً من حلف على تركها أقل من أربعة أشهر، أو قال لها : لا أقربك أربعة أشهر دون أن يلتزم بأمر يشق عليه، لأن الشرط لتحققه كون المنع مدة لا تقع عن أربعة أشهر مع تأكيده باليمين أو بالتزام أمر يشق عليه، فإذا خلا من أحدهما لا يكون إيلاء، هذا عند الحنفية.
وذهب مالك والشافعي والحنبلي إلى خلاف الحنفية في المدة فشرطوا أن تكون أكثر من أربعة أشهر أو مطلقة عن التقييد.
لأن الآية وضعت لعدم قربان المرأة حداً لا ينبغي للزوج أن يتعداه وهو الأربعة الأشهر وهو لا يطالب فيها بشيء فلا بد أن يزيد عليها ليطالب فيها بالفيء أو الطلاق.
كما خالفهم الحنابلة في المؤكد فشرطوا أن يكون بإسم الله أو بصفة من صفاته، فمن حلف بالطلاق أو التزم ما يشق عليه لا يكون مولياً، لأنه لا يمين إلا ما عده الشارع يميناً، ولأن الحلف عند إطلاقه ينصرف إلى القسم الذي تعورف في عصر نزول(3/24)
الوحي أنه يمين تلزم الكفارة بالحنث فيه " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين... الآية.
- ألفاظه:
تتنوع ألفاظ الإيلاء إلى نوعين صريح وكناية.
فالصريح: هو ما دل على المقصود من غير احتمال شيء آخر، نحو والله لا أقربك. أو لا أجامعك، أو لا أغتسل لك من جنابة وما شاكل ذلك، وهذا يكون إيلاء ولا يصدق في أنه قصد به شيئاً آخر.
والكناية: ما احتمل معنى آخر، نحو لا أغشاك، ولا أمسّك، ولا أدخل عليك، ولا أجمع رأسي ورأسك، وهذا لا يكون إيلاء إلا بالنية، فلو ادعى أنه أراد به غير المخالطة صدق قضاءً.
وكما يكون باللفظ المنجز يكون بالمعلق على حدوث أمر آخر، وبالمضاف إلى زمن مستقبل، وتبدأ مدة الإبلاء في المنجز عقب التلفظ به وفي المعلق من وقت تحقق الشرط، وفي المضاف لزمن بدخول أول لحظة منه عند الحنفية والشافعية والمالكية.
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يكون إلا منجزاً.
- شروط الإيلاء:
-1 يشترط في المولي "الزوج" أن يكون بالغاً عاقلاً قادراً على المخالطة الجنسية، وبعبارة أخرى أن يكون أهلاً للطلاق عند أبي حنيفة.
-2 يشترط في المولي منها: أن تكون زوجة حقيقة أو حكماً بأن تكون في عدة الطلاق الرجعي عند الحنفية، لأن كلاً منهما يحل مخالطتها حتى صحت الرجعة بالفعل باتفاقهم.
وتبتدئ المدة من وقت الحلف وتحتسب مدة العدة منها. فإن انتهت العدة قبل مدة الإيلاء سقط لفوات محله، وإن امتدت العدة إلى نهاية مدة الإيلاء كان صحيحاً وطبق الحكم عليه، وامتداد العدة يتصور فيما إذا كانت عدتها بالقروء وامتد بها الطهر فطالت مدة الحيضات الثلاث حتى نهاية الأشهر الأربعة.
وقد يراجعها أثناء العدة فيعتمد الإيلاء إلى ما بعد الرجعة فيما إذا اعتدت بالأشهر، أما المعتدة من طلاق بائن فلا يصح الإيلاء منها باتفاقهم، لأنه لا يحل له قربانها حتى يحلف على امتناعه منه، ولأنها ليست من نسائه حتى تدخل تحت قوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ... [البقرة: 226] الآية.
ولم يشترط الحنفية في المرأة المولى منها أكثر من هذا، فيصح الإيلاء من الزوجة دخل بها أو لم يدخل بها صغيرة كانت أو كبيرة يمكن مخالطتها أو لا كأن كانت قرناء أو رتقاء أو في مكان بعيد لا يمكنه الوصول إليها في مدة الإيلاء، قالوا: والفيء في هذه الأحوال التي يتعذر فيها المقاربة يكون بالقول وهو قول مالك.
المبحث الثاني
حكم الإيلاء
إذا حلف الرجل على عدم قربان زوجته على الوجه السابق فإما أن يفيء إليها بأن يفعل المحلوف عليه في مدة الإيلاء أو لا يفعل.(3/25)
فإن فعل قبل مضي الأشهر الأربعة بطل الإيلاء ولزمه كفارة اليمين إن كان الحلف باسم الله أو بصفة من صفاته، أو الوفاء بما التزم من صلاة أو صوم أو حج أو تصدق.
هذا إذا كان يقدر على مقاربتها، فإن كان عاجزاً عنها من وقت الإيلاء لعذر كمرضه أو مرضها أو صغرها أو بعده عنها وامتد عجزه إلى آخر مدة الإيلاء يكون فيئه بالقول، كأن يقول: فئت إلى زوجتي أو رجعت عما قلت، وبهذا القول ينحل يمينه بالنسبة للطلاق فلا يقع بمضي المدة بدون مخالطة، كما أنه لا تلزمه كفارة اليمين ولا الأمر الملتزم به بالتعليق لأن المحلوف عليه لم يقع منه فلا حنث، وإنما اعتبر الفيء بالقول لأن وقوع الطلاق لرفع الظلم عنها، وعند العجز يكفي رفع الظلم بالقول حيث لا يستطيع سواه.
وإن لم يفعل ولم يقل ذلك القول حتى انتهت المدة كان باراً في يمينه فلا كفارة عليه ولكنها تطلق منه طلقة بائنة بمضي المدة عند الحنفية، ولا يحتاج الطلاق لإيقاع منه أو لحكم القاضي به، وبعد وقوع الطلاق ينتهي الإيلاء إذا كان عين هذه المدة عند الحلف.
وإنما وقع بائناً عندهم لأن وقوعه هنا لتخليص المرأة من الظلم، والرجعي لا يفيد ذلك حيث يملك مراجعتها ثم يعيد الإيلاء وتتكرر المسألة فلا يخلصها إلا البينونة.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى موافقة الحنفية في أن الفيء في المدة ينهي الإيلاء ويلزمه الكفارة لهذا الحنث، ولكنهم خالفوهم في وقوع الطلاق بمضي المدة.
فذهبوا إلى أن الزوج إذا لم يفيء إلى زوجته بعد انقضاء الشهور الأربعة فعليه الطلاق، فإن طلق انتهى الأمر، وإن أبى الطلاق طلق عليه القاضي جبراً إذا طلبت الزوجة ذلك والطلاق الواقع هنا رجعي سواء كان من الزوج أو القاضي، لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً حتى يكون من الشارع ما يدل على أنه بائن.
فهم يخالفون الحنفية في أمرين. في أن الطلاق لا يقع بمضي المدة بل لا بد من إيقاعه من أحدهما، وفي أن الطلاق لا يكون بائناً.
ـــــــــــــــــــ
المحلى لابن حزم - (ج 5 / ص 485)
أَحْكَامُ الإِيلاَء
1889 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَنْ لاَ يَطَأَ امْرَأَتَهُ , أَوْ أَنْ يَسُوءَهَا , أَوْ أَنْ لاَ يَجْمَعَهُ , وَإِيَّاهَا فِرَاشٌ , أَوْ بَيْتٌ , سَوَاءً قَالَ ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ فِي رِضًا لِصَلاَحِ رَضِيعِهَا , أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ فَسَوَاءٌ وَقَّتَ وَقْتًا سَاعَةً فَأَكْثَرَ إلَى جَمِيعِ عُمْرِهِ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ : الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ. وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوقِفَهُ , وَيَأْمُرَهُ بِوَطْئِهَا , وَيُؤَجِّلَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ يَحْلِفُ , سَوَاءً طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَطْلُبْ , رَضِيَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْضَ. فَإِنْ فَاءَ فِي دَاخِلِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ , وَإِنْ أَبَى لَمْ يَعْتَرِضْ حَتَّى تَنْقَضِيَ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ , فَإِذَا تَمَّتْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالسَّوْطِ عَلَى أَنْ يَفِيءَ فَيُجَامِعَ أَوْ يُطَلِّقَ , حَتَّى يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا , كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ يَمُوتَ قَتِيلَ الْحَقِّ إلَى مَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا ، عَنِ الْجِمَاعِ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَصْلاً , فَلاَ يَجُوزُ تَكْلِيفُهُ(3/26)
مَا لاَ يُطِيقُ , لَكِنْ يُكَلَّفُ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ , وَيُحْسِنَ الصُّحْبَةَ , وَالْمَبِيتَ عِنْدَهَا , أَوْ يُطَلِّقَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ , فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلاَقُ غَيْرِهِ , وَسَوَاءٌ اسْتَثْنَى فِي يَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَثْنِ. وَمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ حُكْمُ الإِيلاَءِ , لَكِنْ
يُجْبَرُ عَلَى وَطْئِهَا كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. وَمَنْ حَلَفَ فِي ذَلِكَ بِطَلاَقٍ , أَوْ عِتْقٍ , أَوْ صَدَقَةٍ , أَوْ مَشْيٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ مُؤْلِيًا , وَعَلَيْهِ الأَدَبُ , لأََنَّهُ حَلَفَ بِمَا لاَ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فَهَذِهِ الآيَةُ تَقْتَضِي كُلَّ مَا
قلنا , لأََنَّ الأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ.
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَحْلِفْ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ , فَلَيْسَ حَالِفًا , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مَنْ وَقَّتَ مِمَّنْ لَمْ يُوَقِّتْ , وَلاَ مَنْ اسْتَثْنَى مِمَّنْ لَمْ يَسْتَثْنِ , وَلاَ مَنْ طَلَبَتْهُ امْرَأَتُهُ مِمَّنْ لَمْ تَطْلُبْهُ , وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَبْدِهِ لاَ لَهَا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ وَالآبِي مِنْ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلاَقِ بَعْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ : مُعْلِنٌ بِالْمُنْكَرِ , فَوَاجِبٌ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ مَا دَامَ مُظْهِرًا لِلْمُنْكَرِ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَارَضَ بِشَيْءٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ , لأََنَّهُ نَصُّ الآيَةِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَهَجَرَهُنَّ كُلَّهُنَّ شَهْرًا ثُمَّ رَاجَعَهُنَّ , فَمَنْ فَعَلَ كَذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا فَاءَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ. وَالْعَاجِزُ ، عَنِ الْجِمَاعِ إذَا حَلَفَ مُؤْلٍ مِنْ امْرَأَتِهِ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ جِمَاعًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُكَلَّفَ مِنْ الْفَيْئَةِ مَا يُطِيقُ , وَهُوَ مُطِيقٌ عَلَى الْفَيْئَةِ بِلِسَانِهِ , وَمُرَاجَعَتُهُ مَضْجَعُهَا , وَحُسْنُ صُحْبَتِهَا.
وَقَالَ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فَمَنَعَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ عَزِيمَتَهُ الطَّلاَقَ. فَصَحَّ أَنَّ طَلاَقَ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فُضُولٌ , وَبَاطِلٌ , وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ , أَوْ أَنْ يَفِيءَ عَنْهُ غَيْرُهُ , وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ عَلَى مَنْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ , لاَ عَلَى مَنْ آلَى مِمَّنْ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ , وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ الْحُكْمُ حِينَ كَوْنِ مَا يُوجِبُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ , إِلاَّ بِنَصٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الإِيلاَءِ , لأََنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ , قَدْ رَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْهِجْرَةَ بِلاَ يَمِينٍ لَهُ حُكْمُ الإِيلاَءِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ : أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ : مَا فَعَلَتْ أَهْلُكَ عَهْدِي بِهَا لَسُنَّةٌ سَيِّئَةُ الْخَلْقِ قَالَ :(3/27)
أَجَلْ وَاَللَّهِ لَقَدْ خَرَجَتْ وَمَا أُكَلِّمُهَا , فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : عَجِّلْ السَّيْرَ , أَدْرِكْهَا قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , فَإِنْ مَضَتْ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ. وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : الإِيلاَءُ هُوَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لاَ يَأْتِيَهَا أَبَدًا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الإِيلاَءَ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ عَلَى الْجِمَاعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ , فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَيْسَ إيلاَءٌ. وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا بَعْضُ السَّلَفِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , قَالَ : إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ لَيَغِيظَنَّهَا , أَوْ لَيَسُؤَنَّهَا , أَوْ لَيَحْرِمَنَّهَا , أَوْ لاَ يَجْمَعُ رَأْسَهُ وَرَأْسَهَا : فَهُوَ إيلاَءٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : كُلُّ يَمِينٍ حَالَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ إيلاَءٌ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي الأَيْمَانِ بَعْضُ السَّلَفِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْخَالِقِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي رَجُلٍ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْ قَرُبْتُك قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ مَسِسْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ عَطَاءٌ : لَيْسَ ذَلِكَ بِإِيلاَءٍ , لَيْسَ الطَّلاَقُ بِيَمِينٍ فَيَكُونُ إيلاَءً. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ : إنْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ , أَوْ أَنْتِ كَأُمِّي , أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَرُبْتُك : فَهُوَ إيلاَءٌ.
وقال أبو حنيفة : إنْ حَلَفَ بِطَلاَقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صِيَامٍ فَهُوَ إيلاَءٌ , فَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرِ صَلاَةٍ , أَوْ بِأَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعًا , أَوْ بِأَنْ يُسَبِّحَ مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَيْسَ مُؤْلِيًا. وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي سَمَاعُهُ ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِنَا فِي الْمُدَّةِ طَائِفَةٌ : كَمَا حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ وَبَرَةَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ , فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ فَأَتَوْا فِي ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ , فَجَعَلَهُ إيلاَءً. قَالَ سُفْيَانُ , وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَغَيْرُهُ : إذَا آلَى يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَهُوَ إيلاَءٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ شَهْرًا , فَمَكَثَ عَنْهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ فَقَالَ عَطَاءٌ : ذَلِكَ إيلاَءٌ سَمَّى أَجَلاً أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يُرِيدُ هِيَ تَطْلِيقَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ إيلاَءٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَمْرَأَتِهِ : وَاَللَّهِ لاَ أَقْرَبُهَا اللَّيْلَةَ , فَتَرَكَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَ تَرَكَهَا لِيَمِينِهِ فَهُوَ إيلاَءٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.(3/28)
وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَصَحَّ خِلاَفُ هَذَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا , وَعَنْ طَاوُوس : إذَا حَلَفَ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ إيلاَءً
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَأَحَدُ قَوْلَيْ عَطَاءٍ.
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ.
وقال مالك , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو ثَوْرٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَأَصْحَابُهُمْ : لاَ يَكُونُ مُؤْلِيًا حَلَفَ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَقَلَّ , إنَّمَا الْمُؤْلِي مَنْ حَلَفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : كِلاَ الْقَوْلَيْنِ خِلاَفٌ لِنَصِّ الآيَةِ , إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الإِيلاَءَ مِنْ نِسَائِهِمْ دُونَ تَوْقِيفٍ , ثُمَّ حَكَمَ بِالتَّوْقِيفِ وَالتَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ حَكَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ بِإِلْزَامِ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلاَقِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : لاَ إيلاَءَ إِلاَّ مَا كَانَ فِي غَضَبٍ : فَرُوِّينَا ذَلِكَ ، عَنْ عَلِيٍّ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ الأَسَدِيِّ قَالَ : قُلْت لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : تَزَوَّجْتُ امْرَأَةَ أَخِي وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَ أَخِي فَقُلْت : هِيَ طَالِقٌ إنْ قَرِبْتهَا حَتَّى تَفْطِمَهُ
قَالَ عَلِيٌّ : إنَّمَا أَرَدْت الإِصْلاَحَ لَك وَلأَبْنِ أَخِيك , فَلاَ إيلاَءَ عَلَيْك , إنَّمَا الإِيلاَءُ مَا كَانَ فِي الْغَضَبِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ هُشَيْمٌ : وَحَدَّثَنَا أَبُو وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنَّمَا جُعِلَ الإِيلاَءُ فِي الْغَضَبِ. وَمِمَّنْ لَمْ يُرَاعِ ذَلِكَ : إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَابْنُ سِيرِينَ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الْقَعْقَاعُ بْنُ يَزِيدَ الضَّبِّيُّ ، أَنَّهُ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّمَا الإِيلاَءُ فِي الْغَضَبِ فَقَالَ : لاَ أَدْرِي مَا يَقُولُونَ , قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
قال أبو محمد رحمه الله :صَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رحمه الله
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ.
وَأَمَّا الأَخْتِلاَفُ فِي هَلْ يَقَعُ طَلاَقٌ بِمُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ أَمْ لاَ يَقَعُ بِذَلِكَ طَلاَقٌ فَاَلَّذِينَ قَالُوا بِمُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ يَقَعُ الطَّلاَقُ : فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ , وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ , قَالاَ فِي الإِيلاَءِ : إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ , وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا آلَى مِنْهَا فَمَضَتْ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ , وَلاَ يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ الضَّرِيرُ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , قَالاَ جَمِيعًا إذَا آلَى فَلَمْ يَفِئْ حَتَّى تَمْضِيَ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ قَالَ إسْمَاعِيلُ : وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ(3/29)
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الإِيلاَءِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَتَتَزَوَّجُ ، وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا قَالَ : نَعَمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إذَا آلَى مِنْهَا فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَيَخْطُبُهَا فِي عِدَّتِهَا ، وَلاَ يَخْطُبُهَا غَيْرُهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا خِلاَفُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ , لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ مَعَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ. وَرَأَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ. وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : إذَا آلَى الرَّجُلُ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ. وَبِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَسْرُوقٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ رَجُلاً اسْتَفْتَاهُ فِي إيلاَئِهِ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَ لَهُ مَسْرُوقٌ : إذَا مَضَتْ الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ بَانَتْ مِنْك بِتَطْلِيقَةٍ وَتَعْتَدُّ بِثَلاَثِ حِيَضٍ فَتَخْطُبُهَا إنْ شِئْت وَشَاءَتْ , وَلاَ يَخْطُبُهَا غَيْرُك. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ شُرَيْحٍ .
وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ , الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ , وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَلْقَمَةُ , وَالشَّعْبِيُّ.
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابُهُ , وَابْنُ جُرَيْجٍ , وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَابْنُ أَبِي لَيْلَى , وَالأَوْزَاعِيُّ وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ : أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِمُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ تَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي الإِيلاَءِ : إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ , وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا .
وَبِهِ يَقُولُ الزُّهْرِيُّ , وَمَكْحُولٌ.
وَرُوِيَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ : يُوقَفُ بَعْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ : فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ لاَ تَرَى الإِيلاَءَ شَيْئًا حَتَّى يُوقَفَ.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ , كِلاَهُمَا ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الإِيلاَءِ : إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ امْرَأَتُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : يُوقَفُ الْمُؤْلِي
فأما أَنْ يَفِيءَ
وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ.(3/30)
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الْقَعْنَبِيُّ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ لاَ يَرَى الإِيلاَءَ شَيْئًا وَإِنْ مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى يُوقَفَ. وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَوْقَفَ رَجُلاً عِنْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ بِالرَّحْبَةِ إمَّا أَنْ يَفِيءَ
وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إذَا آلَى الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ وُقِفَ عِنْدَ تَمَامِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ , وَقِيلَ لَهُ إمَّا تَفِيءُ ,
وَأَمَّا تَعْزِمُ الطَّلاَقَ وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : يُوقَفُ الْمُؤْلِي عِنْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ ,
فأما أَنْ يَفِيءَ ,
وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ ; كُلِّهِمْ : أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ : يُوقَفُ فِي الإِيلاَءِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ ,
فأما أَنْ يُطَلِّقَ
وَأَمَّا أَنْ يَفِيءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشْرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّهُمْ يَقُولُ فِي الإِيلاَءِ : يُوقَفُ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وطَاوُوس , وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , كُلِّهِمْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْمُؤْلِيَ يُوقَفُ :
فأما أَنْ يَفِيءَ
وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ. وَصَحَّ ذَلِكَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ , وَأَبِي مِجْلَزٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ , كُلِّهِمْ يَقُولُ : يُوقَفُ.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَدْرَكْت النَّاسَ يَقْفُونَ صَاحِبَ الإِيلاَءِ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ :
فأما أَنْ يَفِيءَ
وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ
وَهُوَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ " وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , وَأَحْمَدَ , وَإِسْحَاقَ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ , إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا , وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَقُولاَنِ : يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ إنْ أَبَى. ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا , فَإِنْ وَطِئَهَا فَذَلِكَ سُقُوطُ الإِيلاَءِ , وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا عَادَ عَلَيْهِ التَّوْقِيفُ(3/31)
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ ذِي قَبْلٍ , فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ , ثُمَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنْ وَطِئَهَا سَقَطَ الإِيلاَءُ , وَإِلَّا عَادَ عَلَيْهِ التَّوْقِيفُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ , وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ زَوْجٍ.
قال علي : وهذا قَوْلٌ فَاسِدٌ , لأََنَّهُ يُصَيِّرُ التَّوْقِيفَ فِي الإِيلاَءِ بِلاَ شَكٍّ عَامًا كَامِلاً , وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ , وَإِذَا بَطَلَ التَّوْقِيفُ بَطَلَ الإِيلاَءُ الَّذِي أَوْجَبَهُ بِلاَ شَكٍّ.
وقال مالك : لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا , فَإِنْ وَطِئَهَا سَقَطَ عَنْهُ الإِيلاَءُ , وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا بَانَتْ عَنْهُ عِنْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقِ الْحَاكِمِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا كَلاَمٌ لاَ نَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ قَائِلهُ إذْ لَيْسَ فِي الْبَاطِلِ أَكْثَرُ مِنْ إجَازَةِ كَوْنِ امْرَأَةٍ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ صَحِيحِ الزَّوْجِيَّةِ , وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلاَقِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ , وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وُجِدَ هَذَا وَاعْلَمُوا أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ , وَلاَ قَالَهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ إِلاَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِتَقْلِيدِهِ , ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ الَّذِي اتَّبَعَهُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ : مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ , لَمْ يُحْفَظْ قَطُّ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ , وَلِلسُّنَنِ كُلِّهَا , وَلِلْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ : أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَجَعَلَ عَزِيمَةَ الطَّلاَقِ إلَى الزَّوْجِ الْمُؤْلِي لاَ إلَى غَيْرِهِ.
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُطَلِّقَ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ , لاَ حَاكِمٌ ، وَلاَ غَيْرُ حَاكِمٍ.
وَأَمَّا السُّنَنُ فَإِنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِي مَوَاضِعَ مَعْرُوفَةٍ بِفَسْخِ النِّكَاحِ ,
وَأَمَّا بِطَلاَقِ أَحَدٍ ، عَنْ غَيْرِهِ فَلاَ أَصْلاً , وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا كَلِمَةٌ , فَإِنَّمَا قَالَ بِقَوْلِنَا إمَّا أَنْ يَفِيءَ ,
وَأَمَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَيُّهُمَا شَاءَ ، وَلاَ بُدَّ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلاَ أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَجَازُوا أَنْ يُطَلِّقَ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُؤْلِي وَلَمْ يُجِيزُوا أَنْ يَفِيءَ عَنْهُ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا : لاَ يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَحِلَّ فَرْجَ امْرَأَةِ سِوَاهُ فَيَكُونُ زِنًى
قلنا لَهُ : وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُبِيحَ فَرْجَ امْرَأَةِ سِوَاهُ لِغَيْرِ زَوْجِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ إبَاحَةً لِلزِّنَا ، وَلاَ فَرْقَ.
فَإِنْ قَالُوا : أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ
قلنا : وَلاَ فَرْقَ , وَمَا أَجَزْنَا قَطُّ أَنْ يَفْسَخَ الْحَاكِمُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ ، عَنْ زَوْجِهَا , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا
قلنا : كُلُّ نِكَاحٍ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ , أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَسْخَهُ : فَهُوَ مَفْسُوخٌ , سَوَاءً أَحَبَّ الْحَاكِمُ ذَلِكَ أَوْ كَرِهَهُ , وَلاَ مَدْخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ رَأْيَ لَهُ فِيهِ , إنَّمَا الْحَاكِمُ مُنَفِّذٌ بِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ , وَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ مِمَّا عَدَا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا.(3/32)
1890 - مَسْأَلَةٌ : وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الإِيلاَءِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ , أَوْ الأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ , أَوْ الذِّمِّيَّةِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا , لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.
وَرُوِّينَا ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ مَوْلَى آلِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إيلاَءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : بَلَغَنِي ، عَنْ عُمَرَ إيلاَءُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ
وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا إيلاَءُ الأَمَةِ شَهْرَانِ , وَلاَ يَصِحُّ أَيْضًا , لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ : أَنَّ عُمَرَ قَالَ : طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ , وَإِيلاَؤُهَا شَهْرَانِ , وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنْ لاَ إيلاَءَ لِلْعَبْدِ دُونَ سَيِّدِهِ , وَهُوَ شَهْرَانِ.
وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ , وَاللَّيْثُ , وَمَالِكٌ , وَإِسْحَاقُ. فَإِنَّ مَوَّهُوا بِعُمَرَ
قلنا : وَقَدْ جَاءَ ، عَنْ عُمَرَ الإِيلاَءُ مِنْ الأَمَةِ شَهْرَانِ وَجَاءَ عَنْهُ : لاَ يَنْكِحُ الْعَبْدُ إِلاَّ اثْنَتَيْنِ , فَخَالَفْتُمُوهُ , وَهَذَا تَلاَعُبٌ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ , فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِيلاَءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِيلاَءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ وَالْعَبْدِ عَنْهَا شَهْرَانِ
وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَقَتَادَةَ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَأَصْحَابِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إيلاَءُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ سَوَاءٌ , وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَأَبِي ثَوْرٍ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ.
قال أبو محمد رحمه الله : لاَ حُجَّةَ لأََحَدٍ مِنْ الْقُرْآنِ.
1891 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ آلَى مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ : وُقِفَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ مِنْ حِينِ يَحْلِفُ , فَإِنْ فَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ سَقَطَ حُكْمُهَا , وَبَقِيَ حُكْمُ الْبَوَاقِي , فَلاَ يَزَالُ يُوقَفُ لِمَنْ لَمْ يَفِئْ إلَيْهَا حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ; لأََنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ عَلَى أَشْيَاءَ مُتَغَايِرَةٍ , وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ حُكْمُهَا , وَهُوَ مُؤْلٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
1892 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ آلَى مِنْ أَمَتِهِ فَلاَ تَوْقِيفَ عَلَيْهِ , لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ
فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الإِيلاَءِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ فِيهَا الْفَيْئَةُ أَوْ الطَّلاَقُ , وَلَيْسَ فِي الْمَمْلُوكَةِ طَلاَقٌ أَصْلاً فَصَحَّ أَنَّهُ فِي الْمُتَزَوِّجَاتِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
1893 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا قَوْلُنَا فِيمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حُكْمُ الإِيلاَءِ فَلأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا قَالَ : لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ فَمَنْ آلَى مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَلَمْ يُؤْلِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ , فَلاَ إيلاَءَ عَلَيْهِ.
فإن قيل : قَدْ صَارَتْ مِنْ نِسَائِهِ
قلنا : مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَسْقُطَ الْحُكْمُ حِينَ إيجَابِهِ , وَيَجِبَ حِينَ لَمْ يَجِبْ , وَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَارِدٌ , وَلاَ جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ , وَلأََنَّ التَّرَبُّصَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْفَيْئَةِ(3/33)
, وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي أَجْنَبِيَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. تَمَّ " كِتَابُ الإِيلاَءِ " بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ عَوْنِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ
ـــــــــــــــــــ
معنى الإيلاء
تاريخ الفتوى : ... 15 ربيع الأول 1424 / 17-05-2003
السؤال
ما معنى الإيلاء؟ جزاكم الله ألف خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإيلاء لغة: الحلف، ومنه قوله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى... [النور:22].
وشرعاً: عرفه حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس كما في فتح القدير للشوكاني بقوله: هو الرجل يحلف لامرأته بالله أن لا ينكحها، فتتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفرّ عن يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان: إما أن يفيء، وإما أن يعزم فيطلق، كما قال الله سبحانه وتعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ [البقرة:226-227].
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
من حلف أن لا يطأ زوجته حتى تصلي
تاريخ الفتوى : ... 03 رمضان 1426 / 06-10-2005
السؤال
في الأيام الأخيرة اكتشفت أن زوجتي تتهاون في أداء الصلوات في أوقاتها فنصحتها مراراً وتارة أعظها وأذكرها بالله تعالى دون جدوى، فحلفت ألا أجامعها حتى تعود للالتزام بالصلاة، هل هذا اليمين يعتبر لعانا، وماذا علي أن أفعل فيما بعد؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاليمين بترك وطء الزوجة إيلاء، وليس لعانا، وسبق معنى الإيلاء في الفتوى رقم: 32116.
والإيلاء هنا معلق على عودة الزوجة للالتزام بالصلاة وترك التهاون فيها، فإن تركت التهاون في الصلاة والتزمت بها فله أن يجامعها ولا يكون حانثاً في يمينه، وإن لم تترك التهاون ولم تلتزم بالصلاة، فله ولها أحد حالتين:
الأولى: أن يجامعها فيحنث في يمينه، وتلزمه كفارة يمين.
الثانية: أن لا يجامع، وتبقى على عدم التزامها بالصلاة، فللزوجة أن ترفع أمرها إلى القاضي ليضرب أجلا للزوج، وهو أربعة أشهر، فإما أن يجامع وإما أن يطلق.(3/34)
وننصح الزوج بأن يجامع زوجته ويكفر عن يمينه إذا رأى أن أسلوب الهجر لم يردعها ولم يؤثر فيها، وننصح الزوجة بالمحافظة على الصلاة وطاعة الزوج، واعلم أن الزوجة إذا ضيعت شيئاً من حقوق الله تعتبر ناشزاً، وقد تقدم في فتاوانا كيف تعامل الزوجة الناشز، وراجع فيه فتوانا رقم: 31060.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الفتوى : ... الحلف بعدم الوطء
تاريخ الفتوى : ... 09 رجب 1425 / 25-08-2004
السؤال
والدي - سامحه الله - سريع الغضب ولكنه في الواقع ذو قلب رؤوف حنون ، ولكنه عندما يغضب لا يدري ما يقول . ومنذ 15 عاما كان بينه وبين والدتي مشاكل كانت تؤدي به دائما للغضب ولربما كان يحلف أيمان طلاق عندما كان الغضب يتملكه تملكا لا يعلم به إلا الله عز وجل، ولقد سبق أن حلف يمينا بعدم وطء والدتي ومعاشرتها معاشرة الأزواج . وهم الآن وإن كانوا في بيت واحد إلا أن أمي قد أبلغت زوجتي بأن العلاقة بينهم هي علاقة طعام وشراب والخدمة التي تقوم أمي بها تجاه والدي من غسيل وكوي وخلافه، علما بأن أعمارهم تجاوزت الستين وما عاد في العمر أكثر مما مضى - والله تعالى أعلم - .
إنني مغترب وبعيد عنهم أكثر من 17 عاما ولا أدري ما يحصل هناك ، إلا أنني والله أحب أن يلقى والدي أو والدتي ربهم وهو غير غاضب عليهم ، ولذلك فإنني أطلب منكم أن تبينوا رأي الشرع في موضوع تلك الأيمان ، هل هي نافذه أم لا وخصوصا في ساعة الغضب التي أعلمها جيدا في والدي والتي من خلالها يصبح لا يدري ماذا يقول ، حتى إذا هدأ بدا على غير ذلك ... وأنا أريد بعون المولى عز وجل ثم بمساعدتكم حل هذه المعضلة ليرتاح بالي وليرضى ربي عز وجل ... ولعل الله عز وجل يجعل في فتواكم طريقا ومفتاحا للحل
لقد سبق وأن سمعت من أحد المشائخ على الراديو بأن الطلاق في عصرنا هذا أصبح مقننا في المحاكم، ولطالما أنه لم يطلق في المحكمة فالطلاق غير ساري المفعول وإلا عمت الفوضى ، فهل في ذلك أثر شرعي ... معاذ الله أن أكون من الذين يبحثون عن زلات أو هفوات علماء لتحقيق مكسب دنيوي، ولكني أريد أن أصلح ذات بينهم قبل أن يوفيهم الله أجالهم .. لعل الله يرضى عنا وعنهم .
وجزاكم الله كل خير
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في الحلف بالطلاق، هل يقع إذا حصل ما علقه عليه أم لا؟
فذهب الجمهور إلى أنه يقع لأنه طلاق معلق بشرط، فيقع بوقوع الشرط، وعلى هذا المذاهب الأربعة. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم وقوع الطلاق إذا كان الحالف يريد الزجر والمنع، وهو كاره للطلاق، فهي يمين فيها الكفارة، ونقله عن طائفة من(3/35)
السلف حيث قال كما في مجموع الفتاوى: وهو المنصوص عن أبي حنيفة، وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي، كالقفال وأبي سعيد المتولي صاحب التتمة، وبه يفتي ويقضي في هذه الأزمنة المتأخرة طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وغيرهم من أهل السنة والشيعة في بلاد الجزيرة والعراق وخراسان والحجاز واليمن وغيرها، وهو قول داود وأصحابه، كابن حزم وغيره... وهو قول طائفة من السلف، كطاووس وغيره، وبه يفتي كثير من علماء المغرب في هذه الأزمنة المتأخرة من المالكية وغيرهم، وكان بعض شيوخ مصر يفتي بذلك، وقد دل على ذلك كلام الإمام أحمد المنصوص عنه، وأصول مذهبه في غير موضع.انتهى.
وعلى كل؛ فالخلاف في هذه المسألة قوي وقديم، وأكثر أهل العلم على القول الأول، ومن قالوا بالقول الثاني، وإن كانوا قلة، فإن معهم من الدليل ما يجعل قولهم محل اعتبار إلى حد بعيد، ولا حرج على من أخذ به لا سيما في مثل الحالة المذكورة في السؤال، هذا فيما يتعلق بالحلف بالطلاق.
وأما ما يتعلق بالحلف بعدم الوطء فهو إيلاء، وهو أن يحلف الزوج أن لا يطأ زوجته مدة أكثر من أربعة أشهر أو أن لا يطأ مطلقا وهو محرم، وقد بين الله حكمه في كتابه الكريم فقال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:227}.
وعليه؛ فإن عاد فوطئ وجبت عليه كفارة يمين، فإن لم يعد فلا شيء عليه ولكن للزوجة الخيار في أن تبقى معه، وفي رفع أمرها للحاكم ليلزمه بوطئها بعد مضي أربعة أشهر أو فراقها.
وأما ما يتعلق بالغضب فالأصل اعتبار ما حصل معه من الحلف بالطلاق وكذا الإيلاء إلا إذا حصلا أو أحدهما في حالة غضب لا يدري صاحبه ما يقول معه، ولا يتحكم في شيء من تصرفاته، فلا يقع، لما أخرجه أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.
وأما القول بأن الطلاق في عصرنا لا يقع إلا في المحكمة دفعا للفوضى فإنه غير صحيح؛ بل هو خارج عن كلام أهل العلم ولا عبرة به ولا يلتفت إليه.
وأخيرا: نسأل الله جل وعلا أن يوفقك للصلح بين والديك ويثيبك على ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم من حلف أن لا يعاشر زوجته أبداً
تاريخ الفتوى : ... 11 صفر 1424 / 14-04-2003
السؤال
أنا متزوج وزوجتي لا ترغب في المعاشرة الجنسية يعني لو تركتها سنة بدون معاشرة جنسية لا تتأثر وأنا لا أستطيع التحمل والشجار دائم بيننا ومنذ أسبوع أتخذت قرارا لكرامتي أنني لم ولن أعاشرها جنسيا بعد ذلك وأخبرتها بذلك ولا أعلم هل ما فعلتة هذا صحيح واللفظ الذي ذكرته إليها هو أقسم بالله تعالى بأنني لن أمسك بعد اليوم فهل هذا ظهار وهل له من عودة في حالة رغبتي في مراجعتها مرة ثانية(3/36)
وهل إطعام ستين مسكيناً يكفي في حالة ما إذا كان ظهارا بالرغم من أنني عمري 40 عاما ولكن صيام شهرين أعتقد بأنني لا أستطيع
أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً فى أسرع وقت ممكن وبرجاء عدم التأخير بالرد.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقسمك بالله تعالى على ألا تطأ زوجتك أبداً يعتبر ايلاء وليس ظهاراً، قال الله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227].
قال ابن قدامة في المغني: وهو يعدد شروط الإيلاء: الشرط الثاني: أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر، وهذا قول ابن عباس وطاووس وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد...
وعليه فأنت الآن في الخيار بين أمرين:
الأول: أن تعود لوطء زوجتك وتكفر كفارة يمين لا كفارة ظهار.
والثاني: أن تصر على عدم وطئها، وفي هذه الحالة لزوجتك الخيار في أن تبقى معك، ولها رفع أمرها للحاكم ليلزمك بوطئها بعد مضي أربعة أشهر فإن أبيت ألزمك بالطلاق، فإن أبيت طلق عليك، وليس عليك في هذه الحالة كفارة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
ما العمل إذا امتنع الرجل عن حقّ زوجته في الفراش
سؤال:
هناك موضوعات كثيرة تتعلق بعقوبة المرأة في حالة رفضها الجماع مع زوجها. ولكن أريد أن أعرف إن كان الموضوع بالعكس؟ أي أن الزوج يرفض إقرار حق الزوجة في ذلك.
الجواب:
الحمد لله
امتناع الزوج عن حق زوجته في الجماع يسميه العلماء إيلاءً ، والإيلاء : هو حلف الزوج الذي يمكنه الوطء على ترك وطء زوجته أبدا أو أكثر من أربعة أشهر . والدليل عليه قول الله عزوجل
( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة 226 ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء ( لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو أن يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل ) البخاري ، (الطلاق/4881)
والإيلاء محرم في الإسلام لأنه يمين على ترك واجب ، ويحصل الإيلاء بالحلف على عدم وطء زوجته أبداً أو عين مدة تزيد على أربعة أشهر أو علقه على تركها أمراً واجبا أو فعلها أمرا محرما فهو إيلاء ، وقد ألحق الفقهاء بالمولي من ترك وطء زوجته إضراراً بها بلا يمين أكثر من أربعة أشهر وهو غير معذور .(3/37)
وحكمه : أنه إن حصل منه وطء زوجته في المدة فقد فاء لأن الفيئة هي الجماع وقد أتى به ، وبذلك تحصل المرأة على حقها منه ، وأما إن أبى الوطء بعد مضيِّ المدة المذكورة فإن الحاكم يأمره بالطلاق إن طلبت المرأة ذلك منه فإن أبى أن يفيء وأبى أن يطلّق فإن الحاكم يطلّق عليه ويفسخ لأنه يقوم مقام المؤلي عند امتناعه . والله أعلم
الملخص الفقهي للفوزان 2/321
وللاستزادة يرجع إلى زاد المعاد لابن القيم ج5/344
أما إذا كان الزوج مريضاً فقد تقدم جوابه برقم 1859 و 5684.
لإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
كفارة يمين الإيلاء ... العنوان
إذا حلف الرجل ألا يقترب من متعة من متع الحياة مثل معاشرة زوجته ولم يستطع فهل عليه كفارة؟
... السؤال
25/07/2000 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... نعم من حلف على فعل شيء أو تركه ولم يستطيع تنفيذ ما حلف عليه وجبت عليه كفارة يمين وهى المذكورة فى قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم } المائدة : 89 ولا يشترط أن تكون الأيام متتابعة .
وإذا كان حلفه على الامتناع عن زوجته فذلك يعتبر إيلاء إن زاد الحلف على أربعة أشهر، فهنا يطالب بواحد من اثنين ، هما : قربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها ، قال تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } البقرة : 226، 227 أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجرى عليه حكم الإيلاء ، إن رجع عن حلفه أى فاء فى هذه المدة المحلوف عليها وجبت عليه الكفارة، وإن لم يفىء فلا شىء عليه .
قال عبد الله بن عباس : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون به إيذاء المرأة عند المساءة، فوقِّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمى، وذكر القرطبى "ج 3 ص 103 " فى تفسيره أن النبى صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه ، لأنهن سألنه من النفقة ما ليس عنده كما فى صحيح مسلم . هذا فى الحلف على عدم قربانها ، فإن امتنع بدون يمين حلفها ، وذلك للإضرار بها أُمر بقربانها ، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرًا بها فرق القاضى بينه وبينها من غير ضرب أجل ، وقيل يضرب أجل الإيلاء .(3/38)
وقيل لا يدخل على الرجل الإيلاء فى هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى اللّه فى ألا يمسكها ضرارًا .
هذا ، والجمهور على أن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولى، لا تطلق زوجته إلا إذا طلقها، وعند أبي حنيفة تطلق ولا سبيل له عليها إلا بإذنها كالمعتدة بالشهور والأقراء ، إذا انتهت فلا سبيل له عليها "تفسير القرطبى ج 3 ص 11 " .
ـــــــــــــــــــ
الإيلاء ... العنوان
إذا حلف الرجل ألا يقترب من مُتْعة من مُتَع الْحَيَاة ـ مثل مُعَاشَرَة زوْجته ـ ولم يستطع فهل عليه كفارة ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... نعم من حلف على فعل شيء أو تركه ولم يستطع تنفيذ ما حَلَف عليه وجبت عليه كفارة يمين وهي المذكورة في قوله تعالى : ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكِمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكِمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) (سورة المائدة : 89) ولا يشترط أن تكون الأيام متتابعة .
وإذا كان حلفه على الامتناع عن زوجته فذلك يُعتبر إيلاء إن زاد الحلف على أربعة أشهر، فهنا يطالب بواحد من اثنين، هما : قُربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها، قال تعالى:( لِلذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعِةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (سورة البقرة : 226، 227) أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجري عليه حكم الإيلاء، إن رجع عن حلفه أي فاء في هذه المدة المحلوف عليها وجبت عليه الكفارة، وإن لم يفيء فلا شيء عليه .
قال عبد الله بن عباس : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك، يقصدون به إيذاء المرأة عند المساءة، فوقَّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي، وذكر القرطبي " ج3 ص103 " في تفسيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ آلى من نسائه؛ لأنهن سألنه من النفقة ما ليس عنده كما في صحيح مسلم . هذا في الحلف على عدم قربانها، فإن امتنع بدون يمين حلف، وذلك للإضرار بها أُمر بقربانها، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرًّا بها فرَّق القاضي بينه وبينها من غير ضرب أجل، وقيل يُضرب أجل الإيلاء .
وقيل لا يدخل على الرجل الإيلاء في هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى الله في ألا يمسكها ضرارًا .
هذا، والجمهور على أن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولي، لا تُطلق زوجته إلا إذا طلَّقها، وعند أبي حنيفة تطلق ولا سبيل له عليها إلا بإذنها كالمعتدة بالشهور والأقراء، إذا انتهت فلا سبيل له عليها " تفسير القرطبي ج3 ص11 " .(3/39)
ـــــــــــــــــــ
الإيلاء
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
إذا حلف الرجل ألا يقترب من متعة من متع الحياة مثل معاشرة زوجته ولم يستطع فهل عليه كفارة؟
الجواب
نعم من حلف على فعل شيء أو تركه ولم يستطيع تنفيذ ما حلف عليه وجبت عليه كفارة يمين وهى المذكورة فى قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم } المائدة : 89 ولا يشترط أن تكون الأيام متتابعة .
وإذا كان حلفه على الامتناع عن زوجته فذلك يعتبر إيلاء إن زاد الحلف على أربعة أشهر، فهنا يطالب بواحد من اثنين ، هما : قربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها ، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } البقرة : 226، 227 أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجرى عليه حكم الإيلاء ، إن رجع عن حلفه أى فاء فى هذه المدة المحلوف عليها وجبت عليه الكفارة، وإن لم يفىء فلا شىء عليه .
قال عبد الله بن عباس : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون به إيذاء المرأة عند المساءة، فوقِّت لهم أربعة أشهر، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمى، وذكر القرطبى "ج 3 ص 103 " فى تفسيره أن النبى صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه ، لأنهن سألنه من النفقة ما ليس عنده كما فى صحيح مسلم . هذا فى الحلف على عدم قربانها ، فإن امتنع بدون يمين حلفها ، وذلك للإضرار بها أُمر بقربانها ، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرا بها فرق القاضى بينه وبينها من غير ضرب أجل ، وقيل يضرب أجل الإيلاء .
وقيل لا يدخل على الرجل الإيلاء فى هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى اللّه فى ألا يمسكها ضرارا .
هذا ، والجمهور على أن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولى، لا تطلق زوجته إلا إذا طلقها، وعند أبي حنيفة تطلق ولا سبيل له عليها إلا بإذنها كالمعتدة بالشهور والأقراء ، إذا انتهت فلا سبيل له عليها "تفسير القرطبى ج 3 ص 11 "
ـــــــــــــــــــ(3/40)
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 327)
وَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُوقَفُ إمَّا أَنْ يَفِيَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ . وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْأُصُولُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَقَوْلُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ عَزْمَ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فَإِذَا انْقَضَتْ وَلَمْ يَفِ طَلُقَتْ وَغَايَةُ مَا يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إنْ صَحَّ عَنْهُ .
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 261)
فَصْلٌ وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ تَظْهَرُ مَسْأَلَةُ " الِاسْتِثْنَاءِ فِي الظِّهَارِ " فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ . وَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . قَالَ أَحْمَد : يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ بِالْعَوْدِ . وَأَصْلُ أَحْمَد : أَنَّ كُلَّ مَا شُرِعَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ شُرِعَ فِيهِ الْيَمِينُ وَإِلَّا فَلَا . وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّةَ والعكبري وَابْنُ عَقِيلٍ : لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَتَيْنِ كَالْقَسَمِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ كَسَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ ؛ فَقَوْلُهُ : أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ كَقَوْلِهِ : أَنْت طَالِقٌ . لَيْسَ هُنَا فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ يُعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : لَأَخْرُجَنَّ . وَهَذَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ . لَكِنَّ قَوْلَ أَحْمَد أَفْقَهُ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْنَى . وَإِنَّمَا هُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَدَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ ؛ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الصُّورَةِ اللَّفْظِيَّةِ . وَمَنْ عَدَّهُ يَمِينًا لِمُشَابَهَةِ الْيَمِينِ فِي مَعْنَى وَصْفِهَا وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعْطَاهُ حُكْمَهُمَا لِجَمْعِهِ مَعْنَاهُمَا . فَإِنَّ نِصْفَهُ يُشْبِهُ الْيَمِينَ فِي الْمَعْنَى وَنِصْفَهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ . وَلِهَذَا سَائِرُ الْأَلْفَاظِ الْمُعَلَّقِ بِهَا الْأَحْكَامُ قَدْ يَنْظُرُ نَاظِرٌ إلَى صُورَتِهَا وَآخَرُ إلَى مَعْنَاهَا وَآخَرُ إلَيْهِمَا مَعًا كَمَا فِي قَوْلِهِ لَأَفْعَلَنَّ . الصُّورَةُ صُورَةُ الْخَبَرِ
وَالْمَعْنَى قَدْ يَكُونُ خَبَرًا وَقَدْ يَكُونُ طَلَبًا وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ . فَقَوْلُهُ : أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إنْشَاءً مَحْضًا لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الطَّلَاقِ فَكَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا عَلَى مُوجَبِ ظَاهِرِ لَفْظِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ . فَجَعَلُوا اللَّازِمَ دَلِيلًا عَلَى الْمَلْزُومِ فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَإِنَّ الْحَلَالَ لَا يَكُونُ كَالْحَرَامِ الْمُؤَبَّدِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا وَإِنْ عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَعْنَى الْفَاسِدِ وَهُوَ الْمُشَابَهَةُ الْمُحَرَّمَةُ ؛ فَصَارَ كَقَوْلِهِ : أَنْت يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ . إذَا عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُثْبِتَهُ فِيهَا . أَوْ أَنْت أَتَانٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ أَنْت عَلَيَّ كَالْأَتَانِ وَالنَّاقَةِ . وَمِنْ هُنَا قَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ إنَّ قَوْلَهُ : أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ . أَيْضًا يَمِينٌ لَيْسَ بِطَلَاقِ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ كَالظِّهَارِ . وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد . فَصَارَ قَوْلُهُ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي . بِمَنْزِلَةِ لَا أَقْرَبَنَّك ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمُشَابَهَةِ لِلْأُمِّ يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ عَنْ وَطْئِهَا وَيَقْتَضِي رَفْعَ الْعَقْدِ . فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ رَفْعَ الْعَقْدِ لِأَنَّ هَذَا إلَى الشَّارِعِ ؛ لَا إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْعُقُودَ والفسوخ أثبات اللَّهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِذْنِ الشَّارِعِ وَأَثْبَتَ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْفِعْلِ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَطْءِ وَتَرْكَهُ
إلَيْهِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ فَلَمَّا صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : لَا يَنْبَغِي مِنِّي وَطْؤُك . فَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ ؛ لَكِنَّهُ جَعَلَهُ يَمِينًا كُبْرَى لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ شُرِعَ الْحَلِفُ بِهَا فَلَمْ(3/41)
يَعْصِ فِي عَقْدِهَا وَهَذِهِ الْيَمِينُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ تَرْكُهَا وَاجِبٌ فَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ . وَلِهَذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لَا تُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفِعْلِ إلَى التَّكْفِيرِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُوجِبُ تَحْرِيمَ الْحِنْثِ إلَى التَّكْفِيرِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهَا حَتَّى يُحِلَّهَا وَوَجَبَتْ فِيهَا الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى . وَكَوْنُهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً لَا يَمْتَنِعُ انْدِرَاجُهَا فِي اسْمِ الْيَمِينِ كَلَفْظِ النَّذْرِ هُوَ يَمِينٌ وَجُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا تَضَمَّنَ عَهْدًا وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ كُلَّ تَحْرِيمٍ " يَمِينًا " بِقَوْلِهِ : { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } - إلَى قَوْلِهِ - { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } كَمَا سَمَّى الصَّحَابَةُ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ " يَمِينًا " وَهُوَ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ ؛ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى . يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الظِّهَارَ لَوْ كَانَ إنْشَاءً مَحْضًا لَأُوجِبَ حُكْمُهُ ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَفَّارَةٌ ؛ إذْ الْكَفَّارَةُ لَا تَكُونُ لِرَفْعِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ ؛ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِرَفْعِ إثْمِ الْمُخَالَفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُهُ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ عَقْدِ الْيَمِينِ وَعَقْدِ الظِّهَارِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا إذَا وُجِدْت الْمُخَالَفَةُ عُلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ .
وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُوجِبُ لَفْظُ الظِّهَارِ تَرْكَ الْعَقْدِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ . وَأَمَّا أَحْمَد وَالْجُمْهُورُ فَعِنْدَهُمْ يُوجِبُ لَفْظُهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ حَرَامًا فَالْكَفَّارَةُ تَرْفَعُ هَذَا التَّحْرِيمَ فَلَا يَجُوزُ الْوَطْءُ قَبْلَ ارْتِفَاعِهِ . وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَحْمَد فِي قَوْله : أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ . أَنَّ مُوجَبَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْوَطْءِ عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ ؛ لَكِنَّ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا يَقُولُ : إنَّهُ فِي الظِّهَارِ مَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْطِيَ اللَّفْظَ ظَاهِرَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا تَصِيرُ مِثْلَ أُمِّهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَاقْتَصَرَ بِهِ عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَطْءِ ؛ دُونَ تَرْكِ الْعَقْدِ كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَلَفْظُ الْحَرَامِ يُمْكِنُ إثْبَاتُ مُوجَبِهِ . وَقَدْ يَقُولُ أَحْمَد : إنَّ الْحَرَامَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ مُوجَبِهِ ؛ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ لَا يَثْبُتُ أَبَدًا وَالتَّحْرِيمُ الْعَارِضُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ شَبِيهٍ ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيمٌ مُقَيَّدٌ فَاسْتُعْمِلَ بَعْضُ مُوجَبِ اللَّفْظِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ وَطْءٌ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْعَيْنِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ فَكَأَنَّهُ [ قَالَ ] وَطْؤُك حَرَامٌ . وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك . فَكَمَا أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَكَذَلِكَ التَّحْرِيمُ ؛ إذْ الْإِيلَاءُ نَوْعٌ مِنْ الْأَيْمَانِ القسمية وَالظِّهَارَ نَوْعٌ مِنْ الْأَيْمَانِ التحريمية . وَالْبَحْثُ
فِيهِ يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ : نَضَعُهُ عَلَى أَدْنَى دَرَجَاتِ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَلَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِسَبَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : أَنْت طَالِقٌ . لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً ؛ وَكَمَا اُكْتُفِيَ فِي التَّشْبِيهِ بِالتَّحْرِيمِ . أَمَّا إذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَيُقَالُ : وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ بِالظِّهَارِ .
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 345)
بَابُ الْإِيلَاءِ وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ وَغَيَّا بِغَايَةٍ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خُلُوُّ الْمُدَّةِ مِنْهَا فَخَلَتْ مِنْهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا هَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْغَايَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ أَوْ يَكْفِي ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِذَا لَمْ يَفِئْ وَطَلَّقَ بَعْدَ الْمُدَّةِ أَوْ طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَإِذَا رَاجَعَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ عَقِبَ هَذِهِ الرَّجْعَةِ إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ الرَّجْعَةِ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ وَلِأَنَّ اللَّهَ إنَّمَا جَعَلَ الرَّجْعَةَ لِمَنْ أَرَادَ إصْلَاحًا بِقَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } .(3/42)
ـــــــــــــــــــ
الفتاوى الهندية - (ج 10 / ص 219)
الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْإِيلَاءِ الْإِيلَاءُ مَنْعُ النَّفْسِ عَنْ قُرْبَانِ الْمَنْكُوحَةِ مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ مُؤَقَّتًا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَرَائِرِ وَشَهْرٍ فِي الْإِمَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ حِنْثٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنْ قَرِبَهَا فِي الْمُدَّةِ حَنِثَ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِذَاتِهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا وَفِي غَيْرِهِ الْجَزَاءُ وَيَسْقُطُ الْإِيلَاءُ بَعْدَ الْقُرْبَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْرُبْهَا فِي الْمُدَّةِ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ شَرْحِ النُّقَايَةِ .
فَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ وَإِنْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ بِأَنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا أَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا فَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا عَادَ الْإِيلَاءُ فَإِنْ وَطِئَهَا وَإِلَّا وَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَلْقَةٌ أُخْرَى وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ هَذَا الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا عَادَ الْإِيلَاءُ وَوَقَعَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَلْقَةٌ أُخْرَى إنْ لَمْ يَقْرُبْهَا كَذَا فِي الْكَافِي فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ فَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَلَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَتَطْلُقُ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( الْأَلْفَاظُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِيلَاءُ نَوْعَانِ ) : صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ( أَمَّا الصَّرِيحُ ) فَكُلُّ لَفْظٍ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مَعْنَى الْوِقَاعِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ لَا أَقْرَبُك لَا أُجَامِعُك لَا أَطَؤُك لَا أُبَاضِعُك لَا أَغْتَسِلُ مِنْك مِنْ جَنَابَةٍ لِأَنَّ الْمُبَاضَعَةَ الْمُضَافَةَ إلَيْهَا يُرَادُ بِهَا الْوِقَاعُ عَادَةً وَالِاغْتِسَالُ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْهَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : لَا أَفْتَضُّك وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الِافْتِضَاضَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُجَامَعَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَلَوْ قَالَ : لَا وَطِئْتُك فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا وَلَوْ قَالَ : لَا جَامَعْتُك إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ صَارَ مُولِيًا وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت جِمَاعًا ضَعِيفًا لَا يَزِيدُ عَلَى نَحْوِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ .
وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مُولٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْيَنَابِيعِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْجِمَاعَ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة .
( وَأَمَّا الْكِنَايَةُ ) فَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مَعْنَى الْوِقَاعِ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَمَا لَمْ يَنْوِي لَا يَكُونُ إيلَاءً كَقَوْلِهِ لَا أَمَسُّهَا لَا آنِيهَا لَا أَدْخُلُ بِهَا لَا أَغْشَاهَا لَا يُجْمَعُ رَأْسُهَا وَرَأْسِي لَا أَبِيتُ مَعَك فِي فِرَاشٍ لَا أُصَاحِبُهَا لَا يَقْرَبُ فِرَاشَهَا أَوْ لِيَسُوءُنَّهَا أَوْ لَيَغِيظَنَّهَا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ .
وَلَوْ قَالَ : إنْ نِمْت مَعَك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهُوَ إيلَاءٌ وَوَقَعَ عَلَى الْجِمَاعِ عُرْفًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ( وَمِنْهَا ) الْإِصَابَةُ وَالْمُضَاجَعَةُ وَالدُّنُوُّ كَذَا فِي الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْكَنْزِ .(3/43)
فِي الْيَنَابِيعِ وَيَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لَفْظٍ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ : وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَقَوْلِهِ : وَعِلْمِ اللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَوْ قَالَ : عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُ اللَّهِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ وَفِي الْمَنَافِعِ وَأَهْلُ الْإِيلَاءِ مَنْ كَانَ أَهْلَ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة .
وَلَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَإِنْ كَانَ يَحْنَثُ بِدُونِ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لَا يَكُونُ مُولِيًا .
رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : وَاَللَّهِ لَا يَمَسُّ جِلْدِي جِلْدَك لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ بِالْمَسِّ بِدُونِ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ وَلَوْ قَالَ : لَا يَمَسُّ فَرْجِي فَرْجَك يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ الْجِمَاعُ وَلَوْ قَالَ : أكرباتوخيم فَأَنْت طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَكُونُ مُولِيًا مُرَادَ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْجِمَاعِ فَإِنْ نَوَى الْمُضَاجَعَةَ لَا يَكُونُ مُولِيًا فَإِنْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُجَامِعْهَا كَانَ حَانِثًا وَلَوْ قَالَ : اُكْرُمْنَ دَسَّتْ بِزَنِّ فَرَازّ كَنَمِّ تايكسال فَعَلَى كَذَا وَلَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ الْجِمَاعُ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَهَا فِي السَّنَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
-ـــــــــــــــــــ
فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت - (ج 4 / ص 136)
... متزوج منذ ثماني سنوات تقريباً، ومنذ شهر تقريباً اتصلت بزوجتي تلفونياً وهي في بلدها وأثناء حديثي معها حصل بيني وبينها نقاش حول خروجها بالسيارة فطلبت منها أن لا تخرج بالسيارة حتى أرجع إليها، وقلت لها: إذا خرجت بالسيارة مرة ثانية تبقين محرمة عليّ زي أمي وأختي، ثم اتصلت بها مرة ثانية، فقالت لي: لقد خالفتك وخرجت بالسيارة مضطرة لأن والدتي كانت مريضة فأخذتها بالسيارة إلى الطبيب،
كتاب الأحوال الشخصية/ باب الظهار
علماً بأن هذه هي المرة الأولى التي أتلفظ بها بهذا الكلام.
...
ــ وسألته اللجنة ما يلي:.
... ــ كم مرة نطقت على زوجتك بالطلاق؟ قال: هذه هي المرة الأولى.
... ــ وسألته اللجنة عن ظروف هذه الطلقة، فأفاد بأن قصده من الحلف تهديد زوجته لكي تمتنع من ركوب السيارة وقيادتها ولم يكن قصده طلاق زوجته إذا خالفته.
* ... أجابت اللجنة:
بأن ما صدر من المستفتي يمين وقد حنثته فيه زوجته فعليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين. وتبقى معه زوجته على ثلاث طلقات. والله أعلم.
* * *
كتاب الأحوال الشخصية
باب /الإيلاء
1/50ح/87 ... ... آلى منها ويريد العودة قبل مضي مدة الإنظار(3/44)
[1214] حضر إلى اللجنة السيد/ هشام، وقدم الاستفتاء الآتي:
... إنني قد حلفت على زوجتي يمين طلاق في ساعة غضب شيطانية بقولي: عليّ الطلاق (منك) إنني لن أجامعك ولن يمس جسدي جسدك لمدة سنة كاملة.
... والآن أريد إصلاح خطيئتي حتى لا أرتكب ذنبا آخر في لحظة ضعف شهوانية، علما بأني لم أتعود الحلف بالطلاق، أو نادراً جدا ما أحلف بالله على أي شيء، وأنا الآن نادم على ذلك القول وأستفتيكم في توجيهي وإصلاح موقفي.
... ـ وسألته اللجنة: عن ظروف الحلف؟
فقال: طلبت من زوجتي في أحد الأيام أن أضاجعها فامتنعت، فحصل خلاف بيني وبينها فبدأت تغلط عليّ وتشتمني فلم أحتمل شتمها وغلطها، فقلت لها: عليّ الطلاق منك إنني لن أجامعك ولن يمس جسدي
جسدك لمدة سنة، ولم أكن أقصد الطلاق ولكن قصدي تأكيد الامتناع عن زوجتي، ولم أعاشرها منذ حصول هذا الحلف مني علماً بأنه لم يسبق مني أن تلفظت بالطلاق، ولم أحلف بالطلاق قبل ذلك.
* ... أجابت اللجنة:
... بأن ما وقع من المستفتي حلف فإذا عاشر زوجته قبل مرور أربعة أشهر فيترتب عليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو إخراج عشرة دنانير لعشرة مساكين لعدم قصده الطلاق بقوله ( عليّ الطلاق) وإنما قصد تأكيد امتناعه عن زوجته وإذا لم يعاشرها خلال الأربعة أشهر يتحول إلى طلاق. والله اعلم.
ـــــــــــــــــــ
الجماع بعد الظهار وقبل الكفارة
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الإيلاء والظهار
التاريخ 29/12/1423هـ
السؤال
ظاهرت امرأتي وقلت لها أنت محرمة علي مثل حرمة أمي ثم جامعتها واستمريت فترة شهرين وأنا أجامعها مع العلم أني أعرف أنها محرمة علي قبل الكفارة ثم ظاهرتها مرة أخرى، وبعد فترة جامعتها وأنا الآن التزمت بالصلاة وبديني وتوقفت عن مجامعة زوجتي، سؤالي: هل تلزمني كفارة واحدة أو كفارتين؟ وما حكم أيام العيد والتشريق إذا دخلت في أيام الكفارة (شهرين متتابعين)؟ وما حكم مجامعتي لزوجتي هل علي كفارة؟ مع العلم أني تبت إلى الله وتوقفت حتى أنهي موضوع كفارة الظهار. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
يحرم على المظاهر الجماع ودواعيه قبل أن يكفر؛ لقوله -تعالى-:"والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير" [المجادلة:3].(3/45)
وقوله -صلى الله عليه وسلم- للمظاهر:"لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" رواه الترمذي (1199) والنسائي (3457) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقال الترمذي: حسن غريب صحيح، كما حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/433)، لذا عليك التوبة من ذلك وعدم العود للجماع ودواعيه حتى تكفر وليس عليك سوى كفارة واحدة، وإن تخلل الصيام عيد وأيام تشريق ومرض مخوف لم ينقطع التتابع، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
حلف ألا يجامع زوجته
المجيب د.أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الإيلاء والظهار
التاريخ 28/5/1424هـ
السؤال
رجل أغضبته زوجته فأراد أن يؤدبها، فقال: (والله ما عاد أجيك) يعني: أجامعك، وهو لم يقصد الحلف، بل من الغضب حلف وهو لا يعلم، فما الحكم؟ هل يعد لغواً؟ وماذا يجب عليه إذا أراد الرجوع إليها إذا كان حلفاً، وهو أصلا يقصد أن يقول ما عاد أجيك؟
الجواب
إذا حلف الزوج على ترك جماع زوجته فإنه يعد موالياً -من الإيلاء- والإيلاء محرم.
فعليه الآن أن يجامع زوجته، ويكفر عن يمينه كفارة يمين؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير ويكفِّر عن يمينه" رواه مسلم (1650) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
يريد إعادتها بعد أن ظاهر وطلَّق
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الإيلاء والظهار
التاريخ 4/8/1424هـ
السؤال
شخص ظاهر زوجته ولم يمسها ثم طلقها بعد أسبوع من المظاهرة، ثم أراد إعادتها لعصمته بعد انتهاء عدتها، فهل عليه كفارة الظهار أم لا؟ وهل كفارة الظهار على الترتيب أو التخيير؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فيجب على الأخ السائل كفارة الظهار بعد مراجعة زوجته، وقد نصَّ العلماء على أنه يحرم على المظاهر الوطء ودواعيه قبل الكفارة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-(3/46)
للمظاهر:"لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" رواه الترمذي (1199)، والنسائي (3457) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال الترمذي: حسن غريب صحيح، كما حسَّنه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/433)، وكفارة الظهار على الترتيب كما ذكره تعالى في كتابه:" وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المجادلة:3-4]، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
حرم زوجته إن حضرت زواج أختها
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الإيلاء والظهار
التاريخ 4/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم قول الزوج: (إذا ذهبت لهذا الزواج فأنت عليَّ حرام، ولا أجيز حضورك لزواج أختك)، وكانا (أي الزوجين) في ساعة غضب ومشاجرة. فهل إذا ذهبت لزواج أختها تعتبر طالقاً؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، وبعد: فأنصح المرأة ألاَّ تذهب لزواج أختها خروجاً من الخلاف، فإن ذهبت فإن كان الأخ السائل قد أوقع التحريم فعليه كفارة الظهار، وهي المذكورة في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المجادلة:3-4]، ويحرم عليه جماع زوجته حتى يكفِّر، وإن لم يوقع التحريم بل حلف به فقط كان يمينا مكفرة، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" [التحريم:1-2]، وكفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: "لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ
كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" [المائدة:89]، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى،(3/47)
انظر إعلام الموقعين (3/83 - 93)، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــ
قال لزوجته: (تحرمين علي إلى يوم الدين) فما كفارته؟
المجيب هتلان بن علي الهتلان
القاضي بالمحكمة المستعجلة بالخبر
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الإيلاء والظهار
التاريخ 21/11/1424هـ
السؤال
ما كفارة حلف الزوج على زوجته: (تحرمي عليَّ ليوم الدين)؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
إذا قال الزوج لزوجته: أنت عليّ حرام أو زوجتي محرمة علي ليوم الدين، أو قال علي الحرام من زوجتي أو زوجتي كأمي أو أختي أو ابنتي، أو كظهر أمي أو كظهر أختي، وما أشبه هذه الألفاظ فهذا حكمه حكم الظهار في أصح أقوال أهل العلم، عند الأطلاق؛ إذا الحال في مثل القول الذي سألت عنه السائلة لا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: إذا نوى الزوج بهذا القول التحريم أو أطلق هذا القول مجرداً فإن حكمه حينئذ حكم الظهار كما سبق، وهو محرم، ولا يجوز، ومنكر من القول وزور كما سماه الله - تعالى - بذلك في أول سورة المجادلة بقوله: "الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ" [المجادلة:2]، فالواجب على الزوج أن يتوب إلى الله - تعالى - ويستغفره من هذا القول وارتكابه هذا المنكر، ولا يحل للزوج أن يقرب زوجته حتى يأتى بالكفارة التي أمره الله بها، ولا يحل لك أنت كذلك أن تمكنيه من نفسك حتى يفعل ما أمره الله - تعالى - به من الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة إن وجدها فإن لم يجدها صام شهرين متتابعين لا يقتطعها إلا بعذر شرعي كمرض وسفر ونحوهما فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً ثلاثين صاعاً لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو خطة أو نحو ذلك، قبل أن يمسها وقبل أن يقربها، وهذه الكفارة مذكورة بقوله - تعالى -: "وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:3]، وقال - تعالى -: "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [المجادلة:4].
الحالة الثانية: أن يقول زوجتي عليَّ حرام إن فعلت كذا أو هي محرمة علي ليوم الدين أن كلمت فلاناً، أو دخلت تلك الدار، أو ما يسافر للبلد الفلاني أو يزور أو تزور هي فلانة وما تذهب لأهلها وكون ذلك فهذا تحريم معلق، فإذا كان قصد منه(3/48)
منع نفسه من العمل الذي أراده أو منع زوجته مما ذكره من السفر أو الكلام أو الزيارة ونحوه وذلك للبحث أو للتصديق أو للتأكد فهذا يكون له حكم اليمين، ولا يكون له حكم الظهار في أصح أقوال أهل العلم، وعليه كفارة اليمين، وهي المذكورة بقوله - تعالى -: "فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ"[المائدة: من الآية89].
الحالة الثالثة: إذا أراد بقوله ذلك الطلاق ولم يرد التحريم بأن قال - مثلاً - زوجتي على حرام أو محرمة علي ليوم الدين، وقصد بذلك طلاقها، فهذا يكون طلقة واحدة، وتحسب عليه، فإن كان قد طلقها قبلها طلقتين تمت الثلاث، وحرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وإن لم يكن قد طلقها قبل هذا أو طلقها طلقة واحدة قبل أن يقول هذا القول فإن الطلاق يقع رجعياً بأن يكون له مراجعتها ما دامت في العدة، ويستحب أن يشهد على رجعتها شاهدين عدلين أن راجعها إذا كانت في العدة. والله - تعالى- أعلم.
ـــــــــــــــــــ
قال لزوجته: أنت علي كأختي!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الإيلاء والظهار
التاريخ 19/09/1426هـ
السؤال
قال صديقي لزوجته في ساعة غضب شديد: (أنت كأختي)، وندم على هذه الكلمة بعد ذلك، فهل عليه شيء؟ وما وضع زوجته بالنسبة له؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن قال لزوجته: "أنت علي كأمي، أو أختي" -أو غيرهن ممن يحرمن عليه على التأبيد بنسب أو رضاع- فهو ظهار يجب فيه كفارة الظهار الواردة في قوله تعالى: "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعلمون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم". [المجادلة: 3-4]، ولا يحل له أن يقرب زوجته حتى يُكفِّر؛ لنص الآية على ذلك والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى ابن الصلاح - (ج 2 / ص 256)
1050 مسألة الإيلاء إذا قال والله لا أجامعك إلا في حال حيضك أو حال موتك أو إحرامك أو إلا في المسجد أو نفي نهار رمضان فهو مولي لأن الوطء محرم في هذه الأحوال أو عليها الامتناع ويضرب المدة وبعد مضي المدة يضيق الأمر عليه فإن(3/49)
فاء في حالة الحيض أو في شيء من هذه الأحوال لا يرتفع اليمين ولكن يرتفع التفسيق لارتفاع المضارة ثم يضرب المدة ثانيا لبقاء اليمين كما لو ضيقنا الأمر على المولي فطلق سقط عنها التفسيق فإن راجع لا يضيق الأمر عليه في الحال بل تضرب المدة لبقاء اليمين ثم بعد يمينها يضيق الأمر عليه ثانيا
1051 مسألة إذا قال إن قربتك فلله علي صوم هذا الشهر أو إن كلمت فلانا فلله علي صوم هذا الشهر وقد بقي من الشهر نصف يوم فهو لغو كما لو نذر صوم نصف يوم لا ينعقد نذره فإن قبل إذا قلتم لي في بلد اللحاح كفارة اليمين وجب أن يؤدي يوما ها هنا قلنا إنما يجب في بلد اللحاح كفارة اليمين إذا التزم قربة وصوم نصف اليوم ليس بقربة فهو كما لو قال إن كلمت فلانا فلله علي أن أنظر أو أبني لا يكون شيئا فإنه قيل وجب أن يبني على ما نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان قلنا ثمة إذا قدم نهارا هل يلزمه قولان احدهما لا يلزم وإن قلنا يلزمه يصير كأنه قال علي صوم اليوم الذي يتصور فيه قدوم فلان فيكون ملتزما صومه من أوله وها هنا لو نذر نصف اليوم لا يصح أن يجعل كذلك
ـــــــــــــــــــ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 20 / ص 310)
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 258)
الإيلاء
الفتوى رقم ( 3510 )
س: إني متزوج ولي ثلاث بنات، وقد صار بيني وبين زوجتي خصام، مما جعلني أحرم أن لا أجامعها إلا بعد سنة من تاريخ الحرام، أي: بما معناه: (علي الحرام أني ما أجامعها إلا بعد سنة) أي: مثل الليلة التي صار فيها الخلاف، ونحن نتعالج لكي يكرمنا الله بمولود؛ لأنه من أكثر من ست سنوات لم نرزق مولودا، وهذا يرجع إلى ضعف جنسي، أرجو من فضيلتكم إفتائي إذا كان يحق لي شرعا الرجوع إلى أهلي قبل هذه المدة من عدمه، أثابكم الله ورعاكم.
ج: إذا كان الواقع كما ذكرت من قولك لزوجتك: علي الحرام ألا أجامعك إلا بعد سنة من تاريخ الزعل والتحريم- فقد ارتكبت إثما بتحريمك ما أحل الله لك، وعليك أن تتوب إلى الله وتستغفره مما صنعت، ولا يحرم عليك جماع زوجتك بهذا الحلف، بل لك أن تجامعها أثناء هذه السنة، وإذا جامعتها قبل انتهاء السنة فعليك كفارة يمين عما حصل منك من التحريم؛ لقوله تعالى:سورة المائدة الآية 87 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ سورة المائدة الآية 88 وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ سورة المائدة الآية 89 لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ الآية، وقوله تعالى: سورة التحريم الآية 1 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ سورة التحريم الآية 2 قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وكفارة اليمين: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة،(3/50)
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، والأولى أن تكون متتابعات. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال السادس من الفتوى رقم ( 9404 )
س6: إني آليت من امرأتي بأن قلت لها: والله لا جامعتك أكثر من أربعة أشهر، ثم جامعتها قبل أربعة أشهر، ماذا أفعل؟
ج6: إذا كان الواقع كما ذكر وجب عليك كفارة يمين
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 260)
وهي: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 10298 )
س3: هل يجوز لإنسان أن يحلف على زوجته بعدم ممارسة العملية الجنسية مهما كلف الظروف؟ بذلك حلف على هذا وعاد مع زوجته، الآن هل هذا يجوز أم لا؟
ج3: لا يجوز للمسلم أن يحلف على ترك وطء زوجته، فإن فعل ذلك ضربت له مدة أربعة أشهر، فإن رجع عن إيلائه ووطئها فقد فاء، وإن أبى الفيئة فرق بينهما الحاكم الشرعي؛ لقوله تعالى: سورة البقرة الآية 226 لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ سورة البقرة الآية 227 وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 261)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 20443 )
س2: ماذا يترتب على شخص هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر، فهل هذا يدخل في حكم الإيلاء؟ علما أن هذا الهجران كان تأديبا لزوجته على إصرارها على القيام(3/51)
ببعض التصرفات التي تحدث عادة بين الأزواج، وليس فيها ما ينافي الشرع، وما هو الإيلاء وكيف يتم؟
ج2: من هجر زوجته أكثر من ثلاثة أشهر فإن كان ذلك لنشوزها، أي: لمعصيتها لزوجها فيما يجب عليها له من حقوقه الزوجية، وأصرت على ذلك بعد وعظه لها وتخويفها من الله تعالى، وتذكيرها بما يجب عليها من حقوق لزوجها- فإنه يهجرها في المضجع ما شاء؛ تأديبا لها حتى تؤدي حقوق زوجها عن رضا منها، وقد هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه فلم يدخل عليهن شهرا، أما في الكلام فإنه لا يحل له أن يهجرها أكثر من ثلاثة أيام؛ لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: رواه من حديث أنس -رضي الله عنه-: مالك 2 / 907، وأحمد 3 / 110، 165، 199، 209، 225، والبخاري في (الصحيح) 7 / 88، 91، وفي (الأدب المفرد) (ص / 176)، برقم (398)، ط: الإمارات، ومسلم 4 / 1983 برقم (2559)، وأبو داود 5 / 213 - 214 برقم (4910)، والترمذي 4 / 329 برقم (1935)، وعبد الرزاق 11 / 167 - 168 برقم (20222)، وأبو يعلى 6 / 251 - 252، 252، 294 - 295 برقم (3549 - 3551، 3612)، والطحاوي في (المشكل) 1 / 398 برقم (454، 455)، والطبراني في (الأوسط) 8 / 33 برقم (7874)، ط: دار الحرمين بالقاهرة، والبيهقي 7 / 303، 1 / 232، والبغوي 13 / 100 - 101 برقم (3522). ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام أخرجه الإمام البخاري ومسلم في (صحيحيهما)، وأحمد في (مسنده). أما إن هجر الزوج زوجته في الفراش أكثر من أربعة أشهر إضرارا بها من غير تقصير منها في حقوق زوجها- فإنه كمول وإن لم يحلف بذلك، تضرب له مدة الإيلاء، فإذا مضت أربعة أشهر ولم يرجع إلى زوجته ويطأها في القبل مع القدرة على الجماع إن لم تكن في حيض أو نفاس- فإنه يؤمر بالطلاق، فإن أبى الرجوع لزوجته وأبى الطلاق طلق عليه القاضي أو فسخها منه إذا طلبت الزوجة ذلك.
(الجزء رقم : 20، الصفحة رقم: 263)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر بن عبد الله أبو زيد ... صالح بن فوزان الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ـــــــــــــــــــ(3/52)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام التبني
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(4/1)
لا يجوز لمن كفلت ولدا أن تمنع أمها من رؤيته
تاريخ 17 شوال 1427 / 09-11-2006
السؤال
أنا مسنة -70 سنة- أعيش في المهجر وحيدة, تبنيت طفلة غير شرعية, تكفلت بها بعد الولادة مباشرة, ونيتي إخفاؤها عن أمها إلى الأبد حتى لا تتعرف إحداهما على الأخرى, وبما أنني لا أستطيع تربيتها والعناية بها, تركتها عند قريبة لي في البلد الأصلي,التي بدورها تتركها بين الفينة والأخرى عند قريبة لنا حسب الظروف, على أني أزورها مرة كل سنة.هذا العمل لم يرض أخي الذي أخبرني بأنه عمل آثم لأسباب هي :
عدم كفاءتي في التربية، ومريضة، وغير مقيمة في البلد، والنية المبيتة في إخفاء البنت عن أمها والأم عن بنتها مع أن الأم حية ترزق ولا يفصل بينهما سوى 5 أو 6 كيلو مترات . واليوم بلغت البنت 7 سنوات ولا زال الأخ يلح علي لتمكين الأم من بنتها أو على الأقل إجراء مقابلات بينهما , وهذا ما لا أفكر فيه على الإطلاق إن عاجلا أو آجلا, لأنني أريدها أن تكون لي ولي وحدي. هل أعتبر في نظر الشرع آثمة؟ وهل أخي محق في ما يدعيه؟ وماذا علي أن أفعل؟أرشدوني جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كفالتك لهذه البنت وإحسانك إليها أمر طيب. إلا أنه يتعين أن تعلمي أن التبني حرام شرعا.
ثم إن الله تعالى أوجب رعاية الأولاد وحضانتهم، فعلى الأم أن تتحمل مسؤوليتها في ذلك، وإن كان الولد غير شرعي ووجدت الأم من يسترها بتحمل تربيته فلا يسوغ ذلك منعها من رؤية الولد أو البنت، ولا يحق لك أن تعقدي عزمك عليه للأبد، بل يتعين أن تلبي رغبتها في رؤية بنتها، ويتعين عليها بأن تراقب حالة البنت، فإن رأتها ضائعة رجعت عليها الحضانة، فالبنت تحتاج لتعليم وتربية على الأخلاق والأعمال الصالحة وحفظ عرضها.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها للمزيد من التفصيل فيما ذكرنا:9619، 57417، 12263، 7167، 7818، 34980.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المتبنى لا يرث ممن تبناه ولا ينسب إليه
تاريخ 15 صفر 1427 / 16-03-2006
السؤال
بنت عمي توفيت وتركت تركة وكانت متبنية ولداً وهي ليس لها إخوة من البنين، والآن هؤلاء الأخوات الإناث يردن توزيع التركة، ولكن هم في حيرة بسبب هذا الابن، مع العلم بأن أمها على قيد الحياة ويوجد لهذه المتوفاة مال على سبيل الأمانة(4/2)
معي فكيف أتصرف في هذا المال، وما وضع ذلك الولد في توزيع التركة، فأرجو إرسال الفتوى في أقرب وقت؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التبني لا يجوز في الإسلام، لقول الله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ* ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب:4-5}.
ولذلك فإن هذا الابن لا يرث ابنت عمك، ولا حق له في تركتها أو الانتساب إليها... إلا إذا كانت أوصت له بوصية من باب الإحسان، ويشترط للوصية ألا تكون أكثر من الثلث إذا وقعت، وعليك أن تدفع ما عندك من مال هذه المرأة إلى ورثتها الشرعيين وهم أخواتها وأمها، ولا علاقة لهذا الولد المتبنى بالتركة، ونرجو أن تطلع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 31933، 66082، 10374.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الإشكالات الشرعية في الانتساب عن طريق التبني
تاريخ 25 ذو القعدة 1426 / 26-12-2005
السؤال
أنا سيدة تبنتني عائلة أبي الذي رباني توفي فكيف أكفر عنه ذنب التبني رغم أنه رباني على خلق وأحسن معاملتي هو وأولاده الذين أعتبرهم إخواني وهم نفس الشيء أنا الآن متزوجة ولدي أولاد وأعلم من هما الأبوين الحقيقيين وهما يعرفاني وكل واحد له حياته الخاصة ولايريدان المواجهة لأنني عار عليهما وجزاكم الله في إعطائي النصيحة المثلى ؟
وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك أن لا تنتسبي إلى تلك العائلة التي تبنتك ، وضعي لنفسك اسماً وهمياً تنتسبين إليه ، لأن في بقائك على الاسم السابق إشكالات شرعية من ذلك: دخول الأجنبي في ميراث من تبناه ، وخلوته بأولاد من تبناه ، وغير ذلك ، وأما من تبناك فأكثري من الدعاء له بالمغفرة والرحمة فإن ذلك كاف إن شاء الله ، وأما من قلت بأنهما أبواك ،(4/3)
فإن كان الإنجاب تم عن طريق الزنا فهذا الرجل ليس أبا لك ، فإن الزنا لا يبنى عليه النسب ، وأما المرأة فهي أمك فإن تمكنت من صلتها والإحسان إليها فأمر حسن تؤجرين عليه ، نسأل الله تعالى أن يوفقك لفعل الخيرات .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نسب الطفل المتبنى
تاريخ 08 شعبان 1426 / 12-09-2005
السؤال
رجل تبني ولدين ذكرين لا يعرف نسبهما ونسبهما لنفسه دون علم أحد إلا هو وامرأته بعد الله تزوج الكبير والصغير خطب ولكن الصغير هذا سلوكه منحرف يسرق ويزني فعندما ضاق به الرجل أراد أن يكشف السر فهل يلزمه ذلك؟ مع العلم أنه قد يترتب علي ذلك طلاق الولد الكبير فهل يلزمه إخبارهما وإخبار أهل زوجتيهما مع العلم بأنه لا تؤمن العواقب لعراقة العائلتين وقد يتحطم الولدين تماما. وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}.
فالتبني بنسبة الشخص إلى غير أبيه لا يجوز، ولكن من فعله جهلا فلا حرج عليه، ومن فعله مع علمه أثم ، ومن تاب تاب الله عليه، كما بينا في الفتوى رقم: 58889.
وهنا لا يجوز لكم البقاء على ذلك، فيجب عليك أن تخبرهما بذلك مهما كلف، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره ربه أن يتزوج زوجة ابنه بالتبني ليبطل عادات الجاهلية ولم يكن شيء أشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، كما بين القرآن قال تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا {الأحزاب: 37}.
فهذا حكم الله في أولئك أن يدعوا لآبائهم ولا ينبغي خشية الناس في ذلك، فالله أولى بالخشية والطاعة، ولا يجوز البقاء على ذلك لما فيه من اختلاط الأنساب المحرم شرعاً وتضييع الحقوق كالإرث ونحوه، وكذلك دخولهما على زوجتك وليست محرماً لهما إن لم تكن أرضعتهما وغير ذلك من الأمور المحرمة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحكمة من تحريم التبني(4/4)
تاريخ 16 رجب 1426 / 21-08-2005
السؤال
أنا مهاجرساكن ببرلين المانيا ولقد سألني أحد الألمان عن التبني في الإسلام ولماذا حرام؟ وبحكم أنني لا أفقه كثيرا في الدين لم أستطع إجابته فأرجو أن تفيدوني بالرد وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني سبق حكمه في الفتوى رقم: 5036، وأما السؤال عن العلة والحكمة من تحريمه، فالتبني هو نسبة الإنسان إلى غير أبيه، بحيث يأخذ أحكام الابن من الصلب، في المحرمية، والإرث والصلة، وغير ذلك من أحكام البنوة، كما يترتب عليه الوقوع في الكثير من المخالفات الشرعية كالخلوة والمصافحة والرؤية لمن لا يحل له، ولهذا حرم التبني في الإسلام، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 58889. مع أنه محرم ولو قدر تجنب تلك المحاذير كلها.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
إثبات البنوة ونفيها عن طريق فحص الحامض النووي
تاريخ 08 رجب 1426 / 13-08-2005
السؤال
ما حكم الشرع فيمن يقوم بمنح اسمه لمن ليس من صلبه؟ وكذلك لمن كان ابن زنا قبل الزواج؟ وهل تطبق أي قوانين مدنية لمثل هذه الحالات؟ وما حكم الشرع في مسألة إثبات البنوة عن طريق اختبارات الحامض النووي؟
وفقنا الله وإياكم وجزاكم عنا كل خير.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني محرم في الإسلام، وهو إلحاق الرجل به طفلاً مجهول النسب أو معلومه، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 58889.
وأما من كان من صلبه ولكن بطريق الزنا، فالجمهور على عدم جواز تبنيه واستلحاقه، وذهب أبو حنيفة إلى لحوقه به إذا تزوج بالمرأة التي زنى بها، وسبق في الفتوى رقم: 6045.
ولاشك أن القوانين الوضعية لم تترك هذه الحالات دون حكم، فيسأل أهل الاختصاص في هذه القوانين.
وأما السؤال بشأن إثبات البنوة بفحص الحمض النووي DNA نقول:
البنوة من عقد شرعي، لا تحتاج إلى دليل على ثبوتها، لأن الأصل فيها الثبوت، على وفق القاعدة التي تقول: الولد للفراش. أي لصاحب الفراش وهو الزوج، وإن أظهر فحص الحامض النووي خلاف ذلك، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 64322.(4/5)
ولا يمكن نفي هذه البنوة إلا بطريق الملاعنة من الزوج، وتقدم بيانه في الفتوى رقم: 64624.
وهل للزوج التأكد قبل الملاعنة بقرائن كهذا الفحص المسمى فحص الحامض النووي DNA الجواب: لا بأس بذلك، ولكن بضوابط سبق بيانها في الفتوى رقم: 7424.
وأما إذا كان الولد بطريق الزنا، فلا ينسب للأب شرعاً، وإن أثبت الفحص الطبي نسبته إليه كما تقدم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز تسجيل الطفل بغير اسم والديه لغير ضرورة
تاريخ 01 رجب 1426 / 06-08-2005
السؤال
أنا الآن في لبنان لمدة قصيرة جدا وزوج عمتي متزوج زوجة أخرى على عمتي وهم يعيشون مع بعضهم البعض وهذه المرأة يوجد عندها طفل يبلغ من العمر تقريبا عشر سنوات أوأكثر لكنهم لم يطهروا الطفل، ويوجد أيضا عندهم طفل من امرأة زوجهم وهو يبلغ من العمر سنة وأمه تركته منذ كان صغيرا جدا وعمتي احتضنته منذ كان صغيرا وهي تريد أن تسجله معها وباسمها وليس باسم أمه التي ولدته, هل يجوز هذا الشيء وما هي النصيحة لأطفالهم؟
جزاكم ألله خيرا ,
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فختان الطفل وحكمه والسن المناسبة له كل ذلك بيناه في الفتوى رقم: 1960، وإذا لم يفعل للولد في صغره فينبغي فعله ولو بعد الكبر لأنه من خصال الفطرة، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الفطرة خمس أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الابط وقص الشارب. وأما حضانة الطفل وتربيته تربية حسنة ورعايته فكل ذلك من العمل الصالح الذي يؤجر فاعله إن قصد به وجه الله تعالى والدار الآخرة، وانظري الفتوى رقم: 22136، وأما تسجيل الطفل بغير اسم أبيه وأمه، ونسبته إلى غيرهما دون ضرورة إلى ذلك فلا يجوز شرعا لما ذكرناه في الفتوى رقم: 27090، والفتوى رقم: 31933. ولكن إذا كان التسجيل لمصلحة الطفل ودعت إليه ضرورة ولم يكن المقصود به تغيير حقيقة نسب الطفل وإنما هو أمر صوري يتوصل به إلى كسب حق به إن كانت أمه غير موجودة أو ترفض تسجليه باسمها. وإن حدث ذلك وتم تسجيله بغير اسم أبويه ، فليكن صوريا لا حقيقة له في الواقع ، وإذا دعي فلا يدعى إلا بنسبه الحقيقي. لأن تلك ضرورة فتقدر بقدرها ولا يتجاوز فيها إلى غير محلها. وأما الأطفال فنصيحتنا لهم ولذويهم هي أن يربوهم تربية حسنة ويعلموهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يرجى لهم(4/6)
بركته، وتسبق إلى قلوبهم فائدته وثمرته، لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر سيما وهم في تلك البلاد بين أصدقاء السوء. فينبغي تحصينهم بالعلم النافع وترويضهم بالعمل الصالح.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يشترط في المكنى أن يكون ذا ولد
تاريخ 20 جمادي الثانية 1426 / 27-07-2005
السؤال
ما هو الحكم الشرعي في رجل أعطى ابنه لأخيه الذي ليس له ولد وأصبح يكنى باسم ابن أخيه؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المقصود هو أن هذا الرجل أعطى ابنه لأخيه على وجه أن يتبناه وينسب إليه، فهذا لا يجوز إجماعاً، لمخالفته صريح القرآن، وراجع الفتوى رقم: 27090، والفتوى رقم: 32554.
أما إن بقي هذا الولد منسوباً إلى والده حقيقة فلا حرج أن يكنى به عمه، إذ لا يشترط في المكنى أن يكون ذا ولد، فقد كنيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بابن أختها عبد الله بن الزبير.
قال في فيض القدير عند حديث: أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار. وفيه وما قبله جواز التكني بأبي فلان، وإن لم يكن اسم ابنه؛ إذ لم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر، ولا يشترط للجواز كونه ذا ولد فقد كنيت عائشة بأم عبد الله ولم تلد، وكنى المصطفى صلى الله عليه وسلم الصغير فقال: يا أبا عمير ما فعل النغير. هـ
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
استلحاق معاوية لزياد ابن أبيه
تاريخ 08 ربيع الأول 1426 / 17-04-2005
السؤال
قرأت في كتاب الكامل لابن الأثير أن معاوية رضي الله عنه هو أول من رد أحكام الإسلام علانية عندما استلحق زياداً المعروف بزياد ابن أبيه، فهل ذلك صحيح، وهل لمعاوية رضي الله عنه عذر في ذلك، وما هو حاصل كلام الفقهاء في استلحاق ولد الزنا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسبق ذكر أقوال أهل العلم في حكم استلحاق ولد الزنا في الفتوى رقم: 12263.
وذكر استلحاق معاوية رضي الله عنه في الفتوى رقم: 43645.(4/7)
وأما استلحاق معاوية رضي الله عنه لزياد بن أبيه بأبي سفيان فقد ذكره غير واحد من المفسرين، ولعل عذر معاوية رضي الله عنه أنه لم يبلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تبني الطفل لإنقاذه من الكفر
تاريخ 01 ربيع الأول 1426 / 10-04-2005
السؤال
أنا أسكن بأمريكا ومتزوج من فتاة أمريكية مسلمة لديها طفلة صغيرة، أنا وزوجتي اتفقنا علي أن ننشئ الطفلة على الإسلام، لأن أبا الطفلة لا يهتم بها إطلاقا ولا يعترف بها، أنجبت زوجتي لي طفلا آخر وهو 5 أشهر الآن، ولكن المشكلة هي أن أهل زوجتي يضغطون بافتعال المشاكل لكي لا نربي الفتاة علي الإسلام، وعندما يريدون أن يقضوا معها وقتا وتكلمهم عن الإسلام يزدادون غيظا، وأصبحوا يفتعلون المشاكل ونحن نحاول أن نبتعد عنهم ونبعد الفتاة عنهم، وهم يهددون الآن بالذهاب إلي المحاكم للإبلاغ عنا وأشياء من هذا القبيل، وعندما أتكلم معهم يقولون لي هذه الطفلة ليست طفلتك وأنت لست أباها فلا تتكلم عنها ولا تجعلها على مثل دينك، اتركوها من غير دين وعندما تكبر تختار، أصبحت في مشاكل معهم لدرجة أن والد زوجتي وأخاها قد أتيا ليضرباني لأني لا أريد أن تشارك الطفلة في أعيادهم (الكريسماس, ايستر, هالويين) اقترحت على زوجتي بأن تكتب الطفلة باسمي لكي يكون لي الحق بأن أتكلم أمام أهلها بأني أبوها بالتبني.. وفي هذه الحالة لا يستطيعون أن يفعلوا ما يفعلون معها ومع الطفلة، ووالد الطفلة الأساسي ليس لديه أي تدخل بل هو قد يكون موافقا على أن تنسب البنت لأحد غيره، سوالي الآن هل يصح لي أن أنسب الطفلة لي وعلى اسمي لكي يكون لي الحق في أن أقف أمام أسرتها وأنشئها على الإسلام، وهل أستطيع أن أفعل ذلك لفترة مؤقتة حتى تكبر الطفلة على الإسلام وبعد ذلك نرجع اسمها لأبيها؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا حكم الإسلام في التبني، وحكم ما إذا دعت ضرورة إلى التبني في فتاوى كثيرة منها الفتوى رقم: 9619، ولا شك أن المحافظة على دين هذه البنت من الضروريات، فيمكن تبني هذه البنت بالطريقة التي تتمكن فيها من إنقاذها من الكفر، ولكن مع أخذ الاحتياطات التي تدفع أضرار التبني المترتبة عليه، ومن أضرار التبني اختلاط الأنساب فقد يرث الاب من ولده بالتبني والعكس فيكون كل منهما أخذ حق غيره، إضافة إلى مفاسد أخرى، وعلى أن يعاد الأمر إلى نصابه متى زالت الضرورة الداعية إلى التبني، وفقكم الله لطاعته.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(4/8)
ـــــــــــــــــــ
العمل في لجنة تعنى بتبني الأطفال
تاريخ 25 محرم 1426 / 06-03-2005
السؤال
أنا فتاة مسلمة أعمل بمؤسسة حكومية وبالتحديد في قسم يعنى بالطفولة كما أنني أشارك بحكم عملي في لجنة تنظر في ملفات عائلات ترغب في التبني. حيث إنه مسموح به في بلدنا. وسؤالي هو هل مشاركتي في الموافقة على مطالب التبني حرام حيث إنه لا يمكنني الاعتراض على هذا العمل؟أرجو إفادتي مع الشكر و جزاكم الله خيرا .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم حكم التبني في الإسلام في فتاوى عديدة منها الفتوى رقم 5036
وأن المقصود به إلحاق الرجل طفلاً مجهول النسب أو معلومه ونسبته إليه ،
وأما رعاية هذا الطفل والقيام بتربيته والإحسان إليه فلا حرج فيه، بل هو قربة من القربات، إذا روعي في ذلك كونه أجنبياً ليس ابنا ولا محرماً لزوجة الكافل وبناته.
وإليك نص فتوى الشيخ القرضاوي حول موضوع التبني باختصار وتفريقه بين التبني المحرم والتبني العرفي الجائز
قال "إذا كان الإسلام يُحرِّم التبني بمعنى: ضَمِّه إلى نَسَبِ الإنسان، وإعطائه النسب، وإعطائه حقوق البنوة؛ فإنه لا يُحرِّم التَّبَنِّي بالمعنى العُرْفِي، بمعنى الرعاية والاحتضان والكفالة والتربية والإنفاق، بل يَحُث على ذلك، ويَعتبِره من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى.
ثم قال: فاستلحاق مَنْ ليس ولدًا له بأي طريقٍِ مِنَ الطُّرق فهذا حرام كالتبني، بل هو التبني بعَينِه.
فقد قال ربنا: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ. {الأحزاب: 5} فهم يُصبحون إخواننا وموالينا، أما أن نَنْسِبهم إلينا فهذا لا يَجوز.
أما عن حكم معاملة هذا الطفل ، فإذا لم تكن هناك بُنُوَّةٌ من رضاعة فهو أجنبي، ليس مَحْرمًا، فلا بد أن تطبق عليه أحكام الاستئذان والدخول والخروج والنظر لا يَجوز أن يَرى من زوجته إلا ما يراه الأجنبي منها، ولا يَجوز أن يَختلِيَ بها إلا إذا كان هناك مَحرمية من رضاع. هذه كلها أمور يجب أن تكون معروفة.
وأنا أنصح الذين يَكفُلون أولادًا لا تُعرَف أنسابُهم في سِنِّ الرِّضاع: أن يُنشِئُوا لهم مَحرميَّة عن طريق الرضاعة، فالمرأة تُرضع الولد، أو أختها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها، بحيث تكون له محرمًا من الرضاع، فيجوز له أن يراها في ثيابها المعتادة في البيت، وأن يَختلي بها.
وإذا كان المكفول من هؤلاء بنتًا، فيمكن أن تُرضِعه أخت الرجل، أو ابنة أخته، أو ابنة أخيه، حتى تَنْشأ محرمية رضاعية بينَه وبين الطفلة، حتى تتيسر العشرة ويَسهُل التعامل بين الأسرة والمكفول. والله أعلم .انتهى كلامه(4/9)
فإن كان التبني المقصود في السؤال هو التبني المحرم الذي سبق معناه وهو الظاهر من كلامك فلا يجوز الموافقة عليه وإقراره، ويعد العمل فيه من التعاون على الإثم والعدوان
أما إن كان بالمعنى العرفي الذي سبق معناه فيجوز بل هو من القربات، وإن استطعتم أن ترشدوا من يأتي لطلب التبني إلى التبني بالمعنى العرفي وإلى إيجاد محرمية بينه وبين المكفول عن طريق الرضاع ، وتنهوه عن التبني المحرم فنرجو أن تبرأ به ذمتكم .
والله أعلم .
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
التبني محرم في الإسلام
تاريخ 01 محرم 1426 / 10-02-2005
السؤال
هل يغفر الله لمن تبنى طفلا ولم يقل له الحقيقة إلا بعد بلوغه العشرين من عمره؟
وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني محرم في الإسلام، وهو إلحاق الرجل به طفلا مجهول النسب أو معلومه، لقوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب: 5}.
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 7167.
وقد ثبت في البخاري ومسند أحمد وغيرهما من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وفي البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنهما: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر.
وهذان الحديثان يدلان على أن الانتساب إلى غير الأب من كبائر الذنوب، ومن تبنى طفلا ما بطريقة محرمة جهلا منه بتحريم التبني وعدم علمه بالحكم في هذه المسألة فلا حرج عليه، ومن فعل ذلك مع علمه ثم تاب منه فإن التوبة تجب ما قبلها، فبادر إلى التوبة فمن تاب تاب الله عليه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الحصول على الجنسية ليس مبررا لانتساب الشخص إلى غير أبيه
تاريخ 07 ذو الحجة 1425 / 18-01-2005
السؤال
ما حكم من انتسب لغير أبيه لطلب المعيشة؟ بمعنى آخر أنا شخص انتسبت لعمي الذي يعيش في دولة أجنبية من أجل اكتساب جنسية الدولةالتي يقطن فيها عمي وكل(4/10)
هذا طبعاً بالتنسيق بين أبي وعمي. فهل أنا وهم من المحرومين من ريح الجنة؟ أفتونا أثابكم الله.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني محرم لا يجوز، لأن فيه خلطاً للأنساب وتضييعاً للحقوق من الميراث وغيره، وهذا ما بيناه في فتاوى سابقة منها الفتوى رقم: 17630، وما فيها من الإحالات. ونحن لا نرى أن الحصول على الجنسية مبرر للانتساب لغير الأب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز نسبة الطفل المتبنى لاسم من يتبناه
تاريخ 28 رمضان 1425 / 11-11-2004
السؤال
نحن أسرة مصرية متحابة جدا، ذات يوم وفي حدود الساعة الواحدة والنصف ليلا كان أبي خارج المنزل هو وأخي ووجد تجمهراً من الناس فنزل من السيارة فوجد طفلاً حديث الولادة حيث مضت على ولادته 3 ساعات تقريباً ملقى على الأرض وفي البرد القارس فقرر أخذه إلى بيتنا وبالفعل قمنا بأخذه وتربيته معنها وهو الآن عنده 5 أشهر تقريباً ونحبه حباً شديداً جدا قد يفوق حب الأخ منا لأخيه الآخر، المهم أن الحكومة في مصر قد قامت باختيار اسم له وبالتالي فهو غير منسوب إلينا، والسؤال هو: أننا نعيش في قرية ريفية بها عادات وتقاليد سيئة وإن هذا الأخ الصغير سوف ينشأ بها ونخاف عليه من الصدمات النفسية التي سوف يتعرض لها وخاصة أن اسمه مختلف عنا فقررنا أن نسميه باسمنا حتى نستطيع حمايته من المجتمع، فما حكم الإسلام في هذا؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التبني وهو أن ينسب المرء إلى غير أبيه لا يجوز، وقد أبطله الإسلام بعد أن كان معروفاً في الجاهلية، قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب:5}، والتبني له محاذير كثيرة، منها: أنه قد يؤدي إلى الخلوة أو المصافحة ونحوها بين المتبنى وبين أخواته بالتبني، مع أنهن أجنبيات عليه شرعاً.
ومنها أنه قد يحصل توارث بالتبني، ومنها غير ذلك مما تضيع فيه الحقوق وتختلط الأنساب، وعليه فلا يجوز أن تسموا الولد المذكور باسمكم، وعليكم أن تحموه من العادات السيئة الموجودة في قريتكم بما تستطيعونه من الحماية، ولكم الأجر الكثير من الله في ذلك، ولا يلزم للحفظ المذكور أن يتسمى الولد باسم أسرتكم.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(4/11)
حكم إلحاق الطقل مجهول النسب بنسب من يكفله
تاريخ 26 شعبان 1425 / 11-10-2004
السؤال
ليس لي أطفال وأريد أخذ طفل من المستشفي لتربيته أنا و زوجتي .ولكن المشكلة في تسمية الطفل؟ في المستشفى الطفل مجهول وجد في الشارع هل يمكنني إعطاؤه اسمي؟ ولو أخذ اسما آخر فإن المشكلة أخاف أنه عندما يكبر يقول أنا ابن من؟ هل أنا ابن زنا؟ و لتفادي كل هذه الأسئلة وضياع مستقبل هذا الطفل هل الإسلام يسمح لي إعطاءه لقبي العائلي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الطفل مجهول الأب ولم يدع نسبه أحد، فإنه لا ينسب لأحد، وإنما يدعى أخاً في الدين، كما جاء في قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ {الأحزاب: 5}.
أما إلحاقه بنسب من يكفله، فهو محرم تحريماً غليظاً، وتترتب عليه مفاسد كبيرة.
وإليك نص فتوى الشيخ القرضاوي حول موضوع التبني باختصار قال: إذا كان الإسلام يحرم التبني بمعنى: ضمه إلى نسب الإنسان، وإعطائه النسب، وإعطائه حقوق البنوة، فإنه لا يحرم التبني بالمعنى العرفي، بمعنى الرعاية والاحتضان والكفالة والتربية والإنفاق، بل يحث على ذلك، ويعتبره من أعظم القربات إلى الله تبارك وتعالى.
ثم قال فاستلحاق من ليس ولداً له بأي طريق من الطرق فهذا حرام كالتبني، بل هو التبني بعينه.
فقد قال ربنا: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ. فهم يصبحون إخواننا وموالينا، أما أن ننسبهم إلينا فهذا لا يجوز. أما عن حكم معاملة هذا الطفل، فإذا لم تكن هناك بنوة من رضاعة فهو أجنبي، ليس محرماً، فلابد أن تطبق عليه أحكام الاستئذان والدخول والخروج والنظر لا يجوز أن يرى من زوجته إلا ما يراه الأجنبي منها، ولا يجوز أن يختلي بها إلا إذا كان هناك محرمية من رضاع. هذه كلها أمور يجب أن تكون معروفة.
وأنا أنصح الذين يكفلون أولاداً لا تعرف أنسابهم في سن الرضاع أن ينشئوا لهم محرمية عن طريق الرضاعة، فالمرأة ترضع الولد، أو أختها أو ابنة أخيها أو ابنة أختها، بحيث تكون له محرماً من الرضاع، فيجوز له أن يراها في ثيابها المعتادة في البيت، وأن يختلي بها.
وإذا كان المكفول من هؤلاء بنتاً، فيمكن أن ترضعه أخت الرجل، أو ابنة أخته، أو ابنة أخيه، حتى تنشأ محرمية رضاعية بينه وبين الطفلة، حتى تتيسر العشرة ويسهل التعامل بين الأسرة والمكفول. والله أعلم. انتهى كلامه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ(4/12)
الأب الذي يجوز الانتساب إليه
تاريخ 24 جمادي الثانية 1425 / 11-08-2004
السؤال
أنا شاب عمري 27 عندي مشكلة التبني ..عرفت الحقيقة العام الماضي وحاولت أغير لكوني عرفت والدي الحقيقي لكن المشكلة أمي تهددني أني لو غيرت اسمي ستموت نفسها ..... وأنا لا أريد أن أتسبب في شيء يحصل لها لكونها هي لتي تعبت على تربيتي ونفس الوقت لا أريد أن أتخلى عن نسبي الحقيقي .
أرجو منكم العون.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني حرام ويترتب عليه مفاسد كثيرة، ويغلب على ظننا أنك لو بينت لوالدتك ذلك فلن تصر على مخالفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتفاق علماء المسلمين، ويمكنك أن تعرض عليها هذه الفتوى وكذا الفتاوى التالية برقم: 49144 ورقم: 48593 ورقم: 32352 ورقم: 38324 ورقم: 45060.
وننبه إلى أن الأب الحقيقي الذي يجوز الانتساب إليه هو من كان عن طريق نكاح صحيح، أما من كان عن طريق الزنا فليس أبا يجوز الانتساب إليه كما وضحنا ذلك في الفتوى رقم: 21630.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
يواجه عقبات في إبطال التبني الذي قام به جاهلا
تاريخ 27 جمادي الأولى 1425 / 15-07-2004
السؤال
أنا مسلم أعيش بديار الغربة، تزوجت بامرأة فرنسية وكان لها طفل لا يتراوح عمره سنتين ومن علاقة غير شرعية، تبنيت هذا الطفل، مع العلم أنني كنت لا أعلم أن التبني حرام، وقمت بجميع الواجبات من ختان وتسمية مسلمة إلى غير ذلك، الآن هذا الطفل يحمل اسمي العائلي ويبلغ من العمر 22 سنة، فماذا أفعل والمسطرة المعمول بها لإلغاء هذا التبني جداً معقدة، وربما قد تcدي إلى الطلاق من زوجتي التي اعتنقت الإسلام منذ زواجنا، الرجاء أفتوني في أمري هذا إني حائر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حرم الإسلام التبني لمقاصد عظيمة، ومنها عدم اختلاط الأنساب، أو تضييع الحقوق، أو تغيير الحقائق، فكان تحريمه صيانة لهذه الأمور وغيرها.
وقد أحسنت في رعاية هذا الولد والاعتناء به، وأخطأت بتبنيك إياه، فاحرص في مستقبل الأيام على السؤال عن الحكم الشرعي فيما تقدم إليها من تصرفات، قال الله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43].(4/13)
والواجب عليكم الآن إلغاء هذا التبني متى ما كان ذلك ممكناً، بحيث لا تترتب على هذا التغيير بعض المفاسد، وحيث ترتبت على ذلك بعض المفاسد فلا حرج إن شاء الله في إبقاء الأمر على حاله، وكتابة وثيقة معتبرة بهذا التبني حتى تؤمن المحاذير المذكورة سابقاً، وراجع الفتوى رقم: 45060.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تسجيل الرجل ابنه من زوجته المتوفاة باسم زوجته الثانية
تاريخ 11 ربيع الثاني 1425 / 31-05-2004
السؤال
رجل تزوج بامرأة وليس لها وثائق ولا عقد زواج رسمي. وأنجب منها ابنا وبعد ذلك توفيت وتزوج بعد وفاتها بامرأة أخرى وأنجب منها أولادا وأراد برضاها أن يسجل ابنه باسمها بسبب احتياجه للأوراق المدنية .
السؤال : ما حكم الشرع في ذلك
و شكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الزواج الذي تم بين هذا الرجل المذكور وامرأته المتوفاة قد استوفى شروط النكاح الصحيح المبينة في الفتوى رقم: 1766، فالنكاح صحيح، ولا يؤثر فيه كون المرأة ليس لها أوراق أو أن النكاح لم يسجل في المحاكم الشرعية؛ وإن كان ذلك أصبح من الأمور المتبعة قانونيا خوفا من ضياع حقوق الطرفين.
أما بالنسبة لتسجيل ولد المرأة المتوفاة باسم زوجة أبيه الثانية فالأصل عدم جواز ذلك لما فيه من الكذب، ولما قد يترتب عليه من آثار غير شرعية وإن كانت أقل مما يترتب على انتساب الرجل إلى غير أبيه.
وبإمكان والد هذا الابن أن يبين لمن يصدرون تلك الوثائق الرسمية حقيقة الأمر ويأتيهم بما لديه من بينات أن هذا ابنه من تلك المرأة عسى أن يقبلوا بذلك، ولكن إذا تعين تسجيل هذا الابن باسم زوجة أبيه الثانية وكان عدم تسجيله قد يلحق به ضررا فلا مانع منه.
لأنها تعتبر بمعنى من المعاني هي أمه حيث يجوز له مصافحتها والخلوة بها لأنها زوجة أبيه وأولادها من أبيه إخوة له، ولكن ليُشْهِد على أنه غير ولدها حتى لا تلتبس الأمور فيرث منها إن ماتت ونحو ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يخبر المتبنيان بأنهما ليسا ابنين لمن تبنوهما
تاريخ 07 ربيع الثاني 1425 / 27-05-2004
السؤال(4/14)
عائلة يتكون أفرادها من أب وأم 13 ابنا وابنة
قام الأبوان بتبني بنت وتوأمين من عائلتين مختلفتين ونسبوا جميعا إلى اسم العائلة التي تبنتهم كتب الوالدان لهم وصية الثلث في الميراث السؤال هل يجب إخبارهم بأنهم ليسوا من هذه العائلة مع العلم بأن الأبوين بالتبني لا يزالان أحياء هل ما فعلاه حلال أم حرام وشكرا جزيلا؟ الوالدان يعرفان نسبهم الحقيقي وما هو حكم الشرع في الوصية بالثلث أوغيره؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب أن يخبر هؤلاء بأنهم ليسوا من العائلة، وذلك لعدة أمور:
1-أن الله تعالى أمر بأن يدعى المرء إلى أبيه لا إلى غيره، قال تعالى: [ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ] (الأحزاب: 5). وهذا إبطال منه تعالى للتبني.
2- أن البنت المتبناة إذا لم تكن أرضعتها الأم المتبنية فإنها أجنبية على سائر الذكور الموجودين في الأسرة، فلا تجوز الخلوة بينها وبين أحد منهم، ولا المصافحة ولا النظر إلى ما لا تحل رؤيته للأجنبي من الأجنبية، ومثل هذا لا يمكن التحرز منه ممن لا تعلم أنها أجنبية على الأسرة، وقل مثل ذلك في الذكر المتبنيَّ مع الإناث الموجودات في العائلة.
3- أن البنوة ترتبط بها أحكام كثيرة من إرث وولاء وعقل وغيرها، ولا يجوز أن يبقى ذلك مجهولا، ولكن ينبغي أن يخبروا بطريقة لا تجرح شعورهم.
- ثم ما فعله الوالدان –عفا الله عنهما- لا يجوز، لأن التبني قد أبطله الإسلام، وقصة زيد بن حارثة معروفة، وراجع في حكم التبني الفتوى رقم: 5036.
- وأما الوصية فإذا لم يُرجع فيها قبل موت الموصى فإنها نافذة لأن المرء له أن يوصي بثلث ماله فأقل، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 16812
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هبة الأب ابنه لمن يتبناه باطلة شرعاً وغير نافذة
تاريخ 30 ربيع الأول 1425 / 20-05-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا وأخي متزوجان من أختين، وأخي تزوج قبلي بخمسة عشر عاماً، ولم يرزق بأطفال وتزوجت أنا من أخت زوجة أخي ورزقت بولدين وبنت، وعندما حملت زوجتي بالمولود الرابع طلب مني أخي أن أعطيه هذا المولود ليربيه ويكتبه باسمه وينسبه له، فوافقت وحدث هذا منذ أربع سنوات وكان هذا المولود ولدا فأخبرني كثير من الناس أن هذا لا يجوز وأنه حرام، فماذا أفعل، علما بأن أخي وزوجته متعلقان بذلك الطفل وأخاف عليهم من الصدمة، أرجو إفادتي بسرعة، وكان الله في عونكم؟
الفتوى(4/15)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هبة الأب ابنه لمن يربيه ويتبناه باطلة شرعاً وغير نافذة، فالأب لا يملك حق التصرف بولده بهبة أو نحوها، فالحر لا يملك ولا يباع، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى الإسلام أبطل التبني وحرم الانتساب إلى غير الأب، قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنهما: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر.
فهذا الحديث يدل على أن الإنتساب إلى غير الأب من كبائر الذنوب، وإذا كان الأمر كذلك فالأب الحقيقي والمتبني إذا اتفقا على نسبة المولود لغير والده الحقيقي -كما في السؤال- فهم المتحملون لذلك الوزر العظيم، لذلك فإنا نقول للسائل: لا يصح ولا يجوز لك أن تسجل ابنك باسم أخيك ولا أن تدعوه له، لأن هذا هو حقيقة التبني، لكن إذا شئت أن تضع ابنك تحت يد أخيك يكفله ويربيه ويستأنس به من دون تبن له ولا انتساب إليه فلا حرج، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 5036.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
صديقتها تبنت ذكرا وأنثى وسمتهما باسم زوجها
تاريخ 22 ربيع الأول 1425 / 12-05-2004
السؤال
لي قريبة تبنت ذكراً وأنثى وهم يعيشون مع بعض، وكتبت الطفلين باسمها واسم زوجها أي تبنتهما وهما لا يعرفان حتى الآن وقد توفي الأب وتزوجت البنت ورزقت بطفلين، ماذا أفعل تجاه ربي حتى لا أحاسب، وهل هناك ما أفعله حيث إني أعلم الحقيقة وحدث ذلك منذ 30 عاماً؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذي فعلته هذه المرأة ذنب عظيم وخطأ جسيم، حيث ألحقت هذين الولدين بزوجها ونسبتهما إليه افتراء، والتبني حرام أبطله الإسلام حفظاً للأنساب المجمع على وجوب حفظها، لقول الله تعالى في سورة الأحزاب: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:5]، وإذا علم الرجل أن المرأة ألحقت بنسبه ما ليس منه وجب عليه نفيه لما في عدم نفيه من دس أجنبي بين أولاده، فإن لم ينفه فقد أقر باطلاً ورضى بالتبني في الإسلام وهو باطل بالإجماع، ولا يعني هذا عدم جواز رعاية الأيتام أو التخلي عنهم بل إن ذلك قربة من القربات إذا روعي في ذلك كون المكفول أجنبياً وليس ابنا ولا محرماً لزوجة الكافل ولابناته إلا برضاع إن حصل بشروطه، وكذلك الحال في البنت في حال كونها تحت رعاية كافل أجنبي عليها فيجب عليه أن يعتبرها أجنبية، أما بالنسبة لك فإنك لست مسؤولة عن تصرفات غيرك لأن الله تعالى يقول: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ(4/16)
أُخْرَى، ففي هذه الآية الكريمة بين الله سبحانه وتعالى أن المرء لا يؤاخذ بجريرة غيره ولا بذنب لم تقترفه يداه، إلا أنه كان عليك أن تنصحي هذه المرأة وزوجها وتذكريهما بحرمة ذلك، فالدين النصيحة، كما في حديث مسلم الصحيح، هذا إذا كان الأمر الذي ذكرتيه صحيحاً مقطوعاً به، وإلا فلا يجوز لك الخوض في أعراض المسلمين، وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 27155.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
المتبناة أجنبية عن المتبني وأولاده
تاريخ 15 صفر 1425 / 06-04-2004
السؤال
تولى ابن عمى تربية ابنة لقيطة وسجلها باسمه هو وزوجته مع أنه معه من الأولاد سبعة
حتى كبرت ووصلت إلى الصف الثالث الإعدادي فتوفي ابن عمى من حوالي شهر ويسأل أبناؤه الآن ما موقف هذه الابنة منذ كل شيء وهل أذنب ابن عمى عندما سجلها باسمه وما الحل بعد وفاته ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني قد أبطله الله بقوله تعالى:
[ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ] (الأحزاب: 5).
وراجع في حكم التبني الفتوى رقم: 32352.
وبناء عليه، فهذه البنت تعتبر أجنبية على أبناء ذلك الرجل، وليس لهم معها أي علاقة خاصة، إلا أنها أختهم في الدين، فلا يجوز أن يختلي بها أي منهم، ولا أن يصافحها أو يرى من عورتها ما لا تحل رؤيته من الأجنبية، ما لم تكن بينها وبينهم رضاع معتبر شرعا، بكونه خمس رضعات مشبعات في زمن الرضاع، ومن أمهم أو من في حكمها.
وليس لها حظ من مال متبنيها إلا إذا كان ملكها شيئا في حياته، فهو لها بشروط التمليك الشرعية، من حيازة وكونه غير وصية بأكثر من الثلث ونحو ذلك.
وأما عن هذا الوالد رحمه الله فإنه قد يكون معذورا بالجهل، إذا لم يكن على علم بحرمة التبني، لكن على أبنائه أن يواظبوا على الاستغفار له والدعاء بالرحمة، لعل الله يغفر له، فعله ذلك.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم التبني في الأوراق الرسمية فقط للمصلحة الشرعية
تاريخ 12 محرم 1425 / 04-03-2004(4/17)
السؤال
أنا متزوجة من أجنبي مسلم والحمد لله، وقد تكفلنا بابنتي أختي واحدة عمرها 16 والأخرى 14. موضوع التكفل بها كان نتيجة مشاكل بين الأب والأم. حتى أكون صادقة معكم، أمهما تحب شخصا آخر غير زوجها هو صديق زوجها.المهم أنها كانت تأخذهما معها خلال الزيارات وما شابه. تكفلنا بهما جاء خوفا عليهما خصوصا أن الأبوين طلقا والأم تخطط للزواج من عشيقها.
الآن بدأت تواجهنا مشاكل عديدة لاصطحابهما معنا في الأسفار و خصوصا أنا لانسكن بلدنا بل طبيعة عمل زوجي تقتضي التنقل باستمرار.
فهل التبني لتجنب مثل هذه المشاكل حرام مع العلم أن الجميع عرف أنهما بنتا أختي فقط تبني إداري لحفظهما من الرجوع إلى الشارع.
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتبني محرم لا يجوز، لأن فيه خلطاً للأنساب وتضييعاً للحقوق من الميراث وغيره، ولأن البنت التي تم تبنيها قد تخلو بمن تبناها أو بأولاده، وقل مثل ذلك في الذكر الذي تم تبنيه، وهذا ما بيناه في فتاوى سابقة منها الفتوى رقم: 17630 وما فيها من الإحالات.
ولكن إن أمنتم من هذه المحذورات المترتبة على قضية التبني، وكان الأمر مجرد وثائق رسمية تعين على كفالة البنتين، ولم يترتب على ذلك محظور من محظورات التبني، وكان في ترك إلحاق البنتين بالأسرة ضرر محقق أو غالب على الظن يعود على البنتين فلا بأس، خاصة أن في بقاء البنتين مع أمهما إفساداً لهما في ما يظهر من السؤال.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تبنيك لهذه البنت إثم
تاريخ 10 شعبان 1424 / 07-10-2003
السؤال
لم يشأ الله أن أرزق بأطفال، فتبنيت بنتا وكتبتها باسمى وكتبت كل ما أملك باسمها ضمانا لها، حيث إن لي إخوة لم يزرني أحد منهم إلا لمصلحته ولم أر منهم أي صلة رحم أو حنان مهما أعمل لهم، الجفاء موجود حتى من قبل أن أتبنى ابنتي، ولهذا السبب كتبت كل ثروتي لابنتي، فما رأي الدين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي المسلم أن الإسلام قد حرم التبني وأبطله بقول الله سبحانه: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ [الأحزاب:4].(4/18)
إذا ثبت هذا فإن ما قمت به من تبنٍّ لهذه البنت إثم تجب عليك التوبة منه، ولا يترتب على هذا التبني أي من أحكام الشرع من الإرث ووجوب النفقة وحرمة المصاهرة، فيجب تغيير هذه النسبة، لكن في مقابل ذلك رغب الإسلام في رعاية أمثال هؤلاء اللقطاء، إذ أن في الإحسان إليهم براً وقربة لله تعالى، وأما هبة هذا المال لها فهبة صحيحة إذا توافرت شروطها، من رفع يدك عن هذا الشيء الموهوب، وتصرف هذه البنت فيه تصرف الملاك.
لكن ننصحك بأن تحسن إلى إخوانك هؤلاء، وأن لا تحرمهم من برك، بل الإحسان إليهم أولى من الإحسان للغريب، إذ أنه صدقة وصلة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولمزيد من الفائدة نحيلك على الفتوى رقم: 35581، والفتوى رقم: 9544.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
البديل المشروع عن التبني
تاريخ 21 ربيع الثاني 1424 / 22-06-2003
السؤال
لدي مشكله بالنسبه للإنجاب فمنذ صغري لا توجد لدي حيوانات منوية، وعلى الرغم من ذلك فقد أحببت فتاة وصارحتها بذلك وتزوجنا وبالفعل لم ننجب ومضت الأيام، لكني أحس بالحزن في قلب زوجتي لذلك قررت فكرة التبني ولكن بعض الأشخاص قالوا لي إن التبني في المنزل حرام نظراً لأنه عندما يكبر يصبح بالغاً مع زوجتي وهذا حرام ولكن ليس أمامي إلا هذا الحل وإلا الطلاق لأنها تريد أطفالاً، أريد أن أعرف هل هذا فعلاً حرام أم حلال باعتبار أنه كفالة يتيم بالمنزل، هذا وأسأل الله أن يمن علي بالرد سريعاً لأني أعيش وزوجتي في عذاب؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله لك العافية والعون والتوفيق، واعلم أخي الكريم أن التبني قد أبطله الإسلام وأن انتساب الشخص إلى غير أبيه حرام، وراجع الفتوى رقم: 9619. لكن لكما أن تربيا ولداً أو أكثر -ويحبذ أن يكون يتيماً- من غير تبنٍّ، وإذا أردت أن يكون مَحْرَماً لزوجتك فلترضعه أختها أو أمها، وراجع الفتوى رقم: 4360. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
الرعاية إحسان والتبني حرام.
تاريخ 11 ربيع الأول 1424 / 13-05-2003
السؤال
أنا سيدة متزوجة منذ 15 سنة ولم أنجب وأرغب في تبني طفل ولكني سمعت أن التبني يكون لطفل يتيم غير لقيط، هل فعلا تبني الطفل اللقيط حرام رغم أنه ليس له(4/19)
ذنب أنه وجد لقيط، وأعرف أن اليتيم لا يكتب باسمي أو أورثه من مالي أفيدوني بالله عليكم؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن التبني حرام مطلقاً سواء كان الطفل المتبنى لقيطاً أو يتيماً أو غير ذلك، لعموم دليل التحريم، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 7167. ولعل السائلة تقصد بسؤالها رعاية الطفل وتربيته، ولا شك أن هذا من البر والإحسان ومما يتقرب به إلى الرب الديان، ويستوي في هذا الحكم اللقيط وغيره، لكن لا تجوز نسبته إلى من تبناه كما سبق، وحينئذ لا تترتب على رعايته، وتربيته أحكام البنوة من الميراث وغيره، لكن يجوز أن يوصى له بالثلث من المال فما دونه، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 9544. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
التبني عادة جاهلية محرمة قد أبطلها الإسلام
تاريخ 24 ربيع الأول 1424 / 26-05-2003
السؤال
ما رأيكم في المسلم الذي ينوي تبني طفل مسيحي ليدخله الدين الإسلامي مع علمه بأن التبني حرام؟ والسلام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن التبني عادة جاهلية محرمة وقد أبطلها الإسلام، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ* ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:4-5]. وأما تبنيك لهذا الولد بنية دخوله في الإسلام فهي نية طيبة ولكن العمل لا بد أن يوافق الشرع، ولذا فيمكن قيامك بكفالته ورعايته في بيتك حتى ينشأ على الإسلام، وحافظ على اسمه ونسبه إن علمته، وإلا فهو أخوك في الدين ومولاك، قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5]. وراجع الفتوى رقم: 5036. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نسبة شخص إلى غير أبيه ولو في الأوراق الرسمية لا يجوز
تاريخ 14 ربيع الأول 1425 / 04-05-2004
السؤال
تبنى أبي طفل وذلك منذ30 سنة حيث أن زوجته الأولى كانت لا تنجب وذلك تلبية لمطلبها ثم توفاها الله وبعد ذلك تزوج من أمي فأنجب ثلاثة أولاد مع العلم بأن هذا الطفل المتنبى صار رجلاً وله وضعه الاجتماعي وتزوج وأنجب فماذا عليّ من ذنب ونحن الثلاثة صرنا إخواناً رسميا له دون إرادتنا؟ مع العلم بأن أبي قد أبلغه(4/20)
بكل ذلك على أن لا يشترك في ميراثه بعد وفاته وأنه لا يريد أن يدمر مستقبله بإسقاط نسبه.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن التبني -وهو انتساب الشخص إلى غير أبيه- لا يجوز شرعاً، فقد حرمه الله تعالى في محكم كتابه، حيث يقول تبارك وتعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ... [الأحزاب:5]. وانتساب الشخص إلى غير أبيه في الأوراق الرسمية لا يغير من الحكم الشرعي شيئاً، فلا يجعل المتبنى ابناً للمتبني ولا أخاً لبناته، ولا غير ذلك مما هو خاص بالولد الشرعي. لذا، فيجب عليكنّ أن تبتعدن عن هذا الرجل ولا تتكشفن أمامه، ولا يختلي مع إحداكنّ، إذ هو كغيره من الأجانب، ولمزيد من الفائدة يراجع الجواب رقم: 27155. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
هبة الوالد ابنه لصديقه حرام
تاريخ 30 ذو القعدة 1423 / 02-02-2003
السؤال
وهب ابنه لصديقه الذي ليس لديه أولاد هل تجوز هذه الهبة ولماذا؟ وجزاكم الله خيراً...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كنت تقصد بالهبة الهبة الشرعية، وهي تمليك الموهوب له الموهوب، فلا شك أن هذه الهبة المذكورة لا تحل بإجماع المسلمين إذ كيف يُملكُّ الحرُّ وكيف يتصور في العقل أن الأب يُملك ابنه لرجل آخر، وإذا كان العلماء يمنعون أن يهب الأبُ من مال ابنه بلاعوض وعند بعضهم ولو بعوض، فكيف يجوز أن يُوهب الابن نفسه؟.
وإن كنت تقصد أنه يسلمه أباه على سبيل التبني، فحرام أيضاً بالكتاب والسنة والإجماع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا بد من تغيير اسم المتبنى بما يوافق الواقع
تاريخ 14 ربيع الأول 1425 / 04-05-2004
السؤال
لدي صديق متزوج وله أولاد واكتشف الآن أن عمه قد تبناه وهو عمره خمسة أيام فماذا يعمل علماً بأن أوراقه الرسمية له ولعائلته باسم عمه فماذا يعمل ؟ وهو الآن خارج بلده يطلب العمل في دولة أخرى ولكم من الله جزيل الشكر ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(4/21)
فقد استقر أمر الإسلام على حرمة التبني وحرمة انتساب الشخص إلى غير أبيه، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم.
وعليه؛ فالواجب على عم صديقك أن يتوب إلى الله مما فعل، وعلى صديقك أن يغير اسمه بما يطابق الواقع، وإذا كان من الممكن تغيير الاسم في الوثائق الرسمية فذاك المطلوب، وإذا لم يكن ممكنا فليغير اسمه في تعاملاته مع الناس، ويلزمه التعامل مع عمه وأسرته تعامل ابن العم لا الابن في كل الأحكام الشرعية، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:
7854 -
9619 -
20330.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
مفاسد التبني أربى من مصالحه
تاريخ 28 شوال 1423 / 02-01-2003
السؤال
أسرة فلسطينية مسلمة وتحمل الجنسية الأمريكية ولا تنجب أطفالاً وتريد أن تتبنى طفلاً فلسطينياً يتيم الأم والأب ولا يستطيعون إحضاره إلى أمريكا إلا باقتران اسمه بهم وهم يريدون أن يرعوه بأنفسهم ويعيش معهم فما الحل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم عليكم إضافة هذا الطفل لكم إضافة نسب؛ لأن التبني -الذي هو نسبة الإنسان إلى غير أبيه- محرم بالكتاب والسنة والإجماع، لما فيه من اختلاط الأنساب وتغييرها وغير ذلك من المحاذير، وقد قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام. رواه البخاري ومسلم.
ويمكنكم كفالة هذا الطفل وهو عند أهله، خاصة أن البلد التي تقيمون فيها بلد كفر، والإقامة فيها لغير ضرورة أو حاجة شرعية محرمة، وربما كان ما يترتب على إحضار هذا الطفل لبلاد الكفر وتربيته هناك من الأضرار والأخطار ما يربو على مصلحة كفالته والإحسان إليه، ولا شك أن الله تعالى لما حرم التبني يعلم أن مفاسده تربو على مصالحه، فالواجب الالتزام بالنصوص الشرعية.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
اليتيم المربى في حجر امرأة أجنبي عنها
تاريخ 14 ربيع الأول 1425 / 04-05-2004(4/22)
السؤال
أود معرفة الحكم الشرعي في كفالة يتيم ذكر وتربيته في بيت أسرة لا تنجب أطفالا هل يجب على الزوجة أن تغطي شعرها من هذا الطفل عند بلوغه؟
و جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان المقصود بالكفالة هنا: كفالة هذا اليتيم والقيام برعايته وإصلاح شؤونه دون إلحاقه بالكافل نسباً فلا شك أن هذا عمل طيب حسن، بل من أجلِّ الأعمال الصالحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما. رواه البخاري وغيره.
وأما السؤال عن تغطية شعر الزوجة أمام الطفل عند بلوغه فالجواب أنه أجنبي عنها، ويجب عليها تغطية شعرها أمامه، بل يجب عليها والحالة هذه أن تحتجب منه حجاباً كاملاً فلا تبد له شيئاً من جسدها، ولا يجوز لها الاختلاء به، فهو أجنبي كغيره من الأجانب، وكذلك الحال لكل نساء الأسرة.
وننبه إلى وسيلة يمكن الخروج بها من هذا الحرج، وهي إرضاع هذا اليتيم -إن كان لم يتجاوز الحولين- رضاعاً معتبراً من إحدى أخواتها أو من أمها أو من زوجة أخرى لنفس الزوج مرضعة، أو من زوجة أخ لها فيصير بذلك محرماً لها يجوز لها أن تكشف عن شعرها أمامه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
تربية طفل على غير سبيل التبني لا بأس به
تاريخ 03 رجب 1423 / 10-09-2002
السؤال
إنني بالاتفاق مع زوجتي أعطينا طفلة لأخت لي متزوجة ولا تنجب أطفالا ما حكم الشرع في ذلك أفيدونا أفادكم الله ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إعطاء الطفلة لهذه الأخت لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون المراد به هو الإذن لها في أن تسكن معها وتربيها من باب البر والإحسان بهذه المدة لتعوضها ما فاتها بسبب عدم الإنجاب دون أن تنسب إليها، فلا حرج حينئذ في ذلك، إذا كانت تحسن تربيتها وتوجيهها.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك على سبيل التبني بأن تنسب إليها هي وزوجها، وهذا محرم شرعاً، وقد سبق بيان حرمة التبني في الفتوى رقم:
7167 فلتراجع.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه(4/23)
ـــــــــــــــــــ
المولود من علاقة غير شرعية ينسب لأمه
تاريخ 18 جمادي الثانية 1423 / 27-08-2002
السؤال
السلام عليكم ...من العبد الفقير لرحمة الله
ولد لي مولود من علاقة غير شرعية مند 8 سنوات اعترفت بالمولود وأعطيته اسمي ولكن لم أتزوج أمه وقطعت العلاقه بها . والحمد لله أن الله تاب علي منذ 7 سنوات وتزوجت ولي أولاد من زوجتي والحمد لله.( أرجو منكم أن تعطوني الرأي الصحيح في المولود الأول هل أبقى على اسمى معه أو أجعله يحمل اسم أمه فقط؟؟؟؟) شاكرا لكم سعيكم لتقدم الأفضل إلى الأمه الإسلامية
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحكم الشرعي في الولد الذي سألت عنه هو أنه لا يلحق نسبه بنسبك، ولا يرثك ولا ترثه، وليس أبناؤك الشرعيون إخوة له وإنما ينسب إلى أمه فهي التي ترثه ويرثها لأن القاعدة الفقهية تقول: "المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً"
وعلى هذا فما دام هذا الولد قد نشأ عن علاقة غير شرعية، فإنه يعتبر مقطوع النسب من جهتك، فلا يجوز لك أن تتركه يحمل اسمك، وراجع الفتوى رقم:
9625.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
طريق الخلاص من الانتساب إلى غير الأب
تاريخ 09 ربيع الثاني 1423 / 20-06-2002
السؤال
لا أدري هل أنا لقيط أم ابن زنى ولكن ما أعرفه أني لست ابن من أنتسب إليه فما هو الحل في هذه الحاله وإلى من الجأ لكي أقطع نسبي إلى من أنتسب إليه وهو ليس أبي حتى لا أكون ملعونا وتحرم علي الجنة مع العلم أنه مات وبقيت من تكون أمي وهي ليست كذلك لأني أنا لقيط أو ابن زنى أتمنى مساعدتي كيف الخلاص أو أعلقها برقابكم يوم القيامة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
فاعلم أنه لا وزر عليك فيما فعل والداك، لقوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم: 38 ،39]. ولا إثم عليك في انتسابك لذلك الرجل قبل علمك، أما وقد علمت فإنه يجب عليك قطع انتسابك إليه، وأنت -والحمد لله- تبدو حريصا على ذلك، زادك الله حرصاً على الخير. قال الله عز وجل: (ْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ*(4/24)
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب :4، 5] . وفي الاستمرار على الانتساب لغير الأب وعيد شديد. قال صلى الله عليه وسلم: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام. رواه البخاري ومسلم.
ثانيا : عليك أن تنتسب إلى عبد الله أو عبد الرحمن، وإذا كان في البلد الذي أنت فيه محاكم شرعية فاعرض عليهم الأمر حتى يستخرجوا لك الأوراق اللازمة. وراجع لأحكام اللقيط الفتوى رقم:
7167
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
كفالة الأيتام واللقطاء تغني عن التبني
تاريخ 01 ربيع الثاني 1423 / 12-06-2002
السؤال
هنا في أمريكا لم لا يتبنى كل إنسان مسلم طفلاً أو رضيعاً من مأوى الأطفال ويربيه على الإسلام أنا أعرف أن التبني محرم ولكن من أجل السبب السابق هل يجوز ذلك أم لا؟
و جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمما لا يشك فيه مسلم أن الله تعالى لم يحرم على عباده شيئاً إلا ومفاسده تربو وتزيد على ما فيه من المصالح، ومن ذلك التبني، فإنه يؤدي إلى ضياع الأنساب واختلاطها وتحريم الحلال، ولا ضرورة ملجئة تدعو إلى جوازه، ويمكن أن يحصل الخير الذي ذكره السائل بما حثنا عليه الشارع من كفالة الأيتام، بل وكفالة اللقطاء أنفسهم، فالمنهي عنه هو التبني بمعنى أن ينسب الولد إلى غير أبيه، وليس الكفالة.
وانظر الفتوى رقم: 3152، والفتوى رقم: 10856، والفتوى رقم: 16816، والفتوى رقم: 7167، والفتوى رقم: 7818، والفتوى رقم: 15187.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا تنبني على التبني الأحكام الشرعية
تاريخ 07 ربيع الأول 1423 / 19-05-2002
السؤال
القانون في بلادي يبيح التبني ويبيح أن أرث من قام بإلحاقي بنسبه علما أنه ليس له أبناء
فما حكم الشرع؟(4/25)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما حكم الشرع في ما سألت عنه فمبين في الفتوى رقم:
9544 9619، وذكرنا فيهما أنه لا يجوز التبني، وأن التبني لا تنبني عليه الأحكام الشرعية من الإرث والمحرمية وغير ذلك.
وكون القانون يحل ما حرم الشرع أو يحرم ما أحل الشرع لا يغير من حقيقة الحكم الشرعي شيئاً، بل الواجب على المسلم هو رفض هذا القانون المصادم للشريعة.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل يجوز التبني للضرورة؟
تاريخ 23 جمادي الأولى 1422 / 13-08-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان والدي قبل حوالى 25 سنة يعيش في أمريكا وعندما زار اليمن لأخذ الوالدة مع الإخوان إلى أمريكا للعيش معه أتى إليه صاحبه وكان صديقا عزيزا عليه جداً وقال للوالد أريد أن تخدمني خدمة وكانت الخدمة أن يضيف ولده إلى جواز الوالد حتي يأخذه معه إلى أمريكا للتعليم والعيش لأن المعيشة في اليمن كانت قاسية، طبعاً الوالد جلس في اليمن وابنه ذهب معنا إلى أمريكا وكأنه أخا لنا وعاش وتربي وتعلم معنا في نفس البيت ثم ذهب إلى العيش في مدينة أخري بنفس الاسم وحتى أولاده بنفس الطريقة .
ماهو حكم الشرع وماهي طرق المعالجة ، مع جهل الوالد بهذه الأحكام.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن ما قام به والدك من إضافته ولد غيره لنفسه، وتبنيه له يعد من الكذب، والكذب لا يجوز إلا في حالات خاصة، وليست هذه الحالة منها، هذا مع ما فيه من انتساب هذا الولد لغير أبيه، وهذا ما لم يصل هذا الولد إلى حد الضرورة لو ترك في بلده مع أهله.
أما إذا وصل إلى حد الاضطرار، بحيث يخشى عليه، أو على أهله الموت جوعاً، فإنه حينئذ يجوز إنقاذه، وتخليصه من التلف بأي وسيلة ليس فيها ضرر، وحيث أبيح هذا التبني والكذب المترتب عليه من أجل الضرورة فبمجرد زوالها - أي: الضرورة - يجب إرجاع الأمور إلى حقائقها برد ذلك الابن إلى أبيه الحقيقي، ومحوه من أوراق المتبني، ولو أدى ذلك إلى إرجاعه إلى بلده، وخروجه من بلد الإقامة، ومن القواعد المسلمة أن ما جاز لعذر بطل لزواله.
خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الرجل والأسرة التي ينسب إليها في الأوراق مقيمون في بلد كفر لا يحكم إلا القوانين الكفرية الوضعية، وقد تموت الطبقة(4/26)
الموجودة حالياً، وتبقى الحفدة، وقد لا يعرفون إلا ما هو مرسوم في الأوراق، فتختلط بذلك الأنساب وتضيع. وكل أمر يؤدي إلى ضياع الأنساب فهو محرم، للإجماع على وجوب حفظها، فالحاصل أنه يجب فوراً فصل هذا الرجل نهائياً من أوراق الرجل الذي أضافه إلى جوازه، ورد الأمور إلى حقائقها، حتى لا تضيع الأنساب، ويختلط بعضها ببعض.
والله تعالى أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
العلم بحالة المتبناة لا يسوغ طلاقها
تاريخ 06 صفر 1422 / 30-04-2001
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
اكتشفت بعد زواجي وإنهاء دراستي الجامعية أنني متبناة ورفض أهل زوجي استمرار زواجي بابنهم رغم وجود طفلين وطلقني زوجي ورماني وأطفالي فهل علي أنا إثم في ذلك رغم أنني وبشهادة الجميع على دين وخلق والحمد لله.
وقد توفي الزوجان الذان ربياني وأنا الآن وحسب ما علمت أحاول عدم استخدام اسم عائلتهم ولكن الأمر ليس بالسهل لوجود شهادات دراسة وغيرها من بلاد أخرى يصعب تغييرها
ولكن هل الإسلام ينبذ من هم مثلي فما ذنبي أنا بحكم زوجي وأهله.
وشكرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الحق سبحانه: (ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم: 39-40].
بهذه الآية الكريمة أعلن الحق سبحانه أن المرء لا يؤاخذ بجريرة غيره، ولا بذنب لم تقترفه يداه، هذا هو المنطق الرباني العادل، لا ما يتعامل به المجتمع مع من كان في مثل حالتك من النبذ والإبعاد، فما ذنبك في أمرٍ لم يكن لك فيه يد، سبحان الله ما أقسى أهل زوجك! وما أضعف زوجك يوم أن رماك وأطفالك! أي دين وأي عقل يقر هذا؟! وليس أمامنا أيتها الأخت المسلمة إلا أن نشد على يديك سائلين الله عز وجل أن يكون لك عوناً ونصيراً.
أما مسألة التبني، فكما تعلمين حرمتها في الإسلام، ولا يعني ذلك عدم جواز رعاية الأيتام، ومن تخلى عنهم أهلهم، فتلك مسألة أخرى، وهي قربة من القرب التي يتقرب بها إلى الله سبحانه.
أما تغيير الاسم فهذا هو الواجب شرعاً، كأن تتسمي بفلانة بنت عبد الله، أو عبد الرحمن أو ما شابه ذلك من الأسماء التي يمكن التورية بها، لكن إن ترتب على تغيير الاسم مفاسد، أو حالت دونه مصاعب فنرجو ألا يكون في بقائك عليه إثم، مع(4/27)
اجتناب استعمال الاسم في أي أثر شرعي بالنسبة للعائلة المنسوبة إليها من نحو: الميراث والمحرمية وغيرها، والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
نسبة المتبنى لقبيلة معينة حرام
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
هل يجوز كتابة طفل متبنى بالاسم الأول للوالد الذي تبناه ويختلف باسم الجد و القبيلة وكذلك للأم ؟؟ مثال: اسم الأب: محمد أحمد الصديقي اسم الولد: عبد الله محمد خالد الهاشمي
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتبني محرم في الإسلام، وهو إلحاق الرجل به طفلاً مجهول النسب أو معلومه، لقوله تعالى: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) [الأحزاب: 5].
وأما رعاية هذا الطفل والقيام بتربيته والإحسان إليه فلا حرج فيه، بل هو قربة من القربات، إذا روعي في ذلك كونه أجنبياً ليس ابنا ولا محرماً لزوجة الكافل وبناته.
والقاعدة في تسمية هذا المولود ـ إذا كان مجهول النسب ـ أن يسمى اسماً عاماً، لا يوهم لحوقة بعائلة أو قبيلة معلومة كأن يدعى: عبد الله بن عبد الرحمن، ونحوه.
فإن اتفق اسم أبيه مع اسم الرجل الذي كفله فلا حرج في ذلك. لكن نسبته إلى قبيلة (كالهاشمي) لا تصح؛ لأن في ذلك إيهاماً بأنه من قبيلة كذا، وليس الأمر كذلك. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
حكم تبني من أرضعته أخت الزوج أو الزوجة
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
السلام عليكم.
هل صحيح جواز التبني في الإسلام إذا تم إرضاع الطفل من أخت الزوج أو الزوجة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا رضع الطفل من أخت الزوج صار ابناً لها من الرضاع، وصار الزوج المذكور خالاً له من الرضاع، وأولاده أبناء خال من الرضاعة لهذا الطفل. وإذا رضع الطفل من أخت الزوجة صار ابنا لها من الرضاع، وصارت الزوجة المذكورة خالة له من الرضاع، وأبناؤها أبناء خالة من الرضاع للطفل. ويترتب على بنوة وأخوة الرضاعة أحكام منها كون الأخ من الرضاع محرماً لأخته من الرضاع ولخالته(4/28)
وعمته، وهكذا، ومنها عدم صحة نكاحه من المذكورات ، لكنه ليس محرماً لبنات خاله وخالته من الرضاع. وبالجملة: فالرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة كما في الحديث المتفق عليه.
لكن لا ينسب الابن من الرضاعة إلا لأبيه من النسب،كما لا يستحق الإرث عن طريق الرضاع. وينبغي التنبه إلى أن التبني محرم في الإسلام، وهو إلحاق الرجل به طفلاً مجهول النسب، والأمر كما قال الله تعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) [الأحزاب: 5]. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز أن ينسب الولدإلى غير أبيه ،والجد والد.
تاريخ 16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
بسم الله الرحمان الرحيم إن زوجتي تحمل اسم زوج جدتها من أبيها الذي قام بتسجيلها في سجله المدني تحت تهديد الجدة لولدها بالسخط عليه إن لم يفعل.وزوجتي تعترف بأبيها الشرعي وأمها كوالدين شرعيين لها.فما حكم الشرع في هّا.وهل زواجنا مقبول شرعاً؟.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان زوج هذه الجدة هو أب أبي زوجتك فلا حرج في تسجيل زوجتك في سجله المدني لأنه يعتبر أباً لها وتصح نسبتها إليه شرعاً وعرفاً.
وإن كان غير أبي أبيها فلا يجوز أن تسجل في سجله لما قد يفضي إليه ذلك من اختلاط الأنساب.
وما كان لوالد زوجتك أن يطيع أمه في ذلك وفي هذه الحالة لا يجوز لزوجتك أن تنتسب ولا أن تنسب إلا إلى والدها الحقيقي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما والحديث صحيح. وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أنه قال: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام." وعلى كل فلا يؤثر ما حصل في زواجكما أبداً، فالزواج صحيح على كل حال لا يحتاج إلى إعادة العقد. والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
ـــــــــــــــــــ
هل تقطع العلاقة بأخيها بالتبني
سؤال:
السؤال :
صديقتي لها أخ بالتبني ولم يرضع من أمها ، تبنته أمها عندما كان عمره 3 سنوات من وكالة للتبني ، ليس هناك قرابة بينهم ، هي مسلمة وهو مسلم ولكنه ارتد عن(4/29)
الإسلام ، يغتابها دائماً ويقول للناس عنها الأكاذيب ، هل يمكن أن تقطع علاقتها به لأنه أخوها بالتبني وليس هناك أي صلة قرابة بينهما ؟
هل تسلم عليه حتى بعد أن أرتد ؟
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
هذا الولد لا يربطه بهذه الأسرة أي رابط لا نسب ولا رضاع وعلى هذا فلا يجوز اختلاطه بهم ونظره إلى المحارم إذا كان مكلفاً هذا لو بقي على إسلامه فضلاً عن كونه ارتد عن الإسلام .
فلا يجوز لها مصافحته ولا الخلوة به ولا الكشف عليه لأنه ليس بمحرم ( يراجع السؤال رقم 5538 ) ، ولا تسلم عليه ولا ترد عليه السلام مادام مرتداً ، نسأل الله السلامة والعافية للجميع .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
ـــــــــــــــــــ
التبني قسمان ممنوع ومشروع
سؤال:
إذا طلب شخص تبني طفلاً من دار الحضانة ، فهل يجوز للمسؤولين إعطاؤه ما يريد ؟.
الجواب:
الحمد لله
التبني للأطفال على قسمين : ممنوع ، وغير ممنوع .
أما الممنوع : فهو تبني الطفل باعتبار أنه ولد للمتبني له أحكام الولد ، فهذا لا يجوز ، وقد أبطله الله في القرآن في قوله تعالى : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) الأحزاب/4 .
وقسم مباح وقد يكون مستحباً ، وهو الإحسان إلى الطفل ، وتربيته التربية الدينية الصالحة ، وتوجيهه التوجيه السليم ، وتعليمه ما ينفعه في دينه ودنياه ، ولكن لا يجوز أن يسلم إلا لمن عرف بالأمانة والديانة وحسن السلوك ، وتحققت مصلحة الطفل عنده ، وأن يكون من أهل البلاد بحيث لا يذهب به إلى بلد قد يكون وجوده فيها سبباً لفساد دينه في المستقبل ، فعليه إذا تمت في حق كل واحد منهما هذه الشروط المذكورة فلا بأس بدفع اللقيط المجهول النسب إليه . والله يحفظكم .
من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله .
ـــــــــــــــــــ
الفرق بين كفالة الأيتام وتبنيهم
سؤال:
الكثير من اللاجئين الكوسوفيين يدخلون أمريكا وربما ترعاهم منظمات نصرانية .
بعض الأخوة يريدون أن يكفلوا الأيتام بأن يأخذوهم ليعيشوا في بيوتهم ويطعموهم .(4/30)
أحد الشيوخ قال بأن هذا حرام فلا يجوز التبني في الإسلام ولم يشجع الناس على كفالة الأيتام . هل الإسلام يسمح لنا بأن نتبنى الأيتام وبدون تغيير أسم اليتيم ؟
هل يعتبر اليتيم المكفول كطفل للكافل ؟.
الجواب:
الحمد لله
هناك فروق بين التبني وكفالة اليتيم .
أ - أما التبني : فهو أن يتخذ الرجل يتيماً من الأيتام فيجعله كأحد أبنائه الذين هم من صلبه ويدعى باسمه ولا تحل له محارم ذلك الرجل فأولاد المتبني إخوة لليتيم وبناته أخوات له وأخواته عماته وما أشبه ذلك . وهذا كان من فعل الجاهلية الأولى ، حتى أن هذه التسميات لصقت ببعض الصحابة كالمقداد بن الأسود حيث أن اسم أبيه ( عمرو ) ولكنه يقال له ابن الأسود باسم الذي تبناه .
وظل كذلك في أول الإسلام حتى حرم الله ذلك في قصة مشهورة حيث كان زيد بن حارثة يدعى زيد بن محمد ، وكان زوجاً لزينب بنت جحش فطلقها زيد .
عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله لزيد بن حارثة : " اذهب فاذكرها علي فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينهاقال : يا زينب ابشري أرسلني رسول الله يذكرك قالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أُوامر ربي فقامت إلى مسجدها و جاء رسول الله صلى الله فدخل عليها ".
و في هذا أنزل الله قوله : ( و إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً) الأحزاب/37 . رواه مسلم ( 1428 ) .
ب - وقد حرم الله تعالى التبني لأن فيه تضييعاً للأنساب وقد أُمرنا بحفظ أنسابنا .
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ". رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .
ومعنى كفر : أي جاء بأفعال الكفار لا أنه خرج من الدين .
لأن فيه تحريم لما أحل الله وتحليل لما حرم .
فإن تحريم بنات المتبني مثلاً على اليتيم فيه تحريم للمباح الذي لم يحرمه الله تعالى واستحلال الميراث من بعد موت المتبني مثلاً فيه إباحة ما حرم الله لأن الميراث من حق الأولاد الذين هم من الصلب .
قد يُحدث هذا الشحناء والبغضاء بين المُتَبنَّى وأولاد المُتبنِّي .
لأنه سيضيع عليهم بعض الحقوق التي ستذهب إلى هذا اليتيم بغير وجه حق وهم بقرارة أنفسهم يعلمون أنه ليس مستحقاً معهم .
وأما كفالة اليتيم فهي أن يجعل الرجل اليتيم في بيته أو أن يتكفل به في غير بيته دون أن ينسبه إليه ، ودون أن يحرم عليه الحلال أو أن يحل له الحرام كما هو في(4/31)
التبني ، بل يكون الكفيل بصفة الكريم المنعم بعد الله تعالى ، فلا يقاس كافل اليتيم على المتبني لفارق الشبه بينهما ولكون كفالة اليتيم مما حث عليه الإسلام .
قال تعالى : ( ... ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم ) البقرة/220 .
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم كفالة اليتيم سبباً لمرافقته في الجنة مع الملازمة .
عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا - وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً – " . رواه البخاري ( 4998 ) .
ولكن يجب التنبيه على أن هؤلاء الأيتام متى بلغوا الحلم يجب فصلهم عن نساء الكافل وبناته وألا يُصلح من جانب ويُفسد من جانب آخر كما أنه ينبغي العلم بأن المكفول قد تكون يتيمة وقد تكون جميلة تشتهى قبل البلوغ فيجب على الكافل أن يراقب أبناءه من أن يقعوا بالمحرمات مع الأيتام لأن هذا قد يحدث ويكون سبباً للفساد الذي قد يعسر إصلاحه .
ثم إننا نحث إخواننا على كفالة الأيتام وأن هذا من الأخلاق التي يندر فعلها إلا عند من وهبه الله الصلاح وحب الخير والعطف على الأيتام والمساكين ، لاسيما إخواننا في كوسوفو والشيشان فقد لاقوا من الضنك والعذاب ما نسأل الله تعالى أن يفرّج عنهم كربهم و شدائدهم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
هل تتزوج مسلماً أهله كاثوليك ؟ هل يُنسب أولادها لقومه الكفار ؟
سؤال:
أريد أن أعرف إذا تزوج مسلم تحول حديثا للإسلام هل يهم إذا كانت عائلته كاثوليكية ؟ أيضا بعد الزواج هل يأخذ الأطفال الاسم الأخير للأب حيث إنه غير مسلم ؟ أرجوكم انصحوني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الإسلام على المرأة التزوج بغير مسلم ، وهو أمرٌ متفق عليه لا خلاف بين العلماء في هذا الحكم .
قال القرطبي – رحمه الله - :
وأجمعت الامة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه ؛ لِما في ذلك من الغضاضة على الإسلام .
" تفسير القرطبي " ( 3 / 72 ) .
وينظر أجوبة الأسئلة : ( 69752 ) و ( 6402 ) و ( 22468 ) .(4/32)
ويجوز للمسلمة أن تتزوج مسلماً هداه الله للإسلام بعد أن كان كافراً ، ولا يهم أن تكون أسرته كاثوليكية أو غيرها من مذاهب وأديان الكفر ، ولا يهم ـ كذلك ـ ما إذا كانت هدايته للإسلام قديمة ، أو كان قد دخل في الإسلام لتوه ؛ لكن المهم ـ كل الأهمية حقا ـ أن يكون إسلامه حقيقيّاً لا صوريّاً من أجل الزواج بمسلمة ؛ حيث وُجد من يُظهر دخوله في الإسلام عن اقتناع ويكون الحال خلاف ذلك ، فإن عُلم هذا الحال منه : فلا تجري على مثل هذا أحكام الإسلام .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
لا بد أن تفهم الكلمة وتعقلها ، " لا إله إلا الله " أفضل الكلام , وهي أصل الدين ، وأساس الملة ، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم ، فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا , قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/25 ، وكل رسول يقول لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) فهي أساس الدين والملة ، ولا بد أن يعرف قائلها معناها , فهي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله ، ولها شروط وهي : العلم بمعناها ، واليقين وعدم الشك بصحتها ، والإخلاص لله في ذلك وحده ، والصدق بقلبه ولسانه ، والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله ، وقبول ذلك ، والانقياد له ، وتوحيده ونبذ الشرك به مع البراءة من عبادة غيره , واعتقاد بطلانها ، وكل هذا من شرائط قول لا إله إلا الله وصحة معناها ، يقولها المؤمن والمؤمنة مع البراءة من عبادة غير الله ، ومع الانقياد للحق ، وقبوله ، والمحبة لله ، وتوحيده ، والإخلاص له ، وعدم الشك في معناها ؛ فإن بعض الناس يقولها وليس مؤمناً بها كالمنافقين الذين يقولونها وعندهم شك أو تكذيب .
فلا بد من علم ، ويقين ، وصدق ، وإخلاص ، ومحبة ، وانقياد ، وقبول ، وبراءة .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 49 ، 50 ) .
وانظر تفصيل شروط شهادة ( لا إله إلا الله ) بأدلتها في جوابي السؤالين : ( 9104 ) و ( 12295 ) .
ثانياً :
وبعد زواج المسلمة بمسلم فإن أولادهما يُنسبون إلى أبيهم ، ولا يجوز غير ذلك ، حتى لو كان أهله كفاراً ، فهذا نسبٌ تُبنى عليها أحكام كثيرة كصلة الرحم والمواريث وتحريم أو إباحة الزواج ، وغير ذلك ، ولذا فلا يجوز نسبة الابن المسلم لغير أبيه وأسرته ، وقد جاءت النصوص النبوية بالتشديد في هذا الأمر ، وجعل مخالفه واقعاً في كبيرة من كبائر الذنوب .
عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن ادَّعَى أَباً فِي الإِسْلامِ غَيْرَ أَبيهِ يَعْلَمُ أنَّه غَيْرُ أَبِيهِ فالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) .
رواه البخاري ( 4072 ) ومسلم ( 63 ) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لَيْسَ مِن رجل ادعى لِغَيْرِ أَبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ ، وَمَن ادَّعَى قَوْماً لَيْسَ لَهُ فِيهِم نَسَبٌ فَلْيَتَبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) .
رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .(4/33)
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وفي الحديث : تحريم الانتفاء من النسب المعروف ، والادعاء إلى غيره .
" فتح الباري " ( 10 / 308 ) .
ولا يُعرف في الأنبياء والصحابة والتابعين وأهل العلم من غيَّر نسبه من أجل كون آبائه أو أجداده كفَّاراً ! بل لا يفعل ذلك عاقل ؛ لما يترتب على ذلك من أمورٍ منكرة .
ولو تأمل أحدٌ كتب التراجم فسيجد أسماء أعجمية لآباء وأجداد كثير من علماء المسلمين ؛ حيث منَّ الله على الأبناء بالإسلام وظلَّ أهاليهم على الكفر ، ولم يتغير نسب هؤلاء العلماء لأهاليهم وقبائلهم مع وجود الأعجمية في الأسماء ، والكفر في الأديان .
ولمَّا حرَّم الشرع التبني حرَّم نسبة المتبنّى لغير أبيه وقبيلته ، قال تعالى : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) الأحزاب/5 .
وفي حال عدم معرفة الأب لكونه لقيطاً – مثلاً – فإنه لا ينسب لأحدٍ بعينه ، بل يُدعى بالأخوة والمولاة ، كما قال تعالى في تتمة الآية السابقة : ( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) .
ومن الأشياء المنكرة التي تبع فيها بعض المسلمين أهلَ الكفر هو نسبة الزوجة لزوجها ! وهذا أمرٌ محرَّم ومنكر ، بل يجب أن تنسب لأبيها .
وقد بيَّنا حكم انتساب الزوجة لغير أبيها في أجوبة الأسئلة رقم : ( 2537 ) و ( 1942 ) و ( 4362 ) و ( 6241 ) .
والخلاصة :
يجوز للمسلمة التزوج بمسلم أسلم حديثاً إذا كان إسلامه عن صدق ويقين ، ولا يهم كون أهله على أي مذهب كفري ، ويجب أن يُنسب الأبناء لأبيهم المسلم وآبائه وأجداده ولو كانوا كفّاراً ، ولا يجوز غير ذلك .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
زنت وهي متزوجة فلمن ينسب الولد؟
سؤال:
استغفر الله وأتوب إليه لقد ارتكبت أعظم وأكبر الكبائر وهي الزنا وأنا متزوجة وحملت بطفلة والآن عمرها 6 سنوات ونسبت إلى زوجي ، لم أستطع أن أعترف لزوجي بالقذارة التي فعلتها، خفت على أهلي وابني منه وقد تبت إلى الله توبة نصوحة وتحجبت والتزمت بصلاتي، طلبت المغفرة والعفو من الله على هذا الجرم الذي ارتكبته فهل يغفر الله لي؟ ماذا أفعل حتى تكتمل توبتي أرجوكم أفيدوني هل أعترف لزوجي حتى يغفر الله لي؟
الجواب:
الحمد لله(4/34)
نسأل الله تعالى أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك ، فإن الزنا ذنب عظيم ، وجرم كبير ، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج ، فبدلت نعمة الله كفرا ، وخانت زوجها ، ودنست عرضه ، ولوثت فراشه . ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت ، نكالا من الله عز وجل ، والله عزيز حكيم .
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده ، ويمهله ، ويدعوه للتوبة ، ويقبلها منه ، ويثيبه عليها ، فما أرحمه ، وما أعظمه ، وما أكرمه سبحانه وتعالى .
قال عز وجل : ) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك ، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك ، والله تعالى يتوب على من تاب .
وإن من مبشرات قبول التوبة أن يستر الله عبده ، ولا يفضحه ، وأن يمد له في العمر حتى يتقرب إليه ، ويصلح حاله معه ، ونحمد الله تعالى أن وفقك للالتزام والحجاب ، والطاعة والإنابة ، ولعل الله الكريم الرحيم أن يكون قد عفى عنك وغفر لك ، نسأل الله ذلك .
وإذا كان الله قد سترك ، فلا تهتكي ستر الله عليك ، ولا تخبري زوجك ولا أحداً غيره بشيء مما كان ، وتوبتك هي الندم والاستقامة وإصلاح الأعمال .
وأما الولد ، فإنه ينسب لزوجك ، ولا ينتفي نسبه منه إلا إذا نفاه باللعان ، لأن الأصل أن الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : امرأة متزوجة زنت وهي في عصمة زوج، ومن ثم حملت ووضعت حملها بولد ذكرا كان أو أنثى ، فلمن يبقى معه ذلك الولد ، أيبقى مع زوجها بدليل الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أم لا ؟ وإن بقي مع زوج أمه الشرعي أيتبنى به ويحسبه كأحد أولاده في جميع الحقوق أم يكون عنده في ملكه فقط ، أما إذا لحقه بالعاهر أيحسبه بأولاده الحقيقي أم يمسكه معهم وهو لم يزل على حالة ولد زنا ؟
فأجابوا : "إذا زنت امرأة متزوجة وحملت فالولد للفراش ؛ للحديث الصحيح ، وإن أراد صاحب الفراش نفيه بالملاعنة فله ذلك أمام القضاء الشرعي ، ولا يكون مملوكا لأحد بإجماع المسلمين ، وأما التبني فلا يجوز ولا يصير به الولد المتبنَّى ولدا لمن تبناه. وبالله التوفيق " انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (20/339) .
وينظر جواب السؤال رقم (85043) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك بغرض كفالته
سؤال:(4/35)
أنا فتاة متزوجة من حوالي 6 سنوات ولم يكتب لي الله الذرية بعد, وقد كان لي حلم قبل أن أتزوج بأن أكفل يتيما أرضعه مع ابني وأربيه معه لأنال المرتبة القريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم تأت اللحظة المناسبة لتبني طفل يتيم إلا الآن مع حمل زوجة أخي وهي تكون أخت زوجي (أقرباء) لكي يتسنى لها الرضاعة الشرعية التي تجعله محرماً لي ولزوجي والأهل، ولقد فكرت في حرمانية التبني ، ولكني أعيش في دولة خليجية وهناك إجراءات الإقامة والجوازات وهذه الدوائر لا تسمح بوجود طفل بحوزتي بدون أن يكون على اسمي , كما أنني أسافر إلى بلدي , وهناك إجراءات وجوازات تجعل أمر وجود طفل بدون أن أكتبه باسمنا أنا وزوجي أمرا مستحيلا أود السؤال عن الحكم الشرعي في مسألة تبني طفل في ظل وجود هذه العوائق ؟ مع العلم بأن أهلي وأهل زوجي على علم بأننا سنحضر طفلاً
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك ، وتكون لك عونا على طاعة الله ومرضاته .
ثانيا :
كفالة اليتيم ، قربة من أجل القربات ، لما يترتب عليها من الأجر العظيم والثواب الكبير ، ولما فيها من الرحمة والإحسان والرعاية لهذا اليتيم .
وأما التبني فمحرم تحريما ظاهرا ؛ لقوله تعالى : ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) الأحزاب/4، 5
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس من رجل ادّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادَّعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار ) رواه البخاري (3317) ومسلم (61).
وينظر السؤال رقم (5201) لبيان الفرق بين التبني وكفالة اليتيم .
ثالثا :
لا يجوز نسبة اليتيم إلى زوجك ، لأنه من التبني المحرم ، ولما يترتب عليه من مفاسد تتعلق بالإرث وغيره . ورغبتك في الكفالة المستحبة لا تبيح الإقدام على هذا العمل المحرم .
وعليه فإذا لم تتيسر كفالة اليتيم إلا بالتبني ، فعليك بالصبر ، وانتظار الفرج من الله تعالى ، فإن خزائنه سبحانه ملأى ، وكل شيء بيده ، ومن أدمن طرق الباب يوشك أن يفتح له .
نسأل الله أن يرزقك من فضله .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
ـــــــــــــــــــ
التبني في نظر الشريعة ... العنوان(4/36)
ما حكم التبني في الإسلام ؟ ... السؤال
03/12/2006 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالتبنِّي له صورتانِ: إحداهما أن يضمَّ الرجل إليه طفلا ليس ابنا له فيربيه ويعتني بشأنه دون أن يُلْحِقَ به نسبَه، ولا يثبُت له شيءٌ من أحكام البُنُوَّةِ، ولا ريب أنه عملٌ يستحبُّه الشرع ويدعو إليه ويُثيب عليه، أما الصورة الثانية، فهي أن ينسب الشخص إلى نفسه طفلًا ليس ولدًا له ينسبه إلى نفسه ويُثبت له أحكام البنوة وهذا صرَّح الشرع ببُطلانه، وأهدَر آثاره.
فيقول الشيخ محمود شلتوت -شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله- ردا على سؤال مماثل :
ينبغي لمعرفة حُكم الشريعة في التبنِّي أن يعرف له في معناه صورتينِ:
إحداهما: أن يضمَّ الرجل الطفل الذي يعرف أنه ابن غيره إلى نفسه، فيُعامله مُعاملة الأبناء من جهة العطف والإنفاق عليه، ومِن جهة التربية والعناية بشأنه كلِّه، دون أن يُلْحِقَ به نسبَه، فلا يكون ابنًا شرعيًّا، ولا يثبُت له شيءٌ من أحكام البُنُوَّةِ. والتبني بهذا المعنى صَنِيعٌ يلجأ إليه بعض أرباب الخير من المُوسرين الذين لم يُنعم الله عليهم بالأبناء، ويَرونه نوعًا من القُرْبَةِ إلى الله بتربية طفل فقير، حُرم من عطف الأُبوَّة، أو حُرم من قدرة أبيه على تربيته وتعليمه، ولا ريب أنه عملٌ يستحبُّه الشرع، ويدعو إليه، ويُثيب عليه، وقد فتحت الشريعة الإسلامية للمُوسر في مثل تلك الحالة باب الوصية، وجعلتْ له الحقَّ في أن يُوصي بشيء مِن تركتِه يَسُدُّ حاجة الطفل في مستقبل حياته، حتى لا تضطرب به المعيشة، ولا تقسو عليه الحياة.
التَّبَنِّي المَحْظُورُ:
أما الصورة الثانية: وهي المفهومة من كلمة: "تبنِّي" عند الإطلاق، وفي عُرف الشرائع ومُتعارف الناس، فهي أن ينسب الشخص إلى نفسه طفلًا يعرف أنه ولد غيره، وليس ولدًا له ينسبه إلى نفسه نسبة الابن الصحيح ويُثبت له أحكام البنوة من استحقاق إرْثه بعد موته، وحُرمة تزوُّجه بحليلته، وهذا شأنٌ كان يعرفه أهل الجاهلية، وكان سببًا من أسباب الإرْث التي كانوا يُورِّثون بها، فلمَّا جاء الإسلام ـ وبيَّن الوارثين والوارثات بالعناوين التي قرَّرها سببًا في استحقاق الإرث ـ أسقطه من أسباب التوارث، وحصرها في البنوة والأُبوَّة والأمومة والزوجية والأخوة والأرحام على ترتيب بينهم (وأُولُوا الأَرْحَامِ بعضُهمْ أوْلَى بِبَعْضٍ في كتابِ اللهِ). (آخر سورة الأنفال).
ولم يقف الإسلام في إبطال آثار التبني الجاهلي عند حدِّ إسقاطه من أسباب الميراث، بل صرَّح ببُطلانه، وأهدَر آثاره، وأرشد نبيَّه إلى التمسُّك بالواقع الصحيح، وقد جاء ذلك في قوله ـ تعالى ـ من سورة الأحزاب: (وما جَعَلَ أدْعِيَاءَكُمْ أبْنَاءَكُمْ ذلكُمْ قَوْلُكُمْ بأَفْوَاهِكُمْ واللهُ يقولُ الحقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هوَ أقْسَطُ عندَ اللهِ فَإِنْ(4/37)
لمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإِخْوَانُكُمْ في الدِّينِ ومَوَالِيكُمْ). (الآيتان: 4 ـ 5 من سورة الأحزاب).
زيد بن حارثة:
وقد تبَنَّى النبي ـ صلى الله عليه وسلم، على سُنة العرب، وقبل التشريع ـ زيدَ بن حارثة، فكان يُدعي: زيدَ بنَ محمد، وحينما طلبه أَبُوه وأهلُه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَكَلَ النبي الأمر إلى اختيار زيد، فآثَرَ زيدٌ أُبُوَّةَ النبي على أبوة أبيه، ورضي الجميع بذلك، وانصرفوا عنه، وتركوه مُتَبَنَّى تَبِنِّي الرسول فرحينَ مسرورينَ، فلما جاء القرآن بإبطال التبنِّي أمر الله نبيَّه أن يُنَفِّذَ بنفسه تطبيق ذلك التشريع الجديد في مُتَبَنَّاهُ؛ ليكونَ ذلك عند الأمة باعثًا على الامتثال والمُسارعة إلى القبول، دون تحرُّج من ترْك ما ألِفُوا.
أمر الله نبيه بتنفيذ التشريع الجديد، وإهدار السُّنَّةَ السابقة فيما يختصُّ بالتبنِّي، وفي سبيل ذلك طلب منه أن يتزوج بحليلةِ مُتبناه زيد بن حارثة، وقد اتَّفق في ذلك الوقت أن زيدًا كان قد طلَّقها، وقد جاء ذلك في قوله ـ تعالى ـ من سورة الأحزاب أيضًا: (فلمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لكَيْ لا يَكُونَ على المُؤمِنينَ حَرَجٌ في أزواجِ أدْعيائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وكانَ أمْرُ اللهِ مَفْعُولًا). (الآية: 37 من سورة الأحزاب) وبذلك بطل هذا النوع من التبنِّي، وصار مُحَرَّمًا على المسلم أن يُلحق بنسَبه الطفلَ الذي يَعرف أنه ابن غيره وليس ابنًا له، عرَف أبَاه أم لم يَعرفه.
إبطال هذا التبنِّي:
ولعل من واجب المسلمين علينا أن يعرفوا الحِكْمَةَ في إبطال هذا النوع من التبنِّي، ونُزول القرآن بإنكاره وتحريمه وإبطال آثاره، ليتبيَّن لهم مقدارُ حرص الشريعة الإسلامية على صوْن الأنساب وحِفظ الحقوق الأُسرية التي ارتبطت في التشريع الإسلامي بجهات القرابة العِماد الواقعي بين الوارثينَ ومُورِّثِهم.
وليس مِن ريبٍ أن في هذا التبنِّي حرمانَ الأب الحقيقي المعروف من أن يتصل به نسبه المُتولد منه، المنسوب إليه في الواقع وفيما يعلم الله والناس، وفيه إدخال عنصر غريب في نسب المُتبنِّي، يَدخل على زوجته وبناته باسم البُنُوَّةِ والأخوة، ويُعاشرهن على أساس منهما وهو أجنبي عنهن، لا يُباح له منهن ما يُباح للابن أو الأخ الحقيقي لهنَّ، وبقدر ما تتركز هذه البُنوة الكاذبة في هذه الأسرة، فإن البنوة الحقَّة، في الأسرة الحقة، تسير إلى الفناء والمَحْوِ والزوال، وبذلك تضيع الأنساب، ويختلُّ نظام الأُسَر.
وفيه ـ وراء ضياع الأنساب واختلال نظام الأسر ـ تضييعٌ لحقوق الورثة الذين تَحَقَّقَ سبب إرْثهم الشرعي من الأب الكاذب "المُتبنِّي" فلا تَرِثُ إخوته ولا أخواته لوُجود الابن "الزُّور" الذي منَع بِبُنُوَّتِهِ الكاذبة إرْثهم الشرعي، وبذلك تقع العداوة والبغضاء بينهم وبين مُورثهم بهذا الدعِيِّ الذي تَبنَّاه وضيَّع به حقهم في التركة.
هذا. وقد قال بعض العلماء إجمالًا لتلك الحكمة: لو فُتح باب الانتفاء من الأب لأُهملت المصالح ولاختلطتِ الأنساب ولضاعت حِكمة الله في جعْل الناس شعوبًا وقبائلَ.
وبعدُ:(4/38)
فهذا هو الوضْع الشرعي لمَن يريد أن يتقرَّب إلى ربه بضَمِّ ابن غيره إليه، يُربيه ويُنفق عليه ويُوصي له، دون أن ينسُبه إلى نفسه، ويَجعله ابنًا يَرِثُهُ وتَحرُم عليه حليلتُه، وذاك هو الوضْع الآخر الذي يَمْقُتُهُ الله ويُنكره: ينسب ولَدَ غيره إليه ويُثبت له حقوق البُنُوَّةِ الصادقة، ويمنع به المُستحقينَ حُقوقهم. وأرجو ألَّا يختلط أحدُ الوضعينِ بالآخر عند مَن يُريد التبنِّي ممَّن يُؤمنون بالله وشرْعه.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
استئجار الأرحام ..أمومة مفقودة ... العنوان
اخترت هذا الاسم لأفرق بينه وبين ما تناقلته الصحف من سنوات عن جنين أنبوب الاختبار وما صحب ذلك من تهاويل فهذا موضوع آخر . ولتبيان موضوعنا أذكر القاريء بأن أول تكوين الجنين هو التحام خلية من الرجل هي الحيوان المنوي بخلية من الأنثى هي البويضة التي تخرج من أحد المبيضين فيتلقفها أنبوب (أيمن أو أيسر) واصل إلى الرحم، ويتم هذا الالتحام في هذا الأنبوب منتجًا البويضة الملقحة أو البيضة . . وهي التي ترحل إلى الرحم وتنغرس في بطانته وتشرع في الانقسام بغير توقف إلى ملايين الخلايا التي تعطي الجنين الكامل الذي يولد طفلاً . فالجنين إذن التحام نصفين نصف آت من الخصية ونصف آت من المبيض . أما الرحم فمستودع ومستزرع وحاضن يفي بالغذاء والنماء.
نذكر بعد ذلك نموذجًا لمرض خلقي . . تكون فيه المرأة ذات مبيض ولكنها غير ذات رحم . . وتفرز كل شهر بويضة ولكنها تهدر لأن غياب الرحم معناه الحيلولة بين المني وبين البويضة وكذلك غياب الحاضن الطبيعي للجنين منذ تكونه من التحام خليتين حتى استوائه في أواخر الحمل.
والبحث الجاري الآن ينصب على شفط البويضة من مبيضها خلال منظار يخترق جدار البطن (وقد تمت هذه الخطوة)، ثم تلقيح هذه البويضة بمنوي من الزوج يلتحم بها ليكونا بيضة تشرع في الانقسام إلى عديد من الخلايا (وقد تمت هذه الخطوة أيضا) ثم إيداع هذه الكتلة من الخلايا أي الجنين الباكر رحم امرأة أخرى بعد إعداده هرمونيًا لاستقبال جنين . . فيكمل الجنين نماءه في رحم هذه السيدة المضيفة حتى تلده وتسلمه لوالديه اللذين منهما تكون.
هذه الخطوة لم تتم بعد ولكنها بلغت درجة الممكن . وقد تمت بنجاح في الحيوانات بل وعلى درجتين، إذ تم استخراج أجنة نعاج في بريطانيا وإيداعها رحم أرنبة حملت بالطائرة لجنوب أفريقيا حيث استخرجت مرة أخرى وأودعت أرحام نعاج من فصيلة أخرى حضنتها حتى ولدتها على هيئة سلالتها الأصلية.
قد عرفنا الأم في الرضاع وأحكام الأخوة في الرضاع . والآن أدركنا أن للمرء بأمه صلتين صلة تكوين ووراثة أصلها المبيض وصلة حمل وحضانة أصلها الرحم . وحتى الآن كانت صلة الرحم تطلق مجازًا على الجميع . ولكن ماذا إذا انشعبت النسبتان فكان التكوين من امرأة والحضانة من أخرى .وأين تقف صلة الرحم من بنوة المبيض . . وما حقوق هذه الحاضن وماذا يترتب على ذلك من أحكام ؟ ... السؤال(4/39)
07/03/2007 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فما سماه العلماء: شتل الجنين هو قضية في غاية الغرابة والإثارة، وهي تختلف عما كان يسأل عنه من قبل من " التلقيح الصناعي " الذي تلقح فيه بويضة امرأة بحيوان منوي من رجل غير زوجها، وهذا حرام بيقين لأنه يلتقي مع الزنى في اتجاه واحد، حيث يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وإقحام عنصر دخيل على الأسرة أجنبي عنها، مع اعتباره منها نسبًا ومعاملة وميراثًا، وإذا كان الإسلام قد حرم التبني ولعن من انتسب إلى غير أبيه فأحرى به أن يحرم التلقيح المذكور، لأنه أشد شبها بالزنى.
أما قضية "الشتل" المسئول عنها هنا فليس فيها خلط أنساب، لأن البويضة ملقحة بماء الزوج نفسه، ولكنها تترتب عليها أمور أخرى هي غاية في الخطورة من الناحية الإنسانية والأخلاقية.
وإذا كنا نبحث أولاً عن مشروعية هذا الأمر من الوجهة الدينية، قبل أن نبحث عن أحكامه إذا حدث بالفعل، فالذي أراه - بعد طول تأمل ونظر - أن الفقه الإسلامي لا يرحب بهذا الأمر المبتدع . ولا يطمئن إليه، ولا يرضى عن نتائجه وآثاره، بل يعمل على منعه للأسباب التالية :ـ
1ـ إفساد لمعنى الأمومة:
وأول هذه النتائج وأبرزها: أنه يفسد معنى الأمومة كما فطرها الله، وكما عرفها الناس . هذا المعنى الذي ليس في الحياة أجمل ولا أنبل منه.
فالأم الحقيقية في التصور المعروض للسؤال، هي صاحبة البويضة الملقحة، التي منها يتكون الجنين، هي التي ينسب إليها الطفل، وهي الأحق بحضانته، وهي التي تناط بها جميع أحكام الأمومة وحقوقها من الحرمة والبر والنفقة والميراث وغيرها.
وكل دور هذه الأم في صلتها بالطفل أنها أنتجت يومًا ما بويضة أفرزتها بغير اختيارها، وبغير مكابدة ولا مشقة عانتها في إفرازها.
أما المرأة التي حملت الجنين في أحشائها وغذته من دم قلبها أشهرًا طوالا، حتى غدا بضعة منها، وجزءًا من كيانها، واحتملت في ذلك مشقات الحمل، وأوجاع الوحم، وآلام الوضع، ومتاعب النفاس، فهذه مجرد " مضيفة " أو " حاضنة " تحمل وتتألم وتلد، فتأتي صاحبة البويضة، فتنتزع مولودها من بين يديها، دون مراعاة لما عانته من آلام، وما تكون لديها من مشاعر، كأنها مجرد " أنبوب " من الأنابيب، التي تحدثوا عنها برهة من الزمان، لا إنسان ذو عواطف وأحاسيس.
2ـ حقيقة الأمومة:
وإن من حقنا - ومن حق كل باحث عن الحقيقة - أن يسأل معنا هنا عن ماهية الأمومة التي عظمتها كتب السماء، ونوّه بها الحكماء والعلماء، وتغنى بها الأدباء والشعراء، وناطت بها الشرائع أحكامًا وحقوقًا عديدة الأمومة التي هي أرقى عواطف البشر وأخلدها وأبقاها.(4/40)
وهل تتكون هذه الأمومة الشريفة من مجرد بويضة أفرزها مبيض أنثى ولقحها حيوان منوي من رجل.
إن الذي يثبته الدين والعلم والواقع، أن هذه الأمومة إنما تتكون مقوماتها، وتستكمل خصائصها، من شيء آخر بعد إنتاج البويضة حاملة عوامل الورثة، إنه المعاناة والمعايشة للحمل أو الجنين، تسعة أشهر كاملة يتغير فيها كيان المرأة البدني كله تغيرًا يقلب نظام حياتها رأسًا على عقب، ويحرمها لذة الطعام والشراب والراحة والهدوء . إنه الوحم والغثيان والوهن طوال مدة الحمل . وهو التوتر والقلق والوجع والتأوه والطلق عند الولادة . وهو الضعف والتعب والهبوط بعد الولادة . إن هذه الصحبة الطويلة - المؤلمة المحببة - للجنين بالجسم والنفس والأعصاب والمشاعر هي التي تولد الأمومة وتفجر نبعها السخي الفياض بالحنو والعطف والحب.
هذا هو جوهر الأمومة . بذل وعطاء، وصبر واحتمال، ومكابدة ومعاناة ولولا هذه المكابدة والمعاناة، ما كان للأمومة فضلها وامتيازها، وما كان ثمة معنى لاعتبار حق الأم أو كد من حق الأب.
إن أعباء الحمل، ومتاعب الوضع، هي التي جعلت للأمومة فضلاً أي فضل، وحقًا أي حق، وهي التي نوه بها القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ووضعته كرها، وحسبنا أن نقرأ في كتاب الله (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرهًا، وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا)، (ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين).
ومعنى " وهنا على وهن ": أي جهدًا على جهد، ومشقة على مشقة، مما يؤدي بها من ضعف إلى ضعف.
وهذه المعاناة التي تتحمل الأم آلامها وأوصابها راضية قريرة العين، هي السر وراء تأكيد القرآن على حق الأم ومكانتها وأوردها فيما ذكرنا من آيات، وهي السر كذلك وراء تكرار الرسول صلى الله عليه وسلم الوصية بها، وتأكيد الأمر ببرها، وتحريم عقوقها، وجعل الجنة تحت أقدامها، من مثل: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب ".
وفي الحديث المشهور في إجابة من سأل: من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: " أمك . . ثم أمك . . . ثم أمك . . ثم أبوك ".
وفي مسند البزار: إن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها ؟ فقال: " ولا بزفرة واحدة - أي من زفرات الطلق والولادة " . فإذا كانت الأم لم تتحمل أي شيء من هذه المخاطر والأوجاع والزفرات فما فضل أمومتها ؟ ومن أين تستحق كل ما جاءت به الوصايا النبوية من زيادة برها ؟
3ـ الأم هي الوالدة:
ولا شك أن خير وصف يعبر عن الأم وعن حقيقة صلتها بطفلها في لغة العرب هو " الوالدة " وسمى الأب " الوالد " مشاكلة للأم، وسميا معًا " الوالدين " على سبيل التغليب للأم الوالدة الحقيقية، أما الأب فهو في الحقيقية لم يلد، إنما ولدت امرأته .(4/41)
وعلى هذا الأساس سمى ابن المرأة " ولدًا " لها، لأنها ولدته، وولدًا لأبيه كذلك لأنها ولدته له.
فالولادة إذن أمر مهم، شعر بأهميته واضعو اللغة، وجعلوه محور التعبير عن الأمومة والأبوة والبنوة.
ومالنا نذهب بعيدًا . وهذا القرآن الكريم يحصر حقيقة الأمومة في الولادة بنص حاسم، فيقول في تخطئة المظاهرين (المظاهر من امرأته: من يحرمها على نفسه بأن يقول لها: أنت علي مثل أمي . أو كظهر أمي ويسمى هذا شرعًا " الظهار ") من نسائهم: (ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) بهذا الأسلوب الجازم الحاصر حدد القرآن معنى الأمومة (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم)، فلا أم في حكم القرآن إلا التي ولدت.
والخلاصة أن الأم التي لا تحمل ولا تلد كيف تسمى " أما " أو " والدة " ؟ وكيف تتمتع بمزايا الأمومة دون أن تحمل أعباء الأمومة ؟
4-لماذا كانت الأم أحق بالحضانة ؟
روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وإن أباه طلقني وزعم أنه ينتزعه مني ! فقال صلى الله عليه وسلم: " أنت أحق به ما لم تنكحي " (أي تتزوجي).
وهكذا أعطى الشرع حق الحضانة للأم وقدمها على الأب . وجعلها أحق بطفلها منه، لما ذكرته هذه المرأة الشاكية من أسباب وحيثيات تجعلها أحنى على الطفل وأرفق به وأصبر على حضانته من أبيه، فقد صبرت على ما هو أشد وأقسى من الحضانة، حين حملته كرهًا ووضعته كرهًا.
فما تقول هذه الأم المستحدثة إذا اختلف مع زوجها في أمر حضانة الولد ؛ وبأي منطق تستحقه وتقدم على أبيه، ولم يكن بطنها له وعاء، ولا ثديها له سقاء ؟
إن قالت: إنها صاحبة البويضة التي منها خلق، فالأب صاحب الحيوان المنوي الذي لولاه ما صلحت البويضة لشيء، بل لعله هو العنصر الإيجابي النشيط المتحرك في هذه العملية، حتى إن القرآن نسب تكوين الإنسان إليه في قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق . يخرج من بين الصلب والترائب) فالماء الدافق هنا هو ماء الرجل.
5ـ تساؤلات:
ولنا أن نسأل هنا: لماذا يفكر رجال العلم في نقل بويضة امرأة إلى رحم امرأة أخرى ؟
سيجيبون: لنوفر للمرأة المحرومة من الولد، لفقدها الرحم الصالح للحمل، ما تشتاق إليه من الأطفال عن طريق أخرى صالحة للحمل.
ونود أن نقول هنا: إن الشريعة تقرر قاعدتين مهمتين تكمل إحداهما الأخرى:
الأولى: إن الضرر يزال بقدر الإمكان.
والثانية: إن الضرر لا يزال بالضرر.(4/42)
ونحن إذا طبقنا هاتين القاعدتين على الواقعة التي معنا، نجد أننا نزيل ضرر امرأة - هي المحرومة من الحمل - بضرر امرأة أخرى، هي التي تحمل وتلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها وولادتها وعنائها . فنحن نحل مشكلة بخلق أخرى.
إن على العلم أن يتواضع ولا يحسب أن بإمكانه أن يحل كل مشكلات البشر، فإنها لا تنتهي ولن تنتهي . ولو فرض أنه حل مشكلة المرأة التي ليس لها رحم صالح، فكيف يحل مشكلة التي ليس لها مبيض صالح ؟
وسؤال آخر: هل هذه هي الطريقة الوحيدة - في نظر العلم - لإزالة ضرر المرأة المحرومة من الإنجاب لعدم الرحم ؟
والجواب: إن العلم الحديث نفسه بإمكانه وتطلعاته - فيما حدثني بعض الأخوة الثقات المشتغلين بالعلوم، والمطلعين على أحدث تطوراتها، وتوقعاتها، يفتح أمامنا باب الأمل لوسيلة أخرى أسلم وأفضل من الطريقة المطروحة.
وهذه الوسيلة هي زرع الرحم نفسه في المرأة التي عدمته، تتمة لما بدأ به العلم ونجح فيه من زرع الكلية والقرنية وغيرهما، بل زرع القلب ذاته في تجارب معروفة ومنشورة.
احتمالات:
ولقد حصر السائل الصورة المسئول عنها في امرأة ذات مبيض سليم، ولكن لا رحم لها . وهي مشوقة إلى الأولاد، وراغبة في الإنجاب، كأنه بهذا يثير الشفقة عليها، ويستدر العطف من أجلها.
ولكن هذا الباب إذا فتح، ما الذي يمنع أن تدخله كل ذات مال من ربات الجمال والدلال، ممن تريد أن تحافظ على رشاقتها، وأن يظل قوامها كغصن البان، لا يغير خصرها وصدرها الحمل والوضع والإرضاع . فما أيسر عليها أن تستأجر " مضيفة " تحمل لها، وتلد عنها، وترضع بدلها، وتسلم لها بعد ذلك " ولدًا جاهزًا " تأخذه بيضة مقشورة، ولقمة سائغة، لم يعرق لها فيه جبين، ولا تعبت لها يمين، ولا انتفض لها عرق .
وصدق المثل: رب ساع لقاعد، ورب زارع لحاصد !!
وإذا كان مبيض الأنثى يفرز في كل شهر قمري بويضة صالحة - بعد التلقيح - ليكون منها طفل، فليت شعري ما يمنع المرأة الثرية أو زوجة الثري أن تنجب في كل شهر طفلاً ما دام الإنجاب لا يكلفها حملاً ولا يجشمها ولادة !!
ومعنى هذا أن المرأة الغنية تستطيع أن تكون أما لاثنى عشر ولدًا في كل سنة، ما دامت الأمومة هينة لينة لا تكلف أكثر من إنتاج البويضة، والبركة في " الحاضنات " أو " المضيفات " الفقيرات اللائي يقمن بدور الأمومة ومتاعبها لقاء دريهمات معدودة.
ويستطيع الرجل الثري أيضًا أن يكون له جيش من الأولاد بعد أن يتزوج من النساء مثنى وثلاث ورباع، يمكن لكل واحدة أن تنجب حوالي 500 خمسمائة من البنين والبنات بعدد ما تنتج من البويضات، طوال مدة تبلغ أو تتجاوز الأربعين عامًا من سن البلوغ إلى سن اليأس.(4/43)
والنتيجة من وراء هذا البحث أن الشريعة لا ترتاح إلى ما سمى " شتل الجنين " لما ذكرنا من آثار ضارة تترتب عليه، فهو أمر مرفوض شرعًا، ممنوع فقهًا.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم تبني اللقيط ... العنوان
وجدت لقيطا وأخذته وأريد أن أتبناه.. فهل يجوز شرعا أن أكتبه باسمي ؟ وتكون زوجتي أمه؟ أرجو الإفادة.
... السؤال
14/09/2006 ... التاريخ
الشيخ علي أبو الحسن ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالتبني أمر حرمه الله في الإسلام منذ عهد النبوة وبدأ بقصة مولي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة الذي تبناه النبي وكان يدعي زيد بن محمد حتي نزل قول الله تعالي: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) ، ومن هنا فلا يجوز شرعا أن يتبني رجل ابنا ولا بنتا وينسبها لنفسه بهذا المعني.
ولكن يجوز ويستحب أن نتولى رعاية الطفل واليتيم خاصة من حيث الإعالة بالنفقة في المطعم والكسوة والتعليم وحسن التربية حتى إذا بلغ السن التي يقوي فيها علي إعانة نفسه أو تزوجت البنت تركناهما وشأنهما مع استمرار الإحسان إليهما بشرط عدم نسبتهما إلينا في أي شهادة ميلاد رسمية بل نختار لهما اسما آخر يناسبهما إن لم يكن لهما آباء معروفون يدعون إليهم ويفرق بينهم في المضاجع عند البلوغ وتحتجب المحارم كالزوجة والبنت الحقيقية عن الذكر منهما، والبنت منهما عن الذكر من أولادنا وعنا أيضا لأن الحرمة قائمة بين الجميع كالأجانب حيث هم كذلك في الواقع، إلا إذا كان قد تم لهما رضاع من الزوجة فيأخذون حكم الرضاع في الحرمة وجواز الدخول مع التحفظ أيضا.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
التلقيح الصناعي ... العنوان
يسأل الناس عن حُكم الشريعة في التلقيح الصناعي الإنساني بين ماء الرجل وبويضة الأنثى خارج الرحم ، فهل هو جائز أم ممنوع ؟
... السؤال
29/06/2006 ... التاريخ
شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت ... المفتي
... ... الحل ...
...(4/44)
...
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فالتلقيح الصناعي إذا كان بماء الرجل لزَوجه لا إثم فيه ولا حرج ، أما إذا كان بماءِ رجلٍ أجنبيٍّ عن المرأة لا يربط بينهما عقد زواج فإنه جريمةً مُنكرةً ، وإثم عظيم يلتقِي مع "الزنا" في إطار واحد ، ولولا قُصور في صورة الجريمة لكان حُكم التلقيح في تلك الحالة هو حُكم الزِّنَا الذي حدَّدته الشرائع الإلهية، ونزلت به كتب السماء.
يقول فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-ردا على سؤال مماثل :
مِن المعلوم أن تَخَلُّقَ الولد إنما هو مِن السائل المَنَوِيِّ الذي يَخرجُ مِن الرجلِ فيَصِل إلى الرَّحِمِ المُستَعَدِّ للتفاعُل (خُلِقَ مِن مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ). (الآية: 6 ـ 7 من سورة الطارق). (إنَّا خَلَقْنَا الإنْسانَ مِن نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ). (الدهر: 2).
يتخلَّق الولد مِن هذا السائل متَى وصلَ إلى الرَّحِم المُستعد للتفاعل، وإن لم يكن وُصوله عن طريق الاتصال الجسماني المعروف، وهذا قد عرفه الناس جميعًا، وعرفه فقهاؤنا، وجاء في كلامهم: "إن الحَمْلَ قد يكون بإدْخال الماء للمحلِّ دون اتِّصالٍ". عرَّفُوه هكذا ورتَّبوا عليه وُجوب العِدَّةِ، وهي مدة يبعد فيها الزوْج عن زوجته حتى تعرف براءةَ رحِمها من الحمل في حالة يصِل فيها إلى المرأة ماء أجنبيٌّ عنها.
قالوا: "إذا أدخلتِ المرأةُ مَنِيًّا ظنَّتْهُ مَنِيَّ زوجها ثم تبيَّن أنه ليس لزوجها، فعليها العِدَّةُ كالمَوطوءة بشُبْهة" وقد جاء ذلك الفرض في كتب الشافعية، وقال صاحب البحر مِن كتب الحنفية: ولم أرَهُ لأصحابنا، والقواعد لا تأْبَاهُ؛ لأن وُجوب العِدَّةَ لِتَعرُّفِ براءةِ الرحِم.
وهذا صريح في اعترافهم أن وُصول الماء عن غير الطريق المُعتاد قد يكون وسيلةً لشغْل الرحم بالجنين، وهو يتضمن تقرير المبدأ المعروف في تكوُّن الطفل من الماء الحيوي دون حاجة إلى العملية الجنسية. وما الاتصال الجِسماني إلا وسيلةً مُعتادة، لا يتوقَّف عليها تكوُّن الولد الذي هو من الماء المُستكمِل مُؤهلاته الطبيعية.
والواقع أن التلقيح الصناعي، وقصْد التوليد عن طريقه، قد أُلهمه الإنسان من قديم وعرفه من فجْر حياته في الحيوان والنبات، واستخدمه فيهما، وظهر له فعلًا نجاحه، وحصل منه على أنواع حسنة من الحيوان، وعلى ثمار جيدة من النبات. وقد دفعه ذلك إلى إجراء التجارِب التلقيحية الصناعية في المرأة بماء الرجل، وفعلًا نجحت هذه التجارب أيضًا، وتكوَّن بالتلقيح الصناعي الجنينُ، واستكمل حياته الرحِميَّة، وخرج إنسانًا سَوِيَّ الخَلْق مُكتملَه. غير أن قصد الإنسان من التلقيح الصناعي البشري لم يكن على نحوٍ قصده من التلقيح في الحيوان والنبات، فلم يكن مِن أهدافه أن يحصل به على نسْل إنسانيٍّ أحسنَ وأقوى، كما هو الشأن في الحيوان والنبات، وإنما كان القصد علميًّا أوَّلاً وقبل كل شيء. ثم بعد أن تبيَّن نجاحُه علمًا وعملًا، اتُّخِذَ سبيلًا لتحقيق رغبة الولد بالنسبة للزوجين اللذين ليس لهما ولدٌ؛ وذلك كيْ يقف(4/45)
عندهما الإحْساس بالعُقم أو يزول، وبذلك يستويانِ بغيرهما، ويَشعرانِ في هذه الحياة بزِينة الأُبُوَّةِ والأُمومة للأبناء.
وإنْ كان ذلك لا يخرج عن حدِّ التعلُّل النفسي بصورة الأُبوة والبنوة!! ثم توسَّع فيه بعض أرباب الآراء الفلسفية واتَّخذوا منه ـ بالتفلسُف الإنساني ـ سبيلًا لتكثير سواد الأمة وعدد أفرادها لمُجرد الرغبة في التوسُّع البشري، أو تحصيلًا لعِوَضٍ عمَّنْ تُهلكهم الحروب الطاحنة ، وبهاتينِ الرغبتينِ اللتينِ بعثتهما "الفلسفة المادية" كان التلقيح الصناعي في الإنسان أمرًا مشروعًا عند أرباب تلك الفلسفة الجافَّة. وبهما ساوى عندهم في المشروعية وعدم الإنكار والتأفُّف التلقيحَ الصناعي في الحيوان والنبات.
المستوى الإنساني يأبَى التلقيح:
ولقد كان جديرًا بأرباب هذه الفلسفة الذينَ سوَّوا بآرائهم التلقيح في الإنسان بالتلقيح في الحيوان والنبات، كان جديرًا بهم أن يذكروا أن الإنسان ـ وهُم من أفراده ـ له مُجتمعات، شعوب وقبائل، تتكون مِن أفرادٍ تَنتظمها سلسلةٌ واحدة، تُعرَف بها وتنتسب إليها، وأنهم بإنسانيتهم ليسوا كأفراد الحيوان والنبات التي تظلُّ مُفكَّكة الحياة لا يجمعها رباطٌ، ولا تشعر في حياتها بالحاجة إلى الرِّباط، وهذه خاصة الحيوان والنبات. وتلك خاصة الإنسان، وليس مِن ريبٍ في أنهم إذا ذكروا هذه، ورجعوا إلى أنفسهم وشُعورهم لأَدْركوا أن للإنسان حياةً هي أرقى من حياة الفرد نفسه، وهي حياة تلك المُجتمعات التي تخضع لقوانينَ بشريةٍ، وشرائع سماوية، تُلَبِّي داعِيَ الفِطْرة الإنسانية في ذلك، ويرتبط بها الإنسان في تصرُّفاته وسُلوكه، وانتظامه في مُجتمعاته. ولعل الزواج وإعلانه ـ وهو شأن فطري ـ كان أهم الشئون التي تخضع المُجتمعات، لحُكمها، وترتِّب عليه آثارًا مُعيَّنةً معروفة فيما يتعلق بحياة الأسرة ونسَب الأبناء.
حكم الشريعة في التلْقيح:
ومن هنا نستطيع أن نُقَرِّرَ ـ بالنسبة لحُكم الشريعة في التلقيح الصناعي الإنساني ـ أنه إذا كان بماء الرجل لزَوجه كان تَصرُّفًا واقعًا في دائرة القانون والشرائع التي تخضع لحُكمها المُجتمعات الإنسانية الفاضلة، وكان عملًا مَشروعًا لا إثم فيه ولا حرج، وهو بعد هذا قد يكون في تلك الحالة سبيلًا للحصول على ولد شرعي، يُذْكَر به والِداهُ وبه تمتدُّ حياتهما وتكمل سعادتهما النفسية والاجتماعية، ويَطمئنانِ على دوام العِشْرَةِ وبقاء المودَّة بينهما.
أما إذا كان التلقيح بماءِ رجلٍ أجنبيٍّ عن المرأة ـ لا يربط بينهما عقد زواج "ولعل هذه الحالة هي أكثر ما يُراد مِن التلقيح الصناعي عندما يتحدث الناس عنه" ـ فإنه يَزِجُّ بالإنسانِ دون شكٍّ في دائرتَيِ الحيوان والنبات، ويُخرجه عن المستوى الإنساني، مستوى المجتمعات الفاضلة التي تَنْسُجُ حياتَها بالتعاقُد الزوجي وإعلانه.
التلقيحُ والزِّنَا:
وهو في هذه الحالة ـ بعد هذا وذاك ـ يكون في نظر الشريعة الإسلامية، ذات التنظيم الإنساني الكريم، جريمةً مُنكرةً، وإثمًا عظيمًا. يلتقِي مع "الزنا" في إطار واحد: جوهرهما واحد، ونتيجتهما واحدة، وهي وضْع ماء رجلٍ أجنبي قصدًا في حرْثٍ(4/46)
ليس بينه وبين ذلك الرجل عقدُ ارتباط بزوجيّة شرعية، يُظلها القانون الطبيعي، والشريعة السماوية. ولولا قُصور في صورة الجريمة لكان حُكم التلقيح في تلك الحالة هو حُكم الزِّنَا الذي حدَّدته الشرائع الإلهية، ونزلت به كتب السماء.
التلقيح أفظْع جُرْمًا من التَّبَنِّي:
وإذا كان التلقيح البشري بغير ماء الزوج على هذا الوضع، وبتلك المنزلة، كان دون شكٍّ أفظعَ جُرْمًا وأشد نُكرانًا من "التبني" في أشهر معناه الذي بيَّنَّا حُكمه، وإبطال القرآن له في الحديث السابق، وهو أن يَنسب الإنسان ولدًا يعرف أنه ابن غيره إلى نفسه، وإنما كان التلقيح أفظَعَ جُرْمًا من التبنِّي؛ لأن الولد المُتبنَّى، المعروف أنه للغير، وليس ناشئًا عن ماء أجنبي عن عقد الزوجية، إنما هو ولد ناشئٌ عن ماء أبيه ألْحقه رجلٌ آخر بأُسرته وهو يعرف أنه ليس حلْقةً من سِلسلتها، غير أنه أخفَى ذلك عن الولد، ولم يشأ أن يُشعره بأنه أجنبيٌّ، فجعله في عداد أُسرته، وجعله أحد أبنائه زُورًا من القول. وأثبت له ما للأبناء من أحكام.
أما ولد التلْقيح فهو يجمع بين نتيجة التبنِّي المذكور ـ وهي إدخال عنصر غريب في النسب ـ وبين خِسَّةٍ أُخرى وهي التقاؤُه مع الزِّنَا في إطار واحد، تَنْبُو عنه الشرائع والقوانين، وينْبو عنه المستوى الإنساني الفاضل، ويَنزلق به إلى المستوى الحيواني الذي لا شُعور فيه للأفراد برِباطِ المُجتمعات الكريمة. وحسب مَن يدْعُونَ إلى هذا التلقيح ويُشيرون به على أرباب العُقم تلك النتيجة المُزدوجة، التي تجمع بين الخِسَّتَيْنِ: دخل في النسب، وعارٌ مستمر إلى الأبد. حفظ الله على المسلمين أنسابهم ومُستواهم الإنساني الفاضل.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
ضوابط التبني في بلاد الغرب ... العنوان
تقيم بيننا جالية كردية كبيرة منحتها الولايات المتحدة الأمريكية حق اللجوء السياسي وسمحت للكنائس أن تقدم لها بعض المساعدات بالإضافة إلى المساعدات الحكومية. المساعدات الحكومية لا تتجاوز مبلغا بسيطا من المال يدفع لمدة تتراوح ما بين ثمانية أشهر وسنة كاملة، وذلك لتمكين هؤلاء اللاجئين من تعلم اللغة الإنكليزية والبحث عن عمل بعد ذلك، وهذا الأمر يسري على العائلات وحسب. أما الأطفال الصغار الذين لا عائل لهم فينتهون إلى كنائس تقوم برعايتهم وتوزيعهم على الأسر الراغبة في التبني، وبطبيعة الحال ينشأ هؤلاء الأطفال المسلمون الأبرياء على الديانة النصرانية أو اليهودية أحيانا، وذلك تبعا للأسرة المتبنية. وحين نحث المسلمين على أن يفعلوا شيئا تجاه هذا الموضوع لحماية هؤلاء الأطفال المسلمين من ضياع الدين والهوية يردون ببساطة قائلين بأننا لا نستطيع أن نفعل شيئا لأن الإسلام حرم التبني. السؤال المطروح هو: ما هو الموقف من هؤلاء الأطفال؟ هل يجوز أن يتركوا لهذا المصير المؤلم؟ ما هي الحلول البديلة الشرعية المقترحة التي تجدونها مناسبة لحل هذه المسألة؟ نرجو تفضلكم بتزويدنا بالجواب الإسلامي الشافي عن هذا الأمر. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
... السؤال(4/47)
10/06/2006 ... التاريخ
أ.د طه جابر العلواني ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد:
حرم الإسلام التبني إن كان المتبني سينسب الولد إليه ،ويقيمه مقام ولده في كل شيء ،ولكن إن كانت الدولة -كأمريكا - لا تبيح الكفالة لليتامى إلا إذا نسب المتبني الولد إليه ،وإن كان ترك هذا التبني يجعل النصارى واليهود يأخذون أبناء المسلمين ويتبنونهم ،مما يترتب على ذلك أن ينشأ الأولاد على غير ملة الإسلام ،فإنه لا مانع من تسجيل هؤلاء الأبناء بأسماء من يتبنونهم من المسلمين ،على أن تكتب ورقة يوضح فيها أن هذا الولد ليس لمن ينسب له ،ولا مانع من أن يكتب المتبني لمن تبناه الثلث كوصية إذا كبر بدلا من الميراث .
ومستند هذا الحكم هو الأخذ بأخف الضررين ،فإن نسبة الأولاد إلى غير أبيهم مع وجود ورقة توضح الحقيقة ترفق بشهادة الميلاد أو الورق الرسمي أخف ضررا من أن يتبدل دين أبناء المسلمين .
كما أنه تجدر الإشارة إلى أن الطفل المتبنى إن كان رضيعا ،فيمكن لزوجة المتبني أن ترضعه ،حتى يكون ابنها من الرضاع ،وإن لم تكن تلد ،فيمكن إدرار اللبن عبر بعض الوسائل الحديثة ،بإشراف أطباء حتى لا يكون هناك ضرر عليها .
يقول الدكتور طه جابر علواني رئيس المجلس الفقهي الأمريكي
كان التبني من عادات الجاهلية التي مارسها العرب قبل الإسلام، وكان لهذه الظاهرة الاجتماعية آثار سلبية كثيرة عادت على المجتمع بالتفكك والانحلال، ويمكن الاطلاع على مظاهر هذه العادة في كثير من المصادر التي كتبت عن آثار وتقاليد الجاهلية ومشكلات العرب الاجتماعية في تلك المرحلة. فقد كان نظام الاسترقاق، وكثرة الحروب، وطلب الكثرة في القوة والعدد، والفقر والعوز كثيرا ما تكون وراء الحرص على التبني.
ظل نظام التبني سائدا حتى نزل القرآن أثناء المرحلة المدنية قاطعا بتحريمه والمنع منه، وذلك في قوله تعالى (الأحزاب: 4-6): {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل(4) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما (5) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا (6)} فاستجاب المسلمون إلى ذلك باعتباره أمرا قرآنيا واجب النفاذ، وحسم القرآن أمر التبني بتوجيه الأمر الإلهي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالزواج من زينب بنت جحش التي كانت تحت متبناه، زيد بن حارثة، ليقطع دابر هذه الظاهرة، قال تعالى: (الأحزاب: 37): { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه(4/48)
وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا (37)} فإذا ما تزوج الأب بالتبني (وهو في هذه الحالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ مبلغ الوحي) زوجة ولده بالتبني فذلك يعني إلغاء عمليا لكل آثار التبني القانونية والتشريعية التي كان أهل الجاهلية يرتبونها على ذلك من النسب وقضايا النكاح والإرث وغيرها. فتحريم التبني تحريم مؤبد لا يمكن إحداث أي استثناء أو تغيير فيه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة دعوة الأبناء لآبائهم، وبذلك قطع مسائل اختلاط الأنساب والتعدي على الحقوق.
في الوقت ذاته، فإننا نجد أن الشارع حث وندب المسلمين إلى كفالة الأيتام؛ ذكورا وإناثا ورعايتهم معنويا وماديا، وحض المسلمين على كفالة الأيتام وعدم إسلامهم للضياع، وتكفل لمن يقوم برعايتهم ومتابعة شؤونهم بالأجر العظيم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا. واعتبر الإسلام ذلك واجبا على الأمة بحيث لا يضيع أبناؤها أو يسلمون إلى غير الأمناء أو الأكفاء. وبذلك أصبحت كفالة الأيتام البديل الإسلامي عن التبني.
فكفالة اليتيم تحافظ على الأنساب والهوية من خلال ضرورة دعوة اليتيم لأبيه وقومه إن كانت معروفة، فإن لم تكن معروفة فيمنح اسما آخر، مثل عبد الله أو عبد الرحمن وسواها من الأسماء الصادقة في حقيقتها ومعناها والمقبولة عرفا، مع مراعاة عدم الدمج الكامل في الأسرة لئلا تختلط الأنساب ويرث مالا لا حق له فيه، وكذلك تجنب مفسدة التعرض للاختلاط بالمحرمات عليه من النساء. فإذا دعي المكفول لأبيه أو أعطي اسما آخر من الأسماء التي تصدق عليه فلا شيء في ذلك، على أن يعلم اليتيم حين يبلغ رشده بنسبه وكامل هويته وطبيعة العلاقة بينه وبين بيت كافله لتجنب المفاسد التي أشرنا إليها. وفي حال رغب الكافل أن يساعد المكفول بعد بلوغه سن الرشد، فله أن يوصي له بوصية في حدود الثلث الذي له أن يتصرف فيه، وبذلك يعينه دون أن يأخذ من حق الورثة الآخرين شيئا.
أما ما أشير إليه من أن القوانين الأمريكية تفرض على كافل اليتيم أن يمنحه اسمه وأن يلحقه بأسرته، فيمكن في هذه الحالة أن يمنح بالإضافة إلى اسمه واسم أبيه أو الاسم الآخر الذي تم اختياره اسم َ الأسرة الكافلة، على أن يكتب ذلك في وثيقة تحتفظ الأسرة بها حتى إذا بلغ سن الرشد أخبر بما تم، وبذلك لا يقع الكافل تحت طائلة القانون ويكون في الوقت نفسه قد لبى نداء الشريعة في حفظ الأنساب. وحين يكون اسم الأسرة الكافلة قد غلب عليه بحيث لا يعرف عند البعض إلا إذا ذكر منسوبا إلى تلك الأسرة، فإنه لهذا الغرض بالذات لا تعتبر مناداته بهذا الاسم معصية يعاقب عليها، فالأسماء إنما كانت من أجل التعريف وحين لا يحصل التعريف إلا بذلك الاسم فلا بأس بذلك إن شاء الله.
ومن هنا فإننا نرجو من جميع القادرين من المسلمين أن لا يتركوا أبناء الأمة نهبا للفقر والتشرد وضياع الدين والهوية، وأن يكفل القادرون كل من يستطيعون كفالته(4/49)
سواء أكانوا من أبناء العراق أو الصومال أو البوسنة أو أفغانستان أو أية جهة أخرى، وبذلك تكون الأمة قد أدت واجبها تجاه أبنائها الذين تقطعت بهم السبل ونزلت عليهم نوائب الدهر. والله لا يضيع أجر المحسنين. قال تعالى (المائدة: 2): { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب(2)}.
ـــــــــــــــــــ
كفالة اليتيم: حكمها وشروطها ... العنوان
ما حكم كفالة اليتييم ؟وما هي شروطها ؟ وهل تتوقف عند سن معينة ؟ وما حكمها عند وجود أبناء آخرين مختلفين عنه في الجنس ؟ وما هو وضعه بالنسبة للأسرة ؟
... السؤال
11/06/2005 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فكفالة اليتيم أمر قد رغبنا الإسلام فيه ترغيبا شديدا ووعد عليه بالجنة ، ووصي باليتيم خيرا ، وحذر من الإساءة إليه ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى :( وآتوا اليتامى أموالهم ) وقوله تعالى:(ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، وإن تخالطوهم فإخوانكم ) وكذلك قوله:( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى) وقوله: ( أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ) وقوله سبحانه: ( وأما اليتيم فلا تقهر).
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا) ، وأشار بأصبعيه : السبابة والوسطى ( متفق عليه).
وليست هناك شروط لهذه الكفالة إلا العدل والإحسان وتجنب ظلم اليتيم .
وهذه الكفالة مرتبطة باليتم ، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال ، فإذا بلغ الصبي الرشد لم يعد يتيما ، إلا إذا كان في عقله سفه أو جنون ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمر كفالته ، والبنت تظل في الكفالة حتى تتزوج ، لقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ).
فإذا بلغ الصبي اليتيم رشيدا ولكنه فقير فيكون الإحسان إليه من باب أنه فقير .
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعةالأزهر:
اعلمْ أن اليتيم شرعًا هو صغيرٌ ماتَ أبوه، فإذا بلغ الحُلُم لم يَعُدْ يَتِيمًا، ولكن لا يُسلَّم له مالُه ـ إن كان له مال ـ إلا إذَا بلغ الرشد، وذلك يُعرَف باختباره في التصرُّفات المالية وغيرها، فإذا رأيناه يُحسن التصرُّف سلَّمناه ماله، لقوله تعالى: (وابْتَلُوا اليَتَامَى حتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إليهم أمْوالَهمْ ...) الآية (سورة النساء: 6) ومعنى (ابْتَلُوا اليتامى): اخْتَبِرُوهمْ في الأعمال والتصرُّفات المالية وغيرها حتى تَعلموا أنهم قادرون على إدارة أموالهم بخِبرة وحِكْمة.(انتهى)
أما وضع اليتيم مع الأسرة(4/50)
: فإنه أجنبي عنها ، فإذا بلغ وجب معاملته كأجنبي ، وقدأبطل الله التبني وحرمه ، مع الترغيب في كفالته ، فلا يحرم تزوجه من أولاد المتبني ؛ مالم يوجد مانع آخر كالرضاعة، ويجب على زوجته وبناته التحجب أمامه منذ البلوغ أو انتباهه لأمور النساء ، ويحرم عليهن الخلوة به وغير ذلك مما ينطبق على الأجنبي .
كما يجب أن يفصل بينه وبين أولاد الكافل له المختلفين عن جنسه ؛ في المضجع الذي ينامون فيه ، إذا قارب البلوغ ،لأن الفصل بين الذكور والإناث واجب منذ بلوغهم العاشرة ولو كانوا إخوة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع ). فاليتيم الذي هو أجنبي أولى.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تبرؤ المتبنى من نسبه الأصلي ... العنوان
وجدت طفلا صغيرا في دار من دور رعاية اللقطاء، فأخذته وربيته ، واعتنيت به، وأعلمته أنه ليس من صلبي، ولم أضمه إلى نسبي لأنني أعرف أن ذلك حرام.
وقد نسبته إلى أبيه الذي علمت اسمه من دار الأيتام. فلما شب الولد وكبر، وأدرك الأمور قال لي:
إنه ليس لي من أبي الحقيقي سوى الاسم، وأنا لا أحب أن يبقى بيني وبينه هذه الرابطة الشكلية، فهو لم يربني، ولم يكفلني، بل لا يعرف عني شيئا، وقال لي: أنت أولى بي منه.
وطلب مني أن أضمه إلى نسبي فأصبح أباه، ويصبح ولدي بمحض إرادته دون أن أطلب منه ذلك، فهل يجوز هذا؟
... السؤال
27/05/2003 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
لا يجوز للطفل المكفول أن يتبرأ من نسبه الأصلي، ويتخذ من نسب كافله نسبا له، فيدعوه كما يدعوا الناس آباءهم،لأن في ذلك اختلاطا للأنساب، وقد حرم الإسلام هذا، وجعله من الكبائر. وإلى هذا المعنى أشار الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بقوله:-
الإسلام شدَّد في هذا غاية التشديد فقد جاء في حواشي التحفة ـ كحاشية الشرواني في الفقه الشافعي (ج5، ص400) ـ: أنه من الكبائر.
بل صَرَّحتِ الأحاديث بكُفر مَنْ فَعَلَ هذا، ومن هذه الأحاديث :
"لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" (رواه البخاري).
"لا ترغبوا عن آبائكم فمن رَغِبَ عن أبيه فقد كفر" (متفق عليه).(4/51)
"مَنِ ادُّعِي إلى غير أبيه ـ وهو يعلم أنه غيرُ أبيه ـ فالجنة عليه حرام" (رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، عن سعد وأبي بكرة جميعًا "المُنتقى من كتاب الترغيب والترهيب.
"ليس مِنْ رجل ادُّعِيَ بغير أبيه وهو يَعلَم إلا كَفَر، ومَن ادَّعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار..." (رواه البخاري، ومسلم،عن أبى ذر ـ رضي الله عنه ـ "المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب.
"... ومَن ادُّعِيَ إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صَرْفًا" (رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي، عن علي ـ رضي الله عنه ـ "المنتقي من كتاب الترغيب والترهيب.انتهى.
ويضيف الباحث الشرعي حامد العطار :-
تحريم الإسلام لضم نسب المكفول إلى كافله ليس تنكرا ولا إغفالا لحق الكافل الذي احتضن وربى وأنفق، ووجه، وعلم، وأدب، بل إن للكافل جزاء ما قام به من هذه الأعمال أجرا عظيما، حيث تعتبر كفالة المحتاجين والمعوزين من أفضل القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى إذا أخلص الإنسان النية لله، ومن النصوص التي بينت ذلك:-
قوله تعالى: (َيسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الآية 215 .
وقوله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) سورة النساء الآية 36 .
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر) .
وجاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم : (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) .
وقال ابن بطال- أحد شراح البخاري – في شرح الحديث: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك]،والحافظ ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى.انتهى.
ولكن سبب التحريم الخوف من اختلاط الأنساب، فإن معنى ضم نسب المكفول لكافله أن يصبح له حقوق البنوة من الإرث، والتسامح في كشف العورات، وقيام المحرمية بينه وبين محارم كافله، وغير ذلك.(4/52)
هذا ولا يحملن الولد على أبيه الذي لا يعرف عنه شيئا فإنه لا يعرف لعله مات، أو حيل بينه وبين ولده، وإن كان الوالد قد أساء فحسابه على الله تعالى، وليحمد الولد ربه أن جعل له في كافله عوضا وغنية.
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
التبني دون نسبة الولد ... العنوان
أنا رجل لم يقدر الله تعالى لي أن يكون لي ولد ، فأحببت أن أتبني ولدا أنزله منزلة ولدي ، ويعيش معي ،وأقوم برعايته ، لكني سمعت أن التبني حرام ، فهل التبني على عمومه حرام، أم يجوز التبني بشروط، وما هي؟ ... السؤال
21/05/2003 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالتبني الذي هو نسب الولد إلى غير أبيه ، وما يترتب على ذلك من حقوق حرمه الإسلام ، وشدد النكير عليه ، وقاد حملة ضده حتى محاه ، أما أن يأخذ رجل ولدا يرعاه دون أن ينسبه إليه، فهذا أمر يؤجر المرء عليه ، ويثاب بفعله عند الله .
وهذا فحوى كلام الشيخ الدكتور القرضاوي ، وإليك نص كلامه :
إذا كان الأب لا يجوز له أن ينكر نسب من ولد في فراشه، فإنه لا يحل له كذلك أن يتبنى من ليس بابن له من صلبه. وقد كان العرب في الجاهلية كغيرهم من الأمم في التاريخ يلحقون بانسابهم وأسرهم من شاؤوا عن طريق التبني، فللرجل أن يضيف إلى بنوته من يختاره من الفتيان، ويعلن ذلك فيصبح واحدا من أبنائه وأسرته له ما لهم وعليه ما عليهم ويحمل بذلك اسم الأسرة ويكون له حقوقها. ولم يكن يمنع هذا التبني أن يكون للفتى المتبنى أب معلوم ونسب معروف.
جاء الإسلام فوجد هذا التبني منتشرا في المجتمع العربي، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان قد تبنى زيد بن حارثة في الجاهلية، وهو فتى عربي سبي صغيرا في غارة من غارات العرب في الجاهلية، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن تزوجته ولما عرف أبوه وعمه مكانه، وطلباه من النبي صلى الله عليه وسلم، خيره النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه وعمه، فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه وأشهد على ذلك القوم. وعرف منذ ذلك الحين باسم (زيد بن محمد) وكان أول من آمن به من الموالي.
ماذا كان رأي الإسلام في هذا النظام الجاهلي؟
لقد رأى بحق أن التبني تزوير على الطبيعة والواقع، تزوير يجعل شخصا غريبا عن أسرة فردا منها، يخلو بنسائها على أنهن محارمه وهن عنه غريبات فلا زوجة الرجل المتبني أمه ولا أخته، ولا عمته.. إنما هو أجنبي عن الجميع.(4/53)
ويرث هذا الابن المدعى من الرجل أو المرأة على أنه ابنهما، ويحجب ذوي القربى الأصلاء المستحقين. وما أكثر ما يحقد الأقارب الحقيقيون على هذا الدخيل الذي عدا عليهم فاغتصب حقوقهم، وحال بينهم وبين ما كانوا يرجون من ميراث. وما أكثر ما يثور هذا الحقد، ويؤرث نار الفتن، ويقطع الأواصر والأرحام!!
لهذا أبطل القرآن هذا النظام الجاهلي، وحرمه تحريما باتا، وألغى آثاره كلها، قال تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) سورة الأحزاب:4،5.
ولنتأمل هذه الكلمة القرآنية الناصعة (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم) أي أن التبني إنما هو كلمة فارغة ليس وراءها حقيقة خارجية.
إن الكلام باللسان لا يبدل الحقائق، ولا يغير الواقع، ولا يجعل الغريب قريبا، ولا الأجنبي أصيلا، ولا الدعي ولدا، الكلام بالفم لا يجري في عروق المتبنى، دم المتبني ولا يخلق في صدر الرجل حنان الأبوة، ولا في قلب الغلام عواطف البنوة، ولا يورثه خصائص الفضيلة، ولا ملامح الأسرة الجسمية والعقلية والنفسية.
وقد ألغى الإسلام كل الآثار التي كانت تترتب على هذا النظام من إرث وتحريم للزواج من حليلة المتبنى.
ففي الإرث لم يجعل القرآن لغير صلة الدم والزوجية والقرابة الحقيقية قيمة وسببا في الميراث: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) آخر سورة الأنفال.
وفي الزواج أعلن القرآن أن من المحرمات حلائل الأبناء الحقيقيين لا الأدعياء (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) سورة النساء:24. فيباح للرجل أن يتزوج حليلة متبناه لأنها امرأة إنسان غريب عنه في الواقع، فلا بأس أن يتزوجها إذا طلقها الآخر.
إبطال التبني بالتشريع العملي بعد التشريع القولي
ولم يكن هذا الأمر سهلا على الناس، فقد كان التبني نظاما اجتماعيا عميق الجذور في حياة العرب. فشاءت حكمة الله ألا يكتفي في هدمه وإهدار آثاره بالقول وحده بل بالقول والعمل جميعا.
واختارت الحكمة الإلهية لهذه المهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، ليزيل كل شك، ويدفع كل حرج عن المؤمنين في إباحة زواج مطلقات أدعيائهم، وأن يوقنوا أن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرم الله. وكان زيد بن حارثة الذي عرفنا أنه كان يقال له زيد بن محمد قد تزوج زينب بنت جحش، ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد اضطربت بينهما العلائق وكثرت شكوى زيد من زوجته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي يعلم -بما نفث الله في روعه- أن زيدا مطلقها، وأنه متزوجها بعده ولكن الضعف البشري غلب عليه في بعض اللحظات فخشي مواجهة الناس فكان يقول لزيد كلما شكا له: أمسك عليك زوجك واتق الله.
وهنا نزل القرآن يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت نفسه يشد أزره في مواجهة المجتمع، بتحطيم بقايا هذا النظام القديم والتقليد الراسخ، الذي يحرم على الرجل أن يتزوج امرأة متبناه الغريب عنه. قال تعالى: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه(4/54)
(بالإيمان) وأنعمت عليه (بالعتق، وهو زيد): أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) سورة الأحزاب:37. ثم مضى القرآن يحامي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العمل ويؤكد إباحته ويرفع الحرج عنه: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا. الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا. ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) الأحزاب:38-40.
التبني بمعنى التربية والرعاية
ذلك هو التبني الذي أبطله الإسلام؛ هو الذي يضم فيه الرجل طفلا إلى نفسه، يعلم أنه ولد غيره، ومع هذا يلحقه بنسبه وأسرته، ويثبت له كل أحكام البنوة وآثارها من إباحة اختلاط وحرمة زواج واستحقاق ميراث.
وهنالك نوع يظنه الناس تبنيا وليس هو بالتبني الذي حرمه الإسلام. وذلك أن يضم الرجل إليه طفلا يتيما أو لقيطا، ويجعله كابنه في الحنو عليه والعناية به والتربية له، فيحضنه ويطعمه ويكسوه ويعلمه ويعامله كأنه ابنه من صلبه، ومع هذا لم ينسبه لنفسه ولم يثبت له أحكام البنوة المذكورة. فهذا أمر محمود في دين الله، يستحق صاحبه عليه المثوبة في الجنة وقد قال عليه السلام: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما" واللقيط في معنى اليتيم. وهو بعد ذلك أولى من يطلق عليه (ابن السبيل) الذي أمر برعايته الإسلام.
وإذا لم يكن للرجل ذرية وأراد أن ينفح هذا الولد بشيء من ماله، فله أن يهبه ما شاء في حياته، وأن يوصي له في حدود الثلث من التركة قبل وفاته.
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكم التبني في الإسلام ... العنوان
نسمع عن ظاهرة التبني، حيث يقوم بعض من لم يرزقه الله نعمة الإنجاب بضم طفل لقيط إليه، ويعطيه اسمه ولقبه، فما حكم الإسلام في ذلك؟
... السؤال
04/05/2003 ... التاريخ
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي ... المفتي
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
جاء في فتوى لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي خلاصتها
أن التبني بمعنى أن يضم أحد الناس طفلا إلى نسبه، ويجعله كولده، ويعطيه اسمه ولقبه أمر حرمه الإسلام، وشدد في تحريمه، وأن التبني بهذا المفهوم لا يغير(4/55)
الحقيقة أبدا، ولا يلحق المتبنى بمن تبناه، وسيظل لهذا نسبه، ولذاك نسبه، أما النبني بمعنى رعاية الطفل دون إعطائه اللقب والإثم فهو جائز مشروع.
وإليك نص فتواه حيث يقول فيها :
التبني ـ كما نعلم جميعًا ـ حَرَّمه الإسلام، حرمه القرآن لأنه شئ يُخالِف الحقيقة ويُخالِف الواقع، وهذا هو نص القرآن: (... وما جَعلَ أدعياءَكمْ أبناءَكُمْ ذلِكُم قولُكم بأفواهِكمْ واللهُ يقولُ الحقَّ وهو يَهدي السبيلَ) (الأحزاب: 4).
لم يجعل الله ـ تعالى ـ (الدَّعِيَّ) ابنًا، لا شرعًا ولا قَدرًا. (ذلكم قولكم بأفواهكم): يعني هذا مجرد كلام باللسان، لا يُمكن أن تُغيِّر الواقع أو تُنشِئ حقيقة، لن تجري دمك في عروق هذا المُدَّعِي، ولن يَرث شيئًا من خصائصك وصفاتك الجسمية والعقلية والنفسية، بمجرد أن تقول: هذا ابني، فهي تزوير للحقيقة وللواقع؛ ولذلك رفضها القرآن وقال: (ادعُوهمْ لآبائهمْ هو أقسطُ عِنْدَ اللهِ فإنْ لم تَعلَمُوا آباءَهم فإخوانُكم في الدِّينِ ومَواليكم) (الأحزاب: 5) .
كانوا يُلحقون بأنفسهم أحيانًا مَنْ هو معروف النَّسَب، فضلاً عمن هو مجهول النسب، فزيد بن حارثة ـ مثلاً ـ كان له أهل مَعروفون، ومع هذا بَقِي (زيد بن محمد) حينما آثر المُقام مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الرجوع مع أهله وعشيرته.
أَبطَل الإسلام هذا، أبطله بالقول، وأبطله بالفعل، أبطله بالقول بما مَرَّ من الآيات الكريمة من سورة الأحزاب، وبمفهوم قوله ـ تعالى ـ في المحرمات من النساء: (وحلائلُ أبنائِكمُ الذينَ مِن أصلابِكم...) (النساء: 23) فمفهومها أن الحلائل الأبناء المُدَّعَينَ أو المُتبنَّين لَسْنَ ممن حَرَّم الله زواجهن.
ثم أبطل الله ـ تعالى ـ ذلك بالفعل تأكيدًا للقول، وذلك حين كلف الله ـ سبحانه ـ رسوله ـ صلى الله عيه وسلم ـ أن يَتزوج مُطلقَة زيد: (زينب بنت جحش)، وكان هذا شديدًا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (... وتُخفي في نفسك ما اللهُ مُبْدِيهِ وتَخشَى الناسَ واللهُ أحقُّ أن تَخْشَاه) (الأحزاب: 37) .
وهذا الأمر أحدثَ ضَجَّة ضخمة في المجتمع المدني؛ حتى ليُخيَّل إلي أن سورة الأحزاب كلها نزلت من أجل هذا، فمِنْ أولها: (يا أيها النبيُّ اتَّقِ اللهَ ولا تُطعِ الكافرينَ والمنافقينَ إنَّ اللهَ كان عليمًا حكيمًا. واتَّبِعْ ما يُوحَى إليك مِنْ ربك إنَّ اللهَ كان بما تَعلمون خبيرًا. وتَوكَّلْ على اللهِ وكفى باللهِ وكيلاً) (الأحزاب:1ـ3)
الآيات تُقَوِّي قلب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتَشُدُّ أزرَه في مواجهة ضغط المجتمع،
وما بعد ذلك: (الذين يُبلِّغُونَ رسالاتِ اللهِ ويَخشونَهُ ولا يَخشونَ أحدًا إلا اللهَ وكَفَى باللهِ حسيبًا. ما كان محمدٌ أبَا أحدٍ مِنْ رجالِكم...) (الأحزاب: 39ـ40)
الأمر كان شديدًا وشاقًّا على النبي الكريم، ولكن اللهَ كَلَّف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقوم بهذا الأمر الشاق عليه؛ ليُبطِلَ موضوع التَّبَنِّي، وصرح بذلك القرآن الكريم إذْ قال: (فلما قَضى زيدٌ منها وَطَرًا زَوَّجناكَها لكي لا يَكونَ على المؤمنينَ حَرَجٌ في أزواجِ أدعيائهم إذا قَضَوا مِنهنَّ وَطرًا وكان أَمْرُ اللهِ مفعولاً) (الأحزاب: 37)(4/56)
والله أعلم .
ـــــــــــــــــــ
التبني: حكمه وحقيقته ... العنوان
هل أستطيع أن اتبنى طفلة وأنسبها إلى نفسي لأنه لايوجد لدي أطفال بحيث ترثني بعد وفاتي ؟ وما الصورة الصحيحة للتبني ؟ ... السؤال
03/01/2002 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
التبنى هو استلحاق شخص معروف النسب إلى غير أبيه، أو استلحاق مجهول النسب مع التصريح بأنه يتخذه ولدا وليس بولد حقيقى له.
هذا التبنى كان معروفا فى الجاهلية. فلما جاء الإسلام أبطله وقضى عليه.وفى ذلك يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } الأحزاب 4 ، 5 .
والتبني بهذا المعنى غير الإقرار بالنسب المستوفى للشروط الشرعية وعليه فإن هذا التبني وقع باطلا، ولا يثبت به نسب هذه الطفلة لأنها معروفة النسب فعلا.والمقرر شرعا أن النسب حق الله تعالى لا ينفسخ ولا يرتد بالرد بعد ثبوته ، والتبني بهذا الوصف الوارد بالسؤال محرم فى الشريعة الإسلامية بنص القرآن الكريم فى الآيات المشار إليها، ولا يترتب عليه أية آثار شرعا ولا قانونا لأنه باطل،ومن أضراره أنه يدخل على الأسرة من ليس منها، وفى هذا اختلاط الأنساب وضياع لحرمات الله.وإذا كان السائل يريد تربية الطفلة والإنفاق عليها من ماله الخاص فهذا عمل عظيم وخير كبير، وإذا أراد الاستزادة من هذا الخير فليهب لهذه الطفلة ما يشاء من أمواله هبة نافذة بشروطها، ويوصى لها بجزء منها وصية صحيحة شرعا وقانونا.كل ذلك دون تغيير لنسب الطفلة مع بقائها منسوبة لأبيها.ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــ
الحكمة من إبطال التبني في الإسلام ... العنوان
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أعرف الحكمة من إبطال الإسلام للتبني فهناك الكثير قد غابت عنه هذه الحكمة فهلا أوضحتموها لنا ؟ وجزاكم الله خيرا
... السؤال
04/09/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :(4/57)
أحيانا قد تدعو العاطفة الإنسان أن يَضُمَّ إليه وَلَدًا يَعرف أنه ابن غيره وينسبه إلى نفسه نِسْبَة الابن الصحيح، وتثبت له جميع حقوقه، وذلك بدافع من الشفقة ، وهذا الفعل محرم في الإسلام لأن " الولد للفِرَاش ".
والحكمة من منع التبني يوضحها فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق فيقول فضيلته :
ظل العمل بالتبني بين العرب في الجاهلية بعد ظهور الإسلام الذي لم تتقرر فيه أحكام التشريع الإلهية دفعة واحدة، وإنما على منهج التدرّج والتربية شيئاً فشيئاً، فكان العربي في تلك الفترة الجاهلية إذا أعجبه من الفتى قوته ووسامته (أو جَلَده وظَرْفه) ضمه إلى نفسه، وجعل له نصيب أحد من أولاده في الميراث، وكان ينسب إليه، فيقال: فلان بن فلان.
وتمشياً مع هذه الظاهرة تبنى محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصبح رسولاً برسالة إلهية شاباً من سبايا بلاد الشام، سباه رجل من تهامة، فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد، ثم وهبه لعمته خديجة زوجة النبي الأولى، ثم وهبته للنبي، فأعتقه وتبناه، وهو زيد بن حارثة الذي آثر البقاء مع النبي على هذا النحو، على العودة لأهله وقومه في بلاد الشام، وحينما تبنّاه النبي r قال: ((يامعشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه)). هذا الوضع المتعلق بالتبني كشأن كثير من الأوضاع والمسائل التي ظلت سائدة في فترة زمنية مؤقتة بعد ظهور الإسلام، مثل الخمر والربا وبعض العادات الجاهلية، وكان زيد هذا يدعى ((زيد بن محمد)) ثم حرّم الإسلام التبني تحريماً صريحاً، لأن رسالة الإسلام والقرآن الإصلاحية كانت تعالج أوضاع المجتمع العربي الجاهلي تدريجاً، فقال النبي r: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) أو ((صالح الأخلاق)) .
وكان تحريم النبي بنصوص آيات ثلاث هي:
گ {وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ(1) أَبْناءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 33/4].
گ {ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ(2) وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ(3) فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب: 33/5].
گ {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب: 33/40] أي ليس محمد بأب حقيقي لأحد من رجالكم، وليس هو بأب فعلي لزيد بن حارثة، حتى تحرم عليه زوجته، فصار زيد يدعى ((زيد بن حارثة)) وهو النسب لأبيه الحقيقي بعد أن كان يدعى ((زيد بن محمد)) وبالتالي كانت عادة الجاهلية تقضي بتحريم زواج المتنبي من زوجة الابن المتبنى بعد طلاقها.
وجاء في السنة النبوية الصحيحة ما يدل على منع الإنسان من انتمائه أو انتسابه إلى غير أبيه الحقيقي، قال النبي r: ((من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام))(4) ، وفي حديث آخر: ((من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة))(5) .(4/58)
لقد أبطل الإسلام عادة التبني التي كانت شائعة في الجاهلية العربية وفي العالم القديم والمعاصر الآن، وأمر ألا ينسب الولد إلا إلى أبيه الحقيقي، ولاينسبه نسبة الدم والولادة إلى نفسه، هذا إن كان للولد أب معروف، فإن جهل أبوه دعي ((مولى)) أي نصيراً، و((أخاً في الدين)) وهذا نسب إلى الأسرة الإسلامية الكبرى القائم نظامها على أساس متين من الأخوة والتعاون والود والتراحم، والحرص على عدم الضياع والتشرد.
والحكمة في إبطال نظام التبني في الإسلام تظهر فيما يأتي:
1- إن روابط الأسرة الصغرى في الإسلام من الأبوين والأولاد تعتمد على رابطة الدم الواحد والأصل المشترك، وهي رابطة أو علاقة ((الرحم المحرم)) لذا حرَّم الإسلام التزاوج بين الأقارب المحارم حفاظاً على سمو العلاقة وقطع الأطماع في علاقة زوجية تقوم أساساً على الاستمتاع الجسدي وإفراغ الشهوة، وتبادل المصالح المادية أو الإنسانية، وقد تؤدي هذه المصالح إلى تصادم في الرغبات والأهواء والشهوات، فإذا وجدت بين الأرحام كانت سبباً في القطيعة، والنزاع والخصام، والسب والشتم والنفور، وفي الجملة: إن نظام التبني يتعارض مع حقائق وأصول الشرع الإلهي والأخلاق القويمة والولد المتبنى غريب عن هذه الأسرة، فلايكون له حكم قرابة الأرحام.
2- إن الإسلام يقوم في جميع علاقاته الاجتماعية على أساس من الحق والعدل ورعاية الحقيقة، وهذا يقتضي نسبة الولد إلى أبيه الحقيقي، لا لأبيه المزعوم أو المزوَّر، والحق أحق أن يتبع ويحترم.
3- إن نظام الإرث في الإسلام مقصور على القرابة القريبة، لا البعيدة نسبياً، ومن باب أولى حال عدم وجود القرابة، والولد المتبنَّى ليس له أية قرابة بالأسرة الصغرى، فكيف يحق له أن يرث فيما لو أجيز نظام التبني؟ إن صون حقوق الأقارب الورثة هو الواجب المتعين، فلابد من الحفاظ على حقوقهم من الضياع أو الانتقاص فيما لو تسرب جزء من التركة أو قرر لغيرهم من الأجانب عن الأسرة الصغيرة حق في الميراث.
4- التبني مجرد تحقيق نسب مزعوم أو قول باللسان، لا أساس له من شرع أو منطق أو حكمة ثابتة، وحينئذ لا تكون نسبة الولد إلى غير أبيه الصحيح نسبة صحيحة، وإنما هي مزورة، ولا تكون زوجة الولد المتبنى إذا طلقها مثلاً حراماً على الوالد المتبني.
والواجب دعوة الولد لأبيه الحقيقي صاحب الحق في النسب، لا من طرق التبني، والله تعالى إنما يشرع ويقول الحق، وهو يهدي البشرية إلى سواء السبيل ومنهج الأصالة والعدل، فيجب إبطال تلك العادة غير القائمة على أسس صحيحة، ونسبة الولد إلى أبيه المعروف، وهو معنى قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أحق وأعدل.
5- إن الولد المتبنى غريب عن الأسرة الصغيرة، ذكراً كان أو أنثى، فلا ينسجم معها في خلق ولا دين، فإذا كان الولد أنثى، اطلع الرجل على جسدها، وهذا ممنوع شرعاً ، وربما تورط في الاتصال الجنسي بها ؛ لأنه في قرارة نفسه يعتقد أنها(4/59)
غريبة أو أجنبية عنه، وإذا كان الولد ذكراً ربما اعتدى على زوجة الرجل المتبني، أو على ابنته أو أخته، لأنه لابد من أن يعرف يوماً ما أنه غريب عن هذه الأسرة، سواء في الحاضر أو المستقبل، وبخاصة في عهد الشباب، وقد يكون الاعتداء جريمة قتل أو جرح أو سلب مال حينما يدرك الولد المتبنى أنه ليس ابناً حقيقياً لمن تبناه، وهذه مفاسد ومنكرات جنّب (باعد) الإسلام عنها.
6- التبني يكون ظلماً للوالد الحقيقي وإهداراً لمعنوياته ومساساً بكرامته وحقوقه.
7- التجانس الاجتماعي في العادات والتقاليد بين أفراد الأسرة الواحدة أساس في استقرار الأسرة، وطمأنينتها، وتبادل عاطفة المحبة السامية غير النفعية فيما بين الكبار والصغار فيها.
والتناغم الثقافي والمعرفي الممتد تلقائياً في أجواء الأسرة الواحدة يساهم مساهمة فعالة في تماسك البنية المعرفية للثقافة الواحدة، والانتماء العقدي، وتطبيق شرعة الدين الواحد للأسرة، ومعطياتها المتنوعة من موروثات عريقة قادرة على مواكبة العصر، واستمرار الحياة الآمنة المطمئنة، في إطار من الحفاظ على خصوصية الهوية وتفرد شعار ورموز الشخصية الذاتية.
وإذا تحقق الانسجام العاطفي والمعرفي، وتوحدت المصلحة، ساعد كل ذلك على بناء مجتمع متماسك، لايعكر صفوه لون غريب، أو شخص بعيد، تختلف فطرته ومشاعره وطموحاته عن ثوابت الأسرة الواحدة.
والاستظلال بمظلة المبدأ الواحد، والمنشأ الواحد، يساعد في الغالب على تكوين مجتمع قوي منسجم، يمارس نشاطه الأسري والاجتماعي من خلال وحدة المنطلق، ووحدة الغاية، والولد المتبنَّى غريب عن هذه الأسرة في طبعه وميوله، ومشاعره ومبادئه، وعقيدته في الحياة، وتطلعاته في المستقبل، مما يعكر صلته بالتأكيد مع أسرة تختلف عنه في كل ذلك، ويؤدي إلى هزّ كيان هذا المجتمع الصغير، ويشكك في صدق الانتماء إليه، ويخل بمقتضيات الثقة ووحدة العلاقة.
8- تختلف مقومات فلسفة الأسرة في الإسلام عن غيرها من الأسر التي لاتأبه عادة بالأخلاق والقيم، ورعاية مقررات الحلال والحرام، والحفاظ على العرض، وخلق الحياء، ونقاء الأصل والفرع، ووحدة الأصل والدم. وهذا يتنافى مع نظام التبني الذي يعكّر صفو كل هذه المعاني، مما يجعل التبني مفسدة أو مضرة اجتماعية، وفي غير مصلحة الإنسان نفسه، سواء المتبني أو المتبنَّى.
أما ظروف اللقيط أو مجهول النسب أو المتشرد فقد تستدعي من الناحية الإنسانية ضرورة الحفاظ على وجوده، ومعاملته معاملة كريمة تقوم على الود والرحمة، وحفظ أخ في الإنسانية من الضياع. وهذا الملحظ سليم نقره ولانتصادم معه، بل يجب التوصل إلى حلّ عاجل له.
وهذا الحل ليس كما يظن من طريق التبني في الماضي والحاضر، وإنما يتم من طريق آخر، وهو ((التربية)) والمعاونة، لحاجة من ليس له عائل أو مربّ يريبه، ويرشده ويعلمه، ويصونه ويحفظه من عاديات الزمان، ويحميه من ألم الفقر والحاجة، ويرعى ضعفه وغربته عن المجتمع.
والله أعلم .(4/60)
ـــــــــــــــــــ
إلحاق النسب في التبني ... العنوان
هل يجوز أن يتبنى الإنسان طفلاً أو طفلة ويكتبه باسمه ويرثه؟ وما حكم الشرع في ذلك؟
... السؤال
14/08/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
السائل الكريم
المجتمع المسلم قائم على التعاون والتكافل بين أبنائه؛ فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع"، وفى الحديث الآخر: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله"، كما حض صلى الله عليه وسلم على إفشاء السلام وإطعام وإكرام الضيف، وأوضح أن كافل اليتيم معه في الجنة فقال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما".
ومع كل ذلك فقد حرم الإسلام تحريمًا قاطعًا أن يلحق الكافل أو المتبني أو غيرهما من يقومون برعايتهم بنسبهم لما في ذلك من تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحله، وضياع حقوق العباد.
هذا ويقول الشيخ عبد الخالق عطية نصير (الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف):
لقد اهتم الإسلام بالطفل اللقيط أو الذي لا يعرف أبوه وأمه، أو اليتيم الذي لا يجد من يكفله فأمر بالرفق به وكفالته وإنقاذه من الهلاك، وقد وضع الفقهاء في الإسلام على اختلاف مذاهبهم بابًا سموه "باب اللقيط" ونقلوا أدلة مرغبة في العناية به بوصفه إنسانًا ليس له ذنب في الوضع الذي أصبح فيه أو في وضعه الاجتماعي.
ومع هذه الرعاية فقد حرم الله تعالى في القرآن الكريم نسبته إلى متبنيه أو ملتقطه أو من يقوم بكفالته وتربيته؛ قال تعالى: "وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم، وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورًا رحيمًا" آية 4، 5 من سورة الأحزاب.
وعلى ذلك يحرم إلحاق اللقيط أو الطفل المتبنى بإطلاق اسم من قام بتربيته عليه باعتباره ولدًا له لأنه ليس ابنًا على الحقيقة سواء كان اللقيط في الأصل مجهول النسب أو معلوم النسب، وذلك نزولاً على حكم النص القرآني، والطفل المتبنى بهذا الاعتبار لا يرث من قام بتربيته بعد الوفاة لأن الإرث يكون بسبب البنوة الصحيحة أي للطفل المولود على فراش زوجية صحيحة، ويترتب على كتابة الطفل المتبنى أو اللقيط، باسم من يربيه واعتباره ابنًا له محرمات كثيرة: منها أنه يرثه؛ وهو غريب لا يستحق من الميراث شيئًا، ويحرم القريب الذي يستحق الميراث، ويكبر المتبنى(4/61)
ويبلغ ويخلو من أم ليست أمًا له على الحقيقة ومع أخوة وأخوات ليسوا إخوة أو أخوات على الحقيقة فيخلو ببنات وهن لسن محرمات عليه في الحقيقة فيحدث ما لا تحمد عقباه، وكذلك البنت المتبناة إذا ألحق نسبها بمن يربيها فإنها تخلو معه وليس أبًا لها على الحقيقة وتجلس مع أولاده الذكور وليسوا أخوة لها على الحقيقة فيترتب على ذلك حرمات كثيرة، بالإضافة لتحريم الميراث على القريب وتحليله للغريب لأن أسباب الإرث ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والعصوبة السببية؛ وبذلك يحل المتبنى ما حرم الله ويُحرم ما أحل الله بسبب هذا التبني الذي يلحق النسب بالمربي، وهو حرام قطعًا بنص القرآن.
والخلاصة أن الإسلام لا يمنع أن يتكفل الإنسان بالطفل إنفاقًا وتربية ووصية شرعية أو هبة منجزة في الحال، ويحرم إلحاق اللقيط أو الطفل المتبنى بإطلاق اسم من قام بتربيته عليه باعتباره ولدًا له.انتهى (نقلا عن مجلة صوت الأزهر)
وهناك مسألة هامة في هذا الصدد يجب التنبيه إليها وهي مسألة الخلوة التي من الممكن التغلب عليها بإرضاع المكفول من زوجة الكافل، وذلك لو كان في سن الرضاع، ومن ثم يصبح الكافل أبوه من الرضاع وزوجته أمه من الرضاع وكذلك الأولاد سيصبحون أخوة له. (المحرر)
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
نسب الولد لأمه ... العنوان
ما حكم انتساب الرجل إلى أمه بدلاً من أبيه ؟
... السؤال
13/02/2001 ... التاريخ
... ... الحل ...
...
... بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:
اهتم الإسلام بالابن من حيث التربية واختيار الزوجة وحسن اختيار الاسم ،والأوجب أن ينسب الولد إلى أبيه ؛لأن ثبوته إلى أمه لا يحتاج إلى دليل ،يقول الدكتور عبد الكريم زيدان:
الغالب في استعمال النسب أن ينسب الرجل إلى أبيه،ولهذا لما أبطل الله نظام التبني وأمرنابإرجاع نسب الأولاد بالتبني إلى أنسابهم الحقيقية ،قال تعالى:(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله )[الأحزاب :5].قال القرطبي في هذه الآية :فأرشد تعالى بقوله هذا إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه .
وصرح الفقهاء بأن نسب الولد لأبيه مما يدل على أن الغالب في إطلاق نسب الإنسان ،جاء في "شرح منتهى الإيرادات "في فقه الحنابلة :"إذا شهدت امرأة مرضية بولادتها له ،لحقه نسب الولد.وتبعية نسب للأب إجماعًا لقوله تعالى :(ادعوهم لآبائهم)[الأحزاب :5].(4/62)
ويقول ابن القيم :إن النسب في الأصل للأب ،ولكن هذا لايعني أنه غير منسوب لأمه أو لا ينسب إليها ؛لأن نسبه إليها ثابت قطعًا لأنفصاله منها،وإن المقصود أن الإنسان ينسب إلى أبيه عادة .
وإذا انقطع نسب الولد عن أبيه كما في اللعان،فإن نسب الولد يكون للأم فقط.
ومما تقدم يعرف أن الإنسان يعرف بنسبه إلى أبيه ،وإذا أريد تعريفه ذكر نسبه إلى أبيه لا إلى أمه وإن كان نسبه ثابتًا من أمه .ويقول الدكتور عبد الستار سعيد فتح الله ،الأستاذ بجامعة الأزهر:يجب أن ينسب الولد إلىأبيه ؛لأن هذا الحكم عليه الناس من أول آدم ،وحتى عصرنا هذا ،وذلك لأن الأب هو المتكفل بالنفقة ،وهو الذي ينسب الولد إلىعائلته وقبيلته ،ولم يحدث أن نسب الولد لأمه إلا مع سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ؛لأنه لا أب له،ولذلك لايجوز أن ينسب الولد إلى أمه إلا إذاكان مجهول النسب .انتهى
والخلاصة أن النظرة إلى نصوص القرآن الكريم ،من قوله تعالى:"ادعوهم لآبائهم"،ونصوص السنةالنبوية ،كقوله صلىالله عليه وسلم فيمارواه أبوداود بسنده :"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم ،وأسماء آبائكم،فأحسنوا أسماءكم"،ومادرج عليه الناس من نسبةالولد إلى أبيه توجب النسبة للأب لا للأم ،ولاسيما أنه قد يترتب على ذلك من الضرر البالغ ،كضياع النسب إلى الأب،وفقدالميراث ،والمساعدة على انتشار الزنى ،وغير ذلك
والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
التبني ... العنوان
يُوجد لُقَطَاء في بَعْضِ الملاجئ، فهل يجوز لأحد أن يَتبَنَّى أحدهم لعدم وجود ذرية له ؟ ... السؤال
... ... الحل ...
...
... يُطْلَقُ لفظ التبنِّي ويُراد به أحد معنيين: الأول: أن يَضُمَّ الإنسان إليه وَلَدًا يَعرف أنه ابن غيره وينسبه إلى نفسه نِسْبَة الابن الصحيح، وتثبت له جميع حقوقه، والثاني: أن يجعل غير ولده كولده النَّسَبي في الرعاية والتربية فقط دون أن يُلْحِق به نسبه، ولا يكون كأولاده الشرعيين .
والثاني عمل خيري إذا دعت إليه عاطفة كريمة كحماية المُتبنَّى من الضياع لموت والديه أو غيابهما أو فقرهما مثلاً، أو لإشباع غَرِيزَةِ الأبوة والأمومة عند الحرمان منها بالذُّرية، ولا مانع منه شرعًا، بل مندوب إليه من باب الرحمة والتعاوُّن على الخير .
أما الأول، فقد كان معروفًا في الشرائع الوضعية قبل الإسلام، كما عَرَفَه العرب في الجاهلية وظل مُعترَفًا به في الاسلام، وبمقتضاه تبنَّى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة، فكان يُدعي زيد بن محمد، حتى أبطله بعد الهجرة بأربع سنوات أو خمس، وكان زواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من زينب بنت جحش مُطلَّقة زيد بن حارثة تطبيقًا لهذا الإبطال، قال تعالى ( ... وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ(4/63)
أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بأَفْوِاهِكُم وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهوَ يَهْدِي السَّبِيل * ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهَ فإنَّ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِه وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .
وقد جاء في فتوى لدار الإفتاء المصرية بتاريخ 20 من ديسمبر 1979 م ما خلاصته : أن التبنِّي بمعنى استلحاق شخص معروف النسب أو مجهول النسب، ونسبته إلى مُلحِقِه مع التصريح من هذا الأخير بأن يتخذه ولدًا له حال أنه ليس بولده حقيقة، وأن التبنِّي بهذا المعنى أمر مُحَرَّم في الإسلام " الآية السابقة ".
والتبنِّي غير الإقرار بالنسب، إذ إنَّ المُقِرَّ يعترف ببنوة ولد مخلوق من مائه بنوةً حقيقية، كالبنوة الثابتة بفراش الزوجية، ولكي يقع الإقرار بالنسب صحيحًا يتعيَّن توافر شروط هي :
1 ـ أن يكون الولد ـ ذكرًا أو أنثى ـ مجهول النسب لا يُعرف له أب، فإن كان معلوم النسب فلا يصح الإقرار به .
2 ـ أن يكون من الممكن أن يُولد مثل هذا الولد للمُقِر، فلو كانت سن المُقِر ثلاثين سنة مثلاً وسن المُقَر له مثل هذا أو أكثر أو أقلَّ بقدر يسير كان كذب الإقرار ظاهرًا، فلا يَثبُت به النسب .
3 ـ أن يُصدق الولد المُقِر في إقراره بالنسب إذا كان مُمَيَّزًا يُحسن التعبير عن نفسه، فإذا كذَّبه وأنكر نسبته إليه فلا يثبت نسبه منه، وإذا كان الولد لا يحسن التعبير عن نفسه، فإنه يَكفي إقرار المقر لثبوت النسب، مع مراعاة الشرطين السابقين .
وخلاصة ما تقدَّم : أن التبنِّي مُحَرَّمٌ بنص قاطع في القرآن الكريم، وهو المصدر الأول للأحكام الشرعية الإسلامية، وأن الإقرار بالنسب جائز ويقع صحيحًا بالشروط الموضحة .
وينبغي التفرِقة بين التبني وبين الإقرار بالنسب حتى لا يَختلط أمرهما، والفرق بينهما واضح من تحديد كلٍّ منهما على الوجه السابق بيانه، إذ إن التبنِّي ادِّعاء نسب لا وجود له في الواقع، أما الإقرار بالنسب فهو ادِّعاء نسب واقع فعلاً، لكنه غير ثابت بمراعاة تلك الشروط .اهـ.
وجاء في فتوى للمفتي نفسه صدَرت في 27 من مارس 1979 بمناسبة المبادئ العامة الخاصة بالمولودين دون زواج شرعي، ردًا على كتاب من السيد المستشار وكيل وزارة العدل لشئون التشريع :
أن الإسلام حريص في تشريعه على أن يكون الطفل الإنساني نتيجةَ صلةٍ مَشْرُوعَة هي عقد الزواج بين الرجل والمرأة ... وكان من القواعد التشريعية في هذا الصدد قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الولد للفِرَاش " أي أنه متى تمَّ عقد الزواج استتْبع ثبوت النسب دون حاجة إلى دليل آخر سوى ثبوت التلاقي بين الزوجين مع صلاحيتهما الجنسية، وأن تمضي بين العقد والولادة أقلُّ مدة الحمل وهي ستة أشهر ... كما أن نسب الطفل ثمرة الزنا لا يَثبُت للأب إلا باعترافه بنَسَبِه، وبشرط ألا يصرِّح بأنه ابنه من الزِّنا؛ لأن الشريعة لا تُقِرُّ النَّسب بهذا الطريق .(4/64)
والدولة تقوم برعاية الأطفال المولودين دون عقد زواج " اللُّقَطَاء " وتُلحقهم بأسر بديلة تتكفَّل بتربيتهم حتى يُنَشَّأوا نشأة أسرية . غير أن الشريعة الإسلامية مع هذا لا تُقِرُّ التبنِّي وَتُحَرِّمُه. اهـ .
واللقيط صغيرٌ أو مَجْنُون ليس له كافل معلوم، فهو بهذا شخص غير منسوب لأحد، يرجع نبذه في الغالب إلى سبب غير شريف، وقد يكون بسبب الفقر أو التشوُّه أو لكونه أنثى، كما في عادات بعض البلاد الأجنبية، أو بسبب نزاع الزوجين، أو بغير ذلك .
وهؤلاء المنبوذون لابد من رعايتهم؛ لأنهم بُرَآء لا ذنب لهم، فإهمالهم ظلم والله قد حَرَّمَه؛ ولأنه يُعَرِّضُهُمْ للهلاك بالموت أو الفساد بالتشرد، وذلك ينهى عنه الدين، وقد تكون منهم شخصيات تُفِيد منهم الإنسانية .
وقد سخَّر الله بعض الخيِّرين في الأزمان الأولى لرعاية مثل هذه الحالات، كما حدث من زيد بن عمرو بن نفيل، وصعصعة بن ناجية في حمايتهما للبنات من وَأْدِ الجاهلية، وتقوم الحكومات الآن بِجَمْعِهِم ورعايتهم .
وأمرَّ الإسلام بأخذهم، وقرَّر الفقهاء أن الْتِقَاطَهُمْ واجب وجوبًا عينيًا إن وُجِدَ اللقيط في مكان يَغْلُبُ على الظنِّ هلاكه فيه لو تُرِكَ، وإلا كان مندوبًا، ويكون الْتِقَاطُه حينئذٍ واجبًا وجوبًا كفائيًا على المجتمع كلِّه؛ وذلك لقوله تعالى : ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) . وقوله ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) وقوله ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) . ولأنَّ في تركه تعريضًا لنفس بريئة للهلاك، وذلك مَنْهِيٌّ عنه .
واحتاط الإسلام لرعاية هؤلاء فشرط الفقهاء في مُلْتَقِطِه أن يكون صالحًا للرعاية بأن يكون أمينًا حُرًا رشيدًا حسن السلوك، وأُمروا بعمل ما يصلحه جسمًا وعقلاً وخُلقًا، وجعل الإسلام للحاكم حقَّ الرقابة على من يتعهده، فيحاسبه على ما ينفقه وعلى تصرُّفه معه، وإذا رآه غير صالح نزع اللَّقِيط منه، وجعله تحت رعاية غيره إن وُجِدَ أو تحت رعاية ولِيِّ الأمر، كما قرَّر الإسلام أن الطفل المسلم لا يجوز أن يتوَلاه غير المسلم خوْفًا عليه من الفتنة
ـــــــــــــــــــ
إرضاع المتبنى ... العنوان
السلام عليكم ورحمة الله، من المعروف شرعًا أن التبني حرام، ومن أحد أسباب التحريم أن الابن المُتبنَّى سيكون -عند بلوغه- من المحرم شرعا وجوده مع أمه بالتبني، وهذا في حالة تبنى الولد المذكر.
ولكن قرأت مؤخرا أنه يمكن بطرق صناعية استدرار اللبن من ثدي المرأة حتى لو لم تحمل، وبذلك يمكن أن ترضع الأم الولد المتبنَّى فيصبح ابنها شرعًا بالإرضاع، كما نعرف من الدين؛ فما حكم الدين؟
هل هذا حلال أم يعد تحايلا فيصبح حراما؟
وما حكم التوريث إن كان حلالا؟
أفتونا، جزاكم الله خيرا؛ لأن هذا من الممكن أن يحل مشكلة كبيرة.
... السؤال
الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي ... المفتي(4/65)
... ... الحل ...
...
... بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما ما ورد في سؤالك من كون التبني حرامًا فذلك صحيح على معنى أن ينسب الرجل الطفل إليه فيحمل نسبه اسمًا ولقبًا، وذلك منهي عنه شرعًا لقوله تعالى: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم.." الآية.
ولا يمنع هذا من التعهد والتربية والكفالة لهذا الطفل؛ حتى يبلغ أشده ورشده، ويستقل بخدمة نفسه، ويشق طريقه في الحياة راشدا. فذلك من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى الله عند الاحتساب.
وما ورد في سؤالك من كون الابن المتبنَّى وجوده في البيت يُوجِد حرجًا بالنسبة لزوجة المربي؛ لكونه ليس محرما، فهو صحيح، وتشتد الحرمة عند البلوغ؛ لأنه يكون بذلك قد ظهر على عورات النساء.
وليس الأمر قاصرا على الابن المتبنى الذكر فحسب، وإنما يتجاوزه إلى البنت كذلك إذا بلغت، فوجودها في البيت بعد بلوغ الرشد، وليست بمحرم للمربي، فيه من الحرمة ما يترتب عليه من مفاسد كثيرة؛ فليس لها أن تبدي زينتها لمن رباها.
أما بالنسبة للإرضاع الذي تترتب عليه الحرمة؛ فهو مرهون بأمرين: السن بالنسبة للطفل، والأمر الثاني لعدد مرات الإرضاع.
أما السن ففي الحديث: "ما أنبت اللحم وأنشذ العظم.." الحديث. وذلك لا يكون إلا في العامين الأولين من سني حياة الطفل أو الطفلة.
وبالنسبة للعدد فلابد أن يبلغ 5 رضعات متفرقات مشبعات، فإذا وقعت رضاعة بعد العامين الأولين، أو وقعت خلال العامين الأولين ولم تبلغ العدد المذكور؛ فلا يؤثر في التحريم؛ إذ لا تحرم الماصة ولا المصتان، كما ورد في الحديث.
أما ما ورد من كون أن الرضاعة تؤدي إلى التوريث؛ فسواء كانت في العامين الأولين أو بعدهما، فليست الرضاعة من أسباب الميراث؛ إذ الابن -وكذا البنت- وكل من كان السبب في صلته الرضاعة، لا حظَّ له في الميراث؛ لا بالفرض، ولا بالتعصيب، ولا بالرحم.
وقد قلنا: إن الرضاعة التي تؤثر ويترتب عليها التحريم أن يكون الطفل في العامين الأولين من سني حياته، وأن تبلغ عدد مرات الرضاعة خمس مرات متفرقات.
ولعل مما يرد إلى الذهن مما يعترض به على هذا، ويأخذه البعض دليلا يتكئ عليه؛ فيجيز لهذه المرأة هذا الصنيع- ما ورد من رضاعة "سالم" مولى "أبي حذيفة"، ولم يكن في العامين الأولين؛ فلعلها واقعة عين، ومن المعلوم أصوليا أن واقعة العين لا تأخذ حكم التعميم.
وللقارئ الكريم أن يرجع إلى فتوى مفصلة في هذا الموضوع للشيخ القرضاوي على موقع "إسلام أون لاين.نت" عنوانها: "لبن الفحل" بالنسبة لعملية إدرار اللبن من الثديين؛ سواء كان طبيعيا وبدون تدخل الآلات الحديثة، أو باستخدام أدوية تؤدي إلى الإدرار، وما دام لبنا طبيعيا فهي من المباحات، ولا يترتب عليها حكم شرعي،(4/66)
والاعتبار لسن الطفل الذي يتم إرضاعه، وعدد مرات الإرضاع في المقام الأول، والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
تنازل الأب عن بنوة ابنته لأخيه
المفتي
حسن مأمون .
شوال 1376 هجرية - 16 مايو 1957 م
المبادئ
1- التبنى لا يثبت به نسب من المتبنى، ولا يكون به الولد ابنا لمن تبناه، ولا يجب لواحد منهما على الآخر حق أبوة أو بنوة .
2- الإقرار بالبنوة يثبت به النسب شرعا متى تحققت شروط الشرعية .
3- فى كل الأحوال لا ينبغى لأى شخص أن يقر ببنوة ولد وهو لا يعتقد أنه ولد له وخلق من مائه .
4- لا يجوز شرعا للأخ أن يتبنى بنت أخيه، ولا يجوز لأبيها التنازل عنها لأخيه شرعا على وجه يقطع نسبها الثابت منه حقيقة، لأن النسب الثابت لا يقبل الفسخ .
5- النسب المعروف لا يقبل التحويل
السؤال
من شخص موسر يريد أن يتنازل عن ابنته الصغرى لأخيه الأصغر الذى لم ينجب ذرية من زوجته (خالة هذه الصغيرة) وطلب السائل بيان ما إذا كان يجوز لهذا الأب أن يتنازل عن ابنته، وهل للأخ الأصغر أن يتبنى بنت أخيه، وهل له أن يقيدها باسمه فى سجلات المواليد بدلا من أبيها أسوة بما هو متبع مع الأطفال اللقطاء
الجواب
إن من النظم التى كانت سائدة فى الجاهلية نظام التبنى .
وهو أن يتخذ شخص ولدا له سواء أكان هذا الولد (الدعى) معروف النسب أو مجهول .
وأن يصرح بأنه ليس ولدا حقيقا له، وكان المتبع أيضا أن هذا التبنى يثبت للولد-(الدعى) جميع الحقوق التى تثبت للابن الحقيقى على أبيه، فجاء الإسلام وقضى على هذا النظام وأبطله .
فأمر بأن لا ينسب أحد لغير أبيه .
وأن لا ينسب الولد (الدعى) إلى من تبناه كما كان الحال قبل تشريع هذا الحكم الذى قرره الله سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب بقوله سبحانه { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } الأحزاب 4 ، 5 ، فقد أثبتت هذه الآية وغيرها من السنة والآثار الواردة فى هذا الباب .
أن التبنى لا يثبت به نسب من المتبنى . وأن الولد المتبنى لا يكون ابنا لمن تبناه .
ولا يجب لأحد منهما على الآخر حق أبوة ولا بنوة .
هذا هو حكم التبنى فى الشريعة الإسلامية .(4/67)
أما الإقرار بالبنوة فإنه كان صحيحا ويثبت به النسب شرعا إلا أن ذلك مقيد بشروط ثلاثة الأول أن يكون الولد المقر ببنوته مجهول النسب الثانى أن يكون هذا الولد بحيث يولد مثله لمثل المقر به الثالث إذا كان الولد المقر ببنوته مميزا فلا بد من أن يصدق المقر فى إقراره، وفى كل هذه الأحوال لا ينبغى لأى شخص أن يقر ببنوة ولد وهو لا يعتقد أنه ولد له وخلق من مائه .
إذا تقرر هذا تبين أنه لا يجوز شرعا لهذا الأخ أيتبنى بنت أخيه - كما لا يجوز لأبيها أن يتنازل عنها لأخيه على وجه يقطع نسبها الثابت منه حقيقة، لأن النسب الثابت لا يقبل الفسخ - كما لا يجوز لهذا الأخ أن يقر ببنوة بنت أخيه، لعدم توفر ما جعلته الشريعة شرطا هذا الإقرار، حيث إن هذه الصغيرة ليست مجهولة النسب، بل منسوبة لأبوين حقيقين، فلا يجوز الإقرار ببنوتها، كما لا يجوز قيدها باسم عمها بدلا من أبيها، وإلا كان ذلك تحويلا لهذا النسب الذى أصبح حقا مكتسبا لهذه الصغيرة بالميلاد من أبيها وذلك لا يجوز شرعا، لأن النسب لا يقبل التحويل .
كما لا يجوز أن تعامل هذه البنت معاملة اللقطاء، لأن اللقيط حى مولود رماه أهله خوفا من العيلة أو فرارا من تهمة الزنا إلى آخر ما قرره الفقهاء، بما لا يمكن انطباقه على هذه الصغيرة التى ولدت من أبوين شرعيين تبين من السؤال أنهما ممن يتمتعون بسمعة حسنة ويسار فائق، ومن كان على هذا يأبى أن يعامل ولده معاملة من لا ولى له .
وبعد فإننا ننصح الأخوين الكريمين بعدم الإقدام على كل ما من شأنه أن يؤدى إلى فسخ نسب هذه الصغيرة، لأن النسب خالص حقها اكتسبته بالميلاد فليس لأحد أن يغيره، وإن الإقدام على ذلك فضلا عما فيه من القضاء على حقوقها المكتسبة شرعا، فإنه خروج على أمر الله الذى يقول ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه، وأن يهب الزوجين العقيمين ذرية طيبة إنه عليم قدير
ـــــــــــــــــــ
رأى دار الافتاء فى المولودين دون زواج شرعى
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
ربيع الآخر 1399 هجرية - 27 مارس 1979 م
المبادئ
1 - القانون المصرى فى مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب يحرم العلاقة غير الزوجية بين الرجل والمرأة ويهدر ثبوت النسب للمولود بسبب علاقة الزنا .
2 - إذا لم يثبت نسب هذا المولود للوالدين أم للأم وحدها على الأقل لم ينسب لأسرة ما ولكنه مع هذا مواطن له كل الحقوق المكفولة من الدولة .
3 - نظرا لتحريم العلاقة غير الزوجية فلا توجد مشكلة أولاد غير شرعيين (لقطاء) .(4/68)
4 - إثبات النسب إلى الأب لا يخضع لأية قيود زمنية بل على العكس فإن نفى النسب هو إلى تحوطه القيود والمواقيت ضمانا لثبوت النسب
السؤال
من السيد المستشار وكيل وزارة العدل .
لشئون التشريع . بالكتاب الرقيم 137 المؤرخ 24/3/1979 والأوراق المرفقة به بشأن مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم المرسل من السيد السكرتير العام للأم المتحدة إلى وزارة الخارجية المصرية والمطلوب به بيان الرأى الشرعى فى المسائل المطروحة بمشروع الإعلان .
1978/23 مشروع المبادئ العامة المنطقة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم المجلس الاقتصادى والاجتماعى مذكرة حول قراره رقم 243 بتاريخ 13 مايو 1977، قرر المجلس بأن يرسل إلى الحكومات، بملاحظات، مشروع المبادئ العامة المتعلقة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم، وفحص أولا هذه المبادئ فى أول دورتها العادية (1978)، بهدف اتخاذ قرار بشأنها، مع الأخذ فى الاعتبار الملاحظات المتسلمة من عديد من الحكومات .
1 - ويرجو المجلس الاقتصادى والاجتماعى للحومات التى لم تقدم بعد ملاحظاتها وتعليقاتها للسكرتير العام بشأن موضوع المبادئ العامة الخاصة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم، بأن ترسلها فى أقرب وقت ممكن .
2 - ويقرر المجلس فحص هذه المبادئ العامة فى أول دورتها العادية لعام 1979 بهدف اتخاذ قرار بشأنها عند اللزوم .
الجلسة العادية ال- 15 فى 5 مايو 1978 مشروع المبادئ العامة المتعلقة بمساواة الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم حيث أنه، فى ميثاق الأمم المتحدة، أن شعوب العالم قد أعلنت تضامنها بايمان جديد تجاه الحقوق الأساسية للانسان، فى سبيل كرامته وقيمته الانسانية ومساواته فى الحقوق وأيضا المرأة ، وأيضا الدول الكبيرة والصغيرة، وأيضا مراعاة التقدم الاجتماعى وانشاء الظروف الجيدة لحياة أفضل فى ظل حرية أوسع .
حيث أنه، طبقا لنصوص الميثاق، أن احدى أهداف الأمم المتحدة هى تنمية وتشجيع احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع دون تمييز فى أصولهم، فى جنسهم فى اللغة أو الدين .
حيث أن الاعلان العالمى لحقوق الانسان يعلن بأن كل انسان مولود حر ومتساو فى الكرامة والحقوق وأن كل واحد يستطيع أن يتمسك بكل حقوقه وحرياته فى الاعلان دون التمييز بين أحدهم .
حيث أنه، نفس مبدأ الحماية الاجتماعية لكل طفل مولود أثناء الزواج أو خارج الزواج قد أعلنت فى الاعلان الدولى لحقوق الانسان فى عام 1979 وفى الفقرة 2 من المادة 25 من الاعلان العالمى لحقوق الانسان ومؤيد بالفقرة 3 من المادة 10(4/69)
من المعاهدة الخاصة بحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والمادة 24 من المعاهدة الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية .
حيث انه، يجب بذل مجهودات بكل الوسائل الممكنة، لكى تسمح لكل انسان الاستمتاع بحقوق المساواة الغير المتصرف فيها التى يجوز اقتراحها .
حيث انه، الجزء الاساسى من شعوب العالم يتكون من أشخاص مولودين خارج الزواج وأن كثيرا منهم (نتيجة ولادتهم) قد أصبحوا ضحايا التمييز القانونى أو الاجتماعى موجه اليهم فى أنفسهم وضد أمهاتهم الغير متزوجات، كل هذا يصبح ضد مبادىء المساواة وعدم التمييز التى ذكرت فى ميثاق الامم المتحدة، والاتفاقيات العالمية الخاصة بحقوق الانسان، والاتفاقيات العالمية حول انهاء كل اشكال التفرقة العنصرية والاعلان العالمى لحقوق الانسان واعلان حقوق الطفل .
لهذه الأسباب المبادئ العامة التالية قد أعلنت بهدف إنهاء الشكل من التفرقة : 1 - كل شخص مولود له الحق فى بنوته لأمه ولأبيه الذى يجب أن يعترف به شرعا .
2 - ان واقعة ميلاد طفل تقيم بنفسها بنوة الطفل إلى أمه فى مواجهة المرأة التى ولدت الطفل .
3 - البنوة الأبوية يجوز أن تقام شرعية بطرق مختلفة، ويشمل هذا الاعتراف الارادى، والافتراض القانونى والاعتراف القضائى وعملية البحث من الابوة لا تخضع لاى وقت أو ميعاد .
4 - ويفترض ان الزوج هو الأب لكل طفل يولد من زوجته، ومن المدرك انه ولد أثناء الزواج .
وهذا الافتراض لا يمكن انهاؤه الا بقرار قضائى مبنى على دليل أن الزوج ليس الأب .
5 - كل شخص ولد من أبوين تزوج أحدهما الآخر بعد ميلاده يعتبر ثمرة زواج .
6 - كل شخص ولد نتيجة زواج أو يعتبر ميلاده نتيجة زواج أو على أثر زواج لاحق لوالديه .
يعتبر طفلا شرعيا فيما عدا الغاء الزواج .
7 - عند اقامة البنوة، فان كل شخص مولود خارج الزواج يخضع للائحة قانونية مساوية لشخص ولد أثناء الزواج .
8 - كل شخص مولود خارج الزواج حيث أقيمت بنوته تجاه والديه له الحق فى حمل اسم العائلة، طبقا للوائح المطبقة بالنسبة للاشخاص المولودين أثناء الزواج .
إذا لم نقم البنوة الا من ناحية الأم، فان المولود له الحق فى أن يحمل اسم عائلة أمه، مضافا عليه عند الاقتضاء، بطريقة لا تظهر واقعة ميلاده أنه مولود خارج الزواج
الجواب
إن من أول ما عنى به الإسلام فى بناء المجتمع السليم أن يضمن وجود الطفل الإنسانى من أبوة مشروعة، وأن يلتقى الأبوان على مثل كاملة، ومقدرا أن هذه المثل الكاملة لا تكون إلا فى إطار عقد زواج صحيح، ومن هنا وضع الإسلام معايير للزواج الصحيح تمكينا للأسرة وتثبيتا لدعائم الأمان والوفاق بين الزوجين، ثم بينهما وبين أولادهما مفصلا آثار هذا العقد الهام فى بناء الإنسان وتقويم حياته .(4/70)
وفى نطاق هذا العقد كانت مواجهة الإسلام لمسألة نسب الطفل من قبل الولادة، فكان المثال الحق الكامل فى إنجابه من رجل وامرأة فى صلة شرعية ليحمل رسالة الخير إلى الناس، وليكون سلسلة من الفضائل تصل بالإنسان إلى آخر الدنيا .
ولا يكون كذلك إلا إذا ضمنا له العناية والرعاية وبعدنا به .
9 - الحقوق والواجبات التى للشخص المولود لها نفس القوة سواء هذا الطفل مولود أثناء الزواج أو دون زواج، بشرط أن تكون بنوته قد أقيمت ما عدا قرار مخالفا للمحكمة فى صالح الطفل المولود دون زواج وسوف تمارس السلطة الأبوية طبقا للوائح الواجب تطبيقها فى حالة الطفل المولود أثناء الزواج، إذا كانت بنوة المعنى قد أقيمت تجاه أبويه أو بواسطة أمه فقط إذا كانت بنوته لأبويه لم تقم .
10 - مسكن كل طفل مولود دون زواج وبعد أن تكون قد أقيمت بنوته تجاه والديه تحدد حسب اللوائح المطبقة للطفل أثناء الزواج .
ان لم تقم البنوة إلا تجاه الأم فان اللوائح الخاصة التى تضمن فى كل حالة مسكنا للطفل .
11 - وعند اثبات بنوة الطفل فان كل شخص مولود خارج الزواج يتمتع، فيما يختص بالنفقة بنفس الحقوق التى يتمتع بها الشخص المولود أثناء الزواج .
وأن الميلاد خارج الزواج يعتبر ليس له تأثير على نظام أولوية الدائنين .
12 - عند اقامة البنوة فان كل شخص مولود دون زواج له نفس حقوق التوريث مثل الشخص المولود أثناء الزواج وان الحدود القانونية بحرية التصرف بالوصية يضمنان نفس الحماية للاشخاص الآهلين فى الميراث عنه مثل الاشخاص المولودين أثناء الزواج .
13 - جنسية شخص ما ولد خارج الزواج تتحدد طبقا للقواعد المطبقة للاشخاص المولودين أثناء الزواج .
14 - المعلومات الواردة فى سجل المواليد أو سجلات أخرى تحتوى على معلومات متعلقة بحالة الاشخاص، التى يمكن أن تظهر واقعة الميلاد خارج الزواج، لا تسلم إلا للاشخاص أو سلطات تكون لها مصلحة قانونية فى هذه المعلومات أو البيانات وذلك بغرض معرفة بنوة المعنى فى حالة الاشخاص المولودين خارج الزواج كل تعيين من شأنه أن تعطى معنى مهين يستبعد .
15 - عندما يحتوى التشريع القومى على نصوص متعلقة بالتبنى فان الطفل المولود خارج الزواج لن يخضع لاى حد يميز النصوص المطبقة حول تبنى طفل مولود أثناء الزواج .
فى الحالتين يكون له نفس النتائج .
16 - كل شخص مولود خارج الزواج يتمتع بنفس الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية إلا شخص مولود أثناء الزواج .
وعلى الدولة أن تقدم مساعدة مادية أو خلافه الى الاطفال المولودين خارج الزواج .
عن الإهمال الذى يؤول به إلى التشرد .
ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا تأكدنا من ولادته المولد الذى يراه الإسلام، ومن أجل هذا منع الله الزنا وحرمه وسماه فاحشة وساء سبيلا .(4/71)
وحتى لا يقع الزنا وبالتالى لا يوجد لقطاء يتشردون فى الشوارع وتفتضح بهم العورات، ويصبح ثمرة الزنا طفلا سيئا فقد الأب وقد تتخلى عنه الأم، من أجل هذا كله حرم الإسلام الصلة الجنسية بين الرجل والمرأة دون عقد زواج مشروع .
فقد جاء فى القرآن الكريم فى سورة الإسراء { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، وبهذا فقد أراد الإسلام أن يكون الطفل من زواج شريف طاهر إتماما للترابط بين الزوجين حياتهما، وحماية لهذه الطفولة من أن تهمل أو أن تنسى أو تترك للتشرد .
وميزة الإسلام فى هذا أنه باعد بين المسلمين وبين خطأ التجربة حين أرسى نظام الأسرة وحقوق الأطفال على أسس قويمة قوامها الزواج، وحين حرم الصلة غير المشروعة بين الذكر والأنثى (الزنا) فاعتبرها جريمة ضد المجتمع تستحق العقاب الصارم بصرف النظر عن كون الزانى متزوجا أو غير متزوج .
فرض عقوبة رادعة على مرتكبها ومع هذا جعل ثبوت هذه الجريمة قضاء رهينا بقيود صارمة حتى لا يساء استغلالها .
ولقد نظم الإسلام حقوق الأولاد المولودين فى ظل عقد الزواج الصحيح، ومن أجل حماية حقوقهم فى النسب إلى الأب ألزم المطلقة ألا تتزوج بآخر غير مطلقها إلا بعد مضى فترة محددة من طلاقها سماها فترة عدة .
فصان بذلك الأنساب عن الاختلاط، ومنع من إشاعة الفضائح، ثم فرض العقوبات على الاتهامات الباطلة .
ونخلص من هذا إلى أن الإسلام حريص فى تشريعه على أن يكون الطفل الانسانى نتيجة صلة مشروعة هى عقد الزواج بين الرجل والمرأة .
ورتب على قيام هذا العقد مع تحقق اللقاء الجنسى بين الزوجين ثبوت نسب الطفل المولود فى ظل هذا العقد .
وكان من القواعد التشريعية فى هذا الصدد قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) أى أنه متى تم عقد الزواج استتبع ثبوت النسب دون حاجة إلى دليل آخر سوى ثبوت التلاقى بين الزوجين مع صلاحيتهما الجنسية، وأن تمضى بين العقد والولادة أقل مدة الحمل شرعا وهى ستة أشهر .
وإذا كانت المادة الثانية من الدستور المصرى قد نصت على أن الإسلام دين الدولة، وكانت مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب ثبوتا ونفيا وآثار كل ذلك تحكمها قواعد الشريعة الإسلامية على الوجه المدون فى المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78/1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية كان حتما النظر فى المبادئ الواردة فى الإعلان المشار إليه على هدى وفى نطاق تلك القواعد ولما كان الزنا (الصلة بين الرجل والمرأة بغير عقد زواج) محرما فى الشريعة الإسلامية .
ومن ثم فقد أهدرت نسب الطفل المولود ثمرة لصلة غير زوجية إلى أب، وإنما ينسب فقط لأمه التى يثبت ولادتها إياه، سواء ثبت ذلك بإقرارها أو قضاء بطرق الإثبات المقررة فى القانون، كما أن نسب الطفل ثمرة الزنا لا يثبت للأب إلا باعترافه بنسبه، وبشرط ألا يصرح بأنه ابنه من الزنا لأن الشريعة لا تقر النسب بهذا الطريق .(4/72)
وعلى ذلك فإن نسب الطفل لوالديه اللذين أنجباه فى ظل عقد زواج ثابت نفاذا لهذه القواعد .
كما أن نسبة الطفل لمن ولدته وثبوته لها وقاعة طبيعية متى ثبتت الولادة قانونا ترتبت عليها كل الآثار القانونية بالنسبة لهذه الأم بغض النظر عن عدم ثبوت نسبة طفلها لأب معين .
ثم إن البنوة تثبت فى نطاق القانون المصرى (الشريعة الإسلامية) باعتراف الأبوين إراديا، وثبوت النسب قضاء بطرق الإثبات المقررة قانونا أما الافتراض القانونى فلا يثبت النسب به إلا إذا ولد الطفل فى ظل عقد زواج وبالتطبيق لأحكام الشريعة لا ينقض هذا النسب ينفى مجرد من الأب أو جحوده، بل لابد لنفيه بعد ثبوت الفراش بين الزوجين من حكم القضاء بذلك بناء على دليل صحيح غير الإقرار .
لأن القانون المصرى بهذا الاعتبار (الشرعية الإسلامية) يجعل النسب من النظام العام، فلا ينقض بالجحود كما لا يرتد بالرد ولا ينفسخ بعد ثبوته .
والمراد فى ثبوت نسب الطفل الذى يتزوج والده بعد مولده (بند 5 و 6 من الإعلان) اعتراف الأب هذا النسب إذا كانت ولادته قبل عقد الزواج أو بعده بمدة تقل عن ستة أشهر، لأنه فى هذه الأحوال يكون قد ولد قبل نشوء العلاقة الشرعية، فإذا لم يعترف الأب بنسبه لا يلحقه .
وعن البند 7 فإنه لا مساواة بين الطفل الشرعى نتيجة عقد زواج بين والدته وبين طفل ولد إثر علاقة غير الزواج، إذ أن هذا الأخير ليست له أية حقوق قبل غير أمه التى ولدته، حتى لو اعترف به رجل ونسبه إليه مصرحا بأنه من الزنا فإن نسبه لا يلحقه، ولا يترتب على اعترافه هذا أية حقوق من نفقة وحضانة أو ميراث، ولا ينتسب إلى عائلة هذا المقر .
وإذا ثبتت البنوة قضاء تجاه والدى الطفل بالطرق المقررة فى القانون على غير أساس الزنا بل على أساس عقد الزواج ثبت نسبه إليهما، وكان لهذا الطفل كل الحقوق المقررة للطفل المولود ثمرة عقد زواج واقعى، ولقد تقدم القول بأنه فى حال عدم ثبوت نسب الطفل فإنه ينسب لأمه، ويحمل اسمها واسم أسرتها، وله عليها كل الحقوق من نفقة وحضانة، ويرثهم ويرثونه بهذا الاعتبار، ويقر القانون ما جاء فى ختام البند 8 خلو واقعة الميلاد من أن الطفل مولود خارج الزواج .
ولا يمارس الرجل أى سلطة أو حق على طفل لم يثمره من زواج حقيقة أو اعتبارا بإلحاقه بنسبه حتى لو كان هذا الأب معروفا مادام النسب إليه لم يتم فى نطاق الأحكام الشرعية المشار إليها .
ومسكن الطفل الثابت النسب مكفول قانونا على أبيه، وفى حال ثبوت النسب من الأم فقط تكون هى الملزمة قانونا بإسكانه، والحال كذلك بالنسبة للنفقة بأنواعها بما فى ذلك ما يلزمه من دواء وعلاج ومصروفات تعليم وكل أوجه الرعاية التى تستلزمها تربيته وحياته، أما فى حال عدم ثبوت النسب بالوالدين أو بالأم فإن الدولة تتحمل تبعات هذا الطفل اللقيط فى مؤسساتها كما لا يقر القانون المصرى توريث المولود من غير زواج إلا من والدته وأسرتها، فما لم يثبت النسب صحيحا للأب فلا إرث بينه وبين هذا الطفل .(4/73)
أما الصرف بالوصية فهى جائزة فى حدود ثلث الأموال التى تركها الموصى المورث بعد سداد ما قد يكون عليه من ديون، ولا يشترط لصحة الوصية ثبوت النسب، بل للموصى أن يعقد تصرفه بالوصية لأى إنسان .
وفى خصوص الجنسية فإن اكتسابها بالولادة أمر تابع لثبوت النسب لوالديه أو لأمه فقط على الوجه المبين فى قانون الجنسية المصرى .
والدولة تقوم برعاية الأطفال المولودين دون عقد زواج (اللقطاء) وتلحقهم بأسر بديلة تتكفل بتربيتهم حتى ينشئوا نشأة أسرية، غير أن الشريعة الإسلامية مع هذا لا تقر التبنى وتحرمه .
وأساس هذا قول الله تعالى فى سورة الأحزاب { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، فلا تبنى فى مصر، وإنما يصبح من لم يثبت نسبه مواطنا له كل الحقوق المقررة قانونا للمواطنين فيما عدا العلاقة السرية التى تتبع ثبوت النسب .
وخلاصة ما تقدم إن القانون المصرى فى مسائل الأحوال الشخصية ومنها واقعات النسب يحرم العلاقة غير الزوجية بين الرجل والمرأة، ويهدر ثبوت النسب للمولود فى علاقة الزنا، وإذا لم يثبت نسب هذا المولود للوالدين أو للأم وحدها على الأقل لم ينسب لأسرة ما، ولكنه مع هذا مواطن ترعاه الدولة وتكفل حياته وتربيته وتعليمه، كما أن حقوقه الأساسية مكفولة، وأنه نظرا لتحريم العلاقة غير الزوجية فإنه لا توجد فى مصر مشكلة الأولاد غير الشرعيين (اللقطاء) بل هم قلة لا تمثل مشاكل فى المجتمع المصرى الإسلامى ثم إن إثبات النسب إلى الأب لا يخضع لأية قيود زمنية، بل على العكس فإن نفى النسب هو الذى تحوطه القيود والمواقيت ضمانا لثبوت النسب ووفاقا لما سبق تفصيله .
ونزولا على قواعد القانون المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية والتى تحكم واقعات النسب ثبوتا ونفيا وآثار كل ذلك فإنه يتحفظ على البنود رقم 5 و 6 و 7 و 12 من ترجمة الإعلان المعنون (مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التميز ضدهم) أما باقى بنود هذا الإعلان فإنها لا تتعارض مع قانون الأحوال الشخصية (الشريعة الإسلامية) فى جمهورية مصر العربية
ـــــــــــــــــــ
موقف القانون المصرى من تبنى مصرى مسلم لأجنبى
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
صفر 1400 هجرية - 20 صفر 1979 م
المبادئ
1 - التبنى محرم بنص قاطع من القرآن الكريم والإقرار بالنسب جائز ويقع صحيحا بشروطه .(4/74)
2 - النسب فى الإسلام من حقوق الله تعالى التى تقابل التعبير القانونى الآن (النظام العام) .
3 - القانون المصرى للأحوال الشخصية لا يجيز التبنى ولا يقره ويعتبره منعدما إذا صدر من شخص تحكمه قواعده
السؤال
من السيد المستشار وكيل وزارة العدل .
لشئون مكتب الوزير . بالكتاب الرقيم 1589 - ع ه المؤرخ 15/12/1979 المقيد برقم 383 لسنة 1979 .
وعلى الصورة الضوئية لكتاب الإدارة القنصلية بوزارة الخارجية .
وعلى الصورة الضوئية لكتاب الإدارة القنصلية بوزارة الخارجية رقم 13209 ملف 180/103/1 - والمؤرخ 82/11/1979 المتضمن أن السفارة المصرية فى بون قد طلبت بكتابها المحرر فى 16/11/1979 رقم 452 موافاتها بالرأى نحو موقف القانون المصرى من تبنى مواطن مصرى مسلم لشخص بالغ ألمانى هو فى الحقيقة ابن لزوجته من زواج سابق، وفى حالة إمكان ذلك نرجو الإفادة بالإجراءات التى يمكن اتباعها
الجواب
إن التبنى بمعنى استلحاق معروف النسب أو مجهول النسب ونسبته إلى ملحقه مع التصريح من هذا الأخير بأنه يتخذه ولدا له حال أنه ليس بولد له حقيقة - وأن التبنى بهذا المعنى - أمر محرم فى الإسلام ثبت تحريمه وإبطاله بقول الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، والتبنى غير الاقرار بالنسب .
إذ أن المقر يعترف ببنوة ولد مخلوق من مائه بنوة حقيقية كالبنوة الثابتة بفراش الزوجية .
ولكى يقع الإقرار بالنسب صحيحا يتعين توافر شروط هى : 1 - أن يكون الولد (ذكرا كان أو أنثى) مجهول النسب، لا يعرف له أب، فإن كان معلوم النسب فلا يصح الإقرار به .
2 - أن يكون من الممكن أن يولد مثل هذا الولد للمقر، فلو كانت سن المقر ثلاثين سنة مثلا وسن المقر له بمثل هذا أو أكثر أو أقل بقدر يسير كان كذب الإقرار ظاهرا فلا ثبت به النسب .
3 - أن يصدق الولد المقر فى إقراره بالنسب إذا كان مميزا يحسن التعبير عن نفسه، فإذا كذبه وأنكر نسبته إليه فلا يثبت نسبه منه، وإذا كان الولد لا يحسن التعبير عن نفسه فإنه يكفى إقرار المقر لثبوت النسب مع مراعاة الشرطين السابقين .
وخلاصة ما تقدم ان التبنى محرم بنص قاطع فى القرآن الكريم وهو المصدر الأول للأحكام الشرعية الإسلامية، وان الإقرار بالنسب حائز ويقع صحيحا بالشروط الموضحة .(4/75)
وينبغى التفرقة بين التبنى وبين الإقرار بالنسب حتى لا يختلط أمرها والفرق بينهما واضح من تحديد كل منهما على الوجه السابق بيانه، إذ أن التبنى ادعاء نسب لا وجود له فى الواقع، أما الإقرار بالنسب هو ادعاء نسب واقع فعلا لكنه غير ثابت بمراعاة تلك الشروط .
وإذ كان ما تقدم وكان النسب فى الإسلام من حقوق الله تعالى التى تقابل التعبير القانونى الآن - النظام العام - وكانت مسائله ومنها التبنى محكومة بالقواعد المبينة فى المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 والمادة السادسة من القانون رقم 462 لسنة 1955 وهى أرجح الأقوال فى فقه مذهب أبى حنيفة، وكان فقه هذا المذهب بالإضافة إلى فقه جميع الذاهب الإسلامية يحرم التبنى نفاذا لقول الله سبحانه فى القرآن الكريم فى الآيتين 4، 5 من سورة الأحزاب .
وكانت الواقعة المسئول عنها فى كتاب السفارة المصرية فى بون واقعة التبنى من المصرى المسلم فإنها تكون غير صحيحة فى نطاق القانون المصرى للأحوال الشخصية، ويقع التبنى منعدما لا تترتب عليه أية آثار، كما أنه لا يصح لهذا المصرى الإقرار بنسب ذلك الرجل البالغ إليه لأنه معروف بالنسب فعلا باعتباره ابن زوجته من زواج سابق فهو معروف الأب، ومن ثم فلم تتوافر فى الإقرار بنسبه الشروط سالفة الذكر .
لما كان ذلك فإن القانون المصرى للأحوال الشخصية لا يجيز التبنى ولا يقره، ويعتبره منعدما إذا صدر من شخص تحكمه قواعده { ومن أصدق من الله قيلا } النساء 122 ، والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
التبنى محرم شرعا
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
محرم 1399 هجرية - 23 ديسمبر 1978 م
المبادئ
1 - التبنى استلحقا شخص معروف النسب بغير أبيه أو مجهول النسب مع تصريح المتبنى بأنه ليس ولدا حقيقيا له، وقد كان معروفا فى الجاهلية وأبطله الإسلام، وهو غير الإقرار بالنسب الذى استوفى شروطه الشرعية .
2 - التبنى لا تترتب عليه آثار شرعية ولا قانونية .
3 - يمكن للمتبنى الإنفاق على الصغير أو الهبة أو الإيصاء له
السؤال
بالطلب المتضمن أن السائل متبنى ابن شقيق زوجته منذ ولادته، وكبر الطفل وأصبح يقرب من العاشرة من عمره .
وأنه يرغب فى تسمية الطفل باسمه . وأن والدى الطفل لا يمانعان فى ذلك .
وطلب السائل الإفادة عما إذا كان هذا العمل جائزا شرعا أو لا
الجواب(4/76)
التبنى هو استلحاق شخص معروف النسب إلى غير أبيه، أو استلحاق مجهول النسب مع التصريح بأنه يتخذه ولدا وليس بولد حقيقى له .
هذا التبنى كان معروفا فى الجاهلية . فلما جاء الإسلام أبطله وقضى عليه .
وفى ذلك يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } الأحزاب 4 ، 5 ، والتبنى بهذا المعنى غير الإقرار بالنسب المستوفى للشروط الشرعية .
ولما كان الظاهر أن السائل قد تبنى ابن شقيق زوجته منذ ولادته .
فإن هذا التبنى وقع باطلا، ولا يثبت به نسب هذا الصبى إليه لأنه معروف النسب فعلا .
والمقرر شرعا أن النسب حق الله تعالى لا ينفسخ ولا يرتد بالرد بعد ثبوته .
والتبنى بهذا الوصف الوارد بالسؤال محرم فى الشريعة الإسلامية بنص القرآن الكريم فى الآيات المشار إليها، ولا يترتب عليه أية آثار شرعا ولا قانونا لأنه باطل .
ومن أضراره أنه يدخل على الأسرة من ليس منها، وفى هذا اختلاط الأنساب وضياع لحرمات الله .
وإذا كان السائل يريد تربية الطفل والإنفاق عليه من ماله الخاص فهذا عمل عظيم وخير كبير، وإذا أراد الاستزادة من هذا الخير فليهب لهذا الولد ما يشاء من أمواله هبة نافذة بشروطها، ويوصى له بجزء منها وصية صحيحة شرعا وقانونا .
كل ذلك دون تغيير لنسب الولد مع بقائه منسوبا لأبيه .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال . والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
التلقيح الصناعى فى الانسان
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الأولى 1400 هجرية - 23 مارس 1980 م
المبادئ
1 - المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها أحكام الشرعية الإسلامية ولذا شرع النكاح وحرم السفاح والتبنى .
2 - الاختلاط بالمباشرة بين الرجل والمرأة هو الوسيلة الوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده لا يعدل عنها إلا لضرورة .
3 - التداوى جائز شرعا بغير المحرم، بل قد يكون واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس وعلاج العقم فى واحد من الزوجين .(4/77)
4 - تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شلك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جائز شرعا، فإذا نبت ثبت النسب فإن كان من رجل آخر غير زوجها فهو محرم شرعا ويكون فى معنى الزنا ونتائجه .
5 - تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها، ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى حرام ويدخل فى معنى الزنا .
6 - أخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقيحها بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وإعادتها بعد إخصابها إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال صفحة رقم 3213 أو خلط بمنى إنسان آخرا وحيوان لداع طبى وبعد نصح طبيب حاذق مجرب بتعيين هذا الطريق .
هذه الصورة جائزة شرعا . 7 - التلقيح بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات لفترة معينة يعاد بعدها الجنين إلى ذات رحم الزوجة .
فيه إفساد لخليقة الله فى أرضه ويحرم فعله .
8 - الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل، وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة، لا يكون ابنا له شرعا والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته .
نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه سماه الإسلام ديوثا ( الديوث هو الرجل الذى لا غيرة له على أهله ) .
9 - كل طفل ناشىء بالطرق المحرم قطعا من التلقيح الصناعى ، لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلى تماما .
10 - الطبيب هو الخبير الفنى فى إجراء التلقيح الصناعى أيا كانت صورته، فإن كان عمله فى صورة غير مشروعة كان آثما وكسبه حرام وعليه أن يقف عند الحد المباح .
11 - إنشاء مستودع تستحلب فيه نطف رجال لهم صفات معينة، لتلقح بها نساء لهن صفات معينة .
شر مستطير على نظام الأسرة ونذير بانتهاء الحياة الأسرية كما أرادها الله
السؤال
بالطلب المقدم من السيد الطبيب / ع - ح - م - المقيد برقم 63 لسنة 1980 الذى يسأل فيه عن حكم الإسلام فى استعمال التلقيح الصناعى فى الإنسان على الوجه التالى أولا إذا أخذ منى الزوج ولقحت به الزوجة التى لا تحمل بشرط وجود الزوجين معا .
ثانيا إذا أخذ منى رجل غير الزوج ولقحت به الزوجة التى ليس بزوجها منى أو كان منيه غير صالح للتلقيح .
ثالثا لو أخذ منى الزوج ولقحت به بويضة امرأة ليست زوجته ثم نقلت هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة صاحب المنى لأن هذه الأخيرة لا تفرز بويضات .
رابعا إذا أخذت بويضة امرأة لا تحمل ولقحت بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) ثم بعد الإخصاب (أ) تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى .(4/78)
(ب) وإذا كان مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح الاحتضان هذه البويضة أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة .
خامسا ما وضع الزوج الذى يوافق على هذا العمل وما وضع الزوج الذى يتبنى أطفالا ولدوا بواحد من تلك الطرق، أو يستمر مع زوجته التى لقحت بمنى رجل آخر .
سادسا ما حكم الطفل الذى يخرج بهذه الطرق سابعا ما هو وضع الطبيب الذى يجرى مثل تلك الأعمال
الجواب
قال الله سبحانه وتعالى { وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا } الفرقان 54 ، فى هذه الآية امتن الله سبحانه على عباده بالنسب والصهر، وعلق الأحكام فى الحل والحرمة عليهما ورفع قدرهما، ومن أجل هذه المنة كانت المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التى استهدفتها أحكام الشريعة الإسلامية، وفى هذا قال حجة الإسلام الإمام الغزالى - (إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الحق وصلاح الخلق فى تحصيل مقاصدهم، لكنا نعنى بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة) .
( كتاب المستصفى للغزالى ج - 1 ص 287 ) ومن أجل ضرورة المحافظة على النسل شرع الله النكاح وحرم السفاح { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، ذلك لأن الولد ثمرة الزواج الصحيح ينشأ بين أبويه يبذلان فى سبيل تربيته والنهوض به والمحافظة عليه النفس والنفيس، أما ولد الزنا فإنه عاد لأمه ولقومها إذ لا يعرف له أب، وبذلك ينشأ فاسدا مفسدا مهملا ويصبح آفة فى مجتمعه .
وإن كان فقهاء الشريعة قد عرضوا لهذا النوع من الأولاد وحثوا على تربيته والعناية به وأصلوا أحكامه فى كتب الفقه تحت عنوان باب اللقيط ذلك لأنه إنسان لا يسوغ إهماله وتحرم إهانته ويجب إحياؤه .
{ ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة 32 ، وذلك ارتقابا لخيره واتقاء لشره .
ومن هنا كان حرص الإسلام على سلامة الأنساب بالدعوة إلى الزواج وتشريع أحكامه، وكل ما يضمن استقرار الأسرة منذ ولادة الإنسان وحتى مماته، وبالجملة فقد نظم حياة الناس أحسن نظام وأقومه بالحكمة والعدل مع الإحسان ومراعاة المصلحة .
وإذ كان النسب فى الإسلام بهذه المثابة فقد أحاطه كغيره من أمور الناس بما يضمن نقاءه ويرفع الشك فيه، فجاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه البخارى(4/79)
ومسلم عن عائشة (الولد للفراش وللعاهر الحجر) والمراد بالفراش أن تحمل الزوجة من زوجها الذى اقترن بها برباط الزواج الصحيح فيكون ولدها ابنا لهذا الزوج، والمراد بالعاهر الزانى، وبهذا قرر هذا الحديث الشريف قاعدة أساسية فى النسب تحفظ حرمة عقد الزواج الصحيح وثبوت النسب أو نفيه تبعا لذلك، ومن ثم فمتى حملت امرأة ذات زوج من الزنا مع رجل آخر أو من غصب، فإن حملها ينسب لزوجها إلا من زنى معها أو اغتصبها لأن فراش الزوجية الصحيحة قائم فعلا .
ومن وسائل حماية الأنساب - فوق تحريم الزنا - تشريع الاعتداد للمرأة المطلقة بعد دخول الزوج المطلق بها، أو حتى بعد خلوته معها خلوة صحيحة شرعا .
كما حرم الإسلام بنص القرآن الكريم الصريح التبنى، بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه إنسانا آخر نسبة الابن الصحيح لأبيه أو أمه مع أنه يعلم يقينا أنه ولد غيره، وذلك صونا للأنساب ولحفظ حقوق الأسرة التى رتبتها الشريعة الإسلامية على جهات القرابة .. وفى هذا قال الله سبحانه { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .
ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم } الأحزاب 4 ، 5 ، وبهذا لم يعترف الإسلام بمن لا نسب له ولم يدخله قهرا فى نسب قوم يأبونه .
ولما كانت عناية الإسلام بالأنساب والتحوط لها على هذا الوجه بدأ بتنظيم صلة الرجل بالمرأة واختلاطهما ووجوب أن يكون هذا فى ظل عقد زواج صحيح تكريما لنطفة الإنسان التى منها يتخلق الولد، قال سبحانه { فلينظر الإنسان مم خلق .
خلق من ماء دافق .
يخرج من بين الصلب والترائب } الطارق 5، 6، 7 ، { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } الإنسان 2 ، ولا تتخلق نطفة الرجل إلا إذا وصلت إلى رحم المرأة المستعد لقبولها، وقد يكون هذا الوصول عن طريق الاختلاط الجسدى الجنسى، وعندئذ يكون نسب الوليد من هذا الاتصال موصولا بأبيه متى كان قد تم فى ظل عقد الزواج الصحيح (الولد للفراش) وقد يكون عن طريق إدخال نطفة الرجل فى رحم المرأة بغير الاتصال الجسدى .
ففى شرح المنهاج لابن حجر الشافعى وحواشيه وإنما ( ج - 8 ص 230 و 231 فى كتاب العدة ) تجب عدة النكاح بعد وطء أو بعد استدخال منية أى الزواج المحترم وقت إنزاله واستدخاله ومن ثم لحق النسب أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته وهل يحلق به ما استنزله بيده لحرمته أولا للاختلاف فى إباحته كل محتمل والأقرب الأول فلا عبرة به ولا نسب يلحقه، واستدخالها من نطفة زوجها فيه عدة ونسب كوطء الشبهة ) وعلق فى حاشية الشروانى فى هذا الموضع على قول الشارح (وقت إنزاله واستدخاله ) بقوله ( بل الشرط ألا يكون من زنا ) وفى فروع الدر المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار عليه لابن عابدين ( ج - 2 ص 950 و 951 فى باب العدة ) أدخلت منيه فى فرجها هل تعتد .(4/80)
فى البحر بحثا نعم لاحتياجها لتعرف براءة الرحم وفى النهر بحثا إن ظهر حملها نعم وإلا لا ) وعلق ابن عابدين بقوله أى منى زوجها من غير خلوة ولا دخول ولم أغير حكم ما إذا وطئها فى دبرها أو أدخلت منيه فى فرجها ثم طلقها من غير إيلاج فى قبلها وفى تحرير الشافعية وجوبها فيهما، ولابد أن يحكم على أهل المذهب به فى الثانى، لأن إدخال المنى يحتاج إلى تعرف براءة الرحم أكثر من مجرد الإيلاج ثم نقل عن البحر عن المحيط ما نصه إذا عالج الرجل جاريته فيما دون الفرج فأنزل فأخذت الجارية ماءه فى شىء فاستدخلته فرجها فى حدثان ذلك فعلقت الجارية وولدت فالولد ولده والجارية أم ولد له .
فهذا الفرع يؤيد بحث صاحب البحر ويؤيده أيضا إثباتهم العدة بخلوة المجبوب وما ذلك إلا لتوهم العلوق منه بسحقه ) .
وفى التعليق على عدة الموطوءة بشبهة قال ابن عابدين ( المرجع السابع ص 939 والبحر الرائق لابن نجيم شرح كنز الدقائق ص 128 ج - 4 ) ( ومنه ما فى كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته منى زوج أو سيد عليها العدة كالموطوءة بشبهة، قال فى البحر ولم أره لأصحابنا والقواعد لاتأباه لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم ) .
هذه الأقوال لفقهائنا تصريح بأن شغل رحم المرأة بنطفة الرجل وحدوث الحمل قد يحدث بغير الاتصال العضوى بينهما وتترتب عليه الآثار الشرعية من عدة نسب .
وإذ كان ذلك وكان الفقهاء قد رتبوا على إدخال الزوجة منى زوجها فى موضع التناسل منها، وكذلك الجارية إذا أدخلت منى سيدها وحملت ثبت النسب من الزوج أو من السيد، ووجبت العدة تعين النظر فيما جاء بهذا الطلب من تساؤلات على هدى ما تقدم .
عن السؤال الأول لما كان الهدف الأسمى من العلاقة الزوجية هو التوالد حفظا للنوع الإنسانى، وكانت الصلة العضوية بين الزوجين ذات دوافع غريزية فى جسد كل منهما .
أضحى هذا الواصل والاختلاط هو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن فى جسده واعتمل فى نفسه حتى تستقر النطفة فى مكمن نشوئها كما أراد الله، وبالوسيلة التى خلقها فى كل منهما، لا يعدل عنها إلا إذا دعت داعية، كأن يكون بواحد منهما ما يمنع حدوث الحمل بهذا الطريق الجسدى المعتاد مرضا أو فطرة وخلقا من الخالق سبحانه .
فإذا كان شىء من ذلك، وكان تلقيح الزوجة بذات منى زوجها دون شك فى استبداله أو اختلاطه بمنى غيره من إنسان أو مطلق حيوان جاز شرعا إجراء هذا التلقيح، فإذا ثبت النسب تخريجا على ما قرره الفقهاء فى النقول المتقدمة من وجوب العدة وثبوت النسب على من استدخلت منى زوجها فى محل التناسل منها .
عن السؤال الثانى تلقيح الزوجة بمنى رجل آخر غير زوجها سواء لأن الزوج ليس به منى أو كان به ولكنه غير صالح محرم شرعا، لما يترتب عليه من الاختلاط فى الأنساب، بل ونسبه ولد إلى أب لم يخلق من مائه، وفوق هذا ففى هذه الطريقة من(4/81)
التلقيح إذا حدث بها الحمل معنى الزنا ونتائجه، والزنا محرم قطعا بنصوص القرآن والسنة .
عن السؤال الثالث وصورته تلقيح بويضة امرأة بمنى رجل ليس زوجها ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المنى، هذه الصورة كسابقتها تدخل فى معنى الزنا، والولد الذى يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام بيقين، لالتقائه مع الزنا المباشر فى اتجاه واحد، إذ أنه يؤدى مثله إلى اختلاط الأنساب، وذلك ما تمنعه الشريعة الإسلامية التى تحرص على سلامة أنساب بنى الإنسان، والابتعاد بها عن الزنا وما فى معناه ومؤداه .
ذلك لأنه وإن كان المنى هو للزوج ولكنه - كما هو معروف - لا يتخلق إلا بإذن الله وحين التقائه ببويضة الزوجة - وهذه الصورة افتقدت فيها بويضة الزوجة وجىء ببويضة امرأة أخرى، ومن ثم لم تكن الزوجة حرثا فى هذه الحال لزوجها مع أن الله سمى الزوجة حرثا له فقال { نساؤكم حرث لكم } البقرة 223 فكل ما تحمل به المرأة لابد أن يكون نتيجة الصلة المشروعة بين الزوجين سواء باختلاط أعضاء التناسل فيهما كالمعتاد أو بطريق استدخال منيه إلى ذات رحمها ليتخلق وينشأ كما قال الله سبحانه { يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث } الزمر 6 ، وإذ كانت البويضة فى هذه الصورة ليست لزوجة صاحب المنى وإنما لامرأة أخرى لم يكن نتاجها جزءا من هذين الزوجين، بل من الزوج وامرأة محرمة عليه فلا حرث فعلا، أو اعتبارا بين الزوجين ينبت به الولد فصارت هذه الصورة فى معنى الزنا المحرم قطعا كسابقتها .
عن السؤال الرابع (أ) وصورته أن تؤخذ بويضة الزوجة التى لا تحمل وتلقح بمنى زوجها خارج رحمها (أنابيب) وبعد الإخصاب والتفاعل بينهما تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى .
فى هذه الصورة إذا ثبت قطعا أن البويضة من الزوجة والمنى من زوجها وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة (أنابيب) وأعيدت البويضة ملقحة إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمنى إنسان آخر أو حيوان، وكان هناك ضرورة طبية داعية لهذا الإجراء كمرض بالزوجة يمنع الاتصال العضوى مع زوجها أو به هو قام المانع، ونصح طبيب حاذق مجرب بأن الزوجة لا تحمل إلا بهذا الطريق، ولم تستبدل الأنبوبة التى تحضن فيها بويضة ومنى الزوجين بعد تلقيحهما، كان الإجراء المسئول عنه فى هذه الصورة جائزا شرعا، لأن الأولاد نعمة وزينة وعدم الحمل لعائق وإمكان علاجه أمر جائز شرعا، بل قد يصير واجبا فى بعض المواطن .
فقد جاء أعرابى ( منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للشوكانى ج - 8 ص 200 فى أبواب الطب ) فقال يا رسول الله أنتداوى .
قال نعم . فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله .
رواه أحمد، فهذه الصورة والصورة فى السؤال الأول من باب التداوى مما يمنع الحمل والتداوى بغير المحرم جائز شرعا، بل قد يكون التداوى واجبا إذا ترتب عليه حفظ النفس أو علاج العقم فى واحد من الزوجين .(4/82)
(ب) وصورته هل يجوز أن تحل مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة، أى تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة .
إنه لما كان التلقيح على هذه الصورة بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما فى رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات ، فإذا مرت هذه البويضة الملقحة بمراحل النمو التى قال عنها القرآن الكريم { ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين .
ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العقلة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين } المؤمنون 13 ، 14 ، سيكتسب هذا المخلوق صفات هذه الأنثى التى اغتذى بدمها فى رحمها وائتلف معها حتى صار جزءا منها، فإذا تم خلقه وآن خروجه يدب على الأرض كان مخلوقا آخر .
ألا ترى حين ينزو الحمار على الفرس وتحمل، هل تكون ثمرتهما لواحد منها .
إنه يكون آخر صورة وطبيعة . هذا إن بقيت البويضة بأنثى غير الإنسان إلى حين فصالها، أما إن انتزعت بعد التخلق وانبعاث الحياة فيها وأعيدت إلى رحم الزوجة فلا مراء كذلك فى أنها تكون فد اكتسبت الكثير من صفات أنثى الحيوان التى احتواها رحمها، فإنه كان غذاؤها وكساؤها ومأواها، ولا مرية فى أن هذا المخلوق يخرج على غير طباع الإنسان، بل على غرار تلك التى احتضنه رحمها، لأن وراثة الصفات والطباع أمر ثابت بين السلالات حيوانية ونباتية، تنتقل مع الوليد وإلى الحفيد ذلك أمر قطع فيه العلم ومن قبله الإسلام { ألا يعلم من خلق } الملك 14 ، يدلنا على هذا نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته فى اختيار الزوجة فقد قال تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء ( فتح البارى شرح صحيح البخارى ج - 9 ص 102 باب أى النساء خير ) وقال إياكم وخضراء الدمن - وهى المرأة الحسناء - فى المنبت السوء ( رواه الدار قطنى من حديث أبى سعيد الخدرى - احياء علوم الدين ج - 4 ص 724 ) هذه التوجيهات النبوية تشير إلى علم الوراثة، وأن إرث الفضائل أو الرذائل ينتقل فى السلالة، ولعل الحديث الشريف الأخير واضح الدلالة فى هذا المعنى، لأن لفظ (الدمن) تفسره معاجم اللغة بأنه ما تجمع وتجمد من السرجين وهو روث الماشية، فكل ما نبت فى هذا الروث وإن بدت خضرته ونضرته إلا أنه يكون سريع الفساد، وكذلك المرأة الحسناء فى المنبت السوء تنطبع على ما طبعت عليه لحمتها وغذيت به، ولعل نظرة الإسلام إلى علم الوراثة تتضح جليا من هذا الحوار الذى دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمضم بن قتادة إذ قال (يا رسول الله إن امرأتى ولدت غلاما أسود، قال هل لك من إبل .
قال نعم، قال فما ألوانها .
قال حمر، قال هل فيها من أورق قال نعم، قال فأنى ذلك .
قال لعله نزعه عرق، قال فعل ابنك هذا نزعه عرق) رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة ( بلوغ المرام لابن حجر العسقلانى وشرحه سبل السلام للصنعانى ج - 3 ص 246 فى باب اللعان ) وبهذا نرى أن تلك البويضة الملقحة التى نقلت إلى رحم أنثى غير الإنسان تأخذ منه مالا فكاك لها منه إن قدرت لها الحياة والدبيب على الأرض، وبذلك إن تم فصاله ودرج هذا المخلوق على صورة الإنسان لا يكون(4/83)
إنسانا بالطبع والواقع، ومن فعل هذا يكون قد أفسد خليقة الله فى أرضه، ومن القواعد التى أصلها فقهاء الإسلام أخذا من مقاصد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، يدل لهذا قول الله سبحانه { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن 16 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه) .
( الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفى فى القاعدة الرابعة ) وإذ كان فى التلقيح بهذه الصورة مفسدة أى مفسدة فإنه يحرم فعله .
عن السؤال الخامس تقدم القول بجواز التلقيح بالطريق المبينة فى السؤال الأول وبالطريقة المبينة كذلك فى الفقرة الأولى من السؤال الرابع بشرط التحقق قطعا من تلقيح بويضة الزوجة بمنى زوجها دون غيره ودون اختلاط بمنى رجل آخر أو منى أى حيوان، وبشرط وجود داع وضرورة لسلوك واحد من هذين الطريقين، كأن يكون بأحد الزوجين مانع يعوق الحمل عند اختلاطهما عضويا .
وتقدم القول كذلك بأن باقى طرق التلقيح المطروحة فى هذه التساؤلات محرمة، إما لأنها فى معنى الزنا وإما درءا للمفاسد التى تحملها .
لما كان ذلك فإن الزوج الذى يتبنى أى طفل انفصل وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة لا يكون ابنا له شرعا لنه مشكوك فى أبوته له، بل يكون مقطوعا بنفيه حين تكون النطفة من رجل آخر أو حيوان، وبهذا يكون أشد نكرا من التبنى بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه ولدا يعرف قطعا أنه ابن غيره، لأنه مع هذا المعنى قد التقى مع الزنا، والزوج الذى يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا الفعلى أو بما فى معناه كهذا التلقيح رجل فقد كرامة الرجال، ومن ثم فقد سماه الإسلام ديوثا، وهذا هو شأن الرجل الذى يستبقى زوجة لقحت من غيره بواحد من هذه الطرق المحرمة التى لا تقرها الشريعة، لأنها لا تبتغى فى أحكامها كمال بنى الإنسان ونقاءهم .
هذا والتبنى على أى صورة قد حرمه القرآن فى محكم آياته كما تقدم القول فى ذلك ... عن السؤال السادس لما كان ما تقدم ك كان كل طفل ناشىء بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعى حسبما تقدم بيانه لقيطا لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلي تماما إذ ينسب لأمه فقط .
وهنا نضع أمام الزواج حديث أبى هريرة ( بلوغ المرام وشرحه سبل السلام ص 246 ج - 3 فى باب اللعان ) رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المتلاعبين (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شىء ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه - أى يعلم أنه ولده - احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس .
الأولين والآخرين) . (
ـــــــــــــــــــ
التبنى لا يعقب ميراثا(4/84)
المفتي
علام نصار .
ربيع الثانى سنة 1371 هجرية - 19 يناير 1952 م
المبادئ
1 - التبنى لا يثبت به النسب شرعا حتى يكون من أسباب الإرث .
2 - بوفاة المتوفى عن أخوين لم وإخوة لأب وبنت متبناة .
يكون للأخوين لأم الثلث فرضا مناصفة بينهما وللإخوة لأب الباقى تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .
ولا شئ للبنت المتبناة
السؤال
من شفيق محمد قال توفيت امرأة أرملة غير متزوجة وليس لها أب ولا أم ولا أولاد .
وتركت بنتا استلمتها من مستشفى أبو الريش وعمل لها تبنى خاص بتربيتها والصرف عليها كما تركت إخوة ثلاثة ذكور وثلاث إناث من الأب والجميع بلغ - وأخوين ذكر وانثى بالغين من الأم وكل منهما من أب آخر - فمن يرث ومن لا يرث .
وقد توفيت فى 3 يوليو سنة 1951
الجواب
لأخوى المتوفاة لأمها من تركتها الثلث فرضا مناصفة بينهما ولإخوتها لأبيها الباقى تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شئ للبنت المتبناة لأن التبنى لا يثبت به النسب شرعا حتى يكون من أسباب الإرث هذا إذا لم يكن للمتوفاة وارث آخر ولا فرع يستحق وصية واجبة .
وبالله التوفيق
ـــــــــــــــــــ
الاقرار بالبنوة
المفتي
حسن مأمون .
شعبان 1376 هجرية - 26 مارس 1957 م
المبادئ
1- اشترط الفقهاء فى صحة الإقرار بالبنوة أن يكون المقر له مجهول النسب، وأن يولد مثله لمثل المقر، وأن يصدقه المقر له إن كان من أهل التمييز .
2- يجب أن يراقب الناس ربهم، فلا يلحقون بهم أبناء غير شرعيين يضاربهم ذوو ارحامهم .
3- الفقه الإسلامى الذ1ى قضى بصحة الإقرار ببنوة من كان مجهول النسب راعى فى ذلك حمل حال المسلمين على الصلاح، وأن المقر لم يفعل ذلك إلا وهو مستوثق أن الولد ابنه شرعا .(4/85)
4- أخذ ولد من ملجأ اللقطاء والإقرار ببنوته بقصد الإضرار بالورثة بعد الوفاة لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه وإبطاله للتبنى .
5- بناء الأحكام على ما هو الحق والعدل خير من بنائها على قول يقوله الناس ويدعونه زورا وبهتانا .
6- الإقرار بالبنوة متى توفرت شروطه صحيح ويعامل المقر له معاملة الابن من النسب
السؤال
هل الإقرار بالبنوة يقتضى أن تقوم الزوجة برفع دعوى ضد زوجها تطالبه فيها بثبوت نسب ولد مجهول النسب منه، لأنها زوجته رزقت منه بهذا الطفل على فراش الزوجية الصحيحة وأن يصادق الزوج على جميع وقائع الدعوى حتى يمكن الحكم لها بثبوت النسب .
2- هل الإقرار بالبنوة بأية طريقة من الطرق الشرعية تتيح للمقرين بالبنوة والمقر لهم استخراج شهادة بأسمائهم .
3- كيف يكون الإقرار بالبنوة وثبوت النسب
الجواب
إن الفقهاء قد اشترطوا فى صحة الإقرار بالبنوة شروطا ثلاثة وهى : أولا - أن يكون المقر له مجهول النسب، فلا يصح الإقرار ببنوة ولد نسبه معروف .
ثانيا - أن يكون الولد المقر له بحيث يولد مثله لمثل المقر .
ثالثا - أن يصدق المقر له المقر فى إقراره إن كان المقر له أهلا للتمييز فإن كان صغيرا غير أهل للتمييز صح الإقرار بتوفر الشرطين الأولين فقط .
وقد قلنا فى هذه الفتوى أيضا ويجب أن يراقب الناس الله سبحانه وتعالى فلا يلحقون بهم أبناء غير شرعيين حتى لا يدخلوا فى عائلتهم من لا يمت إليها بصلة النسب الصحيح - والفقه الإسلامى الذى قضى بصحة الإقرار بالبنوة لمن كان مجهول النسب قد راعى فى ذلك حمل حالة المسلمين على الصلاح، وأن المقر بالنسب لم يقر به إلا وهو مستوثق من أن الولد الذى اقر ببنوته ابنه شرعا، ولم يقصد من ذلك أن يضار الرجل ذوى رحمه وأقاربه ويكيد لهم ويحرمهم من الإرث عن طريق إقراره بنسب ولد مجهول النسب وهو فى الواقع ليس ابنا له، فما يفعله الناس من أخذ ولد مجهول النسب من ملجأ اللقطاء وإقرارهم ببنوته إقرارا له آثاره من ناحية القضاء للإضرار بمن يستحقون الإرث فيهم بعد وفاتهم لا يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه .
فلنتق الله كل من يريد تغيير حكم الله، ومن يعترض على ما قضى به الإسلام من إبطال التبنى بدعوى أن نظام التبنى معمول به عند الأمم الأخرى، فإن بناء الأحكام على ما هو الحق والعدل خير من بنائها على قول يقوله الناس ويدعونه زورا وبهتانا .
وهذا لا يتعارض مع كفالة اليتامى والفقراء ورعايتهم والإنفاق عليهم وتربيتهم من غير أن يترتب عليها ما يترتب من حقوق للأبناء على الآباء وللآباء على الأبناء فإذا كان الطفل المشار إليه فى السؤال .(4/86)
والموصوف من السائل بأنه مجهول الوالدين ليس ابنا فى الحقيقة والواقع للسائل، ولم تلده زوجته، وإنما قصدا معا أن يتخذاه ولدا لهما ويريدان أن يتبينا طريق ذلك بهذا السؤال كان ذلك منهم منافيا لروح الشريعة الإسلامية، لما فيه من الإضرار بمن يرثانهما بعد وفاتهما ويسعهما أن ينفعاه من طريق الوصية له بما لا يزيد على ثلث التركة، وهذا لا يمنع من أن الإقرار بالبنوة متى توفرت شروطه صحيح، ويعامل المقر له معاملة الابن من النسب من ناحية وجوب النفقة والإرث وغيرهما من الحقوق التى تثبت للابن على أبيه وأمه وللوالدين عليه طبقا للراجح من مذهب الإمام أبى حنيفة، ويكفى فيد صدور إشهاد به من الزوجين أمام الجهة المختصة يعترفان فيه بأنه ابنهما والله أعلم
ـــــــــــــــــــ
التبنى والاقرار بالبنوة
المفتي
أحمد هريدى .
24 يونيه 1986 م
المبادئ
1- الإشهاد بالتبنى ليس إقرارا بالبنوة ولا يترتب عليه أى أثر شرعى .
2- يشترط في صحة الإقرار بالبنوة شروط منها ألا يصرح المقر بأن المقر له ابنه من الزنا أو بالتبنى، فإن صرح بهذا أو ذاك كان إقراره باطلا
السؤال
من السيدة ر س ع أنه بتاريخ 28/11/1945 وبموجب إشهاد شرعى أقر كل من س ع ر وزوجته السيدة س خ م على أنفسهما أنهما تبينا البنت روحية التى تبلغ من العمر خمس سنوات تقريبا، وأنهما ينزلانها منزلة البنت لهما من النسب .
وظل هذا الإشهاد قائما إلى أن توفيت والدتها المذكورة، فتقدم والدها المتبنى بطلب إثبات وراثة زوجته المتوفاة وانحصار إرثها فيه وفى بنتها روحية المذكورة .
وتأجلت المادة أخيرا للحصول على فتوى تفيد إن كانت السائلة تستحق الإرث في والدتها أم لا وطلبت الإفادة عن الحكم الشرعى
الجواب
يشترط لتمام صحة الإقرار بالبنوة أن لا يصرح المقر أن المقر له ولده من الزنا أو بالتبنى، فيصح الإقرار إن ذكر فيه أنه ولده من فراش صحيح أو شبهته .
كما يصح أيضا لو لم يبين السبب أصلا ويحمل على أنه يستند إلى الفراش أو شبهته .
أما لو صرح المقر بأن المقر له ولده من الزنا أو أنه بالتبنى فإن الإقرار يقع باطلا وفى حادثة السؤال أقر كل من س ع ر وزوجته السيدة س خ م أنهما تبنيا البنت روحي وأنهما ينزلانها منزلة البنت من النسب وأسمياها بروحية س ع ر وطبقا لمنصوص عليه يعتبر هذا الإقرار منهما قد صرح فيه بالسبب وهو التبنى فيكون باطلا لا يثبت نسبها منهما شرعا إذ هو إقرار بالتبنى لا بالبنوة .(4/87)
وعلى ذلك فلا توارث بين السائلة وكل من والدها ووالدتها بالتبنى ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
ـــــــــــــــــــ
حكمة تحريم الزنا
المفتي
عطية صقر .
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
يقول بعض الناس إذا كانت الحكمة من تحريم الزنا هى المحافظة على الأنساب من اختلاطها فهل يظل محرما إذا أمكنت السيطرة على الحمل بمنعه بالوسائل الحديثة، أو يجوز لأى شخص أن يباشر أية امرأة مع وجود هذه الموانع ؟
الجواب
يقول الله سبحانه : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} الإِسراء : 32 إن الزنا هو مباشرة الرجل لامرأة بغير عقد زواج صحيح ، وقد سمَّاه الله فاحشة والفواحش هى كبائر الذنوب ، كما ذمه سبيلا إلى المتعة الجنسية ، فاللّه سبحانه جعل فى الرجل والمرأة هذه الشهوة من أجل تكاثر الجنس البشرى ، كما يحصل التكاثر والإِنتاج بعاملين لا بعامل واحد فى الحيوان والنبات وغيرهما ، قال تعالى {ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } الذارايات : 49 وتكاثر الجنس البشرى لابد أن يكون منظما لينشأ الجيل فى بيئة مستقرة تؤهله لتحمل المسئولية بعد والديه ، ولا تكون البيئة المستقرة إلا بالزواج الشرعى الذى تحدد فيه الحقوق والواجبات للزوجين وللذرية الناتجة منهما .
والاتصال الجنسى مع الموانع من الحمل لا يكون به تناسل إذا جاز لكل إنسان أن يلجأ إليه ، وفيه تعطيل لحكمة الله فى خلق آدم وحواء لتحقيق الخلافة فى الأرض ، كما أن الاتصال الجنسى بدون حدود لا يؤهل لهذه الخلافة .
ومن هنا تظهر الحكمة فى تحريم الزنا المتمثلة فيما يأتى :
1 - ضمان التناسل الجدير بتسلسل النوع البشرى وبقائه لتحقيق خلافة الإِنسان فى الأرض .
2 - حماية الغيرة الطبيعية الموجودة فى الإِنسان ، وهو أجدر بها من بعض الحيوانات والطيور التى تغار فيها الذكور على إناثها ، لأنها كلها مسخرة له بأمر الله فلا يكون أقل منها فى الغيرة .
3 - وقاية الإِنسان من أمراض خطيرة سببها الاتصال الجنسى غير المنظم ، ويؤكد هذا ما ظهر أخيرا من انتشار مرض فقد المناعة المعروف بالإيدز، ويلتقى مع الحديث الشريف المقبول فى مثل هذه المواطن " يا معشر المهاجرين ، خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة فى قوم(4/88)
قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين - أعوام القحط - وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا زكاه أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما فى أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم " رواه البيهقى .
4 - حماية الأنفس من القتل بسبب الغيرة التى تأبى أن يتصل شخص بزوجة آخر أو بنته أو قريبته بغير عقد شرعى .
5 - ضمان التوارث الصحيح بين أعضاء الأسرة المعروفة بالنسب الصحيح ، ومنع الدخيل من التوارث .
6 - عدم ضمان التناسل مع وجود الموانع من الحمل ، فإرادة اللّه غالبة ، وهنا يضيع النسل أو ينسب زوراً لغير أصله ، والإِسلام حرم إلصاق الشخص نسبه بغير أصله ، كما حرم التبنى .
7 -المحافظة على كرامة المرأة ، حتى لا تكون سلعة مباحة يتداولها كل من يريد قضاء شهوته ، كأى متاع آخر يعرض لمن يريد .
من هذا وغيره نعرف حكمة تحريم الزنا وأنها ليست قاصرة على حفظ الأنساب فقط ، ولخطورة آثاره وصفه اللّه فى الآية بأنه فاحشة وساء سبيلا، وحرَّمته كل الأديان من أجل ذلك ، وحتى القوانين الوضعية لم تبحه على إطلاقه ، فالطبيعة البشرية السوية تأباه ولذلك جعل الإِسلام عقوبته قاسية، فهى للبكر مائة جلدة وللثيب الرجم حتى الموت . وقسوة هذه العقوبة تتضاءل أمام الأخطار الناشئة عن الزنا ، وأمام الفوائد الناجمة عن تحريمه ، والله سبحانه حكيم خبير فى تشريعه للناس قال تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } البقرة : 216
ـــــــــــــــــــ
دفن ولد الكافر في مقابر المسلمين
السؤال الثالث من الفتوى رقم (5124)
س3: هل يجوز دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم متبنيًا له ثم مات قبل أن يبلغ؟
ج3: لا يجوز دفن كافر في مقابر المسلمين سواء كان متبنًى لمسلم أم لا وسواء بلغ أم لم يبلغ، لكن إذا وجد منه ما يدل على إسلامه دفن في مقابر المسلمين، علمًا بأنه يحرم التبني في الإسلام لقوله تعالى: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } . (1)
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
_________
(1) سورة الأحزاب، الآية 5.(4/89)
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 470)
الْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ : الْجَوَازُ وَالصِّحَّةُ وَلَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَبْطُلُ إلَّا مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِبْطَالِهِ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ . وَأُصُولُ أَحْمَد الْمَنْصُوصَةُ عَنْهُ : أَكْثَرُهَا يَجْرِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ . وَمَالِكٌ قَرِيبٌ مِنْهُ ؛ لَكِنَّ أَحْمَد أَكْثَرُ تَصْحِيحًا لِلشُّرُوطِ . فَلَيْسَ فِي الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرُ تَصْحِيحًا لِلشُّرُوطِ مِنْهُ . وَعَامَّةُ مَا يُصَحِّحُهُ أَحْمَد مِنْ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا يُثْبِتُهُ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ مِنْ أَثَرٍ أَوْ قِيَاسٍ ؛ لَكِنَّهُ لَا يَجْعَلُ حُجَّةَ الْأَوَّلِينَ مَانِعًا مِنْ الصِّحَّةِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ شَرْطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ . وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ مِنْ الْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ مَا لَا تَجِدُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ . فَقَالَ بِذَلِكَ وَبِمَا فِي مَعْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَمَا اعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ فِي إبْطَالِ الشُّرُوطِ مِنْ نَصٍّ : فَقَدْ يُضْعِفُهُ أَوْ يُضْعِفُ دَلَالَتَهُ . وَكَذَلِكَ قَدْ يُضْعِفُ مَا اعْتَمَدُوهُ مِنْ قِيَاسٍ . وَقَدْ يَعْتَمِدُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عمومات الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي تَصْحِيحِ الشُّرُوطِ . كَمَسْأَلَةِ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ مُطْلَقًا فَمَالِكٌ يُجَوِّزُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يُجَوِّزُ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا . وَيُجَوِّزُهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فِي الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ . وَيُجَوِّزُ أَحْمَد
اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْخَارِجِ مِنْ مِلْكِهِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ وَاشْتِرَاطِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَاهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَإِذَا كَانَ لَهَا مُقْتَضًى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِالشَّرْطِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ بِالشَّرْطِ ؛ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ . كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ . فَيُجَوِّزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ مِمَّا يَجُوزُ اسْتِبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ لَمَّا بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلَهُ وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ . وَيُجَوِّزُ أَيْضًا لِلْمُعْتِقِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ حَيَاةِ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِمَا اتِّبَاعًا لِحَدِيثِ سَفِينَةَ لَمَّا أَعْتَقَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ خِدْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَاشَ . وَيَجُوزُ - عَلَى عَامَّةِ أَقْوَالِهِ - : أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا . كَمَا فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ . وَكَمَا فَعَلَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ ؛ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ ؛ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَاهَا بِالنِّكَاحِ إذْ اسْتِثْنَاؤُهَا بِلَا نِكَاحٍ غَيْرُ جَائِزٍ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْخِدْمَةِ . وَيُجَوِّزُ أَيْضًا لِلْوَاقِفِ إذَا وَقَفَ شَيْئًا أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَنْفَعَتَهُ وَغَلَّتَهُ جَمِيعَهَا لِنَفْسِهِ لِمُدَّةِ حَيَاتِهِ . كَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ . وَرُوِيَ فِيهِ
حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَلْ يَجُوزُ وَقْفُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ ؟ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . وَيَجُوزُ أَيْضًا - عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ - اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ وَالصَّدَاقِ وَفِدْيَةِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى الْقِصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ إخْرَاجِ الْمِلْكِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِسْقَاطِ كَالْعِتْقِ أَوْ بِتَمْلِيكِ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ . أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ . وَيُجَوِّزُ أَحْمَد أَيْضًا فِي النِّكَاحِ عَامَّةَ الشُّرُوطِ الَّتِي لِلْمُشْتَرِطِ فِيهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ ؛ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوَفُّوا بِهِ : مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ : إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الشُّرُوطَ فِي النِّكَاحِ أَوْكَدُ مِنْهَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ . وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَنْ(4/90)
يُصَحِّحُ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ . فَيُجَوِّزُ أَحْمَد أَنْ تَسْتَثْنِيَ الْمَرْأَةُ مَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ بِالْإِطْلَاقِ فَتَشْتَرِطُ أَنْ لَا تُسَافِرَ مَعَهُ وَلَا تَنْتَقِلَ مِنْ دَارِهَا ، وَتَزِيدَ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ بِالْإِطْلَاقِ فَتَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ مُخَلِّيَةً بِهِ فَلَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى . وَيُجَوِّزُ - عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَنْصُوصَةِ عَنْهُ الْمُصَحَّحَةِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ - أَنْ يَشْتَرِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآخَرِ صِفَةً مَقْصُودَةً كَالْيَسَارِ وَالْجَمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَمْلِكُ الْفَسْخَ بِفَوَاتِهِ . وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قَوْلًا
بِفَسْخِ النِّكَاحِ وَانْفِسَاخِهِ فَيَجُوزُ فَسْخُهُ بِالْعَيْبِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَقَدْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَبِالتَّدْلِيسِ كَمَا لَوْ ظَنَّهَا حُرَّةً فَظَهَرَتْ أَمَةً وَبِالْخَلْفِ فِي الصِّفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّ لَهُ مَالًا فَظَهَرَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ . وَيَنْفَسِخُ عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الْمُنَافِيَةِ لِمَقْصُودِهِ كَالتَّوْقِيتِ وَاشْتِرَاطِ الطَّلَاقِ . وَهَلْ يَبْطُلُ بِفَسَادِ الْمَهْرِ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؟ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . إحْدَاهُمَا : نَعَمْ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ . وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ . وَالثَّانِيَةُ : لَا يَنْفَسِخُ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَهُوَ عَقْدٌ مُفْرَدٌ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَعَلَى أَكْثَرِ نُصُوصِهِ يُجَوِّزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِعْلًا أَوْ تَرْكًا فِي الْمَبِيعِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمَبِيعِ نَفْسِهِ . وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ لَا يُجَوِّزُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْعِتْقَ . وَقَدْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْهُ ؛ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي كَلَامِهِ . فَفِي جَامِعِ الْخَلَّالِ عَنْ أَبِي طَالِبٍ : سَأَلْت أَحْمَد عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً فَشَرَطَ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا : تَكُونُ جَارِيَةً نَفِيسَةً يُحِبُّ أَهْلُهَا أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا وَلَا تَكُونُ لِلْخِدْمَةِ ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ . وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَقَالَ لَهُ : إذَا أَرَدْت بَيْعَهَا فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي تَأْخُذُهَا بِهِ مِنِّي ؟ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنْ لَا يَطَؤُهَا وَلَا
يَقْرَبُهَا وَلَهُ فِيهَا شَرْطٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِرَجُلِ : لَا تَقْرَبَنَّهَا وَلِأَحَدٍ فِيهَا شَرْطٌ . وَقَالَ حَنْبَلٌ : حَدَّثَنَا عفان حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتبة : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَ لَهَا : إنْ بَاعَهَا فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ . فَسَأَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ . فَقَالَ : لَا تَنْكِحْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ . وَقَالَ حَنْبَلٌ : قَالَ عَمِّي : كُلُّ شَرْطٍ فِي فَرْجٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا . وَالشَّرْطُ الْوَاحِدُ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ عُمَرَ كَرِهَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِامْرَأَتِهِ الَّذِي شَرَطَ . فَكَرِهَ عُمَرُ أَنْ يَطَأَهَا وَفِيهَا شَرْطٌ . وَقَالَ الكرماني سَأَلَ أَحْمَد عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَشَرَطَ لِأَهْلِهَا أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَلَا يَهَبَهَا ؟ فَكَأَنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ . وَلَكِنَّهُمْ إنْ اشْتَرَطُوا لَهُ إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ ؟ فَلَا يَقْرَبُهَا . يَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . فَقَدْ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ بَيْعَهَا لَمْ يَمْلِكْ إلَّا رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَالْمُقَايَلَةِ . وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُبْطِلِ لِهَذَا الشَّرْطِ وَرُبَّمَا تَأَوَّلُوا قَوْلَهُ : " جَائِزٌ " أَيْ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَبَقِيَّةُ نُصُوصِهِ تُصَرِّحُ بِأَنَّ مُرَادَهُ " الشَّرْطُ " أَيْضًا . وَاتَّبَعَ فِي ذَلِكَ
الْقِصَّةَ الْمَأْثُورَةَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ : ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ . وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْمَبِيعِ فَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ أَوْ يَتَسَرَّاهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَعْيِينٌ لِمَصْرِفٍ وَاحِدٍ كَمَا رَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ عُثْمَانَ : أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صهيب(4/91)
دَارًا وَشَرَطَ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى صهيب وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ . وَجِمَاعُ ذَلِكَ : أَنَّ الْمِلْكَ يُسْتَفَادُ بِهِ تَصَرُّفَاتٌ مُتَنَوِّعَةٌ . فَكَمَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْمَبِيعِ وَجَوَّزَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنَافِعِهِ جَوَّزَ أَيْضًا اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ . وَعَلَى هَذَا فَمَنْ قَالَ : هَذَا الشَّرْطُ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ . قِيلَ لَهُ : أَيُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ أَوْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُطْلَقًا ؟ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ : فَكُلُّ شَرْطٍ كَذَلِكَ . وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ : لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ؛ وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ : أَنْ يُنَافِيَ مَقْصُودَ الْعَقْدِ كَاشْتِرَاطِ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اشْتِرَاطِ الْفَسْخِ فِي الْعَقْدِ . فَأَمَّا إذَا شَرَطَ مَا يُقْصَدُ بِالْعَقْدِ لَمْ يُنَافِ مَقْصُودَهُ . هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ : بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالِاعْتِبَارِ مَعَ الِاسْتِصْحَابِ وَعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُنَافِي . أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَالْعُقُودُ هِيَ الْعُهُودُ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَوْفُوا
بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا } فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَهَذَا عَامٌّ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِ اللَّهِ وَبِالْعَهْدِ . وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا عَقَدَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِنَفْسِ ذَلِكَ الْمَعْهُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَهْدِ كَالنَّذْرِ وَالْبَيْعِ إنَّمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ ؛ وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالصِّدْقِ فِي قَوْلِهِ { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا } لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْقَوْلِ خَبَرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } { فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ - كَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِ - تساءلون بِهِ : تَتَعَاهَدُونَ وَتَتَعَاقَدُونَ . وَذَلِكَ : لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَطْلُبُ مِنْ الْآخَرِ مَا
أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَمَعَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَسَائِرِ السُّورَةِ أَحْكَامَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ بَنِي آدَمَ الْمَخْلُوقَةَ : كَالرَّحِمِ وَالْمَكْسُوبَةَ : كَالْعُقُودِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الصِّهْرُ وَوِلَايَةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَقَالَ سُبْحَانَهُ : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } { وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ } وَالْأَيْمَانُ : جَمْعُ يَمِينٍ وَكُلُّ عَقْدٍ فَإِنَّهُ يَمِينٌ . قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِدُونَهُ بِالْمُصَافَحَةِ بِالْيَمِينِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : قَوْلُهُ { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ(4/92)
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } { كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلًّا وَلَا ذِمَّةً } وَالْإِلُّ : هُوَ الْقَرَابَةُ . وَالذِّمَّةُ : الْعَهْدُ - وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْلِهِ : { تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } - إلَى قَوْلِهِ { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً } فَذَمَّهُمْ اللَّهُ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَنَقْضِ الذِّمَّةِ . إلَى قَوْلِهِ { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } وَهَذِهِ نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ مَكَّةَ لَمَّا صَالَحَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ . ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ بِإِعَانَةِ بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ . وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } فَتِلْكَ عُهُودٌ جَائِزَةٌ ؛ لَا لَازِمَةٌ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُطْلَقَةً . وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إمْضَائِهَا وَنَقْضِهَا . كَالْوِكَالَةِ وَنَحْوِهَا . وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : إنَّ الْهُدْنَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا مُؤَقَّتَةً : فَقَوْلُهُ - مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأُصُولِ أَحْمَد - يَرُدُّهُ الْقُرْآنُ وَتَرُدُّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْثَرِ الْمُعَاهَدِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ مَعَهُمْ وَقْتًا . فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَهْدُهُ مُوَقَّتًا فَلَمْ يُبَحْ لَهُ نَقْضُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ
إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ : { إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } فَإِنَّمَا أَبَاحَ النَّبْذَ عِنْدَ ظُهُورِ إمَارَاتِ الْخِيَانَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ جِهَتِهِمْ وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } الْآيَةَ . وَجَاءَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ " إنَّ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ سُورَةً كَانَتْ كَبَرَاءَةِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبُ شَهَادَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } فِي سُورَتَيْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمَعَارِجِ وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْمُسْتَثْنِينَ مِنْ الْهَلَعِ الْمَذْمُومِ بِقَوْلِهِ : { إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } { إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا } { وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } { إلَّا الْمُصَلِّينَ } { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ } { لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } { وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } { وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ } { إنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ }
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ مِنْ الْمَذْمُومِ إلَّا مَنْ اتَّصَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا إلَّا مَا هُوَ وَاجِبٌ وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فِي أَوَّلِهَا : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَارِثِينَ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الْحَصْرُ ؛ فَإِنَّ إدْخَالَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ يُشْعِرُ بِالْحَصْرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَارِثِي الْجَنَّةِ كَانَ مُعَرَّضًا لِلْعُقُوبَةِ ؛ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ وَإِذَا كَانَتْ رِعَايَةُ الْعَهْدِ وَاجِبَةً فَرِعَايَتُهُ : هِيَ الْوَفَاءُ بِهِ . وَلَمَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ الْعَهْدِ وَالْأَمَانَةِ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضِدَّ ذَلِكَ صِفَةَ الْمُنَافِقِ فِي قَوْلِهِ : { إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } وَعَنْهُ { عَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ لَيْسَ الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ } " وَمَا زَالُوا يُوصُونَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ . وَهَذَا عَامٌّ . وَقَالَ(4/93)
تَعَالَى : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } فَذَمَّهُمْ عَلَى نَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ وَقَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِصِلَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إمَّا بِالشَّرْعِ وَإِمَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي عَقَدَهُ الْمَرْءُ بِاخْتِيَارِهِ . وَقَالَ أَيْضًا : { الَّذِينَ يُوفُونَ
بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } وَقَالَ : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي
الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . وَقَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ . حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ . وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ } " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَفِي رِوَايَةٍ : { لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرَةً مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بريدة بْنِ الحصيب قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ . وَفِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ ، اُغْزُوا وَلَا تَغْلُوا وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، وَإِذَا لَقِيت عَدُوَّك مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوك فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ - } الْحَدِيثَ " . فَنَهَاهُمْ عَنْ الْغَدْرِ كَمَا نَهَاهُمْ عَنْ الْغُلُولِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ لَمَّا سَأَلَهُ هِرَقْلُ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(4/94)
وَسَلَّمَ " هَلْ يَغْدِرُ ؟ فَقَالَ : لَا يَغْدِرُ وَنَحْنُ مَعَهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا . قَالَ : وَلَمْ يُمَكِّنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا هَذِهِ الْكَلِمَةَ . وَقَالَ هِرَقْلُ فِي جَوَابِهِ : سَأَلْتُك : هَلْ يَغْدِرُ ؟ فَذَكَرْت أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ " فَجَعَلَ هَذَا صِفَةً لَازِمَةً لِلْمُرْسَلِينَ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ : مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ وَأَنَّ شُرُوطَ النِّكَاحِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْ غَيْرِهَا . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ . وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا ثُمَّ أَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ } " فَذَمَّ الْغَادِرَ . وَكُلُّ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا ثُمَّ نَقَضَهُ فَقَدْ غَدَرَ . فَقَدْ جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِالْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُقُودِ وَبِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَرِعَايَةِ ذَلِكَ وَالنَّهْيِ عَنْ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعُهُودِ وَالْخِيَانَةِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ . وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْحَظْرَ وَالْفَسَادَ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ : لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ بِهَا مُطْلَقًا وَيَذُمَّ مَنْ نَقَضَهَا وَغَدَرَ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرَ إلَّا مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ أَوْ أَوْجَبَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْمَرَ بِقَتْلِ النُّفُوسِ وَيُحْمَلَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُبَاحِ ؛ بِخِلَافِ مَا كَانَ جِنْسُهُ وَاجِبًا كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ مُطْلَقًا . وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ . فَيَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَعَنْ الصَّدَقَةِ بِمَا يَضُرُّ النَّفْسَ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الصِّدْقُ فِي الْحَدِيثِ مَأْمُورٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْرُمُ الصِّدْقُ أَحْيَانًا لِعَارِضِ وَيَجِبُ السُّكُوتُ أَوْ التَّعْرِيضُ . وَإِذَا كَانَ جِنْسُ الْوَفَاءِ وَرِعَايَةُ الْعَهْدِ مَأْمُورًا بِهِ : عُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ صِحَّةُ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلتَّصْحِيحِ إلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَحَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُ . وَمَقْصُودُ الْعَقْدِ : هُوَ الْوَفَاءُ بِهِ . فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ قَدْ أَمَرَ
بِمَقْصُودِ الْعُهُودِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الصِّحَّةُ وَالْإِبَاحَةُ . وَقَدْ رَوَى أَبُو داود والدارقطني مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ } . وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ : هُوَ ثِقَةٌ . وَضَعَّفَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى . وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الصُّلْحُ جَائِزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا } " قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى ابْنُ ماجه مِنْهُ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ ؛ لَكِنَّ كَثِيرَ بْنَ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْجَمَاعَةُ . وَضَرَبَ أَحْمَد عَلَى حَدِيثِهِ فِي الْمُسْنَدِ ؛ فَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ . فَلَعَلَّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِرِوَايَتِهِ مِنْ وُجُوهٍ . وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السلماني عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَتْ الْحَقَّ } وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ - وَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهَا ضَعِيفًا - فَاجْتِمَاعُهَا مِنْ طُرُقٍ يَشُدُّ(4/95)
بَعْضُهَا بَعْضًا . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمَذْهَبِ ؛ فَإِنَّ الْمُشْتَرِطَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا يُحَرِّمَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ . فَإِنَّ شَرْطَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُبْطِلًا لِحُكْمِ اللَّهِ . وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ ؛ وَإِنَّمَا الْمُشْتَرِطُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الشَّرْطَ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِدُونِهِ . فَمَقْصُودُ الشُّرُوطِ وُجُوبُ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا وَعَدَمُ الْإِيجَابِ لَيْسَ نَفْيًا لِلْإِيجَابِ حَتَّى يَكُونَ الْمُشْتَرِطُ مُنَاقِضًا لِلشَّرْعِ وَكُلُّ شَرْطٍ صَحِيحٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفِيدَ وُجُوبَ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا ؛ فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ الْإِقْبَاضِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَيُبَاحُ أَيْضًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا . وَكَذَلِكَ كُلٌّ مِنْ المتآجرين والمتناكحين . وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ صِفَةً فِي الْمَبِيعِ أَوْ رَهْنًا أَوْ اشْتَرَطَتْ الْمَرْأَةُ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَيَحْرُمُ وَيُبَاحُ بِهَذَا الشَّرْطِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَوْهَمَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَصْلَ فَسَادُ الشُّرُوطِ قَالَ : لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تُبِيحَ حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمَ حَلَالًا أَوْ تُوجِبَ سَاقِطًا أَوْ تُسْقِطَ وَاجِبًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الشَّارِعِ . وَقَدْ وَرَدَتْ شُبْهَةٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ حَتَّى تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَنَاقِضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا بِدُونِ
الشَّرْطِ : فَالشَّرْطُ لَا يُبِيحُهُ كَالرِّبَا وَكَالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَكَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْوَطْءَ إلَّا بِمِلْكِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ فَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُعِيرَ أَمَتَهُ لِآخَرَ لِلْوَطْءِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ فَقَدْ " { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ } " وَجَعَلَ اللَّهُ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ يَثْبُتُ لِلْمُعْتِقِ كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِلْوَالِدِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا } وَأَبْطَلَ اللَّهُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَبَنِّي الرَّجُلِ ابْنَ غَيْرِهِ أَوْ انْتِسَابِ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِ مَوْلَاهُ . فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يُبِيحُ الشَّرْطُ مِنْهُ مَا كَانَ حَرَامًا . وَأَمَّا مَا كَانَ مُبَاحًا بِدُونِ الشَّرْطِ : فَالشَّرْطُ يُوجِبُهُ كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَالرَّهْنِ وَتَأْخِيرِ الِاسْتِيفَاءِ . فَإِنَّ الرَّجُلَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَرْأَةَ وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالرَّهْنِ وَبِالْإِنْظَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا شَرَطَهُ صَارَ وَاجِبًا وَإِذَا وَجَبَ فَقَدْ حَرُمَتْ الْمُطَالَبَةُ الَّتِي كَانَتْ حَلَالًا بِدُونِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَمْ تَكُنْ حَلَالًا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُبِحْ مُطَالَبَةَ الْمَدِينِ مُطْلَقًا فَمَا
كَانَ حَلَالًا وَحَرَامًا مُطْلَقًا فَالشَّرْطُ لَا يُغَيِّرُهُ . وَأَمَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ فِي حَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يُبِحْهُ مُطْلَقًا فَإِذَا حَوَّلَهُ الشَّرْطُ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ قَدْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي حَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ مُطْلَقًا : لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ قَدْ أَبَاحَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ بِدُونِ الشَّرْطِ يَسْتَصْحِبُ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْخِطَابِ وَبَيْنَ ثُبُوتِهِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِصْحَابِ . فَالْعَقْدُ وَالشَّرْطُ يَرْفَعُ مُوجِبَ الِاسْتِصْحَابِ لَكِنْ لَا يَرْفَعُ مَا أَوْجَبَهُ كَلَامُ الشَّارِعِ . وَآثَارُ الصَّحَابَةِ تُوَافِقُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ . وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَمِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ . وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَيَسْتَصْحِبُ عَدَمَ التَّحْرِيمِ فِيهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ . كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ : الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ . وقَوْله تَعَالَى { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ(4/96)
عَلَيْكُمْ } عَامٌّ فِي الْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ ؛ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً كَانَتْ صَحِيحَةً . وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ جِنْسِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ إلَّا مَا ثَبَتَ حِلُّهُ بِعَيْنِهِ وَسَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَّ
انْتِفَاءَ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ . فَثَبَتَ بِالِاسْتِصْحَابِ الْعَقْلِيِّ وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ فِعْلُهَا إمَّا حَلَالًا وَإِمَّا عَفْوًا كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ تُحَرَّمُ . وَغَالِبُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مِنْ النُّصُوصِ الْعَامَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ وَالِاسْتِصْحَابِ الْعَقْلِيِّ وَانْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ أَيْضًا بِهِ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطُ فِيهَا سَوَاءٌ سَمَّى ذَلِكَ حَلَالًا أَوْ عَفْوًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَمِّ الْكَافِرِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِغَيْرِ شَرْعٍ : مِنْهُ مَا سَبَبُهُ تَحْرِيمُ الْأَعْيَانِ وَمِنْهُ مَا سَبَبُهُ تَحْرِيمُ الْأَفْعَالِ . كَمَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسَ ثِيَابِهِ وَالطَّوَافَ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ أحمسيا وَيَأْمُرُونَهُ بِالتَّعَرِّي إلَّا أَنْ يُعِيرَهُ أحمسي ثَوْبَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ الدُّخُولَ تَحْتَ سَقْفٍ كَمَا كَانَ الْأَنْصَارُ يُحَرِّمُونَ إتْيَانَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا إذَا كَانَتْ مُجْبِيَةً وَيُحَرِّمُونَ الطَّوَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ يَنْقُضُونَ الْعُهُودَ الَّتِي عَقَدُوهَا بِلَا شَرْعٍ . فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَغَيْرِهَا بِالْوَفَاءِ بِهَا إلَّا مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُحَرَّمٍ . فَعُلِمَ أَنَّ الْعُهُودَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ حِلُّهَا بِشَرْعٍ خَاصٍّ
كَالْعُهُودِ الَّتِي عَقَدُوهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأُمِرُوا بِالْوَفَاءِ بِهَا وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَلَا يُحَرَّمُ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ . لِأَنَّ اللَّهَ ذَمَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَرَعُوا مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَحَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَإِذَا حَرَّمْنَا الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ الْعَادِيَّةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كُنَّا مُحَرِّمِينَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ ؛ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ شَرْعَ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ أَنْ يُشْرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ . فَلَا يُشْرَعُ عِبَادَةٌ إلَّا بِشَرْعِ اللَّهِ وَلَا يُحَرَّمُ عَادَةٌ إلَّا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ وَالْعُقُودُ فِي الْمُعَامَلَاتِ هِيَ مِنْ الْعَادَاتِ يَفْعَلُهَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ . وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ . فَلَيْسَتْ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُفْتَقَرُ فِيهَا إلَى شَرْعٍ . كَالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ . فَإِنْ قِيلَ : الْعُقُودُ تُغَيِّرُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ أَوْ الْمَالِ إذَا كَانَ ثَابِتًا عَلَى حَالٍ فَعَقَدَ عَقْدًا أَزَالَهُ عَنْ تِلْكَ الْحَالِ : فَقَدْ غَيَّرَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا ؛ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ تُحَرَّمْ . فَإِنَّهُ لَا تَغَيُّرَ فِي إبَاحَتِهَا . فَيُقَالُ : لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا . وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَانَ إمَّا أَنْ تَكُونَ مِلْكًا لِشَخْصٍ أَوْ لَا تَكُونَ . فَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا فَانْتِقَالُهَا بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُغَيِّرُهَا وَهُوَ
مِنْ بَابِ الْعُقُودِ . وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا فَمَلَكَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ وَنَحْوِهِ : هُوَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ مُغَيِّرٌ لِحُكْمِهَا بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ . وَأَيْضًا فَإِنَّهَا قَبْلَ الذَّكَاةِ مُحَرَّمَةٌ . فَالذَّكَاةُ الْوَارِدَةُ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَالِ . فَكَمَا أَنَّ أَفْعَالَنَا فِي الْأَعْيَانِ مِنْ الْأَخْذِ وَالذَّكَاةِ : الْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ وَإِنْ غَيَّرَ حُكْمَ الْعَيْنِ . فَكَذَلِكَ أَفْعَالُنَا فِي الْأَمْلَاكِ بِالْعُقُودِ وَنَحْوِهَا : الْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ . وَإِنْ غَيَّرَتْ حُكْمَ الْمِلْكِ لَهُ . وَسَبَبُ ذَلِكَ : أَنَّ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِأَفْعَالِنَا كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالْبَيْعِ وَمِلْكِ الْبُضْعِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ نَحْنُ أَحْدَثْنَا أَسْبَابَ تِلْكَ(4/97)
الْأَحْكَامِ وَالشَّارِعُ أَثْبَتَ الْحُكْمَ لِثُبُوتِ سَبَبِهِ مِنَّا لَمْ يُثْبِتْهُ ابْتِدَاءً . كَمَا أَثْبَتَ إيجَابَ الْوَاجِبَاتِ وَتَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُبْتَدَأَةِ . فَإِذَا كُنَّا نَحْنُ الْمُثْبِتِينَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُحَرِّمْ الشَّارِعُ عَلَيْنَا رَفْعَهُ : لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا رَفْعُهُ فَمَنْ اشْتَرَى عَيْنًا فَالشَّارِعُ أَحَلَّهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى غَيْرِهِ ؛ لِإِثْبَاتِهِ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالْبَيْعِ . وَمَا لَمْ يُحَرِّمْ الشَّارِعُ عَلَيْهِ رَفْعَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ مَا أَثْبَتَهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَحَبَّ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ . كَمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا : فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ . وَإِنْ كَانَ مُزِيلًا لِلْمِلْكِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُعْطِي مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ . وَهَذِهِ
نُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا مَأْخَذُهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْجُزْئِيَّةَ - مِنْ حِلِّ هَذَا الْمَالِ لِزَيْدٍ وَحُرْمَتِهِ عَلَى عَمْرٍو - لَمْ يَشْرَعْهَا الشَّارِعُ شَرْعًا جُزْئِيًّا وَإِنَّمَا شَرَعَهَا شَرْعًا كُلِّيًّا مِثْلُ قَوْلِهِ : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَقَوْلُهُ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } وَقَوْلُهُ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } . وَهَذَا الْحُكْمُ الْكُلِّيُّ ثَابِتٌ سَوَاءٌ وُجِدَ هَذَا الْبَيْعُ الْمُعَيَّنُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ . فَإِذَا وُجِدَ بَيْعٌ مُعَيَّنٌ أَثْبَتَ مِلْكًا مُعَيَّنًا . فَهَذَا الْمُعَيَّنُ سَبَبُهُ فِعْلُ الْعَبْدِ . فَإِذَا رَفَعَهُ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ هُوَ بِفِعْلِهِ لَا مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُكْمِ الْكُلِّيِّ إذْ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُكْمِ الْجُزْئِيِّ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِفِعْلِ الْعَبْدِ سَبَبُهُ فَقَطْ لَا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَهُ ابْتِدَاءً . وَإِنَّمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ رَفْعَ الْحُقُوقِ بِالْعُقُودِ والفسوخ مِثْلُ نَسْخِ الْأَحْكَامِ ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمُطْلَقَ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الَّذِي أَثْبَتَهُ وَهُوَ الشَّارِعُ . وَأَمَّا هَذَا الْمُعَيَّنُ فَإِنَّمَا ثَبَتَ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَدْخَلَهُ فِي الْمُطْلَقِ فَإِدْخَالُهُ فِي الْمُطْلَقِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ إخْرَاجُهُ . إذْ الشَّارِعُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي الْمُعَيَّنِ بِحُكْمٍ أَبَدًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : هَذَا الثَّوْبُ بِعْهُ أَوْ لَا تَبِعْهُ أَوْ هَبْهُ أَوْ لَا تَهَبْهُ وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَى الْمُطْلَقِ الَّذِي إذَا أَدْخَلَ
فِيهِ الْمُعَيَّنَ حَكَمَ عَلَى الْمُعَيَّنِ . فَتَدَبَّرْ هَذَا وَفَرْقٌ بَيْنَ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ الْخَاصِّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْعَبْدُ بِإِدْخَالِهِ فِي الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ الْعَامِّ الَّذِي أَثْبَتَهُ الشَّارِعُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ الْعَبْدِ . وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْعُقُودَ لَا يَحْرُمُ مِنْهَا إلَّا مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا لِإِيجَابِ الشَّارِعِ الْوَفَاءَ بِهَا مُطْلَقًا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الْمِلَلُ ؛ بَلْ وَالْعُقَلَاءُ جَمِيعُهُمْ . وَقَدْ أَدْخَلَهَا فِي الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ فَفِعْلُهَا ابْتِدَاءً لَا يَحْرُمُ إلَّا بِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ وَالْوَفَاءُ بِهَا وَجَبَ لِإِيجَابِ الشَّارِعِ إذًا وَلِإِيجَابِ الْعَقْلِ أَيْضًا . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ . وَمُوجِبُهَا هُوَ مَا أَوْجَبَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالتَّعَاقُدِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ : { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } وَقَالَ : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } فَعَلَّقَ جَوَازَ الْأَكْلِ بِطِيبِ النَّفْسِ تَعْلِيقَ الْجَزَاءِ بِشَرْطِهِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ وَهُوَ حُكْمُ مُعَلَّقٌ عَلَى وَصْفٍ مُشْتَقٍّ مُنَاسِبٍ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ سَبَبٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ . وَإِذَا كَانَ طِيبُ النَّفْسِ هُوَ الْمُبِيحَ لِأَكْلِ الصَّدَاقِ فَكَذَلِكَ سَائِرُ التَّبَرُّعَاتِ : قِيَاسًا عَلَيْهِ بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا
الْقُرْآنُ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } لَمْ يُشْتَرَطْ فِي التِّجَارَةِ إلَّا التَّرَاضِي وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرَاضِيَ هُوَ الْمُبِيحُ لِلتِّجَارَةِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَانِ بِتِجَارَةِ أَوْ طَابَتْ نَفْسُ الْمُتَبَرِّعِ بِتَبَرُّعِ : ثَبَتَ حِلُّهُ بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ ؛ إلَّا أَنْ يَتَضَمَّنَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَالتِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .(4/98)
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَقْدَ لَهُ حَالَانِ : حَالُ إطْلَاقٍ وَحَالُ تَقْيِيدٍ . فَفَرْقٌ بَيْنَ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ مِنْ الْعُقُودِ . فَإِذَا قِيلَ : هَذَا شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ : يُنَافِي الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ . فَكَذَلِكَ كُلُّ شَرْطٍ زَائِدٍ . وَهَذَا لَا يَضُرُّهُ وَإِنْ أُرِيدَ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ : احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا نَافَى مَقْصُودَ الْعَقْدِ . فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ لَهُ مَقْصُودٌ يُرَادُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ وَشَرَطَ فِيهِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ الْمَقْصُودَ ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ بَيْنَ إثْبَاتِ الْمَقْصُودِ وَنَفْيِهِ فَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ . وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ ؛ بَلْ هُوَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ عِنْدَنَا . وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ قَدْ تَبْطُلُ لِكَوْنِهَا قَدْ تُنَافِي مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِثْلَ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مَقْصُودَهُ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْعَقْدِ . فَإِنَّ اشْتِرَاءَ
الْعَبْدِ لِعِتْقِهِ يُقْصَدُ كَثِيرًا . فَثُبُوتُ الْوَلَاءِ لَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ . كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ مُنَافِيًا لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ كَانَ الْعَقْدُ لَغْوًا . وَإِذَا كَانَ مُنَافِيًا لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ كَانَ مُخَالِفًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَغْوًا وَلَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهِ بَلْ الْوَاجِبُ حِلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَقْصُودٌ لِلنَّاسِ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ إذْ لَوْلَا حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لَمَا فَعَلُوهُ ؛ فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ . وَلَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمُهُ فَيُبَاحُ ؛ لِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يَرْفَعُ الْحَرَجَ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَالَ : لَا تَحِلُّ وَلَا تَصِحُّ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى حِلِّهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَوْ يُقَالُ : لَا تَحِلُّ وَتَصِحُّ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى حِلِّهَا دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ عَامًّا . أَوْ يُقَالُ : تَصِحُّ وَلَا تَحْرُمُ إلَّا أَنْ يُحَرِّمَهَا الشَّارِعُ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ : بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ دَلَّا عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ والقبوض الَّتِي وَقَعَتْ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَأَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَعْدَ
الْإِسْلَامِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ . فَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي آيَةِ الرِّبَا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنْ الرِّبَا فِي الذِّمَمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا قَبَضُوهُ بِعَقْدِ الرِّبَا ؛ بَلْ مَفْهُومُ الْآيَةِ - الَّذِي اتَّفَقَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ - يُوجِبُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ؛ وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ الرِّبَا الَّذِي فِي الذِّمَمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ الْمَقْبُوضِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ وَأَيُّمَا قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ } " وَأَقَرَّ النَّاسَ عَلَى أَنْكِحَتِهِمْ الَّتِي عَقَدُوهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ أَحَدًا : هَلْ عَقَدَ بِهِ فِي عِدَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِدَّةٍ ؟ بِوَلِيٍّ أَوْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ؟ بِشُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ ؟ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِتَجْدِيدِ نِكَاحٍ وَلَا بِفِرَاقِ امْرَأَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ الْمُحَرَّمُ مَوْجُودًا حِينَ الْإِسْلَامِ كَمَا { أَمَرَ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَنْ يُمْسِكَ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ } وَكَمَا { أَمَرَ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا وَيُفَارِقَ الْأُخْرَى } . وَكَمَا أَمَرَ الصَّحَابَةَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمَجُوسِ " أَنْ يُفَارِقُوا ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ " . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي(4/99)
عَقَدَهَا الْكُفَّارُ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ لَمْ يَعْقِدُوهَا بِإِذْنِ الشَّارِعِ . وَلَوْ كَانَتْ الْعُقُودُ عِنْدَهُمْ كَالْعِبَادَاتِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِشَرْعِ لَحَكَمُوا بِفَسَادِهَا أَوْ بِفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مُسْتَمْسِكِينَ فِيهِ بِشَرْعِ . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ عَلَى أَنَّهَا إذَا عُقِدَتْ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمُوا بَعْدَ زَوَالِهِ : مَضَتْ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِاسْتِئْنَافِهَا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ فَلَيْسَ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ بِدُونِ مَا عَقَدُوهُ مَعَ تَحْرِيمِ الشَّرْعِ وَكِلَاهُمَا عِنْدَكُمْ سَوَاءٌ . قُلْنَا : لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ مَا عَقَدُوهُ مَعَ التَّحْرِيمِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَأَمَّا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ؛ بِخِلَافِ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ ؛ لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ اشْتَرَطُوا فِي النِّكَاحِ الْقَبْضَ بَلْ سَوَّوْا بَيْنَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ عَقْدِ النِّكَاحِ يُوجِبُ أَحْكَامًا بِنَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ الْمُصَاهَرَةِ وَنَحْوِهَا . كَمَا أَنَّ نَفْسَ الْوَطْءِ يُوجِبُ أَحْكَامًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ . فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ - وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْآخَرِ - أَقَرَّهُمْ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ ؛ فَإِنَّ
الْمَقْصُودَ بِعُقُودِهَا هُوَ التَّقَابُضُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّقَابُضُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهَا فَأَبْطَلَهَا الشَّارِعُ ؛ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ . فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْعِبَادِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ لَا يُبْطِلُهُ الشَّارِعُ إلَّا مَعَ التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَحِّحُهُ إلَّا بِتَحْلِيلِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا تَعَاقَدُوا بَيْنَهُمْ عُقُودًا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا تَحْلِيلَهَا . فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمِيعَهُمْ - فِيمَا أَعْلَمُهُ - يُصَحِّحُونَهَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَهَا وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يَعْلَمُ تَحْلِيلَهَا لَا بِاجْتِهَادٍ وَلَا بِتَقْلِيدٍ . وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّارِعَ أَحَلَّهُ . فَلَوْ كَانَ إذْنُ الشَّارِعِ الْخَاصِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعُقُودِ : لَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ إذْنِهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ آثِمٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَادَفَ الْحَقَّ . وَأَمَّا إنْ قِيلَ : لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا فَعَنْهُ جَوَابَانِ : " أَحَدُهُمَا " الْمَنْعُ كَمَا تَقَدَّمَ . " وَالثَّانِي " أَنْ نَقُولَ : قَدْ دَلَّتْ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ عَلَى حِلِّ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ جُمْلَةً إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ . وَمَا عَارَضُوا بِهِ سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ . فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ
كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } فَالشَّرْطُ يُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ تَارَةً وَالْمَفْعُولُ أُخْرَى . وَكَذَلِكَ الْوَعْدُ وَالْخُلْفُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : دِرْهَمُ ضَرْبِ الْأَمِيرِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَشْرُوطُ ؛ لَا نَفْسُ الْمُتَكَلِّمِ . وَلِهَذَا قَالَ : { وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ } أَيْ : وَإِنْ كَانَ مِائَةَ مَشْرُوطٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْدِيدَ التَّكَلُّمِ بِالشَّرْطِ . وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْدِيدُ الْمَشْرُوطِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } أَيْ : كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْهُ . وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا خَالَفَ ذَلِكَ الشَّرْطُ كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ ؛ بِأَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فَلَمْ يُخَالِفْ كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ حَتَّى يُقَالَ : " { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } فَيَكُونُ الْمَعْنَى : مَنْ اشْتَرَطَ أَمْرًا لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ أَوْ فِي كِتَابِهِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ : فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا يُبَاحُ فِعْلُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ حَتَّى يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ وَيَجِبُ بِالشَّرْطِ وَلَمَّا لَمْ(4/100)
يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ أَبَدًا كَانَ هَذَا الْمَشْرُوطُ - وَهُوَ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ - شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَانْظُرْ إلَى الْمَشْرُوطِ إنْ كَانَ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا . فَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَبَاحَهُ :
جَازَ اشْتِرَاطُهُ وَوَجَبَ . وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُبِحْهُ : لَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُهُ : فَإِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِزَوْجَتِهِ . فَهَذَا الْمَشْرُوطُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُبِيحُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا . فَإِذَا شَرَطَ عَدَمَ السَّفَرِ فَقَدْ شَرَطَ مَشْرُوطًا مُبَاحًا فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَمَضْمُونُ الْحَدِيثِ : أَنَّ الْمَشْرُوطَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ أَوْ يُقَالُ : لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ : أَيْ : لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَفْيُهُ كَمَا قَالَ { سَيَكُونُ أَقْوَامٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَعْرِفُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ } أَيْ : بِمَا تَعْرِفُونَ خِلَافَهُ . وَإِلَّا فَمَا لَا يُعْرَفُ كَثِيرٌ . ثُمَّ نَقُولُ : لَمْ يُرِدْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا الشَّارِعُ تَكُونُ بَاطِلَةً بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ لَا إيجَابٌ وَلَا تَحْرِيمٌ فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . بَلْ الْعُقُودُ وَالشُّرُوطُ الْمُحَرَّمَةُ قَدْ يَلْزَمُ بِهَا أَحْكَامٌ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَقْدَ الظِّهَارِ فِي نَفْسِ كِتَابِهِ وَسَمَّاهُ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا ثُمَّ إنَّهُ أَوْجَبَ بِهِ عَلَى مَنْ عَادَ : الْكَفَّارَةَ وَمَنْ لَمْ يَعُدْ : جَعَلَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودَ التَّحْرِيمِ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ وَتَرْكِ الْعَقْدِ . وَكَذَا النَّذْرُ . فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ النَّذْرِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَ : { إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرِ } ثُمَّ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِهِ إذَا كَانَ طَاعَةً فِي
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ . } فَالْعَقْدُ الْمُحَرَّمُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ . نَعَمْ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِبَاحَةِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ عَقْدِ الرِّبَا وَعَنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : لَمْ يَسْتَفِدْ الْمَنْهِيُّ بِفِعْلِهِ لَمَّا نَهَى عَنْهُ الِاسْتِبَاحَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ . وَالْأَصْلُ فِي الْمَعَاصِي : أَنَّهَا لَا تَكُونُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ . وَالْإِبَاحَةُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْإِمْلَاءِ وَلِفَتْحِ أَبْوَابِ الدُّنْيَا ؛ لَكِنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ لَيْسَ بِشَرْعِ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ قَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً أَيْضًا كَمَا جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الْحَنِيفِيَّةُ . وَالْمُخَالِفُونَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَنَحْوِهِمْ قَدْ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ إذْنٌ خَاصٌّ : فَهُوَ عَقْدٌ حَرَامٌ وَكُلُّ عَقْدٍ حَرَامٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَكِلَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَمْنُوعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ . وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِطَرِيقَةِ ثَانِيَةٍ - إنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحَرِّمُهَا بَاطِلَةٌ . - فَنَقُولُ : قَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالشُّرُوطِ عُمُومًا وَأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهَا . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَوُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً ؛ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً كَانَتْ مُبَاحَةً . وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : { لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ } " إنَّمَا يَشْمَلُ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا بِعُمُومِهِ وَلَا بِخُصُوصِهِ فَإِنَّ مَا دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَلَى إبَاحَتِهِ بِعُمُومِهِ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا : هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَعُمُّ مَا هُوَ فِيهِ بِالْخُصُوصِ وَبِالْعُمُومِ . وَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْله تَعَالَى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } وَقَوْلِهِ : { وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } وَقَوْلِهِ : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } عَلَى قَوْلِ(4/101)
مَنْ جَعَلَ الْكِتَابَ هُوَ الْقُرْآنَ . وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ : فَلَا يَجِيءُ هَهُنَا . يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي ثَبَتَ جَوَازُهُ بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ : صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِخُصُوصِهِ لَكِنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . فَيَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . لِأَنَّ جَامِعَ الْجَامِعِ جَامِعٌ وَدَلِيلَ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . يَبْقَى أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ :
فَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ عُمُومًا فَشَرْطُ الْوَلَاءِ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ . فَيُقَالُ : الْعُمُومُ إنَّمَا يَكُونُ دَالًّا إذَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ ؛ فَإِنَّ الْخَاصَّ يُفَسِّرُ الْعَامَّ . وَهَذَا الْمَشْرُوطُ قَدْ نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَقَوْلُهُ : { مَنْ ادَّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } . وَدَلَّ الْكِتَابُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } . فَأَوْجَبَ عَلَيْنَا دُعَاءَهُ لِأَبِيهِ الَّذِي وَلَدَهُ دُونَ مَنْ تَبَنَّاهُ وَحَرَّمَ التَّبَنِّي . ثُمَّ أَمَرَ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْأَبِ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَخًا فِي الدِّينِ وَمَوْلًى كَمَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا } " . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ . فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ . } فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْوَلَاءَ نَظِيرَ النَّسَبِ وَبَيَّنَ سَبَبَ الْوَلَاءِ فِي قَوْلِهِ :
{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } فَبَيَّنَ أَنَّ سَبَبَ الْوَلَاءِ هُوَ الْإِنْعَامُ بِالْإِعْتَاقِ كَمَا أَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ هُوَ الْإِنْعَامُ بِالْإِيلَادِ . فَإِذَا كَانَ قَدْ حَرَّمَ الِانْتِقَالَ عَنْ الْمُنْعِمِ بِالْإِيلَادِ . فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُنْعِمِ بِالْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْتِقَ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِغَيْرِهِ : فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ أَنَّهُ إذَا أَوْلَدَ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } . وَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ قَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْمَشْرُوطِ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ : لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعُهُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْمُرُ بِمَا حَرَّمَهُ فَهَذَا هَذَا مَعَ أَنَّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَهُوَ إبْطَالُ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ . وَالتَّحْذِيرُ : مِنْ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ . فَيَكُونُ الْمَشْرُوطُ قَدْ حَرَّمَهُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ أَبَاحَ عُمُومًا لَمْ يُحَرِّمْهُ ؛ أَوْ مِنْ اشْتِرَاطِ مَا يُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ : { كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ . }
ـــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 211)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ " الْأُخُوَّةِ " الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَالْتِزَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ : إنَّ مَالِي مَالُك ، وَدَمِي دَمُك ، وَوَلَدِي وَلَدُك ، وَيَقُولُ الْآخَرُ كَذَلِكَ ، وَيَشْرَبُ أَحَدُهُمْ دَمَ الْآخَرِ : فَهَلْ هَذَا الْفِعْلُ مَشْرُوعٌ ، أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا مُسْتَحْسَنًا . فَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ ، أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ(4/102)
الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالْأُخُوَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ ، أَمْ لَا ؟ وَمَا مَعْنَى الْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذَا الْفِعْلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُ الْأُخُوَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَحَالَفَ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، كَمَا آخَى بَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، حَتَّى قَالَ سَعْدٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : خُذْ شَطْرَ مَالِي ، وَاخْتَرْ إحْدَى زَوْجَتَيَّ حَتَّى أُطَلِّقَهَا وَتَنْكِحَهَا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي مَالِكِ وَأَهْلِك ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ . وَكَمَا آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ . وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ . وَأَمَّا مَا يَذْكُرُ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي " السِّيرَةِ " مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ : فَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِحَدِيثِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ مُهَاجِرٍ وَمُهَاجِرٍ ، وَأَنْصَارِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ ، وَإِنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَكَانَتْ الْمُؤَاخَاةُ وَالْمُحَالَفَةُ يَتَوَارَثُونَ بِهَا دُونَ أَقَارِبِهِمْ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَصَارَ الْمِيرَاثُ بِالرَّحِمِ دُونَ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ وَالْمُحَالَفَةِ . وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُحَالَفَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ : هَلْ يُورَثُ بِهَا عِنْدَ عَدِمِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْمَوَالِي ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : " أَحَدُهُمَا " يُورَثُ بِهَا ،
وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } . " وَالثَّانِي " لَا يُورَثُ بِهَا بِحَالِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ . وَكَذَلِكَ تَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ يُشْرَعُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَآخَى اثْنَانِ وَيَتَحَالَفَا كَمَا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ؟ فَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً } وَلِأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمْهُ ، وَلَا يَظْلِمْهُ ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ } فَمَنْ كَانَ قَائِمًا بِوَاجِبِ الْإِيمَانِ كَانَ أَخًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ، وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ خَاصٌّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَدْ عَقَدَا الْأُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت إخْوَانِي } . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَنْ حُقُوقِ الْإِيمَانِ وَجَبَ أَنْ يُعَامَلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ ، فَيُحْمَدَ عَلَى حَسَنَاتِهِ ؛
ويوالى عَلَيْهَا ، وَيُنْهَى عَنْ سَيِّئَاتِهِ ، وَيُجَانَبُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا ، فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ ، فَذَلِك نَصْرُك إيَّاهُ } . وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ وَبُغْضُهُ ، وَمُوَالَاتُهُ وَمُعَادَاتُهُ : تَابِعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَيُحِبُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ . وَمَنْ كَانَ فِيهِ مَا يوالى(4/103)
عَلَيْهِ مِنْ حَسَنَاتٍ وَمَا يُعَادَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتٍ عُومِلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ ، كَفُسَّاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ ؛ إذْ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَالْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ ، وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ ؛ بِحَسَبِ مَا فِيهِمْ مِنْ الْبِرِّ وَالْفُجُورِ ، فَإِنَّ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، بِخِلَافِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَبِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ والجهمية ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ يَمِيلُونَ إلَى جَانِبٍ ، وَهَؤُلَاءِ إلَى جَانِبٍ . وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسَطٌ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : تُشْرَعُ تِلْكَ الْمُؤَاخَاةُ وَالْمُحَالَفَةُ ، وَهُوَ يُنَاسِبُ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَارُثِ بِالْمُحَالَفَةِ . لَكِنْ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ وَلَدَ أَحَدِهِمَا لَا يَصِيرُ وَلَدَ الْآخَرِ بِإِرْثِهِ مَعَ
أَوْلَادِهِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ نَسَخَ التَّبَنِّي الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ يَتَبَنَّى الرَّجُلُ وَلَدَ غَيْرِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } . وَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالًا لِلْآخِرِ يُورَثُ عَنْهُ مَالُهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ؛ وَلَكِنْ إذَا طَابَتْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْآخَرُ مِنْ مَالِهِ فَهَذَا جَائِزٌ ، كَمَا كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْآخَرِ وَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ ؛ لِعِلْمِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } . وَأَمَّا شُرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ . فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِحَالِ ، وَأَقَلُّ مَا فِي ذَلِكَ مَعَ النَّجَاسَةِ التَّشْبِيهُ بِاَللَّذَيْنِ يَتَآخَيَانِ مُتَعَاوَنِينَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ : إمَّا عَلَى فَوَاحِشَ ، أَوْ مَحَبَّةٍ شَيْطَانِيَّةٍ ، كَمَحَبَّةِ المردان وَنَحْوِهِمْ ، وَإِنْ أَظْهَرُوا خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ اشْتِرَاكٍ فِي الصَّنَائِعِ وَنَحْوِهَا . وَإِمَّا تَعَاوُنٌ عَلَى ظُلْمِ الْغَيْرِ ، وَأَكْلِ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مُؤَاخَاةِ بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْمَشْيَخَةِ وَالسُّلُوكِ لِلنِّسَاءِ ، فَيُوَاخِي أَحَدُهُمْ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ ،
وَيَخْلُو بِهَا . وَقَدْ أَقَرَّ طَوَائِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنْ الْفَوَاحِشِ . فَمِثْلُ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَعَاوُنٌ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَائِنًا مَا كَانَ : حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي مُؤَاخَاةٍ يَكُونُ مَقْصُودُهُمَا بِهَا التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، بِحَيْثُ تَجْمَعُهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ ، وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةُ اللَّهِ ، كَمَا يَقُولُونَ : تَجْمَعُنَا السُّنَّةُ ، وَتُفَرِّقُنَا الْبِدْعَةُ . فَهَذِهِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ . فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَرَوْنَهَا ، اسْتِغْنَاءً بِالْمُؤَاخَاةِ الْإِيمَانِيَّةِ الَّتِي عَقَدَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَإِنَّ تِلْكَ كَافِيَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ أَدَاءِ وَاجِبَاتِهَا ؛ إذْ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا هُوَ فَوْقَ مَطْلُوبِ النَّفُوسِ . وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّغَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ إذَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِمَّا أَنْ تُقَالَ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ أَدْخَلَ صَاحِبَهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَشْرِطُهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ : فَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَأَمْثَالُهَا لَا تَصِحُّ ، وَلَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهَا ؛ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِمَا ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ مَا لَيْسَ إلَيْهِ فِعْلُهُ ، وَلَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِيهِ ، وَلَا حَالُ
الْآخَرِ وَلِهَذَا نَجِدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَدْرُونَ مَا يَشْرِطُونَ ؛ وَلَوْ اسْتَشْعَرَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْضُ مَالِهِ فِي الدُّنْيَا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ كَانَ يَدْخُلُ فِيهَا ، أَمْ(4/104)
لَا ؟ وَبِالْجُمْلَةِ فَجَمِيعُ مَا يَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْمُحَالَفَاتِ فِي الْأُخُوَّةِ وَغَيْرِهَا تُرَدُّ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فَكُلُّ شَرْطٍ يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يُوَفَّى بِهِ ، و { مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ . كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ } فَمَتَى كَانَ الشَّرْطُ يُخَالِفُ شَرْطَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ بَاطِلًا : مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ غَيْرِهِ ابْنَهُ ، أَوْ عِتْقُ غَيْرِهِ مَوْلَاهُ ، أَوْ أَنَّ ابْنَهُ أَوْ قَرِيبَهُ لَا يَرِثُهُ ، أَوْ أَنَّهُ يُعَاوِنُهُ عَلَى كُلِّ مَا يُرِيدُ ، وَيَنْصُرُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَادَاهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَقِّ أَوْ بِبَاطِلِ ، أَوْ يُطِيعُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ ، أَوْ أَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّارِ مُطْلَقًا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ . وَإِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَفَّى مِنْهَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ؛ وَلَمْ يُوَفِّ مِنْهَا بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي الْمُبَاحَاتِ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَكَذَا فِي شُرُوطِ الْبُيُوعِ ، وَالْهِبَاتِ ، وَالْوُقُوفِ ، وَالنُّذُورِ ؛ وَعُقُودِ الْبَيْعَةِ لِلْأَئِمَّةِ ؛ وَعُقُودِ الْمَشَايِخِ ؛ وَعُقُودِ الْمُتَآخِيَيْنِ ،
وَعُقُودِ أَهْلِ الْأَنْسَابِ وَالْقَبَائِلِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ وَيَجْتَنِبَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ . وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُطِيعُ إلَّا مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
المنتقى من فتاوى الفوزان - (ج 91 / ص 3)
418- هناك امرأة تبَنَّتْ ولدًا وربّته مع أولادها، ولكنها لم ترضعه فهل يجوز لها أن تزوجه من إحدى بناتها ؟ وإذا أرضعته فهل يأخذ لقب أبيهم ويرث ويورث ؟
أما مجرد أنها غذت هذا الولد من الصغر وربته من صغره فهذا لا يثبته نسبًا ولا قرابة بينه وبينها وهو أجنبي عنها وعن بناتها فيجب عليها أن تحتجب منه، ويجب على بناتها أن يحتجبن منه؛ لأنه أجنبي عنهن مادام أنه لم يحصل رضاعة، وإنما الحاصل مجرد أنها ربته وغذته من الصغر، وكلمة التبني الواردة في السؤال خطأ؛ لأن التبني منهي عنه في الإسلام، وليس هناك تبنٍ إلا للأولاد من النسب أو الأولاد من الرضاعة، أما مجرد التربية والتغذية للصغير فهي لا تثبت قرابة ولا نسبًا ولا يسمى تبنيًا، أما لو جرى بينه وبينها رضاعة بأن أرضعته رضاعًا كافيًا بأن يكون خمس رضعات فأكثر، وأن يكون ذلك في الحولين، فإنه يكون ابنًا لها من الرضاعة وتكون بناتها أخوات له ومحارمها يكونون محارم له لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/149 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، وفي حديث آخر : ( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/125 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فهو يكون ابنًا لها في المحرمية فقط ولا ترث منه عند الجمهور بمجرد الالتقاط، ولا توارث بالرضاع إجماعًا؛ لأن الرضاعة لا تثبت ميراثًا وإنما تثبت المحرمية، وما لم يكن هناك رضاعة بين الطفل الملتقط وبينها أو بينه وبين أحد من محارمها فإنه لا بأس بأنه يتزوج من بناتها لأنه أجنبي منها .
ـــــــــــــــــــ(4/105)
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 9 / ص 14)
(باب اللقيط )
( 2240 ـ وجوب العناية باللقطاء ، والانفاق عليهم .. )
من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
بالإشارة إلى خطابكم رقم 42 /7/ 11762 /3 وتاريخ 26/9/ 87 بشأن ماكتبته إليكم سفارة جلالته في الباكستان بأن مجلس رقابة الطفل الباكستاني يقصد إعداد برنامج لتربية الأطفال اللقطاء ، والسماح لمن يرغب تبنيهم ممن ليس عندهم أولاد . ويسأل عن التشريع الخاص بحكم ذلك ، وعما يستحقونه من الحقوق الوراثية . ونظرا لأنه ليس لدينا تشريعا خاصا بهذا غير ما تنص عليه الأحكام الشرعية ، فأنا نلخص لكم الجواب فيما يلي :
" أولاً " لايخفى أن العناية بشئون اللقطاء خدمة إنسانية شريفة ، وعطفة نبيلة ، وقد ندب إليها الشرع الشريف وحث عليها ، وجعل أخذ اللقيط وإنقاذه والنفقة عليه من فروض الكفايات التي إذا قام بها بعض الناس كفى عن الباقين ؛ وإن تركها الجميع فإنهم يأثمون بذلك .
ثانياً : يجب على من يجد اللقيط أن يأخذه ويستنقذ حياته ، فإن كان هناك جهة معينة بالقيام بهؤلاء اللقطاء ونحوهم فهي التي تتولى حضانتهم سواء كانت حكومية أو خلافها ، وإلا فواجده أحق بحضانته إذا توفرت فيه الشروط : بأن يكون مسلماً ، أمينا ، رشيدا ، قائما بمصالحه . ثالثاً : أما نفقة اللقيط فتجب في بيت مال الدولة ، لما رواه سعيد بن منصور ، عن أبي جميلة قال : وجدت لقيطا فأتيت به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقا لعريفي : أنه رجل صالح يا أمير المؤمنين . فقا لعمر : أكذلك هو ، قال : نعم . قال : أذهب فهو حر ، ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته . وفي لفظ : ورضاعه . فإن لم يمكن الانفاق عليه من بيت مال الدولة فعلى من علم بحالة من المسلمين .
رابعاً : إن استحلقه إنسان بأن ادعىأنه ابنه وأمكن ذلك لحقه نسبه واعتبر ابناله شرعياً كسائر أولاده بالنفقة والارث وغيرهما ، وليس هذا من التبني ؛ بل هو انتساب شرعي .
خامساً : أما " التبني " فإن أراد ضم الطفل اللقيط إليه ومعاملته كأبنائه بالعناية والعطف والشفقة والنفقة وغير ذلك . فهذا من الأعمال الصالحة المرغب فيها شرعا لمن صلحت نيته ، غير أنه لايلحق به نسبة شرعا ، ولا يكون محرما لبناته ونحوهن ، ولاتحرم عليه زوجته ؛ ولا يستحق شيئاً من ميراثه . ومتى رغب أن يهب له شيئا منماله في حال حياته فلا مانع ، وإن أراد أن يجعل له شيئاً من تركته بعد وفاته فالطريقة الشرعية أن يوصي له بما يريد بشرط أن يكون من الثلث فأقل ، ولايتجاوز ثلث التركة مع بقية وصاياه إن كان له وصايا أخرى .
و " التبني " المفهوم عند الاطلاق ، وهو أن يعمد الشخص إلى طفل مجهول النسب وينسبه إلى نفسه نسبة الابن الحقيقي لأبيه ، ويثبت له أحكام البنوة من استحقاق إرثه بعد موته ، وحرمة تزوجه بحليلته ، وكونه محرما لبناته ، وغير ذلك . فهذا باطل(4/106)
ولايصح ، وهذا هو التبني المعروف في الجاهلية وفي صدر الاسلام يتوارث ويتناصر به . وقد تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فكان يدعى زيد بن محمد ، فنسخ الله حكم التبني ومنع من اطلاق لفظه وأرشد إلى ماهو الأعدل والأرشد وهو انتساب الرجل إلى أبيه ، فقال تعالى : ( أدعو لإبائهم هو أقسط عند الله ) (1) وقال : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) (2) .
فامتثل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر بأن يدعى زيد بن حارثة ، وتزوج صلى الله عليه وسلم بحليلته ـ فتبناه زيد بن حارثة ـ بل زوجه الله بها من فوق سبع سموات . وذلك لابطال التبني من جذوره ؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة التي منها الحاق المسلم بنسبة طفلا يعرف أنه من غيره وليس ابناله . ولايخفى مافي هذا من الحكم ، والمصالح ، وصيانة الانساب ، وحفظ حقوق الاسر ، وحرمان الابن من الانتساب لأبيه الشرعي ، وإدخال عنصر غريب في نسب المتبني يدخل على زوجته وبناته باسم البنوة والأخوة ويختلط بهن وهو أجنبي عنهن ، وكلما تركزت هذه البنوة الكاذبة ضاعت البنوة الحقيقية ، وضاعت الانساب والمواريث ، وحصل بذلك شر عظيم وفساد عريض ، فلله الحمد والمنة على ماشرعه لنا من أحكام ،وتبيان الحلال من الحرام . والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
مفتي الديار السعودية
( ص / ف 408 /1 في 7/2/ 88 )
( 2241 - حكم تبنيه ، وولائه )
سماحة المفتي الأكبر للبلاد السعودية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد :
__________
(1) سورة الأحزاب ـ آية 5 .
(2) سورة الأحزاب ـ آية 4 .
نفيدكم أن السفارة الايرانية بجدة كتبت إلى هذه الوزارة تستفسر عما إذا كان في الامكان تزويدها بنسختين من نظام " التبني ، والولاء " إذا كان معمولا به في المملكة .
وحيث أنه لايوجد في الشريعة الإسلامية السمحاء مايسمح بالتبني الكامل ، فنأمل إبلاغنا برأي سماحتكم وماورد في الشريعة الإسلامية في هذا الصدد لنتمكن من إجابة السفارة المذكورة على ضوء ذلك .
وتقبلوا أطيب تحياتي ..
وكيل وزارة الخارجية
من محمد بن إبراهيم آل الشيخ إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية .
حفظه الله آمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :(4/107)
فقد اطلعنا على خطابكم رقم وتاريخ 11/6/ 1386هـ حول سؤال السفارة الايرانية عن نظام " التبني ، والولاء " تطالبون منا الاجابة عن ذلك بما ورد في شريعتنا الغراء .
والجواب ولله الحمد على ذلك بما يلي :
أما " التبني " فكان في الجاهلية ، كان المتبنون يعاملون من يتبنوهم معاملة الأبناء الحقيقين من كل جهة : في الميراث ، والخلوة بالزوجات ، وتحريم زوجة ذلك الدعي ، وكان زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ، فكان يقال له : زيد بن محمد . فأراد الله أن يرفع ذلك كله ، فجاءت الشريعة في التبني بأحكام صارمة تتضمن مايلي :
1 - رفعه ومنع تعمد إطلاقه بالكلية ، لقوله تعالى : ( وما جعل أدعياءكم ابناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . أدعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) الآيات (1) . فبين الله في هذه الآيات أن قول الرجل لولد غيره " أبني " لا يقتضي أن يكون ابنا له حقيقياً تثبت له أحكام البنوة ؛ بل لايمكن أن يكون ابن غير والده ، فإن المخلوق من صلب رجل لايمكن أن يكون مخلوقا من صلب رجل لايمكن أن يكون مخلوقا من صلب رجل آخر ، كما لا يمكن أن يكون للرجل الواحد قلبان . وأمر الله برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم في الحقيقة إن كانوا معروفين وإلا فهم أخوة في الدين وموال ، وأخبر أن هذا هو العدل الأوسط .
2 - قطع الميراث بين ذلك الدعي وبين من تبناه ، وتتضمنه الآيات المذكورة آنفاً ، كما ويذكر أن فيه نزل قوله تعالى : ( والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) الآيات (2) أخرج أبن جرير عن سعيد بن المسيب أنه قال : إنما نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ، ويورثونهم ، فأنزل الله فيهم ، وجعل لهم نصيبا في الوصية ، ورد الميراث إلى الموالي في ذوي الرحم والعصبة ، وأبي الله للمدعين ميراثا ممن أدعاهم وتبناهم ، ولكن الله جعل لهم نصيبا في الوصية .
__________
(1) سورة الاحزاب ـ آية 4 - 6 .
(2) سورة النساء ـ آية 33 .
3 - تحليل إباحة زوجة الدعي بعدما يفارقها للمتبني حينما زوج الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعدما طلقها زيد بن حارثة الذي كان يدعى ابنه قبل نزول الآيات في رفع التبني ، وبين الله حكمة ذلك بقوله تعالى : ( زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا )(1) وقال في آية التحريم : ( وحلائل أبنائكم الذين من اصلابكم )(2) لاخراج الأدعياء من ذلك الحكم .
4 - إحتجاب زوجة المتبني على تلك الطريق عن الدعي ، كما تدل عليه قصة سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة حين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : " يارسول الله إنا كنا ندعو سالما ابنا ، وإن الله قد أنزل ما أنزل ، وإنه كان يدخل علي(4/108)
" الحديث (3) فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على عدم الاختلاط معها بذلك التبني بعد نزول القرآن ، وأمرها بإرضاعه خمس رضعات لتحرم عليه .
5 - التهديد الأكيد والوعيد الشديد لمن نسب نفسه إلى غير أبيه ، ففيما نسخت تلاوته من القرآن وبقي حكمه ( ولاترغبوا عن أبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ) روى الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه قال : كنا نقرأ : ( ولاترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن ابائكم ) وفي الحديث الصحيح : " من أدعى إلىغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام"
بقي " أمران " في موضوع " التبني " لابأس بالتنبه على رفع الحرج فيهما:
__________
(1) سورة الاحزاب ـ أية 37 .
(2) سورة النساء ـ آية 23 .
(3) اخرجه مسلم .
" أحدهما " : ما كان من الدعوة بالابن على سبيل التكريم والتحبيب ، فهذا ليس مما نهي عنه ؛ لما روى أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغيلمة بني عبيد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول أبينتي ـ تصغير ابني ـ لاترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " وهذا ظاهر الدلالاة ؛ لأنه كان في حجة الوداع سنة عشر .
" والثاني " : من غلبت عليه كنية التبني كالمقداد بن عمرو ، لايكاد يعرف إلا بابن الأسود الذي تبناه في الجاهلية ، فلما نزلت الآية قال إنه ابن عمرو ، واستمر مع ذلك مجرد الاطلاق ، فمثل هذا لابأس به كما في " القرطبي " وعلل ذلك بأنه لم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه .
1 - ولاء عتاقة ، ومما صح فيه حديث : " إنما الولاء لمن اعتق ) (1) وحديث : " الولاء لحمة كلحمة النسب لايباع ولايوهب " .
__________
(1) متفق عليه .
2 - ولاء الاسلام ، وفيه خلاف بين العلماء ذهب أبوحنيفة وربيعة والليث ابن سعد إلى أن من أسلم على يد رجل فولاه لذلك الرجل . وذهب مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وسفيان الثوري وداود والجمهور إلا أن لا ولاء للانسان على من أسلم على يديه ، ويظهر من تصرف البخاري في صحيحه أنه يميل إلى هذا ، فقد قال : ( باب إذا أسلم على يديه ) وكان الحسن لا يرى له ولاية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الولاء لمن أعتق " ثم قال البخاري : ويذكر عن تميم الداري رفعه قال : " هو ـ أي من اسلم على يديه ـ أولى الناس بمحياه ومماته " واختلفوا في صحة هذا الخبر . أه . نص البخاري ، وقد أطال الحافظ ابن حجر في الكلام على وصل هذا الحديث وبيان درجته بما نكتفي منه بأنه نقل عن الشافعي أنه قال : ليس بثابت ، وعن أحمد تضعيفه ، وعن الأوزاعي أنه كان يدفعه ولايرى له وجها ، وعن تاريخ البخاري أنه لايصح لمعارضته حديث : " الولاء لمن اعتق " وعن الترمذي أنه قال(4/109)
فيه : ليس بمتصل الاسناد ، ونقل بعد هذا عن أبي زرعة الدمشقي أنه قال : هو حديث حسن المخرج ، متصل . قال : وإلى هذا أشار البخاري بقوله : واختلفوا في صحة هذا الخبر . ثم ذكر الحافظ أن الجمهور حملوه على فرض ثبوته على أنه أحق بموالاته في النصر والاعانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك ، وقالوا : لو جاء الحديث بلفظ : " أحق " لوجب تخصيص الأول .
3 - ولاء الحلف على المناصرة والمعاونة . يرى التوارث به أو حنيفة ، ومذهب الجمهور خلاف ذلك استناداً إلى مفهوم حديث : " الولاء لمن اعتق " وإلى قوله تعالى : ( وأولوا ألأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله )(1) على القول بأن التوارث بتلك الطريق هو المقصود بقول الله تعالى : ( والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) (2) فنسخ بقوله تعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) الآية ـ وكذلك على القول بان المراد بالنصيب من الوصية بعد نزول المواريث أو من العون والنصرة .
ثم " ولاء الالتقاط " يرى اسحاق بن راهوية إثباته للملتقط ، ولم يثبته مالك والشافعي وأحمد والجمهور ؛ بل جعلوا ولاءه لبيت مال المسلمين لا للملتقط .
ويظهر من تصرف البخاري في صحيحه تقوية مذهب الجمهور في هذا ؛ فإنه قال : ( باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط ) قال الحافظ : أشار بذلك إلى ترجيح قول الجمهور أن اللقيط حر ، وولاؤه في بيت المال .
والمقصود أن هذا " أنواع الولاء " ويجوز أنتساب المولى بأي واحد منها إلى مولاه .
وأما الأرث به فعلى مابيناه . والله الموفق
( 29 / 7 )
( 2242 ـ ولدته من سفاح ، ثم تزوجت وأرادت هي وزوجها تبنيه ) من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد :
فقد جرى النظر في الأوراق الواردة إلينا رفق خطاب سموكم برقم 15705 وتاريخ 6/8/ 1379هـ المختصة باستفتاء " شركة المحاماة في إنجلترا " عن تبني طفل ودلته امرأة إنجليزية من السفاح ، ثم تزوجت هذه المرأة برجل امريكي يعمل في شركة الزيت بالظهران ، وأنها تريد وإياه تبني الطفل المذكور .
__________
(1) سورة الانفعال ـ أية 75 .
(2) سورة النساء ـ 33 .
والجواب : الحمد لله . أما نسبة الطفل إلى أمه فإنها نسبة صحيحة ثبتت بها الحرمة والمحرمية ، ويترتب عليها أحكام الولاية الشرعية ، والتعصيب ، والارث ، وغير ذلك من أحكام البنوة ، ولايحتاج إلى تبن منها لأنه ابنها حقيقة . وأما زوجها فإن الطفل يكون ربيباً له ـ أي ابن زوجته المدخول بها ـ ويثبت له أحكام الربيب فقط .
وأما " التبني " فقد نسخه الله بعد أن كان معمولا به في الجاهلية وصدر الاسلام بقوله تعالى : ( وما جعل ادعياء ابناءكم )(1) وقوله تعالى : ( أدعوهم لابائهم هو(4/110)
أقسط عند الله )(2) وقوله تعالى : ( ماكان محمد ابا أحد من رجالكم ) فرفع الله تعالى بهذه الآيات جواز التبني ، ومنع من اطلاق لفظه وأرشد إلى الأقساط والأعدل والأولى ، وهو أن ينسب الرجل إلى أبيه ، فإن لم يعلم له أب فهو أخ في الدين ومولى ، وبهذا يظهر بطلان حكم التبني في الاسلام . والسلام عليكم .
( ص / ف 1080 في 23 /8/ 1379هـ )
ـــــــــــــــــــ
تبني اللقيط
المجيب عبد الرحمن بن عبدالله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/ المعاملات/اللقطة و اللقيط
التاريخ 10/9/1424هـ
السؤال
من المعلوم أن التبني والحصول على اسم العائلة المتبناه غير جائز في الإسلام، فما الحكم الخاص باللقيط الذي وجدته عائلة مسلمة؟ عمر البنت 16 سنة والولد 19 سنة.
الجواب
يستحب تربية اللقيط والإحسان إليه وتعليمه لينشأ بإذن الله نشأة صالحة، ولا يضيره ما حصل من أبويه، ولا بأس بتزويج الذكر بالأنثى إذا لم يكن بينهما رضاع، والذي يتولى تزويج البنت هو الحاكم الشرعي لأنه ولي من لا ولي له، ويعتبرون أجانب ممن تولى تربيتهم، وليسوا محارم إذا لم يوجد رضاع، فإن وجد فالرضاع يحرم ما يحرم النسب، ويحسن أن يسمى اللقيط باسم بعيد عن اسم العائلة، حتى لا يظن أنه منهم.
ـــــــــــــــــــ
رضاع الكبير للحاجة!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الرضاع
التاريخ 17/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أردت أن أسأل عن حكم إرضاع الكبير لحاجة، وهي كثرة دخوله البيت للضرورة، وهل يحصل بذلك حرمة الرضاع كما للصغير؟ - وجزاكم الله خيراً-
الجواب
الرضاع المحرم، مص من دون الحولين لبناً ثاب عن حمل خمس رضعات، وعلى هذا فلا يحرم من الرضاع إلا من كان في الحولين، لقوله -تعالى-: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة:233]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان(4/111)
قبل الفطام" رواه الترمذي (1152) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئاً، ا.هـ.
وأما حديث أبي حذيفة -رضي الله عنه - حين تبنى غلاماً يسمى سالماً - رضي الله عنه - فلما صارت امرأته يشق عليها دخول هذا الغلام الذي كبر استفتت النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "أرضعيه تحرمي عليه" رواه البخاري (5088) ومسلم (1453) من حديث عائشة - رضي الله عنها - ، فهذا منسوخ بما تقدم، وقيل: إنه خاص بسالم - رضي الله عنه -، وقيل: إنه عام محكم، وعلى القول بأنه عام محكم، فإنه يكون فيمن يكون حاله كحال سالم - رضي الله عنه -، وهو أمر غير موجود قطعاً؛ لأن الشرع قد أبطل التبني، ولهذا لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء" قالوا: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ولو كان إرضاع الكبير مؤثراً لقال: الحمو ترضعه زوجة أخيه، فلما لم يوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا علم أن إرضاع الكبير بعد إبطال التبني لا يمكن أن يكون له أثر.
ـــــــــــــــــــ
اكتشفت الحقيقة بعد موت متبنيها
المجيب سامي بن محمد الخليل
مدير مركز الدعوة والإرشاد بعنيزة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/أحكام المولود
التاريخ 16/8/1424هـ
السؤال
زوجتي اكتشفت أنها متبناة بعد زواجي منها، وهي أيضاً لم تكن تعلم إلا بعد مطالبتنا بحقها من إرث أبيها. هل لها حق في الإرث مع أنها مسجلة رسمياً؟
الجواب
بالنسبة للسؤال عن التبني فإنه لا يجوز للإنسان أن يتبنى أحداً، بل يجب أن ينسب كل إنسان لأبيه الذي ولد من صلبه، وأيضاً فإنه ليس للابن المُتبَنىَّ حق في أن يرث من التركة شيْئاً، وذلك لأن التبني أولاً محرم ولا يجوز كما سبق، وثانياً لأنه ليس من الورثة.
ـــــــــــــــــــ
إلى من ينسب ابن الزنى؟
المجيب سلمان بن عبدالله المهيني
القاضي بوزارة العدل
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/أحكام المولود
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال(4/112)
تبني ولد الزنا الذي لا يعرف أبوه ولا أمه، وإنما أتى به شخص غريب إلى أسرة لتربيه كيف تصنع هذه الأسرة بنسبه هل تنسبه إليها؟ وكيف تصنع في شهادته المدرسية وأوراقه الرسمية؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن التبني كان جائزاً في أول الإسلام، ثم نزل تحريمه في قول الله -تعالى- : "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم"[الأحزاب: 5] وعليه فلا يجوز لأحد من المسلمين أن ينسب لنفسه من ليس ولداً له، وأما ما يتعلق بدراسة المذكور فإن الجهات الحكومية لابد أن لديها من الأنظمة ما يعالج وضعه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
انتساب التبني
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/أحكام المولود
التاريخ 09/04/1426هـ
السؤال
أخَوان تزوجا أختين، أحدهما أنجبت له زوجته أبناء، والثاني ليس له أبناء، فتبنى من الأول بنتًا وولدًا وكتبهما باسمه، وتوفي الزوج الذي ليس له أبناء. السؤال: ما حل هذه المشكلة؟ هل يرجع الأب بنته وولده باسمه؟ أم ماذا يعمل؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
التبني، وهو نسبة أولاد الغير إلى نفسه، ويعاملهم معاملة الأولاد الحقيقيين، هذا من العادات الجاهلية التي جاء الإسلام بالنهي عنها وإبطالها، فقال الله عز وجل: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ)[الأحزاب: 5].
وجاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنهي عن الانتساب إلى الغير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-، في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، المتفق عليه: "لَا تَرْغَبُوا عَن آبَائِكُمْ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَن أَبِيه فَهُوَ كُفْرٌ". البخاري (6768) ومسلم (62). وقال: "أَيُّمَا امْرَأةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ رَجُلاً لَيْسَ مِنْهم فَلَيْستْ مِن اللهِ في شَيْءٍ، ولَا يُدْخِلُهَا اللهُ جَنَّتَه، وأَيُّمَا رَجُلٍ جحَد ولَدَه، وهُو ينظُرُ إليه، احتَجَب اللهُ -عز وجل- مِنْهُ، وفضَحه عَلَى رُؤوسِ الأَوَّلين والآخِرين يومَ القِيامةِ". أخرجه أبو داود (2263)، وابن ماجة (2743)، والنسائي (3481).
والأحاديث في هذا كثيرة، والتبني باطل، ولا يجوز أن يعامل هؤلاء الذين حصل التبني لهم معاملة الأبناء الحقيقيين، فهم من الناحية الشرعية لا يرثون من هذا الذي تبناهم، وليسوا بمحارم لزوجته، ولا لأولاده، ولا يترتب على هذا التبني أي حكم شرعي، والواجب نسبة هؤلاء الأبناء إلى أبيهم الحقيقي، ولا يجوز لهؤلاء البقاء على هذا الوضع من انتسابهم إلى غير أبيهم. والله أعلم.(4/113)
ـــــــــــــــــــ
تبني الصبي أم كفالته
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/تربية الأولاد
التاريخ 13/3/1425هـ
السؤال
أريد أن أناقش معكم مسألة شرعية: عمتي دفعت ابنتها وهي بعمر يومين؛ إلى زوجة أخيها والذين كانوا وما زالوا بلا أولاد غير هذه البنت المتبناة، هذه البنت وصلت سن البلوغ وهي الآن بحدود 15 سنة من عمرها، الآن عمتي وأبناؤها يريدون استعادة ابنتها (وأختهم)، حيث أن الوالدين بالتبني (زوجة الأخ والأقارب) يسببون المشاكل ليس للفتاة ولكن لعمتي وأولادها، أعتقد أن الإسلام يربط جواز التبني (بدون الانتساب طبعا) بوجود الحاجة مثل تبني "اليتيم" ـ هل هذا صحيح؟ لكن كيف يمنح شخص ابنه لغيره؟ أعلم أن ذلك كان بإرادة حسنة، والآن تم تسجيل البنت بأنها تحت ولاية والديها بالتبني في الأوراق الرسمية، أريد توجيه ونصيحة منكم عن كيفية التعامل في هذه القضية، أرجو تبيين الحكم الشرعي لحل هذه القضية. وإن شاء الله تعود ابنتنا لنا. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإنه لا شك أن تبني الأدعياء من النسب محرم بنص القرآن، كما في الآية الكريمة: "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله..." الآية [الأحزاب:5]، فأمر الله برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم؛ بل توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بكفر من انتسب إلى غير أبيه، فقال: "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر" أخرجاه في الصحيحين، صحيح البخاري(3317)، ومسلم(61) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه- وهذه المسألة لا إشكال فيها لدى السائل كما يبدو من سؤاله.
وأما التبني بغير النسب، كالتبني بالتربية والقيام على المصالح، فهو مندوب إليه للمحتاج، كاليتيم، وفي هذا يقول نبينا - صلى الله عليه وسلم-: "كافل اليتيم له - كجده وعمه- أو لغيره -يعني: أجنبياً عنه- أنا وهو كهاتين في الجنة" رواه مسلم (2983) قال النووي في شرح صحيح مسلم(18/113)، كافل اليتيم: "القائم بأموره من نفقة، وكسوة، وتأديب، وتربية، وغير ذلك.." اهـ.
وسواء كانت التربية والقيام على المصالح بالدعم المالي للجهات المختصة كالدعم للمؤسسات الخيرية القائمة على أمور اليتامى أو كانت بالمخالطة في المسكن والنفقة ونحو ذلك بالضوابط الشرعية، كل هذا مشروع، كما يدل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم" [البقرة:220]، قال ابن كثير في تفسيره(1/455)، تعليقاً على هذه الآية: "أي وإن خلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم، لأنهم إخوانكم في الدين، ولهذا قال تعالى: "والله يعلم المفسد من المصلح" [البقرة:220] أي: يعلم من(4/114)
قصده ونيته الإفساد، أو الإصلاح" ا.هـ، هذا إن كان في المخالطة والقيام بالتربية مصالح راجحة للطفل أو اليتيم.
فإن تساوت المفاسد أو رجحت على المصالح، فإن درء المفاسد عنه مقدم على جلب المصالح له أو لغيره، ومن ذلك ما قامت به تلك الأم أو العمة حيث نظرت إلى مصلحة أخيها العقيم، أو زوجته العاقر، وغفلت عن مصلحة ابنتها، حيث حرمتها من حنان الأم، ورمت بها في حضن امرأة أجنبية عنها، فأرجو أن لا تكون الرحمة قد نزعت من قلب تلك الأم، والواجب أن تعاد تلك البنت فوراً إلى أمها، عسى الله أن يتجاوز عنا وعنها، إنه سميع مجيب. والله -تعالى- أعلم.
ـــــــــــــــــــ
زوجته متبناة من عائلة أخرى
المجيب أ.د. ياسين بن ناصر الخطيب
أستاذ بقسم القضاء في جامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
سؤالي هو أن زوجتي متبناة من عائلة أخرى، ربوها أحسن تربية وعلموها، وأخبروها بعائلتها الحقيقية منذ الصغر، وهي تذهب عندهم إلى يومنا هذا، وأنا كنت أعلم بالخبر حين ذهاب العائلة لخطبتها فهمتهم ماذا أقصد، فما هو وضعي في هذه الحالة؟ وما قول الشرع في هذا؟ أي أن الفتاة أخذتها عائلة أخرى، وغيرت لها اسمها وتبنتها. وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
التبني حرام، وقد كان موجودًا في الجاهلية وحرمه الإسلام، أما وضعك الآن فإذا كان تغيير الاسم فقط من فاطمة إلى عائشة - مثلاً- فهذا لا يضر، وإن كان تغير معه اسم الوالد والوالدة ولقب العائلة، فهذا لا يجوز، ولا بد من إرجاع اسم أبيها الأول واسم أمها الأول، واسم العائلة أو لقب العائلة الأول، قال تعالى: "ادعوهم لآبائهم"، ومن نعم الله -تعالى- عليك أنك تعلم أهلها الأولين، والسبب في هذا هو لأنها لا ترث عائلتها الثانية، ولا يصح أن تختلط بالذكور من عائلتها الثانية، فلا أبوها الذي تبناها أبوها، ولا إخوانها من هذا التبني إخوانها، فهي أجنبية عن عائلتها الثانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من أحكام، وهي بنت عائلتها الأولى، أولادهم إخوانها، وأبوهم أبوها، وأمهم أمها، وهكذا.. وترث من عائلتها الأولى... إلخ، والأفضل أن تزورهم بين الحين والحين ردًا للجميل، أما وضعك أنت كزوج فوضعك معها وضع سليم لا غبار عليه، ما دام قد جرى حسب الشريعة الإسلامية. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم.(4/115)
ـــــــــــــــــــ
التبني والجالية المسلمة في بريطانيا
المجيب سليمان بن عبد الله القصير
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/حقوق المسلم وواجباته
التاريخ 07/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم .
تواجه جاليتنا الإسلامية في بريطانيا مشكلة بخصوص التبني، حيث تقوم بعض الهيئات غير الإسلامية بإحضار أطفال مسلمين للتبني من ذكور وإناث، ويعرضون على جاليتنا تبني هؤلاء الأطفال، لكن الجالية محتارة، كيف تواجه مشكلة المحرمية، حيث سينشأ الطفل عند العائلة المسلمة مع أطفالهم، وعندما يبلغ الطفل يكون بين أفراد عائلة غير محارم له أو لها إن كانت أنثى، وفي نفس الوقت يحرص المسلمون على مساعدة هؤلاء الأطفال لكي يحفظوا لهم دينهم، ولكن في نفس الوقت يريدون أن يحفظوا أهاليهم من المشقة القائمة عندما يسكن بينهم غير محرم لهم. كيف تنصحوننا بمواجهة هذا الأمر؟ علمًا بأن الجالية المسلمة لم تطلب أصلاً إحضار هؤلاء الأطفال، وإذا لم يتبناهم المسلمون فسوف يتبناهم الكفار.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد، وبالله التوفيق:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الواجب على كل مسلم أن يقوم بحق الأخوة الدينية تجاه إخوانه المسلمين، والأدلة على هذا كثيرة ولا تخفى عليكم، ومن أهم ما يجب على المسلم تجاه إخوانه المسلمين أن يقوم بالمحافظة على صغارهم مما يضرهم في دينهم أو دنياهم، وهذا الأمر متأكد الوجوب؛ فلا يمكن أن يقال إنه يسع أحدًا من المسلمين أن يترك الأيتام ونحوهم من اللقطاء من المسلمين لغيرهم من أهل الأديان الأخرى بأية حجة وهو يقدر على القيام برعايتهم .
ولو قُدِّر أن مشكلة المحرمية لا يمكن علاجها فإن الواجب رعاية هؤلاء الأطفال وحفظهم حتى يبلغوا الحلم ، فإنه لا يُتْمَ بعد احتلام . وإذا بلغوا وأصبحوا كبارًا سقط الوجوب عليكم، إذا كانوا ممن يستطيع تصريف أموره بعد البلوغ واستغنى عن معونتكم .
وأما المشكلة المذكورة، وهي المحرمية، فهذه ليست مما يسوغ أبدًا أن يترك هؤلاء الأطفال ليعتني بهم غير المسلمين .
علمًا أن الإسلام لا يحرِّم أن يقيم رجل أو امرأة غير محرم لأهل البيت في بيتهم للحاجة، وإنما المحرَّم الخلوة ، أما إذا كان لا يحصل خلوة، وقد أمنت الفتنة فلا حرج ، وهذا الأمر معروف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجرون يقيمون في بيوت الأنصار وهم ليسوا من(4/116)
محارمهم للحاجة . ولما طُلقت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها اشتكت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا أقارب لها في المدينة؛ فأمرها أن تجلس عند ابن أم مكتوم، وقال : " اعْتَدِّي عِنْدَ ابنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فإنَّهُ رجلٌ أعمَى، فإذا وضَعتِ ثيابَك فلا يَراكِ ". أخرجه مسلم (1480). مع أن ابن أم مكتوم ليس محرمًا لها.
ويمكن تلافي مشكلة المحرمية بعد البلوغ بأن يجعل بيت للذكور وبيت للإناث تحت إشراف الجمعيات الإسلامية عندكم - إذا كانت الأنظمة الحكومية تسمح بهذا- ويجعل هذا البيت تحت إشراف ثقات، ويكملوا عملية التربية، ولا يترك هؤلاء الشباب فرصة لمن يجرهم لما يضرهم في دينهم ودنياهم.
وهناك مخرج شرعي آخر لذلك قد يتيسر في بعض الأحوال، وهو الإرضاع في الحولين فإذا أرضعت المرأة هذا الطفل المراد رعايته صار ابنا لها من الرضاعة، وأخًا لبناتها وزالت مشكلة المحرمية. والله أعلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــــ
لا ننجب ونرغب في التبني!
المجيب د. عبد الله بن المحفوظ بن بيه
وزير العدل في موريتانيا سابقاً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 23/04/1427هـ
السؤال
أنا مقيم في فرنسا ومتزوّج من امرأة فرنسيّة مسلمة إلا أنها لا تنجب، ونريد أن نتبنى ولدًا، ليعوضنا عن ألم عدم الإنجاب، مع العلم أن إدخال الأطفال إلى فرنسا لهذا الغرض غير ممكن، فهل يجوز لنا أن نأخذ ولدا هنا من فرنسا ونتبنّاه ونسمّيه باسمنا ويكون ذلك بمعرفة أهلنا، وبمعرفة الولد نفسه أنّه ليس من صلبنا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنأسف لحال هذا السائل، ونعلمه أن التبني حرام بنص القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [الأحزاب:5] وقال سبحانه وتعالى: (وما جعل أدعياء كم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) [الأحزاب:4]. فالتبني كان مؤسسة جاهلية نسخت بالإسلام، وذلك لما يؤدي إليه التبني من اختلاط في الأنساب وانتشار لكثير من المفاسد، بالإضافة إلى إنشاء رابطة نسب لا يمكن إنشاؤها إلا من قبل الشارع الذي حدد وسائل النسب، ووسائل القربى، وعرف المقاصد.
فأنا أدعو السائل إلى أن يوطن نفسه، وزوجته، على الاستسلام لأمر الشرع الذي لا خلاف فيه، فإن الإسلام هو الاستسلام، (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) [البقرة:131]. وأنبه إلى أن الكفالة الشرعية فيها مَخْلَص له ولأهله بضوابطها ويمكن أن يوصي للمكفول بجزء من ثروته، وأن يعامله كمكفول وليس كولد، يعامله بالإحسان والبر، ينفق عليه، يربيه، ينشئه تنشئة طيبة، كل هذا فيه(4/117)
غنىً للسائل ولأهله عن التبني الذي هو محظور شرعاً، وبشكل لا رجعة فيه. والله أعلم.
ـــــــــــــــــــ
ص 127 الشبهات التي أثيرت حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بعد أن طلقها زيد رضي الله عنه
س ما هي قصة زيد بن حارثة وزواجه من زينب التي تزوجها بعده النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف بدأ زواجهما وكيف انتهى ؟ حيث أننا سمعنا من بعض الناس في بعض الدول العربية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عشق زينب وغير ذلك ، ولا تسمح نفسي بأن أكتب لكم ما سمعت ، فأفيدوني ؟
ج زيد هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أعتقه وتبنَّاه فكان يُدعى زيد بن محمد ، حتى أنزل الله قوله { ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ } . فدَعوه زيد بن حارثة .. أما زينب فهي بنت جحش بن رباب الأسدية ، وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما قصة زواج زيد بزينب فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي تولى ذلك له ، لكونه مولاه ومُتبنّاه فخطبها من نفسها على زيد ، فاستنكفت وقالت أنا خير منه حسبًا ، فروي أن الله أنزل في ذلك قوله { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } . فاستجابت طاعة لله وتحقيقًا لرغبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد عاشت مع زيد حوالي سنة ، ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته ، فاشتكاها زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمكانتهما منه ، فإنه مولاه ومتبناه وزينب بنت عمته أميمة ، وكأن زيدًا عرّض بطلاقها فأمرهالنبي صلى الله عليه وسلم بإمسكاها والصبر عليها مع علمه صلى الله عليه وسلم ، بوحي من الله أنه سيطلقها وستكون زوجة له صلى الله عليه وسلم ، لكنه خشي أن يُعيّره الناس بأنه تزوج امرأة ابنه ، وكان ذلك ممنوعا في الجاهلية ، فعاتب الله نبيه في ذلك بقوله { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } . يعني - والله أعلم - تخفي في نفسك ما أعلمك الله بوقوعه من طلاق زيد لزوجته زينب وتزوجك إياها ، تنفيذًا لأمره تعالى وتحقيقًا لحكمته ، وتخشى قالةَ الناس وتعييرهم إياك بذلك ، والله أحق أن تخشاه
فتُعلن ما أوحاه إليك من تفصيل أمرك وأمر زيد وزوجته زينب ، دون مبالاة بقالة الناس وتعييرهم إياك .
أما زواج النبي صلى الله عليه وسلم ، زينب ، فقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد انتهاء عدتها من طلاق زيد ، وزوّجه الله إياها بلا ولي ولا شهود فإنه صلى الله عليه وسلم ، وليّ المؤمنين جميعًا ، بل أولى بهم من أنفسهم ، قال الله تعالى { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } . وأبطل الله بذلك عادة التبنّي الجاهلي وأحلَّ للمسلمين أن يتزوجوا زوجات مَن تبنوه بعد فراقهم إياهن بموت أو طلاق ، رحمة منه تعالى بالمؤمنين ورفعًا للحرج عنهم . وأما ما يُروى في ذلك من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، زينب من وراء الستار وأنها وقعت من قلبه موقعًا بليغًا ففُتن(4/118)
بها وعشقها ، وعلم بذلك زيد فكرهها وآثر النبي صلى الله عليه وسلم بها فطلقها ليتزوجها بعده ، فكله لم يثبت من طريق صحيح ، والأنبياء أعظم شأنا وأعف نفسًا وأكرم أخلاقًا وأعلى منزلة وشرفًا من أن يحصل منهم شيء من ذلك ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خطبها لزيد رضي الله عنه وهي ابنة عمته ، فلو كانت نفسه متعلقة بها لاستأثر بها من أول الأمر ، وخاصة أنها استنكفت أن تتزوج زيدًا ولم ترض به حتى نزلت الآية فرضيت ، وإنما هذا قضاء من الله وتدبير منه سبحانه لإبطال عاداتٍ جاهلية ، ولرحمة الناس والتخفيف عنهم كما قال تعالى { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا . مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ
وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا . مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
ـــــــــــــــــــ
التبني وأحكامه
س - الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه وبعد
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء المقدم من السكرتير التنفيذي لمجلس البنجاب لرفاهية الطفل إلى صاحب الفضيلة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ، والمحال إليها من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 86 2 وتاريخ 15 1 1392هـ والذي يطلب تزويده بالأنظمة والقواعد المتعلقة بأحقية الطفل المتبني في الوراثة ؟
ج- وأجابت بما يلي
1- كان التبني معروفاً أيام الجاهلية قبل رسالة نبينا محمد ، - صلى الله عليه وسلم - ، وكان من تبنى غير ولده ينسب إليه ويرثه ويخلو بزوجته وبناته ، ويحرم على المتبنى زوجة متبناه ، وبالجملة كان شأن الولد المتبنى شأن الولد الحقيقي في جميع الأمور ، وقد تبنى النبي ، - صلى الله عليه وسلم -، زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي قبل الرسالة فكان يدعى زيد بن محمد ، واستمر العمل بالتبني على ما كان عليه زمن الجاهلية إلى السنة الثالثة أو الخامسة من الهجرة .
2- ثم أمر الله بنسبة الأولاد المتبين إلى آبائهم الذين تولدوا من أصلابهم إن كانوا معروفين ، فإن لم يعرف آباؤهم الذين هم من أصلابهم فهم أخوة في الدين ، وموال لمن تبناهم ولغيرهم ، وحرم سبحانه أن ينسب الولد إلى ما تبناه نسبة حقيقة بل حرم على الولد نفسه أن ينتسب إلى غير أبيه الحقيقي إلا إذا سبق هذا إلى اللسان خطأ فلا حرج فيه ، وبين سبحانه أن هذا الحكم هو محض العدالة لما فيه من الصدق في القول ، وحفظ الأنساب والأعراض ، وحفظ الحقوق المالية لمن هو أولى بها ، قال تعالى { وما جعل أدعياءكم أبناءكم ، ذلك قولكم بأفواهم والله يقول الحق وهو يهدي(4/119)
إلى السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيما } وقال صلى الله عليه وسلم { من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة } رواه أبو داود .
3- وبقضائه سبحانه وتعالى على التبني { أي البنوة الادعائية التي لا حقيقة لها } قضى على ما كان له من أحكام زمن الجاهلية ، واستمرت في صدر الإسلام .
أ ) فقضى على التوارث بين المتبني ومتبناه بهذه البنوة التي لا حقيقة لها . وجعل لكل منهما أن يبر الآخر في حياته بالمعروف ، وأن يبره بوصية يستحقها بعد وفاة الموصى على ألا تتجاوز ثلث مال الموصي ، وبينت الشريعة أحكام الموارث ومستحقيها تفصيلاً ، وليس المتبني ولا متبناه من بين المستحقين للإرث في هذا التفاصيل ، وبين تعالى إجمالاً أيضاً المواريث البر والمعروف فقال تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ، ألا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً } .
ب) وأباح الله للمتبني أن يتزوج زوجة متبناه بعد فراقه إياها ، وقد كان محرما في زمن الجاهلية وبدأ في ذلك برسوله ، - صلى الله عليه وسلم - ، ليكون أقوى في الحل ، وأشد في القضاء على عادة أهل الجاهلية في تحريم ذلك قال تعالى { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ، وكان أمر الله مفعولا } فتزوج النبي ، - صلى الله عليه وسلم -، زينب بنت جحش بأمر الله بعد أن طلقها زوجها .
4- تبين مما تقدم أن القضاء على التبني ليس معناه القضاء على المعاني الإنسانية والحقوق الإسلامية من الإخاه والوداد والصلات والإحسان وكل ما يتصل بمعاني الأمور ويوحي بفعل المعروف .
أ ) فللإنسان أن ينادى من هو أصغر بقول يا بني على سبيل التلطف معه ، والعطف عليه وإشعاره بالحنان ليأنس به ويسمع نصحيته أو يقضي له حاجته ، وله أن يدعو من هو أكبر منه سنا بقوله يا أبي تكريما له واستعطافا لينال بره ونصحه وليكون عونا له وليسود الأدب في المجتمع وتقوي الروابط بين أفراده وليحس الجميع بالأخوة الصادقة في الدين .
ب) لقد حثت الشريعة على التعاون على البر والتقوى وندبت الناس جميعاً إلى الوداد والإحسان قال الله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وقال ، - صلى الله عليه وسلم - ، { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } رواه أحمد ومسلم وقال { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا } رواه البخاري ومسلم الترمذي والنسائي ، ومن ذلك - تولى اليتامي والمساكين والعجزة عن المكسب لا يعرف لهم آباء بالقيام عليهم وتربيتهم والإحسان إليهم حتى لا يكون في المجتمع بائس ولا مهمل خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته أو تمرده لما أحس به من قسوة المجتمع عليه وإهماله ، وعلى الحكومات الإسلامية إنشاء دور للعجزة واليتامي واللقطاء ومن لا عائل له ومن حكمهم فإن لم يفت بيت المال(4/120)
بحاجةن أولئك استعانت بالموسرين من الأمة قال ، - صلى الله عليه وسلم -، { أيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، وإن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه } رواه البخاري . وعلى هذا حصل التوقيع وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة
ـــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 2275)
«أنواع الانتساب»
«أ - الانتساب للأبوين»
2 - ويكون بالبنوّة أو التّبنّي.
فإذا كان بالبنوّة فحكمه الوجوب عند الصّدق ، والحرمة عند الكذب ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أيّما امرأةٍ أدخلت على قومٍ من ليس منهم ، فليست من اللّه في شيءٍ ، ولن يدخلها اللّه جنّته ، وأيّما رجلٍ جحد ولده ، وهو ينظر إليه احتجب اللّه منه يوم القيامة ، وفضحه على رءوس الأوّلين والآخرين » .
وإذا كان بالتّبنّي - فحكمه الحرمة لقوله تعالى «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللّه ، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم» « ر : نسب ، وتبنّي »
ـــــــــــــــــــ
تبنّي
التّعريف
1 - التّبنّي: اتّخاذ الشّخص ولد غيره ابناً له ، وكان الرّجل في الجاهليّة يتبنّى الرّجل ، فيجعله كالابن المولود له ، ويدعوه إليه النّاس ، ويرث ميراث الأولاد.
وغلب في استعمال العرب لفظ « ادّعاء » على التّبنّي ، إذا جاء في مثل « ادّعى فلان فلاناً » ومنه « الدّعيّ » وهو المتبنّي ، قال اللّه تعالى: «وما جَعَلَ أَدْعِيَاءَكم أبناءَكم» .
ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ التّبنّي عن المعنى اللّغويّ.
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الاستلحاق»
2 - ألحق القائف الولد بأبيه: أخبر أنّه ابنه لشبه بينهما يظهر له ، واستلحقت الشّيء ادّعيته ، وفي القاموس: استلحق فلاناً: ادّعاه ، والاستلحاق يختصّ بالأب وحده ، وهو الإقرار بالنّسب عند الحنفيّة ، ولا يقع الاستلحاق إلاّ على مجهول النّسب.
فالاستلحاق لا يكون إلاّ بالنّسبة لمجهول النّسب ، في حين أنّ التّبنّي يكون بالنّسبة لكلّ من مجهول النّسب ومعلوم النّسب ، وتفصيل ذلك في مصطلح: « استلحاق » .
«ب - البنوّة»
3 - الابن: الذّكر من الأولاد ، والاسم: البنوّة.
وفي اصطلاح الفقهاء: يطلق الابن على الابن الصّلبيّ من نسب حقيقيّ ، فتكون البنوّة من نسب أصليّ ، ويطلق الابن على ابن الابن وإن نزل مجازاً.(4/121)
فالفرق بين البنوّة والتّبنّي: أنّ البنوّة ترجع إلى النّسب الأصليّ ، أمّا التّبنّي فهو ادّعاء الرّجل أو المرأة من ليس ولداً لهما.
وتفصيل ذلك في مصطلح: « بنوّة » .
«ج - الإقرار بالنّسب»
4 - إقرار الأب أو الأمّ بالبنوّة دون ذكر السّبب مع عدم إلحاق الضّرر أو العار بالولد ، هو الإقرار بالنّسب المباشر.
فالإقرار تصحيح للنّسب بعد أن كان مجهولاً.
أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب ومعلومه ، والتّبنّي قد أبطله الإسلام ، أمّا الإقرار بالنّسب فقائم ولا يصحّ الرّجوع فيه ، ولا يجوز نفيه بعد صدوره.
انظر مصطلح: « إقرار » .
«د - اللّقيط»
5 - ادّعاء اللّقيط شكل من أشكال الإقرار بالنّسب ، واللّقيط هو الصّغير الّذي وجد في مكان يصعب فيه التّعرّف على أبويه.
أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب كما يكون لمعلوم النّسب ، وادّعاء اللّقيط في الحقيقة ردّ إلى نسب حقيقيّ في الظّاهر ، ولا يحمل التّبنّي هذا المعنى.
الحكم التّكليفيّ
6 - حرّم الإسلام التّبنّي ، وأبطل كلّ آثاره ، وذلك بقوله تعالى: «وما جعل أدعياءَكم أبناءَكم ذلكم قولُكم بأفواهِكم واللّهُ يقولُ الحقَّ وهو يهدي السّبيلَ» ، وقوله تعالى: «ادْعوهم لآبائِهم» .
وقد كان التّبنّي معروفاً عند العرب في الجاهليّة وبعد الإسلام ، فكان الرّجل في الجاهليّة إذا أعجبه من الرّجل جلده وظرفه ضمّه إلى نفسه ، وجعل له نصيب ابن من أولاده في الميراث ، وكان ينسب إليه فيقال: فلان بن فلان.
وقد " تبنّى الرّسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة قبل أن يشرّفه اللّه بالرّسالة ، وكان يدعى زيد بن محمّد ، واستمرّ الأمر على ذلك إلى أن نزل قول اللّه تعالى: «وما جعل أدعياءكم أبناءكم» إلى قوله: «وكان اللّه غفوراً رحيماً» وبذلك أبطل اللّه نظام التّبنّي " ، وأمر من تبنّى أحداً ألاّ ينسبه إلى نفسه ، وإنّما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف ، فإن جهل أبوه دعي « مولًى » « وأخاً في الدّين » وبذلك منع النّاس من تغيير الحقائق ، وصينت حقوق الورثة من الضّياع أو الانتقاص.
ـــــــــــــــــــ
فتاوى الزحيلي - (ج 1 / ص 99)
حكم التبني وأبعاده الإنسانية والاجتماعية
ندوة في مسجد الدعوة - باريس
مع حضور بعض المستشرقين وأساتذة الجامعة في ليون
يوم السبت 28/4/2001
كان المجتمع العربي في الجاهلية قبل الإسلام كغيره من المجتمعات الأخرى غير العربية من رومان ويونان في الماضي، وأمم وشعوب في الوقت الحاضر، يسير على منهج عقلاني، ومزاج ذاتي، وتصورات ضيقة الأفق، مما أدى إلى وجود(4/122)
عادات وتقاليد موروثة تتعارض مع أصول الأخلاق القويمة، وسلامة المجتمع، ووحدة الأسرة وانسجامها. وكان التبني: وهو اتخاذ ابن أو بنت الآخرين بمثابة الابن أو البنت من النسب الصحيح والأصيل، هو أحد هذه العادات الشائعة، إما للتجاوب مع النزعة الفطرية في حبّ الأولاد حال العقم أو اليأس من الإنجاب، وإما لاستلطاف أو استحسان ولد أو بنت لآخر، فيجعل الولد متبنى، مع العلم بأنه ولد الأب الآخر الحقيقي، وليس ولداً للمتنبي في الحقيقية، وربما كان سبب التبني أو الباعث عليه رعاية ولد لقيط أو مفقود أو مجهول النسب، أو لا عائل ولا مربي له، فيكون تبنيه حفاظاً عليه من الضياع أو الموت والهلاك. وقد يكون التبني نابعاً من حب الرفعة والانضمام لنسب والد مرموق في المجتمع، أو شريف الأصل، أو ذي عزة وجاه وشرف كبير بين فئات المجتمع، وقد يكون هناك حالة من الفقر المدقع، أو حب الذات، أو التخلف أو انعدام عاطفة الرحمة الأبوية أو عاطفة الأمومة، هي السبب في التخلي عن الولد بالبيع أو الهبة أو الترك والإهمال، فيتلقفه الآخرون، ويضم إلى أسرة غريبة عنه في الدم والأصل والبيئة والأعراف، كما نسمع ونشاهد اليوم، ولاسيما في شاشات الإنترنيت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، من إقدام أمّ على التنازل عن ولدها أو ولديها فأكثر، لقاء مبلغ من المال، وهذا لون من الرق والاستعباد الباقي في الأوساط المعاصرة والحضارة الحديثة في العالم غير الإسلامي.
وإذا اتفق العالم المعاصر على تحريم الاسترقاق بدءاً من معاهدة إلغاء الرق في العالم سنة 1952م فينبغي الاتفاق أيضاً على إلغاء التبني الذي هو صورة أخرى أو مظهر شاذ من صور أو مظاهر الجور ومصادمة الطبيعة البشرية السوية التي تتطلب نسبة كل ولد لأبيه وأمه الحقيقيين، لا إلى الأب المتبني، ووجه الربط بين التبني والاسترقاق واضح، وهو أن المتبني يملك المتبنى.
وقد ظل العمل بالتبني بين العرب في الجاهلية بعد ظهور الإسلام الذي لم تتقرر فيه أحكام التشريع الإلهية دفعة واحدة، وإنما على منهج التدرّج والتربية شيئاً فشيئاً، فكان العربي في تلك الفترة الجاهلية إذا أعجبه من الفتى قوته ووسامته (أو جَلَده وظَرْفه) ضمه إلى نفسه، وجعل له نصيب أحد من أولاده في الميراث، وكان ينسب إليه، فيقال: فلان بن فلان.
وتمشياً مع هذه الظاهرة تبنى محمد بن عبد الله r قبل أن يصبح رسولاً برسالة إلهية شاباً من سبايا بلاد الشام، سباه رجل من تهامة، فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد، ثم وهبه لعمته خديجة زوجة النبي r الأولى، ثم وهبته للنبي، فأعتقه وتبناه، وهو زيد بن حارثة الذي آثر البقاء مع النبي r على هذا النحو، على العودة لأهله وقومه في بلاد الشام، وحينما تبنّاه النبي r قال: ((يامعشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه)). هذا الوضع المتعلق بالتبني كشأن كثير من الأوضاع والمسائل التي ظلت سائدة في فترة زمنية مؤقتة بعد ظهور الإسلام، مثل الخمر والربا وبعض العادات الجاهلية، وكان زيد هذا يدعى ((زيد بن محمد)) ثم حرّم الإسلام التبني تحريماً صريحاً، لأن رسالة الإسلام والقرآن الإصلاحية كانت تعالج أوضاع المجتمع(4/123)
العربي الجاهلي تدريجاً، فقال النبي r: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) أو ((صالح الأخلاق))(1).
وكان تحريم النبي بنصوص آيات ثلاث هي:
گ {وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ(1) أَبْناءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 33/4].
گ {ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ(2) وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ(3) فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب: 33/5].
گ {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب: 33/40] أي ليس محمد بأب حقيقي لأحد من رجالكم، وليس هو بأب فعلي لزيد بن حارثة، حتى تحرم عليه زوجته، فصار زيد يدعى ((زيد بن حارثة)) وهو النسب لأبيه الحقيقي بعد أن كان يدعى ((زيد بن محمد)) وبالتالي كانت عادة الجاهلية تقضي بتحريم زواج المتنبي من زوجة الابن المتبنى بعد طلاقها.
وجاء في السنة النبوية الصحيحة ما يدل على منع الإنسان من انتمائه أو انتسابه إلى غير أبيه الحقيقي، قال النبي r: ((من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم، فالجنة عليه حرام))(4) ، وفي حديث آخر: ((من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة))(5) .
لقد أبطل الإسلام عادة التبني التي كانت شائعة في الجاهلية العربية وفي العالم القديم والمعاصر الآن، وأمر ألا ينسب الولد إلا إلى أبيه الحقيقي، ولاينسبه نسبة الدم والولادة إلى نفسه، هذا إن كان للولد أب معروف، فإن جهل أبوه دعي ((مولى)) أي نصيراً، و((أخاً في الدين)) وهذا نسب إلى الأسرة الإسلامية الكبرى القائم نظامها على أساس متين من الأخوة والتعاون والود والتراحم، والحرص على عدم الضياع والتشرد.
والحكمة في إبطال نظام التبني في الإسلام تظهر فيما يأتي:
1- إن روابط الأسرة الصغرى في الإسلام من الأبوين والأولاد تعتمد على رابطة الدم الواحد والأصل المشترك، وهي رابطة أو علاقة ((الرحم المحرم)) لذا حرَّم الإسلام التزاوج بين الأقارب المحارم حفاظاً على سمو العلاقة وقطع الأطماع في علاقة زوجية تقوم أساساً على الاستمتاع الجسدي وإفراغ الشهوة، وتبادل المصالح المادية أو الإنسانية، وقد تؤدي هذه المصالح إلى تصادم في الرغبات والأهواء والشهوات، فإذا وجدت بين الأرحام كانت سبباً في القطيعة، والنزاع والخصام، والسب والشتم والنفور، وفي الجملة: إن نظام التبني يتعارض مع حقائق وأصول الشرع الإلهي والأخلاق القويمة والولد المتبنى غريب عن هذه الأسرة، فلايكون له حكم قرابة الأرحام.
2- إن الإسلام يقوم في جميع علاقاته الاجتماعية على أساس من الحق والعدل ورعاية الحقيقة، وهذا يقتضي نسبة الولد إلى أبيه الحقيقي، لا لأبيه المزعوم أو المزوَّر، والحق أحق أن يتبع ويحترم.(4/124)
3- إن نظام الإرث في الإسلام مقصور على القرابة القريبة، لا البعيدة نسبياً، ومن باب أولى حال عدم وجود القرابة، والولد المتبنَّى ليس له أية قرابة بالأسرة الصغرى، فكيف يحق له أن يرث فيما لو أجيز نظام التبني؟ إن صون حقوق الأقارب الورثة هو الواجب المتعين، فلابد من الحفاظ على حقوقهم من الضياع أو الانتقاص فيما لو تسرب جزء من التركة أو قرر لغيرهم من الأجانب عن الأسرة الصغيرة حق في الميراث.
4- التبني مجرد تحقيق نسب مزعوم أو قول باللسان، لا أساس له من شرع أو منطق أو حكمة ثابتة، وحينئذ لاتكون نسبة الولد إلى غير أبيه الصحيح نسبة صحيحة، وإنما هي مزورة، ولاتكون زوجة الولد المتبنى إذا طلقها مثلاً حراماً على الوالد المتبني، والواجب دعوة الولد لأبيه الحقيقي صاحب الحق في النسب، لا من طرق التبني، والله تعالى إنما يشرع ويقول الحق، وهو يهدي البشرية إلى سواء السبيل ومنهج الأصالة والعدل، فيجب إبطال تلك العادة غير القائمة على أسس صحيحة، ونسبة الولد إلى أبيه المعروف، وهو معنى قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أي أحق وأعدل.
5- إن الولد المتبنى غريب عن الأسرة الصغيرة، ذكراً كان أو أنثى، فلاينسجم معها في خلق ولا دين، فإذا كان الولد أنثى، اطلع الرجل على جسدها، وهذا ممنوع شرعاً وربما تورط في الاتصال الجنسي بها، لأنه في قرارة نفسه يعتقد أنها غريبة أو أجنبية عنه، وإذا كان الولد ذكراً ربما اعتدى على زوجة الولد المتبني، أو على ابنته أو أخته، لأنه لابد من أن يعرف يوماً ما أنه غريب عن هذه الأسرة، سواء في الحاضر أو المستقبل، وبخاصة في عهد الشباب، وقد يكون الاعتداء جريمة قتل أو جرح أو سلب مال حينما يدرك الولد المتبنى أنه ليس ابناً حقيقياً لمن تبناه، وهذه مفاسد ومنكرات جنّب (باعد) الإسلام عنها.
6- من حق الوالد إليه، لا إلى غيره، فيكون التبني ظلماً للوالد الحقيقي وإهداراً لمعنوياته ومساساً بكرامته وحقوقه.
7- التجانس الاجتماعي في العادات والتقاليد بين أفراد الأسرة الواحدة أساس في استقرار الأسرة، وطمأنينتها، وتبادل عاطفة المحبة السامية غير النفعية فيما بين الكبار والصغار فيها.
والتناغم الثقافي والمعرفي الممتد تلقائياً في أجواء الأسرة الواحدة يساهم مساهمة فعالة في تماسك البنية المعرفية للثقافة الواحدة، والانتماء العقدي، وتطبيق شرعة الدين الواحد للأسرة، ومعطياتها المتنوعة من موروثات عريقة قادرة على مواكبة العصر، واستمرار الحياة الآمنة المطمئنة، في إطار من الحفاظ على خصوصية الهوية وتفرد شعار ورموز الشخصية الذاتية.
وإذا تحقق الانسجام العاطفي والمعرفي، وتوحدت المصلحة، ساعد كل ذلك على بناء مجتمع متماسك، لايعكر صفوه لون غريب، أو شخص بعيد، تختلف فطرته ومشاعره وطموحاته عن ثوابت الأسرة الواحدة.
والاستظلال بمظلة المبدأ الواحد، والمنشأ الواحد، يساعد في الغالب على تكوين مجتمع قوي منسجم، يمارس نشاطه الأسري والاجتماعي من خلال وحدة المنطلق،(4/125)
ووحدة الغاية، والولد المتبنَّى غريب عن هذه الأسرة في طبعه وميوله، ومشاعره ومبادئه، وعقيدته في الحياة، وتطلعاته في المستقبل، مما يعكر صلته بالتأكيد مع أسرة تختلف عنه في كل ذلك، ويؤدي إلى هزّ كيان هذا المجتمع الصغير، ويشكك في صدق الانتماء إليه، ويخل بمقتضيات الثقة ووحدة العلاقة.
8- تختلف مقومات فلسفة الأسرة في الإسلام عن غيرها من الأسر التي لاتأبه عادة بالأخلاق والقيم، ورعاية مقررات الحلال والحرام، والحفاظ على العرض، وخلق الحياء، ونقاء الأصل والفرع، ووحدة الأصل والدم. وهذا يتنافى مع نظام التبني الذي يعكّر صفو كل هذه المعاني، مما يجعل التبني مفسدة أو مضرة اجتماعية، وفي غير مصلحة الإنسان نفسه، سواء المتبني أو المتبنَّى.
أما ظروف اللقيط أو مجهول النسب أو المتشرد فقد تستدعي من الناحية الإنسانية ضرورة الحفاظ على وجوده، ومعاملته معاملة كريمة تقوم على الود والرحمة، وحفظ أخ في الإنسانية من الضياع. وهذا الملحظ سليم نقره ولانتصادم معه، بل يجب التوصل إلى حلّ عاجل له.
وهذا الحل ليس كما يظن من طريق التبني في الماضي والحاضر، وإنما يتم من طريق آخر، وهو ((التربية)) والمعاونة، لحاجة من ليس له عائل أو مربّ يريبه، ويرشده ويعلمه، ويصونه ويحفظه من عاديات الزمان، ويحميه من ألم الفقر والحاجة، ويرعى ضعفه وغربته عن المجتمع.
والإسلام يحض على الإحسان في أوسع نطاق، ويوجب إنقاذ النفس الإنسانية من التعرض للهلاك أو الموت، ويفرض إحياء الإنسان، كما جاء في آية كريمة: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلَى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً..} [المائدة: 5/32].
فإذا وجد طفل في ساحة أو لقيط في أرض عامة، أو ولد في مشفى ماتت أمه أثناء ولادته، أو كان حمله بطريق غير شرعي، وليس له أب يعوله ويربيه وينفق عليه، وجب على الدولة توفير سبل الحماية والحفظ له. وإذا لم تقم الدولة بهذا الواجب، وجب على المجتمع من طريق أحد أبنائه المبادرة لرعاية هذا المولود، وهو عمل إنساني كريم.
ويتم ذلك من طريق التربية والتطوع بالنفقة والإيواء والتربية والإرشاد والتعلم أو التوجه لحرفة أو صناعة تمكِّنه في حياته من العيش مما تدرّ عليه من خير أو كسب مادي لائق به، هذا فضلاً عن وجود الثواب الإلهي العظيم على هذا العمل المبرور.
فإذا ما بلغ هذا الولد، وأمكنه الاعتماد على نفسه في تحقيق وسيلة عيشه، وجب في أصول الأحكام الإسلامية عزله عن الأسرة التي تربى هذا الصغير في كنفها، ولايهمل بحال من الأحول، ويكون الإنفاق عليه والتطوع في تربيته عملاً إنسانياً كريماً، يستحق التقدير والشكر عليه من الله تعالى ومن الناس، ويمكن رفده بمال عن طريق الوصية، دون إخلال بنظام الميراث، وإثارة أحقاد وكراهية بقية الورثة.
وفي حال جهالة الأب يمكن تسجيله في سجلات دوائر النفوس المدنية باسم مستعار، ولقب أسرة مستعارة، مثل عبد الله الصالح أو النجار أو الصباغ ونحو ذلك، حتى(4/126)
لاتتعقد نفسيته، ويضمر السوء والحقد على مجتمعه، أو يتحول إلى جان أو مجرم أو سفاح، وهذه نظرة رحيمة متعينة، تقتضيها ظروف الأخوة الإنسانية.
صحيح أن الولد المتبنى من الأفضل له أن يكون في مظلة أسرة، من أن يكون في ملجأ أو دار مخصصة لأمثاله، ولكنا نقول: إن جعله في مظلة أسرة لايتعين أن يكون ذلك تحت نظام التبني، وإنما يمكن تحقيق الغاية من طريق التربية كما ذكرت والتآخي والتكافل والتعاون والحفاظ عليه من الضياع والتشرد إلى البلوغ، فهو أخ لا ابن، كما أن هذا النظام يحفظ للولد كرامة الإنسان وحقه في المساواة مع غيره، وإن وجدت ظاهرة الحماية له، فالظاهر يصادم الحقيقة والواقع.
ثم إن نقل الولد إلى مجتمع آخر أو دولة أخرى أو أسرة لاتتفق مع عقيدة الولد ودينه، يقطع عليه أصول تكوينه وبيئته، ولاينسجم نفسياً واجتماعياً في عيشه في بيئة غريبة عنه وعن جذوره وأسرته.
وكذلك في القوانين الوضعية ينبغي منع التبني، عملاً بأصولها وقواعدها، التي تجرِّم الكذب والسرقة والتزوير، والتبني كذب وسرقة وتزوير للحقيقة.
وفي الجملة: ليس التبني هو الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة الطفل المنبوذ ونحوه، وإنما تحل مشكلته من طريق الكفالة والحضانة والتربية، ويعد الرضاع من أخت أو خالة للمرأة مثلاً حلاً لبعض مشكلات هذا الطفل، وإذا كنا صادقين فعلينا مساعدة الأسرة مادياً ومعنوياً لتقوم بحق رعاية الطفل وحضانته، دون إلجاء إلى التبني الذي هو محض الجور وبتر لنسب الولد من أبيه المعروف، فإن لم يعرف فهو أخ كريم.
---------------
(1) رواه البخاري في الأدب المفرد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(1) أدعياءكم: جمع دعي: وهو من يدعي لغير أبيه على أنه ابنه، وهو في الواقع ابن غيره.
(2) مواليكم: أي مناصروكم وأبناء عمومتكم.
(3) جناح: أي إثم أو ذنب.
(4) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم في صحيحهما عن أبي هريرة.
(5) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة.
ـــــــــــــــــــ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 311)
أما التبني فهو استلحاق شخص ولداً معروف النسب لغيره أو مجهول النسب كاللقيط ويصرح أنه يتخذه ولداً له مع كونه ليس ولداً له في الحقيقة.
وهذا النوع هو الذي كان في الجاهلية، وقد كانوا يجعلونه كالابن الحقيقي يأخذ أحكامه من النفقة والميراث وتحريم زوجته على متبنيه.
فلما جاء الإسلام أبطله وبين أنه مجرد دعوى لا أساس لها يقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ *(4/127)
ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 4، 5].
ومع أن هذا التبني كذب وافتراء على الله والناس كما صرح القرآن بذلك يؤدي إلى مفاسد كثيرة.
منها: أنه يأتي بشخص أجنبي يعيش مع أجنبيات عنه لا تربطه بهم رابطة مشروعة، فيطلع منهن على ما حرم الله الاطلاع عليه ويحرم عليه الزواج منهن مع أنهن محللات له.
ومنها: أنه يحمل الأقارب واجبات تترتب على ذلك فتجب نفقة ذلك المتبنى عليهم إن كان محتاجاً إليها، ويشاركهم الميراث فيحرمهم من بعض ما يستحقونه منه.
وقد يستعمل وسيلة للحرمان منه، بأن يعمد الرجل صاحب المال فيتبنى ابناً ليرث ماله ويحرم منه أصحاب الحق في الميراث بشرع الله من أخوة وأخوات فيغرس بذلك بذور الشقاق والحقد بين الأسر، ويفككها ويقطع حبل المودة بين أفرادها.
ولو لم يكن في التبني من هذه المفاسد إلا إحداها لكان خليقاً بالإلغاء والإهدار.
وإذا كان الشارع قد حرم التبني لما فيه من المفاسد وأغلق بابه فلم يغلق باب الإحسان بل فتحه على مصراعيه، وجعل للشخص إذا وجد طفلاً بائساً محروماً ممن يقوم بشأنه ويتولاه برعايته أن يأخذه ليربيه وينفق عليه ليمسح بيده الرحيمة عن هذا المخلوق آثار البؤس والفاقة، كما لم يمنعه من أن يهبه بعض ماله أو يوصي له ببعضه إذا لم يبلغ الغاية من التربية دون أن يلحقه بالنسب إليه، ودون أن يجوز بفعله على حقوق أبنائه أو أقاربه.
ـــــــــــــــــــ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 314)
اللقيط وأحكامه:
اللقيط: مولود حيّ نبذه أهله لسبب من الأسباب، كخوف العيلة أو الفرار من تهمة الزنا أو ما شاكل ذلك.
حكم التقاطه: والتقاط اللقيط مندوب إليه شرعاً يثاب فاعله إذا وجد في مكان لا يغلب على الظن هلاكه لو ترك، فإن غلب على الظن هلاكه لو تركه كان التقاطه فرضاً عليه بحيث يأثم إذا لم يأخذة، لأنه مخلوق ضعيف لم يقترف إثماً يستحق عليه الإهمال، وإنما الإثم على من طرحه أو تسبب في وجوده من طريق غير مشروع.
الأحق به: وملتقطه أحق الناس بإمساكه وحفظه، لأنه الذي تسبب في إحيائه، وليس للحاكم ولا لغيره أن يأخذه منه جبراً عنه إلا إذا تبين أنه غير صالح للقيام برعايته.
وإذا التقطه أكثر من واحد وتنازعوه فالأحق به أرجحهم بالإسلام أو القدرة على حفظه وتربيته، فإن تساووا وضعه القاضي عند أصلحهم رعاية لشئونه في نظره.
والإسلام الذي حرم التبني عُني بهذا اللقيط: فأوجب التقاطه وحرم إهماله وتضييعه، واعتبره مسلماً حراً إذا وجد في دار الإسلام أو التقطه مسلم من أي مكان.
فإن التقطه ذميّ في مكان خاص بهم كان على دين من التقطه عملاً بهذه القرائن التي ترجح ولادته لغير المسلمين.(4/128)
ومع اعتباره مسلماً إذا وجد في دار الإسلام لو ادعى ذمي أنه ابنه وأقام بينة على ذلك ثبت نسبه منه وكان على دينه إعمالاً للبينة، لأن الأصل أن من يولد في دار الإسلام يكون مسلماً تبعاً للدار إلا إذا قام الدليل على خلافه.
أما إذا لم يقم البينة وتوفرت شروط الإقرار بالنسب ثبت نسبه من ذلك الذمي وكان مسلماً تبعاً للدار، لأن الإقرار حجة قاصرة كما قلنا فيعمل به في ثبوت النسب وتبقى التبعية للدار لا يعارضها شيء.
أهليته للملك: واللقيط أهل للملك لأنه حر، فإذا وجد معه مال فهو ملك له، لأنه صاحب اليد عليه، وكان على الملتقط المحافظة على هذا المال، ولا ينفق منه عليه شيئاً إلا بأذن القاضي صاحب الولاية عليه، لأن الملتقط لا يملك من أمره إلا الحفظ والرعاية، وما ينفقه عليه من ماله بغير الأذن يكون متبرعاً به إلا إذا أشهد حين الإنفاق أنه سيرجع به عليه.
وإذا لم يوجد مع اللقيط مال ولم يوجد من ينفق عليه تبرعاً فنفقته في بيت مال المسلمين.
وإذا لم يكن للملتقط على اللقيط ولاية التصرف في المال الذي وجده معه إلا بإذن القاضي فإن له عليه ولاية المحافظة عليه وعلى هذا المال، ويقبض عنه ما يوهب له أو يتصدق به أهل الخير عليه، ويشتري له ما يلزمه من طعام وكسوة.
كما أن له ولاية تربيته وتعليمه بأن يدخل مدرسة ليتعلم فيها إن كان يقدر على ذلك وكان عند اللقيط رغبة في التعليم واستعداد له، فإن لم يمكن ذلك كان عليه أن يعلمه حرفة أو صناعة تكون سبيلاً لتكسبه في المستقبل لئلا يكون عالة على المجتمع.
نسب اللقيط: إذا ادعى شخص بنوة اللقيط ثبت نسبه منه دون حاجة إلى بينة إذا توفرت شروط الإقرار السابقة، يستوي في ذلك ملتقطه وغيره، ويصبح بعد ذلك ابناً حقيقياً له.
وإذا ادعى بنوته أكثر من واحد وكان منهما الملتقط رجح الملتقط إلا إذا أقام غيره بينة على دعواه لأن البينة أقوى من الإقرار.
وإذا ادعاه اثنان ليس منهما الملتقط رجح أسبقهما دعوى إلا إذا أقام المتأخر البينة، وإذا لم يسبق أحدهما الآخر رجح من أقام بينة.
فإن لم تكن لهما بينة أو أقام كل منهما بينة رجح من ذكر علامة مميزة فيه لأنه بذلك يكون قد سبقت يده إليه، فإن تساويا ولا مرجح لأحدهما فمحافظة على النسب من الضياع ينسب إلى كل منهما وإن كان الواقع أنه ليس ابناً لهما معاً، ولكن معاملة لهما بإقرارهما، فيثبت له على كل منهما الحقوق الواجبة على الآباء للأبناء من النفقة وغيرها، وله حق الإرث من كل منهما ميراث ابن كامل، ولو مات اللقيط ورث منه أب واحد يقسم بينهما بالسوية.
وإذا ادعت المرأة بنوة اللقيط : فإن كان لها زوج وصدقها أو شهدت القابلة بولادتها أو أقامت بينة على ذلك صحت دعواها وثبت نسبة منهما.
وإن لم يكن لها زوج فلا يثبت نسبه منها إلا إذا أقامت بينة كاملة من رجلين أو رجل وامرأتين من أهل الشهادة عند الحنفية.(4/129)
والفرق بينها وبين الرجل حيث تقبل دعواه بدون بينة ولا تقبل دعواها إلا ببينة. أن في ثبوت النسب للرجل المدعي دفعاً للعار عن اللقيط بانتسابه إلى أب معروف، ولا يوجد ذلك في دعوى المرأة، لأنه ينسب إليها من أتت به من طريق مشروع وغير مشروع.
ـــــــــــــــــــ(4/130)
دائرة معارف الأسرة المسلمة
أحكام الحجاب
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود(5/1)
الجوانب الإيجابية في أزمة فاروق حسني والحجاب
السيد أبو داود
13 ذو القعدة 1427هـ الموافق له 3- 12- 2006م
كانت الكتابات التي اشتبكت مع فاروق حسني - وزير الثقافة - المصري في أعقاب تصريحاته ضد الحجاب كثيرة ومتنوعة، وتعاملت مع الأزمة بشكل معقول، ركز على الجوانب السلبية للأزمة المتمثلة في التحرش بالشارع الإسلامي، وصدم الناس في رموزهم الدينية، وهذا كله مشكور ومقدر، لكنني في هذه السطور سوف أتعامل مع الأزمة - بعد أن انتهت أو كادت - من جانب آخر هو ما انطوت عليه من إيجابيات.
وإذا كان هناك قطاع من الإسلاميين توقعوا إقالة الوزير كرد فعل على تصريحاته؛ فإن العالمين ببواطن الأمور كانوا يستبعدون ذلك، بل يرونه ضرباً من الخيال، فالدولة المصرية هي التي اختارت فاروق حسني وزيراً للثقافة، ولديها ملف كامل عنه، وعن ثقافته وأفكاره، وبالتالي فهي لم تقع على إنسان تجهله، كما أن أحداً لم يفرضه عليها، وإنما تم اختياره في حدود ما تسمح به الحالة العلمانية المصرية التي هي من مواريث دولة محمد علي العلمانية، التي حاول إيجادها على أنقاض الأزهر، لكن الأزهر الذي يمثل الجانب الديني للدولة بقي موجوداً ولم يختف كما كان يحلم محمد علي.
وهكذا توازنت الحالة العلمانية المصرية عند حدود معينة هي علمانية مخففة وليست علمانية متطرفة كما هو الحال في تركيا وتونس، والمقصود أن الدولة المصرية العلمانية التي اختارت فاروق حسني دون سواه لم يكن يتصور منها أن تقيله لأنه اصطدم بثوابت إسلامية، فهذا لو حدث معناه أن مصر تخلت بقدر كبير عن علمانيتها، وسيكون رسالة للغرب يتصور أهل الحكم في مصر أنها رسالة سلبية، لأنهم يطرحون أنفسهم أمام الغرب على أنهم بلد علماني، متسامح مع الأديان، وليس للدين توجيه جوهري لقرارات الدولة.
إن أكبر جانب إيجابي في القضية هو ما عبر عنه الوزير نفسه في أعقاب هدوء العاصفة حين أعلن أنه فوجئ بهذا الرد العنيف، وبأن الأمور المتصلة بالدين غير مفهومة بشكل كامل، مما دفعه للإعلان عن تشكيل لجنة دينية داخل وزارة الثقافة لضبط علاقة الوزارة بالدين سواء في المواقف أو الإصدارات، فالوزير لم يكن يتوقع أن يتعرض لهذه الحملة الشرسة التي جاءته من كل اتجاه.
وصحيح أننا لن نحمل تصريحات الوزير بشأن هذه اللجنة على محمل الجد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن يتهجم على الثوابت لا يمكن تصور أنه سيدافع عنها، وصحيح أيضاً أن الوزير تعرض لحملة ثانية من رموز العلمانية على خلفية تصريحه عن تشكيل هذه اللجنة، وصفوه فيها بأنه يحاول إحياء محاكم التفتيش، لكن أن يهتز الوزير بهذه الدرجة، وأن يشعر بالرعب الذي جعله يلازم منزله أسبوعاً غضباً من حملات الهجوم عليه؛ فهذا يؤكد أن المرجعية في الشارع ما زالت إسلامية رغم الجهود الإعلامية والثقافية المكثفة التي تنطلق من المرجعية العلمانية.(5/2)
والذي أرعب الوزير أنه متأكد من أن الإسلاميين تم التضييق عليهم تماماً على كل المستويات، وتم منعهم من أن يكون لهم صحيفة أو مجلة، أو محطة إذاعة أو تليفزيون؛ ومع ذلك يستطيع هؤلاء أن يديروا أشد الأزمات بكثير من النجاح، ويجدوا من يساعدهم ويقف معهم، فالوزير فوجئ بمختلف الصحف والمجلات، ومحطات الإذاعة والفضائيات تقف ضده، وتهاجمه وتتندر عليه، وهكذا ضاع ما أنفقه على امتداد 19 عاماً هي عمره في الوزارة سدى، ولم يستطيع تجييش الجيوش الثقافية والإعلامية التي تدافع عن منطلقاته العلمانية، رغم أنه يمتلك الميزانيات والكوادر والقرار.
الجانب الإيجابي الآخر في القضية أننا اكتشفنا أن الشارع ما زال إسلامياً، محباً لدينه، مدافعاً عن عقيدته، رغم حملات التشويه التي تبثها الآلة الإعلامية العلمانية الجبارة، سواء في الخارج أو في الداخل، وفي هذا فشل لهذه الجهود العلمانية من ناحية، ومن ناحية أخرى نجاح للتيارات الإسلامية، وتأكيد لتأثيرها وتقبل الشارع لها.
ويمكن في هذه الأزمة أن نرصد أن قطاعاً كبيراً من الصحف والمجلات ذات التوجيه القومي العروبي كانت ضد الوزير، وكانت مع الشارع، منطلقة من أن الحجاب ليس رمزاً إسلامياً فقط، بل إنه أصبح زياً وطنياً يجب على مختلف التيارات الدفاع عنه.
وربما انطلقت هذه التيارات من الاتجاه العام الذي يقود بوصلتها في السنوات الماضية وهو التقارب مع الإسلام والإسلاميين، وعدم معاداة الإسلام بالشكل السافر كما كان في الماضي، وربما تيقن نفر من هذا التيار أن بقاءه مرتبط بمقدار ما سيأخذ من الإسلام، وبمقدار قربه من الإسلام، فالتخاصم مع الإسلام هو الذي أدى إلى الضعف الشديد لهذه التيارات، بينما ترى التيارات الإسلامية تنمو ويتقبلها الشارع بقبول حسن.
هناك جانب إيجابي أيضاً في الأزمة وهو أن قطاعاً عريضاً من أهل الحكم في مصر ومعهم السواد الأعظم من الحزب الوطني الحاكم رغم علمانيتهم؛ إلا أنهم وقفوا ضد الوزير، ولسان حالهم يقول: علمانيون نعم، ولكن علمانيين متطرفين لا، ولسان حالهم يقول أيضاً: نخاصم الإسلاميين ونعتقلهم نعم، أما أن نخاصم الإسلام ورموزه ونصدم الإنسان البسيط في مشاعره الدينية لا.
وإذا كان قطاع من الإسلاميين نادمين على عدم إقالة الوزير العلماني؛ فإنني من أشد المؤيدين لبقائه الآن، والسبب أن الوزير اهتز تماماً، وأدرك كثيراً مما كان غائباً عنه، وسيفكر ألف مرة إذا أراد الهجوم على الإسلام، ووزير بهذا الوضع أفضل كثيراً من آخر علماني جديد يريد أن يؤكد علمانيته ليضمن بقاءه.
http://www.islammemo.cc:المصدر
ـــــــــــــــــــ
اعدل بفرنسا قصة المحجبة الصغيرة مع أستاذتها كارولينا
أروى التويم(5/3)
التقى حاجب مديرة المدرسة الأستاذة كارولينا في تعجب ملحوظ، وتساءلت بلسانها الفرنسي..
* ما هذا يا عائشة؟!!
- أي شيء تعنين..أستاذة كارولينا!
* ما عنيته هو هذا الخمار الذي تلوثينه كالغبية.
- الخمار.. وما به!!
* ما به شيء غير أنه يحظر عليك الدراسة به!
- لكن ديني فرضه عليَّ.
ردت إليها الأستاذة كارولينا بغضب:
* إذن دعي دينك ينفعك، أو يغني عنك شيئاً!
- طأطأت عائشة رأسها، ودمعت عينها،
تابعت الأستاذة كارولينا كلامها..
* عزيزتي.. يستحيل عليك الجمع بين الدراسة وخمارك الغبي ثم ابتسمت ساخرة،..
- لكن.. !
* لا أريد نقاشاً، ما دمنا محرومين من رؤية شعرك الجميل، فأنت محرومة من الدراسة.
الأستاذة كارولينا لم تكن تتكلم، بل كانت ترمي عائشة بأحجار قاسية جداً.. استدارت الأستاذة كارولينا، ومشت بكبرياء، وخلفها كانت طفلة صغيرة ترنو إليها، والغبن يلمع في عينيها.
- آه، لو أهشم رأسها!
أصابع الطفلة الصغيرة القابضة على مقبض الحقيبة لانت كثيراً فسقطت الحقيبة أرضاً، وغرقت في الطين، ثم تهاوت عائشة أرضاً غير آبهة بالطين، تقيض كفيها بغضب، فتحفر أخاديد في الطين، وتمتلئ دموعاً حارة جداً.
- يزعمون الحرية.. ! أنعم بها من حريّة تمنع طفلة صغيرة ترفل في ثوبها العاثر أن تلوث خماراً، أكنت سأمنع لو قصرت ثوبي كثيراً.. أكرههم.. يختبئون خلف أسماء براقة لامعة ليلقوا على حقيقتهم الأكنة، يثرثرون كثيراً، وينادون بحريتي، غير أنه كلام لا يجاوز الحناجر..
هل أستكين؟!
شعرت بالدنيا ألوانها تبهت، أردفتها الجائحة خائرة القوى، حائرة الفكر، وكالبرق وصلها الصوت من أعماقها.. ((أنت عزيزة بحجابك)) فشحنها بقوة قوية، وتفاؤلاً كبيرين سيرا ساقيها إلى بوابة المدرسة الداخلية.
- لن تثنيني صولتك أستاذة كارولينا.
صعدت درجات السلم، ثم عبرت الممر الطويل، لتقف قدماها أمام باب فصلها، ترددت، ثم تشجعت وفتحت الباب..
- بنجور مسيو كريستان!
لم يجبها أحد.. لأن علامة تعجب كبيرة سكنت عقول الفتيات..(5/4)
لحظتها، ثم تصلبت على مقعدها بهدوء، والعيون لا زالت تحدق فيها، لمعت عيون بابتذال كبير، وأخرى تتعجب....، وسرى في الفصل همس سريان الدم في العروق..
- غريب..، هل أذنت لها الأستاذة كارولينا بهذا؟!
- لقد سمعت أنهم أذنوا به.
-إنها واثقة..
ومن بين همس الفتيات تكلمت سيمون الطالبة الجريئة في الفصل بصوت عال..
- هاه.. ألا يثير شكلها الضحك؟!
ثم ضحكت، وضحكت خلفها الفتيات، وكمقص حاد كان صوت الأستاذ كريستيان معلم التاريخ، فقطع الألسن الطويلة عن الطلام، واختفى الهمس تماماً.
- هدووووء!
ثم التفت إلى عائشة متسائلاً:
- أرأتك الأستاذة كارولينا؟!
- نعم رأتني.
حسناً.. لنستأنف الدرس..
وتابع الأستاذ كريستيان حديثه، وغاب الفصل مرة أخرى في غياهب الماضي، ولم يعهده إلى حاضره سوى صوت جرس المدرسة معلناً انتهاء الحصة الأولى، لملم الأستاذ كرستيان أوراقه وخرج مسرعاً، في حين التفت الفتيات حول عائشة، أعادت سيمون كلمتها ضاحكة:
- شكلك يثير الضحك، تبدين كعجوز مريضة تلوث خماراً يقيها البرد،
وأكملت بيتي ضاحكة أيضاً:
لو أني لم أرك قبل هذه المرة لقلت بأنك تتهادين في عقدك الخامس
وتحدثت ماردي برقة ودلال..
- ما أجملك اليوم يا عائشة!
وغرق الفصل في الضحك، ولم ينتشله منه إلا نحنحة الأستاذ رالف معلم الرياضيات، فعاد الكل إلى مكانه، عدنا إلى عائشة من خلف نظارته الكبيرة، ثم ابتسم ابتسامة عريضة جداً، وحين فكرت عائشة في مغزى ابتسامته ألقت بعقلها في قاموس من الحيرة، بُدء الدرس، وعاد الهدوء غاسلاً الفصل من الضحك الذي ملأه، وفي منتصف الدرس فتح باب الفصل بقوة وخلفه كان شبح الأستاذة كارولينا المتين..
- عائشااااااه!
- وقفت سريعاً.
- نعم.
- ما أجرأكِ، لماذا دخلت الفصل؟
وابتلعت عائشة الكلمات، والحروف مكرهة، ثم سحبتها من مقعدها، ورمت بإنذار فصلها في وجهها، وأخرجتها من الفصل، ثم من المدرسة، هنا تقافزت على لسان عائشة الكلمات وصرخت:
- كفاك ظلماً!(5/5)
لم تكترث لها، وولّت والانتصار يلمح في عينيها الحادتين، والرذاذ البارد يتطاير خوفاً تحت حذائها العاليين، وسرعان ما اختفى شبحها المتين عن عيني عائشة الدامعتين، عادت الذاكرة بعائشة إلى نهاية حصة التاريخ، الأستاذ كرستيان يسألهن بوجل..
- هاه.. ما هي مبادئ الثورة الفرنسية؟
- الحرية.. العدل.. المساواة.. !
أحسنتن هذه هي مبادئ الثورة الفرنسية التي لا تنحاز عنها أبداً!
سحبت عائشة خطاها إلى منزلها.. وصوت الأستاذ كريستيان يطن في أذنها، ودموعها تعانق المطر مبللة أرصفة باريس الخشنة!
---
المرجع/ مجلة أسرتنا العدد 75 رجب 1427هـ
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
يحدث للمسلمات في أرض جامع الزيتونة المعمور
أخي في الله.. أختي في الله.. كلنا يتألم لما يحدث للمسلمات في أرض جامع الزيتونة المعمور.. و كلنا يسأل كيف ننصرهن.. انطلاقا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يأمرنا به ديننا، جاءت فكرة هذا المشروع الذي يهدف إلى إيضاح موقف علمائنا الأفاضل في هذا الموضوع، و أن يتصدوا للدفاع عن الإسلام و المسلمين في كل مكان.
أخي في الله،أختي في الله: لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئا، لا تسكت عن الظلم، أخي المسلم أينما كنت، أنت وليّ تلك المسكينة المحجبة التي ينتزع الحجاب من فوق رأسها في تونس. يقول الحق - سبحانه وتعالى - في سورة التوبة:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (التوبة: 71). ويقول - عز وجل -: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25).
أخي في الله: أنكر المنكر بقلبك ولسانك فهذا في متناولك. كن بحقّ من خير أمة أخرجت للناس. قال - تعالى -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ} (آل عمران: 110).
ساهم أخي في هذه الحملة حتى لا يكون مصيرنا مثل مصير من قبلنا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة: 78- 79).
ابعث بالنص المصاحب إلى كل المواقع الإلكترونية التي تعرفها و إلى كل عناوين المشايخ والعلماء و الدعاة.. مرره إلى كل من تعرف.. أرسل دائما نسخة إلى:
رئيس اتحاد علماء المسلمين: الشيخ يوسف القرضاوي، الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين، محمد سليم العوا، رئيس رابطة العالم الإسلامي الدكتور كمال الدين احسان أوغلو. جزاكم الله خيرا. مناشدة دفاعا عن الإسلام في بلد الزيتونة، الشيخ(5/6)
الفاضل السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد من المؤكد أنكم سمعتم عن محنة الحجاب و منعه و محاربته و محاربة اللاتي يلتزمن به في تونس.
إن المسلمات يستصرخنكم و يطلبن منكم الصدع بكلمة الحق في هذا الأمر. الشيخ الفاضل هل الحجاب أمر شرعي ورد في نص واضح لا يقبل التأويل أم أنه كما يدعون "زيّا طائفيّا" و لا يمتّ للإسلام بصلة؟!
الشيخ الفاضل هل يعقل أن يشن بلد عضوٌ في منظمة المؤتمر الإسلامي و جامعة الدول العربية حربا على نص صريح من القرآن الكريم و لا يجد من يرشده و يردّه عن ظلمه؟!!
الشيخ الفاضل رجاؤنا فيكم أن توضحوا رأي الشرع في من يمنع الحجاب و يلاحق الملتزمات به و أن تسعوا إلى الضغط عليه و إن لم يرتدع أن تدعوا إلى مقاطعته و أقل ذلك المقاطعة الاقتصادية. جزاكم الله خيرا و نصر بكم الدين و أعلى بكم كلمة الحق و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
http://www.islamselect.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
تونس ضد المحجبات !
ذكرت صحيفة "لاديبيش دو ميدي" الفرنسية نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية أن طالبة تونسية محجبة قد تم منعها من الدخول إلى الجامعة الإثنين قبل الماضي، وقالت فيما سمته بقضية "الحجاب التونسي" إن السلطات التونسية التي صاغت قبل عشرين عاماً قانوناً يحظر اللباس الديني في المؤسسات الرسمية، تم تجديده قبل عام، مما أدى إلى منع العديد من التلميذات الراغبات في ارتداء الحجاب من التحجب خوفاً من الطرد من المدرسة.
تونس الدولة المغاربية الأكثر علمانية، استطاعت أن تعدل في الدستور بعد وصول الرئيس زين العابدين بن علي ليكون الدستور "مواتياً للتطورات الدولية! ".
وقد أدى ذلك إلى انتقادات واسعة من النخبة المثقفة خارج تونس من أهمها الكاتب التونسي "المنجي الهاشمي" الذي اعتبر القوانين التونسية صالحة لقيادة "الأبقار والأغنام وليس لقيادة البشر" معتبراً أن حظر الحجاب بقانون رسمي يتناقض مع الدستور الذي يعتبر الإسلام دين الدولة!
حركة النهضة التونسية وعلى لسان زعيمها "الشيخ الغنوشي" ذهبت إلى اعتبار القرار التونسي إرهاباً لا يقل عن ذلك الذي تمارسه أمريكا على المسلمين في العالم، وقد صرح لوكالة الأنباء السويسرية أن النظام التونسي لا يرغب في إصلاحات حقيقية وجذرية في البلاد بقدر ما يريد إدماج المجتمع التونسي في النمط الغربي الإباحي والبعيد كل البعد عن المألوف القيمي والإسلامي.
لكن اللافت للانتباه أن ردة فعل التونسيين بدت كبيرة عبر مواقع الإنترنت التي هاجموا فيها قرار منع التلميذات من الدخول إلى المدرسة، مذكرين أن الحجاب ليس رمزاً للإرهاب، وأن الإرهابي هو الذي يمنع مسلمة من التحشم وإجبارها على البغاء لأجل أن يقال: إنها من دولة "متحضرة"!(5/7)
يذكر أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي منحت قانونياً العصمة للزوجة عند الزواج، وهو الأمر الذي انتقده الأزهر بشدة قبل سنوات.
موقع "المزود" عبر الإنترنت شن حملة إعلامية كبيرة ضد قرار حظر الحجاب واللباس الإسلامي في تونس، مطالباً التونسيين الأحرار بالاعتراض على القرار غير العقلاني كي يتم تعديل الدستور بما يتماشى مع فطرة التونسيين المسلمين الرافضين للتسيب الأخلاقي الحاصل في بلدهم، كما جاء في البيان الموقع عبر الإنترنت.
http://www.almujtamaa-mag.com المصدر:
-ـــــــــــــــــــ
اللين والحوار مع التلميذات المحجبات في فرنسا
هادي يحمد
منذ استئناف الدراسة بفرنسا هذا العام لم تشهد المدارس الحكومية أية قرارات طرد لتلميذات محجبات، وتعامل مديرو المدارس بـ«لين» مع التلميذات، حسبما أكّد نشطاء بالجالية المسلمة.
وذكرت مصادر من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن «فرنسوا فيلون» وزير التربية وجه رسالة إلى مديري المدارس في اليوم الأول للعودة المدرسية، طالب فيها مديري المدارس والمعاهد باعتماد «اللين» و«الحوار» في التعامل مع الفتيات اللاتي يتمسكن بلبس الحجاب في المدرسة وعدم توقيع عقوبات عليهن.
والعام الدراسي الذي بدأ يوم 2/9/2004هو الأول بعد إقرار قانون حظر الرموز الدينية ومنها الحجاب في المدارس الحكومية الفرنسية، وصرحت مصادر بوزارة التربية الفرنسية أن «العودة المدرسية مرت هذه السنة في هدوء كامل».
انخفاض عدد المحجبات
وقالت المصادر نفسها: «عدد المحجبات بلغ 240 محجبة مقارنة بـ1200 في العام الدراسي الماضي»، مشيرة إلى أن 70 طالبة فقط تمسكن بارتداء الحجاب فيما فضل البقية «سحب حجابهن إلى الخلف عند باب المدارس» احتراماً لقانون حظر الحجاب.
وأشارت المصادر إلى أنه جرى حوار مع المحجبات اللاتي أصررن على حجابهن داخل المدرسة دون أن تسجل أي حالة طرد نتيجة إصرار التلميذات على التمسك بالحجاب.
وفي جولة في العديد من المدارس الباريسية لوحظ أن أغلب المحجبات اللاتي يحضرن إلى المدارس ينزعن حجابهن إلى الخلف بمجرد الوصول إلى باب المدرسة، فيما يجري إدخال المحجبات اللاتي يرفضن نزع حجابهن للتحاور معهن دون أن تسجل أية عقوبات بحقهن.
وعلق عمار لصفر رئيس المجلس المحلي للديانة الإسلامية بمنطقة الشمال وإمام جامع الإيمان بمدينة «ليل» على هذه العودة، قائلاً: «الحس الوطني إزاء أزمة الرهينتين (اللذين تحتجزهما جماعة مسلحة في العراق) والحرص على المصلحة الوطنية الفرنسية جعل الكثيرات يفضلن عدم الإثارة وإحداث مشاكل، كما أن حكمة الإدارة الفرنسية جعلت هذه العودة تمر إلى الآن في هدوء كامل».(5/8)
من جهته قال التهامي إبريز رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا (أكبر المنظمات المسلمة في فرنسا): «إنه سجلت بعض حالات لمحجبات رفضن نزع حجابهن عند باب المدارس، غير أنه سمح لهن رغم ذلك بدخول المدارس للتحاور»، وأضاف إبريز «غير أن العودة كانت في العموم هادئة تحت شعار: الجدية والشعور بالمسؤولية، وخاصة أننا إزاء حياة مواطنين فرنسيين».
مبادرة جديدة للمسلمين
من جهة أخرى من المنتظر أن يكون قد دعا وفد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى فرنسا في أعقاب زيارة خاصة للعراق للعمل على إطلاق سراح الرهينتين الفرنسيتين، بعد ساعات من قيام جميع مساجد فرنسا يوم الجمعة 4/9/2004 «بصلاة وطنية» من أجل إطلاق سراحهما بدعوة من اتحاد المنظمات الإسلامية (القريب من الإخوان المسلمين). وقال التهامي إبريز: «ردة فعل مسلمي فرنسا فاجأت العدوّ والصديق، ومبادرتنا بالدعوة إلى صلاة وطنية من أجل الأسرى تتنزل في هذا التحرك الوطني الشامل من قبل مسلمي فرنسا إزاء مواطنينا».
من جهته اعتبر عمار لصفر أن «مسلمي فرنسا أكدوا أنهم لا يساومون في وطنيتهم». وأضاف لصفر -الذي يعتبر أبرز الشخصيات الإسلامية في شمال فرنسا- أن «الأزمة أثبتت مدى أهمية المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بعد التحركات التي قام بها، خاصة البعثة الخاصة التي أوفدها للعراق والتي أثبت حسه الوطني الذي شرف جميع الفرنسيين».
وحول المكاسب التي يمكن أن تنعكس على مستقبل الإسلام الفرنسي إذا أطلق سراح الرهينتين قال إبريز: «نستطيع اليوم القول بأن نظرة الفرنسيين مرشحة أن تتغير تجاه المسلمين، وخاصة في العلاقة مع السلطات الفرنسية التي أصبحت تنظر إلينا بعيون الثقة».
وكان صحفيان فرنسيان قد اختفيا في العراق يوم 20/8/2004، وطالب خاطفوهما بأن تَعدل فرنسا عن قانون حظر الرموز الدينية الظاهرة في المؤسسات التعليمية وخاصة الحجاب؛ الأمر الذي أثار حفيظة بعض القوى في العالمين العربي والإسلامي.
وأقامت معظم مساجد فرنسا صلاة جمعة وطنية للمطالبة بإطلاق الأسيرين؛ حيث خصصت خطبة الجمعة لهذا الغرض. ففي مسجد باريس اعتلى « دليل أبو بكر » رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المنبر لأول مرة منذ سنوات طويلة؛ ليطالب بإطلاق سراح الأسيرين، فيما تُلي دعاء فك الكرب في عدد من المساجد الأخرى.
وعبر كثير من الشخصيات الفرنسية عن امتنانهم لموقف مسلمي فرنسا؛ حيث أثنى وزير الداخلية «دومينيك دوفيلبان» على هذا الموقف، ووصفه بـ«المشرف».
اعتصامات وفعاليات في أوروبا والعالم في يوم «نصرة الحجاب»
آفاق أوروبية - أقيمت فعاليات شعبية في عشرين دولة في أوروبا وحول العالم بمناسبة اليوم العالمي لنصرة الحجاب الذي وافق يوم السبت الماضي من أيلول. وقد تم تنظيم سلسلة من الاعتصامات والنشاطات في هذا اليوم في أنحاء أوروبا وعدد من(5/9)
دول العالم، بدعوة من تجمع «نصرة وحماية الحجاب»، وهو تشكيل موسع انطلق في وقت سابق من هذا العام.
فقد أقيمت فعاليات نصرة الحجاب في كل من بريطانيا وتركيا وأيرلندا وأسبانيا وبلجيكا والنمسا وهولندا، كما جرت فعاليات في بلدان أخرى منها فلسطين والأردن والسودان ولبنان والبحرين والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا وباكستان وبنغلاديش.
ففي لندن احتشدت المعتصمات أمام السفارة الفرنسية، رافعات اللافتات المؤكدة لحق المرأة والفتاة المسلمة في ارتداء الزي الذي تختاره، وللتأكيد على مبدأ الحريّتين الدينية والشخصية. وجمع الاعتصام أكثر من ثلاثمائة مشاركة دافعن عن الحق في الحجاب.
وألقيت في الاعتصام عشر كلمات أجمعت على المطالبة بحماية حقوق المرأة المسلمة من الانتهاك، بما في ذلك حقها في ارتداء الزي الإسلامي، وكان من بين المتحدثات في الاعتصام النائبة في البرلمان البريطاني كارولاين لوقاس عن حزب الخضر، في ما تحدث ممثلون عن المؤسسات الإسلامية ومنظمات حقوق الإنسان البريطانية، علاوة على ممثل الجالية السيخية في بريطانيا.
وسلمت المعتصمات رسالة إلى السفارة الفرنسية طالبن فيها بإلغاء قرار منع الحجاب، والإفراج عن الصحافيين الفرنسيين المحتجزين في العراق أيضاً. وقد غطت وسائل الإعلام البريطانية الفعاليات الأولى من نوعها التي جرت في لندن في اليوم العالمي لنصرة الحجاب.
واكتسبت فعاليات اليوم العالمي لنصرة الحجاب أهمية خاصة في المدن التركية، خاصة مع ما تشهده تركيا من تفاعلات متواصلة لقضية الحجاب فيها، بما في ذلك إصرار مؤسسات التعليم العالي التركية على حظر الحجاب. وقد أرغمت الجامعات التركية آلاف الطالبات التركيات حتى الآن على عدم تلقي تعليمهن العالي في بلادهن، بينما تمكنت المئات منهن من الالتحاق بجامعات أوروبية في السنوات القليلة الماضية، ومنهن من تخرجن بالفعل في غضون ذلك من «منفاهن الأكاديمي». كما جرى اعتصام موازٍ أمام السفارة التونسية في لندن بهذه المناسبة أيضاًَ، على خلفية حظر الحجاب في المؤسسات التعليمية والوظائف العامة في تونس.
وقد تنوعت الفعاليات التي جرت في قلب عواصم الدول الأوروبية في اليوم العالمي لنصرة الحجاب بين الاعتصامات والتجمعات السلمية وإقامة الطاولات التعريفية بقضية حظر الحجاب.
ففي قلب فيينا أقامت نساء وفتيات محجبات طاولة تعريفية تعلوها اللافتات والملصقات المنادية باحترام حقوق الإنسان وعدم انتهاك حرية المرأة المسلمة. وتم توزيع بيان بهذه المناسبة باسم النساء المدافعات عن حق الحجاب «من المسلمات وغير المسلمات»، بينما أجريت حوارات عامة مع المواطنين للتوعية بأهمية حماية حق الحجاب والوقوف إلى جانبه. وقد تكرّر هذا المشهد في عواصم ومدن أوروبية أخرى، بما يعكس حجم القلق على الحقوق الأساسية للنساء والفتيات المسلمات. وقد(5/10)
تم في هذه الفعاليات توزيع بيانات الإدانة والاستنكار لاختطاف الصحافيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو بالعراق.
وتتلخص رؤية «تجمع نصرة وحماية الحجاب» بحماية حق كل امرأة مسلمة في ارتداء الحجاب الإسلامي، طبقاً لمعتقداتها الدينية المكفولة لها في الشرائع والدساتير الدولية. وهو يهدف إلى وضع حد لحظر الحجاب أينما تم فرضه، ومنع انتشار حظر الحجاب إلى مناطق أخرى. كما يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى متعلقة بهذه القضية.
وكان «تجمع نصرة الحجاب» قد أعرب، في بيان أصدره عن بالغ الأسف والاستنكار لاختطاف الصحفيين الفرنسيين في العراق كريستيان شينو (مراسل إذاعة فرنسا الدولية) وجورج مالبرونو الموفد الخاص لصحيفة لوفيغارو، بحجة الضغط على الحكومة الفرنسية للتراجع عن قانون منع الحجاب ولإقحام قضية الحجاب في عملية الاختطاف.
http://www.al-aman.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
ضوابط الحجاب الشرعي
الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان
الحجاب الشرعي هو أن تستر المرأة ما يجب عليها ستره من الوجه والكفين، ومواضع الزينة من بدنها، كموضع الكحل والخضاب والسوار والقلادة وغير ذلك مما يستلزم النظر إليه رؤية موضعه من بدن المرأة. فستر هذا كله وإخفاؤه داخل في مفهوم الحجاب الشرعي، إلا لمن استثناهم الله - تعالى -كما تقدم.
وليس الحجاب ستر الجسم وإظهار الوجه والكفين، كما قد تفهمه بعض النساء تأثراً بدعاة السفور أو تعلقاً بفتوى مجانبة للصواب، وقد ظهر على غلاف بعض الكتب المتعلقة بالحجاب أو بالمرأة عموماً صورة امرأة سترت جسمها عدا الوجه والكفين، مما يوحي بأن هذا هو الحجاب، ولا ريب أن هذا فهم خاطئ يبين وجهه في السطور التالية إن شاء الله [1]
وإذا كان الحجاب يطلق على ستر الوجه واليدين ومواضع الزينة، فهو يطلق أيضاً- على حجاب المرأة في البيوت بحيث لا يرى منها شيء لا شخصها، ولا لباسها، ولا زينتها، وعلى هذا قوله - تعالى -: ((إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) (الأحزاب: 53).
ويستثنى من ذلك خروج المرأة من بيتها لحاجة، كما قال النبي : ((إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)) [2].
ويؤكد هذا المعنى نصوص من الكتاب والسنة، تحث المرأة على بقائها في بيتها. وعدم الخروج منه إلا لحاجة، حتى في الصلاة حبّب إليها أن تصلي في بيتها[3]، وإذا خرجت لحاجة فهناك شروط وضوابط لابد أن تتقيد بها، وأهمها:
* أن تتقيد بالحجاب الشرعي.
* وألا تتطيب.
* وأن تغض بصرها.
* وأن يكون خروجها وكلامها بقدر الحاجة.(5/11)
* وأن يكون طريقها آمناً.
* وألا تركب مع سائق أجنبي.
فإذا اختل شرط منها وخرجت فهي آثمة. وقد دلت النصوص على اعتبار هذه الشروط.
ولتعلم المرأة المسلمة أن الحجاب عبادة وطاعة لله - تعالى - ولرسوله تثاب عليه كما تثاب على امتثال أحكام الشرع، لأن الله - تعالى -أمر به فقال - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)) (الأحزاب: 59).
وكما أنه عبادة فهو وقاية وحماية للمرأة المسلمة، وللمجتمع بأسره؛ لأن الحجاب يساعد على غض البصر الذي أمر الله - تعالى - به في قوله: ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)) (النور: 30).
ويساعد على حفظ المجتمع من أسباب الفساد؛ لأنه يقطع أطماع الفساق أصحاب النظرات الجائعة، ويساعد على ستر العورات التي توقظ المشاعر، وتثير كوامن الشهوة، وهذا على عكس المرأة السافرة المتكشفة [4].
----------------------------------------
[1] انظر معاني الحجاب في (المرأة المسلمة) وهبي سليمان غاوجي، ص193 دار القلم دمشق.
[2] أخرجه البخاري (1/249) (9/337).
[3] راجع: عون المعبود (2/274، 277). وانظر كتابنا (أحكام حضور المساجد) الفصل الرابع.
[4] المرأة المسلمة ص177.
10/8/1426 هـ
14/9/2005
http://www.islamlight.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
معركة الحجاب في تركيا من جديد!
طه عودة
27/5/1426هـ
وسط استمرار حالة التصعيد السياسي والإعلامي في تركيا بحثاً عن الطرق الأمثل لمكافحة "الأصولية" التي تعدها المؤسسة العلمانية التركية الخطر الأكبر الذي يشكل تهديداً على أمنها ومصالحها القومية؛ فقد عادت قضية "حظر الحجاب" في الجامعات لتطفو مجدداً على السطح بسبب إصرار أحد رؤساء الجامعات التركية مؤخراً على منع أمهات طالبات هذه الجامعات من دخول حفل تخرج ذويهن بالحجاب.
هذه المشكلة تفجرت خلال الأسبوعين الأخيرين على نحو دفع (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب اردوغان، و(وزير خارجيته) عبد الله غول للاستنكار بشدة رفض القائمون على أعمال جامعة "أتاتورك" في مدينة أرضروم إدخال الأمهات(5/12)
المحجبات إلى القاعة التي أقيمت فيها مراسم تخرج الجامعيين، واصفين هذا الموقف بأنه إساءة كبيرة لسمعة تركيا الديمقراطية، وكان المشرفون على جامعة أتاتورك قد منعوا أمهات الطلاب والطالبات من الدخول إلى الحرم الجامعي لحضور حفل تخرج أولادهن بسبب ارتدائهن للحجاب، الذي تحظر القوى العلمانية في تركيا ارتدائه في أماكن الدولة.
المعروف أن قضية الحجاب في تركيا من القضايا الحساسة التي فرضت نفسها على الساحة منذ عام 1989، إذ يتحامل عليها كل من يدعي "علمانية أتاتورك"، وينظر إليها دوماً على أنها من الأسباب الرئيسة التي تهدد أمن البلاد؛ لأن الحجاب - برأيهم - هو من الأسباب الرئيسة التي تخدم هدف؛ هدم النظام العلماني، واستبداله بآخر إسلامي.
هذا الخوف من الحجاب يكشف بطريقة أو بأخرى عن القلق الذي يساور النخبة العلمانية من توسع الدائرة الإسلامية، رغم حقيقة أن تركيا بلد إسلامي فيه 99% من الشعب التركي المسلم، ويفسر بالتالي التخبط التركي وشوقه من أجل اللحاق بالركب الأوروبية.
ومع أن أغلبية الأحزاب السياسية في تركيا لا تعارض الحجاب، لكنها في نفس الوقت لا تتجرأ علناً على الدفاع عنه، وعندما نوجه اللوم إلى الأحزاب التي تمارس الازدواجية السياسية فإنه يجدر بنا استثناء حزب العدالة والتنمية الذي كان الأجرأ على الإطلاق في الدعوة إلى رفع الحظر المفروض على الحجاب منذ تأسيسه قبل ثلاثة سنوات، إلا أن نداءاته كانت تصطدم دوماً عند حائط النخبة العلمانية الحاكمة في تركيا.
نعم؛ هو الحجاب الذي يعد من المقدسات الإسلامية، ومن أبسط الحقوق القانونية للمرأة المسلمة في "تركيا"، لكن رغم ذلك نرى أنه تحول إلى مسألة عقيمة تحتبس بداخلها الأصوات المطالبة برفعه تحت اسم الحفاظ على "العلمانية".
من السهل جداً علينا تأكيد الصعوبة الكبيرة التي تواجهها الدولة التركية في قراءة شعبها من خلال تطلعنا إلى أمرين مهمين، وهما "الآذان باللغة التركية"، و"حظر الحجاب"، وفي كلا الأمرين يتم إثبات نظرية قراءة الدولة الخاطئة للمجتمع، وبالتالي تعميق الفجوة الواسعة في العلاقات بين الدولة والشعب.
العلاقات بين الدولة والمجتمع بإمكانها أن تحتوي كل القضايا المتعسرة، والتغلب عليها، إلا في هاتين القضيتين "الآذان باللغة التركية"، و"حظر الحجاب"؛ فقد أحدثتا صدمة شعبية إلى درجة يصعب معها تلافيها، أو بالأحرى لا يمكن معالجة هاتين الصدمتين إلا عبر إزالة مثل هذه التطبيقات.
فإذا نظرنا من الناحية الرمزية فهو رمز، فعندما ننظر إلى الإسلام نرى أن "الآذان" يعد من الشرائع الإسلامية، يعني قيم هذا الرمز، والدولة ترمز إلى الإسلام عندما يكون "الآذان" فيها قائماً، وعند إلغائه فإن هذه الدولة تأخذ رمزاً آخر، وتصبح دولة مختلفة.
هناك من يتلاعب بالدولة عن طريق "الآذان" بسعيهم الغريب إلى تغيير "الآذان" من اللغة العربية إلى التركية، وهو الذي كان يعرف بالعربية عن نفسه بنفسه منذ(5/13)
آلاف السنين، ووجد طريقه إلى قلوب الشعب التركي واستملكها دون أن تكون هناك الحاجة إلى ترجمته إلى اللغة التركية، والأغرب من ذلك أنهم يتعمدون ويفرضون ذلك بقوة الدولة والقانون، ربما هم بهذا يحاولون إشباع رغباتهم، لكنهم على خلفية ذلك يتجاهلون أنهم يدمرون علاقات الدولة بالمجتمع.
نعم لا يوجد هناك مقارنة في موازيين القوى بين الدولة والشعب، فالدولة هي أقوى من الشعب دوماً، فما بالكم الشعب التركي الذي نشئ على حس "إطاعة الدولة"، لذا فإننا نراه محشوراً دوماً في الزاوية بين سندان إيمانه وعقائده ومطرقة قدرات الدولة وتسلطها، وإذا فكرنا بمعنويات الشعب التركي من هذه الناحية نرى أن الخصام بين المجتمع والدولة هو ثمرة هذا التسلط.
ونذكر عندما وصل حزب "الديمقراطية" إلى السلطة، وسمح بقراءة الآذان بلغته العربية الأصلية؛ فقد تحول ذاك اليوم إلى عيد لا ينسى في تركيا، ويقال: إنه عندما قرأ "الآذان " بالعربية في الجامع الكبير بمدينة بورصة لأول مرة فقد غرق عشرات الآلاف من المواطنين الذي كانوا متجمعين في الميدان في دموعهم.
18 عاماً حسناً وهل نجحت هذه الأعوام الثماني عشر من الحظر على مسح "الآذان" بلغته الأصلية من قلوب الشعب التركي؟
لا أبداً، فقد كان هناك دوماً اشتياق وتلهف عليه، وعندما تم إباحته بلغته الأصلية تمسك فيه الشعب بحب ربما كان أكبر بكثير مما كان عليه قبل حظره، واستقبله بعيون باكية من الفرح وبصوت واحد هو " الله أكبر".
يبدو أن مشكلة الحجاب في طريقها لتصبح التحدي الأكبر أمام حكومة حزب العدالة والتنمية خلال المرحلة القادمة، ففي الوقت الذي قطعت فيه الحكومة التركية شوطاً كبيراً في ملف الإصلاحات السياسية، ونالت رضا الدول الأوروبية والإدارة الأمريكية، إلا أنها ارتطمت بجدار العلمانية لتواجه في الوقت الراهن امتحاناً صعباً لدى قاعدته الإسلامية التي منحته أصواتها أملاً في حل مشكلة الحجاب، ويرى المراقبون السياسيون الأتراك أن مسألة الحجاب في تركيا على ضوء التداعيات والمعطيات الجديدة أصبحت أكثر تعقيداً وحساسية، وستجعل الأيام القادمة أشد سخونة في تاريخ حكومة أردوغان.
ومن الملفت للنظر في قضية الحجاب بأنها تخبو فترات، وتبرز على الساحة في فترات أخرى، خاصة عندما تكون هناك استفزازات من قبل النخبة العلمانية، أو اتخاذ قرار بمنع دخول المحجبات في إحدى المؤسسات، وكذلك في الوقت الذي تقف فيه الحكومة بجانب الحجاب.
رغم كل ذلك فإن الحجاب منتشر بين أغلبية الشعب التركي، فعلى سبيل المثال كل السيدات وفتيات الأناضول، وهن يمثلن 95% من مساحة تركيا محجبات، ويرتدين زياً خاصاً أقرب إلى الحجاب وأبعد ما تكون عن التبرج، بل إن المغالين في العلمانية نجد أمهاتهم خاصة مع التقدم في السن محجبات لدرجة أنه يقال: إن زوجة أتاتورك كانت محجبة، وكذلك أمه.(5/14)
هذه التساؤلات لوحدها تظهر جرح "الحجاب" الذي لا زال ينزف في قلوب الشعب التركي، وآلام المخاض التي يعاني منها بسبب دولة لا زالت عاجزة عن قراءة أفكار شعبها المسلم.
http://www.almoslim.net:المصدر
ـــــــــــــــــــ
(( الحجاب من شعائر الإسلام ))
إذا دخلت بلدا لم تعرفه، فانظر في نسائه، ينبيك عن حاله..!.
الحجاب للمؤمنات علامة، وعلى إسلام أهل البلد آية..
هل رأيت كافرة محجبة؟!.. وهل رأيت مؤمنة متبرجة؟!.
حسدنا أهل الكفر على هذه النعمة، كما حسدونا على نبي الرحمة:{ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}.
حنقوا أن يروا سواد الكعبة، وسوادا يغطي جسد المرأة.. فركبوا كل السبل، وأضمروا أن يقتفوا أثر إبليس شيخهم، في نزع اللباس عن الأبوين ليروا سوءاتهم. ؟!.
قالوا: لن نفلح، إلا إذا نزعنا العباءة، وغطينا بها قرآنهم..
وكذلك فعلوا في بلاد كثيرة، عاد الإسلام فيها غريبا كما بدأ.. المسلمات والكافرات لباسهن سواء، لا فرق.. تلاشى الفرق، ولولا عودة وصحوة، وإيمان وانتفاضة، وأذان يرفع، لكنت في حيرة:
أهذه بلاد إسلام؟.. فأين العلامة، وأين الآية؟!.
جاء الدور على بلد الإسلام، ومأرز الإيمان، وحرم الله.. منذ زمن والحاسدون الحاقدون، يعينهم الفاسقون والمنافقون، يخططون، وأكبر أمل أن يسلكوا بالمرأة ذات الطريق، فينزعوا لباسها، كما نزعوا لباس أختها.
وفي ذلك قطعوا شوطا، وشوطا، وشوطا، فأبرزوا المرأة السافرة، في الصحف والمجلات، والقصص والروايات، وفي التلفاز والدعايات، وبثوا منذ فترة الاختلاط في المستشفيات، ثم في بعض المؤسسات والشركات، والخرق في ازدياد، وآمالهم تعميم الاختلاط في الأعمال، والبدء به في المدارس والجامعات.. حتى ترى الصبايا بائعات في البقالات، وفي المحطات، وفي الطرقات.. ثم جاءت قاصمة من القواصم..
في المنتدى الموسوم بالاقتصادي في جدة هذا العام (2004)، خرجت النساء، لا أقول مختلطات، بل سافرات، حاسرات، مظهرات شعورهن، ووجوههن؟!!. وفي الصحف رأينا صورهن.. ؟!!.
عن حدود الشريعة خرجن، لم يقل عالم يجوز كشف رؤوسهن.. فأي مذهب يتبعن؟، وأي نبي به يقتدين؟، وأين دعواهن أن الشريعة يعظمن؟..
هل الشريعة قالت لهن: لا بأس بكشف شعركن؟!.
وأين أولئك المتحررون، ألم يقولوا مرادنا الإسلام؟.. لم ينكروا المنكر، ولم يتبرءوا من فعلهن، بل تناشدوا وتباركوا بهذه الخطوة، وقالوا: هي بداية التقدم وردم الفجوة.
فأي إسلام يريدون؟..(5/15)
أيريدون إسلاما يفصلونه كما يشاءون؟..
قام كاهن الكفار مغربلا، وقد حل ضيفا مبجلا، ليدل على طريق الثراء، ويكف أولوا المسغبة عن لعق الثرى، غير أنه تطرق إلى ما يهمه، ومصلحة المسلمين ليست من همه، فقام واعظا يقول: "إن نبيكم محمدا، ما كان ليمنع زوجه من قيادة السيارة، ولو استقبل من أمره ما استدبر لجعل من نسائه مديرات للمصانع".
الحاضرات السافرات، بحرارة صفقن، لامست كلماته نخوتهن، وجدن في هذا الكاهن معبرا عن أمانيهن، يا ويحهن!.. أما وجدن غيره ليطالبن بحقوقهن؟!.. أيثقن به، ولا يثقن بأهل الغيرة والدين من قومهن؟.
ما الأمر: هل هو المحرر؟.. أم المغرر؟.. أم ماضيه نسين؟.. أم الأمر لا يعنيهن؟!!.
الكل يفتي: الجاهل يفتي، المنافق يفتي، الكافر يفتي.. !!!!.
هي فتاوى منوعة، وأشكال ملونة، وسلع معروضة، والكل من حقه أن يختار.. !!، أليست حرية!، أليست انفتاحية؟.. أليست كل له قراءة عن الدين خاصة؟.. هل الدين حكر عليكم؟..
هكذا يقولون!!..
قد أعجبنا فتوى من عنه تقولون: كافر هو. وبه نحن مستمسكون، وعليه عاضون..
هكذا يقولون، والله أعلم بما يوعون..
أهل الفتنة والشهوة اليوم فرحون، خططهم تنفذ بدقة، وعجلتهم تسير بعجلة، واثقون من النصر، فإن معهم دولة الكاهن الأكبر، تحميهم وتوزهم إلى الشر أزا.
أما أهل الإيمان والعلم والإحسان فهم في حيرة، فهذه هي الفتن التي حدث عنها نبي الملحمة، التي تموج كموج البحر، التي تدع الحليم حيران، بعضهم يقول: نفسي، نفسي. وبعضهم يصارع وبقوة، والأمل فيهم، وبدونهم تتحطم الآمال.
نجح المكر في بلاد كثيرة، مرت بها سنوات أليمة، لكن النعم، لا تخرج من رحم المحن، عاد المسلمون إلى دينهم، بعدما أيقنوا أنه سبيلهم، وسقط شعار العلمانية، ورداء الليبرالية، فالمحجبات كثرن..
لكن دعاة التحرر في بلد الإسلام يبتغون إعادة التجربة، فهل سينجحون؟...
وهل سنرى المرأة المسلمة في بلاد الحرمين سافرة، متحررة، متبرجة، تكشف شعرها، وتظهر سحرها ونحرها، تلبس كما تلبس الكافرة؟.
وهل سيعم الاختلاط الذي بدا، حتى نراه في المدارس والجامعات والوظائف والشوارع.. ؟.
هل سنكرر ذات التجربة، كما غيرنا جرب، فخسر وما فاز، بل بيته خرّب؟.
إننا قلقون وجلون على إيماننا وأخلاقنا، فالحال يقول:
كل الأمور تجري في هذا الاتجاه، فمكر الماكرين كبير، تزول منه الجبال، وكثير من العقول قد أدبرت عنها الحكمة، وتملكتها الغفلة..
وآباء وإخوان وأزواج لا ندري ما حالهم، في الفتن والبلايا يطرحون بناتهم، خدعتهم شبهة، وغرتهم فتنة، حاموا حول الحمى في سبيل المال، وزجوا بحرماتهم بين الرجال، وادعوا أنهم واثقون من ربات الحجال.. !!
، فهلا وثقوا في أنفسهم؟!!...(5/16)
فالمعادلة ليست عسيرة:
- تتحرك نفسك وشهوتك عندما ترى الأجنبية..
- وبناتك وأخواتك وزوجك هن في نظر الرجال أجنبية..
- فهل أنت ضامن ألا يحيكوا حولهن مكرا وحيلة؟.
ومع كل ما كان، وما سيكون، فالله من وراء الكائدين محيط، وإن بطشه لشديد، وهو بالتائبين رحيم ودود، {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}..
وقد وعد فقال: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}..
فبالصبر والتقوى نتقيهم فلا يضرنا كيدهم:
- فصبر على شبهاتهم بنقضها وإبطالها.
- وصبر على تبصير الناس بخطورة تحرير المرأة ومآلها.
- وصبر على إنكار المنكرات وما يلحق المحتسبين جراءها.
وبتقوى من الآباء والإخوان والأزواج بصون أعراضهم:
- بسترهن بالحجاب الكامل.
- وإبعادهن عن فتنة الاختلاط.
وبتقوى النساء والفتيات:
- بعدم الانجرار وراء هذا التحرر المشين.
- والاتعاظ والاعتبار بما جرى للمتحررات في بلاد المتحررين، مسلمين وكافرين..
كل ذلك كفيل بحبوط مكرهم، وانقلابهم على أعقابهم، خاسرين نادمين:
{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون}.
خطوات الشيطان واحدة، الحيلة واحدة، والنتيجة واحدة.. وكذا خطوات جنوده.
يأمرون بالمعروف لأجل المنكر، يقولون كشف الوجه مسألة خلافية ليكون إلى التحرر والسفور معبر..
يدعون تقليد من أجاز الكشف، وأنهم يعظمون شعائر الإسلام الموقر..
وأن نقدهم متجه على كل متشدد معسر..
ليثبتوا صفاء سريرتهم والمخبر..
وهكذا تنطلي حيلتهم على غرّ غافل يغتر بالمظهر..
لكن حقيقة نفوسهم تأبى إلا أن تظهر: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم إسرارهم}.
خرجت النسوة سافرات في المنتدى، كاشفات شعورهن ورؤوسهن، فرح المدعون تعظيم الشريعة، وتقليد المجيزين، وصفقوا وهللوا وكبروا للشيطان. !!..
ولما أنكروا المنكرون هذا المصيبة، استخفوا بهم، وسخروا، حتى سماحة المفتى لما أفتى منكرا، لم يسلم من ألسنتهم، فأين التعظيم للشعيرة، وأين تقليد أولي العلم البصيرة؟..
أم هذا هو اللحن الذي عنه الله أخبرنا؟..(5/17)
حاكم فرنسا حرم ومنع المسلمات من حجاب الرأس، فأسف وأنكر كل مؤمن في قلبه على الشعيرة غيرة، حتى المنصفون من النصارى استنكروا وشجبوا، وعدوا ذلك عدوانا على الحرية، ونقضا لمبادئ العلمانية، وإظهارا للعداوة للأمة الإسلامية..
فماذا فعل المدعون حب الإسلام وتعظيم الشريعة؟.
رأوا ذلك تدخلا في الشئون، وتأويلا في تفسير دستور ومتون، وطالبوا المسلمين بالكف عن التدخل لأجل النصرة، والاشتغال بما هو أولى، وزعموا أن هذا مقتضى الحكمة والدين.. !!.
فأين حب الإسلام، واتباع العلماء، وتعظيم الشريعة؟.
أليس هذا الموقف قد فضحهم، وللحجاب أظهر كرههم؟..
لو كانوا يعظمون الحجاب له انتصروا.. لكنهم لحرب الحجاب نفروا..
هناك في فرنسا، وهنا في بلاد الحرمين.. لقد غدا الأمر أبين من البين.. ودعواهم لاريب كله مين.
من يضمر في قلبه حب الإسلام وتعظيم الشعائر، يساند المسلمين والمسلمات في الشدائد والمصائب.
من يضمر في قلبه بغض الإسلام والاستخفاف بالشعائر، هو ضد المسلمين والمسلمات في الشدائد والمصائب.
ما كان شيء أفسد لخطط المفسدين الحاسدين، مثل الالتزام بالدين: {وإن تصبروا وتتقوى لا يضركم كيدهم شيئا}..
وكلما كان الالتزام أعمق وأشمل، كان فساد خططهم أكمل..
وقد قيل: إن أول خطوات الشيطان، إغراء المؤمنين بترك الأفضل، فإذا تركوه إلى الأدنى، أغراهم بالاستغراق في المباحات، ثم لم يبق بينهم وبين المحرم إلا قيد شعرة.. وكذا الحال في الحجاب.
من الحجاب الكامل إلى كشف الوجه، إلى كشف الرأس والنحر، إلى كشف الساق، إلى الفخذ، إلى الصدر، إلى التعري.. وهكذا حصل في كل البلاد التي تحررت فيها المرأة..
فالبدء بكشف الوجه بدعوى أنها مسألة خلافية.. والفطن والكيس لا يخدع، إنما يخدع الجاهل والغافل والمكابر.
- الشريعة أمرت المؤمنات بالقرار في البيت: {وقرن في بيوتكن}..
وما أفسد قول من قال: هو خاص بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن الخطاب في حقهن..
لم يقله أحد من السلف، ولا من المفسرين، إنما ابتدعه المحدثون.. وأين هؤلاء من قوله - صلى الله عليه وسلم -:
(المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها).. والنصوص في بيان عموم الخطاب كثيرة.
- والشريعة أمرت المؤمنات بالحجاب الكامل:
{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.
وقد أخطأ من زعم أنها خاص كذلك بأمهات المؤمنين..(5/18)
فالحكم معلل بطهارة القلب، وإذا كانت الأمهات اللاتي اصطفاهن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - [أي هن تقيات، صالحات، قانتات] في حاجة للحجاب لتحصيل طهارة القلب، فسائر المؤمنات أولى بالحجاب..
ومع ذلك فإن كل من قال بجواز الكشف، أقر بأن تغطية أفضل وأحسن وأعظم أجرا..
- وما القرار في البيت.
- وما الحجاب الكامل.
- وما الأمر بغض البصر.
- واتقاء فتنة النساء..
- وما نهي النساء عن المشي بين الرجال..
- وجعل صفوفهن في مؤخرة المسجد، والثناء على من صلت في آخر صفوفهن.
- وجعل باب خاص في المسجد بهن.
- وما امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - من جمع الصحابة والصحابيات في حلقة جميعا لتعليم أمور الدين.
- وما امتناعه من دعوتهن للعمل مع الرجال في السوق والتجارات..
ما كل ذلك إلا دليل على أن الشريعة تؤصل الفصل التام بين الرجال والنساء..
والحكمة معلومة.. ولا ينبغي القبول بطمسها على يد جاهل أو فاسد..
فالفصل بين الجنسين أصل من أصول الشريعة..
فإن احتج أحد بما كان يحدث من كلام النساء ورؤيتهن في عهد النبوة في المساجد والأسواق.. فيقال:
ليس في هذا أي دليل على نقض الأصل السابق.. فإن كل أصل له استثناءات حين الحاجة والضرورة..
فالشريعة أذنت للمرأة أن تكلم الرجل ويكلمها، وتخرج لحاجتها، بل وأذنت أن ينظر في بدنها وعورتها إن كان لأجل العلاج والتطبيب..
فكل ذلك حين الحاجة والضرورة.. التي إذا لم تفعل فاتت مصلحة كبرى، ووقعت مفسدة كبرى.. لكن كل كذلك بقيود وحدود وتحديد..
فكل تلك الحاجات لا تجيز ترك الحجاب، وكل تلك الحاجات لا تجيز إبطال الأصل، ليحل معه أصل جديد هو الاختلاط..
فإن القول بجواز كون المرأة مع الرجل في مكان واحد للعمل والتعلم فيه:
- إبطال لكافة النصوص الآمرة بغض البصر وصرفه.
- والناهية عن مشي النساء وسط الرجال.
- والجاعلة صفوف الرجال في المقدمة والنساء في المؤخرة.
- وفيه استدراك على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يجمع النساء والرجال ليعلم الجميع في مجلس واحد، فجعل بدلا من ذلك للنساء يوما لتعليمهن.
- واستدراك عليه إذ لم يوجه تجار الصحابة وأصحاب الأسواق إلى توظيف الفتيات في تجاراتهم وأسواقهم..(5/19)
كل هذه النصوص يراد إبطالها، وهي نصوص قولية وفعلية، مقابل نصوص فعلية، لها ظرفها وضرورتها؟..
ومعلوم أن النص القولي مقدم في الدلالة على النص الفعلي..
بعد هذا:
على من يجوز الاختلاط وكشف الوجه من الإسلاميين أن يتفقهوا في المسألة، ويتقوا الله - تعالى -في أمر أمتهم، ولا يكونوا عونا للمفسدين..
وعلى أهل الشهوات أن يتقوا ربهم، ويخافوا عقابه، يقول - تعالى -: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
عباءة الرأس
هو خنجر مغروس في خاصرة الأمة الإسلامية
وزلزال زعزع ببعض نساء المسلمين
ماذا حدث لأخواتنا وبناتنا من حفيدات خديجة وعائشة؟؟
ما لهن لا يراعين الله في أنفسهن؟
تبرج وسفور
بعطر ينادي من في القبووور
شَعر ونحر ظاهر للعيان
بدون أدنى خجل من الله الوهاب الديّان
أختاه...
أدعوكِ لكي تكوني ضيفة على مائدة القلب
أقدم لكِ مشاعر المحبة في الله..
لم أقصد بها إلا وجهه الكريم، راجية أن يتقبلني من عباده المخلصين.
أيتها الغالية...
ألا تتعجبين من هذا الزمن الذي جعل المرأة سلعة تعرض لكل إعلان
وأدخل الحب الزائف والاختلاط من بوابة الانفتاح
حتى أطلقت لنفسها العنان!!
(الحب في العصر الحديث كسلعة
معروضة في أبشع الأسواق
يتندر العشاق فيه ببعضهم
ويقاطعون مكارم الأخلاق
ويمهدون له بكل عبارة
مأخوذة من دفتر الفساق
كسروا براءته وطافوا حولها
يستهزئون بطهرها المهراق
وتعلقوا بغناء كل غريقة(5/20)
في لهوها مصبوغة الأشداق
تبكي وتضحك وهي أكذب ضاحك
باك وأصدق عابث أفاق
الحب في العصر الحديث رواية
ممسوخة عرضت على الأطباق) 1
أسقط معها طابعها الأنثوي
جعلها تتنفس(فقط) الهَم الدنيوي
حتى وقفت على شفير النااار!!
فأين هَم الآخرة؟؟؟
يقول الله - تعالى -: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ)2
تلك الحفرة التي تنتظرنا...
إما أن تكون استراحة الهانئين أم سعير المذنبين
إما جنان ونعيم أم قبر وحجيم
ويح حال من قدمت المهم على الأهم
من خلعت الحجاب وهي تبتسم!
أين ذهب الحياء من الخالق أذهب أدراج الرياح!!؟
لِم كشفت وجهها وزينت الوشاح!
لِم لا تقولها بملء الفم...
من بعد اليوم لن أعيش لهمي الدنيوي
مللت الغفلة وهذا البيات الشتوي!!
ألا ترين أختاه....
في كل يوم تمر أمام أعيننا ألوان وأشكال من الكاسيات العاريات
التي تكدست بشاكلتهن الشوارع والمجلات..
من هجرت الأنوثة باسم الحرية
وضعت كتفها بكتف الرجل
وتقوم بالأذان والإمامة في الصلاة!
بعد أن تأبطت ذراع المساواة
يقول - تعالى -عن مثل هؤلاء: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)3
أختاه....
يامن سقيتِ بذرة الخير التي في قلبكِ بدموع الاستغفار
أدعوكِ أن تكوني داعية في نفسك
علمي قلبكِ أن يكون وطن التضحيات
أن تأخذي بيد الغافلات
ما أجمل أن نأخذ من العفاف سياج!
وتكون عباءة الرأس على رؤوسنا كالتاج
بإيجاز(5/21)
كوني درة مكنونة بعباءة الرأس والقفاز
http://www.dawahwin.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
الدلالة المحكمة لآية الحجاب على وجوب تغطية الوجه
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- قال الله - تعالى -: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن".
ذكر في سبب نزول هذه الآية، آية الحجاب، بعض الآثار المفسرة:
- منها ما روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده: عن أنس قال: " قال عمر - رضي الله عنه -: قلت: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب". [التفسير، باب قوله - تعالى -: "لا تدخلوا بيوت النبي"].
- وروى عنه قال: "أنا أعلم الناس بهذه الآية: آية الحجاب. لما أهديت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت معه في البيت، صنع طعاما ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج، ثم يرجع، وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله - تعالى -: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه" إلى قوله: "من وراء حجاب"، فضرب الحجاب، وقام القوم". [المصدر السابق].
هذه الآية تضمنت أربعة أمور، هي:
1. مسألة، هي: الحجاب.
2. خطابا متجها إلى الأزواج ( أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -).
3. وحكما، هو: وجوب الحجاب الكامل ( سائر البدن مع غطاء الوجه والكف).
4. وعلة للحكم، هي: تحصيل طهارة القلب.
فأما الثلاثة الأولى فلا يختلف قول عالم فيها..لكن الخلاف في الرابعة:
- فمنهم من اعتبرها ( العلة)، فبنى عليها عموم الحكم لجميع النساء، بما فيهن الأزواج، لحاجة الجميع إلى طهارة القلب، وهم الموجبون تغطية الوجه على الجميع.
- ومنهم من أهملها ( العلة)، فجعل الحكم خاصا بمن خوطب بها، وهم الأزواج، وهم المبيحون كشف الوجه لسائر النساء، سوى الأزواج، وحجتهم أمران:
الأول: توجه الخطاب إليهن ( الأزواج).
الثاني: نصوص وآثار متشابهة، توهم جواز الكشف.
وأما القائلون بوجوب الغطاء للجميع، فكانت حجتهم الأوجه الخمسة التالية:
* * *
الوجه الأول: عموم العلة يلزم عنه عموم الحكم، وتأكد العلة يلزم عنه تأكد الحكم.
إذا ثبت أن الحكم في الآية معلل، فمتى وجدت العلة، فثم الحكم.. وهذا هو القياس المستعمل في الفقه.(5/22)
والقياس هو: حمل فرع على أصل، في حكم، بجامع بينهما. فلا بد في كل قياس من: أصل، وفرع، وعلة، وحكم. وهذه أركان القياس [انظر: مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص243]
وأركان القياس موجودة في هذه الآية:
فالأصل: أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث الخطاب متجه إليهن.
والحكم: الحجاب الكامل عن الرجال.
والعلة: تحصيل طهارة القلب مطلوب لهن، وللرجال.
والفرع هو: سائر نساء المؤمنين.
فهل العلة موجودة فيهن؟. الجواب: نعم. تحصيل طهارة القلب مطلوب لهن، وللرجال.
إذن فالعلة واحدة في الجميع، وعليه فالحكم واحد للجميع.
فمدار الحكم على العلة، ولا يمكن أن يدعي أحد استغناءه عن تحصيل طهارة القلب، ولا أن نساء المؤمنين لسن في حاجة إلى تحصيل طهارة القلب، ولا يصح إبطال هذه العلة الظاهرة من الآية، لأمرين:
الأول: لوضوحها علة للحكم.
الثاني: لأن الكلام حينئذ يكون معيبا، حاشا كلام الله - تعالى -.
قال الشنقيطي في تفسيره [6/584]: "في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلة الذي دل على أن قوله - تعالى -: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" هو علة قوله - تعالى -: "فاسألوهن من وراء حجاب"، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته: هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان الكلام معيبا عند العارفين".
فالعلة في الآية هي: طهارة القلب. وإذا لم تكن هذه علة الحكم، فالكلام حينئذ معيب، بحسب هذا المسلك الأصولي: مسلك الإيماء والتنبيه. كما ذكر الشيخ - رحمه الله -، وحاشا لكلام الله - تعالى - أن يكون معيبا، بل كونها علة الحكم، شيء ظاهر ليس خفيا، فإذا ثبتته علتها، انتفى التخصيص، لأن العلة حيثما وجدت وجد الحكم، وحينئذ فالحكم هو العموم.
وبهذا القياس يثبت عموم الحكم، وهذا القياس الذي يستعمله الفقهاء يسمى قياس التمثيل، الذي يستوي فيه الأصل والفرع في الحكم، وثمة قياس أعلى منه رتبة، لا يستعمل إلا في تفضيل شيء على شيء، وهو قياس الأولى، ولهذه الآية حظ من هذا القياس العالي، وفحواه: أن الخطاب إذا توجه إلى فئة معينة، بحكم معين، لأجل علة معينة، فإذا وجدت العلة في فئة أخرى، فهي مخاطبة بنفس الحكم، فإن وجدت فيها العلة بصورة أقوى، فهي أولى بالخطاب.. فكلما كانت العلة آكد، كان الحكم آكد.
فالآية خاطبت فئة معينة هي: أمهات المؤمنين. بحكم معين هو: الحجاب. لأجل علة معينة هي: تحصيل طهارة القلب. وإذا سألنا: من أحوج إلى هذه الطهارة: ألأمهات،(5/23)
أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، المصطفيات المبرءآت من كل سوء، بشهادة الله - تعالى -لهن: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"؟.. أم سائر المسلمات، اللاتي فيهن المحسن، والمقتصد، والظالم؟.
لا ريب أن الجواب: أن سائر المسلمات أحوج إلى هذه الطهارة، فالعلة فيهن أقوى، فهن إذن أولى بالحكم.
ومثل هذا قوله - تعالى -: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين".
فإذا كان هذا تحذير الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الشرك، مع علو منزلته ورفعة درجته عند الله - تعالى - .. فمن لم يعرف منزلته ولا درجته، ولم يدر مآله وعاقبته، فأولى بالتحذير، وأحرى بالحذر منه.
ومثل أمره - تعالى - في بر الوالدين بقوله: "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما".. فإذا كان الله - تعالى - نهى الولد عن إظهار التذمر والضجر بقول: أف. لهما، وانتهارهما، فالنهي عن السب والضرب من باب أولى، لأنه أسوء وأردء.
* * *
الوجه الثاني: خطاب الواحد يعم الجميع.
تقرر في علم الأصول: أن الخطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة. لاستوائهم في التكليف، إلا بدليل خاص.
وأهل الأصول متفقون على هذا، وما يبدو من خلاف بينهم، فهو صوري أو حالي.
- فإن منهم من يرى خطاب الواحد نفسه، من صيغ العموم.
- ومنهم من يرى أن خطاب الواحد لا يعم، إنما الذي يعم حكمه، بدليل آخر: نصا، أو قياسا.
ويدل على هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم -:
(إني لا أصافح النساء، وإنما قولي لمائة امرأة، كقولي لامرأة واحدة). [رواه النسائي في البيعة، باب: بيعة النساء، من حديث أميمة بنت رقيقة. صحيح النسائي 3/875]
يقول الشنقيطي [أضواء البيان 6/589-591]: " ومن الأدلة على حكم آية الحجاب عام: هو ما تقول في الأصول من أن خطاب الواحد يعم جميع الأمة، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة الحج، في مبحث النهي عن لبس المعصفر، وقد قلنا ذلك، لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لواحد من أمته، يعم حكمه جميع الأمة، لاستوائهم في أحكام التكليف، إلا بدليل خاص، يجب الرجوع إليه، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد: هل هو من صيغ العموم، الدالة على عموم الحكم؟.
خلاف في حال، لا خلاف حقيقي، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم، أن خطاب الواحد لا يعم، لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره، وإذا كان لايشمله وضعا، فلا يكون من صيغ العموم، ولكن أهل هذا القول موافقون، على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره، ولكن بدليل آخر، غير خطاب الواحد، وذلك الدليل بالنص، والقياس.(5/24)
أما القياس فظاهر، لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه، بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف، من القياس الجلي، والنص كقوله - صلى الله عليه وسلم - في مبايعة النساء: (إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة)...
وبهذه القاعدة الأصولية التي ذكرنا، نعلم أن حكم آية الحجاب عام، وإن كان لفظها خاصا بأزواجه - صلى الله عليه وسلم -، لأن قوله لامرأة واحدة من أزواجه، أو من غيرهن، كقوله لمائة امرأة".
ويقول الشيخ الألباني: "إذا خاطب الشارع الحكيم فردا من الأمة، أو حكم عليه بحكم، فهل يكون هذا الحكم عاما في الأمة، إلا إذا قام دليل التخصيص؟، أو يكون خاصا بذلك المخاطب؟.
اختلف في ذلك علماء الأصول، والحق الأول، وهو الذي رجحه الشوكاني وغيره من المحققين، قال ابن حزم في أصول الأحكام 3/88-89: وقد أيقنا أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى كل من كان حيا، في عصره، في معمور الأرض، من إنس أو جن، وإلى من يولد بعده إلى يوم القيامة، وليحكم في كل عين وعرض يخلقها الله إلى يوم القيامة، فلما صح ذلك بإجماع الأمة المتيقن المقطوع به، المبلغ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبالنصوص الثابتة، بما ذكرنا من بقاء الدين إلى يوم القيامة، ولزومه الإنس والجن، وعلمنا بضرورة الحس أنه لا سبيل لمشاهدته - عليه السلام - من يأتي بعده، كان أمره - صلى الله عليه وسلم - لواحد من النوع، وفي واحد من النوع، أمرا في النوع كله، وللنوع كله، وبين هذا أن ما كان في الشريعة خاصا لواحد، ولقوم، فقد بينه - عليه السلام - نصا، وأعلمه أنه خصوص، كفعله في الجذعة بأبي بردة بن نيار، وأخبره - عليه السلام - أنه لا تجزيء عن أحد بعده، وكان أمره - عليه السلام - للمستحاضة أمرا لكل مستحاضة، وإقامة ابن عباس وجابر عن يمينه في الصلاة، حكم على كل مسلم ومسلمة يصلي وحده مع إمامه، ولا خلاف بين أحد في أن أمره لأصحابه - رضي الله عنهم - وهم حاضرون، أمر لكل من يأتي إلى يوم القيامة.
ثم شرع في الرد على من خالف في ذلك، تأصيلا، أو تفريعا". [تمام المنة 41-42].
فالشيخ إذن يقر بهذا القاعدة، لكنه يبدو أنه أخذ بالاستثناء، لقيام الدليل عنده على تخصيص حكم غطاء الوجه بالأمهات، لكن إذا ثبت بطلان هذا التخصيص، بما تقدم من عموم العلة، وما سيأتي من أوجه، فحينئذ يلزمه القول بعموم غطاء الوجه لجميع النساء.
* * *
الوجه الثالث: التعليل بالحرمة يوجب إلغاء الخصوصية.
وبيان هذا الوجه: أنه لما لم يكن لخصوصية الحكم وجه، استنبط المدعون الخصوصية علة عجيبة فقالوا:
إنما جاء الحكم خاصا بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل حرمتهن، فحرمتهن أعظم من حرمة سائر المسلمات، لذا تحجبن. !!.
فانظر كيف غيروا العلة، فبعد أن كانت في الآية هي: تحصيل طهارة القلب. جعلوها: الحرمة والمنزلة؟!!.(5/25)
والحرمة والمنزلة ثابتة لهن رضوان الله عليهن، لكن لنا أن نقلب المسألة فنقول: بل حرمتهن موجب لعدم حجابهن ( غطاء الوجه)، لأن الحجاب شرع للمرأة لصونها، وأمهات المؤمنين لا مطمع فيهن لأمرين:
أولاً: لأن الله - تعالى -حرم نكاحهن: "وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما".. فإذا حرم نكاحهن، فلا يطمع فيهن طامع، فلا موجب لغطاء الوجه حينئذ حينئذ.
ثانيا: لأن زمانهن كان خير الزمان وأطهره، ففيه أشراف الرجال وأعظمهم إيمانا: الصحابة رضوان الله عليهن. وقد كانوا هم الخلفاء، فبذلك صيانتهن متحققة حتى بدون حجاب الوجه.
ثم مع كل ذلك نقول: إذا كان وجوب الحجاب الكامل في حقهن لأجل حرمتهن ومنزلتهن.. فلم لم تؤمر بناته - صلى الله عليه وسلم - بالحجاب الكامل كذلك؟!!.. أليست حرمتهن أعظم من حرمة سائر المسلمات؟.
إن قالوا: ليست لهن حرمة كأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فقد غلطوا، بل حرمة بعضهن أعظم من بعض الأزواج، كفاطمة - رضي الله عنها -، فهي سيدة نساء الجنة.
وإن قالوا: لهن حرمة كالأزواج.
لزمهم أن يقولوا بوجوب الحجاب الكامل في حقهن كالأزواج.. ولو قالوا كذلك لم يعد الحكم خاصا بالأزواج، ومن ثم نقضوا مذهبهم في خصوصية الحكم في الآية بالأزواج، فهاهم أدخلوا البنات فيه.
فهم بين أمرين أحلاهما مر، فليس أمامهم إلا القول بعموم الحكم، ولو كان الخطاب خاصا، وهو الحق.
* * *
الوجه الرابع: القول بالخصوصية يتضمن إباحة ما ثبت تحريمه.
وبيان هذا الوجه: أن الآية نصت على أن الرجال إذا سألوا النساء شيئا فلا بد أن يكون بينهما حجاب، والحجاب هنا على نوعين:
الأول: إذا كن في بيوتهن، فالحجاب حينئذ: ستار، أو جدار، أو باب. والآية جاءت في هذا السياق.
الثاني: إذا كن خارج البيوت، فالحجاب حينئذ الجلباب، الذي يغطي سائر البدن، بدون استثناء شيء.
فمن قال بعموم الآية في حق أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا نساء المؤمنين، فلا إشكال حينئذ، فإنهن مأمورات بالاستتار عن الرجال في كل حال:
- إن كن في البيوت، فبالستائر، والجدر، والأبواب.
- وإن كن خارج البيوت، فبالجلباب الساتر لجميع البدن.
لكن إذا قيل الآية خاصة بالأمهات، فالأقسام ثلاثة:
1. أن يكون التخصيص في البيوت دون خارجها.
2. أن يكون التخصيص خارج البيوت دون داخلها.
3. أن يكون التخصيص في البيوت وخارجها.(5/26)
فأما القسمان الأولان فباطل، من وجه اجتمعا فيه، وهو: التخصيص في حال، والتعميم في حال.
فهذا التخصيص والتعميم: إبطال للتخصيص من أصله.
لأن مبنى التخصيص هنا هو قولهم: أن الخطاب توجه إلى الأزواج رضوان الله عليهن.
فالقول بعدئذ بعموم بعض أجزاء الخطاب، فيه الإقرار:
بأن مجرد توجه الخطاب إليهن، ليس كافيا في إثبات التخصيص، ولا دليلا عليه.
وهذا إبطال للتخصيص، فللمنازع أن يقول: ما دام بعض الخطاب عاما، فلا مانع من عموم بعضه الآخر. وليس لأهل التخصيص دفع هذا الاعتراض، أو نقضه.
فإن قالوا: الدليل أصله التخصيص، ولا يلغى هذا إلا بدليل يدل على العموم، ففي حال البيوت: دل الدليل على العموم. وفي حال خارج البيوت: لم يدل دليل على العموم،. فبقي على أصله.
فيقال: هذا تسليم منكم، بأن مجرد توجه الخطاب إلى الأزواج، ليس دليلا على التخصيص، وهذا مطلوب. وأما دعواكم وجود ما يلغي التخصيص خارج البيوت فمردود بما سبق من الأوجه الثلاثة:
الأول: عموم العلة يلزم عنه عموم الحكم، وتأكد العلة يلزم عنه تأكد الحكم.
الثاني: خطاب الواحد يعم الجميع.
الثالث: التعليل بالحرمة يوجب إلغاء الخصوصية.
وبهذا يثبت العموم، فالآية قطعية الثبوت، ودلالتها على غطاء الوجه قطعية، كما أثبتنا، والقطعية والعموم يثبت وجوب تغطية الوجه على سائر المؤمنات، بلا استثناء.
- وللقسم الأول وجه آخر، ينفرد به، يدل على بطلانه، فإنه معناه:
جواز دخول الأجانب على سائر النساء، سوى الأزواج أمهات المؤمنين، وهذا باطل، لا يقول به أحد، حتى أهل التخصيص، لورود النهي عن ذلك، قال - صلى الله عليه وسلم -: (إياكم والدخول على النساء). [رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم]
كما أن معناه: أن تغطية الوجه واجب على الجميع: الأزواج، وسائر النساء. وهذا وإن كان صحيحا، لكن لا يقول به أهل التخصيص. فهذا القسم ليس قولا لأهل التخصيص.
- وأما القسم الثاني فباطل، وإن كان يقول به أهل التخصيص، فإن معناه:
أن الحكم عام في البيوت، فلا يدخل أجنبي على المسلمات، ولا الأزواج، لكنه خارجها خاص بالأمهات، دون النساء. وهو باطل، كما تقدم، لأن في الإقرار بعموم الخطاب: إبطال للتخصيص.
- وأما القسم الثالث فهو باطل أيضا، وذلك أنه يتضمن أمرين:
- أولا: أن لسائر النساء كشف الوجه والكف خارج البيوت.
- ثانيا: أن لسائر النساء أن يأذنّ للأجانب، بالدخول عليهن بيوتهن، لسؤال متاع.
وهذا التخصيص المطلق، في الحالين، وإن لم يقل به أهل التخصيص، فهو لازم القول بالتخصيص.(5/27)
إذن النتيجة:
1. القسم الأول باطل عند الجميع.
2. القسم الثاني قول أهل التخصيص، وهو باطل، لأن فيه إبطال للتخصيص، بتعميم بعض الخطاب.
3. القسم الثالث باطل عند الجميع، ويلزم أهل التخصيص.
4. القسم الرابع وهو العموم في الحالين، هو القول الحق والصواب، الخالي من المعارضة.
* * *
الوجه الخامس: أقوال العلماء في تفسير الآية تفيد العموم.
للعلماء مذاهب في هذه الآية:
- فبعضهم نص على التخصيص صراحة، وهم قلة، ولم أقف، من هذا الصنف، إلا على اثنين هما: ابن جزي الكلبي في تفسيره، والطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير. هذا من حيث من المفسرين، أما غيرهم، فالمجزوم به: أن كل من يقول بالكشف، فإنه يقول: الآية خاصة بالأزواج.
- وبعضهم لم ينص صراحة على التخصيص، وكلامه محتمل، وحمله على العموم أرجح، لأن التخصيص لايستفاد إلا من صريح القول، ومن هذا الصنف الرازي وأبو السعود.
- والصنف الثالث نص صراحة على عموم حكم الآية، منهم: ابن جرير، وابن العربي، والقرطبي، وابن كثير، والجصاص، والشوكاني، والشنقيطي، وكذا الشيخ حسنين مخلوف، مفتي الديار المصرية، وذهب إلى هذا أيضا: محمد أديب كلكل، وسعيد الجابي، ووهبي سليمان غاوجي، وأبو هشام عبد الله الأنصاري، وعبد العزيز بن خلف [انظر أقوالهم في: عودة الحجاب 3/240-247]وبالعموم فكل من قال بوجوب غطاء الوجه على الجميع، فهو يقول بعموم هذه الآية، حتى من يقول بأن آية الحجاب في المساكن، وآية الجلباب في البروز، كابن تيمية، لا يمنع من دلالة هذه الآية على الحجاب، كما سيأتي قوله، وهذه أقوال طائفة من المفسرين الذين صرحوا بعموم حكم الآية:
1. قال ابن جرير في تفسيره جامع البيان عن تأويل آي القرآن [19/166]: "يقول: إذا سألتم أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج: متاعا: {فاسألوهن من وراء حجاب}، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن".
2. قال ابن العربي في تفسيره أحكام القرآن، في تفسيره الآية [3/1579]: "هذا يدل على أن الله أذن في مساءلتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتى فيها، والمرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة، أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعن ويعرض عندها".
3. قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن [14/227]: "في هذا الآية دليل على أن الله - تعالى -أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة(5/28)
يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة: بدنها وصوتها، كما تقدم، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين وعندها".
4. قال ابن كثير في تفسيره [6/446] في تفسير الآية المتممة لآية الحجاب: "لا جناح عليهن في آبائهن.. ": "لما أمر الله - تعالى -النساء بالحجاب من الأجانب، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم، كما استثناهم في سورة النور، عند قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن}".
5. قال الجصاص في أحكام القرآن، في تفسيره الآية [5/242]: "هذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، فالمعنى عام فيه وفي غيره، إذ كنا مأمورين باتباعه والاقتداء به، إلا ما خصه الله به دون أمته".
6. قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير [4/298]: ""ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"، أي أكثر تطهيرا لها من الريبة، وخواطر السوء، التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال، وفي هذا أدب لكل مؤمن، وتحذير له، من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، والمكالمة من دون حجاب لم تحرم عليه".. قال: "ثم بين - سبحانه - من لا يلزم الحجاب منه، فقال: "لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن"، فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا غيرهن من النساء الاحتجاب منهم".
7. قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن [6/584]: "في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلة الذي دل على أن قوله - تعالى -: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن" هو علة قوله - تعالى -: "فاسألوهن من وراء حجاب"، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته: هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان الكلام معيبا عند العارفين".
8. قال الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية [انظر: عودة الحجاب 3/240، نقلا عن صفوة البيان لمعاني القرآن 2/190]: " وحكم نساء المؤمنين في ذلك حكم نسائه - صلى الله عليه وسلم -".
أما العلماء الذين نصوا على الخصوصية من غير المفسرين، فمنهم:
9. القاضي عياض، قال: [الفتح 8/530]: " فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز".
10. قال أبو جعفر الطحاوي [شرح معاني الآثار 2/392-393. انظر: الرد المفحم ص34]: "أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النساء، إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله - تعالى".(5/29)
11. قال ابن بطال [الفتح 1/10]: "فيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل. قال: فيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا، لإجماعهم على أن المرأة تبدي وجهها في الصلاة، ولو رآها الغرباء، وأن قوله: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" على الوجوب في غير الوجه".
* * *
- استطراد: اعتراض، وجواب.
قال بعضهم: لما كان على الأمهات ستر شخوصهن، ولم يكن ذلك على سائر المؤمنات، صح حينئذ القول بأن ثمة حجاب خاص للأمهات، يفترق عن سائر المؤمنات، فإذا ثبت التفاوت، فالقول بأن الأمهات عليهن تغطية الوجه، دون غيرهن، فمن هذا الباب، فهذا أساس في المسألة.
ويقال: هذا المذهب باطل، يخالف الآثار، وهو مذهب القاضي عياض وقد رده ابن حجر، حيث قال تعليقا على حديث الحجاب الآنف [الفتح 8/530]: "وفي الحديث من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين، قال: عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز. ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وإن زينب بنت حجش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها. انتهى.
وليس فيما ذكر دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن ويطفن، وكان الصحابة من بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟، قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب".
وفي كل حال: هذه المسألة خارج محل النزاع، فليس النزاع في ستر الشخوص، بل في ستر الوجوه، فلو ثبت وجوب ستر الشخوص للأزواج واختصاصهن به، لم يكن ذلك دليلا على أن ستر الوجوه خاص به، بل قد يقال: هو دليل على عموم حكم غطاء الوجه، وإنما الذي اختصت به الأمهات ستر الشخوص.
* * *
- استطراد آخر: اعتراض، وجواب.
قال الشيخ الألباني في كتابه [الرد المفحم ص10]: " يزعم كثير من المخالفين المتشددين: أن الجلباب المأمور به في آية الأحزاب هو بمعنى الحجاب المذكور في الآية الأخرى: "فاسألوهن من وراء حجاب"، وهذا خلط عجيب، حملهم عليه علمهم بأن الآية الأولى لا دليل على أن الوجه والكفين عورة، بخلاف الآية الأخرى، فإنها في المرأة ودارها، إذ إنها لا تكون عادة متجلببة ولا متخمرة فيها، فلا تبرز للسائل، خلافا لما يفعله بعضهن اليوم ممن لا أخلاق لهن، قد نبه على هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في الفتاوى 15/448: (فآية الجلابيب في الأردية عند البروز من(5/30)
المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن). قلت: فليس في أي من الآيتين ما يدل على وجوب ستر الوجه والكفين".
من هذا يتضح أن للشيخ رأيا خاصا في الآية، فهو يرى عموم حكمها جميع النساء، لكنه يخصها بالبيوت، وكأنه أعمل قاعدة: "خطاب الواحد يعم الجميع"، لكنه نظر إلى سياق الآية، فحكم بأنها في البيوت، دون الخارج، لكن في قوله ثمة إشكال مبني على مذهبه في جواز كشف الوجه، وهو: إذا كان يقصر آية الحجاب على المساكن، ويمنع دلالة آية الجلباب على تغطية الوجه، فمن أين أوجب على الأزواج التغطية؟!.
من أجاز كشف الوجه، فلا دليل لديه يوجب تغطية الأزواج الوجه إلا آية الحجاب، وليس في الآثار أمر للأزواج بالتغطية، بل غاية ما فيها تطبيقهن لهذا الحكم، فإذا قصر القائلون بالكشف آية الحجاب على المساكن، حينئذ لا يبقى لديهم دليل يوجب التغطية على الأزواج وجوههن خارج البيت، فيلزمهم القول بجواز كشف الأزواج وجوههن. وهذا لم يقل به أحد، ولا الشيخ نفسه.
فليس ثمة طريق إذن، للقول بوجوب تغطية الأزواج وجوههن، إلا التسليم بشمول حكم آية الحجاب البيت وخارجه، وإذا فعل فقد أقر بأن الآية تدل وجوب التغطية داخل البيوت وخارجها، وحينئذ يلزمه القول بعموم الحكم نساء المؤمنين، لبطلان التخصيص، كما تقدم، ولأن الشيخ كذلك لا يقول بتخصيص الحكم.
وينتبه هنا: إلى أنه على قول من يوجب التغطية على الجميع، فلا إشكال في تخصيص آية الحجاب بالمساكن، وآية الجلباب في البروز من المساكن، لأن هؤلاء يستدلون بآية الجلباب على التغطية، وحينئذ فهي دليل وجوب التغطية في حق الأزواج، كما هو في حق سائر النساء، وهذا هو مذهب ابن تيمية - رحمه الله تعالى -.
وإذا كانت هذه هي صورة المسألة، فما كان للشيخ أن يستدل على ما ذهب إليه بشيخ الإسلام ابن تيمية، دفعا للإيهام، من أنه يقول بالكشف، فإنه من القائلين بوجوب تغطية الوجه على عموم النساء، ويستدل على ذلك بآية الجلباب، وإذا كان كذلك وجب أن يفهم قوله المنقول في ضوء هذا المذهب، يقول:
"وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة. وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة، لغير الزوج وذوى المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذا ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها، لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله - عز وجل - آية الحجاب، بقوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" حجب النساء عن الرجال" [الفتاوى 22/110].
على أنه يقال: إن القول بقصر دلالة آية الحجاب على البيوت مطلقا يعارض علة الآية، التي هي: "ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن"، فالطهارة مطلوبة في الحالين، ومن ثم فالقصر ممتنع، وكون سياق الآية جاء في البيوت، فلا يمنع ذلك من تعميم الحكم خارجه لوجود العلة، والقاعدة معروفة: "العبرة بعموم اللفظ، لابخصوص السبب".(5/31)
كذلك لم نجد في أقوال المفسرين التصريح بالقصر، بل ظاهر كلامهم شمول الحكم البيوت وخارجها.
وقد ذهب الشيخ الألباني - رحمه الله تعالى -إلى أنه لا نص صريح الدلالة، على وجوب ستر الوجه واليدين، ومن ثم فلا يصح حمل النصوص المبيحة على ما قبل الأمر بالحجاب.. قال [الرد المفحم ص122]:
" الشبهة الخامسة: قال أحد الفضلاء: وعلى التسليم بصحة الحديث، يحمل على ما قبل الحجاب، لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم. فأقول: لا يصح الحمل المذكور هنا لأمرين:
الأول: أنه ليس في تلك النصوص، ما هو صريح الدلالة، على وجوب ستر الوجه واليدين، حتى يصح القول بأنها ناقلة عن الأصل.
الثاني: أن نصوص الحجاب المشار إليه تنقسم إلى قسمين من حيث دلالتها:
الأول: ما يتعلق بحجاب البيوت، حيث المرأة متبذلة في بيتها، فهذا لا علاقة له بما نحن فيه، على أنه ليس في إلا آية الأحزاب: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب"، وقد قدمنا عن ابن تيمية أنها في البيوت.
والآخر: ما يتعلق بالمرأة إذا خرجت من بيتها، وهو الجلباب... ".
ويفهم من كلامه، أنه لو وجد نص صريح الدلالة على الوجوب، فإنه يكون ناسخا لكل نص يبيح الكشف.
وبما سبق من تفصيل وأوجه، يتبين أن هذه الآية نص صريح الدلالة، في وجوب تغطية الوجوه، لعموم النساء، ويمتنع أن يكون حكم الآية قاصرا على البيوت، لأنه الدليل الوحيد، الذي يوجب تغطية الأزواج وجوههن، عند من يخصهن بالتغطية، فقصر دلالته على البيوت، يعطل دلالته على هذا الحكم، ولا قائل بهذا أحد، ولا الشيخ نفسه.
* * *
فإذا ثبت عموم الحكم في آية الحجاب: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن".. فلم يعارضه معارض صحيح يقصر الحكم على الأزواج، فنخرج من ذلك بنتيجة مهمة هي: أن الشارع يؤصل للحجاب الكامل، بتغطية الوجه وسائر البدن. بصريح هذه الآية، التي لم يجد أحد طريقا لصرف معناها وحكمها في حق سائر المؤمنات إلا دعوى الخصوصية بالأزواج..
وقد علم بطلان هذه الخصوصية بما سقنا من أدلة شرعية وعقلية وأقوال للعلماء.
والنتيجة المهمة هنا هي:
- أنه إذا كانت الآية قطعية الثبوت، وهذا بإجماع المسلمين، لأنها من القرآن، والله - تعالى -حفظه.
- وإذا ثبتت قطعية دلالتها على وجوب الحجاب الكامل، بما سبق من الوجوه والأدلة.
فنخرج من ذلك: أن الآية محكمة الدلالة، فتكون من المحكمات، التي يصار إليها حين الخلاف، فما عارضها، وكان ثابتا بسند صحيح، بدلالة صريحة على الكشف، فهو متشابه، كأن يكون قبل الأمر بالحجاب، أو لعذر خاص، وحالة خاصة،، فيرد هذا(5/32)
المتشابه إلى هذا المحكم، ويفهم في ضوئه، وبذلك ينتفي التعارض، فهذا سبيل التعامل مع المحكمات، لا يصح ولا يجوز تعطليها لأجل متشابه.
هذا لو كان هذا المتشابه بهذا الوصف من الثبوت والدلالة، فكيف إذا كان باطل السند، كحديث أسماء، أو محتمل الدلالة غير قطعي في الكشف، كحديث الخثعمية، وهذا حال الآثار التي استدل بها الذين أجازوا الكشف، فحينئذ فلا ريب أن الواجب طرحه، وعدم الالتفات، ولا يجوز بحال تقديمه على نص محكم.
http://www.saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
حينما ينتحر العفاف
العفة والطهر والشرف والفضيلة سمات بارزة ومعاني ظاهرة وأصول متجذرة في نفسية المؤمن والمؤمنة، عمل على تأصيلها وتأسيسها وتثبيتها هذا الدين حتى كانت مظهرا حضاريا وسمة من سمات هذا الدين.
الله - سبحانه وتعالى - حمى الأعراض وحرم الفواحش وشرع أقسى العقوبات لمن يعتدي على حرمات الله ولا يكتفي بالحلال، فأمر أولا بغض الأبصار وقال في كتابه الكريم: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم). هذا كلام الله أيها الاخوة.
وكما أن الأمر موجه للرجال بغض الأبصار، أيضا موجه للمرأة بغض بصرها: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن).
وغض البصر من أعظم العوامل الوقائية للحيلولة دون وقوع الفاحشة.
وأمر أيضا بعامل وقائي آخر وهو حجاب المرأة، لماذا؟ لأنه قد يكون بالناس من لا يغض بصره، فإذا أطلق بصره هذا الفاجر لم يرى شيئا، يرى امرأة محجبة مستورة، ولذا كان الحجاب دينا تعبد المرأة ربها به، لأن أية الحجاب بالقرآن كآية الصلاة والصوم والحج.
فإذا لبست المرأة حجابها فكأنما وقفت في محرابها، ولذا فهي في عبادة منذ أن تلبس الحجاب حتى تخلعه وهي كأنها تصلي وتصوم.
الحجاب ليس عادة وليس موروث ولا تقليد. الحجاب عقيدة، الحجاب دين تعبد المرأة به ربها - سبحانه وتعالى -.
وهو حفظ لها وليس لتشكيك فيها أو لنزع الثقة منها. فلو أن أحدا يعفى من الحجاب بوجود الثقة فيه لأعفي نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، أطهر خلق الله.
يقول الله في أمر الحجاب: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما).
أيضا أمر المرأة بالقرار بالبيوت، لأنها إذا خرجت أصبحت عرضة للنظر، الرجل هو الذي يخرج، لأن الله وزع المسؤوليات على الناس، فجعل مسؤولية الرجل خارج البيوت مسؤولية المرأة داخل البيت كنوع من التنظيم الرباني.
وقال للنساء: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى).
خلاص، هذه شغلتك، أكبر وظيفة للمرأة أنها تقر في بيتها.(5/33)
وحرم أيضا الخلوة بالرجل الأجنبي، وأخبر: (أنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).
حين يعيش الناس أيها الأخوة على هذه التعاليم الربانية يحيون حياة كريمة، وحياة فاضلة، أعراضهم مصونة، ونفوسهم مطمئنة، وقلوبهم مرتاحة، وهاماتهم ورؤوسهم مرتفعة.
أما حين يتجاهلون هذه التعاليم ويضيعون أمر الله فلا يغضون أبصارهم ولا يحجبون نسائهم، ويتركون للمرأة الحبل على الغارب، ولا يتابعونها ولا يراقبونها بتصرفاتها، هنالك يعرضون أنفسهم للهوان ويعرضون عارهم للسقوط والخسران، ثم يعرضون أنفسهم للعذاب والدمار في دار النكاد والبوار إن ماتوا على ذلك والعياذ بالله.
وإنه وللأسف الشديد أيها الأخوة فإن كثيرا من الناس لم يتقيد بهذه الأوامر ولم يأخذ بهذه الأسباب ولم يراعي هذه الاحتياطات فكان نتيجة ذلك حلول المصائب ووقوع المشاكل التي سوف نذكر منها طرفا في هذا المجلس على شكل أحداثا واقعة وقصص من عالم الواقع وقعة لكثير من الناس.
ونحن نسوقها للعبرة والعضة وأسلوب القصص أسلوب تربوي جاء في القرآن الكريم وجاءت به السنة المطهرة، والله يقول في القرآن: (لقد كان في قصصهم عبرة). (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك). وما تضمنته الأحاديث من القصص هو نوع من التربية من أجل أن يتخذ الإنسان الحيطة ويأخذ عبرة مما حدث ولا يكون هو للناس عبرة. وهذه القصص التي سوف نقرأها في هذه المحاضرة من عالم الواقع، وهي أحداث مؤلمة وقعت لأفراد من الأمة تساهلوا وفرطوا حتى وقعوا وندموا ولكن حين لا ينفع الندم. ونحن نأخذ منها عظة حتى لا نقع في ما وقعوا فيه، وحتى لا نندم ولكن بعد فوات الأوان. القصة الأولى: يقول أحدهم كان لي صديق أحبه لفضله وأدبه، وكان يروقني منظره، ويؤنسني محضره، قضيت في صحبته عهدا طويلا، ما أنكر من أمره ولا ينكر من أمري شيئا حتى سافرت وتراسلنا حينا ثم انقطعت بيننا العلاقات. ورجعت وجعلت أكبر همي أن أراه لما بيني وبينه من صلة، وطلبته في جميع المواطن التي كنت ألقاه فيها أجدله أثرا، وذهبت إلى منزله فحدثني جيرانه أنه نقل منذ عهد بعيد. ووقفت بين اليأس والرجاء بغالب ظني أني لن أراه بعد ذلك اليوم، وأني قد فقدت ذلك الرجل. وبينما أنا عائد إلى منزلي في ليلة من الليالي دفعني جهلي بالطريق في الظلام إلى سلوك طريق موحش مهجور يخيل للناظر فيه أنه مسكن للجان إذ لا وجود للإنس فيه. فشعرت كأني أخوض في بحر، وكأن أمواجه تقبل بي وتدبر، فما توسطت الشارع حتى سمعت في منزل من تلك المنازل أنة تتردد في جوف الليل، ثم تلتها أختها. فأثر في نفس هذا الأنين وقلت في نفسي يا للعجب كم يكتم هذا الليل من أسرار؟ وكنت قد عاهدت الله أن لا أرى حزينا إلا وساعدته، فتلمست الطريق إلى ذلك المنزل، وطرقت الباب طرقا خفيفا، ثم طرقته طرقا أكثر قوة، وإذا بالباب يفتح من قبل فتاة صغيرة. فتأملتها وإذا في يدها مصباح، وعليها ثياب ممزقة، وقلت لها هل عندكم مريض؟ فزفرت زفرة كادت تقطع نياط قلبها، قالت نعم، افزع فإن أبي يحتضر. والدها، ثم مشت أمامي وتبعتها حتى وصلت إلى غرفت ذات باب قصير، ودخلتها فخيل إلى أني أدخل إلى قبر وليس إلى غرفة، وإلى ميت وليس إلى(5/34)
مريض. ودنوت منه حتى صرت بجانبه، فإذا قفص من العظام يتردد في نفس من الهواء، ووضعت يدي على جبينه ففتح عينيه وأطال النظر في وجهي، ثم فتح شفتيه وقال بصوت خافض: أحمد الله لقد وجدتك يا صديقي. فشعرت كأن قلبي يتمزق وعلمت أنني قد عثرت على ضالتي التي كنت أنشدها وإذا به رفيقي الذي كنت أعرفه، لكنني لم أعرفه من مرضه وشدة هزاله. وقلت له قص علي قصتك، أخبرني ما خبرك. فقال لي أسمع مني: ثم ساق القصة فقال منذ سنين كنت أسكن أنا ووالدتي بيتا، ويسكن بجوارنا رجل من أهل الثراء، وكان قصره يضم بين جنباته فتاة جميلة ألم بنفسي من الوجد والشوق إليها ما لم أستطع معه صبرا. وما زلت أتابعها وأعالج أمرها حتى أوقعتها في شباكي، وأتى في قلبها ما أتى إلى قلبي، وعثرت عليها في لحظة من الغفلة عن الله بعد أن وعدتها بالزواج فاستجابت لي واسلست قيادها وسلبتها شرفها في يوم من الأيام. وما هي إلا أيام حتى عرفت أن في بطنها جنينا يضطرب، فأسقط في يدي، وطفقت أبتعد عنها، وأقطع حبل ودها، وهجرت ذلك المنزل الذي كنت أزورها فيه، ولم يعد يهمني من أمرها شيء. ومرت على الحادثة أعوام، وفي ذات يوم حمل إلي البريد رسالة مددتها وقرأت ما بداخلها وإذا بها تكتب إلي (هذه البنت) تقول: لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهدا دارسا أو حبا قديما ما كتبت والله سطرا ولا خططت حرفا، لأنني أعتقد أن رجلا مثلك رجل غادر وود مثلك ودا كاذبا يستحق أن لا أحفل به وآسف على أن أطلب تجديده. إنك عرفت كيف تتركني وبين جنبي نارا تضطرب وجنينا يضطرب. تلك للأسف على الماضي، وذاك للخوف على المستقبل، فلم تبالي بي وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مؤنة النظر إلى شقاء وعذاب أنت سببه، ولا تكلف يدك مسح دموعا أنت الذي أرسلتها. فهل أستطيع بعد ذلك أن أتصور أنك رجل شريف؟ لا والله بل لا أستطيع أن أتصور مجرد أنك إنسان، إنك ذئب بشري لأنك ما تركت خلة من الخلال في نفوس العجماوات وأوابد الوحوش إلا وجمعتها في نفسك. خنتني إذ عاهدتني على الزواج فأخلفت وعهدك. ونظرت في قلبك فقلت كيف تتزوج من امرأة مجرمة؟ وما هذه الجريمة إلا صنعت يدك وجريرة نفسك، ولولاك ما كنت مجرمة ولا ساقطة، فقد دافعتك جهدي حتى عييت في أمرك وسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير. سرقت عفتي فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب، أستثقل الحياة وأستبطئ الأجل وأي لذة لعيش امرأة لا تستطيع أن تكون في مستقبل أيامها زوجة لرجل ولا أما لولد، بل لا أستطيع أن أعيش في مجمع من هذه المجتمعات إلا وأنا خافضة الرأس مسبلة الجفن، واضعة الخد على الكف ترتعد أوصالي وتذوب أحشائي خوفا من عبث العابثين وتهكم المتهكمين. سلبتني راحتي وقضيت على حياتي، قتلتني وقتلت شرفي وعرضي بل قتلت أمي
وأبي فقد مات أبي وأمي وما أظن موتهما إلا حزنا علي لفقدي. لقد قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك بلغ من جسمي ونفسي وأصبحت في فراش الموت كالذبابة تحترق وتتلاشى نفسا بعد نفس.
10-12-1423 هـ
http://www.islamword.com المصدر:(5/35)
ـــــــــــــــــــ
حجاب المرأه
فقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان، وإن الشروط التي فرضت عليه في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرج بالزينة، وهذا ليس تقييداً لحريتها بل هو وقاية لها أن تسقط في درك المهانة، ووحل الابتذال، أو تكون مسرحاً لأعين الناظرين.
فضائل الحجاب
الحجاب طاعة لله - عز وجل - وطاعة للرسول:
أوجب الله طاعته وطاعة رسول فقال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا [الأحزاب: 36]. وقد أمر الله - سبحانه - النساء بالحجاب فقال - تعالى -: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور: 31]. وقال - سبحانه -: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33]، وقال - تعالى -: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53]، وقال - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب: 59]. وقال الرسول: {المرأة عورة} يعني يجب سترها.
الحجاب عفة فقد جعل الله - تعالى - التزام الحجاب عنوان العفة، فقال - تعالى -: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب: 59]، لتسترهن بأنهن عفائف مصونات فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى، وفي قوله - سبحانه - فَلَا يُؤْذَيْنَ إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر.
الحجاب طهارة قال - سبحانه وتعالى -: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53]. فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب: 32].
الحجاب ستر قال رسول الله: {إن الله حيي ستير، يحب الحياء والستر}، وقال: {أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله - عز وجل - عنها ستره}، والجزاء من جنس العمل.
الحجاب تقوى قال - تعالى -: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26]. الحجاب إيمان والله - سبحانه وتعالى - لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات فقد قال - سبحانه وتعالى -: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ وقال الله - عز وجل -: وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ. ولما دخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عليهن ثياب رقاق قالت: {إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتين غير مؤمنات فتمتعن به}.(5/36)
الحجاب حياء قال: {إن لكل دين خلقاً، وإن خلق الإسلام الحياء}، وقال: {الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة}، وقال عليه الصلاة السلام: {الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإن رفع أحدهما رفع الآخر}.
الحجاب غيرة يتناسب الحجاب أيضاً مع الغيرة التي جُبل عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حرب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرة على النساء وحمية لحرمتهن، قال علي - رضي الله عنه -: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج أي الرجال الكفار من العجم في الأسواق ألا تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار ".
11-12-1423 هـ
http://www.islamword.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
حدث هذا .. في إحدى المستشفيات ..؟!!
في إحدى المستشفيات الخاصة المختلطة.. وكلها مختلطة إلا قليلا: (*)
يعلن مسؤول أن الحجاب ممنوع .. !!.. فعلى كل العاملات نزع غطاء الوجه..
هذا هو الشرط، والممتنعة من تنفيذ الشرط، مصيرها الطرد والإبعاد من أجواء الاختلاط.
في إحدى المدارس الأجنبية المختلطة:
يمنع مدير المدرسة فتاة في الرابعة عشرة من عمرها من دخول المدرسة، إلا بشرط نزع حجاب الرأس.. حجاب الرأس، أما الوجه فهو مكشوف.. والاختلاط حاصل.. ؟؟!!.
يحدث هذا في بلاد المسلمين:
- محاربة غطاء الوجه.. ولو كان الاختلاط حاصلا.
- محاربة غطاء الرأس، ولو كان الوجه مكشوفا، والاختلاط حاصل.
والناس معترضون.. !!..
على أي شيء يعترضون؟..
يعترضون على منعها من غطاء الوجه، ومنعها من غطاء الرأس..
لكن أين اعتراضهم على الاختلاط؟؟!!..
هل هؤلاء يفهمون ما معنى الحجاب، ولم شرع، ولم أمرت به المرأة، ولم أمر الرجل بأمر وليته بذلك؟..
الحجاب هو الحاجز، الذي يفصل بين الشيئين، وحجاب المرأة هو ما يحجزها عن نظر الرجل إلى بدنها..
والغرض معلوم :
هو صون المرأة، وتزكية الرجل، وحفظ المجتمع من انتشار الرذيلة.. ذلك أن انجذاب الرجل إلى المرأة، والعكس، من القوة بحيث إذا لم يوضع هذا الحاجز، خيف عليهما من الوقوع في المحرم.(5/37)
فالحجاب إذن مقصوده ستر محاسن المرأة عن الرجل، فلا يقع نظره على ما يفتنه منها.. وأتم ذلك وأحسنه حجاب البيت، وهو قرارها في بيتها، قال - تعالى -: {وقرن في بيوتكن}..
لكن لما كان من الضرورة أن تخرج المرأة في حاجاتها، كان لها الإذن في ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)، لكن بشرط الحجاب الذي يحقق لها الستر والصون، ولن يكون ذلك إلا بأمرين:
- أن يكون الحجاب في نفسه يحقق الستر، وذلك بأن يكون سابغا لكل البدن، وأن يكون واسعا: لا يبدي شيئا من المفاتن، وأن يكون صفيقا: لا يشف عما وراءه.
- وأن تبتعد قدر الإمكان عن طريق الرجال، فلا تتعرض لهم، إلا بقدر الحاجة إن احتاجت، كبيع وشراء، ونحو ذلك، فلا تمكث أمام نظر الرجل من الزمن ما يمكنه فيها من تأمل حسنها..
فإذا كان هذا هو معنى الحجاب، فإن من يعترض على منع المرأة من ستر وجهها أو رأسها، ولا يعترض على اختلاطها بالذكور، إنما يأخذ من معنى الحجاب ظاهره، وهو اللباس، دون أن ينفذ إلى المعنى الحقيقي وهو: منع افتتان الرجل بالمرأة، وصيانة المرأة من عدوان الرجل..
فإن كل من يفهم هذا المعنى من الحجاب، فلا يمكن أن يرضى للفتاة أن تشارك الفتى في مقاعد الدراسة، ولا يمكن أن يرضى للمرأة أن تشارك الرجل في مقاعد العمل..
فالحجاب في أخص وأعمق معناه هو: الفصل بين الجنسين فصلا تاما .. فلا يلتقيان إلا لعرض طارئ لا بد منه، لا أن تيسر السبل، وتفتح الطرق لأجل وقع هذا الالتقاء.
وعلى هذا، وبهذا جاءت الشريعة: - قال - تعالى -: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}..
فمنع السؤال إلا من وراء حجاب.. أي يكون ثمة حائل بين المرأة والرجل.. وهذا منع للاختلاط.. - قال - تعالى -: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}.
فأمر بغض البصر.. وغض البصر محال في الاختلاط.. فدل على تحريم الاختلاط..
- قال - عليه الصلاة والسلام -: (المرأة عورة).. وكونها عورة.. أي لا يجوز النظر إلى زينتها وشيء من جسدها.. والاختلاط معناه النظر إلى كل ذلك..
- صفوف النساء كانت في مؤخرة المسجد خلف صفوف الرجال، فالنساء كن يصلين مع بعضهن، ولم يكن يشاركن الرجال في الصف.. والرجال مع بعضهم، لا تجد رجلا داخلا في صفوف النساء، ولو كان الاختلاط مباحا، لكانت صفوف الصلاة أولى وأحسن مكان لذلك، حيث إن كل مصل إنما يأتي ليطلب المغفرة والرضوان، لا لأمر دنيوي..
فلم جرى الفصل بين الجنسين بهذه الطريقة، حتى في هذا المكان المقدس، الطاهر؟..
- كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته صبر ولم يلتفت إلى الناس، والناس مثله، فإذا التفت إليهم كان ذلك إيذانا لهم بالإنصراف، كان يفعل ذلك(5/38)
حتى ينصرف النساء أولا، ثم الرجال ثانيا، حتى لا يقع الاختلاط عند باب المسجد، وفي الطريق..
- كان للنساء يوم يأتيهن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلمهن أمور دينهن، وله مع الرجال أيام يتعلمون فيها..
فلم لم يجمع الرجال والنساء، ليتلقوا جميعا؟..
- لما رأى النساء يمشين في وسط الطريق قال: (ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافته).. أي ليس للمرأة أن تسير وسط الطريق، بل تدعه للرجال.. وهذا منع للاختلاط حتى في الطرقات..
- قال - عليه الصلاة والسلام -: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)..
والاختلاط معناه اجتماع المرأة والرجل في مكان واحد.. وهذا مناف لمعنى الحديث:
فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون في مكان واحد؟ ...
كل هذه الأدلة وغيرها لا تدل إلا على شيء واحد: هو أن الشريعة جاءت بالفصل التام بين الجنسين، وهو ما نسميه بالاصطلاح الحادث: منع الاختلاط.
بعد ذلك يأتي المتحذلقون ليقولوا:
- إن كلمة الاختلاط ليست شرعية..
- وأن الاختلاط كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
- وأن المحرم إنما هو الخلوة. ؟؟!!!..
وكل إنسان يعلم حقيقة نفسه، فالرجل يعلم ويدرك كيف هو عند نظره إلى المرأة؟.. كيف إن غريزته تتحرك تلقائيا، دون إرادة منه؟..
هذا أمر لا يجادل فيه إنسان، لكن العجب كل العجب، أن تجد مع ذلك رجلا كامل الرجولة، يفهم فهم الأصحاء، ويدرك حقيقة المرأة، يرضى، ويأذن، ويدفع بمحارمه: زوجته، ابنته، أخته؛ للعمل في مكان مختلط، بين الرجال، أو للدراسة مع الذكور.. وهؤلاء على صنفين:
- صنف غافل، بلغ في الغفلة غاية مذمومة، أنساه الشيطان، ولعب به، حتى عمي عن إدراك الآثار الخطيرة من وراء تفريطه في عرضه.. وهذا الصنف للأسف موجود، ولا أدري حقيقة كيف يفكر، وكيف يقدر؟!!..
- وصنف آخر ضعفت الغيرة نفسه، وهان عليه أن يرى محارمه في مواطن الخطر..
والأعجب من ذلك كله: أن تجد المرأة في الموقف السلبي، لا تتقدم بشيء، بل تنظر ما يأذن به وليها فتفعله، فإن أغراها بالاختلاط، وزين لها الدراسة أو العمل مع الذكور، سارعت وبادرت، بدعوى أن وليها أذن لها..
نعم من الجميل أن تطيع المرأة وليها، لكن ذلك ليس بإطلاق: (إنما الطاعة في المعروف)، فإذا أمرها بمعصية، أو أذن لها في معصية، مثل الاختلاط، فعليها الرفض، وإعلان ذلك بوضوح، فإذا كان وليها لا يهتم بشأنها، وإذا كان قد تخلى عن صيانتها، فالواجب عليها عقلا وشرعا أن تصون نفسها، وتبتعد عن كل ما يؤذيها في نفسها، أو بدنها، أو دينها، أو خلقها.(5/39)
الأمم الغربية بدأت تعمل على الفصل بين الجنسين في كليات كثيرة بلغت المائة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغت أعدادا كثيرة في أوربا، عدا المدارس العامة..
وذلك الفصل جاء بعد وقوف كامل على المشاكل التي جنيت من وراء الاختلاط، من:
زنا وشذوذ جنسي، لواط وسحاق، وأمراض، وانتهاك لمكانة المرأة، من قبل من لا ينظر إليها إلا نظر شهوة.
ثم يأتي بعد هذا من بني جلدتنا من يدعو إلى الاختلاط ويزين ذلك ويتساءل عن الحكم، ويطلب الدليل...
ونحن نقول بصراحة ووضوح: من الذي نهى عن الاختلاط؟.. الجواب: الله جل شأنه.
قد يحتج بعضهم بما يحدث في الطواف، وفي الأسواق، وخروج النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - للتمريض.. ومع أنه لا حجة في ذلك بوجه.. إذ الأصل هو النص، لا أحوال الناس.. فأحوال الناس تعتريها أمور كثيرة، إلا أننا نقول:
- الأصل في الطواف طواف النساء من وراء الرجال..
هكذا طاف نساء المسلمين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.. أي الأقرب إلى البيت هم الرجال، ثم النساء من ورائهم.. قال عطاء:
" لم يكن يخالطن، كانت عائشة - رضي الله عنها - تطوف حَجْرة (معتزلة) من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنكِ، وأبت.
يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال" رواه البخاري في الحج.
وقال - عليه الصلاة والسلام - لأم سلمة: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة).. المصدر السابق.
فما يحدث اليوم خلاف الأصل.. ومع كونه خلاف الأصل.. إلا أن الطواف على هذا النحو المحدث (بالرغم من خطئه) لا يقارن بما يدعو إليه دعاة الاختلاط.. إذ يدعون إلى الاختلاط في التعليم والعمل..
وأين اختلاط محدود، في وقت محدود، كما في الطواف، من اختلاط دائم، مفتوح.. في التعليم والعمل؟..
- أما الخروج للأسواق.. فالمرأة تخرج لقضاء حوائجها، من بيع وشراء، تمر بين الرجال، ثم تمضي إلى بيتها، وليس هذا اختلاط، إنما الاختلاط المقصود هو:
أن يرتفع الحاجز بين المرأة والرجل، حتى تعود العلاقة بينهما كما تكون العلاقة بين الرجل والرجل، وكما بين المرأة والمرأة، فتكون زميلته، ويكون زميلها، في الدراسة أو العمل..
ويلحق بهذا المعنى دخول النساء بين الرجال، لأجل اللهو، فإذا كان الشارع قد أذن في مرور النساء بين الرجال في الأسواق، ونحو ذلك، لقضاء حوائجهن، لكونها ضرورة، فإنه لم يأذن في مثل ذلك لأجل أن تلهو، فهذه ليست ضرورة، بل هي ضارة.
- أما التمريض في الحروب.. فلا أدري كيف يحتجون به؟..(5/40)
فالاحتجاج به باطل من وجوه:
1- أنهن كن يخرجن مع محارمهن، بحجابهن.
2- لم يكن يباشرن التمريض، بل كن يهيئن الأدوية.
3- أن خروجهن كان سببه قلة الرجال، وكن في الغالب من كبيرات السن.
فلا حجة في هذا أبدا لمن احتج به على جواز الاختلاط.. فليس فيه اختلاط أصلا، بالمعنى الذي سبق آنفا، بل هو مشاركة، والمشاركة لا تلزم منها الاختلاط..
وأين هذا الذي يحدث في الحرب من خروج النساء للمعونة، مما يحدث في المستشفيات من اختلاط؟..
وهل تصح المقارنة بين حالة الضرورة، وحالة اللاضرورة؟، فإن قيل: فمن يمرض النساء؟.
قيل: فما المانع من فصل النساء عن الرجال في المستشفيات؟..
حاصل الأمر ليس لدى هؤلاء حجة إلا اتباع الهوى.. !!!..
فحذار أن تخدعوا...... فالاختلاط محرم.. ولو كان بحجاب..
في مخالفة صريحة لأنظمة العمل والعمال وتعليمات وزارة الصحة
مستشفيات بالشرقية تستغل حاجة الفتيات للعمل وتمنع غطاء الوجه
الدمام: خالد الجناحي
أثارت شروط استحدثتها بعض مستشفيات القطاع الخاص بالمنطقة الشرقية لتوظيف المواطنات حفيظة الكثير من أسر الفتيات الباحثات عن وظيفة، والتي تجاوزت شرط المؤهل العلمي والخبرة المبالغ بها إلى شرط جمال المظهر وعدم تغطية الوجه أثناء الدوام الرسمي.
وقد وضع هذا التوجه، الذي أصبح عائقا أمام الراغبات بالعمل في هذه القطاعات، مما وضعهن أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما التنازل عن بعض عادات وتقاليد المجتمع السائدة أمام الحاجة للوظيفة، وإما فقدان الوظيفة في ظل قلة فرص العمل، مما يعني استمرار الدوران في حلقة البحث، التي لا تنتهي، عن فرص أخرى.
إنهم يستغلون حاجتنا
تقول "عالية. ح"، موظفة استقبال في أحد مستشفيات الدمام الأهلية إن شرط عدم تغطية الوجه سبب لها إرباكاً على الرغم من فرحتها بالحصول على الوظيفة وأنها عاشت صراعا هي وأسرتها لعدة أيام في سبيل اتخاذ قرار من أصعب القرارات في حياتها أجبرتها على اتخاذه ظروف أسرتها المالية الصعبة.
أما "مريم. د"، موظفة أرشيف في مستشفى أهلي بالخبر، فتقول "إن أغلب العاملات معها، ممن اعتدن تغطية الوجه بشكل كامل، وهذه الفئة تقع في إحراجات حينما تلتقي مصادفةً بأقربائها أو جيرانها. وتصف مريم معاناتها وزميلاتها بأنها معاناة مزدوجة فمن مشكلة حرمانها من تغطية الوجه إلى هروب فرص الزواج، حيث تعتقد أن هناك مفاهيم خاطئة يتداولها البعض عن العاملات بالمستشفيات ساهمت في مشكلة العنوسة.
الأسرة لا تمانع.. ولكن(5/41)
أما "نوف الناصر"، فتؤكد أنه على الرغم من أنها من أسرة لا تمانع من كشفها للوجه وتعتبر ذلك حجابا شرعيا إلا أنها تركت عملها القديم واتجهت إلى عمل آخر لا يجبرها على كشف الوجه، وتقول "لم أكن مرتاحة في عملي السابق الذي كان من شروطه أن أكشف وجهي، فكشف الوجه أثناء تأدية العمل بعيداً عن الأسرة، يعد مصدراً للإزعاج، كأن تتعرض العاملة لمضايقة من بعض المراجعين، والمضايقات متنوعة وأقلها التركيز في النظر وبشكل مزعج خاصة إذا كانت الموظفة سعودية وفي موقع احتكاك مع جمهور معين بلا غطاء الوجه، ولهذا لم أضيع على نفسي فرصة العمل لدى جهة أخرى تعمل في نفس المجال دون مثل هذه الاشتراطات.
وتذكر فاطمة ياسر، مندوبة شركة تأمين تعمل داخل واحدة من هذه المستشفيات، أن مدير أحد المستشفيات حاول أكثر من مرة الضغط عليها للكشف عن وجهها أسوة ببقية زميلاتها، ولكنها رفضت كونها تعمل لدى شركة تأمين، وليس في المستشفى نفسه. وتقول "إن سلوكها هذا دفع زميلاتها العاملات في المستشفى إلى التقدم لإدارتهن بطلب السماح لهن بتغطية وجوههن".
مبررات غير مقنعة
ويؤكد "عبد المحسن. ع" مسؤول طبي يعمل لدى شركة تأمين "أن شرط خلع غطاء الوجه هو ظاهرة مؤسفة تمارسها بعض مستشفيات الشرقية، وهو لا يجد أي تفسير منطقي في ظل إخفاء المسؤولين للدوافع الحقيقية لفرض هذه الشروط". ويرى عبد المحسن أن هناك بعض المبررات غير المقنعة التي يدعيها المسؤولين، على سبيل المثال حادثة اختطاف مولود مستشفى الولادة الحكومي في الدمام قبل عدة سنوات. ويضيف "لكن الواقع غير ذلك إذا ما علمنا أن الموظفة السعودية التي نتحدث عنها بعيدةً كل البعد عن الأقسام الداخلية للمستشفى، وأن العاملات في أقسام الولادة هن ممرضات من جنسيات آسيوية، أما السعوديات القابعات وراء "كاونترات" الاستقبال، فلا أجد مبرراً لفرض هذه الشروط عليهن سوى أنه وسيلة لجذب الزبائن، حتى صارت بعض المجالس تصف هذه المستشفيات بـ"شركات السياحة"، ومن ينكر وجود هذه الظاهرة فهو يدافع عن مصلحة ما، وغالباً ما يكون دفاعه عن علم بأن نكران الظاهرة خلاف الواقع أو أن يكون نكرانه عن جهل بما يحصل.
مخالفة صريحة لنظام العمل
من جانبه أكد مدير مكتب العمل والعمال في الدمام سعد اليحيى أن هذه الشروط هي مخالفة للشريعة قبل أن تكون مخالفة لنظام العمل والعمال في المملكة وقال "نحن في السعودية لدينا نظام يفوق جميع الأنظمة الأخرى في حفظ حقوق العمل والعمال يستند على ديننا الحنيف، ومثل هذه الاشتراطات تخالف الشريعة الإسلامية، أما من جهة مكتب العمل والعمال، فلديه تنظيمات لهذه المسائل تنص على عقوبات محددة للجهة التي تثبت عليها مخالفة النظام.
أما مسؤولو مستشفيات القطاع الخاص في الشرقية فقد أجمعوا على نفي وجود مثل هذه الاشتراطات، وقالوا "إن الفتاة التي تعمل دون تغطية وجهها إنما هي تتصرف وفق رغبتها الخاصة".
وزارة الصحة تمنع المكياج(5/42)
من جانبها شددت المديرية العامة للشؤون الصحية في المنطقة الشرقية في تعميم صدر أخيراً على المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة بالمنطقة على ضرورة التقيد والالتزام بالزي الموحد للعاملات في هذه المنشآت أثناء وقت الدوام الرسمي لهن.
وأوضح مدير إدارة الرخص الطبية وشؤون الصيدلة بالمنطقة الشرقية يعقوب الدوسري في الخطاب الصادر من إدارته أن التعميم صدر بعد أن لوحظ تهاون بعض العاملات في القطاع الصحي من عدم الالتزام بالزي الموحد لهن وخروجهن عن التعليمات والحدود المسموح بها، وكذلك ما لوحظ من التهاون في الاستخدام غير الجائز لمواد الزينة والمكياج، حيث لوحظ من خلال قيام الجهات الرقابية في صحة الشرقية بالجولات التفتيشية على المستشفيات والمستوصفات ومجمع العيادات الخاصة في المنطقة، أن بعض المرافق الصحية في المنطقة لم تلتزم ببعض ما ورد في التعاميم السابقة بهذا الخصوص وما زالت هناك بعض التجاوزات الخاطئة من بعض العاملات في بعض القطاعات الصحية والمخالفة لنص تعاميم وزارة الصحة.
http://saaid.net المصدر:
ـــــــــــــــــــ
يا ابنة الإسلام أفيقي
أفيقي يا ابنة الإسلام أفيقي .
فلقد أنصت لكلامهم وانسقت وراء أهوائهم .
زعموا أن حجابك قيد يقيدك.
ويشل من حركتك.
وصفوه بالخيمة السوداء ونسوا أنه عزة لك ووقاء . .
قالوا: حرروها وهم بذلك أسروها .
جعلوها أسيرة لشهواتهم، مطيعة لنزواتهم .
وهي المسكينة ظنت أنهم أنصفوها ومن سجنها أخرجوها .
نسيت قول ربها {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
خرجت تخالط الرجال تنافسهم في كل مجال .
نزعت عنها ثوب الحياء، ونست بذلك أنها ألبست نفسها ثوب الذل والشقاء.
ترمقها أعين الذئاب، تريد افتراسها بالأنياب، وهي من شدة جهلها تقفز.
فرحة أنيسة تظن أنها أصبحت غير حبيسة .
فلله درك أفيقي ولربك أنيبي.
واجعلي العزة بدينك فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذلة الله.
http://www.d3wa.org المصدر:
ـــــــــــــــــــ
وجوب ستر الوجه والكفين و شروط حجاب المرأة المسلمة
زيد بن محمد هادي المدخلي
الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى، لإخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل وأسباب الردى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والرحمة(5/43)
والإحسان، هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى، خاتم الرسل وإمام الأنبياء وجميع الأتقياء، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولى العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أولئك هم خير من اهتدى وهدى
أما بعد أيها القراء الكرام فإن الباعث على تحرير هذه الرسالة المختصرة في هذا الموضوع الذي تمس الحاجة إلى المشاركة في إيضاح القول فيه..و تبيانه هو ما تم في الإطلاع عليه من كتابة بعض الأخوة المعاصرين فيما يتعلق بالحجاب والسفور حيث صرح الكاتب المذكور هداه الله جازما بأن الشريعة الإسلامية بكافة تعاليمها لا تأمر بتغطية الوجه والكفين من المرأة عند الرجال الأجانب فرأيت أن في هذا التصريح؛فتنة ظاهرة وخطرا عظيما على مجتمعات الأمة الإسلامية ومن ثم لزم البيان والإيضاح للقول الحق في هذه المسألة مقترنا بأدلته، براءة للذمة وإعلاماً للأمة؛ونصراً للحق ونصحاً للخلق فأقول: إن كشف المرأة وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب حرام لا يجوز لأدلة صريحة صحيحة نقلية وعقلية وعرفية.
فأما الأدلة النقلية من الكتاب والسنة فهي كثيرة وقد خصصت لها مؤلفات قديمة وحديثة خاصة وغير خاصة نذكر من تلك الأدلة ما يلي:
1.قول الله - عز وجل - ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) أي مما لا يمكن إخفاؤه من الثياب الظاهرة من جلباب ومقنعة ونحوهما، أو ما ظهر بدون قصد بل بسبب أمر غير اختياري كهبوب الرياح أو حمل متاع ونحوهما مما يعفي عن المرأة إذا انكشف وجهها وكفاها بسببه.
*ولقد ثبت عن ابن مسعود - رضي الله عنه - بإسناد في غاية الصحة أن المراد بقوله - تعالى -: ((إلا ما ظهر منها)) إنه الثياب.
2. قوله - تعالى -: ((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)).
*قال: ابن كثير، قال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله - عز وجل -: ((يدنين عليهن من جلابيبهن)) فغطى وجهه وأبرز عينه اليسرى.
*وقال ابن الجوزي في معنى الآية ((يدنين عليهن من جلابيبهن))أي يغطين رؤوسهن ووجهن ليعلم أنهن حرائر والمراد بالجلابيب الأردية قاله: ابن قتيبة
*وقال: أبو حيان في البحر المحيط قوله تعالى((يدنين عليهن من جلابيبهن)) شامل لجميع أجسادهن أو المراد بقوله: ((عليهن)) أي وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه.
*وقال: أبو السعود الجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها، ومعنى الآية أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي.
*وعن الإمام السدي قال: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين.
وعليه نقول: انظروا يا أخوة الإسلام أقوال علماء التفسير من سلفنا الصالح الذين نور الله بصائرهم لرؤية الحق وملأ قلوبهم إيمانا ومعرفة بكتاب ربهم الذي أنزله الله بصائر وهدى وشفاء بخلاف دعاة السفور الذين صادموا أوامر الله القيمة وتوجهاته(5/44)
الرحيمة التي تحرص على شرف المرأة وكرامتها وصونها بالحجاب عن أعين الذئاب من البشر أصحاب الأعين الخائنة والنوايا السيئة الذين يحبون أن يتمتعوا بالحرام ولو بنظرة واحدة ولا مانع لديهم أن يبذلوا في سبيل الحصول عليها زخرفا من القول وكثيرا من المال ومغامرة في نشر الفساد والضلال مرددين قول شاعر هم:
قلنا: اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم.
ثم لنتأمل سويا قول الحق- تبارك وتعالى -: ((وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهم))الآية فإن الآية ترشد إلى التباعد عن أسباب الفتنة، وتسدل الحجاب المنيع والحصين لئلا يتحقق لمرضى القلوب وهواة الرذيلة شيء من مآربهم السيئة التي تحطم العفاف وتسبب العقوبة العاجلة والآجلة ولا يشك عاقل منصف أن الوجه والكفين محل الفتنة فالواجب سترهما كما ترشد الآية أيضا إلى تطهر القلوب للرجال والنساء، وهي لا تحصل إلا بسد ذرائع الزنا وقفل طرائقه التي من أعظمها لقاء المرأة والتمتع بمشاهدة وجهها المكشوف وعينيها الكحيلتين وحاجبيها المزججين وبنانها ذات الأسورة والخضاب فاتقوا الله يا دعاة السفور، واتقوا يوما أعده الله للعبث والنشور، فيه يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور، ويتولى الحكم فيه العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
3. ما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - ((أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت صفوان بن المعطل السلمي، وقالت إنه كان يعرفها قبل الحجاب))فدل ذلك على أن النساء بعد نزول آية الحجاب لا يعرفن بسبب تخمير وجوههن
4. ما ثبت في السنن وغيرها عنها - رضي الله عنها - قالت: ((كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا)) وما ذلك إلا لعلمهن بالحكم الشرعي وهو أن الوجه عورة يجب ستره عن الأجانب.
5. وما جاء في سنن الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المرأة عورة)) وهو دليل صريح على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب سواء في ذلك وجهها وغيره من أعضائها بل إن وجهها وكفيها أولى بالستر لأنها محل الرغبة من الرجال ومحل الفتنة من النساء وعليه فمن زعم أن للمرأة حقا في كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب من الرجال فقد جانب الحق والصواب فإن كان من أهل النظر والاجتهاد والسلامة من الزيغ فله أجر اجتهاده وخطؤه معفو عنه فيه غير أنه لا يجوز أن يتابع على قوله وأما إن كان ممن ليسوا كذلك فإنه لا يلتفت إلى شيء من أقواله وتعليلاته لأن الحق أحق أن يتبع.
*ولقد فقه الإمام الكبير أحمد بن حنبل - رحمه الله - مدلول حديث ابن مسعود السابق فقال: ((ظفر المرأة عورة)) فإذا خرجت من بيتها فلا تبن منها شيئاً ولا خفها فإن الخف يصف القدم وأحب لدي أن تجعل لكمها زراً عند يدها حتى لا يبين منها شيء)). ولقد فهم مثل فقه الإمام أحمد من حديث ابن مسعود ونظائره من النصوص كثير من العلماء والأئمة عبر تاريخ زمانهم أن جميع بدن المرأة الحرة عورة بدون استثناء لوجهها وكفيها.(5/45)
*وأما الدليل العقلي فإن مما لا شك فيه عند العقلاء المنصفين أن الفتنة في كشف وجه المرأة وكفيها وأسورة بنانها أعظم من كشف القدم الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإرخاء ذيول النساء فيه ذراعا لئلا تنكشف أقدامهن.
*وأما الدليل العرفي فإن كل إنسان منصف يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء إنما تكون في الوجه غالباً وكثيراً ولا ينفي ذلك وقوع الافتتان بغيره منهن حتى بأصواتهن بل بأصوات زينتهن كما في سورة النور حيث قال الله - عز وجل -: ((ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)). فإذا علم ذلك واتضح فإنه يجب على الذي صرح بجواز كشف المرأة وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب أن يتقي ربه ويرجع عن هذه الفتوى ويتلمس الرشد من أهل التخصص في علوم الشرع السائرين على طريق أهل السنة والجماعة أهل الفهم الصحيح لمقاصد الشرع الكريم وأهدافه الجليلة في التحليل والتحريم وأسباب الصلاح والفساد وسد الذرائع.
ورحم الله الإمام ابن القيم حيث قال: ((ومن صفات الطيب الحاذق أن يكون على خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود. والطبيب إذا كان عارفا بأمراض القلب والروح وعلاجهما كان هو الطبيب الكامل والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقا في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب وكل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه وروحه وقواه بفعل الخير والإحسان والإقبال على الله والدار الآخرة فليس بطبيب بل متطبب قاصر)). وخلاصة المسألة أنه لا محيص من استعمال المرأة الحرة اللباس الشرعي الذي من أساسياته النقاب على الوجه إلا العين والقفازان للكفين أو ما يقوم مقامها ويؤدي وظيفتها وذلك عند الاختلاط بالأجانب لا سيما هذا الزمان الذي قل فيه الأخيار وكثر فيه الأشرار. ألا وإن كل من دعا إلى كشف وجه المرأة وكفيها أمام الأجانب متذرعا بما لا يسوغ ذلك شرعا فإنه قد سن سنة سيئة يحمل وزرها ووزر من يعمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء ومن تاب الله عليه وبل سيئاته حسنات. وإنه ليطيب لي أن أذيل هذا التوجيه بأمرين هامين وقصة صحيحة ذات عظة وعبرة.
أما الأمر الأول فهو بيان ما يستفاد من أدلة الحجاب من أحكام وهي كما يلي:
1. فرضية الحجاب الشرعي أمر محتم على كافة نساء المؤمنين لا هوادة فيه ولا مساومة على إلغائه أو التقليل من شأنه وأهميته.
2. بيان أن نساء النبي الطاهرات وبناته الكريمات هن الأسوة الحسنة والقدوة الرشيدة لكافة النساء المسلمات في تطبيق مسألة الحجاب.
3. بيان أن الجلباب الشرعي هو الذي يكون ساترا للزينة والثياب وجميع البدن بما في ذلك الوجه والكفان.
4. إن فرض الحجاب على المرأة المسلمة فيه تكريم لها وتشريف لجنابها وصيانة لعرضها وذويها بل للمجتمع كله من ظهور أسباب الفتنة والفساد فيه وانتشار الرذيلة بين أفراده وذويه.(5/46)
5. التحذير الشديد للمرأة المسلمة من استعمال ما يلفت أنظار الرجال إليها أو يستميل قلوبهم أو يثير بواعث الافتتان بها وذلك كاستعمال الروائح الطيبة والتجمل المغري اللهم إلا إذا كانت عند زوجها أو محارمها في حدود الشرع الشريف.
6. إنه لا محظور في دخول الأطفال والغلمان ومن في حكمهم على النساء لعدم حصول شيء من فتنة أو خطر من جانبهم كما هو صريح القرآن.
7. وجوب التوبة إلى الله عموما ومن التقصير في شأن الحجاب خصوصا رجاء الرضا والرحمة من الله وحصول الفلاح في الدارين امتثالا لقول الله - تعالى -: ((وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)).
شروط حجاب المرأة المسلمة:
الأمر الثاني: بيان ما يشترط في الحجاب كي يكون مؤديا للغرض الشرعي وفيما يلي ذكر الضروري من الشروط:
1. أن يكون الحجاب ساترا لجميع بدن المرأة لقول الله - عز وجل -: ((يدنين عليهن من جلابيبهن)) وقد علمت مما سبق تدوينه أن الجلباب هو الثوب السابغ الساتر لجميع البدن وأن معنى الإدناء هو الإرخاء والسدل كما تقدم.
2. أن يكون الثوب كثيفا غير شفاف ولا رقيق لأن الشفاف الرقيق لا يتحقق منه الغرض من الحجاب الذي هو الستر لجميع بدن المرأة وزينتها الظاهرة والخفية وعليه فإن ما يستعمله اليوم معظم النساء اللاتي يرتدين الحجاب مما سمى بالعباءة أو الملاءة الشفافة التي تصف البشرة ويرى الناظر مما وراءها لا يعد حجابا شرعيا وليس الحامل عليه إلا زيادة الإغراء بالمحاسن والمفاتن ولكي يقال: إنهن محجبات ونعوذ بالله من الخداع الذي بعود ضرره على عشاقه ومحبيه.
3. أن لا يكون الحجاب ذا زينة في ذاته بحيث يكون ملونا جذابا يلفت الأنظار ويمرض القلوب وقد سبق معنا معنى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وإذا كان الأمر كذلك فكل حجاب لا يمنع ظهور الزينة عن الأجانب فليس بحجاب شرعي.
4. أن يكون فضفاضا فإن الضيق يجسم العورة ويظهرها أمام الرجال الأجانب وحينئذ يصطدم بالغرض المنشود من فرضية الحجاب ويمن القول أن من جملة اللباس الضيق ما يسمى بالبنطلون والذي لا يوضع عليه ما يستوعب ستره أضف إلى اعتباره مجسما للعورة ما فيه من تشبيه وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل)) رواه أبو داود والنسائي.
5. كما يشترط في الحجاب أيضا أن لا يكون معطرا فإن في تطييبه إثارة لشهوات الرجال وفتنة لهم رغم أنوفهم فتحمل صانعة ذلك وزرها ووزر من استجاب لدعوتها العملية إلى هذا النوع من الزنا وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا)) يعني زانية وفي رواية أخرى((إن المرأة إذا استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحا فهي زانية))
هذه يا أخوتنا من المسلمين والمسلمات شروط ضرورية في الحجاب ليتحقق منه الغرض المقصود فلنتق الله بامتثال أمره واجتناب نهيه ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن في ذلك سعادة الدارين.(5/47)
وأما القصة ذات العبرة والعظة فهي ما جاء في ترجمة عبيد بن عمير المكي في ثقات العجلي قال: كانت امرأة جميلة بمكة كان لها زوج فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتتن به. قال: نعم. قالت: من؟ قال: عبيد بن عمير. قالت: فأذن لي فيه لأفتنه. قال: قد أذنت لك فأتته فاستفتته فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام قال: فأسفرت عن مثل فلقة القمر فقال لها: ((يا أمة الله اتقي الله))
أورد هذه القصة صاحب الحلية في ثقات الإمام العجلي في ترجمة عبيد بن عمير المكي وأوردها الألباني في كتابه الحجاب مستدلا بها على النقاب.
قلت: وإنه ليستفاد من إنكار هذا العالم الجليل على تلك المرأة حين أسفرت وجهها عنده أن التابعين الكرام كانوا يرون سفور المرأة بكشفها لوجهها أمام الرجال الأجانب منكرا عظيما يجب تغييره وبذل الجهد في إزالته وحقا إن الأمر كذلك فإن الناظر إلى وجه المرأة وكفيها يعني التي لا يحل له النظر إليها ليتمتع بأعظم الأعضاء فتنة لها وشرها ضررا عليه. ألا فليع المفتون بجواز كشف وجه المرأة وكفيها أمام الرجال الأجانب لا سيما الكثير من رجال زماننا الذي سيطرت على قلوبهم وعقولهم المغريات المحرمة فأصيبوا بمرض الشبهات والشهوات وليتق الله المقلدون والمقلدات الداعون بأفعالهم وأقوالهم إلى كشف العورات والنظر إلى وجوه المومسات ابتغاء الفتن المنكودات والمضلات هذا ما أحببت إيضاحه والتنبيه عليه تذكيرا وتبصرة لكل مريد للحق محب للفضيلة وكاره للباطل مبغض للرذيلة وما توفيقي إلا بالله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
مخالفات النساء في الحجاب عند الحمو
أمل الذييب
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)). يقول الإمام النووي - رحمه الله - في شرح الحديث: ((معناه أن الخوف أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت)).
وثلة من الزوجات يتساهلن بأمر الحجاب عند إخوة الزوج وأقاربه ولا سيما اللواتي يسكن مع أهل أزواجهن بنفس البيت، ومن الصور الشائعة لهذا التساهل الآتي:
1. استخدام المرأة لشرشف قصير لا يستر سوى الرأس والجزء الأعلى من الجسم وأما ما سوى ذلك فيظهر ولربما ظهر جزء من شعرها إن كان طويلا بعض الشيء.
2. استخدام المرأة لشرشف خفيف شفاف يبين كل ما تحته من ملامح لجسم المرأة ومعالم للملابس.
3. لبس ثياب غير الساترة كأن تكون قصيرة نسبياً فيظهر جزء يسير من الساقين مع القدمين أو تكون أكمامها قصيرة فيظهر الكفان والساعدان.(5/48)
4. لبس ثياب غير ساترة كأن تكون خفيفة كبعض أنواع القمصان والبلايز التي تبين كل ما تحتها ولاسيما إن كان الشرشف أصلا خفيفاً أو قصيراً لا يستر المرأة كلها.
5. لبس ثياب غير ساترة كأن تكون مفتوحة من الأسفل أو من الجنبين أو الأمام أو الخلف وقد تصل الفتحة لحد الركبة.
6. وضع الطيب أو البخور وقد يكون ذا رائحة نفاذة قوية.
7. عدم الحرص على ستر اليدين والمبالغة في تزيينهما كوضع الحناء أو طلاء الأظافر وكذا الخواتم والأساور.
8. عدم الحرص على ستر القدمين والمبالغة في تزيينها كوضع الحناء أو طلاء الأظافر أو لبس الجوارب الشفافة ذات النقوش المتنوعة ولبس الأحذية المرتفعة أو التي لها أصوات كالخلخال.
9. استخدام شرشف مزخرف فيه نقوش وألوان لافتة للنظر.
10. وضع المكياج بألوانه الفاقعة التي تظهر واضحة من خلف الغطاء.
وهذه المخالفات تتعارض مع شروط الحجاب الشرعي والتي هي:
1. أن يستر الحجاب كل الجسم بلا استثناء.
2. ألا يكون زينة في نفسه.
3. أن يكون سميكا غير شفاف.
4. أن يكون واسعا فضفاضا غير ضيق.
5. ألا يكون الحجاب مشابها لملابس الرجال.
6. ألا تكون الملابس معطرة أو مبخرة.
7. ألا يشبه لباس الكافرات.
8. ألا يكون لباس شهرة.
فيا أيتها الأخت المسلمة تفقدي حجابك وإن عرفت فيه خللا فاحرصي على إصلاحه حتى تفوزي برضا الله - عز وجل -.
1ربيع الثاني 1417هـ
15 أغسطس 1996م
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
لماذا يخافون من قطعة قماش ؟!
أمريكية..أسلمت حديثًا..وقفت لتلقي محاضرتها.. في ملتقى للطلبة المسلمين في أمريكا.. قيل لها: هل أنت محجبة.. ؟ فيجب أن تكوني كذلك لنتجنب الإحراج فالملتقى إسلامي. وسيكون فيه المسلمون وغيرهم على اختلاف جنسياتهم.. قالت: لا.. ولكني منتقبة..
تحدث أحد الطلبة الحاضرين عنها فقال: نظمت الجامعة التي أدرس بها أسبوعًا للتعريف بالإسلام أو أسبوعًا لاكتشاف الإسلام Discover Islam Week وهو منشط سنوي لاتحاد الطلبة المسلمين Muslim Students Association في الجامعة ولكن الغريب اللافت في هذا العام هو وجود أخت مسلمة أمريكية قدمت محاضرتها وهي ترتدي الحجاب.. لا بل ترتدي النقاب الكامل الذي لم يظهر من وجهها شيء!!(5/49)
وبالمناسبة فعندما اتصل بها أحد الإخوة المنظمين لدعوتها للمشاركة تلطف بسؤالها عن الحجاب لكونها سوف تمثل المجتمع المسلم أمام المجتمع الأمريكي وسألها بالنص: معذرة أيتها الأخت.. هل أنت محجبة لأنه كما تعلمين فسوف يكون من بين الحضور بعض الـ.. ولكنها قاطعته قائلة: ماذا تقول؟!! لا.. أنا لست محجبة.. أنا منتقبة!
وتحدثت أختنا في الله دانيا ويلمون Danya Welmon والتي أسلمت عام 1992 ثم تبعها في الإسلام زوجها 'تشارلز' وأطفالها الثلاثة، تقول: تأثرت بطبيب مسلم كنت أعمل معه وكان يأسرني بحرصه على أداء الصلاة خمس مرات ودار بيننا حديث عن الإسلام، دعاني لأن أقرأ بعض كتب أعطاني إياها ومن ثم دخلت في دين الله.
تحدثت دانيا ويلمون للحضور عن مقارنة بين مكانة المرأة في الثقافة الإسلامية وقارنتها بالثقافة الغربية وقارنت تحديدًا بين دور المرأة في كلتا الثقافتين كما ردت أباطيل القول باضطهاد المرأة في الإسلام، وقالت: إنها كانت تنظر للمرأة المسلمة بمزيد من الشفقة قبل إسلامها، وكانت تعتبرها مسكينة مضطهدة ولكني كنت حينها مخطئة تمامًا لأني حينها كنت لا أعرف شيئًا عن الإسلام، كما تحدثت عن الإسلام باعتباره الدين الوحيد الذي كفل للمرأة كل حقوقها، كما سردت في نظرة تاريخية مسيرة المرأة الغربية مع الدعوة لاكتساب حقوقها.
المهم أن ما لفت نظر الجميع في المحاضرة هو حرص الأخت الفاضلة على حجابها الكامل، وأيضًا أنها لم تحضر للمدينة التي أقيم فيها الملتقى إلا وقد اصطحبت محرمًا لها هو زوجها الفاضل.
في الوقت الذي تشتعل فيه المطالبات والتصويتات والمظاهرات مطالبة بحق المرأة المسلمة في الحجاب في بعض الدول الغربية حيث ما زالت تطارد قطعة القماش مطاردة عجيبة غريبة، تستنفر لها الطاقات، وتسخر لها الاجتماعات الحكومية، والوساطات السياسية، والقنوات الإعلامية، كلها تهتف صوتًا واحدًا انزعي هذه القطعة!.
هل تفكرت أخيه في ذلك.. لماذا يخافون من الحجاب؟ من قطعة القماش؟! لأنهم يخافون العملاق.. يخافون الإسلام.. الحجاب شعيرة دينية.. إظهارها أداة دعوة.. قد نفهم دوافع الغرب الكافر في محاربة الحجاب وما يتصل به، لكن أن تأتي الدعوة إلينا بشكل مباشر أو شكل غير مباشر، هذا ما يوجب التوقف عنده والتأمل! ما فتئ بعض الكتاب وبعض المطالبين ممن أوتوا البيان وسحر اللفظ والعبارة في مطاردة قطعة القماش سخروا لها منتدياتهم، ومقالاتهم، وهمهم، وتأملاتهم، في كل مجلس تشغلهم، حتى في دخلوهم الخاطف إلى النت لا يتورعون عن إلقاء شبههم، وتضليل من خالفهم، ووصمة بالجهل والأمية، ومخالفة كلام العالم فلان والمصنف فلان، لكل حجة عندهم رد مجهز ومحور يقنع ضعاف التمسك أو من يحاول أن يتمسك بأي قشة تبرر منهجه. دعوتهم لكشف الوجه في هذه البلاد المباركة واختلاط النساء بالرجال، بل وفعل ذلك علانية، والتباهي به على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار، لأمر منكر عظيم، وشرارة لها تبعاتها ما لم تجد مدًا كاسرًا يجرفها، ويبعدها، كل دعوات(5/50)
التحرر والضياع بدأت بدعوة كشف الوجه فلما وجدت تقبلاً باضت وفرخت ونكب بسببها من نكب وما زالت.
كم دخلت معهم في نقاشات وجدالات ومناظرات، وفي كل مرة أُتهم بأني قاصرة علم.. أو مبرمجة! أو في حالة من الجهل أو الأمية!! أو أنني أردد ما أسمع وما ألقن.. أو أنني إمعة.. إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت! إلى كل داعية فتنة واختلاط وهتك حجاب وفساد أقول: بيدي كتاب الله وسنة نبيه وسأخاطبكم بما تؤمنون به.. لم أذكر في كلامي قول أحد العلماء المعاصرين، ولا غيرهم من المتقدمين.. سمعت قوله - تعالى -: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] فأطعت.. ولا يختلف اثنان أن أعظم زينة وفتنة في المرأة هي وجهها.. من تقول: إنهم اتفقوا على إباحة كشف الوجه، فقد اتفقوا على ستر ما هو أخف منه من قدم ويد.. اسمعي إلى أمي وأم كل غيورة.. أم سلمة - رضي الله عنها - رزقني الله وأخواتي حسن التأسي بها.. ماذا تقول: 'إذن تنكشف أقدامهن! 'ولست بحاجة إلى أن أذكركم بقوله - تعالى -: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ} [النور: 31] انظر إلى النهي عن سماع صوت الخلخال خشية الفتنة وإظهار الزينة، فما بالكم فيما هو أعظم فتنة؟ وفي آية أخرى يقول - تعالى -: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ... } [الأحزاب: 32]!! أسألكم بالله، هذا النهي عن الخضوع بالقول ألا يحمل من باب أولى النهي عن إبداء ما هو أعظمه منه! فبالعقل ما هو أعظم فتن.. الصوت أم الصورة؟! وأمي عائشة - رضي الله عنها - ألم تسمعي ما قالت وهو في صحيح البخاري: 'رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسهن الغربان' وهنا يبطل ما تحتجون به في كل حين أن هذه الآية خاصة بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته!
فما علاقة نساء الأنصار! وكيف ستشبههن عائشة - رضي الله عنها - بالغربان لو لم يكن مغطيات لوجوههن! وعن المهاجرات الأول تقول لما نزلت {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها! 'الضرب' عدي بحرف الجر على. يعني من فوق من الأعلى.. كذلك الإدناء 'يدنين عليهن' وكيف يكون بلا ستر للجسم والوجه من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين؟!
والسنة النبوية حفلت بكثير من الأحداث والأدلة الصحيحة على وجوب تغطية الوجه! ما تفسيركم لقول عائشة - رضي الله عنها -: 'كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه' وحديثها رزقنا الله حسن التأسي بها: 'كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفن أحد من الغلس' والكثير الكثير من الدلالات في أحاديث آية الحجاب. ونظر الخاطب لمخطوبته! ولم يقل أحد من أهل العلم أن المرأة يجب عليها كشف وجهها، أو أنه الأفضل، إلا دعاة(5/51)
الفتنة ومرضى القلوب، وكل يؤخذ منه ويرد!! المنكر كل ما خالف كتاب الله وسنة نبيه، وكان فيه إشاعة لفاحشة وإعانة للشيطان على أبناء الملة الواحدة!
أعداء المرأة في كل زمان ومكان هم من يريدون لها الانحراف عن الشريعة الغراء هم من يريدون منها كشف وجهها وفتنة غيرها. استمر الحجاب الشرعي وتغطية الوجه حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري.. يوم أن تفككت الدولة الإسلامية إلى دول.. وغزى أكثرها الاستعمار.. فنالها من خطوات التغريب فيها ما نالها.. والحافظ ابن حجر يقول في فتح الباري شرح صحيح البخاري: 'لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثًا يسترن وجوههن عن الأجانب'. بدأ نزع الحجاب في بلاد مصر.. تركيا.. ثم الشام والعراق. انتقل إلى المغرب الإسلامي.. وها هو البلاء يدخل جزيرة العرب فلا حول ولا قوة إلا بالله. فالحجاب الشرعي أو تغطية الوجه ليس أمرًا سعوديًا كما تحاولون أن تربطوا دائمًا.. تعرفت في الحرم المكي على نساء قدمن من بلاد بعيدة.. من مصر والشام.. من تركيا والمغرب الإسلامي.. من بلاد بخارى وتركستان.. من بنجلاديش والشرق الأقصى.. فيهن من غطت وجهها وكفها وقدمها.. بل إن فيهن من تفوق نساءنا حجابًا وسترًا وحشمة! دليلهن في ذلك كتاب الله وسنة بنبيه - صلى الله عليه وسلم -!! وما نراه من انحراف حجاب أهل بعض تلك البلاد وبلادنا لهو نتاج طبيعي لخطوات التغريب وإشاعة الفاحشة حتى لم يعد الحجاب المنتشر عند بعض النساء يفي بالغرض الذي من أجله شرع بل أصبح حجاب فتنة وإغواء وتقديم للتنازلات. أما السفور فهو الخلاعة والتجرد مما يستر أي جزء من بدن المرأة.. والحديث مع الرجال والجلوس معهم بلا حاجة ولا ضرورة تبيحها الشريعة.. تقولون: إننا نستنكر مشاركة المرأة ولو بالصوت! نعم نستنكر ونشدد على هذه القضية.. فهي أصل البلاء.. والاتصال الصوتي يكون بقدر الحاجة والضرورة الشرعية.. من غير استطراد ولا إطناب ولا تليين خاضع في الأداء!! حتى في مجال الكتابة في الإنترنت فلي رأيي في ذلك وقناعتي التي وصلت إليها ورأيت أنها الأسلم والأولى بالإتباع!
فهل تظنون أنني أتسامح في المنكرات ولو كانت بالكتابة والحروف!! هل تظنون أنني أُعجب بأن أرى أخواتي يختلطن مع الرجال في المنتديات بكلمات يظهر فيها الخضوع بالقول والحديث عن أمور شخصية وتبادل كلمات الإطراء والإعجاب؟! وهل تظنون أنني أرحب بأن تناطح المرأة الرجال في منتدياتهم وتتعرض لما تتعرض له من أخطار قد تصل إلى التشهير بها؟! بل إنني أرى أن الإنترنت يجب أن يمنع في حق بعض النساء! وفي الوقت ذاته أرحب بأن تكون المشاركة في الإنترنت مساعدة للأخوات ونشر الخير والفضيلة والرد على من يدعون الحديث باسمنا والرفق بنا والدفاع عنا. عشنا في وسط شبه مختلط! رأينا للحجاب الشرعي حكمًا أخرى كثيرة أرى أخواتنا يغفلن عنها! ازددنا به تمسكًا واعتزازًا وإليه دعوة.. ! فهو حجاب عن الفتنة.. عن المضايقة.. عن الفاحشة.. عن النار!! أسألكم بالله.. ما الذي يضركم لو غطت النساء وجوههن؟ لماذا تنتفضون غضبًا وتنثرون كلماتكم الغاضبة في كل مجلس يفتح فيه هذا الموضوع؟! ما الذي يزعجكم في قطعة قماش تغطي بها المرأة أعظم فتنة بها؟! إن كانت الأمية في نظركم أن أحافظ على حجابي وحيائي(5/52)
وحشمتي من أنظار الرجال!! إن كانت الأمية في نظركم أن لا أَفتن ولا أُفتن! فمرحبًا بهذه الأمية!! وسأستمر في نشرها والدفاع عنها في أصقاع الأرض!! الحجاب الشرعي.. تقوى.. طهارة.. عفاف ونقاء! إن نفسي طويل في هذه المسألة.. وأظن أن لدي من العلم ما أدحر به شبهاتكم.. ومن المعرفة بخطط دعاة التغريب ما أفضح به حرصهم على شهواتهم!! ظلت زميلة لي أربع سنوات وهي تحاور وتحاول أن أتنازل عن تغطية أظفر مني.. وبعد انقضاء السنوات ارتدت هي النقاب! وأنت أيتها الشريفة العفيفة، كتب لك أحدهم هذه الكلمات فقال: 'صوني جمالك في علاك، عرف الطهارة من رآك، سير على أمل، ولا تتعثري بين الشباك، وإلى كمال النفس بالإيمان فلتصعد خطاك، من شاء أن يحيا قريرًا هانئ البال اصطفاك، أو شاء عُشًا حافلاً باليمن لم يختر سواك، أو شاء جيلاً صالحًا طابت مغارسه اجتباك، لله درك يا ابنة الإسلام ما أبهى سناك، بنوابع الآمال تلحفنا فتنعشنا يداك، وتحيل دنيانا كروض ناضر الأغصان ذاكي، وإذا انتميت فإن دين الله في شرف نامك، وبكل آية النجابة والكرامة قد حباك، هذا سبيلك فاسلكيه فإنه مسرى علاك'.
http://hijabsahih.tripod.com المصدر
ـــــــــــــــــــ
كيف نربي بناتنا على الحجاب ؟
إن الحجاب هو أحد أهم القضايا الإسلامية لذلك فإن واجبنا تجاه الأجيال الجديدة القادمة أن نربيهم عليه وأن نتدارك أمرها بتعليمها حب الحجاب منذ الصغر، فتنشأ الفتاة وهي تلم بيوم بلوغها سن التكليف تتشرف بارتداء حجابها، إرضاء لربها واعتزازًا بعفتها وحيائها.. فتصير لؤلؤة مكنونة وجوهرة مصونة كما أراد لها الله - سبحانه -! وفيما يلي أحاول أن أوضح للقراء الكرام لماذا من واجب كل أبوين أن يربيا بناتهما على الحجاب وكيف نربي بناتنا على حب الحجاب؟
لماذا نسعى لترغيب بناتنا ـ منذ الصغر ـ في الحجاب؟
هناك أسباب عدة تجعل كل أبوين يسعيان في تربية أبنائهما على الحجاب وهي كالتالي:
1ـ لأن الآباء والأمهات أو المربين سوف يقفون بين يدي الله - تعالى -ويسألهم عن بناتهم كيف ربينهم ولماذا لم يأمروهن بطاعة الله يقول - صلى الله عليه وسلم -: 'كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته'.
2ـ لأن الإسلام يأمر بتدريب الصغار على العبادة قبل التكليف بها أي قبل بلوغهم؛ فالصلاة مثلاً فرض عين على كل مسلم ومسلمة ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بأن ندربهم عليها منذ السابعة ونضربهم عليها في العاشرة، وذلك قبل بلوغهم سن التكليف؛ وقد اختص الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصلاة من بين العبادات لكونها عماد الدين والحجاب ـ كالصلاة ـ فريضة على المسلمة، بأمر صريح من الله ورسوله.
3ـ لأننا لو أطلقنا لهن الحرية منذ الصغر في ارتداء ما يشأن ـ تقليدًا لغيرهن من غير الملتزمات - دون حزم أو توجيه فسوف يعتدن هذا، ثم يفاجأن ـ حين يصلن لسن(5/53)
التكليف ـ بمن يأمرهن بالحجاب، فتكون كالصدمة بالنسبة لهن، مما يؤدي إلى صعوبة الأمر عليهن وعدم قدرتهن على تنفيذ هذا الأمر.
4ـ لأنهن لو لم يحببنه ويقتنعن به منذ الصغر؛ فقد يرتدينه بالإكراه خوفًا من أولي الأمر، مما يؤدي إلى تحايلهن ـ بعيدًا عن أعين ولي الأمر ـ بشتى الطرق لمسخه وإخراجه عن وظيفته.
كيف ندرب بناتنا على حب الحجاب؟
قبل الزواج: إن أولى وأهم الخطوات هي التي يقوم بها الرجل حين يختار لبناته أمًا ذات خلق ودين تكون قدوة متحركة؛ فإذا تربت البنت في أحضان هذه الأم كان الحجاب أمرًا بديهيًا بالنسبة لها، وقضية لا جدال فيها، وأمنية غالية ترنو لتحقيقها.
بعد الزواج: على الوالدين أن يبنيا بيتهما على أساس من الود، والاحترام، والتفاهم حتى ينشأ الأبناء في جو هادئ مستقر؛ مما يبعدهم عن المشكلات النفسية التي تؤدي بهم إلى التنفيس عما يحسون به، بالتمرد والعصيان ومخالفة الأهل.
بعد الوضع، وحتى سنتين: من البداية ينبغي أن تحرص الأم على تعليم ابنتها الحياء لأنه أساس الحجاب، ولأنه كما قال - صلى الله عليه وسلم -: 'خير كله' [فتح الباري بشرح البخاري ـ كتاب الإيمان باب 3] فلا تغير الأم حفاضات طفلتها أمام أحد وتعلمها بلطف ومزاح أن تغطي عوراتها؛ وأن لا تخلع ثيابها أمام أحد، ولا تظن الأم أنها صغيرة فالطفل يدرك ولكنه لا يستطيع التعبير، وكلما بدأت معها الأم مبكرة بهذا الأمر كان أفضل.
من ثلاث إلى خمس سنوات: في هذا العمر يكون تقليد الكبار من الأمور المفضلة لدى الطفل، لذا فإن عمله طرحه صغيرة مزركشة بلون تفضله الطفلة وتختاره بنفسها؛ لترتديها؛ حين تصحب والدتها إلى المسجد للصلاة أو حضور درس، أو حين تريد تقليد أمها فتصلي معها أو بمفردها، يكون بمثابة تمهيد لحب ارتدائها فيما بعد. وفي هذا العمر يمكن أن نحفظها ما تيسر من القرآن الكريم. هذا بالإضافة إلى تحفيظها ما تيسر من الحديث النبوي ليكونا ذخرًا لها في حياتها المقبلة.
ومن الأفضل أن تقوم الأم بتفصيل ملابس الحجاب للدمية المفضلة لدى ابنتها، تكون ذات ألوان زاهية مزركشة تنتقيها الطفلة، وتقوم بتغييرها للدمية بنفسها.
ومن المفيد أن تشاركها الأم في اللعب بها وانتقاء غطاء الرأس المناسب للون الجلباب الذي ترتديه الدمية، وفي تلك الأثناء تتحدث الأم إلى الدمية قائلة ـ مثلاً ـ 'كم هو الحجاب جميل عليك! أرجو أن تكوني معنا في الجنة إن شاء الله، لأنك تطيعي ربك وتحبي حجابك، فالجنة مليئة بالأشياء الجميلة ومنها اللعب'.. فمن خلال اللعب يمكن أن يتعلم الطفل أكثر وبشكل أيسر مما يتعلم بالتلقين أو الكلام المباشر.
من ست إلى ثماني سنوات: في هذه المرحلة ـ مع استمرار حفظ وفهم القرآن ـ نستكمل تعليمها الحياء؛ فنعلمها ' الاستئذان قبل الدخول على الوالدين ـ كما جاء في سورة النور ـ وقبل دخول أي مكان حتى ولو على إخوتها. وأن يكون صوتها خفيضًا ـ خاصة أمام غير المحارم ـ ولا ترفعه بالضحك أو حتى عند الغضب؛ وألا تمشي وسط الطريق؛ وإنما عن يمينه أو يساره'(5/54)
وأن تتعلم حدود عورتها أمام غير المحارم، وأمام نساء المسلمين ولعل بعض الأمهات يخطئن بشراء الملابس الخليعة لبناتهن ـ ومنها لباس البحر المبالغ في تبرجه ـ بحجة أنهن لا يزلن صغيرات، ولكن المشكلة أن في ذلك تشبه بالكافرات، كما أن الحياء لا يتجزأ ولا يرتبط بمكان.
من تسع سنوات إلى أحد عشر عامًا: في هذه المرحلة 'يرقى فكر الطفلة وتتنوع خبراتها، وتتسع مداركها، وتنمو قدراتها على التأمل والتخيل، وتتحول إلى طاقة إيمانية مستعدة لتقبل أوامر ربها، وتنفيذها أكثر من أي مرحلة أخرى في حياتها الماضية والمستقبلية؛ فإذا وجهت الطفلة الوجهة السليمة نحو الإيمان والخير، اندفعت إليهما في تعلق وشوق.
لذا فإن دور الوالدين في هذه الفترة أن يستغلا هذا التطور الإيماني في نفسها، وأن يعملا على تقوية عقيدتها بالله التي سترى فيهما خير عون لها على تقبل ما تتعرض له من آلام الواقع، وصراعات الحياة.
ومن المهم في هذه الرحلة ـ التي تسبق سن التكليف بالحجاب ـ أن نحكي لهن عن نماذج للعفيفات من السلف الصالح، مثل:
ـ عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - التي قالت بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر: 'كنت أخلع ثيابي في حجرتي ولم أكن أتحرج، أقول: زوجي وأبي، فلما دفن عمر - رضي الله عنه -، كنت أشد علي ثيابي حياءً من عمر!!
ـ فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي لم تعجبها طريقة وضع الثياب على المرأة وهي ميتة خوفًا من أن تصفها، فقالت لأسماء بنت أبي بكر: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئًا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل، فإذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت - رضي الله عنها - غسلها علي وأسماء.
مرحلة الثانية عشرة حتى السادسة عشرة: في هذه المرحلة تكون ابنتك قد بلغت سن التكليف أو قد لا تكون، فإذا بلغته فعليك أن تخبريها ـ بلطف ـ أن موعد إقامة حفل حجابها قد حان، فإن استجابت عن طيب خاطر، فبها ونعم.
وإن لم تستجب. فإليك ما نصحت به الأستاذة نفين السويفي لمعالجة هذا الأمر، تقول: قد يبدو ما سأقوله محبطًا، ولكنها الحقيقة التي يجب أن نتفهمها حتى نستطيع التعامل معها، فما تمر به ابنتك وما تجدينه من صعوبة في إقناعها أمر طبيعي جدًا، خاصة في مرحلة المراهقة التي تتسم بالعناد والرفض، والرغبة في إثبات الذات ـ حتى لو كان ذلك بالمخالفة لمجرد المخالفة ـ وتضخم الكرامة العمياء التي قد تدفع المراهق رغم إيمانه بفداحة ما يصنعه إلى الاستمرار فيه، إذا شعر أن توقفه عن فعله سيشوبه شائبة أو شبهة من أن يشار من أن قراره بالتوقف عن الخطأ ليس نابعًا من ذاته وإنما بتأثير أحد من قريب أو بعيد.(5/55)
دعيني أوضح لك شيئًا هامًا، وهو أن أسلوب الدفع في توجيه البنت وتعديل سلوكها، لن يؤدي إلا إلى الرفض والبعد، فكما يقولون: إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه. ويتوازى مع هذا الأمر أن تشاركيها في كل ما تصنعينه في أمور التزامك في أول الأمر من خلال طلب رأيها ومشورتها، وكأن هدفك ـ بل هو في الحقيقة ما يجب ـ تقريب العلاقة وتحقيق الاندماج بينكما..
بمنتهى الحب والتفاهم تقولين لها:
ـ حبيبتي تعالي سمعي لي القرآن الكريم الذي حفظته.
ـ حبيبتي ما رأيك في هذا الحجاب الجديد، ما رأيك في هذه الرابطة..
كل هذا وأنت تقفين أمام المرآة تستعدين للخروج مثلاً... وهكذا من دون قصد أوصليها بالطاعات التي تفعلينها أنت.
مرحلة السابعة عشرة وما بعدها: إن لم يمن الله عليها بالحجاب حتى هذه المرحلة، فلا تقنطي من رحمة الله، واعلمي أن لحظة التوبة في علم الله، قد تكون قريبة أو بعيدة، المهم ألا تتوقفي عن محاولاتك...
وفي هذه الحالة يمكنك أن تتبعي معها أسلوب الحوار الهادئ الهادف، وأن تتركي لها حرية الإجابة على الأسئلة التالية:
ـ هل تحبين يا ابنتي أن تأخذي سيئة بكل شعرة ظهرت منك لغير المحارم؟
ـ تذكري أنك كلما خرجت من بيتك سافرة حصلت على سيئات بعدد من رآك من غير المحارم فهل حسناتك تعادل هذا الكم من السيئات؟!
ـ هل تبيعين دنياك الفانية بالآخرة الباقية؟
ـ إن من آثر دنياه على آخرته خسرهما معًا، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معًا هل يسرك أن يكون الله - عز وجل - مستاء لعدم حجابك؟
ـ هل تقبلين أن تكون النساء في الجاهلية قبل الإسلام أفضل وأتقى منك؟... لقد كن يسترن عوراتهن إلا قليلا من الشعر الموجود بناصية الرأس، وفتحة الجيب فقط!!
ـ هل أنت مصرة على أن تقولي: 'لا' لأوامر الله - تعالى -كلما ظهرت أمام غير المحارم بغير الحجاب... لا أظن أنك تتعمدين ذلك... ولكن عدم حجابك ليس له معنى إلا ذلك!!
ـ هل تستطيعين مقاومة الموت وتظلي على قيد الحياة لتهربي من حسابك ربك؟... إن الموت قدر كل الكائنات، وهو مغادرة كل مباهج الدنيا وزينتها، وملابسك وعطورك ومساحيق الزينة، وحُليِّك وغير ذلك مما تحبين، فهل تغادرينها إلى عزة وكرامة في القبر وفي الجنة، أما إلى ذل وهوان في القبر وفي النار!
ـ هل تقبلين أن تكوني من الفجار الذي قال الله - تعالى - عنهم: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14]؟
ـ لعلك تعلمين أن 'الحياء ضد الفجور وهو يعني عدم الخشية من الله - تعالى -، والمجاهرة بالمعصية'، وهو ما تفعله المصرة على عدم ارتداء الحجاب!
وماذا بعد الحجاب؟
بعد أن ترتدي الفتاة الحجاب لابد أن تحافظ عليه وتكون على قدر مسئوليته ظاهرًا وباطنًا ولذلك ينبغي أن تسمع منك ابنتك مثل هذه الكلمات:(5/56)
ـ ابنتي إنني والله لينشرح صدري كلما رأيتك وقد استسلمت لأمر الله وسعدت بحجابك، كما تطيب نفسي كلما رأيت مسلمة جديدة وقد حباها الله ـ مثلك ـ بالحجاب الشرعي، وأشعر بأن زيادة عدد المحجبات ما هي إلا بشارات لعودة الفطرة السوية للطفو فوق ما على قلوبنا من جهل وبعد عن ديننا!!.
فالحجاب يا بنيتي خطوة واسعة على طريق الفوز بمحبة الله - تعالى -ورضوانه. ولكنها ليست نهاية الطريق. فإن وقفت عنده، فالخوف عليك من الشيطان أن يعيدك إلى ما كنت عليه قبل الحجاب...
ـ وإن مشيت في طريقك قدمًا هيأ الله لك من أسباب الخير وفتح لك من أبواب الطاعة من تقر به عينك وتهنأ معه نفسك وتسكن به جوارحك فاستمري ولا تلتفتي إلى الوراء، بل اشكري المولى القدير وحاولي إنقاذ من حولك من صويحباتك وغيرهن من النار، تشجيعهن على اتخاذ هذه الخطوة المباركة، بالرفق ولين الجانب، والحكمة الموعظة الحسنة؛ وواظبي على ذكر الله وحضور مجالس العلم الشرعي، فهناك ستجدين الكثير من الأخوات الصالحات اللاتي يتفق طبعك مع طباعهن، وتعين كل منكن الأخرى على المزيد من الطاعة، وعلى الثبات إن شاء الله؛ فتفزن جميعًا بثواب الأخوة في الله، وتجتمعن على منابر من نور حول عرش الرحمن يوم القيامة إن شاء الله!
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
فهي زانية
لو اُمِرت المرأة أن تتعطّر عند كل خروج لرأت أنها كُلِّفت بأمر شاق، ولكن من النساء من تأبى إلا أن تحمل الإثم مضاعفاً، فتحمل وزرها ووزر غيرها،، فشكى كثير من الصالحين والصالحات ما تعجّ به الأسواق من المنكرات ومن أكثرها تهاوناً وأعظمها خطرا: التّعطّر
فمن حين أن تهُمّ المرأة بالخروج من المنزل إلا وتبدأ بالتّزيّن والتّجمّل،، فتتجمّل وتأخذ زينتها وكأنها تذهب إلى مجْمَعِ نساء أو كأنما تتجمّل لزوجها، بل إن هناك من الأزواج من يشتكي من هذا، فيقول: إنه لا يرى زوجَتَه في أبهى حُلّة إلا عند خروجها للسوق أو للزيارة
واشتكى بعضُ السائقين من ذلك إذ هو بشر من لحمٍ ودمّ، ولو كان قلبُه قُدّ من الصخر لتحرك لتلك الفتنة المُتحرّكة،،، وكان أحد السائقين - وكان فيه بقية من دين وخير قد قال للمرأة التي كانت تركب معه في أبهى حُلّة. قال: ماما.. أنا بشر، فتنبّهت تلك المرأة فلم تعُد تتطيّب، وليتها تنبّهت فلم تركب مع السائق لوحدها.
والمرأة إذا خرجت فليست بحاجة للزينة؛ لأن الشيطان سوف يُزيّنها في عيون الناس ولذا قال - عليه الصلاة والسلام -: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان. رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح.
قال ابن مسعود: المرأة عورة، وأقرب ما تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان.(5/57)
ومعنى استشرفها: أي زينها في نظر الرجال، وقيل: نظر إليها ليغويها ويغوى بها،، ويرفع أبصار الرجال إليها فلا يزال يُحسّنها في عيونهم ولو لم تكن كذلك.
ثم إن من النساء من إذا أرادت أن تخرج تعطّرت وهذا لا شك إثم عظيم وتساهل خطير من قبل أولياء الأمور أولاً، ثم من قِبَلِ النساء ثانيا
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى من شهِدت الصلاة أن تمسَّ طيبا أو بخورا، فكيف بمن تذهب لمكان هو من أعظم مواضع الفتنة.
ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسَّ طيبا. رواه مسلم.
وقال: أيما امرأة أصابت بَخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة. رواه مسلم.
بل قال: إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تطيب تلك الليلة. رواه مسلم.،، أي تلك الليلة قبل خروجها.
قال العلماء: لئلا يحركن الرجال بطيبهن، ويلحق بالطيب ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة، كحسن الملبس والتحلي الذي يظهر أثره، والزينة الفاخرة،، فإذا كانت المرأة لا تأتي لبيت من بيوت الله بالطيب أو البَخور، مع أن الله أمر بأخذ الزينة للمساجد، فكيف تخرج به عند خروجها للسوق أو المدرسة؟
وقد ورد التشديد في الطيب للنساء، فقال - عليه الصلاة والسلام -: أيما امرأة استعطرت فمرّت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية. رواه الإمام أحمد وغيره.
وسبب ذلك:
1- إما أنها تتسبب في تلك الفاحشة بما تُحرّكه من شهوة برائحة ذلك الطيب
2 - أنها تتحمّل كإثم الزانية بذلك.
3 - أو أن ذلك يجرّها للوقع في الفاحشة.
وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعطّرت أن تغتسل حتى لو كانت تريد المسجد.
فقد لقيَ أبو هريرة - رضي الله عنه - امرأةً فوجد منها ريح الطيب ينفح ولذيلها إعصار، فقال: يا أمة الجبار! جئت من المسجد؟
قالت: نعم.
قال: وله تطيبت؟
قالت: نعم.
قال: إني سمعت حبي أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا تُقبل صلاةٌ لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة. رواه الإمام أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني.
" حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة " ليذهب أثر الطيب وتذهب رائحته.
وطيبُ المرأة ما ظهر لونه وخفي ريحُه، كما قال - عليه الصلاة والسلام -.
وإذا خرجت المرأة بذلك الطيب وبتلك الزينة إلى الأسواق، فلا تمرّ برجل إلا حرّكت قلبه إلا من رحم الله.
بل منهن من تذهب بتلك العطورات إلى المستشفيات فلا تمرّ بمريض في طريقها إلا ازداد مرضا وتأخر برؤه، بل ربما مات بسبب أطيابها !(5/58)
وهذه ظاهرة خطيرة مُضرّة،، فالعطورات مما يضرّ بعض المرضى بل ربما قتل بعضهم.
وقد أحْدَثت بعضُ النساء زينة للسوق فاخترعن ما يسمينه: مكياج السوق، بل ذكرت بعض الأخوات أنها رأت في دورات المياه الخاصة بالنساء رأت بعض الفتيات عندما تخلع النقاب يُرى أنها وضَعَتْ المكياج والزينة الكاملة للعينين ولما حول العينين، فَعَلى أي شيءً يدلُّ هذا؟
ولم يزل الشيطان يستجريهن ويستهويهن حتى أحدثن مكياج العزاء، وعش رجبا ترى عجبا!
هذه زينة باطنة بالطيب والأصباغ، وزينة ظاهرة باللباس الجالب لأنظار الناس.
فتلبس المرأة الضيّق سواء في اللباس من بنطال ونحوه، أو كان بعباءة ضيّقة مُخصّرة،، تقول عنها إحدى الأخوات: فهي أضيق من قميصها الذي تلبسه في منزلها، فهي مخصّرة جذابة جداً؛ تجعل النحيفة ممتلئة، وتجعل البدينة رشيقة، فتُخفي العيوب، وتُظهر المحاسن والمفاتن.
تزيد على ذلك بعض العبارات التي كُتِبت على العباءة، أو الزركشة المُلفتة للنظر.
فما هذه سوى خطوات نزع الحجاب، فَيَومٌ عباءة فرنسية، وآخر عمانية، وثالث مغربية، وهكذا... حتى يصدق على المرأة قول الشاعر:
تجيء إليك فاقدةُ الصوابِ *** مهتكةُ العباءة والحجابِ
وما يُلبس تحت تلك العباءات الفاضحة من ملابسَ ضيقة أو شفافة أشد في الفتنة.
في أحد الشوارع قابلتني بعضُ الفتيات فحرّك الهواء عباءاتَهن فظهرت الملابس الضيقة (البناطيل) فأخذن يُمسكن العباءات خوفا من العتاب والإنكار.
وليس هذا هو الحجاب الذي يُريده الله - عز وجل -،، إن الحجاب سِترٌ ووقاء.وعِفّةٌ وحياء، وطُهرٌ ونقاء.
http://hijabsahih.tripod.com المصدر:
ـــــــــــــــــــ
عوديها الحجاب
من الأمور التربوية المهمة التي يجب أن تعتني بها الأم: تعويد ابنتها لبس الملابس المحتشمة منذ الصغر، حتى يكون ارتداء الحجاب سهلاً ومقبولاً لديها عند البلوغ، وأغلب الأمهات اللاتي يواجهن مشكلة رفض البنات للبس الحجاب يعترفن بأن السبب الأساسي هو تفريط الأمِّ وتساهلها مع الابنة في الصغر، وممَّا يعجب له أن تقبل الأم السماح للابنة ذات الخمسة أعوام بارتداء لباس البحر الفاضح بحجة أنَّها لا تزال صغيرة السن، أو تسمح لها بارتداء البنطال القصير "الشورت" لنفس الحجة، كما أنها لا ترى بأساً في ارتداء الابنة للبنطال الضيق خارج بيتها أو أمام محارمها رغم أنَّ الابنة تكون قد تجاوزت سنَّ العاشرة. ولاشك أن اعتياد هذا اللباس بالنسبة للابنة سيسبب لها صعوبة كبيرة لاحقاً حين ترتدي الثياب الطويلة والساترة، وهي معذورة حيث لم تعتد ذلك من قبل، وهذا هو خطأ الأم.
في تربيتنا لأبنائنا علينا أن نتحلى بنظرة مستقبلية واقعية، فكيف ننشئ ذرية صالحة دون أن نعوّدهم طاعة الله - عز وجل - منذ الصغر، وقضية اللباس خير دليل على(5/59)