الفهرس
اضغط على (ctrl) + العنوان للوصول إليه مباشرة
تقديم الشيخ د. حسن الهواري
تقديم الشيخ محمد سيد حاج
مقدمة
الفصل الأول : في الحسد
المبحث الأول : مقدمات مهمة عن الحسد
المبحث الثاني : تعريف الحسد
المبحث الثالث : تفسير الحسد
المبحث الرابع : أنواع الحسد
الفصل الثاني : في الحاسد
المبحث الأول : كلمات في الحاسد
المبحث الثاني : أنواع الحساد
المبحث الثالث : علامات الحاسد
الفصل الثالث : أسباب الحسد وأضراره السيئة
المبحث الأول : أسباب الحسد
المبحث الثاني : أضرار الحسد وآثاره السيئة ومآلاته الخطيرة
الفصل الرابع : الحسد بين العلماء وطلبة العلم
المبحث الأول : سبب التحاسد بين العلماء ومنشؤه
المبحث الثاني : أثر الحسد على طلبة العلم
المبحث الثالث : أقوال السلف في تحاسد الأقران
المبحث الرابع : اعتذار العلماء عما جرى من كلام العلماء في بعضهم ، وعدم اعتدادهم به إلا ببينة
المبحث الخامس : هل هناك أحد يسلم من ألسنة الناس ؟
الفصل الخامس : علاج الحسد وطرق الوقاية منه
المبحث الأول : أسباب دفع شر الحاسد
المبحث الثاني : كيفية التعامل مع الحاسد
المبحث الثالث : علاج الحسد
الخاتمة
تقديم فضيلة الشيخ د. حسن الهواري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعد :
فقد قرأت ما جمعه الأخ : هاني الشيخ جمعة في موضوع الحسد ، ألَّف فيه بين نقول عديدة عن أهل العلم ، مفيدة لطلاب العلم وغيرهم من عامة المسلمين .
وقد حوت هذه الرسالة من جملة مباحثها مبحثاً في التحاسد بين العلماء وطلبة العلم وكلام بعضهم في بعض ، ولا بد أن يُفهم هذا على وجهه دون الذهاب به إلى تفاسير غير مقصودة من البحث ، فمن المهم أن نعلم أن الأصل في علمائنا وأئمة ديننا التصافي والتواد والتعاون على البر والتقوى ، وما ذكر هنا نماذج معدودة لا تخدش في ذلك الأصل .(1/1)
ثم لا يُفهم من النقول الواردة في هذه الرسالة في شأن كلام الأقران أنه لا يجوز الكلام في أحد ، بل كل من أخطأ وانحرف عن طريقة السلف الصالح لابد من بيان خطئه والتنبيه على انحرافه لكن بأدب ورفق وعلم ودليل من غير سب ولا شتم ولا إساءة ، وبعدل بلا مبالغة ، مع الحفاظ على حقوق أخوة الإسلام ، والله الموفق .
د. حسن أحمد حسن الهواري
14 / ذو الحجة / 1428 هـ
تقديم فضيلة الشيخ : محمد سيد حاج
(عضو هيئة علماء السودان)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقد قرأت ما كتبه الأخ الفاضل / هاني الشيخ جمعة سهل في موضوع ( الحسد وأثره على طلاب العلم ) وغيرهم ، فألفيته مفيداً ونافعاً ، فقد بذل فيه جهداً مقدراً ، وأكثر فيه النقل عن علماء الأمة من السلف ، فجزاه الله خيراً ، وبارك فيه ، ونفع بعلمه ، وتقبل الله منا ومنه صالح العمل ونافع العلم ..
كتبه / محمد سيد حاج
مقدمة
الحمد لله الذي نعمه على عباده تترى ، وآلاؤه عليهم لا تعد ولا تحصى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، الذي أرسله الله إلى جميع الورى ، بشيراً ونذيراً ، وهادياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ففتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً ، أما بعد ..
فإن الله تعالى قد قدر في هذه الدار ( الحياة الدنيا ) أن يجتمع الخير والشر ، والحق والباطل ، والحسن والقبيح ، والمؤمنون والكافرون .. ثم يجتمع الخير والحق وأهله كلهم في الجنة ، ويجتمع الشر والباطل وأهله كلهم في النار .. فهناك يميز الله الخبيث من الطيب ..
كما قدر سبحانه أن الطريق إلى الجنة مليء بالعقبات والمعوقات فقد حفت الجنة بالمكاره كما حفت النار بالشهوات ..
وإن من أكبر العقبات بين العبد وربه عقبة النفس كما ذكر ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وشبهها بالجبل الحائل بين العبد والرب.(1/2)
ومن هنا كان لزاماً على كل عاقل أن يتفحص نفسه بحثاً عن الآفات والقواطع التي تعترضه في طريق سيره إلى الله تعالى كي يعد العدة لمحاربتها ، وأن يجتهد في دفعها ما استطاع قبل أن تتمكن منه ، فلعل آفة من هذه الآفات تجره إلى طريق هلاكه ومحل عطبه ، وهو لا يشعر .
ولما كان الحسد آفة من هذه الآفات الخطيرة التي إن تمكنت من قلب صاحبها فسد فساداً لا يرجى معه صلاح إلا بعد توفيق الله كانت هذه الكلمات المختصرة في ذم الحسد وبيان أثره على قلب المؤمن ، ودينه ، ونفسه ، وأهله ، وعلاقاته الاجتماعية ، ولما كان له تأثير على بعض الخيِّرين من المنتسبين للعلم ، فقد أشرت فيها إلى الحسد بين العلماء وذكرت جملة من أقوال أهل العلم في طرحه وعدم الاعتداد به..
وقد قسمت هذه الرسالة إلى خمسة فصول حوت سبعة عشر مبحثاً كما يلي :
الفصل الأول : في الحسد ، وفيه مباحث :
المبحث الأول : مقدمات مهمة عن الحسد
المبحث الثاني : تعريف الحسد
المبحث الثالث : تفسير الحسد
المبحث الرابع : أنواع الحسد
الفصل الثاني : في الحاسد
المبحث الأول : كلمات في الحاسد
المبحث الثاني : أنواع الحساد
المبحث الثالث : علامات الحاسد
الفصل الثالث : أسباب الحسد وأضراره السيئة
المبحث الأول : أسباب الحسد
المبحث الثاني : أضرار الحسد وآثاره السيئة ومآلاته الخطيرة
الفصل الرابع : الحسد بين العلماء وطلبة العلم
المبحث الأول : سبب التحاسد بين العلماء ومنشؤه
المبحث الثاني : أثر الحسد على طلبة العلم
المبحث الثالث : أقوال السلف في تحاسد الأقران
المبحث الرابع : اعتذار العلماء عما جرى من كلام العلماء في بعضهم ، وعدم اعتدادهم به إلا ببينة
المبحث الخامس : هل هناك أحد يسلم من ألسنة الناس ؟
الفصل الخامس : علاج الحسد وطرق الوقاية منه
المبحث الأول : أسباب دفع شر الحاسد
المبحث الثاني : كيفية التعامل مع الحاسد
المبحث الثالث : علاج الحسد(1/3)
وقد قصدت أن أكثر من الاستشهاد بأقوال العلماء والحكماء والشعراء لتكون الرسالة مادة علمية أدبية ، جامعةً مفيدة ، تمثل إضافة إلى المكتبة الإسلامية .
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يتقبله عنده قبولاً حسناً ، وأن ينفع به المسلمين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله .
هاني الشيخ جمعة سهل
السودان – أم درمان
Email : alkitab@maktoob.com
الفصل الأول : في الحسد
المبحث الأول : مقدمات مهمة عن الحسد
الحسد أعاذنا الله وإياك منه مرض من أمراض القلوب ، إذا استولى على القلب فسد فساداً لا يرجى معه صلاح إلا بعون من الواحد الأحد سبحانه . ومشكلة الحسد أنه داء قلبي خفي يكمن في الصدر ، ويجمع لصاحبه من أنواع البلايا وألوان العذاب ما لا يجتمع لغيره . قال بعض الحكماء : ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش : الحقد والحسد وسوء الخلق . ثم هو يتضمن عدة أمراض تنضم إلى بعضها لتؤدي أثرها في إشعال النار في صدر الحاسد وإحراق قلبه فإن الحاسد يجتمع له الكره والحقد والعداوة والبغضاء والحسرة والكمد والسخط على قضاء الله وقدره والهم والغم والترقب والتربص والقلق والحيرة واستراق النظرات مع التجسس ، وإجهاد القلب والبدن ، والترصد واستقصاء الحيل ، هذا كله دون أن يتضرر المحسود ثم هو مع ذلك كله يأكل الحسنات نعوذ بالله من هذا الخلق ، قال رجل لشريح القاضي: إني لأحسدك على ما أرى من صبرك على الخصوم ووقوفك على غامض الحكم ، فقال : ما نفعك بذلك ولا ضرني!(1/4)
وقد ذم الله الذين يحسدون الناس فقال تعالى : (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) [النساء:54] ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسد في الحديث الذي في الصحيحين أنه قال : (لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخواناً ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) (1)، ورغب في سلامة الصدر في الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد أنه قال : ( يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة ) فسئل عن عمله فقال : ( لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه ) (2)
قال الجاحظ : ( الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد ويفسد الود ، علاجه عسر ، وصاحبه ضجر، وهو باب غامض ، وأمر متعذر ، فما ظهر منه فلا يداوى ، وما بطن منه فمداويه في عناء) (3)
والناس لا يحسدون إلا أهل الفضل والمكانة الرفيعة
قال الشاعر :
وشكوت من ظلم الوشاة ولم أجد *** ذا سؤدد إلا أصيب بحُسَّدِ
لا زلت يا سبط الكرام محسَّداً *** والتافه المسكين غير محسدِ
وقال آخر :
وفي السماء نجوم لا عداد لها *** وليس يخسف إلا الشمس والقمر
والحاسد في الغالب مريض النفس يكره وصول نعم الله تعالى إلى عباده ففي نفسه شح بالنعم ، فتراه يغتاظ إذا أسبغ الله نعمة من نعمه على أحد من خلقه مع أن هذه النعمة التي أنعم الله بها على فلان لا تنقص من نعم الله عليه شيئاً ، لكنه الشح بالفضائل ..
ومع ذلك تراه لا يسعى لتحصيل مثل هذه النعمة بل يطلب زوالها من صاحبها فحسب ، وقد يكون عند الحاسد من النعم أضعاف ما عند المحسود لكنه يضيق بهذه النعم وكأن نعم الله على عباده تسحب من رصيده هو من النعم .
__________
(1) البخاري (6065) ومسلم (2559)
(2) أحمد (12236)
(3) رسالة الحاسد والمحسود (ص : 8)(1/5)
قال ابن القيم رحمه الله : ( والحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى : (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى : (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو ، والمنافس مسابق النعمة متمن تمامها عليه وعلى من ينافس ) (1)
والحسد مرض غالب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الحسد : ( هو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس ، ولهذا يقال : ما خلا جسد من حسد ، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه . وقد قيل للحسن البصري : أيحسد المؤمن ؟ فقال : ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك! ولكن عمه في صدرك ، فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدًا ولساناً ) (2)
والحسد هو أول ذنب عصي الله به في السماء وأول ذنب عصي الله به في الأرض أما في السماء فحسد إبليس لآدم عليه السلام حين قال : (خلقتني من نار وخلقته من طين) وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل حين تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر .
المبحث الثاني : تعريف الحسد
قال ابن حجر رحمه الله : الحسد تمني زوال النعمة عن مستحق لها (3)
وقال النووي رحمه الله : الحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها ، سواء كانت نعمة دين أو دنيا (4)
وحقيقة الحسد : بغض نعمة الله على العبد وإن لم يتمنَّ زوالها
المبحث الثالث : تفسير الحسد
__________
(1) الروح (ص : 373 – 374 )
(2) مجموع الفتاوى (10/124 – 125)
(3) فتح الباري (10/481)
(4) رياض الصالحين (ص : 466)(1/6)
من المعلوم أن النفس بطبيعتها قد جبلت على حب الرفعة على الآخرين ، فهي تحب أن تعلو على أقرانها ، فإذا علا عليها أحد كرهت ذلك واحتبس الحقد فيها ، وربما سعت لتنفيس ما احتقن فيها بإيذاء صاحب النعمة أو بالسعي لإزالتها عنه حتى لا يفضل عليها ، وهذا أمر مشاهد ومعلوم .
وليس حب النفس لعلوها على غيرها مذموماً بذاته حتى يصبح حسداً أو تسعى النفس لإزالة النعمة عن أقرانها ، فإن حب العلو مركوز في الفطر لا يلام عليه أحد لكن على المسلم ضبطه بضوابط الشرع .
قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ( اعلم أن الغيظ إذا كظم لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن فاحتقن فيه فصار حقداً ، وعلامته دوام بغض الشخص واستثقاله والنفور منه ، فالحقد ثمرة الغضب ، والحسد من نتائج الحقد) (1)
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : ( واعلم أن من الأمر الموضوع في النفوس الحسد على النعم ، أو الغبطة وحب الرفعة ، فإذا رآك من يعتقدك مثلاً له وقد ارتقيت عليه فلا بد أن يتأثر وربما حسد ) (2)
وقال رحمه الله : ( رأيت الناس يذمون الحاسد ويبالغون ويقولون : لا يحسد إلا شرير يعادي نعمة الله ولا يرضى بقضائه ويبخل على أخيه المسلم ، فنظرت في هذا فما رأيته كما يقولون ، وذاك أن الإنسان لا يحب أن يرتفع عليه أحد ، فإذا رأى صديقه قد علا عليه تأثر هو ولم يحب أن يرتفع عليه ، وود لو لم ينل صديقه ما ينال ، أو أن ينال هو ما نال ذاك لئلا يرتفع عليه ، وهذا معجون في الطين ، ولا لوم على ذلك ، إنما اللوم أن يعمل بمقتضاه من قول أو فعل ، وكنت أظن أن هذا قد وقع لي عن سري وفحصي ، فرأيت الحديث عن الحسن البصري قد سبقني إليه قال : ليس من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد ، فمن لم يجاوز ذلك بقول ولا بفعل لم يتبعه شيء ) (3)
__________
(1) مختصر منهاج القاصدين (ص : 174)
(2) صيد الخاطر (ص : 227)
(3) المرجع السابق (ص : 548 – 549) بتصرف يسير(1/7)
وقد عدَّ العلماء طلب العلم بغرض التفوق على الأقران من قوادح الإخلاص ، فعلى طالب العلم أن يتفقد نفسه ويحاسبها كي يتجنب أمثال هذه النوايا التي قد تحرم صاحبها من بركة العلم ، وتفقده الأجر ، وتجر عليه الإثم والوزر
المبحث الرابع : أنواع الحسد
ينقسم الحسد إلى نوعين :
1) الحسد المذموم : وهو تمني زوال النعمة من الغير ، وحكمه التحريم وهو المقصود هنا.
2) الحسد المحمود : ويسمى (الغبطة) وهو تمني الإنسان أن يكون له من النعمة نظير ما للآخرين من غير أن تزول عنهم وهو المقصود في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) (1)
الفصل الثاني : في الحاسد
المبحث الأول : كلمات في الحاسد
قال الحسن رحمه الله : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، نغص دائم وحزن لازم .
قل للحسود إذا تنفس طعنة *** يا ظالماً وكأنه مظلوم
__________
(1) البخاري (73) ومسلم (816)(1/8)
وقال الجاحظ عن الحاسد : ( هو الكلب الكلِب ، والنمر الحرِب ، والسم القشِب ، والفحل القطِم ، والسيل العرم ، إن مَلَكَ قتل وسبا ، وإن مُلِك عصى وبغى ، حياتك موته وثبوره ، وموتك عرسه وسروره ، يصدق عليك كل شاهد زور ، ويكذب فيك كل عدل مرضيّ ، لا يحب من الناس إلا من يبغضك ، ولا يبغض إلا من يحبك ...، إنك غير سالم منه وإن رفعت القذى عن لحيته ، وسويت عليه ثوبه فوق منكبه ، ولبست ثوب الاستكانة عند رؤيته ، واغتفرت له الزلة بعد زلته ، واستحسنت كل ما يقبح من شيمه ، وصدقته على كذبه ، وأعنته على فجرته ، فما هذا العناء ؟ وما هذا الداء العياء ؟ ... ، إنه لا يأتيك ولكنه يناديك ، ولا يحاكمك ولكنه يوازنك ، أحسن ما تكون عنده حالاً : أقل ما تزيد مالاً ، وأكثر ما تكون عيالاً ، وأعظم ما تكون ضلالاً . وأفرح ما يكون بك أقرب ما تكون بالمصيبة عهداً وأبعد ما تكون من الناس حمداً ، فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الأموات ، ومخالطة الزمنى ، والاجتنان بالجدران ، ومص المصران ، وأكل القردان ، أهون من معاشرة مثله ، والاتصال بحبله ) (1)
المبحث الثاني : أنواع الحساد
الحساد أنواع تختلف باختلاف سبب الحسد ، وطبيعة نفس الحاسد ، وقوة إيمانه ، على النحو الآتي :
النوع الأول : من يتمنى زوال النعمة عن غيره فحسب ولا يتمنى أن تصل إلى أحد وهو أكثر الأنواع انتشاراً ، قال الشاعر :
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا *** إلا الحسود فإنه أعياني
ما إنَّ لي ذنباً إليه علمته *** إلا تظاهر نعمة الرحمن
وأبى فما يرضيه إلا ذلتي *** وذهاب أموالي وقطع لساني
النوع الثاني : من يتمنى زوال النعمة عن غيره وانتقالها إليه ، حيث يبدأ الحاسد بالسعي في تحويل هذه النعمة إليه بشتى الوسائل بعد كراهيتها للمحسود ، فإن لم يستطع إلى ذلك سبيلاً حاول تنغيص النعمة على صاحبها
قال الشافعي رحمه الله تعالى :
__________
(1) رسالة الحاسد والمحسود (ص: 26 – 29)(1/9)
وداريت كل الناس لكن حاسدي *** مداراته عزَّت وعزَّ منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ *** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها ؟
النوع الثالث : من لا يتمنى الحصول على عين تلك النعمة التي عند المحسود بل يريد الحصول على مثلها ، فإن عجز عن ذلك أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما .
النوع الرابع : من يتمنى زوال النعمة عن المحسود إلى شخص آخر ، وعادة ما ينشأ هذا الحسد بسبب الحقد المباشر على المحسود وكراهيته ، فهو لا يرى صاحبه أهلاً لهذه النعم ، والحاسد في هذه الحالة لا يسعى في تحويل النعمة إلى نفسه ، بل يكتفي بتمني زوالها عن صاحبها ، وقد يسعى في إيصالها للشخص الآخر لا محبة فيه بل لحرمان المحسود منها .
النوع الخامس : من يتمنى زوال النعمة عن غيره وعن نفسه ، وهذا كحال كثير من العصاة ، فإن كثيراً منهم يسوءه أن يرى بعض الناس على خير والتزام ، وتعظيم لحرمة الدين ، ويتمنى أن يكون الناس جميعاً مثله سكارى حيارى أو هتاكين للحرم عياذاً بالله .
المبحث الثالث : علامات الحاسد
هناك علامات يتبين بها الشخص الحاسد منها أنه :
1- يترصد أخطاء المحسود ، حتى إذا رأى منه زلة أو هفوة أشاعها على الملأ ، وطار بها فرحاً، ونشرها في المجالس والأماكن العامة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
2- يرتاح قلبه إذا سمع أحداً يغتاب ويقدح في صاحبه المحسود فلا ينهاه ، وربما أومأ بإشارة تدل على استنكاره لما يفعله المحسود ، وقد يعرِّض بالغيبة كأن يقول إذا ذكر له حال المحسود : ( نسأل الله السلامة والعافية ) ، ( الله يهدينا ويهديه ) ، ( لا نريد أن نغتابه ) ... إلخ
بل ربما يقع هو نفسه في غيبة أخيه المحسود فيثني عليه في البداية حتى يظهر أنه منصف ثم يقول: ولكن... كذا وكذا ، وهذا ما يسميه بعض العلماء : ( غيبة لكن ) كأن يقول : فلان نحسبه من العباد الأتقياء ولكن يغلب عليه الجهل والتكاسل في القيام لصلاة الفجر ، و .. و .. إلخ.(1/10)
3- يفرح إذا غاب أخوه المحسود عن مجلس أو نزهة ، و ذلك من أجل أن يتفرد بالصدارة وحده .
4- يتضايق الحاسد إذا أُثني على أخيه وهو يسمع ، وكأن هذا الثناء يقلل من شأنه وينقص من قدره .
5- يحاول تخطئة أخيه المنافس له حتى وإن كان يعلم أنه على صواب ، وإن كان عبر التأليف فربما أوَّل كلامه أو بتره حتى يخرج بأخطاء وهمية .
6 - محاولة الدخول في نية المحسود ، فربما اتهمه أنه يريد الشهرة وتجميع الناس أو أنه من المبغضين لأهل العلم ، أو أن قلبه مريض بالهوى أو غير ذلك .
7- عدم شعور ومبالاة الحاسد بحسده لأخيه ، مع علمه بتحريم الحسد وحفظه لبعض النصوص فيه ، وهذا دليل على ضعف إيمانه ، وتلبيس الشيطان عليه .
قال الجاحظ :
( وما لقيت حاسداً قط إلا تبين لك مكتومه بتغيير لونه ، وتخويص عينيه ، وإخفاء سلامه ، والإعراض عنك ، والإقبال على غيرك ، والاستثقال لحديثك ، والخلاف لرأيك ) (1)
قلت : لكن مثل هذا لا يدل على الحسد في كل حال ، بل قد يحدث لأسباب أخرى كالفسوق ونحوه
الفصل الثالث : أسباب الحسد وأضراره السيئة
المبحث الأول : أسباب الحسد
للحسد أسباب أذكر منها ما يلي :
1) عدم الرضى والقناعة بقسمة الله تعالى بين عباده . وقد قيل : الحسود عدو النعمة ، غضبان على القدر .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ألا لا تعادوا نعم الله ، قيل : ومن يعادي نعم الله ؟ قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .
2) بغض الحاسد للمحسود لأسباب مختلفة والحقد عليه مما يولد الحسد في آخر الأمر .
3) التكبر والعجب بالنفس ، فإذا كان الحاسد معجباً بنفسه رأى أنه أحق بالنعم من غيره
4) خبث النفس ، فبعض النفوس نعوذ بالله منها لا تتمنى لأحد خيراً أبداً ، بل ربما تتمنى الشر لمن أحسن إليها لخبث دفين فيها .
5) تفوق المحسود بفضل يعجز عنه الحاسد ، كالعلم أو المال أو الأدب ... إلخ .
قال معن بن زائدة :
__________
(1) المرجع السابق (ص : 13)(1/11)
إني حُسِدتُّ فزاد الله في حسدي *** لا عاش من عاش يوماً غير محسودِ
ما يحسد المرء إلا من فضائله *** بالعلم والظُّرف أو بالبأس والجودِ
6) حب الرياسة ، فإذا كانت النفس مريضة بحب التصدر والرياسة فإنها تحسد كل من تشعر أنه يزاحمها ويضايقها في الوصول إلى المناصب ، ومن ثم تسعى لإسقاط الطرف الآخر لتتفرد هي بالرياسة ، وهذا هو الذي دعا عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين لعداوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يتأهب ليكون رئيساً على المدينة ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تركه الناس وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفوا حوله فحسده عبد الله بن أبي على ذلك ثم بذل جهده في محاربة الإسلام .
7) التنافس في عمل واحد ، فهذا مما يسبب الحسد في كثير من الأحوال ، حيث تجد التاجر يحسد التاجر ، والمزارع يحسد المزارع ، والعالم يحسد العالم ، والواعظ يحسد الواعظ وقلَّ أن تجد عالماً يحسد طبيباً ، أو مهندساً يحسد مزارعاً إلا لأغراض أخرى .
8) الخوف من فوت المقاصد ، فإذا كان الحاسد مشتهراً بأمر ، حتى صار الناس يتزاحمون عليه بسببه ، وصار اسمه مذكوراً على جميع الألسن ، واشتهر أمره ، ثم برز من يساويه أو يتفوق عليه في ذلك الأمر تراه يحسده ويتمنى أن ينتقل إلى مكان آخر ، أو أن ينجفل الناس عنه ، خوفاً من فوات مقصده من الشهرة والمال والثناء وغير ذلك .
9) تسبب من له ولاية على أشخاص في تحاسدهم ، بتفضيل بعضهم على بعض ، كأن يثني على أحدهم ويمدحه أمام قرين منافس له .
10) تسبب المحسود نفسه في حسد الناس له ، وذلك عن طريق المبالغة في إظهار نعم الله تعالى عليه كالمبالغة في إظهار نعمة المال أو الصحة أو الذكاء أو الجمال أو قوة الذاكرة ...إلخ.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :(1/12)
( ينبغي لمن تظاهرت نعم الله عز وجل عليه أن يظهر منها ما يبين أثرها ولا يكشف جملتها ، وهذا من أعظم لذات الدنيا التي يأمر الحزم بتركها فإن العين حق ، وإني تفقدت النعم فرأيت إظهارها حلواً عند النفس ، إلا أنها إن أظهرت لوديد لم يؤمن تشعث باطنه بالغيظ ، وإن أظهرت لعدو فالظاهر إصابته بالعين لموضع الحسد ، إلا أنني رأيت شر الحسود كاللازم ، فإنه في حال البلاء يتشفى ، وفي حال النعم يصيب بالعين ) (1)
المبحث الثاني : أضرار الحسد وآثاره السيئة ومآلاته الخطيرة
للحسد أضرار كثيرة وعواقب وخيمة على الحاسد أذكر منها ما يلي :
1) إسخاط الله تعالى في معارضته ومخالفة قضائه وقدره .
أيا حاسداً لي على نعمتي *** أتدري على من أسأتَ الأدب
أسأت على الله في حكمه *** لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني *** وسدَّ عليك وجوه الطلب
قال الجاحظ : ( ولو لم يدخل رحمك الله على الحاسد بعد تراكم الهموم على قلبه ، واستمكان الحزن في جوفه ، وكثرة مضضه ، ووسواس ضميره ، وتنغيص عمره ، وكدر نفسه ، ونكد لذاذة معاشه ، إلا استصغاره لنعمة الله عنده ، وسخطه على سيده بما أفاد الله عبده ، وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه ، وألا يرزق أحداً سواه ، لكان عند ذوي العقول مرحوماً وكان عندهم في القياس مظلوماً ) (2)
2) الحسرة التي تأكل قلب الحاسد حتى تصبح ألماً في جسده : فإن الحاسد يحقن في جسده الهم والغم والحقد والبغض وتمني زوال نعم الآخرين عنهم ، وكلما زادت هذه النعم زاد غيظه.
قال عمر رضي الله عنه : يكفيك من الحاسد أن يغتم وقت سرورك .
قال الشاعر :
اصبر على كيد الحسود *** فإن صبرك قاتله
النار تأكل بعضها *** إن لم تجد ما تأكله
وقال آخر :
إني لأرحم حاسديَّ لفرط ما *** ضمت صدورهمُ من الأوغارِ
نظروا صنيع الله بي فعيونهم *** في جنة وقلوبهم في نارِ
__________
(1) صيد الخاطر (ص : 177)
(2) رسالة الحاسد والمحسود (ص : 10)(1/13)
وقال الجاحظ : ( أما أنا فحقاً أقول : لو ملكتُ عقوبة الحاسد لم أعاقبه بأكثر مما عاقبه الله به بإلزام الهموم قلبه وتسليطها عليه ، فزاده الله حسداً ، وأقامه عليه أبداً ) (1)
3) انخفاض منزلته في قلوب الناس ، ونفورهم منه حتى يصبح مبغوضاً عندهم ، وقد قيل : الحسود لا يسود ، فيصبح ذمه شائعاً على الألسنة .
قال السمرقندي : ليس شيء من الشر أضر من الحسد ، لأنه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود مكروه :
1- غم لا ينقطع
2- مصيبة لا يؤجر عليها
3- مذمة لا يحمد عليها
4- يسخط عليه الرب
5- تغلق عليه أبواب التوفيق
4) إرضاء الشيطان بموافقته له في معصية الله .
5) إهدار الحسنات وكسب الخطايا والآثام ، فإن الحاسد غالباً ما يسعى لإزالة النعمة عن المحسود بقوله أو فعله وفي ذلك إهدار للحسنات ، وكسب للسيئات .
قال القرطبي رحمه الله : والحسد مذموم وصاحبه مغموم ، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .
6) زرع العداوة بين الأصحاب والأقارب وتفكيك المجتمع المسلم ، قال الجاحظ عن آثار الحسد : ( فمنه تتولد العداوة ، وهو سبب كل قطيعة ، ومنتج كل وحشة ، ومفرق كل جماعة ، وقاطع كل رحم بين الأقرباء ، ومحدث التفرق بين القرناء ، وملقح الشر بين الخلطاء، يكمن في الصدور كمون النار في الحجر ) (2)
قال الشافعي رحمه الله تعالى :
كل العداوات قد ترجى مودتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ
7) قد يؤدي إلى بعض المآلات الخطيرة ومنها :
__________
(1) المرجع السابق (ص : 21)
(2) المرجع السابق (ص : 9)(1/14)
1- الكفر بالله سبحانه وتعالى : كما هو حال اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) [البقرة : 109] وقال تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) [النساء : 54] ، فقد حسدوه على النبوة لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل .
2- النفاق : وذلك كحال عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، فقد كان حسده للنبي صلى الله عليه وسلم سبباً في نفاقه وحربه للإسلام .
3- قتل النفس : كما في قصة ابني آدم عليه السلام .
4- معصية أمر الله تعالى : كما في قصة إبليس مع آدم عليه السلام .
5- تفكك الأسر مع زرع العداوة : كما في قصة إخوة يوسف عليه السلام ، وكان ذلك بسبب حسدهم له عندما قالوا : (ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين) [يوسف : 8](1/15)
قال الجاحظ في حكايته لبعض قصص الحسدة : ( ابنا آدم ، قتل أحدهما أخاه ، فعصى ربه وأثكل أباه ، وبالحسد طوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ، لقد حمله الحسد على غاية القسوة ، وبلغ به أقصى حدود العقوق ، إذ ألقى عليه الحجر شادخاً ، فأصبح عليه نادماً صارخاً ، ... ، وكان عبد الله بن أبيّ قبل نفاقه نسيج وحده بجودة رأيه وبعد همته ونبل شيمته وانقياد العشيرة له بالسيادة والسعادة وإذعانهم له بالرياسة ، وما استوجب ذلك إلا بعد ما استجمع له لبه وتبين لهم عقله وافتقدوا منه جهله ورأوه لذلك أهلاً لما أطاق له حملاً ، فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة ورأى عز رسول الله صلى الله عليه وسلم شمخ بأنفه فحسده ، فهدم إسلامه وأظهر نفاقه ، وما صار منافقاً حتى صار حسوداً ... ولو سلم المخذول من الحسد لكان من الإسلام بمكان ، ومن السؤدد في ارتفاع ، فوضعه الله بحسده وإظهار نفاقه ، ... ، وقد كان إخوة يوسف علماء حلماء ولدهم الأنبياء فلم يغفلوا عما قدح في قلوبهم من الحسد ليوسف صلى الله عليه وسلم ، حتى أعطوا أباهم المواثيق المؤكدة ، والعهود المقلدة ، والأيمان المغلظة ، أنهم له حافظون ، وهو شقيقهم وبضعة منهم ، فخانوا العهود ، ووثبوا عليه بالظلم فألقوه في غيابة الجب ، وجاءوا على قميصه بدم كذب ، فبظلمهم يوسف ظلموا أباهم طمعاً أن يخلو لهم وجه أبيهم ويتفردوا بحبه ، وظنوا أن الأيام تسليه ، وحبه لهم عن بعده عنه يلهيه ، فأسالوا عبرته ، وأحرقوا قلبه ) (1)
الفصل الرابع :
الحسد بين العلماء وطلبة العلم
ذكرت فيما مضى تعريف الحسد وأسبابه وآثاره ، وقبل أن أنتقل إلى العلاج أشير إلى قضية مهمة هي : التحاسد بين العلماء وطلبة العلم ، فهذه قاصمة للظهر ، وإذا ظهر التحاسد بين طلبة العلم تفرقت الأمة ودخلت الأهواء والضلالات على أفرادها
__________
(1) المرجع السابق (ص : 11 ، 14 – 15 ، 21 – 22) بتصرف يسير .(1/16)
وسأتناول هذا الموضوع للتنبيه على وجود التحاسد بين بعض أهل العلم ، مع العلم أن إكثار الكلام حول تحاسد العلماء مذموم حيث إنه يصوِّر أن العلاقة بينهم مفقودة وأن صدورهم مليئة بالضغائن والأحقاد ، وليس الأمر كذلك ، ومن الكتب المفيدة في هذا الباب والتي بينت نماذج من رسائل المودة بين العلماء كتاب : ( الصداقة بين العلماء ) لفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله فليرجع إليه .
المبحث الأول : سبب التحاسد بين العلماء ومنشؤه
الحسد بين العلماء نوع من أنواع التحاسد بين الأقران ، وكما تقدم فإن سبب تحاسدهم هو اجتماعهم على شيء واحد هو طلب العلم ، فكما يحسد التاجر التاجر ، والطبيب الطبيب ، والمهندس المهندس ، فكذلك قد يحسد العالم العالم .(1/17)
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : ( تأملت التحاسد بين العلماء ، فرأيت منشأه من حب الدنيا ، فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون ، كما قال عز و جل : (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) وقال الله تعالى : (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا) وقد كان أبو الدرداء يدعو كل ليلة لجماعة من إخوانه ، وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي : " أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر" والأمر الفارق بين الفئتين : أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها ، ويحبون كثرة الجمع والثناء ، وعلماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك ، وقد كانوا يتخوفونه ، ويرحمون من بلي به ، وكان النخعي لا يستند إلى سارية . وقال علقمة: أكره أن يوطأ عقبي ، وكان بعضهم إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام عنهم . وكانوا يتدافعون الفتوى ، ويحبون الخمول ، مثل القوم كمثل راكب البحر وقد خب ، فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة ، وإنما كان بعضهم يدعوا لبعض ، ويستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا ، فالأيام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة ) (1)
وقال رحمه الله في حثه على العزلة وذكره لبعض مساوئ الخلطة : (وإن وقعت المخالطة للعلماء فأكثرهم على غير الجادة ، مقصودهم صورة العلم لا العمل به ، فلا تكاد ترى من تذاكره أمر الآخرة ، إنما شغلهم الغيبة ، وقصد الغلبة ، واجتلاب الدنيا ، ثم فيهم من الحسد للنظراء ما لا يوصف ) (2)
المبحث الثاني : أثر الحسد على طلبة العلم
للحسد بين طلبة العلم آثار سيئة منها ما يلي :
1) انتشار الشحناء والبغضاء والعداوة بين أهل العلم .
2) حصول الإثم بالوقوع في أعراض العلماء والاشتغال بغيبتهم .
3) انقسام طلبة العلم تبعاً لمشايخهم المتحاسدين وظهور النزاعات بينهم .
__________
(1) صيد الخاطر (ص : 32 – 33)
(2) المرجع السابق (ص : 445)(1/18)
4) تربية الطلبة على ضيق الأفق والشدة وسوء الأدب مع المخالف .
5) تربية الطلبة على التعلق بالأشخاص وتقديسهم والتعصب لهم ، والموالاة والمعاداة عليهم .
6) نزوح العالم إلى العمل الفردي ونفوره من المشاركة في العمل الجماعي الذي يشارك فيه المحسود ، كالندوات والمؤتمرات وغير ذلك .
7) ظهور النقد الآثم للأعمال الدعوية التي بذلت فيها جهود كبيرة ، وما ذاك إلا لحسد الناقد وعجزه عن القيام بمثلها وشعوره أن هذا العمل قد يسلب منه الأضواء ويصرف وجوه الناس عنه .
8) تغير النية في طلب العلم ، فيصبح الطلب بنية التفوق على الأقران .
9) ضياع الأوقات في الردود غير العلمية ، المليئة بالانتصار للذات والطعن في المخالف .
10) نزع الثقة في أهل العلم الثقات الذين تكلم فيهم بعض حسادهم .
11) ظهور نابتة سيئة من طلبة العلم الذين يسعون بالنميمة بين المشايخ ويحاولون إشعال نار الفتن ، فإذا علموا أن شيخهم يحسد فلاناً صاروا يحاولون إرضاءه والتقرب إليه بالطعن في فلان وذكر بعض زلاته لهذا الشيخ .
12) فتح المجال للمغرضين من العلمانيين وأمثالهم للوقوع في أعراض العلماء والسخرية بهم .
13) عند ضعف الإيمان والخوف من الله مع اشتداد الحسد قد يصل الأمر إلى أن يحاول طالب العلم الوشاية بصاحبه المحسود عند الحاكم الظالم ، ليحبسه أو يوقفه ومن ثم يتفرد هو بالصدارة
14) حرمان طالب العلم لنفسه من علم كثير كان يمكن أن يتحصل عليه من قرينه لولا ما في قلبه من الحسد
15) انشغال ذهن طالب العلم بالحسد والحقد وما يصاحبهما من الهم والغم قد يضعف مستوى تحصيله العلمي وبالتالي يظهر هذا الضعف على كتبه وفتاواه .
16) حصول الانتكاسات في أوساط الشباب حديثي العهد بالاستقامة بسبب ما يرونه من اختلاف بين العلماء .
17) عزوف بعض الشباب عن طلب العلم بحجة أن العلماء مختلفين .(1/19)
18) حصول الهجر بين طلبة العلم ، وتنزيلهم لأقوال السلف في هجر أهل البدع المغلظة في أقرانهم من أهل السنة .
ولعلي أذكر بعض أقوال السلف في هذا الموضوع لنعلم من خلالها أن كثيراً من الجرح الذي يحصل في هذا العصر لا يعتد به أصلاً عند السلف ، ولو عاصروه لعدوه من تحاسد الأقران لا غير .
المبحث الثالث : أقوال السلف في تحاسد الأقران
- قال عبد العزيز بن أبي حازم رحمه الله : " العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لم يزهُ عليه حتى كان هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه ، ولا يذاكر من هو مثله ، ويزهى على من هو دونه ، فهلك الناس " (1)
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله (2 / 151 – 152)(1/20)
- وقال ابن عبد البر رحمه الله : " هذا باب غلط فيه كثير من الناس ، وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك ، والصحيح في هذا الباب : أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم ، لم يُلتفَت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر ، وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ، ولا صحت – لعدم الحفظ والإتقان – روايته فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه ، والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماماً في الدين قول أحد من الطاعنين : أن السلف رضوان الله عليهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير في حال الغضب ، ومنه ما حمل عليه الحسد ...، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم القول فيه ما قاله القائل فيه ، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلاً واجتهاداً لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان ولا حجة توجبه " (1)
- وقال الإمام الذهبي رحمه الله : " كلام الأقران بعضهم في بعض لا يؤبه به ، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، وما ينجو منه إلا من عصمه الله ، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ، ولو شئتُ لسردتُّ من ذلك كراريس!! " (2)
- وقال رحمه الله : " كلام الأقران إذا تبرهن أنه بهوى وعصبية لا يلتفت إليه ، بل يطوى ولا يروى " (3)
- وقال رحمه الله في ترجمة عفان الصفار: "كلام النظير والأقران ينبغي أن يتأمل ويتأنى فيه" (4)
__________
(1) المرجع السابق (2 / 152)
(2) ميزان الاعتدال (1 / 111)
(3) السير (10 / 92)
(4) ميزان الاعتدال (3 / 81)(1/21)
- وقال رحمه الله في ترجمة الإمام الشافعي رحمه الله : "ونال بعض الناس منه غضاً فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة ، ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى ، وقلَّ من برز في الإمامة ورَدََّ على من خالفه إلا عودي ، نعوذ بالله من الهوى " (1)
- وقال رحمه الله : " لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر ، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينه وبينه شحناء وإحنة ، وقد علم أن كثيراً من كلام الأقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به ، لا سيما إذا وثق الرجل جماعة يلوح على قولهم الإنصاف " (2)
- وقال رحمه الله عند ذكره لبعض كلام العلماء في بعض : " قلت هذا من كلام الأقران الذي لا يُسمع " (3)
- وقال رحمه الله : "وبكل حال كلام الأقران بعضهم في بعض يحتمل وطيه أولى من بثه" (4)
- وقال رحمه الله : " فلا يعتد غالباً بكلام الأقران ، لا سيما إذا كان بينهما منافسة " (5)
- وقال رحمه الله : " وقد عرف وهن كلام الأقران المتنافسين بعضهم في بعض نسأل الله السماح " (6)
- وقال رحمه الله عند ترجمة البويطي ، يوسف أَبو يعقوب بن يحيى المصرِي : ( قال أبو جعفر الترمذي : فحدثني الثقة عن البويطي أنه قال : برئ الناس من دمي إلا ثلاثة : حرملة والمزني وآخر . قلت : استفق ، ويحك ، وسل ربك العافية ، فكلام الأقران بعضهم في بعض أمر عجيب ، وقع فيه سادة ، فرحم الله الجميع ) (7)
- وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " كلام الأقران غير معتبر في حق بعضهم بعضاً إذا كان غير مفسر" (8)
- وقال أيضاً رحمه الله : " واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد ، فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق " (9)
__________
(1) السير (10 / 8 – 9)
(2) السير (7 / 40 – 41 )
(3) السير (11 / 451)
(4) السير (11 / 432)
(5) السير (14 / 42)
(6) السير (17 / 462)
(7) السير (12/61)
(8) تهذيب التهذيب (8 / 71)
(9) هدي الساري (ص : 385)(1/22)
- وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله : " لو كان كل من ادُّعِيَ عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادُّعِي به ، وسقطت عدالته ، وبطلت شهادته بذلك ، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه " (1)
المبحث الرابع : اعتذار العلماء عما جرى من كلام العلماء في بعضهم
وعدم اعتدادهم به
في كتاب ( منطلقات طالب العلم ) لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله ذكرٌ لبعض العلماء الذين تكلموا في بعضهم(2) ومع ذلك فلم تذهب مكانتهم في الأمة ولم يعتد السلف بهذا الجرح لأنهم علموا أن ذلك قد يكون من تقادح الأقران ، وقد ذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله في (جامعه) هذه المواقف بالتفصيل ورد عليها(3) لكني أسوقها هنا مجملة ، فقد :
- تكلم ابن أبي ذئب رحمه الله في مالك رحمه الله لأنه بلغه أن مالكاً لا يأخذ بحديث : (البيعان بالخيار...) فاشتدت مقالة ابن أبي ذئب رحمه الله في الإمام مالك ، ولم يعول العلماء على ذلك، فبقيت إمامتهما معتبرة ، ولكنهما كانا عالمي المدينة فحدث بينهما ما يكون بين الأقران في البلد الواحد
- وتكلم سعيد بن المسيب رحمه الله في عكرمة رحمه الله
- وتكلم الثوري رحمه الله في الإمام أبي حنيفة رحمه الله
- ولم يقبل العلماء قول الإمام مالك في محمد بن إسحاق صاحب المغازي ، ولا قبلوا قول ابن إسحاق فيه
وقد طوى العلماء هذه المقالات وطعنوا في صحتها أحياناً ، ووجهوا بعضها بأن هذا هو شأن المعاصرة والمنافرة ونحوهما ، وقد قال علماء الجرح والتعديل : ( لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر – أي إذا كان بلا حجة – لأن المعاصرة تفضي غالباً إلى المنافرة )
__________
(1) المرجع السابق (ص : 428)
(2) الطبعة الرابعة المزيدة 2003 م (ص : 308 – 312) ومنه بعض النقول التالية .
(3) جامع بيان العلم وفضله ، باب : " حكم قول العلماء بعضهم في بعض " ، (2 / 150 – 163)(1/23)
- قال الإمام البخاري رحمه الله : " ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم ، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي ، وكلام الشعبي في عكرمة ، وفي من كان قبلهم ، وتناول بعضهم في العرض والنفس ، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة " (1)
- وقال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة محمد بن إسحاق -المعروف بابن منده الأصبهاني- : " أقذع الحافظ أبو نعيم في جرحه لما بينهما من الوحشة ، ونال منه واتهمه ، فلم يلتفت إليه ؛ لما بينهما من العظائم نسأل الله العفو ، فلقد نال ابن منده من أبي نعيم وأسرف أيضاً " (2)
- وقال في ترجمة أبي الزناد عبد الله بن ذكوان : " لا يسمع قول ربيعة فيه ، فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة " (3)
- وقد أجمع النقَّاد على توثيق قيس بن أبي حازم حتى قالوا عنه : " كاد أن يكون صحابياً " ، إلا أن بعض النقَّاد تكلموا فيه فقال الإمام الذهبي : " أجمعوا على الاحتجاج به ، ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه ، نسأل الله العافية وترك الهوى " (4)
__________
(1) انظر السير ( 7 / 40) ، تهذيب التهذيب (9/37)
(2) ميزان الاعتدال (3 / 479)
(3) المرجع السابق (2 / 418)
(4) المرجع السابق ( 3 / 393)(1/24)
- ولما أورد العقيلي رحمه الله عليَّ ابن المديني الإمام الحجة الحافظ في (الضعفاء) قال الذهبي : "ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع ...، ولو تركت حديث علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وعثمان بن أبي شيبة ...، لغلقنا الباب ، وانقطع الخطاب ولماتت الآثار واستولت الزنادقة ولخرج الدجال ، أفمالك عقل يا عقيلي ؟ أتدري فيمن تتكلم ؟!!...، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات ، بل أوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك...إلخ " (1)
- وقال رحمه الله في ترجمة ابن صاعد رحمه الله : " وقد ذكرنا مخاصمة بينه وبين ابن أبي داود وحط كل واحد منهما على الآخر في ترجمة ابن أبي داود ونحن لا نقبل كلام الأقران بعضهم في بعض وهما بحمد الله ثقتان " (2)
__________
(1) المرجع السابق (3 / 138 – 140) وهذا النقل وبعض النقول غيره من كتاب (فقه التعامل مع الأخطاء على ضوء منهج السلف) للدكتور عبد الرحمن بن أحمد علوش حفظه الله تعالى .
(2) السير (14 / 505)(1/25)
وأختم الكلام عن هذا الموضوع بكلام قيم للإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى إذ يقول : " فمن أراد أن يقبل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بعضهم في بعض ، فإن فعل ذلك ضل ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً ، وكذلك إن قبل في سعيد بن المسيب قول عكرمة ، وفي الشعبي والنخعي وأهل الحجاز وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل الشام على الجملة ، وفي مالك والشافعي وسائر من ذكرنا في هذا الباب ، ما ذكرنا عن بعضهم في بعض ، فإن لم يفعل – ولن يفعل إن هداه الله وألهمه رشده – فليقف عند ما شرطنا : أن لا يقبل فيمن صحت عدالته وعلمت بالعلم عنايته ، وسلم من الكبائر ، ولزم المروءة والتعاون ، وكان خيره غالباً وشره أقل عمله ، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به فهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله " (1)
المبحث الخامس : هل هناك أحد يسلم من ألسنة الناس ؟
بعد ذكر كلام العلماء في مسألة الحسد الحاصل بين أهل العلم وتحذيرهم من قبول الجرح إذا تبين أنه لحسد أو منافرة لعل سائلاً أن يسأل : هل يسلم أحد من ألسنة الناس الطاعنين بلا دليل ؟ وهل إلى إسكات الحساد عن قولهم الإفك من سبيل ؟
وللإجابة على هذا السؤال أقول وبالله التوفيق :
إن رضى الناس غاية لا تدرك ، وأمنية لا تتحقق ، فإن اختلاف أمزجة الناس وأفكارهم كفيل بتحقيق الاختلاف بينهم مما يجر كلام بعضهم في بعض .
ليس يخلو المرء من ضد وإن *** حاول العزلة في رأس جبل
قال الإمام الذهبي رحمه الله : "وقلَّ من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا عودي ، نعوذ بالله من الهوى" (2)
وقال أيضاً : " فمن ذا الذي يسلم من ألسنة الناس ؟!! لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء يفتقر إلى وزنٍ بالعدل والورع " (3)
__________
(1) جامع بيان العلم وفضله (ص : 162)
(2) السير (10 / 8 – 9)
(3) السير (8 / 448)(1/26)
ولستُ بناجٍ من مقالة طاعن *** ولو كنتُ في غارٍ على جبل وعرِ
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً *** ولو غاب عنهم بين خافيتي نسرِ
قال الإمام الشافعي رحمه الله : " ليس إلى السلامة من الناس سبيل ، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه " (1)
وفي أبيات جميلة لأبي العتاهية :
فيا رب إن الناس لا ينصفونني *** فكيف ولو أنصفتهم ظلموني
وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه ***وإن شئت أبغي شيئهم منعوني
وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم *** وإن أنا لم أبذل لهم شتموني
وإن طرقتني نكبة فكهوا بها *** وإن صحبتني نعمة حسدوني
سأمنع قلبي أن يحن إليهمو *** وأحجب عنهم ناظري وجفوني
وعلى العاقل أن لا يتأثر بكلام الناس ولا يشتغل بالرد عليه ، وأن يشغل نفسه بالعمل الجاد المثمر ، يقول صاحب كتاب ( لا تحزن ) : " من الفوائد والتجارب : لا ترد على كلمة جارحة فيك أو مقولة أو قصيدة ، فإن الاحتمال دفن المعايب ، والحلمَ عز ، والصمتَ يقهر الأعداء ، والعفو مثوبة وشرف ، ونصف الذين يقرؤون الشتم فيك نسوه ، والنصف الآخر ما قرؤوه ، وغيرهم لا يدرون ما السبب وما القضية ! فلا ترسخ ذلك أنت وتعمقه بالرد على ما قيل " (2)
هذا وإن النقد الآثم دليل على قيمة المنتقَد ووزنه ، وعن طريقه تنتشر فضائله وتعرف مكانته ، وكما قال أبو تمام الطائي :
وإذا أراد الله نشر فضيلةٍ *** طويت أتاح لها لسان حسودِ
لولا اشتعال النار في ما جاورت *** ما كان يعرف طيب ريح العودِ
لولا التخوف للعواقب لم يزل *** للحاسد النعمى على المحسودِ
وقال آخر :
لو لم تكن لي في العيون مهابة *** لم يطعن الأعداء فيَّ ويقدحوا
وقال آخر :
ولن تستبين الدهرَ موضعَ نعمَةٍ ... إذا أنْت لم تُدْلَلْ عليها بحَاسدِ
تنبيه : علق بعض الفضلاء هنا فقال :
__________
(1) السير (10 / 41-42 ، 89)
(2) لا تحزن (ص : 100)(1/27)
( قد يكون الإنسان عالماً كبيراً ولكن يثبت عنه باليقين الجازم أنه صاحب بدعة كبيرة ، فالكلام فيه تحذيراً من البدعة لا يدخل في كلام الأقران ، ويؤخذ ما عنده من علم نافع .
وعلى هذا كان الإمام أحمد يتكلم في الحسين بن علي الكرابيسي ، انظر "ميزان الاعتدال " (2/300) و"الكامل" لابن عدي (2/365) ، وكذلك كلام الإمام أحمد رحمه الله في أبي الوليد هشام بن عمار السلمي ، وعلة الرجلين مسألة ( اللفظ )
والكرابيسي في رواية الحديث قال عنه ابن عدي في " الكامل" (2/367) : (الحسين الكرابيسي له كتب مصنفة ذكر فيها اختلاف الناس من المسائل وكان حافظا لها وذكر في كتبه أخبارا كثيرة ولم أجد منكرا غير ما ذكرت من الحديث والذي حمل أحمد بن حنبل عليه من أجل اللفظ في القرآن فأما في الحديث فلم أر به بأساً ) ا.هـ
الفصل الخامس :
علاج الحسد وطرق الوقاية منه
المبحث الأول : أسباب دفع شر الحاسد
يندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب ، أسوقها مختصرة من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في (بدائع الفوائد) : (1)
السبب الأول : التعوذ بالله من شره والتحصن به ، واللجأ إليه
السبب الثاني : تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه فمن اتقى الله حفظه ولم يكله إلى غيره
السبب الثالث : الصبر على عدوه وأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه
السبب الرابع : التوكل على الله فإنه من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم
السبب الخامس : فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه ، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له فلا يلتفت إليه ، ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه .
السبب السادس : الإقبال على الله والإخلاص له وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها .
__________
(1) بدائع الفوائد (2/238 - 246)(1/28)
السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه ، فليس للعبد إذا بغي عليه وأوذي وتسلط عليه خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح ، وعلامة سعادته أن يعكس فكره ونظره على نفسه وذنوبه وعيوبه فيشتغل بها وبإصلاحها وبالتوبة منها فلا يبقى فيه فراغ لتدبر ما نزل به بل يتولى هو التوبة وإصلاح عيوبه والله يتولى نصرته وحفظه والدفع عنه ولا بد ، فما أسعده من عبد وما أبركها من نازلة نزلت به وما أحسن أثرها عليه .
السبب الثامن : الصدقة والإحسان ما أمكنه ، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد .
السبب التاسع : وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله وهو طفي نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً ، وله نصيحة ، وعليه شفقة ، وما أظنك تصدق بأن هذا يكون ، فضلاً عن أن تتعاطاه !
واسمع الآن ما الذي يسهل هذا على النفس ويطيبه إليها وينعمها به :
اعلم أن لك ذنوباً بينك وبين الله تخاف عواقبها وترجوه أن يعفو عنها ويغفرها لك ويهبها لك ، ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك ويكرمك ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله ، فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله هذه المعاملة ، فإن الجزاء من جنس العمل فكما تعمل مع الناس في اساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاء وفاقاً . فانتقم بعد ذلك أو اعف وأحسن ، أو اترك ، فكما تدين تدان ، وكما تفعل مع عباده يفعل معك ، فمن تصور هذا المعنى وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى من أساء إليه(1/29)
السبب العاشر : وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد وإخلاصه للعزيز الحكيم، فإذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه . وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله فيرى أن إعماله فكره في أمر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده . وإلا فلو جرد توحيده لكان له فيه شغل شاغل . والله يتولى حفظه والدفع عنه . وبحسب إيمانه يكون دفاعه عنه . فإن كمل إيمانه كان دفع الله عنه أتم دفع ، وإن مزج مزج له وإن كان مرة ومرة فالله له مرة ومرة
فهذه عشرة أسباب يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر
المبحث الثاني : كيفية التعامل مع الحاسد
1 – الابتعاد عنه قدر المستطاع ، قيل لعبد الله بن عروة : لم لزمت البدو وتركت قومك ؟ قال : وهل بقي إلا حاسد على نعمة أو شامت على نكبة ؟
2- محاولة إخفاء النعم عنه ، قال بعضهم : (إني لأشتري اللحم فأخفيه من جيراني مخافة أن يحسدوني عليه)
وتأمل حال يعقوب عليه السلام عندما قال لابنه يوسف عليه السلام خوفاً عليه من حسد إخوته له : ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) [يوسف:5] وعندما قال لأبنائه : (يا بَنيَّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) [يوسف : 67]
قال ابن القيم رحمه الله : (وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد وأن لا يقصد إظهارها له ، وقد قال يعقوب ليوسف : ( لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) [يوسف:5] وكم من صاحب قلب وجمعية وحال مع الله قد تحدث بها وأخبر بها فسلبه إياها الأغيار فأصبح يقلب كفيه ، ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله وأن لا يطلعوا عليه أحدا ويتكتمون به غاية التكتم ) (1)
__________
(1) المرجع السابق (3/9)(1/30)
وينبغي التنبه إلى أن المبالغة في إخفاء النعم ومداومة التفكير في ذلك ومراقبة تصرفات الناس خوفاً من حسدهم قد تتحول إلى مرض يجلب لصاحبه الوساوس والمتاعب
3- عدم إفشاء السر إليه ، وقد قيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك .
اكتم عن الجلساء بثك إنما *** جلساؤك الحساد والشمات
قال ابن الجوزي رحمه الله : ( فإن أردت العيش فأبعد عن الحسود ... فإن اضطررت إلى مخالطته فلا تفش إليه سرك ولا تشاوره ، ولا يغرنك تملقه لك ، ولا ما يظهره من الدين والتعبد ، فإن الحسد يغلب الدين ) (1)
4- الدعاء له بالهداية والصلاح .
5- استخدام ( العزلة الشعورية ) بإهمال التفكير فيه تماماً وعدم محاولة الانتقام .
وكلمة حاسد من غير جرمٍ *** سمعتُ فقلتُ مرِّي فانفذيني
وعابوها عليَّ ولم تعبني *** ولن يندى لها أبداً جبيني
6- مداراته والتلطف معه اتقاء لشره ، قال الجاحظ : ( فإذا أحسستَ رحمك الله من صديقك بالحسد فأقلل ما استطعت من مخالطته ، فإنه أعون الأشياء لك على مسالمته ، وحصِّن سرك منه تسلم من شذاة شره وعوائق ضره ، وإياك والرغبة في مشاورته ، فتمكن نفسك من سهام مساورته ، ولا يغرنك خدع ملقه وبيان زلقه فإن ذلك من حبائل ثقافه) (2)
وقال أيضاً في آخر رسالته التي كتبها عن الحسد : ( وما أرى السلامة إلا في قطع الحاسد ، ولا السرور إلا في افتقاد وجهه ، ولا الراحة إلا في صرم مداراته ، ولا الربح إلا في ترك مصافاته ) (3)
7- نصحه ووعظه ، وتخويفه بالله تعالى
المبحث الثالث : علاج الحسد
كما أن الحسد من أشد أمراض القلوب ألماً وحرقاً لقلب صاحبه فإن علاجه كذلك من أشد العلاجات مرارة ، ولكنها مرارة تعقبها حلاوة ، وألم يعقبه راحة .
__________
(1) صيد الخاطر (ص:582)
(2) رسالة الحاسد والمحسود (ص : 22 – 23)
(3) المرجع السابق (ص : 31 – 32)(1/31)
وعلاج هذا الداء يحتاج إلى عزيمة ، وصبر في مجاهدة النفس ، مع طول زمن ، فليس هناك حل سحري يخرج الحسد من قلب صاحبه في يوم أو ليلة ، بل الأمر كما أسلفت يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة وصبر وتحمل .
وقد نبه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى على صعوبة علاج الحسد وعده أحد أركان الكفر الأربعة فقال : ( أركان الكفر أربعة : الكبر والحسد والغضب والشهوة ... وزوال الجبال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الأربعة عمن بلي بها, ولا سيما إذا صارت هيئات راسخة وملكات وصفات ثابتة , فإنه لا يستقيم له معها عمل البتة ، ولا تزكو نفسه مع قيامها بها ، وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة , وكل الآفات متولدة منها ) (1)
وينقسم علاج الحسد لمن ابتلي به إلى نوعين : نظري وعملي
أولاً : العلاج النظري :
قوة الإيمان والخوف من الله التي تمنع صاحبها من الحسد ؛ خشية الإثم وضياع الحسنات
التسليم بقضاء الله وقده وجبر النفس عليه
العقل الذي يستقبح به نتائج الحسد
أن يتفكر في نفور الناس منه وكراهيتهم له
أن يترك الحسد طلباً للراحة النفسية
قال الأحنف : لا راحة لحسود ، وقال الشاعر:
يا طالب العيش في أمن وفي دعة *** رغداً بلا قتر صفواً بلا رنق
خلص فؤادك من غل ومن حسد *** فالغل في القلب مثل الغل في العنق
أن يزهد في الدنيا وأن يعلم أنها أقل شأناً من إثارة الحسد عليها فهي حطام فانٍ زائل
أن يكثر من ذكر الموت ، قال أبو الدرداء رضي الله عنه : ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قلَّ فرحه وفقد حسده
أن يتفكر في ما يتعلق بالنعمة التي عند صاحبه من هموم الدنيا وحساب الآخرة فيتسلى بذلك .
ثانياً : العلاج العملي (2) :
1- قراءة القرآن بتدبر وخشوع ، والإكثار من ذكر الله تعالى .
__________
(1) الفوائد (ص : 157- 158)
(2) معالم في طريق طلب العلم (ص : 101 – 103) بتصرف ، مع زيادة عليها(1/32)
2- إعمال الفكر في الأمور المفيدة وشغل النفس بها وعدم إعطاء العقل فرصة للتفكير بأذى الآخرين وحسدهم
3- الدعاء لنفسه أن يشفيه الله من هذا المرض وأن يجعل صدره على المؤمنين سليماً .
4-الدعاء لأخيه بظهر الغيب حتى يزيل الله ما في النفس عليه .
5- إفشاء السلام وطلاقة الوجه عند لقائه ، قال الشاعر :
الق العدو بوجهٍ لا قطوب به *** يكاد يقطر من ماء البشاشاتِ
فأحزم الناس من يلقى أعاديه *** في جسم حقدٍ وثوبٍ من موداتِ
وقال آخر :
لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ *** أرحتُ نفسي من همِّ العداواتِ
إني أحيي عدوي عند رؤيته *** لأدفع الشر عني بالتحياتِ
6- محاولة التحبُّب لأخيه ، والسؤال عن حاله و حال أهله وإجبار النفس على ذلك .
7- زيارته ، وإظهار مالَهُ من الفضل
8- التقرب إلى المحسود بإكرام من يحبهم كوالده وولده
9- عدم السماح أو الرضى بغيبته ، أو همزه ، أو لمزه ، بل والذب عنه إذا وقع أحد في غيبته
10- تكلف الثناء عليه في حال حضوره ، وفي حال غيابه كذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر ، فيكره ذلك من نفسه ، وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود ، فلا يعينون من ظلمه ، ولكنهم أيضاً لا يقومون بما يجب من حقه ، بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده ، وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا ، وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك ، لا معتدون عليه ، وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضاً في مواضع ، ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود ، وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقَب ) (1)
__________
(1) مجموع الفتاوى (10/125)(1/33)
11- إيثار أخيك على نفسك في الأمور التي تؤْثَر فيها ، كإلقاء كلمة أو نصيحة على مجموعة من الناس إذا طلبوا منك ذلك ، فتؤثر أخاك بهذا حتى لا يتأثر بتقديمك عليه ويبقى ذلك في نفسه وحتى يزول ما في نفسك عليه كذلك .
12- استشارة أخيك المحسود وطلب نصيحته ، و إظهار حاجتك لرأيه . فذلك من أعظم الأسباب لطرد الشيطان عن نفسك .
13- تقديم هدية مشفوعة برسالة ، تظهر فيها روح الأخوة الصادقة .
الخاتمة
وفي الختام أخي الكريم .. إن هذا العمل جهد بشري ، فما كان فيه من حق فمن توفيق الله وحده ، ولا تنس صاحبه من الدعاء
وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان
سامح أخاك إذا خلط *** منه الإساءة بالغلط
واعلم بأنك إن أردت *** مكملاً رمت الشطط
من ذا الذي ما ساء قط ؟ *** ومن له الحسنى فقط ؟
ولا يعدم صاحبه منك الاستغفار ، فلعل دعوة منك في ظهر الغيب تنجيه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
ما دعوة أنفع يا صاحبي *** من دعوة الغائب للغائب
ناشدتك الله يا قارئاً *** أن تسأل الغفران للكاتب
وأسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يقينا شر الحساد وغيرة الأضداد إنه جواد كريم ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(1/34)