حِوَارَاتٌ وَلِقَاءَاتٌ
مَعَ فَضِيلَةِ الشَّيخِ الإمَامِ العلّامَةِ مُحَمَّد الحَسَن ولد الدَّدُوالشَّنقِيطيِّ
حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى
مَاذَا يَقُولُ الوَاصِفُونَ لَهُ
وَصِفَاتُهُ جَلَّتْ عَنِ الحَصْرِ
هُوَ حُجَّةٌ للهِ قَاهِرَةٌ
هُوَ بَينَنَا أُعجُوبَةُ الدَّهْرِ
هُوَ آيَةٌ لِلخَلْقِ ظَاهِرَةٌ
أنْوَارُهَا أرْبَتْ عَلَى الفَجْرِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
ترجمة الشيخ محمد الحسن و لد محمد الملقب "الددو"
ولد نهاية شهر أكتوبر 1963 م، في البادية التابعة لمقاطعة أبي تلميت. بدأ دراسة القرآن الكريم في السنة الخامسة و أكمله بعد تجاوز السابعة.
درس مبادئ العلوم الشرعية، و صحب جده الشيخ محمد عالي و لد عبد الودود رحمه الله تعالى و درس عليه و لازمه حتى وفاته. تبحر في مختلف العلوم الشرعية على جده و على خاليه محمد يحيى و محمد سالم ابني عدود.
شارك في باكالوريا 1986 م، و كان من المتفوقين علي المستوي الوطني ، و أعطي منحة إلى تونس و اعتذر عنها.
سجل في جامعة انواكشوط ـ كلية الحقوق ـ و شارك في مسابقة المعهد العالي للدراسات و البحوث الإسلامية فجاء الأول فيها، كما جاء الأول في مسابقة القسم الجامعي لجامعة الإمام محمد بن سعود في انواكشوط ليلتحق به، و إثر مقابلة مع مدير الجامعة أثناء زيارة له لانواكشوط اتخذ هذا الأخير قرارا بنقل محمد الحسن إلى الرياض. مباشرة إثر تحديد مستوى سجلته الجامعة في الرياض في المستوى الثالث ليكمل الدراسة فيها. حصل على الماجستير بامتياز في نفس الجامعة و كانت رسالته عن "مخاطبات القضاة". يعد في نفس الجامعة رسالة للدكتوراه الدولة. يشهد له العلماء بالتبحر في العلوم الشرعية المختلفة، قرآنا و سنة و فقها و أصولا فضلا عن معرفة واسعة بلغة العرب و تاريخهم، و بالعلوم الكلامية و المنطقية ..
له معرفة عميقة بعلماء موريتانيا و إنتاجهم و له اطلاع جيد على العصر و علومه و مستجداته.(1/1)
متزوج و له أبناء و بنات.
شارك في عدد كبير من المؤتمرات الدولية و درس و حاضر في أوروبا و إفريقيا و العالم العربي و آسيا و أمريكا..له رسائل مطبوعة كما طبعت رسالته للماجستير. له عدد كبير من الفتاوى و الأشرطة التي يفضل العامة و الخاصة اقتناءها. له علاقات جيدة بعلماء العالم الإسلامي. اعتقل عدة مرات، مايو 2003 - اكتوبر 2004 - نوفمبر 2004 - ابريل 2005 م.
أهم ما يأخذ عليه الحكام صدعه بالحق و إفتاؤه بما يعلم و يفقه مشهورا بالتواضع الجم و حسن الخلق و سد الخلة. حفظه الله ووفقه وسدد خطاه
حوار مع مجلة البيان
حاوره في البحرين: خباب بن مروان الحمد
حين يمنُّ الله على المرء بالجلوس إلى هؤلاء الأعلام ورجالات الأمة، فإنه لا محالة سيشعر بأن وقت اللقاء الذي دام قليلاً من الزمن، مضى كأنه نظم خرز انفرط فلم يشعر كم هي مدة الوقت الذي تساقطت فيه حبيبات الخرز
وهكذا كان لقائي مع فضيلة الشيخ الحافظ: محمد الحسن الددو الشنقيطي - حفظه الله - على هامش مؤتمر البحرين لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحقًّا كان حديث الشيخ ممتعًا، كما لقاء مع فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو
ولمن لا يعرف فإنَّ الشيخ: محمد الحسن الددو، يشغل مدير مركز تكوين العلماء في نواكشوط بموريتانيا، وله باع طويل في تعليم العلم ونشره، والله نسأل أن يبارك في جهود الشيخ، ويجعلها مكلَّلة بالنجاح والفلاح والتوفيق... والآن أدع القارئ لمتابعة هذا الحوار مع الشيخ الددو، حيث كان أول سؤال لفضيلته:
س: حبا الله شيخنا الكريم باعاً واسعاً في علوم الشريعة؛ فكيف كان طلبكم للعلم؟
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .(1/2)
مستواي في العلم ليس كما ذكرتم وإنَّما هذا من حسن ظنِّكم، وإنَّما أنا من المتوسطين في طلب العلم، وقد ابتدأت الطلب وأنا صغير بالدراسة على والدتي وجدتي، وحفظت القرآن في الصبا قبل أن أتم الإدراك ببلوغ ثماني سنين، وقرأت مبادئ بعض العلوم، ثمَّ بعد أن بلغت العاشرة من عمري صحبت جدي العلاَّمة الشيخ محمد بن عبد الودود الهاشمي رحمة الله عليه ولازمته حوالي إحدى عشرة سنة، وسمعت منه فيها أكثر ما تعلمته، ودرست عليه بعض الكتب، وحفظت عليه وبحضرته بعض ما حفظت، وكنت خلال ذلك أدرس على جدتي وأمي وأبي وأخوالي، وبعد وفاة جدي رحمة الله عليه درست على خالي الشيخ محمد يحيى، والشيخ محمد فالي بعض العلوم، وهم أحياء إلى الآن بحمد الله.
س: شيخنا أحسن الله إليكم تُعَدُّ بلادكم شنقيط قلعة شامخة من قلاع تلقي العلم في المغرب العربي؛ فما أبرز الأساليب التعليمية التي تُشتهر بها في نشر العلم وتعليمه؟
اشتهرت هذه البلاد بحفظ العلوم وتنوع المعارف؛ فهم يدرِّسون من العلوم الشرعيَّة تقريباً خمسة وأربعين علماً؛ فلا يكون الإنسان عالماً حتى يكون حافظاً للكتب في تلك العلوم، ويكون متقناً لتدريسها، وقبل ذلك قد يكون فقيهاً، أو مدرساً، أو يكون طالب علم، ولكن لا يكون عالماً، إلاَّ إذا كان محيطاً بهذه العلوم، مستطيعاً لتدريسها جميعاً، وطريقتهم في ذلك هي البداية من الصبا، وإتقان الحفظ والمذاكرة والمراجعة، وإتقان مهارات التدريس؛ فهي مراحل كلها لهم فيها اجتهادات وآراء، ومقرراتهم تختلف من مَحْضَرَة إلى محضرة، والمحضرة مكان التعليم، كالكتاتيب .
لفضيلتكم باع في تأويل الرؤى؛ فما الضوابط الشرعية لتأويلها، وما مدى جواز بناء الأحكام والمواقف ونظم التصورات وَفقها؟
بالنسبة للرؤى، فهي على خمسة أنواع:(1/3)
النوع الأول: رؤيا من الله سبحانه وتعالى وهي الرؤية الصالحة التي يراها الرجل الصالح، أو تُرى له وهي من المبشِّرات التي تسر ولا تغر، وهذا النوع عادة يكون تبشيراً أو إزالة حزن أو إدخال سرور أو نحو ذلك، وهذا النوع هو جزء من ستة وأربعين جزءاً من أجزاء النبوَّة في حق من هو أصدق الناس، وجزء منه أقل من ذلك إلى أن يصل إلى جزء من ثلاثة وسبعين جزءاً من أجزاء النبوَّة في حق أقلِّ الناس صدقاً .
النوع الثاني: اللَّمَّة الملَكيَّة في نوم الإنسان أو يقظته، فيقذف في روعه أمراً وينصحه بشيء، من حيث لا يشعر؛ فهذه مثل الرؤيا السابقة تقريباً .
النوع الثالث: الرؤيا التي هي من النفس؛ فنفس الإنسان ترى ما تهواه، فإذا نام وهو عطشان أو ظمآن أو جائع، رأى الطعام والشراب، وإذا نام وهو يهوى شخصاً معيناً رآه في نومه؛ فهذا نوع من تخيلات النفوس .
النوع الرابع: الرؤيا بسبب مرض أو الأخلاط مثل ما يحصل لمن هو مصاب بغلواء في صفراء أو قحط في المعدة أو زيادة حموضة فيها، فيرى الحرائق ويرى الألوان الصفراء بسبب انطباعه، ومن يرى الأمطار والمياه، وهذه حسب الأمزجة .
النوع الخامس: ما كان من الشيطان وهو المسمَّى بالحلم، وهو ما كان عادة يرجع لثلاث علامات:
الأولى: أنَّه يخالف العقل، كما ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً قال للنبي? رأيت كأنَّ رأسي قُطِع فتدحرج فتبعته. فقال: "لا تقصص عليَّ ألاعيب الشيطان بك فهذا مخالف للعقل؛ لأنَّ الرأس إذا قطع لا يتبعه صاحبه .
الثانية: أن يكون مخالفاَ للشرع كمن يرى أنه يفعل محرَّماً، أو أنَّه يؤمر به، أو يترك واجباً .
الثالثة: أنَّه لا يضبطه الإنسان ضبطاً كاملاً، بل يستيقظ على جزء منه فقط، فهذه علامة الحلم الذي هو من الشيطان. وعلامة الذي هو من النفس أنَّه تنبثق عنه لذَّة وشهوة، فيجد الإنسان احتلاماً، أو ألماً كذلك، فيستيقظ الإنسان ويجد نفسه يبكي ونحو ذلك، فهذا من النفس غالباً .(1/4)
فهذه الرؤيا عموماً كلها لا ينبني عليها أي حكم ولا تصوُّر، بل هي إذا كانت صحيحة فهي من المبشرات: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 64] وهي تسر ولا تغر، والإنسان لا يدري تفسيرها بذاته، ومع ذلك كثير من الناس يبني عليها أموراً، يظنُّ أنَّها تقتضيها وهي لا تقتضيها أصلاً، حتى لو قُدِّر أنَّها يمكن أن تدل على شيء، فإنَّها لا تكفي بمفردها لأن يُبنى عليها خطط وأعمال، حتَّى للعابرين والذين يدرون معاييرها؛ لأنهم قد لا يدركون معناها تماماً؛ فالنبي ? قال لأبي بكر ? أصبتَ بعضاً وأخطأتَ بعضاً" فدلَّ ذلك على أنَّ المعبِّر قد يصيب في بعض تعبيره وقد يخطئ في بعضها الآخر .
وإذا كان أبو بكر الصديق وهو من هو في صدقه وإيمانه، أصاب بعضاً وأخطأ بعضاً بحضرة النبي ?؛ فكيف بنا نحن ومن دونه من المعبِّرين؟ فإذا أصاب أحدنا في أي جزئيَّة فإن هذا يعتبر خيراً كثيراً، إذا قورن بغيره؛ فلذلك لا بدَّ من التريُّثفيها .
وعليه فإنَّ الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أنَّ رسول الله ? قال: "إنَّ الرؤيا معلقة على جناحي طائر؛ فإن فُسِّرت وقعت" فالتفسير المقصود هنا أنَّه لا بدَّ أن يكون من معبِّر للرؤيا، وعلى مقتضى التفسير الصحيح .
س: للعلماء دور بارز في الإصلاح والبناء، ولا بدَّ لذلك أن يكونوا من الربَّانيين؛ فما الملامح الرئيسة للعلماء الربَّانيين من وجهة نظر فضيلتكم؟(1/5)
بالنسبة للعلماء هم أمناء الله على هذا الوحي الذين ائتمنهم الله على هذا الدين، الذي هو أشرف ما في الأرض، ولم يكن الله ليأتمن على وحيه المفلسين؛ فأحدنا الآن إذا كان رشيداً، لا يمكن أن يأتمن المفلسين على ما يحبه مثل أمواله، لأنَّه يعلم أنَّهم مفلسون، والله تعالى هو علاَّم الغيوب، وهو يعلم السرَّ وأخفى، فلذلك لا يمكن أن يأتمن على وحيه المفلسين؛ فالذين يؤتمنون على هذا الوحي هم أمناء الله على دينه، ولكن لا بدَّ أن يكونوا مستكملين لحقيقة الائتمان بأن يكونوا عاملين بعلمهم، ويخشون الله تعالى حقَّ خشيته كما قال الله تعالى: إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وإذا كان الإنسان من هذا النوع فعليه مسؤوليات كثيرة وكبيرة، منها: الصدق بالقول. قال تعالى: {وَإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، ومنها: أن يقوم ويقول بالحق حيث كان لا يخاف في الله لومة لائم كما قال الله تعالى {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إلاَّ اللَّهَ} [الأحزاب: 39]
س: كيف ترون حاجة العالم إلى فهم واقعه؟ وهل قيام العلماء بواجبهم شرط في حصول التغيير؟
العلماء لا بدَّ أن يدرسوا واقعهم وأن يستشعروا حال أمَّتهم، ويسهروا على مصالحها، وأن يعطوها جزءاً من اهتمامهم؛ فكل قضية شرعية هي مؤكدة من قضيتين؛ فالقضية الكبرى من الوحي، والقضية الصغرى من الواقع الذي يعيشه الناس؛ فالترتيب بينهما يحتاج إلى مهارة وإتقان، ولذلك أحال الله إلى فهم الذين يستنبطونه فقال: {وَإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ولم يقل: لعلموه جميعاً .(1/6)
وبالنسبة لدور العلماء في التغيير فإنَّه ما حصلت نهضة قط في هذه الأمَّة ولا في غيرها من الأمم إلاَّ بجهد العلماء الربَّانيين الذين يقومون لله بالحق، ويقدِّمون النماذج للناس فيهتدي بهم المصلحون .
س: من يتأمِّل الواقع عقب أحداث 11/9/2001م يلحظ هجمة شرسة ومغرضة على منهج أهل السنة والجماعة في أصقاع المعمورة، بغرض تشويهه وإفقاده كافة المواقع والمكتسبات الواقعية والمعنوية التي يمتلكها. وفي المقابل يرى عملاً دؤوباً لتمكين الصوفية المغالية ذات النهج البعيد عن هموم الأمة، وجعلها التيار المؤثر في واقع الأمة العلمي والدعوي والتعليمي؛ فما قراءة فضيلتكم للواقع في بلاد أفريقيا في هذا الجانب؟
نحن لا نعيش في بروج عاجية، بل نعيش فيما يعيشه الناس؛ وما تذكره من الأمور الواقعيَّة لا يختلف فيها بلد عن آخر؛ فالعالَم اليوم يراد له أن يكون قرية واحدة، والمؤامرة على الدين هي هي في كل مكان، وأعداء الإسلام لا يريدون الإسلام الحي المتحرك والفعَّال الذي يدافع عن نصرة دينه، ويتشبَّث بصفائه ونقائه، وإنَّما يبحثون عن الإسلام الوديع الذي يكيَّف بكيفهم، ويقيسونه على مقاسهم وتبعاً لأهوائهم، وهذا ما لا يكون ولا يتحقق أبداً؛ فالإسلام لن يكون ولن يتجدد إلاَّ بما كان به من قبل، كما قال الإمام مالك رحمه الله : إنَّ آخر هذا الأمر لا يصلح إلاَّ بما صلح به أوله، وما سوى ذلك من البدع والمحدثات، تذهب جفاء كغثاء السيل .
هل تعد هذه الكلمة أصلاً ملزماً، أم اجتهاداً غير ملزم، فيسع تجاوزه، كما قد يُدّعى؟(1/7)
لا، يا أخي! لكنَّ القضيَّة هنا هي قضيَّة الدين؛ فما يتعلَّق بالدين قطعاً فنجتمع عليه جميعاً، ولا يمكن أن يُختلَف في ذلك؛ فالدين أفضله وأكمله هو ما كان على منهج السلف الصالح؛ فقد أحال الله على اعتقادهم فقال: {فَإنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137] وأحال النبي ?إلى تقواهم وعملهم فقال: "خير أمتي القرن الذين بُعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" وأحال ?إلى جهادهم وكفاحهم، فقال: "يغزو فئام من الناس، فيقال: هل كان فيكم من رأى محمداً رسول الله؟ فيقولون: نعم! فيُفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم! فيُفتح لهم، ثمَّ يغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من رأى، من رأى، من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم! فيُفتح لهم" وهذا يؤكِّد أهميَّة الأخذ بمنهاج السلف الصالح حيث أُكِّدت لهم الخيريَّة .
س: منَّ الله تعالى عليكم أنتم وبعض إخوانكم بالتخرج في (مدرسة يوسف عليه السلام) وتجاوزتم مرحلة كان ظلمكم فيها ظاهراً؛ فما أبرز ما تعلمه فضيلتكم من تلك المرحلة؟
بالنسبة للسجن فيه كثير من الدروس والعبر، والإنسان فيه يشعر براحة كبيرة وسعادة حين يخلو بالله ولا ينتظر فرجاً إلاَّ من عنده، وحين يخلو بالقرآن وهو ممنوع من الكتب، وممنوع من كلام الناس، فيلجأ إلى كلام الباري جلَّ وعلاً.
ومن أهم ذلك: ما يفتح الله به في الاستنباط بالقرآن والتلذذ به واكتشاف بدائعه وعجائبه، وقد ظهر لنا في السجن كثير من بدائع القرآن التي لو جُمعت لكانت كتاباً، في مختلف الجوانب، منها ما يتعلق بالإعجاز العلمي، ومنها ما يتعلق بالإعجاز العددي، ومنها ما يتعلق بترتيب الآيات، ومنها ما يتعلق بترتيب السور، ومنها ما يتعلق بالمعاني، ومنها ما يتعلق بالإعراب والنحو .(1/8)
وهناك أمر آخر يتعلمه المسجون وهو أنَّ الوقت أهم ما يواجه السجين؛ فإذا شغله لم يكن لديه أي مشكلة؛ فإذا وضع برنامجاً لليل وبرنامجاً للنهار، فستبادر غروب الشمس لتكمل برنامجك قبل أن يتم غروب الشمس، وتبادر طلوع الفجر حتى لا يأتيك طلوع الفجر ولم تكن قد أنجزت عملك، فتبقى مشغولاً لا تحس بتعب ولا نصب ولا إعياء؛ فلذلك كان البرنامج المكثف دائماً، من الختم بالصلاة كل ست ليال، والختم بالقراءة كل ثلاثة أيام، والصلاة مائتي ركعة في أربعة وعشرين ساعة، ووِرد الذكر ومراجعة ما يحفظه الإنسان من الحديث في الصباح وما يحفظه من المتون في المساء ونحو ذلك، ومن المنظومات والأشعار في المساء أيضاً. وهذا كله يقضي على الفراغ؛ فلهذا ما كنَّا نحس بتعب ولا نصب، بل يسوؤنا حين يُسمَع الباب يحرَّك؛ لأننا نعلم أن في ذلك قطعاً لبرنامجنا، ولذلك تمضي الشهور دون أن يشعر الإنسان بالفراغ .
وأمر آخر، وهو أن المسلم إذا تذكَّر أنَّ بجنبه كثيراً من السجناء الذين منهم من هو متَّهم بالقتل، ومن هو متهم بالخمور والمخدرات؛ فمن هو متَّهم بنصرة دين الله، فإنَّه من باب أوْلى أحق أن يثبت، ونحن كانت تهمتنا: التهمة الأولى: أنَّنا لسنا مالكيين ولسنا أشعريين ولسنا جنيديِّين، بل نحن خارجون من هذا الثالوث؛ لأنَّا سلفيُّون، وفي كل وسائل الإعلام كانوا يشيرون لنا بأنَّنا وهابيُّون خارجون من الملَّة، ونحن صدَّقناهم وقلنا لهم: نعم! نحن خارجون من الملَّة التي انحرفت عما جاء به محمد? كما قال شعيب عليه السلام: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الأعراف: 89]
ومن التهم كذلك: أنَّنا وراء بناء سبعة آلاف وخمسمائة مسجد! ومن وراء نشر الحجاب بين النساء!وهي تهم لا نتوب منها، ونسأل الله أن يتحقق مرادنا منها .
س: هل من كلمة أخيرة توجهونها لمجلة البيان؟(1/9)
أشكر مجلة البيان وأهلها الذين أعد نفسي منهم، وألحظ أن بين كل عدد وآخر تطوراً ملحوظاً إيجابياً، وأسأل الله أن يوفقهم لكل خير، ويبارك في جهودهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حوار مع مجلة الراية
مقابلة الشيخ محمد الحسن بن الددو في مثل هذه الأيام- بله الحديث معه- ليست بالأمر السهل، فباب الشيخ مفتوح على مصراعيه لكل زائر، ووفود المهنئين تروح وتأتي وبين هذا وذاك يرن هاتف الشيخ ليجيب على سؤال مستفت أو يرد على تحية مهنئ.
لكننا في "الراية" اتصلنا بالشيخ فور خروجه من السجن وسألناه مجموعة من الأسئلة تركزت في معظمها على ظروفه داخل السجن وحالته الصحية ورأيه في التغيير الذي حدث أخيرا في البلاد.
"الراية": أولا، نهنئكم وقراء "الراية" بمناسبة خروجكم من السجن، وحبذا لو حدثتم القراء عن ظروف اعتقالكم الأخير.و عن حالتكم الصحية أثناءه؟
الشيخ الددو: لبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قد اعتقلنا في البداية شهرا وثلاثة أيام في "مدرسة الشرطة"، وكنا في سكن الشرطة، حيث كان جمهور المعتقلين في سكن الشرطة وكان بعضهم في فصول الدراسة ومعظم من كان فصول الدراسة كان في سجن انفرادي.
أما عن ظروف هذاالسكن فهو عبارة عن بيوتات غير مفروشة ... فراشه الغبار فقط! ولم تكن الظروف جيدة لأن البعوض كثير جدا وغير مسموح باستعمال أي وسائل طرد. فلا يسمح مثلا باستعمال المروحة ولا يسمح باستعمال الناموسية، بل حتى تبديل الملابس غير مسموح به وحتى السواك أيضا فالمعجون في البداية كان ممنوعا والاغتسال أيضا ممنوع ووسائله غير متوفرة وحتى الحمامات هي الأخرى في وضع مترد وبالتدريج يقع التخفيف في الأمور شيئا فشيئا لأن الأهل يرسلون بعض الأشياء كالمعجون وغيره وتصل بعد فترة لأنها تحجز أسبوعين ما أذن لها بالوصول ثم بعد ذلك تصل.(1/10)
وفي الأسبوعين الأخيرين في مدرسة الشرطة كانت الحال أحسن لأننا بدأنا نصلي جماعة وجمعة من غيرإذن طبعا ولكننا نحن اقتحمنا ففعلنا وأرادوا أن يمنعونا ذلك لكن لم نقبل المنع منه.
ولم يبدأ التحقيق إلا بعد عشرين يوما من الاعتقال، على الأقل معي أنا ومجموعة كبيرة. هناك مجموعة أخرى تعرضت للتعذيب أو التهديد به بدأ التحقيق معها مبكرا في أول الشهر، لكن نحن مكثنا عشرين يوما دون أي سؤال أو أي استدعاء للإدارة، ثم بعد هذا أحلنا للقضاء.
أنا أصلا كنت مريضا بقرحتين في المعدة، إحداهما على العرق الأساسي فيها وأتقيأ منها الدماء، فخلال وجودي في مدرسة الشرطة ونظرا لتردي الأوضاع الصحية فيها، تجدد لي هذاالمرض وأصبت أيضا بحمى الملاريا الشديدة، وكان طبيب الشرطة يأتي بانتظام وكان العلاج عن طريق الوريد، وخرجت من مدرسة الشرطة إلى القضاء والإبرة في وريدي.
وبعد أن أحلنا إلى القضاء وأودعنا في السجن المدني كانت الحالة أسوأ بالنسبة لي لأنني وضعت في سجن انفرادي ولا علم لي ببقية السجناء..وهذا السجن الانفرادي عبارة عن حمامات في الأصل كسر الحاجز بينها فجعل فيها مكان لوضع السرير الحديدي وهو سرير حديدي من صنع محلي ... بقية الحمامات من غير أبواب والغرفة كلها عبارة عن ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار فيها حمامان وفيها سكن ومتر منها غير مسقوف إلا بالقضبان فقط... وفوق الغرفة دائماً ترابط دورية من العسكر وهم يضربون بعض أبواب الحديد ونوافذه ليقع الإزعاج دوما لجميع السجناء وهذه الغرفة مكثت فيها شهرين وثلاثة عشر يوما .. يذكر أن إزالة القمامة ممنوعة أيضا من أمام هذه الغرفة ولم يزرني أي طبيب في هذه الفترة.
أذكر أنهم أدخلوني إلى هذه الفترة وقت المغرب وأغلق علي الباب ولم يفتح عني إلا الرابعة بعد الظهر من يوم غد.(1/11)
وانكسرت إبرة الوريد التي في ذراعي وبقيت في حتى الساعة، وقد اشتدت علي القرحة في هذه الفترة بسبب الروائح الكريهة والسهر و القرب من المطبخ ، فمطبخ السجن كله موجود قرب زنزانتي يضاف إلى ذلك كونهم يطبخون على الحطب وروائحه كريهة جدا، وأيضا الحر الشديد فلا يسمح بالمروحة وليس في الغرفة نافذة طبعا وليس فيها أي تهوية ... كانت الظروف صعبة لكن مع ذلك يعود عليها ويكيف معها ..
وبعد زيارة قام بها اثنان من الصليب الأحمر للسجن وطلبا مقابلتي نقلت من هذاالوضع إلى غرفة أخرى قابلة للسكن، وبقيت في سجن انفرادي رغم أن القانون يمنع ذلك أكثر من خمسة عشر يوما بشرط أن يكون أمر الحبس الانفرادي بأمر من القاضي والقاضي لم يأمر بسجني سجنا انفراديا والمدة كانت شهران وثلاثة عشر يوما وكلها مخالفة للقانون الغرفة التي نقلت إليها كانت صالحة للسكن، لكن ليس لها حمام ولكنها أحسن على الأقل من الأخرى، لأن الأخرى حمام وجدرانها متآكلة بسبب أملاح البول - أعزك الله- لأن الناس الذين يستعملون هذه الحمامات لم يدرسوا جميعا "أحكام الاستطابة" ! لذلك يبولون على الجدران فتتقشر وتتساقط الأنجاس منها فتتساقط على فراش الصلاة وإذا كنت ستأكل طعاما ستساقط فيه هذه النجاسة إلا إذا أدخلته معك في كم ثوبك... وقد انتهت بخير والحمد لله!
س: لكن فضيلة الشيخ، هل هناك جانب آخر إيجابي في هذه الفترة الانفرادية؟(1/12)
بالنسبة للفترة أنا أعتبرها كلها إيجابية، لأن ما يخاف منه في السجن الانفرادي هو الفراغ فقط، لكن إذا كان الإنسان يقوم ببرنامج مكثف فسيحتاج إلى زيادة في الوقت ولا يشعر بطوله، لذلك على الإنسان أن يفكر أول ما يوضع في السجن في برنامجه ، وهذاالبرنامج يقطع عليه ساعاته ولا يبقى له وقت للفراغ أصلا.... في هذه الفترة كانت وسائل الإعلام ممنوعة عني. فقط خلال الأسبوع كانت تأتي جريدة واحدة وفي بعض الأحيان تأتي مسحوبات من الانترنت خلسة، والزيارة أيضا كانت ممنوعة طيلة الأسبوع إلا يوما واحدا ومن خلال ثلاثة حواجز من وراء القضبان وهي مصورة ومسجلة كلها كذلك.
أما المحامون فيزورون خمسة أيام خلال الأسبوع ولا يسمح بالجلوس معهم أكثر من خمس دقائق تحت الرقابة.
فالبرنامج المكثف إذن هو الإجابية الجيدة في هذا لأن الإنسان يستطيع أن يدرس بعض الكتب ، أنا مثلا ختمت بعض الكتب الطويلة التي لم يكن لدي وقت لقراءتها، وكان هناك أيضا برنامج لمراجعة القراءات، وأيضا البرامج الأخرى التي يحاول الإنسان القيام بها....
س: هل تنوون السفر قريبا للعلاج، وأين تنوون التوجه؟
ج: أنا قبل السجن كنت مزمعا السفر إلى المملكة العربية السعودية للعلاج ولإكمال رسالتي ، ولكن التأشرة التي كانت عندي انتهت مدتها بسبب وجودي في السجن وأنا إلى الان أحاول تجديد التأشرة، فإذا تيسرت فسأسافر هناك وإذا لم تتيسر فلابد من الخروج للعلاج في الأسبوع القادم تقريبا إما إلى المغرب أو إلى مكان آخر.
س: لقد خرجتم من السجن إثر الحادث الذي صبح موريتانيا صبيحة 3 من أغسطس ، كيف تنظرون إلى هذاالحادث ؟(1/13)
ج: هذا الحادث غير غريب في موريتانيا، فالانقلابات العسكرية ليس هذا أولها، فلذلك لا نفاجأ كثيرا به وإن كنا لا نفضل طريقة التغيير بالطريقة العسكرية، فنحن نفضل التغيير عن طريق صناديق الاقتراع، وهذا هو الذي ننتهجه ونراه، لكن مع ذلك وبما أن الانقلاب ليس فيه دماء ولا شغب ولا فتن فقد حمدنا الله على هذا الوضع ونسأله أن يديم الأمن عى هذاالبلد.
س: فضيلة الشيخ، تحدثم في أول خطبة جمعة خطبتموها عن المصالحة ولم الشمل، فما الذي ترمون إليه من وراء ذلك؟
ج: بالنسبة لهذا الشعب، بينه الكثير من الأواصر والعلاقات التي يلزم الحفاظ عليها وإذا جعلت في مهب الرياح فليس بهذا الشعب أية قوة أخرى، فليس لديه قوة اقتصادية ولا قوة لها تأثير سياسي ...فالذي لديه هو وحدة صفه واجتماع كلمته، وهذا الذي ينبغي أن يحافظ عليه.
س: فضيلة الشيخ، لقد هب الكثير من الشخصيات والهيئات في العالم الإسلامي وفي الوطن للدفاع عنكم شخصيا وعن المعتقلين الآخرين معكم، فكيف تقيمون هذا التضامن أولا، وهل من كلمة توجهونها لهم؟
ج: هذا التعاطف يمثل قيمة من قيم الإسلام الكبرى هي قيمة الأخوة والتكافل، فلذلك هذا التصرف يجدد الأمل في إحياء مثل الإسلام والأخذ بها.
أما الكلمة التي أوجهها إلى أولئك الذين تعاطفوا جميعا فهي الشكر والدعاء، وبالأخص مشايخنا الكبار من أمثال شيخنا فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله والشيخ الدكتور جاسم مهلهل والشيخ عبد الله جاب الله والشيخ الريسوني، وغيرهم من كبار الشيوخ ومن قادة العمل الإسلامي، فنشكر لهم تعاطفهم وما قدموه ونسأل الله أن يطيل أعمارهم في طاعته وأن يبقيهم ذحرا للإسلام والمسلمين.
وكلما ذكروه من الصفات إنما هو صفاتهم هم! فهم ينظرون إلى الناس من خلال أنفسهم ويظنون بها خيرا، فما ذكروه من صفات إنما هو من باب حسن الظن، نسأل الله أن يتقبل منهم!(1/14)
س: في الفترة الأخير من عمر النظام، حاول تقييد الدعوة والتضييق على حريتها. في ظل النظام الجديد، كيف تنظرون إلى مستقبل حرية الدعوة؟
ج: الدعوة من الإسلام الذي هو حياة المسلمين، فلذلك من يريد أن يمنعها إنما يعني ذلك أنه يريد منع حياة المسلمين، وهذا لا يستطيعه أحد، فلذلك كل من يحاول أن يقف في وجهها فسيذوب كما يذوب الملح في الماء، فلا بد أن تستمر وأن تبقى حرة، فهي سابقة على غيرها من الحريات.
س: أخيرا فضيلة الشيخ، يعيش الموريتانيون هذه الأيام فترة استثنائية فهم يترقبون عهدا جديدا لما تتضح معالمه بعد، فهل من كلمة توجهونها إلى الشعب الموريتاني عموما في هذه اللحظات؟
ج: ما يعشه الشعب الموريتاني هذه الأيام لا يقال فيه "فترة استثنائية" لأنه عبارة عن اجتماع الشمل ولله الحمد.
فالآن مثلا المعارضة لم تعد كما كانت ، لأن "المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية" ما أعلنه حتى الآن من قرارات وبيانات كله محل إجماع بين الشعب الموريتاني وكله من آماله.
والكلمة للمجلس، أو النصيحة له هي أن يعلموا أن ما قدموه من وعود وما عقدوه على أنفسهم منها هو الذي يقومون على أساسه، فإذا وفوا به وأتوا به على حاله فهم رموز إنقاذ وإصلاح، وسيكون لهم المكان الكبير في تاريخ هذاالشعب، وإذا لم يفوا به فليس لديهم حصانة من المعارضة مثل غيرهم من الأنظمة ، وليس لديهم حصانة من الإنكار أيضا على كل ما يقومون به من مخالفة.
وأما ما يوجه إلى الشعب فهو طلب المسامحة والتصالح والسعي لمصلحة البلد وبناء مصداقية الدولة والأمن الاجتماعي، وهذا لا يتحقق إلا بفعل العقلاء الرشداء الذين يقدرون مصلحة البلد ويهتمون بها.
"الراية": شكرا فضيلة الشيخ.
ج: شكرا لكم وبارك الله فيكم
حوار مع مجلة المجتمع
أجرى الحوار في نواكشوط سيد أحمد ولد باب(1/15)
رغم النداءات والدعوات التي أطلقت من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لإطلاق سراحه، ورغم أن الظلم والقهر والطغيان أصم آذانه أمام كل هذه المحاولات، إلا أن الله استجاب لدعاء المخلصين، فكشف الغمة وحرر المخلصين من عباده.
في سجن مدني وسط العاصمة نواكشوط مكث الشيخ محمد الحسن ولد الددو أربعة أشهر معزولاً عن العالم في زنزانة انفرادية رغم حالته الصحية الصعبة، إلى أن جاء انقلاب 3 أغسطس 2005م ليضع حداً للظلم والقهر وليطلق سراح الشيخ الددو بعد سنوات من الظلم واظهاد العلماء.
نود أن نطمئن على وضعكم الصحي؟
في البداية أشكر مجلة المجتمع على اهتمامها بأخبار العالم الإسلامي عامة وعلى ما قامت به في سبيل الوقوف إلى جانبي أثناء اعتقالي خاصة، أما عن الحالة الصحية فأنا مصاب منذ زمن بقرحتين بالمعدة إحداهما على العرق الأساسي في المعدة، وقد أكد الأطباء ضرورة إجراء عملية جراحية في القريب العاجل لإزالة جزء من المعدة.وهى عملية ليست معقدة، ولكن خطورتها تكمن في بقاء القرحة، لأنني أتقيأ بعض الدم وفى ذلك بعض الخطر، كما أن البكتريا المسببة لذلك في المعدة ينميها السهر والروائح الكريهة وهو ما تعرضت له كثيراً طيلة أربعة أشهر من الاعتقال حيث كنت أسكن في زنزانة عبارة عن حمام بجانبه مطبخ السجن والذي يستعملون فيه الحطب لطهي الطعام فتأثرت بحرارة الجو والروائح والدخان المتصاعد من المطبخ، كما أن إزعاج الدوريات العسكرية للسجناء فاقم هو الآخر من الوضع حيث كنت لا أستطيع النوم إلا قليلاً.
كيف تفسرون السقوط المفاجئ للنظام الموريتاني؟ وهل أنتم مرتاحون لما حدث؟
هذا أمر لا يحتاج إلى تفسير فسنة الله في الحياة هكذا تغير وتبدل، والدنيا لا يستقر فيها شيء على حال، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.(1/16)
وليس الأمر مفاجأة، فقد أسقط بانقلاب ناجح سبقه العديد من المحاولات الانقلابية الفاشلة، وقد جاء الانقلاب بعد أن باءت محاولات التغيير السلمي بالفشل نتيجة التزوير وغير ذلك.
أما ما حدث فكل البيانات التي صدرت حتى الآن عن المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، تجسد أملاً لدى الشعب الموريتاني، ولذلك فهي محل إجماع من مختلف القوى السياسية ولم نلمس أي معارضة لها داخل البلاد حتي الآن.
فالشعب يريد أن تكون هذه المرحلة مرحلة انتقالية، وألا تطول مدتها وأن تشرف خلالها لجنة مستقلة على انتخابات نزيهة، وأن تتاح الحرية للجميع، وألا يترشح أعضاء المجلس في الانتخابات القادمة وهذا ما تعهدوا به للأحزاب والقوى السياسية.
ونحن نرجو أن يوفوا بالتزاماتهم وتعهداتهم، وإن تصرفاتهم في المستقبل على المحك، فما جاء منها مجسداً لهذا الأمل وسائراً في طريقه فنحن نرحب به ويرحب به الشعب عموماً، وما كان مغايراً لذلك فسيرفض كما رفض نظيره في الفترات السابقة.
أنتم كتيار إسلامي عانى كثيراً من الحكم السابق، ما أولوياتكم في المرحلة الحالية؟
نحن جزء من الشعب الموريتاني ولسنا مستقلين عنه، وأولوياتنا هي أولويات الشعب، من استتباب للأمن إلى تطبيق حقيقي للديمقراطية ونشر الحرية بين الناس مع تساوى للفرص ومراقبة شفافة لعمل السلطات الانتقالية مع استقلال للقضاء. كما نسعى إلى تحقيق أمن الاجتماعي بين أبناء الوطن والحفاظ على الممتلكات العمومية ومقدرات الوطن.
هناك بعض رموز النظام السابق متورطة في قضايا فساد مالي وجرائم حقوق الإنسان، برأيك.. كيف يكون التعامل الأمثل مع مثل هذه القضايا؟(1/17)
نحن دعاة لا قضاة.. وهذا أمر يسأل عنه القضاة وحكام البلاد، أما نحن فندعو للتسامح والعفو وإصلاح ذات البين وترابط هذا الشعب، وأن يكفل لكل إنسان حقه، والرئيس السابق مواطن يمكنه العيش في بلده إذا رغب في ذلك، وعلى الجميع أن يكفلوا له حريته كغيره من المواطنين الموريتانيين.
أنتم كإسلاميين هل ستسعون إلى الشرعية في ظل العسكر بعد أن حرمتموها في ظل المدنيين؟
الواقع الآن ليس ظلاً للعسكر، وإنما هي فترة انتقالية أصحابها كما أعلنوا جاؤوا من أجل الإصلاح ونحن أول المرحبين به، ونحن فعلا نسعى إلى حقوقنا بكل الوسائل السلمية المتاحة، ونرجو أن يفي المجلس العسكري بالتزاماته المعلنة وإذا وفى بها فسننال حقوقنا كغيرنا من قوى الشعب الأخرى.
هل ستتصلون بقادة المجلس العسكري لإنهاء كل الإجراءات التي وضعت أمام حرية الدعوة إلى الله في العهد السابق؟
أصل الأمور هو بقاء شرعيتها لأن تشريعها إنما هو من عند الله وليس لأي سلطة الحق في تحريمها وبالتالي لا تحتاج إلى إذن من أحد.
كيف ستتعاطون في المرحلة القادمة مع ملف العلاقة مع الكيان الصهيوني؟
نحن باقون على مواقفنا كما كانت، نرفض العلاقة مع الكيان الصهيوني وندعو إلى قطعها باستمرار، لكن هذه الأمور تحتاج إلى مرحلية ودراسة وترتيب أولويات والإصلاح لا يأتي دفعة واحدة فقد قال ابن عمر بن عبد العزيز له: "إنك وليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولازلنا نرى بعض مظاهر الفساد فيها"، فقال: "يا بنى ألا يكفيك أن يكون أبوك كل يوم في إحياء سنة وإماتة بدعة". فالأمور لا تأتى إلا بالتدرج فتلك سنة الله في الكون.
خلال اعتقالك أصدر عشرات العلماء وقادة الحركات الإسلامية بيانات تطالب بإطلاق سراحك، ماذا تقول لهم الآن بعد أن خرجت من السجن؟
أشكرهم جميعاً على ما قاموا به وقد كان من حسن ظنهم ومن فضلهم هم كما قال الشافعي عليه رحمة الله:
قالوا يزورك أحمد وتزوره
قلت الفضائل لا تغادر منزله(1/18)
إن زارني بلفضله أو زرته
فلفضله فالفضل في الحالين له
وأسال الله تعالى أن يثيبهم وأن يتقبل منهم وشكراً.
العصر تنفرد بأول حوار مع الشيخ محمد الحسن الددو
بعد خروجه من السجن
أجرى الحوار : محمد ولد عبد الرحمن
02/09/2003
إن هذا التضييق الذي حصل لم يزد العمل الإسلامي إلا قوة فالعمل الإسلامي ليس مرتبطا بهذه الوسائل ولابد من وجود بدائل عنها ولذلك فإن هذه الخطوة هي التى أدت بنا نحن أن يزج بنا فى المجال السياسي الذي لم نشارك فيه من قبل
أن تلتقي بالشيخ محمد الحسن ولد الددو هذه الأيام من غيرميعاد أمر من الصعوبة بمكان أما أن تحظى منه بوقت أوموعد يتسع للحديث معه فذلك ما يشبه المستحيل.. فلقد توافد على الشيخ شيوخ القبائل ووجهاء المجتمع فضلا عن المحاضرات وحضور المناسبات الإجتماعية.. ثم جاء ت الخطوة السياسية التي وقعها الشيخ بيمينه لتضيف إلى المتسابقين إلى لقائه رجال السياسة والصحافة والإعلام... بعد محاولات عديدة استطعنا أن نجد من وقت الشيخ حيزا ينازعنا فيه غيرنا بدء ا بالصحافة المحلية التى لم تحظ بعد بمقابلة منه رغم إلحاحها وانتهاء برنات هاتفه التي لاتتركه يسترسل فى الكلام فشكرا للشيخ ما خصنا به رغم ضيق وقته .
نص المقابلة
العصر: بداية ..الشيخ محمد الحسن باسم مجلة العصر نهنئكم عل خروجكم من السجن ولا ندرى من أين نبدأ فالأحداث متسارعة والحديث ذو شجون ونستسمحكم في أن نبدأ بالاتفاق الأخير الذي وقعتم عليه شخصيا مع المرشح محمد خونا ولد هيدالة، فما هى مبررات هذا الاتفاق؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.(1/19)
أما بعد فإن وظيفة الإنسان في هذه الأرض هي تحقيق الإستخلاف الذي أخبر الله به الملائكة وآدم وذريته إذ قال "إني جاعل فى الأرض خليفة" وهذا الاستخلاف يقتضى من الإنسان أن يحرص على نفع أهل الأرض وعلى تحقيق العدل فيها وتنفيذ شرع الله فيها بما يستطيع ، إنما يكلف ببذل الأسباب أما النتائج فهى من القدر الذي على الإنسان أن يؤمن به لكن لايجب أن يعمل به فالقدر نافذ على رغم من شاء ومن كره، أما الشرع فهو الذي نخاطب نحن بالعمل من أجله ..ولاشك أن الإصلاح الممكن هو بحسب ما يقابله من الفساد ومن أعظم الفساد فى الأرض فى هذا الزمان استهانة الناس بأمور الدين، فتبليغ هذا الدين للناس من أعظم الواجبات فى مقابل ذلك بتعليمهم دعوة الإسلام والنصح لهم.. الخ .(1/20)
وكذلك من الإصلاح الذي يقابل الفساد فى هذه الأرض مايتعلق بالنواحي الشعائرية كبناء المساجد وتعليم الناس فيها شعائر دينهم واستعمالها لذلك .... وكذلك مايتعلق بالنواحي الثقافية كربط الأمة بتراثها وتاريخها وحضارتها من خلال الجمعيات الثقافية والأهلية وكذلك ما يتعلق بالنواحي الإجتماعية كأ وجه الخدمات التى تقدم للناس وتغني عن الاضطرار إلى هيئات التنصير والهيئات الوافدة التي لا تعرف دوافعها وقد تكون غير ملائمة للشرع، وهذه الأمور لاشك هى من الخدمات اللائقة التي يمكن أن يعمل فيها الإنسان مدة حياته لكن الظروف الحالية وبالأخص فى بلادنا أصبح الإنسان إذا تبنى مشروعا من هذه المشاريع سواء كان مشروعا تعليميا أومشروعا دعويا أومشروعا اجتماعيا هو عرضة لأن يزال بين طرفة وأخرى بمجرد جرة قلم، فبالإمكان أن تصادر المساجد وقد أعد لذلك قانون المساجد المعروف وبالإمكان أن يسكت الناس ويحال بينهم وبين الكلام إما بالسجون وإما بالمضايقات الأخرى و بالإمكان كذلك أن تغلق الجمعيات وتصادر ممتلكاتها وهي مصرح لها، وبالتالي لا يأمن الإنسان على أي مشروع استصلاحي يقوم به في هذا البلد... فعلم أن الإصلاح إذن مرجعه إلى إصلاح من يملك سلطة القرار السياسي فهذا هو الإصلاح الذي ينبنى عليه كل الإصلاحات الأخرى فله ما وراءه .(1/21)
والأحكام السياسية ثلاثة أقسام : القسم الشوروي الشرعي وهو الحكم الوسطي فهو وسط بين الاستبداد وبين الديمقراطية فالحكم الشرعي مبناه على الشورى حيث لااستبداد " وأمرهم وشوري بينهم " " وشاورهم فى الأمر " ومبناه كذلك على الانتقاء والاختيار فى الشوري لاعلى التعميم المطلق ولذلك قال الله تعالى : "وإذا جاءهم أمر من الأمن أوالخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم"، فالمرجع إذن إلى أولى الإستنباط في الحكم وبهذا يخالف النظام الشوري الإسلامي الديموقراطية حيث إن الديموقراطية تعمم الاشتراك فى الأمر العام بين جميع الأفراد بغض النظر عن مستوياتهم الدينية والعلمية والعقلية ، فالديموقراطية لا تميز بين صالح وطالح والنظام الإسلامي يميز يبنهما وقد قال الله تعالى : "أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون " وقال تعالى :"أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون".(1/22)
فهذا التمييز ركن ركين من مبادئ الشرع فى هذا المجال وهذا النظام الإسلامي هو أعدل الأنظمة وأوسطها معدوم الآن لاوجود له فى بلادنا ونحن بين خيارين فقط بين النظام الإستبدادي الذي يصادر كل الحريات ولا يقبل النقد ولا تمكن الرقابة على تصرفاته ويصادر قيم الشعب وممتلكاته فيصرفها هو فيما أراده من مصالح، وإذا قدم منها خدمة لشعبه يمنها عليه وهي من ماله وممتلكاته ويؤثر بها بعض الناس على بعض في مقابل شراء الضمائر ونحو ذلك، ونظام آخر ديموقراطي وهو الطرف البديل، نظام ديموقراطي يصل فيه الناس إلى حرياتهم وحقوقهم وتقام فيه الرقابة على الحاكم ويشارك الناس فى اختياره ويقع فيه التناوب السلمي على الحكم عن طريق الأصوات وثقة الناس وعن طريق الإقناع بالبرامج المقدمة. وقد اخترنا هذا النظام الأخير على النظام الأول .. فالنظام الأول الذي هو نظام الإستبداد مخالف للشرع من كل وجه والنظام الثاني الذي هوالنظام الديموقراطي موافق له فى أغلب الوجوه مخالف له في نقطة واحدة كما بينا فيتعين هذا الوجه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، لذلك وضعنا أولويات تتعلق بالعمل السياسي لدينا، كلها راجعة إلى مصلحة دينية أو دنيوية وأهل هذ البلد يحتاجون إلى المصلحتين معا، فالمصالح الدينية يحتاج فيها الناس إلى أن يكون النظام الأساسي(الدستور) موافقا للشرع من كل وجه، بحيث تجرى عليه تعديلات وتعرض للتصويت وسيوافق عليها الناس لا محالة لأنهم يطالبون بأن تكون موافقة للشرع وكذلك ما يتعلق بتنزيل القوانين، فقوانين هذا البلد ومصادره كلها إسلامية ومشكلتها ليست فى التشريع وإنما هي في التنفيذ، فإذا نفذت نحن لا نطالب بتشريع جديد فى مجال القانون إنما نطالب فقط بتنفيذ القوانين الموجودة الموافق عليها، ومن الإصلاح الديني كذلك لا شك أن التعليم الذي نسخ المقررات وغيرها ألغى ما يتعلق(1/23)
بالدراسات الشرعية واللغة العربية فلم يعد لها مجال فى مدارسنا بمختلف مستوياتها، فمن المصالح الدينية والدنيوية إعادة النظر فيما يتعلق بمناهج التعليم من أجل إصلاحه إصلاحا شاملا .
كذلك من هذه المصالح ما يتعلق بالحفاظ على ثروات البلد المهدرة التي تباع لمدد طويلة بأثمان مبخوسة... فثروات البلد مهدرة ولابد من الحفاظ عليها. وكذلك من هذه المصالح ما يتعلق بالأمن الإجتماعي وهو مصلحة دينية دنيوية لابد من الحفاظ عليها، والأمن الإجتماعي يقتضى الحيلولة دون الحرب الأهلية التى يتوقعها كثير من المحللين فى هذا البلد، وذلك إنما يتم بعدة أمور منها الوقوف فى وجه إثارة النعرات القبلية والجهوية والعرقية، ومنها إرجاع الحقوق إلى مستحقيها، فإخواننا من الزنوج الذين سلبوا أموالهم وحرياتهم وجنسياتهم فى فترات سابقة لابدى من رد الإعتبار لهم ورفع الظلم عنهم، ولابد من إعادة النظر إلى الفئات المسحوقة من المجتمع وتنال حظها من الثقافة وغيرها ومن الثروة وتتاح لها جميع الفرص .. ولابد من توفير الحريات للجميع حرية التعبير والتنقل والإختيار وهى مضمونة لهم فى الأصل ولكنها ممنوعة منهم فى الواقع... فاحتجنا إلى وضع برنامج يراعى كل هذه المصالح نعرضه على المترشحين ثم وضعنا أسسا لاختيار المرشح الذي يمكن أن نتعامل معه وهذه الأسس مرجعها إلى نقطتين : النقطة الأولى قبول المترشح للحوار والثانية قدرته على المنافسة الشريفة فى معركة الإنتخابات وعدم قبول الظلم بوجه من الوجوه وقد وجدنا هاتين النقطتين متوفرتين فى المرشح محمد خونا ولد هيدالة
وقد عرض عليه هذا البرامج مجموعة من المشايخ والعلماء وأنا ساعتها كنت في السجن فوافق عليه .. فلما خرجنا من السجن عرضوا علينا التوقيع معه علي هذه الاتفاقية فوقعنا بالتوكل على الله تعالى والحرص على المصلحة العامة للبلد .(1/24)
العصر: أنتم كمعتقلين أفرج عنكم مؤقتا رغم رفضكم لذلك، لماذا رفضتم الحرية المؤقتة ؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : أولا الحرية المؤقتة غير قانونية، وثانيا أنها لاتحل المشكلة أي حل ليست فيها أي فائدة بالنسة للملف القضائي ولذلك رفضناها وهي محاولة من النظام لامتصاص غضب الشارع كأنها استجابة للضغوط الداخلية والخارجية ونحن لا نقبل أن نكون ورقة مزايدة ..
العصر: وما هي الاجراءات التى قمتم بها أوتنوون القيام بها من أجل التعبير عن رفضكم للحرية المؤقتة والضغط على النظام لانهاء قضيتكم؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : نحن لا نملك إلا الإجرآت القانونية المعمول بها فى هذا البلد ومنها أننا طلبنا من مدير السجون أن يتركنا داخل السجن، فرفض وامتنع ثم جاء بالشرطة لإخراجنا فخرجنا ثم اعتصمنا مدة يسيرة أمام المحكمة ثم فى داخل الجامع القريب من المحكمة وكلفنا لجنة من هيئة الدفاع من المحامين بمتابعة القضية، وشكلنا لجنة كذلك لمتابعة النواحي الإعلامية من بين المعتقلين .
العصر: ماذا عن التهم الموجهة إليكم من طرف النظام وعلى ما تعتمد من وقائع وأدلة ؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : نحن وجه إلينا أربع تهم : المؤامرة على دولة الدستور، التحريض على الفوضى، الإخلال بالأمن الداخلي والخارجي، والعمل في جمعيات غير مرخصة ... وكل هذه التهم بعيدة جدا من الملفات ومن الأسئلة التى وجهت إلينا وحتى من محاضر الشرطة ومن تقرير مدير الأمن الذي أحالنا إلى المحكمة وليست لديها أي وقايع يمكن أن تكون شبهة يبنى عليها فضلا عن أن تكون براهين وأدلة. وقضينا أربعة شهور من الإعتقال خلالها كانوا يبحثون عن أي دليل يديننا فلم يستطيعوا أن يجدوا شيئا.
العصر: قضيتم أربعة أشهر فى السجن ومورست خلال هذه الفترة الوان من الظلم والتعسف ضدكم ..كيف تقومون وقوف المجتمع وهيئاته المدنية إلى جانبكم مدافعين عن قضيتكم العادلة ؟(1/25)
الشيخ محد الحسن ولد الددو : بالنسبة لهذا المجتمع بطبعه شعب أبي يقف مع المظلوم دائما وكان وقوفها معنا محل إجماع بين هيئاته وشخصياته ومؤسساته وحتى أطر الدولة الرسميين وحتى رجال الأمن والجيش والسجانين ولذلك فى ملفي أنا سألنى مدير الأمن لماذا يقف معكم جميع الموريتانيين حتى ولو خالفوكم فى الفكر والاعتقاد ؟.. فقد وجدنا من هذا المجتمع كل دعم وكل وقوف صادق إلى جانبنا.
العصر: في بداية وجودكم فى سجن "بيلا" كنتم تقومون بنشاط دعوي تجاوز حدود السجن ليصل إلى كل مكان ثم توقف أو أصبح محدودا بعد ذلك .. لماذا توقف؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : اتخذ قرار بمنعنا من إقامة الدروس، فكنا فقط نخطب خطبة الجمعة ونسجلها خلسة واستطعنا، والحمد لله أن نسجلها ونوصلها إلى خارج السجن رغم الحراسة المشددة علينا، وبعض الدروس سجل ولكن لم يخرج عن السجن.
العصر : تناقلت وسائل الإعلام خبر شكوي تقدمت به ضدكم منظمة كاريتاس بسبب نشاطكم الدعوي داخل السجن حيث يوجد من تشرف عليه هذه المنظمة التنصيرية من الأطفال، فماذا عن هذه القضية ؟(1/26)
الشيخ محمد الحسن ولد الددو : بالنسبة للسجن فى الأصل معد للقاصرين من الأحداث غير البالغين أو الذين هم قريبو عهد بالبلوغ وقد وجدنا فى السجن أعدادا منهم وجدنا بعضهم قد رسم بالنار على جسده صورة الصليب أو رسموه بالوشم وبعضهم يعلقون فى أعناقهم صورا ومجسمات ورموزا فكان الإخوة يقدمون لهم دروسا ونصايح وكذلك بعض الخدمات من ملابس ونفقة وأفرشة فحصلت ألفة ومحبة والحمد لله تخلصوا مما كانوا يعلقونه فى أعناقهم وحفظ بعضهم سورا من القرآن وبعض الأحاديث الشريفة وبعض الكتب المفيدة والتزموا ولله الحمد فتأثرت المنظمات التنصيرية التى كانت تقوم على حالهم فطلب أصحابها منا نحن أن نكف عن نشاطنا بين الأطفال فرفضنا ودعوناهم للحوار فرفضوا ثم سمعنا أن مندوبهم رفع شكوى منا إلى الوزير الأول وطالبه فيه بترحيلنا عن ذلك السجن إلى مكان آخر ولكن لم يفعل .
العصر: ذكرتم فى المؤتمر الصحفي الذي عقدتموه بعد خروجكم من السجن أن العديد من الشخصيات السياسية والقبلية قد زاروكم .. فهل كان من بين هؤلاء من يحمل لكم رسالة من النظام أوالمعارضة ؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : بالنسة للنظام لم يتصل بنا أي اتصال وإن كان قد زارنا بعض الأوجه القبلية الفاعلة فى النظام أصالة عن نفسه .. أما القبائل فقد زارتنا من جميع الجهات والتشكيلات القبلية و كذلك الشخصيات السياسية .. والرسايل التي يحملها هؤلاء جميعا هي المواساة واستنكار لهذا الظلم وشهادة بأنه ظلم فادح .
العصر:أثناء وجودكم فى السجن تعرضت مؤسسات العمل الإسلامي إلى إغلاق وحظر نشاط أوتكبيل بالقوانين كما حدث للمساجد ..إلى أي مدى ترون أن هذا سيؤثر سلبا على العمل الإسلامي فى موريتانيا؟(1/27)
الشيخ محد الحسن ولد الددو : إن هذا التضييق الذي حصل لم يزد إن شاء الله العمل الإسلامي إلا قوة فالعمل الإسلامي ليس مرتبطا بهذه الوسائل ولابد من وجود بدائل عنها ولذلك فإن هذه الخطوة هي التى أدت بنا نحن أن يزج بنا فى المجال السياسي الذي لم نشارك فيه من قبل ... وعدد كثير من الحواضر والأرياف والشخصيات العلمية فى البلاد لم تشارك من قبل فى الديمقراطية نهائيا وهى الآن دخلت جميعا في هذه الاتفاقية، فقد كنت بالأمس بين مجموعات من العلماء فحدثونا وأجمعت كلمتهم على وجوب الدخول فى العمل السياسي من أجل نصرة الإسلام من دون أن يكونوا قد شاركوا فى السياسة من قبل وأمروا أتباعهم جميعا بالتسجيل والمشاركة.
العصر: كيف تنظرون إلي الحملة الإعلامية المشوهة لكم فى وسائل الإعلام الرسمية وهل أثرت على مسار قضيتكم؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : بالنسبة لهذه الحملة يقصد بها التأثير على مسار قضيتنا قضائيا وبالنسبة للتأثير الشعبي كان سلبيا كما نرى وقد تعرض كل الذين شاركوا فى الحملة ضدنا إلى مضايقات من خلال الاتصالات الهاتفية والكلام المباشر وغيرها من الوسائل بل إن مجموعاتهم القبلية كانت تتصل بهم وتنصحهم بالابتعاد عن هذه الحمله فندم بعضهم وقدم اعتذاره فى السجن وخارجه وقال إن جريدة الشعب الرسمية كذبت فيما نقلته عنه.. فقد كذبت هذه الجريدة على بعض المشايخ مرارا ..
العصر: أولت وسائل الإعلام المختلفة عناية خاصة لقضيتكم ونذكر منها على سبيل المثال مجلة العصر التي نظمت حملة إعلامية لصالح قضيتكم، فهل كنتم تشعرون وأنتم داخل السجن بالتأثير الإيجابي لهذا الحضور الإعلامي المشرف لصالح قضيتكم العادلة ؟(1/28)
الشيخ محد الحسن ولد الددو : لاشك أن كل وسائل الإعلام الحرة داخل موريتانيا ووسائل الإعلام الإسلامية خارجها وحتى بعض وسائل الإعلام غير الإسلامية كان لها موقفها المشرف وكان لموقفها الأثر الإيجابي العظيم بالتعريف بقضيتنا محليا ودوليا ...
العصر: هل من كلمة أخيرة ؟
الشيخ محد الحسن ولد الددو : أشكر مجلة العصر شكرا جزيلا على وقوفها إلى جانب الحق، وتبنيها لقضايا المسلمين وإن بعدت الدار وشق المزار وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
حوار مع قناة الجزيرة
محمد الحسن ولد الددو.. الإسلاميون والمرحلة الانتقالية
بيبه ولد امهادي: مشاهدينا الكرام طابت أوقاتكم بكل خير، نستضيف في هذا اللقاء الشيخ محمد الحسن ولد الددو العالم الموريتاني الكبير وأحد أبرز رموز التيار الإسلامي، السيد محمد الحسن هنيئا الإفراج عنكم هذا الإفراج الذي جاء يوم السادس من أغسطس آب بعد ثلاثة أيام من الإطاحة بنظام الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، هل كنتم تتوقعون هذا الإجراء؟
محمد الحسن ولد الددو- أحد قادة التيار الإسلامي في موريتانيا: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلّم على مَن بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وسن بسُنته إلى يوم الدين، أشكر للجزيرة عنايتها وأشكر لكم كذلك عنايتكم وقد كنا نتوقع هذا الإفراج نتيجة لأن اعتقالنا إنما كان على أساس تصور لدى بعض رموز النظام السابق، فقد كان ظلما محضا ولذلك كل تغيير وتعديل في النظام من أول ما سيقوم به بالضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين المظلومين.
بيبه ولد امهادي: ترددتم على السجن مرات عديدة خلال السنتين الماضيتين خلال الفترة الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع معاوية سيدي أحمد ولد الطايع، كم لبثتم في السجن خلال هذه الفترات مجتمعة؟
محمد الحسن ولد الددو: ما يربو على السنة بأيام متقطعة.
بيبه ولد امهادي: سنة من أصل سنتين تقريبا؟(1/29)
محمد الحسن ولد الددو: سنتين نعم.
بيبه ولد امهادي: سيد محمد الحسن ولد الددو هل كانت لكم اتصالات بقادة الانقلاب الجدد سواء قبل انقلابهم أو بعده؟
محمد الحسن ولد الددو: لا لم تكن لنا اتصالات.
بيبه ولد امهادي: يروج في شوارع نواكشوط أنه بعد الإفراج عنكم وعن نحو عشرين آخرين من رموز وأعضاء التيار الإسلامي في موريتانيا أنه كان لكم لقاء برئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية العقيد اعل ولد محمد فال، هل لهذا الخبر أساس من الصحة؟
محمد الحسن ولد الددو: لا إلى الآن ما حصل هذا، لم يتصل هو إلى الآن إلا بالأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني، اتصالاته إلى الآن جماعية ولم يتصل بعد بالشخصيات.
بيبه ولد امهادي: ما الذي دفع في نظركم السلطات الجديدة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية إلى الإفراج عنكم والإبقاء على عدد آخر من السجناء الإسلاميين والسجناء المدنيين فضلا عن الانقلابيين السابقين؟
محمد الحسن ولد الددو: هذا قرار سياسي يُسأل عنه الأخوة أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية.
بيبه ولد امهادي: إذاً هل تعتبرون ذلك إجراء لحسن النية؟ هل تعتبرونه وردة قُدمت لكم؟ هل تعتبرونه عاملاً للتهدئة؟ هل تعتبرونه نوعاً من خطب الود مثلاً ؟(1/30)
محمد الحسن ولد الددو: أنا أظن أن الإفراج حتمي عن الجميع وأنه سيأتي قريباً، اليوم الذي سيكون فيه الإفراج عن الجميع ولكن أظن أن ما حصل إلى الآن كان بالتشاور مع السلطات القضائية وهي التي ما زالت تمسك ملفات الناس، فمن لا تمسك عليه شيئاً ولا تستطيع تقديمه للمحاكمة ستقدمه أولاً في الإفراج ثم الذي يليه وهكذا. وأظن أن الخطوة إيجابية إذا لحقتها أيضاً خطوات بإطلاق سراح البقية وقد قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز رحمهما الله لأبيه أمير المؤمنين عمر عندما تولت الخلافة قال: يا أبتِ إنك وليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا نزال نرى ظلماً كثيراً !. فقال: يا بني! ألا يرضيك أن يكون أبوك كل يوم في أحياء سُنة وإماتة بدعة؟!.
فكل لبنة توضع في الطريق الصحيح فهي خطوة تشكر وتتلوها إن شاء الله تعالى خطوات أخرى إيجابية.
بيبه ولد امهادي: هل تعتقدون أنه من الممكن أن تكون من بين تلك الخطوات قرار ينتظره التيار الإسلامي منذ سنوات، التيار الإسلامي طالب الحصول على الاعتراف بتشكيل حزب إسلامي، هذه الفكرة تلقى معارضة في عدد كبير من البلدان العربية والإسلامية، هل تعتقدون أن الجو أصبح الآن صحوا ومواتيا لقبول تشكيل حزب إسلامي ليعمل كما تعمل الأحزاب الأخرى من مختلف التيارات والمشارب؟
محمد الحسن ولد الددو: نعم بالنسبة لهذا الأمر هو ما وعد به القادة الجدد وأعلنوا أنهم سيتيحون الحريات، حرية إقامة الأحزاب والجمعيات لمختلف القوى الوطنية العاملة في البلد. والبلدان العربية والإسلامية التي يحصل فيها الحظر ليست بالكثيرة فالبلدان الإسلامية التي تنشط فيها أحزاب إسلامية أكثر من التي تحظر فيها.
بيبه ولد امهادي: تقولون إنه وعد بذلك هل وصلتكم أخبار سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أم أن الأمر يتعلق بوعد عام؟ صحيح أنه يمكن السماح بتشكيل جمعيات وأحزاب لكن أن تكون إسلامية الطابع تتوقعون ذلك؟(1/31)
محمد الحسن ولد الددو: البيان الذي أصدره المجلس يتضمن تصريحا بإقامة الأحزاب والجمعيات لجميع القوى السياسية العاملة في البلد دون إقصاء وهذا بالصريح يتناول بالدرجة الأولى التيار الإسلامي لأنه أكبر التيارات العاملة المحظورة التي ليس لها.. لا يمثلها أحزاب قائمة.
بيبه ولد امهادي: الشيخ محمد الحسن ولد الددو عمركم الآن في حدود 43 سنة، شيخ من الناحية الدينية، المكانة العلمية، هناك.. أنا لا أريد أن أغرق كثيرا في الألقاب هناك من يسمونكم أو يصفونكم بأنكم زعيم التيار الإسلامي أو الزعيم الروحي أو الأب الروحي للتيار الإسلامي، هل تعتبرون نفسكم رجل عِلم فحسب أم أن بالإمكان أيضا أن تلعبوا دورا سياسيا.. أن تقوم بدور سياسي في الحياة السياسية في موريتانيا؟
محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة للزعيم الروحي هذا اللقب لا يُعرف في المسلمين إنما هو في الأصل من ألقاب الكنيسة وبالنسبة للإسلام ليس فيه فصل بين هذه الوظائف فالإنسان بالإمكان أن يكون يشتغل في المجال الذي يصلح له أيا كان وتخصص الإنسان العلمي لا يمنعه من مباشرة أي نشاط آخر يصلح له. وبالنسبة لي أنا ليس نشاطي الأساس سياسيا إنما أنا أشتغل في مجال الدعوة وللسياسة فرسانها من التيار الإسلامي.
بيبه ولد امهادي: نعم لأن خالكم العلامة والعالم الكبير محمد سالم ولد الددو عُرف عنه انشغاله بالعلم، عُرف عنه انصرافه للعلم اكتسابا وتدريسا لكن لا يعرف عنه على الأقل على نطاق واسع اهتمامه بالسياسة؟(1/32)
محمد الحسن ولد الددو: هذا.. مفهوم السياسة هنا لا يحتاج إلى مراجعة فالشيخ حفظه الله تولى مناصب عليا للسياسة، مثلاً مكث وزيراً مدة لا بأس بها ثم مستشارا لرئيس الجمهورية ثم رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى وهذه وظائف سياسية في الواقع وكذلك الشيخ إلى الآن يصدر آراءه في كل مجال سياسي من واقع ديني ومن موقف بيان الشرع والشرع ليس فيه انفصال عن حياة الناس بل له حكمه في السياسة والاقتصاد والاجتماع وفي كل ميادين الحياة.
بيبه ولد امهادي: لا نريد أن نطلق أحكاماً سواء بالمباركة والتزكية لهذا النظام أو الانتقاد والتجريح للنظام السابق لكن كيف تنظرون إلى الدعوة إلى ما قدم على أنه اتهامات أو اشتباه في عناصر من التيار الإسلامي دخلت بسببها السجن؟
محمد الحسن ولد الددو: أنا ما أحب أيضاً مثلكم الحديث في الماضي وليس من منهجنا الكلام في الناس والجرح والتعديل إنما يتكلمون فيه بقدر ما للضرورة فقط، فقد قال يحي بن معين رحمه الله: إننا لا نتكلم في رجال عسى أن يكونوا حطوا أرحلهم في الجنة قبل مائة عام ولكن لأن يكونوا خصماً لنا أحب لنا من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصما لنا .
ما حصل من اتهامات يعرف الناس ويعرف القضاء وحتى مُلفقوها يعرفون أنها باطلة وأنها ليس لها أي أساس وأن موريتانيا لا يوجد فيها تطرف ولا إرهاب وأن التيار الإسلامي فيها بجميع تشكيلاته تيار معتدل في عمومه وأنه إذا حصلت حالة شاذة نادرة ستكون محصورة وسيكون التيار الإسلامي أول من يحاول تقليصها وتقليلها.
بيبه ولد امهادي: هل تعتقدون أن من بين ما اعتبرتموه تلفيقا للتهم العملية التي قال النظام السابق أو الهجوم الذي قال النظام السابق إنه تم على مجموعة عسكرية حتى لا أقول ثكنة عسكرية موريتانية في المغيطي في شمال شرق البلاد تعتقدون أن ذلك من بين ما تعتبرونه تلفيقا؟(1/33)
محمد الحسن ولد الددو: لا هذه قضية لم يتهم فيها النظام موريتانياً إنما اتهمت فيها جماعة جزائرية ولم يتهم فيها أحدا من التيار الإسلامي في موريتانيا.
بيبه ولد امهادي: لكنها كانت بداية لحديث عن وجود ما يشبه ذلك التنظيم الجزائري من حيث التسمية السلفية والجهاد في موريتانيا وقالوا إن تنظيما بهذا الاسم قد وجد في موريتانيا منذ نهاية التسعينيات.
محمد الحسن ولد الددو: لا ليس لهذا أي أساس من الصحة حسب علمي، لا يوجد أي تنظيم بهذا الاسم في موريتانيا ولا يتفق مع التنظيم الآخر في أي أهداف ولا في وسائل.
بيبه ولد امهادي: وهل تنظرون كذلك إلى ما قيل عن وجود ملفات ومخططات للاعتداء على شخصيات سياسية من أجل أيضا زعزعة الأمن والنظام في البلاد؟ هل تعتقدون ذلك وقد نشرت وسائل الإعلام الرسمية ملفات وصورا تثبت أن أصحابها إذا كانوا فعلا أصحابها كانوا على قدر ما من التخطيط ومن الوعي بالعمليات التي توصف في فضاءت كثيرة من العالم بالإرهابية؟
محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة لما نشر لا يثبت شيئا لأن المنشور هو أوراق مسحوبة من الإنترنت ومؤلفها كتبوا أسماءهم عليها وليس أحدا منهم موريتانياً والمواقع التي سحبت منها ليست موريتانية فهي مواقع تابعة لجماعات معينة ومؤلفو الكتب قد سموا أنفسهم والكتب منشورة، فلذلك ليس لذلك صلة بأي أحد من أهل موريتانيا وبالنسبة للشخصيات التي زُعم أن أفرادا كانوا يخططون للاعتداء عليها هي نفسها وكل الناس يسخرون من هذه التهمة لأنها ليس لها أي وجه ولا يمكن أن تقع أصلا.
بيبه ولد امهادي: مشاهدينا الكرام نتوقف عند هذا الحد ونستأنف حديثنا مع الشيخ محمد الحسن ولد الددو بعد هذا الفاصل القصير فأبقوا معنا.
تجربة السجن وآثارها(1/34)
بيبه ولد امهادي: مرحبا بكم من جديد، نواصل لقاءنا مع الشيخ محمد الحسن ولد الددو العالم الموريتاني الكبير وأحد أبرز رموز التيار الإسلامي في البلاد، السيد محمد الحسن ولد الددو الآن نتطرق بشيء من الإسهاب وشيء من التفاصيل عن فترة السجن.. عن تجربة السجن، قلتم سابقا في هذه المقابلة إنكم قضيتم أكثر من سنة في السجن على مراحل متفاوتة.. مراحل مختلفة خلال.. لنقل خلال العامين الماضين، كيف كانت تجربة السجن؟ لا محالة أنها تجربة قاسية تجربة مريرة ما في ذلك شك، لكن هل هي من باب ما يعرف عن السجون أم أن فيها ما هو أشد ولا يمكن للمرء أن يتوقعه؟
محمد الحسن ولد الددو: بسم الله الرحمن الرحيم، كانت التجارب في الفترات متفاوتة بتفاوت القائمين عليها وبتفاوت حدة النظام في قصده للضرر والتأثير على الناس وكانت المرة الأخيرة هذه أقوى هذه التجارب وأشدها حيث مكثنا في مدرسة الشرطة.. المدرسة الوطنية للشرطة شهرا وثلاثة أيام وقد عُذِّب بعض المجموعة ضرباً وتعليقاً وبقيت الأغلال الحديدية في أيديهم وأرجلهم مدة طويلة ومكثنا أكثر من عشرين يوماً دون مقابلة بالنسبة لي أنا ومجموعة أخرى.. لم يقابلونا طيلة عشرين يوماً وكنا نعاني من تبديل الملابس وليس لنا فراش وليس لنا ناموسيات من البعوض الشديد وقد أصيب أكثر السجناء بحمى الملاريا وأنا كنت من بينهم واضطررنا لطلب الأطباء فجاؤوا بطبيب وكان كثير من الأخوة يتلقون العلاج عن طريق الأوردة لعلاج حمى الملاريا، فقد انكسرت إبرة الحقنة التي كنت أتلقاها في ذراعي وما زالت موجودة في الذراع.(1/35)
وبعد أن سُلّمنا إلى القضاء وأودعنا في السجن المدني لم تكن الظروف أيضا أحسن، في السجن المدني أُدخلنا فيه.. أدخلت أنا في زنزانة انفرادية وهي عبارة عن حمامات أعزك الله كُسرت الباب.. ليس لها أبواب وكسر جدار فاصل بين اثنين منها جعل مكان الاستقرار وسقفها ليس عاماً، يعني هي ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار متران مسقوفان ومتر غير مسقوف وهو الذي تدخل منه التهوية.. تدخل منه الشمس وليس للغرفة تهوية أخرى والجدران متآكلة بسبب أملاح البول فيتساقط منها على فراش الصلاة وعلى الطعام إذا كان الإنسان سيتناوله وأيضا الجنود فوق الغرفة وهم دائما في تحريك وضرب الأبواب الحديد فوق الغرف من أجل إزعاج السجناء.
بيبه ولد امهادي: يعني جو يشبه إلى حد كبير ربما هناك مبالغة لكن كأنها غوانتانامو موريتانية.
محمد الحسن ولد الددو: ليست غوانتانامو تماماً لكن على الأقل شيء غير معهود في موريتانيا ولا مألوف غير.. أنا أدخلت وأنا مريض والحقنة في وريدي.. أدخلت صلاة المغرب وأغلق علي ذلك الباب الضيق ولم يفتح إلا الساعة الرابعة من مساء الغد، لم أرى أحدا في هذه الفترة لم يدخل علي أي أحد.
بيبه ولد امهادي [مقاطعاً]: هل كانت حالة..
محمد الحسن ولد الددو [متابعاً]: وأيضا مكثنا مدة لا يسمح لمحام بالزيارة وبعد ذلك العوائل لا تزور إلا وراء كثير من الحواجز والتسجيل والتصوير لكل حركة وسكون، فمكثنا شهرين وزيادة بهذا الوضع وبالنسبة لبقية السجناء أنا لا علم لي بما يعانون وما هم فيه وما كنت مسؤولا عنه.
بيبه ولد امهادي: هل كانت تجربة السجن الانفرادي.. الزنزانة الانفرادية هذه شائعة في السجن المدني في نواكشوط؟
محمد الحسن ولد الددو: لا هذه نادراً ما تقع، تقع لبعض عتاة المجرمين الذين يخاف منهم الاعتداء على الآخرين فقط.
بيبه ولد امهادي: وأنتم خلال هذه الفترات كان يتم التحقيق معكم من حين لآخر.. ما هي التهم التي كانت توجه إليكم؟(1/36)
محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة للتهم التي كانت توجه لدينا لدى مدرسة الشرطة هي المشاركة في بناء المساجد أو استغلالها لأغراض سياسية وكانت التهمة الأساس هي الموجهة إليّ أنني شاركت أو كنت من وراء بناء سبعة آلاف وثلاثمائة مسجد في موريتانيا وأنني كنت من وراء تحجب النساء وأُسأل لماذا أشجع النساء على ارتداء الحجاب فهذه كانت التهمة الأساسية لدى الشرطة، أما بالنسبة للقضاء فكانت التهمة كما كيّفت بأنها قيادة لجمعية غير مرخصة والقيام بأعمال لا تقرها الحكومة الموريتانية تعرض الموريتانيين للانتقام وهذه التهمة غير محددة أصلا ولذلك كان من طعني أمام قاضي التحقيق أن الدعوة إذا كانت غير محررة لا يحل سماعها.. لا يحل للقاضي سماعها أصلا وهذه غير محررة لأن القيام بأعمال هذا أمر مبهم ولا يدرى ما هي هذه الأعمال والذي أظنه أن يقصدون بها فتوى وهذا الذي تحدث عنه الإعلام كثيرا وتحدث عنه وزير الداخلية وتحدث عنه وزير الإعلام ما يتعلق بالفتوى والفتوى ليست من اختصاص الداخلية ولا البريد ولا المواصلات، الفتوى هي الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام والإنسان الذي ائتمنه الله سبحانه وتعالى على شيء مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب عليه بيانه وإذا لم يفعل فسيعلق بلسانه يوم القيامة وسيلزم بلجام من نار، فلذلك يجب عليه أن يبين ما عليه فإذا بين ما عليه حسب اجتهاده هو فإذا كان خاطئاً فيجب على الراسخين في العلم أن يبيّنوا خطئه وأن كان مصيبا فبين أن هذا كلام الله وأن هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتفق الجميع أن هذا فعلاً كلام الله وأن هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا معنى لاتهامه هو شخصياً لأنه قد أحال على مليء، إذا كانت ستستخرج بطاقة إيداع للسجن فجبريل عليه السلام هو الطرف الذي سيستخرجونها إليه لأن ما دام هذا نص من كلام الله ونص من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلام الله نزل به(1/37)
الروح الأمين من عند الله سبحانه وتعالى وجاء به إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم وبين ولا يمكن أن يأتيه التحريف ولا التبرير (لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)
بيبه ولد امهادي: أنتم شيخ محمد الحسن ولد الددو متمسكون بأن ما تقومون به.. ما كنتم تقومون به وما تزالون تقومون به هو الدعوة وليس بالضرورة عملا سياسيا هدفه زعزعة هذا النظام أو ذلك إلى آخر ذلك.. هو عمل دعوي عمل ديني وليس سياسي؟
محمد الحسن ولد الددو: نعم.
بيبه ولد امهادي: قيل إنه تم إخراجكم أو اقتيادكم لست أدري بالتفصيل منكم من السجن في الفترة الأخيرة، هل كان ذلك كما قيل من أجل نقلكم إلى المستشفى العسكري أو مستشفى آخر أم كان لإجراء نوع من المفاوضات أم أن الحوار والمفاوضات لم يكونا واردين في تلك الفترة مع النظام السابق؟
محمد الحسن ولد الددو: أُخرجت من السجن مرة واحدة لإجراء فحوص في المستشفى العسكري وليس فيها طبعا مفاوضات مع العساكر ولا مع الأطباء أما مَن سواهم فليست المفاوضات واردة معهم في تلك الظروف.
بيبه ولد امهادي: ولم تجري مفاوضات مع القادة الجدد ولو بطريق غير مباشر؟ كيف وصلكم نبأ الإفراج عنكم كان في اللحظة الأخيرة أم أنه سبقته مبشرات وبوادر؟
محمد الحسن ولد الددو: نحن نعيش في السجن مع الضباط ومع الجنود والموريتانيون كل منهم يُحدِث بما يسمع وأيضا بينهم تعارف إلى حد ما وهذه الفترة كان الناس يترقبون فيها حصول تغيير ولا يدرون من أين يأتي وكل إنسان يتوقع هذا التغيير فأي إنسان سمع أي صوت يظن أنه التغيير المنشود.
بيبه ولد امهادي: النظام.
محمد الحسن ولد الددو: نعم فلذلك علمنا مبكرين بما حصل والناس يتوقعون من أول القرارات هو قرار الإفراج عن المظلومين.(1/38)
بيبه ولد امهادي: قلتم إن الأخبار تنتشر بسرعة بين نزلاء السجن مثل ما هي الحال في المجتمع الموريتاني، هل كنتم تتابعون وسائل الإعلام كان ذلك متاحا لم تكن هناك قيود؟
محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة لي أنا كانت القيود موجودة، لم أكون متابعا لوسائل الإعلام إلا في الأسبوع تأتيني جريدة مرة في الأسبوع ولكن تصل الأخبار بوسائل أخرى عن طريق المحامين وعن طريق بعض الرسائل التي يرميها بعض الجنود أو بعض السجناء وترمى بالطرق الخاصة.
بيبه ولد امهادي: استقلالية القضاء أو هذا ما يقوله القادة الجدد، هل تتوقعون أن تضارعه أو أن تماثله استقلالية في العمل السياسي؟ هل تعملون الآن مع شركاء سياسيين من أحزاب المعارضة سابقا أو ألوان الطيف السياسي الأخرى في موريتانيا من أجل تمهيد الطريق وإقناع القادة الجدد بضرورة قبول تشكيل حزب إسلامي؟
محمد الحسن ولد الددو: نعم بالنسبة لنا نحن لسنا منفصلين عن جسم هذا الشعب وعن كل القوى التي فيه وبيننا تنسيق مع كل القوى الأساسية العاملة في هذا البلد والآن في وقتنا الراهن لا توجد معارضة في موريتانيا لأن القيادة الجديدة أعلنت عن برنامج هو محل اتفاق بين كل الموريتانيين مَن كان منهم في الموالاة ومَن كان في المعارضة والمحك هو الأيام القادمة والعمل فإذا استمر البرنامج كما وعدوا وهذا الذي نرجوه وهو الذي بدأت المؤشرات تظهر في اتجاهه فالموريتانيون متفقون وليس فيهم معارضة وهذا الذي كانوا يتمنونه ويرجونه وكلهم سيدعموا من جهته ما يستطيعون وإن كانت الأخرى نسأل الله ألا تكون فليس أحدا لديه ضمان ألا يعارض وألا ينكر عليه فكل مَن أتى بمنكر فسينكر عليه وكل مَن أتى بما يخالف فسيجد له مَن يقف في وجهه.
بيبه ولد امهادي: مشاهدينا الكرام أشكر لكم حسن متابعتكم، هذه تحية طيبة من طاقم البرنامج.. من فريق البرنامج ومني بيبه ولد امهادي والسلام عليكم
الشيخ الددو في مقابلة مع موقع المنارة والرباط(1/39)
أجري موقع "المنارة والرباط" مقابلة هامة مع فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو تعرضت لمواضيع مهمة مثل العلاقات بين الجماعات الإسلامية، ووضعية التعليم المحظري وغيرهما من المواضيع الحيوية. ولأهمية المقابلة يعيد موقع "الراية" نشرها. هذا ونلفت النظر إلى أن موقع "المنارة والرباط" موقع جديد ازدانت به ساحة العمل الإلكتروني حديثا، ويمكن لقرائنا الكرام زيارته من خلال العنوان التالي:
وإليكم في ما يلي نص المقابلة:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . فضيلة الشيخ العلامة الشيخ محمد الحسن بن الددو غني عن التعريف فهو نابغةالمغرب الأقصى وعلم بلاد شنقيط وفخرها , من اجتمع به لن يحتاج لكثير ذكاء ليكتشف غزارة علمه في كل الفنون , و الأهم من ذلك تواضعه الجم وأخلاقه الفاضلة فهو يعامل الناس على انه دونهم , تسمع في مجالسه العلوم بشتى أنواعها وبأدق تفاصيلها وتخصصاتها ففي التفسير هو الإمام البحر وفي الحديث هو المحدث و في اللغة هو المرجع وقل ذلك و أكثر في غير ذلك من الفنون وفي علوم العصر تسمع منه تحليل العارف المتخصص, فلله دره .ومما يذكر للشيخ ايضا حرصه على وحدة المسلمين بمختلف طوائفهم ومدارسهم. وقد تفضل الشيخ مشكورا بالإجابة على أسئلة موقع المنارة والرباط في المقابلة التالية :
فضيلة الشيخ : يستأذنكم موقع المنارة والرباط في أخذ بعض من وقتكم الثمين .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته,,,(1/40)
س1 : مرت بلادنا بتجربة مريرة خلال السنوات الماضية وقد عانيتم أنتم شخصيا من الظلم إلي أن من الله عليكم بالفرج , وترتفع اليوم أصوات تؤكد علي نبش ملفات الماضي ومحاكمة المسؤولين عما لحق ببعض أبناء الشعب الموريتاني من الظلم والاعتداء , فأيهما أفضل للمصلحة العامة للبلد والشعب والوحدة الوطنية : التمسك بهذه المحاكمات وفتح تلك الملفات أم محاولة نسيان الماضي والتركيز على رد المظالم وإشاعة جو من التسامح والصلح بأسلوب يعزز وحدة البلد ويسد أبواب الفتنة ؟.
ج1 : الحمد لله رب العالمين . . وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أشكر لموقع المنارة والرباط هذا الاهتمام وأسأل الله أن يعين القائمين عليه على خدمة هذا الدين العظيم وتراث البلد الأصيل .
إن الله أرشد في كثير من آيات كتابه إلي التسامح والتصالح والصفح والتجاوز , وأرشد إليها رسوله صلي الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث الصحيحة , وهي من أخلاق المسلمين الفاضلة التي لا يعدل عنها إلا في حالات نادرة . وقد عرف النبي صلي الله عليه وسلم حسن الخلق بقوله : " أن تعفو عن من ظلمك وتصل من قطعك وتحسن إلي من أساء إليك ".(1/41)
س2 : عرفت بلادنا موريتانيا ( بلاد شنقيط ـ المنارة والرباط ) علي مر العصور بأنها بلاد العلم وتميز علماؤها بالنبوغ والحفظ والورع والزهد والصلاح , وكان لمشايخ التصوف النصيب الأوفر في رفع اسم البلاد ونشر علمها في إفريقيا والبلاد العربية وجميع أنحاء العالم الإسلامي تقريبا ومن أبرزهم كما تعرفون : سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم والشيخ محمد الحافظ العلوي والشيخ سيد المختار الكنتي والشيخ سيديا الكبير ومحنض باب بن أعبيد واحمد بن العاقل ومحمذن فال بن متالي والشيخ محمد المامي والشيخ ماء العينين ومحمد يحي الولاتي واحمد بدي(آب) ومحمد فال بن باب ومحمد بن محمد سالم والمرابط بن أحمد فال ويحظيه بن عبد الودود ومحمد عالي بن عبد الودود ومحمد مولود بن احمد فال ( آد ) وغيرهم . وإلي جانب مدرسة التصوف كان هناك اتجاه سلفي من أبرز رموزه لمجيدري والعلامة باب بن الشيخ سيديا ومع ما بين المدرستين من اختلاف في بعض الإجتهادات والمفاهيم فقد كان يسود الاحترام والتقدير بين الفريقين , فلم يكن بعضهم يكفر ولا يبدع ولا يفسق من يخالفه إلي أن انقلبت الصورة في عصرنا الحاضر , وأصبح الحكم بالفسق والضلال بل والتكفير أحيانا يصدر من هذه المدرسة ضد تلك ,ويمتد الأمر كذلك إلي وصف الأشعرية والماتريدية بالضلال , فهل سيطرت علينا مقولة " سلفية تنطح وصوفية تشطح " وما رأي فضيلتكم في هذا الموضوع ؟(1/42)
ج2 :: إن العلماء في بلادنا كانوا وما يزالوا يأخذون بشمول الإسلام إيمانا وإسلاما وإحسانا , فهذه هي عناصر الدين الذي جاء به محمد صلي الله عليه وسلم من عند الله تعالي لا تناقض بينها ولا تصادم , يتخصص كل متخصص فيما اختار من جوانبها من غير طعن في الجوانب الأخرى ولا في المتخصصين فيها فيقع التكامل , ويجمع البارعون بينها فيقع الانسجام ولهذا لا أجد أي فرق بين الأمثلة المذكورة في السؤال يقتضي فصلا بينها , فأغلب المذكورين كانوا سلفيين في الاعتقاد وكلهم كانوا من المهتمين بتزكية النفوس وإحسان التعامل مع الله , حتى من كان منهم متخصصا في علم الكلام والعلوم العقلية كالعلامة أحمد بن العاقل , فقد كان يقول : " عقيدتنا هي ما ذكره ابن أبي زيد في مقدمة الرسالة " والعلماء أبعد الناس عن التكفير والتضليل بغير حق , ولا أوافق على ما ذكر في السؤال من أن الصورة قد انقلبت في عصرنا , بل ما زال الأمر في العموم على ما كان عليه , وما يقع من الهنات لا يمثل إلا حالات نادرة لم تزل تظهر في تاريخنا قديمه وجديده من متطرفي مختلف التخصصات .
س3 : فضيلة الشيخ : امتدادا للسؤآل السابق , يوجد على الساحة الإسلامية اليوم على الأقل بالنسبة لأهل السنة أربع مدارس فاعلة هي التصوف والسلفية والإخوان المسلمون وجماعة الدعوة والتبليغ , والأصل أن كل مدرسة من هذه المدارس تسعى إلي نشر الإسلام والحفاظ على سنة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , غير أن ما بينها من الخلافات والشقاق الذي يصل أحيانا إلي حد التكفير من بعض الغلاة , يجعل عمل هذه الطوائف يعاني من الشلل أو الضعف , فما هو رأي فضيلتكم في شأن التقريب بين هذه المدارس وبناء جسور من الود بينها وهل تؤيدون تنظيم مؤتمرات أو لقاءات للحوار الإيجابي والبناء بين هذه المدارس ؟(1/43)
ج3 : وأما عن السؤال الثالث فجوابه ضمن في جواب السؤال الثاني . ولا شك أن الأمر كما ذكرت لا يعتبر ظاهرة جديدة مميزة لهذا العصر , بل هي هنات تظهر في كل الاتجاهات ثم تختفي " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " واختلاف التخصص والتنوع لا يفسد للود قضية بل يعملون فيما اتفقوا عليه ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه من الأمور الاجتهادية .
س4 : تعرفون فضيلتكم أن بلادنا لم يكن لها شأن بين البلدان إلا بما عرفت به من العلم والحفظ بفضل الله وتوفيقه ثم بمنهج المحظرة التي تخرجت فيها أجيال من العلماء والدعاة , وتعاني المحظرة اليوم من مشاكل عديدة تهدد بالقضاء عليها, منها وفاة كثير من المشايخ والعلماء وعزوف كثير من الطلاب عن الدراسة فيها بسبب عدم توفر فرص العمل بعد تخرجهم مع صعوبة الحياة ومتطلباتها . فما هو رأي فضيلتكم حول كيفية تطوير المحظرة الموريتانية بحيث تحافظ على منهجها العلمي التليد , مع الأخذ بعين الإعتبار التطورات المعاصرة بحيث تؤمن لطلابها بعد تخرجهم ما يضمن لهم الحياة الكريمة ويبقيهم على صلة مستمرة بالمحظرة بطلب العلم ؟
ج4 : من الحلول التي أقترحها أن تفرغ كل أسرة من الأسر المعروفة بالعلم واحدا أو أكثر من النابهين من أبنائها للدراسة المحضرية وتضع تحت تصرفه كل ما يحتاج إليه من إمكانياتها وتشجعه بأنواع التشجيع المعنوي والمادي حتى يتخرج عالما جامعا وحينئذ لن تعوزه وسائل الحياة الكريمة وأن يشجع المجتمع والدولة كذلك كل من له أهلية ولديه همة لهذه الغاية السامية(1/44)
س5 : كما تعرفون فضيلتكم فإن المحظرة الموريتانية استمرت قرونا عديدة تعتمد على روافد العلم التي وصلت إلي البلاد من الأندلس والمغرب ومن مصر خاصة المتون الفقهية وأشهرها متن الشيخ خليل وشروحه وهذه المتون الفت لعصرها , وقد استحدثت أمور كثيرة وتغيرت الأحوال ولعل كثيرا من هذه النصوص الفقهية لم يعد يلائم عصرنا الحالي فهل تؤيدون إعادة كتابة هذه المتون بلغة العصر وتبسيطها وانزالها على الواقع بحيث تفهمها الأجيال اليوم , وهل لفضيلتكم مشاريع في هذه الإتجاه ؟
ج5 : إن المتون نفسها صالحة والذي ينبغي أن يتغير هو طريقة الشرح والتأصيل والتدليل والمقارنة بين المذاهب بما ينفي التعصب , ولا يزال العلماء يؤلفون أيضا من المؤلفات ما يسد الخلة المتجددة .
س6 :فضيلة الشيخ :هل تودون أن تعطوا للقارئ الكريم نبذة عن بعض مؤلفاتكم وخاصة أحدثها .
ج6 : إني لست أهلا للتأليف وإنما أكتب بعض الكتابات التي هي من باب الضرورة فحسب .
ومن أحدثها مشروع خدمة المتون العلمية التي تدرس في المحضرة بالتصحيح والتحقيق والزيادة والطباعة المناسبة والتسجيل الصوتي . وهو مشروع كبير يخدم أكثر من مائتي متن بإذن الله , وقد طبع منه إلي الآن خمسة متون , وأضعافها جاهز للطباعة الآن إن شاء الله . وأنا أشترك في هذا المشروع مع بعض الدكاترة العلماء وبعض طلبة العلم وأخيرا أسأل الله أن يبارك في موقع المنارة والرباط وأن يوفق القائمين عليه ويجزيهم خيرا . وإياكم وبارك فيكم ووفقكم وحفظكم ورعاكم.
الانتفاضة وواجب المسلمين تجاه الفلسطينيين
مقدم الحلقة:ماهر عبد الله
ضيف الحلقة: محمد الحسن ولد الددو: مدير المركز العلمي - نواكشوط
تاريخ الحلقة: 21/04/2002(1/45)
ماهر عبد الله: سلام من الله عليكم، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة)، خلال هذه الانتفاضة عادة إلى الأذهان الأزمة التي اجتاحت الأمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثمة هجمة شديدة على ليس فقط قيم هذه الأمة، ليس فقط على دين هذه الأمة، ولكن على كثير من المفاهيم والمصطلحات المستخدمة، إذن لم تنجو حتى اللغة، الرئيس الأميركي يريد من العرب والمسلمين أن يتوقفوا عن استخدام كلمة شهيد وأن يستبدلوها بكلمة قاتل، يريدون أن نتوقف عن دعم الفلسطينيين بالتبرعات المالية والعينية لأن هذا تشجيع للإرهاب، والإرهاب ذاته مصطلح أصلاً لم يتفق بعد على تعريف محدد له لا عند الغربيين ولا عند المسلمين، لا عند الذين يعانون منه ولا عند الذين هم متهمون بارتكابه.
لمناقشة جزء من هذه المفاهيم والمصطلحات المراد منا تغييرها بسبب ما يسمى بالحرب على الإرهاب، يسعدني أن يكون ضيفي لهذه الحلقة فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الحسن ولد الددو، (وهو مدير المركز العلمي في نواكشوط في موريتانيا)، والشيخ محاضر في العلوم الشرعية بدأ الماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض في المملكة العربية السعودية، وموضوع الماجسيتر أو رسالة الماجسيتر كان وهو كتاب منشور مخطابات القضاة، وسيلي التعريف به مع فقرات هذه الحلقة.
قبل أن نبدأ نقاشنا لهذه الحلقة، اسمحوا لي أن أذكركم بأنه بإمكانكم أن تشاركوا معنا على الهاتف التالي، الرقم هو: 4888873.
أما الراغبين بالمشاركة عبر الفاكس فبإمكانهم أن يفعلوا ذلك على الرقم الذي ترونه على الشاشة الآن: 90865، هذا تغيير عن الرقم المعتاد 4890865، أما المشاركة عبر الإنترنت فبإمكانكم أن تقوموا بها على الصفحة الرئيسية (للجزيرة نت) على العنوان التالي: www.aljazeera.net
أستاذ محمد أهلاً وسهلاٍ بك في (الشريعة والحياة).
محمد الحسن: حياكم الله.
الضغط الأميركي لتغيير بعض المناهج الإسلامية(1/46)
ماهر عبد الله: سيدي ثمة هجمة واضحة ليس فقط على جزء من معتقدات هذه الأمة الآن بدأت تمس صميم ثقافتنا بالتعدي على تعريفات المفاهيم الدارجة، ثمة يعني وضع خاص موضوع الاستشهاديين ولموضوع الشهادة المطلوب كما صرح الرئيس الأميركي بكل صراحة ووضوح يجب أن لا نسمي هؤلاء الإرهابيين بالاستشهاديين يجب أن نسميهم قتلة، من وجهة نظر شرعية صرفة أين نقف من هذا المفهوم؟
محمد الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد فمن المتوقع من أعداء الله -سبحانه وتعالى- أن يحرصوا على إزالة كل ما هو مؤثر وتبديله بما لا يمكن أن يؤثر، ومن هنا فهم حريصون على تبديل هذه الألقاب الشرعية وعلى المصطلحات التي تحرك ضمير الأمة، لأنهم يحرصون على موت الأمة ولا يرضون أن تحيا، ولا يرضون أن يتحرك فيها الدافع العقدي الذي يدفعها للدفاع عن مقدساتها والجهاد في سيبل الله -سبحانه وتعالى- بما تملكه من قوة، وللتعبير على الأقل عن رفض الظلم والإفساد في الأرض الذي ترفضه البشرية كلها، والواقع أن هذه المصطلحات كثير منها ليس مصطلحات إسلامية فحسب، بل هي مصطلحات إلهية نزلت في الشرائع كلها، و رفضها هو رفض لتاريخ البشرية كلها، وما أظن أن ساسة النظام العالمي الجديد يمكن أن يتوقعوا أن تترك البشرية مصطلحاتها التي جاء بها الوحي، وجاءت بها الأديان السماوية كلها، لمجرد التماس أو طلب ولبدائل هم يضعونها بأنفسهم بدافع من مصالحهم الواضحة.(1/47)
ماهر عبد الله: يعني طب كيف تتوقع أن تكون المحصلة النهائية الذين يتحدثون باسم الإسلام، شئنا أم أبينا الالتماسات كما سميتها والطلبات لا تأتي لا لك ولا لي ولا للمشاهدين تأتي للنخبة السياسية العربية الحاكمة، بعض هذه النخبة أصلاً تعاني من أزمة مع بعض هذه المفاهيم قبل أن تمارس عليها ضغوط، كيف تتوقع أن تكون ردة فعل الزعماء العرب والمسلمين عندما يواجهون بمثل هذه الضغوط؟
محمد الحسن: الذي أرجوه وأتوقعه منهم إن شاء الله مثل هذه الضغوط تزيدهم إيماناً واحتساباً ويقيناً، وأنهم سيعرفون أن دينهم مهدد في صميمه، وأن كل شيء من كيانهم وحقيقتهم مهدد حتى لغتهم ومصطلحاتهم ومفاهيمهم التي نشأوا عليها وتربوا عليها، مهددة في الصميم، ومن هنا فلابد أن تتحرك فيهم روح النخوة وروح الدفاع عن أصل الكيان، فما من كائن حي يحس بالتهديد إلا بادر بالدفاع عن نفسه.
ماهر عبد الله: سيدي أنا يعني اسمح لي أن أعيد السؤال بصفة أكثر بساطة وأرجو أن أسمع جواب أيضاً أكثر بساطة، هل تعتقد أن من يقومون بالعمليات الاستشهادية استشهاديون أم قتلة؟
محمد الحسن: بالنسبة للذين يدافعون عن كرامتهم وعن دينهم وعن وطنهم ومقدساتهم بأية وسيلة تصل إلى ذلك، هم شهداء وموعدون بهذا المقام الرفيع عند الله سبحانه وتعالى وقد حرم الله أن يطلق على من يموت في سبيل الله أن يكون ميتاً أو قتيلاً أن يطلق عليه اسم الميت أو القتيل، وسماهم بهذا الاسم وهو الشهادة، فقال تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) وقال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)، فإذا كانوا مشرفين عن اسم الموت الذي هو حتم على كل الناس، فكيف لا يشرفون عن اسم القتلة؟ الذي الذي هو وصمة العار.. وأقول..(1/48)
ماهر عبد الله: قد يعني قد يرد عليك البعض بالقول أنه هذا مفهوم الشهادة هو مرهون بالقبول من الله سبحانه وتعالى، وحيث أننا لا ندري مصير.
محمد الحسن: بالنسبة لإطلاق هؤلاء إنما بين الرجاء والخوف والأصل، إنما نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال "إنما نحن قوم نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر، فمن أبدى لنا صفحة عن عنقه أخيناه"، فمن رأيناه أقدم على جهاد العدو واستبسل في ذلك وجاهد عن المقدسات وعن رفع الظلم، وعن المستضعفين، وبذل في ذلك نفسه، فنحن نحمله على ما نرى الظاهر به ولكن سريرته وباطنه إلى الله سبحانه وتعالى، والله -سبحانه وتعالى- إنما حرم قتل النفس إذا كان ذلك ظلماً وعدواناً، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيرا)، ومفهوم العلة هنا أن من فعل ذلك إيماناً واحتسابا وجهاداً في سبيل الله، فإنه يستحق الجنة، لأنه هذا مفهوم العلة الحكم يدور مع العلة حيث دارت.
ماهر عبد الله: جزء من.. من الحملة على هذه المفاهيم الطعن في نيات المتبرعين لدعم ذوي الشهداء؟ هل.. هل تعتقد أن التبرع لذوي الاستشهاديين لذوي القتلى.. لذوي الضحايا يشكل جزء من المساهمة في عملية الإرهاب أم أنها جزء من حملة على الإسلام وأمة الإسلام من حيث المبدأ؟(1/49)
محمد الحسن: سبحان الله الذين يصدروا منهم هذا يناقضون أنفسهم فهم يسعون للدفاع عن حقوق الإنسان والإشادة بها، ولا شك أن إيواء اليتامى والأرامل والإنفاق عليهم هو من أوجب ما تدعو إليه حقوق الإنسان، وهو من الإنسانية ومن دوافعها قبل أن يكون مأمور به دينياً، أما نحن فنعلم أن الله -سبحانه وتعالى- بين أن من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا كما صح ذلك على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال من جهز عازياً فقد غازا ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا، و لا شك أن هؤلاء اليتامى والأرامل بكل المفاهيم وبكل الاعتبارات ما لهم ذنب، وهم قطعاً مضطهدون مغلوبون وقطعاً لهم حقوق الإنسانية وحقوق العيش الكريمة على هذه الأرض، فيستحقون المساعدة على ذلك.
ماهر عبد الله: في الآونة الأخيرة رغم الحملات التي ثارت على بعض الدول العربية التي قامت بجمع التبرعات في الحلقة الماضية أو بعد الحلقة الماضية اتصل بعض الأخوة يحتجون على استخدام كلمة تبرع على اعتبار أن هناك إتفاق على أن ما يجري في فلسطين هو نوع من أنواع الجهاد، والجهاد قد يأخذ أكثر من شكل منه ما هو مضطر له أهل فلسطين من.. من المعنى المباشر للقتال ولكن يعني ثمة رديف له لا يقل عنه أهمية الجهاد بالمال، هل ما ندفعه لدعم أهلنا في فلسطين يدخل في باب التبرع التطوعي أم هو جزء من فريضة الجهاد؟(1/50)
محمد الحسن: ما يقوم به المسلمون من الجهاد بالمال ومن الجهاد بالإعلام ومن الجهاد بالأقلام ليس هو من الدعم للقضية الفلسطينية أو الفلسطينيين بل هو جهاد واجب عليهم وبالتالي ما يدفعه الإنسان من مال لا ينبغي أن يسمى تطوعاً ولا تبرعاً ولا دعماً، بل هو جهاد بالمال وهو واجب أوجبه الله بكتابه وقد قال (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) فبدأ بالجهاد بالمال قبل الجهاد بالنفس، وكذلك في عدد من الآيات ذكر الجهاد بالمال قبل الجهاد بالنفس ولا شك أن هذا الجهاد فريضة على المسلمين جميعاً بايعوا الله عليه وكل إنسان منهم في عنقه هذه البيعة لله عز وجل: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعد عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)، ومن هنا.. ومن هنا فما يدفعه الإنسان إنما هو جزء من الوفاء لله بما بايعه عليه، وحق لازم عليه فليس هو داعم لغيره ولا متبرعاً ولا متطوعاً بل هو مؤدي لواجبه المقدس وهذا الواجب المقدس يجب بالمال قبل الأنفس، لأن المال كما تعلم هو خطر وهو عظيم في ظروفنا وفي وقتنا هذا، وهو ينقسم إلى قسمين في الواقع، جهاد المال ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : هو المشاركة بالمال في دعم المجاهدين وأسرهم أو ضحايا هذا الإرهاب الدولي المقنن.
الجانب الثاني : هو مقاطعة المعتدي الغاصب اقتصادياً ومالياً وذلك من الجهاد بالمال أيضاً، فإذا كان الإنسان بخيلاً أو عاجزاً أو ضعيفاً لا يستطيع المشاركة بماله في دعم تحرير هذه الأوطان المقدسة، فعلى الأقل يشاركوا بقطع دعم حال العدو المحتل الغاصب.(1/51)
ماهر عبد الله: أنا كان سؤالي بالتالي إليك عن.. عن المقاطعة يعني لاحقاً بالسؤال التاني، الكثير من.. من الناس يشككون بجدوى المقاطعة وهناك جدل مثلاً على الساحة المصرية كان كبير أنه مجدي أم غير مجدي؟ يعني هل جدواها يعني يدخل في النقاش؟ أم أنه أثر يعني قد يترتب لاحقاً وقد يدخل في النسبة وقد لا يدخل؟
محمد الحسن: نحن عندنا آية من كتاب الله في قصة حصلت لليهود من قبل، هل الأمر بالمعروف يشترط فيه الجدوى أو لا تشترط؟
يقول الله سبحانه وتعالى فيها (قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)
فهنا هدفان :
أحدهما : متحقق قطعاً بالمقاطعة وهو (معذرة إلى ربكم) أننا أعذرنا إلى الله بفعل ما أمرنا به.
والثاني: لعله يؤثر أيضاً .
ومن المعلوم أن هذا الجدل الذي يثور في الإعلام دليل على تأثيره، لأن هذه المقاطعة لو لم يكن لها تأثير لما اعتني بها، ولما أثيرت هذه الضجة الكبيرة الإعلامية من أجل إزالتها.
ماهر عبد الله: لكن هناك يعني نحن لا نتحدث عن.. عن مقاطعة ليس للبضائع الإسرائيلية باعتبار أنها لم تغزو السوق العربي بشكل مباشر.
محمد الحسن: علنياً.. نعم.
ماهر عبد الله: ولكن علينا نعم رغم الكثير من الأحاديث والتقارير عن دخولها بشكل غير مباشر، لكن المقاطعة التي نتحدث عنها هي مقاطعة للبضائع الأميركية على اعتبار أن أميركا هي الداعم الأول والأساسي للكيان الصهيوني في ما يفعل.(1/52)
محمد الحسن: نعم.. هذا لا شك هو محل بحث لأن من المعلوم أن الاستثمارات لدولة صغيرة لن تكون في داخل حدودها وما تحتله من الأراضي، وإنما تكون تلك الاستثمارات بدول أخرى وبالأخص في السوق الأميركية التي هي أكبر الأسواق العالمية وأشهرها، فالاستثمارات الصهيونية في الشركات الأميركية معروفة مشوارها، وكذلك فإن الدعم الأميركي الذي يصدر من دولة الولايات المتحدة الأميركية للكيان الصهيوني، هو أساس كل العمليات التي قاموا بها، ولو توقفوا لحظة واحدة لكان أبلغ ضغط على الصهاينة، فلذلك نحن نقوم به كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لعلها تغير من قرارها ومن وجهة نظرها حيال الصهاينة.
التشكيك في شهادة الاستشهاديين الفلسطينيين
ماهر عبد الله: سيدي تحدثنا عن الاستشهاديين تحدثنا عن التبرع، تحدثنا عن بعض المظاهر والمفاهيم التي يراد أن تحارب، جزء من.. من التشكيك وهذا من طرف المسلم -إذا جاز التعبير- وليس من الطرف الأميركي هذه المرة، يشككون بأن هذه بدع لا أصل لها، يعني في موضوع الجهاد نحن قد نتفق على أن من يُقْتل في سبيل الله فهو شهيد، لكن الموت بهذه الطريقة هو الذي يقع عليه الاحتجاج، هل ثمة سوابق تاريخية في تراثنا الإسلامي يستند عليها من يقولون من أمثالك بأن هذه العمليات استشهادية وليست بالضرورة انتحاراً؟(1/53)
محمد الحسن: نعم، في مثل هذا النوع حصل عدد من القصص في تاريخنا الإسلامي، وثبت في صحيح مسلم كذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة الغلام أنه قال للملك ألا أدلك على أمر إذا فعلته قتلتني وإن لم تفعله لم تقتلني، قال ما هو؟ فقال أن تجمع كل أهل مملكتك بصعيد واضح، وتأخذ سهماً من كنانتي وتقول بسم الله رب الغلام وترميني به فإنك ستقتلني وإلا فلا تسلط علي، فهنا الغلام يعلم الطريقة التي يمكن أن يقتل بها، ولا يعلمها أحد سواه، فقدم هذه الطريقة للملك ليقتله بها ليكون ذلك سبباً لإسلام الناس، فلما قال الملك بسم الله رب الغلام ورماه ومات الغلام وقال الناس أمنا بالله رب الغلام، فهذه عملية استشهادية وهي في صحيح مسلم وما قصها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا للأخذ بها، وكذلك فإن الصحابة رضوان الله عليهم عندما حاصروا اليمامة كان بداخل الحديقة 40 ألف مقاتل، فطال الحصار وقتل القراء من أصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم- وكان 500 من حفظة كتاب الله، فاقترح البراء بن مالك عليهم أن يرموه بداخل الحصن فجعلوه بترس واحتملوه ورموا به داخل الحصن فقاتل 40 ألف حتى وصل إلى الباب ففتح فوجدوا به 280 ضربة بالسيف، وبقر بطنه وخرجت أمعاؤه ثم عولج وبرأ وعاش بعد ذلك وجاهد حتى قتل .
وكذلك أخرج أبو داود في السنن وأحمد في المسند، والترمذي والحاكم وغيرهم، في حصار القسطنطينية أن صفاً عظيماً من الروم خرج فحمل عليهم رجل من المسلمين حتى توسطهم فقال الناس لا إله إلا الله رمي هذا ألقى هذا بيده إلى التهلكة فقام فينا أبو أيوب الأنصاري خطيباً، فقال: أيها الناس أنكم تقرأون هذه الآية على غير ما أنزلت، إنما أنزلت فينا معاشر الأنصار وذلك أن الله لما أظهر دينه وكثر ناصروه وقلنا إن زروعنا قد خربت فلو جلسنا فيها حتى نصلحها، فكانت التهلكة للفلوس التي أردناها أو ترك الجهاد.(1/54)
وكذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عندما رجع على عامر بن الأكوع سيفه فقتله قال الناس قتل عامر نفسه فهو غير شهيد قال سلمة بن الأكوع فجئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابكي فسألته فقال بل هو شهيد، وشهيد له الشهادة في سبيل الله وأنه من أهل الجنة، والحديث في الصحيح.
وقد جمع شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- كتاباً كبيراً في هذا المجال فيه عدد من القصص والأدلة الدامغة فقد سماه "الانغماس في العدو"، وقد طبع هذا الكتاب محققاً اليوم ونرى فيه قصص مضت من تاريخ هذه الأمة ومن العمليات الاستشهادية التي قام بها الصحابة والتابعون ومن سواهم.
مسؤولية المسلمين تجاه ما يحدث في فلسطين
ماهر عبد الله: سيدي، هل لعبت التجزئة كون الأمة مشتتة مفرقة، لا يجمعها دولة واحدة، لا تجمعها مظلة واحدة، هل لعب هذا الدور في استقواء الآخرين علينا؟(1/55)
محمد الحسن: لا شك في هذا، لأن الله سبحانه وتعالى جعل التفرقة قسم من أقسام العذاب، فقال : (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض)، وجعله مظهراً من مظاهر الشرك، فقال تعالى: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون)، وجعله منافياً للرحمة فقال: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، وعلى هذا فلو كانت للمسلمين ذمة واحدة اليوم لما حصل ما نسمعه من الجدل بأن الاعتداء على فلسطين هل هو اعتداء على كل المسلمين أو، لا؟ أو أن الاعتداء على الشيشان أو على أي مكان آخر، هل هو اعتداء على كل المسلمين أو، لأ؟ ومن المعلوم أن هذه الأمة أمة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وعندما كان المسلمون أمة واحدة كانوا يقاتلون عدوهم تحت راية واحدة، ولم يكن بعضهم يكل الجهاد إلى بعض، ولم يكن بعضهم داعماً ومسانداً لبعض، بل كانوا جميعاً يتحملون مسؤولية واحدة، وأما اليوم فقد أصبح من نسميهم بدول الطوق أو من.. أو حتى الفلسطينيون في داخل فلسطين يتحملون من المسؤولية ما لا يتحمله مثلاً الموريتانيون أو الأندلسيون أو ما سواهم، والواقع أن المسؤولية واحدة.
ماهر عبد الله: هل تعتقد كون المسؤولية واحدة سواء كنا في دولة واحدة أو لم نكن، هل تعتقد بوجود مخطط أميركي ضد الأمة ؟
محمد الحسن: لا شك في هذا، لأن التجزئة هي أول ما يتجاسر بهذه.. على هذه الأمة، ومن المعلوم أنها بدأت قديماً، وأن ما نراه اليوم إنما هو أجزاء لذلك المخطط القديم الذي نشأ في ذلك الوقت، وفي أيام الملك عبد العزيز -رحمه الله تعالى- قد شعر بذلك المخطط، فحاول التخلص منه، ولكن لم يجد آذاناً صاغية في وقته.(1/56)
ماهر عبد الله: طيب اسمح لي نعود إلى الهواتف مرة أخرى، ونؤجل سؤال الإخوة أو كان اثنين من الإخوة أصروا على أن هذه إرساء إرهاصات، ولكن بعض الإخوة على الهاتف والأخوات، معايا أبيا بنت بوموزونا من إسبانيا. اتفضلي.
إبيا بنت بوموزونا: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على من قال: "من لم يغزُ أو يجهز غازياً فقد مات على شعُبة من النفاق". إني أبدأ بموقف أحد أمراء جزيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعني الأمير بندر، الذي قال: أن الشهداء إرهابيون إرضاءً, فهذا القول عنه الفقيه ما هو حكمه؟ فماذا ننتظر بعد من هؤلاء الحكام العملاء الذين هم خط الدفاع الصهيوني الأول؟ وعندي خلاصة يعني.. عندي مبادرة، و المبادة هي أن كل.. جميع المبادرات لا قيمة لها إلا ما كان من الشيخ أسامة حفظه الله، وكلنا عربياً، وكلنا مسلماً، وكلنا أسامياً، والسلام.
ماهر عبد الله: طيب شكراً أخت أبيا معايا بو عزة كوكب من المغرب.
بو عزة كوكب: السلام عليكم ورحمة الله.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
بو عزة كوكب: أولاً: تحية لنشطاء (الجزيرة) ولجميع النشطاء لإعلامه الإسلاميين.
الذي أريد أن أؤكد عليه أن هناك أمور ثلاثة مؤكدة ولا ينبغي الشك فيها أبداً من طرف أي مسلم، الأمر الأول: أن أميركا لا تتخلى عن إسرائيل إلى في حالتين، في حالة الوحدة الكامل للمسلمين، وفي حالة ما إذا إسرائيل كونت إمبراطوريتها في الشرق الأوسط، وأصبحت تشكل عليها خطراً اقتصادياً.
الأمر الثاني: أن رؤسائنا الذين صودرت قراراتهم وجنودنا الكبار الذين صودرت أوسمتهم لا يمكن أن يتحركوا في هذا الحال الذي هو داخل تحت خيار السلام الاستراتيجي، لايريدون بديل.(1/57)
الأمر الثالث والذي هو أساسي: هو أن هذه الانتفاضة بما تحمله من روح جهادية هي التي تزعج الغرب، وهي التي تزعج إسرائيل، وينبغي أن تستمر، وإذا أردنا لها الاستمرار لابد من أن تستمر على جميع الأصعدة، على جميع علماء الدين، على علماء سياسة، علماء الاقتصاد الإعلام، ينبغي أن تتحرك المرأة وينبغي أن يتحرك الأحزاب، وينبغي أن يتحرك النقابيون، وينبغي أن تستمر هذه الانتفاضة مدعمة للفلسطينيين بجميع أنواع الدعم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، (ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع)، ونحن نرى الصوامع قد هدمت والأعراض قد انتهكت فلا سبيل إلى التخلص من هذا الأخطبوط من هذه الهيمنة إلا بالجهاد وإلا بالتظاهر وهذا ينبغي أن يتبناه في المقدمة علماء المسلمون، وينبغي أن نحيي منصب الشيخ الإمام الذي يكون أمره عاماً وصادراً ومنفذاً إن شاء الله تعالى، ونحن نتطلع إلى ذلك اليوم الذي تكون فيه هيئة من العلماء كبار لها مؤسسة إما..
ماهر عبد الله [مقاطعاً]: أخ.. أخ بو عزة اسمح لي.. اسمح لي بالمقاطعة عندي مجموعة كبيرة من الإخوة على الهاتف، معايا بعض الأخ بو عزة الأخ لؤي العرب من بريطانيا الأخ لؤي، اتفضل.
لؤي العربي: نعم، مرحباً.
ماهر عبد الله: أهلاً بيك، اتفضل أخي.
لؤي العربي: طبعاً خير الكلام ما قال ودل.
ماهر عبد الله: نعم.
لؤي العربي: مداخلتي هي أصدر الشيخ (جورج بوش) مفتي الأميركية فتوى مفادها تحريم كتب (رياض الصالحين)، (منهاج الطالبين)، (الأذكار)، لأن مؤلفها إرهابي، حيث إن اسمه هو الإمام الـ بين قوسين (نووي)، الشعوب الأميركية كعادتها صدقت، والحكومات العربية كعادتها نفذت، وعجبي!! شكراً.
ماهر عبد الله: مشكور جداً يا سيدي، معايا الأخ أحمد كامل من سويسرا. أخ أحمد.
أحمد كامل: السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
أحمد كامل: ألو.
ماهر عبد الله: اتفضل.(1/58)
أحمد كامل: ألو.
ماهر عبد الله: اتفضل.
أحمد كامل: ألو، السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
أحمد كامل: والله أن عندي دقيقة واحدة، سوف أختصر كلامي وكل ما أرجو أن أقوله يعني أن ما حصل في فلسطين أمر متوقع، وأن المظاهرات التي انطلقت يعني في كل بلد عربي كانت متوقعة، لكن ما أريد أن أقوله هو أن الشعب العربي إذا لم يقم بانتفاضة فورية ضد الأنظمة العربية فلن يكون هناك حل، إذا أراد الشعب العربي.. إذا كان خائف، يعني نرى الفلسطينيين يتقتلون، ويذبحون، ويدمرون، ورغم ذلك يقدمون الشهداء، ونرى أن الشعب العربي كله خائف من القمع ومن الأمن المركزي، إذا رضوا بهذه الحال وسكتوا، ولم تنطلق المظاهرات فهم يستحقون هؤلاء الحكام الذين.. الذين يعني يحكمونهم يعني، فأنا من الناس بصراحة.. بصراحة أقولها.. أنا من الناس.. الذين يدعون الله سبحانه وتعالى أن يغير هذا القوم، وأدعوا عليه.. على الأمة العربية بزلزال أو وباء من محيطها إلى خليجها حتى يأتي قوم جديد.
ماهر عبد الله: طيب أخ أحمد، نقطة.. نقطة واضحة وصريحة..وفي صميم الموضوع، فاسمح لي بس للمقاطعة، لأنه عندنا كمية كبيرة من المشاركات، سيدي، نعود لمشاركات الأخوة في المجموعة الأولى. الأخ عبد العزيز الغامدي والأخ حسن من ليبيا رأوا فيما يجري بوادر خير في.. من بشرى خير، بداية فرج، نهاية لديكتاتوريات هل هذا مجرد حديث أماني، ولا تتفق مع الإخوة إنه ثمة بوادر؟(1/59)
محمد الحسن: هذا يجب التسليم به، لأنه نزل به الوحي فإن الله سبحانه وتعالى يقول: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين)، وكذلك يقول سبحانه وتعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلى أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره)، فطريق الحق هو هكذا، وإذا اشتد الكرب فإن الفرج قريب، فإنما النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسراً، كما بيَّن ذلك الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وقد ورد فيه عدد كبير من الآيات في كتاب الله.
ماهر عبد الله: الأخ عمر محمد أبو شعالة -معلم من ليبيا يقول دليل آخر يؤكد صحة أدلة الشيخ (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، القوة التي نستطيع أن نرد العدوان هي الاستشهاد الفدائي، آخر ما نستطيع.. ليس عندنا غيره، فليمت الأعداء كمداً. الأخ حازم أحمد غراب -صحفي من مصر، يقول: ليت نقابات الصحفيين والكتاب العرب يردون عملياً على بوش، ويتفقون على اعتماد وتوحيد وصف.. وصف عمليات الفلسطينيين بالاستشهادية، هل.. هل تتفق مع مطالبة الأخ حازم من الصحفيين باعتماد ميثاق شرف يحدد؟
محمد الحسن: طبعاً بالنسبة لهذه المفاهيم هي مفاهيم من أصل لغتنا ما داموا راضين بالكلام باللغة العربية فإن عليهم أن يبقوا دلالاتها كما هي، إلا إذا أرادوا أن يغيروا اللغة من أصلها وأن يتحدثوا بلغة أخرى فلهم ذلك، لكن ما دام الإنسان راضياً بأن يتكلم بهذه اللغة راضياً بأن يتكلم بهذه اللغة راضياً أن ينطلق من مقدسات هذا الشعب ومسلماته، فلابد أن يستعمل هذه المصطلحات.(1/60)
ماهر عبد الله: نعم، كان سؤال الأخ بو عزة أنه موضوع إسرائيل أكثر من.. من تحالف استراتيجي، إنه لن يزول حتى تقوم وحدة عربية، وليس هناك مؤشرات على قيام وحدة عربية، أو تتحول إسرائيل إلى دولة كبرى، يعني كيف تقيم؟
محمد الحسن: نحن نعلم أن الخطاب ينقسم إلى قسمين، خطاب شرعي وخطاب قدري، أما الخطاب القدري فالله أعلم به وهو من الغيوب، ونعلم فيه أن النهاية دائماً للمؤمنين وللمتقين: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إنَّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين)، أما الخطاب الشرعي فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالنكاية باليهود بما استطعنا سواء كنا فرادى أو مجموعات أو دول، أو غير ذلك، بل تعهد قدراً أيضاً أن يسلط عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، قال الله تعالى بسورة إبراهيم: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم)، فلابد أن يسلط الله سبحانه وتعالى على اليهود إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، وهذا تعهد رباني، ويدخل فيه الاستشهاديون و الاستشهاديات، فكل ذلك مما تعهد الله به أن يسلطه على اليهود إلى يوم القيامة.
ماهر عبد الله: طيب، للأسف فقدنا الاتصال بالأخ سليمان الرشيدي. سيدي الانتفاضة تزعج الغرب كما يقول الأخ أبو عزه ولابد من استمرارها، يخشى من أن تكون ثورة وتزول لابد من -كما قال- للمرأة، للأحزاب، لكل مؤسسات المجتمع المدني، للحكومات، للعلماء أن يدينوها، هل تعتقد أنه بالإمكان إدانة الانتفاضة ومطالبة الشعب الفلسطيني بأن يواصل وأن يدفع أكثر مما دفع حتى هذه اللحظة؟
محمد الحسن ولد الددو: ذكرت الآن أن الله -سبحانه وتعالى- تعهد بدوامها بأنه قال (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم) أي على اليهود (إلى يوم القيامة من يسموهم سوء العذاب) فلابد أن تستمر الانتفاضة ولابد أن تجد وقوداً مستمراً، ومن انهزم فسيأتي من هو خير منه.(1/61)
كيفية مقاطعة المنتجات الأميركية ودخولها تحت مسمى الجهاد
ماهر عبد الله: طيب لو عدنا لسؤال الأخ الشعراني عن خطوات لترشيد الرأي العام حول كيفية مقاطعة المنتجات الأميركية والتي تصنع في البلاد العربية. واسمح لي أربطه بسؤال شوية شكله بعيد شوية الأخ حمزة- صحفي من الإمارات- يقول: متى يكون الجهاد فرض عين؟ ولماذا يحجم علماء المسلمين عن دعوة للجهاد؟ هل يمكن أن ندخل ضمن هذا الجهاد للذين لا يستطيعون أن يجاهدوا بأنفسهم على اعتبار أنهم بعيدون عن الساحة؟ فيه أكثر من.. من أخ كان سأل أيضاً في الإنترنت عن ضرورة تبيين أنه ليس تبرعاً وإنما هو جهاد، هل يدخل هذا حتى المقاطعة في مسمى الجهاد؟
محمد الحسن ولد الددو: بارك الله فيك، بالنسبة لترشيد المقاطعة للمنتجات في البلاد العربية لابد أن يدرك الناس أن المصنعين والممثلين لتلك الشركات هم أولى من يقاطع، وعليهم أن يعلموا أن الرزق بيد الله وأن الله وحده هو الواحد الرزاق الوهاب، وأنه هو يقول في كتابه (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم) والعيلة هي الفقر، فلذلك لابد أن يُخاطب أولئك الذين يمثلون تلك الشركات ونحيي فيهم ضمير الإيمان وضمير التضحية، وأن يعلموا أن رزقهم مكتوب وأن.. وأن المقاطعة والقيام بالواجب لن ينقص ما كتب لهم من الرزق. ثانياً ما ذكره الأخ في سؤاله عن الجهاد هل هو فرض عين في وقتنا هذا؟ الجواب أن منه ما هو فرض عين قطعاً في وقتنا هذا كالمقاطعة الاقتصادية وفي الجهاد بالمال في بذله، فهذا من فروض العيان على القادرين عليه في كل مكان، وأما الجهاد البدني بالمباشرة.. مباشرة القتال فهذا فرض عين على المطيقين الذين يستطيعون والذين يستطيعون الوصول والمشاركة.(1/62)
ماهر عبد الله: لكن يعني الأخوة، أنا لا أدري ما الذي يقصده الأخ سلمان حربي مثلاً يقول: هل حان الآن موعد الجهاد في سبيل الله والإعلان عن ذلك؟ يعني ماذا تقصد بيستطيع ولا.. ولا يستطيع؟
محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة للاستطاعة هي شرط التكليف لقول الله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها) والإنسان الذي لا يستطيع دخول الحدود الفلسطينية أو هو بعيد أو هو عاجز عن الوصول أو ليس مؤهلاً أصلاً للحرب هذا جهاده بالمال والدعم والدعاء والمشاركة بالإحساس والمشاركة بالتوعية، ولا يحل له ترك ما استطاع، فإن ما لا يدرك كله لا يترك ما أستطيع منه. أما السؤال الأخ عن.. سؤاله.. أرد عليه بسؤاله فيما يتعلق.
ماهر عبد الله: الجهاد؟
محمد الحسن ولد الددو: نعم.
ماهر عبد الله: هو سؤال، يعني هذا الآن.. هذا موعد
محمد الحسن ولد الددو: الذي ذكرته الآن آخر واحد
ماهر عبد الله: أخ.. سؤال الأخ سليمان الحربي، هل حان الآن موعد الجهاد في سبيل الله؟
محمد الحسن ولد الددو: هل حان الآن.. بالنسبة للجهاد في سبيل الله أعلنه الله -سبحانه وتعالى- بعد الهجرة النبوية ووقته من ذلك الوقت عندما بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرين والأنصار على القتال ثم بايعهم بعد ذلك على الموت، فمنذ ذلك الوقت أُعلن الجهاد ولن يتوقف إلى قيام الساعة كما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال "الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة مع كل بر وفاجر لا ينقضه جور جائر ولا عدل عادل" فينبغي أن لا يظن السامعون والمشاهدون أن الجهاد قرار سياسي يُعلن في وقت من الأوقات ويعطل في وقت آخر، بل هو ماضٍ إلى قيام الساعة، وهذا من ضرورات الالتزام بدين الله، وهو ذروة سنامه ولا يمكن أن يكمل أحد إسلامه إلا بمشاركته في الجهاد سواءً كان ذلك بالنفس أو بالمال أو بالدعاء أو بالقلم أو بأي وسيلة.(1/63)
ماهر عبد الله: هل تتفق مع.. مع الأخت أبيا عندما قالت أنه من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبه من النفاق يعني هذا الصحيح تطبيقه؟
محمد الحسن ولد الددو: نعم هذا الحديث صحيح لكن هي روته بالمعنى قليلاً، فالحديث "من لم يغزوا أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة" هذا في سنن أبي داؤود باسناد الصحيح، والحديث الآخر "من لم يغزو أو يحدث به نفسه مات ميتة جاهلية" وهذا في صحيح مسلم. وكلا الحديثين صحيح، وكلاهما إما أن يكون خبراً من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أو أن يكون دعاءً منه ودعاؤه مستجاب قطعاً.
ماهر عبد الله: نعم، طيب معايا الأخ رجب السقا اليمن، أخ رجب تفضل.
رجب السقا: أستاذ ماهر السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
محمد الحسن ولد الددو: عليكم السلام.(1/64)
رجب السقا: تحية إجلال وإعزاز للدماء الطاهرة للشهداء التي أيقظت الشعوب من سباتها وأشعلت صراع حضاري جديد بالمنطقة وبالعالم، فالكيان الصهيوني يحلم بإقامة الملكية اليهودية في العالم أجمع، لابد للعالم العربي والإسلامي من خطط استراتيجية، فسرعان ما ننفعل ونصرخ ونبكي وننسى، فأين أحداث البوسنة والهرسك والشيشان وأفغانستان؟ لابد لنا من خطط استراتيجية طويلة المدى نطالب فيها بعودة العقول العلمية العربية المهاجرة خارج البلاد العربية، واستثمار أموالنا 1500 مليار دولار في البنوك الغربية ماذا تفعل؟ المعركة الآن في البر والبحر والجو، لابد لأمة لا تملك قوتها لا تملك قرارها وعلى هذا يجب استثمار طاقاتنا وثرواتنا بالمنطقة، يقدر ما نستورده من غذاء فقط بـ35 مليار دولار سنوياً. الشعب المصري قاوم الاحتلال الانجليزي عام 1919 حينما نُفي سعد زغلول مما أدى إلى رفع الحماية البريطانية عن مصر، فأين العالم العربي الآن والإسلامي؟ كفى صراخاً وتحية إجلال وإكبار مرة أخرى للدماء الطاهرة للشهداء في.. في فلسطين.
ماهر عبد الله: مشكور جداً أخ رجب من اليمن، معايا الأخ شاكر منصور من فلسطين أخ شاكر تفضل.
شاكر منصور: ألو، السلام عليكم.
ماهر عبد الله: عليكم السلام.
شاكر منصور: أسعد الله مساءكم يا أخي.
ماهر عبد الله: أهلاً بك.
شاكر منصور: تحية لك أخي ماهر وإلى ضيفك الكريم.
ماهر عبد الله: تفضل أخ شاكر.(1/65)
شاكر منصور: بداية.. بارك الله فيك بداية حديثي أذكركم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "الإمام جُنة يُتقى به ويُقاتل من ورائه" هذا بداية، أهل فلسطين ومنذ ما يزيد على خمسين عاماً والمسلمون.. ومنذ ما يزيد عن الـ80 عاماً والمجازر تُرتكب ضدهم في فلسطين وفي غير فلسطين يوم كان للمسلمين إمام لم يجرؤ أحد من المسلمين على الهجوم أو على التحدث إلى شخص مسلم بسوء، ويوم ضاعت إمارة المسلمين واغتصبت.. اغتصبت أراضي المسلمين وبدأ الكفار يقتلون ويذبحون بهم أود تذكيركم بقولة للسلطان عبد الحميد -رحمه الله- وهو من أواخر الأمراء في الدولة العثمانية عندما جاءه اليهودي (هرتزل) مطالباً إعطاءه قطعة من فلسطين مقابل إعطاء الدولة الإسلامية الأموال الطائلة من الذهب، ولكنه رفض ذلك وله قولة مشهورة في ذلك يعلمها الجميع، فلو كان حقيقة للمسلمين إمام ما جرأ أحفاد القردة والخنازير على.. على ذبح أهل فلسطين وتقتيلهم.
ماهر عبد الله: طيب أخ.. أخ شاكر النقطة واضحة.. مشكور جداً وإن شاء الله تسمع تعليق من الشيخ عليها، معايا الأخ كمال سليم من الإمارات. أخ كمال تفضل.
كمال سليم: السلام عليكم، كمال سلمان، كمال سلمان.
ماهر عبد الله: معذرة يا أخ كمال تفضل.
كمال سلمان: أخي العزيز السلام عليكم أول شيء.
ماهر عبد الله: عليكم السلام والرحمة.
محمد الحسن ولد الددو: عليكم السلام.(1/66)
كمال سلمان: أبدأ بالحديث، يعني لا نسأل.. نحن لا نسأل عن إن العمليات الاستشهادية هي.. العمليات الفدائية هي عمليات استشهادية أم إرهابية؟ نحن نعرف بأنها استشهادية، وهذه الشهادة من.. من جميع شيوخ المسلمين وآخرهم كان الشيخ أبو زديد في يوم الجمعة الماضي في خطبة الجمعة التي نرجو من (الجزيرة) أن تبثها كاملة لأن فيها دعوة للجهاد، جميع المسلمين خاصة أهل فلسطين الذين يجاهدون بأنفسهم وأموالهم وأولاهم وبناتهم ونسائهم، ولكن أريد أن أقول أوجه كلمة لأخواتنا المناضلين في فلسطين عليهم أن لا يستمعوا إلى.. إلى ما يُقال من الغرب، بل أن عليهم أن.. أن يستمروا في العمليات الاستشهادية وأن يطوروا استراتيجيتهم بأن يقوموا بعمليات تدميرية كما قام اليهود بعمليات تدمير البُنية التحتية للسلطة الفلسطينية وللمدن الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية، فإن عليهم أن يزيدوا من العلميات الاستشهادية، بإضافة عمليات تدميرية للبُنى التحتية الإسرائيلية من مصانع وجسور ومؤسسات كما فعلوا عندنا فعلينا أن نفعل عندهم، فأتمنى على (الجزيرة) أن تعيد خطبة الجمعة للشيخ أبو زديد لأن فيها دعوة واضحة للجهاد الإسلامي لأهل فلسطين المحاصرين ليس من الجنود فقط، ولماذا.. ولكن هم محاصرين أيضاً من.. من المسلم ومن الدول العربية نفسها.
ماهر عبد الله: طيب أخ كمال مشكور.. مشكور جداً.. مشكور جداً يا أخ كمال. إن شاء الله تسمع تعليق أيضاً من الشيخ، سيدي الأخ رجب السقا يقول: أننا يعني نقتصر على ردة الفعل وننسى قضايانا نسينا كان حصل في كوسوفو والشيشان، هو يريد عودة العقول عودة رؤساء الأموال العربية لتكون بداية لصحوة هذه الأمة ليكون الرد إيجابي وفعال واستراتيجي وليس فقط مقصوراً على ردة الفعل على هذه الأزمة الحالية.(1/67)
محمد الحسن ولد الددو: هذا صحيح فكثير من الشعوب الإسلامية، إنما يتصرف من واقع ردة فعل، ويجب عليها أن تكون هي صاحبة المبادرة، فردات الأفعال سريعاً ما ينقطع أثرها، ولذلك فما نبه إليه الأخ من عظم الجهاد في سبيل الله من سحب الأموال في البلدان التي تدعم الإرهاب الصهيوني، هو من الجهاد في سبيل الله، وعلى الذين يستثمرون أموالهم في تلك البلاد أن يعلموا أن أرزاقهم مكتوبةٌ من قبل، وأن ما هنالك من الأموال يُستغل ضد أمتهم و.. وضد أنفسهم، وسيصل إليهم الضرر هم بأنفسهم إذا تعدى مكانهم وسيصل إلى غيرهم، وقد نبه الله سبحانه وتعالى في كتابه إلى توقع مثل هذا فقال (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)، فإن الإنسان الذي لا يرحم اليتامى عليه أن يتصور أنه هو يمكن أن يموت اليوم أو غداً فيبقى أولاده يتامى، فمن سيرحمهم؟ فهذا التنبيه ينبغي أن ينبه له أولئك المستثمرون في البلاد التي تدعم الإرهاب والصهاينة.
ماهر عبد الله: يعني سؤال له علاقة بكلامك الأخير هذا من الأخ أبو لؤي، وهو معلم من السعودية بعد ما يشكرك لأنه يقول أنه درس على يديك فترة من.. من الزمن في كلية شريعة..
محمد الحسن ولد الددو: جزاه الله خير.
ماهر عبد الله: ماذا تجدي مقاطعة الشعوب للمنتجات الأميركية إذا كان القرار السياسي واقتصاديات الدول كلها بيد أميركا؟(1/68)
محمد الحسن ولد الددو: نحن لا نكلف إلا بما نطيق وما نستطيعه، ومن قدر على شيء ليس معذوراً بتركه في أن غيره لم يفعل، فهذا التذرع بأن الآخرين لم يفعلوا واجبهم هو تذرع باطل فعلينا نحن أن نفعل واجبنا ونسأل الله أن يوفق الآخرين ليفعلوا واجبهم، فنحن شعوب إنما نستطيع القيام بما نستطيعه نحن، ومن هنا فنحن نؤدي القدر الذي نستطيعه، وما يجب على الحكام نسأل الله أن يوفقهم للقيام به وليس.. بأيدينا القرار، ومع ذلك لاشك أن الضغط الشعبي يؤثر أيضاً في القرار.. القرار السياسي.
ماهر عبد الله: على ذكر الضغط الشعبي كان أحد الأخوة سابقاً، ومن ثم الأخ منصور قال أن الإمام جُنة، وبالتالي يعني ثمة الكثير يُعوِّل لو كان للمسلمين إمام واحد موحد لربما كان الوضع غير هذا الوضع. بعض الأخوة من قبل قالوا أنه لابد من انتفاضة أخرى، ولكن من أجل تغيير هذا الواقع السيئ، من أجل تغيير بعض الحكام الذين لا يعبؤون بمشاعر شعوبهم.
محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة لحديث الإمام جُنة حديث صحيح، وقد بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم حاجة الناس إلى قائد يتقدمهم في كل أمورهم، والعرب قديماً يقولون:
وألف ثعلب يقودها أسد خير من ألف أسد إن لم تقد(1/69)
فلاشك أن الأمة تحتاج إلى قادة يقومون بواجبهم ويؤدون الحق الذي عليهم، ومن هنا فنحن من هذا المنبر نتوجه بالحض إلى قادة المسلمين أن يقوموا في هذا الوقت بالذات بالواجب الذي عليهم لله سبحانه وتعالى، وأن لا يؤخروا عمل اليوم لغد، وأن يعلموا أنهم جميعاً محاسبون مجزيون أمام الله، وأن الفرصة قد لا تتكرر، فمن بيده زمام الأمور في هذه الليلة قد لا يكون بيده زمام الأمر في مثل هذه الليلة من الأسبوع القادم، ومن هنا عليهم أن يبادروا البدار.. البدار وأن يتخذوا القرارات المشرفة الجريئة، فذلك والله لا ينقص شيئاً من مكانتهم ولا من أرزاقهم ولا من قيادتهم، بل يزيدها، يزيدهم حباً عند شعوبهم، ويزيدهم استقلالاً في قراراتهم، ويزيد مكانتهم في النفوس إذا كانوا ممن يرغبوا في جمع الأصوات الديمقراطية.
ماهر عبد الله: كما نشاهد ونسمع أن أغلب الأمة جاهزة على الأقل نفسياً للجهاد بالنفس ولا يمنعهم إلا الحدود والقائمون عليها، ماذا يجب علينا أن نفعل؟ وكان يعني أكثر من سؤال وردت بنفس.. بنفس الفحوى إنه الجهاد فرض، نحن مستعدون نفسياً للجهاد، كيف نجاهد وقد يحال بيننا وبين الجهاد؟
محمد الحسن ولد الددو: لا يمكن أن يحال بيننا وبين الجهاد كله، هذا غير ممكن، فما نستطيعه يجب علينا أن نبادر به مثل بذل المال للفلسطينيين الذين هم في.. في ميدان المعركة، ومثل الدعاء لهم، ومثل التنبيه إلى قضيتهم، ومثل تحريك الشارع للضغط على الحكام لاتخاذ خطوات إيجابية مثل المسيرات والمظاهرات والكتابات الصحفية والاتصال المباشر والنصيحة والكتب الموجهة إلى الحكام، فكل ذلك من أساليب الضغط التي يلزم اتخاذها، وهي من الجهاد في سبيل الله ومن مناصرة هذه القضية المقدسة التي يجب على الجميع أن يشاركوا فيها بما يستطيعون، والإنسان الذي لا يرى إلا الباب المغلق، وينفد طاقته لفتحه أبله لأن لديه مائة باب مفتوحة.(1/70)
ماهر عبد الله: طيب، يعني لو كلمة خاتمة لأهل فلسطين في.. معنا أقل من.. من دقيقة، ماذا تقول للذين يجاهدون فعلاً وحقاً وحقيقةً؟
محمد الحسن ولد الددو: هم الذين تكلموا وأسكتوا من سواهم، ولا يمكن أن أوجه أنا إليهم كلاماً من واقعي إلا التذكير بقول عبد الله بن المبارك رحمه الله:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك بالعبادة تلعب
من كان يخضب نحره بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
فهم على ذلك الثغر، وقد وعدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- باستمرار فيه، وهم بكل ما يعملونه يتقربون إلى الله سبحانه وتعالى، ومن عاش منهم فبالكرامة، ومن مات فبالشهادة، نسأل الله أن يثبتهم ويوفقهم وينصرهم على عدوه وعدوهم، وأن يرزقنا جميعاً الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيله والسلام عليكم.
ماهر عبد الله: طيب، أستاذ محمد شكراً لك.. شكراً لك شكراً جزيلاً، لم يبق لي إلا أن أشكركم وأشكر بإسمكم فضيلة الأستاذ محمد ولد الددو من موريتانيا من مركز العلم في نواكشوط، إلى أن نلقاكم في الأسبوع القادم تحية مني والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أنقذوا محمد الحسن الددو نابغة المغرب الإسلامي وصحبه
محمد الأحمري - العصر / في أواسط التسعينات اتصل بي صديق مثقف من مدينة بتسبرج في الولايات المتحدة, وطلب مني أن نستضيف في مؤتمر التجمع القادم الشيخ محمد الحسن ابن الددو الشنقيطي, وأثنى عليه ثناء كثيرا, وعند قرب موسم المؤتمر حاولنا دعوته ولم يتيسر حتى كان مؤتمر عام 2000م ثم مؤتمر عام 2001, وحضرهما الشيخ في مدينة شيكاغو, فكان الخُبر أصدق من الخَبر!!
وقد كان مهوى قلوب الحاضرين في المؤتمر, ولفت انتباه الجميع علماء ومشاركين ومشاركات لما وهبه الله من ذاكرة من أعجب ما وهب البشر, ومن اتساع معارفه في علوم الإسلام, مع حداثة سنه.(1/71)
وفي إحدى أمسيات المؤتمر عقدت جلسة ثقافية أدبية حوارية شارك فيها الشيخ الددو إلى جانب الشيخ جعفر إدريس, وأدراها الأستاذ خالد حسن, رئيس تحرير هذه المجلة, وقد كانت أمسية في غاية الفائدة والطرافة, وانتشرت أخبارها، فقد استمتع الناس بعلم الشيخ وغرائب حفظه, كما استمتعوا بحديث الشيخ جعفر وعقله المكين, وكل منهما ساق من طرائف حياته وطلبه للمعرفة ما أبدع فيه, فلما سئل الشيخ الددو عن محفوظاته من الكتب ألمح بتواضع لكثرتها, وأشار لحفظه بعض المتون في النحو وغيره وهو بعد في الخامسة من عمره, ولما حلق السامعون في سماء المحفوظات, عقب الشيخ جعفر قائلا "أما أنا فلا أحفظ أي كتاب" فضجت القاعة بالضحك, لشدة التناقض, فإن فات الشيخ الحفظ فلم يفته عقل فيلسوف مؤمن.
وقد أبان اللقاء مع علمين من أعلام عصرنا عن تعدد المواهب بين العلماء, وتنوع الطرق للمعرفة والإصلاح والتأثير, وسماحة العلماء, وعمقهم وتأثيرهم. وحديثنا هنا عن الشيخ محمد الحسن ففي كل مكان ذهب إليه ترك أثرا وعجبا وحبا وتقديرا, فمن لمن يلمح ذاكرته العجيبة رأى دينه المكين, ومن لم يدرك سعة علمه رأى سماحة خلقه, وحسن تصرفه.
وقد أثنى الشيخ بكر أبو زيد في تقديمه لبحث "مقومات الإخوة الإسلامية"على الددو وقال عنه بأن: "هذه مقدرة يندر توفرها" ص 3.(1/72)
أما الآن وقد وقع الشيخ وصحبه من العلماء والمصلحين في محنة السجن, والتعذيب والتشهير فإن من واجب كل مسلم مناصرتهم على من ظلمهم, وشرح قضيتهم, وتنبيه الناس لها, عسى أن ترتفع عنهم المحنة, ونخفف من الزحف على المسلمين في ودينهم في موريتانيا, ولا نخذلهم ولا نسلمهم ولا نسكت عن مظالمهم, قال الددو: "حتى في أضيق الظروف والأزمات في الحروب منع الإسلام الفرار من الزحف وجعله إحدى الموبقات. ومن ذلك عدم فرار الأخ المسلم عن أخيه ورغبته بنفسه عن نفسه." ص 16 قال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" التوبة 71
ونقول لإخواننا في موريتانيا: "وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم, وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" النور 55.(1/73)
إن واجب المسلمين في كل مكان الاهتمام بمحنة الإسلام في موريتانيا, متمثلا في رموز علماء الإسلام وقيادات الأمة, ونوابغها في ذلك البلد. فحق هؤلاء المصلحين على علماء الأمة ومفكريها وأهل الرأي والشهامة عامة وخاصة أن يقفوا مع المصلحين المضطهدين, ويؤيدوا موقف علماء موريتانيا في بيانهم الشهير, وحق هؤلاء العلماء والدعاة المساجين على الأمة أن تسارع بطلب تخليصهم من السجون وإنهاء محنتهم, والاتصال بالسفارات الموريتانية, والحكومة وبعث الرسائل, والفاكسات والبريد الإليكتروني وأن تصاغ بلغة هادئة ومؤدبة مؤثرة, جريا على سنة "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى". إن من حق الشيخ وإخوانه أن يقف معهم المسلمون, وأهل الإنصاف من كل أمة, ولو كان المظلوم يهوديا أو نصرانيا للزم رفع الظلم عنه, فكيف بمن عرف عنهم الخير والعلم والإصلاح, وعلى كل مؤمن أن يناصر العدل, وأن يحقق واجبه وولاءه للمؤمنين: قال تعالى "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" المائدة 55
فتوى الشيخ محمد الحسن الددو التي سجن بسببها
الحمد لله وحده، أما بعد فإن الدعوى على الأئمة المعروفين بالإستقامة أنهم يتآمرون على النظام الدستوري، وأنهم يهددون الأمن الداخلي، والخارجي، وأنهم ينتمون لجمعيات غير مرخص لها، من التهم الباطلة شرعاً، التي لا يحل للقاضي سماعها، ويجب عليه تأديب من يدعيها، فهي أعظم بكثير من دعوى الغصب وقد قال خليل رحمه الله في الغصب "وأدب المميز كمدعيه على صالح" وقال شارحه الزرقاني رحمه الله :"...(وأدب) وجوباً باجتهاد الحاكم غاصب (مميز) بعد أن يؤخذ منه ما غصب بل ولو عفا عنه المغصوب منه لحق الله لا للتحريم، بل لدفع الفساد في الأرض،واستصلاح حاله،كضرب الدابة لذلك. (كمدعيه) أي كأدب مدعي الغصب علي (صالح) وهو من لا يتهم به، أو هو من أهل الخير والدين ،تفسيران وليس المراد الصالح العرفي."(1/74)
وقد جاء النص علي هذه المسألة في آخر كتاب السرقة من المدونة.
ومثل هذه الدعوى في كل ما ذكر الإدعاء على الأئمة، والدعاة بأنهم إرهابيون، أو تكفريون أو يطعنون في الأئمة الأعلام، أو ينتحلون نحلة الخوارج، وأعظم منها قذفهم بالكفر، كالبهائية، والهندوسية، والبوذية، والتشهير بذلك في وسائل الإعلام
فقد قال الله تعالي:"لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا،وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين."
وقد أخرج البخاري في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك."والعلم عند الله تعالى.
كتبه محمد الحسن الددو
خطبة الشيخ الددو في السجن يوم 01/08/2003
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.(1/75)
عباد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من الفتن التي تموج كقطع الليل المظلم بين يدي الساعة فقد ذكر أنها يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا، وإن من الفتن المستشرية في هذا الزمان شدة الاستهزاء بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كثيرا من أبناء المؤمنين وقعوا الآن في هذه الفتنة فهم يستهزئون بالله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم ويعلنون على الملأ استهزاءهم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، وهذا من المنكرات والفتن المضلة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، وإنما يقتدي هؤلاء بأسلافهم الذين سبقوهم إلى ذلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى تبوك خرج معه نفر من المنافقين لا يخرجهم إلا الاستهزاء بالله ورسوله والمؤمنين فتقدموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره فقال بعضهم لبعض: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ولا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة وأجبن عند اللقاء فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم :" ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين"، قال ابن عباس: فلقد رأيته -وهو مخشي بن حمير- تحت رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ممسكا بقلادة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة يقول: إنما كنا نخوض ونلعب ولا يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول: أبالله وآياته كنتم تستهزئون.(1/76)
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرحم هذه الأمة بها وهو أرحم الخلائق بالخلائق وقد وصفه الله بذلك فقال: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله"، لم يرحم هؤلاء ولم يستجب لما يقولون ولم يقبل عذرهم لأن الله سبحانه تعالى لم يعذرهم في كتابه وبين أنه إن عفا عن طائفة منهم فلا بد أن تعذب طائفة أخرى وذلك بأن يسلط عليهم سوء الخاتمة حتى يموتوا على الكفر فيستحقوا النار بذلك نسأل الله السلامة والعافية. إن من استهزأ بآيات الله وكتابه ورسوله لا بد أن يموت على سوء الخاتمة إن لم يهده الله سبحانه وتعالى ويرجع عما كان عليه ولذلك فالذين يستهزئون بهذه الآيات في زمننا هذا وأغلبهم من الجاهلين ومنهم من ليس كذلك إنما يريدون سوء الخاتمة ويتعرضون له نسأل الله السلامة والعافية ولذلك تسمعون كثيرا منهم يستهزئون بالسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء منها ما كان يتعلق بشأن الصلاة كالقبض والضجعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ركعتي الفجر وصلاة الفجر وغير ذلك من السنن فتسمعهم يستهزئون بمن يقبض كأن يده تؤلمه وتجدهم يستهزئون بمن يضطجع الضجعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون إنما كان يفعلها جبلة ولا يدري هؤلاء أن جبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي خير للناس من جبلاتهم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بهذه الضجعة بقوله، فماذا تقولون في قوله؟ إن هؤلاء عندما يقومون بالاستهزاء بالسنن يظنون أنهم يضرون الذين يطبقون هذه السنن والواقع أنهم لا يضرون إلا أنفسهم، وقد شاهدت في يوم من الأيام أتيت وقت صلاة الفجر فجاء شاب فصلى ركعتي الفجر فاضطجع تلك الضجعة الخفيفة وقام فنظرت إليه الأعين وأنكر عليه بعض الحاضرين وزعموا أنه من الذين أتوا بدين جديد وأن هذا لم يكن معروفا قبل مجيء هذه(1/77)
الدعوة وبدأوا يطعنون فيه فجاء عامل من الذين يبيعون الماء ويحملونه على الحمر الأهلية فقال: هل ثبتت هذه الهئية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: نعم ثبتت عنه فقال أي شيء ثبت فإني سأفعله والبأس الذي فيه يجعله الله في كبدي حتى لو جعلتموه كفرا، فقطع الله ألسنتهم بكلمة هذا العامي الذي هو خير منهم في اعتقاده وفي ولائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قناعته بسنته فرد على أولئك الذين يدعون الفقه في الدين بكلام لا يستطيعون بعده أن يراجعوه بكلمة واحدة ولا بشطر كلمة. إن الذين يستهزئون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنهم بذلك يشنون هجوما على الداعين إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الواقع أنهم يهاجمون شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هاجمه قبلهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فماذا حصل لهم لقد جر أولئك على وجوههم إلى القليب ثم بعد ذلك عن يسار الداخل إلى النار يوم القيامة.
إن الله عز وجل قال لرسوله صلى الله عليه وسلم:في محكم التنزيل: "إنا كفيناك المستهزئين" فقد كفاه الله كل الذين يستهزئون به وبسنته وهذا ماض إلى قيام الساعة، فلا يستهزئ أحد برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كفاه الله إياه.
عباد الله، إن الذين يستهزئون بالسنن الأخرى التي ترجع إلى اللباس أو غير ذلك ما هم إلا كهؤلاء الذين يستهزئون بهيئات صلاته فإنه صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الناس كافة وقد جعله الله الأسوة الصالحة لجميع المؤمنين وقال: " لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة" فالذين يسخرون من العمائم أو يصغرونها أو يسخرون ممن يبيت في المسجد أو ينام فيه أو يضع فيه متاعه إنما يسخرون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل ذلك ثابت عنه صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يلبس عمامته ويصلي بالناس وكان يلبسها في كل أوقاته حتى إنه لبسها فوق المغفر يوم الفتح كما في حديث جابر في صحيح مسلم.(1/78)
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان يسكن في المسجد وهو أحب البقاع إليه وعندما آلى من نسائه شهرا سكن في المسجد وعندما يعتكف وينقطع لعبادة ربه يسكن في المسجد وأصحابه الذين انقطعوا لعبادة الله عز وجل وهم ضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الصفة وكانوا ثلاثمائة وثمانين رجلا لم يكن لهم مأوى إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يسكنون فيه ويتدارسون فيه العلم ويراجعون فيه ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظون فيه القرآن وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكن فيه من مرض من أصحابه ليعوده فقد ثبت أن سعد ابن معاذ لما أصابه سهم يوم الأحزاب بنى له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد فكان يعوده فيها وكذلك كان ينزل فيه ضيوفه الذين هم من حديثي الإسلام كمالك بن الحويرث وأصحابه وكانوا شببة حديثي عهد بكفر فلما أسلموا أنزلهم النبي صبى الله عليه وسلم في المسجد. وكان ينزل فيه الأسرى الذين يطمع في إسلامهم فقد ربط فيه ثمامة بن أثال الحنفي فكان يمر عليه فيعرض عليه الإسلام فيقول: يا محمد إن تمنن علي مننت على شاكر وإن تقتلني قتلت ذا دم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الإسلام ويتجاوزه حتى مر عليه يوما فخرج إلى الحرة فاغتسل فجاء وأعلن إسلامه وكذلك كان صلى الله عليه وسلم الله يحبس فيه السبي فقد حبس فيه سفانة بنت حاتم بن عبد الله الطائي عندما جاء بها علي بن أبي طالب في سبي طيء فمر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المسجد، فقالت: يا محمد مات الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك ولا جعل لك إلى لئيم حاجة فقال: من والدك؟ فقالت: حاتم بن عبد الله الطائي قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم قال: آلفار من الله ورسوله؟! فمن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى جاءت بعدي مسلما، قال عدي: فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فابتسم في وجهي، فما دخلت(1/79)
عليه بعد إلا ابتسم في وجهي، وثنى لي الوساد.
إن النبي صلى الله عليه وسلم إذاً جعل المسجد عاصمة الإسلام فهو بيت مال المسلمين الذي لا يمكن أن تطوله أيدي المختلسين وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر في الليالي الأخيرة من رمضان ببسط البسط في مؤخرة المسجد فيجعل الناس عليها صدقاتهم فإذا صلى صلاة الفجر يوم عيد الفطر جلس إلى ذلك الطعام فأمر به فقسم بين المستحقين فإذا انتهى خرج إلى المصلى فصلى العيد، وكذلك فإن المال الذي جاء من البحرين وكان أكثر مال رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فبسط له بساط في المسجد فجعل عليه فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت إليه ولا ينظر إليه ازدراء للدُنَيَّا واحتقارا لها حتى قسمه في مجلسه ذلك لم يبق منه دينار ولا درهم. وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتخذ المسجد مكانا للجيوش وتدريبها فالأحباش كانوا يلعبون فيه بالحراب ويتدربون عليها وعائشة تنظر إليهم من بين عنق رسول اله صلى الله عليه وسلم ومنكبه فيقول: أشبعت؟ وكانت تطيل النظر وتقول: ما ظنكم بجارية حديثة السن وهي تنظر إلى أمر لم تره من قبل فذلك من استغلال المسجد لتكوين الجيوش وما دامت الجيوش تنطلق من المساجد وتتكون فيها فإن ولاءها سيكون لله ولرسوله ولدينه وللدفاع عن بيضة الإسلام وإذا أخرجت عنها فستذلل وتخيس لأعداء الله من الطواغيت أصحاب الجبروت والسلطان وبذلك تكون حامية للظلم وحامية كذلك للإفساد في الأرض وهي مشاركة لمن يفعل فقد أخرج عبد الرازق في مصنفه بإسناد صحيح عن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه سيعمل عليكم أمراء يظلمون الناس ويكذبون في الحديث فمن أعانهم على ظلمهم أو صدقهم في كذبهم فلن يرد علي الحوض، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عليا وهو نائم في المسجد قد انكشف جنبه فلصقت فيه التراب فمسه برجله وقال: قم أبا تراب، وكان أبو بكر وعمر وعثمان ينامون في(1/80)
المسجد فيجعلون إحدى الرجلين على الأخرى وكان عثمان يرتفق في مؤخرة المسجد إذا جاء ولم يتكامل الناس للصلاة فيجتمع عليه حفظة القرآن فيسألهم عما يحفظون منه كما أخرج ذلك في الموطأ وغيره.
إن هذه المساجد إنما بنيت لذكر الله وإقامة الصلاة وقراءة القرآن كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أراد تعطيلها عن الدعوة إلى منهج الله وسبيله فهو داخل في الوعيد الشديد في قوله تعالى: " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" وقد اجتمع ملأ من قريش بالمسجد الحرام فقالوا: نحن أولى بهذا المسجد من محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى: "وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون" إن أهل الإيمان والتقوى الذين يعمرون المساجد بالسنة هم أولى بالمساجد ممن سواهم وهم أولياؤها وهم أهلها وأما من سواهم فما كان لهم أبدا أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إن الاستهزاء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقراءة القرآن وبالداعين إلى منهج الله سبحانه وتعالى صرح أهل العلم بأنه من الكفر البواح ولذلك قال الشيخ عبد القادر بن محمد بن محمد سالم المجلسي - رحمهم الله -: عُميمَةُ العالم كفر، قال: عميمة العالم كفر، فمجرد تصغير العمامة طعنا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفر البين البواح وكذلك قال ابن هلال رحمه الله في نوازله: إن طلبة العلم يحملون على العدالة فمن طعن فيهم فإنما يطعن في شرع الله فإنهم أمناء رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن في رسل الله كالطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن هذا من ما لا يختلف فيه اثنان وهو منصوص في كتب الفقه كلها وبالأخص في كتب فقه المالكية ولذلك علينا أن نعلن أن الذين يطعنون فيه إنما يريدون أن يخادعوا الناس وأن يجهلوهم بهذا(1/81)
العلم وبما فيه ويريدون بذلك الطعن في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما جعل الله هذا الشرع متدرجا فإذا جاء الطعن في سنة من السنن فإن ذلك إزالة لحاجز عظيم وسور كبير دون بقية السنن فإذا أزيل ذلك الحاجز وصل المهاجم إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى ثم يصل إلى شخصه ثم يصل إلى الكتاب المنزل إليه ثم يصل إلى ربه الذي أرسله جل وعلا وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولذلك نسمع المستهزئين يتمادون في غيهم في هذه الأيام حتى يصلوا إلى تعطيل صفات الله عز وجل وإنكار ما ثبت منها في القرآن والسنة فهم ينكرون الفوقية عن رب العالمين جل جلاله وقد أثبتها لنفسه في ثماني عشرة آية من كتابه وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد كبير من الأحاديث الصحيحة عنه وألف فيها كثير من أهل العلم الكتب الكثيرة فقد ألف الإمام ابن قدامة رحمه الله إثبات العلو للعلي الغفار وألف الإمام الذهبي كذلك رحمه الله كتاب العلو للعلي الغفار فجلبوا فيه هذه النصوص كلها من الكتاب ولسنة ولا يطعن في فوقية الله على خلقه إلا من كان من أهل البدع الذين تسود وجوههم يوم القيامة وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه في قول الله تعالى : " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدعة مصداق ذلك في القرآن قول الله تعالى: " يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين" إن الذين ينكرون صفات الله سبحانه وتعالى ويطعنون فيها يظنون أنهم أعلم بالله من الله أو أنهم أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم. تبا لهم! وخزيا لهم! كيف يتجاسرون على صفات الله عز وجل التي أثنى بها على نفسه و أثنى بها عليه رسوله صلى الله عليه وسلم وأقر بها المؤمنون لله عز وجل. إنهم بذلك يعلنون الحرب على رب العزة الملك الديان الذي السماوات السبع والأرضون السبع في قبضة يمينه يوم(1/82)
القيامة يهزهن فيقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. إنهم يتجاسرون على الملك الديان الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخرج عنه مسلم في الصحيح :" إن الله قيوم لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يرفع القسط ويخفضه يرفع إليه أمر الليل قبل النهار وأمر النهار قبل الليل حجابه النور لو كشف الحجاب عن وجهه لحظة لأحرقت سبحات وجهه ما وصل إليه بصره من خلقه." سبحان الملك الديان. سبحانه وتعالى.
عباد الله، إن الله سبحانه وتعالى إذا خذل المصروفين عن سبيله سيتردون في هذا الإفك المبين وبذلك لا يتورعون عن كذب ولا يكفون ألسنتهم عن قول وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وقال :" إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت". إن الذين لا يستحون من الله سبحانه وتعالى هم الذين يتجاسرون عليه بمثل هذا القول العظيم ويتجاسرون على عباده المؤمنين بالطعن في أعراضهم والكلام فيهم بما ليس فيهم وهم يعلمون أنهم برآء منه وهم أبعد الناس عنه لكنهم إنما يتملقون بذلك ويتخلقون لينالوا عرضا من هذه الدنيا الفانية لا بارك الله لهم فيه وهم يعلمون أنه لن يبارك لهم فيه. إن الذين يتملقون بمثل هذا القول ويتقربون به لأوليائهم وطواغيتهم هم المحقورون المصروفون لا يباليهم الله بالة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: " يؤفك عنه من أفك" ويقول: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق" "وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا" وهم على ذلك يتكلمون في مسائل العلم ويظهرون للناس بالمظاهر الخلابة على أنهم من المحامين عن الكتاب والسنة وعن مذاهب أهل العلم وعن الإمام مالك وعن غيره من أئمة الدين يتخلقون بما تخلق به أسلافهم السابقون وقد أنزل الله فيهم: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد(1/83)
الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه واشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه، إن الذين يدعمون هذه المزاعم الخبيثة وينشرونها في وسائل الإعلام ويتخذون لها كل وسائل الترويج إنما يناطحون صخرة عظيمة تكسر قرونهم ولا يضرون الصخرة شيئا. إنهم يطاعنون صخرة دين الله التي يتحطم عيها الأعداء في كل زمان ومكان وستبقى أبية خالدة لا يضرها هذا الطعان. إنكم تتذكرون أن بعض المستهزئين يزعمون أن الذين يدعون إلى منهج الله بالاعتدال والوسطية الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم يعرفون المعروف وينكرون المنكر يقرون بالحق ولو كان على أنفسهم يدافعون ويصادعون عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولو أدى ذلك إلى قتلهم أو تعذيبهم. إن هؤلاء من المتطرفين ومن الذين يطعنون في الأئمة. ويلكم! هل سمعتم من يطعن في الأئمة على المنابر قط؟؟! إنكم معشر الحاضرين أهل المساجد وأئمتها فهل سمعتم قط من يطعن في الإمام مالك أو فقهه أو مذهبه على منبر من المنابر؟!. هل سمعتم هذا قط؟! إن الذي يقول ذلك إنما هو من المفترين الذين لا يفلحون " إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون".(1/84)
إن الأغرب والأدهى من هذا أن يتطاول بعض عملاء وكالات الأنباء والموظفين فيها فيزعمون أنهم أولى بالإمام مالك من الأئمة والدعاة لو قالوا: "حليبات وغنيمات والطائفة" لصدقناهم في ذلك"، لكن كيف يزعمون أنهم أولى بمالك بن أنس من الذين درسوا موطأه ودرسوا كتبه وكتب أتباعه من بعده ودعوا إليها وعلموها وأفنوا أعمارهم في تعليمها وتعليم غيرها من كتب أهل العلم وهم الذين خدموا العلم وقاموا به وما زالت بقية أعمارهم حكرا عليه إلى أن يتوفاهم الله. إن هذا من البهتان العظيم وقد قال الله تعالى: " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون". إن الله سبحانه وتعالى حذر الناس من الافتراء على المؤمنين وقال تعالى: " ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين" فلذلك من العجيب جدا أن هؤلاء عندما يظنون أنهم أولى بالإمام مالك من أهل السنة الذين هو منهم وهم منه إنما يسلكون طريق اليهود الذين زعموا أنهم أولى بإبراهيم من النبي صلى الله عليه وسلم فكذبهم الله في سورة آل عمران وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم : " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والله ولي المؤمنين". كيف يكون من يعطل صفات الله وينكرها أولى بمالك من أهل السنة؟! كيف يكون من يهزأ بالسنن الفعلية التي رواها مالك وغيره من الأئمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به من أهل السنة؟!! كيف يكون أولى كذلك باتباع مالك من الذين ينقلون كتبهم ويدرسونها ويدرسون أدلتها معها؟ ! إن الذين يزعمون أنهم أولى بخليل بن إسحاق رحمه الله من أئمة المسلمين وطلبة العلم والدعاة إلى منهج الحق إنما هم من المفترين. كيف وهم يناقضون ما قاله خليل ولم يدرسوه يوما من الأيام ولا عرفوه. إن خليل(1/85)
رحمه الله تعالى ختم كتابه في الفقه المالكي بكتاب الجامع وختم كتاب الجامع بقوله: " ولا يجوز أن تعارض السنن برأي ولا قياس ولا يعرف عن أحد من علماء المدينة رواية خبرين اختلفا لقائل إنما يروى الذي عليه العمل".
إن هذا رد من خليل بن إسحاق رحمه الله على هؤلاء المتملقين المتقولين الكاذبين وإن هؤلاء الذين يزعمون كذلك الولاية للإمام أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني يعلمون أنه أثبت في مقدمة كتابه ( الرسالة) في عقيدته : " وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه" فمن أنكر ذلك فكيف يكون أولى بابن أبي زيد من أهل السنة والجماعة السالكين لطريق الحق وكذلك يزعمون أنهم أولى بالأخضري رحمه الله من هؤلاء وهم لم يدرسوا ما قاله الأخضري، فمختصره المفيد يقول في مقدمته: " أول ما يجب على المكلف تصحيح إيمانه ثم معرفة ما يصلح به فرض عينه كأحكام الطهارة والصلاة والصيام.." وهؤلاء لم يفعلوا ذلك فلم يصححوا إيمانهم فهم يخالفونه في أول قول قاله. وكذلك فإنه يقول في هذه المقدمة:"ولا يحل له أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء" وهؤلاء لا يفعلون ذلك فهم يخالفون في قوله فكيف يكونون أولى به. إن هذا من التناقض البين ومن الافتراء والكذب على الأئمة ولا ينطلي إلا على جاهل بهؤلاء الأئمة وبما قالوه ولذلك لا بد أن نعلم أن مالكا وأتباعه كان من صريح مذهبهم الدعوة إلى الحق والسنة والسعي في سبيل ذلك فإن مالكا رحمه الله جلد سبعين سوطا في الدفاع عن السنة وعندما حمله أمير المدينة على حمار كان كلما مر به على ملإ يقول: من كان يعرفني فقد عرفني ومن لم يكن يعرفني فأنا مالك بن أنس ألا لا طلاق في إغلاق ألا وإن أيمان البيعة باطلة وهو يجلد ويؤدب ومع ذلك يصمد على طريق الحق وغير مستغرب من الإمام مثل هذه المواقف الناصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي لم يلبس النعال في المدينة احتراما لرسول الله صلى الله(1/86)
عليه وسلم وهو الذي عندما سأله قاضي المدينة عن حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق قال: من هذا الذي يسأل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق اجلدوه عشرين سوطا فجلده عشرين سوطا ثم رحمه فدعاه إلى بيته فأجلسه في مجلسه وطيبه من طيبه ثم حدثه عشرين حديثا فقال القاضي ليته جلدني مائة جلدة فحدثني مائة حديث. إنه لا يستغرب منه مثل هذا الموقف لذلك فإن الذين يزعمون أن الأئمة السابقين كانوا من المداهنين ويتمثلون بما حصل في أيام الحجاج ويزعمون أن أهل العلم سكتوا عما فعل إنما هم من الكاذبين المفترين الذين يخيلون إلى الأمة ما لا يمكن أن يقره عقل ولا خبر فأنتم تعلمون أن الحجاج لما ظلم وأظهر ظلمه في العراق خرج عليه علماء المسلمين جميعا وقاتلوه منهم عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ختم الحجاج في عنقه بالنار ومنهم الإمام عامر بن شراحيل الشعبي إمام التابعين ومنهم الإمام سعيد بن جبير إمام من أئمة التابعين من أصحاب ابن عباس ومنهم قتادة بن دعامة السدوسي إمام من أئمة التابعين ومنهم إبراهيم النخعي وقد مات في ملجئه مختفيا من الحجاج وكذلك فإن الإمام مالكا رحمه الله أفتى أيضا حين ظهر الفساد في المدينة بالخروج مع محمد النفس الزكية عندما كان في المدينة يدفع الباطل وكان محمد هذا من خيرة علماء المدينة من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن هؤلاء الكاذبين يزعمون أن الداعين إلى منهج الله والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ينتهجون نهج الخوارج وأنتم تعرفون أن الخوارج هم فرقة من الفرق الضالة التي ظهرت في بداية هذه الأمة وقد خرجوا على أئمة الإسلام وخلفاء المسلمين بالسلاح وقاتلوهم فقتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمؤمنون معه وسلك سبيلهم بعض المفتونين من بعدهم فكيف يكون من لم ير سلاحا إلا عن بعد ولم يباشره(1/87)
بيده قط يعد من هؤلاء وإن هؤلاء إنما يبنون خروجهم على نحلة وعقيدة وهي التكفير بكل ذنب وهي أن الإمامة ليست مختصة بقريش إلى آخر نحلهم وما هم عليه من الاعتزال وإنكار صفات الله سبحانه وتعالى والمنزلة بين المنزلتين والعدل والتوحيد وغير ذلك من المبادئ التي أعلنوها فالذين يزعمون أن الذين يدعون إلى سبيل الحق من هؤلاء الخوارج إنما هم كذابون، مفترون، يخادعون الناس وهم مبطلون، والغريب أن هؤلاء يتجاسرون حتى على مذهب أهل السنة فيطعنون في مذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، فلذاك تسمعهم يتكلمون عن المذهب الوهابي، ما هو المذهب الوهابي؟!! إنه مذهب أمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل شيخ الطائفتين وإمام المحدثين وإمام أهل السنة جميعا الذي قال فيه الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث رحمه الله : " إن موقف أحمد في الفتنة كموقف أبي بكر في الردة صمد على دين الله وصبر على أذاه في سبيل الله ثماني عشرة سنة وهو في السلاسل والحديد وقد جلد خمسمائة سوط فلم يرده ذلك عن السنة التي يدافع عنها فالذين يطعنون في مذهبه إنما يريدون تحطيم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهيهات أن يتحقق لهم ذلك.
عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، اللهم صل وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.(1/88)
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين اللهم أنزل رجزك وبأسك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم آية وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين يا ذا القوة المتين، اللهم عليك باليهود ومن هاد إليهم والنصارى ومن ناصرهم والشيوعيين ومن شايعهم، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام بسوء فاشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره واجعل دائرة السوء عليه وأنزل به المثلات وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أدخله في ردغة الخبال وسل عليه سيف الذل والوبال وأرنا فيه عجائب قدرتك وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين وأرنا فيه عجائب قدرتك وأنزل به الفضيحة العاجلة يا قوي يا عزيز. اللهم من عادى أولياءك ووالى أعداءك فأنزل به القوارع وأرنا فيه سريع أخذك وعاجل عقوبتك وسريع فتتك يا قوي يا عزيز. اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وشل أركانه وأخرس لسانه وهدم سلطانه وشتت أعوانه ولا تبق له باقية يا قوي يا عزيز. اللهم اجعله أثرا بعد عين، اللهم اجعله أثرا بعد عين، اللهم اجعله أثرا بعد عين. اللهم اجعل ذلك نصرة للإسلام والمسلمين يا أرحم الراجمين. اللهم إن بالعباد والبلاد والخلائق والبهائم من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا السهل(1/89)
والجبل، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء سعة وسائر بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك وأقام منهجك ولم تأخذه فيك لومة لائم واجعل المال في أيدي أسخيائنا، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا واختم بالحسنات آجالنا واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. يغفر الله لنا ولكم.
خطبة الشيخ الددو في السجن يوم 25/07/2003
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة.(1/90)
عباد الله، إن مما حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه وبين أضراره ما يتعلق بالنفاق فإن الله سبحانه قسم الذين خذلهم عن سبيله إلى قسمين، إلى كفار ومنافقين، والنفاق ينقسم إلى قسمين: نفاق عقدي وهو أن يظهر الإنسان الإيمان ويبطن الكفر وأصحابه تحت الكفار يوم القيامة : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، وإلى نفاق عملي وهو أن لا يفي الإنسان لله بما عاهده عليه وقد قال تعالى: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. وقد جاء كثير من النصوص في هذا النوع من أنواع النفاق وحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أضراره فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أوتمن خان، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا أوتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر. إن هذا النوع من النفاق يخافه صلى الله عليه وسلم على أمته فقد أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يقول: إيماني على إيمان جبريل وميكائيل وما منهم من أحد إلا وهو يخاف النفاق على نفسه، وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يسأل حذيفة فيقول: يا أبا عبد الله أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين وهم يعلمون أنهم لا يدخلون في النفاق العقدي ولكنهم يخافون النفاق العملي على أنفسهم وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم خفاء هذا النفاق وخطره فبين أنه أخفى من دبيب النمل فلذلك كان الصحابة يخافونه على أنفسهم خوفا(1/91)
شديدا وخافه جلة هذه الأمة من بعدهم. إن هذا النوع من النفاق هو الذي كان مالك يخافه على نفسه وحذر منه في كتابه إلى الليث بن سعد. وإن هذا النفاق كثيرا ما يحصل في هذه الأمة وهو مستشر فيها مستمر فعلينا جميعا أن نخاف هذا النفاق على أنفسنا ونتلمس مظاهره وعوارضه حتى نعالجها إن وجدنا بعضها في أنفسنا وحتى نراها في غيرنا، حتى ندرك نعمة الله علينا إذ أنجانا من بعض هذه الظواهر. فمن مظاهر هذا النفاق أن يبيع الإنسان آخرته بدنيا غيره فيكون أحرص على دنيا غيره منه على آخرته هو، فيقدم لذلك الغير القرابين التي تعينه على ظلمه في هذه الحياة وعلى فجوره وعدوانه وبذلك يبيع هو آخرته بدنيا غيره فيكون بذلك أشقى الناس، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، فالناس جميعا تجار يغدون إلى السوق فبائع نفسه لله فمعتقها من عذاب الله أو موبقها في نار جهنم نسأل الله السلامة والعافية، ومن مظاهر ذلك اتخاذ الكذب ذريعة لنصرة الباطل فإن الكذب من صفات المنافقين كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث السابقة وأعظم الكذب الكذب على الله وقد عده سبحانه وتعالى من أكبر الكبائر فقال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كذلك خطر الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية مائتين من أصحابه أنه قال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن كذبا علي ليس ككذب على أحد فمن قال علي ما لم أقل فليلج النار وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، وهذا يشمل القول والتشريع كله فإن التشريع كله من عند الله.(1/92)
إن الحكم إلا لله. قل أفغير الله أبتغي حكما. وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله، فالحكم لله الواحد القهار ومن أجل ذلك فكل إباحة أو تحريم من دون الله بما لم يشرع الله فهي قول على الله بغير علم وقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالافتراء والكذب وهي سلوك لطريق النفاق والذين يشجعون ذلك ويتعمدونه لا بد أن يخذلهم الله في الدنيا والآخرة. وقد أخذ الله العهد على الذين آتاهم هذا العلم أن يصدقوا فيه وأن لا يكذبوا فقد قال تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون، فأولئك قد اشتروا بما يقولون ثمنا قليلا فكذبوا على الله عز وجل وأحلوا ما حرمه الله وحرموا ما أحله وكذبوا على رسل الله فتوعدهم الله بهذا الوعيد الشديد وبين خسرانهم وأن الله لا يتقبل منهم صالح أعمالهم وهذا الخذلان الذي توعد الله به من يكذبون عليه ويحلون ما حرمه ويحرمون ما حلله، ومن مظاهره أن يسلكوا طريق المشركين الذين طردهم الله عن بابه وسلك بهم طريق النار.(1/93)
إن طريق المشركين بين في كتاب الله وأنتم تعلمون أن الذين يسلكون هذا الطريق يظهر عليهم سلوك طريق المشركين في كثير من الأمور البادية للعيان فمن ذلك أنهم يحلون بعض الأمر فينسبونه إلى الله فلا يجعلونه متناولا بالأحكام الشرعية وهذا طريق المشركين كما قال تعالى: وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون. إن هذا الطريق قد سلكه كذلك أتباع النصرانية، أتباع ماركز عندما انحرفوا عن ملة المسيح بن مريم عليه السلام فزعموا أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله وتناقضوا فلم يحددوا ما لقيصر وما لله: فاصطلحوا أن ما لقيصر هو ما غلب عليه وأن لله ما سوى ذلك فلم يتركوا لله إلا المتردية والنطيحة وما أكل السبع وما لا خير فيه، نسبوا كل ما يحتاج الناس إليه في أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة وغير ذلك إلى قيصر وأخرجوا ذلك من متناول أحكام الله عز وجل وهذا النوع كثير، يحصل في المنافقين في هذه الأمة إذا سلكوا هذا الطريق فيخذلهم الله فيتردون في طريق المشركين والنصارى فيقسمون الأحكام والأمور إلى قسمين: إلى ما يرجع فيه إلى فتوى الشرع تؤخذ فيه الأحكام من أهلها وما لا يرجع فيه إلا إلى أقوال الظلمة والطغاة. وهذا النوع لا شك إلحاد في الدين وتفريق بينه وهو من خذلان الله سبحانه وتعالى للسالكين لطريق النفاق، وكذلك من خذلان الله تعالى للسالكين لطريق النفاق ما يقعون فيه من التنقاضات الجلية التي يطلع عليها القاصي والداني فهم يكذبون أنفسهم ويعلنون براءتهم من الكذب ويردون على المخالفين للحق ويجلبون النصوص الثابتة في لعن من حرف كتاب الله ومن حرف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وضع الكلام في غير مواضعه، يجلبون النصوص التي تدينهم وتلعنهم رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. ومن مظاهر هذا الخذلان كذلك أن الله سبحانه(1/94)
وتعالى يصرفهم عن أوليائه والداعين إلى سبيله فإذا أرادوا أن ينتقصوهم سموهم بأسماء لا تنطبق عليهم ووصفوهم بأوصاف لا يتصفون بها كما كان المشركون يفعلون، فإنهم كانوا يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصرفهم الله تعالى عنه فإذا أرادوا أن يسبوه سبوا مذمما والنبي صلى الله عليه وسلم محمد لا مذمم ولذلك فإن هجاءهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لمذمم فبرأ الله منه رسوله صلى الله عليه وسلم وصرفهم عنه وكذلك هؤلاء إذا أرادوا أن ينتقصوا أهل الله عز وجل ينتقصون الذين يكفرون الناس والذين يتطرفون فهم يشنون الغارة الشعواء على المتطرفين والإرهابيين وغيرهم فيصرفهم الله عن أهل الحق فإنهم لا يتصفون بهذه الصفات ولا يتسمون بهذه الأسماء فهم أبعد الناس عنها وعن مظاهرها لكن ذلك من خذلان الله للمنافقين فتقع رمايتهم في غير محلها وتطيش سهامهم فلا تصيب أهدافها وهذا من سنة الله سبحانه وتعالى في الدفاع عن المؤمنين وقد قال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور، وكذلك فإن من مظاهر النفاق أولئك الذين يتشبثون بالظلمة الذين يشكون حالهم إلى أنفسهم وإلى من حولهم فهم في أضيق أحوالهم وأشدها ولا يستطيع أحد منهم أن يقوم بشؤون نفسه بل إنما حالهم ما بينه الله تعالى في كتابه: يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره. ضعف الطالب والمطلوب. إن الذي يتقربون إليه ويتوسلون إليه بما لا يعلم ويزينون له الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم مشغول عنهم ويمكن أن لا يسمع ما يقولون وأن لا ينتفع به بحال من الأحوال. وهذا من مظاهر خذلان هؤلاء.(1/95)
وكذلك من مظاهر خذلانهم ما يقعون فيه من التناقضات الأخرى فإنهم يدعون إلى التشبث بما أدركوا عليه أسلافهم وآباءهم من الدين ويرون أن كل ما ليس كذلك فهو مردود على صاحبه ولا يمكن أن يكون من الإسلام في شيء ثم نجدهم يدعون إلى تنظيم المساجد وإلى تنظيم غيرها من الأمور وإلى سن القوانين التي لم يدركوا عليها آباءهم ولا هي مما أدركوا الناس عليه بوجه من الوجوه فهذا التناقض ظاهر للعيان لو كانوا صادقين لدعوا إلى التمسك بما كان عليه آباؤهم فقط ولم يدعوا إلى هذه التنظيمات المخترعة والقوانين التي لم ينزل الله بها من سلطان وهي بعيدة عن دين الله كل البعد بل الأغرب من ذلك أن ينسبوا تلك القوانين وتلك التنظيمات إلى الفقه الإسلامي الصحيح الذي عليه الأدلة من الكتاب والسنة وهو محفوظ بحفظ الله عز وجل فإن حفظ الله لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يشمل هذا الفقه إلى يوم الدين فلا يمكن أن يتقول أحد على الله ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم إلا فضحه الله بالكذب قال عبد الله بن المبارك رحمه الله: لو هم رجل بالليل بالصين أن يضع حديثا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصبح الناس ببغداد يقولون: فلان كذاب وضاع وهذه اتصالات الله عز وجل فتنقل الأخبار في الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة من الصين إلى بغداد فيصبح الناس يتحدثون: فلان كذاب وضاع وذلك أن يكشف الله عنهم ستره ويعمم خذلانهم على الأرض فيفتضحون أمام الناس جميعا. إن هذا النوع من التناقض يستغرب العاقل خروجه من أفواه المفكرين ومن أفواه الذين ينتسبون للثقافة والدراسة، لكن إذا تذكرنا خذلان الله سبحانه وتعالى لأعدائه وما يقعون فيه من التردي هان علينا ذلك وسهل فإذا علمت الأسباب بطل العجب. وكذلك من مظاهر هذا الخذلان أن الذين يسلكون هذا الطريق يزلون زلات لو راجعوا فيها أنفسهم لعرفوا أنها خطر عليهم فنجد بعضهم يقول إن أصول الفقه الإسلامي(1/96)
تضمنت أن يقتل الثلث لإصلاح الثلثين، ماعلاقة أصول الفقه بهذا الكلام السخيف؟؟!! ومن أين جاء به؟؟!! إن هذا الكلام من كلام الفاشية المتطرفة الإرهابية ومن كلام الألمان عندما أرادوا التخلص من اليهود بأوروبا في أيام هتلر فهذا الكلام هو الإرهاب وهو التطرف ولا علاقة له بديننا ولا بفقهنا ولا بأصول الفقه، ليس له ذكر في أصول الفقه أصلا فذلك إنما هو من خذلان الله لمن يتكلم على الله بغير علم فيقع في مثل هذه الزلات العظيمة التي يمكن أن تطبق عليه هو فليس هو بمنأى عن ذلك وإذا حوكم إلى قوله فسيقع في ما وقع فيه صالح بن عبد القدوس فإنه جاء إلى المهدي فلما وقف بين يديه قال: إن الشيخ كبير قد وصل إلى دقاقة الأعناق وإن توبته مقبولة فلما أدبر دعاه فاستنشده قصيدته السينية فأنشدها بحماس فلما وصل إلى قوله:والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
فقال : يا حرسي ضع له رأسه في يديه فقد حكم على نفسه.(1/97)
إن الكذب على الله سبحانه وتعالى مظهر من مظاهر النفاق والخذلان وأصحابه لا يفلحون بحال من الأحوال والذين يفترون على الله الكذب لابد أن يفتضحوا على العيان ولا بد أن يظهر ذلك للناس جميعا ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الذين يسلكون طريق الغواية إنما يستعملهم الله في أخس الأمور، فأنتم تعلمون أن بعض الناس يوظفون في تنظيف المساجد وبعض الناس يوظفون في تنظيف الشوارع وبعض الناس يوظفون في تنظيف الكنف وغير ذلك وهؤلاء لم يوظفوا إلا في ما هو أخس من تنظيف الكنف حين سلطهم على أنفسهم فجعلوا من أنفسهم أخس من النعال التي يمتطيها الظلمة ويتوصلون بها إلى طغيانهم وبغيهم ومخالفتهم لشرع الله وهذا طرد عن باب الله وحجب عنه بالكلية: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم. الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه واشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه، عباد الله، إن الناس في العذر بين يدي الله سبحانه عز وجل ليسوا سواء فمن كان شابا فليس مثل الشيخ الفاني ومن كان ضعيفا فليس مثل القوي ومن كان غنيا فليس مثل الفقير فلذلك يعذر من كان جاهلا ولا يعذر من كان صاحب ثقافة وعلم ويعذر من كان ضعيفا ولا يعذر من كان قويا ثم إن ارتكاب المحرمات كذلك يتفاوت الناس في العذر فيه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ملك كذاب وأشيمط زان وعائل مستكبر: أي فقير متكبر، نسأل الله السلامة والعافية، فهؤلاء أدعى لئلا يقعوا في ما وقعوا فيه، فكبير السن الذي لم يبق من عمره إلا القليل وقد تزود من هذه الحياة بكل متعها وبكل ما فيها أبعد(1/98)
عن العذر بين يدي الله لأنه قد خاض التجارب كلها حلوها ومرها وعرف ما فيها فعلام يتعب في بقية عمره، أيريد أن تزيد كفة سيئاته قبل أن يموت وهو بذلك بتدارك بقية عمره ليرجح كفة سيئاته على كفة الحسنات إن كان فيها شيء وهذا لا شك أبعد عن الله سبحانه وتعالى وعن محبته وسبيله فلذلك لا بد، عباد الله، أن نتذكر أن بقية أعمارنا علينا أن نحسن فيها وأن نعلم أن من لم يحسن في بقية عمره فهو مخذول مصروف عن الطريق وقد صح عن النبي صبى الله عليه وسلم في السنن أنه قال: بادروا بالأعمال ستا فهل تنتظرون إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر. إن الذين تقلبوا في المناصب وأخذوا حظهم من الحياة وهم يريدون زيادة كفة السيئات قبل الموت هذا دليل واضح أن الله خذلهم فسلك بهم ذات الشمال ولم يسلك بهم طريق الجنة بحال لأنهم لا يزالون يزدادون من الله بعدا ولا يزالون تقوم عليهم الحجة بعد الحجة وهم معرضون عن حجج الله لا يلقون لها بالا ولا يتذكرون الموقف بين يدي الملك الديان ولا يتذكرون أن أعمالهم كلها ستعرض عليهم ويقرؤونها عيانا على رؤوس الخلائق أجمعين، إن هؤلاء يعلمون لا محالة أنهم سيوقفون في ذلك الموقف لكنهم ينسون ذلك أو يتناسونه عندما يخذلهم الله فيقعون في هذه الهنات ولذلك فإن من يتذكر وقوفه بين يدي الله وقراءته لطائره وهو يحمله في عنقه وإشهاده للخلائق جميعا على ما جنته يداه، من يتذكر ذلك لا يمكن أن يتردى في مثل هذا الوحل ولا أن يقع في أتون هذا الحضيض النائي البعيد المبعد عن الله عز وجل، بوجه من الوجوه. ولذلك، عباد الله، علينا أن نخاف على أنفسنا النفاق وأن نحذر مظاهره كلها وإذا رأينا من يتصف بها علينا أن نحمد الله حين صرف ذلك عنا وعلينا أن نذكر إخواننا من المؤمنين جميعا بخطر هذا النفاق واستشرائه وانتشاره في الناس وعلينا أن نذكرهم بتفاوت الناس في(1/99)
العذر بين يدي الله وعلينا أن نذكرهم كذلك أن الذين يسمعون الكذب ولا ينكرونه شركاء للكاذبين فيما يقولون وقد وصف الله المنافقين بأنهم سماعون للكذب أكالون للسحت فالذي يستمع إلى هذا الكلام ويستحليه مشارك لصاحبه فيه ولذلك فإن الذين يهيئون لذلك ويعلنونه وينشرونه هم من المشاركين في الكذب الذين باعوا أنفسهم في الباطل وتردوا في هذا الوحل وهم فراش لأولئك الآخرين في طريق النار نسأل الله السلامة والعافية.
عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريم: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، اللهم صل وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.(1/100)
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بكل شيء تحب أن تحمد به على كل شيء تحب أن تحمد عليه، لك الحمد في الأولى والآخرة، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين اللهم أنزل رجزك وبأسك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم آية وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين يا ذا القوة المتين، اللهم عليك باليهود ومن هاد إليهم والنصارى ومن ناصرهم والشيوعيين ومن شايعهم، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام بسوء فاشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره واجعل دائرة السوء عليه وأنزل به المثلات وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أدخله في ردغة الخبال وسل عليه سيف الذل والوبال وأرنا فيه عجائب قدرتك وأنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين وسلط عليه كلبا من كلابك يا قوي يا متين. اللهم ووفقنا لما يرضيك عنا وخذ بنواصينا إلى الخير أجمعين، اللهم إنا نعوذ بك من النفاق والشقاق وسوء الأخلاق. اللهم كن المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين، وفك أسرنا وأسر المأسورين من المسلمين في كل مكان يا أرحم الراحمين، اللهم إن بالعباد والبلاد والخلائق والبهائم من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا السهل والجبل، اللهم أنزل لنا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض، اللهم ارفع عنا الغلاء(1/101)
والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء سعة وسائر بلاد المسلمين، يا أرحم الراحمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك وأقام منهجك ولم تأخذه فيك لومة لائم واجعل المال في أيدي أسخيائنا، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا واختم بالحسنات آجالنا واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. يغفر الله لنا ولكم.
تحية للشيخ محمد الحسن ولد الددو...حفظه الله
بقلم : أحمد أبو المعالي شاعر موريتاني مقيم بالإمارات
تعرض الشيخ محمد الحسن ولد الدوو لمضايقات أمنية في كافة مناطق وطنه الصغير ،وبهذه المناسبة أنشر هذه الأبيات التي رأت النور قبل فترة لكنها تنشر إعلاميا لأول مرة .
انثر زهورك في مقام الفاضل
وانشد قصيدك في الإمام العامل
فهو الحري بأي بحر سائر
وهو القمين بأي حبرسائل
"شيخ "فتى "ألف العلاء معللا
بفضائل وفرائض ونوافل
بدر تلألأ بالهدى فتهللت
أنواره بمصابح وقنادل
تزهو إذا الظلماء جن جنونها
وتكونت سجفا كموج الساحل
فلكم هدى بالنور ليل ضنى وسا
ئلة عن الدرب القويم وسائل
للحق بوح شجونه وهمومه
لله نشوته بزهق الباطل
حلقاته شرفا لها معمورة
بموالك وشوافع وحنابل
تترى إلى الخيرات تمرع خطوها
لاتنثني بتعرج وفواصل
أ"محمد الحسن "الهمام سلامنا
مسك تضمخ بالغمام الهاطل
لازال طالعكم بيمن دربه
يمري السعود ببارق وبوابل
إنا نحيي "المؤمنين" و"أمهم"
ونبثها عبر الحمام الزاجل
التحايا تزفها النسمات .. ترحيب بالشيخ محمد الحسن بن الددو(1/102)
بقلم الشاعر محمد المختار بن أنيه اليعقوبي
التحايا تزفها النسمات
والأماني منسابة عطرات
تغمر الساحة التي عمها
البشر لديها لذلكم بينات
ساحة حين جئتها بك تاهت
فلها السوح كلها حاسدات
حيث فاحت بطلعة الشيخ أذكى
عرف طيب أنسامه نفحات
نفحات من العلى والمعالي
زانها الصبر والتقى والثبات
ومن العلم زاخر ومن الخل
ق عظيم جذوره طيبات
مرحبا ثم مرحبا لا تلمنا
إن تعالت من صوتنا النبرات
فحرٍفيك أن يصاغ قريض
تنضح اليوم بالقريض جهات
طال شوقي إلى لقائك حتى
أغرقتني لسجنك العبرات
وتمنيت لو يكون بوسعي
حيلة مثلما يفدى الأباة
أحمد الله أن غدوت طليقا
أنت والسادة الكرام الهداة
من هم القوم في الحقيقة من هم
لبناء الهدى هم اللبنات
كلهم فيه حكمة واقتدار
وطموح وعزة وأناة
حسن السعي لا برحت إماما
تغمر الناس سحبك الهطلات
ومن الأرض ما تشا فتبوأ
لم تضع قط للهدى حسنات
وانشر العلم حيث شئت عطاء
أنت للعلم منبر وأداة
…
محمد الحسن اسلم للورى قمرا
للشاعر/ الشيخ محمد يحي ولد سيد أحمد ابن اللوه المجلسي
محمد الحسن اسلم للورى قمرا
تنزاح بالعلم من إشراقه الظلم
تزيح بالسنة البيضا دجى بدع
كما يزيح سواد الظلمة الجلم
شيخ المعارف لازالت محامدكم
كالشمس رأد الضحى مادونها قتم
عاشت بخير بلاد أنجبتك ولا
زالت كما ينبغي تهمي بها الديم
وعاد للشرد أهلوها يزينهم
دين قويم وحسن الخلق والشيم
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
بآخر البيت بالتسليم متسم
نظام أمرهم بالدين مرتبط
ضلت إذا خالفت شرع علاالنظم
ولم ولن يصلح الله الغفات لها
وإن عموا وعراهم للأهوى صمم
وللمساجد دور بارز فبه
أمور أهل الهدى تنتظم
بالله عمارها بالذكر أنهم
بالعلم والذكر فيها للورى قمم
لم تلههم يالهم عن ذكر ربهم
تجارة لا ولا بيع ولا نعم
من دورها أنها للعلم جامعة
لها على غيرها من فضلها شمم
لهاعلىدورهاالمعروف حرمتها
والعلم مثل ذويه للغرم محترم
بذا شريعةرب الناس قد حكمت(1/103)
والمومن البرمن بالشرع يلتزم
ففوزنا باقتفا خير الأنام ومن
لم يلتزمه فقد زلت به القدم
من يطلب العز بالإسلام فازبه
وإلا ففي حمأة الخسران يلتطم
شيخ العلوم فتاها وابن مجدتها
أهلا وسهلا تقفت مرحبا بكم
حمدا وشكرا لمن فضلا بعودكم
قد من والفضل منه اعتيد والكرم
أهدي إليكم تحياتي وتهنئتي
بعودكم ولربي الحمد والنعم
وحاق مكر الذي سوء يسومكم
به وحلت به الآفات والنقم
أنشدت فيكم وخير القول أصدقه
ما قاله ابن الحسين الشاعرالعلم
"المجد عوفي إذا عوفيت والكرم
وزال عنك إلى أعدائك الألم
وما أخصك في أمر بتهنئة
إذا سلمت فكل الناس قد سلموا"
بالعارف ابن الددو شنيط فافتخري
لما حباك به فلتشكري الحكم
ومرحبا بالفتى الشيخ السني وبه
أهلا وسهلا وبالترحيب أختتم
صلى الإله على الهادي وسلم من
قد طاب مبتدأ منه ومختتم
إلى شيخنا الددو
الشاعر التقي ولد الشيخ
صدى في الخافقين له ذهاب
وذكر لا يسد عليه باب
وعلم للشيوخ به انتفاع
وتسليم ويطلبه الشباب
وقافلة تسير إلى المعالي
ولا تنفك تنبحها الكلاب
لئن سجنوك يبغون انخفاضا
لقدرٍ في النفوس له انتصاب
لقدفازت مخافرهم بفضل
تمنته المنابر والرحاب
فكنت الغيث عمهم نداه
وكنت البدر هالته الصحاب
تطهر من أذى التبشير سجنا
ابن به وباض الاستلاب
وتغمر جانحيه و قاصريه
وزائره سجاياك العذاب
ألا ياشيخنا الددوي عذرا
فان نفوسنا المرضى خراب
فما بالعيش فينا كنت منا
ولكن معدن الذهب التراب
وصبرا يا صحاب الشيخ صبرا
فأنتم في عيون القوم صاب
غدت وثباتكم كابوس رعب
لهم وثباتكم لا يستطاب
ولو درسوا انقلابهم مليا
لكان لهم إلى الحق انقلاب
أصابتهم سهام داميات
مع الأسحار كان لها انصباب
فمن لم تصمه أشوته منهم
فكلهم بصائبها مصاب
وكم ملآت وطابهم الاماني
بأمن منه قدصفر الوطاب
ولاوالله مافي السجن عار
ولافيه لاهل الفضل عاب
تزيدهم مآسيه ثباتا
وتعجم عودهم فيه الصعاب
وعرف العودلولالفخ نار
لما في الانف كان له هباب(1/104)
كذاك السيف يوضع في قراب
فهل من حده حدالقراب؟
وكم حجب الظلام الشمس عن
فهل أزري بطلعتها الحجاب؟
فبشري ان نصرالله آت
فبعد الجدب والسنة السحاب
وان الصبح خلل الدياجي
له مهما تطاولت انسياب.
ومضات من رحلة الشيخ محمد الحسن الددو الدعوية
بقلم : محمد غلام ولد الحاج الشيخ
رحلات الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو إلى جهات الوطن المختلفة غدت موسم خير وبركة ينتظرها المواطنون في الأماكن المزورة بفارغ الصبر ، حيث يسدون جوعتهم للعلم والدعوة في آن واحد ، يقوم الشيخ المبارك خلال الزيارات بإلقاء الدروس والرد على المستفتين .
رحلة طريق الأمل السنوية - في موسم الخريف - أضحت عرفا لا غنى عنه لسكان المناطق الشرقية ، وكعادة الشيخ هذه السنة ذهب في رحلته التي أراد لها أن تكون عادية إلا أن الظروف السياسية جعلتها استثنائية شعبيا ورسميا، فالمواطنون استقبلوا الشيخ استقبالا استثنائيا أعدوا فيه الظروف للمهرجانات الخطابية ، والدولة من ناحيتها بلغت من ضيق الصدر والحساسية ما دفعها لمنع الشيخ من التدريس ومضايقته رسميا ، وهذه " تحليقات" سريعة في أجواء هذه الزيارة واستعراضا بشيء من الإيجاز لأبرز محطاتها .(1/105)
خرج الشيخ مع مرافقيه في ساعة متأخرة من يوم الإثنين 29/9/2003م وكان مقررا أن تكون أولى محطاته في "أغشوركيت" إلا أن تحركا نشطا من حيتان الحزب الجمهوري بث إشاعات بأن الزيارة ستؤثر على وحدة النسيج الاجتماعي للقرية ، ففضل الشيخ تجاوزها وإعطاء وقتها لأهل "آجوير" خصوصا مجموعة "أولاد دمان" وكانوا لوفد الشيخ مضيافين كرماء ، وصلهم الوفد في ساعة متأخرة حوالي 11 ليلا ، ولم يمنعهم الوقت المتأخر من إقراء الضيوف كما لو كان الوقت ضحى ، وما إن أسفر الصبح حتى أقلبت علينا قداح الحي المملوءة لبنا حلب لتوه ، بعد الإفطار توجه الحي رجالا ونساء إلى المسجد وألقى الشيخ الدرس الذي أفاد فيه وأجاد ، فحرك النفوس وغذى العقول واتعظ الحاضرون ، وبعد الرد على الأسئلة كان الدعاء المؤثر والوداع الحار ، وانطلق الموكب نحو "ألاك" حيث كان الاستقبال - الذي لا يقل حرارة عن سابقه - من الشباب المتقد حماسة وترحاباً ، وبعد استراحة قصيرة ، تم فيها تقديم الضيافة على أكمل وجه ، توجه موكب الشيخ إلى المسجد ضحوة ليفاجأ به قد اكتظ بالحاضرين الذين غلب عليهم عنصر الشباب ، ألقى الشيخ الدرس علمياً جنياً وموعظة صادقة ذرفت منها العيون وخشعت القلوب
ولم يكن هنالك ما يعكر الصفو سوى مجموعة من الشرطة والعساكر يتحلقون في باحة المسجد يتصلون برؤسائهم وينقلون لهم أجواء سير المحاضرة مبدين استعداداهم لإيقافها عند أول أمر
بعد انتهاء المحاضرة واستعداد الموكب للإنطلاق وفد إلى الشيخ وفد من أربعين شاباً يعلنون استنكارهم لموقف بعض المسؤولين في قريتهم "أقشوركيت" ويبرأون ممن يقف في طريق الشيخ والدعوة ، فقبل الشيخ اعتذارهم وواصلنا المسير .
قبل وصولنا إلى مقطع لحجار كان ترحاب أسرة المجد التليد والكرم الأصيل يرافقنا بالهاتف ويسألون أين وصلنا ويدلوننا على البيت الذي دلت عليه خصال أهل عبد الدايم .(1/106)
كان المسجد مكتظاً بالمصلين ساعة وصولنا فتقدم أحد مرافقي الشيخ ليحدث المستمعين فى انتظار أن يستريح الشيخ الذي أعياه الصداع و بعد صلاة العصر حضر الشيخ المبارك فتهللت وجوه الحاضرين الذين كانوا ينتظرون غيث مواعظه الذي انهمر على قلوبهم فلانت لذكر الله وما نزل من الحق ، واستمر الدرس وإجابة الأسئلة إلى ما قبل صلاة المغرب حيث ودعناهم وتوجهنا إلى قرية "الشلخ" التي تبعد 30 كلم من "مقطع لحجار" ومما ميز الطريق مهارة دليلنا الأستاذ ملاي ولد ابراهيم الذي كان يطير ويتوثب بسيارة "بينز 190" يسابق بها سيارات الوفد ذات الدفع الرباعي حتى تركنا بعيدا عنه في خضخاض من طين ، وجدنا أهل "الشلخ" قد تجمهروا عن بكرة أبيهم أمام خيام قد نصبوها وساحات أفرشوها ، ضيافتنا في هذه القرية الطيبة كانت مميزة هي الأخرى فقد أشرف عليها شيوخ القرية تحت إشراف الشيخ الشريف "ابرهيم ولد الطالب دحمان" - أحد أعيانها - وذلك حرصا منهم على حسن الكرم والضيافة .
يبدو أن أهل الشلخ كانوا ينتظرون من الزيارة أكثر من درس دعوي لذلك أعلنوا في نهاية الزيارة عن ولائهم المطلق لخيار الشيخ والعلماء تأخر موكب الشيخ نظرا لهطول الأمطار الغزيرة التي لم تعرقل غيث الكرم الصافي للأشراف الكرام(1/107)
ضحوة الصباح الموالي وصلت سيارة من محطتنا الموالية "واد آمور" تود الاطمئنان على سلامة الوفد الذي تأخر عن موعده ، وفي طريقنا إلى واد آمور كان لنا توقف مميز ، حيث زرنا الشيخ العالم العابد المربي الشيخ المصطفى ولد الشيخ أبي المعالي ، ما أدهشنا هو حضور ذهن الرجل على كبر سنه والوعي الذي لم نكن نتوقعه من شيخ تنكب الدنيا وانشغل بالعبادة والخلاء ، فبعد سؤاله الشيخ عن أسرة "الطلب" وتذكره الأيام الخوالي ، أبان أنه يعرفنا وأننا الطائفة التي لاتزال على الحق ظاهرة لايضرها من خذلها ولا من خالفها حتى ياتي أمر الله وهم على ذلك ، وأنه يذكر ماكان يردده محمد عالي ولد عبد الودود من أن المسلم قد يصبح في بلده مضطرا إلى أضيق طريق ، ومما تذكره أيضا قول العلامة محمد عالي ردا على استفتاء للدولة في مؤتمر العلماء 1961 هل يجوز للدولة قتل من يهدد الأمن ؟ فأجابه أحد الحضور بأن ذلك جائز فاعترض محمد عالي قائلا: تمهلوا في فتاويكم ، هذه أمور قد تذهب فيها دماء المسلمين وأموالهم فلابد أن تعطوا شهرا على الأقل في التفكير ، فسانده الشيخ أحمد أبو المعالي قائلا : أقللت ، شهر واحد لا يكفي .
بعد هذا الحديث الشيق استأذن الشيخ محمد الحسن من مضيفه فألم عليه أن يقيل عنده وبعد أن اعتذر لضيق الوقت ، أهدى له الشيخ المصطفى شيئا من تمر مفصصا ومبلغا من المال فقبل الشيخ التمر وأصر على عدم أخذ النقود كما رفض الشيخ المصطفى قبول هدية الشيخ المعتادة للعلماء قائلا : كيف آخذ مالكم وأنتم دعاة تخرجون في سبيل الله ، ودعنا الشيخ ونحن نتمنى ذرة من وعيه لمن يسكنون العاصمة ويفتى في الإذاعة والتلفزة يبيحون دماء المسلمين واموالهم .(1/108)
وواصلنا المسير نحو "واد آمور" الذي استقبل أهله وفد الشيخ في مخيم نصبوه لهذا الغرض واكب علينا سكان الحي نساء ورجالا حتى أن شيخا جيء به يهادى ، إبان سكان واد آمور عن مشاعر فياضة من الحب والولاء للشيخ وما يرمز له من علم وخلق.
شباب هذه القرية الطيب الخدوم كان سمتها المميز ، بعد إلقاء الشيخ محاضرته الرائعة عن دفع الشبهات التي تواجه المسلم في حياته انتقل به وبصحبه المضيفون الكرام إلى دار أعدت للغداء والراحة قدم إلينا فيها بعض الأعيان ، ثم استأنفنا الرحلة قاصدين "صانكرافة " التي كانت تنتظر قدوم الشيخ بفارغ الصبر حيث اجتمع أهلها من الساعة العاشرة صباحا في حائط فسيح مفروش بالسجاد و نصبت فيه خيام فسيحة رصعت بالألوان الزاهية مع دار مؤثثة في ركن قصي من الحائط.. كان ترحاب القوم لاينقطع البشر باد على وجوههم، لفت انتباهي أن ضيافتهم قد اتسعت لكل الحائط الكبير ، وكان من بينهم الأخ الفاضل والسيد الأبي سيد بوي .. ألقى الشيخ محاضرته على القلوب الواعية من أهل هذا الحي الطيبين و بعد الأسئلة عاد الشيخ إلى مكان ضيافته ليلتق حوله جمع من المحبين فيواصلوا أسئلتهم و استفادتهم من الشيخ ، و كان أهل الحي "اتوجكجيت" قد أعدوا انفسهم و أفرشوا حائط المسجد يتنتظرون الشيخ فأوفد إليهم من ينوبه من السادة والعلماء المرافقين له.(1/109)
فجر اليوم الموالي انطلق موكب الشيخ على بركة الله إلى "كامور" ، حيث كان أهله ينتظروننا على أحر من الجمر، توجهنا إلى بيت العالم المربي سيدي مولود ولد جاكيري الذي استقبلنا ببشاشته المعهودة و تواضعه الجم، و ماهي إلا لحظات حتى اجتمع علينا وجهاء الحي الكرام...و بعد السلام وتقديم المائدة ذهب الوفد إلى المسجد الذي اجتمع فيه من الحي رجالا كراما و نساء عفيفات طاهرات... و أثناء الدرس تدخلت الدرك الوطني لتطلب من الشيخ إيقاف الدرس بأمر من الحاكم، إلا أن الشيخ رد عليهم بأن الدرس دعوية و ليست سياسية، فأجاب المأمور:أنا مبعوث من الحاكم فرد عليه الشيخ أنت رسول فعد إلى من أرسلك و أخبره بما أجبتك.. انتهت الدرس بسلام .
كان أهل "كرو" يتقاطرون علينا رذاذا من الحب و وميضا من الإيمان سار الموكب و قد انضمت إليه سيارات أهل "كرو" تعلن الفرح و تبث السرور بمقدم الشيخ الددو، وما إن دخلنا منطقة "كرو" حتى رأينا العجب العجاب حيث كانت الحرائر ربات الخدورو بنات النسب العريق ، يصعدن إلى الأسقف و يطلقن للروح شواقها فتفجرت حناجرهن بالزغاريد العفيفة و لوحن بأطرافهن تحية ،أما الرجال فحدث ولا حرج فقد امتلأ بيت الكرم والسؤدد الفسيح ، بيت رجل الأعمال التقي و المتصدق "أمود ولد السالك".. اكتظ هذا البيت بالأخيار من أهل "كرو" الذين لم تلههم تجارة و لا بيع عن ذكر الله فاغلقوا السوق لأول مرة ضحوة من النهار و انصرفوا إلى المسجد ليأخذوا أماكن لهم فيه ينتظرون الشيخ.
تلك المكار لا قيعان من لبن ** وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن(1/110)
يبدو أن هذا الجو المفعم بالإيمان و الحب لم يرق للسلطان ومن على ملته ، فأرسل الحاكم يطلب الشيخ فذهب إليه مضيفنا "أمود ولد السالم" و طلب منه أن يمهل الشيخ إلى آخر النهار حتى يستريح ، فرد الحاكم بأنه لولا احترامه لشخص أمود لأمر باعتقال الشيخ والمجئ به فورا وأنه لا بد من أن يأتيه في المكتب ساعتئذ، عاد إلينا فقرر الشيخ الذهاب صحبة أمود إلى الحاكم الذي دخل معهم في حديث غير مؤدب يشرب الدخان هو وآمر الدرك كأنهما يريدان إيذاء الشيخ الذي لا يتحمل الدخان، اتضح من الحاكم أنه لا يملك من الصلاحيات إلا قلة الأدب و التطاول على الشيخ الوقور قائلا : إن والده كان عالما و شيخا لمحظرة فأجاب الشيخ هل كان يأخذ منك رخصة للتدريس في المسجد فبهت.
وأثناء الحديث دعا الحاكم الشيخ الددو ليجيب الهاتف فإذا بالوالييأمر ويتحدث بما يقارب حديث الحاكم يطلب من الشيخ تقديم طلب إذن بالتدريس في المسجد.. فكتب الشيخ طلبا فوعده بالنظر فيه و بعد هنيهة أجابوا بعدم القبول على مستوى الولاية، نزل الخبر على المجتمعيين في المسجد و الدار كالصاعقة و لم تعد تسمع إلا حسبنا الله و نعم الوكيل، بذل مضيفنا معهم كل محاولة أن يتركوا الشيخ يلتقي بالناس في مسجد صغير بجانب بيته أو في ساحة عمومية إلا أنهم أصروا واستكبروا استكبارا وجمدوا على قرارهم كالصخر ، فكأن هذا الأمر من قرارات السيادة للنظام الحاكم مثله فى ذلك مثل التطبيع وإغلاق المعاهد الإسلامية وقطع أرزاق الأيتام.(1/111)
بعد تناول الغداء ذهبنا إلى حي اتلاميد أهل سيد عبد الرحمن حيث أعدوا دارا فسيحة و حائطا ضخما و خياما جميلة و امتلأ الجميع بالشباب النضر و الشيوخ المتوضئين ، كان الإزدحام على الشيخ شديدا ..الأمر الذي اقتضى تهدئة للنفوس أن يلقي أحد مرافقي الشيخ كلمة تثبيتية شكر فيها أهل "كرو" معدن الخير و العلم و العلماء مضيفا أن رضا أنجبت ابن اخطور و لمرابط محمد احيد و أبناء ميابه ليس غريبا عليها هذا الموقف البطولي المشرف الذي لن ينسى، و قال إنه لا يريد نقص ذرة من زفرات الغضب الذي تنحشر في نفوس الحاضرين فهو غضب في محله ، وأضاف أن الشيخ يؤكد على مشروعية الدعوة بدون إذن و سلميتها في نفس الوقت.
بدأنا الزيارات في نحو الرابعة مساء.. و ما توجهنا إلى عالم إلا و عشرات السيارات ترافقنا تصدح حناجرها الشيخ قادم ، فكانت مسيرات ضخمة جابت شوارع المدينة حتى وقت انصرافنا من "كرو" قبيل صلاة العشاء ، و من المحطات المهمة أيضا في هذه الزيارة زيارة الشيخ الوقور الذي جيئ به إلينا محمولا في فراشه و هو بياي ولد بياي.. و رغم ضعفه البادي إلا أنه اظهر سرورا غير عادي بالشيخ و دلل فيه من ذخائر الأدب الحسين ما جعل الحاضرين يعجبون من قوة ذاكرته.
زار الموكب أيضا بيت السياسي و الوجه القبيلي الكبير محمد عبد الرحمن ولد امين الذي رافقنا أبناءه رسلا من والدتهم الكريمة التي دعت الشيخ لزيارة بيتها رغم سفر عبد الرحمن ، كان استقبال أهل البيت لنا يفيض بالحب و الكرم فرأينا نساء يسجدن شكرا لله على سلامة الشيخ و كانت ربة البيت تستقبلنا وتودعنا في حشمة و وقار لو كان والد إسماعيل عليهما السلام حيا لأمر بتثبيت العتبة فى مكانها.(1/112)
ولأن الشيخ ملتزم بالأمر الجائر للوالي و حاكمه فوض أحد تلامذته في إلقاء كلمة في الجمع المحتشد في دار أهل امين فشكر المتكلم أسرة أهل أمين و أضاف: إن موريتانيا لتفخر بالساسة الوطنيين من أمثال ابن أمين الذي غلب مصلحة الشعب و انتصر للحرية و العدل بتجشمه صعب مناصرة العلماء و زيارتهم في السجن ، و إن هذا الموقف التاريخي لن ينسى.
لم نخرج من "كرو" إلا بعد أن ضاقت فرق الأمن ذرعا بالأفواج التي ترافقنا أينما اتجهنا ، فحالوا بيننا و الجمهور و تولوا هم مرافقتنا إلى "الغرد" و ظلوا يلحظوننا كأننا باعة مخدارت أو سراق مال عام ، وصلنا "الغرد" رمز وحدة قبيلة مسومة الكرام الذين استقبلونا شبابا و شيوخا بكل ترحاب و محبة و بتنا عندهم بأهنأ ليلة اغدقوا علينا من كرمهم ..... زرنا مشايخ القرية من أمثال الشيخ الوقور محمد يبر الذي نسال الله له العافية و الشفاء العاجل.
وصلت إلينا سيارة تستعجل وصلنا إلى "كيفه" فوافاها وفد الشيخ ضحوة و قد ازدانت بالخيام الجميلة و الدور المفروشة و الساحات المهيئة و استقبلنا في مدخلها كراما من كرام و في مقدمتهم الأستاذ المصطف بن باب الذي كانت رعايته للشيخ وصحبته لا توصف خدمة و بشاشة . كان من المقرر -عند أهل كيفه- أن يلقي الشيخ محاضرة في أحد مساجد كيفه إلا أن ممانعة الوالي المتصلبة حالت دونها رغم اكتظاظ ا لمسجد با لجماهير المتعطشة والأعناق المشرئبة منتظرة وصول الشيخ وتواقة إلى السماع منه لكن الشيخ أرسل احد تلاميذته ليلقي درسا حال دونها مدير الأمن الجهوي في ثلة من جنوده إلا أنهم لم يستطيعوا اسكات الجمهور الغاضب الذي يعلن الشعارات و يقذف بالعبارات فداء للشيخ و الدعوة، إلى ان تدخل الممنوع من الحديث فحمل الدولة إثم منع الشيخ إلقاء دروسه .... كما أكد على سلمية الدعوة و طلب من الجمهور الانصراف في هدوء، فانصرف الناس يبكون و يكبرون.(1/113)
في مساء ذلك اليوم ذهب الشيخ لزيارة بعض الأعيان و السلام على المشايخ .. وضحى اليوم التالي خرجنا من كيفه نقصد الطينطان الذي أوفد إلينا سيارة صاحبتنا أغلب الطريق فيها الداعية المضحي المتواضع المصطف ولد الطالب النافع وصلنا وقد أزفت صلاة الظهر كان المسجد مكتظا بالجمهور المتعطش لسماع الشيخ، ألقى الشيخ درسه الرباني كعادته بعدها عرج على مكان الضيافة و الكرم لاهل الطالب النافع ثم ذهب لبعض الزيارات، و كان الدرس الموالي ليلا في المدينة المنورة حيث الأنصار و إيثارهم المعهود و كرمهم المشهود... في "حاس البركة" كان المبيت المريح بعد صلاة الصبح كانت محاضرة الشيخ تنساب مع انفاس الصباح الندى إلى أهل القرية الكرام ، بعد المحاضرة وضعوا بين أيدينا مائدة فخمة علق عليها أحد الحاضرين بقوله (يبدوا أن شاتكم لها ظهران) و لها رأسان. ودعنا القوم بحرارة وإكبار، ثم توجهنا إلى قرية "الملحس" التي استقبلنا أهلها في الطريق بما لا يوصف من البشاشة و الحبور و رافقونا إلى قريتهم حيث ألقى الشيخ درسه في المسجد ثم راتفقنا الشباب إلى "ادويرارة" حيث النصرة و الانصار الذين بنوا الخيام و بسطوا الفراش و كان الحضور كبارا و صغارا يعلنون ولاءهم و استعدادهم للتضحية في سبيل الدين و الدعوة، استمعوا إلى الشيخ في محاضرته، وبعدها توجهنا إلى "كوبني" و كان المبيت في قرية "حاس أهل أحمد بشتة" في بيت الأكرميين أهل محمد ..حيث بات فتيانهم الأخيارساهرين حفاظا على راحتنا، و في الصباح تقاطر أهل الحي علينا من كل ناحية فأعطاهم الشيخ مما أعطاه الله من العلم الغزير و الخلق الوفير، وبعد الضيافة الكريمة و دعنا الأهل قاصدين لعيون(1/114)
ما إن وصلنا المسجد و أعلن عن المحاضرة حتى انقضت الشرطة على المنبر و استخدمت الإمام الذي اعتذر عن المحاضرة فصاح الناس مطالبين بمحاضرة الشيخ و تحدث بعضهم بكلام عنيف للإمام الذي أحرج فطلب منه الشيخ الجلوس معه و الاستماع لما يقول فإن رآى ما ينكر اعترض عليه و إلا سمح للمحاضرة بالتواصل فقبل الإمام تحت إلحاح الحاضرين و جلس على فراش المسجد الذي احتل منبره الشرطي، و ما إن توسط الحديث حتى جاء الشرطي خائفا يترقب و قال حياتي مهددة و لابد أن توقفوا الكلام فبدأ الشيخ بالدعاء الذي كان أثقل عليهم من الدرس
بعد المحاضرة توجهنا إلى "تنبدغة" في حراسة من سيارات الشرطة كأننا قطاع طرق جئنا لنفسد فى الأرض ونهلك الحرث والنسل .
في تلك الليلة بتنا في "لقويركه" في ضيافة خريج "بيلا" محمد الأمين ولد اسماعيل و في الصباح قام الشيخ بزيارات لبعض أعيان القرية الطيبين ثم توجه إلى مدينة "تنبدغه" و إلى مسجدها الجديد حيث كان الجمهور غلب عليه الحماس ينتظر الشيخ متعطشا لما يقول إلا أن الشرطة منعت المحاضرة فتوجهت كوكبة من الشباب الغاضبين،مما ستدعى كلمة تثبتية طلب إليهم بعدها الإنصراف في هدوء، فخرجوا غاضبين ، بعدها تيقن الشيخ أن المنع عام و مركزي على ما يبدو فقرر قطع الرحلة و العودة إلى انواكشوط ،ودعنا أهل تنبدغه آسفين في مقدمتهم إمام المسجد والخطيب البارع خطري بن الإمام.(1/115)
بمجرد اقترابنا من لعيون كانت سيارة الدرك تنتظرنا فيما يبدو فصاحبت مسيرنا إلى قرية التوفيق حيث أهلها الموفقون قد أخذوا علينا موثقا أن نمر عليهم عائدين، فاستقبلنا وجههم البشوش السيد محمد فال ولد القاسم الذي بنى الخيام وبسط الفرش و اغدق في الإكرام جزاه الله و ربعه خير الجزاء و بعد الصلاة التف شباب القرية و شيوخها حول الشيخ يسألون و يجيبهم و كان الدعاء و الانطلاق إلى نحو الدفعة حيث مبيتنا مكرمين من أهلها الطيبين و بعد صلاة الفجر واصلنا المسير فكان التوقف عند كيفه للسلام على الشيخ الفاضل محمد الأمين ولد الحسن الذي وجدنا من حديثه العذب و كرمه الضافي ما أنسانا مضاضة إعراض السلطان.. توجهنا بعد ذلك إلى حي الكرام أولاد ألمين في- التقادة- الذي ازعجهم تخطينا لهم ابتداءا فاستقبلونا بحفاوتهم المعهودة و كرمهم الأصيل و في مقدمتهم الاستاذ السالم الناجي الخلوق البشوش، كانت قرية القوم من أكثر الأرياف جمالا و سحرا ، انكب على الشيخ شيوخ القرية مرحبين به و مبدين استعدادهم لنصرته بالغالي و النفيس، كان مقيلنا عند القوم مميزا استمتع فيه بعض مرافقي الشيخ بجولة في إريج الماء الرقراق يجري بين واحات النخيل و تلات الرمل الناعم و الجبال المكسوة خضرة و شموخا، مناظر خلابة وبلدة طيبة وأهل كرماء ورب رحيم نسأله أن يغفر لنا.
شباب أغش ورقيت المؤمن عز عليه أن يسجل التاريخ نفر مدينته من الدعوة و العلم فأصر على المرور به ففعلنا فكان الوصول متأخرا بعد صلاة العشاء و مع ذلك فاجأنا الحضور الكثيف الذي غص به المسجد فألقى الشيخ علمانافعا و فكرا متقدا و وعظا خالصا نسأل الله أن ينفع به الجميع .
ورغم ضيق الوقت واستعجال الوفد أصر الشباب على تقديم الضيافة الكريمة .(1/116)
خلاصة المستنتج من هذه الرحلة هو أن إفك لوكالة الموريتانية للأنباء وجريدة الشعب والتلفزة والإذاعة وجهود السدنة الذين تولوا كبر تشويه الشيخ وصحبه قد ذهبت جهودهم أدراج الرياح وأن المواطنين في البلاد التي زرنا قد جعلوا من زيارة الشيخ عيدا وموسم فرح لبسوا فيه الجديد وسبحوا فيه المجيد....
كأن المتنبي كان يقصد الشيخ بقوله.
قد ناب عنك سديد الخوف واصطعت
لك المهابة مالا تصنع البهم(1/117)