المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:-
فقد أدرك الأعداء وهم يستهدفون اقتلاع جذور هذه الأمة أن عدتها وقوتها في شبابها فوجهوا سهامهم إليهم مستهدفين إخراج جيل من الشباب بعيد عن دينه، غارق في أوحال الفساد والشهوات، فأنتجت هذه الجهود في ظل غياب مذهل لحماة الأمة جيلاً لست بحاجة إلى أن أحدثك عنه فأنت أعلم مني بحاله، وهذا الجيل مهما بدر منه فبيننا وبينه حبل لم ينقطع، ولايزال يثمل عضوا في جسد الأمة، وله علينا حق أخوة الإسلام.
والأغلب الأعم من هؤلاء يدرك تمام الإدراك أنه قد جانب الطريق، وحاد عن المحجة، ويقتنع دون شك بخطأ طريقه وخطورة مسلكه.
وطالما طرحت هذا السؤال على كثير من الشباب الذين لمَّا يسلكوا طريق الاستقامة بعد: ما الذي يحول بينك وبين الالتزام والاستقامة؟ ألست مقنتنعاً بضرورة سلوك هذا الطريق؟ فأجابني عامة من طرحت عليه هذا السؤال: إن اقتناعي بضرورة سلوك هذا الطريق يساوي تماماً اقتناعي بخطأ الطريق الذي أنا أسلكه.
إذاً فالكثير من الشباب مهما حاد عن طريق الاستقامة وارتكب من الموبقات، فالأمل يحدوه بالعودة إلى الجادة، ولزوم المحجة؛ ومن ثم كان من حق هؤلاء الشباب علينا أن نخاطبهم، وأن نأخذ بأيديهم لسلوك هذا الطريق؛ فكان هذا الحوار سلكت فيه سبيل المصارحة والحديث تحت ضوء الشمس، فآمل أن تتفضل بقراءة وجهة نظري بكل تجرد، وموضوعية؛ وأحسب حينئذ أن نقاط الاتفاق بيني وبينك ستكون أكثر من نقاط الاختلاف، وأن اختلافك معي في قضية من القضايا لايعني إهمال وإلغاء جميع ماتوافقني عليه.
محمد بن عبدالله الدويش
الزلفي 12/4/1416هـ
لماذا هذه الرسالة(1/1)
لماذا نخصك بالحديث أخي الشاب؟ من حقك أن تسأل هذا السؤال، ومن واجبنا أن نجيبك على تساؤلك .
1 - نوجه لك هذا الحديث ونخصك بهذه الرسالة انطلاقاً من قوله ز " لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أنت أخ لنا مهما بدر منك من قصور، أو كان لديك من معصية، ما دمت تحت دائرة الإسلام فثمت حبل موصول بيننا وبينك لن ينقطع، إننا حين نرى أحوال بعض الشباب لاتزال مشاعر محبة الخير لهم، والتفاؤل بنقلهم إلى حياة سعيدة - لاتزال هذه المشاعر - تدفعنا دفعاً، وتسوقنا سوقاً لنتقدم لهم ونخاطبهم، ومن حقك بعد ذلك أن تصل لأي نتيجة، أو اقتناع، فما يقتنع به المرء لايملى عليه إملاءً، أويفرض عليه فرضاً.
2 - هذه الهداية التي من الله بها على من شاء من عباده ليست منهم، ولا بأيديهم، ولم يحصلوها يوماً من الأيام بمال أو ذكاء ولاقدرة عقلية، إنها أولاً وأخيراً نعمة من الله وحده، ومِنَّةً منه سبحانه، أوليس من واجبنا تجاه هذه النعمة، ومن شكرها أن نسعى في نقلها للآخرين؟ فها نحن نرى أنا سلكنا طريقاً لم يكن لنا فيه فضل فمن واجبنا تجاه من نراه قد جانب هذا الطريق أن ندله على المسار الصحيح.
3 - إن لم تسمع هذه الرسالة منا فممن تريد سماعها؟ أمن اليهود والنصارى؟ أم من أعدائك الذين سجلوا لك الأفلام الساقطة وصوروا لك الصور الخالعة، ووظفوا كل ماتفتق عنه العصر من تقنية ومدنية ليلقوك أسيراً في حمأة الشهوة؟ أم من مروجي وسائل الإثارة، الذي أثروا - وتوافقنا على ذلك - وجمعوا المال على أشلاء عفة الكثير من الشباب والفتيات، وعلى حساب كل خلق فاضل ونظيف؟ أم من زملائك في العبث واللهو الفاسد، الذين يسهلون لك الطريق، ويدفعونك نحوه دفعا؟
أظن أنك أخي الشاب توافقني أن هؤلاء جميعا - مع احترامي لأصدقائك - لايمكن أن تسمع منهم هذه الكلمة، ولايمكن أن يسعوا لإنقاذك.(1/2)
فليس ثم إلا أخ لك في الدين والعقيدة، لاتشك أنت في مقاصده، ولاتتردد في نياته، أخذ يصيح بك ليوقظك، وقد يكون صوته مزعجاً، وإيقاظه لك غير مناسب، ولكن علَّك تلمتس له العذر، فإن شدة قلقه عليك، وعمق حرصه قد يدفعه إلى شيء من القسوة فاحتملها فهي قسوة المحب .
قسا ليزدجروا، ومن يك حازماً ... ... ... فليقس أحياناً على من يرحم
وقد ذقنا أخي الكريم مرارة التستر على العيوب، ولمسنا شؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة.
ماذا يريدون منك؟
لقد رأيتهم كثيراً وقابلتهم وزاملتهم، كم وجهوا لك من نصيحة، وربما دعوك لحضور محاضرة أو درس، أو لمشاركتهم في بعض لقاءاتهم الخيرة، وكم امتدت يد أحدهم إليك ليهديك شريطاً أوكتاباً، وقبل ذلك امتدت هذه اليد إلى جيب صاحبها لتدفع ثمن الكتاب والشريط، قد يطرح هذا السلوك لديك تساؤلاً:لم هذا كله، وماذا يريدون مني؟ فأستأذنك لأجيب بالنيابة عنهم، إنهم يريدون باختصار:
نقلك إلى حياة السعادة الدنيوية، وإنقاذك من نار وقودها الناس والحجارة، وإنقاذك من سجن الشهوات وجحيم المعصية.
إن هذا هو المقصد باختصار، والدافع بكل وضوح، وإن أحداً لن يجني ثمرة هدايتك غيرك؛ فأنت وحدك الرابح حين تسلك هذا الطريق، وأنت وحدك الخاسر حين تتخلى عنه.
حتى لاتدفع ضريبة الغفلة
هل سمعت عن الأمراض الجنسية، وآثارها؟ تخيل معي هذا المشهد: شاب يقف عند الطبيب ليفاجئه بنتيجة التحاليل أنه مصاب بمرض جنسي كيف سيفكر؟ وكيف سيقابل الناس؟ وهل تساوي تلك الشهوات العاجلة التي متع نفسه بها هذه النتيحة المؤلمة؟ وبعد ذلك دخل المستشفى ليعيش حجراً صحياً، ويفارق الحياة على هذه الخاتمة، أجزم أنك تملك عقلاً يمكن أن يوقفك على هذه النتائج الوخيمة، والمستقبل المدمر لمن هذه حالة، إنها نهاية متوقعةٌ لكل من يطلق العنان لشهواته المحرمة .(1/3)
مشهد آخر: شاب يقبض عليه رجال الأمن أو الحسبة؛ فيودع السجن ولو لأيام، كيف سيواجه الناس بعد ذلك؟ ومن سيزوجه؟ أو يأتمنه؟ ناهيك عن أنه سيفقد عمله ودراسته وكل مكاسبه الدنيوية، أتستحق تلك الشهوة مرةً أخرى أن يتعرض صاحبها لهذه المخاطر؟ إنها هي الأخرى نهايةٌ يمكن أن يصل إليها من تجرأ على الممارسة المحرمة.
والعاقل أخي الكريم حين يقارن بين ما سيحصله نتيجة اتباعه لشهواته، وبين هذه النهاية وتلك، يدرك أن هذه النتائج الوخيمة لايمكن أن تحتمل في مقابل تحصيل اللذة العاجلة الفانية.
هل رأيت الأخيار؟
لاأشك أنك توافقني على أن الالتزام والاستقامة على شرع الله ينبغي أن يكون مطلب كل شاب يدين بالإسلام، لكن البعض يرى أنه لايطيق ذلك ولا يستطيعه، خاصة وهو في سن الشباب، وفي هذا العصر الذي يموج بالفتن والمغريات، فإليك أخي الكريم هذه الصورة الحية التي تراها صباح مساء.
إنهم الشباب الصالحون ألم ترهم يتسابقون للمساجد حين يتسابق غيرهم للملاعب؟ يتسابقون لحلق العلم ومجالس الدعاة حين يتسكع الآخرون في الأسواق؟ وفي ثلث الليل الآخر يبكون بين يدي الله حين ينزل إلى سماء الدنيا، بينما يسهر غيرهم على معصية الله؟ ويتورع أحدهم عن الصغائر واللمم حين يفاخر سواهم بالكبائر والموبقات؟ أجزم أنك تعرف الكثير منهم بل قد يكون زميلك في الفصل، أو جارك في المقعد، أو في الحي، بل قد يكون قريباً لك، إن لم يكن أخاً شقيقاً أحياناً.
إنهم بشر مثلك، ولهم شهوات وتنازعهم غرائز، وتعرض لهم الفتن وتشرع أبوابها أمام ناظريهم، فما بالهم ينتصرون على أنفسهم؟ وما الذي يجعلهم يستطيعون وأنت لاتستطيع؟ ولم ينتصرون وتنهزم أنت؟ بل ربما أنت أقوى شخصية من أحدهم، وأكثر ذكاء من الآخر وفطنة؛ إن الذي جعل هؤلاء ينتصرون على أنفسهم يمكن أن يجعلك كذلك.
ألا تعرف أحدا من هؤلاء؟(1/4)
إن نشأة أولئك في بيوت محافظة، وصلاحهم منذ البداية حيث لم يسلكوا طريق غواية أو يمارسوا ما مارسه غيرهم؛ إن ذلك ربما كان مصدر اعتراض البعض إذ يقول إنه قد ولغ في العصيان، وسلك طريقاً يصعب عليه الخروج منه، فإليك انموذج الآخر:-
لقد امتدت هذه الصحوة - بحمد الله - وآتت ثمارها اليانعة، فنقلت فئاماً من أولئك الشباب المعرضين إلى الهداية والاستقامة، وكم رأينا من شابٍ كان كذلك فأصبح من أهل الاستقامة والورع، وربما كان مضرب المثل في السوء والانحراف فتبدلت حاله، وأجزم أنك أنت تعرف نماذج من هؤلاء ولابد، بل قد يكون أحد زملائك أو أقاربك ممن كان كذلك فهداه الله، تعرفه مفاخراً بالمعصية، أجرأ منك على الكبيرة، وأثقل منك عن الطاعة، وبعد ذلك من الله عليه بالهداية والاستقامة، فكيف يستطيع وأنت لاتستطيع؟ وكيف يطيق وأنت لاتطيق؟ وكيف يجتاز العوائق وأنت تنهزم أمامها؟ أليست هذه النماذج تعطيك الاقتناع أنك قادر؟ لست أدري ألا تهزك هذه المشاهد هزاً؟ لتقول لك بلسان الحال: أفاق الناس ولازلت غافلاً، استيقظوا وأنت نائم، فهُبَّ وشارك الركب والحق بالمسيرة.
إليك البرهان من حياتك الخاصة(1/5)
وربما يعترض البعض من الشباب على هذه النماذج ويرى أنها تصدق على أولئك الذين استطاعوا الانتصار على أنفسهم أما هو فله شأن آخر فهو لايطيق ما أطاقوا وهو منطق وإن كان أقرب للمكابرة منه للحقيقة إلا أنك تجد الدليل على بطلانه من حياة هذا الشاب الخاصة فهو يصوم شهر رمضان مثلاً وربما استيقظ للسحور متأخراً فما أن يسمع الآذان حتى يمسك، ويمر به نهار الصيام وقد يصيبه الجوع والعطش وقد تدعوه دواعي الشهوة لخرق سياج الصوم لكنه لايتجرأ على ذلك، وحين يحين موعد الإفطار يجلس أمام المائدة ولا يتجرأ على مد يده إليها حتى يؤذن المؤذن ، بل ربما تساءل عن بعض المواقف التي تمر عليه في نهار رمضان هل تؤثر على صيامه أم لا؟ أليس في هذا الإنضباط العجيب والورع عن المفطرات دليل على أنه قادر على أن ينتصر على نفسه حين يريد ذلك؟ وفيه البرهان على أن دعوى عدم القدرة وهم كاذب يزينه له الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء؟
هلا قرأت التاريخ
لابد أنك قرأت التاريخ وعرفت فيه هذه الأسماء: سعد بن أبي وقاص، الزبير بن العوام، علي ابن أبي طالب، الأرقم بن أبي الأرقم، زيد بن الأرقم، عبدالله بن عباس، عبدالله بن عمر، معاذ ومعوذ ابني العفراء ... وبعدهم أسامة بن زيد الذي قاد جيشا وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، ليواجه به الروم، أو ما سمعت عن بلاد السند والهند؟ أولست تدري أن محمد بن القاسم الذي أزال الله على يديه ظلام الكفر وعروش الطغيان؟ أنه في سن الشباب مثلك، وأظنك قد قرأت سورة البروج، وسمعت ما حكاه ز عن شاب أصغر منك سناً آمن أهل القرية على يديه، ألا ترى أن هذه النماذج هي القدوة الفعلية، فكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، أهم ملائكة؟ أم هم معصومون؟ أو أنهم بشر مثلك انتصروا على أنفسهم وسلكوا طريقاً رأوا معالمه واضحة؟ ألم تأخذ بلبك هذه الأسماء وتتطلع إليها؟ إني أعيذك - أخي الشاب - أن يشغلك عن هؤلاء نجوم الفن والرياضة.
لازلنا مع النماذج(1/6)
أسمعت عن شبابٍ في عمر الزهور، وسني الصبوة هجروا الدنيا ومتاعها، وطلقوا الشهوات وودعوها إلى غير رجعة، فدعاهم داعي الفلاح، حتى دفنوا هناك في بلاد العجم في أفغانستان؟ {ولاتَقُولوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبِيلِ الله أمْواتٌ بَلْ أحْياءٌ ولَكِنْ لاتَشْعُرونْ } (البقرة 154){ ولاتَحْسَبَنَّ الذينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ الله أمْواتاً بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهمْ يُرْزَقُونْ * فَرِحِينَ بِمَا آتاهُم الله مِنْ فَضْلِهِ ويَسْتَبْشِرُونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ألاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنونْ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنَعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وأنَّ الله لايُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ } (آل عمران169-171) مرة أخرى أليس هؤلاء بشراً؟ أليس لهم نوازع؟ وأمامهم عوائق؟ ألم تتطلع نفسك يوما لتصير إلى مصيرهم؟ وما الذي يحول بينك وبين ذلك؟ لقد سافروا وسافر غيرهم، وتغرَّبوا وتغرَّب غيرهم، لكن غيرهم سافر لما لايخفى عليك، وأولئك سافروا لإعلاء دين الله، أفلا يهزّك هذا النموذج؟ لالتدفن حيث دفن فهذا ليس بيدك بل ولا لتفعل كما فعل، بل لتعلنها صريحة جريئة ( ها أنذا سلكت طريق الاستقامة )
تأمل في واقع أمتك(1/7)
لقد سمعت ولا شك عن مسلمي البوسنة والآلاف الذين قتلوا، والملايين الذين شردوا، ورأيت كيف تهان كرامة الإنسان، وقبلها كانت بورما ومجازرها، وقبل ذلك نُعي لك عشرون ألفا من المسلمين في حلبجة، وفي أول هذا القرن صار ضحايا الباطنيين في الأرض التي بارك الله حولها يعدون بعشرات الآلاف، ولاتزال دماؤنا تنزف هنا وهناك، وأرواحنا تزهق في كل مكان أفلم تحرك فيك هذه الأنهار الجارية من دماء إخوانك - ألم تحرك فيك - ساكنا؟ وتثير لديك غيرة؟ أفتهنأ بعد ذلك باللهو والعبث والممارسة المحرمة؟ إنها حرب على الجميع ماداموا مسلمين، إني أتصور أخي الشاب بل أجزم أن هذا المشاهد تزعجك، وتقلقك بل تبكيك، لكن لم لايتحول هذا الشعور وهذا الولاء إلى تفكير عميق؟ حتام أنا غارق في بحر الشهوات، وإخواني في بحور الدماء؟ حتام أنا أدفع مالي لتسهيل طريق المعصية، وإخواني لايجد أحدهم لقمة العيش؟
ألا تريد دوراً في هذا الإنجاز؟
ومع ذلك كله، وهذه الدماء الجارية والأرواح المزهقة، حققت أمتك مكاسب ليست يعيدة عنك، فهاهي ذي الصحوة انتشرت في كل مكان، فجموع الشباب الوافدة والمتقاطرة على سلوك طريق الخير، ومظاهر النشاط الإسلامي تملأ الآفاق، والصوت الإسلامي أصبح يخاطب الجميع، كل ذلك إن هو إلا ثمرة من ثمرات جهود الأمة ويقظتها، كان وراءه بعد توفيق الله رجال وشباب مخلصون صدقوا ماعاهدوا الله عليه،فكم من زائغ ضال قد هدوه؟ وجائع أطعموه أو عار كسوه؟ وكم خير في بلاد المسلمين نشروه؟ ألم تفكر في أن تسهم مع هؤلاء؟ وليس الأمر ببعيد، أليس خيراً لك من العبث واللهو؟ وماذا حققت الانتصارات الرياضية والإنجازات الفنية لأمتنا؟ إن القطار سائر بحمد الله، ولايزال هناك مقاعد شاغرة تنتظر الطاقات الفعالة أمثالك، فبالله عليك ألا ترى أن لحوقك بالركب، ومشاركتك المسيرة خير وأجدى من التمادي في اللهو والعبث الفارغ؟(1/8)
إنك تملك - أخي الشاب - طاقات وقدرات، والعجلة قد دارت فتحتاج إلى من يزيد دفعها، وأنت بحمد الله - أخاطبك بجدية - من القادرين على المشاركة والإنجاز حين تسلك الطريق مع إخوانك.
هل يريد بك هؤلاء خيراً؟
لقد تفتق العصر عن تقدم علمي وتقني ونتج عنه استخدام هذه التقنية في إثارة الغرائز الكامنة، فالصور الفاتنة، والأفلام الساقطة، وأجهزة العرض والاستقبال بعض نتاج هذه الجهود، فما رأيك بمن وفروا لك هذه الشهوات أتظن أنهم يريدون بك خيراً، ويسعون لرفع السآمة والملل عنك أم غير ذلك؟ فأجب على هذا التساؤل بكل صراحة وواقعية، ثم حدد موقعك بناءً على ذلك، فلست بمغفل - والحمد لله - حتى تستجيب لمخططاتهم، ولست بأبله حتى يخدعوك.
قبل أن تذبل الزهرة
ها أنت - أخي الشاب - تتدفق حيويةً ونشاطاً، وتملأ ماحولك قوةً وفتوة، ولكن ألم تبصر عيناك يوماً من الأيام رجلاً طاعناً في السن أصبحت العصا له قدماً ثالثة؟ قد احدودب ظهره، ورق عظمه، وتركت السنون الطويلة أثارها على وجهه، فلم يعد قادراً على ماتقدر عليه، أو مطيقاً لما تطيق، أتظن أن هذا الرجل قد ولد كذلك؟ أم أنه كان في يوم من الأيام في سنك، ويحمل طموحك وفتوتك؟ إذاً فهو مصيرٌ أخي الكريم لابد أن تصير إليه، ولن يمنعك منه إلا أن يتخطفك الموت، وقد يكون الهرم أهون وأحب إليك منه، فما دام هذا مصيراً محتوماً، ألم تفكر في تغيير المسار قبل أن تذبل الزهرة ويرق العظم؟ حينها لاتطيق ماتطيق الآن، وتندم ولات ساعة مندم ، وتتمنى الشباب وهيهات.
لقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه يجتهد في العبادة فحين دعاه ز للتخفيف قال:"دعني أستمتع بقوتي وشبابي" نعم لقد طلب منه ز التخفيف، ولكنه أقره على أن الاستمتاع بالقوة والشباب إنما هو في طاعة الله عز وجل، لقد سمعت ولاشك أخي الشاب من يدعوك إلى الاستمتاع بالقوة والشباب، لكن شتان بين استمتاع واستمتاع.(1/9)
ألم يدر ببالك - أخي العزيز - أن تستثمر هذه الطاقة، وتستمتع بهذا الشباب في مرضاة الله عز وجل؟ إنه لاينقضي العجب من أولئك الذين يرون أن التوبة والعبادة إنما هي حين يودعون الشباب، ويدخلون مرحلة العجز والشيخوخة، وماذا عساه أن يفعل من احدودب ظهره وثقلت قدماه؟
إذاً فاتخذ القرار من الآن، والحق بالركب ؛ فيوشك هذا الشباب أن يزول ويحل بك المشيب وتعض أصابع الندم على أن فرطت في هذه الفرصة الثمينة.
أعلن البراءة اليوم قبل الغد؟(1/10)
لقد أفاد الكثير من الشباب الذين وجهت لهم هذا السؤال: مايعوقك عن الالتزام والاستقامة؟: (أنهم الرفقة)؛ فهو يراهم صباح مساء، ويعرف عنهم ويعرفون عنه كل صغيرة وكبيرة، ويدركون نقاط الضعف لديه، وهو الآخر لايرغب في فراقهم، ويعز عليه أن يتخلى عنهم، ولكن: مع اعترافنا بصعوبة هذا القرار على بعض الشباب، وبأنه يحتاج إلى تضحية فهو قرار لابد منه إما عاجلاً وإما آجلاً، وقد تسألني كيف ذلك؟ فأقول لك: اقرأ قوله تعالى { ويوم يعض الظالم علي يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أظلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا } (الفرقان27-29) .(1/11)
وفي الآية الأخرى { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار } (البقرة167-168) عد إلى الآيتين وتأملهما جيداً، وبعدها ستوافقني على هذه النتيجة: (حين يصاحب المرء شاباً يعينه على الفساد فلابد أن يتبرأ منه يوم القيامة) والآن مادمت الأمور بيد صاحبنا فبإبمكانه أن يتدارك الأمر، ويتعجل القرار فيعلن البراءة في الدنيا قبل الآخرة، إذاً فالبراءة لابد من إعلانها، والقرار لابد من اتخاذه فأي الطريقين أهون عليك: أن تعلن البراءة والتخلي عن جلساء السوء، وأصدقاء الغفلة، وأمامك البديل الصالح؟ أو أن تبقى على هذه العلاقة وفي أسرها حتى تتبرأ منهم يوم القيامة؟ ولكن لات ساعة مندم، فبعد إعلان البراءة والجدل يستمع الجميع وينصتوا إلى خطبة الشيطان: { وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص * وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم} (إبراهيم21-22)
هم القوم لايشقى بهم جليس(1/12)
لقد اتفقنا في الفقرة السابقة أن نتخلى عن جلساء السوء وزملاء الغفلة، ومن حق أي شاب أن يسأل بعد ذلك: وما البديل؟ أتريدني أن أبقى حبيس حيطانٍ أربع؟ أم أكون كأخواتي لاأغادر المنزل إلا إلى المدرسة؟ إنه من حقك بلاشك أن تسعى لمصادقة أقرانك، وإزالة السآمة عنك والملل، لكن حصر الصداقة في هؤلاء، وافتراض السآمة والشقاء عند مفارقتهم وهم وسراب خادع، ومن ينهاك عن مصادقة الأشرار يدعوك لصحبة القوم الذين لايشقى بهم جليس، أتعلم أخي الشاب أن رجلاً قتل مائة نفس ظلماً، وحين جاء لعالم يدله على طريق التوبة أمره أن يسافر من قريته ليلحق بقوم الصالحين، فمات في الطريق، فغفر له وهو لم يعاشرهم؟ أو ماسمعت قول النبي ز : "المرء مع من أحب"(1).فمع من تحب أن تحشر يوم القيامة؟ أو ماسمعت وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "(2).
وقد تقول: إني أجد المتعة كثيرا عند أصحابي، وألقى المرح والمزاح الذي يزيل عني السآمة، ويطرد عني روتين الحياة، فأقول نعم تجد ذلك عند رفاق الغفلة، ولكن أيستحق هذا الثمن: أن تخاطر بحياتك، ومستقبلك؟ بل أقول لك: من أين لك هذه الدعوى؟ وكيف تحكم على الأخيار وأنت لم تعاشرهم وتصاحبهم؟ والحكم على الشيء فرع عن تصوره .
وإني أقول لك والرائد لايكذب أهله؛ أقول لك: ستجد ماتريد من المتعة وإزالة السآمة، ولكن في جو منضبط بالضوابط الشرعية، وستجد ما هو أهم من ذلك، حياة القلب وسعادته.
__________
(1) - رواه البخاري (6170) ومسلم (2641).
(2) - رواه أبو داود(4833) والترمذي (2378)(1/13)
وتبقى هذه الأخوة والصداقة رصيداً يدخره المرء ليوم لاينفعه غيرها، حين تزول كل الصلات، ويلعن كل خليل خليله، ويتبرأ كل تابع من متبوعه، بل حتى صلات النسب والقرابة تزول وتمحى {يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه} (عبس24-27) ففي هذا اليوم تبقى هذه الصلة والمحبة {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين* ياعباد لاخوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} (الزخرف68-69) ويناديهم تبارك وتعالى هذا اليوم :"أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي"(1).
والمتحابون من أجل الله المتآخون فيه يجدون لذة الإيمان وحلاوته كما قال ز :"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"(2)إنها حلاوة الإيمان ولذته التي لايمكن أن تقاس بها حلاوة المعصية وصحبة الأراذل
ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
والمتحابون في الله أخي العزيز مع مايجدونه من لذة الطاعة وحلاوة الإيمان يفوزون بمحبة الله تبارك وتعالى لهم، كما قال ز: "قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاوري في، والمتباذلين في"(3)
وفي مقابل ذلك كله: هل يستطيع أحد أن يأتي بفضيلة وثمرة واحدة لصحبة الأشرار؟
وإليك البديل
اسمح لي أن اكون اكثر صراحةً معك هذه المرة: إن من أكبر ما يعيق الشاب عن الاستقامة هو شعوره أنه سيفقد الشهوات التي كان يتمتع بها، أو قل: عجزه عن السيطرة على نفسه والتخلي عنها، أليس كذلك؟
__________
(1) - رواه مسلم (2566)
(2) - رواه البخاري () ومسلم (43)Y
(3) - رواه مالك في الموطأ (2/953)(1/14)
إن المسلم ابتداء يلتزم بأمر الله عز وجل لأنه أمر الله، والتزامه لايتوقف على اقتناعه بالحكمة أو ماوراء ذلك، ومع ذلك فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، إنك تقرأ القرآن الكريم، ومما تقرأ فيه {إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكاراً * عرباً أتراباً * لأصحاب اليمين } (الواقعة35-38)ويحدثنا ز عن وصف حي لنساء الجنة: " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على رجل واحد، لاتباغض بينهم ولاتحاسد، لكل امريء زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم"(1)وفي الحديث الآخر " ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لملأت مابينها ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا ومافيها "(2)
أفترى هذا البديل الأخروي خير لك أم البديل العاجل؟ إنك حين تدرك ذلك تدرك مبلغ الحماقة والسخف الذي يرتكبه أولئك الذين يمتعون أنفسهم بالمتاع العاجل في هذه الدنيا، وقد يخسرون حينها النعيم المقيم في الدار الآخرة.
وعن شبابه فيم أبلاه
لا أشك أخي الكريم أن تحفظ قوله ز " لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس:عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم"(3)وحين نفكر ملياً في واقعنا فهل سنجد فيه الإجابة المقنعة عن هذه الفقرة "شبابه فيما أبلاه " أمام من لاتخفى عليه خافية ؟ وهل حالنا الآن مع عمر الشباب تؤهل لاجتياز هذا الامتحان ؟ إن واقعنا الآن يستحي أحدنا من الحديث عنه أمام الآخرين ويستتر على ما فيه فكيف به حين تكشف السرائر والخفايا أمام الملك العلام؟ ألا ترى أن أمامك الفرصة للتغيير من واقعك واغتنام الشباب للإعداد لهذا الإمتحان يوم العرض الأكبر؟
كن أحد السبعة
__________
(1) - رواه البخاري (3254) ومسلم (2834)
(2) - رواه البخاري (2796)
(3) - رواه الترمذي (2416)(1/15)
في يوم القيامة تزداد الأهوال مع الناس ويبلغ الكرب مداه، ومن كروب يوم القيامة وصفه ز في حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه" تدنى الشمس يوم القيامة من الخلائق حتى تكون منهم كمقدار ميل، قال سليم بن عامر - أحد رواة الحديث - فوالله ما أدري مايعني بالميل، أمسافة الأرض؟ أم الميل الذي تكتحل به العين، قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، قال: وأشار رسول الله ز بيده إلى فيه"(1)وفي هذا الموقف الرهيب يكرم الله سبحانه وتعالى طائفة من عباده فيظلهم في ظله يوم لاظل إلا ظله كما أخبر ز " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"(2).
فهلا تساءلت بجد:ما الذي يمنعني أن أكون من هؤلاء ؟ إنهم بشر فيهم صفات البشر ونوازعهم لكنهم انتصروا على دواعي الهوى فاستقاموا على طاعة الله وأنت أخي الكريم حين تتخلى عن طريق الغواية والغفلة وتسير في ركاب الصالحين يصدق عليك أنك شاب نشأ في عبادة الله فتستحق بإذن الله هذه المنزلة والنعيم.
__________
(1) - رواه مسلم (2864)
(2) - رواه البخاري (660) ومسلم(1031)(1/16)
إن اولئك الشباب الذين يمتعون أنفسهم بالحرام وإن وجدو غاية اللذة والمتعة، إنهم يخسرون أعظم خسارة، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير إذ يضيعون هذه الفرصة على أنفسهم، لقد أخبر ز عن قيمة متاع الدنيا في مقابل متاع الآخرة إذ قال :"يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول:لا والله يارب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيقال له: ياابن آدم: هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لاوالله يارب، مامر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط"(1).
فبادر أخي الكريم لعل هذه الصفة أن تحقق فيك فيكرمك ربك هذه الكرامة .
لاتنتظر الموعد الموهوم فقد تكون النهاية
لو طرحت هذا السؤال على جمع من الشباب: ( ماالسبب في استقامتك والتزامك؟ ) لأجابك أكثر من شخص أنه كان وراء ذلك حادث أصابه، أو موت قريب، أو زميل، فأحدث لديه هزة عنيفة دفعت لاتخاذ ذلك القرار، ولاشك أن اتعاظ الشاب بما يحدث له أو لغيره، واستيقاظه أمر مطلوب، لكن أن يعلق الشاب التزامه، واستقامته بمثل هذه الحوادث، فهذا سلوك لايملك أي نسبة من الصحة، إن ثمت عدد غير قليل من الشباب يدرك خطأ طريقه، وحاجته إلى تصحيح المسار لكنه يعلق هذا القرار لحينٍ تجيء فيه المناسبة، إن هذا المسلك مع عدم شرعيته، قد يقود لنتيجة خطيرة، فأنت تنتظر حادثاً لك قد تكون فيه نهايتك وحتفك، أو تنتظر موت زميل لك أو قريب، فقد تكون أنت ذلك المتوفى ويتعظ غيرك بك، والأمر - أخي الكريم - ليس فيه مجال للمخاطرة، لأنه يعني باختصار خسارة الدنيا والآخرة، وليس هناك إلا إلا فرصة واحدة لاتتكرر.
لاتقنط من رحمة الله
__________
(1) - رواه مسلم (2807)(1/17)
يظل الماضي القاتم حاجزاً بين بعض الشباب والتوبة والاستقامة، وتتسارع في ذهنه حين يفكر في التوبة، تلك المشاهد المؤلمة من حياته من الجرأة على المعصية، والتخلي عن الطاعة لله سبحانه، لتقف عقبة كأداء في طريقه، ولسنا بحاجة إلى الجدل العقلي، أو وجهات النظر البشرية لتحطيم هذا الحاجز، فما ترك الله من خير نحتاج إليه إلا وبينه لنا في في كتابه، أو سنة نبيه ز، وحين نعود إلى القرآن الكريم نقرأ فيه الدعوة إلى التوبة والإقبال عليه:
أ- فقد دعا الله - سبحانه - إلى التوبة من تجرأ على الشرك، وقتل النفس، والفواحش، فقال: {والذين لايدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولايزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً * ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً} (الفرقان68-71)
ب - ويدعو إلى التوبة المنافقين، الذين هم في الدرك الأسفل من النار { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً} (النساء145-146)
ج - ودعا إلى التوبة أولئك الذين ارتكبوا أبشع جرم فتجرأوا على ذات الله-سبحانه وتعالى- فنسبوا الولد له{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب عظيم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم} (المائدة73-74)(1/18)
د - بل القنوط واليأس من رحمة الله من صفات الكافرين { إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } (يوسف87) وينهى الله عباده في كتابه أن يصيبهم شعور اليأس فيقنطوا من رحمة الله { قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } (الزمر53) فيخاطبهم الله بهذا اللفظ المحبب الذي يشعرهم بالقرب منه سبحانه وتعالى {ياعبادي} وحتى لاتتحول هذه الدعوة للتوبة إلى رجاء خادع ووهم كاذب يعقب القرآن على تلك الدعوة للتوبة { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتكم العذاب ثم لاتنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لاتشعرون} (الزمر54-55)
هـ - بل أمْرُ التوبة - أخي الكريم - فوق ذلك، فأصغ سمعك إلى مايقوله ز: " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها - قد أيس من راحلته - فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك -أخطأ من شدة الفرح "(1).
إذاً بعد ذلك: هل يبقى مكان لذلك الوهم، أو الحاجز المصطنع؟ فبادر بالتوبة والإقبال على الله، وإياك والتسويف فلا تدري ماذا في الغد من المقدور {أن تقول نفس ياحسرتا على مافرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين.أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين.أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} (الزمر56-58)
إنه قرار واحد
__________
(1) - رواه البخاري (6309) ومسلم ( 2747) من حديث أنس. ومن حديث ابن مسعود. ورواه مسلم من حديث البراء، ومن حديث النعمان بن بشير. والترمذي من حديث أبي هريرة.(1/19)
إن الاقتناع بخطأ طريق الغفلة، والممارسة الشاذة، والسلوك المنحرف، أمر يشترك فيه الكثير من الشباب ممن هم كذلك، بل تجد أكثرهم يقتنع بحاجته إلى الالتزام والاستقامة، ولكن هذا القرار الشجاع الحاسم يقف المرء معه متردداً متهيباً.
لست أدري ما مصدر هذا التردد؟ ما دام الاقتناع قد تكوَّن لدى الشاب بخطأ الطريق، وسلامة الطريق الآخر فماذا ينتظر؟ إنه التخوف الذي لامبرر له.
القضية باختصار أخي الشاب قرار جريء وشجاع تتخذه وبعد ذلك يتغير مجرى حياتك تلقائياً، ويهون مابعده، فهل تعجز عن اتخاذ هذا القرار؟ لا إخالك كذلك وأنت الشاب الجريء في حياتك كلها، واسأل من كانوا شركاء لك في الماضي، فاتخذوا القرار، وسلكوا طريق الهداية.
إني أعضك موعظة مشفق، وأنصحك نصيحة محب: إن اتخاذ القرار بالالتزام والاستقامة أهون عليك والله من تحمل ثقل الأوزار، وتبعة الفسوق في يوم يحتاج الناس فيه للحسنة الواحدة، في يوم يقف فيه العبد بين يدي ربه كما قال ز :"مامنكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبين ترجمان فينظر أيمن فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ماقدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة"(1).
أختم رسالتي أخي الشاب إليك وأن بانتظار أن يحمل البريد لي رسالة البشرى منك،:(أبشرك أني سلكت طريق الاستقامة، والتزمت بأوامر الله ) أسأل الله أن يهدينا وإياك لصراطه المستقيم، ويثبتنا عليه إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
محمد بن عبدالله الدويش
ص ب 52960 الرياض11573
المحتويات
لماذا هذه الرسالة ...
ماذا يريدون منك؟ ...
حتى لاتدفع ضريبة الغفلة ...
هل رأيت الأخيار؟ ...
ألا تعرف أحدا من هؤلاء؟ ...
إليك البرهان من حياتك الخاصة ...
هلا قرأت التاريخ ...
لازلنا مع النماذج ...
تأمل في واقع أمتك ...
ألا تريد دوراً في هذا الإنجاز؟ ...
هل يريد بك هؤلاء خيراً؟ ...
__________
(1) - رواه البخاري (7512) ومسلم (1016).(1/20)
قبل أن تذبل الزهرة ...
أعلن البراءة اليوم قبل الغد؟ ...
هم القوم لايشقى بهم جليس ...
وإليك البديل ...
وعن شبابه فيما أبلاه ...
كن أحد السبعة ...
لاتنتظر الموعد الموهوم فقد تكون النهاية ...
لاتقنط من رحمة الله ...
إنه قرار واحد ...(1/21)