حوار مع الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. {يا أيها الناس اتَقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } . أما بعد :
فإن أحسن الحديث كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار . . .
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) رواه البخاري .
وقال أبو ذر رضي الله عنه: ( بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا ... وأوثقني سبعا ... وأشهد الله علي تسعا ... أن لا أخاف في الله لومة لائم .... فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل لك إلى بيعة ولك الجنة ؟ قلت : نعم ... وبسطت يدي .... ) رواه الإمام أحمد.
وبعد :(1/1)
فهذا حوار مع الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله ، صيغ من كتابه " الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة " يجيب فيه على الكثير من التساؤلات التي تطرح نفسها ، وقد تم صياغة أسئلة تناسب الجواب وتتوافق مع عصرنا الحاضر وما نمر به من أحداث - فالأسئلة ليست من الكتاب - أما الإجابات فهي بالنص للشيخ من كتابه المذكور ، وقد تم الإحالة إلى رقم الصفحات ، سائلين المولى عز وجل أن ينفع بها ، إنه على كل شيء قدير .
س/ ما هو واجبنا كمسلمين أمام الله ؟
ج/ ( واجب المسلم ) أن يعتبر نفسه خليفة الله في أرضه ، جنديا له يسعى بالصلاح والإصلاح ويبذل غاية جهده وما يملك لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكفر هي السفلى ، ويعتبر نفسه مسؤولا أمام الله عما يحدث في الأرض من كفر وظلم وفساد ، فيكرس جميع مجهوده للاستعداد بالقوة وتسخير ما يقدر عليه من المواد في جميع العوالم لهذا الغرض السامي النبيل الذي ينقذ به البشرية من الضلال والدمار والانحلال ويحررها من عبودية بعضها البعض ويزكي نفوسها بالتقوى والصلاح ، غير متلبس بالأثرة ولا طامع في منصب أو لقب ، وهذا هو مبدأ الرسل ومن سار على منهاجهم متبعا لهدى الله ، ومن أنحرف عنه أو قصر فيه كان مفرطا في جنب الله خارجا عن طاعته مفتريا عليه ، ومتعرضا لعقوباته الشرعية والقدرية . (ص:20)
س/ ما هو أول ما فرض الله علينا كمسلمين ؟
ج/ هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله والدليل قوله تعالى :{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقوله { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } . (ص:22)
س / ومن هو الطاغوت الذي يجب الكفر به ، وهل الحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت؟(1/2)
ج/ . . . من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت ومن دعا إلى بدعة أو انتحل مذهبا أو مبدأ مخالفا لملة إبراهيم وشريعة سيد المرسلين فهو طاغوت وتزداد شناعة الحكم عليه بحسب قوة دعوته إلى ذلك والتسلط على الناس لتنفيذ مذهبه وتعزيز مذهبه أو تسلطه على الناس بتحليل ما حرم الله وعكسه بقوة القهر والدعاية المغررة . (ص:23 )
س / وما حكم من خضع لبعض الطواغيت واستسلم لتشريعاته مستحسناً لها ؟
ج/ هو مخل بتوحيد الإلوهية مناقض لملة إبراهيم عليه السلام ، ولا ينتفع من استحسانه وقبوله وتنفيذه لمذاهب الطاغوت بشيء من أعماله كما قال تعالى : { هل أتاك حديث الغاشية ، وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نار حامية } وغير ذلك من الآيات . (ص:30 )
س/ هل يجوز إسداء ألقاب المدح والشرف على هؤلاء الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله ، خصوصا ونحن نرى هذه الأيام من ينتسب إلى العلم يصفهم بالعدل وانهم خير من غيرهم من الجماعات الإسلامية ؟
ج/ إن الله حصر صفة السفه حصرا فيمن تنكب عن ملة إبراهيم ورغب عن شريعة محمد إذ قال : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } وشبه من لم ينتفع بالقرآن بالحمار ، ومن أنسلخ من آياته بالكلب وحصر صفة الضلال فيما سوى الهدى وجعل للإيمان مقاييس وموازين توزن به فمن مدح من ذمه الله من أولئك فهو متعد لحدود الله فكل منحرف عن تعاليم الإسلام معطل لحدوده محتكم إلى غير شريعة الله لا يجوز وصفه بأي لقب من ألقاب المدح والشرف مهما كان ، ففي الحديث : ( لا تقولوا للفاسق سيدا فإنه إن يكن سيدا فقد أسخطتم ربكم ) وأي فاسق أعظم فسقا ممن ابتغى غير الله حكما وشرع له ما لم يأذن به الله من المبادئ والمذاهب المادية الحديثة المرتكزة على الفلسفة الغربية بإيحاء من الصهاينة . (ص:33)
س/ هل من حكم غير شرع الله خائن ؟(1/3)
ج - الخائن هو من . . . استهان بشعائر الإسلام ، ونبذ كتاب الله وراء ظهره ولم يهتم بشؤون المسلمين ولم تأخذه الغيرة لدين الله والغضب لانتهاك حرماته ولم يبالي بتعطيل شرعه وحدوده . (ص:32)
س/ ما حكم الدعوة إلى الله والعمل للإسلام ؟
ج/ هي وظيفة كل مسلم أورثه الله الكتاب والسنة من نبيه عليه السلام ، وكل مسلم يشمله عموم الأمر بالدعوة إلى الله ولوازمها من قوله تعالى : { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } وعموم قوله : { وقل اعملوا } وقوله : { وجاهدوا في الله حق جهاده } أي واجب جهاده ، فكل مسلم عليه أن يبالغ في الجهاد بجميع أنواعه بحيث لا يترك من المستطاع منه شيئا ، ولا سيما في الأزمنة التي تخلت فيها الحكومات عن العمل للإسلام والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ، فإن ذلك أصبح محتما في عنق كل مسلم ، فيعتبر عاصيا مفرطا في جنب الله إن قصر في ذلك أو تخلى عنه ويكون ممن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض كفرا عمليا بطرحه إياه والتخلي عنه ، ولذا نال الأمة ما توعدها الله به من الخزي في الحياة الدنيا : { ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون } فلينتبه المسلمون لواجبهم ويحاسبوا أنفسهم ويئيبوا إلى ربهم . (ص:35)
س/ هل يكفي اقتصار المسلم على إصلاح نفسه وأهله وعمارة مسجده دون التعرض لأحوال الناس ؟(1/4)
ج/ كلا ثم كلا ، بل لابد له من التواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ، والأخذ على يد السفيه وإشتغال المسلمين جميعا بإرشاد الضال ونصح المقصر وتقويم المعوج وإصلاح الفاسد وردع الملحد وقمع المفتري على الله وأخذ القرآن بقوة والدفع به وبسنة المصطفى إلى الأمام لئلا يجعلوا فراغا لغيرهم بنفذ منه إليهم فإن هم فرطوا في ذلك غزاهم أعداء الله بالباطل وغزاهم كل مغرض فأفسد قلوبهم وقلوب أبنائهم وأزاحها عن الإيمان الصحيح وأخرب بيوتهم بمفاسد الأخلاق والتهتك والانحلال وعبث بمقدراتهم وتحكم في مصيرهم كما جرى فعلا وسيجري أضعافه على أيدي المحسوبين على الإسلام من أولاد المؤمنين الذين استجابوا لتعاليم الكفرة وتقبلوا ثقافتهم واستحسنوا ما عندهم من القبائح الموبقات وكل هذا من تفريط المسلمين في جنب الله واقتصارهم من طاعته وعبادته على بعض دون بعض . (ص:38-39 )
س/ يستدل المتخاذلون بقوله تعالى : { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم } على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهل استدلالهم صحيح ؟
ج / القرآن يفسر بعضه بعضا ، ( معنى الآية ) إننا إذا أهتدينا ، وتواصينا بالحق ، وصبرنا على الأذى فيه ، وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر ، وتعاونا مع إخواننا على البر والتقوى ، وجاهدنا في الله حق جهاده ، فحققنا الأهتداء الواجب علينا ، لا يضرنا حينئذ ضلال الضالين وعناد المعاندين بعد ذلك ، إذ بدونه لا تتحقق الهداية أبدا . (ص:40)
س/ ما هو واجبنا كمسلمين نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟(1/5)
ج/ ينضبط واجبنا نحوه صلى الله عليه وسلم بتحقيق قوله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } فيجب أن يكون أحب إلى كل مسلم من نفسه ووالده وولده وأمواله والناس أجمعين ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) فمحبته لا يكتفي فيها بأصل الحب بل لابد من إيثاره في الحب على كل شيء ، وأن يكون حقه صلى الله عليه وسلم آثر من حقوقنا ، وحكمه أنفذ من حكم أنفسنا ، وشفقتنا عليه وعلى نصرة ما جاء به من الحق أعظم من شفقتنا على أنفسنا وعلى أقرب قريب لنا ، وان نبذل دونه المهج والأرواح ونجعلها فداء له ووقاء له من كل نائبة تجري على دينه ، وأن لا نتخلى عن الدفاع عن سنته ودينه القويم بالسلاح والقلم واللسان . . . وأن لا يصدنا عن ذلك ما يسنح لنا من المصالح والأهواء والمناصب ، ولا ننحرف عنها إلى ما تجدد من المبادئ والمذاهب ، ولا يشغلنا عن نشر سنته وتبليغ دعوته أي شاغل ، ونجعل ما نستحصل عليه من كد وكسب في هذا السبيل ، لنجعل من حياتنا امتداد لحياته الطاهرة ، فيكون فرطا لنا في الدار الآخرة ، وأن نتبع جميع ما يدعوننا إليه ، ونستفصل عن سنته لنقتدي بها ، فإ
س / يدعوا بعض الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله إلى نبذ الأحاديث والعمل بالقرآن فقط ، كذلك نسمع بين الحين والأخر بعض العلمانيين على صفحات الجرائد في مصر وغيرها يدعون إلى هذا ، فما حكم من رفض السنة وقصر العمل والحجة على القرآن ؟(1/6)
ج/ هذه خطة الزنادقة والملاحدة ليقضوا على شطر الدين ويلبسوا على الناس بتعظيم القرآن ، وهم كاذبون وإلا فالقرآن يأمر بإتباع الرسول وطاعته ، وذلك لا يحصل إلا بإتباع سنته والتأسي به ، وقد أجمع أهل العلم إن السنة المطهرة مستقلة في تشريع الأحكام وإنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال : ( ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ) وقد أختلق الزنادقة حديثا وضعوه على الرسول وهو : ( ما آتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فأنا قلته وإلا لم أقله ) وعارض المسلمون هذا الحديث حتى اثبتوا شاهدا على بطلانه من نفس متنه ، لأن الله يقول : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وهذا النص القرآني معارض لهذا الإفك الموضوع ، والباطل لا بد له أن ينقض نفسه بنفسه ، وبالإجمال فثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بالتشريع ضرورة دينية لا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام . (ص:63)
س / ما هو الإلحاد ، ومن هو الملحد ، وما حكمه ؟
ج/ هو الميل عن الحق والانحراف عنه بشتى الاعتقادات والتأويل . . . وكل من خالف النص . . . وغيره أو تأول شرائع الإسلام والإيمان على خلاف ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً أو غير حدود الله وأحكامه بحجة التطوير والحضارة والرفق بالإنسان وما إلى ذلك فهو ملحد ، وكذلك من زعم ان النصوص الشرعية لا تفيد اليقين الموجب للعمل حتى يقبلها ويستسيغها فإنه ملحد لأنه جعل العقل البشري نداً للدين الإلهي . ( والملحد ) يكفر وتجري عليه وعلى ماله أحكام المرتدين إذا قامت عليه الحجة بالتعريف بالدليل أو أنكر الأدلة الشرعية ولم يخضع وأصر على عناده بالاستسلام لغيرها . (ص:40-41 )
س/ ما هو الشرك ، وهل يدخل فيه اتباع وتحكيم غير الله ورسوله ؟(1/7)
ج/ (الشرك ) هو أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، وهو أكبر الكبائر ، وهو الماحق للأعمال والمبطل لها والحارم من ثوابها ، فكل من عدل بالله غيره بالحب والتعظيم أو أتبع خطواته ومبادئه المخالفة لملة إبراهيم فهو مشرك ، وكذا من أنتصر له وقاتل معه تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو ينتصر لعصبية ومذاهب مادية مما قذف به الغربيون علينا فهو مشرك ، وقد تبرأ منه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور ، وكذلك الذين بدلوا قولا غير الذي قيل لهم فجعلوا حدود الوطن فوق حدود الله ومحبة الجنس والقوم فوق محبته ، أو اندفع باسم التحرر والتطوير ونحوه مما وضعته البروتوكولات الصهيونية سرا ، ونفذه تلاميذ الإفرنج جهرا من كل ما هو مخالف لحكم الله وخارج عن تعاليم الإسلام فهو مشرك . (ص:43)
س/ وما هو الند والأنداد ، وهل هي محصورة في الأوثان الحجرية ؟(1/8)
ج / الند هو الشبه والمثل ، والأنداد جمع ند وهي الأمثال والنظراء والأشباه ، وهي أعم من الأصنام الحجرية الميتة الصامتة ، فيدخل في مسماها أنواع البشر المتحرك الناطق الذي يفرض سلطته قهرا أو تضليلا فيحاط بهالة من الثناء والتعظيم لما يروج للناس من دعايات تغرر بالجماهير ، فمن استجاب لمذاهب أحد من هؤلاء وأنطلق لتنفيذ خططه والسير في ركبه دون ردها إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ووزنها بميزان الشريعة الحقة فهو مشرك ، ويدخل أيضا في عموم الأنداد الرؤساء الروحيون الذين يقدسهم أهل الملل والنحل وسائر المبتدعة ، فالمتقبل لما يصدر منهم برحابة صدر هو مشرك أيضا ، إلى غير ذلك من كل ما يعدل الناس به الله ويعتبرونه لهم نبراسا في سير الحياة وممثلا لمناهجهم فيها ويحظى منهم بالتوجه إليه ما لا يحظى به رب العالمين ، كما هو مشاهد من حالة الناس اليوم مع محبوبيهم من الزعماء السياسيين أو الدينيين ، فكله شرك مناقض لمدلول الشهادتين ، كذلك القول على الله بغير علم هو عديل الشرك لأنه افتراء على الله ولا أحد أظلم ممن افترى على الله . (ص:43)
س/ هل بين الحق والباطل طريقا وسطا يطلبه الناس ويختاروه ؟
ج/ كلا . فان الله حصر الضلال فيما سوى الحق ، فليس فيما سواه طريقا صالحا ولا انصاف حلول ابدا ، قال تعالى : { فماذا بعد الحق إلا الضلال }(ص:66) .
س/ ما حكم التقليد ؟
ج/ التقليد في اصول الدين والتوحيد لا يجوز بل يجب فهم الدين كما جاءت به الرسل على وجهه الصحيح الملهب للضمائر والدافع لجميع القوى والجوارح إلى الامام في سبيل الله ، واما في فروع الدين فيجوز تقليداي مذهب من المذاهب السنية ، ولو لم يلتزم مذهبا معينا بشرط ان لا يتبع الرخص ، وعلى العالم البحث عن الدليل والحرص على التمسك بما كان اقرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم من غيره من تفريعات المذاهب (ص:74).
س/ هل يجوز الطعن في المذاهب السنية بحجة الاخذ بالحديث ؟(1/9)
ج/ تعلم الحديث والاستنباط منه فرض كفاية - استقلالا- ولكن لا يجوز لمن رزقه الله طول الباع فيه - فضلا عمن اوتي منه قليلا - ان يطعن على المذاهب أو يندد باتباعها في الفروع لانها مرتكزة على الكتاب والسنة والقياس المستنبط منهما في فقه الاحكام ، ويندر ان توجد مسألة فقهية مرتكزة على تعليل شاذ ، ولا يجوز لمدعي الحديث ان يقرن المذاهب السنية بمذاهب المبتدعة من أهل الكلام الذين يرون النصوص الشرعية لا تفيد اليقين - والعياذ بالله - فالفرق عظيم بين هذه وهذه ، كما لا يجوز ايضا ان يفرض اقامة الحجة على المقلد المتمذهب ببعض المذاهب السنية بمجرد تلاوة بعض الاحاديث عليه ، لانه يرى ان إمامه اعلم بحديث الرسول من هذا ، ولم يقلد إمامه إلا ليقينه انه اعرف بالسنة ، لا لانه منطقي ياخذ بالمعقول ، فافهم تغنم . (ص:75)
س/ ما هو المحرم من التصاوير والمباح منها ؟
ج/ ينبغي للمسلم ان ينظر في حكمة التشرع الإلهي والأمر والنهي لئلا يعتريه التفريط أو الافراط ، الاحاديث وردت بالوعيد الشديد للمصورين واستعمال التصاوير ، والعلة في ذلك مركبة من شيئين .
اولا : التعظيم الذي هو نوع من انواع العبادة .
ثانيا : مضاهات خلق الله .(1/10)
وليس التحريم مقيدا كون التصوير مجسما او شمسيا من حبس الظل ، انما العلة التعظيم ، ولذا انكر النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وضعها القرام الذي فيه تصاوير وهي غير مجسمة ، ولكن لما كان فيه مظنة التعظيم نهاها عنه، فلما قطعته وجعلته وسائد تكون التصاوير فيه ممتهنة اقرها ، فعلى ذلك يباح من التصاوير ما دعت إليه الحاجة لضبط الجنسية وتحقيق الشخصية ومعرفة المجرمين والمشبوهين عن الاشتباه وما يتخذ منها عرضة للامتهان كالذي في يفرش والنمارق ، اما الصور التي تاخذ للاشخاص المحبوبين المعظمين لتعلق في المنازل والمكاتب لاحتلال اصحابها مكانة في النفوس . . . فهذه لا تجوز لقيام علة التحريم وهي التعظيم المخل بالتوحيد . (ص:34-35).
س/ كيف لنا بمن يقول " الدين علاقة بين العبد وربه لا شأن له في السياسة والحكم " ؟
ج/ هذه الخطة انتهجها الثائرون على الكنيسة في اوربا التي ليس عندها ثروة تشريعية راقية باساليب الحكم والسياسة ، فانتهج هذه الخطة تلاميذ الافرنج من ابنائنا وعملوا على تطبيقها في بلاد المسلمين ، متلقين من اساتذتهم ، فابعدوا بهذه الخطة حكم الله وازاحوا المسلمين عن تعاليم شريعتهم وصبغوهم بصبغة افرنجية .
فعلاقة العبد بربه يجب ان تكون عامة في كل شيء ، بحيث لا يحكم إلا بكتاب وسنة نبيه ، ولا يتحرك إلا بمرضاته واجتناب سخطه ، ويراقب الله في كل اعماله ، ويقطع علاقته بكل ما سوى الله من عشيرة أو وطن أو قرابة أو مال ، ولا ينظر إلى ذلك كله إلا بمنظار الإسلام . (ص:159) .
س/ ما حكم هذه المقالة " الدين لله والوطن للجميع " ؟(1/11)
ج/ هذه المقالة انبثقت مما قبلها وصاغها الحاقدون على الإسلام الذين رموه بالطائفية بهذه الصيغة المزوقة إفكا وتضليلا ليبعدوا حكم الله ويفصلوه عن جميع القضايا والشؤون بحجة الوطن الذي جعلوه ندا لله وفصلوا بسببه الدين عن الدولة وحصروه في أضيق نطاق فأعادوا بذلك الحكم القيصري والكسروي بألوان وأسماء جديدة والعبرة بالمعاني لا بالأسماء والألقاب فهي خطة شركية قل من انتبه لها ولا يجوز للمسلمين إقرارها أبدا ولكن غلبت عليهم سلامة الصدر فاغتروا بما يطلقه أولئك من الدجل والتهويل ويخادعون به الله والمؤمنين من دعوى تعظيم الدين والارتفاع به عن مستوى السياسة التي هي غش وكذب ليخدعوا به المسلمين ويخرسوهم والله لا يرضى من عباده أن يتهاونوا بالحكم ويتنازلوا عن حدوده قيد شعرة أو تنقص فيهم الرغبة الصادقة في تنفيذه - بدلا من أن تنعدم - لحب وطن أو عشيرة بل ولا حب ولد أو والد أو أخ قريب فالدين الذي لله يجب أن يسيطر على الجميع ويكون احب وأعز من الوطن وأن لا يتخذ الوطن أو العشيرة ندا من دون الله ويعمل من أجله ما يخالف حكم الله وتبذل النفوس والأموال دون كيان العصبية والقومية وفي سبيل الوطن لا في سبيل الله لإعلاء ك لمت
س/ ما هي الوثنية ؟
ج/ ان الوثنية برسمها الخاص وصبغتها الواحدة التي تجمعها هي (1) تقديس غير الله (2) أو تحكيم غيره (3) وتشريع ما هو مناف لشرعه الحكيم .
لكن ليس معنى هذا انحصارها برسم خاص قد انتهى أو بصبغة واحدة تلبس بها غيرنا ونحن معصومون منها ، بل ان فروع هذه القواعد الثلاثة الخبيثة كثيرة جداً فكل من تلبس بشيء منها كان وثنياً أو كان فيه من الوثنية بحسبه مهما كان وفي أي محيط كان ، لأن للإنسان في هذه الحياة وظائف خاصة اوجده الله من اجلها فإن هو أخل بها أو تجاوزها إلى غيرها أو اعتدى فيها كان ظالماً باخساً لحق الله وفيه من الوثنية بقدر ما أرتكبه .(ص:44)
س/ هل الجاهلية مقصورة على قرون مضت ؟(1/12)
ج/ ليست مقصورة على قرون بل قد تزيد الجاهلية في قرن على ما قبله من القرون، إذ لها طوابع خاصة يتصف بها كل فرد وكل أمة عتت عن أمر ربها ورسله وتبعت أهواءها في كل شئ ، حتى إن جاهلية اليوم تعتبر افظع من كل جاهلية سبقتها لأن فيها من الإغراء على كفر النعم وإنكار الخالق أو التنكر لدينه وشريعته والتهجم على حكمته والاستهانة بعزته وتحسين الخلاعة والرذيلة والفجور وذهاب الغيرة والحياء ما لم يكن في محيط أبي جهل وأبي لهب وما قبله من كل جاهلية . وقد لا ينتهي الأمر عند هذا الحد ما دامت الإنسانية خارجة عن حدودها متمردة على نظام الله ، وستبقى عرضة لعقوباته حتى ترجع إلى أمره وتتصور دينها ومقوماتها الصالحة المصلحة تصوراً صحيحاً تهتدي به إلى حسن تطبيقه دون اخلال (ص:44-45).
س/ كيف بمن يقول " الدين مصدر الطائفية والشقاق . . . الخ " ؟
ج/ هذه الفكرة ركزها الاستعمار في تعليمه الثقافي الذي هو امتداد للحروب الصليبية ، وتلقاها بالقبول والتشجيع اصحاب المبادئ القومية والمبادئ المادية والنحل الوثنية المطلية بشعارات يستحسنها الذين نسوا حظا مما ذكروا به .
والدين الإسلامي . . . على العكس مما رموه به ، فهو مصدر الوحدة الصحيحة وتحقيقه سبب العز والتمكين والتضامن والتراحم .
وأي طائفية في دين يقول لأهله : { قولوا امنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون } .
وانما تكون الطائفية بالافتراء على الله سواء كان بحجة دين كاذب أو مذهب مادي وثني يصبغ بطلاء الجنس والوطن. . .
وكل هذا امتداد لما قيل من الدسائس . . . ضد الإسلام ليشغلوا اهله في ارضهم بذلك ، فيبقى كالمريض في بيته .(1/13)
فما يرى من مظاهر الطائفية والمذهبية هو في الحقيقة مبادئ واحزاب سياسية مطلية بطلاء المذاهب المختلفة ، فالجريرة اذن هي على السياسة الماكرة الكافرة ، لا على الدين الإسلامي الصحيح الذي هو اساس الوحدة بجميع معانيها .
ثم (اهل الصليب ) لما عجزوا عن محاربة الإسلام بالسيف غزوه غزوا ثقافيا بذلوا به الاموال الطائلة ( للمنصرين ) ، ولما اخفقوا بعد مجهودهم الكبير وايقنوا استحالة تنصير المسلمين ابرموا الامر لاخراج ابنائه منه فقط دون ان يتشرفوا في الدخول إلى ( النصرانية ) بزعمهم ، بل يعيدوهم إلى حروب وثنية من تقديس الجنس والوطن واستبدال حدود الله بحدوده ، وحماية كيان القوم بدل حماية دين الله ، واستبدال محبة الله ورسوله بمحبة هذه الطقوس والشعارات ، ودعوى العمل للوحدة التي تجمع الفرق تحت اسم " القومية " بدلا من الدين ، ولتبرير خطتهم الاثيمة وتغطية باطلهم على الناس السطحيين رموا الدين بدائهم هم - رموه بالطائفية وهم بها اقوم والصق - ويتحمس لهذه الفكرة لفيف من النصارى ليخدعوا بها المسلمين على حساب ( الإسلام ) الذي بشر به عيسى . . .
وقد حمى الله الوحدة والتمكين بتحقيق دين محمد صلى الله عليه وسلم وكتب الشقاق على من تنكبه وتولى عنه ، قال تعالى : { فان امنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق } فحصر الله حالتهم في الشقاق كما هو واقع بينهم الان على الرغم من زعم الوحدة الكاذبة . (ص:128-130)
س/ كيف لنا بمن يقول " الحكم للشعب والمال للشعب " ؟
ج/ هذه كلمات مخترعة ، ومخترعوها كاذبون في زعمهم ، فلا يتنازلون عن رأي من آرائهم ، بل هذه نغمة تغرير والهاء للشعوب التي تحب التنفس من حكمها الأول لتنخذع بالحكم الثاني ، والحق ان الشعوب البشرية يجب ان تكون مصونة الحقوق لا تساق كالأنعام .(1/14)
فالحكم لله الذي يجب ان يكون توجيه الشعب على نور وحيه ، وحكمه على نور شريعته ، لا ان يكون الحكم للشعب ، من يوجه الشعوب نحو رغباته من المذاهب المادية الوثنية .
وكذلك المال يجب صرفه في المصالح العامة وحفظ ثغور المسلمين والدفاع عن جميع قضاياهم والقيام بالدعوة إلى الله والاستعداد بكل قوة لقمع المفتري على الله والمعتدي على المسلمين ، فلا يجوز ان ينتهبه ذوو الانانية ولا ان يصرف في البذخ والتبذير ، ولا يجوز قطعا ان يقال " مال الشعب " . . . (ص:158).
س/ ما حكم مقالة " ارادة الشعب من ارادة الله " ؟
ج/ هذا افتراء عظيم ، تجرأ به على الله بعض فلاسفة المذاهب ومنفذيها . . . لم يسبق لها مثيل في أي محيط كافر عبر القرون ، إذ غاية ما قص الله عنهم التعلق بالمشيئة بقولهم : { لو شاء الله ما اشركنا . . } فكذبهم الله ، وهؤلاء جعلوا للشعب الموهوم ارادة الامر ، لتبرير خططهم التي ينفذونها . . . والذين تزعموا هذا الافك لا يطبقونه على انفسهم . . . فكأن الشعب الذي يحكمونه هم بالحديد والنار هو الشعب الذي ارادته من ارادة الله ، والباطل لا بد ان يتناقض وينادي على نفسه بالبطلان .
فقد اشركوا بالله شركا عظيما إذ جعلوا الشعب ندا من دون الله والاهواء اندادا لشريعتة وحكمه ، بدلا من ان يكون محتكما إلى الله ملتزما لحدوده متكيفا بشريعته ، منفذا لها (ص:78-79) .
انتهى ... رحم الله الشيخ الدوسري ... ونسال الله ان يجعل كلماته هذه نبراساً للمسلمين ...(1/15)