بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فإن هناك سلوكيات اقتصادية بدأت في الظهور والانتشار في المجتمعات المعاصرة تمثل عبئًا اقتصاديًا, لها آثار ضارة على الاقتصاد الأسري، وكذا الاقتصاد الوطني, فضلاً عن اقتصاد المجتمعات والدول.
وتُعدُّ سلوكيات التخمة وإدمان الشراء والاستهلاك الشَّرِه وهَوَس التسوق والإسراف والترف والتبذير أمثلة نموذجية لتلك السلوكيات الاقتصادية.
وقد ساعد على انتشار تلك السلوكيات والعادات عوامل عديدة، أهمها إغراق السوق بصنوف الكماليات والإعلان عنها بطريقة مثيرة، وكذا انخفاض الوعي الاستهلاكي لدى معظم أفراد المجتمع، وعدم توجيه الناس بشكل مباشر.
إن الإدمان للشراء لا يقل خطرًا ودمارًا نفسيًا عن خطر الإدمان للكحول والمخدرات.
جاء في بعض التحقيقات الصحفية: أحدهم يقول: أنزل إلى السوق وليس لدي نية للشراء, فخطرت على بالي أشياء فاشتريتها. وآخر يقول: إننا نستسلم للإغراء، فنشتري ما لا نحتاج إليه, وثالث يقول: دائمًا أشتري أشياء زائدة عن حاجتي, وإحداهن تقول: إن السبب الرئيس الذي يكون وراء دفع النساء إلى الإفراط في إنفاق المال هو السعي الدائم منهن من أجل الحصول على إحساسهن بالرضا.
وللأسف، فلقد باتت حمُّى الشراء والتسوق تستشري كثيرًا؛ لأن ضغوط الشراء الدعائية والتسابق من أجل رفع مستوى المعيشة وتسهيلات البيع وأسلوب العرض تتحكم في الإنسان، وقد أوقعت بأسر كثيرة في شباك الهوس.
إن ظاهرة حمى الشراء، ظاهرة انتشرت بين الناس أفرادًا وأسرًا ومجتمعات ودولاً وعوالم.
ظاهرة اخترقت حواجز العرف والعادة، ودمرت قواعد العقل والقيم، وأجهزت على ما تبقى من الأهداف الشريفة والغايات النبيلة.
ظاهرة فريدة من نوعها، ذات ارتباطات قوية مع أخواتها: النهم الاستهلاكي، وهوس التسوق، وإدمان الإنفاق.
ظاهرة تنخر في جسد الأمة، وتهدم كيانها باستمرار من قديم الزمن وإلى الآن.(1/1)
كيف لا وهي:
تحمل في ذاتها وكيانها معاول الإسراف، وأسلحة التبذير، وقوى الترف.
فإلى مباحث الظاهرة...
المؤلف
د. زيد بن محمد الرماني
ص.ب: 33662 - الرياض 11458
حقيقة ظاهرة حمى الشراء
عقلية الغرب الاستهلاكية
لقد شاعت في دول غرب أوروبا «وُلِدَ الأمريكيُّ لكي يشتري». وهذه العبارة تدلنا على عقلية الغرب الاستهلاكية التي تنادي بالحرية والنفعية والملكية الخاصة غير المنضبطة.
وقد أكد ذلك إريك فروم – العالم النفساني – الذي قال: إن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في العبارة التالية: أنا موجود بقدر ما أملك وأستهلك.
وبوديار – الفيلسوف الفرنسي – له عبارة مشهورة تقول: أنا أستهلك، إذن، أنا سعيد.
وقد حدد آدم سميث – الاقتصادي الشهير – الهدف النهائي للنشاط الاقتصادي في أي مجتمع، بالاستهلاك.
فالإنسان – في نظر الغرب – استهلاكي؛ كالرضيع الذي لا يكف عن الصياح في طلب زجاجة الرضاعة، نزوع للاستهلاك، ونزوع لابتلاع العالم بأسره!!
* * * *
الشراء والاستهلاك بين الأمس واليوم
فيما مضى، كان كل شيء يقتنى ويشترى موضع رعاية وعناية خاصة، واستخدامٍ إلى آخر حدود الاستخدام، وكانت الأشياء والسلع تشتري ليحافظ عليها، وكأن شعار ذلك الزمان: ما أجمل القديم.
أما اليوم، فقد أصبح التأكيد على الاستهلاك وليس على الحفظ، وأصبحت الأشياء تشتري كي ترمى؛ فأيا كان الشيء الذي يشتري، سيارة، أو ملابس أو آلات من أي نوع، فإن الشخص سرعان ما يمل منه ويصبح تواقًا للتخلص من القديم وشراء آخِر طراز وموديل، وكأن شعار هذا الزمان: ما أجمل الجديد.
يقول أحد الباحثين: شخص يحتاج إلى سيارة واحدة فقط، لكننا نجده يجمع ثلاث سيارات، زعمًا منه بأن منزلته الاجتماعية سوف ترتفع وتكون له وجاهة بين الناس، وآخر يحتاج إلى هاتف، ولكنه يطلب – أيضًا – هاتفًا نقالاً، وجهاز نداء آلي، وهاتفًا خاصًا بالفاكس.
إنه إغراء الاستهلاك غير المتزن!!!
* * * *
فيروس الاستهلاك الجائر(1/2)
يلاحظ أنَّ جزءًا كبيرًا من الدول تجاوزت مجتمعات الاستهلاك والرخاء ودخلت عصر مجتمعات التبذير، ولعل هذا ما دفع «فانس باكارد» إلى أن يعنون أحد أشهر كتبه بـ «فن التبذير».
ومنذ سنوات أطلق «جون غالبريث» في كتابه «عهد الرخاء» صرخة إنذار تحذيرية من جنون الاستهلاك الحر الذي يتحول إلى تبذير على حساب الاستثمارات؛ إذ أغرق السلوك الاستهلاكي المكثف الإنسان في طوفان من المشكلات المتعلقة بتلوث البيئة واستنزاف الموارد، والإسراف والتبذير وتبديد المنتجات وانتشار الجرائم والمخدرات وشيوع المجتمع الاستهلاكي والإعلام الاستهلاكي الضار.
إن فيروس الاستهلاك الجائر هو وراء أخطر الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والفكرية التي تعرضت لها كثير من المجتمعات!!.
* * * *
المدمن للشراء فأر تجارب
إن الإنسان المدمن للشراء والاستهلاك لا يعدو كونه فأرًا لتجارب المصانع التجارية ذات الأهداف الاقتصادية البحتة بكل المعايير؛ حيث تتسابق المصانع لتسويق منتجاتها وإغراء المستهلكين لشرائها وتملكها، غير آبهين بالأضرار الصحية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تسببها بعض تلك السلع!!
* * * *
السلع المعدة للشراء نماذج كرتونية
للأسف، فقد أصبحت المصانع تنتج آلاف السلع الكرتونية التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضع سنوات قليلة، مما يجعلها لا تعدو كونها قبرًا متناقلاً يدفع ثمنه الفرد برضا تام، ومن يبقى على قيد الحياة، فإنه – بلا شك – سوف يقوم بإصلاح ذلك القبر المتنقل بكل مدخراته أو جزءًا كبيرًا منها؛ فهناك السموم المزخرفة خارجيًا، المليئة بالكيماويات والمواد الحافظة والملونة والمسرطنة داخليًا!!
* * * *
علاقات ظاهرة حمى الشراء
الثقافية الاستهلاكية وحمى الشراء(1/3)
إن انتشار الثقافة الاستهلاكية في كثير من الدول والتركيز على الاستهلاك والشراء كهدف في حد ذاته وربطه بأسلوب الحياة، يؤدي بالأفراد إلى تقليد الآخرين والتأثر بمتغيرات السوق والاتجاه إلى المتع الحسية والاعتناء بالجسد والمظهر.
وهذه النزعة الاستهلاكية تُعدُّ عاملاً معوقًا للتنشئة الاستهلاكية السوية، ومن ثم عملية التنمية الاجتماعية.
إذ تنتشر الثقافة الاستهلاكية في المجتمعات الفردية وتبرز الكسب المادي المباشر كعامل أساس في تقدير الأشخاص، وتقارن – دائمًا – بين الإمكانات المادية والطموحات الاستهلاكية، ويؤدي ذلك في النهاية إلى اهتزازات عميقة في الشخصية السَّوِيَّة لأفراد المجتمع!!.
* * * *
العقلية الاستهلاكية وحمى الشراء
لا شك أن للمال سحرًا وجاذبية قوية في نفوس البشر تجعلهم ينشدون إليه ويسيرون باتجاهه؛ متصورين أن المال سيحقق لهم كل طموحاتهم، وهذا التصور يعد أحد أسباب نشوء العقلية الاستهلاكية.
فقد انتشرت العقلية الاستهلاكية لدى أفراد المجتمعات المعاصرة نتيجة حالة الترف التي يعيشها بعض الأفراد، أو نتيجة استيراد التقنية التي شجعت في الإنسان الميل للراحة والاستسلام للحياة المرفهة الناعمة.
إن أكثر ما يشغل العقلية الاستهلاكية هو توفير الاحتياجات المادية، واقتناء كل ما يستجد عرضه في الأسواق وعلى صفحات الإعلانات والجرائد اليومية؛ كما أنها لا تكترث بإتلاف أورمي الزائد عن حاجتها.
كيف لا؟! ولمَ لا؟! وقد وفرت لها وسائل الرفاهية والنعيم وأنواع الطيبات والملذات وأصناف السلع الاستهلاكية!!.
* * * *
المجتمع الاستهلاكي وحمى الشراء
المجتمع الاستهلاكي مجتمع يسوده المال من حيث يلهث فيه المرء وراء الكسب؛ ليتمكن من استهلاك أوفر، ورفاهية أفضل، ومن حيث إن حركة الاستهلاك هذه موجهة بالفعل ومخطط لها بشكل مدروس ومبرمج.(1/4)
وللأسف فإن العالم الإسلامي قد تحول إلى مجتمع استهلاكي تسوده تطلعات عارمة للثراء الفاحش على حساب كثير من القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية.
لقد فهم العالم الصناعي الغربي أوضاعنا الدينية والاقتصادية والاجتماعية، ثم غزانا بفكرة المجتمع الاستهلاكي.
فمن الملاحظ أن العالم الغربي ومن خلال تبنيه لمبدأ حرية المستهلك وحريته في اختيار ما يشاء من السلع والخدمات، وحريته في توزيع دخله بين تلك السلع والخدمات، قد أكسبت مجتمعه عادات استهلاكية سيئة، نقلها إلى مجتمعنا الإسلامي المعاصر بوسائل عديدة ومن خلال وسائط مميزة!!
* * * *
الإعلام التليفزيوني وحمى الشراء
الإعلان التليفزيوني يثير الشهية ويحث على الفضول ويدعو إلى المغامرة أحيانًا، ويفتح أبوابًا جديدة في الشراء والاستهلاك والتسوق، ولذا يعمد المنتجون إلى إيهام المشاهدين بالحاجة المُلِحَّة لهذه السلعة أو تلك.
إن مهمة الإعلان التليفزيوني الأساسية تكمن في جعل الناس يستمرون في الشراء الدائم من خلال العمل الدائم للحصول على المال اللازم للشراء.
ولا عجب، فإنه حسب بعض الإحصاءات تم إنفاق نحو 84 مليار دولار في الدعاية والإعلان عن السلع والخدمات في عام واحد فقط!!
وقد قيل: إن اقتناء التليفزيون والفيديو أو أحدهما يُعدُّ إشارة واضحة لتخطي الأسرة حدود الاقتصاد في المعيشة إلى الانغماس في حمأة الاستهلاك، وحمى الشراء التي يعمل منتجو السلع على تعميمها وإشاعتها!!
* * * *
الشراء النزوي وحمى الشراء
إن الشراء النزوي أو التلقائي كما اصطلح عليه، يعني شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري قبل دخوله المتجر أو السوق.
وقد أصبح هذا النوع من الشراء عادة استهلاكية وظاهرة سلوكية نتيجة لحدوثها باستمرارها، خاصة بعد انتشار المتاجر وما يعرف بالسوبر ماركت – الأسواق المركزية – التي تعرض السلع بشكل جيد وجذاب وتستخدم أسلوب الخدمة الذاتية.(1/5)
وحسب بعض الدراسات والإحصاءات فإن هناك 60% من قراراتنا قرارات نزوية!!.
* * * *
حمى الشراء وهيكل الاستهلاك الأسري
في دراسة قام بها الدكتور حسن أبو ركبة عن سلوك المستهلك السعودي خلص إلى أن:
-40-60% من دخل الأسرة السنوي ينفق على الغذاء.
-15-20% على الكساء والترفيه والعلاج والسياحة.
-5-10% على التأنيث والأجهزة الكهربائية.
-5-15% على التعليم والسكن والمدخرات.
ماذا تعني هذه النسب إلا التأكيد على النسبة المرتفعة المخصصة لإشباع ظاهرة حمى الشراء!
أسباب ظاهرة حمى الشراء
الإدمان للشراء
بداية يمكن القول: إن الإدمان للشراء قد يكون ردة فعل للكآبة والتوتر النفسي وحالات القلق؛ فيجد المرء المتنفس الوحيد له في الإغراق في الشراء. وقد يشتري سلعًا ليس في حاجة لها.
ثم إن المدمن للشراء يعاني من نوع من الندم أو تأنيب الضمير؛ لأنه يندم بعد الشراء، كما أن المدمن للشراء كثيرًا ما يعاهد نفسه ألا يفعل ذلك.
ومما يلاحظ أن الإدمان للشراء ينتشر كثيرًا بين الناس غير السعداء في حياتهم الزوجية؛ وهم يجدون فيه عملية هروب من وضع غير مريح.
وللأسف، فإنه نتيجة للإدمان للشراء؛ فإن المدمن على ذلك يصاب بنوع من الاستهتار بالالتزامات، وربما يكون عرضة لمشاكل الديون والأقساط.
يقول أحد الباحثين: تنشأ المشكلات الزوجية بسبب رغبة قوية في نفس الزوجة في الشراء؛ شراء ما تحتاجه وما لا تحتاجه؛ فأمتع وقت لديها هو الذي تمضيه في السوق تنتقل من محل إلى آخر.
إنه إدمان الشراء، شهوة عارمة للشراء والمزيد منه!!
* * * *
الشراء تقليدًا ومحاكاة(1/6)
إنَّ جزءًا من عمليات الشراء فيه مسايرة لما يحدث في المجتمع سواء بين الأصدقاء أو الزملاء أو الأسر أو الجيران من أجل ظهور الشخص بالصورة المقبولة اجتماعيًا. وما يحدث في حفلات الأعراس والمناسبات العامة دليل على ذلك؛ فبعض الناس ينفق في هذه الحفلات الكثير من الأمور مسايرة لضغوط المجتمع، وحتى يظهر أمام الآخرين أحسن الناس.
ومن النماذج التي تؤكد وجود ما يعرف بالمحاكاة والتقليد لاستهلاك الآخرين هو ما نشاهده من أن فساتين الأفراح لا تلبس لأكثر من مرة أو مرتين وكذلك المجوهرات، بل وفي مناسبات الولائم لا يوجد حسن تدبير، بل عنصر التفاخر والتبذير.
وللأسف، فإن ثقافة الاستهلاك – وعلى كافة المستويات – أصبحت في السنوات الأخيرة هي الثقافة المهيمنة على كثير من الناس.
وما ذلك إلا لعدم تجذر الثقافة الدينية في النفوس؛ ففي حين أخذ الكثيرون يلهثون وراء المادة واستهلاكها نسي أولئك – أو تناسوا – عقائدهم وتخلوا عن قيمهم لأجل المادة والمال!!.
* * * *
الشراء تخديراً وخدعة
غير خافٍ أنه نتيجة لظاهرة الاستهلاك دون هوية والنهم التسوقي وحمى الشراء، أصبح لدينا مجموعة من المستهلكين المخدَّرين والمخدوعين الذين أصبحوا نتيجة السلوكيات الاستهلاكية الجديدة المعتمدة على ثورة المتغيرات والإنتاجية الكبيرة- أصبحوا تحت التخدير الموضعي.
وانتهج أولئك المستهلكون مسلكًا استهلاكيًا معينًا يخفون معه شيئًا معينًا في نفوسهم، وفي أكثر استهلاكهم هم يمارسون تمثيلية تستلهم فصولها من غيرهم، وصار خيارهم عشوائيًا حسب ما يمليه ذوق المصمم أو حسب النص الإعلاني.
بل لقد عمدت الإعلانات التجارية والدعايات التسويقية إلى خداعهم ودفعهم إلى المزيد من الشراء لما هو كمالي، وليسوا في حاجة إليه، لكنهم انساقوا إلى ذلك مخدرين ومخدوعين!!.
* * * *
الشراء تفاخرًا ومباهاة(1/7)
يحرص بعض الناس على التظاهر والتفاخر والتباهي أمام الآخرين بالأشياء التي يتم شراؤها بامتلاك سلع ومنتجات لا يمتلكها الآخرون.
والأشخاص الذين يوجد لديهم هذا الدافع لا يكون حرصهم على الشراء والاقتناء فقط للأشياء؛ ولكن إبرازها أمام الآخرين وإظهارها أمامهم، أو على الأقل الحديث المتكرر عنها أمامهم، وأن سعرها مرتفع جدًا، وأنها مستوردة من بعض الدول الأجنبية؛ لأجل المفاخرة والتباهي!!.
* * * *
الشراء إعلانًا ودعاية
إن الكم الهائل من الإعلانات الدعائية التي تزخر بها أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في جميع بلدان العالم، هو أحد المقاييس الأمينة لنزعة الاستهلاك وحمى الشراء.
إذ يلجأ المنتجون إلى كل وسيلة متاحة لحث الناس على زيادة استهلاكهم، ودفعهم للشراء والمزيد منه.
ولا يقتصر الأمر على الإعلانات والدعاية الجذابة؛ وإنما تتجاوزهما إلى أساليب أخرى: كالتسهيلات في عملية الشراء، ونقل السلع إلى مقر سكن أو عمل المستهلك، والدفع بالبطاقات والأقساط.
وقد سهل الحاسب الآلي مهمة المنتجين والمسوقين؛ إذ يدرس المنتجون من خلال نفسية المستهلك أنسب أساليب الدعاية والإعلان لسلعهم ومنتجاتهم!!.
* * * *
الشراء ومتعة التسوق
بعض الناس يشعر بالمتعة أثناء تجولهم في الأسواق ومشاهدة واجهات المحلات والسلع المعروضة فيها، وربما يقضي الشخص ساعات طويلة في هذه العملية، ولا يشعر بأي شكل من أشكال الملل أو الضيق أو ضياع الوقت!!
* * * *
الشراء والتخمة
أعطي على ذلك مثالاً: إنسان شبعان ويستمر في الأكل، ما النتائج؟!! إنها لابد أن تكون مضرة بالجسم والنفس، والحال نفسها للمستهلك النهم للشراء، والمتخم الذي يطلب المزيد من الشراء والاستهلاك؛ إذ إنه باستهلاكه الأشياءَ التي لا حاجة له بها؛ فإنه يهدر ثروة يمكن استهلاكها واستغلالها في وقت الحاجة.(1/8)
كذلك فإن الاستهلاك الزائد عن الحاجة يقود المجتمع إلى اتجاهات غير صائبة، وهذا ينعكس على الثقافات وكذا الأخلاقيات في المجتمع!!
آثار ظاهرة حمى الشراء
إن من أبرز أوجه السلبيات التي تتعرض لها الأمم والحضارات وتكون معول هدم لكل ما بني وأنتج هو استشراء داء الشراء والاستهلاك في نفوس الأفراد؛ فإدمان الشراء والاستهلاك الترفي يؤديان إلى الترهل ويبعدان عن القيم.
وما زلنا نجد عند أغلب الأسر – حتى ذات الدخل المحدود – تصرفاتٍ لا مبرر لها سوى العادات والهوى والتقليد والمباهاة خدمًا ومربيات وسائقين واحتفالات وملابس غالية الثمن وبنودًا استهلاكية تثقل كاهل ميزانية رب الأسرة، وما ذلك إلا لتلبية دواعي الاستعراض الاجتماعي وحب الظهور.
صورة من صور الاستهلاك المعاصر أستعرضها لدى عينة من الأسر، جهازان فيديو وثلاث ثلاجات عدا الفريزر، وجهاز تليفزيون في الطابق السفلي، وآخر أو أكثر في الطابق العلوي، وأجهزة راديو ومسجلات مختلفة الأنواع، وأثاث منزلي متنوع الأشكال، وتجهيزات مطبخية عالية المستوى والقيمة، واشتراك في الإنترنت، وأطباق للبث المباشر، وخدمات الجوال والنداء الآلي، وخدم ومربيات وغيرها من الكماليات. هنا نقول: إلى أي مدى تحتاج العائلة لكل هذه الأجهزة والمعدات والكماليات، ألا تؤثر على ميزانية الأسرة؟!
إن التخمة، السمنة، الإسراف، التبذير، الترف، التبديد، الاستنزاف، تلال النفايات والقمامة، الترهل، الثنائيات الاجتماعية، كفر النعمة- بعض آثار السلوك الشرائي غير المنضبط والإدمان الاستهلاكي والإنفاق البذخي.
إن مشكلة فوضى الاستهلاك تبدأ بوضوح مع الزوجة التي تعرض نفقاتها لتكون نفقات من السلع والمواد الغذائية التي تبتلع فعليًا الدخل الشهري.
وتنتقل عدوى التبذير إلى الأطفال؛ فينمو معهم انعدام الحس بقيمة الأشياء، فلا يحافظون بالتالي على ألعابهم وكتبهم.(1/9)
وفي ظل ذلك لا يعود التبذير والترف مسألة فريدة؛ بل يصبح مظهرًا اجتماعيًا، ولا يعود قضية وقتية حالية؛ بل مسألة تمتد إلى المستقبل، ولا يعود التبذير والترف ذا ضرر على الأسرة؛ بل يصل إلى مستوى الوطن.
ومن ثم، فقد ترتب على فشو الاستهلاك الشره وحمى الشراء وانتشارهما في المجتمع عدد من الآثار الضارة، منها:
1- انشغال العقلية الاستهلاكية بالتبذير.
2- عدم الاكتراث بالنعم.
3- التفكك الاجتماعي.
4- الإتلاف والنبذ والاستبعاد لكثير من السلع والطيبات!!!.
* * * *
رمضان وظاهرة حمى الشراء
رمضان فرصة لصياغة نمط استهلاكي رشيد
إن رمضان هو محاولة لصياغة نمط استهلاكي رشيد وعملية تدريب مكثف تستغرق شهرًا واحدًا، تفهم الإنسان أن بإمكانه أن يعيش بإلغاء الاستهلاك؛ استهلاك بعض المفردات في حياته اليومية ولساعات طويلة كل يوم.
إنه محاولة تربوية لكسر النهم الاستهلاكي الذي أجمع العلماء المعاصرون على أنه حالة مرضية.
ذلك أن أحد أسباب الكارثة التي حلت بنا اليوم هي البطر والإفراط في الاستهلاك والتبذير في الشراء والبعد عن تعاليم الدين القيم.
فالإسراف والتبذير في الاستهلاك والشراء والتسوق فيه سوء استخدام للموارد الاقتصادية والسلع التي أنعم الله تعالى بها على العباد لينتفعوا بها، وهو عمل يذمُّه الإسلام ذمًا كبيرًا؛ لما له من آثار ضارة على الفرد والأسرة والمجتمع والعالم.
* * * *
الشراهة الاستهلاكية في رمضان
في رمضان تزداد مصروفات الأسر؛ لمجابهة الشراهة الاستهلاكية ونهم التسوق والإنفاق المرتفع؛ إذ يتحول النوم إلى النهار، والأكل والزيارات والتجوال في الشوارع وارتياد المنتزهات إلى الليل، ويستهلك الفرد في وجبتي الإفطار والسحور أضعاف ما كان يستهلكه في ثلاث وجبات قبل حلول رمضان المبارك، حتى أصبح مألوفًا في أمسيات شهر رمضان كثرة حالات الإسعاف بسبب التخمة على موائد الإفطار أو السحور.(1/10)
فالمبالغة في تناول الأطعمة والأشربة بلا قيود وحدود في كل شهور السنة، وفي رمضان بخاصة- أمرٌ ملاحظ في هذا الزمان.
ومن المعلوم من الناحية الصحية أن الإسراف في تناول الطعام والشراب سبيل موصل إلى البدانة والبطنة والكسل والأمراض المختلفة.
فقد ورد عن الفاروق قولته المشهورة: «إياكم والبَطنة؛ فإنها مكسلة عن الصلاة مؤذية للجسم».
* * * *
شهر الصوم والاستهلاك الشره
بلغة الاقتصاديين فإن هناك علاقة طريدة بين شهر الصوم والاستهلاك الشره، والمرء يُدْهَشُ من هذا النهم الاستهلاكي الذي يستشري لدى الناس عامة في هذا الشهر دون مبرِّر منطقي.
فالجميع يركض نحو دائرة الاستهلاك المفرط، والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكرًا مصحوبًا بآلة رهيبة من الدعاية والإعلانات والمهرجانات التسويقية التي تحاصر الأسرة في كل مكان وزمان ومن خلال أكثر من وسيلة.
فالزوجة تضغط باتجاه شراء المزيد، والأولاد يلحون في مطالبهم الاستهلاكية، والمرء نفسه لديه حالة شراهة لشراء أي شيء قابل للاستهلاك وبكميات أكثر من اللازم.
وبلغة الإحصاءات والأرقام؛ فإنه في إحدى الأعوام قدِّر نصيب شهر رمضان من جملة الاستهلاك في دولة عربية قريبة منا على سبيل المثال بما نسبته 20%؛ إذ كلف رمضان الخزانة حوالي 720مليون دولار، وهذا يعني أنَّ خطة شاملة لمواجهة الشراهة الاستهلاكية أصبحت مطلوبة في رمضان وفي غير رمضان.
* * * *
أموال ضائعة وبطون جائعة
إن الإقبال على الطعام بشَرَه زائد يجعل الأغذية عند النهمين المسرفين هدفًا وغاية، يبذلون من أجلها الأموال الباهظة، ويمضون في سبيلها الأوقات الطويلة في الأسواق؛ ليشتروا ألوان الطعام والشراب.
وهؤلاء الذين جعلوا همهم بطونهم، وأهدافهم ملذاتهم وشهواتهم، يضنُّون بأموالهم عن مساعدة بائس أو إعانة فقير، فنتج عن ذلك بطون جائعة وأموال ضائعة.(1/11)
إن الإسراف والتبذير والترف والمباهاة سلوكيات استهلاكية خاطئة وخطيرة، دخلت – مع الأسف – حياة الناس وشملت معظم جوانب الحياة؛ فهناك التنوع الرهيب في الأطعمة والأشربة والحلوى في الدعوات العامة والمناسبات وولائم الأعراس، وهناك الموائد المفتوحة، وهناك الولائم المخصصة في حالات الوفاة والمآتم، فيا عجبًا من مجتمع يُقيم الأفراح والولائم، والمجتمعات المسلمة تعاني من الأحزان والمآتم.
وقديمًا قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كلمته المشهورة: «ما جاع فقير إلا بما تمتع به غني»!!.
* * * *
رمضان وصفة استهلاك المسلم
لا شك أنَّ صفة استهلاك المسلم هي الكفاية، لا التبذير، وأن منفعته وإشباعه يتحقق ليس فقط بالإشباع المادي؛ بل ومن خلال الإشباع الروحي بأداء الواجب نحو المسلمين من مال الله.
إن شهر الصيام فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة بالمفهوم الاقتصادي وعلى قائمة الاستبعاد النفقي، ثم فرصة لترتيب سلم الأولويات، ثم فرصة كذلك للتعرف على مستوى الفائض الممكن.
إن في شهر رمضان فرصة للقادرين لاستجلاء مشاعر المحتاجين.
وشهر الصوم فرصة لتحقيق ترشيدٍ أفضل، ولتوسيع وعاء الفائض الممكن؛ ولكن شريطة أن يرتبط بالقاعدة الإرشادية: «لا إسراف». هذه القاعدة ولا شكَّ هي ميدان الترشيد على المستوى الفردي والمستوى العام.
ومن ثم، فهل يكون شهر رمضان فرصة ومجالاً لامتلاك إرادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم؟!
* * * *
قراءات حول ظاهرة حمى الشراء
قراءة تأملية في ثنايا تحقيق صحفي
«هوس التسوق عند المرأة»
تقول الأخت بدرية المطيري: هناك من النساء من يشترين أغراضًا ليست ضرورية ولا في حدود إمكاناتهن، ويدفعن بالرجال إلى دفع الكثير وفوق حدود ميزانية الأسرة.(1/12)
وتقول الأخت فوزية خليل: إن إدمان هوس التسوق الانفعالي دائمًا ما يكون انفعاليًا؛ أي يتولد في نفس المرأة ويدفعها في لحظة عابرة تحت قوة الاندفاع التي تسيطر عليها من أجل تحقيق هذا الانفعال، وهذا عندها يمثل طريقة تعويض عن حاجات ورغبات مكبوتة، وربما كان تكديس الأطعمة والملابس وملء المنازل بالمشتريات عند بعض النساء لمعاناة عاطفية نتيجةَ حرمانٍ أو قلق أو تعاسة زوجية أو انعدام أصدقاء أو قلة حنان، وهذا الهوس أكثر شيوعًا عند النساء!
* * * *
قراءة تأملية في ثنايا تحقيق صحفي:
«الإعلانات التجارية والإسراف»
تدفع الإعلانات التجارية المرأة للشراء والمزيد منه، كما أن المرأة تشتري السلعة عادة على سبيل التجريب نتيجة الإعلان عنها. والمسابقات العديدة تغري الأطفال بالشراء بكثافة. والإعلانات التجارية مسئولة إلى حد كبير عن دفع الناس إلى الإسراف وخاصة النساء؛ جريًا وراء التفاخر والمباهاة، أو حبًا للاستطلاع، أو رغبة في التقليد.
هذه أهم نتائج هذا التحقيق.
* * * *
قراءة تأملية في ثنايا تحقيق صحفي
«الإسراف هل هو داء أم دواء»
تقول الأخت صباح المالكي: إن المرأة أكثر إسرافًا من الرجل؛ حيث تحتاج إلى ملابس متعددة وأدوات زينة وأدوات تجميل واحتياجات لمنزلها، وتحب تعدد الملابس لأولادها؛ ليكونوا في مظهر مناسب.
ويقول الأخ علي غلوم: الشائع بيننا أن المرأة أكثر إسرافًا من الرجل؛ سواء في ملبسها أو إنفاقها، ولكن هناك من الرجال من هم أكثر إسرافًا في أموالهم وسلوكهم ومقتنياتهم؛ فالأمر إذن نسبي، ويرتبط بحجم ما يتوافر لدى الفرد من مغريات نحو الإسراف!
مداخلات حول ظاهرة حمى الشراء
أرقام وإحصاءات
1- تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن ما يلقى ويتلف من مواد غذائية ويوضع في صناديق القمامة كبير إلى الحد الذي قد تبلغ نسبته في بعض الحالات 45% من حجم القمامة.(1/13)
2- عملت دراسة ميدانية عن الإسراف والتبذير في المأكولات المرمية في مدينة واحدة في إحدى الدول، فكانت النتيجة أن الإسراف اليومي نحو مليون ليرة، والإسراف السنوي 365 مليون ليرة.
3- تشير بعض الأرقام إلى أن قرابة 700.000 تذكرة سفر تم إصدارها – في مدينة عربية واحدة – خلال شهرين فقط، معظمها إلى جنوب شرق آسيا؛ فكم من المبالغ ستنفق في تلك الدول ترفًا وتبذيرًا.
4- تشير بعض الإحصاءات إلى أن قرابة 88% من الأسر في المجتمعات المعاصرة تنفق أكثر من حاجاتها الاستهلاكية.
5- تقول الإحصاءات الأخيرة: إن من العوامل التي تمثل نمطًا في الحياة يؤذي البيئة: السيارات، والبيوت الفخمة، ومراكز التسوق الكبرى، والسلع الاستهلاكية، ونوع الطعام المرتكز على الإفراط في أكل اللحوم، والغذاء غير الصحي.
6- أوضحت دراسة للصنداي تايمز أن العناوين الإعلانية الكبرى هي: البنوك، السيارات، العطور، الغذاء، وأن الأموال المخصصة لدراسة الإعلان والأسواق تقدَّر بنحو خمسة مليارات دولار في العالم!
* * * *
كتاب يقرع الجرس
الكتاب: الجوع أقصر طريق إلى يوم القيامة.
المؤلف: فرانكلين برل.
يقول المؤلف: إن أصوات حوافر الحصان الأسود يعني الجوع، تتجه نحونا بسرعة مذهلة؛ فالماء يتناقص والغذاء يندر، والأراضي الزراعية تضمحل، والسيطرة على الذات مفقودة، والوقت يفر من أيدي الناس!
ويؤكد المؤلف على أن استهلاك الإنسان للماء في ازدياد مستمر، وأنه كلما ازداد عدد السكان، ازدادت الحاجة إلى إنتاج المزيد من الغذاء، وهذا بدوره يحتاج إلى مقادير كبيرة من الماء.
وبين المؤلف أن واقع الجوع الشامل المرعب سيواصل تقدمه؛ ليوقظ الصرخات المطالبة بمزيد من الطعام!!.
وختم المؤلف بالتأكيد على تركيز الجهود تجاه إنهاء الإهدار والتبذير والحفاظ على مصادر الثروة، وعلى حماية الجو والمحيطات من التلوث، وعلى إحداث تغيير في عادات الاستهلاك!
دراسة حديثة عن الاستهلاك(1/14)
أجريت دراسة حديثة عن «الاستهلاك» على عينة عشوائية، وكان من نتائجها:
أن نسبة كبيرة من الأسر تلجأ إلى الاستدانة والاقتراض بفوائد مرتفعة لتلبية حاجاتها، كما أن عينة البحث أكدت على أنها تقرر الشراء بناء على رغبة مطلقة في الشراء، وهوس الاستهلاك غير المبرر، وليس بناءاً على حاجة حقيقية.
وأهم ما توصلت إليه الدراسة هو أن الأسر التي تحظى بإنفاق مرتفع تزداد فيها بالمقابل نسب الطلاق والتصدع الأسري وخلافات الأبوين!
وخلصت الدراسة إلى القول بأنه بالإمكان اختصار ما يقرب من 40-50% من النفقات التي تنفقها كثير من الأسر.
* * * *
حلقة دراسية عن أنماط السلوك الاستهلاكي عند الأطفال
عقدت هذه الحلقة في دولة قطر، وتوصل الباحثون من خلال المناقشات والأبحاث إلى:
أ- التأكيد على عدم الإسراف والتبذير والاستهلاك الزائد، وتضمين ذلك في مناهج التعليم وبرامج الإعلام.
ب- التأكيد على أهمية توعية الأسرة- لاسيما الأم- بضرورة ممارسة دور القدوة الاستهلاكية الصالحة أمام أطفالها.
جـ- تكثيف التوعية عن طريق القنوات الإعلامية تجاه تعديل الأنماط السلوكية والاستهلاكية السلبية.
د- تأكيد دور المدرسة في اتخاذ إجراءات تحقق عمليًا السلوك الاستهلاكي الرشيد.
هـ- توثيق الصلة بين البيت والمدرسة بما يعزِّز تربية الطفل على الأنماط السلوكية الحسنة.
و- عقد المحاضرات والندوات المدرسية من خلال النشاط المدرسي لتوعية الطلاب بالسلوك الاستهلاكي الإيجابي.
* * * *
تقرير عالمي
«الخروج من عصر التبذير»
يشير هذا التقرير إلى أن فكرة التبذير تلخص كافة الإشكالات الحالية في مجالات اقتصادية عديدة؛ بل إن التبذير الحالي في الموارد البشرية الناشئ عن البطالة وسوء الاستخدام والمرض وسوء التغذية، أصبح اليوم مأساويًا.
لذا دعا التقرير إلى ضرورة النظر الفعلي تجاه تخفيف التبذير، وأن يدرج ضمن الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لجميع بلدان العالم.(1/15)
وأكَّد التقرير على أن التبذير يبدو وكأنه نتيجة ملازمة لمميزات عصرنا الاقتصادية والثقافية.
وبين التقرير أنه لكي تحقق البشرية مزيدًا من التقدم، فإن عليها أن تخرج من عصر التبذير!!
* * * *
فوائد وطرائف حول ظاهرة حمى الشراء:
آيات ذات علاقة بظاهرة حمى الشراء
يقول الله تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } [الإسراء: 16]:
في الآية إشارة إلى أن الترف هو أساس هلاك الأمم ودمار المجتمعات، فكيف إذا اجتمعت مع الترف مساوئ الإسراف والتبذير والنهم الاستهلاكي وحمى الشراء!!
ويقول جلَّ ذكره: { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } [محمد: 12]: في الآية إشارة إلى أن هناك صنفًا من البشر ليس لهم همٌّ في الحياة سوى الأكل كما تأكل البهائم، وفي هذه المشابهة من التنفير والبشاعة دلالات واضحة.
ويقول سبحانه في شأن أموال أبي لهب: { مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } [المسد: 2]: في الآية إشارة إلى أن أموال أبي لهب مع أنه عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تغن عنه؛ بل إن مصيره إلى جهنم وبئس المصير، وفي هذا عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ويقول جل شأنه في شأن أموال الوليد بن المغيرة: { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } [الهمزة: 3]: في الآية إشارة إلى أن الخلود في الدنيا لا ينال بشيء من أسباب الدنيا، حتى ولو كان بالأموال الوفيرة والكنوز الثمينة، وفي هذا عظة لأصحاب العقارات والضياع والأموال والكانزين بصفة خاصة.
* * * *
أحاديث ذات علاقة بظاهرة حمى الشراء
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «المؤمن يأكل في معى واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» [رواه البخاري].(1/16)
في الحديث إشارة إلى أن المسلم تكفيه لقيمات يقمن صلبه، كما ورد في الحديث الآخر؛ أما الكافر فإنه مهما أكل وشرب وتلذذ، فلن يشعر بلذةٍ أو طعم لذلك، وفي هذا دلالة على فضيلة الاعتدال والتوسط دون شَرَه أو نَهَم.
ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما ملأ ابن آدم وعاءً قطُّ شرًا من بطنه، يكفي لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».
وفي الحديث إشارة إلى الآداب المستحبة عند الأكل والشرب؛ وهي ثلاثة: حق الطعام باعتدال، وحق الشراب للحاجة، وحق النفس، ولذا فقد ورد أن أبا جحيفة - رضي الله عنه - تجشَّأ- صوت يخرج من المعدة عند امتلائها- عند رسول الله - عليه السلام - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كُفَّ عنا جُشاءك؛ فإن أطول الناس جوعًا يوم القيامة أكثرهم شبعًا في الدنيا». وفي هذا عبرة لأولئك المتخمين الذين يملؤون بطونهم بكل ما لذ وطاب، وما تركوا لآخرتهم شيئًا.
وقد ورد أنه - عليه السلام - رأى رجلاً عظيم البطن فأومأ إليه وقال له: «لو كان هذا في غير هذا؛ لكان خيرًا لك».
في الحديث إشارة إلى أن المسلم ينبغي أن تكون نهمته في الطاعة وطلب العلم، وليس في الأكل والملذات.
وفي هذا درس لأصحاب «الكروش»؛ إذ ورد عن الشافعي رحمه الله قوله: «ما أفلح سمين قطُّ». لماذا؟ لأن همه وتفكيره غالبًا ما يكون متجهًا لبطنه!
* * * *
آثار ذات علاقة بظاهرة حمى الشراء
ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله: «إياكم والبطنة؛ فإنها مكسلة عن الصلاة، مؤذية للجسم، وعليكم بالقصد في قوتكم؛ فإنه أبعد عن الأشر، وأصح للبدن، وأقوى على العبادة، وإن امرءًا لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه».
وورد عن لقمان الحكيم قوله لابنه: «يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة».
وورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله: «البطنة تذهب الفطنة».(1/17)
ومن طريف ما أجاب به مسلمة بن عبد الملك- ملك الروم- حين سئل: ما تعدُّون الأحمق فيكم؟ قال مسلمة: الذي يملأ بطنه من كل ما وجد.
* * * *
أشعار ذات علاقة بظاهرة حمى الشراء
قال أحد الشعراء:
إياك والإسراف في لذةٍ
فليس للمسرف إلاَّ الأسى
إذا تولت عنه لذاته
وأصبحت كيسانه يبسا
وصار مَنْ كان له صاحب
إذا التقاه صدَّ وعبسا
فاقصد صلاح المال تنعم به
ومُد رجليك بقدر الكِسا
فكم رأت عيناك من مسرفٍ
أسرف من قبلك قد أفلسا
وقال آخر:
المالُ ينفد حِلُّه وحرامُه
يومًا ويبقى بعده آثامُه
ليس التقيُّ بمتق لإلهه
حتى يطيب شرابُه وطعامُه
ويطيب ما يجني ويكسب أهله
ويطيب من لفظ الحديث كلامُه
وقال ثالث:
ربما أمتع القليلُ
من المال أو كفى
خذ من العيش ما كفى
فهو إن زاد أتلفا
كسراج منورٍ
إن طفا دهنه انطفي
* * * *
طرائف ذات علاقة بظاهرة حمى الشراء
من باب الطرافة واللطافة أورد ابن طولون رحمه الله المتوفى سنة 953هـ في كتابه «دلالة الشكل على كمية الأكل» أخبارًا نادرة عمَّن عرف بالشراهة في الأكل، زيادة على طاقة البشر المعهودة.
وأتبع ذلك بذكر الأسباب الطبية والطبيعية التي تؤدي إلى ذلك ومضارها.
وأجمل ما في الكتاب ما أورده ابن طولون الصالحي عن مذاهب الناس في الأكل؛ حيث جعلها في عشرين قسمًا.
1- مذهب رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - «لقيمات تقيم الصُّلب».
2- مذهب الشِّبع حتى تكتفي النفس، ولا يقدر على الزيادة.
3- مذهب الرؤساء والأكابر.
4- مذهب الأمراء والأجناد.
5- مذهب الفقهاء. 6- مذهب الصوفية.
7- مذهب الفقراء. 8- مذهب المغاربة.
9- مذهب العوام. 10- مذهب البخل.
11- مذهب الطفيليين. 12- مذهب الأعراب.
13- مذهب المنتجعين. 14- مذهب الحشائين.
15- مذهب المشائين. 16- مذهب الشرهين.
17- مذهب المسرفين. 18- مذهب البطرانين.
19- مذهب اليساريين. 20- مذهب الجزارين.(1/18)
- حكي أنَّ رجلاً سأل بنان الطفيلي أن يدعو له، فقال: اللهم ارزقه صحة الجسم، وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة، وأمتعه بضرس طحون، ومعدة هضوم، مع السعة والدعة والأمن والعافية!
- قيل لبعضهم: ما حدُّ الشِّبع؟ قال: أن يُحشى حتى يُخشى!
- وقيل لآخر: ما حدُّ الشِّبع؟ قال: أن تأكل حتى تدنو من الموت!
- وسئل أعرابيٌّ عن حدِّ الشِّبع؟ فقال: عندنا في البادية: ما وجدت العين، وامتدت إليه اليد، ودار عليه الضِّرس، وأساغه الحلق، وانتفخ به البطن، واستدارت عليه الحوايا، واستغاثت منه المعدة، وتقوست منه الأضلاع، والتوت عليه المصارين، وخيف منه الموت، ذاك هو حدُّه.
* * * *
أقوال ذات علاقة بظاهرة حمى الشراء
- الإدمان للشراء والاستهلاك لا يقل خطرًا ودمارًا من الإدمان على الكحول والمخدرات..(باتريشا روبرتس).
- الاستهلاك هو طوفان التلوث القادم (د. محمد عبد القادر الفقي).
- الاستهلاك الصاروخي سمة من سمات عصرنا الحالي (ليستر براون).
- الاستهلاك هو أحد أشكال التملك في عالم الوفرة. (إريك فروم).
- ليست القضية اليوم أن ننتج لنستطيع إشباع حاجاتنا؛ بل نستهلك ونبذِّر (جاك ولتر).
- الديانة الاستهلاكية ابنٌ غير شرعي للمال الذي أسيء التصرف فيه والتعامل به (د. جمال حمدان).
- إن ما ننفقه على أغراض الزِّينة الزائفة يكفي لكساء جميع العُراة في العالم (وليام بِن).
* * * *
معالجة ظاهرة حمى الشراء:
نظام الإنفاق في الإسلام
إن نظام الإنفاق في الإسلام محكوم بمجموعة من النصوص القرآنية والنبوية؛ منها:
قوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الفرقان: 67].
وقوله عز وجل: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31].(1/19)
وقوله سبحانه: { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } [الإسراء: 26، 27].
وقوله جل شأنه: { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } [الإسراء: 29].
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه سرف أو مخيلة» [رواه ابن ماجه].
إن هذه النصوص- وغيرها كثير – تمثل في مجموعها القاعدة الأساس التي يقوم عليها نظام الإنفاق في الإسلام، وهي إحدى القواعد الرئيسة التي يرتكز عليها بناء الاقتصاد الإسلامي؛ فلا إسراف ولا تبذير، كما لا شح ولا تقتير، نهج إسلاميٌّ متزن معتدل وسط.
حكمة الفاروق الاقتصادية
ذات يوم أوقف الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ابنه عبد الله- وقيل: جابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - وسأله: إلى أين أنت ذاهب؟ فقال عبد الله: للسوق.
فقال الفاروق له لماذا؟
فأجاب: لأشتري لحمًا. وبرر ذلك الشراء بأنه اشتهى لحمًا، فخرج للسوق ليشتري بعضًا منه، فقال له الفاروق: أكلما اشتهيت شيئًا اشتريته.
إنها حكمة اقتصادية خالدة، وقاعدة استهلاكية رشيدة؛ خاصة ونحن نشهد في أيامنا هذه سباقًا محمومًا يترافق معه أساليب تسويقية جديدة وأساليب إعلانية مثيرة ووسائل إعلامية جذابة ودعايات كثيفة من أجل الشراء والمزيد منه.
* * * *
نتائج وخلاصات
1- الناس لا يتابعون باهتمام الأنماط المتغيرة للصناعة.
2- ليس لدى المستهلك المحلي معلومات أو تفسير لأسباب اختفاء أو وجود سلع معينة في، أو من: السوق.
3- ينقص المستهلك الوعي الاستهلاكي، وتغيب عن السوق الاستهلاكية الرقابة على جودة السلع وأسعارها.
4- المستهلك في حاجة إلى إعلام استهلاكي واعٍ يعلمه أسلوب التعامل مع كل جديد.(1/20)
5- إننا لو جمعنا كل ما ينفق على الأمور التافهة في صندوق موحد ثم أنفق هذا على إزالة أسباب المأساة من حياة الناس، لصلحت الأرض وطاب العيش فيها.
6- تشهد صناديق القمامة والنفايات أكياسًا من الزبالة وألوانًا من النفايات المنزلية أشبه بالتلال؛ نتيجة الاستهلاك المنزلي الشَّرِه.
7- يُعدُّ اهتمام النساء الزائد بالموضات وضرورة التجاوب معها انعكاسًا لعدم تحليهن بقدر كافٍ من المعقولية في التفكير.
8- يتصف السلوك الاستهلاكي والشرائي عند المرأة بأنه في الغالب سلوك استهلاكي ترفي وشرائي نزوي.
* * * *
نصائح لمن ابتلي بحمى الشراء
أ- تخلَّص من القيم الاستهلاكية السيئة الضارة؛ حتى لا يتسبب الاستهلاك الترفي في وجود الفقر وسط الرخاء؛ إذ باستمراره قد تضيع موارد الأسرة، ويفقد معها التوازن الأسري والنفسي والإجتماعي.
ب- قدِّر الكميات المطلوبة والجودة والنوعية والفترة الزمنية لاستهلاك السلع والخدمات.
جـ- اكبح جماح انفعالاتك العاطفية المتعلقة بالكميات المطلوب شراؤها واستهلاكها سواء على مستوى الأطفال أو النساء أو الأسرة.
د- راقب الاستهلاك بصفة مستمرة وتحكم فيه عن طريق التوعية المستمرة والقرارات الرشيدة ونبِّه أفراد الأسرة إلى خطورة الاستهلاك المرتفع.
هـ- شجِّع أفراد أسرتك ومجتمعك أطفالاً وشباناً ونساءً على الادخار الإيجابي وضرورة تيسير قنوات فعالة وأوعية مناسبة لاستثمار مدخراتهم.
و- احذر تأثير وسائل الإعلان وفنون الدعاية التي تدعو إلى الشراهة الاستهلاكية ونهم الإنفاق وحمَّى الشراء والتسوق.
ز- ابتعد عن تقليد المجتمعات المترفة ذات النمط الاستهلاكي الشره المتلاف المترف.
خطوات إيجابية
ينبغي للمرأة عندما تشعر بأن حافز الإنفاق يدفعها إلى مزيد من الإسراف والتبذير والتسوق والشراء أن تتعامل مع ذلك باتباع الخطوات التالية:(1/21)
أولاً: تمهَّلي قليلاً قبل أن تخرجي نقودك، واسألي نفسك إن كان هذا الشعور حقيقيًا أم انفعاليًا.
ثانيًا: احرصي على ألا تشتري محبة الآخرين بالهدايا والإنفاق المفرط.
ثالثًا: اسألي نفسك قبل الشراء إذا كان بالإمكان شراء ما هو أفضل إذا اتيحت فرصة عرض سعري أفضل.
رابعًا: اسألي نفسك عن الحاجة الضرورية للشراء هذا اليوم.
خامسًا: حدِّدي جوانب النقص العاطفي عندك؛ لمعرفة إن كان هذا الشراء المفرط يعوِّض هذا النقص.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* * * *(1/22)