بحث مقدّم إلى مؤتمر :
" حقوق الإنسان في السلم والحرب "
الذي تنظمه جمعية الهلال الأحمر السعودي خلال الفترة من 18-19 شعبان 1424هـ
في الرياض - بالمملكة العربية السعودية
بعنوان :
" حقوق الإنسان " :
مفهومه وتطبيقاته في القرآن الكريم
إعداد
د/ يحيى بن محمد حسن زمزمي
أستاذ مساعد بجامعة أم القرى
1424هـ
ملخص البحث
عنوان البحث :( حقوق الإنسان : مفهومه وتطبيقاته في القرآن الكريم )
الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرمه ، وفضله وشرفه ، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والمرحمة ، وعلى آله وصحبه وسلم .. وبعد :
فإن قضية "حقوق الإنسان" من أكبر القضايا التي أشغلت العالم اليوم بمختلف دوله وشعوبه ، ودياناته وجنسياته ، وفئاته وطبقاته ، ولقد استغل العالم الغربي هذا المصطلح أبشع استغلال ، فحفظ حقوقاً كثيرة لنفسه ، وانتهك حقوق غيره ، فأشعل حروباً، وأزال شعوباً ، وشرد أمماً، باسم "حقوق الإنسان" .
ونظراً لأن الشريعة الإسلامية والدين الخاتم ، قد سبقت إلى اعتبار "حقوق الإنسان" وتأصيلها وحفظها ومراعاتها ، انطلاقاً من خصائصها ومميزاتها: كالربانية ، والشمول ، والتوازن ، والثبات ، والكمال ، ونحوها ، فقد عني القرآن الكريم عناية خاصة ومتميزة بهذه القضية وغيرها ؛ ذلك أن الله تعالى قد قال : { ما فرطنا في الكتاب من
شيء } (1) .
ولأن كثيراً ممن يتكلم في هذه القضية ويدافع عنها ويناقشها -حتى من المسلمين- يغفل عن الهدي القرآني فيها ، ويتأثر بالطرح الغربي لها . لذا فقد رأيت دراسة شيء من منهج القرآن في هذه القضية الخطيرة المهمة .
__________
(1) الأنعام : 38 .(1/1)
وقد جمعت الآيات القرآنية ذات العلاقة بالموضوع وصنفتها موضوعياً ، ثم راجعت أشهر كتب التفسير المعتمدة لفهمها فهماً صحيحاً ، ثم حللت الآيات واستنبطت منها النتائج والفوائد المتعلقة بالموضوع وضمنتها البحث ، كما أني اطلعت على نصوص القوانين الدولية :( كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ومعاهدات ومواثيق الأمم المتحدة ) لتقويمها إجمالاً على ضوء منهج القرآن الكريم .
وقد تبين لي من خلال هذه الدراسة المتواضعة : أن مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن ، شمل القواعد والنصوص التي تنظم علاقات الناس على سبيل الإلزام ، كما شمل تحديد المطالب التي تجب لأحد على غيره ، وقد طبقت هذا المفهوم على نصوص عديدة من الآيات الجامعة لجملة من الوصايا والحقوق والواجبات والمطالب لأصناف مختلفة من الناس ، لتأصيل هذا المفهوم من خلال آيات القرآن.
وتمييزاً لهذا المفهوم القرآني ؛ فقد ذكرت مفهوم القانون الدولي متمثلاً في "الإعلان العالمي" لهذا المصطلح ، ثم قارنت بين المفهومين ، لإثبات الكمال المطلق لمنهج القرآن ، وإثبات الخلل البين لمناهج البشر .
وبعد تلك المقدمات والتأصيل ، طبقت هذا المفهوم ودلالته على آيات القرآن ، وخلصت إلى معالم تطبيقية مهمة لمفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن ، منها: ذلك التكريم الرباني للإنسان ، متمثلاً في إحسان خلقه ، والنفخ فيه من روحه ، وأمر الملائكة بالسجود له ، وجعله في الأرض خليفة ، وتسخير المخلوقات له ، وتشريفه بإرسال الرسل من بني جنسه وإنزال الكتب عليهم .
ومن المعالم: أن الإسلام قد أعطى أصناف الناس حقوقهم ، فلم يترك صنفاً منهم -مؤمناً أو كافراً ، رجلاً أو امرأة ، أو صغيراً أو كبيراً ، أو حياً أو ميتاً- إلا وجاءت نصوص القرآن ببيان حقه ، وفصلت السنة النبوية ذلك وبينته بجلاء ، مما لم يوجد في غير دين الإسلام .(1/2)
ومنها: أن الإسلام راعي أنواع الحقوق وبجميع الاعتبارات مما فيه صلاح دين الإنسان ودنياه ، ولذا فقد قسمت أنواع الحقوق باعتبار مقاصدها وغاياتها على الضرورات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها ، وقسمتها باعتبار من تجب له من الناس إلى حقوق شخصية فردية ، وحقوق اجتماعية ، وحقوق عامة مشتركة ، كما أني قسمتها باعتبار حقيقتها وواقعها العملي إلى حقوق مادية وحقوق معنوية . وذلك كله تأكيد لشمول منهج القرآن لجميع أنواع الحقوق .
وقد رأيت أن أتمم الموضوع بوقفات مختصرة مع مجمل مواد "الإعلان العالمي" وتطبيقاته الواقعية وآثاره العملية ، وبعض مخالفاته الشرعية لهدي الإسلام، لندرك مدى ضعف وقصور "الإنسان" ، وأنه لا غنى له عن منهج القرآن .
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ..(1/3)