بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أيها الأخوة حديثنا هذه الليلة عن الأخوة وحقوقها وسيكون الكلام في النقاط التالية :
أولاً : تعريف الأخوة وأنواعها.
ثانياً : أساليب الشارع في تحقيق الأخوة الإسلامية .
ثالثاً : ثمرات الأخوة .
رابعاً : صفات الأخ المطلوب.
خامساً : الوسائل المعينة على تقوية هذه الرابطة . سادساً : حقوق الأخوة وآدابها .
سابعاً : مكدرات الأخوة .
ثامناً : تنبيه .
أولاً : تعريف الأخوة وأنواعها :
تطلق الأخوة في اللغة على القرابة في النسب والاشتراك في الولادة القريبة من الأب أو الأم فتقول هذا أخي لمن اشترك معك في أمك أو أبيك ، وقد تطلق في النسب البعيد كما يقال أخو العرب كما جاء في القرآن الكريم : (( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً)) (الأعراف:65) . هذا هو الأصل في إطلاق الأخوة إلا أنها يمكن أن تطلق اصطلاحاً على الأخوة الإسلامية .
وهي الرابطة التي تجمع بين شخصين ينتميان إلى دين الإسلام وإن لم يكن بينهما اشتراك في أب أو أم .
وعلى هذا فالأخوة يمكن أن يقال أنها نوعان :
1- الأخوة في النسب.
2- الأخوة الإسلامية.
والثانية هي محور الكلام في هذه المحاضرة .
مما لاشك فيه أن الإنسان بطبعه يميل إلى الاجتماع بالآخرين وينفر عن العزلة والتفرد وقد راعى الإسلام هذا الجانب في الإنسان فحثه على الجماعة والاتحاد وترك الفرقة والاختلاف وتعرفون الأدلة على ذلك.
وكان السلف يحرصون على الجماعة واتخاذ الإخوان ، يقول عمر : (ما أعطي عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح فإذا رأى أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به) .
ويقول علي : ( كدر الجماعة خير من صفو الفرد ) ، وقد قيل :( أعجز الناس من فرط في طلب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر بهم )0(1/1)
وقال مالك بن دينار : ( لم يبق في الدنيا إلا ثلاثة: لقاء الإخوان ، والتهجد بالقرآن ، وبيت خال يذكر الله فيه ) ، ((والمؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) كما جاء في الحديث .
ويحب المسلم إخوانه المسلمين عامة ويواليهم ويناصرهم ويؤدي حقوقهم ، إلا أن هذا لا يمنع أن يتخذ المسلم إخواناً له من المسلمين فيخصهم بمزيد محبة ووداد ولا ينكر كونه يخص بعض المسلمين بمزيد محبة ووداد لا ينكر عليه هذا لأن ((الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)) .
كما في الحديث . وهذه الأخوة الخاصة هي التي سنتكلم عنها في هذا الموضوع .
ثانياً:أساليب الشارع في تحقيق الأخوة الاسلامية .
1- الإخبار عن الأخوة بين المؤمنين : وهذا أبلغ من الطلب منهم ان يكونوا إخوة فقد قال تعالى :(( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (الحجرات:10) .
2-جعلها نعمة امتن الله بها على عباده : (( فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)) (ىل عمران:103) .
3-جعلها سبب لحصول محبة الله: وفي الحديث (( زار رجل أخاً له في قرية فأرصد الله له ملكاً على مدرجته فقال أين تريد قال أخاً لي في هذه القرية فقال هل لك عليه من نعمة تربها قال لا إلا أني أحبه في الله قال فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته )) ، وفي الحديث الآخر قال الله تعالى : (( حقت محبتي على المتحابين أظلهم في ظل العرش يوم القيامة يوم لاظل إلا ظلي )) .
وفي الحديث الآخر قال الله تعالى : (( حقت محبتي للمتحابين في ، وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في ، وحقت محبتي للمتباذلين في )) .
وفي الحديث الآخر قال الله تعالى : (( وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في ، والمتباذلين في ، والمتزاورين في )) .(1/2)
4- جعلها أوثق عرى الإيمان : (( إن أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله وتبغض في الله )) ، وفي الحديث الآخر (( أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل )) .
5- جعل منزلته بمنزلة من يحب : ((أنت مع من أحببت)) وفي الحديث الآخر ((المرء مع من أحب )) .
6-ترتيب الأجر العظيم عليها : إن الله تعالى يقول يوم القيامه : ((أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي) .
وفي الحديث الآخر ((إن المتحابين في الله في ظل العرش )) وفي الحديث الآخر (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه))
وفي الحديث الآخر قال الله تعالى ((المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء))
وفي الحديث الآخر ((المتحابون في على منابر من نور ، يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء)) .
7-جعلها وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان : ففي الحديث (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ،كما يكره أن يلقى في النار )) وفي الحديث الآخر (( من أراد أن يجد طعم الإيمان ، فليحب المرء لايحبه إلا لله )) وفي الحديث الآخر (( من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء لايحبه إلا لله )) .
8-تعليق الأفضلية على شدتها : كما في الحديث (( ما تحابا اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه )) .(1/3)
9-جعلها وسيلة لاستكمال الإيمان : كما في الحديث (( من أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله فقد استكمل الإيمان)) .
10-جعلها وسيلة لاكتساب الإيمان وبالتالي الدخول إلى الجنة : كما في الحديث (( والذي نفسي بيده ،لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولاتؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )) .
ثالثاً: ثمرات الأخوة:
للأخوة ثمرات جليلة سواء كانت مدخرة له في الآخرة أم كانت معجلة له في الدنيا .
-فمما يدخره في الآخرة :
1- أن يكون في ظل الله يوم لاظل إلا ظله : كما في الحديث (( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي ، يوم لاظل إلا ظلي )) ، وفي الحديث الآخر (( إن المتحابين في الله في ظل العرش )) ، وفي الحديث الآخر (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المسجد إذاخرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه )) .
2-الحصول على مكانة عالية في الآخرة كما في الحديث قال الله تعالى (( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء )) ، وفي الحديث الآخر (( المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانتهم النبيون والصديقون والشهداء )) .
3-الحصول على مقام في الآخرة أعلى ممايستحقه بعمله كما في الحديث (( أنت مع من أحببت )) وفي الحديث الآخر (( المرء مع من أحب )) وعندما سمع أنس ذلك فرح فرحا شديدا لأنه رجى أن يكون مع الرسول صلى عليه وسلم وأبي بكر وعمر .(1/4)
فعندما يحب المسلم أخاه ويكون المحبوب أعلى درجة منه في الآخرة فانه يرفع المحب الى درجة المحبوب فهذا الارتفاع في الدرجة من ثمرات الأخوة .
ومن الأشياء التي تعجل له في الدنيا وهي تؤدي بدورها الانتفاع الأخروي ما يلي :
1-تذوق حلاوة الإيمان : كما في الحديث (( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذا أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار)) وفي الحديث الآخر (( من أحب أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لايحبه إلا لله )) وفي الحديث الآخر (( من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء لايحبه إلا لله )) .
2- نيل محبة الله له : وهذه المحبة لاشك أنها تعود عليه بالنفع الدنيوي والأخروي ولعل من منافعها الدنيوية أن ينشر له القبول في الأرض وتعرفون الحديث في ذلك .
3-اكتساب الإيمان : كما في الحديث الذي سمعتموه (( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا... الحديث )) .
4-استكمال الإيمان : كما في الحديث (( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الايمان )) .
5-الإعانة على الطاعة : إذ أنه يجد باخوانه من يعينه على طاعة الله ويكرهه في المعاصي وهذا يعود عليه بالنفع الدنيوي والأخروي .
6-تحسين الخلق : وذلك لأنه سيقتدي بإخوانه الصالحين الذين حسنت أخلاقهم وإذا حسن خلقه استفاد دنيوياً وأخروياً يكفي أنه يحصل على احترام الناس له في الدنيا ويحصل على درجة عالية في الآخرة .
7-تطبيق المفاهيم الإسلامية الجميلة والخصال الحميدة التي لايمكن تطبيقها إلا مع وجود الجماعة : مثل الإيثار ونحوه .
- ومن ثمرات الأخوة أيضا :الثمرات الدنيوية :
من مثل الانتفاع بالأخ في قضاء الحاجات والانتفاع من الأخ بجاهه أو الأنتفاع منه بماله وذلك بأن يواسيك أو يقرضك أو نحو ذلك .(1/5)
كذلك من الثمرات حصول الأنس وانشراح الصدر وتخفيف الآلام والهموم وذلك لأنك تخالط من لا تثقل عليك نفسه وفي الوقت نفسه يرغبك في الآخرة .
كذلك من الثمرات ما يحصل لك من الاستشارة لأخيك اذا ترددت في أمر ما وغيرها من الثمرات.
رابعاً: صفات الأخ المطلوب :
قبل أن أبدأ بذكر صفات الأخ المطلوب لابد من التنبيه إلى أربع نقاط :
النقطة الأولى : يشترط في الأخوة المطلوبة أن تكون لله خالصة فهي لله وفي الله أما إذا لم يتوفر هذا الشرط فانها حينئذ لا تكون أخوة إسلامية تترتب عليها الثمرات المذكورة ومثل هذه العلاقة تنقلب الى عداوة يوم القيامة (( الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)) (الزخرف:67).
يقول الشاعر:
من لم تكن في الله خلته فخليله منه على خطر
النقطة الثانية : الناس أصناف والإنسان يألف من يجانسه ويشاكله وربما لايألف شخص مع أنه من الصالحين وإن كان هذا لا يعني أنه يكرهه لا بل يحبه على قدر ما به من إيمان لكن ربما لا يأنس له مثل ما يأنس بمن هو على شاكلته ، وعليه أن يهذب هذه العاطفه بما يتوافق مع ما يحبه الله .
النقطة الثالثة: اصبر نفسك مع الأخيار ولا تجعل الكلام السابق حجة لك وذلك بأن تقول إني لا أرتاح للصالحين ، والناس أشكال وكل يؤالف شكله . لا ، الكلام السابق يسمح لك أن تخص واحداً من الصالحين بمزيد مودة وصداقة بسبب أنه لا يشاكله ولكنك تنتقل عنه إلى غيره من الصالحين ولا تخرج عن دائرة الصالحين واعلم أنك إن لم تجد من نفسك ارتياحا لجميعهم فإن في نفسك مرضاً يجب عليك علاجه وذلك بالصبر معهم حتى يقوى إيمانك ومن ثم بالتأكيد ستألفهم أو على الأقل بعضهم .(1/6)
النقطة الرابعة : لن تجد شخصاً كاملاً فكلنا خطّاء وكلنا فينا عيوب وإذا كنت تطلب أخاً لا عيب فيه فإنك أشبه ما تكون تبحث عن سراب ولكن سدد وقارب هناك من حسناته تغمر عيوبه وتغطيها وهناك من تزيد عيوبه وهناك من عنده عيب تخشى منه أنت أن يؤذيك أوتقتدي به فيه فابحث عن الصديق الذي ترى أن عيوبه مغمورة في بحر حسناته وأن هذه العيوب لاتخشى منها على نفسك.
بعد هذه النقاط الأربع أقول أن للأخ المؤاخي صفات ينبغي أن يتحلى بها ومن أهم هذه الصفات
ما يلي :
1- أن يكون مؤمناً : لأن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ولذا جاء في الحديث
(( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي )) .
2- أن يكون ملتزماً : بشرع الله متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه كما قال سبحانه وتعالى : (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) (الكهف:28) ، وقال تعالى (( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)) (لقمان:15) ، وهذا يقتضي ألا تصاحب الغافل المعرض عن ذكر الله قال الله عز وجل (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا )) وقال (( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) (النجم:29).
3- إن يكون عاقلاً : فالأحمق صداقته تضر أكثر مما تنفع ، وقديما قيل : عدو عاقل خير من صديق أحمق ، وقيل :
فلا تعجب أخا الجهل وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى حليما حين واخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه
4- أن يكون حسن الخلق : وذلك لأنك ستكثر معاشرته ومعاملته فاذا كان سيئ الخلق ربما آذاك ولم يصبر على أخوتك بل وربما تكتسب منه هذا الطبع السيئ .(1/7)
5- أن يبادلك الشعور بهذه الأخوة لأنه كما ورد في الحديث (( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )) فإذا كان يتضايق منه ولا يفرح بمقدمه ووجدت منه إعراضاً وجفاء فمثل هذالايصلح أن تؤاخيه ،هذا يكفي أن يؤاخى الأخوة العامة ، التي تكون بين المسلمين عامة، فأما الأخوة الخاصة فمثل هذا لا يعينك على تحقيق هذه الأخوة .
خامساً: الوسائل المعينة على تحقيق هذه الأخوة :
هناك وسائل تعين الأخوان على تحقيق رابطة الأخوه وتقويتها ومن هذه الوسائل مايلي:
1- إخباره بأنك تحبه لله : كما في الحديث (( إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه )) وبين السبب في ذلك فقال : (( إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه فإنه أبقى في الألف’ وأثبت في المودة )) .
2- تقوية العلاقة بالله عز وجل والسعي الى الحصول على محبة الله : لأن الله اذا أحبك دعى جبريل فقال : (( إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض)) فإذا أحبك الله أحبك عباده ومنهم هذا الأخ .
3- معرفة ثمرات الأخوة في الله : فإذا عرفت ثمراتها الدنيوية والأخروية وما فيها من الخير والأجر سعيت الى تحقيقها وتقويتها .
4- معرفة سير السلف الصالح في هذه النقطة بالذات وكيف كانت أخوتهم .
5- مراعاة حقوق الأخوة : لأنها تزيد في الأخوة وتبعدها عما يكدرها وهذا يجرنا الى أن نتكلم عن حقوق الأخوة وآدابها .
سادساً:حقوق الأخوة وآدابها :(1/8)
الأساس التي تقوم عليه علاقة المسلم بأخيه أن يحب له ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ، فإذا التزم المسلم مع أخيه بهذا الأساس فانه بالتأكيد سيقوم بحقوق الأخوة كاملة ، وحقوق الأخوة منها حقوق عامة يلتزم بها المسلم مع أخيه المسلم ومنها حقوق خاصة تضاف الى الحقوق العامة تكون بين المتآخين من المسلمين ، ومن العنوان يتضح ان هناك حقوقاً وهناك آداب والفرق بينهما أن الحقوق تكون واجبة والآداب تكون مندوبة .
وعموماً سأسرد شيئا من هذه الحقوق والآداب دون تمييز بينها فمنها ما يلي :
1- الحقوق الستة المعروفة المذكورة في الحديث : (( حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه واذا دعاك فأجبه واذا استنصحك فانصح له واذا عطس فحمد الله فشمته واذا مرض فعده واذا مات فاتبعه )) .
2-اجتناب سوء الظن والتجسس والتحسس والتناجش والتحاسد والتباغض و التدابر : كما جاء في الحديث (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافروا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا...)) .
3-اجتناب ظلمه وخذله واحتقاره : (( المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايخذله ولا يحقره)).
4-مصافحته اذا لقيته : (( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان الاغفر لهما قبل أن يتفرقا )). أنظر الى هذا الفضل العظيم الذي نضيعه .
5-التبسم في وجهه : (( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )) .
6-عدم إظهار الشماتة فيه : (( لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك )).
7-يوسع له في المجلس : (( لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا أو توسعوا...)) .
8-الرد عن عرضه : (( من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) .
9-دعاؤه بأحب الأسماء إليه : قال عمر :" ثلاث يصفين ود أخيك أن تسلم عليه اذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء اليه ".(1/9)
10-إعانته ومواساته بالمال اذا احتاج الى ذلك : كما في الحديث (( أن الأشعريين اذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في اناء واحد بالسوية فهم مني وانا منهم )) ،وفي الحديث الآخر(( يا معشر المهاجرين والأنصار إن من إخوانكم قوماً ليس لهم مال ولا عشيرة فليضم أحدكم اليه الرجلين أو الثلاثة)) . وفي الحديث الآخر(( من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له )).
11-السعي في حاجته والقيام بخدمته : (( ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)).
يا أخي تستطيع أن تخدم أخاك اذا كان مشغولاً بعمل فتساعده على إنجازه أو يمكنك ان تقوم بشىء من أعماله ولو بتسديد الفواتير عنه، كذلك عند السفر أو الرحلات والاجتماعات تقوم بخدمته ومساعدته . وكان بعض السلف يشترط خدمة من يذهب معه.
12-لا يمن عليه بمعروفه : اذا أعانه وواساه بالمال أو سعى في حاجته وقام بخدمته لا يمن عليه بهذا المعروف فإن المن يبطل الصدقة والمعروف (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)) ( البقرة:264) .
13-أن يشكره على صنيعه : اذا أعانه أخوه المسلم بمال أو خدمة فعليه أن يشكر له صنيعه وقد جاء في الحديث (( من لم يشكر الناس لم يشكر الله )) .
14-زيارته لله :وقد سمعتم حديث (( الرجل الذي زار أخا له في قرية)) ، وحديث (( وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتباذلين في والمتزاورين في )) .
ولابد من التأدب بآداب الزيارة من مثل اختيار الوقت المناسب ومن مثل الا تكون الزيارة سبباً في إضاعة الوقت بما لايفيد وغير ذلك من الآداب المعروفة.(1/10)
15-النفقة على الاخوان وبذل الطعام اليهم اذا قدموا لزيارتك أو اجتمعت معهم في مكان ما: جاء في الحديث الذي رواه مسلم : (( افضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله )) ، واسمعوا الحديث الآخر(( أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عرى كساه الله من خضر الجنة وايما مسلم اطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة وايما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم)) ، وأنس بن مالك حينما دخل عليه أصحابه قال لجاريته هلمي لأصحابنا ولو كسراً فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( مكارم الأخلاق من أعمال الجنة)) وكان علي رضي الله عنه يقول "لأن أجمع نفراً من إخواني على صاع أو صاعين من طعام أحب الي من أن اخرج الى سوقكم فاعتق رقبه".
16-عدم التكلف والتكليف : إذا زارك أخوك فينبغي ألاتتكلف له لأن ذلك يترتب عليه أنك ستتضايق من مجيئه مرة اخرى أو يتضايق أهلك بذلك لأن مجيء هذا الأخ سيتعبهم أو يتضايق أخوك هذا لأنه لايريد ان يشق عليه بمجيئه ،كذلك لو زرته أنت فلا تكلفه واطلب منه عدم التكلف .
17-عدم إخلاف الموعد : لو تواعدتما في ميعاد معين فاحرص على أن تاتي في الموعد فان اخلافك للموعد بعدم حضورك او بحضورك متاخرا يضايق أخاك.
18-تحسين الخلق معه : بأن يكون تعاملكما مبنياً على الأخلاق الحسنة فالغيظ يكظم وكل منكم يصبر على الآخر وقد ساد بينكما التواضع والحلم والصدق والرفق والحياء وطلاقة الوجه والبشاشة عند اللقاء وغير ذلك من الأخلاق الحسنة.
19-كتمان السر وستر العيب : بحكم أخوتكما وملازمتكما لبعضكما لابد أن يطلعك على سر من اسراره او تطلع علىعيب فيه ، فمن حقوق الأخوة ان تكتم سره ولا تطلع عليه أحدا وتستر عيبه وتساعده في اصلاحه.(1/11)
20-الإيثار : تؤثره على نفسك (( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) (الحشر:9)، تؤثره في المجلس بأن تجلسه في المكان المناسب الذي قد ترغب فيه أنت كأن تتنازل له عن المتكأ ليتكىء هو ، تؤثره على نفسك في الأكل والشرب والتقدم اثناء ركوب السيارة وهكذا.
21-مشاركته مشاعره : بأن تحزن لحزنه وتفرح لفرحه ، إذا أصيب بمصيبة بادرت بمساعدته ومحاولة تخفيف وقعها عليه وإذا سره شيء بادرت الى تهنئته وأظهرت الفرح والسرور بذلك.
22-ملاطفته بالكلام : يقول الفضيل :(لأن يلاطف الرجل أهل مجلسه ويحسن خلقه معهم خير له من قيام ليله وصيام نهاره ) .
23-لا يقاطعه إذا تكلم : بل يصغي اليه ويظهر له الاهتمام بكلامه .
24-أن يثني عليه بما هو أهل له : على ألا يكون ذلك مدحاً له في وجهه .
25-يبلغه مدح الناس له : إذا لم يؤدي ذلك الى إدخال الغرور عليه .
26-لا يبلغه ذم الناس له : لأن هذا يوغر صدره إلا أن يكون قد ذم لعيب فيه فليتلطف بنصحه ومحاولة إصلاح هذا العيب .
27-تقديم النصيحة له : سواء قصر في واجب أو ارتكب منهياً عنه يقدم له النصيحة ويلتزم بآدابها من مثل النصيحة على انفراد وأن تكون بلطف وأسلوب حسن .
وتعرفون الحديث (( الدين النصيحة )) و جرير بن عبد الله يقول : "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" .
28-طلب النصيحة منه :وذلك لأنك قد لا تبصر كل عيوبك ولا تعرف كل ذنوبك فإذا طلبت منه النصح بصّرك بها فعرفتها وتجنبتها .
عمر بن عبد العزيز يقول لعمرو بن مهاجر: ( يا عمرو إذا رأيتني قد فلت عن الحق فضع يدك في تلابيبي ثم هزني ثم قل لي ماذا تصنع ).
ويقول الحسن : ( قد كان من قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل فيقول : يا أخي ما كل ذنوبي أبصر ولا كل عيوبي أعرف فأ ذا رأيت خيراً فمرني واذا رأيت شرا فانهني )(1/12)
ويقول بلال بن سعد (أخ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله وأخبرك بعيب فيك أحب اليك وخير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا).
29- تقليل الخلاف معه بقدر الإمكان : فإن كثرة الخلاف قد توجب البغضاء فان وجد الخلاف أحياناً فلابد من التأدب بآداب الخلاف المعروفة.
30-التسامح عن الزلات والهفوات التي قد تصدر من الأخ : لأن الأخ ليس معصوماً ومن طلب أخاً بلا عيب صار بلا أخ ،
وابن السماك قال له أحدهم غدا نتعاتب قال : بل غدا نتغافر .
يقول الأمام الشافعي رحمه الله: ( من صدق في أخوة أخيه قتل علله وسد خلله وعفا عن زلله).
31-عدم إكثار العتاب : لابد من العتاب بين الأخوان وقد(كلمة غير واضحة) من عاتبك ولكن لا يتجاوز حده ويصبح طبعاً للأخ كلما لقي أخاه عاتبه .
32- قبول العذر : إذا اعتذر إليك أخوك فاقبل عذره .
33-إعانته على ما يقربه إلى الله ويبعده عن سخطه : تعينه على أعمال الخير بعامتها ، كأن تعينه على القيام لصلاة الفجر تتصل عليه بالهاتف لتوقظه أولقيام الليل أو لحظور محاضرة أو أن غداً أول أيام البيض وهكذا ، وكذلك تعينه على الابتعاد عما يغضب الله ، إذا رأيته سيرتكب ذنباً أعنته على الابتعاد عنه وهكذا ، وهذه في الحقيقة فائدة عظيمة من فوائد الأخوة.
34-الدعاء له : وتعرفون الدعاء للمسلم بظهر الغيب كما في الحديث (( ما من عبد مسلم يدعولأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل)) رواه مسلم .
35-التكامل.
36-اجتناب مكدرات الأخوة التي سيأتي الكلام فيها الآن.
سابعاً : مكدرات الأخوة :
1-النية المشوبة بشوائب الدنيا :علينا أن نصفي أخوتنا من المزاجية وغيرها ولابد أن تكون هذه الأخوة خالصة لله ، يقول عز وجل في الحديث القدسي (( وجبت محبتي للمتحابين في)) ولتعلم أيها الأخ أن ما كان لله فهو المتصل وما كان لغيره فهو المنقطع.
2- الذنوب بشكل عام : فان لها أثراً عظيماً في قطع الصلة فإذا وجدت من إخوانك جفاء فذلك لذنب أحدثته.(1/13)
3-الجدال والمراء : فالجدال والمراء يوحش القلوب ويوغرها لاسيما وأنه أصبح لحظ النفس لإظهار الحق وقد جاء في الحديث (( لا يؤمن العبد الايمان كله حتى يترك الكذب في المزاح والمراء وإن كان محقا)) وفي الحديث الآخر (( أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وبيت في اعلى الجنة لمن حسن خلقه )) .
وقال خالد بن معاوية: (اذا كان الرجل ممارياً لجوجاً معجباً برأيه فقد تمت خسارته ).
وقال الحسن البصري : (إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم وبها يبتغى الشيطان زلته ) .
وعبد الرحمن بن ابي ليلى: يقول( ما ماريت أخي أبدا لأني إن ماريته إما أن أكذبه وإما أن أغضبه).
4- المداهنة : وعدم الإنكار عليه وعدم نصيحته : تكون بينهما مجاملة فلا هذا ينكر على هذا أو يأمر بمعروف ولا الآخر يفعل ذلك.
5- الحسد : ولاشك أنه مفسد للأخوة أيما إفساد بل إنه مفسد للأعمال الصالحة .
6- التنافس على بعض الأمور : التنافس من شأنه أن يولد الغيرة وبالتالي الحسد وايغار الصدور، والتنافس يحدث بأن يشتركا في محاولة الوصول إلى هدف واحد لايتسع إلا لأحدهما وهذا يحدث مثل المسابقات سواء الرياضية أو الثقافية .
وقد يكون أحياناً التنافس على عمل خيري كل منهما يريد القيام به ولا يتسع لهما جميعاً.
7-التعامل المالي بين الأخوة : إذا لم يؤطر بالإطار الشرعي المطلوب ولم تدخله المسامحة المطلوبة من المسلم ، قد يؤجر هذا على هذا شيئا فيخل الآخر بشيء يسير فيطبق عليه الآخر الشرط الجزائي أو يحاول أن يستوفر حقه كاملاً دون أن يدع للمسامحة مجالاً ونحو ذلك فهذه توغر الصدور وتفسد الأخوة.
8- الأثرة وحب الذات: وهذا يقوده إلى عدم تطبيق حقوق الأخوة وآدابها.
9-التفاخر بالأنساب : وهذا من عمل الجاهلية وإذا كان يجب ألا يكون بين المسلمين فمن باب أولى ألا يكون بين الإخوان.(1/14)
10-السخرية والتهكم بالآخرين حتى ولو كان عن طريق المزاح.
11- الخلطة غير الموجهة والتي ينتج عنها ضياع الوقت.
12-الوصول إلى درجة التعلق : وحينها تنتفي الأخوة ويحل محلها التعلق ،وللتعلق علامات يعرف بها وتميزه عن الحب في الله من أهمها أنك تحب هذا الشخص بغض النظر عن ديانته وقوة إيمانه ويستمر حبك له حتى لو ضعف إيمانه أو ربما انتكس .
13-عدم مراعاة حقوق الأخوة وآدابها والتي سبق بيان كثير منها.
ثامناً : تنبيه :
أيها الأخوة لابد من التنبيه إلى أنه مع فضل الأخوة والترغيب فيها إلا انه ينبغي للمسلم أن يعود نفسه على تربية نفسه فيما إذا انفرد عن إخوانه ، لأن مفارقة الأخوان من الممكن حدوثها واجتماعاتك معهم قد لا تدوم ، ولذا لابد أن تعود نفسك على أن ترفع إيمانك بنفسك فلا تكن عالة على إخوانك دائماً بل حاول تربية نفسك وذلك بأن تجعل لنفسك عبادات تنفرد بها كقراءة القرآن وتدبره والنوافل من صلاة وصيام وغيرهما .
أسأل الله عز وجل أن يغفر لنا الزلل وأن يجعل ما قلته وسمعتموه حجة لنا لا علينا وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين عامة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/15)