بشرح
ثلاثة الأصول
تأليف
عبد الله بن صالح الفوزان
الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
فرع القصيم
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان
www.alfuzan.islamlight.net
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ( .
أما بعد : فإن رسالة "ثلاثة الأصول وأدلتها" (1) للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رسالة موجزة جامعة في موضوع توحيد الربوبية والألوهية والولاء والبراء وغير ذلك من المسائل المتعلقة بعلم التوحيد، الذي هو من أشرف العلوم وأجلها قدرًا، كتبها الشيخ رحمه الله مقرونة بالدليل بأسلوب سهل ميسر لكل قارئ؛ فأقبل الناس عليها حفظًا وتدريسًا؛ لأنها كتبت بقلم عالم جليل من علماء الإسلام نهج منهج السلف الصالح داعيًا إلى التوحيد ونبذ البدع والخرافات وتنقية الإسلام مما علق به من أوهام، ويظهر ذلك جليًّا في معظم مؤلفات الشيخ ورسائله، فجاءت هذه الرسالة خلاصة وافية لمباحث مهمة لا يستغني عنها المسلم ليبني دينه على أُسس وقواعد صحيحة؛ ليجني ثمرات ذلك سعادة في الدنيا وفلاحًا في الدار الآخرة .
لذا رأيت أن أكتب عليها شرحًا متوسطاً في تفسير آياتها وشرح أحاديثها وتوضيح مسائلها إسهامًا في تسهيل الاستفادة منها، والتشجيع على حفظها وفهمها بعد أن قمت بشرحها للطلبة في المسجد بحمد الله تعالى، وسميته : "حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول " .(1/1)
وقد اعتمدت على نسخة الأصول التي عليها حاشية الشيخ عبدالرحمن ابن قاسم رحمه الله ؛ لأنها مطابقة لما في مجموعة مؤلفات الشيخ محمد ابن عبدالوهاب التي قوبلت على عدة نسخ أهمها مخطوطة المكتبة السعودية بالرياض كما قال مصححوها، وهي في قسم العقيدة والآداب الإسلامية ص183 من مؤلفات الشيخ رحمه الله .
وختاماً أسأل الله تعالى أن يجزل الأجر والثواب لمؤلفها وكل من ساهم بتوضيح العقيدة وبيان البدع والتحذير منها، كما أسأله وهو أكرم مسئول أن يجعل عملي صالحًا ولوجهه خالصًا ولعباده نافعًا . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه
عبد الله بن صالح الفوزان
مساء الجمعة 19/12/1417هـ في بريدة
ترجمة موجزة لمؤلف الرسالة (1)
هو الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي (من المشارفة أحد فروع الوهبة) من قبيلة تميم .
وُلد الشيخ - عليه رحمة الله - عام 1115هـ في بلدة العيينة، وتلقى فيها علومه الأولية . فتعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين، وكان حاد الفهم وقّاد الذهن ذكي القلب سريع الحفظ، واجتمع له مع هذه الملكات وراثة علمية ووسط ديني صالح تربى فيه، فجده كان عالماً جليلاً، ووالده قاضي العيينة؛ فأخذ عن مشايخ بلده ثم رحل في طلب العلم إلى الحجاز واليمن والبصرة، فحاز علومًا وحفظ متونًا، قرأ كثيرًا من كتب الحديث والتفسير والأصول، وعني عناية خاصة بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وتأثر بأفكارهما واستنار بآرائهما مما كان له أثر واضح على دعوة الشيخ ومنهجه .(1/2)
عاد الشيخ من هذه الرحلات العلمية المباركة إلى حريملاء حيث كان والده قد انتقل إليها من العيينة لخلاف بينه وبين أميرها، فَدَرَسَ على والده في حريملاء ودعا إلى توحيد الله تعالى وبيَّن بطلان ما عليه عباد القبور . ولما توفي والده عام 1153هـ أعلن دعوته إلا أنه ما لبث أن قرر أن (حريملاء) لا تصلح أن تكون منطلقاً للدعوة فانتقل منها فيما يقارب عام 1155هـ إلى (العيينة) فناصره أميرها عثمان بن معمر أول الأمر ثم خذله؛ فانتقل الشيخ إلى (الدرعية) وهيأ الله له الأمير محمد بن سعود فقويت وانتشرت دعوته فأخذ ينشر التوحيد ويجاهد في إحياء السنة وإماتة البدعة، ويدرس العلوم النافعة ويؤلف الكتب على طريقة السلف الصالح. وأخذ عنه كثيرون وخلف من التلاميذ الكبار من نفع الله بهم الإسلام وأهله كما نفع به .
وقد مدَّ الله تعالى في عمر الشيخ فعاش في (الدرعية) بعد انتقاله إليها قرابة خمسين عامًا قضاها في الدعوة إلى الله وتطبيق مبادئها بهدم القباب المقامة على القبور وقطع الأشجار التي يتبرك بها الناس وإقامة الحدود والجهاد والعمل على نشر الدعوة فقرت عينه بانتصار كلمة الحق وشمولها أجزاء الجزيرة، وقد وافته منيته يوم الاثنين آخر شهر شوال سنة 1206هـ وكان عمره نحو اثنتين وتسعين سنة، ومات ولم يخلف دينارًا ولا درهماً، فلم يوزع بين ورثته مال ولم يقسم .
رحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب وجزاه عن الإسلام والمسلمين الجزاء الأوفى .
(
بدأ المصنف هذه الرسالة بالبسملة اقتداء بكتاب الله تعالى، وتأسيًا بالنبي ( ، فإنه كان يبدأ كتبه بالبسملة. فقد ورد في "صحيح البخاري" في كتاب بدء الوحي : " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ... " .(1)
أما الأحاديث القولية في مسألة البسملة، كحديث : "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" فهي أحاديث ضعفها العلماء .(2)
والبدء بالبسملة يدلُّ عليه أمران :(1/3)
الأول : كتاب الله تعالى حيث بدئ بالبسملة .
والثاني : ما كان يصنعه النبي ( في كتاباته إلى الملوك .
وقوله: {بسم الله} ، هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف يقدر متأخرًا، والقاعدة في متعلق الجار والمجرور أنه يقدر متقدمًا، هذا هو الأصل لكن في البسملة يقدر متأخرًا؛ ليحصل التبرك بالبدء بالبسملة، وأما نوعية المقدر
.......................................................................
فإنه يقدر بما يناسب المقام، فالذي يقرأ يكون التقدير : (بسم الله أقرأ) ، والذي يكتب إذا قال : (بسم الله الرحمن الرحيم)، يعني: بسم الله أكتب، وعلى هذا يقاس باقي الأفعال، فإذا قال : (بسم الله أكتب)؛ حصلت البداءة ببسم الله، ولكن لو قال : (أكتب بسم الله)؛ لصارت البداءة بغير البسملة لهذا يقدر المتعلق متأخراً، والمراد باسم الله هنا : كل اسم من أسماء الله تعالى، ولفظ الجلالة (الله) اسم من أسماء الله تعالى الخاصة به ومعناه : المألوه حبًّا وتعظيمًا .
وقوله: {الرحمن} هذا اسم من أسماء الله الخاصة به، ومعناه ذو الرحمة الواسعة .
وقوله: {الرحيم} هذا اسم من أسماء الله ومعناه موصل رحمته إلى من يشاء من عباده .
قال ابن القيم رحمه الله : (الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله (( ((((((( ((((((((((((((((( (((((((( ( (1)
( ((((((( (((((( ((((((( ((((((( ((2) ولم يجيء قط : رحمن بهم . فعلم أن رحمن هو
اعلم رحمك الله .................................................
الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته).(1)(1/4)
قوله {اعلم رحمك الله}، هذا دعاء من المصنف رحمه الله لك أيها القارئ يدل على محبته لك وشفقته عليك وأنه راغب في حصول الخير لك، والشيخ رحمه الله يستعمل مثل هذه العبارة كثيرًا، يقول : (اعلم رحمك الله)، (اعلم أرشدك الله لطاعته)، (أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة) .
وكلمة (اعلم) يؤتى بها من باب التنبيه وحث السامع على أن يصغي لما سيقال، فهي أمر بتحصيل العلم والتهيؤ لما سيلقى إليك من العلوم.
ولهذا ينبغي للمتكلم إذا تحدث أمام الناس أن يستعمل معهم بين حين وآخر العبارات التي تشد أذهانهم معه؛ لأن السامع بطبيعته يحتاج إلى ما يحرك ذهنه ويثير انتباهه، ولهذا كان الرسول ( يطرح السؤال بين حين وآخر على الصحابة : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟"، "أتدرون ماذا قال ربكم؟" ، "أتدرون ما الغيبة؟"، والقصد من هذا أن السامعين يستعدون لسماع ما سيقال لهم، وهذا يعتبر من باب اختيار المقدمات المناسبة للكلام .
وقوله : {رحمك الله} جملة خبرية لفظاً، إنشائية معنى؛ لأن المراد بها الدعاء للمتعلم بالرحمة، أي : غفر الله لك ما مضى من ذنوبك ووفقك وعصمك فيما يستقبل، هذا إذا أفردت الرحمة، وإذا قرنت بالمغفرة : فالمغفرة لما مضى، والرحمة لما يستقبل بالتوفيق للخير والسلامة من الذنوب .
أنه يجِب علينا تَعَلُّمُ أربعِ مسائلَ : (الأُولى) العِلم، .......................
قوله: {يجب علينا تعلم أربع مسائل : الأولى : العلم} ، المراد هنا : الوجوب العيني، وهو ما يجب أداؤه على كل مكلف بعينه.
والتعلم : تحصيل العلم، والعلم : معرفة الهدى بدليله .
والمراد بالعلم هنا : العلم الشرعي، والمقصود به ما كان تعلمه فرض عين. وهو كل علم يحتاج إليه المكلف في أمر دينه، كأصول الإيمان وشرائع الإسلام، وما يجب اجتنابه من المحرمات، وما يحتاج إليه في المعاملات، ونحو ذلك مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب عليه العلم به. (1)(1/5)
قال الإمام أحمد رحمه الله : يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه، قيل له : مثل أي شيء ؟ قال : الذي لا يسعه جهله : صلاته وصيامه، ونحو ذلك. (2) فالواجب على المسلم أن يتعلم ما يجب عليه من أمر دينه مما يتعلق بعقيدته وعبادته ومعاملته، وعليه أن يسأل أهل العلم، ويحذر من الإعراض عما جاء عن الله تعالى وعن رسوله ( ، وعليه أن يقبل النصح والتوجيه، وينقاد للحق فهذه صفة المؤمن الحق.
أما العلم الذي تعلمه فرض كفاية كتفاريع المسائل الفقهية والاطلاع على أقوال العلماء ومعرفة الخلاف ومناقشة الأدلة فهذا ليس بواجب على كل مسلم، فإذا وجد من يقوم به من أهل العلم صار في حق الباقين سنة .
وهو مَعْرِفَةُ اللهِ، ومعرِفةُ نَبِيِّهِ، ومعرفةُ دينِ الإسلام بالأَدلَّةِ.
ومما يدل على أن العلم واجب حديث أنس أن النبي ( قال : "طلب العلم فريضة على كل مسلم" .(1)
وقد فسر الشيخ رحمه الله العلم الذي لابد من تعلمه بأنه يتناول ثلاثة أمور، فقال : {وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة}. وخص الشيخ رحمه الله هذه الأمور؛ لأنها هي أصول الإسلام التي لا يقوم إلا عليها، وهي التي يسأل عنها العبد في قبره. فالإنسان إذا عرف ربه وعرف نبيه وعرف دين الإسلام بالأدلة كمل له دينه، فهذا هو العلم الشرعي الذي
......................................................................
لابد منه .
وقوله: {معرفة الله}، أي : أن معرفة الله تعالى هي أساس الدين، ولا يكون الإنسان على حقيقة من دينه إلا بعد العلم بالله تعالى، وذلك بالنظر في الآيات الشرعية من الكتاب والسنة، والنظر في الآيات الكونية التي هي المخلوقات، وهذه المعرفة تستلزم قبول ما شرعه الله تعالى والانقياد له.(1/6)
وقوله: {ومعرفة نبيه}، أي: أن معرفة النبي ( فرض على كل مكلف، وأحد مهمات الدين؛ لأنه ( هو المبلغ عن الله تعالى. وهذه المعرفة تستلزم قبول ما جاء به من عند الله تعالى من الهدى ودين الحق(1). وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تفصيل ذلك في محله .
وقوله: {ومعرفة دين الإسلام بالأدلة}، الإسلام له معنيان : معنى عام ومعنى خاص؛ لأنه قد وردت أدلة تدل على أن الإسلام خاص بهذه الأمة ووردت أدلة تدل على أن الإسلام موجود في الشرائع السابقة،
فتحريرًا للمسألة نذكر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الموضوع(2) وهو أن الإسلام بالمعنى العام يراد به : عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا دين الأنبياء عموماً، قال الله - عز وجل - عن التوراة وأنبياء بني إسرائيل : ( (((((((( ((((( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((( ( (3)، فوصف الله - سبحانه وتعالى ..................................................................
أنبياء بني إسرائيل بالإسلام مما يدل على أن الإسلام ليس خاصًّا بهذه الأمة بل هو عام، وذكر الله - تعالى - عن موسى عليه السلام أنه قال لقومه : ( ((( ((((((( ((((((((( (((((( (((((((((( (((((((((((( ((( (((((( ((((((((((( ( (1) ، وعن أبناء يعقوب عليه السلام : ( (((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( (((((((( (((((((( ((((( ((((((((((( ( (2) فهذا هو الإسلام بالمعنى العام .
أما الإسلام بالمعنى الخاص فيراد به : الدين الذي بعث الله نبيه محمداً ( به وجعله خاتمة الأديان لا يُقبل من أحدٍ دين سواه، قال تعالى : ( ((((( (((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ((((( (((((((( (((((( (((((( ((( (((((((((( (((( (((((((((((((( ( (3)(1/7)
وقال تعالى : ( (((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ( (.(4) ، فهذه الآية تفيد أن الله - تعالى - ارتضى لهذه الأمة الإسلام ديناً، فيفسر بالمعنى الخاص .
وقوله: {بالأدلة} جمع دليل. والدليل فعيل بمعنى : فاعل . من الدلالة وهي الإرشاد، فالدليل هو المرشد إلى المطلوب، وهو إما سمعي : وهو ما ثبت
(الثَّانيَةُ) العملُ به.
بالوحي من كتاب أو سنة. وإما عقلي : وهو ما ثبت بالنظر والتأمل. وسيأتي شيء من ذلك في أثناء الرسالة .
وفي كلام الشيخ رحمه الله إشارة إلى أن التقليد لا ينفع في باب العقائد، وأنه لابد من معرفة دين الإسلام بالأدلة من كتاب أو سنة أو إجماع.
قول المصنف رحمه الله : {الثانية : العمل به} ، أي : العمل بالعلم؛ لأن العلم لا يطلب إلا للعمل، وذلك بأن يتحول العلم إلى سلوك واقعي يظهر على فكر الإنسان وتصرفه، وقد وردت النصوص الشرعية في وجوب إتباع العلم بالعمل. وظهور آثار العلم على طالبه. وورد الوعيد الشديد لمن لا يعمل بعلمه. ولم يبدأ بإصلاح نفسه قبل إصلاح غيره، وهي أدلة معروفة معلومة. (1)
وما أحسن قول الفضيل بن عياض رحمه الله : (لا يزال العالم جاهلاً حتى يعمل بعلمه فإذا عمل به صار عالماً). وهذا كلام دقيق؛ لأنه إذا كان عنده علم ولكنه لا يعمل بهذا العلم فهو جاهل؛ لأنه ليس بينه وبين الجاهل فرق إذا كان عنده علم ولكنه لا يعمل به، فلا يكون العالم عالماً حقًّا إلا إذا عمل بما علم، ثم إن العمل إضافة إلى أنه حجة للإنسان فهو أيضاً من أسباب ثبات العلم وبقائه، ولهذا تجد الذي يعمل بعلمه، يستحضر علمه، أما الذي لا يعمل بعلمه فسرعان ما يضيع علمه، قال بعض السلف : (كنا نستعين على
......................................................................(1/8)
حفظ الحديث بالعمل به).(1) أضف إلى هذا ما قاله بعض أهل العلم : (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، ومن لم يعمل بما علم أوشك الله أن يسلبه ما علم)، وهذا يذكره بعضهم على أنه حديث(2)، وهذا ليس بصحيح(3) ، إنما هي عبارة مأثورة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله، ومعنى أورثه الله علم ما لم يعلم، أي : زاده إيماناً ونوّر بصيرته وفتح عليه من العلوم أنواعاً وفروعاً؛ ولهذا تجد العالم العامل بازدياد، ويبارك الله في وقته وعلمه، ودليل هذا في كتاب الله، قال - تعالى - : ( ((((((((((( (((((((((((( ((((((((( ((((( (((((((((((( ((((((((((( ( (4) ، قال الشوكاني : (زادهم إيماناً وعلمًا وبصيرة في الدين، أي : والذين اهتدوا إلى طريق الخير فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به زادهم إيماناً وعلمًا وبصيرة في الدين).(5)
فعلى المسلم أن يدرك أهمية العمل بالعلم، وأن الإنسان الذي لا يعمل بعلمه سيكون علمه حجة عليه. كما ورد في حديث أبي برزة - رضي الله عنه - قال رسول الله ( : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن
(الثالثة) الدعوة إلى الله.
أربع،ومنها : وعن علمه ماذا عمل فيه"(1)، وهذا لا يخص العلماء كما قد يفهم بعض الناس بل كل من علم مسألة من المسائل قامت عليه الحجة فيها، فإذا سمع إنسان فائدة في محاضرة أو خطبة جمعة تضمنت تحذيرًا من معصية هو واقع فيها، فعلم أن هذه المعصية التي وقع فيها أنها أمر محرم، فهذا عِلْمٌ . فتقوم عليه الحجة بما سمع. وقد ثبت في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه ( قال : "والقرآن حجة لك أو عليك" (2).(1/9)
قول المصنف رحمه الله : {الثالثة : الدعوة إليه} ، أي : الدعوة إلى توحيد الله وطاعته، وهذه وظيفة الرسل وأتباعهم، قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي(.(3)؛ لأن الإنسان إذا كملت قوته العلمية بالعلم وقوته العملية بالعمل؛ فإن عليه أن يسعى إلى بذل الخير للآخرين تأسياً برسل الله تعالى عليهم الصلاة والسلام . والدعوة إلى الله تعالى أمرها عظيم، وثوابها جزيل، كما قال النبي ( : "فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النعم" .(4)
......................................................................
والدعوة لا تؤتى ثمارها وتكون وسيلة إصلاح وبناء، إلا إذا كان الداعي متصفاً بما يكون سبباً لقبول دعوته وظهور أثرها . ومن ذلك :
1- التقوى : ويقصد بها كل معانيها من امتثال المأمور واجتناب المحظور، والتحلي بصفات أهل الإيمان .
2- الإخلاص : بأن يقصد بدعوته وجه الله تعالى ورضاه، والإحسان إلى خلقه ويحذر من أن يقصد إظهار التميز على غيره. وإذلال المدعو بإشعاره بالجهل والتقصير.
3- العلم : فلابد أن يكون الداعي عالماً بما يدعو به، ذا فهم لما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، وسير السلف الصالح.
4- الحلم وضبط النفس عند الغضب؛ لأن ميدان الداعية صدور الرجال ونفوس البشر، وهي متباينة ومختلفة كاختلاف صورهم وأشكالهم.
5- أن يبدأ بالأهم فالأهم على حسب البيئة التي يدعو فيها. فمسائل العقيدة وأصول الدين تأتي في المقام الأول. وقد دل على ذلك قول النبي ( لمعاذ - رضي الله عنه - : "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... الحديث". (1)
6- أن يسلك في دعوته المنهج الذي نص الله عليه في كتابه الكريم، يقول - سبحانه - : ( (((((( (((((( ((((((( ((((((( (((((((((((((( (((((((((((((((( (((((((((((( ((1/10)
(الرابعة) الصَّبْرُ على الأَذَى فيه.
(((((((((((( ((((((((( (((( (((((((( ( ( (1) ، والحكمة معرفة الحق والعمل به والإصابة في القول والعمل، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان ( (((((((((((((((( (((((((((((( (( الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، وإلانة القول وتنشيط الموعوظ .
( (((((((((((( ((((((((( (((( (((((((( ( ( فيسلك كل طريق يكون أدعى للاستجابة : من الالتزام بالموضوع والبعد عن الانفعال والترفع عن المسائل الصغيرة في مقابل القضايا الكبرى حفظاً للوقت وعزة للنفس وكمالاً للمروءة.(2)
قوله: {الرابعة الصبر على الأذى فيه} ، أي : الرابعة من المسائل الأربع : الصبر على الأذى في الدعوة إلى الله تعالى، بأن يكون الداعية صابرًا على ما يناله من أذية الناس؛ لأن أذية الدعاة من طبيعة البشر إلا من هدى الله كما قال - تعالى - : ( (((((((( ((((((((( (((((( (((( (((((((( ((((((((((( (((((( ((( (((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((( ( ((3).
فيجب على الداعية أن يكون صابرًا على دعوته مستمرًا فيها، صابرًا
......................................................................
على ما يعترض دعوته أو ما يعترضه هو من الأذى؛ لأن الداعية يطلب من الناس أن يتحرروا من شهواتهم ورغباتهم، وعادات أقوامهم، ويقفوا عند حدود الله تعالى في أوامره ونواهيه وأكثر الناس لا يؤمن بهذا المنهج. فلهذا يقاومون الدعوة بكل قوة، ويحاربون دعاتها بكل سلاح، قال - تعالى - عن لقمان الحكيم في وصيته لابنه : ( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((((( ((((((((((((((( (((((((( (((( ((((((((((( (((((((((( (((((( (((( ((((((((( ( (((( ((((((( (((( (((((( ((((((((( ( .(1)(1/11)
وعلى الداعية أن يتأسى بالرسل الكرام الذين قصَّ الله علينا أخبارهم، وما حصل لهم من شاق الدعوة ومتاعبها من إعراض الناس عن دعوتهم وأذيتهم بالقول والفعل مع طول الطريق واستبطاء النصر، قال- تعالى- : ( (((((((((( ((((( (((((( ((((((((( (((((((((( (((( ((((((((( ( (2)،وقد جعل الله - تعالى- العاقبة للمتقين، وكتب النصر لدعاة الحق، قال- تعالى -: ( (((( (((((((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ((((((( ((((((((( (((((( ((((((((( (((((((( ((( ((((((((( ( (((((((((( (((((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((( (((((( ((((((( (((((((((( ((((((((((( (((((((((( ((((((( (((((( (((((( (((( ( (((( (((( (((((( (((( ((((((( ((((( ( .(3)
والدَّلِيلُ قولهُ تعالى: بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم( (((((((((((( ((( (((( (((((((((( ((((( (((((( ((( (((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((( ((( (.
قوله : {والدليل قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( (((((((((((( ((( (((( (((((((((( ((((( (((((( ((( (((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((( ((( ( (1)} . استدل المصنف رحمه الله على هذه المسائل الأربع بسورة عظيمة لا تزيد على ثلاث آيات وهي سورة العصر. فالمسألة الأولى والثانية في قوله - سبحانه-: ( ((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ( فإن الإيمان لا يكون صحيحاً، والعمل لا يكون صالحاً إلا بالعلم بأن يعبد الله على بصيرة. والمسألة الثالثة في قوله : ( ((((((((((((( (((((((((((.( والرابعة في قوله : ( ((((((((((((( ((((((((((( ( .(1/12)
وقوله تعالى: ( (((((((((((( ( هذا قسم، والعصر المراد به : الزمن الذي تقع فيه الأحداث من خير أو شر. أقسم الله به؛ لأن أفعال الناس وتصرفاتهم كلها تقع في هذا الزمن فهو ظرف يودعه العباد أعمالهم إن خيراً فخير وإن شرًّا فشر فهو جدير أن يقسم به. وقيل : ( (((((((((((( (ما بعد العشي وهو آخر النهار، ومنه صلاة العصر، والأول هو الأظهر في معنى الآية، والله أعلم.(2)
.....................................................................
وجواب القسم قوله - تعالى - : ( (((( (((((((((( ((((( (((((( ( ، فالله - تعالى - يقسم بالعصر على أن الإنسان في خسر. والألف واللام للاستغراق والشمول بدليل الاستثناء بعده، أي : كل إنسان في خسر، كقوله تعالى : ( (((((((( (((((((((( (((((((( ( (1) .
والخسر : هو النقصان والهلكة؛ لأن حياة الإنسان هي رأس ماله، فإذا مات ولم يؤمن ولم يعمل صالحاً خسر كل الخسران.
ولم يبين هنا نوع الخسران في أي شيء بل أطلق ليعم، فقد يكون مطلقاً كحال من خسر الدنيا والآخرة وفاته النعيم، واستحق الجحيم، وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض .
والذي يستفاد من مفهوم الآية أن الخسران قد يكون بالكفر - والعياذ بالله - قال تعالى -:( ((((( (((((((((( (((((((((((( (((((((( ((((((((((((( (((( (((((((((((((( ((2)
وقال - تعالى - : ( (((( (((((( ((((((((( ((((((((( (((((((((( (((( ( ( (3) ، وقد يكون بترك العمل، قال تعالى : ( (((((( (((((( ((((((((((((( (((((((((((((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((( (((((((( (((((((((( ( (4)وقال تعالى: ( (((( (((((((( (((((((((((( ((((((( (((( (((((.....................................................................(1/13)
(((( (((((( (((((( (((((((((( (((((((( ( (1) قال تعالى : ( (((( (((( (((((( (((((((((((( (((( (((((((((((((( ( (2)، وقد يكون الخسران بترك التواصي بالحق كلية أو التواصي بالباطل. وليس بعد الحق إلا الضلال. وقد يكون بترك التواصي بالصبر كلية أوبالوقوع في الهلع والجزع، قال تعالى : ( (((((( (((((((( ((( (((((((( (((( (((((( (((((( ( (((((( (((((((((( (((((( (((((((((( ((((( ( (((((( ((((((((((( (((((((( ((((((((( (((((( ((((((((( (((((( (((((((((( (((((((((((( ( ((((((( (((( ((((((((((((( ((((((((((( ( (3).
والمقصود أن الإنسان في خسر مهما كثر ماله وولده، وعظم قدره وشرفه إلا من اتصف بالصفات الأربع. فعلى الإنسان أن يتأمل حاله ويعلم يقينًا أنه لا نجاة للعبد من الخسران إلا بهذا الطريق الذي رسمه الله تعالى .
وقوله تعالى : ( (((( ((((((((( (((((((((( ( هذا هو الوصف الأول لمن يسلم من الخسار وهو وصف الإيمان، والمعنى : إلا الذين آمنوا بما أمر الله تعالى من الإيمان به، وهو الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين، وكل ما يقرب إلى الله تعالى من اعتقاد صحيح وعلم نافع .
وقوله تعالى : ( ((((((((((( ((((((((((((( ( المراد بالعمل الصالح : أفعال الخير كلها سواء كانت ظاهرة أو باطنة، وسواء كانت متعلقة بحقوق الله تعالى، أو متعلقة بحقوق العباد، وسواء كانت من قبيل الواجب أو كانت من قبيل المستحب إذا كانت خالصةً صوابًا .
قال الشَّافعيُّ رحمه الله تعالى : لو ما أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً على خَلْقِهِ إِلا هذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.(1/14)
وقوله تعالى : ( ((((((((((((( ((((((((((( ( المراد بالحق في هذه الآية - والله أعلم - هو ما تقدم من الإيمان الله والعمل الصالح ( ((((((((((((( ((((((((((( ((( (. جميع أنواع الصبر، الصبر على طاعة الله وأداء فرائضه والقيام بحقوقه وحقوق عباده فهذا يحتاج إلى صبر، والصبر عن معصية الله؛ لأن النفس أمارة بالسوء فلابد للإنسان أن يصبر لئلا يقع في المعصية .
ومن الصبر أيضاً : الصبر عن البطر عند كثرة النعم، فيصبر الإنسان عن البطر والإسراف والتبذير عند وجود النعم أو كثرتها، ومن الصبر أيضاً : الصبر على المصائب وهي ما يصيب الإنسان في هذه الدنيا من مصائب وحوادث فإنه عرضة لذلك .
قوله : {قال الشافعي - رحمه الله تعالى - (لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم) } معنى قول الشافعي: لو أن الله - جل وعلا - ما أنزل للبشرية منهاجاً، ولا جعل لها طريقاً ِإلا هذه السورة القصيرة ذات الثلاث الآيات لكانت كافية؛ لأن هذه السورة رسمت المنهج الذي شرعه الله تعالى طريقاً للنجاة وهو الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فهذه الأمور الأربعة هي التي تحصل بها النجاة، فلو أن الله تعالى ما أنزل إلا هذه السورة لكان من أراد الله هدايته يعرف أنه لا نجاة له إلا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وهذا من الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، آية واحدة تبين وظيفة الأمة الإسلامية
وقال البُخَاريُ رحمه اللهُ تعالى :
"(بابٌ) : العِلْمُ قَبْلَ القولِ والعَمَلِ، والدليلُ قوله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ( فبدأ بالعلمِ قبلَ القولِ والعملِ ".(1/15)
ووظيفة كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية وهي التواصي بالحق والتواصي بالصبر. بعد الإيمان والعمل الصالح فما أعظمها من سورة ولهذا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما نقل كلام الشافعي قال : (هو كما قال - يعني : ما قال الإمام الشافعي هو في محله - فإن الله جل وعلا أخبر أن جميع الناس خاسرون إلا من كان في نفسه مؤمناً صالحاً ومع غيره موصيًا بالحق وموصيًا بالصبر) انتهىكلامه.(1)
وقد جاء في تفسير ابن كثير ما يختلف عن العبارة التي ذكرها المصنف هنا فقد جاء فيه قال الشافعي رحمه الله : (لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم) (2)، والمعنى واحد، والله أعلم .
قوله: {وقال البخاري رحمه الله تعالى}، يعني : في كتاب العلم من "صحيحه" : {(بابٌ : العلم قبل القول والعمل)} .
وقوله: (بابٌ) يقرأ بالتنوين؛ لأنه مقطوع عن الإضافة، والعلم : مبتدأ، قبل القول : خبر المبتدأ، أفادت هذه الترجمة أن قول الإنسان وعمله لا اعتبار له في ميزان الشرع إلا إذا كان قائماً على العلم، فالعلم شرط لصحة القول والعمل .
......................................................................
وقوله : {والدليل} هذا من كلام البخاري، والذي في "الصحيح"
أن البخاري قال : (بابٌ : العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى).(1)، ولكن الشيخ رحمه الله عبر بقوله (والدليل) ليكون أوضح . {قوله تعالى: ( (((((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( (((((((((((((( (((((((((( ( (2) فبدأ بالعلم قبل القول والعمل)}، وهذا من كلام البخاري أيضًا، لكن ليس في "صحيحه" كلمة (قبل القول والعمل) إنما الذي فيه (فبدأ بالعلم)، فإما أن يكون قوله : (قبل القول والعمل) من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله للتوضيح، أو أنه في نسخة أخرى، وقوله تعالى : ( (((((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( ( الخطاب للرسول (، وهو يشمل الأمة، وهذا هو العلم .(1/16)
( (((((((((((((( (((((((((( ( هذا هو العمل، وقد استدل بعض السلف بهذه الآية على فضل العلم، فقد ذكر أبو نعيم رحمه الله في "الحلية" عن سفيان بن عينية رحمه الله أنه سئل عن فضل العم فقال : ألم تسمع قوله تعالى حين بدأ به فقال : : ( (((((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( (، ثم أمره بالعمل بعد ذلك فقال : ( (((((((((((((( (((((((((( (.(3)
ووجه الاستدلال على فضل العلم أن الله تعالى بدأ به فأمر نبيه ( بالعلم
اعلمْ رحمك اللهُ أنَّه يجبُ على كل مسلمٍ ومسلمةٍ تَعَلُّمُ هَذِهِ المسائِل الثلاث والعملُ بِهِنَّ : (الأُولى) أَنَّ اللهَ خَلقَنا ورَزَقَنا ولم يَتْرُكْنَا هَمَلاً،.....
قبل أن يأمره بالعمل، وهذا يدلنا على أمرين :
أولاً : على فضل العلم :
ثانياً : على أن العلم مقدم على العمل .
ثم ذكر المصنف مسائل أخرى مفرعة على ما تقدم فقال : {اعلم رحمك الله}، وهذا دعاء من المصنف رحمه الله يدل على حرصه ونفعه لأخيه المسلم كما تقدم .
قوله : {أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث(1) والعمل بهن}، هذه المسائل الثلاث مجملها : الأولى في توحيد الربوبية، والثانية في توحيد الألوهية، والثالثة في الولاء والبراء.
وهذه المسائل الثلاث مسائل عظيمة لابد من تعلمها والعمل بها؛ لأنها قاعدة الدين وأساس العقيدة، فـ {الأولى:} التي هي توحيد الربوبية {أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً}، هذه ثلاثة أمور :
الأول : أن الله تعالى خلقنا، والدليل على أن الله خلقنا هو السمع والعقل، أما السمع فآياته كثيرة كقوله تعالى : ( ((((( (((((((( (((((((( ((((((((( (((( ((((((((((((( ( (2)وقوله تعالى: ( (((( ((((((( ((((( (((((( ( ( (3) أما العقل فقد دل
.....................................................................(1/17)
عليه قول الله تعالى في سورة الطور : ( (((( ((((((((( (((( (((((( (((((( (((( (((( (((((((((((((( ( (1) ، ففي هذه الآية دليل عقلي على أنه لابد من خالق، وأنه لم يوجد هذا الكون صدفة؛ لأن القسمة العقلية تقتضي ثلاثة أمور لا رابع لها : إما أننا خُلقنا بدون خالق، وهذا لا يمكن؛ لأن الخلق لابد أن يتعلق بخالق كالتحريك يتعلق بمحرك، فلا يمكن للشيء أن يتحرك من مكانه إلا بوجود محرك له، وهذا أمر ضروري يعرفه العقلاء، فكوننا خُلقنا بدون خالق هذا لا يمكن، والناس بمقتضى عقولهم - حتى المعاندون منهم - يعرفون هذا، فلو قيل لشخص: إن هناك قصرًا من القصور الذي جُهز بكل ما تشتهيه الأنفس وتتمناه، ولكن هذا القصر وجد صدفة بدون بناء ولا إعداد لبادر الناس إلى التكذيب، وقالوا : هذا لا يمكن؛ لأن القصر يحتاج إلى بناء، وما فيه يحتاج إلى إعداد، فلابد من عمال وصُناع .
الأمر الثاني : أننا خَلقنا أنفسنا، وهذا أشد فسادًا مما قبله؛ لأننا معدومون، والمعدوم لا يمكن أن يكون قادرًا على إيجاد نفسه؛ لأن العدم نقص، والخلق كمال، فكيف يكون الناقص كاملاً، هذا لا يمكن، فيتعين الأمر الثالث وهو أنه لابد لنا من خالق وهو الرب القادر، ولهذا قال تعالى : ( (((( ((((((((( (((( (((((( (((((( ( يعني : هل هم خُلقوا هكذا دون خالق ؟ هذا الأمر الأول ، أم هم الخالقون ؟ يعني : لأنفسهم هذا الأمر الثاني ، والأمر
.....................................................................
الثالث لم تذكره الآية؛ لأنه إذا امتنع الأمر الأول والثاني يتعين الأمر الثالث.(1/18)
وقد ورد في الحديث أن رجلاً مشركًا سمع هذا الآية فدخل الإيمان في قلبه وهو جبير بن مطعم -رضي الله عنه- كما في "صحيح البخاري"(1) أنه جاء في موضوع أسارى بدر والنبي ( يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور فمرت الآية وجبير يسمع فيقول معبرًا عن نفسه: (كاد قلبي أن يطير، ومنذ ذلك الوقت وقر الإيمان في قلبي)؛ لأنه من أهل اللَّسن والفصاحة والبلاغة، فعرف الآية ومعناها وما تدل عليه فوقر الإيمان في قلبه.(2)
قوله : (ورزقنا)، هذا الأمر الثاني مما يتعلق بتوحيد الربوبية، والدليل على أن الله تعالى رزقنا آيات كثيرة من القرآن الكريم، كقول الله تعالى: ( ((((( ((((((((((( (((((((((( ((((( (((((((((( ( (3)، وقوله تعالى : ( (((( (((( (((( (((((((((( ((( (((((((((( ((((((((((( ( (4) وقوله تعالى : ( (((( (((( (((((((( ((( (((((((( (((((((( ((((((( ( (5) إلى غير ذلك من الآيات .
والرزق : اسم لما يسوقه الله إلى الحيوان فيأكله. قال في "القاموس" :
الرزق - بالكسر - : ما ينتفع به كل مرتزق. والرزق نوعان :
.....................................................................
1- خاص : وهو الرزق الحلال للمؤمنين . وهذا هو الرزق النافع الذي لا تبعة فيه إذا كان عونًا على طاعة الله تعالى، قال تعالى: ( (((( (((( (((((( ((((((( (((( (((((((( (((((((( (((((((((((( ((((((((((((((( (((( (((((((((( ( (((( (((( ((((((((( (((((((((( ((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((( ((((((((((((( ( ( (1) .
2- عام : وهو ما به قوام البدن سواء كان حلالاً أو حرامًا، وسواء كان المرزوق مسلمًا أو كافرًا، قال تعالى : ( ((((( ((( (((((((( ((( (((((((( (((( ((((( (((( ((((((((( ( (2)(1/19)
وقوله : (ولم يتركنا هملاً) هذا الأمر الثالث، والهَمَل بالتحريك : هو السُّدى المتروك ليلاً ونهارًا، ولم يرد اللفظ هذا في القرآن الكريم، إنما الذي ورد في القرآن الكريم : ( (((((((((( (((((((((( ((( (((((((( ((((( ( (3)وورد في القرآن الكريم: ( (((((((((((((( ((((((( ((((((((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((( (( ((((((((((( ( (4) فالهمل والسدى والعبث بمعنى واحد، وهو المتروك الذي لا يؤمر ولا ينهى، والدليل من السمع على أن الله تعالى لم يتركنا سدى هو ما تقدم .
أما الدليل من العقل فإن الله - جل وعلا - حكيم، فقد خلقنا ورزقنا،
بلْ أَرْسَلَ إلينا رسولاً، فَمَنْ أَطَاعَهُ دخل الجنةَ، ومَن عَصَاهُ دخل النارَ.
وأرسل إلينا الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وأوجب علينا طاعتهم، وأمرنا بقتال المعاندين، فلو لم يكن هناك حساب ولا عقاب ولا ثواب ولا جزاء؛ لكان هذا من العبث الذي ينزه الله تعالى عنه. فالله - تعالى - شرع هذه الأمور لمعاد يحاسب عليه الإنسان المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فهذا الدليل العقلي يدل على أن الله - تعالى - لم يتركنا هملاً، وأن الجزاء الأخروي تعقبه الحياة الأبدية، وهي الحياة الحقيقية كما في قوله - تعالى - : ( ((((((( (((((((((((( (((((((( (((((((((( ( (1) سماها حياة مع أن الدنيا حياة لكنها حياة إلى زوال وانقضاء، وأما حياة البقاء والخلود فهي الحياة في الدار الآخرة، إما في عذاب سرمدي، وإما في نعيم دائم، نسأل الله الكريم من فضله - .(1/20)
قوله : {بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار}. هذا دليل على أن الله تعالى لم يتركنا هملاً، والمراد بالرسول هو محمد (، والمراد بقول المصنف (أرسل إلينا)، أي : معشر الأمة، وقد جاء في القرآن الكريم آية عظيمة تبين الغاية من بعثة الرسول (، قال - تعالى - ( (((((( ((((((((((( ((( ((((((( (((( ((((((((( (((((((( (((( ( ( (2) فالغاية من إرسال الرسل: طاعتهم واتباعهم فيما جاءوا به عن الله - تعالى - . وأما الحكمة من إرسال الرسل فهي هداية البشرية إلى الصراط المستقيم ، وبيان عبادة الله
والدليلُ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((( (((((((( (((((((((( (((((( (((((((((((( (((((( (((((((((( ((((((( (((( (((((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((((((( ((((((( ((((((( (((( ( .
- تعالى - على الوجه المرضي؛ لأن العقل البشري لا يستقل بمعرفة ذلك. والتلقي لا يمكن عن الله تعالى إلا بواسطة الرسل، فالرسل واسطة بين الله تعالى وبين الخلق، والرسول( هو الذي يشرع للأمة بعد تشريع الله تعالى : ( (((( (((((((((( (((( (( ( ((1).
ثم بين المصنف رحمه الله مآل الطائعين والعصاة بقوله : (فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار)، وهذا دل عليه القرآن الكريم في آيات كثيرة، قال تعالى :( ((((( (((((( (((( (((((((((((( (((((((((( ((((((( ((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( (((( ( (2)وفي الجانب الآخر: ( ((((( (((((( (((( (((((((((((( (((((((((( (((((((((( (((((((((( (((((( (((((((( (((((( ( (3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله ( قال : "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا : يا رسول الله، ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"(4).(1/21)
قوله:{والدليل قوله تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((( (((((((( (((((((((( (((((( (((((((((((( (((((( (((((((((( ((((((( (((( (((((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((((((( ((((((( ((((((( ((5)} هذا
.....................................................................
دليل على المسألة الأخيرة وهي قوله : (بل أرسل إلينا رسولاً)، والخطاب في قوله تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((((((( ( ، يعني : لكفار قريش. والمراد سائر الناس ( ((((((( (((((((( (((((((((( ( ، يعني : شاهدًا على أعمالكم كما في قوله تعالى :
( ((((((((( (((((((((( (((((((( (((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((( (((((((( ( (، وقوله تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((( (((((((((( ((((((( ( ، هو موسى - عليه الصلاة والسلام - وعدم تعيينه؛ لعدم دخوله في التشبيه أو لأنه معلوم غني عن البيان.(1) والمقصود من هذه الآية - والله أعلم - تذكير هذه الأمة بهذه النعمة العظيمة، وهي إرسال هذا النبي الكريم وتحذيرها أن تفعل مثل ما فعل قوم فرعون فيصيبهم ما أصابهم. والمعنى : أن الله - جل وعلا - أرسل إليكم رسولاً كما أرسل إلى فرعون رسولاً فانظروا ماذا كان موقف فرعون وقومه من الرسول؛ لأن سنة الله واحدة لا تتغير ولا تتبدل قال تعالى: ( (((((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((((((( ((((((( ((((((( (، وأصل الوبيل في اللغة بمعنى : الثقيل الشديد، كما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما(2)-. تقول العرب: كلأ وبيل وطعام وبيل، أي ثقيل رديء العقبى، والطعام الذي يستمرأ تهضمه المعدة براحة وفي وقت قصير، أما إذا كان الطعام لا يستمرأ فإن المعدة
(الثانيةُ) أَنَّ الله لا يَرْضى أَنْ يُشْرَك معه أَحَدٌ في عِبَادَتِه لاَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ...........................................................(1/22)
لا تهضمه بسهولة وتحتاج إلى وقت أطول، وقد يكون له عواقب وخيمة، وقد قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : "الحق ثقيل مري والباطل خفيف وبي"(1) ، يعني : عاقبته وخيمة أما الحق فإنه وإن كان الإنسان يحسب أنه ثقيل عليه فهو مري خفيف، عاقبته حميدة، فالله تعالى أخذ فرعون أخذًا شديدًا مهلكًا؛ وذلك بإغراقه وجنوده في البحر فلم يفلت منهم أحد، ثم بعد ذلك في عذاب البرزخ إلى يوم القيامة ثم عذاب النار، قال تعالى : ( (((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((( ((((((((( ( (((((((( ((((((( (((((((((( (((((((((((( ((((( (((((((((( (((((( ((((((((((( ( .(2)
قول المصنف رحمه الله {الثانية : أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل} هذه المسألة الثانية وهي في توحيد الألوهية، والمعنى : أن الله جل وعلا يوجب على المكلفين إفراده بالعباد؛ لأنه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الخالق الرازق له الملك والأمر، فلا يرضى سبحانه وتعالى أن يشرك معه أحد مهما بلغ هذا الشخص من الطهارة والعلو والرفعة، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وإذا كان الله تعالى لا يرضى أن يشرك معه لا ملك مقرب وهم
والدليل قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً(.
مقربون إلى الله تعالى ولا نبي مرسل وقد اصطفاهم الله سبحانه وتعالى فإن غيرهم من الخليقة من باب أولى؛ لأن العبادة لا تصلح إلا لله تعالى، وصرفها لغير الله ظلم، قال تعالى : ( (((( (((((((((( (((((((( ((((((( ( (1)، والله - جل وعلا - لا يرضى لعباده الكفر، وإنما يرضى لهم الإسلام، كما قال تعالى : ( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ( ( (2)، وقال تعالى : ( (((( (((((((( ((((((((((( (((((((((( ( ( (3) .(1/23)
قوله: {والدليل قوله تعالى : ( (((((( ((((((((((((( (( (((( ((((((((( (((( (((( ((((((( (((( ( (4)} المساجد جمع مسجد، وهو كل موضع بُني للصلاة والعبادة وذكر الله تعالى، والدليل على هذا المعنى قول النبي ( في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد : "إن هذا المسجد لا يصلح لشيء من ذلك إنما بني لذكر الله تعالى وللصلاة"(5)، وهذه وظيفة المساجد، وهذه الإضافة في الآية إضافة تشريف وتخصيص، ويكون المعنى على التخصيص: أنكم إذا دخلتم المساجد للعبادة فلا تدعوا فيها مع الله أحدًا
(الثالثةُ) أنَّ من أَطَاعَ الرسولَ وَوَحَّدَ اللهَ لا يجوز له مَوَالاَةُ مَن حادَّ الله ورسولهَ ......................................................
لأنها بيوت الله فكيف تدخل بيته وتدعو معه غيره ؟ وقوله تعالى : ( (((( ((((((((( (((( (((( ((((((( (((( ( ، ((((((( ( ( نكرة، والنكرة في سياق النهي تفيد العموم، أي : فلا تدعوا مع الله أحدًا كائنًا من كان، لا ملكًا مقربًا ولا نبيًَّا مرسلاً، وما دون ذلك من باب أولى كما تقدم .
قول المصنف رحمه الله : {الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله} .(1/24)
هذه المسألة الثالثة وموضوعها الولاء والبراء، والمعنى : أن من أطاع الرسول فيما أمر، واجتنب ما عنه نهى وزجر، ووحد الله سبحانه، فهذه هي العقيدة الإسلامية، ومن أصول هذه العقيدة : أن يوالي أهلها، ويبغض أهل الشرك ويعاديهم، قال تعالى : ( (((( ((((((( (((((( (((((((( (((((((( (((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((( (((( (((((((( (((((((((((( ((((( ((((((((((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ((( ((((( (((( ((((((((( (((((( ((((((( ((((((((( (((((((((((( ((((((((((((( (((((((((((((((( ((((((( (((((( ((((((((((( (((((( (((((((((( ( (1) الآية، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ( : "أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله" .(2)
ولو كان أَقْرَبَ قَرِيبٍ . والدليلُ قوله تعالى : ( (( (((((( ((((((( ً.........
فالحب في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله : من مقتضيات ملة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، ومن لوازم دين محمد ( ، والدليل على هذا (أي : على الثاني) قول الله تعالى كما ذكر المصنف رحمه الله : ( (( (((((( ((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((( (((((( (((( (((((((((((( ...( (1) الآية .
ومعنى قول المؤلف رحمه الله : (ولا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله)، أي : عادى الله ورسوله هذا معنى المحادة. وأصل المحادة في اللغة : أن تكون في جانب، والشخص الذي تعاديه في جانب آخر، ولا ريب أن من لم يطع الله ورسوله فإنه يصدق عليه أنه محاد لله ورسوله، كأنه بتصرفه هذا في جانب والله -سبحانه - ورسوله ( في جانب آخر .
والموالاة معناها : المصادقة والموادة والمحبة، وهي تشعر بالقرب والدنو من الشيء.(1/25)
وقوله : {ولو كان أقرب قريب}، أي : الولد والوالد؛ لأنها أقرب قريب للإنسان، إما الأصل وإما الفرع، ثم يأتي بعد هذا الإخوان - وهم الأعوان - ثم بعد هذا تأتي بقية القرابة. لكن في باب الموالاة، وفي باب المعاداة لا قيمة للنسب، فأخوك في العقيدة هو أخوك الحقيقي، وعدوك
((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((( (((((( (((( (((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((((( (((( (((((((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((((( ( ............(
الحقيقي هو عدوك في العقيدة، فأخوك الحق هو أخوك في العقيدة ولو كان في أقصى الدنيا، وعدوك الحق هو عدوك في العقيدة ولو كان أقرب قريب؛ إذ ليس هناك اعتبار للأنساب في ميزان الإسلام إنما الاعتبار بهذه العقيدة ولهذا أكد الله تعالى هذا المعنى وضرب الأمثلة ببعض القرابة .
فقال تعالى : ( (( (((((( ((((((( ( ، والفعل (لا تجدُ) بضم الدال، وإذا كانت مضمومة فهذا نفي، ويقول علماء البلاغة: إن النفي أبلغ من النهي؛ لأن النهي متعلق بالمستقبل، والنفي متعلق بالماضي والمستقبل، فيكون المعنى : لا تجد في أي وقت من الأوقات قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله .
ومعنى : ( ((((((((((( (((((( ( ، أي : يؤمنون الإيمان الصحيح الذي يتوافق فيه الظاهر مع الباطن، وهذا يفيد أن المعيار الصحيح لمعاداة الكفار هو الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا يوجب على الإنسان أن يتفقد إيمانه، فإن حصل عنده ميل أو ركون لمن يحاد الله ورسوله؛ فعليه أن يراجع نفسه ويتأمل في إيمانه؛ لأن موالاتهم قد تكون دليلاً على فقد الإيمان بالكلية أو على ضعفه على حسب ما يقوم بالقلب، وعلى أي حال فموالاتهم أمرها خطير؛ لأن الله - جل وعلا - نفى اجتماع
...................................................................(1/26)
الإيمان مع موادتهم فقال سبحانه {( (( (((((( ((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((( (((((( (((( (((((((((((( (}.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( فأخبر أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله، فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب ).(1)
وقوله تعالى : { ( (((((( ((((((((( ((((((((((((( (((( (((((((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((((( ( ( } ، أي : لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا الأقربين، وقوله : ( (((( ((((((((((((( ( (، قال الراغب : (العشيرة : اسم لكل جماعة من أقارب الرجل الذين يتكثر بهم).(2) ا.هـ . وقال الألوسي : (وليس المراد بمن ذكر خصوصهم، وإنما المراد الأقارب مطلقاً، وقدم الآباء لأنه يجب على أبنائهم طاعتهم ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف، وثنى بالأبناء؛ لأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم، وثلث بالإخوان؛ لأنهم الناصرون لهم . وختم بالعشيرة؛ لأن الاعتماد عليهم والتناصر بهم بعد الإخوان غالباً) .(3)
( (((((((((((( (((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((( ((((((( ( (((((((((((((( ((((((( ((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ( (((((( (((( (((((((( ((((((((( (((((( ( .......(1/27)
ثم ذكر - سبحانه - أنه جازاهم بخمسة أشياء، وبدأ تعالى بألطافه الدنيوية فقال - جل وعلا - ( (((((((((((( (((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ( أي: جمعه في قلوبهم وثبته وأرساه، فهي قلوب مؤمنة مخلصة لا تؤثر فيها الشبه ولا الشكوك { ( ((((((((((( ((((((( ((((((( ( (( }، أي : قواهم {( ((((((( ((((((( ( (}، أي : بنور وهدى ومدد إلهي، وإحسان رباني، وسماه الله روحاً؛ لأنه سبب للحياة الطيبة. ثم ذكر آثار رحمته الأخروية فقال سبحانه : {( (((((((((((((( ((((((( ((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ( (} وهي دار كرامته فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {( (((((( (((( (((((((( (} هذا استئناف جرى مجرى التعليل، والمعنى : أن الله يُحل عليهم رضوانه بطاعتهم إياه في الدنيا {( ((((((((( (((((( (( في الآخرة بإدخاله إياهم الجنة وما فيها من الكرامات، وهذا على مراتب النعيم . قال ابن كثير رحمه الله : (وفيه سر بديع وهو أنهم لما أسخطوا الأقارب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم)(1).
(((((((((((( (((((( (((( ( (((( (((( (((((( (((( (((( ((((((((((((((( (((( ( .
وقوله تعالى:{( (((((((((((( (((((( (((( ( }} إضافة تشريف ببيان اختصاصهم به تعالى {( (((( (((( (((((( (((( (((( ((((((((((((((( (} . الفلاح هو الفوز والظفر بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة. وذكرت كلمة ( ((((( (((( ( ( في الأول لبيان اختصاصهم به تعالى كما مر، والثانية لبيان اختصاصهم بسعادة الدارين .
وموالاة الكفار لها مظاهر متعددة يكثر ظهورها من زمن إلى زمن آخر، ولنذكر أهم هذه المظاهر فمتى تلبس بها أو بشيء منها إنسان مسلم فعليه أن يعلم أنه قد والاهم بقدر ما قام به من هذه المظاهر.(1/28)
قال تعالى : ( ( ((((((((((( ((((((((( (((((((((( (( ((((((((((( ((((((((((( (((((((((((((( (((((((((((( ( (((((((((( (((((((((((( (((((( ( ((((( ((((((((((( (((((((( ((((((((( (((((((( ( ( (1)، فمن هذه المظاهر :
أولاً : الرضا بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة .
ثانياً : التشبه بهم بعاداتهم وأخلاقهم وتقاليدهم؛ لأنه ما تشبه بهم إلا لأنه معجب والنبي ( يقول : " من تشبه بقوم فهو منهم " .(2)
أعلمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الحنيفيَّةَ مِلَّة إبراهيمَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهْ الدِّينَ .
ثالثًا : الاستعانة بهم، والثقة بهم، واتخاذهم أعواناً وأنصاراً.
رابعًا : معاونتهم ومناصرتهم .
خامسًا : مشاركتهم في أعيادهم بإعانتهم إما بالحضور أ وبالتهنئة.
سادسًا : التسمي بأسمائهم .
سابعًا : السفر إلى بلادهم لغير ضرورة بل للنزهة ومتعة النفس.
ثامنًا : الاستغفار لهم والترحم عليهم إذا مات منهم ميت.
تاسعًا : مجاملتهم ومداهنتهم في الدين .
عاشرًا : استعارة قوانينهم ومناهجهم في حكم الأمة وتربية أبنائها.
فهذه بعض مظاهر موالاة الكفار، والمسألة تحتاج إلى بيان أكثر، وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله.(1)
قول المصنف رحمه الله : {اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين} هذا الكلام من المؤلف رحمه الله في موضوع تقرير توحيد الألوهية، وقد بدأ هذا التقرير بالدعاء لك أيها القارئ أو السامع، فقال : (اعلم أرشدك الله لطاعته)، ومعنى أرشدك، أي : دلَّك وهداك إلى الرشد، والرشد : هو الاستقامة على طريق الحق وهو ضد الغي؛ لأن الغي هو الضلال الذي يفضي بصاحبه - والعياذ بالله - إلى الخسران .
....................................................................
والطاعة : هي موافقة أمر الشرع بفعل المأمور واجتناب المحظور .(1/29)
والحنيفية : هي ملة إبراهيم، وملة إبراهيم الحنيفية، ولهذا جمع المصنف رحمه الله بينهما وأصل الحنيفية مأخوذة من الحَنَفِ، والحَنَفُ معناه : الميل، فالحنيف : هو المائل عن الشرك قصدًا وإخلاصًا إلى التوحيد، والحنيف هو المقبل على الله - سبحانه وتعالى - المعرض عن كل ما سواه، قال تعالى : ( (((( (((((((((((( ((((( (((((( (((((((( (( (((((((( ((1)، والقانت: هو الخاشع المطيع.(2)
أما الملة : فهي بمعنى الدين، وهي اسم لكل ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة أنبيائه .
قوله: (أن تعبد الله مخلصًا له الدين) هذا بيان لحقيقة ملة إبراهيم فهو خبر (أن) في قوله (أنَّ الحنيفية ملة إبراهيم) ، فـ (أنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر (أنَّ)، والتقدير: اعلم أن الحنيفيةَ ملةَ إبراهيم عبادةُ الله تعالى وحده بإخلاص.
وأصل العبادة : التذلل والخضوع، تقول العرب : طريق معبَّد، أي : مذلَّل، مهيأ لسلوك الناس. قال العلماء : وسميت الوظائف التي طلبها الله تعالى من المكلفين عبادات؛ لأنهم يلتزمونها ويفعلونها متذللين خاضعين لله سبحانه وتعالى .
وأما معناها الذي يبين متعلقاتها، فهو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية
...................................................................
رحمه الله في كتابه القيم "العبودية" : (العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويراضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)(1) من الصلاة والزكاة والصيام والحج والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والاستغاثة ونحو ذلك مما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى .(1/30)
وقوله : (أن تعبد الله مخلصاً له الدين) . الإخلاص : هو أن يقصد العبد بعمله رضا ربه وثوابه، لا غرضًا آخر من رئاسة أو جاه أو شيء من حطام الدنيا. فإذا قام العبد بالعبادة مريدًا بذلك : رضا الله سبحانه وتعالى، الذي هو المستحق للعبادة، وقصد بذلك الحصول على الثواب تحقق الإخلاص، وقصدُ ثواب الله تعالى ونيل رضوانه وجنته لا يخل بالإخلاص، بل يُذم من يعبد الله تعالى وهو لا يريد الثواب، وهي طريقة من طرق الصوفية، وهي مخالفة لما دلَّت عليه النصوص الشرعية من أن الإنسان يقصد بعبادته وجه الله تعالى والوصول إلى رضوانه وطلب ثوابه وجنته .
وللإخلاص ثمرات عظيمة :
1- أنه بتحقيق الإنسان لتوحيد ربه وإخلاصه العبودية له تكمل له الطاعة ويخرج من قلبه تأله ما يهواه .
2- من أخلص في عبادة ربه صُرفت عنه المعاصي والذنوب كما قال تعالى : ( ((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((( (((((((((((((((( ( ((((((( (((( (((((((((( ((((((((((((((( (((( (. (2)
وبذلك أمَرَ اللهُ جميع الناسِ وخَلَقَهُمْ لها، كما قال تعالى : ( ((((( (((((((( (((((((( ((((((((( (((( ((((((((((((( (............................................
فعلل صرف السوء والفحشاء عنه بأنه من عباده المُخْلِصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله، واختارهم، واختصهم لنفسه .
3- من أخلص في عبادة ربه فهو في حرز من الشيطان. قال تعالى: ( (((( (((((((( (((((( (((( (((((((((( ((((((((( ( ( (1) وقال الشيطان : ( ((((( (((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((( (((( (((( ((((((((( (((((((( ((((((((((((((( (((( ( (2)
4- ثبت في حديث عتبان أنه قال : "إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".(3)(1/31)
قوله : {وبذلك} اسم الإشارة يعود إلى العبادة الخالصة، أي : بإخلاص العبادة {أمر الله جميع الناس} بدليل قوله تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((( (((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((((( ((((((((((((( ( (4). قوله: {وخلقهم لها كما قال تعالى : ( ((((( (((((((( (((((((( ((((((((( (((( ((((((((((((( ( (5) }. أي : خلقهم لعبادته، وهذه الآية العظيمة بنيت
ومَعْنَى يَعْبُدُونِ يُوَحِّدُونِي..........................................
الحكمة من خلق الجن والإنس، وهي العبادة، فإن الله جل وعلا ما خلق الخلق إلا لأجل أن يأمرهم بالعبادة، فمنهم من أطاع وأذعن فعبد الله، ومنهم من عصى وعاند فأشرك مع الله غيره .
والجن : عالم غيبي قائم بذاته، يختلف عن الإنْس؛ لأنه مخلوق من نار والإنس من طين، قال تعالى: ( (((((( (((((((((( ((( ((((((((( ((((((((((((( (((( (((((((( (((((((((( ((( ((((((( (((( ((((( (((( ((1) سموا جنًّا لاجتنانهم، أي: استتارهم عن العيون، واجتماع الجيم مع حرف النون في لغة العرب يدل على الستر، قال تعالى : ( ((((((( ((((((((( (((( (((((((((((( (((( (((((( (( (((((((((((( ( (.(2)
والإنس : البشر، الواحد (إنسي)، سموا بذلك لأن بعضهم يأنس ببعض، والإنس الطمأنينة. (3)
قوله: {ومعنى يَعْبُدُونِ : يُوَحِّدُوني} هذا تفسير لمعنى العبادة في الآية الكريمة، فمعنى (يعبدون)، أي : يفردونني بالعبادة، والإفراد بالعبادة معناه : التوحيد. وقد ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي ( قال: "قال الله عز وجل: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك
وأَعْظَمُ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ التوحيدُ، وهو إِفْرَادُ الله بِالعبادةِ ...............(1/32)
غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك".(1)، فهذا الحديث يدل على أن الوظيفة التي أنيطت بهذا المكلف : هي عبادة الله والتفرغ لما خلق لأجله.
قوله: {وأعظم ما أمر الله به التوحيد : وهو إفراد الله بالعبادة} التوحيد معناه في اللغة : من وحد يوحد توحيدًا، أي : جعله واحداً لا ثاني له، والمصنف رحمه الله عرَّف التوحيد بأنه : إفراد الله بالعبادة، وهو يريد بهذا التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه وإلا فهو بالمعنى العام : إفراد الله بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وهذا أقسام التوحيد الثلاثة، فيكون تعريف المصنف هنا للتوحيد بأنه إفراد الله بالعبادة إنما هو لبيان التوحيد الذي حصل به النزاع والجدال، والذي بعثت لأجله الرسل وأنزلت له الكتب وشرع من أجله الجهاد، وهو توحيد الألوهية. ومعنى (إفراد الله بالعبادة)، أي : قولاً وقصداً وفعلاً، فيفرد الله بالأقوال والأفعال والمقصاد، والمراد بالعبادة هنا في كلام المصنف : العبادة الشرعية، وهي الخضوع لأمر الله الشرعي، وأمرا لله الشرعي هو القيام بالتكاليف.
أما العبادة الكونية فهي الخضوع لأمر الله الكوني، والعبادة الكونية عامة لكل مخلوق فالذي ينقاد لأقدار الله تعالى داخل في المعنى الثاني للعبادة، وهي
وأَعْظَمُ ما نَهَى عنه الشِّرْكُ. ....................................(1/33)
العبادة الكونية. والفرق بين أمر الله الكوني وأمر الله الشرعي، أن أمر الله الشرعي : ما شرعه الله لعباده من التكاليف. وأمر الله الكوني : ما يقضيه الله - سبحانه وتعالى - ويقدره على عباده مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، من مرض أو فقر أو فقد محبوب ونحو ذلك، والدليل على أن العبادة تكون كونية قول الله تعالى : ( ((( (((( ((( ((( ((((((((((((( (((((((((( (((( (((((( (((((((((((( ((((((( (((( ( (1)، فهذه هي العبودية الكونية التي لا تخص المؤمن بل هي عامة لكل مخلوق، فالعبادة المقصودة في هذا الباب - التي هي معنى التوحيد - : هي العبادة الشرعية التي لا ينقاد لها إلا المؤمن البر.
قوله: {وأعظم ما نهى عنه : الشرك} الشرك في الأصل بمعنى : النصيب، فإذا أشرك مع الله غيره، أي: جعل لغيره نصيبًا. وإنما كان الشرك أعظم ما نهى الله عنه؛ لأن أعظم الحقوق حق الله تعالى، وحق الله تعالى إفراده بالعبادة، فإذا أشرك مع الله غيره ضيع أعظم الحقوق. وقد ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : "سألت - أو سئل - رسول الله ( أي الذنب عند الله أعظم ؟ - وفي لفظ: أكبر - قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك ..." (2) . وقال النبي ( لمعاذ - رضي الله عنه - : "أتدري ما حق الله على عباده ؟" قال : الله ورسوله أعلم، قال ( :"حق الله على عباده أن
وهو دَعْوَةُ غيرِهِ معه ...........................................
يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ..." (1) ، فدل هذا على أن الله سبحانه وتعالى له حق على العباد، فمن ضيع هذا الحق فقد وقع في تضييع أعظم الحقوق .
قوله: {وهو دعوة غيره معه} هذا تعريف الشرك، وهو أن يجعل مع الله إلهاً آخر ملكًا أو رسولاً أو وليًّا أو حجرًا أو بشرًا يعبده كما يعبد الله، وذلك بدعائه والاستعانة به والذبح له والنذر له وغير ذلك من أنواع العبادة. وهذا هو الشرك الأكبر. وهو أربعة أنواع :(1/34)
1- شرك الدعاء : وهو أن يضرع إلى غير الله - تعالى - من نبي أو ملك أو ولي بقربة من القرب - صلاة أو استغاثة أو استعانة - أو يدعو ميتًا أو غائبًا أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله تعالى. والدليل قوله تعالى: ( ((((((( ((((((((( ((( (((((((((( (((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((( ((((((( ((((((((( ((((( ((((((((( ((((( (((( ((((((((((( (((( ((2).
2- شرك النية والإرادة والقصد : بأن يأتي بأصل العبادة رياءً أو لأجل الدنيا وتحصيل أغراضها. والدليل قوله تعالى : ( ((( ((((( ((((((( (((((((((((( (((((((((( (((((((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((((((( (((((( (((((( (((((( (( ((((((((((( (((( (((((((((((( ((((((((( (((((( (((((( ((( (((((((((( (((( (((((((( ( (((((((( ((( ((((((((( (((((( ((((((((( ((( (((((((( ((((((((((( (((( ( (3).
....................................................................
قال ابن القيم رحمه الله : (أما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له، وقلَّ من ينجو منه، فمن أراد بعمله غير وجه الله، ونوى شيئًا غير التقرب إليه، وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته...).(1)
واعتبار شرك النية والقصد من الشرك الأكبر محمول على ما ذكرنا، وهو أن يأتي بأصل العمل رياء أو لأجل الدنيا، ولم يكن مريدًا وجه الله تعالى والدار الآخرة. وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن. فإن المؤمن وإن كان ضعيف الإيمان لابد أن يريد الله والدار الآخرة. لكن إن تساوى القصدان أو تقاربا فهذا نقص في الإيمان والتوحيد. وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص. وإن عمل لله وحده وأخلص في عمله إخلاصًا تامًّا وأخذ عليه جُعْلاً معلومًا يستعين به على العمل والدين فهذا لا يضر؛ لأن الله تعالى جعل في الأموال الشرعية كالزكوات وأموال الفيء وغيرها جزءًا كبيراً يصرف في مصالح المسلمين.(2)(1/35)
3- شرك الطاعة: وهو أن يتخذ له مُشرعًا سوى الله تعالى، أو يتخذ شريكًا لله في التشريع، فيرضى بحكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقربًا وقضاءً وفضلاً في الخصومات. والدليل قوله تعالى : ( (((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((((( (((((((((( (((( ((((( (((( ((((((((((((( (((((( (((((((( (((((( (((((((((( (((( (((((((((((((( (((((((( (((((((( ( (( ((((((( (((( (((( ( ((((((((((((((((( (((((((((( ( (3)، ولما
....................................................................
سمع عدي بن حاتم - رضي الله عنه - النبيَّ ( يقرأ هذه الآية قال : "إنا لسنا نعبدهم، قال : أليس يحرمون ما أحلَّ الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال : بلى. قال : فتلك عبادتهم".(1)
4- شرك المحبة : وهو اتخاذ الأنداد من الخلق يحبهم كحب الله تعالى؛ فيقدم طاعتهم على طاعته ويلهج بذكرهم ودعائهم. والدليل قوله تعالى : ( (((((( (((((((( ((( (((((((( ((( ((((( (((( ((((((((( ((((((((((((( ((((((( (((( ( ( (2).
قال ابن القيم رحمه الله : (وهاهنا أربعة أنواع من المحبة يجب التفريق بينها، وإنما ضلَّ من ضلَّ بعدم التمييز بينها :
أحدها : محبة الله. ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
الثاني : محبة ما يحبه الله. وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها .
الثالث : الحب لله وفيه. وهي من لوازم محبة ما يحبه الله. ولا يستقيم محبة ما يحبه الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع : المحبة مع الله. وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئًا مع الله،
والدليل قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً(.
لا لله ولا من أجله، ولا فيه، فقد اتخذه ندًّا من دون الله، وهذه محبة المشركين). (1)(1/36)
وأما الشرك الأصغر فهو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركًا : كالحلف بغير الله - تعالى- والرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها وبعض العبارات مثل: (ما شاء الله وشئت)، ونحوها مما فيه تشريك بين الله وخلقه مثل : (لولا الله وفلان)، و (ما لي إلا الله وأنت)، (وأنا متوكل على الله وعليك)، (ولولا أنت لم يكن كذا) .. وقد يكون هذا شركًا أكبر بحسب قائله ومقصده.
قوله:{والدليل قوله تعالى : ( ((((((((((((( (((( (((( ((((((((((( ((((( ((((((( ( ((2)}. هذه الآية جمعت بين الأمرين : الأمر بالعبادة والنهي عن الشرك، مما يدل على أن العبادة لا تتم إلا باجتناب الشرك قليلة وكثيرة؛ لأن (شيئًا) نكرة في سياق النهي فتفيد العموم، أي : لا شركًا أصغر ولا أكبر لا ملكًا ولا نبيًّا ولا وليًّا ولا غيرهم من المخلوقين. كما أنه تعالى لم يخص نوعًا من أنواع العبادة لا دعاء ولا صلاة ولا توكلاً ولا غيرها ليعم جميع أنواع العبادة .
وأما حكم الشرك فالأكبر مخرج من الملة. وقد حرم الله الجنة على صاحبه؛ إذ ليس معه شيء من التوحيد، قال تعالى : ( (((( (((( (( (((((((( (((
فإِذا قيل لك : ما الأُصُولُ الثلاثةُ التي يجبُ على الإِنسانِ معرِفتُها؟ فقلْ : معرفَةُ العبد رَبَّهُ ودِينَهُ ونبِيَّه محمدًا ( .
(((((((( ((((( (((((((((( ((( ((((( ((((((( ((((( (((((((( ( ( (1)
وأما الأصغر فلا يخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى الأكبر، وصاحبه على خطر عظيم، فعلى العبد أن يحذر الشرك مطلقاً، فإن بعض العلماء يرى أن الآية المذكورة عامة في الشرك الأصغر والأكبر وأن قوله: ( (((( (((( (( (((((((( ((( (((((((( ((((( (((((((((( ((( ((((( ((((((( ((((( (((((((( ( (. أي : ما هو أقل من الشرك، والله أعلم .(2)(1/37)
ثم انتقل المصنف رحمه الله إلى تفصيل ما أُجمل من الأصول الثلاثة، وهي: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه (، وأما ما تقد من الكلام فهو من باب التوطئة والتمهيد لما سيأتي أو يكون - كما قال بعض الشُّراح - مما ألحقه بعض تلاميذ الشيخ بهذه الأصول مستفادًا من كلامه في موضع آخر، وعلى أي حال فإن ما تقدم يعتبر من الأسس الطيبة النافعة التي يستفاد منها في تقرير الأصول الثلاثة .
يقول الشيخ رحمه الله : {فإذا قيل لك : ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ فقل : معرفة العبد ربَّه ودينه ونبيِّه محمدًا(} طريقة السؤال والجواب طريقة سلكها الشيخ رحمه الله في كثير من رسائله
....................................................................
وهي نافعة في تقرير المعلومات وسرعة فهمها، والطالب يدرك المعاني ويفهمها إذا ألقيت عليه بطريقة السؤال والجواب؛ لأن المخاطب إذا طُرِحَ عليه السؤال استعد وتهيأ لفهم الجواب وهذه تسمى عند علماء التربية وطرق التدريس بالطريقة الحوارية، وهم ينسبونها إلى من ألف في ذلك من الغربيين وغيرهم، ونسوا أن الطريقة الحوارية كان يسلكها النبي ( أحيانًا مع أصحابه فكان يطرح عليهم السؤال لأجل أن تتهيأ أذهانهم للجواب كما تقدم ولهذا نقول : إن وسائل الإيضاح التي تستعمل في طرق التدريس وإن جاءت عن طريق الغربيين لكنها بضاعتنا ردت إلينا. وهي طريقة نافعة في التعليم لاسيما في المراحل الأول من التعليم ليستفيد الطلاب وتتهيأ أذهانهم؛ لأن المدرس إذا ألقى عليهم السؤال استعدوا لتلقي الجواب فتمكّن من الأذهان، وحتى في الدروس العامة والمحاضرات ينبغي أن تسلك هذه الطريقة؛ لأن الإلقاء المستمر قد يكون مملاً لا سيما إذا طال الوقت .(1/38)
فالشيخ رحمه الله ذكر هذه المسألة بصيغة السؤال والجواب لأجل أن ينتبه لها الإنسان لأنها مسألة عظيمة فإن هذه الأصول الثلاثة هي التي يسأل عنها العبد في قبره، وهذا يدلك على أهميتها وقيمتها وأن الإنسان يعرف معناها أولاً ويعمل بمقتضاها ثانيًا، لعل الله تعالى أن يوفقه للجواب الصحيح في القبر إذا ما قال له الملكان من ربك ؟ فيقول : ربي الله، ما دينك ؟ ديني الإسلام، ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ هو محمد عبد الله ورسوله ... الخ .
فمن عرف هذه الأصول الثلاثة وعمل بمقتضاها فهو أهل لأن يوفقه الله
فإن قيل لك : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَقُلْ : رَبِّيَ اللهُ الَّذي ربَّاني ورَبَّى جَميعَ العالمين بِنِعْمَتِهِ، .......................................................
تعالى في جوابه كما قال تعالى : ( ((((((((( (((( ((((((((( (((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((( (((((((((((( (((((((((( ((((( (((((((((( ( (((((((( (((( ((((((((((((( ( (((((((((( (((( ((( (((((((( ( (1)، وقد ذكر الأصول الثلاثة إجمالاً ثم بدأ في تفصيلها وهذه أيضًا من الطرق العلمية الجيدة؛ لأن النفوس إذا عرفت الشيء إجمالاً تطلعت إلى معرفته تفصيلاً، والتفصيل بعد الإجمال من مقاصد البلغاء كما في علم المعاني ...
قوله: {فإذا قيل لك : من ربك ؟} هذا هو الأصل الأول. والجواب: {فقل : ربي الله الذي رباني} وأصل الرب في اللغة بمعنى : المربي، ومن هذه الكلمة تشعبت معان أخرى لكلمة الرب من المالك والمدبر والمتصرف والمتعهد. والمصنف يريد المعنى الأول؛ لأنه قال: (الذي رباني)، فانتقل إلى المعنى الأساسي للكلمة الذي هو التربية، ومعنى رباني، أي : خلقني وأوجدني ثم رباني بنعمه الظاهرة والباطنة .(1/39)
وقوله: {وربى جميع العالمين} هذا تعميم، أي : ربَّاني وربَّى جميع العالمين، وقوله : {بنعمته}، أي : ابتداء من الغذاء الذي يصل إليَّ وأنا في بطن أمي إلى أن يُجري علي الأرزاق بعد خروجي منه. كما ورد في الحديث الصحيح في الملك الذي يؤمر بأربع بالنسبة للجنين ومنها "بكتب
وهو معبودِي، ليس لي معبودٌ سواهُ. ...............................
رزقه"(1) فالله - جل وعلا - ينعم على هذا العبد منذ أن يخلقه الإنعام الذي يصل إليه في بطن أمه بدون حول منه ولا قوة، والإنعام الذي يحصل له بعد خروجه إلى الدنيا عندما يكبر ويكدح ويعيش فيجري الله سبحانه وتعالى له من الأرزاق بالأسباب ما قضاه وقدره له.
وقوله : {وهو معبودي، ليس لي معبودٌ سواه} هذا مرتب على الكلام السابق، يعني : إذا كان هو الذي رباني لا غيره وربى جميع العالمين لا غيره فيترتب على هذا أن يكون هو المستحق للعبادة ولهذا قال: (وهو معبودي، ليس لي معبود سواه)؛ لأن الذي يستحق أن يكون معبودًا هو القادر على الخلق، ومن لا يقدر على الخلق لا يستحق أن يكون معبودًا، ولهذا ذكر الله تعالى أوصاف الآلهة التي لا تصلح للعبادة في سورة الفرقان في قوله تعالى : ( ((((((((((((( ((( ((((((((( ((((((((( (( ((((((((((( ((((((( (((((( ((((((((((( (((( ((((((((((( ((((((((((( ((((( (((( ((((((( (((( ((((((((((( ((((((( (((( (((((((( (((( (((((((( ((( ( (2) ، فذكر الله سبحانه سبعة أوصاف كلها أوصاف نقص تدل على أن هذه الأوصاف التي وجدت في الآلهة لا تصلح أن تكون الآلهة معها معبودة؛ لأن المعبود هو الذي يخلق ويرزق ويحيى ويميت، ولهذا قال تعالى : ( ((((((((((((( ((( (( (((((((( ((((((( (((((( ((((((((((( ((((( ( (3).
الدليل قوله تعالى : ( (((((((((( (( ((((( (((((((((((((( ( وكُلُّ مَا سِوَى اللهِ عالَمٌ، وأنا واحدٌ من ذلكَ العالَمِ .(1/40)
قوله: {والدليل قوله تعالى : ( (((((((((( (( ((((( (((((((((((((( (} (1) هذا الدليل على أن الله تعالى هو المستحق للعبادة لكونه سبحانه وتعالى مربيًّا لجميع العالمين، والحمد : هو الاعتراف للمحمود بصفات الكمال مع محبته وتعظيمه، وهذا قيد أساسي، فلو اعترف بالمحامد والأوصاف وذكرها، ولكن بدون محبة ولا تعظيم فإنه لا يسمى حامدًا، وقوله : (لله) اللام هذه تسمى لام الاستحقاق، وقوله : (رب العالمين) مَرَّ أن المعنى : خالقهم ومدبر شؤونهم المتصرف بأحوالهم وأرزاقهم، قال تعالى: ( (((( (((( (((((((((( (((((((((( ( ((2)، وقوله : {وكل ما سوى الله عالمٌ} فيقال : عالم الإنسان وعالم الحيوان وعالم النبات، وسمي العالم عالمًا؛ لأنه علامة على خالقه وموجده ومالكه . {وأنا واحد من ذلك العالم} ، أي : أنا أيها الإنسان المتكلم بهذا الكلام الذي أقول : (ربي الله الذي رباني) (واحد من ذلك العالم) فأنا مربوب لله تعالى؛ لأن الله تعالى هو ربي، ومعنى (مربوب لله تعالى)، أي : مخلوق لله تعالى، وهو الذي رباني سبحانه وتعالى .
فإذا قيل لك : بِمَ عَرَفْتَ ربَّكَ ؟ فقلْ : بآياتِهِ ومخلوقاتِهِ، ..........
قوله: {فإذا قيل لك : بِمَ عرفت ربك ؟} هذا السؤال الثاني بعد السؤال الأول : من ربك ؟ أي : بِمَ استدللت على معرفتك ربك ؟ {فقل : بآياته ومخلوقاته} فهذا هو الدليل على أنه هو الذي خلقني وهو الذي رزقني وهو معبودي ليس لي معبود سواه. والآية في اللغة لها معان كثيرة، منها : البرهان والدليل . وآيات الله نوعان :
1- آيات شرعية، ويراد بها : الوحي الذي جاءت به الرسل فهو آية من آيات الله، قال تعالى: ( (((( ((((((( ((((((((( (((((( (((((((((( (((((((( (((((((((( ((1) فإن قيل : كيف كان الوحي دليلاً وبرهانًا على الله تعالى؟ فالجواب:(1/41)
أولاً : أن هذا الوحي الذي جاءت به الرسل جاء وحيًا متكاملاً منتظمًا لا تناقض فيه ولا اضطراب، قال تعالى عن القرآن : ( (((((( ((((( (((( ((((( (((((( (((( ((((((((((( ((((( (((((((((((( (((((((( (((( ( (2)، فالقرآن الكريم دليل على وجود الرب العظيم، وهو دليل من الآيات الشرعية .
ثانياً : أن هذه الآيات الشرعية قامت بمصالح العباد، وهي كفيلة بسعادتهم في دينهم ودنياهم. وأوضح مثال شريعة محمد (، فإن الله جل وعلا قد شرع لنا في هذا القرآن الكريم وعلى لسان رسوله ( ما هو كفيل بمصالحنا. وما من مشكلة أو معضلة إلا وفي الشريعة الإسلامية حل لها سواء
ومن آياتهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاته السَّموات السَّبْعُ والأَرَضُونَ السبعُ ومَن فيهنَّ وما بينهما .
كان هذا الحل عن طريق الكليات أو عن طريق الجزئيات.
2- آيات كونية : والآيات الكونية هي المخلوقات، مثل : السماوات والأرض والإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك.
والمصنف رحمه الله يقول : (فقل : بآياته ومخلوقاته) فإذا فسرنا الآيات: بالآيات الشرعية والكونية؛ فإنه يدخل قوله (ومخلوقاته) تحت قوله (بآياته)؛ لأن المخلوقات هي الآيات الكونية، فيكون كلام المصنف رحمه الله من باب عطف الخاص على العام على سبيل الاهتمام بالخاص، فإنه أفرد المخلوقات مع أنها داخلة في الآيات للاهتمام بها؛ لأنه مرئية يدركها العالم وغير العالم. أما إذا فسرنا الآيات بالآيات الشرعية فقط فإننا نفسر المخلوقات بالآيات الكونية ويصير من باب عطف المغاير. وظاهر كلام الشيخ رحمه الله يدل على أنه ما قصد الآيات الشرعية بل أراد بالآيات والمخلوقات : الكونية منها بدليل أنه قال : {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرَضون السبع ومن فيهنَّ وما بينهما} ويكون خصَّ الآيات الكونية بالذكر؛ لأن دلالتها يشترك فيها العالم والجاهل كما تقدم .(1/42)
قوله : (ومن آياته الليل والنهار)، أي: ومن الأدلة والبراهين على وجود الباري تعالى وتفرده بالربوبية والإلهية وجود الليل والنهار. وذلك من وجوه:
....................................................................
أولاً : تعاقبهما، فهذا يذهب، وهذا يأتي بعده بانتظام كامل وتناسق بديع.
ثانياً : اختلافهما بالطول والقصر، فإن هذا من آيات الله. ولو فرض
أن الليل ما يزيد أبداً والنهار ما يزيد أبدًا لكان هذا من آيات الله أيضًا، ولكن كون الليل يزيد في الشتاء ويقصر النهار، والنهار يزيد في الصيف ويقصر الليل، هذا أيضًا من آيات الله سبحانه وتعالى .
والليل والنهار من نعم الباري على عباده، فلو كان الليل سرمدًا لتعطلت مصالح العباد ولو كان فيه أنوارٌ؛ لأن جهد الإنسان يصل إلى درجة قليلة في الليل، فلا تتحقق مصالح العباد ولا تقوم إلا بالنهار، ولو لم يوجد ليل لمات كثير ممن انهمكوا في الدنيا؛ لأنه لا يوجد ليل يطرحهم فينامون. لكن هذا الليل نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العباد؛ لأن الناس يأوون إلى منازلهم وينامون ويستريحون فإذا قاموا من الغد قاموا إلى نهار جديد وبجهد جديد .
والحاصل أن هذه آيات عظيمة من آيات الله تعالى، ولكن الإنسان غافل عن تدبرها، ولهذا فإن الله تعالى قد كرر ذكر هذه الآيات في سور من القرآن الكريم يذكر الليل والنهار والشمس والقمر وخلق السموات والأرض؛ لأجل أن الإنسان يصطحب الذكر فلا يغفل ولا ينسى والله المستعان.
قوله : (والشمس والقمر) ، أي : ومن آيات الله الدالة على وجوده
....................................................................
سبحانه وتفرده بالربوبية والإلهية : الشمس والقمر، وذلك من وجوه :(1/43)
أولاً : جريانهما باستمرار منذ أن خلق تعالى الشمس والقمر إلى أن يأذن الله تعالى بخراب هذا الكون، والشمس والقمر يجريان باستمرار كما في قوله تعالى : ( ((((((((( (((((( (((((((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((((( ((( ((((((((((( (((( ((((((((((( ((((((( ((((((((((((( ((((( ( ( (1)، وفي قراءة (لا مُسْتَقَرٍ لَهَا ((2) ، أي أن الشمس ليس لها مستقر إنما هي دائماً تسير إلى أن يأذن الله تعالى بخراب الدنيا ولهذا إذا غربت على أُناس طلعت على آخرين، وهذا لا ينافي ما ورد في الحديث الصحيح أن الرسول ( قال : "إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخرُّ ساجدة ... الحديث" (3) ؛ لأنه يمكن أنها إذا غربت عن أناس تسجد تحت العرش بالنسبة لغروبها عنهم وهي مستمرة في جريانها.(4)
ثانياً : الانتظام البديع، فالشمس تسير في فلكها في مدة سنة، وهي في كل يوم تطلع وتغرب بسير سخرها له خالقها لا تتعداه ولا تقصر عنه.
......................................................................
والقمر يبديه الله كالخيط ثم يتزايد نوره ويتكامل حتى ينتهي إلى إبداره، وكماله ثم يأخذ في النقصان حتى يعود إلى حالته الأولى، قال تعالى : ( (( ((((((((( ((((((((( (((((( ((( (((((((( (((((((((( (((( (((((((( ((((((( (((((((((( ( (((((( ((( (((((( ((((((((((( ((1) أي : لا يمكن أن توجد الشمس في الليل فتدرك القمر، ولا الليل سابق النهار فيدخل عليه قبل انقضاء سلطانه، ( (((((( ( من الشمس والقمر والنجوم ( ((( (((((( ((((((((((( ( ، أي : يترددون على الدوام فهذا دليل على عظمة الخالق وقدرته وحكمته .(1/44)
ثالثاً: ما فيهما من المنافع العظيمة، قال تعالى: ( (((( ((((((( (((((( ((((((((( (((((((( (((((((((((( (((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((((((((( (((((( ((((((((((( ((((((((((((( ( ( (2) ، وفي الشمس منافع عظيمة للعلويات : فإن القمر يستمد نوره من الشمس، وللسلفيات : من الإنسان والحيوان والنبات والبحار وغير ذلك، ولولا طلوع الشمس وغروبها لما عرف الليل والنهار ولأطبق الظلام على العالم أو الضياء . وفي سير القمر تظهر مواقيت العباد في معاشهم وعبادتهم ومناسكهم. فتميزت به الأشهر والسنون وقام حساب العالم مع ما في ذلك من الحكم والآيات التي لا يحصيها إلا الله تعالى.(3)
والدليلُ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( (((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ( (( ((((((((((( ((((((((( (((( (((((((((( ((((((((((((( (( ((((((( (((((((((( ((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ( .
قوله : (ومن مخلوقاته السموات السبع) ، أي : ومن أعظم مخلوقات الله تعالى الدالة على عظمته ووحدانيته : السموات السبع، وعلوها وسعتها واستدارتها، وعظم خلقها وبناؤها .
قوله : ( والأرضون السبع ) ، أي : ومن مخلوقاته العظيمة الأرضون السبع. فإن الله تعالى جعل الأرض فراشًا ومهادًا وذللها لعباده، وجعل فيها سبلاً، وجعل فيها أرزاقهم ومعايشهم. وقد أكثر الله تعالى من ذكر السموات والأرض في كتابه الكريم، ودعا عباده إلى النظر إليهما والتفكر في خلقها.قال تعالى : ( (((( ((( ((((((((((((( (((((((((( ((((((( (((((((((((((((( ((( ( (1) ، وقال تعالى: ( (((((((( ((((((((((((( (((((((((( (((((((( (((( (((((( (((((((( ((((((((( (((((((( (((((((( (( ((((((((((( (((( ( .(2)
قوله : ( وما فيهن )، أي : من المخلوقات العظيمة التي لا يعلمها إلا خالقها سبحانه وتعالى (وما بينهما) أيضًا من المخلوقات العظيمة .(1/45)
قوله:{والدليلُ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( (((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ( (( ((((((((((( ((((((((( (((( (((((((((( ((((((((((((( (( ((((((( (((((((((( ((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ( (3)} وقوله تعالى : ( (((( (((((((( (((( ((((((( (((((( ((((((((((((( (((((((((( ((( (((((( (((((((
يعني : وإن كان الشمس والقمر من المخلوقات العظيمة فإن هذا لا يقتضي أن يسجد لهما؛ لأنها مخلوقان مدبران مسخران ( ((((((((((((( (( ((((((( (((((((((( ( ، أي : اعبدوه وحد؛ لأنه الخالق العظيم. ودعوا عبادة ما سواه من المخلوقات وإن كبر جرمها وكثرت مصالحها، فإن ذلك ليس منها وإنما هو من خالقها تبارك وتعالى : {( ((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ( } فخصوه بالعبادة وإخلاص الدين له.(1)
قوله : { وقوله تعالى : ( (((( (((((((( (((( ((((((( (((((( ((((((((((((( (((((((((( ((( (((((( ((((((( ( (2)هذا فيه إخبار من الله تعالى بأنه خلق هذا العالم سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام. أولها : الأحد، وآخرها: الجمعة.(3) منها
(((( (((((((((( ((((( (((((((((( ((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((((( (((((((((1/46)
أربعة أيام للأرض ويومان للسماء، كما قال تعالى : ( ( (((( (((((((((( ((((((((((((( ((((((((( (((((( (((((((( ((( (((((((((( ((((((((((((( (((((( ((((((((( ( ((((((( (((( (((((((((((((( ((( (((((((( (((((( ((((((((( ((( ((((((((( ((((((((( (((((( (((((((( ((((((( (((((((((((( (((( (((((((((( ((((((( (((((((( ((((((((((((((( (((( (((( (((((((((( ((((( ((((((((((( (((((( ((((((( ((((((( ((((( (((((((((( ((((((((( ((((((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((((( (((((((((( ((( (((((((((( (((((((((( ((( ((((( (((((((( ((((((((( ( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((((((((( ((((((((( ( ((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((( ( (1) ويكون معنى قوله سبحانه : ( (((((((( ((((((( (((((((((((( (((( (((((((((( ((((((( ( أي في تتمة أربعة أيام لا أنها أربعة أيام مستقلة عن اليومين الأولين وإلا لكانت الأيام ثمانية.(2)
والظاهر أن هذه الأيام كأيامنا التي نعرف؛ لأن الله تعالى ذكرها منكَّرةً. فتحمل على ما كان معروفاً. ولو شاء الله تعالى لخلقها في لحظة، ولكنه ربط المسببات بأسبابها كما تقتضيه حكمته سبحانه وتعالى.(3)
وقوله تعالى : { ( (((( (((((((((( ((((( (((((((((( (} ، أي : علا وارتفع.
((((((((((( (((((((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ( (((( (((( (((((((((( (((((((((( ( ((((((((( (((( (((( (((((((((((((( ((((
والعرش هو ذلك السقف المحيط بالمخلوقات، وفي الآية إثبات استواء الله على عرشه على ما يليق بجلاله وعظمته. وأدلة علو الله على خلقه واستوائه على عرشه أكثر من أن تحصر. وأجمع المسلمون على ذلك.(1/47)
وقوله تعالى : { ( ((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((((( (((((((( (}، أي : يغطي كل واحد منهما الآخر فيذهب ظلام هذا بضياء هذا، وضياء هذا بظلام هذا. وكل منهما يطلب الآخر طلبًا ( (((((((( ( أي : سريعًا لا يتأخر عنه بل إذا ذهب هذا جاء هذا. وإذا جاء هذا ذهب هذا .
وقوله تعالى : { ( ((((((((((( (((((((((((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ( ( (1)}، هذا معطوف على ( ((((((((((((( ( يعني : خلق السماوات والأرض وخلق الشمس والقمر والنجوم حالة كونها مسخرات، ومعنى ( ((((((((((( (، أي : مذلالات جارية في مجاريها بتسخير الله تعالى .
قوله تعالى : {( (((( (((( (((((((((( (((((((((( ( (، يعني : أن الله - جل وعلا - متفرد بالخلق ومتفرد بالأمر، فله الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات، وله الأمر المتضمن للشرائع والنبوات، فالخلق يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر يتضمن أحكامه الدينية الشرعية ثم أحكام الجزاء في الدار الآخرة، قال
والرَّبُّ هو المعبودُ . والدليل قوله تعالى : ( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((((( ((( (((((((((( (((((((((( ((((((((( (((( ..............................
الله تعالى : {( (((((((((( (((( (((( (((((((((((((( (}، أي : عظم وتعالى . وكثر خيره وإحسانه، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير فكل بركة في الكون فمن آثار رحمته سبحانه وتعالى.(1/48)
قوله : {والرَّبُّ هو المعبودُ . والدليل قوله تعالى : ( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((((( ((( (((((((((( (((((((((( ((((((((( (((( ( (1)} معنى (المعبود)، أي : المستحق لأن يُعبد دون سواه، وليس المراد أن من معاني الرب : المعبود، وإلا لزم منه أن كل ما عبد من دون الله فهو رب، وهذا ليس بصحيح. والمصنف رحمه الله لم يقصد أن من معاني (الرب): المعبود، وإنما قصد أن الرب هو المستحق لأن يُعبد؛ لأنه بعد أن ساق الآية من سورة البقرة ذكر كلامًا لابن كثير رحمه الله وهو قوله : (الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة).
والدليل على أن الرب هو المستحق للعبادة قوله تعالى : ( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((( (، فـ ( ((((((((((( (((((((( ( هذا خطاب لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم. وقوله : ( ((((((((((( (((((((( (، أي : أطيعوا ربكم بالإيمان والامتثال للأوامر والنواهي مع المحبة والتعظيم .
((((((( (((((( (((((( (((((((( (((((((( ((((((((((((( (((((((( ((((((((( (((( ((((((((((( (((((( .........
قوله تعالى : ( ((((((( (((((((((( ((((((((((( ((( (((((((((( (، أي : أوجدكم من العدم بتقدير عظيم وصنع وبديع، ورباكم بأصناف النعم وخلق الذين من قبلكم ( (((((((((( ((((((((( (، أي : من أجل أن تحصلوا على التقوى، والتقوى: اتخاذ وقاية تحفظكم من عذاب الله باتباع الأوامر واجتناب النواهي.
وقوله تعالى : {( ((((((( (((((( (((((( (((((((( (((((((( (}، أي : بساطاً مهيئًا تستقرون عليها وتنتفعون بالأبنية والزراعة والسلوك من مكان إلى مكان وغير ذلك من وجوه الانتفاع .
وقوله تعالى : {( ((((((((((((( (((((((( (}، أي : وجعل السماء بناءً لمسكنكم وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم كالشمس والقمر والنجوم.(1/49)
وقوله تعالى : {( ((((((((( (((( ((((((((((( (((((( ( (}، المراد بالسماء : السحاب كما ذكره المفسرون وأطلق عليه سماء لأنه فوق. وكل ما علا وارتفع فهو سماء. والماء : هو المطر. والماء النازل من السماء هو مادة الحياة للأحياء في الأرض جميعاً، سواء أنبت الزرع مباشرة أو كوّن الأنهار والبحيرات العذبة، أو انساح في طبقات الأرض فتتألف منه المياه الجوفية، قال تعالى : ( ((((((((((( (((( (((((((((( (((( (((((( ((((( ( ( (1)، وقال تعالى : ( (((((((((((( (((( ((((((((((( (((((( (((((((( ((((((((((((( ((( (((((((( ( ((((((( (((((( ((((((( ((((( (((((((((((( (.(2)
(((((((((( ((((( (((( (((((((((((( ((((((( (((((( ( (((( ((((((((((( (( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((
وقوله تعالى : {( (((((((((( ((((( (((( (((((((((((( ((((((( (((((( ( ( جمع ثمرة. والثمرة هو ما تخرجه الأرض من حبوب وخضار، وما تخرجه الأشجار من فواكه {( (((( ((((((((((( (( ((((((((( (، أي : أشباهًا ونظراء تصرفون لهم العبادة أو شيئًا منها {( ((((((((( ((((((((((( (}، أي : تعلمون أن هذه الأنداد ليست مماثلة لله تعالى، وتعلمون أيضًا أن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة .
فجمعت هذه الآية بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سوه. وقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : ( (((( ((((((((((( (( ((((((((( (، قال : الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل. وهو أن يقول : والله وحياتك يا فلانة، وحياتي. ويقول : لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه : ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلان فإن هذا كله به شرك. (1)(1/50)
فدل تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - على وجوب تجنب الألفاظ الشركية ولو لم يقصدها الإنسان. وأن الشرك الأصغر خفي جدًّا، وقلَّ من يتنبه له. ولما قال الصحابة - رضي الله عنهم - للنبي ( كيف نتقيه ؟ قال : قولوا : "اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا
......................................................................
نعلمه".(1)
وقوله : (وهذا كله به شرك) ، أي : أصغر أو أكبر حسب ما يكون في قلب المتكلم بمثل هذه الألفاظ.(2)
وهذه الآية هي أحد البراهين العقلية التي أبطل الله بها اتخاذا المشركين للآلهة، فإن القرآن الكريم ذكر برهانين عقليين على إبطال الشرك والتنديد بالمشركين الذين عبدوا مع الله غيره .
البرهان الأول : إذا كنتم تقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لهذا الكون فيلزمكم أن تعترفوا بوحدانيته. فإن من كانت هذه صفته فهو الإله المستحق للعبادة وما عداه فهو مربوب مألوه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا، قال تعالى : ( (((( ((( ((((((((((( ((((( ((((((((((( (((((((((( ((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( (((((((( (((((((( (((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((((( (((( ((((((((( ((((( ((((((((( (((((((( ( (((((((((((((( (((( ( (((((( (((((( ((((((((( ( (3) ، وهذا من
قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى : الخالقُ لهذه الأشياء هو المُسْتَحِقُّ للعبادةِ.
وأنواع العبادة التي أمر الله بها، مثل الإسلام والإيمان والإحسان،
التناقض الذي وقع فيه المشركون إذ كانوا يعترفون بأن هذه الأمور من خصائص الله تعالى، وهذا يعني أن يقروا بالعبادة؛ لأن غيره مما عبد معه ليست لهم هذه الخصائص .(1/51)
البرهان الثاني : أن هذه الآلهة المعبودة من دون الله تعالى ليس لها ما يخولها لأن تعبد فإنها كما قال تعالى : ( ((((((((((((( ((( ((((((((( ((((((((( (( ((((((((((( ((((((( (((((( ((((((((((( (((( ((((((((((( ((((((((((( ((((( (((( ((((((( (((( ((((((((((( ((((((( (((( (((((((( (((( (((((((( ( (1) ، وقد تقدم شيء من ذلك .
قوله : {قال ابن كثير رحمه الله تعالى} ابن كثير هو العلامة الحافظ المحدث المفسِّر المؤرخ إسماعيل بن عمر بن كثير، أبو الفداء، وُلد سنة 700هـ أو بعدها بيسير في دمشق ونشأ يتيمًا، ورزق حافظة نادرة، فاشتغل بالحديث ودرس الفقه، وألَّف فيه، وأخذ عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأحبه وأثنى عليه.(2) وله كتاب التفسير المشهور و " البداية والنهاية " في التاريخ، و"جامع المسانيد والسنن" ، و "إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه"، وكلها
......................................................................
مطبوعة. مات رحمه الله سنة 774هـ.(1)
قوله : {الخالق لهذه الأشياء هو المُستحق للعبادة}، أي : قال ابن كثير رحمه الله هذه العبارة عند تفسير الآية السابقة ( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((((( ((( (((((((((( (((((((((( ((((((((( (((( ( ، ولفظ ابن كثير في "تفسيره" مغاير لما ذكره الشيخ رحمه الله والمعنى واحد. وهو أن الآيات المذكورة دلت على أن الذي خلق هذه الأشياء وأوجدها من العدم على غير مثال سابق هو الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره؛ لأن كل من سواه تعالى وتقدس مخلوق، مربوب، متصرف فيه.
لما بيَّن المؤلف رحمه الله وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة. وذكر الأدلة على ذلك شرع في بيان أنواع العبادة التي شرع الله لعباده القيام بها. وسياق الأدلة عليها وقد تقدم معنى العبادة .(1/52)
قوله : {وأنواع العبادة التي أمر الله بها، مثل الإسلام والإيمان والإحسان} هذه الأنواع الثلاثة هي أعظم مراتب الدين وأعظم أنواع العبادة كما ورد في حديث عمر - رضي الله عنه - الآتي إن شاء الله. وقد ذكرها المصنف إجمالاً ولما بدأ بالتفصيل لم يشر إليها؛ لأنه سيذكرها فيما بعد .
ومنه الدُّعاءُ، والخوف، والرَّجاءِ، والتَّوكُّل، والرَّغْبةِ، والرَّهْبةِ، والخشوعِ، والخَشْيةِ، والإِنابةِ، والاسْتعانةِ، والاستعاذة، والاستغاثةِ، والذَّبْحِ، والنَّذرِ، وغيرَ ذلك منَ العبادةِ التي أَمرَ اللهُ بها كلها لله. والدليل قوله تعالى : ( (((((( ((((((((((((( (( (((( ((((((((( (((( (((( ((((((( ( .
قوله : {ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من العبادة التي أمر الله بها}، أي : ومما أمر الله به الدعاء والخوف ... الخ . وقوله : (وغير ذلك من أنواع العبادة) إشارة إلى أن أنواع العبادة غير محصورة بهذه الأنواع بل هي كثيرة جدًّا؛ لأن كل ما يحبه الله ويرضاه من الأوقال والأعمال الظاهرة والباطنة فهو عبادة. فالعبادة تشمل الدين كله. والحياة كلها بهذا المعنى .
قوله : {كلها لله والدليل قوله تعالى : ( (((((( ((((((((((((( (( (((( ((((((((( (((( (((( ((((((( ( (1)} ، أي : كل أنواع العبادة مما ذكر وغيره لله وحده لا شريك له. ثم ذكر الدليل، وقد ذكرنا فيما مضى تفسير هذه الآية، وقلنا إن المراد بالمساجد أماكن الطاعة والعبادة، أي : المساجد المعروفة، وروي عن بعض السلف أنها أعضاء السجود التي خلقها الله تعالى ليسجد عليها العبد، وعلى أي حال فالآية دليل على وجوب إفراد الله تعالى بالعبادة لقوله سبحانه : ( (((( ((((((((( (((( (((( ((((((( ( .
فمن صَرْفَ منها شيئًا لغيرِ اللهِ فهوَ مشركٌ كافرٌ .(1/53)
والدليل قوله تعالى : ( ((((( (((((( (((( (((( (((((((( ((((((( (( ((((((((( ((((( ((((( ((((((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ((((((( (( (((((((( (((((((((((((( ( .
قوله : {فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر}، أي : فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة التي ذكر المصنف رحمه الله مثل أن دعا غير الله تعالى من الأموات والغائبين أو رجاهم أو خافهم أو سألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات أو غير ذلك فهو مشرك الشرك الأكبر؛ لأنه أشرك مع الله غيره. وكافر؛ لأنه جحد حقًّا لله تعالى فصرفه لغيره. فالشرك والكفر قد يجتمعان فيمن لا إيمان له، فيقال : إنه مشرك كافر. وقد ينفرد الشرك بقصد الأوثان من قبور وغيرها. وإن كان يعترف بالله تعالى فلا يطلق عليه كافر؛ لأن الكفر معناه الجحد والإنكار، لكنه مشرك كافر إذا صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله منكرًا أن الله سبحانه وتعالى مستحقٌّ لهذه الأنواع ولهذا قال الشيخ رحمه الله (فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر).
قوله : {والدليل قوله تعالى : ( ((((( (((((( (((( (((( (((((((( ((((((( (( ((((((((( ((((( ((((( ((((((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( ((((((( (( (((((((( (((((((((((((( (.(1)} أي : والدليل على أن من دعا مع الله غيره فهو مشرك كافر هذه الآية فإن الله تعالى سماهم كافرين لدعائهم مع الله غيره . والبرهان هو الدليل الذي لا يترك في الحق
وفي الحديث : "الدُّعاء مُخُّ العبادةِ" .(1/54)
لبسًا وهو أقوى الأدلة؛ لأنه لا يترك التباسًا عند السامع، ولهذا يطلق عليه برهان، فهو أقوى من الحجة وأقوى من الدليل؛ لأن الدليل قد يكون ظنيًّا لا قطعيًّا، أما البرهان فهو أمر قطعي. فقوله سبحانه: ( (( ((((((((( ((((( ( ، يعني : ليس له دليل ولا حجة على هذا. ولا يمكن لأحد أن يدعو مع الله غيره ويكون له برهان بحيث يكون الذم متوجهًا إلى من دعا مع الله غيره وليس معه برهان؛ لأنه يستحيل وجود برهان على عبادة إله آخر مع الله تعالى. فهذا الوصف( (( ((((((((( ((((( ( جاء - والله أعلم - لموافقة الواقع، لا لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق بحيث يقال : من عبد مع الله غيره وله برهان فلا مانع، ومعنى (موافقة الواقع) أنه وصف مطابق للواقع لأنهم يدعون مع الله غيره بلا برهان.
وقوله تعالى : ( ((((((((( (((((((((( ((((( ((((((((( ( (، يعني : حساب هذا الذي دعا مع الله غيره عند ربه. وهو حساب لا فلاح معه لقوله تعالى :( ((((((( (( (((((((( (((((((((((((( ( ، ونَفْيُ الفلاح يدل على هلاكه وأنه من أهل النار .
والشاهد من الآية هو أن الله جل وعلا سمى من دعا معه غيره كافرًا وهذا لا منازعة فيه مهما كان هذا المدعو سواء كان ملكًا أو نبيًّا أو من هو دون ذلك .
قوله : {وفي الحديث : "الدعاء مخ العبادة" } بدأ المصنف رحمه الله بالاستدلال على كل نوع من أنواع العبادة التي ذكرها. والمصنف رحمه الله ......................................................................
سرد أنواع العبادة كما تقدم. وسنتكلم إن شاء الله على كل نوع منها بما تيسر من تعريف أو تقسيم أو سياق لبعض الأدلة زيادة على ما ذكر الشيخ رحمه الله من الأدلة. فبدأ بالنوع الأول وهو الدعاء؛ لأنه أهم أنواع العبادة لما ورد في حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - أن النبي ( قال : " الدعاء هو العبادة" (1)، فدلَّ على أن الدعاء أهم أنواع العبادات من وجهين :(1/55)
الأول : أن النبي ( أتى بضمير الفصل "هو" وضمير الفصل يفيد التوكيد.
الثاني : أنه أتى باللام في قوله "العبادة" فكأنه قال : "الدعاء هو العبادة لا غيرها" .
والدعاء في القرآن الكريم يتناول معنيين :
الأول : دعاء العبادة وهو دعاء الله امتثالاً لأمره فإنه سبحانه أمر عباده بالدعاء. فمتى دعوت الله سبحانه وتعالى ممتثلاً أمره فإن دعاءك عبادة قال تعالى :( ((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ( ((2) فإذا دعوته امتثلت أمره وإذا امتثلت أمره تكون عبدته .
والدليل قوله تعالى : ( ((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ( (((( ((((((((( ((((((((((((((( (((( (((((((((( ((((((((((((( (((((((( (((((((((( (((( ( ..................
الثاني : دعاء المسألة وهو دعاؤه سبحانه وتعالى بجلب المنفعة ودفع المضرة. فكلا النوعين عبادة لله سبحانه وتعالى فمن دعا الله سبحانه وتعالى طالبًا جلب النفع ودفع الضر وهو في حال دعائه ممتثلاً أمره سبحانه وتعالى فإنه يكون قد اجتمع في حقه دعاء العبادة ودعاء المسألة.
أما الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله "الدعاء مخ العبادة" فمخ الشيء لبُّه وخلاصته وما يقوم به ومعناه : أن العبادة لا تقوم إلا بالدعاء كما أن الإنسان لا يقوم إلا بالمخ؛ لدلالته على الإقبال على الله تعالى والإعراض عما سواه. وهذا الحديث يدل على منزلة الدعاء من بين أنواع العبادة وهو حديث ضعيف.(1) لكن معناه صحيح. ويشهد له الحديث الذي ذكرته آنفًا وهو حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - .
قوله : {والدليل قوله تعالى : ( ((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ( (((( ((((((((( ((((((((((((((( (((( (((((((((( ((((((((((((( (((((((( (((((((((( (.} وجه الدلالة
ودليل الخوفِ قوله تعالى: ( (((( (((((((((((( (((((((((( ((( (((((( ((((((((((( (.(1/56)
من الآية أن الله جل وعلا سمى الدعاء عبادة فقال : ( (((( ((((((((( ((((((((((((((( (((( (((((((((( ((((((((((((( (((((((( (((((((((( (((( ( ، أي : حقيرين ذليلين صاغرين جزاء لهم على استكبارهم. فهذه الآية فيها أن الله تعالى أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فدل على أن الدعاء عبادة بل هو من أجل العبادات .
قوله : {ودليل الخوف قوله تعالى : ( ((((((( ((((((((( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((((((( (((( (((((((((((( (((((((((( ((( (((((( ((((((((((( ((((( ((1) . الخوف هو انفعال يحصل بتوقع ما فيه ضرر أو هلاك، والخوف أنواع :
الأول : الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو أو سبع أو حية فهذا ليس بعبادة، ولا ينافي الإيمان؛ لأنه قد يوجد في المؤمن كما قال تعالى عن موسى عليه السلام ( (((((((((( ((( ((((((((((((( ((((((((( (((((((((( ( (2) وهذا الخوف لا يلام عليه الإنسان إذا انعقدت أسبابه أما إذا كان وهميًّا أوله سبب ضعيف فهو مذموم لأن صاحبه جبان .
النوع الثاني : خوف "السر"، وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو ولي من الأولياء بعيدًا عنه أن يصيبه بمكروه وهذا الخوف هو الواقع بين عباد القبور والمتعلقين بالأولياء، قال تعالى عن قوم هود :( ((( ((((((( (((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( ( فهم يتصورون أن الآلهة يُخاف منها لأنها قد تعتري الإنسان بسوء، ومعنى هذا في نظرهم أنها إذا كانت تنفع فإنه يتصور أنها تضر
...........................................................
فهذا يطلق عليه خوف السر .
النوع الثالث : أن يترك الإنسان ما يجب خوفًا من الناس كأن يترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوفًا من الناس فهذا خوف محرم ومذموم.(1/57)
النوع الرابع : خوف تعبد وتعلق وهو أن يخاف أحدًا يتعبد بالخوف له فيدعوه الخوف لطاعته، وهذا النوع هو خوف التعبد والتأله الذي يحمل على الطاعة والبعد عن المعصية وهذا خاص بالله تعالى. وتعلقه به من أعظم واجبات الدين ومقتضيات الإيمان، وتعلقه بغير الله تعالى من الشرك الأكبر؛ لأن الخوف من أعظم واجبات القلب.(1)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (الإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه ولا سيما إذا كان طالبًا ما لم يحصل له، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به، وتدفع به الغم والحزن عنها، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح به، وتدفع به الغم والحزن عنها، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه وبه، فيستريح إلى المحرمات من فعل الفواحش وشرب المحرمات وقول الزور ...).(2)
والآية التي ساقها المؤلف دليل على أن الخوف عبادة الله تعالى بدليل أن
...........................................................(1/58)
الله تعالى جعل الخوف شرطاً لصحة الإيمان فقال تعالى :( (((( (((((((((((( (((((((((( ((( (((((( ((((((((((( ( ، وهذه الآية أولها قوله تعالى : ( ((((((( ((((((((( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((((((( (((( (((((((((((( (((((((((( (، ومعنى (يخوف أولياءه)، أي : يخوفكم أولياءه ويعظمهم في صدروكم؛ لأجل أن تموت معنوياتكم فتخافوهم فتحصل الهزيمة. قال ابن الأنباري : (والذي نختاره في الآية: يخوفكم أولياءه. تقول العرب : أعطيت الأموال، أي : أعطيت القوم الأموال. فيحذفون المفعول الأول).(1) وقوله تعالى:( (((( (((((((((((( (((((((((( ( فيه بيان أنه لا يجوز للمؤمن أن يخاف أولياء الشيطان، ولا يخاف الناس كما قال تعالى: ( (((( (((((((((( (((((((( (((((((((((( ( (2)، فخوف الله أمر به. وخوف أولياء الشطيان نهي عنه(3) . والشاهد في الآية أن الإنسان إذا خاف غير الله سبحانه خوف تعبد وتأله مستقر بالقلب يحمل على الطاعة والبعد عن المعصية فإن هذا الخوف من أنواع الشرك؛ لأن الله جل وعلا جعله من مقتضيات الإيمان، فمن صرف هذا لغير الله تعالى فليس بمؤمن. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معنى بديعًا من معاني الخوف كما نقله عنه ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (4) . يقول شيخ الإسلام : (الخوف
ودليل الرجاء قوله تعالى : ( ((((( ((((( ((((((((( (((((((( (((((((( (((((((((((( (((((( (((((((( (((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((( ((((( ( .
المحمود ما حجزك عن محارم الله). وقال بعض السلف : (لا يعد خائفًا من لم يكن للذنوب تاركًا) .(1)
والخشية بمعنى الخوف، لكن الخشية أخص من الخوف؛ لأن الخشية مقرونة بمعرفة الله تعالى، قال تعالى: ( ((((((( ((((((( (((( (((( ((((((((( (((((((((((((((( ( (2) فالخشية خوف مقرون بمعرفة الله، ولهذا قال النبي (: "أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" .(3)(1/59)
قوله : { ودليل الرجاء قوله تعالى : ( ((((( ((((( ((((((((( (((((((( (((((((( (((((((((((( (((((( (((((((( (((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((( ((((( ( (4) } أصل الرجاء هو الطمع أو انتظار الشيء المحبوب، والرجاء يتضمن التذلل والخضوع، فلا يكون إلا الله سبحانه وتعالى، وتعليق الرجاء بغير الله شرك، وإن كان الله تعالى قد جعل لها أسبابًا، فالسبب لا يستقل بنفسه بل لابد له من معاون، ولابد من انتفاء الموانع، وهو لا يحصل ولا يبقى إلا بمشيئة الله تعالى .(5)
...........................................................
والرجاء نوعان :
1- رجاء محمود : وهو رجاءُ رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راجٍ لثوابه، ورجل أذنب ذنوباً ثم تاب منها، فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه .
2- رجاء مذموم : وهو رجاءُ رجل متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب.
والفرق بين الرجاء والتمني : أن الرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل . والتمني يكون مع الكسل. قال تعالى : ( (((((((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((((( (((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ((((((((((( ( ( وابتغاء الوسيلة إليه : طلب القرب منه بالمحبة والعبودية بالطاعة وأنواع القربات .(1)
ومعنى قول تعالى : ( ((((( ((((( ((((((((( ( (، أي : يعمل ويطلب وينتظر. وقوله : ( (((((((( (((((((( ( المراد باللقاء أو اللقى هنا المعاينة، والمراد بها الملاقاة الخاصة؛ لأن اللقاء يوم القيامة نوعان :
1- نوع خاص : وهذا للمؤمنين، وهو لقاء الرضا والنعيم من الله سبحانه وتعالى .
2- لقاء عام : لجميع الناس، وقد دل على اللقاء العام قوله تعالى في
...........................................................(1/60)
سورة الانشقاق ( ((((((((((( (((((((((( (((((( ((((((( (((((( ((((((( ((((((( (((((((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((((((((( (((((((((((( ((( (((((((( ((((((((( (((((((( (((((((( ((( ((((((((((( (((((( ((((((((( (((((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((((((((( (((((((( ((((((((( (((( (((((((( ((((((((( (((((((( (((( ... الآية ( (1) ، فدل قوله : ( ((((((( (((( ((((((( (((((((((( ((((((((((((...(، ( ((((((( (((( ((((((( (((((((((( (((((((( ((((((((( ...( على أن اللقاء في قوله: ( (((((((((((( ( لقاء عام، أما في هذه الآية التي معنا فمعناها : فمن كان ينتظر ويطلب ويترقب لقاء الله سبحانه وتعالى الذي هو لقاء رضا ونعيم، فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً؛ لأن الذي يرجو ثواب الله ويخاف من عقابه يعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا، والعمل الصالح كما فسره أهل العلم هو الخالص من الرياء الموافق لشرع الله من واجب أو مستحب. وقوله : ( (((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((( ((((( ( ، يعني : لا يشرك في العبادة مع الله غيره كائنًا من كان، لا ملكًا مقربًا ولا نبيًّا ولا وليًّا ولا أحدًا من الصالحين. وفي قوله سبحانه:( ((((((((((( ((((((((( ( إشارة إلى علة النهي عن الشرك، أي : فكما أنه ربك الذي خلقك ورباك ولم يشاركه أحد في خلقك فيجب أن تكون العبادة له وحده لا شريك له . (2)
...........................................................
فالواجب على العبد أن يحقق رجاءه فلا يعلقه إلا بالله تعالى، لا يعلقه بقوته ولا بعمله ولا يعلقه بمخلوق. ومن المأثور عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : (لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه). (1)(1/61)
وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي ( دخل على شاب وهو في الموت فقال : " كيف تجدك؟ " قال : أرجو الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي. فقال رسول الله ( : "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف".(2)
وعلى الإنسان أن يعلم أنه كلما قوي رجاؤه، وطمعه في فضل الله تعالى ورحمته وتيسير أموره، ودفع ضرورته، قويت عبوديته لربه، وحريته مما سواه. وإن رجا مخلوقًا، أو تعلق به؛ انصرف قلبه عن العبودية لله تعالى، وصار عبدًا لغيره بقدر ما قام في قلبه من التعلق والرجاء؛ فذلَّ لغير الله وخضع.(3)
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام نفيس في هذا الموضع أنقله ليستفيد منه القارئ، يقول رحمه الله : (اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة : المحبة، والخوف، والرجاء. وأقواها المحبة، وهي مقصودة تراد
ودليل التوكُّلِ قوله تعالى: ( ((((((( (((( (((((((((((((( ((( (((((( ((((((((((( (((( ( .
لذاتها؛ لأنها تراد في الدنيا والآخرة، بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة. قال الله تعالى: ( (((( (((( (((((((((((( (((( (( (((((( (((((((((( (((( (((( ((((((((((( ( (1)، والخوف المقصود منه : الزجر والمنع من الخروج عن الطريق. فالمحبة تلقي العبد في السير إلى محبوبه، وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه، والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب، والرجاء يقوده. فهذا أصل عظيم، يجب على كل عبد أن يتنبه له، فإنه لا تحصل له العبودية بدونه، وكل أحد يجب أن يكون عبدًا لله لا لغيره .
فإن قيل : فالعبد في بعض الأحيان قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه. فأي شيء يحرك القلوب ؟ قلنا : يحركها شيئان :
أحدهما : كثرة الذكر للمحبوب؛ لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به.(1/62)
والثاني : مطالعة آلائه ونعمائه ... فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض وما فيها من الأشجار والحيوان وما أسبغ عليه من النعم الباطنة من الإيمان وغيره فلابد أن يثير عنده باعثًا. وكذلك الخوف تحركه مطالعة آيات الوعيد والزجر والعرض والحساب ونحوه. وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو).(2)
قوله:{ودليل التوكُّلِ قوله تعالى: ( ((((((( (((( (((((((((((((( ((( (((((( ((((((((((( ((3)}. ...........................................................
أصل التوكل : الاعتماد. تقول : توكلت على الله توكلاً، أي : اعتمدت عليه، هذا معنى التوكل. وحقيقة التوكل : أن يعتمد العبد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في مصالح دينه ودنياه مع فعل الأسباب المأذون فيها. فالتوكل : اعتقاد، واعتماد، وعمل. أما الاعتقاد فهو : أن يعلم العبد أن الأمر كله لله، فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن . والله جل وعلا هو: النافع، الضار، المعطي، المانع. ثم بعد هذا الاعتقاد يعتمد بقلبه على ربه سبحانه وتعالى، ويثق به غاية الوثوق، ثم بعد هذا يأتي الأمر الثالث وهو : أن يفعل الأسباب المأذون فيها شرعًا .
والتوكل على الله تعالى نوعان :
أحدهما : توكل عليه في تحصيل حظ العبد من الرزق والعافية وغيرهما.
وثانيهما : توكل عليه في تحصيل مرضاته .
فأما النوع الأول فغايته المطلوبة وإن لم تكن عبادة؛ لأنها محض حظ العبد، فالتوكل على الله في حصوله عبادة، فهو منشأ لمصلحة دينه ودنياه.
وأما النوع الثاني : فغايته عبادة، وهو في نفسه عبادة، فلا علة فيه بوجه فإنه استعانة بالله على ما يرضيه. فصاحبه متحقق بـ ( ((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( ( (1)
وأما التوكل على غير الله تعالى فأنواع :
...........................................................(1/63)
النوع الأول : التوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من جلب المنافع ودفع المضار، وهذا شرك أكبر لأنه إذا كان التوكل على الله من تمام الإيمان، فالتوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه غير الله من الشرك الأكبر، وهذا النوع هو المراد بقوله تعالى : ( ((((((( (((( (((((((((((((( ((( (((((( ((((((((((( ( وقال تعالى: ( (((((((((((( (((((((((( (((((((( ( ((1)، وقال تعالى: ( ((((((( ((((((((((((((( ((((((((( ((((( (((((( (((( (((((((( ((((((((((( ((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ((((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((((( ((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((( ((((((((((((( (((((((((( ((( (((((((((((( (((( ((((((((((((((( ((((( ( (((((( ((((((((( ((((( ((((((((( (((((((((((( (((((((( ((((((( ((( ( .(2)
النوع الثاني : أن يتوكل على حي حاضر من ملك أو وزير أو مسؤول فيما أقدره الله عليه من رزق أو دفع أذى، وهذا شرك أصغر، بسبب قوت تعلق القلب بهذا الإنسان واعتماده عليه. أما إذا اعتقد أن هذا الإنسان سبب، وأن الله تعالى هو الذي أقدره على هذا الشيء وأجراه على يديه فهذا لا بأس به إذا كان لهذا الإنسان أثر صحيح في حصول المراد. لكنَّ كثيرًا من الناس قد لا يمر على باله هذا المعنى، ويكاد يعتمد على هذا الإنسان في حصول مراده .
النوع الثالث : الاعتماد على الغير في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه فهذا جائز دل عليه الكتاب والسنة والإجماع . لكن لا يعتمد عليه في حصول ما
( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه(.(1/64)
وكّل فيه بل يتوكل على الله سبحانه وتعالى في تيسير أمره الذي يطلبه إما بنفسه أو بنائبه ولهذا لا تقول : توكلت على فلان إنما تقول : وكلت فلانًا. وقد وكل النبي ( عليًّا في ذبح بقية بدنه في حجة الوداع(1) ، ووكل أبا هريرة - رضي الله عنه - على الصدقة، (2) ووكل عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية .(3)
أما الآية وهي قوله تعالى: ( ((((((( (((( (((((((((((((( ((( (((((( ((((((((((( (، فقوله: ( ((((((( (((( ( ، أي : لا على غيره، وهذا يفيد الحصر؛ لأن من طرق القصر عند البلاغيين تقدم ما حقه التأخير، والأصل : توكلوا على الله، وقوله : ( (((((((((((((( ( هذا أمر يدل على وجوب التوكل، أي : اعتمدوا على الله جل وعلا، وفوضوا أموركم إليه. فدلت الآية على وجوب التوكل، وأنه من العبادات. وقوله : ( ((( (((((( ((((((((((( (، أي : إن كنتم مؤمنين بالله جل وعلا فعليه توكلوا. قال ابن القيم : (فجعل التوكل على الله شرطاً في الإيمان فدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه فمن لا توكل له لا إيمان له" .(4)
وقال تعالى : {( ((((( (((((((((( ((((( (((( (((((( (((((((((( ( ( (5)} ساق المؤلف
ودليل الرَّغْبةِ والرَّهْبةِ والخشوع قوله تعالى : ( (((((((( (((((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( (((((((((((((( ((((((( ((((((((( ( (((((((((( ((((( (((((((((( (((( ( .
آيتين في التوكل، والغالب أنه لا يسوق إلا دليلاً واحدًا وكأنه أراد - والله أعلم - أن الدليل الأول فيه وجوب التوكل والأمر بالتوكل، والدليل الثاني فيه جزاء من توكل على الله، - هذا الذي يظهر، والله أعلم .
وقوله : ( (((((( (((((((((( ( ( ، أي : كافيه . ومن كان الله جل وعلا كافيه تيسرت أموره، ولا مطمع لأحد فيه، وهو يدل على عظم شأن التوكل وفضله، حتى إنه لم يأت في أي عبادة من العبادات أن الله قال : ( ((((( (((((((((( ((((( (((( (((((( (((((((((( ( (. إلا في مقام التوكل .(1/65)
ومن فضيلة التوكل - أيضاً - : أن الله تعالى جعله سبباً لنيل محبته، قال تعالى : ( (((( (((( (((((( (((((((((((((((((( ( (1). ومن فضيلته أنه دليل على صحة إسلام المتوكل، قال تعالى : ( ((((((( ((((((( ((((((((( ((( ((((((( ((((((((( (((((( (((((((((( (((((((((((( ((( (((((( ((((((((((( (.(2)
قوله:{ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى: ( (((((((( (((((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( (((((((((((((( ((((((( ((((((((( ( (((((((((( ((((( (((((((((( ((3)} هذه
...........................................................
ثلاثة أنواع من العبادة دلت عليها آية واحدة .
الأول : الرهبة . والرهبة بمعنى الخوف المثمر للهرب من المخوف. فهي خوف مقرون بعمل. قال الراغب : الرَّهْبة والرَّهْب : مخافة مع تحرز واضطراب. (1)
والثاني : الرغبة. ومعناها السؤال والتضرع والابتهال مع محبة الوصول إلى الشيء المحبوب فإذا كان يدعو وعنده قوة لحصول مطلوبه فهذه رغبة .
والثالث : الخشوع وهو التذلل والتطامن، وهو بمعنى الخضوع إلا أن الخضوع يغلب أن يكون في البدن، والخشوع في القلب أو البصر أو الصوت. قال تعالى : ( ((((((((( (((( ((( (((((((((( (((((((((( ( (2)، وقال تعالى: ( (((((((((( ((((((((((( ((3)، وقال تعالى: ( ((((((((( ((((((((((((( ( (4)وقال تعالى: ( (((((( (((((( ((((((((( ((((((((((( ((( (((((((( ((((((((((( (((((((( (((( ((((( (((((( (((( ((((((((( ( .
والدليل على أن هذه الثلاثة عبادات : أن الله جل وعلا أثنى على الأنبياء الذين تقدم ذكرهم في هذه السورة - سورة الأنبياء - أو على زكريا - عليه الصلاة والسلام - وأهل بيته فقال عنهم : ( (((((((( (((((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( ( يعني: يبادرون في الطاعات، ويسارعون في الخيرات، ويسابقون
ودليل الخشيةِ قوله تعالى : ( (((( (((((((((((( (((((((((((( ( ( الآية .(1/66)
إلى نيل القربات، وهذا يدل على أن المسلم ينبغي له المبادرة بطاعة الله جل وعلا، كما قال تعالى : ( ((((((((((((( (((((( (((((((((( (((( ((((((((( ( (1).
وقوله:{( (((((((( (((((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( (((((((((((((( ((((((( ((((((((( ( (} الرَّغَب والرَّهَب مصدران لرغِبَ يَرغب رَغَبًا، ورغبة بمعنى : الضراعة والمسألة، ورَهِبَ يرهب رَهَبًا، ورهبة، أي : خاف . والمعنى : يدعوننا رغبًا في رحمتنا ورهبًا من عقوبتنا ( (((((((((( ((((( (((((((((( (، أي خاضعين متذللين، فأثنى الله تعالى عليهم ومدحهم بهذه الصفات، ولا يمدح إلا من كان عابدًا لله تعالى .
وفي الآية دليل على أنه ينبغي للداعي أن يجمع بين الرغبة في رحمة الله تعالى والرهبة من عذابه. وعلى فضل الخشوع في العبادات لاسيما الصلاة والدعاء .
قوله:{ودليل الخشيةِ قوله تعالى: ( (((( (((((((((((( (((((((((((( ( ( (2)الآية} تقدم أن الخشية بمعنى الخوف، ولكن الخشية أخص؛ لأنها مبنية على علم بعظمة من يخشاه. قال الراغب : (الخشية: خوف يشوبه تعظيم. وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه. ولذلك خُصَّ العلماء بها في قوله تعالى : ( ((((((( ((((((( (((( (((( ((((((((( (((((((((((((((( ( ( (3).
ودليل الإِنَابةِ قوله تعالى : ( ((((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( ( .
ووجه الدلالة من الآية على أن الخشية من أجل العبادات أن الله تعالى نهى المسلمين عن خشية الكفار وأمر بخشيته وحده لا شريك له . ومثلها قوله تعالى : ( (((( (((((((((((( (((((((((((( ( ( .(1/67)
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : (الخوف والخشية والخشوع والإخبات والوجل معانيها متقاربة، فالخوف يمنع العبد عن محارم الله، وتشاركه الخشية في ذلك، وتزيد أن خوفه مقرون بمعرفة الله. وأما الخشوع والإخبات والوجل فإنها تنشأ عن الخوف والخشية لله، فيخضع العبد لله ويخبت إلى ربه منيبًا إليه بقلبه ويحدث له الوجل. وأما الخشوع فهو حضور القلب وقت تلبسه بطاعة الله وسكون ظاهره وباطنه فهذا خشوع خاص. وأما الخشوع الدائم الذي هو وصف خواص المؤمنين فينشأ من كمال معرفة العبد بربه ومراقبته فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة).(1)
قوله: {ودليل الإِنَابةِ قوله تعالى: ( ((((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( ( (2)}
الإنابة بمعنى التوبة، ولكن قال العلماء: إنها أعلى من التوبة؛ لأن التوبة إقلاع وندم وعزم على ألا يعود، أما الإنابة ففيها المعاني الثلاثة، وتزيد معنى آخر وهو الإقبال على الله تعالى بالعبادات، فإذا أقلع الإنسان من معصية
.......................................................
وعزم ألا يعود، وندم على ما مضى، واستمر على ما هو عليه من عباداته، يقال : هذا تائب، لكن إذا تجدد له الإقبال بعد توبته فهذا منيب إلى الله تعالى، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الإنابة إنابتان :
1- إنابة لربوبيته : وهي إنابة المخلوقات كلها يشترك فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر، قال الله تعالى : ( ((((((( (((( (((((((( (((( (((((((( ((((((( (((((((((( (((((((( ( (1)، فهذا عام في حق كل دَاعٍ أصابه ضر كما هو الواقع. وهذه الإنابة لا تستلزم الإسلام بل تجامع الشِّرك والكفر، كما قال تعالى في حق هؤلاء : ( (((( (((((( (((((((((( ((((((( (((((((( ((((( ((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((( ((((((((((((( (((((( (((((((((((((( ( ((2).(1/68)
2- إنابة لإلهيته : وهي إنابة أوليائه، إنابة عبودية ومحبة، وتتضمن أربعة أمور: محبته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه. فالمنيب إلى الله : المسرع إلى مرضاته الراجع إليه كل وقت المتقدم إلى محابه؛ لأن لفظ (الإنابة) فيه معنى الإسراع والرجوع والتقدم.(3)
وفي الآية الكريمة ما يدل على أن الإنابة من العبادات، وأن الله جل وعلا أمر بها. ولهذا لم يذكر المصنف التوبة من أنواع العبادة، إنما اقتصر على ذكر
ودليل الاستعانة قوله تعالى : ( ((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( ( .
الإنابة؛ لأن صورة العباد بالنسبة للإنابة أوضح من صورتها بالنسبة إلى التوبة بسبب زيادة الإقبال على العبادة .
وقوله تعالى : ( ((((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( ( ، أي : ارجعوا إليه بالطاعة،( ((((((((((((( ((((( ( ، المراد بالإسلام في الآية الكريمة هو الإسلام الشرعي، ومعناه: الاستسلام والانقياد لأحكام الشريعة، وهذا لا يكون إلا للطائعين، فالطائع مسلم إسلامًا شرعيًّا؛ لأنه انقاد لأحكام الشرع، أما بالنسبة إلى الإسلام الكوني، وهو المعنى الثاني، فهذا هو الاستسلام لحكم الله الكوني، وهذا ليس خاصًّا بالطائعين بدليل قوله تعالى : ( (((((((( (((((((( ((( ((( ((((((((((((( (((((((((( ((((((( ((((((((( ( (1)، ففيه من يسلم طائعًا، وفيه من يسلم وهو كاره. ومعنى هذه الآية أن جميع من في السموات ومن في الأرض منقادون لحكم الله الكوني بمعنى أنهم منقادون لما يجريه الله تعالى ويقدره عليهم شاءوا أم أبوا فهذا إسلام كوني. أما الإسلام الشرعي الذي يمدح فاعله وهو من أنواع العبادة فهو المعنى الأولى .(1/69)
قوله: ودليل الاستعانة قوله تعالى: ( ((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( (. الاستعانة طلب العون؛ لأن الألف والسين والتاء في اللغة للطلب، فإذا قيل : استعان فمعناه طلب الإعانة، وإذا قيل : استغاث، أي : طلب الغوث. وإذا قيل : استخبر، أي : طلب الخبر. والاستعانة أنواع :
...........................................................
النوع الأول : الاستعانة بالله، وهي الاستعانة المتضمنة كمال الذُّل من العبد لربه مع الثقة به والاعتماد عليه، وهذه لا تكون إلا لله فهي تتضمن ثلاثة أشياء :
الأول : الخضوع والتذلل لله تعالى .
الثاني : الثقة بالله جل وعلا .
الثالث : الاعتماد على الله سبحانه وتعالى، وهذه لا تكون إلا لله، فمن استعان بغير الله محققًا هذه المعاني الثلاثة فقد أشرك مع الله غيره.(1)
والعبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل. وهذا تحقيق معنى قوله : (لا حولا ولا قوة إلا بالله)، فإن المعنى : لا تحوُّل للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلا بالله تعالى. وهذه كلمة عظيمة، وهي كنز من كنوز الجنة، فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور. وهذه في الدنيا. وكذا عند الموت وبعده من أحوال البرزخ ويوم القيامة ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله عز وجل. فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه. (2)
النوع الثاني : الاستعانة بالمخلوق على أمر قادر عليه. ومعنى الاستعانة
...........................................................(1/70)
بالمخلوق : أن تطلب منه أن يعينك ويساعدك، وشرط ذلك أن يكون في أمر يقدر عليه، فهذه إن كانت على بر وخير فهي جائزة والمعين مثاب؛ لأنه إحسان، قال تعالى : ( (((((((((((((( ((((( ((((((((( ((((((((((((( ( ( (1)، وإن كانت على إثم فهي حرام، قال تعالى : ( (((( (((((((((((( ((((( (((((((( ((((((((((((((( ( ( . النوع الثالث : الاستعانة بالأموات أو بالأحياء على أمر غائب لا يقدرون عليه فهذا شرك؛ لأنه إذا استعان بالميت أو بحي على أمر بعيد غائب عنه لا يقدر عليه؛ فهذا يدل على أنه يعتقد أن لهؤلاء تصرفًا في الكون وأن مع الله مدبرًا.
النوع الرابع : الاستعانة بأعمال وأحوال محبوبة شرعًا، فهذا النوع مشروع بدليل قوله تعالى :( ((((((((((( ((((((((( (((((((((( (((((((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ( (((( (((( (((( ((((((((((((( ( (2)، فكونك تستعين بالصبر وتستعين بالصلاة على أمورك هذا أمر محبوب.(3)
وقوله: ( ((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( (. في هذه الآية اجتمع أمران عظيمان عليهما مدار العبودية . ( ((((((( (((((((( ( تبرؤ من الشرك. ( ((((((((( ((((((((((( ( تبرؤ من الحول والقوة، وتقديم المعمول هنا يفيد الحصر - كما مرَّ - ؛ لأن المعنى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك.
وفي الحديثِ : " إذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ "
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : (وتقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص. واهتمامًا بتقديم حقه تعلى على حق عبده ...
وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى. فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي).(1)(1/71)
قوله : {وفي الحديث " إذا استعنت فاستعن بالله " } هذا جزء من حديث ابن عباس، وهو حديث عظيم جليل القدر(2)، أوله : "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك"، أي : احفظ حدوده وأوامره يحفظك حيث توجهت، "وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". والمعنى: عليك أن تحصر استعانتك وطلبك العون في الله سبحانه وتعالى، فمن استعان بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك .
ودليل الاستعاذةِ قوله تعالى : ( (((( ((((((( ((((((( (((((((((( (، وقوله تعالى : ( (((( ((((((( ((((((( (((((((( ( ....................................................
قوله: {ودليل الاستعاذةِ قوله تعالى : ( (((( ((((((( ((((((( (((((((((( ( (1)} وقوله تعالى : ( (((( ((((((( ((((((( (((((((( ( (2). الاستعاذة : هي الاعتصام والالتجاء إلى من تعتقد أنه يعيذك ويلجئك. والاستعاذة بالله تعالى هي التي تتضمن كمال الافتقار إليه سبحانه، والاعتصام به، واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شر. ولا ريب أن هذه المعاني لا تكون إلا بالله سبحانه وتعالى. ويدخل في الاستعاذة بالله جل وعلا : الاستعاذة بصفاته، والاستعاذة بكلماته وبعزته، ونحو هذا، كما في بعض الأوراد الصحيحة الثابتة : " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق".(3)، و" أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" (4)، فهذه استعاذة بالله سبحانه وتعالى .
أما الاستعاذة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين فهذا شرك كما تقدم في الاستعانة. أما الاستعاذة بملخوق يمكن العوذ به لأنه قادر، فهذا يجوز كما لو هربت من سبع والتجأت إلى شخص آخر يحميك، أو هربت من عدو والتجأت إلى شخص آخر يمنعك منه. وقد يكون الالتجاء إلى أمكنة، كأن يتسلق شجرة أو يدخل في مكان، فمثل هذا لا بأس به .
ودليل الاستغاثَةِ قوله تعالى : ( (((( (((((((((((((( (((((((( ((((((((((((( (((((( ( الآية.(1/72)
وقوله تعالى : ( (((( ((((((( ((((((( (((((((((( ( و ( (((( ((((((( ((((((( (((((((( ( هذا أمر من الله سبحانه وتعالى للنبي ( والأمة تبع له في هذا . ومعنى ( ((((((( (، أي : ألتجئ وأتحصن ( ((((((( (((((((((( (، الفلق : هو الصبح، والمعنى - والله أعلم - : أن القادر على إزالة هذه الظلمة من العالم قادر على أن يدفع عن هذا المستعيذ ما يخافه ويخشاه. وقوله : ( (((( ((((((( ((((((( (((((((( (، أي : خالقهم ومصلح أحوالهم .
وفي الآيتين دليل على وجوب الاستعاذة بالله تعالى من جميع شرور خلقه، وأنه سبحانه وتعالى القادر على إعاذة عبده ودفع الشرور عنه. وقد ورد عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسوله الله ( : " ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ؟ ( (((( ((((((( ((((((( (((((((((( ( و ( (((( ((((((( ((((((( (((((((( (. (1)
قوله : {ودليل الاستغاثة قوله تعالى : ( (((( (((((((((((((( (((((((( ((((((((((((( (((((( ( (2)} الاستغاثة أن تطلب الغوث ممن يستطيع أن ينقذك من ضيق أو شدة.
...........................................................(1/73)
والفرق بين الاستغاثة والاستعاذة أن الاستعاذة تطلب منه أن يعصمك وأن يمنعك وأن يحصنك، والاستغاثة تطلب منه أن يزيل ما فيك من شدة، وهذا لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء. والاستغاثة كالاستعاذة تتضمن كمال الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى واعتقاد كفايته. قال تعالى : ( (((( (((((((((((((( (((((((( ((((((((((((( (((((( ( ، أي : تستجيرون ربكم وتطلبون منه الغوث فاستجاب لكم. وهذه الآية نزلت في غزوة بدر الكبرى. وكان المشركون أكثر من المسلمين ثلاث مرات، فالمسلمون بقيادة النبي ( توجهوا إلى الله سبحانه وتعالى بأن يمدهم بالنصر وأن يخلصهم من هذا الموقف الذي هم فيه. وقد ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم بدر نظر النبي ( إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة - وفي روايات أخرى : أنهم بين الألف والتسعمائة - فاستقبل النبي ( القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدًا، قال : فمازال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال : يانبي الله، كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل : ( (((( (((((((((((((( (((((((( ((((((((((((( (((((( (((((( ((((((((( (((((((( ((((( (((((((((((((((( ((((((((((( ((1).
ودليل الذَّبْح قوله تعالى: ( (((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (( ((((( (((((((((((((( ((((( (( ((((((( ((((( ( ((((((((((( (((((((( (((((((( (((((( ((((((((((((((( ((((( ( .
قوله : {ودليل الذَّبْح قوله تعالى: ( (((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( (( ((((( (((((((((((((( ( (1)} المراد بالذبح هنا : ذبح القربان والضحايا والهدايا والذبح يقع على وجوه :(1/74)
النوع الأول : يقع عبادة لله يقصد بها الذابح تعظيم المذبوح له، والتقريب إليه، وهذا لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، فلو تقرب بالذبح لشخص من سلطان أو غيره لوقع في الشرك. وعلامة ذلك أنه يذبح في وجهه، أي : يريق الدم ساعة حضوره. فهذا معناه التعظيم، ودليل على أنه قصد بهذا التقرب إليه. وكذا لو ذبح للأولياء أو للجن كما يفعله كثير من الجهلة في بعض الجهات فهذا من الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة - والعياذ بالله - .(2)
النوع الثاني : وهو الذبح إكراماً للضيف أو لوليمة عُرس، فهذا مأمور به في الشرع إما وجوبًا أو استحبابًا. وقد قال النبي ( لعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - : " أولم ولو بشاة"، وفي قصة الأنصاري الذي جاء إليه النبي ( ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فإنه لما ذهب يذبح لهم قال له النبي ( : " إياك والحلوب " فذبح لهم .. فأقره النبي عليه الصلاة والسلام
............................................................
على ذبحه لهم .(1)
النوع الثالث : أن يكون الذبح للتمتع بالأكل من المذبوح أو الاتجار به فهذا على الأصل في المنافع وهو الإباحة. قال تعالى : ( (((((((( (((((((( ((((( ((((((((( ((((( (((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((( ((((( (((((((((( (((( (((((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( ( .(2) فامتن الله علينا بالأكل من هذه الأنعام. (3)(1/75)
وقوله تعالى: ( (((( (((( ((((((( ( ، أي : جميع صلواتي ( ((((((((( (، أي: جميع أنساكي وهي العبادات أو الذبائح التي يتقرب بها إلى الله تعالى من الهدي والأضحية والعقيقة. وفي هذا إثبات توحيد العبادة. ( ((((((((((( (، أي: أمر حياتي وما أعمله فيها . ( (((((((((( ( ، أي : أمر متوتي وما ألقاه بعده، وفي هذا إثبات لتوحيد الربوبية ( (( ((((( (((((((((((((( (، أي : خالص ومختص بالله خالق ومالك ومدبر العالمين. وهم كل من سوى الله تعالى . ( (( ((((((( ((((( ( ( (4)، أي : لا مشارك له في العبادة كما أنه لا شريك له في الملك والتدبير . ( ((((((((((( (((((((( ( ، أي: وبذلك الإخلاص والتوحيد أمرني الله تعالى أمرًا حتمًا لا أخرج من التبعة إلا بامتثاله. ( (((((((( (((((( (((((((((((((( ( أي :
ومن السُّنةِ : " لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ " .
أسبقهم انقيادًا إلى الإسلام لكمال علمه بالله تعالى . إن كان المراد بالأولية أولية الانقياد أ وأسبقهم زمنًا ويكون المراد بـ : ( (((((((((((((( ( مسلمي أمته . إن كان المراد أولية الزمن. والله أعلم بمراده في كتابه.(1)
قال في " قرة عيون الموحدين " : (والمقصود أن هذه الآية دلت على أن أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة لا يجوز أن يصرف منها شيئًا لغير الله كائنًا من كان، فمن صرف منها شيئًا لغير الله؛ فقد وقع فيما نفاه تعالى من الشرك بقوله : ( (((((( (((((( (((( ((((((((((((((( ( والقرآن كله في تقرير هذا التوحيد في عبادته وبيانه، ونفي الشرك والبراءة منه).(2)(1/76)
قوله: { ومن السنة : " لعن الله من ذبح لغير الله " } هذا الحديث جزء من حديث علي - رضي الله عنه - قال : " حدثني رسول الله ( بأربع كلمات : لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غيَّر منار الأرض".(3) واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. وقوله : "لعن الله" هذا يحتمل أنه خبر، ويحتمل أنه إنشاء، فإن كان خبرًا فمعناه : أن الرسول ( يخبرنا أن الله جل وعلا لعن من ذبح لغير الله. وإن كان إنشا فمعناه الدعاء، أي : الرسول ( يدعو على من ذبح
ودليل النذر قوله تعالى:(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرا(
لغير الله أن يطرده الله من رحمته. والخبر أبلغ لأنه يفيد وقوع اللعن بخلاف الدعاء فقد يستجاب وقد لا يستجاب.(1)
والذبح لغير الله عام سواء كان لملك أو لنبي أو ولي أو سلطان أو جني أو غير ذلك. وسواء كان المذبوح بعيرًا أو بقرة أو شاة أو دجاجة أو غيرها.
والذبح لله من أجَلِّ الطاعات وأعظم القربات، وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أقام النبي ( بالمدينة عشر سنين يضحي.(2) وأهدى إلى البيت مائة بدنة في حجة الوداع.(3)
قوله : {ودليل النذر قوله تعالى : ( (((((((( ((((((((((( (((((((((((( ((((((( ((((( ((((((( (((((((((((( ((4)} النذر : أن يلزم الإنسان نفسه شيئًا غير لازم بأصل الشرع، فيلزم نفسه بصدقة أو صيام أو صلاة أو غير ذلك، إما بتعليقه على شيء نحو : إن شفى الله مريضي لأصومن ثلاثة أيام أو أتصدق بكذا، أو يكون ابتداء نحو : لله عليَّ أن أتصدق بكذا. والجمهور على أنه مكروه. وقال طائفة بتحريمه؛ لأن النبي ( نهى عنه، وقال : " إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل"(5)، ولكنه إذا وقع وجب الوفاء به في الجملة .
............................................................(1/77)
ووجه الدلالة من الآية على أن النذر عبادة : أن الله مدح الموفين بالنذر، وكل أمر مدحه الشارع، أو أثنى على من قام به فهو عبادة؛ ولهذا أمر الله تعالى بالوفاء به في قوله تعالى : ( (((((((((((( ((((((((((( ( (1)، أي : أعمال حجهم وسميت نذورًا؛ لأن من أحرم بالحج فقد ألزم نفسه إتمامه. وقال النبي ( : " من نذر أن يطيع الله فليطعه " .(2)
فالنذر عبادة لا يجوز للإنسان أن ينذر لغير الله تعالى. فمن نذر لصنم أو لنبي ونحوهما فهو نذر باطل يحرم الوفاء به بالإجماع وعليه أن يستغفر الله من هذا العمل .(3)
وقوله تعالى : ( (((((((( ((((((((((( (((((((((((( ((((((( ((((( ((((((( (((((((((((( (، أي: منتشرًا عامًا بين الناس إلا من أدركته رحمة الله عز وجل .
الأصل الثاني
معرفةُ دِينِ الإِسلامِ بالأدلةِ .
قوله : {الأصل الثاني : معرفة دين الإسلام بالأدلة} لما فرغ المصنف رحمه الله من الكلام على الأصل الأول وهو معرفة العبد ربه وحققه تحقيقاً بديعًا، وساق عليه الأدلة الكافية انتقل إلى الأصل الثاني: وهو معرفة دين الإسلام .
والدين في اللغة : يطلق على معانٍ عدة منها :
1- الطاعة والانقياد. يقال : دان له دينًا وديانة، أي : خضع، وذلَّ وأطاع.
2- ما يتدين به الإنسان. يقال : دان بكذا، أي : اتخذه دينًا وتعبد به.
والمعنى الثاني يدخل في مفهومه المعنى الأول؛ لأن من دان بدين خضع لتعاليمه وانقاد لها . (1)
والدين الإسلامي : هو الدين الذي بعث الله به محمدًا (، جعله خاتمة الأديان، وأكمله لعباده، وأتم به عليهم النعمة. وتقدم ذكر ذلك.(1/78)
وقد أشار المصنف رحمه الله بقوله : (معرفة دين الإسلام بالأدلة) إلى أن معرفة الدين لابد أن تكون مقرونة بالدليل، إما من كتاب وإما من سنة. فيجب على الإنسان أن يكون عالمًا بالدليل، على ما يقوم به من عبادة الله تعالى، ليكون على بصيرة من أمر دينه؛ لأن ذلك من أسباب الثبات عند السؤال في القبر بتوفيق الله تعالى. وتقدم هذا في أول الرسالة .
وهو الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحيدِ والانقيادُ له بالطاعةِ، والخلوصُ مِنَ الشِّرْكِ.
قوله : {وهو} ، أي : دين الإسلام، الذي بعث الله به نبيه ( يقوم على ثلاثة أسس :
الأساس الأول : الاستسلام لله بالتوحيد .
الأساس الثاني : الانقياد لله تعالى بالطاعة .
الأساس الثالث : البراءة من الشرك ومن أهل الشرك .
فهذه الأمور الثلاثة هي التي ينتظمها دين الإسلام. أما الأول فهو {الاستسلام لله} بمعنى : الخضوع والذل له سبحانه؛ لأن من معاني مادة (أسلم) في اللغة : الطاعة والإذعان. وقد ورد هذا في قول الله تعالى : ( ((((((((((((( (((((( ((((((((( ((((((((((((( ((((( ُ( (1)، والمسلم سمي بذلك لخضوع جوارحه لطاعة ربه .(2) وقوله : {بالتوحيد} هذا شامل لتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، والمعنى : أن يستسلم ويخضع لله - عز وجل - وأن يفرده بربوبيته وألوهيته .
الثاني: { والانقياد له بالطاعة } الطاعة تشمل المأمور والمحظور. الطاعة في المأمور بالفعل، والطاعة في المحظور بالترك .
الثالث : {والخلوصُ من الشرك} ، أي : البراءة من الشرك وأهله، فلا يتم دين الإنسان إلا إذا تبرأ من المشركين وتبرأ من الشرك فلا
وهو ثلاثُ مَراتِبَ : " الإسلامُ " و "الإِيمَانُ" و " الإِحْسانُ" . وكُلُّ مَرْتَبَةٍ لهَا أَرْكَانٌ. فأركَانُ الإِسلام خَمسةٌ: شَهَادةٌ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وإقَامُ الصَّلاةِ، وإِيِتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وحَجُّ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ .(1/79)
يشاركهم في اعتقاد، لا في قول ولا في عمل، ولا يشاركهم في مسكن، ولا يتشبه بهم أو يأخذ شيئًا من عاداتهم أو من تقاليدهم كما مر .
قال تعالى : ( (((( ((((((( (((((( (((((((( (((((((( (((( (((((((((((( ((((((((((( (((((((( (((( (((((((( (((((((((((( ((((( ((((((((((( ((((((( ((((((( ((((((((((( ((( ((((( (((( ((((((((( (((((( ((((((( ((((((((( (((((((((((( ((((((((((((( (((((((((((((((( ((((((( (((((( ((((((((((( (((((( (((((((((( (.(1)
قوله : {وهو ثلاث مراتب}، يعني : الدين ثلاث مراتب : الإسلام، والإيمان، والإحسان، كما في حديث عمر - رضي الله عنه - وسيأتي إن شاء الله .
والمراتب : جمع مرتبة، والمرتبة والرتبة: هي المنزلة، والمكانة، ورتب الشيء ترتيبًا : أثبته وجعله في مرتبته، أي منزلته.(2)
قوله : {وكل مرتبة لها أركان . فأركان الإسلام خمسةٌ : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامُ الصلاةِ، وإيتاءُ الزكاة، وصومُ رمضان، وحجُّ بيتِ الله الحرامِ} .
......................................................................
الأركان جمع ركن، وهو جانب الشيء الأقوى الذي لا يقوم ولا يتم إلا به .
ودليل هذه الأركان الخمسة : حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله ( : "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" .(1)(1/80)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : (والمراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس، فهي كالأركان والدعائم لبنيانه، والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس ، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم، لا ينقض بنقص ذلك، بخلاف نقص هذه الدعائم، فإن الإسلام يزول بفقدها جميعًا بغير إشكال وكذلك يزول بفقد الشهادتين، وأما إقام الصلاة فقد وردت أحاديث مقصودة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام... وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف ... وذهبت طائفة منهم إلى أن من ترك شيئًا من أركان الإسلام الخمسة عمدًا أنه كافر بذلك ...). (2)
......................................................................
فالركن الأول : هو الشهادة، ومعناها : الاعتقاد الجازم، والذي ينبئ عن هذا الاعتقاد هو اللسان، فالشهادة : هي الاعتقاد الجازم الذي يعبر عنه اللسان، وأطلق على الاعتقاد لفظ الشهادة؛ لبيان أنه لابد من الاعتقاد الجازم. والشهادة تكون مقرونة برؤية المشهود عليه أو بسماعه مثلاً. فلما أريد أن هذا الاعتقاد يكون جازمًا عبر عنه بلفظ يدل على الجزم وهو لفظ الشهادة، هذه هي الحكمة - والله أعلم - من أنه يقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولا يقال اعتقاد. فاختير لفظ الشهادة دون لفظ الاعتقاد من باب التوكيد والجزم حتى كأن هذا الذي تعتقده كأنك تشاهده والذي تشاهده تشهد به. هذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ثم هنا مسألة أخرى وهي أنه في هذا الحديث جُعلت الشهادتان ركنًا واحداً فلم تجعل شهادة أن لا إله إلا الله ركنًا وتجعل شهادة أن محمداً رسول الله ركنًا؛ لأن المشهود به متعدد. والجواب عن هذا السؤال من وجهين :
الأول : أن هاتين الشهادتين أساس صحة الأعمال وقبولها إذ لا يقبل العمل ولا يكون صحيحًا إلا بأمرين :(1/81)
1- الإخلاص لله سبحانه وتعالى .
2- المتابعة للرسول ( فإذا وجد الإخلاص تحققت شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا وجدت المتابعة تحققت شهادة أن محمدًا رسول الله. فإذا كانت الشهادتان هما أساس الأعمال صح أن يكونا ركنًا واحدًا .
فَدَليلُ الشَّهادَةِ قوله تعالى : ( (((((( (((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( (((((((((((((((((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((((((((( ( (( ((((((( (((( (((( ((((((((((( ((((((((((( ( .
الثاني : أن الرسول ( مبلغ عن الله، فالشهادة له بالرسالة والعبودية من تمام شهادة أن لا إله إلا الله، فكأن الثانية تكلمة للأولى .
أما بقية الأركان فيأتي الكلام عليها - إن شاء الله - عند سياق المصنف أدلتها .
قوله:{فدليل الشهادة قوله تعالى : ( (((((( (((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( (((((((((((((((((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((((((((( ( (( ((((((( (((( (((( ((((((((((( ((((((((((( ((1)} بدأ المصنف رحمه الله بذكر الأدلة على الأركان. والآية التي ساقها دليلاً على الشهادة آية عظيمة دلت على أعظم شهادة من أجلّ شاهد لأعظم مشهود به، فأعظم شهادة هي شهادة التوحيد من أجلّ شاهد وهو ( (((( ( سبحانه وتعالى ثم ( ((((((((((((((((( ( على أعظم مشهود به وهو أنه لا إله إلا الله، ومعنى ( (((((( (((( ((((((( (( ((((((( (((( (((( ( ، أي : حكم وأعلم وأخبر؛ لأن الشهادة تأتي بهذه المعاني. وقوله : ( ((((((((((( (((((((((( ( المراد بالعلم هنا : العلم الشرعي الذي هو نور القلوب وحياتها. والمراد بأولي العلم : الأنبياء والعلماء. وفي قوله تعالى : ( ((((((((((( (((((((((( ( دليل واضح على فضل العلم وأهله، لأن الله
ومعناها : لا معبودَ حَقٌ إِلا اللهُ وحدَه .(1/82)
جل وعلا خصهم بالذكر من دون البشر ولو كان أحد يقاربهم في هذا لذكر معهم، بل لو كان أحد أفضل منهم لذكر. والله جل وعلا خصهم بالذكر وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة الملائكة، فيصلح أن تكون الآية من الأدلة على فضل العلم من وجهين :
الوجه الأول : أن الله تعالى خصهم بالذكر دون سائر البشر؛ لأن الله لم يذكر من البشر أحدًا إلا أولي العلم، فإنه سبحانه ذكر نفسه المقدسة ( (((((( (((( ( ، وذكر الملائكة وهم ليسوا من البشر، ولم يذكر من البشر إلا أولي العلم، فلو كان من البشر من هو أفضل من أولي العلم أو مثلهم لذكر.
الوجه الثاني : أن الله تعالى قرن شهادتهم بشهادته، وهذه رفعة لهم، حيث إنهم يشهدون بألوهية الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة .
وقوله تعالى :( ((((((((( (((((((((((( ( القسط : هو العدل في القول والعمل والحكم. و ( ((((((((( (((((((((((( (…حال لازمة، أي : شهد الله أنه لا إله إلا هو حالة كونه ( ((((((((( (((((((((((( ( . ثم أعاد توحيده مرة أخرى سبحانه وتعالى فقال :( (( ((((((( (((( (((( ((((((((((( ((((((((((( ( .
قوله : {ومعناها}، أي : شهادة أن لا إله إلا الله {لا معبود حقٌ إلا الله} فلا إله، أي: (لا معبود)، وأصل إله بمعنى : مألوه، من ألِهَ يألَهُ إلهة، أي: عبد يعبد عبادة، والتأله في لغة العرب معناه : التعبد. فـ (لا) هنا نافية
"لا إِلهَ" نافيًا جميعَ ما يُعبدُ من دونِ الله . "إِلا اللهُ" مُثْبِتًا العبادَةَ للهِ وَحْدَهُ، لا شريكَ له في عبَادَتِهِ، كما أنهُ ليس له شريكٌ في مُلْكِهِ .(1/83)
للجنس وتسمى أيضاً في بعض كتب النحو بـ (لا التبرئة)، فإذا قال : لا إله إلا الله، تبرأ من جميع المعبودات إلا الله. و (إله) اسم (لا) والخبر محذوف والنحويون يقدرون الخبر كلمة (موجود)، وهذا التقدير ليس بصحيح إذ لا يصح أن يقال : لا إله موجود إلا الله؛ لأن فيه آلهة موجودة كثيرة غير الله سبحانه وتعالى. مثل الأشجار والأحجار والأشخاص إلى غير ذلك، قال تعالى : ( ((((((( (((((( (((( (((( (((((((( (((((( ((( ((((((((( ((( ((((((( ((((((((((( (((((( (((( (((( (((((((((( ((((((((((( ( (1) . فهذا التقدير لا يصلح، والصواب أن يكون التقدير لا إله حق أو لا إله معبود بحق . (إلا الله) سبحانه وتعالى، (وإلا) حصر، ولفظ الجلالة بدل من الضمير المستتر في الخبر؛ لأن خبر (لا) إذا قلنا: لا إله معبود بحق، أو قلنا : لا إله حق، فيه ضمير مستتر فيكون لفظ الجلالة بدلاً من هذا الضمير، هذا هو إعراب كلمة الإخلاص، وإنما ذكرت إعرابها لأنه قد يمر على الطالب في بعض كتب النحو تقدير الخبر بكلمة (موجود) وقد تبين فساده . (2)
قوله: {"لا إِلهَ" نافيًا جميعَ ما يُعبدُ من دونِ الله . "إِلا اللهُ" مُثْبِتًا العبادَةَ للهِ وَحْدَهُ، لا شريكَ له في عبَادَتِهِ، كما أنهُ ليس له شريكٌ في مُلْكِهِ} ،
.......................................................................(1/84)
أي : أن هذه الكلمة العظيمة اشتملت على نفي وإثبات، فإن معناها : لا معبود بحق إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: ( (((((( ((((((((((( ((( (((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((((( ((((((((((((( ( (1) ، مع قوله تعالى : ( (((((((( ((((((((( ((( ((((( (((((( ((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((((((((( ((((((((((( ( ( (2) ، ففيها إثبات الألوهية الحقة لله تعالى، وترك عبادة ما سواه، وأن ما سوى الله ليس بإله وأن إلهية ما سواه من أبطل الباطل، قال تعالى : ( ((((((( (((((( (((( (((( (((((((( (((((( ((( ((((((((( ((( ((((((( ((((((((((( (((((( (((( (((( (((((((((( ((((((((((( ( (3) .
فـ (لا إله إلا الله) اشتملت على أمرين هما ركناها : النفي (لا إله)، والإثبات (إلا الله)، والنفي المحض ليس بتوحيد، وكذلك الإثبات المحض، فلابد من الجمع بينهما .
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :
( والإله هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفًا، ورجاءً وتوكلاً عليه، وسؤالاً منه، ودعاء له ، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز
وتفسيرُها الذي يوضحها قوله تعالى : ( (((((( ((((( (((((((((((( ((((((( (((((((((((( ((((((( (((((((( (((((( ((((((((((( (((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((((( ((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( (
وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قوله : " لا إله إلا الله "، ونقصًا في
توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك. وهذا كله من فروع الشرك ...) .(1)(1/85)
وكما أن الله تعلى هو المتفرد في ملكه، فهو المتفرد بالعبادة؛ لأن من أظلم الظلم أن يجعل المخلوق الذي ليس شريكًا في الملك شريكًا معه في العبادة تعالى الله وتقدَّس. ولهذا يحتج تعالى على من أنكر ألوهيته بما أقر به من ربوبيته، فإن توحيد الربوبية هو الدليل على توحيد الإلهية، وقد تقدم ذكر ذلك.
قوله : {وتفسيرها الذي يوضحها}، أي : من القرآن ولم يَكِلْ في بيان معناها إلى أحد سواه {قوله تعالى : ( (((((( ((((( (((((((((((( ((((((( (((((((((((( ((((((( (((((((( (((((( ((((((((((( (((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((((( ((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ( (2) فهذا إبراهيم خليل الرحمن يتبرأ من الآلهة التي
.......................................................................
عليها قومه، ويلزم من هذا أن يتبرأ منهم أيضًا، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام تبرأ من الشرك وأهله مع أنهم أقرب الناس إليه : أبوه، وقومه - أهل بابل وملكهم النمرود - . وقوله : ( ((((((( (((((((( (، أي: إنني بريء ( (((((( ((((((((((( ( يعني: من الأصنام والأوثان. وقوله : ( ((((((( (((((((( (((((( ((((((((((( (، يقابل قوله: (لا إله)، فمعنى : (لا إله) هو معنى ( ((((((( (((((((( (((((( ((((((((((( ( وهذا نفي.
( (((( ((((((( ((((((((( ( معنى فطرني، أي : برأني وابتدأ خلقي . وهذا فيه معنى (إلا الله)، ثم قال مؤكدًا هذه العقيدة السليمة ( ((((((((( ((((((((((( ( ، والسين هنا للتوكيد، ومعنى يهدين : أي : يرشدني ويوفقني إلى سلوك الصراط المستقيم.(1/86)
( ((((((((((( ( الضمير يعود إلى كلمة التوحيد المأخوذة من قوله :( ((((((( (((((((( (((((( ((((((((((( (((( (((( ((((((( ((((((((( ( فهذه الكلمة العظيمة وهي كلمة التوحيد جعلها إبراهيم عليه الصلاة والسلام باقية في عقبه، والدليل على أنه جعلها باقية في عقبه قول الله تعالى : ( (((((((( (((((( (((((((((((( ((((((( ((((((((((( ((((((((( (((( (((( (((((((((( (((((( ((((((((( (((( ((((((((( (((( (((((((( ((((((((((( ( .(1) .
وقوله تعالى : ( (((((((((( ((((((((((( ( ، يعني : لعلهم يرجعون من الشرك إلى تحقيق هذه الكلمة، فإن من لم يأت بهذه الكلمة عارفًا معناها عاملاً بمقتضاها وقوله تعالى : ( (((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((((( (((((((( (((((((( ((((((((( (((((((((((( (((( (((((((( (((( (((( (((( (((((((( ((((( ((((((( (((( (((((((( ((((((((( ((((((( (((((((((( (((( ((((( (((( ( ((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((((((( ((((((((((( ( .
وقع في الشرك، ولهذا قال تعالى : ( ((((((((((( (((((((( ((((((((( ((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ( وهذه الآية من الآيات العظيمة في العقيدة، وقد دلت على فوائد نذكر منها :
أولاً : أن الآية دليل على وجوب البراءة من الشرك والمشركين، فيصلح أن نستدل بالآية على الجزئية الثالثة التي ذكرها الشيخ قبل قليل وهي البراءة من الشرك وأهله .
ثانيًا : الآية دليل على فضيلة من يورث أولاده هدى وصلاحًا وأن الإنسان ينشئ أولاده ويربيهم ويورثهم الهدى والصلاح فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام جعل هذه الكلمة باقية في عقبه وفي ذريته.
الفائدة الثالثة : أن الآية فيها دليل على أن من الكمال العقلي والإدراك السليم أن يتبع المرء الهدى ولو خالف أهله وقومه وأهل بلاده .(1/87)
{قوله تعالى: ( (((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (((((( (((((((( (((((((( ((((((((( (((((((((((( (((( (((((((( (((( (((( (((( (((((((( ((((( ((((((( ( (1) } هذه آية أخرى تدلنا على تفسير الشهادة ( (((( (((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ( أي:هلموا وأقبلوا ( (((((( (((((((( (((((((( (
.......................................................................
قال المفسرون : الكلمة السواء هي الكلمة العادلة، فكلُّ كلمة عادلة يطلق عليها كلمة سواء ( (((((( (((((((( (((((((( ((((((((( (((((((((((( ( ، أي : نحن وأنتم سواء في هذه الكلمة ( (((( (((((((( (((( (((( ( هذا نفي أي : (لا إله)، وقوله (إلا الله) هذا إثبات ( (((( (((((((( ((((( ((((((( ( هذا لبيان أن العبادة لا تتم إلا بالتخلي عن الشرك؛ لأن من عبد الله وأشرك معه غيره لم يحقق المعنى المطلوب من العبادة؛ لأن المعنى المطلوب من العبادة هو إفراد الله تعالى بالعبادة كما تدل عليه كلمة الإخلاص، وقوله : { ( (((( (((((((( ((((((((( ((((((( (((((((((( (((( ((((( (((( ( ( } هذا من مقتضيات كلمة الإخلاص، والمعنى : لا يتخذ بعضنا البعض الآخر ربًّا مطاعًا من دون الله فيفرض طاعته على غيره، فإن هذا يخل بمعنى العبادة. وقد ورد عن عدي - رضي الله عنه وأرضاه - أنه لما تلا عليه الرسول ( قوله تعالى : ( (((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((((( (((((((((( (((( ((((( (((( ( (1) ، قال : يا رسول الله، لسنا نعبدهم. قال : "أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه، قال : بلى، قال : فتلك عبادتهم" (2) ، فدل على أن من مقتضيات كلمة الإخلاص ألا يتخذ ربًّا ومشرعًا إلا الله سبحانه وتعالى، فمن اتخذ غير الله سبحانه وتعالى مشرعًا فقد(1/88)
ودليلُ شهادِة أن محمدًا رسولُ اللهِ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( ((((((( ((((( ((((((((((( ((((((( (((((((( ((( (((((((( ((((((( ((((((((( ((((((((((((((((( ((((((( ((((((( (.
عبده من الله، وقد عطف قوله: ( (((( (((((((( ((((((((( ((((((( (((((((((( (((( ((((( (((( ( ( على الجملة السابقة؛ لأن من مستلزمات الشهادة أن نفرد الله تعالى بالتشريع فلا حكم إلا ما شرع الله تعالى، كما قال تعالى : ( (((( (((((((((( (((( ( (( ( (1) ، وقوله : {( ((((( (((((((((( (} أي : امتنعوا وأبو أن ينقادوا لهذه الكلمة العظيمة { ( (((((((((( ((((((((((( ((((((( ((((((((((( ( }، يعني : صرحوا لهم بأنكم مسلمون وأنكم بريئون منهم وما مهم عليه .
قوله:{ودليل شهادة أن محمدًا رسولُ اللهِ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( ((((((( ((((( ((((((((((( ((((((( (((((((( ((( (((((((( ((((((( ((((((((( ((((((((((((((((( ((((((( ((((((( ( (2) } . هذه الآية دليل على شهادة أن محمدًا رسول الله، وفيها بيان أن الله جل وعلا امتن على هذه الأمة ببعثة هذا الرسول الكريم ووصف هذا الرسول بأنه (من أنفسهم) فهم يعرفون صدقه ونسبه ويمكنهم الجلوس معه وسماع خطابه وكلامه؛ لأنه ليس بغريب عليهم، وقوله: ( ((((((( (((((((( ((( (((((((( ( أصل العنت بمعنى المشقة، ومعنى ( ((((((( (((((((( (، أي: شديد عليه كل ما فيه مشقة عليكم من آصار وأغلال؛ لأنه ( بعث بالحنيفية السمحة.(3)
ومعنى شهادة أن محمدًا رسولُ اللهِ طاعتُه فيما أَمَرَ، وتصديقُه فِيما أَخْبَرَ،(1/89)
ولما تلا الرسول ( على الصحابة قوله تعالى : ( (((( ((((( (((((((( (((( (((((((((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((( ( ( (1) قال الأقرع بن حابس : أفي كل عام يا رسول الله ؟ فسكت الرسول ( ، وسكوته رحمة لهذه الأمة؛ لأنه قال : "لو قلت نعم لوجبت".(2) فيكون الحج واجبًا كل سنة على من استطاع إليه سبيلاً، وهذا فيه من المشقة والضرر ما لا يتحمله العباد، لكن من رحمة الله تعالى بعباده أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر. وقوله تعالى : ( ((((((( ((((((((( ( ، أي : على هدايتكم وإنقاذكم من النار، فالرسول ( حريص أشد الحرص على هداية أمته . وقوله تعالى: ( ((((((((((((((((( ((((((( ((((((( ( يعني : أن الرأفة والرحمة خاصة بالمؤمنين، وأما هدايته فهي عامة لجميع الناس، فمن شاء الله تعالى هدايته اهتدى ومن شاء الله إضلاله ضل، وقد حرص الرسول ( على هداية عمه أبي طالب، ولكن الله تعالى لم يشأ هدايته. قال تعالى:( (((((( (( ((((((( (((( (((((((((( ((((((((( (((( ((((((( ((( (((((((( ( .(3)
وقوله : {ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله : طاعته فيما أمر ،
واجتنابُ ما عنه نَهى وَزَجَرَ، وأنْ لا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بما شَرَعَ .(1/90)
وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد إلا بما شرع} هذه أربعة أمور لا تتم شهادة أن محمدًا رسول الله إلا بها. فما أمر به رسول الله ( لابد من طاعته فيه، وقد يكون الأمر أمر وجوب أو أمر استحباب. وقد دلت النصوص على أن الأمر الواجب لابد من طاعته فيه وأن الأمر المستحب الذي تدل القرائن على أنه مستحب ليس على وجه الإلزام. وهذه هي الحكمة من بعثة الرسول ( قال تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((( ((((((( (((( ((((((((( (((((((( (((( ( ( (1)، وإنما يطاع الرسول ( لأنه يأمر بأمر الله، فشرعه ( هو شرع الله تعالى. قال تعالى : ( (((( (((((((((( (((( (( ( ( (2)، وكثير من الناس يخل بهذا الجزء من الشهادة فهو ينطق بها في صلاته وفي سماعه للأذان يشهد أن محمدًا رسول الله، ولكنه يخل بتحقيق هذه الشهادة في مجال العمل والتطبيق، والله جل وعلا يقول : ( (((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((( ((((((((( (((((( (((((((((((( ( ( . (3)
قوله : (وتصديقه فيما أخبر)، أي : فلابد من تصديق الرسول ( فيما أخبر به، ومن كذب الرسول ( فهو لم يحقق شهادة أن محمدًا رسول الله، وإنما وجب تصديقه - صلوات الله وسلامه عليه -؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، .......................................................................
فخبره صدق قطعًا .
قوله : (واجتناب ما عنه نهى وزجر) هذا الأساس الثالث، وقد أخل به كثير من الناس أيضًا؛ فارتكبوا ما نهى عنه رسول الله ( من الأقوال والأفعال في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك. وهذا دليل على ضعف الإيمان نسأل الله السلامة، وقد فرق الإسلام بين الأوامر والنواهي فالأوامر حسب قدرة المكلف، وأما النواهي فلم تقيد بالقدرة مما يدل على وجوب الانتهاء، وقد دل على ذلك قوله ( : "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأْتوا منه ما استطعتم ..." .(1)(1/91)
قوله : ( وألا يعبد الله إلا بما شرع ) هذا الأمر الرابع، وهو يدل على ركن أساسي من أركان العبادة والدين، وهو : أن العبادة ليست بالأهواء ولا بالبدع ولا بالاجتهاد الذي لم يُبْنَ على دليل صحيح، وإنما العبادة مبنية على الاتباع وما جاء به الشرع. وهذا أصل عظيم من أصول الدين الإسلامي ، وهو : ألا نعبد الله إلا بما شرع، إضافة إلى الأصل الأول العظيم، وهو : ألا نعبد إلا الله، فهذا هو الإخلاص، والأول هو المتابعة. فلا يجوز لأحد أن يعبد الله تعالى إلا بما شرع، وليس لأحد أن يقول إن هذا مشروع أو مستحب إلا بدليل شرعي. ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة
.......................................................................
باتفاق أئمة الدين، فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب. (1) وقد جاءت النصوص الشرعية تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع، قال تعالى : ( ((((((((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((( ... ( (2) ، وقال تعالى : ( ((((((((((((( (((((((((( ((((((((((( ( (3) ، وقال تعالى : ( (((( ((( ((((((( ((((((((( (((( (((((((((((((( (((((((((((( (((( (((((((((( (((((( ((((((((((( ( ( (4) ، وقال تعالى : ( (((( (((( (((((((((((( ((((((((((((((( ((((((((( ((((( ((((((((( (((( (((((((((( ((( (((((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((( ( (5)، وقال تعالى : ( ((((( (((( (((((((((((((( (((( (((((((((( ((((((( ((((((((((( (((((((((((((( ( (((((( (((((( (((((( (((((((( ((((((( (((((((( ((((( ((((( (((( ( (.(6)
وفي حديث العرباض بن سارية: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " .(7)(1/92)
ودليلُ الصلاةِ والزكاةِ وتفسيرُ التَّوْحِيدِ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((( (((((((((( (((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ( ((((((((( ((((( ((((((((((((( (.
وطريق النجاة أن يلتزم المسلم سنة المصطفى ( ويقتفي أثره . فما فعله الرسول ( على وجه التعبد والطاعة فهو عبادة نتأسى به فيها؛ لقوله تعالى : ( (((((( ((((( (((((( ((( ((((((( (((( (((((((( (((((((( ( (1) ، وما صح من أقواله وتقريراته فهو سنة يعمل بها قال ( : "صلوا كما رأيتموني أصلي" (2). وقال في الحج: "لتأخذوا عني مناسككم" (3) .
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : (وأما متابعة الرسول ( فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات والأقوال والأفعال .. فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله فما وافق منها قُبل، وما خالف رد على فاعله كائنًا من كان، فإن شهادة أن محمدًا رسول الله تتضمن تصديقه فيما أخبر به وطاعته ومتابعته في كل ما أمر به. وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( قال : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" ...).(4)
قوله: {ودليلُ الصلاةِ والزكاةِ وتفسيرُ التَّوْحِيدِ قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((( (((((((((( (((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( (
.......................................................................
((((((((( ((((( ((((((((((((( (.(1)} هذه الآية الكريمة كما ذكر المصنف فيها دلالة على ثلاثة أمور :
الأمر الأول: على وجوب الصلاة، وذلك من قوله: ( (((((((((((( ((((((((((( ((1/93)
الأمر الثاني : ( ((((((((((( ((((((((((( ( ( ؛ لأن الفعل (يقيموا) معطوف على الفعل (ليعبدوا) الذي دخلت عليه لام الأمر، فالآية فيها أمر بإقامة الصلاة وأمر بإيتاء الزكاة .
الأمر الثالث : وهو تفسير التوحيد فهو من قوله : ( (((((( (((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((( ( ( فهم مأمورون بإفراد الله بالعبادة وهو مستفاد من طريق القصر وهو الاستثناء بعد النفي في قوله : ( (((((( (((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ( ، ويضاف إلى هذا الإخلاص وهو ألا يشرك مع الله غيره فيكون قوله تعالى : ( (((((( (((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((( ( ( هو معنى (لا إله إلا الله)، أي : لا معبود بحق إلا الله، ولا يتم هذا إلا بإفراد الله تعالى بالعبادة. والضمير في قوله : ( (((((( (((((((((( ( يعود إلى الذين كفروا في الآيات التي قبل هذه، وهي قوله تعالى : ( (((( (((((( ((((((((( ((((((((( (((( (((((( ((((((((((( ((((((((((((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( ((((((((((((( ((( ((((((( ((((( (((( ((((((((( ((((((( (((((((((( ((( (((((( ((((((
.......................................................................(1/94)
((((((((( ((( ((((( (((((((( ((((((((( (((((((( ((((((((((( (((( (((( (((((( ((( (((((((((((( ((((((((((((( ((( (((((( (((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((( (((((((((( (((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ((((((((((( ( ((((((((( ((((( ((((((((((((( ( (1) ، وهذه الآية فيها دليل كما يقول الأصوليون على أن الكفار مخاطبون بالإيمان وبأركان الإسلام؛ لأن الله جل وعلا أمرهم بإفراده بالعبادة وأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع أنهم وقت الأمر كفار مما يدل على أن الكافر مأمور بالإيمان كما أن الإنسان إذا دخل عليه وقت الظهر - مثلاً - وهو محدث مأمور بالصلاة حال الحدث ولو لم يتوضأ ولا تصح الصلاة إلا بالوضوء وهكذا الكافر مأمور بالصلاة والصيام والزكاة والحج حال الكفر ولكنها لا تصح منه إلا بالإيمان . (2) وقوله تعالى : ( ((((((((( ((((( ((((((((((((( ( القيمة وصف لمقدر، والتقدير - والله أعلم - : وذلك دين الملة القيمة، ومعنى (القيمة): المستقيمة .
والصلاة هي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال على هيئة مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم. وفي الآية السابقة جاء اللفظ بقوله : ( (((((((((((( ((((((((((( ( ، وإقامة الصلاة هي التعبد لله تعالى بفعلها على وجه الاستقامة والتمام في أوقاتها وهيئاتها . فيأتي بها وافية الأركان والواجبات حريصاً على
.......................................................................(1/95)
سننها القولية والفعلية. هذا هو معنى إقامة الصلاة، ولهذا نلاحظ أن الله جل وعلا لم يذكر الصلاة في القرآن إلا بإقامتها أو بالمداومة عليها أو بالمحافظة عليها، ولم يقل : يا أيها الذين آمنوا صلوا أو إن الذين يصلون أو المصلين بل قال تعالى : ( (((((((((((( ((((((((((( ( (1) ، ( (((((((((((((((( ((((((((((( ( (2) ، ( (((((( (((((((((( ((((((((((( ( (3) ، ( (((((( (((((((((( (((((((((((( ( (4) ، وهذا يدل على أن هناك أمرًا مقصودًا غير مجرد الصلاة ألا وهو إقامة الصلاة .
ومن ثمرات إقام الصلاة أنها صلة بين العبد وربه، فيها انشراح الصدر، وقرة العين، والهداية إلى فعل الخير، والانزجار عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى:( (((((( (((( ((((((( (((((((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((((((( ( (((( ((((((((((( (((((((( (((( (((((((((((((( ((((((((((((( ( ( (5) وقال النبي (:"جعلت قرة عيني في الصلاة"(6)
وأما الزكاة فهي جزء واجب في مال مخصوص لطائفة أو جهة مخصوصة. فالطائفة مثل : (الفقراء)، والجهة مثل : (في سبيل الله).
ومن ثمرات إخراج الزكاة تطهير نفس الغني من الشح والبخل وتطهير ودليلُ الصيام قوله تعالى : ( ((((((((((( ((((((((( (((((((((( (((((( (((((((((( ((((((((((( ((((( (((((( ((((( ((((((((( ((( (((((((((( (((((((((( ((((((((( ( .
نفس الفقير من الحسد والضغينة على الأغنياء، وسد حاجة الإسلام والمسلمين وطهرة المال، وحصول الآثار الطيبة على البلاد والعباد.
قوله : {ودليل الصيام قوله : ( ((((((((((( ((((((((( (((((((((( (((((( (((((((((( ((((((((((( ((((( (((((( ((((( ((((((((( ((( (((((((((( ( (1)} الصيام هو الإمساك عن المفطرات تعبدًا لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقلنا: (تعبدًا)؛ لأن الإنسان قد يمسك عن الأكل والشرب لمرض أو لحمية أو نحو هذا.(1/96)
وفي الصيام فوائد عظيمة وفضائل جسيمة من التعبد لله : بترك شهوات النفس وتربية الإرادة، وجهاد النفس وتعويدها على الصبر والتحمل، وإشعار الصائم بنعم الله عليه، وفي الصوم فوائد صحية، وهو أكبر عون على تقوى الله عز وجل، وفيه من جزيل الأجر ما لو تصورته نفس صائمة لطارت فرحًا وتمنت أن تكون السنة كلها رمضان، وقد شبه الله جل وعلا كتابة الصيام علينا بأنها ككتابة الصيام على من قبلنا فقال : ( ((((( (((((( ((((( ((((((((( ((( (((((((((( ( وهذا تشبيه فرض بفرض لا تشبيه مفروض بمفروض بمعنى أنه كما وجب عليهم الصيام، فالصيام واجب علينا وليس الصيام الذي فرض علينا
ودليلُ الحج قوله تعالى : ( ((((( (((((((( (((((((((( ((((((( (((((((((((( ( ((((( ((((((((( ((((( (((((((( ( (((( ((((( (((((((( (((( (((((((((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((( ( ((((( (((((( (((((( (((( (((((( (((( (((((((((((((( (.
كالصيام الذي فرض عليهم ولهذا كان هذا الصيام في أول الإسلام له كيفية خاصة حتى نزول قوله تعالى : ( ((((((((( ((((((((((((( (((((( (((((((((( (((((( (((((((((( (((((((((( (((( (((((((((( (((((((((( (((( (((((((((( ( (((( ((((((((( ((((((((((( ((((( (((((((( ( ( (1) . وقد دلت السنة على المعنى الذي أشرت إليه.(2)
والمقصود أن صيامهم يختلف عن صيامنا، فصيام شهر بتمامه بالصفة المعروفة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من خصائص هذه الأمة، وقوله تعالى : ( (((((((((( ((((((((( ( لعل هنا للتعليل بمعنى : لأجل أن يكون هذا الصيام وقاية لكم من عذاب الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولا ريب أن الصيام من أعظم دواعي التقوى لو كان الإنسان يصوم الصيام الشرعي المطلوب. فإذا أخل بشيء من واجبات الصوم وآدابه فقد لا يورثه تقوى وصلاحًا.(1/97)
وقوله: {ودليل الحج قوله تعالى ( (((( ((((( (((((((( (((( (((((((((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((( (( (3) } الحج هو : قصد مكة لأداء مناسك الحج في زمن .......................................................................
مخصوص. وقوله تعالى : ( (((( ((((( (((((((( ( على : للوجوب، والمراد بالناس: بنو آدم، مؤمنهم وكافرهم؛ لأن الله قال : ( ((((( (((((((( ( فالحج يجب على المؤمن والكافر. وهذا من الأدلة التي تدل على أن الكفار مخاطبون بالأوامر كما تقدم. ومعنى ( (((( (((((((((( (، أي: قصد الكعبة لأداء مناسك الحج .
( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((( ( ( ، يعني : من أطاق الوصول إليه، والمراد بالسبيل: الطريق، فإذا استطاع الإنسان وأطاق الطريق الذي يوصله إلى البيت وجب عليه الحج .
فإن الله جل وعلا (غني) عن العالمين، أي : كثير الخير لا يحتاج إلى أحد من الخلق سبحانه وتعالى. فمن ترك الحج ممن يجب عليه كفر. لكن إن كان تركه له إنكارًا لوجوبه فهذا كفر أكبر مخرج من الملة، وإن كان تركه للحج غير منكر لوجوبه فقد نص العلماء على أن هذا كفر أصغر لا يخرج عن الملة(1). وإطلاق كلمة (كفر) على بعض الأعمال التي لا تخرج من الملة وارد
في لسان الشرع . فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ( قال: "اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب، والنياحة على الميت".(2)
(المَرْتَبةُ الثَّانِيَةُ ) :
الإيمانُ . وهو بِضْعٌ وسبعونَ شُعْبَةً، فأعلاها قولُ لا إِله إلا اللهُ، وأَدْنَاهَا إِماطَةُ الأَذَى عن الطَّرِيقِ، والحياءُ شُعْبَةُ من الإِيمانِ .
أي : هما من أعمال الكفر وأخلاق الجاهلية(1).(1/98)
قول المصنف رحمه الله {المرتبة الثانية}، يعني : من مراتب الدين {الإيمان} والإيمان هو التصديق الجازم بجميع ما أمر الله ورسوله بالتصديق به المتضمن للعمل الذي هو الإسلام. فالإيمان يجمع التصديق لجميع ما أمر الله سبحانه وتعالى به إضافة إلى الأعمال التي هي أركان الإسلام. وسأذكر - إن شاء الله - الفرق بين الإسلام والإيمان عند الكلام على حديث جبريل عليه السلام لما سأل النبي ( .
قوله : {وهو بضع وسبعون شعبة} البضع بكسر الباء اسم من أسماء العدد، يطلق على العدد من الثلاثة إلى التسعة.
وقوله : {وهو بعض وسبعون شعبة، فأعلاها قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان} هذا لفظ
الحديث الذي رواه مسلم في "صحيحه"، ورواه البخاري بلفظ : "بضع وستون"، وقد ورد عند مسلم برواية أخرى بالشك : "بضع وستون أو بضع وسبعون" (2) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : (إن المعول على المتيقن وهو
.......................................................................
الأقل وهو بضع وستون) ا.هـ(1) . فإن قيل : بضع وسبعون زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، قيل : لكنه لم يجزم بها، فنقول : إن رواية "بضع وستون" أرجح لكن قد يشكل على هذا أن مسلمًا روى الحديث على روايتين، مرة ليس فيها شك "بضع وسبعون"، ومرة فيها شك "بضع وستون أو بضع وسبعون"؛ ولهذا رجح القاضي عياض والإمام أبو عبد الله الحليمي والنووي رواية : "بضع وسبعون"، وقوله "شعبة"، أي : خصلة، وأصله من الشُّعبة، بمعنى : القطعة .(1/99)
وهذا الحديث يدل على أن شعب الإيمان متفاوتة؛ لأن الرسول ( ذكر أعلاها، وذكر أدناها، وترك ما بين ذلك، ولم يرد في السنة نص يحدد هذه الشعب، وقد اجتهد جمع من أهل العلم في عدها وفي حصرها. فمنهم من وصل إلى هذا العدد؛ فجمع أوامر الشريعة ومكارم الأخلاق وكل ما هو من باب البر؛ فوصل إلى هذا العدد. ومنهم من قارب هذا العدد. ويكفي أن نعلم أن كل خصلة من خصال الخير فهي من شعب الإيمان. (2)
وقوله : {فأعلاها قول لا إله إلا الله} هذه أعلى الشعب، وهي كلمة
.......................................................................
الإخلاص، وكلمة الإسلام، وهي كلمة التقوى، وهي أساس الملة، وفي هذا دليل لمن قال : إن هذه الكلمة أفضل الكلام مطلقًا، وإنها أفضل من كلمة (الحمد لله رب العالمين)، وفي المسألة خلاف بسطه وذكر أدلته الحافظُ ابن عبد البر في "التمهيد"(1) . وقوله : {أدناها}، يعني : أقل شعبة من شعب الإيمان {إماطة الأذى عن الطريق}، أي : تنحية الأذى عن طريق الناس من حجر أو شوك أو نحو هذا. وإذا كان إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، فعدم وضع الأذى في الطريق - أيضًا - من شعب الإيمان. فلا يخرج الإنسان من بيته أشياء تؤذي المارة من رائحة أو حجر أو شوك يجرح أقدامهم إذا مشوا عليها أو تكون سببًا في أذيتهم أو نحو ذلك .
وقوله: { والحياء شعبة من الإيمان } الحياء - بالمدِّ -: هو خلق رفيع يبعث على فعل الخير واجتناب القبيح، وهو من أفضل الأخلاق وأعظمها قدرًا، وإنما كان الحياء بعضًا من الإيمان؛ لأن الإيمان ائتمار وانتهاء، المستحيي ينقطع بحيائه عن المعاصي .
وقد دلَّ على ذلك قول المصطفى ( : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"(2) . وهذا أمر تهديد، ومعناه :
وأركانُهُ سِتَّةٌُ : أَنْ تُؤْمنَ باللهِ وملائكتِهِ وكُتُبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ وبالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ .(1/100)
الخبر، أي : من لم يستح صنع ما شاء، وقيل : إنه أمر إباحة، أي : انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحى منه فافعله، والأولى أصح وهو قول الأكثرين .(1)
قوله : {وأركانه ستة} لا منافاة بين أركان الإيمان وشعب الإيمان؛ لأن المقصود أن الإيمان إذا كان بمعنى الاعتقاد فهو الأركان الستة؛ لأن كل الأركان الستة اعتقاد، وأما إذا قلنا : إن الإيمان يشتمل على الأعمال وأنواعها وأجناسها فهو بضع وسبعون. فحديث الأركان مراد به الأمور الاعتقادية، وهي الأساسيات في الإيمان، وأما حديث : "بضع وسبعون" فهذا مراد به : بيان خصال الخير التي هي الأعمال .
قوله:{أن تؤمن بالله} فهذا الركن الأول. والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
الإيمان بوجود الله تعالى، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، وقد تقدم ذلك.
والرابع : الإيمان بأسمائه وصفاته، ومعناه : إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو سنة رسوله ( من الأسماء والصفات على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. قال تعالى : ( (((((( ((((((((((( (((((( ( (((((( (((((((((( ((((((((((( ( .(2)
.......................................................................
قوله : {وملائكته} هذا الركن الثاني، وهو الإيمان بالملائكة. والملائكة : عالم غيبي خلقهم الله تعالى من نور، عابدون لله تعالى، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ولا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : ( ((((( (((((((( ((((((( ((((((( (((( (((( ( ( (1) ، ومما يدل على كثرة عددهم وأنه لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى، ما ورد في الحديث الذي صح إسناده فيما يتعلق بالبيت المعمور أن الرسول ( قال : " إن البيت المعمور في السماء السابعة حيال الكعبة يزوره كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه".(2) وهذا دليل على أن عدد الملائكة لا يحصيهم إلا الله .(1/101)
والإيمان بالملائكة لا يتم إلا إذا تحقق فيه أربعة أمور :
الأول : الإيمان بوجودهم وأنهم مخلوقون عابدون لله قائمون بما أُمروا به.
والأمر الثاني : الإيمان بمن علمنا اسمه باسمه ومن لم يُعلم اسمه فالإيمان به إجمالاً، وقد علم من النصوص في الكتاب والسنة أسماء بعض الملائكة كجبريل : الموكل بالوحي، وميكائيل : الموكل بالقطر والنبات، وإسرافيل : الموكل بالنفخ في الصور، وملك الموت : الموكل بقبض الأرواح، فهؤلاء الملائكة نعرف أسماءهم فنؤمن بهم. أما البقية الذين لا نعرف أسماءهم فهؤلاء نؤمن بهم إجمالاً. وملك الموت يرد في بعض الآثار أنه ( عزرائيل ) وهذا لم
.......................................................................
يثبت، فاسمه الصحيح ملك الموت كما قال تعالى : ( ( (((( (((((((((((( (((((( (((((((((( ((((((( ((((((( (((((( ( . (1)
الثالث : نؤمن بما علمنا من صفاتهم وهيئاتهم، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن عبد الله بن مسعود قال : " رأى رسول الله ( جبرئيل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدرّ والياقوت ما الله به عليم" (2) . والمراد بالتهاويل : الأشياء المختلفة الألوان .
فهذا يدل على قدرة الخالق جل وعلا ويدل على صفة جبرئيل عليه السلام وأن له ستمائة جناح، الجناح الواحد يسد الأفق . ولا يقال إن الرسول ( كيف يرى ستمائة جناح؟ وكيف عد الرسول ( الستمائة مع أن الجناح الواحد قد سد الأفق؟ قلنا : ما دام أنه قد ورد الحديث وصحح العلماء إسناده فلا نبحث في الكيفية؛ لأن الله جل وعلا قادر على أن يري نبيه ( مالا نتصوره نحن ولا تتحمله عقولنا .
الأمر الرابع : الذي لابد منه في موضوع الإيمان بالملائكة الإيمان بما علمنا من أعمالهم ووظائفهم التي دلت عليها النصوص. فجبريل عليه السلام موكل بالوحي، وملك الموت موكل بوظيفة قبض الأرواح، وهناك ملك(1/102)
.......................................................................
موكل بالجنين في بطن أمه، يكتب رزقه وأجله، وهناك ملائكة موكلون ببني آدم ( ((((( (((((((((((( ((((( (((((( (((((((( (((((( ((((((((( (((((((((((((( (((( (((((( (((( (( (1) وهناك ملائكة موكلون بكتب أسماء الناس يوم الجمعة قبل دخول الخطيب(2) إلى غير ذلك مما تدل عليه النصوص .
قول المصنف رحمه الله : {وكتبه} هذا الركن الثالث، وهو الإيمان بالكتب، والمراد بالكتب هي : الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على رسله هداية للبشرية ورحمة بهم ليصلوا إلى سعادة الدارين .
والإيمان بالكتب لا يتم إلا بأربعة أمور :
أولاً : الإيمان بأنها منزلة من عند الله حقًّا .
والثاني : الإيمان بما علمنا اسمه منها كالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وأما ما لا نعرفه منها فنؤمن به إجمالاً .
والأمر الثالث : التصديق بما صح من أخبارها، كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يحرف وما لم يبدل من أخبار الكتب السابقة، مثل الرجم فإنه من الأخبار التي لم تحرف فيما حُرِّف من التوراة .
الرابع : العمل بأحكام ما لم ينسخ، وهذا بالنسبة لكتابنا وهو القرآن، وما لم ينسخ من أخبار الكتب السابقة مثل الرجم فإن الرجم ثبت في شريعتنا وهذا دليل على أنه لم ينسخ .
.......................................................................
والكتب السابقة كلها نسخت بالقرآن العظيم الذي تكفَّل الله بحفظه؛ لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز التحاكم إلى شيء منها بحال من الأحوال كما قال تعالى : ( ((((( ((((((((((((( ((( (((((( ((((((((( ((((( (((( (((((((((((( ((( ((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( ( ((((((( (((((( (((((((((( ((((((((( ( . (1)(1/103)
قوله : {ورسله} هذا الركن الرابع، وهو الإيمان بالرسل. والرسل جمع رسول، وهو : من بعثه الله إلى قوم وأنزل عليه كتابًا، أو لم ينزل عليه كتابًا لكن أوحى إليه بحكم لم يكن في شريعة من قبله. وأما النبي ( فهو: من أمره الله أن يدعو إلى شريعة سابقة دون أن ينزل عليه كتابًا، أو يوحى إليه بحكم جديد ناسخ أو غير ناسخ، وعلى ذلك فكل رسول نبي وليس العكس، وقيل:هما مترادفان، والأول أصح.(2) بدليل قول الله تعالى : ( (((((( (((((((((( (((((((((((( (((((( ((((( ((((((( ( (((((((( ((((( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((( ( (3)فذكر الله تعالى أن أنبياء بني إسرائيل يحكمون بالتوراة مع أن التوراة أنزلت على أول نبي منهم، وهو موسى - عليه الصلاة والسلام - . والإيمان بالرسل
.......................................................................
يتضمن أربعة أمور :
الأول : الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله تعالى، وأنهم لا يأتون بشيء من عند أنفسهم كما قال تعالى عن نبينا محمد ( :( ((((( ((((((( (((( (((((((((( (.(1)
الثاني : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم، وأن هناك رسلاً نؤمن بهم إجمالاً ولا نعرف أسماءهم؛ لأنه لم يذكر من أسمائهم إلا القليل .
الثالث : تصديق ما صح عنهم من أخبارهم .
الرابع : العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد ( .(2)
قوله : {واليوم الآخر} هذا الركن الخامس، وهو الإيمان باليوم الآخر، والمراد به : يوم القيامة الذي يبعث الله فيه الخلق للحساب والجزاء، وسمي باليوم الآخر لأنه لا يوم بعده حيث يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. والإيمان باليوم الآخر لا يتم إلا بثلاثة أمور :
الأول : الإيمان بالبعث .
الثاني : الإيمان بالحساب والجزاء .
الثالث : الإيمان بالجنة والنار .
وسيأتي الكلام على البعث - إن شاء الله .(1/104)
والدليل على هذه الأَركانِ الستةِ قوله تعالى : ( (((((( (((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((((((((( ((((((((( (((((((( (((( ((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( (((((((((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((((( ( الآية .
قوله : {وبالقدر خيره وشره} هذا الركن السادس، والمراد بالقدر :
تقدير الله تعالى لما سيكون حسب ما سبق به علمه واقتضته حكمته سبحانه وتعالى . والإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور :
الأول : الإيمان بعلم الله تعالى وأنه عالم بما كان وما يكون وكيف يكون.
الثاني : الإيمان بالكتابة وأن الله كتب ما علم أنه كائن إلى يوم القيامة.
والثالث : الإيمان بأنه لا يحصل في هذا الكون إلا ما شاء الله .
والرابع : الإيمان بأن الله جل وعلا خلق الخلق وأعمالهم وأفعالهم.
قال الناظم في هذه الأمور :
علمٌ كتابةُ مولانا مشيئتُه……وخلقُه وهو إيجادٌ وتكوين
قوله : { والدليل على هذه الأَركانِ الستةِ قوله تعالى : ( (((((( (((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((((((((( ((((((((( (((((((( (((( ((((((( (((((( (((((((((((( (((((((( (((((((((((((((((( ((((((((((((( ((((((((((((((( ( (1)} فهذه الآية اشتملت على خمسة من أركان الإيمان . قال تعالى : ( (((((( (((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((((((((( ( يعني : ليس البر في التوجه إلى جهة المشرق أو المغرب، ولكن البر
ودليل القدَرِ قوله تعالى : ( ((((( (((( (((((( ((((((((((( (((((((( ( .(1/105)
الحقيقي في الإيمان وتوابع الإيمان من الأعمال الصالحة، أما مجرد الاتجاه فهذا لا يدل على المقصود وإلا فقد ذكر العلماء أن اليهود يتجهون إلى المغرب والنصارى يتجهون إلى المشرق. ولكن الله نفى أن يكون هذا هو البر؛ لأنهم لم يحققوا الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين ... الخ؛ فلهذا نفى الله تعالى البر عن عملهم هذا وقال: ( (((((( (((((((( ((( ((((((((( ((((((((((( ( ، (والبرَّ) بالنصب خبر مقدم لـ (ليس)، و (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسمها مؤخر، والتقدير : (ليس البرَّ توليةُ وجوهِكم)، والبر: اسم جامع لكل عمل من أعمال الخير من العقائد والأعمال. وقد نقل ابن كثير في "تفسيره" عن سفيان الثوري أنه قال: (هذه أنواع البر كلها). وقال ابن كثير: (من اتصف بهذه الآية فقد دخل في عرى الإسلام كلها وأخذ بمجامع الخير كله)(1).
قوله: {ودليل القدَرِ قوله تعالى : ( ((((( (((( (((((( ((((((((((( (((((((( ( (2).}، أي: إنا خلقنا كل شيء من المخلوقات العلوية والسفلية بتقدير سابق لخلقنا .......................................................................
له. وذلك بكتابته في اللوح المحفوظ فهو يقع كما كتب بوقته وقدره، وجميع ما اشتمل عليه من الصفات. قال تعالى: ( (((((((( (((( (((((( ((((((((((( (((((((((( ((1).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله ( يقول : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" .(2)
وعن طاووس رحمه الله قال : أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله ( يقولون : كل شيء بقدر، قال : وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله ( : "كل شيء بقدر، حتى العجز والكَيْس أو الكَيْس والعجز".(3)(1/106)
قال ابن كثير رحمه الله : (يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها من الآيات، وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتة على الفرقة القدرية (4) الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة - رضي الله عنهم ...).(5)
( المَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ ) :
الإِحسانُ . رُكْنٌ واحدٌ .
قوله : {المرتبة الثالثة : الإحسان ركن واحد } .
الإحسان في الأصل نوعان : إحسان في عبادة الخالق وهو المراد هنا، وإحسان في حقوق الخلق، وهو نوعان: إحسان واجب، وهو أن تقوم بحقوقهم الواجبة على أكمل وجه كبر الوالدين وصلة الأرحام والإنصاف في جميع المعاملات، ويدخل في هذا النوع الإحسان إلى البهائم ثم الإحسان في القتل لما ورد في الحديث الصحيح أن النبي ( قال : "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"(1).
النوع الثاني : " الإحسان المستحب وهو ما زاد على الواجب من بذل نفع بدني أو مالي أو علمي، فيساعد الإنسان من احتاج إلى مساعدته ببدنه أو بماله أو بعلمه، فهذا كله داخل في باب الإحسان، وأجل أنواع الإحسان: الإحسان إلى من أساء إليك كما قال تعالى : ( (((((((( ((((((((( (((( (((((((( ((((((( ((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( ((((((((( (((((( ((((((( (((( ((((( ((((((((((( (((( ((((((((( ((((((((( ((((( ((((((((((( (((( ((( ((((( ((((((( ( . (2)
وهو أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإِنْ لم تكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك .
قوله : {ركن واحد هو أن تبعد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.(1/107)
معنى قوله : (أن تعبد الله)، أي : تقوم بعبادة ربك من عبادة بدنية : من صلاة وصيام، أو عبادة مالية : كذبح الأضاحي والهدايا أو الصدقة. تقوم بهذه العبادة على هذه الحال (كأنك تراه)، أي : كأنك ترى معبودك وتشاهده؛ فيبعث هذا على أمرين :
الأمر الأول : الإخلاص لله عز وجل بعبادته، فلا يعبده رياء ولا سمعة ولا مدحًا وهو يعتقد أن الله يراه .
الثاني : أن يتقن العبادة ويحسن أداءها. فيصلي صلاة من يشاهده ربه وهو يرى ربه. ولا ريب أن المسلم لو تحقق هذا المعنى؛ لكان من أكبر الدواعي على إخلاص العبادة وإتقانها؛ ولكان من أكبر الدواعي على عدم شرود ذهن الإنسان في صلاته وانشغاله بأفكار أو بهواجس ترد عليه أثناء الصلاة . وهذه هي الدرجة الأولى من درجات الإحسان، وهي الدرجة العظمى، وهي درجة المراقبة، وتليها درجة أخرى وهي قوله : {فإن لم تكن تراه فإنه يراك}، أي : إذا لم تعبده كأنك تراه وتشاهده فاعبده على مرأى منه سبحانه وتعالى فإنه يرى ما تفعل ويسمع ما تقول. فهما درجتان، والدرجة الأولى هي العظمى؛ لأن الدرجة الثانية درجة عامة؛ لأن الله جل وعلا يرى جميع الخلق، لكن الدرجة الأولى لا تكون إلا لصاحب الإحسان الذي يعبد ربه كأنه يراه .
والدليل قوله تعالى : ( (((( (((( (((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((( ((((((((((( ( .
وقوله تعالى : ( (((((((((( ((((( ((((((((((( (((((((((( ((((( ((((((( ((((((( ((((( ((((((( ((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( ((((( ((((((( (((( (((((((((( ((((((((((( ( .(1/108)
والمصنف رحمه الله أخر المرتبة الثالثة وهي مرتبة الإحسان؛ لأنها أضيق المراتب الثلاث؛ لأن أصحابها هم الخلص من عباد الله الصالحين. ولهذا يقول العلماء : إذا تحقق الإحسان تحقق الإيمان والإسلام. وكلُّ محسنٍ مؤمنٌ مسلمٌ، وليس كلُّ مسلمٍ مؤمنًا محسنًا(1) . وقد صور بعض العلماء هذه المراتب الثلاث بثلاث دوائر كل واحدة داخل الأخرى. الدائرة الأولى : وهي الدائرة الواسعة، دائرة الإسلام؛ لأن أهل الإسلام أكثر من أهل الإيمان، فقد يكون مسلمًا في الظاهر ولا يكون مؤمنًا. كما سنذكر بعد قليل - إن شاء الله - فأوسع دائرة هي دائرة الإسلام وفي داخلها دائرة الإيمان، وأضيق منها دائرة الإحسان، فمن وجد داخل الدوائر الثلاث فهو مسلم مؤمن محسن. وإن خرج من الدائرة الصغرى ونعني بها دائرة الإحسان فهو مؤمن مسلم. وإن خرج من الدائرة الثانية فهو مسلم في الظاهر وليس بمؤمن، ومن باب أولى لن يكون محسنًا. فأهل الإحسان هم الصفوة وهم الخلص من عباد
الله المؤمنين . ولهذا ورد في حقهم في القرآن ما لم يرد في حق غيرهم .
قوله : {والدليل قوله تعالى ( (((( (((( (((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((( ((((((((((( ( (2)}، فهذه الآية فيها دليل على فضل المحسنين الذين اتقوا الله
.......................................................................
جل وعلا فلم يتركوا فرائضه ولم ينتهكوا محارمه وهذه المعية معية خاصة، معية نصر وتأييد وتسديد زيادة على المعية العامة. ومعنى قوله تعالى : ( ((((((((((( ((( ((((((((((( ( ، أي : في طاعة ربهم وعبادته إخلاصًا في النية والقصد، وأداء على ما شرع الله وبيِّن رسوله ( .(1/109)
قوله : {وقوله تعالى ( (((((((((( ((((( ((((((((((( (((((((((( ((((( ((((((( ((((((( ((((( ((((((( ((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( ((((( ((((((( (((( (((((((((( ((((((((((( ( .(1) هذه الآيات أيضًا فيها دليل على الإحسان، وهو قوله :( ((((((( ((((((( ((((( ((((((( ((((( (((((((((((( ((( ((((((((((((( ( فالله جل وعلا يأمر نبيه ( أن يتوكل على ربه في جميع أموره؛ لأنه سبحانه وتعالى (عزيز)، أي : قوي لا يُغلب، (رحيم)، أي: بالمؤمنين من عباده ( ((((((( ((((((( ((((( ((((((( ( ، أي : تقوم إلى الصلاة فتصلي متهجدًا من الليل وحدك. ( (((((((((((( ((( ((((((((((((( ( الواو حرف عطف. و (تقلب) معطوف على الكاف، والتقدير : الذي يراك ويرى تقلبك، ومعنى (يرى تقلبك في الساجدين)، أي : يرى تقلبك مع المصلين، والمراد بالتقلب : الركوع والسجود والقيام، فهو معك يسمع ويرى، ثم قال تعالى : ( ((((((( (((( (((((((((( ((((((((((( ( فيه تقرير للأمر بالتوكل؛ لأن السميع لكل صوت، والعليم بكل حركة وسكون يحق للعبد أن يتوكل عليه وأن وقوله تعالى : ( ((((( ((((((( ((( (((((( ((((( ((((((((( (((((( ((( ((((((((( (((( ((((((((((( (((( (((((( (((( ((((( (((((((((( (((((((( (((( (((((((((( ((((( ( ( الآية .
والدليل من السُّنَّةِ حديثُ جبْرِيلَ المشهورُ ..............................
يفوض أموره إليه .(1/110)
قوله : { وقوله تعالى : ( ((((( ((((((( ((( (((((( ((((( ((((((((( (((((( ((( ((((((((( (((( ((((((((((( (((( (((((( (((( ((((( (((((((((( (((((((( (((( (((((((((( ((((( ( .(1)} هذه الآية أيضًا فيها دليل على الإحسان والخطاب للرسول (. ومعنى (في شأن)، أي: وما تكون في عمل من الأعمال يا محمد وما تتلو من كتاب الله تعالى (ولا تعملون)، أي : أنت وأمتك من عمل (إلا كنا عليكم شهودًا)، أي : مشاهدين لكم مراقبين لأعمالكم سامعين لأقوالكم (إذا تفيضون فيه)، أي : تأخذون في ذلك العمل .
قوله : {والدليل من السنة حديث جبريل المشهور} هذا دليل على ما تقدم من الإسلام والإيمان والإحسان، وهذا الحديث هو حديث يرويه عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - وهو مشهور على ألسنة بعض العلماء والوعاظ بحديث جبرائيل عليه السلام؛ لأنه يقوم على أسئلة وجهها جبرائيل عليه السلام إلى النبي ( عندما جاءه على صورة رجل، وهو حديث عظيم جليل القدر ورد بروايات متعددة وألفاظ مختلفة مع أن القصة واحدة.(2)
عن عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قال : " بَيْنَما نحن جُلوسٌ عند النبي ( .............................................................
يقول ابن دقيق العيد رحمه الله في "شرحه على الأربعين النووية" : (هذا حديث عظيم قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه لما تضمنه من جمعه علم السنة فهو كالأم للسنة كما سمِّيت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها معاني القرآن). (1)(1/111)
قوله : {وعن عمر - رضي الله عنه قال : "بينما نحن جلوس عند النبي (} قوله : " بينما " ، " بين " : ظرف زمان متضمن معنى الشرط، له ثلاث استعمالات، فيستعمل بدون ألف فيقال : "بين" بباء وياء ونون، تقول: جلست بين زيدٍ وعمروٍ، ويستعمل بالألف بعد النون "بينا"، والاستعمال الثالث بالألف بعد النون بزيادة ما "بينما"، و"ما" هذه زائدة كافة عن الجر؛ لأن "بين" تجر ما بعدها؛ لأنها تضاف إليه، فإذا دخلت عليها "ما" كفتها عن العمل. ولهذا وقع بعدها الضمير "نحن" وهو لا يكون في محل جر.
إذْ طَلَعَ علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليهِ أَثَرُ السَّفَرِ ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إلى النَّبِيِّ ( فأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ وقال : يا محمدُ، أَخْبِرني عن الإسلام، فقال : أَنْ تَشْهَدَ أَن لا إِله إلا الله وأَنَّ محمدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصَومَ رَمَضَانَ، وتَحُجَّ البيتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، قال: صَدَقْتَ، فَعجِبْنَا لَهُ يَسْأَلَهُ ويُصَدِّقُهُ، قال: أخبرني عن الإيمانِ، قال : أن تُؤمِنَ بالله وملائكته وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليوم الآخِرِ وبالقَدَر خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قال: أخبرني عن الإحسان، قال : أَن تَعْبُدَ اللهَ كأَنَّكَ تَرَاهُ، فإن لم تَكُنْ تَرَاهُ فإِنَّه يَرَاكَ، قال : أخبرني عن السَّاعَةِ، قال : ما المسؤولُ عنها بأَعْلَمَ من السَّائِل، أخبرني عن أَمَارَاتِهَا، قال : أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وأنْ تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتطاولُونَ في البُنْيَانِ، قال : فَمَضَى فَلبِثْنا مَلِيًّا فقال : يا عمرُ أَتَدْرُونَ مَنِ السَّائلُ؟ قلنا : الله ورسوله أَعلمُ، قال : هذا جِبريلُ أَتاكُم يُعَلِّمكُم أَمْرَ دينِكُمْ".(1/112)
قوله : {إذا طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب} قال العلماء : يستفاد من هذا استحباب تحسين الهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك .
قوله: {شديد سواد الشعر} عند ابن حبان: "شديد سواد اللحية"(1).
قوله : {لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد} هذا متضمن معنى .......................................................................
التعجب، فهو غريب عليهم، لكن لا يُرى عليه أثر السفر. وقد نفى عمر - رضي الله عنه - أن يعرفه أحد الحاضرين، وهذا قد يشكل في ظاهره، لكن ورد رواية : "فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا : ما نعرف هذا ..." فأفادت أن عمر حكم بذلك استنادًا لما قاله الحاضرون .
قوله: {حتى جلس إلى النبي ( فأسند ركبتيه إلى ركبتيه} الضمير المجرور في قوله : "فأسند ركبتيه" يعود إلى الرجل. والضمير في قوله : "إلى ركبتيه" يعود إلى الرسول ( ، والمعنى : أنه جلس بين يدي النبي ( كما يجلس الإنسان في الصلاة في التشهد أو في الجلوس بين السجدتين، فجلس قريبًا من النبي ( .
قوله: {ووضع كفيه على فخذيه} في قوله : "على فخذيه" احتمال. فإما أن المراد : فخذا نفسه، والمعنى : وضع كفيه على فخذي نفسه، وإما أن المراد : وضع كفيه على فخذي النبي ( وكأنه أراد بهذا أن يكون منتبهًا ومصغيًا إلى النبي ( . وقال بعض العلماء : بل يحتمل أنه أراد زيادة التعمية في أمره، وأنه أعرابي وصل إلى هذا الحد من الجفاء فوضع يديه على ركبتي النبي ( . وكثير من الشراح يرجحون أن الضمير يعود إلى النبي ( لما ورد في بعض الروايات كما عند النسائي قال : "ثم وضع يده على ركبتي النبي (" (1) . وهذه تزيل الإشكال. ولو كانت هي الرواية الوحيدة لما صار هناك إشكال فلا مانع من أن يُردَّ اللفظ المشكل إلى لفظٍ يزيل الإشكال هذا
.......................................................................
هو الظاهر إن شاء الله تعالى .(1/113)
قوله : {وقال : يا محمد} ناداه باسمه مع أن نداءه ( باسمه مخالف لقول الله تعالى :( (( ((((((((((( (((((((( (((((((((( (((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((( ( ( (1) ، أي : لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضًا باسمه إنما قولوا له : يا رسول الله أو يا نبي الله. ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - يمتثلون هذا الأمر وهذا التعليم من الله عز وجل فما كان الواحد منهم يقول : يا محمد إلا إن كان أعرابيًّا قدم من البادية، فلعله قال ذلك مبالغة في التعمية، أو أن الملائكة غير داخلين في هذا النهي كما قال ابن علان في "شرحه على رياض الصالحين"(2) وقد ورد في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال:"يا رسول الله".(3)
ثم إن الرواية التي معنا لم يذكر فيها أنه سلم وقد ورد في بعض الروايات كما عند النسائي (4) (أنه سلم) فإما أن يكون بعض الرواة لم ينقله قال الحافظ : وهذا هو المعتمد أو أنه لم يسلم وقصد بذلك التعمية وصنع صنيع الأعراب لكن من ذَكَرَ السلام مقدم على من سكت عن ذكر السلام لأن هذه زيادة فتقبل .
قوله: {قال : أخبرني عن الإسلام} في لفظ الترمذي : "قال: أخبرني عن الإيمان"، وورد أيضًا في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة أنه بدأ .......................................................................
بالإيمان، وفي بعض الروايات أنه سأله عن الإحسان بين الإسلام والإيمان مع أن الحديث الذي معنا وهو لفظ مسلم ورد فيه الإحسان آخر شيء وقد أجاب الحافظ رحمه الله عن هذا فقال : (إن القصة واحدة والرواة اختلفوا في تأديتها فبعضهم يقدم وبعضهم يؤخر وليس في السياق ترتيب).(1)
قوله : {قال : أخبرني عن الإسلام، قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً} تقدم الكلام على هذه الأركان .(1/114)
قوله : {فقال : صدقت فعجبنا له} معنى عجبنا له، أي : عجبنا منه أو عجبنا لأجله.
قوله: {يسأله ويصدقه}، أي : تعجب الصحابة - رضي الله عنهم - من حاله؛ لأن السؤال يدل على عدم علم السائل، والتصديق يدل على علمه.
قوله: {قال : فأخبرني عن الإيمان، قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال : صدقت} ولم يقل عمر - رضي الله عنه - : " فعجبنا له يسأله ويصدقه" اكتفاءً بما تقدم. وقد أجابه الرسول ( عن الإيمان بأنه : "أن تؤمن بالله"، مع أنه ورد في "الصحيحين" من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس أن النبي ( قال : "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال : شهادة .......................................................................
أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس".(1)(1/115)
ووجه الإشكال أنه في حديث جبريل فسر الإيمان بالاعتقادات الباطنة، وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفي هذا الحديث فسر الإيمان بما فسر به الإسلام. والجواب : أن نقول إن حديث عمر الذي معنا دليل واضح على التفريق بين الإسلام والإيمان، فالإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وأعمال الجوارح، وأما الإيمان فإنه يفسر بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها. قال تعالى : ( ( ((((((( ((((((((((( (((((((( ( ((( (((( ((((((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( ( (2). وفي قصة قوم لوط قال تعالى: ( ((((((((((((( ((( ((((( (((((( (((( ((((((((((((((( (((( ((((( ((((((((( (((((( (((((( (((((( ((((( ((((((((((((((( ( (3) ، فإنه فرق بين المؤمنين والمسلمين؛ لأن البيت الذي كان في هذه القرية بيت إسلامي في ظاهره؛ لأنه يشمل امرأة لوط التي خانته في دينها لأنها كافرة. والإخراج لم يكن لهذا البيت بأكمله وإنما قال تعالى : ( ((((((((((((( ((( ((((( (((((( (((( ((((((((((((((( ( ، أي : ما نجا من هذا البيت المسلم إلا أهل الإيمان، فهذا يدل على أن هناك فرقًا بين الإيمان وبين الإسلام، وإلا فإن البيت المتحدث .......................................................................
عنه بيت واحد لكن وصف بأنه بيت إسلامي باعتبار، وبأنه بيت مؤمنين باعتبار آخر .
أما في حديث ابن عباس فإنه لم يذكر إلا قسمًا واحدًا وهو الإسلام ولا ريب أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله. قال تعالى : ( (((( ((((((((( ((((( (((( ((((((((((( ( ( (1) ، فيدخل فيه الإيمان. وكذا إذا ذكر الإيمان مجردًا دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة كقوله في حديث "الشعب" : "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"(2).(1/116)
قوله : {قال : فأخبرني عن الساعة، قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل} الساعة بمعنى الوقت أو الزمن الحاضر، والمراد بالساعة هنا : القيامة، والمعنى: فأخبرني عن زمن قيام الساعة. فقال النبي ( : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، أي : ليس المسؤول عن وقتها بأعلم من السائل، والمعنى : أنت لا تعلمها وأنا لا أعلمها، ويكون المراد بقوله : "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" إثبات التساوي في نفي العلم بوقتها، أي : أن العلم بها منتفٍ عني وعنك على حد سواء، وليس المراد التساوي في العلم بوقتها. والباء في قوله "بأعلم" زائدة لإفادة التوكيد؛ لأن علم الساعة من الخمس التي استأثر بعلمها كما في قوله تعالى : ( (((( (((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((((((((( (((((((((( (((((((((( ((( ((( ((((((((((( ( ((((( ((((((( (((((( (((((( (((((((( ((((( ( ((((( ((((((( ((((((
.......................................................................
((((((( (((((( ((((((( ( (((( (((( ((((((( ((((((( ( (1) ، وقد ورد عن النبي ( كما في الحديث الصحيح أنه قال : " خمس لا يعلمهن إلا الله" فذكر منها قيام الساعة(2) . وفي بعض الروايات أن الرسول ( تلا هذه الآية في أثناء جوابه للسائل(3) .
قوله : {قال فأخبرني عن أماراتها} هذا تدرج في السؤال، يعني : إذا كنت لا تعلم متى وقت قيامها فأخبرني عن أمارتها. والأمارات جمع أمارة وهي العلامة. وقد ورد في بعض الروايات : "وسأخبرك عن أشراطها" فأماراتها وأشراطها بمعنى واحد، والمراد بالأمارات التي سيذكر له الأمارات التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وهي الأشراط الصغرى، وليس العلامات التي تظهر قرب قيام الساعة وهي الأشراط الكبرى : كطلوع الشمس من مغربها، وظهور الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وغير ذلك .(1/117)
قوله: {أن تلد الأمة ربتها} هذه علامة من علامات الساعة. وقد ورد في بعض الروايات : "بعلها" ومعنى "ربتها أو بعلها" : سيدها . وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الجملة على أقوال منها أن هذا إخبار بأن السراري تكثر في آخر الزمان فيكون ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لاسيما إذا كثرت الأموال وبدأ الولد يتصرف في المال فيكون هو السيد المطاع، وتكون .......................................................................
هذه الأمة قد ولدت سيدها. وقيل : إن الحديث دليل على أن الإماء يلدن الملوك في آخر الزمان فتكون أم الملك أَمَة، وإذا كانت أُمَّه أمةً وتولى الملك فإنه سيكون سيدًا لأمه ولغير أمه من أفراد الرعية، والله أعلم .
قوله : {وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان} هذه علامة أخرى من علامات الساعة. والحفاة : جمع حافٍ، وهو الذي لا نعال عليه. والعراة : جمع عارٍ، وهو الذي لا ثياب عليه. والعالة : جمع عائل، والعائل هو : الفقير، كما في قول الشاعر:
وما يدري الفقير متى غناه ……وما يدري الغني متى يعيل
أي : يفتقر. وقوله : "رعاء الشاء" بكسر الراء جمع راعٍ، ويجمع أيضًا على رعاة بضمها. والشاء جمع شاة وهو من الجموع التي يفرق بينها وبين واحدها بالهاء كشجر وشجرة .
وخصهم بالذكر لأنهم أضعف الرعاة، لكن قد ورد في حديث أبي هريرة(1/118)
في "الصحيحين" : "رعاة الإبل"، والمراد : أن أصحاب هذه الأوصاف الأربعة : الحفاة والعراة والعالة ورعاة الشاء "يتطاولون في البنيان"، والتطاول في البنيان معناه : تكثير طبقات البنيان، ويصدق - أيضًا - على توسيع المنازل، وتكثير مجالسها ومرافقها، وهذه ذكرها الرسول ( لمن كانت حالهم أنهم حفاة وعراة ... الخ . والمعنى : أن هؤلاء في آخر الزمان يقوى أمرهم وتكون الأموال بأيديهم، وبدل أنهم حفاة عراة لا يملكون غير الشاة يصلون إلى حال التطاول والتفاخر في البنيان، فكل من بنى منهم بناء بدأ .......................................................................
يتفاخر على من بنى قبله؛ لأنه أطول منه بناء أو أكبر أو أوسع فهذا يعتبر من أشراط الساعة، والله المستعان .
وقد ورد في حديث أبي هريرة في "الصحيحين" قال : "وإذا رأيت الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها"(1).
ومعنى رؤوس الناس : ملوك الناس. وفي رواية لمسلم : "وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها" .
قال النووي : (المراد بهم الجهلة السفلة الرعاع كما قال تعالى : ( (((( (((((( (((((( ( (2) ، أي : لما لم ينتفعوا بجوارحهم هذه فكأنهم عدموها. هذا هو الصحيح في معنى الحديث، والله أعلم).(3)
قوله : {قال : فمضى فلبثنا مليًّا} بتشديد الياء التحتية، والملي : هو الزمان، وقد ورد عند الترمذي والنسائي وغيرهما : "فلبثت ثلاثاً"(4).
قوله: {فقال : " يا عمر، أتدري من السائل ؟} ظاهره أن الرسول (لم يخبر عمر إلا بعد مدة، لكن ورد في حديث أبي هريرة في "الصحيحين" قال : "ثم أدبر فقال : ردوه فلم يروا شيئًا. فقال : هذا جبريل أتى يعلم الناس دينهم" فهذه الرواية تدل على أن النبي ( أخبرهم في الحال. والظاهر .......................................................................(1/119)
من الرواية التي معنا أن الإخبار خاص بعمر حيث قال : (فقال: يا عمر) والظاهر أن عمر- رضي الله عنه - قام في الحال، أي : بعد أن أدبر الرجل، ولم يحضر كلام النبي ( وإنما أخبره النبي ( بعد مدة . وهذا هو الجمع بين الرواية التي معنا وهي التي تدل على أن أخبارهم كان متراخيًا ورواية "الصحيحين"من حديث أبي هريرة التي تدل على أن إخبارهم كان في الحال. قال النووي، قال الحافظ : وهو جمع حسن(1) .
قوله : {قلت : الله ورسوله أعلم}، أي : من غيرهما، ولم يقل : أعلما لأن أفعل التفضيل المجرد لا يثنى ولا يجمع بل يلزم الإفراد. وهذا فيه أدب من آداب العالم وهو أن من سئل عن شيء لا يعلمه أن يَكِلَ العلم إلى عالمه ولا يتكلف في الجواب بل يقول : الله أعلم. أما في حياته ( فإن العلم يمكن أن يؤخذ منه فيقول المسؤول: الله ورسوله أعلم لكن بعد وفاته يقول: الله أعلم.
قوله : {قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم} هذا فيه دليل على أن ما ذكر في هذا الحديث هو الدين؛ لأنه اشتمل على أصول الدين وعقائده من الإسلام والإيمان والإحسان . والله أعلم .
الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد (
هو محمدُ بن عبد الله بن عبد المُطِّلِبِ بن هاشمٍ .(1/120)
قوله: {الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد (} هذا هو الأصل الثالث من الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها. وهذا الأصل تأتي معرفته بعد معرفة العبد ربه ومعرفة العبد دينه؛ لأنه ( هو الواسطة بيننا وبين الله عز وجل. فالله هو الذي يشرع الشرائع ويحكم الأحكام، ولا يمكن تلقي أحكام الشرع إلا عن طريق هذا النبي الكريم ( ؛ لأننا لا نستطيع أن نعرف ربنا عن طريق السمع، ولا أن نعرف ديننا إلا بواسطة النبي ( ، بل ولا يمكن أن نقوم بعبادة الله تعالى على الوجه المطلوب إلا عن طريق النبي ( . والعبادة لها ركنان : الإخلاص والمتابعة. ولا يمكن للإنسان أن يعبد الله تعالى على علم وبصيرة وتكون عبادته صحيحة مقبولة إلا عن طريق التلقي من النبي ( .
ومعرفة النبي ( تشتمل على أمور كثيرة :
الأمر الأول : معرفة نسبه. وهو قوله : {وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم} وقد اقتصر المصنف على جدين من أجداد النبي ( .
والنبي( له عدة أسماء. وقد ورد عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن النبي ( قال : "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب، والعاقب : الذي ليس بعده نبي" (1) ، وله أسماء أخرى، أشهرها : ( محمد ) ، وقد جاء ذكره في
وهاشمٌ من قُرَيْشٍِ، وقريشٌ من العربِ، والعَرَبُ من ذريّة إسماعيلَ بن إبراهيمَ الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاةِ والسلامِ .
القرآن على وجه التنويه، ومعناه: الذي يُحمد أكثر مما يُحمد غيره .(1/121)
قوله: { وهاشمٌ من قُرَيْشٍِ، وقريشٌ من العربِ، والعَرَبُ من ذريّة إسماعيلَ بن إبراهيمَ الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاةِ والسلامِ} قريش: هو النضر بن كنانة، لما ورد عن الأشعث بن قيس - رضي الله عنه - قال : أتيت رسول الله ( في وفد لا يرون أني أفضلهم. فقلت : يا رسول الله، إننا نزعم أنا منكم، قال : "نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمَّنا ولا ننتفي من أبينا ...". (1). والمقصود بهذا : أن النبي ( بعث في أكرم العرب نسباً.
وقد ورد عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله ( يقول : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" .(2)
وقال أبو سفيان لهرقل - لما سأله : كيف نسبه فيكم؟ - قال : هو فينا ذو نسب، قال هرقل: فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها(3) ، : أي : في .......................................................................
أكرمها نسبًا وأشرفها قبيلة .
قوله: (وهاشم من قريش) هو هاشم بن عبد مناف. قال مؤرخوه: اسمه عمرو، وغلب عليه لقبه (هاشم)؛ لأنه أول من هشم الثريد مع اللحم لقومه في مكة في سني المحل، وهو أحد الأجواد الذين ضرب بهم المثل في الكرم، وأحد من انتهت إليه السيادة في الجاهلية (1).
قوله: (وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل)، المراد بالعرب - هنا - : العرب المستعربة. فإن العرب قسمان :
1- عرب عاربة: وهم أصل العرب الباقية جميعًا ويسمون (القحطانيين) وينتسبون إلى سبأ بن يشجب بن يعرف بن قحطان، وقد سكنوا اليمن ثم تفرقوا في بقية شبه الجزيرة.
2- عرب مستعربة: ويسمون (العدنانيين)، وقد نشأوا في مكة ومنها تفرقوا في جهات كثيرة من الحجاز وتهامة، وينتهى نسبهم إلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام كما تقدم؛ لأنه لما أصهر إلى قبيلة (جرهم) كان من نسله (عدنان) الذي تنتسب إليه العرب المستعربة.(2)(1/122)
قوله: (والعرب من ذرية إسماعيل)، أي : فيكون النبي ( من أولاد إسماعيل عليه السلام وليس من أولاد (إسحاق)، وأنبياءُ بني إسرائيل كلُّهم من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. (وإسماعيل) وُلِدَ لإبراهيم عليه السلام من وله من العمر ثلاثٌ وستون سنةً، منها أربعون قبلَ النبُّوَّةِ ، وثلاثٌ وعشرون نبيًّا رسولاً .
أمته (هاجر) على كِبَرٍ منه قال تعالى : ( (((((((((( (( ((((((( (((((( ((( ((((( (((((((((( (((((((((((( ((((((((((( ( (((( (((((( ((((((((( ((((((((((( ( (1) ، وهو الذي أمر إبراهيم عليه السلام بذبحه كما ذكر الله تعالى في القرآن .
قوله : {وله من العمر ثلاث وستون سنة} هذا الأمر الثاني : وهو معرفة عمره ومكان ولادته. وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "توفي النبي ( وهو ابن ثلاث وستين" (2). وأما مولده ( ففي يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل(3).
قوله : {منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا رسولاً} هذا ورد من حديث أنس-رضي الله عنه- وفيه: "أنزل عليه وهو ابن أربعين"(4). وإذا كان الرسول ( مات وعمره ثلاث وستون سنة، وثبت في حديث أنس أنه بعث على رأس الأربعين، فهذا يدل دلالة قاطعة على أن مدة النبوة والرسالة كانت ثلاثًا وعشرين سنة. وقد ورد في " صحيح البخاري " حديث أنس قال : " أنزل عليه القرآن وهو ابن أربعين فلبث في مكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين "(5) . وظاهر هذا أن مدة
نُبِّىءَ بِاقْرَأَ . وأُرْسِلَ بالمُدَّثرِ .
النبوة والرسالة عشرون سنة، لكن الصحيح أنها ثلاث وعشرون؛ لأنه ورد عن عائشة أنه مات عن ثلاث وستين. وورد عن أنس نفسه في "الصحيحين" أن الرسول ( مات وله ثلاث وستون. وقد يكون قوله : "وبالمدينة عشر سنين" من باب حذف الكسر لكن على أي حال ما اتفق عليه أولى مما اختلف فيه .(1)(1/123)
قوله : { وثلاث وعشرون نبيَّا رسولاً نُبِّئَ باقْرَأَ. وأُرسلَ بالمُدثر } هذا الأمر الثالث : وهو معرفة حياته النبوية. ومعنى (نبئ)، أي : خُبِّر؛ لأن أصل النبوة مأخوذة من النبأ وهو الخبر. قوله : (وأرسل بالمدثر)، أي : بعث لأن الإرسال معناه البعث والتوجيه.
وقوله: ( باقرأ )، يعني : قوله تعالى : ( (((((((( (((((((( ((((((( ((((((( (((((( ( وهذا نزل عليه يوم الاثنين في رمضان وهو في غار حراء(2) .
قوله: (وأرسل بالمدثر)، أي : بصدر السورة. وقول المصنف : (نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر) دليل على أن هناك فرقًا بين النبي والرسول، وهذا هو الصحيح المعتمد أن النبي غير الرسول، والرسول غير النبي، وقد تقدم ذلك، ومن الأدلة على هذا قول الله تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((( (((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((( ((((( (((((((( ((((((( (((((((((((( (((( ((((((((((((( ( (3) ، والعطف يقتضي المغايرة،
وبلدُه مكةُ .
وكذلك مجيء (لا) في قوله : (ولا نبي) فهذا يدل على أن النبي غير الرسول .
قوله : {وبلدهُ مكة} ، أي : ولد فيها، ونشأ بها إلا المدة التي أقامها عند مرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية في بادية بني سعد، ثم رجع إليها في حضانة جدة عبد المطلب ثم عمه أبي طالب؛ لأن أمه آمنة بنت وهب ماتت وعمره ست سنين، وبقي في مكة ثلاث عشرة سنة بعد أن أوحى إليه.
قوله : (وهاجر إلى المدينة) الهجرة يأتي الكلام عليها إن شاء الله. والمدينة اسم غالب لمدينة الرسول ( دون غيرها من المدن كالنجم للثريا. وابن عباس لعبد الله دون إخوته من أولاد العباس .
وقد روى أبو موسى - رضي الله عنه - عن النبي ( قال : "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب" (1) !!!(1/124)
وكانت هجرته ( من مكة إلى المدينة - فيما يظهر - فرارًا من أذى المشركين، وطلبًا للنجاة بالدين، والتماسًا لمكان تنمو فيه الدعوة، وتؤتي أكلها، حتى يقوى ساعدها ويشتد أزرها؛ وذلك بعد أن تابعته الأنصار على الإسلام وبايعوه على النصر والمؤازرة .
ولما رأت قريش أن رسول الله ( قد صار له شيعة وأصحاب من غيرهم
بَعَثَهُ اللهُ بالنِّذَارَةِ عن الشِّرْكِ ويَدْعو إلى التوحيد. والدليلُ قوله تعالى : ( ((((((((((( ((((((((((((( ((( (((( ((((((((( ((( (((((((( ((((((((( ((( ((((((((((( ((((((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ((( (((( ((((((( (((((((((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ( .
في غير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، خافوا من انتشار دعوته، ومحاربته لهم فعزموا على قتله، وتشاوروا في صفة ذلك، فخرج رسول الله ( برعاية الله تعالى وحفظه، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - وتغيباً في غار ثور - جبل بأسفل مكة - ثم سار إلى المدينة فوصلاها وفرحت بذلك الأنصار فرحًا عظيمًا، وكل ذلك مدون في السيرة.
قوله : {بعثه الله بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد} هذا الأمر الرابع مما يتعلق بمعرفة النبي ( ، وهو معرفة ما بعث به، وهذا أعظمها وأعلاها.
فالنبي ( بعثه الله تعالى ينذر عن الشرك، ويدعو إلى توحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. والإنذار بمعنى : التحذير . والمنذر : المحذر. وأصل الإنذار : الإبلاغ، ولا يكون إلا في التخويف.
قوله : { والدليل قوله تعالى : ( ((((((((((( ((((((((((((( ((( (((( ((((((((( ((( (((((((( ((((((((( ((( ((((((((((( ((((((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ((( (((( ((((((( (((((((((((( ((( ((((((((((( (((((((((( ( (1)}، أي : الدليل على أنه ( بعث بالإنذار عن الشرك، والدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى. وقوله تعالى : ( ((((((((((( ((((((((((((( ... ( هذه أول(1/125)
ومعنى ( (((( ((((((((( ( يُنْذِرُ عن الشرك ويدعو إلى التوحيد، ( (((((((( ((((((((( ( عَظمْهْ بالتَّوْحِيدِ، ( ((((((((((( ((((((((( ( أي : طهر أعمالَكَ عن الشركِ، ( ((((((((((( (((((((((( ( الرُّجْزُ : الأَصْنام، وهَجْرُها تَرْكُها وأهْلِها والبراءَةُ منها وأهلِها . أَخَذَ على هذا عشرَ سِنينَ يدعو إلى التوحيدِ، وبعدَ العشْرِ عُرِجَ بِهِ إلى السَّماءِ وفُرِضَتْ عليهِ الصلواتُ الخمسُ .
آية أرسل بها النبي ( . وقد ثبت عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله ( يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه : "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري قِبَلَ السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فَجُثِثْتُ منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي، فقلت : زملوني زملوني؛ فزملوني؛ فأنزل الله : ( ((((((((((( ((((((((((((( ((( (((( ((((((((( ( إلى ( (((((((((( ( قال أبو سلمة : والرُّجْزَ: الأوثان. ثم حمى الوحي وتتابع(1) .
وهذه الآيات قد فسر الشيخ أكثرها. وسأذكر تفسيرها بعون الله تعالى.
فقوله تعالى : ( ((((((((((( ((((((((((((( ( ، أي : الذي قد تدثر بثيابه، أي : تغشى بها من الرعب الذي حصل له من رؤية الملك كما تقدم . وأصله : المتدثر، فأُدغمت التاء في الدال لتجانسهما .
.......................................................................
{ومعنى ( (((( ((((((((( ( }، أي انهض فخوف المشركين وحذرهم العذاب إن لم يؤمنوا . وبهذا حصل الإرسال، كما حصل بقول الله تعالى : ( (((((((( ( النبوة.
وقول الشيخ رحمه الله : {ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد} هو معنى ما تقدم فإن أشرك مع الله غيره قد عرض نفسه للعذاب فهو بحاجة إلى إنذار.
( (((((((( ((((((((( ( ، أي عظمه بالتوحيد . وصفه بالكبرياء والعظمة وأنه أكبر من أن يكون له شريك كما يقول الكفار .(1/126)
( ((((((((((( ((((((((( ( ، أي : طهر أعمالك عن الشرك. وهذا أحد تفاسير الآية. اقتصر عليه الشيخ رحمه الله. والقول الثاني : أن المراد بها الثياب الملبوسة. أمره الله بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات. وهذا من تمام التطهير للأعمال خصوصًا في الصلاة. واختار ذلك ابن جرير الطبري، والشوكاني؛ لأن ذلك هو المعنى اللغوي للكلمة. قال ابن كثير : (وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب فإن العرب تطلق الثياب عليه)(1).
( ((((((((((( (((((((((( ( قرأ حفص بضم الراء، بمعنى : الأصنام والأوثان. وهجرها : تركها والإعراض عنها والبراءة من أهلها كما قال تعالى عن
.......................................................................
الخليل عليه الصلاة والسلام : ( (((((((((((((((( ((((( ((((((((( ((( ((((( (((( ( .(1)
ويحتمل أن المراد بالرجز أعمال الشر كلها؛ فيكون أمرًا له بترك الذنوب صغارها وكبارها ظاهرها وباطنها فيدخل في هذا الشرك فما دونه .
وقرأ الباقون بكسر الراء، بمعنى : العذاب .(2) والقراءتان بمعنى واحد؛ لأن عبادة الأوثان تؤدي إلى العذاب؛ فأمر أن يهجر ما يحل العذاب بسببه. والله أعلم .
( (((( ((((((( (((((((((((( ( بضم الراء على أنه حال، أي : ولا تمنن حال كونك مستكثرًا. والمعنى : لا تمنن على ربك بما تقوم به من أعباء كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير. قاله الحسن والربيع بن أنس واختاره ابن جرير. وقيل : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها. قاله ابن عباس وجماعة من السلف. واختاره ابن كثير (3).
( ((((((((((( (((((((((( ( ، أي : لربك وحده دون سواه فاصبر على كل ما تلقاه في سبيل الدعوة وإبلاغ الرسالة .(1/127)
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : (فامتثل رسول الله ( لأمر ربه وبادر فيه، فأنذر الناس وأوضح لهم بالآيات البينات جميع المطالب الإلهية، وعظم الله تعالى، ودعا الخلق إلى تعظيمه، وطهر أعماله الظاهرة .......................................................................
والباطنة من كل سوء، وهجر كل ما يعبد من دون الله، وما يعبد معه من الأصنام وأهلها، والشر وأهله، وله المنة على الناس - بعد منة الله - من غير أن يطلب عليهم بذلك جزاء ولا شكورًا. وصبر لربه أكمل صبر : فصبر على طاعة الله وعن معاصيه، وصبر على أقداره المؤلمة، حتى فاق أولى العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين " (1).
قوله : { أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد }، أي : أخذ رسول الله ( عشر سنين يدعو إلى توحيد الله تعالى، ويبين الشرك ويحذر منه.
وذلك أن المقصود الأعظم من بعثة النبيين وإرسال المرسلين وإنزال الكتب هو الإنذار من الشرك والنهي عنه، والدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة. وكان النداء الأول لكل رسول : ( ((((((((( ((((((((((( (((( ((( ((((( ((((( ((((((( (((((((((( ( (2) ، وقال تعالى : ( (((((((( ((((((((( ((( ((((( (((((( ((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((((((((( ((((((((((( ( ( (3) . وقال تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((( (((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((((( ((((((((((((( ( .(4)
فالتوحيد هو أساس الملة الذي تبنى عليه، وبدونه لا يقوم عمل من .......................................................................(1/128)
الأعمال؛ ولهذا لم تفرض الصلاة التي هي عماد الدين وبقية الشرائع إلا بعد إرساء دعائم التوحيد وبنيان العقيدة وهذا يدل على أن التوحيد من أوجب الواجبات، وأنه يبدأ به قبل غيره. وقد قال النبي ( لمعاذ لما بعثه إلى اليمن : "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" .(1)
قوله : {وبعد العشر عرج به إلى السماء} . اعلم أن الإسراء والمعراج من الأمور التي ثبتت بطريق الشرع وليس للعقل فيها مدخل، والجمهور من المحدثين والفقهاء أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي ( وروحه؛ لأن قريشًا أكبرته وأنكرته ولو كان منامًا لم تنكره؛ لأنها لا تُنكر المنامات .
والإسراء لغة : السير بالشخص ليلاً. وشرعًا : سير جبريل بالنبي ( من مكة إلى بيت المقدس؛ لقوله تعالى : ( ((((((((( (((((((( (((((((( ((((((((((( (((((( ((((( (((((((((((( ((((((((((( ((((( (((((((((((( ((((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( (((((((((((( ( ((((((( (((( (((((((((( ((((((((((( ( (2) .
والمعراج لغة : الآلة التي يعرج بها، وهي المصعد. وشرعًا : السلم الذي عرج به رسول الله ( من الأرض إلى السماء. وقد ثبت المعراج بالقرآن في قوله تعالى: ( ((((((((((( ((((( (((((( ((( ((( (((( ((((((((((( ((((( (((((( ((( ((((( (((((((
وصلَّى في مكةَ ثلاثَ سنينَ، .......................................
(((( (((((((((( ( (1) إلى قوله : ( (((((( (((((( (((( (((((((( ((((((( (((((((((((( (. (2)(1/129)
وخلاصة ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة أن جبريل أمره الله أن يسري بالنبي ( إلى بيت المقدس على البراق(3) ، ثم يعرج به إلى السموات العلى سماءً سماءً حتى بلغ مكانًا سمع فيه صرير الأقلام وفرض الله عليه الصلوات الخمس - كما سيأتي - واطلع على الجنة والنار، واتصل بالأنبياء الكرام، وصلى بهم إمامًا، ثم رجع إلى مكة فحدث الناس بما رأى فكذبه الكافرون وصدق به المؤمنون وتردد فيه آخرون(4).
قوله:{ وفرضت عليه الصلوات الخمس }، أي: فرض الله تعالى على عبده محمد ( وعلى أمته الصلوات الخمس ليلة المعراج خمسين صلاة في كل يوم وليلة، ثم لم يزل يختلف بين موسى وبين ربه عز وجل حتى وضعها الرب جل جلاله - وله الحمد والمنة - إلى خمس وقال: "هي خمس وهن خمسون".
قوله: {وصلى في مكة ثلاث سنين} ، أي : فيكون الإسراء قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ( يصلي الرباعية ركعتين حتى هاجر إلى المدينة، وقد دل على ذلك ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " فرضت
وبعدها أُمِرَ بالهجرةِ إلى المدينةِ. والهجرَةُ : الانْتِقَالُ من بلدِ الشركِ إلى بلدِ الإسلامِ،
الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسول الله ( ففرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الأولى" .(1)
ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه قالت : "فرضت صلاة السفر والحضر ركعتين، فلما أقام رسول الله ( بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار"(2).
قوله : {وبعدها} ، أي : بعد الثلاث عشرة من بعثته ( ؛ لأنه صلى بعد العشر ثلاث سنين بمكة .
قوله : {أُمِرَ بالهجرة إلى المدينة}، أي : بمفارقة المشركين وأوطانهم ليتمكن ( من إظهار دينه .
والدليل على أن الهجرة بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " بعث رسول الله ( لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين" . (3)(1/130)
قوله : { والهجرة : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام } الهجرة
.......................................................................
في اللغة معناها : الترك والخروج من بلد أو أرض إلى أخرى . وشرعًا: كما عرفها المصنف رحمه الله بأنها الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
ومناسبة ذكر الهجرة مع الأصول الثلاثة لبيان أن الهجرة من أبرز تكاليف الولاء والبراء. وبلد الشرك: هو الذي تقام فيه شعائر الكفر، ولا تقام فيه شعائر الإسلام على وجه عام. وبلد الإسلام : هو البلد الذي تظهر فيه الشعائر والأحكام على وجه عام. وأهم الشعائر : هي الصلاة، فإذا كانت الصلاة مظهرًا من مظاهر البلد فهو بلد إسلامي. أما إذا كانت الصلاة يقيمها أفرادٌ أو جماعات وهي ليست من مظاهر البلد فلا يحكم على البلد بأنه بلد إسلامي، مثل البلاد التي فيها أقليات مسلمة يقيمون الصلاة ولكن على نطاق ضيق في حدود مجتمعهم الذي يعيشون فيه أو في حدود بيئتهم، ولكن البلد الذي يقيمون فيه أو هم من أهله لا تقام فيه الصلاة بوجه عام بحيث لا توجد عندهم المآذن ولا يسمع الأذان في جميع الأنحاء فمثل هذا لا يعتبر بلدًا إسلاميًا؛ لأنه لابد أن تكون الإقامة على وجه عام، فمثلاً : فرنسا فيها أقليات مسلمة وفيها إقامة للصلاة من قبل هؤلاء ولكن لا تعتبر مظهرًا من مظاهر البلد بحيث تنتشر المآذن ويُسمع الأذان هنا وهناك ويهرع الناس إلى المساجد فهذا هو معنى قولنا : إن بلد الإسلام هو الذي تنتشر فيه الشعائر والأحكام بوجه عام. أما لو كان عن طريق أفراد أو أناس قليلين فهذا لا يطلق عليه أنه بلد إسلامي بهذا الاعتبار . (1)
وهي باقية إِلى أن تقوم الساعةُ .(1/131)
قوله: (والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام) بين المصنف رحمه الله بهذا وجوب الهجرة وأنها فريضة وهذا دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة وأجمع المسلمون على ذلك؛ لما فيها من حفظ الدين ومفارقة المشركين، فإن المؤمن الذي يعبد ربه ويخلص في عبادته ويبغض الشرك وأهله ويعاديهم ويقاطعهم لن يتركه أهل الكفر على دينه مع القدرة عليه قال تعالى : ( (((( (((((((((( (((((((((((((((( (((((( ((((((((((( ((( ((((((((( (((( (((((((((((((( ( ( (1).
قوله: {وهي باقية إلى أن تقوم الساعة}، أي : أن الهجرة وهي الانتقال من بلد الكفر والشرك إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة باتفاق أهل العلم، وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله ( مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية(2).
قال الحافظ ابن حجر : أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة، وأن سببها خوف الفتنة. والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت . (3)
والدليل قوله تعالى : ( (((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((( ((((( ((((((( ( (((((((( ((((( ((((((((((((((( ((( (((((((( ( ((((((((( (((((( (((((( (((((( (((( ((((((((( (((((((((((((( (((((( ( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( ( (((((((((( (((((((( (((( (((( ((((((((((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((((((( (( (((((((((((((( ((((((( (((( ((((((((((( ((((((( (((( (((((((((((((( ((((( (((( ((( (((((((( (((((((( ( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ( .(1/132)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (أحوال البلاد كأحوال العباد، فيكون الرجل تارة مسلمًا، وتارة كافرًا، وتارة مؤمنًا، وتارة منافقًا، وتارةً برًّا تقيًّا، وتارة فاسقًا، وتارة فاجرًا شقيًّا، وهكذا المساكن بحسب سكانها فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة. وهذا أمر باق إلى يوم القيامة)(1). وأما قول النبي ( في الحديث الصحيح : "لا هجرة بعد الفتح"(2)، فالمقصود به لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها صارت دار إسلام. وكل بلد يفتح ويكون بلد إسلام فإن الهجرة لا تجب منه .
قوله : { والدليل قوله تعالى : ( (((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((( ((((( ((((((( ( (((((((( ((((( ((((((((((((((( ((( (((((((( ( ((((((((( (((((( (((((( (((((( (((( ((((((((( (((((((((((((( (((((( ( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( ( (((((((((( (((((((( (((( (((( ((((((((((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((((((( (( (((((((((((((( ((((((( (((( (((((((((((
.......................................................................
((((((( (((( (((((((((((((( ((((( (((( ((( (((((((( (((((((( ( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ( (1)}. هذه الآيات دليل على وجوب الهجرة. والمستفاد من كلام أهل العلم كابن قدامة رحمه الله وغيره أن الهجرة من بلد الكفر ثلاثة أضرب والناس ثلاثة أصناف .(1/133)
الصنف الأول : تجب عليه الهجرة، وهو القادر عليها مع عدم إمكان إظهار دينه، وهذا يدل عليه قوله تعالى : ( (((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((((( ((((( ((((((( ( (((((((( ((((( ((((((((((((((( ((( (((((((( ( ((((((((( (((((( (((((( (((((( (((( ((((((((( (((((((((((((( (((((( ( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( ( (((((((((( (((((((( ( ووجه الدلالة أن الله جل وعلا وصفهم بأنهم ظالمون لأنفسهم. فمن بقي في بلد الشرك وهو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهو ظالم لنفسه، مرتكب حرامًا بالإجماع .
الصنف الثاني : من لا هجرة عليه وهو العاجز عن الهجرة إما لمرض أو إكراه على الإقامة فلم يستطع الخروج أو ضعف من النساء والولدان وشبههم فهؤلاء لا هجرة عليهم؛ لأن الله جل وعلا قال : ( (((( ((((((((((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((((((( (( (((((((((((((( ((((((( (((( ((((((((((( ((((((( ( وعليه أن يعتزل الكفار ما استطاع ويظهر دينه ويصبر على أذاهم .
.......................................................................(1/134)
الصنف الثالث : من تستحب له الهجرة ولا تجب عليه كما تجب على الصنف الأول، وهذا في حق من يقدر على الهجرة لكنه متمكن من إظهار دينه، فهذا تستحب له الهجرة لأجل أن يتمكن من جهاد الكفار وتكثير المسلمين والتخلص من الكفار ومخالطتهم فهذه ثلاثة أصناف هي أصناف الناس بالنسبة للهجرة(1) . أما الآية التي ساقها المصنف فمعناها بإيجاز ( (((( ((((((((( ((((((((((( (((((((((((((((( ( المراد بالملائكة إما ملك الموت وأعوانه، وإما ملك الموت وحده؛ لأن العرب تخاطب الواحد بلفظ الجمع. وقوله تعالى : ( ((((((((( ((((((((((( ( هذا دليل على وجوب الهجرة كما تقدم . والمعنى : أنهم ظالمون لأنفسهم بتركهم الهجرة. ( (((((((( ((((( ((((((( ( ( هذا استفهام توبيخ وتقريع لهم، والمعنى: في أي فريق كنتم؟ ( (((((((( ((((( ((((((((((((((( ((( (((((((( ( (
يعني : عاجزين لا نستطيع الخروج ( ((((((((( (((((( (((((( (((((( (((( ((((((((( (((((((((((((( (((((( ( ( يعني : بإمكانكم أن تخرجوا إلى أرض الله الواسعة، والمراد بها في ذلك الزمن : المدينة . ( (((((((((((((( ((((((((((( (((((((( ( (((((((((( (((((((( ( هذا وعيد يدل على أن القادر على الهجرة الذي لا يتمكن من إظهار دينه ولم يهاجر أنه قد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنه لا يتوعد بمثل هذا الوعيد إلا على ترك أمر واجب وهو الهجرة، فتركها كبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى :
.......................................................................(1/135)
( (((( ((((((((((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((((((( ((((((((((((((( ( هؤلاء هم الذين لا يستطيعون الخروج ( (( (((((((((((((( ((((((( ( يعني : لا يقدرون على حيلة، لا على خروج، ولا على نفقة، ولا على من يهيئ أمرهم ( (((( ((((((((((( ((((((( (يعني : لا يعرفون الطريق، ولا يستطيعون أن يسيروا وحدهم. قال تعالى : ( (((((((((((((( ((((( (((( ((( (((((((( (((((((( ( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ( . أي : عسى الله أن يتجاوز عنهم وهم المعذورون بتركهم الهجرة. والآية دليل على وجوب الهجرة وعلى آكديتها. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية : (نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع وبنص هذه الآية ...) (1).
فلابد من شرطين : القدرة على الهجرة، وعدم التمكن من إظهار الدين. فمن لم يفعل فهو ظالم لنفسه. يقول الشوكاني رحمه الله : (استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهارًا ولم يكن من المستضعفين) (2) ا.هـ.
وإذا كان الإنسان مأمورًا بالهجرة من بلاد الكفر دل هذا على أن الأصل تحريم السفر إلى بلاد الكفر استنادًا إلى هذه النصوص لكن لو وجد حاجة
.......................................................................
تدعو إلى السفر إلى بلاد الكفر أو الإقامة فيها كطلب علم لا يوجد في بلده أو لعلاج أو للدعوة فإن هذا يجوز نظرًا للمصلحة المترتبة على هذه الإقامة؛ لأن الأصل هو عدم السفر ويفهم من كلام العلماء أنه لا يجوز السفر لبلاد الكفر إلا بثلاثة شروط :(1/136)
الشرط الأول : أن يكون عنده علم يمنعه مما يرد عليه من الشبهات التي قد تعرض له في تلك البلاد. فإن لم يكن عنده علم فهو على خطر عظيم، فقد ينحرف في عقيدته وينخدع بما هم عليه. فلابد أن يكون المسافر على علم يمنعه مما يرد عليه من الشبهات والإشكالات .
الشرط الثاني : أن يكون عنده دين يمنعه مما يرد عليه من الشهوات؛ لأن تلك البلاد بلاد مغرية، بلاد الشهوات واللذات التي تقف على قدم وساق دون تفريق بين ما أحل الله وما حرم الله . والذي لا دين عنده يمنعه من الوقوع في هذه المحرمات يكون عرضة للانحراف ومجاراة القوم فيما هم عليه من الذنوب والمعاصي غائبًا عن باله عاقبة الأمر .
ومن وسائل السلامة - بإذن الله تعالى - أن يكون المسافر متزوجًا وأن تكون زوجته معه ليعف نفسه ويتحصن من الحرام، إذا كان يريد الإقامة للدعوة أو للدراسة مثلاً .
الشرط الثالث : أن يتمكن من إظهار دينه والقيام بعبادة ربه كما أمر الله جل وعلا وعليه أن يحذر كل الحذر من موالاة المشركين؛ لأن موالاتهم
.......................................................................
- كما مرَّ معنا - تنافي الإيمان(1) .
أما السفر لبلاد الكفر لمجرد السياحة فالقول بالمنع أظهر؛ لأن الله تعالى أوجب على الإنسان العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين فما كان ذريعة وسببًا إلى إسقاط ذلك فإنه لا يجوز(2) . وقد ورد عن النبي ( أنه قال: " أنا برئ ممن يقيم بين أظهر المشركين لا تراءى نارهما" (3) .
ومعنى : "لا تراءى نارهما"، أي : لا ترى نار المسلم نار المشرك، ولا نار المشرك نار المسلم، وهذا كناية عن القرب. والعرب تستعمل مثل هذا الأسلوب تقول : داري تنظر إلى داره، وداره تنظر إلى داري، إذا أرادوا شدة القرب .
فمن سافر لمجرد السياحة فهو على خطر عظيم، من وجوه :(1/137)
أولاً : أنه خالف النصوص الدالة على وجوب الهجرة وتحريم السفر، ومنها حديث سمرة - رضي الله عنه - أن النبي ( قال : " من جامع المشرك
.......................................................................
وسكن معه فإنه مثله" . (1)
ثانيًَا : فقد الغيرة - وهذا شيء ملاحظ - فإن الإنسان - وإن كان عنده غيرة - إذا أقام في بلد تكثر فيه المعاصي؛ فإن غيرته تضعف أو تموت بالكلية، ويصبح مجاريًا لهم فيما هم عليه. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن مشاركة الكفار في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين. هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له (2) .
ثالثاً : أن هذه الأسفار لا تسلم غالبًا من الإسراف في النفقات المالية، وهذا فيه إنعاش لاقتصادهم وتقوية لهم .
وقوله تعالى: ( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((((( (. قال البغويُّ رحمه الله : سببُ نُزُولِ هذه الآية في المسلمين الذين في مكَّةَ لم يُهاجِرُوا، ناداهم الله باسم الإِيمانِ. والدليل على الهجرةِ من السنةِ قوله (: " لا تَنْقَطِعُ الهجرةُ حتى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، ولا تنقطع التوبةُ حتى تَطْلُعَ الشمسُ من مَغْرِبِها ".
رابعاً : شعور الإنسان الذي يقيم بأنه كفرد منهم له ما لهم وعليه ما عليهم. أضف إلى هذا أن أهله من النساء والأطفال - إن كانوا معه - يتأثرون بأخلاق أهل تلك البلاد؛ لأن المرأة والطفل والشاب أسرع تأثرًا وأكثر إعجابًا بما عليه الآخرون .(1/138)
قوله: { وقوله تعالى : ( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((( (((( ((((((( ((((((((( ((((((((( ((((((((((((( ( (1). قال البغوي رحمه الله : (سببُ نُزُولِ هذه الآية في المسلمين الذين في مكَّةَ لم يُهاجِرُوا، ناداهم الله باسم الإِيمانِ) } هذا دليل على أن الذي يترك الهجرة ليس بكافر؛ لأن الله تعالى قال : ( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((( ( ولو كانوا كفارًا ما ناداهم باسم الإيمان. وقد تقدم في كلام العلماء كابن كثير والشوكاني أن تارك الهجرة يعتبر عاصيًا ظالمًا لنفسه. وكلام البغوي هذا لخصه الشيخ رحمه الله مما حكاه البغوي رحمه الله عن جماعة من السلف(2).
والبغوي : هو الإمام الحفاظ الفقيه أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء
.......................................................................
البغوي، قال ابن كثير : (برع في العلوم وكان علامة زمانه فيها وكان دينًا ورعًا عابدًا صالحًا) ا.هـ له مؤلفات منها تفسيره " معالم التنزيل "، و "شرح السنة"، وغيرهما، مات رحمه الله سنة 516هـ . (1)
وقوله تعالى : ( (((((((((((( ((((((((( ((((((((((( ( ، أي : بي وبرسولي ولقائي وأضافهم إليه بعد خطابه لهم تشريفًا وتكريمًا ( (((( ((((((( ((((((((( ( فإن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان، فاخرجوا فإن أرضي واسعة ( ((((((((( ((((((((((((( ( لا تعبدوا معي غيري كما يريد منكم المشركون .
ففي الآية أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، وأنه لا عذر لأحد في ترك عبادة الله وتوحيده فيها؛ لأنه إن منع منها في بلد وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر .(2)
قوله : {والدليل على الهجرة من السنة قوله ( : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" }.(1/139)
معنى انقطاع التوبة: عدم قبولها. وإلا فقد توجد التوبة ولكنها لا تقبل إذا طلعت الشمس من مغربها؛ لأن هذا أوان قيام الساعة. قال تعالى : ( (((((( ((((((( (((((( (((((((( ((((((( (( ((((((( ((((((( ((((((((((( (((( (((((( ((((((((( ((( (((((( ... ( (3)
فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام ........................
والحديث الذي ذكره المصنف مروي عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه(1) - .
وعن عبد الله بن السعدي أن النبي ( قال : " لا تنقطع الهجرة مادام العدو يُقاتل. فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : إن النبي ( قال : "إن الهجرة خصلتان، إحداهما : أن تهجر السيئات، والأخرى : أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها أو من المغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناسَ العملُ".(2)
قول المصنف رحمه الله: {فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام} ذكر المصنف رحمه الله ما تمَّ من الشرائع بعد استقرار النبي ( بالمدينة وقد ذكر فيما تقدم الهجرة إلى المدينة. وإنما بدأ بأحكام الهجرة وأدلتها؛ لأنها من أبرز تكاليف الولاء والبراء، والأمرُ بالشرائع جاء بعد بناء العقيدة؛ لأن التوحيد أساس الأعمال؛ ولهذا استمرت الدعوة في مكة في موضوع بناء العقيدة ، ولم تأتِ الشرائع والتكاليف إلا بعد الهجرة إلى المدينة إلا الصلاة
مثل الزَّكاةِ، والصوم، والحجَّ، والأذانِ، والجهادِ، والأَمْرِ بالمعروف والنهي عن المُنْكَرِ، وغير ذلِكَ من شرائع الإِسلام .
فإنها لعظمها شرعت في مكة كما ذكر المصنف فصلى النبي ( قبل أن يهاجر ثلاث سنين .(1/140)
قوله : {أمر ببقية شرائع الإسلام مثل : الزكاة، والصوم، والحج، [والأذان](1)، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام} ظاهر كلام المصنف رحمه الله أن الزكاة لم تفرض إلا في المدينة؛ لأنه ذكر الزكاة مع الصوم والحج والجهاد والأذان، وهي لم تشرع إلا في المدينة .
وقد ورد آيات مكية ذكرت فيها الزكاة، وفي بعضها الأمر بالزكاة، كما في قوله تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية : ( (((((((((( ((((((( (((((( (((((((((( ( ( (2) ، وفي سورة المعارج : ( ((((((((((( (((( ((((((((((((( (((( ((((((((( (((( (((((((((((( ((((((((((((((( ( (3) ، وفي سورة المؤمنون: ( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((( ( (4) فهذه الآيات وغيرها من الآيات المكية ورد فيها ذكر الزكاة ثم جاءت آيات مدنية ذكرت فيها أيضًا الزكاة .
.......................................................................
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية سورة (المؤمنون) وهي قوله تعالى ( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((( ( : (الأكثرون على أن المراد بالزكاة هنا زكاة
الأموال) (1) ا.هـ. وقال بعض أهل العلم: إن الزكاة في قوله تعالى: ( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((((((((( ( المراد بها : تزكية النفوس وتطهيرها من الرذائل وعلى رأسها الشرك .(1/141)
ولا منافاة بين الآيات المكية والمدنية في موضوع الزكاة، فإنها فرضت في مكة وبينت أنصبتها في المدينة. فالزكاة التي كانت في مكة لم تكن مقدرة بأنصبة معينة إنما كان مرجعها إلى ذاتية الشخص. فقد يجود بالكثير وقد يجود بالقليل، وهذا - والله أعلم -؛ لأن الإسلام لم يقم له في مكة دولة، فلم يكن هناك معنى لأن تفرض مقادير معينة للزكاة لكن في المدينة لما قامت الدولة وشرعت الشرائع جاءت أنصبة الزكاة على لسان الرسول ( ولهذا فالرسول ( وهو في مكة لم يتحدث عن أنصبة الزكاة ولا بيّن مقاديرها. وعلى هذا فكلام المصنف رحمه الله هنا في قوله : (الزكاة) يريد ذات الأنصبة والمقادير. والله أعلم .
قوله : (والصوم، والحج) فرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة.(2) والحج فرض على أرجح الأقوال في السنة التاسعة من الهجرة (3)
.......................................................................
قوله : (والجهاد) هو مصدر جاهد يجاهد جهادًا؛ إذ بالغ في قتل العدو وغيره.ومادة (جهد) حيث وجدت فيها معنى المبالغة. قال تعالى: ( (((((((((((( ((( (((( (((( (((((((((( ( (1) ، والمراد هنا : قتال الكفار خاصة .
والجهاد فرض بعد الهجرة كما ذكر المصنف. وقبلها لم يأذن الله للمسلمين بالجهاد في مكة ولا فرضه عليهم؛ لأنهم عاجزون ضعفاء ليس لهم شوكة يتمكنون بها من القتال. فلما هاجروا إلى المدينة وقامت الدولة الإسلامية أمروا بالجهاد قال تعالى : ( (((((((((((( ((( ((((((( (((( ((((((((( (((((((((((((((( (((( (((((((((((( ( (((( (((( (( (((((( ((((((((((((((( ((((( ((((((((((((((( (((((( ((((((((((((((( (((((((((((((( ((((( (((((( ((((((((((((( ( ( .(2)(1/142)
قوله: (والأذان)، أي : أن الأذان شرع في المدينة في السنة الأولى من الهجرة على القول الراجح، وقد ورد أدلة تدل على أن الأذان شرع في مكة قبل الهجرة. لكنها أحاديث معلولة كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله.
وقد جزم ابن المنذر رحمه الله بأنه ( كان يصلي في مكة بغير أذان منذ فرضت الصلاة إلى أن هاجر إلى المدينة.(3)
قوله : (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، المعروف : اسم جامع لكل
أَخَذَ على هذا عشرَ سنينَ . وتُوُفِّيَ، صلاةُ الله وسلامه عليه، ودِينُهُ باقٍ، وهذا دينُه : لا خَيْرَ إِلاَّ دَلَّ الأُمَّةَ عليه، ولا شَرَّ إِلاَّ حَذَّرَها عنه. والخيرُ الذي دَلّها عليهِ التوحيدُ وجميعُ ما يُحِبُّهُ الله ويرضاه، والشَّرُّ الذي حَذَّرَها عنه الشركُ وجميعُ ما يَكرهه الله ويأباه .
ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى خلقه. والمنكر: ضد ذلك قال الراغب : (المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه، والمنكر ما ينكر بهما)(1) . قال الشوكاني : (والدليل على كون ذلك الشيء معروفًا أو منكرًا هو الكتاب والسنة). (2)
وإنما خصه الشيخ - والله أعلم - دون غيره من بقية الشرائع؛ لأنه باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وهو وظيفة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. وسمة من سمات الإيمان. وحق من حقوق المسلم على أخيه والأدلة على ذلك معلومة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ( .
قوله : {أخذ على هذا عشر سنين} ، يعني : أخذ على تبليغ الشريعة وبيانها في المدينة وغيرها عشر سنين .
قوله : {وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه} قال ابن كثير رحمه الله : (لا خلاف أنه ( توفي يوم الاثنين، والمشهور أنه في الثاني عشر من ربيع الأول)(3) ا.هـ .
.......................................................................
قوله: {ودينه باق}، أي : لأنه دين عام إلى يوم القيامة للبشرية كلها.(1/143)
بينما الأديان السابقة كانت مؤقتة بأوقات معينة انتهت بنهايتها. ولما كان الإسلام دينًا عامًا لجميع البشرية وجب الإيمان بالرسول ( على جميع الثقلين الجن والإنس من اليهود والنصارى وغيرهم - كما سيأتي -؛ ولهذا تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه وحفظ القرآن الكريم، وقد دخل التحريف التوراة والإنجيل، والكتب الأخرى لا وجود لها. أما القرآن فإنه منذ أنزل إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة وهو باق لن تمتد إليه يد بتحريف ولا عبث؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظه. قال تعالى : ( ((((( (((((( ((((((((( (((((((((( ((((((( ((((( (((((((((((( ( (1).
قوله رحمه الله : ( وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه. والخير الذي دلها عليه "التوحيد" وجميع ما يحبه الله ويرضاه، والشر الذي حذرها عنه "الشرك" وجميع ما يكرهه الله ويأباه ) هذا كلام رصين ودقيق قلّ أن تجده في مكان آخر .
وقد ورد عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : تركنا رسول الله ( وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا . قال : فقال رسول الله (: "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُين لكم".(2)
بعَثَهُ الله إلى النَّاس كافة، وافْتَرضَ طاعتَه على جميع الثَّقَلَيْنِ، الجنِّ والإِنْسِ. والدليل قوله تعالى : ( (((( ((((((((((( (((((((( (((((( ((((((( (((( (((((((((( (((((((( ( . وكمَّل اللهُ به الدينَ. والدليلُ قوله تعالى : ( (((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ( (.
وعن المطلب بن حنطب أن النبي ( قال : "ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئًا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه..." (1).(1/144)
قوله : {بعثه الله إلى الناس كافة وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس، والدليل قوله تعالى : ( (((( ((((((((((( (((((((( (((((( ((((((( (((( (((((((((( (((((((( ( (2) } .
هذه الآية دليل ظاهر على عموم رسالة النبي ( ؛ لأن الخطاب فيها للناس وهو لفظ شامل للعرب والعجم، وقد ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ( قال : "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"(3). فهذا دليل - أيضًا - على عموم رسالته ( وعلى وجوب الإيمان به .
قوله : {وأكمل الله به الدين . والدليل قوله تعالى ( (((((((((( (((((((((( ((((((
.......................................................................
((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ( ( (1) } إكمال الدين حصل بتمام النصر وتكميل الشرائع الظاهرة والباطنة العلمية والعملية. فليس في هذا الدين - ولله الحمد - زيادة لمستزيد، فلا نقص يستدعي الإكمال، ولا قصور يستدعي الإضافة .
وقد ورد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً من اليهود قال : يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرأونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال : أي آية ؟ قال : ( (((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ( (. قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي ( وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.(2)
وهذا الرجل الذي سأل عمر - رضي الله عنه - هو كعب الأحبار كما جاء في رواية الطبراني، وفيها أيضًا : "نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد" .(3)(1/145)
وقوله تعالى : ( (((((((((( (((((((((( (((((( ((((((((( (((((((((((( (((((((((( ((((((((( ( ، أي : بهذا الدين . وبهذا المنهج الشامل الكامل تمت نعمة الله سبحانه وتعالى على
والدليل على موته ( قوله تعالى : ( (((((( ((((((( ((((((((( (((((((((( (((( (((( (((((((( (((((( ((((((((((((( ((((( ((((((((( ((((((((((((( ( }.
هذه الأمة .( ((((((((( (((((( ((((((((((( (((((( ( ( هذا حث من الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة لتدرك قيمة هذا الدين ثم تحرص على الاستقامة عليه، فمن لا يرتضي هذا الدين منهجًا لحياته يسير عليه في كل صغيرة وكبيرة، فإنه يرفض ما اختاره الله تعالى وكفى بهذا قبحًا وشناعة أن يرفض هذا العبد الضعيف ما اختاره الله تعالى ورضيه. وهذه الآية دليل واضح على رعاية الله وعنايته بهذه الأمة حيث اختار لها دينها وارتضاه وأحبه سبحانه وتعالى .
ومن الأدلة على إكمال الدين حديث العرباض بن سارية أن النبي ( قال : " لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك " (1).
قوله {والدليل على موته ( قوله تعالى : ( (((((( ((((((( ((((((((( (((((((((( (((( (((( (((((((( (((((( ((((((((((((( ((((( ((((((((( ((((((((((((( ( (2) }.
أي: والدليل من النقل المطابق للحسّ على موته( قوله تعالى:( (((((( ((((((( ( ، أي : إنك يا محمد ستموت وتنقل من هذه الدار لا محالة قال تعالى:
والناسُ إذا ماتُوا يُبْعَثُونَ. والدليل قوله تعالى : ( ( ((((((( ((((((((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( (((((((((((( ((((((( (((((((( (وقوله تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((((( (((((((( (((((((( (((( (((( ((((((((((( (((((( (((((((((((((( (((((((((( (
( ((((( ((((((((( (((((((( (((( (((((((( (((((((((( ( ((((((((( ((((( (((((( (((((((((((((( ( (1) .(1/146)
وقوله تعالى : ( ((((((((( (((((((((( ( ، أي : سيموتون . وينقلون من هذه الدار لا محالة كما قال تعالى : ( (((( (((((( (((((((((( (((((((((( ( ( .(2) ، وقوله تعالى : ( (((( (((((((( (((((( ((((((((((((( ((((( ((((((((( ((((((((((((( ( ، أي : يوم القيامة في ساحة فصل القضاء تختصمون إلى الله تعالى، وتحتكمون إليه فيما تنازعتم فيه؛ فيفصل بينكم بحكمه العادل. والآية شاملة لكل متنازعين في الدنيا من المؤمنين والكافرين فإنها تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة. دل على ذلك حديث الزبير - رضي الله عنه - قال: لما نزلت : ( (((( (((((((( (((((( ((((((((((((( ((((( ((((((((( ((((((((((((( ( قال الزبير: يا رسول الله، أتكرر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال : نعم، فقال : إن الأمر إذًا لشديد.(3)
وهذه الآية التي ساقها الشيخ رحمه الله هي إحدى الآيات التي استشهد بها الصديق - رضي الله عنه - عند موت النبي ( ، حتى تحقق الناس موته مع قوله تعالى : ( ((((( (((((((( (((( ((((((( (((( (((((( ((( (((((((( ((((((((( (( (4) .
قوله : {والناس إذا ماتوا يبعثون} قصد بهذا رحمه الله بيان وجوب
.......................................................................
الإيمان بالبعث، وأن الإيمان به من جملة الإيمان باليوم الآخر وما فيه، والبعث معناه : إحياء الموتى حين ينفخ في الصورة النفخة الثانية .
فيقوم الناس لرب العالمين حفاةً لا نعال عليهم. عراةً لا كسوة عليهم، غرلاً لا ختان فيهم؛ لقوله تعالى : ( ((((( (((((((((( (((((( (((((( (((((((((( ( ( (1) .
والبعث حق ثابت دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو مقتضى الحكمة، حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة ميعادًا يجازيهم فيه على ما شرعه لهم، قال تعالى : ( (((((((((((((( ((((((( ((((((((((((( ((((((( (((((((((( ((((((((( (( ((((((((((( ( (2) .(1/147)
قوله : {والدليل قوله تعالى : ( ( ((((((( ((((((((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( (((((((((((( ((((((( (((((((( ( (3)} هذه الآية دليل على أن الله عزَّ وجل يخرج الموتى من هذه الأرض، وذلك في قوله : ( ((((((((( (((((((((((( ((((((( (((((((( ( . ومن الأدلة أيضاً قوله ( : "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً"(4) . والحشر معناه: الجمع، يعني: جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم.
قوله : { وقوله تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((((( (((((((( (((((((( ( (5) أي : مبدأ
وبعد البعثِ مُحَاسَبُونَ ومجزِيُّونَ بأَعمالِهِمْ. والدليل قوله تعالى : ( (((( ((( ((( ((((((((((((( ((((( ((( (((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((( ((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( (.
الخلق خلق آدم عليه الصلاة والسلام من الأرض والناس ولد لآدم. وقوله: ( (((((((( ( اسم مصدر نائب مناب المصدر، أي : إنباتًا. ( (((( ((((((((((( (((((( ( ، يعني : يعيدكم في الأرض إذا متم ودفنتم بها ( (((((((((((((( (((((((((( ( للحساب والجزاء .
قوله : {وبعد البعث محاسبون} ذكر المصنف أمرًا آخر يجب الإيمان به يتعلق باليوم الآخر وهو الإيمان بالحساب والجزاء. والمراد بالحساب : إيقاف الله تعالى العباد على أعمالهم التي عملوها وما كانوا عليه في الدنيا. ومشهد الحساب مشهد عظيم ينبغي لكل مسلم أن يستحضره، قال الله تعالى عنه : ( (((((((((((( (((((((( ((((((( (((((((( (((((((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((((((((( ((((((((((((((( (((((((( ((((((((( ((((((((((( (((((( (( ((((((((((( (((( ((((((((((( (((( (((((( ((( (((((((( (((((( (((((((( ((((( ((((((((((( ( (1) ، وحسبنا أن نعلم أن القاضي والمحاسب في هذا اليوم العظيم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأرضين .(1/148)
وهل الحساب عام للمؤمن والكافر أو أنه خاص بالمؤمن. والكافر لا فائدة من محاسبته ؟
.......................................................................
أرجح الأقوال في هذه المسألة أن الحساب عام للمسلم والكافر، وفائدة الحساب للكافر مع أن مآله إلى النار ولا حسنات تنفعه في مقابل ما له من السيئات التي أعظمها سيئة الكفر. أقول: محاسبة الكافر وراءها حكم عظيمة، منها :
أولاً : إقامة الحجة على الكفار وإظهار عدل الله سبحانه وتعالى فيهم.
ثانيًا : محاسبة الكفار فيها توبيخ وتقريع لهم .
ثالثًا : لأن الكفار على أرجح الأقوال مخاطبون بالأوامر والنواهي كما دلت على ذلك النصوص الشرعية .
رابعًا : لأن الكفار يتفاوتون في الكفر، والنار دركات .
ومما يدل على أن الكفار محاسبون قوله تعالى : ( (((((((( (((((((((((( ((((((((( (((((( (((((((((((( ((((((((( ((((((( ((((((((((( ( (1) ، فهذا يدل على أنهم محاسبون ومسئولون، وقال تعالى : ( (((((( (((((( ((((((((((((( (((((((((((((( ((((((((( (((((((((( ((((((((((( ((( (((((((( (((((((((( ((((( (((((((( ((((((((((( (((((((( (((((( (((((( (((((((((( ((((( (((((( (((((( ((((((((( (((((((( (((((((((( (((((((( ((((( (((((((((((( ( (2) ، فقوله : ( (((((( (((((( ((((((((((((( ( دليل على أن الكفار يحاسبون. (3)
ومن كَذَّبَ بالبعثِ كَفَر. والدليل قوله تعالى : ( (((((( ((((((((( (((((((((( ((( ((( ((((((((((( ( (((( (((((( (((((((( (((((((((((( (((( (((((((((((( ((((( (((((((((( ( ((((((((( ((((( (((( ((((((( (.(1/149)
قوله : {والدليل قوله تعالى : ((((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((( ((((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((((((( ((((((((((((( ( (1)}، أي أن الله تعالى لا يظلم أحدًا فيجزي الذين أساءوا بإساءتهم، وأما الذين عملوا الحسنى فهؤلاء جزاؤهم الحسنى، فلما أحسنوا العمل أحسن الله مثوبتهم وجزاءهم. فهذه الآية من الآيات الدالة على ثبوت الحساب، والآيات التي بمعناها كثيرة كقوله تعالى : ( (((((((((( (((( (((((( ((((( (((((((( ( (2). ومن النصوص أيضًا ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان النبي ( يقول في بعض صلاته : "اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا" فقالت عائشة - رضي الله عنها - : وما الحساب اليسير ؟ قال : "أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه" (3) .
قوله : {ومن كذب بالبعث كفر}، أي : لأنه مكذب لله ورسوله حيث إن القرآن دل في آيات كثيرة على ثبوت البعث، فالذي يكذب بالبعث مكذب بالقرآن، ومن كذب القرآن فهو مكذب لله تعالى؛ فيحكم بكفره، ومكذب أيضًا للنبي ( ؛ لأن النصوص ثبتت عن الرسول ( بوقوع البعث وهو مخالف لإجماع المسلمين .
قوله : {والدليل قوله تعالى : ( (((((( ((((((((( (((((((((( ((( ((( ((((((((((( ( (}(4)
.......................................................................
أي : الدليل على التكذيب بالبعث كفر قوله تعالى: ( (((((( ((((((((( (((((((((( ... ( ووجه الدلالة أن الله تعالى كفّرهم بإنكارهم البعث وسمى مقالتهم زعمًا؛ فدل ذلك على أن من أنكره فهو كافر، وإنما زعموا أنهم لن يبعثوا؛ لأنهم قالوا : أن البعث غير ممكن كما قال الله عنهم : ( ((((((((((( ((((((( ((((((((( ((( (((((((( ((((((( ((((( (((((( ((((((( ( ( (1) ، ومعنى : ( ((((((((( ((( (((((((( ( ، أي : ضاعت أجسامنا وعظامنا واختلطت بالأرض وصارت رفاتاً .(1/150)
وهم يزعمون أن الله تعالى لا يقدر على بعثهم بعد هذا كما قال تعالى عن بعض كفار قريش : ( (((((((( ((((( (((((( (((((((( ((((((((( ( ((((( ((( (((((( ((((((((((( (((((( ((((((( ( (2) ، وقد جاء إلى النبي ( بعظم وفتّه في وجهه ونفخه. وقال : أتزعم يا محمد أن الله يحيى هذا بعد ما أرمّ - يعني : بعدما فني فصار ترابًا - قال: "نعم ويدخلك النار".(3) فهذه هي شبهة الكفار، فإنهم يقولون: إن الله تعالى غير قادر على أن يحييها ويعيدها مرة أخرى وهي على هذه الحال. وقد أكثر القرآن الكريم من ذكر البعث في آيات كثيرة وتنوعت الأساليب في القرآن في موضوع الإقناع بالبعث. وقد جاء في القرآن براهين عقلية تدل على وقوع البعث وخلاصة الأدلة على وقوع البعث كما يلي :
.......................................................................
الدليل الأول : إخبار العليم الخبير بوقوع يوم القيامة، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وجاء هذا الإخبار في القرآن الكريم بأساليب متنوعة ليكون أوقع في النفوس وأقرب إلى القبول .(1/151)
الدليل الثاني : أن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني كما قال تعالى: ( ((((((((( (((((((((( ((((((( ((( (((( (((((((( (((((((( ((((( (((( (((((( (((((((( (((((((((( ((((( ((((((((((( ((( (((((( (((((( (((( ((((((( ( (1) ، وقد استقر في أفهام الناس وتصورهم أن الإعادة أهون من البدء فإذا كنتم تعترفون أن الله قد خلقكم ابتداء فلماذا تنكرون الإعادة مع أن الإعادة في نظركم أهون، والبدء والإعادة عند الله تعالى سواء وقد ذكر الله تعالى هذا المعنى فقال تعالى: ( (((((( ((((((( (((((((((( (((((((((( (((( (((((((((( (((((( (((((((( (((((((( ( (((((( (((((((((( (((((((((( ((( ((((((((((((( (((((((((( ( (((((( ((((((((((( ((((((((((( ( (2) ، يعني : أهون عليه في نظركم فلماذا تنكرونه؟ والحاصل أن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني.
الدليل الثالث : أن القادر على خلق الأعظم قادر على خلق ما دونه قال تعالى : ( (((((((((( ((((((( (((((( ((((((((((((( (((((((((( ((((((((( (((((( ((( (((((((( ((((((((( ( (((((( (((((( ((((((((((( ((((((((((( ( (3) .
.......................................................................(1/152)
الدليل الرابع : قدرة الله جل وعلا على تحويل الخلق من حال إلى حال فهو يميت ويحيى ويخلق ويفني وهذه الأرض تكون هامدة لا نبات فيها فينزل الله المطر فإذا هي خضراء تهتز قال تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((( ((((( (((((((( ((((((((( (((((((( (((((((((( ((((((((( (((((((((( (((((((((( (((((((( ( (((( (((((((( (((((((((( (((((((( (((((((((((( ( ((((((( (((((( ((((( (((((( ((((((( ( (1) ( (((((( (((((((( (((((((( ((((((((((( ((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((( (((((( ((((((( ((((((((((((( (((( (((((((( (((((( ((((((((( ( ((((((((( (((((((((( ( (2) فتجد أن القرآن يشير إلى هذا المعنى في كثير من الآيات وهو أن القادر على تحويل الشيء من حال إلى حال قادر على بعث الناس .
وفي الآية التي ذكر المصنف رحمه الله وهي قوله تعالى : ( (((((( ((((((((( (((((((((( ((( ((( ((((((((((( ( (((( (((((( (((((((( (((((((((((( (((( (((((((((((( ((((( (((((((((( ( ((((((((( ((((( (((( ((((((( (. دليل على وقوع البعث كما تقدم. ودليل على الحساب في قوله : ( (((( (((((((((((( ((((( (((((((((( ( ((((((((( ((((( (((( ((((((( (. والمعنى : أن بعث الخليقة من قبورهم ومحاسبتهم سهل هين عليه سبحانه وتعالى. وهذه الآية هي إحدى الآيات الثلاث في القرآن التي أمر الله فيها نبيه ( أن يقسم للمشركين بربه جل وعلا على وقوع البعث، وليس بعد قسم النبي ( بربه توكيد، والآية الثانية في سورة يونس:( ((((((((((((((((((( (((((( (((( ( (((( ((( ((((((((( ((((((( (((((( ( ( (3)
وأرسلَ اللهُ جميعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ .(1/153)
والدليل قوله تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((((((((( (((((( ((((((( (((((((( ((((( (((( (((((( (((((( ((((((((( ( ( وأولهم نوحٌ ( ، وآخِرُهُمْ محمدٌ (، وهو خاتَمُ النَّبِيِّينَ. والدليل على أنَّ أَوَّلَهُمْ نوحٌ قوله تعالى؛ ( ( (((((( (((((((((((( (((((((( (((((( (((((((((((( (((((( ((((( ((((((((((((((( (((( ((((((((( ( ( .
والآية الثالثة في سورة سبأ : ( ((((((( ((((((((( ((((((((( (( (((((((((( (((((((((( ( (((( (((((( (((((((( (((((((((((((((( ( (1) .
قوله : {وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين} هذه حكمة من الحكم العظيمة لإرسال الرسل إلى البشر (مبشرين ومنذرين) والتبشير معناه: ذكر الجزاء والثواب لمن أطاع. والإنذار : تخويف العاصي والكافر من سخط الله تعالى وعقابه، وقد يأتي التبشير أحيانًا في العذاب كما في قوله تعالى : ( (((((((((((( ((((((((( ((((((( ( (2) والأصل أنه يطلق على ما فيه خير والإنذار على ما فيه من شر .
قوله رحمه الله : {والدليل قوله تعالى : ( (((((( (((((((((((( (((((((((((( (((((( ((((((( (((((((( ((((( (((( (((((( (((((( ((((((((( (( (3) } هذه الآية دليل على وظيفة .......................................................................
من وظائف الرسل وهي : أنهم يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات، وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب.
وفيها دليل على أنه لم يبق للخلق على الله حجة بعد الرسل؛ لأنهم بينوا للناس أمر دينهم، ومراضي ربهم ومساخطه، وطرق الجنة وطرق النار، فلم يبق لمعتذر عذر، كما قال تعالى : ( (((((( (((((( (((((((((((((( ((((((((( (((( ((((((((( (((((((((( ((((((( (((((( (((((((((( ((((((((( ((((((( (((((((((( (((((((((( ((( (((((( ((( (((((( (((((((((( ( (1) .(1/154)
قوله: {وأولهم نوحٌ (، وآخرهم محمد ( . والدليل على أن أولهم نوح (، قوله تعالى : ( ( (((((( (((((((((((( (((((((( (((((( (((((((((((( (((((( ((((( ((((((((((((((( (((( ((((((((( ( ( (2)} استدل العلماء بهذه الآية على أن أول الرسل نوح - عليه الصلاة والسلام -. وجه الاستدلال من البعدية في قوله تعالى : ( ((((((((((((((( (((( ((((((((( ( ( ، ولو كان هناك رسول قبل نوح لذكر. أما من السنة فهو ما ورد في الحديث الصحيح في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة؛ فيقول لهم : (ائتوا نوحًا فإنه أول رسول إلى الأرض فيأتون نوحًا فيقولون له : أنت أول رسول أرسلك الله إلى أهل الأرض)(3) . وهذا من أقوى الأدلة على أن نوحًا - عليه الصلاة والسلام
.......................................................................
- أول الرسل. فإن آدم - عليه الصلاة والسلام - وصفه بأنه أول رسول إلى الأرض. وأما آدم - عليه الصلاة والسلام - فقد جرى الخلاف في رسالته، هل هو رسول أو ليس برسول. ومن قال إنه رسول يقول : لا منافاة بين رسالته ورسالة نوح؛ لأن رسالة آدم كانت إلى زوجته وبنيه فقط، فهي لأناس محصورين ولم يكن في الأرض آنذاك أهل غيرهم. وأما نوح - عليه الصلاة والسلام - فإن رسالته كانت إلى أهل الأرض. أو إن رسالة آدم كانت إلى بنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته، ونوح كانت رسالته إلى قوم كفار يدعوهم إلى التوحيد ... والله أعلم .(1)(1/155)
وقد ذكر بعض المؤرخين أن إدريس(، جد لنوح(، وإذا كان جدًّا لنوح فتكون رسالته متقدمة. وقال آخرون : إنه ليس جدًّا لنوح وإنما هو من أنبياء بني إسرائيل. وفي حديث المعراج ما يدل على أن إدريس من أنبياء بني إسرائيل وأن رسالته متأخرة. وذلك أن الرسول ( لما مرّ على إدريس- عليه السلام- في السماء الرابعة وسلم عليه قال له: أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح. قالوا: ولو كان جدًّا لنوح لقال للنبي(: الابن الصالح. وإن كان الحافظ ابن حجر قال : إن هذا لا يلزم؛ لأنه قد يكون قاله من باب التواضع.(2) لكن على أي حال يصلح أن يتمسك به. وخلاصة المسألة أنه لم تثبت الأولية بأدلة قوية إلا لنوح عليه الصلاة والسلام، والله أعلم.
وكلُّ أُمَّةٍِ بعث اللهُ إِليهِمْ رسولاً من نوح (، إلى محمدٍ ( يأْمُرُهُم بعبادة الله وحدهُ، وينهاهُم عن عبادةِ الطاغوتِ.
والمصنف ساق الدليل على أولية نوح ( وترك الدليل على أن محمدًا ( آخرهم لوضوحه وهو قول الله تعالى: ( ((( ((((( (((((((( (((((( (((((( (((( (((((((((((( (((((((( ((((((( (((( ((((((((( ((((((((((((( ( ( (1) .
قوله : { وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح (، إلى محمد ( يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت}، يعني : يأمرهم بالتوحيد؛ لأن التوحيد يجمع أمرين :
الأول : عبادة الله وحده .
الثاني : النهي عن عبادة الطاغوت . فكل أمة من الأمم السابقة بعث الله إليها رسولاً يدعوهم إلى توحيد الله تعالى وترك عبادة ما سواه فمن كفر بالطاغوت وآمن بالله تعالى فقد استمسك بالعورة الوثقى لا انفصام لها، ولا يصح من الإنسان عمل إلا بالبراءة من عبادة كل ما يعبد من دون الله تعالى، قال تعالى : ( (((((( ((((((((((( ((( (((((((( ((( ((((((( (((( ((((((( (((((((( ((((((( (( ((((((( (((( (((((( ((((((((((((( ( . (2)(1/156)
والدليل قوله تعالى : ( (((((((( ((((((((( ((( ((((( (((((( ((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((((((((( ((((((((((( ( ( . وافترض اللهُ على جميع العبادِ الكُفْرَ بالطَّاغُوتِ والإِيمانَ باللهِ. قال ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى : معنى الطَّاغُوتِ ما تَجَاوَزَ بِهِ العبدُ حَدَّهُ مِنْ معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ .
قوله: {والدليل قوله تعالى : ( (((((((( ((((((((( ((( ((((( (((((( ((((((( (((( ((((((((((( (((( ((((((((((((((( ((((((((((( ( ( (1)} معنى ( ((((((((( ( ، أي : أرسلنا. ومعنى ( ((( ((((( (((((( ( ، أي : في كل طائفة وقرن وجيل من الناس. وهذه الآية دليل واضح على أن الرسالة عمت كل أمة وأن دين الأنبياء واحد، كما أن الآية دليل على عظم شأن التوحيد وأنه واجب على جميع الأمم. وقد افترض الله على جمع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله؛ لأن توحيد العبد لا يتم إلا بذلك.
قوله: { قال ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى : معنى الطَّاغُوتِ ما تَجَاوَزَ بِهِ العبدُ حَدَّهُ مِنْ معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ } . هذا تعريف الطاغوت. وهذا الكلام ذكره ابن القيم رحمه الله في " إعلام الموقعين" (2) . وقد عرف ابن القيم الطاغوت أحسن تعريف. والطاغوت في الأصل مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فكل من يتجاوز الحد الذي يُحد له يعتبر في اللغة طاغوتًا، ومنه قوله تعالى :( ((((( ((((( ((((( (((((((((( ((((((((((((( ((( ((((((((((((( ( (3). وكلمة طاغوت من .......................................................................(1/157)
أبنية المبالغة مثل الجبروت والملكوت. أما تعريفه المقصود فكما قال ابن القيم رحمه الله : (كل ما تجاوز به العبد حده)، ومعنى كل ما تجاوز به العبد حده، أي : تعدى به العبد قدره الذي ينبغي له في الشرع فهو طاغوت، (من معبود) يعني : سواء كان هذا التعدي بكون هذا الإنسان عُبد من دون الله فصار معبودًا فمن صُرف له شيء من أنواع العبادة وهو مقر بذلك وراض به فإنه طاغوت؛ لأنه تجاوز حده وقدره في الشرع؛ لأن حده في الشرع أن يكون عابدًا لله تعالى لا أن يكون معبودًا فإذا رضي أن يكون معبودًا فقد تجاوز حده، (أو متبوع) هذا يدخل فيه الكهان والسحرة الذين يُتبعون فيما يقولون. كما يدخل في هذا علماء السوء الذين يدعون إلى الكفر أو إلى الضلال أو إلى البدع أو يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام والاستعاضة عنها بالقوانين الوضعية فهؤلاء كل واحد منهم يصدق عليه أنه طاغوت؛ لأنه تجاوز حده، وهذا التجاوز في كونه متبوعًا يشرع، (أو مطاع) هذا يدخل فيه الحكام والأمراء والخارجون عن طاعة الله تعالى، الذين يحرمون ما أحلَّ الله، أو يحلون ما حرم الله، فهم بهذا المعنى طواغيت؛ لأنهم تجاوزوا حدهم بكونهم هيأوا أنفسهم لأن يطاعوا في غير طاعة الله تعالى. هذا معنى التعريف الذي ذكره ابن القيم .
والطَّواغيتُ كثيرون، ورؤوسهم خمسةٌ : إِبْليسُ لعنه الله، ومَنْ عُبِدَ وهو راضٍ، ومَنْ دعا الناس إِلى عبادة نفسِهِ، ومَنِ ادَّعَى شيئًا من علم الغيبِ، ومن حَكَمَ بغيرِ ما أَنزَلَ اللهُ .
قول المصنف : {والطواغيت كثيرون} يعني : باعتبار التعريف الذي ذكره ابن القيم فإنه يتبين منه أن الطواغيت كثيرة؛ لأن كل من عُبد أو اتبع أو أُطيع فيصدق عليه أنه طاغوت، وهؤلاء كثيرون، ولكن رؤوسهم بالتتبع والاستقراء خمسة وما عدا هذه الخمسة فهو متفرع عنها .(1/158)
قوله : {ورؤوسهم خمسة : إبليس لعنه الله}؛ لأنه الداعي إلى عبادة غير الله تعالى فهو أول الطواغيت. قال تعالى : ( ( (((((( (((((((( (((((((((( ((((((((( ((((((( ((( (( ((((((((((( (((((((((((( ( ((((((( (((((( (((((( ((((((( ( (1) ، والمراد بعبادة الشيطان: طاعته؛ فيدخل في ذلك جميع أنواع الكفر والمعاصي؛ لأنها كلها طاعة للشيطان وعبادة له .
قوله: { ومن عُبد وهو راضٍ } هذا الثاني، والمعنى: من علم أن الناس يعبدونه ويتوسلون به ويصرفون له شيئًا من أنواع العبادة فرضي بهذه العبادة فهو طاغوت كما قال تعالى : ( ( ((((( (((((( (((((((( ((((((( ((((((( (((( (((((((( ((((((((( ((((((((( (((((((( ( ((((((((( ((((((( ((((((((((((( (.(2)
قوله : {ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه} هذا الثالث. وهو الذي يدعو
.......................................................................
الناس إلى عبادته وتعظيمه، وهذا ينطبق على بعض مشايخ الضلال من الصوفية وغيرهم الذين يقرون بالغلو ويفرحون بتعظيم الناس لهم .
قوله : {ومن ادعى شيئًا من علم الغيب} هذا الرابع : وذلك كالمنجمين والعرافين والرمالين الذين يدعون شيئًا من علم الغيب والله جل وعلا يقول : ( ((((((( (((((((((( (((( (((((((( (((((( (((((((((( ((((((( (((( (((( (((( (((((((((( ((( ((((((( ((((((((( (((((((( (((( (((((( (((((((( (((((( ((((((((( ((((((( ( (1) ، وقال تعالى : ( ( (((((((((( ((((((((( (((((((((( (( (((((((((((( (((( (((( ( ( (2) ، فعلم الغيب لا يكون إلا لله تعالى إلا من شاء الله تعالى من أنبيائه ورسله أن يطلعه على شيء من علم الغيب.(1/159)
قوله : {ومن حكم بغير ما أنزل الله} هذا الخامس؛ لأن الله جل وعلا يقول : ( ((((( (((( ((((((( (((((( ((((((( (((( (((((((((((((( (((( (((((((((((((( ( (3) ، وفي الآية الأخرى ( (((( ((((((((((((( ( (4) ، وفي الآية الثالثة : ( (((( (((((((((((((( ( (5) ، وهل هذه أوصاف متعددة لموصوف واحد؟ أو أنها لموصوفين مختلفين؟ من
.......................................................................
أهل العلم من قال : إنها أوصاف لموصوف واحد، يعني : أن الحاكم بغير ما أنزل الله على أي حال يعتبر كافرًا ظالمًا فاسقًا باعتبارات مختلفة فالحكم بغير ما أنزل الله باعتبار أنه جحود للشريعة يكون كفرًا، وباعتبار أنه مجاوزة لحق الإنسان واعتداء على حق الله تعالى في التشريع يكون ظلمًا؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه. ومن حيث إنه خروج عن شرع الله تعالى يكون فسقًا؛ لأن الفسق معناه : الخروج. ولا مانع أن الأوصاف هذه تنطبق على ذات واحدة؛ لأن الله جل وعلا يقول : ( (((((((((((((((( (((( ((((((((((((( ( (1) يعني: الكافر يوصف بأنه ظالم. وقال تعالى : ( (((((((( ((((((((( (((((( (((((((((((( (((((((((( (((((( (((((((((( ( (2) فوصفوا مع الكفر بالفسق. فقد يكون الشخص كافرًا ظالمًا فاسقًا؛ لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم ووصفهم بالفسق .
ومن العلماء من قال : إن هذه الأوصاف تتنزل على موصوفين بحسب الحامل لهم على الحكم بغير ما أنزل الله، فإذا حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أن حكمه أصلح أو أنه مثل حكم الله تعالى فهذا كافر كفرًا يخرج من الملة. أما إذا لم يحكم بما أنزل الله ولم يستخف به ولم يعتقد أن غير حكم الله أحسن فهذا يكون ظالمًا. أما إذا حكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله أنفع وأصلح وأن غيره لا خير فيه ولكنه حكم من أجل مجاراةٍ للمحكوم(1/160)
والدليل قوله تعالى : ( (( ((((((((( ((( ((((((((( ( ((( (((((((( ((((((((( (((( ((((((((( ( ((((( (((((((( ((((((((((((( (((((((((( (((((( (((((( (((((((((((( (((((((((((((( (((((((((((( (( (((((((((( ((((( ( (((((( ((((((( ((((((( ( .
له أو من أجل رشوة أو نحو ذلك فهذا يكون فاسقًا. فعلى هذا القول تنزل الأوصاف على حسب الحامل لهذا الحاكم(1) .
قوله : {والدليل قوله تعالى : ( (( ((((((((( ((( ((((((((( ( ( (2) } ساق المصنف رحمه الله الدليل على أن الله تعالى افترض على العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. أما تعريف الطاغوت وذكر الطواغيت فإن المصنف لم يستدل عليه هنا وقد استدل عليه في رسائل أخرى .(3) ومعنى ( (( ((((((((( ((( ((((((((( (، أي : لظهور أدلة الدين وبراهينه فلا يكره إنسان على أن يعتنق الإسلام وإنما يعتنقه الإنسان بإرادته واختياره ولا منافاة بين هذه الآية والآيات الدالة على وجوب القتال والجهاد؛ لأن هذه الأدلة مراد بها إزالة العوائق في وجه الإسلام فإذا وقف أناس في وجه الإسلام أو قوة وقفت في وجه الإسلام فإنه يشرع القتال ويجب في هذه الحالة لإزالة هذه العوائق لكن لا يُلزم الإنسان بأن يعتنق الإسلام. وهذه الآية فيها خلاف بين المفسرين، فمنهم من ذهب
.......................................................................(1/161)
إلى أنها منسوخة بآيات القتال. وضعّف هذا المحققون كابن جرير وابن العربي والشوكاني وغيرهم(1) . ومنهم من قال : إن هذه الآية محكمة وأنها خاصة باليهود والنصارى والمجوس. أما الوثنيون فإنهم يكرهون على الإسلام ويلزمون بالدخول فيه. وهو اختيار ابن جرير وجمع من المحققين . وعلى أي حال فالإنسان يعتنق الإسلام بإرادته واختياره وظهور تعاليمه وأدلته وبراهينه. وأما ما جاء في آيات القتال والجهاد فهذا لا ينافي الآية بل كل من وقف في وجه الإسلام من شخص أو من قوة فإنه يقاتل. أما أنه يلزم ويكره على اعتناق الإسلام فقد يعتنقه في الظاهر ولا يعتنقه في الباطن فيكون منافقًا.
وقوله تعالى : ( ((( (((((((( ((((((((( (((( ((((((((( ( ( الرشد: هو الهدى الموصل إلى سعادة الدارين. والغي معناه : الضلال المفضي بالعبد إلى الشقاء والخسران.
وقوله تعالى : ( ((((( (((((((( ((((((((((((( (((((((((( (((((( (((((( (((((((((((( (((((((((((((( (((((((((((( ( هذا هو معنى التوحيد؛ لأن التوحيد - كما ذكر الشيخ قبل قليل - لابد فيه من الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وهذا أول ما فرض على ابن آدم. وصفة الكفر بالطاغوت : أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها، وتبغضها وتكفّر أهلها وتعاديهم .
وهذا معنى لا إِله إِلا الله. وفي الحديث : " رأسُ الأَمرِ الإِسلامُ، وعَمُودُهُ الصلاةُ، وذُرْوَةٌ سَنَامِهِ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ" .(1/162)
ومعنى الإيمان بالله : أن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون من وسواه وتخلص له جميع أنواع العبادة وتنفيها عن كل معبود سواه وتحب أهل الإخلاص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتعاديهم (1). ولهذا قال رحمه الله {وهذا معنى لا إله إلا الله}، أي أن هذه الآية متضمنة للنفي والإثبات فتثبت جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، وتنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله تعالى، وقد تقدم بيان ذلك . وقوله : ( (((((( (((((((((((( ( ، أي : تمسك، واستمسك أبلغ من تمسك. قال الراغب : استمسكت بالشيء : إذا تحريت الإمساك(2) . وقوله : ( (((((((((((((( (((((((((((( ( العروة في الأصل :موضع شد اليد . والوثقى : تأنيث الأوثق. يقال : رجل أوثق وامرأة وثقى، والوثقى، أي : القوية التي لا تنفك. والمعنى - والله أعلم - فقد استمسك بالعقد المحكم الذي لا ينفك ولا ينفصم ، وفيه بيان أن الذي يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله أنه قد أخذ بالطريق إلى الجنة؛ لأنه استمسك بالعروة الوثقى .
قوله : {وفي الحديث : " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة} أراد المصنف رحمه الله بهذا الحديث الاستدلال على أن لكل شيء رأسًا وأن رأس الأمر الذي جاء به محمد ( هو الإسلام .
.......................................................................
وقد جاء تفسيره في رواية أخرى بالشهادتين فمن لم يقرَّ بهما باطنًا وظاهرًا فليس من الإسلام في شيء . (1)(1/163)
وقوله : "وعموده الصلاة"، أي : قوام الدين الذي لا يقوم الدين إلا به كما يقوم الفسطاط على عموده هو الصلاة. وهذا دليل بين على عظم شأن الصلاة وأنها من الدين بهذا المكان العظيم. وأن مكانها من الدين مكان العمود من الفُسطاط - وهو بيت من شَعَر - فهو قائم ما وجد العمود، ولو سُحب العمود منه ما نفعت الأطناب وسقط البيت على الأرض. وفي هذا دليل على أن الذي يترك الصلاة لم يبق له دين ولذلك استدل الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أهل العلم الذين يقولون بأن تارك الصلاة كسلاً كافر استدلوا بهذا الحديث. ووجه الاستدلال أنه أخبر أن الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة. فكما تسقط الخيمة بسقوط عمودها فكذا يذهب الإسلام بذهاب الصلاة .(2)
وليس في الحديث تعرّض لكونه معترفًا بها أو جاحدًا لوجوبها. بل هو ظاهر في الترك مطلقًا . والله أعلم .
قوله: {وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله}، الذروة : بكسر الذال وضمها وفتحها. وذروة الشيء أعلاه. وذروة البعير سنامه وهو أعلى شيء فيه. وهذا الحديث يدل على أن الجهاد هو أعلى شيء في الدين؛ لأن الجهاد
واللهُ أَعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فيه بذل للنفس التي هي أغلى وأثمن شيء عند الإنسان .
وما ذكره المصنف رحمه الله هو جزء من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، وهو حديث طويل أوله : "قلت : يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال : لقد سألت عن عظيم .. الحديث" (1)
قوله : {والله أعلم} ختم الشيخ رحمه الله هذه الرسالة المفيدة كغيره برد العلم إلى الله تعالى المحيط بكل شيء علمًا .(1/164)
قوله : {وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم} جملة (صلى) : خبرية لفظًا، إنشائية معنى؛ لأن الشيخ لا يريد مجرد الإخبار بأن الله صلى على محمد وإنما يريد الدعاء فالمعنى : اللهم صلّ ... والصلاة من الله تعالى على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، أي : عند الملائكة المقربين . كما قال ذلك أبو العالية. ورواه البخاري في "صحيحه" (2) . وهذا أحسن ما قيل في معنى ذلك .
وقوله : (وآله) فيهم خلاف. والأظهر أن الآل إذا ذكروا وحدهم، فالمراد : جميع أتباعه على دينه كما هنا . أما إذا قرنت بالأتباع فقيل : آله وأتباعه، فالآل : هم المؤمنون من آل بيته ( .
.......................................................................
وقوله : (وصحبه) اسم جمع صاحب، ويجمع على أصحاب، والمراد : أصحابه، وهم كل من اجتمع بالنبي ( مؤمنًا به، ومات على ذلك، وعطفه من باب عطف الخاص على العام .
قوله : (وسلم) معطوف على قوله (وصلى الله) . وهي خبرية لفظًا إنشائية معنى، أي : اللهم سلمه، أي : من النقائص والرذائل والآفات، وفي الجميع بينهما سر بديع، ففي الصلاة حصول المطلوب وهو الثناء عليه، وفي السلام زوال المرهوب .(1)
وإلى هنا انتهى ما أردنا كتابته على هذه النبذة المفيدة نسأل الله تعالى أن يكتب الأجر لمؤلفها ومن شرحها وقرأها عاملاً بما فيها من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ( . والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الفهرس
الموضوع
الصفحة
مقدمة .....................................................
ترجمة موجزة لمؤلف الرسالة .................................
الكلام على البسملة .........................................
المسائل الأربع : ............................................
1- العلم ...............................................(1/165)
المراد بالعلم هنا .............................................
الإسلام له معنيان ...........................................
2- العمل بالعلم، دليله ..................................
3- الدعوة إلى توحيد الله وطاعته ........................
صفات الداعية ..............................................
4- الصبر على الأذى في الدعوة إلى الله ...................
تفسير سورة العصر .........................................
كلمة الشافعي - رحمه الله - في سورة العصر .................
العلم قبل القول والعمل .....................................
تفسير قوله تعالى : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر(.........
المسائل الثلاث : ............................................
1- توحيد الربوبية وأدلته ................................
الرزق نوعان : ..........................................
5
7
9
12
12
12
14
16
18
19
20
22
25
26
27
28
28
30
الموضوع
الصفحة
وجوب طاعة الرسول ( ، والتحذير من معصيته .............
تفسير قوله - تعالى - : ( إنا أرسلنا إليك رسولاً( ...........
2- توحيد الألوهية .....................................
تفسير قوله تعالى : ( وأن المساجد لله( .......................
3- الولاء والبراء .......................................
تفسير قوله - تعالى - : ( لا تجدُ قوماً ( .....................
معنى الحنفية ملة إبراهيم - عليه السلام - .....................
من ثمرات الإخلاص .........................................
الغاية من خلق الجن والإنس .................................
تفسير قوله- تعالى -: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون(.
أعظم ما أمر الله به التوحيد ..................................
أعظم ما نهى الله عنه الشرك .................................(1/166)
تعريف الشرك الأكبر، وأنواعه ...............................
الأصول الثلاثة ..............................................
الطريقة الحوارية في التعليم ...................................
الأصل الأول : معرفة العبد ربه ..............................
معنى كلمة "الرَّب" ..........................................
تفسير قوله - تعالى - : ( الحمد لله رب العالمين( ............
آيات الله نوعان .............................................
32
33
35
36
37
39
43
45
46
47
48
49
50
54
54
56
56
58
59
الموضوع
الصفحة
من آيات الله الليل والنهار ...................................
من آيات الله الشمس والقمر..................................
من مخلوقات الله السماوات والأرض ..........................
تفسير قوله - تعالى - : ( ومن آيته الليل والنهار ( ...........
تفسير قوله - تعالى - : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام( .......................................
تفسير قوله - تعالى - : ( يأيها الناس اعبدوا ربكم( ..........
البراهين العقلية على بطلان اتخاذ الآلهة ........................
ترجمة موجزة لابن كثير - رحمة الله - .......................
أنواع العبادة التي أمر الله بها .................................
حكم من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله.................
تفسير قوله - تعالى - : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر( ........
1- الدعاء .............................................
الدعاء نوعان ..............................................
حديث : (الدعاء مخ العبادة) معناه وتخريجه ...................
تفسير قوله - تعالى - : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم(..
60
61
64
64
65
68
71
72
73
75
75
76
76
76
78
الموضوع
الصفحة
2- الخوف .............................................(1/167)
معناه، وأنواعه الفرق بين الخشية والخوف .....................
تفسير قوله - تعالى - ( فلا تخافوهم وخافون( ...............
3- الرجاء .............................................
معناه، ونوعاه، الفرق بين الرجاء والتمني ..................
تفسير قوله - تعالى - : (فمن كان يرجوا لقاء ربه(.......
كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.........
4- التوكل ............................................
معناه، أنواعه ...........................................
تفسير قوله - تعالى - : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين( ...............................................
عظم شأن التوكل .......................................
5- الرغبة .............................................
معناها ..................................................
6- الرهبة، معناها ......................................
7- الخشوع، معناه......................................
الدليل على أن هذه الثلاث عبادات ......................
8- الخشية .............................................
معناها، الفرق بينها وبين الخوف .........................
79
79
81
82
82-83
83
85
86
87
89
90
90
91
91
91
92
92
92
الموضوع
الصفحة
9- الإنابة .............................................
معناها، والفرق بينها وبين التوبة..........................
الإنابة نوعان ..........................................
تفسير قوله - تعالى - : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له( .
10- الاستعانة .........................................
معناها، وأنواعها ........................................
تفسير قوله - تعالى - : ( إياك نعبد وإياك نستعين(.......
11- الاستعاذة .........................................
معناها، وأنواعها.........................................(1/168)
تفسير قوله - تعالى - : (قل أعوذ برب الفلق(، (قل أعوذ برب الناس( ...............................................
12- الاستغاثة..........................................
معناها، الفرق بينها وبين الاستعاذة........................
تفسير قوله - تعالى - ( إذ تستغيثون ربكم( .............
13- الذبح ............................................
المراد به هنا، أنواع الذبح ................................
93
93
94
95
95
95
97
99
99
99
100
100
101
102
102
الموضوع
الصفحة
تفسير قوله - تعالى - : ( قُل إن صلاتي ونسكي( ............
شرح حديث : " لعن الله من ذبح لغير الله "...................
14- النذر .................................................
معناه، وحكمه .............................................
تفسير قوله - تعالى - : (يوفون بالنذر( .....................
الأصل الثاني : معرفة دين الإسلام بالأدلة .....................
المرتبة الأولى : الإسلام ......................................
معنى الدين في اللغة، الدين الإسلامي .........................
الأسس التي يقوم عليها دين الإسلام ..........................
أركان الإسلام .............................................
معنى الشهادة، ولماذا جُعِلَت الشهادتان ركناً واحداً.............
تفسير قوله - تعالى - : (شهد الله أنه لا إله إلا هو( ..........
معنى : " لا إله إلا الله " .....................................
تفسير قوله : - تعالى - : (وإذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء( ......................................................
تفسير قوله : - تعالى - : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء( .....................................................
دليل شهادة أن محمداً رسول الله .............................
103
104
105
105
105
107
107
107
108(1/169)
109
111
112
113
116
118
120
الموضوع
الصفحة
معنى شهادة أن محمداً رسول الله .............................
الأمر بالاتباع، والنهي عن الابتداع............................
دليل الصلاة والزكاة، وتفسير التوحيد ........................
معنى الصلاة، وبعض ثمرات إقامتها ...........................
معنى الزكاة، وبعض ثمرات إخراجها..........................
دليل الصيام ................................................
معنى الصيام، وشيء من فوائده ..............................
تفسير قوله - تعالى - ( يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام(.
دليل الحج .................................................
معنى الحج، وتفسير قوله - تعالى - : (ولله على الناس حج البيت( ....................................................
المرتبة الثانية : الإيمان ........................................
معنى الإيمان ................................................
شعب الإيمان ...............................................
1- الإيمان بالله - تعالى - يتضمن أربعة أمور ............
2- تعريف الملائكة، وكثرة عددهم ......................
الإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور .......................
3- المراد بالكتب .......................................
الإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور ........................
121
123
125
127
128
129
129
129
130
130
132
132
132
135
136
136
138
138
الموضوع
الصفحة
4- تعريف الرسول، والفرق بينه وبين النبي................
الإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور.........................
5- المراد باليوم الآخر، ولِمَ سُمَّيَ بذلك .................
الإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور ....................
6- المراد بالقدر ........................................(1/170)
الإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور .........................
الدليل على أركان الإيمان ................................
دليل القدر .............................................
المرتبة الثانية : الإحسان .................................
الإحسان نوعان ........................................
معنى قوله ( " أن تعبد الله كأنك تراه "..................
الإحسان أعظم مقامات الدين ...........................
تفسير قوله - تعالى - : ( إن الله مع الذين اتقوا(.........
فسير قوله - تعالى - : ( وتوكل على العزيز الرحيم(.....
تفسير قوله - تعالى - : ( وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن( .................................................
الدليل من السنة على مراتب الدين .......................
شرح الحديث ..........................................
139
140
140
140
141
141
141
142
144
144
145
146
146
147
148
149
149
الموضوع
الصفحة
الأصل الثالث : معرفة نبينا محمد ( .........................
اسمه ونسبه .................................................
عمره ومكان ولادته ........................................
مدة النبوة والرسالة ..........................................
تفسير قوله - تعالى - : ( يا أيها المدثر ( ....................
مدة الدعوة إلى توحيد الله - تعالى - .........................
الإسراء والمعراج ............................................
فرض الصلوات الخمس .....................................
تعريف الهجرة ..............................................
مناسبة ذكر الهجرة مع الأصول الثلاثة ........................
بلد الشرك، وبلد الإسلام ....................................
حكم الهجرة، وأنها باقية .....................................(1/171)
الدليل على وجوب الهجرة ...................................
الهجرة ثلاث أضرب ........................................
الأصل تحريم السفر إلى بلاد الكفار ...........................
شروط السفر لبلاد الكفار ...................................
السفر لبلاد الكفار لغرض السياحة ...........................
تفسير قوله - تعالى -( ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة(.
160
160
163
163
164
167
171
172
173
174
174
175
176
177
179
180
181
183
الموضوع
الصفحة
وسبب نزولها ..............................................
الدليل على وجوب الهجرة من السنة .........................
فرض بقية شرائع الإسلام ...................................
تحديد وقت فرض الزكاة ....................................
تحديد وقت فرض الصوم والحج ..............................
وقت فرض الجهاد ..........................................
وقت فرض الأذان ..........................................
لماذا خصَّ الشيخ - رحمه الله - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون غيره من بقية الشرائع .............................
مدة الدعوة في المدينة ........................................
وفاته ( ...................................................
بقاء دينه ( ...............................................
كلام جامع للشيخ رحمه الله .................................
عموم بعثته ( .............................................
إكمال الدين، ودليله ........................................
تفسير قوله - تعالى - : ( اليوم أكملت لكم دينكم(.........
تفسير قوله - تعالى - : (إنك ميت وإنهم ميتون( ............
وجوب الإيمان بالبعث، ودليل ذلك...........................
183
183
185
186
187
188
188
189
189
189
190
190
191
192
192
193
194
الموضوع
الصفحة(1/172)
وجوب الإيمان بالحساب والجزاء، ودليل ذلك..................
تعريف الحساب، وهل هو عام أو خاص بالمؤمن؟..............
الحكمة من محاسبة الكفار....................................
كفر من كذب بالبعث، ودليل ذلك...........................
الأدلة النقلية والبراهين العقلية على وقوع البعث................
الحكمة من إرسال الرسل.....................................
أول الرسل، ودليل ذلك......................................
الخلاف في رسالة آدم عليه - السلام - ......................
دعوة جميع الرسل إلى عبادة الله - تعالى - ، واجتناب الطاغوت...................................................
تفسير قوله - تعالى - : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا (......
معنى الطاغوت .............................................
رؤوس الطواغيت ...........................................
الحكم بغير ما أنزل الله ......................................
تفسير قوله - تعالى - ( لا إكراه في الدين ( .................
شرح حديث : " رأس الأمر الإسلام " .......................
شرح خاتمة الرسالة .........................................
الفهرس ....................................................
196
196
197
198
198
202
203
204
250
206
206
208
209
221
213
215
217
(1) هذا العنوان هو أول ما عنونت به هذه الرسالة في طباعتها الأولى، ومنها على سبيل المثال مجيء الرسالة بهذا العنوان ص95 في مجموع طبع بدار المعارف في مصر بتصحيح ومراجعة أحمد محمد شاكر وعلي محمد شاكر، وقال جامعها محمد النجار : إنه فرغ من جمعها في 24/3/1316هـ، ولها عناوين أخرى . فراجع : "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور صالح العبود : ص132 .(1/173)
(1) هذه الترجمة مأخوذة من عدة مصادر، وقد ترجم للشيخ كثيرون، فانظر : " عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " للدكتور صالح العبود : ص65 .
(1) "صحيح البخاري " : (رقم 7) ، "صحيح مسلم" : (رقم 1773) ، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - .
(2) هذا الحديث أخرجه الخطيب في " الجامع" : (2/69 ، 70)، والسبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" المقدمة : (ص12)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وهو حديث ضعيف جداً؛ لأنه من رواية أحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي. قال الخطيب في "تاريخه" (5/77) : (كان يضعف في روايته ويطعن عليه في مذهبه) ، أي : في التشيع. وقال ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة " (1/33) : (شيعي اتهمه ابن الجوزي بالوضع) اهـ .
والحديث ضعفه الحافظ ابن حجر رحمه الله على ما نقله في " الفتوحات الربانية" : (3/290).
(1) سورة الأحزاب، الآية : 43 .
(2) سورة التوبة، الآية : 117 .
(1) "بدائع الفوائد" : (1/24) .
(1) انظر : "جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر : (ص31) ، "حاشية ابن قاسم على ثلاثة الأصول" : (ص14) .
(2) " الفروغ " لابن مفلح : (1/ 525) .(1/174)
(1) أخرجه من أصحاب الكتب الستة ابن ماجة : (1/81)، وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" : (رقم : 2837)، والطبراني في "الأوسط" : (1/33) ، وغيرهم كثيرون، وقد اختلف أهل العلم في هذا الحديث، فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه، فقد نقل ابن الجوزي في "العلل" (1/66) قول الإمام أحمد: (لا يثبت عندنا في هذا الباب شيء). والحديث مرويٌ عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - وله طرق جمعها السيوطي في جزء مطبوع. ورواه ابن الجوزي في "العلل" : (1/57) من أربعة عشر طريقاً، من حديث أنس - رضي الله عنه - ثم تكلم عليها . ولعل تعدد رواته وطرقه يدل على أن له أصلاً. وقد صححه بعض الحفاظ المتأخرين، قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة"(1/258): (قال الحافظ المزي الشافعي: وله طرق كثيرة عن أنس، يصل مجموعها إلى مرتبة الحسن ... وفي "تلخيص الواهيات" للذهبي: روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وأبي سعيد، وبعض طرقه أو هى من بعض، وبعضها صالح، والله أعلم) .
ومال السخاوي في "المقاصد" : (ص275) إلى تصحيحه، ونقل المناوي في "فيض القدير": (4/354) أن السيوطي حسنه. وممن صححه الألباني في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" وقال بعد أن تكلم عن طرقه : (إن طرقه يقوي بعضها بعضاً، بل أحدها حسن، فالحديث بمجموع ذلك صحيح بلا ريب عندي) . قال السخاوي في " المقاصد" (ص277) :
(قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث "ومسلمة" وليس لها ذكر في شيء من طرقه، وإن كان معناها صحيحاً) اهـ .
(1) انظر : "شرح الشيخ ابن عثيمين للأصول الثلاثة" (ص13) ، و "حاشية ابن قاسم" : (ص15) .
(2) " مجموع الفتاوى" : (3/94) . وانظر : "تفسير ابن كثير" : (3/377) .
(3) سورة المائدة، الآية : 44 .
(1) سورة يونس، الآية : 84 .
(2) سورة البقرة، الآية : 133 .
(3) سورة آل عمران، الآية : 85 .
(4) سورة المائدة، الآية : 3 .
(1) انظر كتابي : " العمل بالعلم "، ط1، دار المسلم .(1/175)
(1) انظر : " اقتضاء العلم العمل " : (ص90) .
(2) كالبيضاوي في "تفسيره" عند قوله تعالى : ( وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً( ، وراجع : " حلية الأولياء " لأبي نعيم:(10/15).
(3) انظر : " سلسلة الأحاديث الضعيفة " للألباني : (1/423، رقم 422) .
(4) سورة محمد، الآية : 17 .
(5) "فتح القدير" : (5/35) .
(1) أخرجه الترمذي : (7/101 - تحفة) ، وقال : حديث صحيح. وانظر : "الصحيحة" للألباني : (رقم 946)، و "اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي : (ص16، وما بعدها)، و "صحيح الترغيب والترهيب" : (1/125) .
(2) أخرجه مسلم : (3/101) من حديث طويل .
(3) سورة يوسف، الآية : 108 .
(4) أخرجه البخاري : (رقم 4210)، ومسلم : (رقم 2406) .
(1) أخرجه البخاري : (رقم 1395) ، ومسلم : (رقم 19) ، كتاب الإيمان .
(1) سورة النحل، الآية : 125 .
(2) انظر : "مدارج السالكين" : (2/478)، "تفسير ابن سعدي" : (3/92)، ورسالة "مفهوم الحكمة في الدعوة" للدكتور صالح بن حميد .
(3) سورة الأنعام، الآية : 34 .
(1) سورة لقمان، الآية : 17.
(2) سورة الأحقاف، الآية : 35 .
(3) سورة البقرة، الآية : 214 .
(1) سورة العصر، الآيات : 1-3 .
(2) انظر : "التبيان في أقسام القرآن" : (ص61) .
(1) سورة النساء، الآية : 28 .
(2) سورة الزمر، الآية : 65 .
(3) سورة الأنعام، الآية : 31 .
(4) سورة المؤمنون، الآية : 103 .
(1) سورة النساء، آية : 119 .
(2) سورة المجادلة، الآية : 19 .
(3) انظر : "أضواء البيان" التتمة : (9/495) ، "تفسير ابن سعدي" : (5/453)، والآية من سورة الحج، رقم : 11 .
(1) "مجموع الفتاوى" : (28/152)، وانظر : "التبيان" لابن القيم : (ص62) .
(2) "تفسير ابن كثير" : (8/499) .
(1) انظر : "صحيح البخاري" : (1/159 - الفتح) .
(2) سورة محمد، الآية : 19.
(3) "حلية الأولياء" : (7/305) .(1/176)
(1) في نسخة الأصول بحاشية ابن قاسم : (ثلاث هذه المسائل)، وفي "المجموع" المطبوع بدار المعارف في مصر : (تعلّم هذه الثلاث مسائل)، ولعل المثبت في الأصل أوضح .
(2) سورة الذاريات، الآية : 56 .
(3) سورة الزمر، الآية : 62 .
(1) سورة الطور، الآية : 35 .
(1) (2/247 - الفتح) في الصلاة، و (6/168) في الجهاد، و (7/323) في المغازي، و (8/603) في التفسير .
(2) انظر : "الأسماء والصفات" للبيهقي : (ص390) .
(3) سورة الذاريات، الآية : 22 .
(4) سورة الذاريات، الآية : 58 .
(5) سورة آل عمران، الآية : 37 .
(1) سورة الأعراف، الآية : 32 .
(2) انظر : "لوامع الأنوار البهية" : (1/343)، والآية من سورة هود، رقم : 6.
(3) سورة القيامة، الآية : 36 .
(4) سورة المؤمنون، الآية : 115 .
(1) سورة الفجر، آية : 24 .
(2) سورة النساء، الآية : 64 .
(1) سورة يوسف، الآية : 40 .
(2) سورة النساء، الآية : 13 .
(3) سورة النساء، الآية : 14 .
(4) أخرجه البخاري : (13/249 - فتح) .
(5) سورة المزمل، الآيتان 15 ، 16 .
(1) "روح المعاني" : (29/108) .
(2) أخرجه البخاري : (8/675 - الفتح) معلقاً، ووصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .
(1) " حلية الأولياء" (1/134)، وانظر : لسان العرب (1/190) .
(2) سورة غافر، الآية : 46 .
(1) سورة لقمان، الآية : 13 .
(2) سورة المائدة، الآية : 3 .
(3) سورة الزمر، الآية : 7 .
(4) سورة الجن، الآية : 18 .
(5) أخرجه البخاري : (رقم 221)، ومسلم : (رقم 285) .
(1) سورة الممتحنة، الآية : 4 .
(2) أخرجه الطبراني في "الكبير" : (رقم 10357 ، 10531)، والحديث حسنه الألباني في تعليقه على كتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة : (ص45) .
(1) سورة المجادلة، الآية : 22 .
(1) "الإيمان" : (ص13) .
(2) "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني : (ص335) .
(3) "روح المعاني" : (28/36) .
(1) "تفسير ابن كثير" : (8/280) .(1/177)
(1) سورة المائدة، الآية : 51 .
(2) أخرجه أبو داود : (رقم 4031) ، وأحمد : (9/123) وغيرهما والحديث له طرق، وشواهد، يتقوى بها .
(1) راجع كتاب "الولاء والبراء في الإسلام" تأليف محمد بن سعيد القحطاني .
(1) سورة النحل، الآية : 120 .
(2) انظر : " تفسير ابن كثير" : (4/530) .
(1) "العبودية : (ص38) .
(2) سورة يوسف، الآية : 24 .
(1) سورة الحجر، الآية : 42، والإسراء، الآية : 65 .
(2) سورة ص، الآيتان : 82 ، 83 .
(3) انظر : "مجموع الفتاوى" : (10/260-261) ، والحديث أخرجه البخاري : (رقم 425)، ومسلم : (رقم (54/33) .
(4) سورة الأنبياء، الآية : 25 .
(5) سورة الذاريات، الآية :56 .
(1) سورة الرحمن، الآيتان : 14 ، 15 .
(2) راجع كتاب "عالم الجن والشياطين" للدكتور عمر الأشقر، والآية من سورة الأعراف رقم : 27 .
(3) "لسان العرب" : (6/10) .
(1) أخرجه أحمد : (16/ رقم 8681) ، والترمذي : (4/2466) ، وصححه أحمد شاكر . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" : (2/300)، وقد وقع عند الترمذي : "ملأت يديك شغلاً"، وفي معناه حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - أخرجه الحاكم : (4/326) ، والطبراني : 20/500) .
(1) سورة مريم، الآية : 93 .
(2) أخرجه البخاري : (8/492 - فتح) ، ومسلم : (رقم 86) .
(1) أخرجه البخاري : (رقم 5968)، ومسلم : (رقم 48/30) .
(2) سورة العنكبوت، الآية : 65 .
(3) سورة هود، الآيتان : 15 ، 16 .
(1) "الجواب الكافي" : (ص115) .
(2) " القول السديد " : (ص128) .
(3) سورة التوبة، الآية : 31 .
(1) أخرجه الترمذي : (8/492 - تحفة)، وابن جرير : (14/209)، تحقيق : محمود شاكر، و"البيهقي": (10/116)، وغيرهم. وقد حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الإيمان":(ص64)، والألباني في "غاية المرام " : (رقم : 6) ، وفي "صحيح الترمذي" : (3/56)، وفي سنده غطيف بن أعين. ذكره الدارقطني في "الضعفاء" . وذكره ابن حبان في "الثقات" .(1/178)
(2) انظر : "مجموعة التوحيد" (الرسالة الثالثة) : (ص346) . والآية من سورة البقرة : 165 .
(1) "الجواب الكافي" : (ص164) .
(2) سورة النساء، الآية : 36 .
(1) سورة النساء، الآية : 48 ، 116 .
(2) انظر : "مجموع الفتاوى": (11/663)، و "جامع الرسائل": (2/254)، و "القول المفيد":(1/110).
(1) سورة إبراهيم، الآية : 27 .
(1) أخرجه البخاري : (رقم 3208)، ومسلم : (رقم 2643) .
(2) سورة الفرقان، الآية : 3 .
(3) سورة الأعراف، الآية : 191 .
(1) سورة الفاتحة، الآية : 1 .
(2) سورة الأعراف، الآية : 54 .
(1) سورة الحديد، الآية : 9 .
(2) سورة النساء، الآية : 82 .
(1) سورة يس، الآيتان : 37 ، 38 .
(2) انظر : " تفسير ابن كثير " : (6/562) .
(3) أخرجه البخاري : (8/541 - فتح) ، ومسلم : (رقم 159) .
(4) انظر : " شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري " للشيخ عبد الله الغنيمان : (1/408) . وانظر : " شرح السنة " للبغوي: (15/95) .
(1) سورة يس، الآية : 40 .
(2) سورة يونس، الآية : 5 .
(3) انظر : " مفتاح دار السعادة " لابن القيم : (1/207 ، وما بعدها ).
(1) سورة الجاثية، الآية : 3 .
(2) سورة غافر، الآية : 57 .
(3) سورة فصلت، الآية : 37 .
(1) "تفسير ابن سعدي" :(4/400)
(2) سورة الأعراف، الآية : 54 .(1/179)
(3) أما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : "أخذ رسول الله ( بيدي فقال : "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة، أخر الخلق في آخر ساعة من الجمعة فيما بين العصر إلى الليل "فهذا الحديث أخرجه مسلم: (رقم 2789)، والنسائي في "الكبرى" : (رقم 11010)، وأحمد : (14/82) ، وهو حديث معلول قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره. وقال البخاري : الصحيح أنه موقوف على كعب الأحبار. اهـ . وهو مخالف للقرآن حيث دل على أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام . وقد ذكر الألباني في "الصحيحة":(رقم 1833) هذا الحديث وبيَّن أنه صحيح وأنه غير مخالف للقرآن وأن الأيام السبعة فيه غير الأيام الستة في القرآن، وأن الحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض فهو يزيد على القرآن ولا يخالفه. وقد دل على هذا الجمع حديث أخرجه النسائي في " الكبرى " = = : (6/427) من طريق الأخضر بن عجلان وقد وثقه ابن معين والبخاري والنسائي وابن حبان وغيرهم. فراجع هذا الحديث وانظر : "مختصر العلو" للألباني : (ص111) ، و "المشكاة" : (رقم 5734) . وفي مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية [جامعة الكويت] العدد التاسع عشر مقال جيد عن حديث "التربة" فراجعه .
(1) سورة فصلت، الآية : 9-12 .
(2) انظر : "التوحيد" لابن منده : (1/186)، و "تفسير ابن كثير" : (7/155)، " أضواء البيان" : (7/116) .
(3) انظر : "تفسير ابن كثير" (3/422)، و "شرح ثلاثة الأصول" لابن عثيمين : (ص44) .
(1) سورة الأعراف، الآية : 54 .
(1) سورة البقرة، الآية : 21 .
(1) سورة الأنبياء، الآية : 30 .
(2) سورة المؤمنون، الآية : 18 .(1/180)
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" : (1/62)، قال في "تيسير العزيز الحميد" (ص587) : (سنده جيد) اهـ. وقوله : (لا تجعل فيها فلان) لعله جاء على لغة ربيعة الذين يقفون على المنصوب بالسكون .
(1) أخرجه أحمد : (4/403)، والطبراني في "الأوسط" و "الكبير" كما في "المجمع" : (10/223) من طريق أبي علي الكاهلي عن أبي موسى - رضي الله عنه - . قال المنذري (1/76) : (ورواته إلى أبي علي محتج بهم في "الصحيح" . وأبو علي وثقة ابن حبان ولم أر أحداً جرحه) اهـ. ومثله في "مجمع الزوائد" .
والحديث حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" : (ص91، رقم33) . وانظر : "المنهج السديد" : (ص222).
(2) انظر : "القول المفيد" : (2/323) .
(3) سورة يونس، الآية : 31 .
(1) سورة الفرقان، الآية : 3 . وانظر : "تفسير ابن سعدي" : (1/43)، و "نبذة في العقيدة الإسلامية" : (ص21) .
(2) انظر : " البداية والنهاية " : (14/135 ، وما بعدها) .
(1) انظر: "البداية والنهاية ": (14/31)، وانظر: "فهرس البداية والنهاية" تأليف محمد الأشقر: (ص52)، و "البدر الطالع" : (1/153) .
(1) سورة الجن، الآية : 18 .
(1) سورة المؤمنون، الآية : 117 .
(1) أخرجه الترمذي : (5/426)، وأبو داود : (رقم 1479)، وابن ماجة : (رقم 3828)، وأحمد : (4/267)، والبخاري في "الأدب المفرد" : (رقم 714)، والحاكم : (1/491)، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
(2) سورة غافر، الآية : 60 .
(1) أخرجه الترمذي : (5/425) عن أنس - رضي الله عنه - وقال : هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة . اهـ .
قال في "التقريب" : (خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شيء مقرون".
وذكره الحافظ في "طبقات المدلسين" ، وقال ابن حبان في "المجروحين" : كان صالحًا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء . اهـ. وفيه عنعنة الوليد بن مسلم وهو قبيح التدليس .(1/181)
والحديث ضعفه المنذري في "الترغيب" : (2/482) حيث صدره بـ (رُوي) كما هو اصطلاحه كما في المقدمة. وانظر : "النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد" : (ص83) .
(1) سورة آل عمران، الآية : 175 .
(2) سورة القصص، الآية : 18 .
(1) انظر : " تيسير العزيز الحميد " للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : (ص484) .
(2) "مجموع الفتاوى" : (1/54 ، 55) .
(1) "مجموع الفتاوى" : (1/56) .
(2) سورة المائدة، الآية : 44 .
(3) " مجموع الفتاوى " : (1/57) .
(4) (1/514) .
(1) "المفردات في غريب القرآن" : (162) .
(2) سورة فاطر، الآية : 28 .
(3) "مدارج السالكين" : (1/512) ، والحديث أخرجه البخاري : (رقم 5063)، ومسلم " : (1108).
(4) سورة الكهف، الآية : 110 .
(5) "مجموع الفتاوى" : (10/256) .
(1) راجع : " مدارج السالكين " : (2/35-36) .
(1) سورة الانشقاق، الآيات 6-11 .
(2) "القول المفيد" : (2/230) .
(1) حلية الأولياء (1/75-76) .
(2) أخرجه الترمذي : (رقم 983) ، وابن ماجة : (رقم4261)، وحسنه الألباني : في صحيح ابن ماجة (2/420).
(3) انظر : " مجموع الفتاوى " : (10/256 - 257) .
(1) سورة يونس، الآية : 62 .
(2) "مجموع الفتاوى" : (1/95-96) .
(3) سورة المائدة، الآية : 23 .
(1) "طريق الهجرتين" : (ص336)، والآية من سورة الفاتحة، رقم : 5 .
(1) سورة هود، الآية : 123 .
(2) سورة الأنفال، الآيات : 2-4 .
(1) انظر : " تيسير العزيز الحميد " : (ص497)، وتوكيله ( عليًّا أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - : (رقم 1218) .
(2) أخرجه البخاري : (4/487 - فتح) .
(3) أخرجه البخاري : (6/632 - فتح) .
(4) انظر : " مدارج السالكين " : (2/129) .
(5) سورة الطلاق، الآية : 3 .
(1) سورة آل عمران، الآية : 159 .
(2) سورة يونس، الآية : 84 .
(3) سورة الأنبياء، الآية : 90 .
(1) " المفردات في غريب القرآن " : (ص204) .(1/182)
(2) سورة المؤمنون، الآية : 2 .
(3) سورة طه، الآية : 108 .
(4) سورة المعارج، الآية : 44 .
(1) سورة آل عمران، الآية : 133 .
(2) سورة المائدة، الآية : 3 .
(3) " المفردات " : (ص149) ، والآية من سورة فاطر، رقم : 28 .
(1) " فوائد قرآنية " : (ص96) .
(2) سورة الزمر، الآية : 54 .
(1) سورة الروم، الآية : 33 .
(2) سورة الروم، الآيتان : 33 ، 34 .
(3) " مدارج السالكين " : (1/434) .
(1) سورة آل عمران، الآية : 83 .
(1) انظر : " مدارج السالكين " : (1/74 ، 75) .
(2) انظر : " جامع العلوم والحكم " لابن رجب : شرح الحديث (19) .
(1) سورة المائدة، الآية : 2 .
(2) سورة البقرة، الآية : 153 .
(3) انظر : " شرح الأصول الثلاثة " للشيخ محمد العثيمين : (ص58) .
(1) " تفسير ابن سعيد " : (1/28 ، 29) .
(2) " جامع الترمذي " : (7/219 - تحفة) . وأخرجه أحمد : (1/293) ... وللحافظ ابن رجب شرح وافٍ لهذا الحديث مطبوع في جزء لطيف .
(1) سورة الفلق، الآية : 1 .
(2) سورة الناس، الآية : 1 .
(3) أخرجه مسلم : (رقم 2708) .
(4) أخرجه مسلم : (رقم 2202) .
(1) أخرجه مسلم : (رقم 814) ، والترمذي : (5/453) .
(2) سورة الأنفال، الآية : 9 .
(1) أخرجه مسلم : (رقم 1762)، وأحمد : (1/30 ، 31) .
(1) سورة الأنعام، الآية : 162 .
(2) انظر : " فتح المجيد " : (ص146) .
(1) أخرجه مسلم : (رقم 2038) . وانظر : " جامع الأصول " : (4/691) .
(2) سورة يس، الآيتان : 71 ، 72 .
(3) انظر : " تيسير العزيز الحميد " : (ص190-191) ، و "شرح الأصول الثلاثة " لابن عثيمين : (ص62).
(4) سورة الأنعام، الآية : 163 .
(1) انظر : " فتح القدير " للشوكاني : (2/185) ، و " تفسير ابن سعدي " : (2/92) ، "الإلمام ببعض آيات الأحكام " للشيخ محمد بن عثيمين : [تفسير ثالث متوسط : ص76] .
(2) " قرة عيون الموحدين " : ص85 .
(3) أخرجه مسلم : (رقم 1978) .
(1) " القول المفيد " : (1/223) .(1/183)
(2) أخرجه أحمد : (13/65 - الفتح الرباني) ، والترمذي : (5/96 - تحفة) وسنده حسن .
(3) أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - : (رقم 1218)، كما تقدم .
(4) سورة الإنسان، الآية : 7 .
(5) أخرجه البخاري : (11/499) ، ومسلم برقم : (1639) واللفظ له .
(1) سورة الحج، الآية : 29 .
(2) أخرجه البخاري : (رقم 6696) .
(3) انظر : " تيسير العزيز الحميد " : (ص204) .
(1) انظر : مادة (دين) من معاجم اللغة. وانظر : " نبذة في العقيدة الإسلامية" : (ص5) .
(1) سورة الزمر، الآية : 54 .
(2) انظر : " لسان العرب " : مادة (سلم) .
(1) سورة الممتحنة، الآية : 4 .
(2) انظر : الوافي " معجم وسيط للغة العربية " : (ص222) .
(1) أخرجه البخاري : (1/49 - فتح)، ومسلم : (رقم16) .
(2) " جامع العلوم والحكم " : شرح الحديث الثالث .
(1) سورة آل عمران، الآية : 18 .
(1) سورة لقمان، الآية : 30 .
(2) ومنهم من يرى أن الكلام تام لا يحتاج إلى تقدير خبر فـ (لا إله) مبتدأ، و (إلا الله) خبره. راجع رسالة: "التجريد في إعراب كلمة التوحيد" تأليف العلامة الشيخ علي القاري، المتوفى سنة 1014هـ.
(1) سورة الأنبياء، الآية : 25 .
(2) سورة النحل، الآية : 36 .
(3) سورة لقمان، الآية : 30 .
(1) "كلمة الإخلاص" : (ص23 ، 24) .
(2) سورة الزخرف، الآيات : 26-28 .
(1) سورة البقرة، الآية : 132 .
(1) سورة آل عمران، الآية : 64 .
(1) سورة التوبة، الآية : 31 .
(2) تقدم تخريجه .
(1) سورة يوسف، الآية : 40 .
(2) سورة التوبة، الآية : 128 .
(3) ورد ذلك من طرق، فراجع : " النهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد " : (ص333) .
(1) سورة آل عمران، الآية : 97 .
(2) أخرجه مسلم : (رقم 1337) .
(3) أخرجه قصة النبي ( مع عمه البخاري : (8/506 - الفتح) ، ومسلم : (رقم 39/26)، والآية من سورة القصص، رقم : 56 .
(1) سورة النساء، الآية : 64 .
(2) سورة يوسف، الآية : 40 .(1/184)
(3) سورة الحشر، الآية : 7
(1) أخرجه البخاري : (13/251 - فتح) ، ومسلم : (رقم 1337) . وانظر : شرح الحافظ ابن رجب على هذا الحديث في "جامع العلوم والحكم" : (رقم 9) .
(1) "مجموع الفتاوى" : (1/160) .
(2) سورة الأعراف، الآية : 157 .
(3) سورة الأعراف، الآية : 158 .
(4) سورة آل عمران، الآية : 31 .
(5) سورة الكهف، الآيتان : 103 ، 104 .
(6) سورة القصص، الآية : 50 .
(7) أخرجه أبو داود : (رقم 6407)، والترمذي : (رقم 2676)، وأحمد : (4/126)، وابن ماجه : (رقم 42-44)، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
(1) سورة الأحزاب، الآية : 21 .
(2) أخرجه البخاري : (رقم631)، ومسلم : (رقم 674) .
(3) أخرجه مسلم : (رقم 1297) .
(4) انظر : القسم الخامس من "مؤلفات الشيخ" الرسائل الشخصية : (ص106) . والحديث المذكور أخرجه البخاري : (رقم 7280 - فتح) ، وتقدم .
(1) سورة البينة، الآية : 5 .
(1) سورة البينة، الآيات : 1-5 .
(2) انظر كتابي : " شرح الورقات " : (ص97) .
(1) سورة البقرة، الآيات : 83، وغيرها من السور .
(2) سورة النساء، الآية : 162 .
(3) سورة المعارج، الآية : 23 .
(4) سورة المعارج، الآية : 34 .
(5) سورة العنكبوت، الآية : 45 .
(6) أخرجه النسائي: (7/61) ، وأحمد : (3/285) وغيرهما، وهو حديث صحيح .
(1) سورة البقرة، الآية : 183 .
(1) سورة البقرة، الآية : 187 .
(2) انظر : " تفسير ابن كثير" : (1/306)، و " تفسير الطبري" تحقيق محمود وأحمد شاكر : (3/409) .
(3) سورة آل عمران، الآية : 97 .
(1) هذا قول في المسألة، ويرى آخرون أن من ترك شيئًا من أركان الإسلام الخمسة عمدًا أنه كافر. وقد تقدم ذكر ذلك. راجع "جامع العلوم والحكم" لابن رجب : شرح الحديث الثالث . حَذَفَ .
(2) أخرجه مسلم : (رقم 121) .(1/185)
(1) قاله النووي في "شرحه على مسلم" : (2/417) . وانظر : "اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية: (1/211) ففيه بيان الفرق بين ما ورد من لفظ الكفر. معرّفاً بـ (أل) وبين ما جاء بدونها.
(2) أخرجه البخاري : (1/51 - فتح)، ومسلم : (رقم57، 58/35) .
(1) "فتح الباري" : (1/52) .
(2) "فتح الباري" : (1/52) . وانظر : شرح النووي عند الرقم المذكور. وانظر : " فتح الباري " للحافظ ابن رجب : (1/30). وقال ابن الصلاح (في صيانة صحيح مسلم) (ص197) : (ثم إن الكلام في تعيين هذه الشعب يتشعب ويطول. وقد صنف في ذلك مصنفات من أغزرها فوائد : كتاب "المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي، إمام الشافعين ببخارى، وكان من رفعاء أئمة المسلمين وحذا حذوه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل : "شعب الإيمان") ا.هـ. وانظر : "صحيح ابن حبان". الإحسان : (1/387) .
(1) انظر : " فتح الباري " لابن رجب : (1/134)، و "التمهيد" : (6/42) .
(2) أخرجه البخاري : (6/515)، (10/527-فتح) من حديث أبي مسعود الأنصاري البدري - رضي الله عنه - . وقوله : "إذا لم تستحي" بإثبات الياء مكسورة الحاء ويكون الجازم حَذَفَ الياء الثانية؛ لأنه من استحيا. وقيل : "إذا لم تستح" بحذف الياء للجازم مع كسر الحاء مخففة من استحى. قاله الجرداني في "شرحه على الأربعين" : (ص146) .
(1) " مدارج السالكين " : (2/259) .
(2) سورة الشورى، الآية : 11 .
(1) سورة المدثر، الآية : 31 .
(2) أخرجه البخاري : (3036)، ومسلم : (259/162) .
(1) سورة السجدة، الآية : 11 .
(2) "المسند" : (5/282) قال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح . وقال ابن كثير في " البداية والنهاية " (1/44) : هذا إسناد جيد قوي .
(1) سورة الرعد، الآية : 11 .
(2) أخرجه البخاري : (2/366)، (6/304 - فتح) .
(1) سورة النساء، الآية : 59 .(1/186)
(2) انظر : كتاب "النبوات" لشيخ الإسلام ابن تيمية" : (ص172)، و "أضواء البيان" : (5/735)، و "الإيمان"لشيخ الإسلام ابن تيمية: (ص6-7)، و"مذكرة التوحيد" للشيخ عبد الرزاق عفيفي:(ص45).
(3) سورة المائدة، الآية : 44 .
(1) سورة النجم، الآية : 3 .
(2) انظر : " نبذة في "العقيدة الإسلامية" : (ص27، وما بعدها) .
(1) سورة البقرة، الآية : 177 .
(1) ورد في هذه الآية حديث أبي ذر أنه سأل رسول الله ( فقال : يا رسول الله، ما الإيمان؟ فتلا عليه النبي ( هذه الآية. ولكن قال ابن كثير : إن هذا الحديث منقطع؛ لأنه من رواية مجاهد عن أبي ذر. ومجاهد لم يدرك أبا ذر فإنه مات قديمًا. هكذا قال الحافظ ابن كثير. أما الحافظ ابن حجر فقد ذكر الحديث في "فتح الباري" وقال : (رجاله ثقات وإنما لم يخرجه البخاري؛ لأنه ليس على شرطه). وقد أشكلت عليّ هذه العبارة (لأنه ليس على شرطه)؛ لأن ظاهرها أن الحديث صحيح إذ لو كان الحافظ يرى أن الحديث منقطع لم يقل لأنه ليس على شرطه. وكلمة رجاله ثقات ليست دليلاً على اتصال السند ولا على صحة الحديث كما هو معروف في علم المصطلح. ثم رأيت في إتحاف المهرة (14/183) للحافظ ابن حجر ما يوافق كلام ابن كثير. والله أعلم .
(2) سورة القمر، الآية : 49 .
(1) "تفسير ابن السعدي": (5/145)، و "أيسر التفاسير": (4/370)، والآية من سورة الفرقان، رقم: 2.
(2) أخرجه مسلم : (رقم 2653) .
(3) أخرجه مسلم: (رقم 2655)، والكيس : ضد العجز، وهو النشاط والحذق بالأمور . ومعناه : أن العاجز قد قدر عجزه. والكيس قد قدر كيسه. قاله النووي رحمه الله .(1/187)
(4) وهم الذين يقولون إن العبد مستقل بعمله في الإرادة والقدر، وليس لمشيئة الله تعالى وقدرته فيه أثر، وهذا يرده الشرع؛ لأنه مخالف لقوله تعالى : ( الله خالق كل شيء (. ويرده العقل فإن الكون ملك لله تعالى والإنسان من هذا الكون فهو مملوك لله تعالى . وليس للمملوك أن يتصرَّف في ملك المالك إلا بإذنه ومشيئته. "نبذة في العقيدة الإسلامية" : (ص63 ، 64) .
(5) "تفسير ابن كثير" : (7/457) .
(1) أخرجه مسلم : (رقم 1955) .
(2) انظر : "بهجة قلوب الأبرار" للشيخ عبد الرحمن السعدي : (ص156)، والآيتان من سورة فصلت، رقم : 34 ، 35 .
(1) انظر : كتاب " الإيمان" لشيخ الإسلام ابن تيمية : (ص6) .
(2) سورة النحل، الآية : 128 .
(1) سورة الشعراء، الآيات : 217-220 .
(1) سورة يونس، الآية : 61 .
(2) أخرجه البخاري :(1141-فتح) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-، ومسلم: (رقم8، 9، 10) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وأبي هريرة -رضي الله عنه - .
(1) "شرح الأربعين" لابن دقيق العيد : (ص11) .
(1) " صحيح ابن حبان " - الإحسان : (1/390) .
(1) "سنن النسائي" : (8/101) .
(1) سورة النور، الآية : 63 .
(2) "دليل الفالحين" : (1/216) .
(3) أخرجه البخاري : (8/513- فتح)، ومسلم : (برقم 10).
(4) انظر : " سنن النسائي ": (8/101) .
(1) "فتح الباري" : (1/117) .
(1) أخرجه البخاري : (1/129)، ومسلم : (23/17) .
(2) سورة الحجرات، الآية : 14 .
(3) سورة الذاريات، الآيتان : 35 ، 36 .
(1) سورة آل عمران، الآية : 19 .
(2) انظر : " الإيمان " : (ص7) .
(1) سورة لقمان، الآية : 34 .
(2) راجع : " تفسير ابن كثير " : (6/354) .
(3) انظر : " فتح الباري " : (1/114) ، و "صحيح مسلم" : (رقم 10) .
(1) " صحيح البخاري " : (8/513- فتح) ، ومسلم : (رقم 9، 10) ، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - .
(2) سورة البقرة، الآية : 18 .(1/188)
(3) " شرح النووي على صحيح مسلم" : (3/279) .
(4) " سنن النسائي " : (8/97)، و "جامع الترمذي" : (5/8) .
(1) " فتح الباري " : (1/125) .
(1) أخرجه البخاري : (6/554)، ومسلم : (رقم 2354)، وانظر : "فتح الباري" : (6/555).
(1) أخرجه أحمد : (20/177 - الفتح الرباني)، وابن ماجه : (رقم 2612)، قال ابن كثير : (وهذا إسناد جيد قوي وهو فيصل في هذه المسألة: فلا التفات إلى قول من خالفه والله أعلم). "السيرة" : (1/86). قال في "الزوائد" (2/327) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، ومعنى : "لا نقفوا أمنا" : قال في "النهاية" : لا نتهمها ولا نقذفها .
(2) أخرجه مسلم : (رقم 2276)، والترمذي : (5/544)، وقال : حديث حسن صحيح .
(3) أخرجه البخاري : (1/31 - فتح)، ومسلم : (رقم 1773) .
(1) انظر : " طبقات ابن سعد " : (1/75) ، و " الأعلام " للزركلي : (9/48) .
(2) " البداية والنهاية " : (2/156) .
(1) سورة إبراهيم، الآية : 39 .
(2) أخرجه البخاري : (6/559)، ومسلم : (رقم 2349).
(3) انظر : " البداية والنهاية" : (1/259) .
(4) أخرجه البخاري : (6/564 - فتح) .
(5) المصدر السابق .
(1) راجع : " فتح الباري "(6/570)، (8/150 ، 151) .
(2) " البداية والنهاية " : (3/6) .
(3) سورة الحج، الآية : 52 .
(1) أخرجه البخاري : (6/627) ، (7/226 - فتح)، ومسلم : (رقم 2272)، وقوله : (وَهَلي) بفتح الواو والهاء، أي : ظني، وقوله : (فإذا هي المدينة يثرب) كان ذلك قبل أن يسميها ( طيبة .
(1) سورة المدثر، الآيات : 1-7 .
(1) أخرجه البخاري (1/27 فتح)، ومسلم (255)(161) وقوله : (فَجُثِثْتُ) بالثاء بمعنى: فزعت. ويجوز: فجُئثت. بهمزة بعد الجيم ثم ثاء مثلثة ثم تاء. والمعنى واحد . انظر : شرحي القاضي عياض (1/49) والنووي (1/564) .
(1) " تفسير ابن كثير " : (8/289) ، "فتح القدير" : (5/324)، " فتح الباري " : (8/679) .
(1) سورة مريم، الآية : 48 .
(2) الكشف المكي (2/347) .(1/189)
(3) " تفسير ابن كثير " : (8/290)، " فتح القدير " : (5/324) .
(1) " تفسير ابن سعدي " : (5/332) .
(2) سورة الأعراف، الآية 59 ، 65 ، 73 ، 85 ، وسورة هود، الآيتان : 50 ، 61 ، وغيرها .
(3) سورة النحل، الآية : 36 .
(4) سورة الأنبياء، الآية : 25 .
(1) تقدم تخريجه .
(2) سورة الإسراء، الآية : 1
(1) سورة النجم، الآيات : 1-3 .
(2) سورة النجم، الآية : 18 .
(3) بضم الباء دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يضع خطوه عند أقصى طرفه "فتح الباري": (7/201).
(4) انظر : " السيرة " لابن كثير : (2/93)، و "فتح الباري" : (1/458)، (7/196 ، وما بعدها)، و "شرح لمعة الاعتقاد" للشيخ محمد العثيمين : (ص59) .
(1) أخرجه البخاري : (7/267 - فتح) .
(2) أخرجه ابن حبان : (6/447 - إحسان)، وابن خزيمة : (1/157)، وانظر : "فتح الباري" : (1/464) .
(3) أخرجه البخاري : (7/227 - فتح) .
(1) انظر : "شرح الأصول الثلاثة" لابن عثيمين : (ص130)، و "الفتاوى السعدية" : (ص92) .
(1) سورة البقرة، الآية : 217 .
(2) صحيح البخاري : (7/226) - فتح) .
(3) "فتح الباري " : (7/229) .
(1) "مجموع الفتاوى" : (18/284) .
(2) أخرجه البخاري : (6/189)، ومسلم : (رقم 1864) .
(1) سورة النساء، الآيات : 96 - 99 .
(1) انظر : "المغني" : (13/151) ، و "فتح الباري" : (6/190) .
(1) " تفسير ابن كثير " : (2/343) .
(2) "فتح القدير" : (1/505) .
(1) انظر : " شرح الأصول الثلاثة " لابن عثيمين : (ص133) .
(2) انظر : " الجامع الفريد " : (ص382)، و "مجموعة رسائل الشيخ حمد بن عتيق" : (ص49) حيث قسم المقيمين في دار الحرب إلى ثلاثة أقسام .(1/190)
(3) أخرجه أبو داود : (7/303 - عون)، والترمذي : (4/132) من حيث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - لكنه أعلَّ بالإرسال. قال الترمذي وأبو داود: وقد رواه جماعة ولم يذكروا جريرًا . وأخرجه النسائي : (8/36) عن قيس بن أبي حازم مرسلاً ولم يذكر جريرًا . قال الترمذي : (وسمعت محمدًا - يعني : البخاري - يقول : الصحيح حديث قيس عن النبي ( مرسل). والحديث صححه الألباني في "الإرواء" : (5/30)، وذكر طرقه وشواهده .
(1) أخرجه أبو داود : (7/477 - عون) وإسناده ضعيف؛ لأنه من طريق سليمان بن موسى قال : أخبرنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب : حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة. وسليمان بن سمرة قال الحافظ : مقبول. وابنه خبيب : مجهول، وجعفر بن سعد: ليس بالقوي، وسليمان بن موسى : فيه لين. لكن له طريق أخرى يتقوى بها أخرجه الحاكم : (2/141-142)، وقد حسنه الألباني في "الصحيحة" : (5/434). ويشهد له ما تقدم وكذا ما أخرجه النسائي : (5/82)، وابن ماجه : (رقم 2536) من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي ( قال : "... كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين" . قال الألباني : (وهذا إسناد حسن وصححه الحاكم : (4/600) ووافقه الذهبي.) " الصحيحة " : (رقم 369) .
(2) " اقتضاء الصراط المستقيم " : (1/82) .
(1) سورة العنكبوت، الآية : 56 .
(2) " تفسير البغوي " : (3/372) .
(1) " سير أعلام النبلاء " : (19/439)، و "البداية والنهاية" : (12/193) .
(2) " تفسير ابن كثير " (6/299)، و "أيسر التفاسير " : (3/462) .
(3) سورة الأنعام، الآية : 158 .(1/191)
(1) أخرجه أبو داود : (7/156 - عون)، والنسائي في "الكبرى" : (5/217)، و "البيهقي" : (9/17)، وأحمد : (4/99)، وغيرهم من طريق أبي هند البجلي عن معاوية . قال في "الإرواء" (5/33) : (ورجال إسناده ثقات غير أبي هند فهو مجهول لكنه لم يتفرد به ... " .
(2) أخرجه أحمد : (3/133) تحقيق شاكر. وقال : إسناده صحيح. وقال ابن كثير في "النهاية" : (1/170)، وهذه إسناد جيد قوي. وانظر : "الإرواء" : (5/33 ، 34) .
(1) سقط لفظ (الأذان) من بعض نسخ ثلاثة الأصول واستدركته من " مؤلفات الشيخ رحمه الله" القسم الأول : العقيدة والآداب الإسلامية : (ص194) .
(2) سورة الأنعام، الآية : 141 .
(3) سورة المعارج، الآيتان : 24 ، 25 .
(4) سورة المؤمنون، الآية : 4 .
(1) تفسير ابن كثير (5/457) .
(2) انظر : "البداية والنهاية" : (3/254) ، و "المجموع شرح المهذب" : (6/250) .
(3) انظر : "زاد المعاد" : (2/101) .
(1) سورة الحج، الآية: 78 .
(2) سورة البقرة، الآيتان : 190 ، 191 .
(3) انظر : " زاد المعاد " : (3/69) ، "فتح الباري" : (2/78 ، 79) .
(1) " المفردات في غريب القرآن " : (ص331) . وانظر : " النهاية " لابن الأثير : (3/216) .
(2) " إرشاد الفحول " : (ص71) .
(3) انظر : " السيرة النبوية " لابن كثير : (4/505) .
(1) سورة الحجر، الآية : 9 .
(2) أخرجه الطبراني في " الكبير " : (2/155 ، رقم 1647)، وصححه الألباني في "الصحيحة" : (رقم 1803) . وانظر : العلل للدارقطني (6/290) .
(1) أخرجه الشافعي: (1/13 - بدائع المنن)، قال الألباني: وهذا إسناد مرسل حسن فهو شاهد لما قبله...
(2) سورة الأعراف، الآية : 158 .
(3) أخرجه مسلم : (رقم 240/153) .
(1) سورة المائدة، الآية : 3 .
(2) أخرجه البخاري : (رقم 45)، ومسلم : (3017) .
(3) انظر : " تفسير الطبري " : (9/526) تحقيق شاكر .(1/192)
(1) أخرجه ابن ماجه : (43) ، وأحمد : (4/126)، والحاكم : (1/96)، قال الألباني : (هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير عبد الرحمن بن عمرو. وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عن جماعة من الثقات، وصحح له الترمذي وابن حبان والحاكم كما في "التهذيب") "الصحيحة": (رقم 937)، وانظر : "كتاب السنة" لابن أبي عاصم : (1/19) .
(2) سورة الزمر، الآيتان : 30 ، 31 .
(1) سورة الأنبياء، الآية : 34 .
(2) سورة آل عمران، الآية : 185 .
(3) أخرجه الترمذي : (5/344)، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" : (3/99) . وانظر : "تفسير ابن كثير" : (7/87) .
(4) " تفسير ابن كثير" : (7/87)، و "فتح الباري" : (8/146)، "والسيرة" لابن كثير : (4/478) . والآية من سورة آل عمران، رقم : 144 .
(1) سورة الأنبياء، الآية : 104 .
(2) "نبذة في العقيدة الإسلامية " للشيخ محمد العثيمين: (ص40) ، والآية من سورة المؤمنون، رقم: 115.
(3) سورة طه، الآية : 55 .
(4) أخرجه البخاري : (11/334)، ومسلم : (رقم 2859) .
(5) سورة نوح، الآية : 17
(1) سورة الزمر، الآيتان : 69 ، 70
(1) سورة القصص، الآية : 62 .
(2) سورة المؤمنون، الآية : 103-105 .
(3) انظر : "شرح النووي على صحيح مسلم" عند الحديث (رقم 2808)، "مجموع الفتاوى": (4/305) "فتح الباري" : (9/145) .
(1) سورة النجم، الآية : 31 .
(2) سورة طه، الآية : 15 .
(3) أخرجه أحمد : (6/48) ، قال ابن كثير في تفسيره (8/379) : (صحيح على شرط مسلم) .
(4) سورة التغابن، الآية : 7 .
(1) سورة السجدة، الآية : 10 .
(2) سورة يس، الآية : 78 .
(3) انظر : " تفسير ابن كثير " : (6/579) .
(1) سورة مريم، الآيتان : 66 ، 67 .
(2) سورة الروم، الآية : 27 .
(3) سورة يس، الآية : 81 .
(1) سورة فصلت، الآية : 39 .
(2) سورة فاطر، الآية : 9 .
(3) سورة يونس، الآية : 53 .
(1) سورة سبأ، الآية : 3 .(1/193)
(2) سورة آل عمران، الآية : 21، والتوبة، الآية : 34، والانشقاق، الآية : 24 .
(3) سورة النساء الآية : 165 .
(1) سورة طه، الآية : 134 .
(2) سورة النساء، الآية : 163 .
(3) أخرجه البخاري : (رقم 3340)، ومسلم : (رقم 194) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو في "الصحيحين" أيضًا من حديث أنس - رضي الله عنه .
(1) انظر : " فتح الباري " : (6/372)، (11/433-434) ، وشرح مسلم للنووي (3/57) .
(2) "فتح الباري" : (6/374) .
(1) سورة الأحزاب، الآية : 40 .
(2) سورة الأنبياء، الآية : 25 .
(1) سورة النحل، الآية : 36 .
(2) (1/50) .
(3) سورة الحاقة، الآية : 11 .
(1) سورة يس، الآية : 60 .
(2) سورة الأنبياء، الآية : 29 .
(1) سورة الجن، الآيات : 26-27 .
(2) سورة الأنعام ، الآية : 59 .
(3) سورة المائدة، الآية : 44 .
(4) سورة المائدة، الآية : 45 .
(5) سورة المائدة، الآية : 47 .
(1) سورة البقرة، الآية : 254 .
(2) سورة التوبة، الآية : 84 .
(1) انظر : رسالة " تحكيم القوانين " للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، و "مدارج السالكين": (2/266)، و "القول المفيد" : (2/266) .
(2) سورة البقرة، الآية : 256 .
(3) انظر : "مجموعة التوحيد" الرسالة السابعة : (ص260) .
(1) انظر : " تفسير ابن جرير " : (5/407) ، و "أحكام القرآن" لابن العربي : (1/233) ، و "فتح القدير" : (1/275) .
(1) انظر : "مجموعة التوحيد" ، " الرسالة السابعة " : (ص260) .
(2) " المفردات في غريب القرآن " : (ص468) .
(1) انظر " جامع العلوم والحكم " شرح الحديث : رقم (29) .
(2) انظر " كتاب الصلاة " لابن القيم : (ص47 ، 48) .
(1) أخرجه الترمذي : (رقم 2616)، وابن ماجه : (رقم 2973)، وقال الترمذي : حسن صحيح. وأخرجه أحمد من طرق. وانظر كلام ابن رجب عليه [الحديث التاسع والعشرون] .(1/194)
(2) انظر " فتح الباري " : (8/532)، وانظر : "فضل الصلاة على النبي ( " للقاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي : (ص82).
(1) انظر : " شرح العقيدة الواسطية " للشيخ محمد العثيمين : (1/46) .
??
??
??
??
حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول
15(1/195)