حشد الأدلة
تأليف
يحيى بن علي الحجوري
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق المرأة في الإسلام لا مزيد عليها
من حق المرأة على أبيها:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(1).
قال: ابن كثير في تفسير هذه الآية: وإذا رأيت منهم معصية زجرتهم عنها, وإذا رأيت منهم طاعة أعنتهم عليها. اهـ المراد.
قلت: فمن حق المرأة على وليها أن يقيها عقاب الله بإبعادها عما حرم الله.
قال تعالى عن لقمان عليه السلام: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}(2).
فمن أهم حقوق الولد ذكرا كان أو أنثى ما ذكره الله عز وجل في هذه الآية أن ينهاه عن الشرك بالله عز وجل ويعلمه توحيد الله، وأن يشعره بمراقبة الله تعالى له حيث أن الله عز وجل لا تخفى عليه مثقال حبة من خردل، وأن يأمره بالصلاة, وبالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والصبر على ذلك, وما كان وراءه من أذى في سبيله، وأن ينهاه عن الكبر, لأن ذلك يسبب بغض الله للعبد, وأن يأمره بالآداب الشرعية ومنها خفض الصوت.
__________
(1) ... سورة التحريم، الآية: 6.
(2) ... سورة لقمان، الآية: 13 – 19.(1/1)
وقال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(1).
وقال تعالى: {)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(2).
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}.
ففي هذه الآيات دلالة على أنه يجب على المسلم أن يتعاهد أبناءه ذكورا وإناثا بالوصية بعبادة الله عز وجل، وبالاستمساك بالإسلام، وتحذيرهم من معصية الله عز وجل من شرك وغيره.
وقد ثبت عند أحمد وأبي داود والترمذي من حديث سبرة بن معبد وعبدالله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, وفرقوا بينهم في المضاجع))(3).
ومن حقوق المرأة على أبيها حسن الرعاية:
فقد روى البخاري رقم (2554) ومسلم (1829) رحمهما الله من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته ومسئول عنهم, فكلكم راع ومسئول عن رعيته)).
وأخرج البخاري رقم (7150), ومسلم رقم (142) من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما من عبد استرعاه الله رعية لم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة)).
العدل بين الأخوة والأخوات في الهبة حال حياته
__________
(1) ... سورةالبقرة، الآية: 133.
(2) ... سورةالبقرة، الآية: 132.
(3) سيأتي تخريجه.(1/2)
فقد أخرج البخاري رقم (2586), ومسلم رقم (1623) من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: أعطاني أبي عطية, ثم أتى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-, فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما. قال: ((أكل ولدك نحلت مثله؟)) قال: لا. قال: ((فارجعه)).
وفي رواية قال: ((اتقوا الله, واعدلوا في أولادكم)).
السعي على الأولاد
قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(1).
وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}(2).
وأخرج أبوداود رقم (1692), وأحمد في «المسند» (2/160), والطيالسي رقم (2281)، وغيرهم من طرق عن وهب بن جابر الخيواني -وقد وثقه ابن معين- عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-, أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول)). وسنده حسن من الطريقين.
وأخرج مسلم رقم (996) بلفظ: ((كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته)).وأخرج مسلم رقم (995) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بنحوه.
وعن ثوبان عند مسلم (994) أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله)).
مما ذكر الله في كتابه الكريم في هذا
فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(3).
قال أئمة التفسير: أي اتقوا الله أن تعصوه, واتقوا الأرحام أن تقطعوهن.
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية:223.
(2) سورة الطلاق، الآية: 7.
(3) ... سورة النساء، الآية:1.(1/3)
ومنها قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً * وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً}(1).
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}(2).
ففي هذه الآية الأمر من الله عز وجل بإعطاء النساء مهورهن, وأنها تملك مهرها لا يحق لأحد التصرف فيه إلا إذا أعطته هي بطيبة من نفسها, وأن لها على وليها النفقة والكسوة وحسن الخلق.
وكذا قوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً}(3).
من حقوقها في المواريث
__________
(1) ... سورة النساء، الآية: من 4 – 5.
(2) ... سورة النساء، الآية: 20.
(3) ... سورة النساء، من الآية: 20-21.(1/4)
قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً * يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ(1/5)
فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ * تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}(1).
وقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(2).
ومن حقوقها في الإسلام أنها ليست تركة كسائر التركات يرثونها كما هو شأن الكفار في الجاهلية
__________
(1) ... سورة النساء من الآية: 11-14.
(2) ... سورة النساء من الآية: 175- 176.(1/6)
فقد أخرج البخاري في «صحيحه» (9/314) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها, وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}(1).
ومن حقها أن يزوجها على مسلم مستقيم كفء
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(2).
قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(3).
وثبت عند أبي داود (6/47) «عون المعبود», والنسائي (6/65) من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)).
ومن حقها على زوجها حسن العشرة
قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(4)الآية.
وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(5).
__________
(1) ... سورة النساء، الآية: 19.
(2) ... سورة التحريم، الآية: 6.
(3) ... سورة البقرة، الآية: 228.
(4) ... سورة النساء، الآية: 19.
(5) ... سورة البقرة، الآية: 228.(1/7)
وقال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(1).
وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}(2).
وأوصى بحسن عشرتها فقال: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}(3).
وقال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(4).
ففي هذه الآية أنه لا يجوز أن يحلف أن لا يجامعها أكثر من أربعة أشهر, فإن مضت الأربعة الأشهر إن شاء عاشرها وإن شاء فارق، حتى لا تكون كالمعلقة لا هي بالمتزوجة ولا هي بالأيم.
وأمر الله بالقوامة عليها وحسن رعايتها, فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} الآية(5).
وجعل الله لها مخرجا إن هي لم تعش مع زوجها في حياة طيبة, فقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}(6).
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية: 229.
(2) ... سورة الطلاق، الآية: 6.
(3) سورة النساء، الآية: 129.
(4) ... سورة البقرة، من الآية: 226 – 227.
(5) ... سورة النساء، الآية:34.
(6) ... سورة النساء، الآية: 129-130.(1/8)
وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم (3331), ومسلم رقم (1468) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((استوصوا بالنساء خيرا, فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه, فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لا يزال أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا)).
وقيل: إنها خلقت من ضلع آدم وقيل إن هذا لا دليل عليه إلا قول الله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وهذا معناه وخلق من جنسها زوجها وليست من ضلعه، وإن المعنى: إن هذا تمثيل كما جاء في رواية في «الصحيحين»: ((المرأة كالضلع)) فزاد مسلم: ((لن تستقيم لك على طريقة)) وهذا الأخير وهو أن ذلك تشبيه أقرب والله أعلم.
وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم (1469), أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر)).
ومعنى: لا يفركها: أي لا يبغضها. قاله النووي.(1/9)
وأخرج الترمذي في «جامعه» رقم (116و3087)، وابن ماجه رقم (1851) وغيرهما من طريق شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه عمرو بن الأحوص الجشمي -رضي الله عنه-، وسليمان بن عمرو مجهول حال وأخرجه أحمد في «المسند» (5/173) بنحوه, من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي حرة الرقاشي عن عمه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خطب في حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ((استوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن عندكم عوان(1)ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة(2)، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح, فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا, فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)).
والحديث بطريقيه هاتين حسن.
وأخرج أبوداود رقم (2142), وأحمد في «المسند» (5/3)، من طريق حماد بن سلمة قال: حدثنا أبوقزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت, وتكسوها إذا اكتسيت, ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)) وسنده صحيح.
وأخرج الترمذي رقم (1162), وأحمد في «المسند» (2/250و472) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم)). (وإسناده حسن).
__________
(1) ... عوان أسيرات كما في «النهاية» وغيرها من كتب اللغة.
(2) ... كالنشوز وعدم التعفف. اهـ من «تحفة الأحوذي» عند حديث رقم (1163).(1/10)
وثبت عند الترمذي رقم (3895), من حديث عائشة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
ففي هذه الأدلة بعض حقوق المرأة على زوجها إذا أطاعته في المعروف وفي غير معصية الله.
ومن حقوقها على أولادها برهم لها
وهذا لا يوجد عند الكافرين منه شيء, وربما جعلوا لها عيد الأم في السنة مرة يأتيها ولدها فيه ببعض الحلوى والورود، ويبقى طوال السنة هاجرا لها عن الطاعة والعناية.
وهناك بعض حقوقها على أولادها في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً...}الآية(1).
وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(2).
قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(3).
__________
(1) ... سورة النساء، الآية:36.
(2) ... سورة الأنعام، الآية:151.
(3) سورة الأحقاف، الآية:15.(1/11)
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(1).
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * )وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}(2).
فانظر أخي في الله كيف قرن الله حقه عز وجل بحق الوالدين، وأمر بالإحسان إليهما وخفض الجناح لهما، وحرم ما يغضبهما ولو كان أدنى تضجر منهما كقول (أف).
حق الوالدين أوجب من جهاد الكفار
وأخرج الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (527), ومسلم رقم (85) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) قال: قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)).
وأخرج الإمام البخاري في «صحيحه» رقم (3004و5972), ومسلم رقم (2549) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فاستأذنه في الجهاد فقال: ((أحي والداك)) قال: نعم. قال: ((ففيهما فجاهد)).
تحريم سب الوالدين أو التسبب في سبهما
__________
(1) ... سورة القمان، الآية:14-15.
(2) ... سورة الإسراء، الآية: 23-24.(1/12)
أخرج البخاري في «صحيحه» رقم (5973), ومسلم رقم (90) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)). قيل: يا رسول الله وكيف يلعن والديه؟ قال: ((يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)).
وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم1978) ) حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لعن الله من لعن والديه, لعن الله من ذبح لغير الله, لعن الله من آوى محدثا, لعن الله من غير منار الأرض)).
ومنار الأرض علامات حدودها التي بين الجار وجاره في مزارعهما ونحوها. انظر «النهاية» لابن الأثير(1/183).
وثبت عند أحمد في «المسند» (6/166) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان)) فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كذلك البر، كذلك البر)) وكان حارثة أبر الناس بأمه.
وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم (2542) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لعمر بن الخطاب: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل)).
بر الوالدين من أسباب استجابة الدعاء(1/13)
وأخرج البخاري في «صحيحه» (5974) ومسلم برقم (2743) من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر إلى غار من الجبل, فانحدرت عليهم صخرة من الجبل, فأطبقت عليهم فم الغار، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا صالحة عملتموها لله فادعوا الله بها، فقال أحدهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران, وكنت لا أغبق(1)قبلهما أهلا ولا مالا, فنأى بي طلب الشجر يوما, فلم أرح عليهما حتى ناما, فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما، حتى استيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطيعون الخروج.
وقال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم أردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا جلست بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقمت عنها وهي أحب النساء إلي، وتركت المال لها, اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيت كل واحد أجره...)) الخ.
وأخرج البخاري رقم (5975), ومسلم رقم (593) من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).
ومعنى (وأد البنات): دفنهن حيات كما كان أهل الجاهلية يفعلون.
ومعنى (منعا وهات) أي منع ما أمر بإعطائه وطلب ما لا يستحق أخذه. اهـ من «الفتح» (10/406).
ومعنى (قيل وقال) ذكر الحافظ ثلاثة أوجه:
الأول: كثرة الكلام.
الثاني: البحث عن أقاويل الناس ليخبر عنها فيقول قيل كذا وكذا.
__________
(1) ... أي لا يسقي اللبن قبلهما أحد.(1/14)
الثالث: ذكر حكاية الاختلاف في أمور الدنيا، قال فلان كذا وقال فلان كذا. اهـ من «الفتح».
ومعنى (كثرة السؤال) أي السؤال لأهل العلم في غير بحث عن الحق، وإنما يسأل عن المعضلات لقصد التعنت، وقيل هو أعم من ذلك.
ومعنى (إضاعة المال) هذه كلمة جامعة لكل شيء يذهب فيه المال في غير وجه مشروع من إسراف أو تبذير أو غيرهما.
وأخرج البخاري رقم (5976), ومسلم رقم (87) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر))، قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ((الإشراك بالله وعقوق الوالدين)), وكان متكئا فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور ألا وقول الزور)) , فما زال يرددها حتى قلنا: ليته سكت.
وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم (1510) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يجزي والد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه)).
حق الأم أوجب من حق الأب
وأخرج البخاري رقم (5971), ومسلم رقم (2548), من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((أمك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمك)) قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)).
وأخرج مسلم رقم (2551) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يغفر له)). فهذه من حقوق المرأة على أولادها.
ولها حق على غيرهم من الأرحام
قال تعال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(1).
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية:27.(1/15)
وقال تعالى:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(1).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(2).
وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}(3).
وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم (5987), ومسلم رقم (4554), من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فذلك لك)).
وأخرج البخاري رقم (5984), ومسلم رقم (2556) من حديث جبير بن مطعم أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يدخل الجنة قاطع)) أي رحم.
وأخرج البخاري رقم (5980), ومسلم رقم (1773): من حديث أبي سفيان صخر بن حرب -رضي الله عنه- أن هرقل لما سأله عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: فماذا يأمركم؟ قال: يقول ((اعبدوا الله لا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم(4), ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة)).
وجوب حسن الرعاية
__________
(1) سورة محمد، الآية:22.
(2) ... سورة الرعد، الآية:25.
(3) ... سورة النساء، الآية:36.
(4) ... فيه تحريم التشبه بالجاهلين.(1/16)
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(1).
وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}(2).
وقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(3).
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(4).
وأخرج البخاري رقم (893), ومسلم رقم (1829) من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((كلكم راع ومسئول عن رعيته, الإمام راع ومسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها, والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته)).
وأخرج البخاري رقم (7150), ومسلم رقم (142) من حديث معقل بن يسار قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية لم يحطها بنصحه وفي رواية: يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يجد رائحة الجنة))، وفي رواية: ((إلا حرم الله عليه الجنة)).
وأخرج مسلم رقم (1830): من حديث عائذ بن عمرو -رضي الله عنه- أنه دخل على عبيدالله بن زياد فقال له: أي بني إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم)).
__________
(1) ... سورة التحريم، الآية:6.
(2) ... سورة طه، الآية:132.
(3) ... سورة الشعراء، الآية:215.
(4) ... سورة النحل، الآية:90.(1/17)
وأخرج أبوداود رقم (495), وأحمد (2/180,187): من طريق سوار بن داود أبي حمزة المزني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر, وفرقوا بينهم في المضاجع)).
وسوار هذا وثقه ابن معين، وضعفه الدارقطني، وقال الذهبي في «الميزان»: ضعيف.
وللحديث شاهد عند أبي داود (494), والترمذي (407), وأحمد (3/404), من طريق عن عبدالملك عن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده سبرة بن معبد، وعبدالملك ضعيف وأبوه ثقة وجده صحابي, فالحديث بهاتين الطريقين حسن.
وأخرج البخاري رقم (5985), ومسلم رقم (2557), من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)).
وأخرج أحمد في «المسند» (6/159), والترمذي (2014) مختصرا من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)).
فهذه بعض حقوق المرأة على أقاربها.
ولم نرد استيعاب الأدلة فيما لها من الحقوق وإنما ذكرنا باختصار شيئا من حقوق المرأة وهي بنت في حجر والديها, ثم وهي زوجة في رعاية زوجها, ثم وهي أم في بر أولادها وأرحامها بما لا يكاد يوجد قطعا خير من ذلك لها.(1/18)
ووالله لو علم الكفار بمحاسن هذا الدين على المرأة وغيرها لما تردد كثير منهم عن الإسلام، لكنهم يصل إليهم بصورة مشوهة ينقلها الزنادقة لقصد الطعن في الإسلام، وربما اعتمدوا على بعض أعمال عصاة المسلمين القبيحة ومعاملاتهم الشنيعة، والإسلام بريء من كل ما خالف كتاب الله وسنة رسوله من الأعمال والأقوال والمعتقدات والمعاملات السيئة، فهو دين الرحمة وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرا من العرب أو العجم أدخل الله عليهم الرفق))(1).
وهو دين العدالة والإنصاف، وهو دين الرفق والإخاء بين المسلمين بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله، وهو دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهو دين الله الحق الذي يقول عنه ربنا سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(2).
وهو الذي رضيه ربنا لجميع المكلفين أن يعبدوه به, قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ}(3).
وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}(4).
وهو الذي لا يرغب عنه إلا سفيه، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(5).
__________
(1) ... أخرجه أحمد في «المسند» (6/71) بإسناد قوي.
(2) ... سورة آل عمران، الآية:85.
(3) سورة آل عمران، الآية:19.
(4) ... سورة المائدة، الآية:3.
(5) ... سورة البقرة، الآية:132.(1/19)
ومما يؤسف كثيرا من المسلمين ويندى له جبين الناصحين أن كثيرا من الناس يعرضون عن هذه التعاليم الإلهية، والإرشادات النبوية، التي وعد الله عز وجل من استمسك بها بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة فقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1).
وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(2).
فأعرض عنه كثير من الرجال والنساء إما كليا وإما جزئيا، وتالله لا يجنون من وراء ذلك إلا نكد الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا(3)وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}(4).
__________
(1) ... سورة النحل، الآية:97.
(2) ... سورة النور، الآية:55.
(3) ... أي تركتها وأعرضت عنها.
(4) ... سورة طه، الآية:124- 126.(1/20)
وإن من أعظم ما فتن به الأقدمون والآخرون عن دين ربهم لهو ما لعن بسببه بنو إسرائيل، فهم من ذلك اليوم إلى يوم الدين ملعونون، وهو الذي راج وماج منذ سنين قريبة في بلادنا اليمنية التي أثنى عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام بالحكمة والإيمان ورقة القلب من خوف الملك الديان فقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((الإيمان يمان والحكمة يمانية)), ((جاءكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة)). أخرجه البخاري رقم (4390) ومسلم رقم (52).
وفي هذه الأيام نرى من بلسان حاله ومقاله يأبى هذه المناقب الدينية، ويجلب إلى البلاد تلك الأفكار الوخيمة الغربية، من تبرج واختلاط وإخراج المرأة إلى العسكرة وتحت شعار حقوق المرأة ودثار المدنية.
وإليك أخي المسلم في تحريم ذلك أدلة قطعية من أعرض عنها أصابه الله في الدنيا والآخرة بكل فتنة وبلية(1)، فأستمد عون الله عز وجل في بيان مخاطر تلك الفتن المهلكة والكبائر الموبقة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
فتنة النساء من أسباب هلاك بني إسرائيل
__________
(1) ... قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}. السجدة 22.
... {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}. طه 124.
... {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} الجن 17.
... {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. النور63.(1/21)
قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(1).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}(2).
وجاء من السنة المطهرة ما يبين بعض أسباب هذا الهلاك, فقد روى الإمام مسلم في «صحيحه» رقم (2742), من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم (3436) ومسلم رقم (2550), من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((أن جريجا من بني إسرائيل كان متعبدا في صومعته، فتذكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه...)) وذكر الحديث.
قلت: ومن الذي يأمن على نفسه فتنة النساء والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء)). أخرجه البخاري رقم (5096), ومسلم رقم (2740), من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-.
ويقول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن)). أخرجه مسلم رقم (79).
__________
(1) ... سورة المائدة، الآية: 78- 79.
(2) ... سورة البينة، الآية:6.(1/22)
وأخرج مسلم رقم (1403), من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- رأى امرأة، فأتى امرأته زينب، فقضى حاجته، ثم خرج إلى الصحابة فقال: ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان, فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأتي أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه)).
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: قال العلماء: معناه أنها شبيهة بالشيطان في الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة. اهـ باختصار.
وأخرجه أحمد في «المسند» (4/231) من حديث أبي كبشة الأنماري أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟ قال: ((أجل، مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا؛ فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال)). وسنده حسن.
ومن يأمن على نفسه فتنة النساء وربنا سبحانه يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(1).
وثبت من حديث ابن مسعود عند الترمذي (4/337 «تحفة»), أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)).
وثبت من حديث صفية أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)). أخرجه البخاري رقم (2035), ومسلم رقم (2175).
__________
(1) ... سورة آل عمران، الآية:14.(1/23)
وربما تسمع من بعض الناس يقول: إن قلبه طاهر لا يفكر بالوقوع على الزميلة الفلانية ولا الفلانية, وهو والله ماكر مخادع فلو كان قلبه طاهرا لانقاد لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وابتعد عن الاختلاط بالأجنبيات وغير ذلك من المحرمات ظاهرا وباطنا، ففي «الصحيحين» من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب))، فهل قلب هذا الدجال أطهر من قلب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه الذين كانوا أبعد الناس عن ذلك، وحال هؤلاء مع المرأة كما في تلك الأبيات لأحمد شوقي(1)في «شوقياته» (ص150): قال:
برز الثعلب يوما ... في ثياب الوعظينا
ويقول الحمد للـ ... ـه إله العالمينا
يا عباد الله توبوا ... فهو رب(2)التائبينا
وازهدوا في الطير إن الـ ... ـعيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن ... لصلاة الصبح فينا
عرض الأمر عليه ... وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عذرا ... يا أضل المهتدينا
بلغ الثعلب عني ... عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن ... دخل البطن اللعينا
أنهم قالوا وخير الـ ... ـقول قول العارفينا
__________
(1) ... تنبيه: أحمد شوقي ضال مضل وله في «شوقياته» أشعار في غاية البطلان تدل على أنه صوفي تآلف، وقد نبه على ضلالاته في هذا الكتاب الشيخ عبدالكريم الحميد في كتابه «الكافي في التحذير من مضلات القوافي» تعقبات على ديوان أحمد شوقي فجزاه الله خيرا، وإنما نقلت منه هذه الأبيات لكون هذا هو الواقع الذي يحس ويلمس من هؤلاء المنادين بتبرج المرأة والاختلاط بها وعسكرتها {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} {)وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
(2) ... في الأصل فهو كهف التائبين ولا يصلح أن يقال كهف التائبين وهذا من عدم تقيد هذا الضليل بالأدلة في صفات الله عز وجل.(1/24)
مخطئ من ظن يوما ... أن للثعلب دينا(1)
وأخرج البخاري رقم (4790), ومسلم رقم (2399), من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب.
أخرج البخاري في «صحيحه» رقم (4792), ومسلم (1428), من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: أنا أعلم الناس بهذه الآية، لما أهديت زينب بنت جحش -رضي الله عنها- إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، كانت معه في البيت، صنع طعام ودعا القوم فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}(2).
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(3).
__________
(1) ... ونحن نقول مخطئ من ظن يوما أن لدعاة تحرير المرأة دينا قويما. ...
(2) ... سورة الأحزاب، الآية:53.
(3) ... سورة الأحزاب، الآية: 59.(1/25)
قال الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان» (6/384): قال غير واحد من أهل العلم في معنى الآية: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} قال: يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها. وممن قال ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني. اهـ
وأخرج الترمذي رقم (1736), وأبوداود رقم (4119) والنسائي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة))، فقالت أم سلمة -رضي الله عنها-: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخينه شبرا))، قالت: إذا تنكشف أقدامهن, قال: ((يرخين ذراعا ولا يزدن)).
قال الطيبي في «شرح المشكاة» (9/2898) ما معناه أن أم سلمة لما سمعت هذا الحديث ((إزار المؤمن إلى نصف الساق)) ظنت أن هذا الحكم يشملها، فأبان لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن هذا الحكم خاص بالرجال، أما النساء فيرخين ذراعا من نصف الساقين. اهـ بتصرف, وبنحوه ذكر الحافظ في «الفتح».
وأخرج مسلم رقم (2128), من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها توجد من مسيرة خمسمائة سنة)).
وأخرج أحمد (6/30), وأبوداود رقم (1833), وابن ماجة (2935) أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- محرمات, فإذا حاذينا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفنا.
وجاء عند الحاكم في «المستدرك» (1/454) وصححه أن أسماء -رضي الله عنها- قالت: كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك للإحرام. اهـ
والحديث من هاتين الطريقين عن عائشة وأسماء حسن.
وقوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية.(1/26)
قال ابن كثير: يعرفن أنهن حرائر ولسن إماء ولا عواهر.
قلت: فأما الإماء فجاءت فيهن آثار تدل على جواز كشف وجوههن، وفي تلك الآثار ضعف, وعموم القرآن على وجوب التزام الإماء بالحجاب، وتلك الآثار الضعيفة لا تخصص ذلك النص الظاهر.
وإنما يعني بالعواهر العواهر من الكافرات، فقد كن يمشين بغير حجاب, فأمر الله عز وجل نساء المؤمنين أن يدنين على وجوههن وأجسامهن الجلابيب الساترة ليتميزن عن العاهرات، ويعرفن أنهن حرائر عفيفات.
قلت: وهذه الآية نظيرها قول الله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، فأبان ابن عباس وغيره أن النساء الجاهليات الأوليات اختلطن بالرجال وحصلت الفاحشة.
وقال تعالى:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}(1).
قال الشنقيطي رحمه الله في «أضواء البيان» (6/388): أظهر الأقوال في ذلك في قوله: {يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} أي وضع ما يكون فوق الخمار, والقميص من الجلابيب التي تكون فوق الخمار والثياب.
وقال رحمه الله: فمن يحاول منع النساء المسلمات كالدعاة للسفور والتبرج والاختلاط اليوم من الاقتداء بنساء النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- (أمهات المؤمنين) في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض والطهارة من دنس الريبة غاش لأمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مريض القلب كما ترى. واعلم أنه مع دلالة القرآن على احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب, فقد دلت على ذلك أيضا أحاديث نبوية... ثم ذكر حديث عقبة: ((إياكم والدخول على النساء)) متفق عليه عن عقبة بن عامر.
...
__________
(1) ... سورة النور، الآية:60.(1/27)
وأخرج البخاري رحمه الله -رقم (4758)-, حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقول: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها. اهـ
والمرط: هو الإزار، وقد جاء في الحديث بعده برقم (4759) أنها قالت: لما نزلت... أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي (أي الأطراف) فاختمرن بها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث من «الفتح»: ولابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم عن صفية ما يوضح ذلك ولفظه: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}, فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها كأن على رءوسهن الغربان.
قلت: وسند هذا الأثر عن عائشة -رضي الله عنها- صحيح. عبدالله بن عثمان بن خثيم: قال ابن معين: ثقة حجة. وصفية بنت شيبة كما في ترجمة عبدالله من «التهذيب» قد رأت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وحدثت عن عائشة وغيرها كما في ترجمتها من «التهذيب» .
فقارن أخي في الله نساء المهاجرين والأنصار في الحجاب وخروجهن للصلاة, كأن المرأة منهن غراب أسود، وبين عواهر عصرنا الجنديات ونحوهن لتعرف أنهن عدن تماما إلى تبرج الجاهلية الأولى، وتخلين عن تعاليم الإسلام والخمار والحجاب والعفة، فاللهم إنا نشكو إليك هؤلاء العواهر ومن أعانهن على هذا المنكر الظاهر.(1/28)
وأخرج البخاري رقم (2218), ومسلم رقم (1457), من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن زمعة في غلام، فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد لي أنه ابنه انظر إلى شبهه. وقال عبدالله بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته. فنظر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة بن أبي وقاص فقال: ((هو لك يا عبدالله بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة)). فلم تره سودة قط. اهـ
وأخرج البخاري رقم (2053) بلفظ ثم قال لسودة بنت زمعة زوج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((احتجبي منه)) لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((واحتجبي منه يا سودة)) مع حكمه بأن ذاك الغلام أخوها لأبيها، لكن لما رأى الشبه البين فيه من غير زمعة، فإلحاقه بزمعة يقتضي أن لا تحتجب منه سودة بنت زمعة؛ لأنه على ذلك أخوها، وشبهه بعتبة يقتضي أن تحتجب منه لأنه على ذلك أجنبي عنها، فأمر سودة بنت زمعة بالاحتجاب منه احتياطا. اهـ من «الفتح» (4/292) باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات.
وقوله في الحديث ((الولد للفراش)) أي ولد الزنا لأمه لأنها فراش، و((العاهر)) هو الزاني، ((له الحجر)) أي الخيبة.
ومعنى ذلك أن عتبة بن أبي وقاص محتمل أنه زنى بجارية زمعة في الجاهلية, فأنجبت منه ولدا على فراش زمعة، فكان الولد لها وبما أنه هو سيدها كان ولدها له بالرق من الجارية، والله أعلم.
وشاهدنا من الحديث أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لزوجته سودة بالاحتجاب من ذلك الغلام مع احتمال أنه أخوها، ومع ذلك أمرها بالحجاب منه فكيف بمن هو أجنبي لا شك فيه.(1/29)
وأخرج عبدالرزاق في «المصنف» رقم (5115) بسند صحيح إلى عبدالله بن مسعود أنه قال: ((أخروا النساء حيث أخرهن الله)) ,(وعند هذا الأثر آثار وأحاديث كثيرة في صلاة المرأة في بيتها وخلف الرجال).
وأخرج البخاري رقم (372) من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات (الصلاة) متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد. وأخرجه مسلم رقم (645).
قال النووي رحمه الله: (متلفعات) أي متجللات، (بمروطهن) أي بأكسيتهن.
وأخرج البخاري رقم (980و324), ومسلم رقم (890), من حديث أم عطية -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج إلى العيد. فقال: ((لتلبسها صاحبتها من جلبابها وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين)) قالت أم عطية: أمر الحيض وذوات الخدور أن يشهدن الخير ويعتزلن مصلى المسلمين, أي لا يختلطن بالرجال كما سيأتي الكلام عليه في فصل الاختلاط.
وأخرج مسلم في كتاب الطلاق باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها رقم (1480) من حديث فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- أن زوجها أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء. فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: ((ليس لك عليه نفقة)) فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم, فإنه رجل أعمى تضعين خمارك لا يراك)).(1/30)
قال النووي رحمه الله: فرأى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجا من حيث أنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها، ومن نظرها إليهم، وفي التحفظ من هذا مع كثرة ترددهم مشقة ظاهرة فأمرها بالاعتداد عند ابن أم مكتوم, لأنه لا يبصر ولا يتردد إلى بيته من يتردد إلى بيت أم شريك... بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}(1).
ثم استدل بحديث نبهان عن أم سلمة أن ابن أم مكتوم دخل فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأم سلمة وميمونة: ((احتجبن منه)) فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا. فقال: ((أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟!...)). ثم قال النووي: حديث حسن لا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بغير حجة معتمدة(2)وأما أمر فاطمة بالاعتداد عند ابن أم مكتوم ففيه أنها آمنة من نظره وهي مأمورة بغض بصرها. والله أعلم.
وأخرج أحمد في «المسند» (4/197و205), وأبويعلى في «المسند» (6/426 بتحقيق إرشاد الحق الأثري). من طريق حماد بن سلمة قال حدثنا أبوجعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة... عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذا الشعب إذ قال: ((انظروا هل ترون شيئا)) فقلنا: نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر المنقارين والرجلين. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان)). اهـ
__________
(1) ... سورة النور، الآية:30-31.
(2) ... بل هو ضعيف لضعف نبهان.(1/31)
وسنده صحيح ومعناه: قال ابن الأثير في «النهاية»: أراد قلة من يدخل الجنة من النساء، لأن هذا الوصف في الغربان قليل. وجاء حديث آخر: ((المرأة الصالحة مثل الغراب الأعصم)), قيل: وما الأعصم؟ قال: ((الذي إحدى رجليه بيضاء)). اهـ
وأخرج مسلم رقم (1479), من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لما اعتزل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نساءه دخلت المسجد، فإذا الناس ينكتون الحصى ويقولون: طلق النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نساءه. وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب فذكر الحديث الخ... وفيه سبب نزول قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً}(1). وشاهدنا من الحديث قوله: قبل أن يأمر بالحجاب.
وأخرج البخاري رقم (2661), ومسلم رقم (2770) من حديث عائشة الطويل وفيه أنها قالت: كان رسول الله إذا أراد الغزو أقرع بين نسائه فخرج سهمي في غزوة، فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب... وذكر الحديث بطوله وفيه: أنهم كانوا يحملونها في هودجها فخرجت منه يوما لقضاء الحاجة فجاءوا فحملوا الهودج يظنون أنها فيه، ثم ساروا وكان صفوان بن معطل في آخر الجيش فمر فرأى سواد إنسان نائم وذكرت الحديث... الخ.
__________
(1) ... سورة النساء، الآية:83.(1/32)
نعم يا وحوش المرأة يا دعاة تحريرها لقد وضح للمسلمين مكركم وعلمت خيانتكم وغشكم، والله بكل شيء محيط وما الله بغافل عما تعملون، وإلا فما هو هدفكم من إخراج ربات البيوت ومربيات البنين وسلوة الأزواج ما هو هدفكم من إخراجهن للاختلاط بالرجال في المصانع والكليات، وطالبتم لهن بمجلس شيخات وصنعتم منهن عسكريات، وكل هذه الأمور من فواحش الأعمال، وإن قال بعض أدعياء العلم وكذبة المتصدرين بغير ذلك فإنما هي الخيانة في أمانة العلم والتضليل بالمرأة المسكينة؛ فيزخرفون لها أنهم يعطونها حقها ويفكونها من أسرها ويساوونها ببعلها وينشئون لها حضارتها، ولقد قال بعض الشعراء:
مدنية لكنها جوفاءمرجت عقول الناس حتى استحسنت تدعو الهتك السفور فضيلةأوحت إلى الجنس اللطيف بأنهوبأن جبار السماء ورسلهوإذا غشيت المستحم ترى من الجنبا إلى جنب تقوم وقد علافكأن ميل الجنس جرد منهمالا وازع يزع الفتاة كمثل ماوإذا الحياء تهتكت أستاره ... وحضارة لكنها أفياءمن صنعها ما استقبح العقلاءونتاج ذاك الشر والفحشاءهو والرجال لدى الحقوق سواءهضموا عليها حقوقها وأساءواجنسين أسرابا حواها الماءذاك الفضاء الضحك والضوضاءأفما تفر من الذئاب الشاءتزع الفتاة صيانة وحياءفعلى العفاف من الفتاة عفاء
اهـ من «إصلاح المجتمع» للبيحاني رحمه الله (ص246) بتحقيقنا.
قلت: وهذا في أيام محمد بن سالم البيحاني رحمه الله قبل نحو من ثلاثين عاما، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ يقول: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم))، أخرجه البخاري في «صحيحه» رقم (7068), من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.(1/33)
فقد وصل الحال بهم أن صيروهن عسكريات في الوطن الذي والله إن كثيرا من أبطاله بحاجة إلى تلك الوظائف، ومن أبشعها في حقهن التجنيد فإنه يفتح عليها من الفتن عددا ويوبقها في المحرمات قددا، ومن تلك المحرمات عليها الاختلاط بالأجانب, وهذا من أعظم وسائل الفساد يقول عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}(1).
ويقول سبحانه لنساء نبيه الطاهرات: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ}(2).
قال ابن كثير رحمه الله وغيره من المفسرين في معنى قوله {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}: أنها تخاطب الأجانب (للحاجة) بكلام ليس فيه خضوع. أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها.
وقوله {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي: الزمن بيوتكن.
قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية: حدثني ابن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا داود بن أبي الفرات قال حدثنا علياء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: تبرج النساء, وتزين لهن الرجال, وتحولوا إليهن ونزلوا معهن فظهرت الفاحشة فيهن.
قلت: وسنده صحيح.
وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم (978), ومسلم (885)، من حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-. والبخاري رقم (975), ومسلم برقم (884) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خطب الرجال يوم العيد ثم أتى النساء فوعظهن.
__________
(1) ... سورة النور، الآية:53.
(2) ... سورة الأحزاب، الآية:32.(1/34)
قال الإمام النووي رحمه الله: وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الآخرة وأحكام الإسلام وحثهن على الصدقة، وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما، وفيه أن النساء إذا حضرت صلاة العيد... يكن بمعزل عنهم خوفا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه. اهـ من «شرح النووي على صحيح مسلم» عند حديث رقم (884).
وأخرج البخاري رقم (981), ومسلم رقم (890) من حديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: ((أمرنا أن نخرج يوم العيد فخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور يشهدن دعوة المسلمين ويعتزلن مصلاهم)).
ولما أردن الصلاة خلف النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في المسجد أمرهن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يكن في الصفوف المؤخرة فثبت عنه في «صحيح مسلم» رقم (440) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) والمقصود به في مقدمة الرجال.
وأخرج البخاري رقم (5232), ومسلم برقم (2172) من حديث عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إياكم والدخول على النساء)) قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)).
وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» وابن عدي في «الكامل» (1/192) من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ليس للنساء وسط الطريق)).
وأخرج أبوداود رقم (5272) من حديث أبي أسيد الأنصاري أنه سمع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول للنساء وهو خارج من المسجد: ((استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)), فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. والحديث من هاتين الطريقين حسنه العلامة الألباني رحمه الله في «الصحيحة» (2/511) رقم (856).(1/35)
وقد أخبر الله عز وجل عن ابنة شعيب عليه السلام قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}(1).
قال القاسمي: لا نسقي حتى يصدر الرعاء حذرا من مخالطة الرجال.اهـ من «محاسن التأويل» (13/101).
باب تجنيد النساء واختلاطهن بالرجال يؤدي إلى مصافحتهن لهم
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عتاب بن زياد قال: حدثنا عبدالله قال: حدثنا أسامة بن زيد قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان لا يصافح النساء في البيعة. وسنده حسن.
وأخرج عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لأن يطعن أحدكم رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)).
قال العلامة الألباني رحمه الله عند هذا الحديث من «السلسلة الصحيحة» رقم (529): وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء.
قال المناوي في «فيض القدير» (5/258): المخيط بكسر الميم هو ما يخاط به كالأبرة والمسلة ونحوها، ((من حديد)) لأنه أصلب وأشد في الطعن وأقوى في الإيلام، وإذا كان هذا في مجرد المس بغير شهوة فما بالك بما فوقه من القبلة والمباشرة. اهـ المراد.
__________
(1) ... سورة القصص، الآية:23.(1/36)
وقد أخرج البخاري رقم (4861) ومسلم رقم (1866) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(1)، قالت عائشة: فمن أقر بهذه الشروط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((قد بايعتك)) كلاما، لا ولله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما بايعهن إلا بالكلام. أخرجه البخاري رقم (2713) ومسلم رقم (1866).
وفي رواية: (ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يد امرأة لا يملكها...).
قوله: (قد بايعتك كلاما) أي يقول ذلك كلاما فقط لا مصافحة باليد.اهـ من «الفتح».
وقال السفاريني: وفي الحديث إشارة إلى مجانبة النساء الأجانب وعدم النظر إليهن ومجانبة مسهن. اهـ من «شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد» (2/93).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناها الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه)).
قال النووي في شرح هذا الحديث: معناه أن ابن آدم قدر عليه نصيب من الزنا؛ فمنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله أو بالمس باليد بأن يمس امرأة أجنبية بيده...اهـ المراد.
__________
(1) ... سورة الممتحنة، الآية:12.(1/37)
وذكر الإمام أحمد في «مسنده» جملة من الأدلة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية وجمعها الساعاتي في «الفتح الرباني» (17/351) ثم قال: وأحاديث الباب تدل على تحريم مصافحة الأجنبية ولمس بشرتها...اهـ.
وقد اتفق الأئمة الأربعة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية، انظر «الفتاوى الكبرى» لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/118)، و«الآداب الشرعية» لابن مفلح (2/269)، و«روضة الطالبين» (7/28)، و«شرح مسلم» (13/10) للنووي، و«المنتقى» لأبي الوليد الباجي (7/308)، و«عارضة الأحوذي» (7/95-96).
قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}(1).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(2).
وأخرج البخاري رقم (2475) ومسلم رقم (57) من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)).
قال الإمام النووي رحمه الله: منهم من يكون زناه حقيقيا بإدخال الفرج في الفرج الحرام، ومنهم من يكون زناه مجازا بالنظر الحرام والاستماع إلى الزنا أو المس باليد بأن يمس امرأة أجنبية بيده. اهـ المراد من «شرحه على صحيح مسلم» (16/206).
وثبت عند الترمذي رقم (1173) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)).
__________
(1) ... سورة الإسراء، الآية:32.
(2) ... سورة الفرقان، الآية:68-70.(1/38)
قال الشنقيطي رحمه الله: المرأة كلها عورة يجب عليها أن تحتجب، وإنما أمر بغض النظر خوف الوقوع في الفتنة، ولا شك أن مس اليدين لليدين أقوى في إثارة الغريزة، وأقوى داعيا إلى الفتنة من النظر بالعين، وكل منصف يعلم ذلك، ومصافحة الأجنبية ذريعة إلى التلذذ بها لقلة تقوى الله في هذا الزمان وضياع الأمانة وعدم التورع والريبة،... فالحق الذي لا شك فيه التباعد عن جميع الفتن والريب وأسبابها، ومن أكبرها لمس الرجل شيئا من بدن الأجنبية، والذريعة إلى الحرام يجب سدها. اهـ من «أضواء البيان» (6/603).
قلت: وقد تقدم في باب الاختلاط حديث أبي أسيد الأنصاري أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال للنساء: ((استأخرن فإنه ليس لكن إن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق)) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليلصق بالجدار. عند البيهقي في «الشعب» وهو ثابت.
وجاء عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ليس للنساء وسط الطريق))، فإذا كان هذا النهي في مجرد السير في الطريق فكيف بلمس المرأة ومصافحتها، فعلم أن مصافحة الأجنبية مما لاشك في تحريمه على كل مسلم ومسلمة، وهذا مما لا خلاف فيه عند أهل العلم إلا لضرورة كتطبيب لا توجد امرأة تفعله، فيما نقله الإمام النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (13/10).
ونقل عدم الخلاف المعصومي في «عقد الجوهر الثمين» (189).
تجنيد المرأة يدفعها إلى الاختلاط بالرجال من المدربين والسائقين والفنادمة وغيرهم وربما أدى إلى الخلوة فأين الغيرة
وربنا سبحانه وتعالى يقول عن نساء نبيه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}(1).
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:53.(1/39)
باب الغيرة على المحارم
الله غيور ورسوله غيور وقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لأنا أغير منه والله أغير مني)).
قال الإمام البخاري رحمه الله في «صحيحه» كتاب النكاح باب الغيرة، قال رحمه الله رقم (5220): حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبدالله عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما من أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش...)). وأخرجه مسلم رقم (2760).
غيرة الزبير
وقال رحمه الله رقم (5224): حدثنا محمود قال حدثنا أبوأسامة قال حدثنا هشام قال أخبرني أبي عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأسقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: ((إخ إخ)) ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أني استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك. فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. وأخرجه مسلم (2182).
غيرة عمر(1/40)
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (3679) في كتاب فضائل الصحابة باب (6) قال: حدثنا حجاج بن منهال قال: حدثنا عبدالعزيز بن الماجشون قال: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر. فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك)) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار؟!.
وأخرجه مسلم رقم (2457).
غيرة سعد بن عبادة
قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الحدود من «صحيحه» رقم (6846) حدثنا موسى قال: حدثنا أبوعوانة قال: حدثنا عبدالملك عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير مني)). وأخرجه مسلم رقم (1499).
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6241) حدثنا علي بن عبدالله قال: حدثنا سفيان قال الزهري: حفظته كما أنك هاهنا عن سهل بن سعد قال: اطلع رجل من حجر في حجر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ومع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مدرى يحك به رأسه، فقال: ((لو أعلم أنك تنظر لطعنت به عينك)). أخرجه مسلم رقم (2156).
وأخرج برقم (6242) فقال رحمه الله: حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد عن عبدالله بن أبي بكر عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقام إليه بمشقص أو بمشاقص فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه. أخرجه مسلم رقم (2157).(1/41)
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (6902) باب من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له... حدثنا علي بن عبدالله قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أبوالزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبوالقاسم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لو امرئ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)). اهـ.
وأخرج الإمام مسلم رحمه الله رقم (1761) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((المؤمن يغار والله أشد وأغير)).
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (5221): حدثنا عبدالله بن مسلمة عن مالك عم هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)). وأخرجه مسلم رقم (901).
وقال الإمام البخاري رحمه الله رقم (3849): حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمت معهم.
قلت: وهؤلاء القردة أغير من كثير من أصحاب عصرنا.
وأخرج أحمد (2/325)، وأبوداود رقم (4098)، والنسائي (371)، وابن حبان في «صحيحه» (5722) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل.
وأخرج أحمد (2/200)، والنسائي في «الكبرى» والبزار كما في «الكشف» (1875), والحاكم (1/72) من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء)). والشاهد في هذا اللفظ الذي في حديث ابن عمر، وإنما ذكرنا ما قبله للتقوية.(1/42)
وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(1).
ومعنى {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلبسها هذا هو القول الراجح في تفسير هذه الآية.
وأخرج البخاري برقم (2465), ومسلم برقم (2121), من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات)) قالوا: يا رسول الله مجالسنا ما لنا منها بد. قال: ((إن أبيتم إلا المجالس, فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غض البصر, وكف الأذى, ورد السلام, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر)).
قلت: وفي هذا الحديث تحريم إطلاق النظر إلى النساء الأجنبيات مما يدل على تميز النساء عن الرجال، ولو مرت امرأة لقصد قضاء عملها وجب عليهم أن يغضوا أبصارهم عن النظر إليها.
ومن أدلة تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب
__________
(1) ... سورة النور، الآية:30-31.(1/43)
قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}(1).
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}(2).
قال ابن كثير وغيره: يعرفن أنهن حرائر ولسن إماء ولا عواهر.
أدلة النظر إلى المخطوبة
حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) قال: فخطبت جارية من بني سلمة فكنت أتخبأ لها تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها. أخرجه أحمد في «المسند» (3/334)، وأبوداود رقم (2082)، وابن أبي شيبة (3/427) من طريق ابن إسحاق وصرح بسماعه من داود بن الحصين عند أحمد (3/360)، وعنده بهذا الرقم وكذلك عند ابن أبي شيبة، ودواد بن الحصين يروي الحديث عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبدالله به، وهذا سند حسن فإن واقد بن عمرو هذا ثقة كما في «التهذيب».
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:53.
(2) ... سورة الأحزاب، الآية:59.(1/44)
وجاء من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها للخطبة وإن كانت لا تعلم)). أخرجه أحمد في «المسند» (5/424)، وسنده صحيح.
وجاء من حديث أبي هريرة عند مسلم في «صحيحه» رقم (1424) أن رجلا خطب امرأة فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا)) ونقل النووي عند هذا الحديث استحباب نظر الخاطب إلى مخطوبته، نقل الاستحباب عن جمهور العلماء.
وجاء من حديث المغيرة بن شعبة-رضي الله عنه- أنه خطب امرأة فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما)) أخرجه أحمد في «المسند» (4/245)، والنسائي في «الكبرى» رقم (5328)، وابن أبي شيبة (3/427)، وسنده صحيح.
وفي «الصحيحين» حديث أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إياكم والجلوس على الطرقات)) قالوا: مجالسنا ما لنا منها بد. قال: ((فحق الطريق... غض البصر...)). فعلم أنه يجب على المسلم غض بصره إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، وأنا ذكرت هذه الأدلة لبيان أن من خطب امرأة جاز له النظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، قال الجمهور: ينظر إلى الوجه كما سبق والكفين نقل ذلك النووي في المصدر السابق.
قلت: فكيف بمن ينظر إلى نساء المسلمين دائما وهو لا يريد خطبتها، وربما ينظر في اليوم الواحد إلى عدد من النسوة ولو كان ذلك جائزا أو أنهن كن لا يحتجبن ولا يغطين وجوههن لما تكلف هؤلاء الصحابة النظر إلى مخطوباتهن، إذ يمكن أن يكون كل واحد منهم يرى من يخطبها ومن لا يخطبها في أي مكان، فهذا من أدل الأدلة على أنهن كن يحتجبن رضوان الله عليهن ويغطين وجوههن ولا يخالطن الرجال.(1/45)
وقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((على رسلكما إنها صفية وإني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكم شيئا)). أخرجه البخاري رقم (3101) ومسلم رقم (2175) ولو كانت كاشفة وجهها لعرفها عمر وصاحبه.
حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: خطب أم سلمة من وراء حجاب. وأصل الحديث عند أحمد (6/307).
حديث ((احتجبي منه يا سودة)) تقدم في باب الحجاب.
حديث ((لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها)) عن ابن مسعود في البخاري رقم (5240) في كتاب النكاح، باب لا تباشر المرأة المرأة. فلو كان ينظر إليها بعينه لما احتيج عنده إلى واسطة وصف امرأة ولذهب ذلك الخاطب ينظر إليها بذاته بغير وصف.
حديث أم سلمة: ((لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء)) فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا... .
وحديث ابن عمر عند أحمد ((يرخين ذراعا ولا يزدن)).
حديث ((المرأة كلها عورة)) وفعل الناس الآن إلا من رحم الله يخالف هذا الحديث فتكشف المرأة وجهها وساقها وكفيها وأشنع من ذلك.
حديث ((صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)).
أخرجه أبوداود (2/277) «عون المعبود» بسند صحيح. وهذا يدل على فضل تجنب المرأة لنظر الرجال.
حديث (صلاتها وهي ساترة الرأس والقدمين) عن أم سلمة موقوفا والإجماع عليه نقله ابن عبدالبر في «التمهيد» (4/323) بتحقيق أسامة بن إبراهيم.
قلت: هو الواجب عليها أن تغطي رأسها في الصلاة لا تصح صلاتها إلا بذلك إجماعا، والمستحب لها أن تغطي قدميها في الصلاة لما تقدم في الباب من فعل أم سلمة وسائر أزواج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنها كانت إذا صلت غطت جميع جسمها حتى قدميها إلا الوجه في الصلاة خاصة.
قال ابن عبد البر (4/422) في «التمهيد»: أجمعوا على أنها لا تصلي منتقبة.(1/46)
قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ...} الآية(1). فيه اعتزال المرأة الرجال.
الاختلاط بداية الانحلال
وأن بني إسرائيل كانوا على حشمة، حتى اختلط نسائهم برجالهم لقول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ألا وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) وفي الباب جملة أحاديث في النهي عن ذلك.
__________
(1) ... سورة القصص، الآية:25.(1/47)
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (4750) حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حين قال لها أهل الإفك فذكر الحديث بطوله، وفيه قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، قالت: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعد ما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين أذن بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعوا إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي ووالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطأ على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة،(1/48)
حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موعرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك... الحديث.
وإنما ذكرنا بعضا منه لما فيه من ذكر الحجاب وحشمة النساء وبعدهن عن الاختلاط بالرجال وغير ذلك من الفوائد في هذا الموضوع وفي غيره، وهو من أعظم أدلة الفرج بعد الشدة فإن هذه الحادثة حصلت بها شدة عظيمة على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه ثم فرج، وشرف عظيم لمن عصمه الله من تلك الفتنة.
حديث عائشة وأسماء وأنها كانت تحسر عن خمارها إذا جاوزت الرجال وتسدل إذا حاذت وكذلك سائر نساء الصحابة وتقدم ثبوته.
حديث نظر الفضل بن العباس إلى المرأة الخثعمية، وأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يصرف وجه الفضل بن العباس عن النظر إليها.
أخرجه البخاري رقم (1315) ومسلم رقم (1334).
وحديث (مشي المرأة في حافة الطريق)، وقد تقدم.
حديث ابن عباس وغيره، في صلاتهن في العيد على بعد من الرجال. وهو في «الصحيحين».
تجنيد النساء يدفع بهن إلى لعنة الله
قال الإمام البخاري رحمه الله في «صحيحه» رقم (5885): حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. والعسكريات يتشبهن بالرجال في أعمالهم ولباسهم.
وعن ابن عباس قال: لعن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء, وقال: ((أخرجوا المخنثين من بيوتكم)).
أخرجه البخاري رقم (5886) وشاهدنا منه أن العسكريات يتشبهن بالرجال في أعمالهم ولباسهم، فهن يعرضن أنفسهن للعنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
وأخرج الطبراني في «الأوسط» أن امرأة مرت على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- متقلدة قوسا، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا الحديث. انظر «المجمع» (8/103).(1/49)
وأخرج أيضا برقم (5887), ومسلم من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان عندها وفي البيت مخنث من الذين لا إربة له بالنساء، فقال لعبدالله أخي أم سلمة: إن فتح الله عليكم غدا الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((لا يدخل عليكم هؤلاء المخنثون)).
والشاهد من الحديث عدم اختلاط أمثال هؤلاء فكيف بمن في غاية الإربة للنساء.
وربنا يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} ويقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ...}(1).
ويقول: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}(2).
والشاهد من الآية {كَانَتَا تَحْتَ} فهذا إعلام أنه لا سلطان لها بل هي تحت الزوج.
ويقول سبحانه: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}(3).
وهذه المرأة الجندية تحاول أن تتشبه بالرجال في لباسهم وأعمالهم، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((لعن الله من المتشبهات من النساء بالرجال)).
تجنيد النساء فتح باب الزنا على مصرعيه
كيف لا يكون كذلك والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش)) كما سيأتي.
__________
(1) ... سورة النساء، الآية:34.
(2) ... سورة التحريم، الآية:10.
(3) ... سورة النساء، الآية:32.(1/50)
كيف لا يكون كذلك وربنا سبحانه يقول: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}(1).
كيف والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((ما تركت على أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء)).
كيف لا والنساء ناقصات عقل ودين.
كيف لا وقد اجتمع عدد من النسوة على يوسف يراودنه عن نفسه.
كيف لا والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
كيف لا والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((إياكم والدخول على النساء)) قيل: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)) متفق عليه. من حديث عقبة بن عامر.
كيف لا وسيد التابعين سعيد بن المسيب يقول: (لو ائتمنت على امرأة سوداء لم أجد نفسي عليها أمينا).
وإذا كان الزنا متوقعا بل متحققا في تجنيد النساء كما تقدم ذكر البراهين السابقة فليعلم أن هذا بدء خراب الديار التي يفشو فيها، وأنه سبب لهلاك أهلها.
فقد أخرج البخاري رقم (3346) ومسلم رقم (2880) من حديث زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- دخل عليها فزعا يقول: ((لا إله إلا الله ويل من العرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها قالت زينب بنت جحش: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)). وربنا يقول: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}(2).
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:32.
(2) ... سورة القمر، الآية:51.(1/51)
وثبت من حديث عبدالله بن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((يا معشر المهاجرين والأنصار خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا ما في أيديهم، ولم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)).
أخرجه الحاكم بسند حسن.
شبهة وردها
وما جاء من مصافحة الأجنبية من تحت ثوب وبواسطة بعض اللباس لا يصح فيه شيء عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وانظر لذلك «الفتح» (8/636).
قال الحافظ العراقي رحمه الله: وزعم أنه كان يصافحهن بحائل، لم يصح وإذا كان هو لم يفعل ذلك مع عصمته وانتفاء الريبة عنه، فغيره أولى بذلك. نقله عنه المناوي في «فيض القدير» (5/186).
وقال العلامة الألباني رحمه الله: وجملة القول أنه لم يصح عنه أنه صافح امرأة قط.
قلت: وما جاء في حديث أم عطية -رضي الله عنها- عند البخاري أنها قالت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقرأ علينا {أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً...} ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها... .
قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (13/404) و(8/636) وابن كثير وغيرهما من الشراح والمفسرين: بأنهن كن يشرن بأيديهن عند المبايعة بلا مماسة.
ومعنى قول الله تعالى في الآية {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}(1)أي الجماع وقيل قبلة الرجل امرأته وحسها بيده وقيل غير ذلك.
تجنيد النساء سبب لعدم فلاح البلاد
__________
(1) ... سورة النساء، الآية:43 وسورة المائدة:6.(1/52)
قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (4425): حدثنا عثمان بن الهيثم قال حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أيام الجمل، بعد ما كنت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال لما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن أهل كسرى قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)).
قال المناوي رحمه الله في «الفيض» (5/303): وذلك لنقصها وعجز رأيها ولأن الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية، والمرأة عورة لا تصلح لذلك.
تجنيد النساء يعينهن على الخروج من بيوتهن
يقول ربنا سبحانه:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1).
وأخرج أبوداود رقم (565) من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات)).
وأخرج البخاري رقم (869), ومسلم رقم (445) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لو أدرك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما أحدث النساء الآن لمنعهن الخروج إلى المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل.
وثبت عند أبي داود رقم (567), والبغوي في «شرح السنة» (3/441): أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)).
وثبت عند أبي داود (2/277) «عون المعبود»، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)).
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:33.(1/53)
تجنيد النساء من أسباب تأخرهن عن الزواج وعدم تربية الأولاد
وقد ثبت عند النسائي (6/65 (أبي داود رقم (2050) وغيرهما من حديث معقل بن يسار أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)).
وفي «الصحيحين» من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
وربنا سبحانه يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}(1)، ففي الآية دليل أن الزواج غنى وعكسه عكسه.
وثبت في «السنة» لأبي عاصم رقم (800) من حديث أبي سلمة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((بخ بخ ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى المرء فيحتسبه)).
وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم (6424): من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)).
وأخرج البخاري رقم (101), ومسلم رقم (2633): من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقالت: ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله. قال: ((اجتمعن يوم كذا وكذا)) فاجتمعن فأتاهن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: ((ما منكم من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار)) فقالت امرأة: واثنين. فقال: ((واثنين)).
__________
(1) ... سورة النور، الآية:33.(1/54)
وأخرج مسلم رقم (1631) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
وأخرج مسلم في «صحيحه» رقم (2630) من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((إن الله قد أوجب لها الجنة وأعتقها من النار)).
وأخرج مسلم رقم (2635) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أبويه فيأخذ بيده أو بثوبه، فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة)).
وأخرج أيضا برقم (2636) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقالت: يا رسول الله إنه يشتكي وإني أخاف عليه، فلقد دفنت ثلاثة. قال: ((دفنت ثلاثة؟)) قالت: نعم. قال: ((لقد احتظرت(1)بحظار شديد من النار)).
نفس العفيف تتقزز من الزواج بالعسكرية
فمن ذا الذي يرغب أن يتزوج بفندمة تدخل وتخرج بغير أذنه ليل نهار، وليس له عليها القوامة التي أمر الله بها في كتابه.
__________
(1) ... أي احتميت بحمى عظيم من النار كما في «النهاية» لابن الأثير.(1/55)
ومن ذا الذي يرغب أن يتزوج امرأة تقضي أكثر وقتها بين مجموعة من الناس جلهم لا يهمه إلا إشباع غريزته من حلال أو حرام. فيكون حالها معه كنعجة بين مخالب ذئب ضار، ولربما هو يكون مدربها أو قائد كتيبتها، فيصير الحال كما في المثل حاميها حراميها ولقد نشرت بعض المجلات المحلية سابقا ولعل كثيرا من القراء قد اطلع عليها أن كثيرا من ضحايا الطلاق هن طالبات الجامعات والكليات اللواتي قد شغفن بالاختلاط وإطلاق النظر في محاسن الغير في مرحلة الدراسة.
ولا يستبعد أن تصير تلك المرأة المخالطة للأجانب في ليلها ونهارها من عسكريات ونحوهن، لا يستبعد أن استمر الحال على ذلك أن تكون بعد حين من موزعات تلك الأمراض الناجمة عن كثرت ارتكاب الفواحش. كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما ثبت عند الحاكم في «المستدرك» (4/540): من حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا...)).
قلت: ولم نعلم بانتشار أمراض الإيدز والزهري و...و... في تاريخ الأقدمين.
ولما نبذ كثير من النساء الحجاب واختلطن بالأجانب في المدارس والفنادق والطائرات وشتى الأعمال، وظهرت صورهن على الإعلانات وصفحات المجلات، عاقب الله عز وجل المسلمين بأمراض عجز عنها مهرة الأطباء.
قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(1).
وقال تعالى: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(2).
قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}(3).
__________
(1) ... سورة السجدة، الآية:21.
(2) ... سورة القلم، الآية:33.
(3) ... سورة الشورى، الآية:30.(1/56)
وهل تدفع دول الغرب تلك الأموال وتبذل الوسائل الإعلامية وتفتح أصناف المؤسسات النسائية مودة للمسلمين؟! كلا والله.
قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(1).
وقال تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(2).
وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً}(3).
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية:120.
(2) ... سورة البقرة، الآية:105.
(3) ... سورة النساء، الآية:89.(1/57)
وإني لأذكر واقعة أتخوف والله منها على شعبنا المسلم الذي توالى ثناء رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليه بالحكمة والإيمان ورقة الأفئدة من خوف الله عز وجل وغير ذلك. وذلك أني كنت في رحلة للدعوة إلى الله وتعليم بعض المسلمين في بريطانيا، وذات يوم نزل بعض طلبة العلم ليتصل من الشارع فوجد صورة امرأة عريانة ملصقة على كبينة الاتصال، كما هي عادة ذوات العهر هناك تبث صورها العارية في تلك الأماكن مع وضع رقم الهاتف والعنوان للراغبين، فبدأ ذلك الأخ بطمس تلك الصورة الخليعة ورأته العسكرية فمنعته من طمسها وقالت: إن عدت لهذا ليحصلن لك كذا وكذا. فقال لها الأخ: كيف لو رأى زوجك هذه الصورة قد يفضلها عليك ويذهب إليها. فقالت: أنا لست متزوجة أنا من فرقة السحاق. ويعرف هذه القصة أخونا أبوبلال وغيره ممن كان معنا في السيارة.
فاتقوا الله معشر المسلمين فإن الله سبحانه سائل كل راع عما استراعه. {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}(1).
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}(2).
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}(3).
{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}(4).
{
__________
(1) ... سورة الشعراء، الآية:88-91.
(2) ... سورة النازعات، الآية:41.
(3) ... سورة النور، الآية:25.
(4) ... سورة الأنعام، الآية:62.(1/58)
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(1).
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً}(2).
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * َمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍفِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * )كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) (الحاقة:27) )مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ}(3).
رفقا بالقوارير
أخرج البخاري في «صحيحه» رقم (6149، 6211), ومسلم رقم (2323) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان في سفر، وكان له حاد يقال له أنجشة يحدو الإبل، فقال له النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ويحك يا أنجشة أرفق بالقوارير)) وفي رواية في «الصحيحين»: ((ورويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير)).
قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر وغيرهما في شرح هذا الحديث: معناه الأمر بالرفق بهن، قال العلماء: سمى النساء قوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج لضعفها وسرعة الانكسار إليها.
__________
(1) ... سورة يونس، الآية:30.
(2) ... سورة النساء، الآية:41.
(3) ... سورة الحاقة، الآية:18-32.(1/59)
واختلف العلماء في المراد بتسميتهن (قوارير) على قولين: أصحهما أن معناه أن أنجشة كان حسن الصوت، وكان يسوق بهن الإبل فلم يأمن أن يفتنهن ويقع في قلوبهن صداؤه، فأمره بالكف عن ذلك. اهـ من «شرح النووي على صحيح مسلم», و«فتح الباري» باختصار.
قلت: وقد بين الله عز وجل ورسوله ضعفها في أدلة كثير منها قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}(1).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة (حين تنشئتها) وإذا خاصمت فلا عبارة لها بل هي عاجزة عيية. اهـ.
وأخرج النسائي في «الكبرى» (5/363) رقم (9150): فقال حدثنا أحمد بن بكار قال أخبرنا محمد سلمة عن ابن عجلان عن المقبري عن أبيه عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة)). وسند الحديث حسن كل رجاله ثقات إلا محمد بن عجلان صدوق.
وأخرج أحمد في «المسند» (2/439)، وابن ماجة رقم (3678), والنسائي في «الكبرى» (5/363) رقم (9149)، من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. وقد تكلم في رواية ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وحديث أبي شريح هو المعتمد.
قال النووي رحمه الله في «رياض الصالحين»: رواه النسائي بإسناد جيد. ومعنى (أحرج حق) الحرج: وهو الإثم بمن ضيع حقها وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا وأزجر عنه زجرا أكيدا. اهـ
__________
(1) ... سورة الزخرف، الآية:18.(1/60)
قال الإمام البخاري رقم (304): حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني زيد بن أسلم عن عياض بن عبدالله عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: ((يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)) فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن وتكفرن العشير, ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من أحداكن)) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل)) قلن: بلى, قال: ((فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟)) قلن: بلى. قال: ((فذلك من نقصان دينها)). وأخرجه مسلم رقم (80) وأخرجه مسلم أيضا رقم (79) من حديث عبدالله بن عمر.
وأخرج البخاري في «صحيحه» رقم (3411), من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- وأخرجه مسلم رقم (2431): قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)).
وسبق ذكر بعض الأدلة في فضل الوصية بالنساء ومنها قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(1).
تجنيد المرأة يشجعها على أنها تتصور متبجحة بذلك لغير ضرورة
وكم رأينا من المجلات في الأسواق فيها تلك الصور الفاتنة قطعها الله.
__________
(1) ... سورة النساء، الآية:1.(1/61)
وقد أخرج البخاري رقم (5962) من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور.
قلت: والمتصور متعاون على الإثم فيناله الوعيد.
ويقول: ((إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)). متفق عليه من حديث ابن عمر.
ويقول: ((أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله)). متفق عليه من حديث ابن عباس.
ويقول: ((ومن أضل ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة وليخلقوا شعيرة)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
ويقول لعلي -رضي الله عنه-: ((لا تدع صورة إلا طمستها, ولا قبرا مشرفا إلا سويته)). أخرجه مسلم رقم (969).
ولا أدري أين غيرة أولياء هؤلاء البنات، أم أنهن مجموعات من لقيطات الشوارع اللائي هن من آثار الاختلاط في الجامعات وغيرها، فأثمر ذلك ما يدل عليه قول الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ولد الزنا شر الثلاثة)). أخرجه أبوداود رقم (3963) بسند حسن من حديث أبي هريرة.
قال الخطابي رحمه الله: قال بعض أهل العلم: إنه شر الثلاثة أصلا وعنصرا ونسبا ومولدا، أو ذلك أنه خلق من ماء الزاني والزانية وهو ماء خبيث فلا يؤمن أن يدب ذلك الخبث فيه ويدب في عروقه فيحمله على الشر، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لعل عرقا نزعه)). أخرجه البخاري رقم (5305) ومسلم رقم (1500).
وقال تعالى في قصة مريم عليها السلام: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً}(1)، فأخبر الله أن قوم مريم قضوا بفساد الأصل على فساد الفرع، وأن مريم منزهة من ذلك، ولم يتعقب الله قولهم بشيء. اهـ بتصرف يسير من «معالم السنن» (4/73-74), و«فيض القدير» للمناوي (6/364).
__________
(1) ... سورة مريم، الآية:28.(1/62)
أخرج أحمد في «مسنده» (6/109), والبيهقي في «الكبرى» (10/58) باب ما جاء في ولد الزنا من طريق إسرائيل قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن عائشة. وعند البيهقي إبراهيم عن محمد بن قيس عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ولد الزنا شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه)).
وسنده ضعيف جدا فإبراهيم بن إسحاق هو إبراهيم بن الفضل المخزومي أبوإسحاق، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطني: متروك. وقال النسائي: ليس بثقة.اهـ
وفي هذه الزيادة اضطراب بينه العلامة الألباني رحمه الله في «السلسة الصحيحة» (2/282-283) قال: وهذا التفسير وإن لم يثبت رفعه فالأخذ به لا مناص منه.
وجاءت هذه الزيادة في حديث ابن عباس عند الطبراني في «الكبير» و«الأوسط». وفيه محمد بن عبدالرحمن ابن أبي ليلى وهو ضعيف.
قلت: وأحسن ما حمل عليه الحديث هو ما دلت عليه هذه الأحاديث الضعاف.
ونعود فنقول أين غيرة أولياء تلك البنات.
وأخرج البخاري رقم (7416), ومسلم (1499): من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: قال سعد بن عبادة -رضي الله عنه-: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: ((تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)).(1/63)
وأخرج البخاري رقم (5224) ومسلم (2182) من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح وغير فرسه. فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على رأسي وهو مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثم قال: ((إخ إخ(1)) ليحملني خلفه واستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أني استحييت فمضى، فأتيت الزبير فأخبرته فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه.
وأخرج أحمد في «مسنده» (3/269 و179)، وأبويعلى في «المسند» (6/390) من طرق عن أبي قتادة وحميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((بينما أنا أسير في الجنة فرأيت قصرا فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي. قال: فقال: لعمر. ثم سرت ساعة فإذا أنا بقصر خير من القصر الأول فقلت: لمن هذا؟ ورجوت أن يكون لي. قال: قال: لعمر. وإن فيه لمن الحور العين يا أبا حفص وما منعني أن أدخله إلا غيرتك)). فاغرورقت عينا عمر ثم قال: أما عليك فلم أكن لأغار(2).
قلت: وسنده صحيح.
__________
(1) ... كلمة تقال للبعير لينيخه.
(2) ... نعم لأن النبي & يقول أنا لكم بمنزلة الوالد
وربنا يقول: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}(1/64)
وأخرج البخاري رقم (2035), ومسلم رقم (2175) من حديث صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت فقام معي ليقلبني (إلى البيت)... الخ الحديث وشاهدنا منه أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من غيرته لم يترك أهله تنصرف من المسجد المجاور للبيت إلى بيتها حتى خرج من معتكفه ليمشي معها إلى البيت.
وأخرج ابن حبان في «صحيحه» رقم (3756 و 3757), وغيره من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أبي معبد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) فقال رجل: يا رسول الله إني كنت اكتتبت في غزاة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((اذهب فحج مع امرأتك)).
وشاهدنا من الحديث أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن الخلوة بالأجنبية إلا مع ذي محرم، وجعل سفر ذلك الرجل مع زوجته لحمايتها عن السفهاء أوجب عليه من الغزو في سبيل الله.
ومعلوم أن تجنيد المرأة يحصل من وراءه الخلوة بالجندية فهي عسكرية يجب عليها طاعة القائد ومسئول الكتيبة، ولو خالفت في بعض المخالفات كما هو الأصل فيها الضعف والعوج لربما أمرها بالانبطاح والحبو على يديها وجردها من ثيابها فتغتسل بالماء البارد في الليالي الباردة، وكل الجنود يعرفون تلك الأوامر الجزائية فما هي النتيجة يا أيها الولي لتلك المسكينة يا أيها الولي الديوث، ما هو المتوقع لابنتك أو لأختك من تلك الطاعة المطلقة، ولربما سجنها في غرفة مغلقة.(1/65)
ماذا تتوقع يا أيها الديوث من نشر صورة ابنتك أو أختك على صفحات المجلات للشرق والغرب عند أنواع الرجال السفهاء بين مقبل لخدها وبين لاعن لفعلها؟ ماذا تتوقع يا أيها الديوث من خروج ابنتك لأداء واجبها على النجدة أو غيرها مع ذلك الرجل الذي طالما تابع أمثالها في الشوارع فضلا من أن يأتي صيده إلى القفص فإن هذه تعتبر عنده الغنيمة الباردة؟.
ماذا تتوقع أيها الديوث؟ وربنا سبحانه يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}(1).
والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)).
و(الحازم) في الحديث هنا بمعنى العاقل.
وثبت عنه أنه رأى امرأة فرجع فأتى أهله وقال: ((إذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأت أهله فإن معها ما معها)).
فكيف بذلك الجندي مع ابنتك وربما لا يصلي، كيف بذلك الجندي مع ابنتك وربما يشرب الخمر. قد لا يتورع عن بعض محارمه آنذاك.
كيف تتوقع حال ذلك الجندي مع ابنتك، وربما يكون شيوعيا مستترا أو بعثيا فاجرا أو ناصريا ماكرا، كيف بذلك الجندي مع امرأتك أو ابنتك وربما يكون عازبا أو مغتربا من أهله عدة شهور، كيف تتوقع ذلك الجندي مع ابنتك والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول كما في «الصحيحين» : ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)).
__________
(1) ... سورة آل عمران، الآية:14.(1/66)
كيف هذا الجندي مع ابنتك والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) كيف تتوفع حال ذلك الجندي مع امرأتك أو ابنتك وربنا سبحانه يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}(1).
وقد صارت قلوب كثير من الناس مريضة بسماع الأغاني ومشاهدات الدشوش وكثرة المعاصي، وأنا لا أقول إن جميع الجنود على هذه الحال بل إن فيهم من ذوي الخير والصلاح، لكنه لا يكون في الصلاح كرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقد ذكرنا لك في هذا الفصل شدة خوفه من فتنة النساء على نفسه وأمته، ومن ذلك حديث أنه رجع فأتى أهله وقال: ((إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأت أهله؛ فإن معها مثل الذي معها)).
ولو قرأت ما ذكره أئمة التفسير عند الآية (102) من سورة البقرة قصة هاروت وماروت لرأيت أنه لا يأمن على نفسه من فتنة النساء إلا كذاب أو ماكر.
رحم الله القائل:
لا يأمنن على النساء أخ ... أخا ... ما في الرجال على النساء ... أمين
إن الأمين ولو تحرز ... مرة ... لا بد أن بنظرة ... سيخون
تجنيد النساء يذهب عنهن الحياء
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:32.(1/67)
والحياء من صفات الأنبياء عليهم السلام قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}(1).
وفي البخاري رقم (3562), ومسلم رقم (2320): من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أشد حياء من العذراء في خدرها.
وفي البخاري رقم (278،4799), ومسلم رقم (339): من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى رجلا حييا فكان يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أن آدر، فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على الحجر ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في أثره يقول: ثوبي يا حجر. حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى وليس به أدره وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً}(2)). اهـ نقل الحديث من بعض مواضع «صحيح البخاري».
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:53.
(2) ... سورة الأحزاب، الآية:69.(1/68)
وأخرج البخاري رقم (6117), ومسلم رقم (37): من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) وفي رواية لمسلم ((الحياء خير كله)).
وأخرج رقم (6118) ومسلم (36): من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مر برجل يعظ أخاه في الحياء ينهاه عن الحياء، فقال: ((دعه فإن الحياء من الإيمان)).
وثبت عند الحاكم في «المستدرك» (1/22): من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا ذهب أحدهما ذهب الآخر)).
وثبت عند الترمذي (6/148) تحفة, من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((الحياء من الإيمان, والإيمان في الجنة, والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)).
وأخرج البخاري رقم (9), ومسلم رقم (35): من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((الإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاه قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)).
وفيه أيضا رقم (6120): عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).
وثبت عند أحمد في «المسند» (3/165), و«الترمذي» رقم(1975), وابن ماجة (4185) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه)).
ففي هذه الأحاديث أن الحياء من الإيمان، وأن الحياء كله خير وأن الحياء يمنع عن الوقوع في المعاصي، ومفهوم مخالفة اللفظ أن من لا حياء له لا إيمان له ولا خير فيه، وليس عنده ما يمنعه عن المعاصي فماذا يتوقع للمسلمين من هذا الصنف، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تجنيد النساء تشبه بالكفار(1/69)
وهذا ضلال مبين قال الله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}(1).
وقال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * نَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}(2).
وقال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ}(3).
وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}(4).
وقال تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}(5).
وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(6).
وقال تعالى: {فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(7).
وقال تعالى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}(8).
__________
(1) ... سورة الأحزاب، الآية:33.
(2) ... سورة الجاثية، الآية: 18-19.
(3) ... سورة الرعد، الآية:37.
(4) ... سورة البقرة، الآية:120.
(5) ... سورة البقرة، الآية:145.
(6) ... سورة آل عمران، الآية:105.
(7) ... سورة يونس، الآية:89.
(8) ... سورة المائدة، الآية:49.(1/70)
وفي هذا آيات كثيرة لم نذكرها خشية الطول ونذكر بعدها بعض الأحاديث نقلا من «اقتضاء الصراط المستقيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله باختصار شديد حتى لا يتوسع البحث؛ فإننا قصدنا الاختصار لأنه أسرع في الانتشار بإذن الله والحمد لله رب العالمين.
وفي السنة من النهي عن التشبه بهم أدلة كثيرة منها:
ما في «الصحيحين» من حديث عمرو بن عوف أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)).
ومنها ما أخرجه مسلم وسبق تخريجه من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم)).
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عبدالله بن عمر حين رآه لابسا ثوبين معصفرين فقال: ((احرقهما)) قال: أخلعهما قال: ((احرقهما إن هذا من لباس الكفار، إن هذا لا يحل لك)) أخرجه مسلم.
ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وقال: ((فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئد يسجد لها الكفار)). اهـ مختصرا من حديث عمرو بن عبسة عند مسلم.
وثبت عند الحاكم في «المستدرك» كما ذكرته في «الأربعين الحسان» من حديث عبدالله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((بعثت بالسيف حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)). اهـ(1/71)